كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
وأوقدت وجعلت وفعلت فعلتك التى فعلت أن تترفق بذماء أو ترد بنغبة ماء أرماق ظماء وتتعاهد المعاهد بتحية يشم منها شذا أنفاسك أو تنظر إلينا على البعد بمقلة حوراء من بياض قرطااسك وسواد أنقاسك فربما قنعت الأنفس المحبة بخيال زور وتعللت بنوال منزور ورضيت لما لم تصد العنقاء بزرزور
( يا من ترحل والنسيم لأجله ... تشتاق إن هبت شذا رياها )
( تحيي النفوس إذا بعثت تحية ... فإذا عزمت اقرأ ( ومن أحياها )
ولئن أحييت بها فيما سلف نفوسا تفديك والله تعالى إلى الخير يهديك فنحن نقول معشر مريديك ثن ولا تجعلها بيضة الديك وعذرا فإنى لم أجتر على خطابك بالفقر الفقيرة وأدللت لدى حجراتك برفع العقيرة لا عن نشاط يعثت مرموسة ولا اغتباط بالأدب تغرى بسياسته سوسه وانبساط أوحى إلى على الفترة ناموسه وأنما هو اتفاق جرته نفثة المصدور وهناء الجرب المجدور وخارق لا مخارق فثم قياس فارق أو لحن غنى به بعد الممات مفارق والذى سببه وسوغ منه المكروه وحببه ما اقتضاه الصنو يحيى مد الله تعالى حياته وحرس من الحوادث ذاته من خطاب ارتشف به لهذه القريحة بلالتها بعد إن رضى علالتها ورشح إلى الصهر الحضرمى سلالتها فلم يسع إلا إسعافه بما أعافه فأمليت مجيبا ما لا
يعد فى يوم الرهان نجيبا واسمعت وجيبا لما ساجلت بهذه الترهات سحرا عجيبا حتى إذا ألف القلم العريان سبحه وجمح برذون الغرارة فلم أطق كبحه لم أفق من غمرة غلوه وموقف متلوه إلا وقد تحيز إلى فئتك معتزا بل معترا واستقبلها ضاحكا مفترا وهش لها برا وإن كان لونه من الوجل مصفرا وليس باول من هجر فى التماس الوصل ممن هجر أو بعث التمر إلى هجر وأي نسب بينى اليوم وبين زخرف الكلام واجالة جياد الأقلام فى محاورة الأعلام بعد إن حال الجريض دون القريض وشغل المريض عن التعريض واستولى الكسل ونصلت الشعرات البيض كأنها الأسل وتروع برقط الحيات سرب الحياة وتطرق بذوات الغرز والشيات عند البيات والشيب الموت العاجل وإذا ابيض زرع صبحته المناجل والمعتبر الآجل وإذا اشتغل الشيخ بغير معاده حكم فى الظاهر بإبعاده وأسره فى ملكه عاده فأغض أبقاك الله واسمح لمن قصر عن المطمح وبالعين الكليلة فالمح واغتنم لباس ثوب الثواب واشف بعض الجوى بالجواب توالاك الله تعالى فيما استضفت وملكت ولا بعدت ولا هلكت وكان لك أية سلكت ووسمك من السعادة بأوضح السمات وأتاح لقاءك من قبل الممات والسلام الكريم يعتمد جلال ولدى وساكن خلدى بل أخى وإن عتبته وسيدي وC تعالى وبركاته انتهى
قلت هذه الرسالة الرافلة فى حلل البلاغة لم أر مثلها ولم اقف عليه فرحم الله تعالى لسان الدين ووجه سحائب الرحمة إليه فلقد كان آية الله فى النظم
والنثر وجميع العلوم على اختلافها
94 - وكما خاطب الولى ابن خلدون خاطب أخاه أبا زكريا يحيى حسبما قال فى بعض كتبه ومما خاطبت به الفقيه أبا زكريا ابن خلدون لما ولى الكتابة عن السلطان أبى حمو سلطان تلمسان من بنى زيان واقترن بذلك نصر وصنع غبطته به وأشدت به قصد تنفيقه وإنهاضه لديه نخص الحبيب الذى هو فى الاستظهار به أخ وفى الشفقة عليه ولد والولى الذى ما بعد قرب مثله أمل ولا على بعده جلد والفاضل الذى لا يخالف فى فضله ساكن ولا بلد أبقاه الله تعالى وفاز فوزه وعصمته لها من توفيق الله سبحانه عمد ومورد سعادته المسوغ لعادته لا غور ولا ثمد ومدى إمداده من خزائن الهام الله تعالى وسداده ليس له أمد وحمى فرح قلبه بمواهب من ربه أن يطرقه كمد
تحية محله من صميم قلبه بمحله المنشىء رواق الشفقة مرفوعا بعمد المحبة والمقة فوق ظعنه وحله مؤثره ومجله المعتنى بدق أمره وجله ابن الخطيب من الحضرة الجهادية غرناطة صان الله تعالى خلالها ووقى هجير هجر الغيوم ظلالها وعمر بأسود الله تعالى اغيالها كما أغرى بمن كفر بالله تعالى صيالها ولا زائد إلا منن من الله تعالى تصوب وقوة يسترد بها المغصوب ويخفض الصليب المنصوب والحمد لله تعالى الذى بحمده ينال المطلوب وبذكره تطمئن القلوب ومودتكم المودة التى غذتها ثدى الخلوص بلبانها وأحلتها حلائل المحافظة بين أعينها وأجفانها ومهدت موات أخواتها الكبرى أساس بنيانها واستحقت ميراثها مع استصحاب حال الحياة إن شاء الله تعالى واتصال زمانها واقتضاء عهود الأيام بيمنها وأمانها ولله در القائل
( فإن لم يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها )
وصل الله تعالى ذلك من أجله وفى ذاته وجعله وسيلة إلى مرضاته وقربة تنفع عند اعتبار ما روعى من سنن الجبار ومفترضاته
وقد وصل كتابكم الذى فاتح بالريحان والروح وحل من مرسوم الولاء محل البسملة من اللوح وأذن لنوافح الثناء بالبوح يشهد عدله بإن البيان يا آل خلدون سكن من مثواكم دار خلود وقدح زندا غير صلود واستأثر من محابركم السيالة وقضب أقلامكم الميادة الميالة بأب منجب وأم ولود يقفو شانيه غير المشنو وفصيله غير الجرب ولا المهنو من الخطاب السلطانى سفينة منوح إن لم نقل سفينة نوح ما شئت من آل أزواج وزمر من الفضل وأفواج وأمواج كرم تطفو فوق أمواج وفنون بشائر وإهطاع قبائل وعشائر وضرب للمسرات أعيا الشائر فلله هو من قلم راعى نسب القنا فوصل الرحم وأنجد الوشيج والملتحم وساق بعصاه من البيان الذود المزدحم وأخاف من شذ عن الطاعة مع الاستطاعة فقال ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) هود ولو لم يوجب الحق برقه ورعده ووعيده ووعده لأوجبه يمنه وسعده فلقد ظهرت مخايل نجحه علاوة على نصحه ووضحت محاسن صبحه فى وحشة الموقف الصعب وقبحه وصل الله تعالى له عوائد منحة وجعله إقليدا كلما استقبل باب أمل وكله الله تعالى بفتحه
أما ما قرره ولاؤكم من حب زكا على حبه القلب حبه وأنبته النبات الحسن ربه وساعده من الغمام سكبه ومن النسيم اللدن مهبة فرسم ثبت عند الولى نظيره ومن غير معارض يضيره وربما أربى بتذييل مزيد وشهادة ثابت ويزيد ولم لا يكون ذلك وللقلب على القلب شاهد وكونها
أجنادا مجندة لا يحتاج تقريره إلى ماهد وجهد جاهد ومودة الأخوة سبيلها لاحب ودليلها للدعوة الصادقة مصاحب إلى ما سبق من فضل ولقاء ونظافة سقاء واعتقاد لا يراع سربه بذئب انتقاد واجتلاء شهاب وقاد لا يحوج إلى ايقاء أنما عاق عن مواصلة ذلك نوى شط منها الشطن وتشذيب لم يتعين معه الوطن فلما تعين وكاد الصبح أن يتبين عاد الوميض ديجورا والثماد بحرا مسجورا إلى أن أعلق الله تعالى منكم اليد بالسبب الوثيق وأحلكم منجى نيق لا يخاف من منجنيق وجعل يراعكم لسعادة موسى معجزة تأتى على الخبر بالعيان فتخر لثعبانها سحرة البيان
( أيحيى سقى حيث لحت الحيا ... فنعم الشعاب ونعم الوكون )
( وحيا يراعك من آية ... فقد حرك القوم بعد السكون )
( دعوت لخدمة موسى عصاه ... فجاءت ( تلقف ما يأفكون ) )
( فأذعن من يدعي السحر رغما ... وأسلم من أجلها المشركون )
( وساعدك السعد فيما أردت ... فكان كما ينبغى أن يكون )
فأنتم أولى الأصدقاء بصلة السبب ورعى الوسائل والقرب أبقاكم الله تعالى وأيدي الغبطة بكم عالية وأحوال تلكم الجهات بدرككم المهمات حالية وديم المسرات من إنعامكم المبرات على معهود المبرات متوالية
وأما ما تشوفتم إليه من حال وليكم فأمل متقلص الظل وارتقاب لهجوم جيش الأجل المطل ومقام على مساورة الصل وعمل يكذب الدعوى وطمأنينة تنتظر الغارة الشعوا ويد بالمذخور تفتح وأخرى تجهد وتمنح ومرض يزور فيثقل وضعف عن الواجب يعقل إلا أن اللطائف تستروح
والقلب من باب الرجاء لا يبرح وربما ظفر البائس ولم تطرد المقايس تداركنا الله تعالى بعفوه وأوردنا من منهل الرضى والقبول على صفوة وأذن لهذا الخرق فى رفوة
وأما ما طلبتم من اننساخ ديوان وإعمال بنان فى الإتحاف ببيان فتلك عهود لدى مهجورة ومعاهد لا متعهدة ولا مزورة شغل عن ذلك حوض يعلو لجبه وحرص يقضى من لغط المانح عجبه وهول جهاد تساوى جمادياه ورجبه فلولا التماس أجر وتعلل بربح تجر لقلت أهلا بذات النحيين فلئن شكت وبذلت المصون بسبب ما أمسكت فلقد ضحكت فى الباطن ضعف ما بكت ونستغفر الله تعالى من سوء انتحال وإيثار المزاح بكل حال وما الذى ينتظر مثلى ممن عرف المآخذ والمتارك وجرب لما بلا المبارك وخبر مساءة الدنيا الفارك
هذا أيها الحبيب ما وسعه الوقت الضيق وقد ذهب الشباب الريق فليسمح فيه معهود كمالك جعل الله تعالى مطاوعة آمالك مطاوعة يمينك لشمالك ووطأ لك موطأ العز بباب كل مالك وقرن النجح بأعمالك وحفظك فى نفسك وأهلك ومالك والسلام انتهى
95 - ومن مخاطبات لسان الدين لصاحب العلامة أبى القاسم ابن رضوإن
( قد كنت أجهد فى التماس صنيعة ... نفسا شهاب ذكائها وقاد )
( وأقول لو كان المخاطب غيركم ... عند الشدائد تذهب الأحقاد )
سيدي أبقاكم الله تعالى علم فضل وإنصاف ومجموع كمال أوصاف كلام النية قصير والله تعالى بحسنات الأقوال والأفعال بصير وإليه بعد هذا الخباط كل رجعى منا ومصير وليس لنا إلا هو مولى ونصير وهذا الرجل سيدي الخطيب
ابو عبد الله ابن مرزوق جبره الله تعالى بالأمس كنا نقف ببابه ونتمسك باسبابه ونتوسل إلى الدنيا به فإن كنا قد عرفنا خيرا وجبت المشاركة أو كفافا تعينت المتاركة أو شرا اهتبلت غره الهدى الأنفس المباركة واتصفت بصفة من يعصى فيسمح ويسال فيمنح ويعود إلى قبيح بالفعل الجميل ويحسب يد التأميل ومع هذا فلم نذر إلا خيرا كرم منه المورد والمصرف ومن عرف حجة على من لا يعرف وأنتم فى الوقت سراج علم لا يخبو سناه ومجموع تخلق عرفنا منه ما عرفناه وهذه هى الشهرة التى تغتنم إذا سفرت والهنة التى تحبر عليها النفس إذا نفرت حتى لا تجد بعون الله تعالى عارضا يعوقها عن الخير وسبيل الكمال الأخير والأجر فى استيفاء كتاب الشفاعة وتحرى المقاصد النفاعة وتنفيق البضاعة قد ضمنه من وعد بقيام الساعة والجزاء على الطاعة وغير الطاعة وهذه المشاركة تسجيل لفضلكم قبلى وهى فى الحقيقة لى فكيف والله تعالى يرى عملكم وعملى والمتروك حقير والوجود إلى رحمة من رحمات الله تعالى فقير والسلام انتهى
96 - ومن كلام لسان الدين رحمه الله تعالى قوله فى مخاطبة شيخ العرب مبارك بن إبراهيم رحمه الله تعالى
( ساحات دارك للضياف مبارك ... وبضوء نار قراك يهدي السالك )
( ونوالك المبذول قد شمل الورى ... طرأ وفضلك ليس فيه مشارك )
( قل للذى قال الوجود قد انطوي ... والبأس ليس له حسام فاتك )
( والجود ليس له غمام هاطل ... والمجد ليس له همام باتك )
( جمع الشجاعة والرجاحة والندى ... والباس وارأى الأصيل مبارك )
( للدين والدنيا وللشيم العلا ... والجود أن شح الغمام السافك )
( عند الهياج ربيعة بن مكدم ... فى الفضل والتقوى الفضيل ومالك )
( ورث الجلالة عن ابيه وجده ... فكأنهم ما غاب منهم هالك )
( فجياده للآملين مراكب ... وخيامه للقاصدين أرائك )
( فإذا المعالى اصبحت مملوكة ... أعناقها بالحق فهو المالك )
( يا فارس العرب الذى من بيته ... حرم لها حج به ومناسك )
( يا من يبشر باسمه قصادة ... فلهم اليه مسارب ومسالك )
( أنت الذى استأثرت فيك بغبطتى ... وسواك فيه مآخذ ومتارك )
( لا زلت نورا يهتدى بضيائه ... من جنة للروع ليل حالك )
( ويخص مجدك من سلامى عاطر ... كالمسك به الغوالى صائك )
الحمد لله تعالى الذى جعل بيتك شهيرا وجعلك للعرب أميرا وجعل اسمك فالا ووجهك جمالا وقربك جاها ومالا وآل رسول الله صلى الله عليه و سلم لك آلا أسلم عليك يا أمير العرب وابن أمرائها وقطب سيادتها وكبرائها واهنيك بما منحك الله تعالى من شهرة تبقى ومكرمة لا يضل المتصف بها ولا يشقى إذ جعل خيمتك فى هذا المغرب على اتساعه واختلاف أشياعه مأمنا للخائف على قياس المذاهب والطوائف وصرف الألسنة إلى مدحك والقلوب إلى حبك وما ذلك إلا لسريرة لك عند ربك ولقد كنت أيام تجمعنى وإياك المجالس السلطانية على معرفتك متهالكا وطوع الأمل سالكا لما يلوح لى على وجهك من سيما المجد والحياء والشيم الدالة على العلياء وزكاء الأصول وكرم الآباء وكان والدي رحمه الله تعالى قد عين للقاء
خال السلطان قريبكم لما توجه فى الرسالة إلى الأندلس نائبا فى تأنيسه عن مخدومه ومنوها حيث حل بقدومه واتصلت بعد ذلك بينهما المهاداة والمعرفة والوسائل المختلفة فعظم لأجل هذه الوسائل شوقى إلى التشرف بزيارة ذلك الجناب الذى حلوله شرف وفخر ومعرفته كنز وذخر فلما ظهر الآن لمحل الأخ الكذا القائد فلان اللحاق بك والتعلق بسببك رأيت أنه قد اتصل بهذا الغرض المؤمل بعضى والله تعالى ييسر فى البعض عند تقرير الأمن وهدنة الأرض وهذا الفاضل بركة حيث حل لكونه من بيت أصالة وجهاد وماجدا وابن امجاد ومثلك لا يوصى بحسن جواره ولا ينبه على إيثاره وقبيلك فى الحديث من العرب والقديم وهو الذى أوجب لها مزية التقديم لم يفتخر قط بذهب يجمع ولا ذخر يرفع ولا قصر يبنى ولا غرس يجنى أنما فخرها عدو يغلب وثناء يجلب وجزور ينحر وحديث يذكر وجود على الفاقة وسماحة بحسب الطاقة فلقد ذهب الذهب وفنى النشب وتمزقت الأثواب وهلكت الخيل العراب وكل الذى فوق التراب تراب وبقيت المحاسن تروى وتنقل والأعراض تجلى وتصقل ولله در الشاعر إذ يقول
( وأنما المرء حديث بعده ... فكن حديثا حسنا لمن وعى )
هذه مقدمة إن يسر الله تعالى بعدها لقاء الأمير فيجلى اللسان عما فى الضمير
( ومدحى على الأملاك مدح وإنما ... رأيتك منها فامتدحت على وسمى )
( وما كنت بالمهدي لغيرك مدحتى ... ولو أنه قد حل فى مفرق النجم )
97 - ومن ذلك ما خاطب به شيخه الخطيب سيدي أبا عبد الله ابن مرزوق وهو
( راش زمانى وبرى نبله ... فكنت لى من وقعها جنه )
( ولو قهرت الموت أمنتنى ... منه وأدخلتنى الجنه )
( فكيف لا أنشرها منه ... قد عرفتها الإنس والجنه )
بماذا أخاطب به تلك الجلالة فيتيسر الخطاب وتحصل الدلالة أبسيدي ويشركنى فيه من قال لا إله إلا الله بفيه أو بروح حياتى ومقدم ماهية ذاتى وذخري الكبير الكثير لا بل فلكي الأثير وهو تضييق على الولد والأهل وتعدي المراتب المحدودة من الجهل فلم يبق إلا الإشارة الخارجة عن وظائف اللسان وهى بعض دلالات الإنسان أفدت الإكسير وجبرت الكسير ورويت يا أبا العلا التيسير وغمرت بالكرم وأمن حمام الحرم الظعن والمسير فمن رام شكر بعض أياديك فلقد شد حقائب الرحال إلى نيل المحال والحق إن نكل جزاك لمن جعل إلى المجد اعتزاك ونولى شكرك وثناك إلى من عمر بما يرضيه من الرفق بالخلق واقامة الحق اناك وندعو منك بالبقاء إلى الروض المجود وغمام الجود وإمام الركع السجود لا بل لنور الله تعالى المشرق على التهائم والنجود ورحمته المبثوثة أثناء هذا الوجود
وليعلم سيدي أن النفس طماعة جماعة وسراب آمالها بحارة لماعة فلا تفيق من كد ولا تقف عند حد سيما إذا لم يهذبها السلوك والتجريد ولم يسر منها فى عالم الغيب البريد ولا تجلت لها السعادة التى يجذب بها المراد ويشمر لها المريد إلى أن يتأتى عما دون الحق المحيد ويصح التوحيد
وقد مثلت الآن خصما توسع ظهر استظهاري بالتسليم قصما وتقول المال عديلي عند القيمة وطبيبى فى الأحوال السقيمة وهو نتيجة كدي عند الأقيسة العقيمة ومن استخلصنى على شرفى إذا تفاضلت الجواهر وتبينت للحق المظاهر وتعينت المراتب التى يقتعدها على رأي البراهمة النور الاصفهندي والنور القاهر فخلاص المال طوع يديه وهو كما قال الله تعالى أهون عليه فالاطفها حتى تلين معاطفها وأخادعها حتى تلوي أخادعها واقول قد وقع الوعد وأشرق السعد ولأن الجعد وسكن الرعد ولله تعالى الأمر من قبل ومن بعد فتجيبنى العمر المنام وأيام الجاه والقدرة قد يحق لها الاغتنام وهم العاقل إلى وقته الحاضر مصروف و إذا لم يغير حائطه مثل معروف وفى الوقت زبون يرجى به استخلاص الحقوق ويستبعد وقوع العقوق فإن رأى مولاي أن يشفع المنة ويقرع بابا ثانيا من أبواب الجنة قبل إن يشغل شاغل أو يكدر الأكل والشرب وارش أو واغل او يثوب للمتعدي نظر فى اللجاج أو يدس له ما يحمله على الاحتجاج وأو متسع مناطها فسيح استنباطها كثير هياطها ومياطها فهو تمام صنيعته التى لم ينسج على منوالها الأحرار ولا اهتدت إلى حسنتها الأبرار ولا عرف بدر مجدها السرار فإليه كان الفرار ولله تعالى ثم له خلص الاضطرار ويستقر تحت دخيله القرار وتطمئن الدار فإن ما ابتدأ به من عز ضرب على الأيدي العادية منه حكم الحكام وفارع الهضاب والآكام على ملإ ومجمع وبمرأى من الخلق ومسمع يقتضى اطراد قياس العزة القعساء وسعادة الإصباح والإمساء وظهور درجات الرجال على النساء فهو جاه حارت فيه الأوهام وهذه أذياله ومن ركب حقيقة أمرها هان عليه خياله والمال ماله والعيال عياله والوجود سريع زياله والجزاء عند الله تعالى مكياله
وعروض المغصوب باقية الأعيان مستقلة الشجر قائمة البنيان تمنع عن شرائها قاعدة الأديان وغيرها من مكيل وموزون بين مأكول ومخزون والكتب ملقاة بالقاع مطرحة باخبث البقاع فإن تاتى الجبر وإلا فالصبر على إن وعد عمادي لا يفارق الإنجاز ومكرمته التى طوقها قد بلغت الشام والحجاز وحقيقة التزامة تباين المجاز وآية مجده تستصحب الإعجاز ولله در إبراهيم بن المهدى يخاطب المامون لما أكذب فى العفو عنه الظنون
( وهبت مالى ولم تبخل على به ... وقبل ذلك ما إن قد وهبت دمى )
وقد كانت هذه المنقبة غريبة فعززتها باختها الكبرى وفريدة فجئت بأخرى وشفعت وتراء ابقاك الله تعالى لتخليد المناقب واعلاء المراتب وجعل اخمص نعلك تاجا للنجم الثاقب وتكفل لك فى النفس والولد بحسن العواقب
( آمين آمين لا أرضى بواحدة ... حتى أضيف إليها ألف آمينا )
واما تنبيه سيدي على أنشاء رزق وتقرير رفد ورفق فلا انبه حاتما وكعبا إن يملآ قعبا لمن خاض بحرا أو ركب صعبا هذا أمر كفانيه الكافى وداء كوخز الأشافى أذهبه الشافى والسلام انتهى
98 - ومن إنشاء لسان الدين رحمه الله تعالى على لسان السلطان قوله
هذا ظهير كريم مضمنه استجلاء لأمور الرعية واستطلاع ورعاية
كرمت منها اجناس وأنواع وعدل بهر منه شعاع ووصايا يجب لها إهطاع أصدرناه للفقيه فلان لما تقرر لدينا دينه وعدله وفضله رأينا أنه أحق من نقلده الهم الأكيد ونرمى به من أغراض البر الغرض البعيد ونستكشف به أحوال الرعايا حتى لا يغيب عنا شىء من أحوالها ولا يتطرق إليها طارق من أهوالها وينهى إلينا الحوادث التى تنشأ فيها إنهاء يتكفل بحياطة ابشارها وأموالها
وأمرناه إن يتوجه إلى جهة كذا حاطها الله تعالى فيجمع الناس فى مساجدهم ويندبهم من مشاهدهم ويبدا بتقرير غرضنا فى صلاح أحوالهم وإحساب أموالهم ومكابدتنا المشقة فى مداراة عدوهم الذى نعلم من أحواله ما غاب عنهم دفعه الله تعالى بقدرته ووقى نفوسهم وحريمهم من معرته ولما رأينا من انبتات الأسباب التى تؤمل وعجز الحيل التى كانت تعمل ويستدعى إنجادهم بالدعاء واخلاصهم فيه إلى رب السماء ويسال عن سيرة القواد وولاة الأحكام بالبلاد فمن نالته مظلمة فليرفعها إليه ويقصها عليه ليبلغها الينا ويوفدها مقررة الموجبات لدينا ويختبر ما افترض صدقة للجبل وما فضل عن كريم ذلك العمل ليعين إلى بناء الحصن بجبل فاره يسر الله تعالى لهم فى إتمامه وجعل صدقتهم تلك مسكة ختامه وغيره مما افترض إعانه للمسافرين وانجادا لجهاد الكافرين فيعلم مقداره ويتولى اختباره حتى لا يجعل منه شيء على ضعيف ولا يعدل به لمشروف عن شريف ولا تقع فيه مضايقة ذى الجاه ولا مخادعة غير المراقب لله ومتى تحقق إن غنيا قصر به عن حقه أو ضعيفا كلف منه فوق طوقه فيجير الفقير من الغنى
ويجرى من العدل على السنن السوى ويعلم الناس إن هذه المعونة وإن كانت بالنسبة إلى محل ضرورتها يسيرة وإن الله تعالى يضاعفها لهم اضعافا كثيرة فليست مما يلزم ولا من المعاون التى بتكررها يجزم وينظر فى عهود التوفيق فيصرفها فى مصارفها المتبينة وطرقها الواضحة البينة
ويتفقد المساجد تفقدا يكسو عاريها ويتمم منها المآرب تتميما يرضى باريها ويندب الناس إلى تعليم القرآن لصبيانهم فذلك أصل اديانهم ويحذرهم المغيب على كل شىء من أعشارهم فالزكاة أخت الصلاة وهما من قواعد الإسلام وقد اخترنا لهم بأقصى الجد والاعتزام ورفعنا عنهم رسم التعريف نظرا إليهم بعين الاهتمام وقدمنا الثقات لهذه الأحكام وجعلنا الخرص شرعيا فى هذا العام وفيما بعده إن شاء الله تعالى من الأعوام
ومن أهم ما أسندناه إليه وعولنا فيه عليه البحث بتلك الأحواز عن أهل البدع والأهواء والسائرين من السبيل على غير السواء ومن ينبز بفساد العقد وتحريف القصد والتلبس بالصوفية وهو فى الباطن من أهل الفساد والذاهبين إلى الإباحة وتأويل المعاد والمؤلفين بين النساء والرجال والمتبعين لمذاهب الضلال فمهما عثر على مطوق بالتهمة منبز بشىء من ذلك من هذه الأمة فليشد ثقافة شدا ويسد عنه سبيل الخلاص سدا ويسترعى فى شأنه الموجبات ويستوعب الشهادات حتى ينظر فى حسم دائه ويعاجل المرض بدوائه فليتول ما ذكرنا نائبا باحسن المناب ويقصد وجه الله تعالى راجيا منه جزيل الثواب ويعمل عمل من لا يخاف فى الله لومة لائم ليجد ذلك فى موقف الحساب
وعلى من يقف عليه من القواد والأشياخ والحكام إن يكونوا معه يدا واحدة
على ما حررنا فى هذه الفصول من العمل المقبول والعدل المبذول ومن قصر عن غاية من غاياته أو خالف مقتضى من مقتضياته فعقابه عقاب من عصى أمر الله وأمرنا فلا يلم إلا نفسه التى غرته وإلى مصرع النكير جرته والله تعالى المستعان انتهى
99 - ومن ذلك ما خاطب به تربة السلطان الكبير أبى الحسن المرينى لما قصدها عقب ما شرع فى جواره وتوسل إلى أغراضه بذلك إلى ولده رحم الله تعالى الجميع
السلام عليك ثم السلام أيها المولى الهمام الذى عرف فضله الإسلام وأوجبت حقه العلماء الأعلام وخفقت بعز نصره الأعلام وتنافست فى إنفاذ أمره ونهيه السيوف والأقلام السلام عليك أيها المولى الذى قسم زمانه بين حكم فصل وإمضاء نصل وإحراز خصل وعبادة قامت من اليقين على أصل السلام عليك يا مقرر الصدقات الجارية ومشبع البطون الجائعة وكاسى الظهور العارية وقادح زناد العزائم الوارية ومكتب الكتائب الغازية فى سبيل الله تعالى والسرايا السارية السلام عليك يا حجة الصبر والتسليم وملتقى أمر الله تعالى بالخلق المرضى والقلب السليم ومفوض الأمر فى الشدائد الى السميع العليم ومعمل البنان الطاهر فى اكتتاب الذكر الحكيم كرم الله تعالى تربتك وقدسها وطيب روحك الزكية وآنسها فلقد كنت للدهر جمالا وللإسلام ثمالا وللمستجيرا مجيرا وللمظلوم وليا ونصيرا لقد كنت للمحارب صدرا وفى المواكب بدرا وللمواهب بحرا وعلى العباد والبلاد ظلا ظليلا وسترا لقد فرعت أعلام عزك الثنايا وأجزلت همتك لملوك الأرض الهدايا كأنك لم تعرض الجنود ولم تنشر البنود ولم تبسط العدل المحدود ولم توجد الجود ولم تزين الركع السجود فتوسدت الثرى وأطلت الكرى وشربت الكأس التى يشربها الورى وأصبحت ضارع الخد كليل الحد
سالكا سنن الأب والجد لم تجد بعد انصرام أجلك إلا صالح عملك ولا أصبحت لقبرك إلا رابح تجرك وما أسلفت من رضاك وصبرك فنسأل الله تعالى إن يؤنس اغترابك ويجود بسحاب الرحمة ترابك وينفعك بصدق اليقين ويجعلك من الأئمة المتقين ويعلى درجتك فى عليين ويجعلك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
وليهنك أن صير الله تعالى ملكك من بعدك إلى نير سعدك وبارق رعدك ومنجز وعدك أرضى ولدك وريحانة خلدك وشقة نفسك والسرحة المباركة من غرسك ونور شمسك وموصل عملك البر إلى رمسك فقد ظهر عليه أثر دعواتك فى خلواتك وأعقاب صلواتك فكلمتك والمنة لله تعالى باقية وحسنتك إلى محل القبول راقية يرعى بك الوسيلة ويتمم مقاصدك الجميلة أعانه الله تعالى ببركة رضاك على ما قلده وعمر بتقواه يومه وغده وأبعد فى السعد أمده وأطلق بالخير يده وجعل الملائكة أنصاره والأقدار عدده
وإننى أيها المولى الكريم البر الرحيم لما اشترانى وراشنى وبرانى وتعبدنى بإحسانه واستعمل فى استخلاصي خط بنانه ووصية لسانه لم أجد مكافأة إلا التقرب إليك وإليه برثائك وإغراء لسانى بتخليد عليائك وتعفير الوجنة فى حرمك والإشادة بعد الممات بمجدك وكرمك ففتحت الباب فى هذه الغرض إلى القيام بحقك المفترض الذى لولاه لاتصلت الغفلة عن أدائه وتمادت فما يبست الألسن ولا كادت متحيزا بالسبق إلى أداء هذا الحق بادئا بزيارة قبرك الذى هو رحله الغرب ما نويته من رحلة الشرق وما أعرضت عنه فاقطعه أثر مواقع الاستحسان وقد جمع بين الشكر والتنويه والإحسان والله سبحانه يجعله عملا مقبولا ويبلغ فيه من القبول مأمولا ويتغمد من ضاجعته من سلفك الكرام بالمغفرة الصيبة والتحيات الطيبة فنعم الملوك الكبار
والخلفاء الأبرار والأئمة الأخيار الذين كرمت منهم السير وحسنت الأخبار وسعد بعزماتهم الجهادية وشقى الكفار وصلوات الله تعالى عودا وبدءا على الرسول الذى اصطفاه واختاره فهو المصطفى المختار وعلى آله وأصحابه الذين هم السادة الأبرار وسلم تسليما انتهى
100 - وقال لسان الدين رحمه الله تعالى ومما خاطبت به الوزير المتغلب على الملك بالمغرب ما نصه
( لا ترج إلا الله فى شدة ... وثق به فهو الذى أيدك )
( حاشاك أن ترجو إلا الذى ... فى ظلمة الأحشاء قد أوجدك )
( فاشكره بالرحمة فى خلقه ... ووجهك ابسط بالرضى أو يدك )
( والله لا تهمل الطافه ... قلادة الحق الذى قلدك )
( ما أسعد الملك الذى سسته ... يا عمر العدل وما أسعدك )
نخص الوزير الذى بهر سعده وحمد فى المضاء قصده وعول على الشيم التى اقتضاها مجده وأورثه إياها أبوه وجده الوزير عمر الكذا ابن الشيخ الكذا أبقاه الله تعالى ثابت القدم خافق العلم شهيرا حديث سعده فى الأمم مثلا خبر بسالته وجلالته فى العرب والعجم
تحية معظم مجده الكبير المستند إلى عهده الوثيق وحسبه الشهير المسرور بما سناه الله تعالى له من نجح التدبير والنصر العديم النظير وإنجاده إياه عند إسلام النصير وفراق القبيل والعشير ابن الخطيب واليد ممدودة إلى الله تعالى فى صلة سعد الوزير أبقاه الله تعالى ودوام عصمته واللسان يطنب ويسهب فى شكر نعمته والأمل متعلق بأسبابه الكريمة وأذمته وقد كان شيعة مع الشفقة التى أذابت الفؤاد والزمت الأرق والسهاد على علم بأن عناية الله تعالى عليه عاكفة وديم الآئه لديه واكفة فإن الذى أقدره وأيده
ونصره وأنفذت مشيئته ما دبره كفيل بإمداده وملى بإسعاده ومرجو لإصلاح دنياه ومعاده وفى أثناء هذه الاراجيف استولى على معظم وزارته الجزع وتعاورته الأفكار تأخذ وتدع فإنى كما يعلم الوزير أعزه الله تعالى منقطع الأسباب مستوحش من الجهة الأندلسية على بعد الجناب ومستعدى على بكونى من المعدودين فيمن له من الخلصان والأحباب فشرعت فى نظر أحصل منه على زوال اللبس وأمان النفس واللحاق بمأمن يرعانى برعى الوزير بخلال ما يدبر الأمر من له التدبير ففى أثنائه وتمهيد أساس بنائه ورد البشير بما سناه الله تعالى لسيدي وجابر كسرى ومنصفى بفضل الله تعالى من دهري من الصنع الذى ظهر وراق نوره وبهر فأمنت وإن لم أكن ممن جنى وحفتنى المسرات بين فرادى وثنى وانشرح بفضل الله تعالى صدرى وزارتنى النعم والتهانى من حيث ولا أدرى ووجهت الولد الذى شملته نعمة الوزير واحسانه وسبق إليه امتنانه نائبا عنى فى تقبيل يده وشكر يده والوقوف ببابه والتمسك بأسبابه آثرته بذلك لأمور منها المزاولة فيما كان يلزمنى من إخواته الأصاغر وتدريبه على خدمة الجلال الباهر وإفرادى له بالبركة ولعائق ضعف عن الحركة وبعد ذلك أشرع بفضل الله تعالى فى العمل على تجديد العهد بباب الوزارة العلية عارضا من ثنائها ما يكون وفق الأمنية ورب عمل أغنى عنه فضل نية والسلام الكريم على سيدي ورحمة الله تعالى وبركاته
101 - قال وكتبت إليه ايضا على أثر الفتح الذى تكيف له
سيدي الذى أسر بسعادته وظهور عناية الله تعالى به فى إبدائه وإعادته وأعلم كرم مجادته وأعترف بسيادته الوزير الميمون الطائر الجاري حديث سعده ومضائه مجرى المثل السائر أبقاه الله تعالى عزيز الأنصار جارية بيمن نقيبته حركة الفلك الدوار معصوما من المكاره بعصمة الواحد القهار
معظم سيادته الرفيعة الجانب وموقر وزارته الشهيرة المناسب الداعى إلى الله تعالى بطول لقائه فىعز واضح المذاهب وصنع واكف السحائب ابن الخطيب عن الذى يعلم سيدي من لسان طلق بالثناء ويد ممدودة إلى الله تعالى بالدعاء والتماس لما يعد من جزيل النعماء والفتح الذى نفتح له ابواب السماء وقد اتصل ماسناه الله تعالى له من النصر والظهور والصنع البادى السفور لما التقى الجمعان وتهوديت أكواس الطعان وتبين الشجاع من الجبان وظهر من كرات سيدي وبسالته ما تحدث به ألسنة الركبان حتى كانت الطائلة لحزبه وظهرت عليه عناية ربه فقلت الحمد لله الذى جعل سعد عمادى متصل الآيات واضح الغرر والشيات
وقد كنت بعثت اهنئه بما قدم من صنع جميل وبلوغ تأميل فقلت اللهم افد علينا التهانى تترى واجعل الكبرى من نعمتك السالفة بنعمتك الرادفة الخالفة هى الصغرى واجمع له بين نعم الدنيا والأخرى والناس أبقى الله تعالى سيدي لهم مع الاستناد إليك جهات وأمور مشتبهات إلا المحب المتشيع فجهتك هى التى آنست الغربة وفرجت الكربة ووعدت بالخير وضمنت عاقبة الضير وأنا ارتقب ورود التعريف المولوي على عبيده بهذه المدينة وأصل أن شاء الله تعالى لمباشرة الهناء وقرة العين بمشاهدة الآلاء والله عز و جل يديم سعادة سيدي ويطيل بقاءه ويرادف قبلة نعمة وآلاءه بفضله انتهى
102 - وقال ومما خاطبت به المذكور وأنا ساكن بسلا
( أيا عمر العدل الذى مطل المدى ... بوعد الهدى حتى وفيت بدينه )
( ويا صارم الملك الذى يستعده ... لدفع عداه أو لمجلس زينه )
( هنت عينك اليقظى من الله عصمة ... كفت وجه دين الله موقع شينه )
( وهل أنت إلا الملك والدين والدنا ... ولا يلبس الحق المبين بمينه )
( إذا نال منك العين ضر فإنما ... أصيب به الإسلام فى عين عينه )
الوزير الذى هو للدين الوزر الواقى والعلم السامى المراقب والمراقى والحلى المقلد فوق الترائب والتراقى والكنز المؤمل والذخر الباقى حجب الله تعالى العيون عن عين كمالك وصير الفلك الدوار مطية آمالك وجعل اتفاق اليمن مقرونا بيمينك وانتظام الشمل معقودا بشمالك
أعلم إن مطلق لسان الثناء على مجدك والمستضىء على البعد بنور سعدك ومعقود الرجاء بعروة وعدك لا يزال فى كل ساعة يسحب الفلك فيه ذيلها ويعاقب يومها وليلها مصغى الأذان إلى نبإ يهدي عنك لله تعالى دفاعا أو يمد فى ميدان سعدك باعا وأنت اليوم النصير على الدهر الظلوم وآسى الكلوم وذو المقام المعلوم فتعرفت أن بعض ما يتلاعب به بين أيدي السادة الخدام وتتفكه به المثاقفة والافدام من كرة مرسلة الشهاب أو نارنجة ظهر عليها من اسمها صبغة الالتهاب حومت حول عينك لا كدر صفاؤها ولا هدم فوق مهاد الدعة والأمن إغفاؤها فرعت حول حماها ورامت أن تصيب فخيب الله تعالى مرماها
( نرى السوء مما نتقى فنهابه ... وما لا نرى مما يقى الله أكثر )
فقلت مكروه أخطأ سهمه وتنبيه من الله تعالى لمن نبل عقله وفهمه ودفاع قام دليله وسعد أشرق جليله وأيام أعربت عن إقبالها وعصمة غطت بسربالها وجوارح جعل الله تعالى الملائكة تحرسها فلا تغتالها الحوادث ولا تفترسها والفطن يشعر بالشىء وإن جهل أسبابه والصوفى يسمع من الكون جوابه فبادرت أهنئة من يرى تلك الجوارح الكريمة أعز عليه من جوارحه ويرسل طير الشكر لله تعالى فى مساقط اللطف الخفى ومسارحه
وسالته سبحانه إن يجعلك عن النوائب حجرا لا يقرب وربعك ربعا لا يخرب ما سبح الحوت ودب العقرب ثم إننى شفعت الهناء ووترته وأظهرت السرور فما سترته بما سناه لتدبيرك من مسالمة تكذب الإرجاف وتغنى عن الإيجاف وتخصب للإبل العجاف وتريح من كيد وتفرغ إلى مجادلة عمرو وزيد وكأنى بسعدك قد سدل الأمان وعدل الزمان وأصلح الفاسد ونفق الكاسد وقهر الروع المستاسد وسر الحبيب وساء الحاسد والسلام انتهى
103 - ومن إنشاء لسان الدين رحمه الله تعالى ما خاطب به الرئيس عامر ابن محمد بن على الهنتاتى معزبا له عن أخيه عبد العزيز
( أبا ثابت كن فى الشدائد ثابتا ... أعيذك أن يلغى حسودك شامتا )
( عزاؤك عن عبد العزيز هو الذى ... يليق بعز منك أعجز ناعتا )
( فدوحتك الغناء طالت ذوائبا ... وسرحتك الشماء طابت منابتا )
( لقد هد أركان الوجود مصابه ... وأنطق منه الشجو من كان صامتا )
( فمن نفس حر أوثق الحزن كظمها ... ومن نفس بالوجد أصبح خافتا )
( هو الموت للإنسان فصل لحده ... وكيف ترجى أن تصاحب مائتا )
( وللصبر أولى ان يكون رجوعنا ... إذا لم نكن بالحزن نرجع فائتا )
اتصل بى ايها الهمام وبدر المجد الذى لا يفارقه التمام ما جنته على عليائك الأيام واقتنصه محلق الردى بعد ان طال الحيام وما استاثر به الحمام فلم يغن الدفاع ولا نفع الذمام من وفاة صنوك الكريم الصفات وهلاك وسطى الأسلاك وبدر الأحلاك ومجير الأملاك وذهاب السمح الوهاب وأنا لديغ صل الفراق الذى لا يفيق بألف راق وجريح سهم
البين ومجارى العيون الجارية بدمع العين لفقد أنيس سهل على مضض النكبة ونحى ليث الخطب عن فريستى بعد صدق الوثبة وآنسنى فى الاغتراب وصحبنى إلى منقطع التراب وكفل أصاغرى خير الكفالة وعاملنى من حسن العشرة بما سجل عقد الوكالة انتزعه الدهر من يدي حيث لا أهل ولا وطن والاغتراب قد ألقى بعطن وذات اليد يعلم حالها من يعلم ماظهر وما بطن ورأيت من تطارح الأصاغر على شلو الغريب النازح عن النسيب والقريب ما حملنى على أن جعلت البيت له ضريحا ومدفنا صريحا لأخدع من يرى أنه لم يزل مقيما لديه وأن ظل شفقته منسحب عليه فأعيا مصابى عند ذلك القرح وأعظم الظمأ البرح ونكأ القرح القرح إذ كان ركنا قد بنته لى يد معرفتك ومتصفا فى البر بى والرعى لصاغيتى بكريم صفتك فوالهفا عليه من حسام وعز سام وأياد جسام وشهرة بين بنى حام وسام أي جمال خلق ووجه للقاصد طلق وشيم تطمح للمعالى بحق وأي عضد لك يا سيدي الأعلى لا يهن إذا سطا ولا يقهقر إذا خطا يوجب لك على تحليه بالشيبة ما توجبه البنوة من الهيبة ويرد ضيفك آمنا من الخيبة ويسد ثغرك عند الغيبة ذهبت إلى الجزع فرأيت مصابه أكبر ودعوت بالصبر فولى وأدبر واستنجدت الدمع فنضب واستصرخت الرجاء فأنكر ما روى واقتضب وبأي حزن يلقى عبد العزيز وقد جل فقده أو يطفأ لاعجه وقد عظم وقده اللهم لو بكى بندى أياديه أو بغمائم غواديه أو بعباب واديه وهى الأيام اي شامخ لم تهده أو جديد لم تبله وإن طالت المدة فرقت بين التيجان والمفارق والخدود والنمارق والطلى والعقود والكأس وأبنه العنقود فما التعلل بالفان وإنما هى إغفاءه أجفان والتشبث بالحبائل وإنما هو ظل زائل والصبر على المصائب ووقوع سهمها الصائب أولى ما اعتمد طلابا ورجع إليه طوعا أو غلابا فأنا يا سيدي أقيم رسم التعزية وإن بؤت بمضاعف المرزية ولا عتب على القدر فى الورد من الأمر والصدر ولولا أن هذا الواقع مما لا
يجدى فيه الخلصان ولا يغنى فيه اليراع ولا الخرصان لأبلى جهده من أقرضتموه معروفا وكان بالتشيع إلى تلك الهضبة معروفا لكنها سوق لا ينفق فيها إلا سلعة التسليم للحكيم العليم وطى الجوانح على المضض الأليم ولعمرى لقد خلدت لهذا الفقيد وإن طمس الحمام محاسنه الوضاحة لما كبس منه الساحة صحفا منشرة وثغورا بالحمد موشرة يفخر بها بنوه ويستكثر بها مكتسبو الحمد ومقتنوه وأنتم عماد البازة وعلم المفازة وقطب المدار وعامر الدار وأسد الأجمة وبطل الكتيبة الملجمة وكافل البيت والستر على الحى والميت ومثلك لا يهدى الى نهج لاحب ولا ترشده نار الحباحب ولا ينبه على سنن نبى كريم أو صاحب قدرك أعلى وفضلك أجلى وأنت صدر الزمان بلا مدافع وخير معل لأعلام الفضل ورافع وأنا وإن أخرت فرض بيعتك لما خصنى من المصاب ونالنى من الأوصاب ونزل بى من جور الزمان الغصاب ممن يقبل عذره الكرم ويسعه الحرم المحترم والله سبحانه الكفيل لسيدي وعمادى ببقاء يكفل به الأبناء وأبناء الأبناء ويعلى لقومه رتب العز سامية البناء حتى لا يوحش مكان فقيد مع وجوده ولا يحس بعض زمان مع جوده ويقر عينه فى ولده وولد ولده ويجعل أيدي مناويه تحت يده والسلام
104 - وخاطبه لسان الدين أيضا بما نصه
سيدي الذى هو رجل المغرب كله والمجمع على طهارة بيته وزكاء أصله علم أهل المجد والدين وبقية كبار الموحدين
بعد السلام الذى يجب لتلك الجلالة الراسخة القواعد السامية المصاعد والدعاء لله أن يفتح لك فى مضيقات هذه الأحوال مسالك التوفيق ويمسكك من عصمته بالسبب الوثيق أعرفك أن جبلك اليوم وقد عظم الرجفان وفاض التنور وطغى الطوفان تؤمل النفوس الغرقى جودي جوده وتغتبط غاية
الاغتباط بوجوده
ووالله لولا العلائق التى يجب لها الالتزام ما وقع على غير قصدك الاعتزام والله تعالى يمدك بإعانته على تحمل القصاد ويبقى محلك رفيع العماد كثير الرماد ويجعل أبا يحيى خلفا منك بعد عمر النهاية البعيد الآماد ويبقى كلمة التوحيد فيكم إلى يوم التناد
وحامله القائد الكذا معروف النباهة والجهاد ومحله لا ينكر فى الفؤاد لما اشتبهت السبل والتبس القول والعمل لم يجد أنجى من الركون إلى جنابك والتمسك بأسبابك والانتظام فى جملة خواصك وأحبابك حتى ينبلج الصبح ويظهر النجح ويعظم المنح ويكون بعد هجرته الفتح ومثلكم من قصد وأمل وانضي إليه المطى وأعمل وأما الذى عندي من القيام بحق تلك الذات الشريفة والقول بمناقبها المنيفة فهو شىء لا تفى به العبارة ولا تؤدية الألفاظ المستعارة والله تعالى المسؤول فى صلة عز سيدي ودوام سعده والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى
105 - وقال لسان الدين رحمه الله تعالى ومما خاطبت به شيخ الدولة وقد استقل من مرض ما نصه
( لا أعدم الله دار الملك منك سنا ... يجلى به الحالكان الظلم والظلم )
( وأنشدتك الليالى وهى صادقة ... المجد عوفى إذ عوفيت والكرم )
من علم أعلى الله تعالى قدرك أن المجد جواد حلاك شياته لا بل الملك بدر أنت آياته لا بل الإسلام جسم أنت حياته دعا منك بالبقاء لمجد يروق بك جبينه وملك تنيره وتزينه ولدين تعامل الله تعالى بإعزازه وتدينه فلقد ألمت نفوس المؤمنين لآلامك ووجم الإسلام لتوقع إسلامك وخفقت الأعلام لتاخر إطرافك بمصالح الملك وإعلامك فانما أنامل الدين والدنيا متشبثة بأذيال أيامك ورحال الأمل مخيمة بين حلالك وخيامك
فإذا قابلت الأشراف نعم الله تعالى بشكر ورمت الغفلة عن ذلك بنكر فاشكره جل وعلا بملء لسانك وجنانك واجر فى ميدان حمده مطلقا من عنانك على ما طوقك من استرقاق حر وإفاضة اياد غر واقتناء عسجد من الحمد ودر واتاحة نفع ودفع ضر وإدالة حلو من مر وكن على ثقة من مدافعة الله تعالى عن حماك وعز تبلغ ذوائبه السماك ورزق يجره فال منتماك ودونك مجلس الإمامة فقد تدبيره بزمامك وحظوة الخلافة فاستحقها بوسائلك القديمة وذمامك ومحاسن الدولة فاجلها على منصة إمامك ورسوم البر فأغر بها عين اهتمامك وذروه المنبر فأمض بها ظبه حسامك وأجن الآملين زهر الأيادي البيض من كمائم أكمامك فيا عز دولة بك يا جملة الكمال قد استظهرت وأذلت المعاند وقهرت وباعمال آرائك اشتهرت فراقت فضائلها وبهرت جزاله كما شق الجو جارح ولطافة كما طارح نغم التاليف مطارح وفكر فى الغيب سارح ودين لغوامض الحلم والعدل شارح ومكارم محت آثار الكرماء ونسخت وحلت عقود أخبار الأجواد فى الأعصار وفسخت فلم تدع الفضل ذكرا وتركت معروف يحيى بن خالد نكرا لا بل لم يبق لكعب من علو كعب وأنست دعوة حاتم بأي ماح وخاتم قصاره شي حوار ومنع حوار وعقر ناب عند اقشعرار جناب واين يقع من كبر قدر ترفع عن الكبر وجود خضب الأيدي بحناء التبر وعز استخدم الأسل الطوال بيراع أقل من الشبر وحقن الدماء المراقة بإراقة نجيع الحبر وفك العقال ورفع النوب الثقال وراع الذرة والمثقال وعثر الزمان فاقال ووجد لسان الصدق فقال
أقسم ببارىء النسم وهو أبر القسم ما فازت بمثلك الدول ولا ظفرت بمثلك الملوك الأواخر والأول ولو تقدمت لم يضرب إلا بك المثل ولم يقع إلا على سنتك وكتابك والإجماع المنعقد على آدابك العمل والمملوك لما شام مالكه برق العافية وتدرع بالالطاف الخافية كتب مبشرا بالهناء ومذيعا
ما يجب من الحمد والثناء وشاكرا ما له بوجوده من الاعتناء فقد بادر ركن الدين بالبناء وأبقى الستر والمنة على الآباء والأبناء فنسال الله تعالى أن يمتع منك باثير الملوك ووسطى السلوك وسلالة أرباب المقامات والسلوك ويبقيك وحصة الصحة وافرة وغرة العزة القعساء سافرة وغادة عادة السعادة غير نافرة وكتيبة الأمل فى مقامك السعيد غانمة ظافرة ما زحفت للصباح شهب المواكب وتفتحت بشط نهر المجرة أزهار الكواكب والسلام انتهى
106 - ومن ذلك ما خاطب به سيدي أبا عبد الله ابن مرزوق جوابا عن كتابه وقد استقر خطيب السلطان بتونس
( ولما أن نات منكم ديار ... وحال البعد بينكم وبينى )
( بعثت لكم سوادا فى بياض ... لأنظركم بشىء مثل عينى )
بم أفاتحك يا سيدي وأجل عددي كيف أهدي سلاما فلا أحذر ملاما أو أنتخب لك كلاما فلا أجد لتبعة التقصير فى حقك الكبير إيلاما أن قلت تحية كسرى فى الثناء وتبع فكلمة فى مرتع العجمة تربع ولها المصيف فيه والمربع والجميم والمنبع فتروى متى شاءت وتشبع وان قلت إذا العارض خطر ومهما همى أو قطر سلام الله يا مطر فهو فى الشريعة بطر وركبة خطر ولا يرعى به وطن ولا يقضى به وطر وأنما العرق الأوشج ولا يستوى البان والبنفسج والعوسج والعرفج
( سلام وتسليم وروح ورحمة ... عليك وممدود من الظل سجسج )
وما كان فضلك ليمنعنى الكفران أن أشكره ولا لينسينى الشيطان أن أذكره فأتخذ فى البحر سببا أو أسلك غير الوفاء مذهبا تأبى ذلك والمنة لله تعالى طباع لها فى مجال الرعى باع وتحقيق واشباع وسائم من الإنصاف ترعى فى رياض الاعتراف فلا يطرقها ارتياع ولا تخيفها سباع وكيف نجحد تلك الحقوق وهى شمس ظهيرة وأذان عقيرة جهيرة فوق مئذنة شهيرة آدت الأكتاد لها ديون تستغرق الذمم وتسترق حتى الرمم فإن قضيت فى الحياة فهى الخطة التى نرتضيها ولا نقنع من عامل الدهر المساعد إلا أن ينفذ مراسمها ويمضيها وأن قطع الأجل فالغنى الحميد من خزائنه التى لا تبيد يقضيها ويرضي من يقتضيها وحيا الله تعالى أيها العلم السامى الجلال زمنا بمعرفتك المبرة على الآمال بر واتحف وإن أساء بفراقك وأجحف وأعرى بعدما الحف وأظفر باليتيمة المذخورة للشدائد والمزاين ثم أوحش منها أصونة هذه الخزاين فآب حنين الأمل بخفية وأصبح المغرب غريبا يقلب كفيه ونستغفر الله تعالى من هذه الغفلات ونستهديه دليلا فى مثل هذه الفلوات وأي ذنب فى الفراق للزمن أو لغراب الدمن أو للرواحل المدلجة ما بين الشام إلى اليمن وما منها إلا عبد مقهور وفى رمة القدر مبهور عقد والحمد لله مشهور وحجة لها على النفس اللوامة ظهور جعلنا الله تعالى ممن ذكر المسبب فى الأسباب وتذكر ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) البقرة آل عمران قبل غلق الرهن وسد الباب وبالجملة فالفراق ذاتى ووعده مأتى فإن لم يكن فكأن قد ما أقرب اليوم من الغد والمرء فى الوجود غريب وكل آت قريب وما من مقام إلا لزيال من غير احتيال والأعمار مراحل والأيام أميال
( نصيبك فى حياتك من حبيب ... نصيبك فى منامك من خيال )
جعل الله تعالى الأدب مع الحق شاننا وأبعد عنا الفراق الذى شاننا وأنى لأسر لسيدي بأن رعى الله تعالى صالح سلفة وتداركه بالتلافى فى تلفه وخلص سعادته من كلفه وأحله من الأمن فى كنفه وعلى قدرها تصاب العلياء وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء
هذا والخير والشر فى هذه الدار المؤسسة على الأكدار ظلان مضمحلان فقد ارتفع ما ضر أو نفع وفارق المكان فكأنه ما كان ومن كلمات الملوك البعيدة عن السلوك إلا أن يشاء ملك الملوك
( خذ من زمانك تيسر ... واترك بجهدك ما تعسر )
( ولرب مجمل حاله ... ترضى به ما لم يفسر )
( والدهر ليس بدائم ... لا بد أن سيسوء إن سر )
( واكتم حديثك جاهدا ... شمت المحدث أو تحسر )
( والناس آنية الزجاج ... إذا عثرت به تكسر )
( لا تعدم التقوى فمن ... عدم التقى فى الناس أعسر )
( وإذا امرؤ خسر الإله ... فليس خلق منه أخسر )
وان لله تعالى فى رعيك لسرا ولطفا مستمرا مستقرا إذ القاك اليم إلى الساحل فأخذ بيدك من ورطة الواحل وحرك منك عزيمة الراحل إلى الملك الحلاحل فأدالك من إبراهيم سميا وعرفك بعد الولى وسميا ونقلك من عناية إلى عناية وهو الذى يقول وقوله الحق ( ما ننسخ من آية - الآية ) البقرة
وقد وصل كتاب سيدي يحمد والحمد لله العواقب ويصف المراقى التى حلها والمراقب وينشر المفاخر الحفصية والمناقب ويذكر ما هيأه الله تعالى لديها من إقبال ورخاء بال خصيصى اشتمال ونشوة آمال وأنه اغتبط وارتبط وألقى العصا بعدما خبط ومثل تلك الخلافة العلية من تزن الذوات المخصوصة من الله تعالى بتشريف الأدوات بميزان تمييزها وتفرق بين شبه المعادن وابريزها و شبه الشىء مثل معروف ولقد أخطأ من قال الناس ظروف أنما هم شجرات ريع فى بقعة ماحلة وإبل مائة لا تجد فيها راحلة وما هو إلا اتفاق ونجح للمسلك وإخفاق وقلما كذب إجماع وإصفاق والجليس الصالح لرب سياسة أمل مطلوب وحظ إليه مجلوب وأن سئل أطرف وعمر الوقت ببضاعة أشرف وسرق الطباع ومد فى الحسنات الباع وسلى فى الخطوب وأضحك فى اليوم القطوب وهدى إلى أقوم الطرق وأعان على نوائب الحق وزرع له المودة فى قلوب الخلق زاد الله تعالى سيدي لديها قربا أثيرا وجعل فيه للجميع خيرا كثيرا بفضله وكرمه
ولعلمى بأنه أبقاه الله تعالى يقبل نصحى ولا يرتاب فى صدق صبحى أغبطة بمثواه وأنشده ما حضر من البديهة فى مسارة هذاه ونجواه
( بمقام إبراهيم عذ واصرف به ... فكرا تؤرق عن بواعث تنبري )
( فجواره حرم وأنت حمامه ... ورقاء والأغصان عود المنبر )
( فلقد أمنت من الزمان وريبه ... وهو المروع للمسىء وللبري )
وأن تشوف سيدي فلعمر وليه لو كان المطلوب دنيا لوجب وقوع الاجتزاء
ولاغتبط بما تحصل فى هذه الجزور المبيعة فى حانوت الزور من السهام الوافرة الأجزاء فالسلطان رعاه الله تعالى يوجب ما فوق مزية التعليم والولد هداهم الله تعالى قد أخذوا بحظ قل أن ينالوه بغير هذا الإقليم والخاصة والعامة تعامل بحسب ما بلته من نصح سليم وترك لما بالأيدي وتسليم وتدبير عاد على عدوها بالعذاب الأليم إلا من أبدى السلامة وهو من إبطان الحسد بحال السليم ولا ينكر ذلك فى الحديث ولا فى القديم ولكن النفس منصرفة عن هذا الغرض نافضة يدها من العرض قد فوتت الحاصل ووصلت فى الله تعالى القاطع وقطعت الواصل وصدقت لما نصح الفود الناصل وتأهبت للقاء الحمام الواصل وقلت
( انظر خضاب الشباب قد نصلا ... وزائر الأنس بعده انفصلا )
( ومطلبى والذى كلفت به ... حاولت تحصيله فما حصلا )
( لا أمل مسعف ولا عمل ... ونحن فى ذا والموت قد وصلا )
والوقت إلى الإمداد منكم بالدعاء فى الأصائل والأسحار إلى مقيل العثار شديد الافتقار والله عز و جل يصل لسيدي رعى جوانبه ويتولى تيسير آماله من فضله العميم ومآربه واقرا عليه من التحيات المحملة من فوق رحال الأريحيات أزكاها ما أوجع البرق الغمائم فأبكاها وحسد الروض جمال النجوم الزواهر فقاسها بمباسم الأزهار وحكاها واضطبن هرم الليل عند الميل عصا الجوزاء وتوكاها ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى
107 - ووما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى ابن مرزوق المذكور قوله
حذف 1 424 فى هذه الجزور المبيعة فى حانوت الزور من السهام الوافرة الأجزاء فالسلطان رعاه الله تعالى يوجب ما فوق مزية التعليم والولد هداهم الله تعالى قد أخذوا بخط قل أن ينالوه بغير هذا الإقليم والخاصة والعامة تعامل بحسب ما بلته من نصح سليم وترك لما بالأيدي وتسليم وتدبير عاد على عدوها بالعذاب الأليم إلا من أبدى السلامة وهو من إبطان الحسد بحال السليم ولا ينكر فى الحديث ولا فى القديم ولكن النفس منصرفة عن هذا الغرض نافضة يدها من العرض قد فوتت الحاصل ووصلت فى الله تعالى القاطع وقطعت الواصل وصدقت لما نصح الفود الناصل وتأهبت للقاء الحمام الواصل وقلت
( انظر خضاب الشباب قد نصلا ... وزائر الأنس بعده انفصلا )
( ومطلبى والذى كلفت به ... حاولت تحصيله فما حصلا )
( لا أمل مسعف ولا عمل ... ونحن فى ذا والموت قد وصلا )
والوقت إلى الإمداد منكم بالدعاء فى الأصائل والأسحار إلى مقيل العثار شديد الافتقار والله عز و جل يصل لسيدي رعى جوانبه ويتولى تيسير آماله من فضله العميم ومآربه واقرا عليه من التحيات المحملة من فوق رحال الأريحيات أزكاها ما أوجع البرق الغمائم فأبكاها وحسد الروض جمال النجوم الزواهر فقاسها بمباسم الأزهار وحكاها واضطبن هرم الليل عند عصا الجوزاء وتوكاها ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى 107 - ووما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى ابن مرزوق المذكور قوله
سيدي وعمادي كشف قناع النصيحة من الوظائف صديق أو خديم لصيق وأنا بكلتا الجهتين جقيق ويتلجلج فى صدري كلام أنا إلى نفثه ذو احتياج ولو فى سبيل هياج وخرق سياج وخوض دياج وقد اصبحت سعادتى عن أصل سعادتك فرعا فوجب النصح طبعا وشرعا فليعلم سيدي أن الجاه ورطة والاستغراق فى تيار الدول غلطة وبمقدار العلو إلا أن يقى الله تعالى تكون السقطة وأنه والله تعالى يعصمه من الحوادث ويقيه من الخطوب الكوارث وإن تبعه الجم فهو مفرد وبسهام الحسدة مقصد وأن الذى يقبل يده يضمر حسده وما من يوم إلا والعلل تستشرى والحيل تريش وتبري وسموم المكايد تسري والعين الساهرة تطرق العين النائمة من حيث تدري ولا تدري وهذا الباب الكريم مخصوص بالزيادة والبركة وخصوصا فى مثل هذه الحركة فثم ظواهر تخالف السرائر وحيل تصيب فى الجو الطائر وما عسى أن يتحفظ المحسود وقد عوت الكلاب وزأرت الأسود وأن ظن سيدي أن الخطة الدينية تذب عن نفسها أو تنفع مع غير جنسها فذلك قياس غير صحيح وهبوب الريح وإنما هى درجة فوق الوزارة والحجابة ودهر يدعى فيبادر بالإجابة وجاه يجر على القبيل الأذيال ويفيذ العز والمال وبحرهال وصدور تحمل الجبال وأن قطع بالأمان من جهة السلطان لم يؤمن أن يقع فيه والله سبحانه يقيه ويمتع به ويبقيه ما البشر بصدده والحى يجري إلى أمده فيستظهر الغير بقبيل ويجرى من التغلب على سبيل ويبقى سيدي والله تعالى يعصمه طائرا بلا جناح ومحاربا دون سلاح ينادي من مكان يثق بوده فى طلل ويقرع سن النادم والأمر جلل ومثله بين غير صنفه ممن لا يتصف بظرف ولا يلتفت إلى الإنسانية بطرف ولا يعبد الله تعالى ولو على حرف محمول عليه من حيث الصنفية معتمد بالعداوة الخفية وأن ظن غير هذا فهو مخدوع مسحور ومفتون مغرور وبالفكر فى الخلاص تفاضلت النفوس واستدفع البوس وله وجوه كلها متعذر
الحصول دونه بيض النصول إلا ما كان من الغرض الذى بإن فيه بعد الجد الفتور وعدل عنه وقد أخذ الدستور وتيسرت الأمور وتقررت الأيمان والنذور فإنه عرض قريب وسفر قاصد ومسعى لاينفق فيه سيدي من ماله درهم واحد ووطن لحركته راصد لا يمنع عليه أهله ولا يستصعب سهله وأميره جبره الله تعالى يتطارح فى تعيينكم لاقتضائه واحكام آرائه وتأمين خائفه واستقدام اصنافه وطوائفه وتتحركون حركة العز والتنويه والقدر النبيه لا يعوزكم ممن وراءكم مطلب ولا يلفى عن مخالفتكم مذهب ولا يكدر لكم مشرب
وتمر أيام وشهور وتظهر بطون للدهر وظهور وتفتح أبواب وتسبب أسباب من رجوع يتاتى بعد السكون والفتور وقد سكنت الخواطر وتنوعت الأمور أو مقام تمهد به البلاد ويعمل فى ترتيب الصلة الحسنة الاجتهاد وتستغرق فى هذا الغرض الآماد ويتأتى أن حدث وتراكم حادث الاستقلال والاستبداد تتهنا فيه الأعمار ويكون لمن ينتقل به على الشرق والغرب الخيار أو التحكم فى ذخيرة سما منها المقدار وذهل عند مشاهدتها الاعتبار وخزانه الكتب بجملتها وفيها الأمهات الكبار قد تجافت عنها الحاجة وعدم إليها الاضطرار والربع الذى يسوغ بالشرع والعقار فهذا كله حاصل وثم ضامن لا يتهم وكافل وعهود صبغها غير ناصل
وبالجملة فالوطن لأغراض الملك جامع ولمقاصده من المقام أو الانتقال مطيع وسامع وإن توقع إثارة فتنة أو ارتكاب إحنة فالأمر أقرب وحاله المتيسر أغرب وهذه الحجة فى تلمسان غير معتبرة وأجوبتها مقررة وقدوم رسول الطاغية وإعانته تحصل فى الغالب على هذه المطالب وبالجملة فالدنيا
قد اختلت والأقدام قد زلت والأموال قد قلت وشبيبة الدهر ولت وذلك القطر على علاته أحكم لمن يروم الجاه وأمنع وأجدى بكل اعتبار وأنفع وقد حضرت لاستخلاصكم إياه الآلة التى لا تتأتى فى كل زمان وتهيأ إمكان أي إمكان واقتضيت أيمان وعرضت سلع تقل لها أثمان وارتهنت الوفاء مروءات وأديان وتحقق بذلك القطر الفساد الذى اشتهر به مأموره وأموره وأميره والمنكر الذى يجب على كل مسلم تغييره فإن شئت شرعا فالحكم ظاهر أو طبعا فالطبع حاضر وما ثم عاذل بل عاذر والمؤونة التى تلزم أقل من أن تكون ثمن بعض الحصون فضلا عن الشجرة ذات الغصون وما يستهلك فى هذا الغرض شىء له خطر ولا يستنقذ من الصحيفة سطر واليد محكمة بكل أو شطر
وما يخص المملوك من هذا الأمر إلا استنقاذ نشب واستخلاص مؤمل بين موروث ومكتسب وبعيد إن لا ينعر له فى زمن من الأزمان فلا بد فى كل وقت من أعيان ومروءات وأحساب وأديان والله سبحانه كل يوم هو فى شان وأما خدمة دولة فهى على حرام لا ينجح لى فيها إن أعتمدها مرام وكأنى بالمشرق لاحق ولأنفاسه الذكية ناشق فما هى إلا أطماع سرابها لماع فإذا انقطعت انفسحت الدنيا واتسعت ومعاش فى غمار أو عكوف فى كسر دار لمداومة استقالة واستغفار والله ما توهم أن من بتلك البلاد يستنسر بغاثة عليكم أو يحتقر ما لديكم فقد ظهر الكائن وتطابق المخبر والمعاين فسبحان من يقوى الضعيف ويهين المخيف ويجري يد المشروف والشريف والهمم بيد الله تعالى ينجدها ويخذلها والأرض فى قبضته يرعاها ويهملها
هذا بث لا يسع إفشاؤه وسر إن لم يطو سقط به على السرحان شاؤه
وفيه ما ينكره الآمر وتتعلق به الظنون وتعمل الخواطر فتدبروه واعتبروه وبعقلكم فاسبروه ثم غطوه بالإحراق واستروه والله تعالى يرشدكم للتى هى أسد ويحملكم على ما فيه لكم العز السرمد والفخر الذى لا ينفد والسلام انتهى
108 - وقال رحمه الله تعالى ومما صدر عنى ما أجبت به عن كتاب بعث به إلى الفقيه الكاتب عن سلطان تلمسان أبى عبد الله محمد بن يوسف القيسي الثغري
( حيا تلمسان الحيا فربوعها ... صدف يجود بدره المكنون )
( ما شئت من فضل عميم إن سقى ... أروى ومن ليس بالمنون )
( أو شئت من دين إذا قدح الهوى ... أورى ودنيا لم تكن بالدون )
( ورد النسيم لها بنشر حديقة ... قد أزهرت أفنانها بفنون )
( وإذا حبيبة أم يحيى أنجبت ... فلها الشفوف على عيون العين )
ما هذا النشر والصف والحشر واللف والنشر والفجر والليالى العشر شذا كما تنفست دارين وسطور رقم حللها التزيين وبيان قام على إبداعه البرهان المبين ونقس وشتى به طرس فجاء كأنه عيون العين لا بل ما هذه الكتائب الكتيبة التى أطلعت علينا الأعنة وأشرعت إلينا الأسنة وراعت الإنس والجنة فاقسم بالرحمن لولا أنها رفعت شعار الأمان وحيت بتحية الإيمان لراعت السرب وعاقت الذود أن يرد الشرب أظنها مدد الجهاد قدم وشارد العرب استعمل فى سبيل الله واستخدم والمتأخر على ما فاته ندم والعزم وجد بعدما عدم نستغفر الله إنما هى رقاع الرفاع
وصلات صلاة ليس فيها سبق ولا إرباع وبقاع لها بطل الطباع الكريمة انتفاع وألحان بيان يعضدها إيقاع ودر منسوق ورطب لنخلها بسوق ولله درالقائل الملك سوق ومن نصير الشيخ على كتيبة تعقبها كتيبة واقتضاء وجيبة من ذي غلة غير نجيبة بينا هو يكابد من مراجعة الحى من حضر موت الموت ولا يكاد يرجع الصوت إذ صبحته قيس وهى التى شذت عن القياس وأجحمت عن مبارزتها أسود الأخياس فلولا امتثال أمر وصبر على جمر لأعاد ما حكي فى مبارزة الوصى عن عمرو فتحرج من الخطل وبين عذر المكره عن مناجزه البطل الم يدر قائد رعيلها وزائر غيلها أني أمت بذمة من عميده لا تخفر وأن ذنب إضافتى له لا يغفر وحقه الحق الذى لا يجحد ولا يكفر
( لما رأت راية القيسى زاحفة ... إلى ريعت وقالت لى وما العمل )
( قلت الوغى ليس من رأيي ولا عملى ... لا ناقة لى فى هذا ولا جمل )
( قد كان ذاك ورنات الصهيل ضحى ... تهز عطفى كأنى شارب ثمل )
( والآن قد صوح المرعى وقوضت ... الخيمات والركب بعد االلبث محتمل )
( قالت ألست شهاب الدين تضرمها ... حاشا العلا أن يقال استنوق الجمل )
( وان أحسن من هذا وذا وزر ... بمثله فى الدواهي يبلغ الأمل )
( هو الحمى لأبى حمو استجره ففيه ... الأمن منسدل والفضل مكتمل )
( والله لو أهمل الراعى النقاد به ... ما خاف من أسد خفان به همل )
( تكون من قوم موسى إن قضوا عدلوا ... وان تقاعد دهر جائر حملوا )
( هم الجبال الرواسى كلما حلموا ... هم البحار الطوامى كلما حملوا )
( فقلت كان لك الرحمن بعدي ما ... سواه معتمد والرأى معتمل )
( فها أنا تحت ظل منه يلحفنى ... والشمل منى بستر العز يشتمل )
( فقل لقيس لقد خاب القياس فلا ... تذكوا المصاع وتحت الليل فاحتملوا )
( دامت له ديم النعمى مساجلة ... يمناه تنهمل اليمنى قتنهمل )
( وآمنت شمس علياه الأفول إلى ... طى الوجود فلا شمس ولا حمل )
ولو خوى والعوذ بالله نجم هذا المتات ولم يتصف السبب وحاشاه بالاتصال ولا بالانبتات فمرعى العدل مكفول وسبب الرفق موصول وإن اشتجرت نصول والهرم تأبى الأبطال التنزل إلى نزاله والناسك التائب يدين ضرب الغارات باعتزاله إلا من أعرق فى مذهب الخارجى الأخرق نافع بن الأزرق وحسبى وقد ساء كسبى أن أترك الخطر لراكبه وأخلى الطريق لمن يبنى المنار به ونسير بسير أمثالى من الضعفاء ونكف فهو زمان الانكفاء ونسلم مخطوبة هذا الفن إلى الأكفاء ونقول بالبنين والرفاء فقد ذهب الزمن المذهب وتبين المذهب وشاخ البازي الأشهب وعتاد العمر ينهب ومرهب الفوت من فوق الفود يرهب اللهم ألهم هذه الأنفس رشدها وأذكرها السكرات وما بعدها
إيه أخى والفضل وصفك ونعتك والزيف يبهرجه بحتك وسهام اليراعة انفرد بها بريك ونحتك وصلتنى رسالتك البرة بل غمامتك الثرة وحيتنى ثغور فضلك المفترة فعظمت بورودها المسرة جددت العهد بمحبوب لقائك وأنهلت ظامى الاستطلاع فى سقائك واقتضت تجديد الدعاء ببقائك إلا أنها ربما ذهلت عند وداعك وأبهر عقلها نور إبداعك
فلم تلقن الوصية وسلكت المسالك القصية وابعدت من التطوف وجاءت تبتغي من أسرار التصوف ومتى تقرن هيبة السبع الشداد بحانوت الحداد أو تنظر أحكام الاعتكاف بدكان الإسكاف أو يتعلم طبع المثقال بحانوت البقال والظن الغالب وقد تلتبس المطالب أنكم أمرتموها لما أصدرتموها بإعمال التشوف فطردت حكم الإبدال غائبة عما يلزم من الجدال وسمت الشين صادا وعينت لزرع الوصية حصادا والله تعالى يجعل المحب عند ظن من نظر بمرآته أو وصفه ببعض صفاته وهى تزلق عن صفاته فالتصوف أشرف وظلاله أورف من أن يناله كلف بباطل ومغرور بسراب ماطل لا برباب هاطل ومفتون بحال حال أو عاطل ومن قال ولم يتصف بمقاله فعقله لم يرم عن عقاله وجبال أثقاله مانعه له عن انتقاله
وعلى ذلك وبعد تقرير هذه المسالك فقد عمرت يدها كيلا تعود بها صفرا بعد إعمال السفر أو ترى انها قد طولبت بذنب الغلط المغتفر واصبحت المراجعة بمجلس وعظ فتحت به باب الحرج إلى إنكار الإمام ابى الفرج وفن الوعظ لما سأل الأخ هو الصديق المسعد والمبرق قبل غمام رحمته والمرعد ولله در القائل لست به ولم تبعد والاعتراض بعد ملازم لكن الإسعاف لقصده لازم وعاملة عند الاعتلال بالعذر جازم وإغضاؤه ملتمس وفضله لا يخبو منه قبس وعذرا أيها الفاضل وبعد الاعتذار عن القلم المهذار وإغفال الحذار اقرأ عليهم من طيب السلام ما يخجل أزهار الكمام عقب الغمام ورحمة الله تعالى من ممليه على الكاتب ولعلها تفثأ من عتب العاتب ابن الخطيب فإنى كتبته والليل دامس وبحر
الظلام طامس وعادة الكسل طبع خامس والنافخ بشكوى البرد هامس والذبال المنادم خافت لا يهتدى إليه الفراش المتهافت يقوم ويقعد ويفيق ثم يرعد ويزفر ثم يخمد وربما صار ورقة آس أو مبضع آس وربما أشبه العاشق فى البوح بما يخفيه وظهوره من فيه فتميله الآمال وتلويه وتميته النواسم الهفافه بعدما تحييه والمطر قد تعذر معه الوطر وساقه الخطر وفعل فى البيوت المتداعية ما لا يفعل الترك والططر والنشاط قد طوى منه البساط والجوارح بالكلال تعتذر ووظائف الغد تنتظر والفكر فى الأمور السلطانية جائل وهى بحر هائل ومثلى مقنوع منه باليسير ومعذور فى قصر الباع وضعف المسير والسلام انتهى
109 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى قوله ومما صدر عنى فى السياسة حدث من امتاز باعتبار الأخبار وحاز درجة الأشتهار بنقل حوادث الليل والنهار وولج بين الكمائم والأزهار وتلطف لخجل الورد من تبسم البهار قال سهر الرشيد ليله وقد مال فى هجر النبيذ ميله وجهد ندماؤه فى جلب راحته وإلمام النوم بساحته فشحت عهادهم ولم يغن اجتهادهم فقال اذهبوا إلى طرق سماها ورسمها وأمهات قسمها فمن عثرتم عليه من طارق ليل أو غثاء سيل أو ساحب ذيل فبلغوه والأمنة سوغوه واستدعوه ولا تدعوه فطاروا عجالى وتفرقوا ركبانا ورجالا فلم يكن إلا ارتداد طرف أو فواق حرف وأتوا بالغنيمة التى اكتسحوها والبضاعة التى ربحوها يتوسطهم الأشعث الأغبر واللج الذى لا يعبر شيخ طويل القامة ظاهر الاستقامة سبلته مشمطة
وعلى أنفه من القبع مطة وعليه ثوب مرقوع لطير الحرق عليه وقوع يهينم بذكر مسموع وينبىء عن وقت مجموع فلما مثل سلم وما نبس بعدها ولا تكلم فأشار إليه الملك فقعد بعد أن انشمر وابتعد وجلس فما استرق النظر ولا اختلس أنما حركة فكرة معقودة بزمام ذكره ولحظات اعتباره فى تفاصيل أخباره فابتدره الرشيد سائلا وانحراف إليه مائلا وقال ممن الرجل فقال فارسى الأصل أعجمى الجنس عربى الفصل قال بلدك وأهلك وولدك قال أما الولد فولد الديوان وأما البلد فمدينة الإيوان قال النحلة وما اعملت إليه الرحلة قال أما الرحلة فالاعتبار وأما النحلة فالأمر الكبار قال فنك الذى اشتمل عليه دنك فقال الحكمة فنى الذى جعلته أثيرا وأضجعت فيه فراشا وثيرا وسبحان الذى يقول ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا ) البقرة وما سوى ذلك فتبع ولى فيه مصطاف ومرتبع قال فتعاضد جذل الرشيد وتوفر كأنما أغشى وجهه قطعة من الصبح إذا اسفر وقال ما رأيت كالليلة أجمع لأمل وأنعم شارد بمؤانسة وارد يا هذا إنى سائلك ولن تخيب بعد وسائلك فأخبرنى ما عندك فى هذا الأمر الذى بلينا بحمل أعبائه ومنينا بمراوضة إنائه فقال هذا الأمر قلادة ثقيلة ومن خطة العجز مستقيلة ومفتقرة لسعة الذرع وربط السياسة المدنية بالشرع يفسده الحكم فى غير محله ويكون ذريعة إلى حله ويصلحه مقابلة الشكل بشكله ومن لم يكن سبعا آكلا تداعت سباع إلى أكله
فقال الملك أجملت ففصل وبريت فنصل وكلت فأوصل وانثر الحب لمن يحوصل واقسم السياسة فنونا واجعل لكل لقب قانونا وابدأ بالرعية وشروطها المرعية
فقال رعيتك ودائع الله تعالى قبلك ومرآة العدل الذى عليه جبلك ولا تصل إلى ضبطهم إلا بإعانة الله تعالى التى وهب لك وأفضل ما استدعيت به عونه فيهم وكفايته التى تكفيهم تقويم نفسك عند قصد تقويمهم ورضاك بالسهر لتنويمهم وحراسة كهلهم ورضيعهم والترفع عن تضييعهم وأخذ كل طبقة بما عليها وما لها أخذا يحوط مالها ويحفظ عليها كمالها ويقصر عن غير الواجبات آمالها حتى تستشعر عليتها رأفتك وحنانك وتعرف أوساطها فى النصب امتنانك وتحذر سفلتها سنانك وحظر على كل طبقة منها أن تتعدى طورها أو تخالف دورها أو تجاوز بأمر طاعتك فورها وسد فيها سبل الذريعة وأقر جميعها عن خدمة الملك بموجب الشريعة وامنع أغنياءها من البطر والبطالة والنظر فى شبهات الدين بالتمشدق والإطالة وليقل فيما شجر بين الناس كلامها ويرفض ما تنبز به أعلامها فإن ذلك يسقط الحقوق ويرتب العقوق وامنعهم من فحش الحرص والشره وتعاهدهم بالمواعظ التى تجلو البصائر من المره واحملهم من الاجتهاد فى العمارة على أحسن المذاهب وانههم عن التحاسد على المواهب ورضهم على الإنفاق بقدر الحال والتعزي عن الفائت فرده من المحال وحذر البخل على أهل اليسار والسخاء على أولى الإعسار وخذهم من الشريعة بالواضح الظاهر وامنعهم من تأويلها منع القاهر ولا تطلق لهم التجمع على من أنكروا أمره فى نواديهم وكف عنهم أكف تعديهم ولا تبح لهم تغيير ما كرهوه بأيديهم ولتكن غايتهم فيما توجهت إليه إبايتهم ونكصت عن الموافقة عليه رايتهم انهاءه إلى من وكلته بمصالحهم من ثقاتك المحافظين على أوقاتك وقدم منهم من أمنت عليهم مكره وحمدت على الإنصاف شكره ومن كثر حياؤه من التأنيب وقابل الهفوة باستتابة المنيب ومن لا يتخطى عندك محله الذى حله فربما عمد إلى المبرم فحله وحسن النية لهم
بجهد الاستطاعة واغتفر المكاره فى جنب حسن الطاعة وإن ثار جرادهم واختلف فى طاعتك مرادهم فتحصن لثورتهم واثبت لفورتهم فإذا سالوا وسلوا وتفرقوا وانسلوا فاحتقر كثرتهم ولا تقل عثرتهم واجعلهم لما بين أيديهم وما خلفهم نكالا ولاتترك لهم على حلمك اتكالا
ثم قال والوزير الصالح أفضل عددك وأوصل مددك فهو الذى يصونك عن الابتذال ومباشرة الانذال ويثب لك على الفرصة وينوب فى تجرع الغصة واستجلاء القصة ويستحضر مانسيته من أمورك ويغلب فيه الرأى بموافقة مأمورك ولا يسعه ما تمكنك المسامحة فيه حتى يستوفيه واحذر مصادمة تياره والتجوز فى اختياره وقدم استخارة الله تعالى فى ايثاره وأرسل عيون الملاحظة على آثاره وليكن معروفا بالإخلاص لدولتك معقود الرضى والغضب برضاك وصولتك زاهدا عما فى يديك مؤثرا لكل ما يزلف لديك بعيد الهمة راعيا للأذمة كامل الآلة محيطا بالإيالة رحيب الصدر رفيع القدر معروف البيت نبيه الحى والميت مؤثرا للعدل والإصلاح دريا بحمل السلاح ذا خبرة بدخل المملكة وخرجها وظهرها وسرجها صحيح العقد متحرزا من النقد جادا عند لهوك متيقظا فى حال سهوك يلين عند غضبك ويصل الإسهاب بمقتضبك قلقا من شكره دونك وحمده ناسبا لك الإصابة بعمده وإن أعيا عليك وجود أكثر هذه الخلال وسبق إلى نقضها شىء من الاختلال فاطلب منه سكون النفس وهدونها وإن لا يرى منك رتبة إلا رأى قدره دونها وتقوى الله تعالى تفضل شرف الانتساب وهى للفضائل فذلكه الحساب وساو فى حفظ غيبه بين قربه ونأيه واجعل حظه من نعمتك موازيا لحظك من حسن رايه واجتنب منهم من يرى فى نفسه إلى الملك سبيلا أو يقود من عيصه للاستظهار عليك قبيلا أو من كاثر مالك ماله أو من تقدم لعدوك استعماله أو من سمت لسواك آماله أو من يعظم عليه إعراض وجهك ويهمه نادر نجهك
أو من يداخل غير أحبابك أو من ينافس أحدا ببابك
وأما الجند فاصرف التقديم منهم للمقاتلة والمكايدة والمخاتلة واستوف عليهم شرائط الخدمة وخذهم بالثبات للصدمة ووف ما أوجبت لهم من الجراية والنعمة وتعاهدهم عند الغناء بالعلفة والطعمة ولا تكرم منهم إلا من أكرمه غناؤه وطاب فى الذب عن ظنك ثناؤه وول عليهم النبهاء من خيارهم واجتهد فى صرفهم عن الافتتان بأهليهم وديارهم ولا توطئهم الدعة مهادا وقدمهم على حصصك وبعوثك مهما أردت جهادا ولا تلين لهم فى الإغماض عن حسن طاعتك قيادا وعودهم حسن المواساة بانفسهم اعتيادا ولا تسمح لأحد منهم فى إغفال شىء من سلاح استظهاره أو عدة اشتهاره وليكن ما فضل من شبعهم وريهم مصروفا إلى سلاحهم وزيهم والتزيد فى مراكبهم وغلمانهم من غير اعتبار لأثمانهم وامنعهم من المستغلات والمتاجر وما تكسب به غير المشاجر وليكن من الغوار اكتسابهم وعلى المغانم حسابهم كالجوارح التى تفسد باعتيادها أن تطعم من غير اصطيادها
واعلم أنها لا تبذل نفوسها من عالم الإنسان إلا لمن يملك قلوبها بالإحسان وفضل اللسان ويملك حركاتها بالتقويم ورتبها بالميزان القويم ومن تثق بإشفاقه على أولادها ويشترى رضى الله تعالى بصبره على طاعته وجلادها فإذا استشعرت لها هذه الخلال تقدمتك إلى مواقف التلف مطيعة دواعى الكلف واثقة منك بحسن الخلف واستبق إلى تمييزهم استباقا وطبقهم طباقا أعلاها من تأملت منه فى المحاربة عنك أخطارا وأبعدهم فى مرضاتك مطارا وأضبطهم لما تحت يده من رجالك حزما ووقارا واستهانة بالعظائم واحتقارا وأحسنهم لمن تقلده أمرك من الرعية جوارا إذا أجدت اختبارا وأشدهم على مماطلة من مارسه من الخوارج عليك اصطبارا ومن بلا فى الذى عن لك إحلاء وإمرارا ولحقه الضر فى معارض الدفاع
عنك مرارا وبعده من كانت محبته لك أزيد من نجدته وموقع رأية أنفع من موقع صعدته وبعدهما من حسن انقياده لأمرائك وإحماده لآرائك ومن جعل نفسه من الأمر حيث جعله وكان صبره على ما عراه أكثر من اعتداده بما فعله
واحذر منهم من كان عند نفسه أكبر من موقعه فى الانتفاع ولم يستحى من التزيد بأضعاف ما بذله من الدفاع وشكا البخس فيما تعذر عليه من فوائدك وقاس بين عوائد عدوك وعوائدك وتوعد بانتقاله عنك وارتحاله وأظهر الكراهية لحاله
وأما العمال فإنهم ينبئون عن مذهبك وحالهم فى الغالب شديدة الشبه بك فعرفهم فى أمانتك السعادة وألزمهم فى رعيتك العادة وأنزلهم من كرامتك بحسب منازلهم فى الاتصاف بالعدل والإنصاف واحلهم من الحفاية بنسبة مراتبهم من الأمانة والكفاية وقفهم عند تقليد الأرجاء مواقف الخوف والرجاء وقرر فى نفوسهم أن أعظم ما به إليك تقربوا وفيه تدربوا وفى سبيله أعجموا وأعربوا إقامة حق ودحض باطل حتى لا يشكو غريم مطل ماطل وهو آثر لديك من كل رباب هاطل وكفهم من الرزق الموافق عن التصدى لدنىء المرافق واصطنع منهم من تيسرت كلفته وقويت للرعايا ألفته ومن زاد على تأميله صبره وأربى على خبره خبره وكانت رغبته فى حسن الذكر تشف على بنات الفكر واجتنب منهم من يغلب عليه التخرق فى الإنفاق وعدم الإشفاق والتنافس فى الاكتساب وسهل عليه سوء الحساب وكانت ذريعته المصانعه بالنفاية دون التقصى والكفاية ومن كان منشؤة خاملا ولأعباء الدناءة حاملا وابغ من يكون الاعتذار فى أعماله أوضح من الاعتذار فى أقواله ولايفتننك ممن قلدته اجتلاب الحظ المقنع والتنفق بالسعى المسمع ومخالفة السنن المرعية واتباعه رضاك بسخط الرعية فإنه قد غشك من حيث بلك ورشك وجعل من يمينك
فى شمالك حاضر مالك ولا تضمن عاملا مال عمله وحل بينه فيه وبين أمله فإنك تميت رسومك بمحياه وتخرجه من خدمتك فيه إلا أن تملكه إياه ولا تجمع له بين الأعمال فيسقط استظهارك ببلد على بلد والاحتجاج على والد بولد واحرص على أن يكون فى الولاية غريبا ومنتقلة منك قريبا ورهينة لا يزال معها مريبا ولا تقبل مصالحته على شىء اختانه ولو برغيبة فتاته فتقبل المصانعة فى أمانتك وتكون مشاركا له فى خيانتك ولا تطل مدة العمل وتعاهد كشف الأمور ممن يرعى الهمل ويبلغ الأمل
وأما الولد فأحسن آدابهم واجعل الخير دابهم وخف عليهم من إشفاقك وحنانك أكثر من غلظة جنانك واكتم عنهم ميلك وأفض فيهم جودك ونيلك ولا تستغرق بالكلف بهم يومك ولا ليلك وأثبهم على حسن الجواب وسبق لهم خوف الجزاء على رجاء الثواب وعلمهم الصبر على الضرائر والمهلة عند استخفاف الجرائر وخذهم بحسن السرائر وحبب إليهم مراس الأمور الصعبة المراس وحسن الاصطناع والاحتراس والاستكثار من أولى المراتب والعلوم والسياسات والحلوم والمقام المعلوم وكره إليهم مجالسة الملهين ومصاحبة الساهين وجاهد أهواءهم عن عقولهم وحذر الكذب على مقولهم ورشحهم إذا آنست منهم رشدا أو هديا وأرضعهم من الموازرة والمشاورة ثديا لتمرنهم على الاعتياد وتحملهم على الازدياد ورضهم رياضة الجياد واحذر عليهم الشهوات فهى داؤهم وأعداؤك فى الحقيقة وأعداؤهم وتدارك الخلق الذميمة كلما نجمت واقدعها إذا هجمت قبل أن يظهر تضعيفها ويقوى ضعيفها فإن أعجزتك فى الصغر الحيل عظم الميل
( إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولن تلين إذا قومتها الخشب )
وإذا قدروا على التدبير وتشوفوا للمحل الكبير اياك إن توطنهم فى
مكانك جهد إمكانك وفرقهم فى بلدانك تفريق عبدانك واستعملهم فى بعوث جهادك والنيابة عنك فى سبيل اجتهادك فإن حضرتك تشغلهم بالتحاسد والتبارى والتفاسد وانظر إليهم بأعين الثقات فإن عين الثقة تبصر ما لا تبصر عين المحبة والمقة
وأما الخدم فإنهم بمنزلة الجوارح التى تفرق بها وتجمع وتبصر وتسمع فرضهم بالصدق والأمانة وصنهم صون الجمانة وخذهم بحسن الانقياد إلى ما آثرته والتقليل مما استكثرته واحذر منهم من قريت شهواته وضاقت عن هواه لهواته فإن الشهوات تنازعك فى استرقاقه وتشاركك فى استحقاقه وخيرهم من ستر ذلك منه بلطف الحيلة وآداب للفساد محيلة وأشرب قلوبهم أن الحق فى كل ما حاولته واستنزلته وأن الباطل فى كل ما جانبته واعتزلته وأن من تصفح منهم أمورك فقد أذنب وباين الأدب وتجنب وأعط من أكددته وأضقت منه ملكه وشددته روحه يشتغل فيها بما يعنيه على حسب صعوبة ما يعانيه تغبطهم فيها بمسارحهم وتجم كليلة جوارحهم ولتكن عطاياك فيهم بالمقدار الذى لا يبطر أعلامهم ولا يؤسف الأصاغر فيفسد أحلامهم ولا ترم محسنهم بالغاية من إحسانك واترك لمزيدهم فضله من رفدك ولسانك وحذر عليهم مخالفتك ولو فى صلاحك بحد سلاحك وامنعهم من التواثب والتشاجر ولا تحمد لهم شيم التقاطع والتهاجر واستخلص منهم لسرك من قلت فى الإفشاء ذنوبه وكان أصبر على ما ينوبه ولودائعك من كانت رغبته فى وظيفة لسانك أكثر من رغبته فى إحسانك وضبطه لما تقلد من وديعتك أحب إليه من حسن صنيعتك وللسفارة عنك من حلا الصدق فى فمه وآثره ولو باختطار دمه واستوفى لك وعليك فهم ما تحمله وعنى بلفظه حتى لا يهمله ولمن تودعه أعداء دولتك من كان مقصور الأمل قليل القول صادق العمل ومن كانت
قسوته زائدة على رحمته وعظمه فى مرضاتك آثر من شحمته ورأيه فى الحذر سديد وتحرزه من الحيل شديد ولخدمتك فى ليلك ونهارك من لانت طباعه وامتد فى حسن السجية باعه وأمن كيده وغدره وسلم من الحقد صدره ورأى المطامع فما طمع واستثقل إعادة ماسمع وكان بريئا من الملال والبشر عليه أغلب الخلال ولا تؤنسهم منك بقبيح فعل ولا قول ولا تؤيسهم من طول ومكن فى نفوسهم أن أقوى شفعائهم وأقرب إلى الإجابة من دعائهم إصابة الغرض فيما به وكلوا وعليه شكلوا فإنك لا تعدم بهم انتفاعا ولا يعدمون لديك ارتفاعا
وأما الحرم فهن مغارس الولد ورياحين الخلد وراحة القلب الذى أجهدته الأفكار والنفس التى تقسمها الإحماد إلى المساعى والإفكار فاطلب منهن من غلب عليهن من حسن الشيم المترفعة عن القيم ما لا يسوءك فى خلدك أن يكون فى ولدك وأحذر أن تجعل لفكر بشر دون بصر اليهن سبيلا وانصب دون ذلك عذابا وبيلا وأرعهن من النساء العجز من بانت فى الديانة والأمانة سبله وقويت غيرته ونبله وخذهن بسلامة النيات والشيم السنيات وحسن الاسترسال والخلق السلسال وحذر عليهن التغامز والتغاير والتنافس والتخاير وآس بينهن فى الأغراض والتصامم عن الإغراض والمحاباة بالأعراض وأقلل من مخالطتهن فهو أبقى لهمتك وأسبل لحرمتك ولتكن عشرتك لهن عند الكلال والملال وضيق الاحتمال بكثرة الأعمال وعند الغضب والنوم والفراغ من نصب اليوم واجعل مبيتك بينهن تنم بركاتك وتستتر حركاتك وافصل من ولدت منهن إلى مسكن تختبر به استقلالها وتعتبر بالتفرد خلالها ولا تطلق لحرمة شفاعة ولا تدبيرا ولا تنط بها من الأمر صغيرا ولا كبيرا واحذر إن يظهر على خدمهن فى خروجهن عن القصور وبروزهن من أجمة الأسد الهصور زي بارع ولا طيب للأنوف مسارع واخصص بذلك من طعن فى السن ويئس من الإنس
والجن ومن توفر النزوع إلى الخيرات قبله وقصر عن جمال الصورة ورسم بالبله
ثم لما بلغ إلى هذا الحد حمى وطيس اسحنفاره وختم حزبه باستغفاره ثم صمت مليا واستعاد كلاما أوليا
ثم قال واعلم يا أمير المؤمنين سدد الله تعالى سهمك لأغراض خلافته وعصمك من الزمان وآفته أنك فى مجلس الفصل ومباشرة الفرع من ملكك والأصل فى طائفة من عز الله تعالى تذب عنك حماتها وتدافع عن حوزتك كماتها فاحذر أن يعدل بك غضبك عن عدل تزرى منه بضاعة أو يهجم بك رضاك على إضاعة ولتكن قدرتك وقفا على الاتصاف بالعدل والإنصاف واحكم بالسوية واجنح بتدبيرك إلى حسن الروية وخف إن تقعد بك أناتك عن حزم تعين أو تستفزك العجلة فى أمر لم يتبين وأطع الحجة ما توجهت إليك ولا تحفل بها إذا كانت عليك فانقيادك إليها أحسن من ظفرك والحق أجدي من نفرك ولا تردن النصيحة فى وجه ولا تقابل عليها بنجه فتمنعها إذا استدعيتها وتحجب عنك إن استوعيتها ولا تستدعها من غير أهلها فيشغبك أولو الأغراض بجهلها واحرص على أن لا ينقضى مجلس جلسته أو زمن اختلسته إلا وقد أحرزت فضيلة زائدة أو وثقت منه فى معادك بفائدة
ولا يزهدنك فى المال كثرته فتقل فى نفسك أثرته وقس الشاهد بالغائب واذكر وقوع ما لا يحتسب من النوائب فالمال المصون أمنع الحصون ومن قل ماله قصرت آماله وتهاون بيمينه شماله والملك إذا فقد خزينه أخنى على أهل الجدة التى تزينه وعاد على رعيته بالإجحاف وعلى جبايته بالإلحاف وساء معتاد عيشه وصغر فى عيون جيشه ومنوا عليه بنصره وأنفوا من الاقتصار على قصره وفى المال قوة سماوية تصرف الناس لصاحبه وتربط آمال أهل السلاح به والمال نعمة الله تعالى فلا تجعله ذريعة إلى خلافة فتجمع
بالشهوات بين إتلافك وإتلافه واستأنس بحسن جوارها واصرف فى حقوق الله تعالى بعض أطوارها فإن فضل المال عن الأجل فأجل ولم يضر ما خلف منه بين يدي الله عز و جل وما ينفق فى سبيل الشريعة وسد الذريعة مأمول خلفه وما سواه فمتعين تلفه
واستخلص لنواديك الغاصة ومجالسك العامة والخاصة من يليق بولوج عتبها والعروج لرتبها أما العامية فمن عظم عند الناس قدرة وانشراح بالعلم صدره أو ظهر يساره وكان لله تعالى إخباته وانكساره ومن كان للفتيا منتصبا وبتاج المشورة معتصبا وأما الخاصية فمن رقت طباعة وامتد فيما يليق بتلك المجالس باعه ومن تبحر فى سير الحكماء وأخلاق الكرماء ومن له فضل سافر وطبع للدنية منافر ولديه من كل ما تستتر به الملوك عن العوام حظ وافر وصف ألبابهم بمحصول خيرك وسكن قلوبهم بيمن طيرك وأغنهم ما قدرت عن غيرك
واعلم بأن مواقع العلماء من ملكك مواقع المشاعل المتألقة والمصابيح المتعلقة وعلى قدر تعاهدها تبذل من الضياء وتجلو بنورها صور الأشياء وفرغها لتحبير ما يزين مدتك ويحسن من بعد البلاء جدتك وبعناية الأواخر ذكرت الأول وإذا محيت المفاخر خربت الدول
واعلم إن بقاء الذكر مشروط بعمارة البلدان وتخليد الآثار الباقية فى القاصى والدان فاحرص على ما يوضح فى الدهر سبلك ويحرز المزية على من قبلك وإن خير الملوك من ينطق بالحجة وهو قادر على القهر ويبذل الإنصاف فى السر والجهر مع التمكن من المال والظهر ويسار الرعية جمال للملك وشرف وفاقتهم من ذلك طرف فغلب اليق الحالين بمحلك وأولاهما بظعنك وحلك
واعلم أن كرامة الجور داثرة وكرامة العدل متكاثرة والغلبة بالخير
سيادة وبالشر هوادة واعلم إن حسن القيام بالشريعة يحسم عنك نكاية الخوارج ويسمو بك إلى المعارج فإنها تقصد أنواع الخدع وتورى بتغيير البدع وأطلق على عدوك أيدي الأقوياء من الأكفاء وألسنة اللفيف من الضعفاء واستشعر عند نكثة شعار الوفاء
ولتكن ثقتك بالله تعالى أكثر من ثقتك بقوة تجدها وكتيبة تنجدها فإن الإخلاص يمنحك قوى لا تكتسب ويمهد لك مع الأوقات نصرا لا يحتسب
والتمس أبدا سلم من سالمك بنفيس ما فى يدك وفضل حاصل يومك على منتظر غذك فإن أبى وضحت محجتك وقامت عليه للناس بذلك حجتك فللنفوس على الباغين ميل ولها من جانبه نيل واستهد فى كل يوم سيرة من يناويك واجتهد أن لا يوازيك فى خير ولا يساويك وأكذب بالخير ما يشيعه من مساويك ولا تقبل من الإطراء إلا ما كان فيك فضل عن إطالته وجد يزرى على بطالته ولا تلق المذنب بحميتك وسبك واذكر عند حركة الغضب ذنوبك الى ربك ولا تنس إن رب المذنب أجلسك مجلس الفصل وجعل فى قبضتك رياش النصل
وتشاغل فى هدنة الأيام بالاستعداد واعلم إن التراخى منذر بالاشتداد ولا تهمل عرض ديوانك واختبار أعوانك وتحصين معاقلك وقلاعك
وعم ايالتك بحسن اطلاعك ولا تشغل زمن الهدنة بلذاتك فتجنى فى الشدة على ذاتك ولا تطلق فى دولتك ألسنة الكهانة والإرجاف ومطاردة الآمال العجاف فإنه يبعث سوء القول ويفتح باب العول وخذ على المدرسين والمتعلمين والعلماء والمتكلمين حمل الأحداث على الشكوك الخالجة والمزلات الوالجة فإنه يفسد طباعهم ويغرى سباعهم ويمد فى مخالفة الملة باعهم وسد سبيل الشفاعات فإنها تفسد عليك حسن الاختيار ونفوس الخيار وابذل فى الأسرى من حسن ملكتك ما يرضى من ملكك رقابها وقلدك ثوابها وعقابها وتلق بدء نهارك بذكر الله تعالى فى ترفعك وابتذالك واختم اليوم بمثل ذلك
واعلم أنك مع كثرة حجابك وكثافة حجابك بمنزلة الظاهر للعيون المطالب بالديون لشدة البحث عن أمورك وتعرف السر الخفى بين أمرك ومأمورك فاعمل فى سرك ما لا تستقبح أن يكون ظاهرا ولا تأنف إن تكون به مجاهرا وأحكم بريك فى الله ونحتك وخف من فوقك يخف من تحتك واعلم إن عدوك من أتباعك من تناسيت حسن قرضه أو زادت مؤونته على نصيبه منك وفرضه فأصمت الحجج وتوق اللجج واسترب بالأمل ولا يحملنك انتظام الأمور على الاستهانة بالعمل ولا تحقرن صغير الفساد فياخذ فى الاستئساد واحبس الألسنة عن التخالى باغتيابك والتشبث بأذيال ثيابك فإن سوء الطاعة ينتقل من الأعين الباصرة إلى الألسن القاصرة ثم إلى الأيدي المتناصرة ولا تثق بنفسك فى قتال عدو ناواك حتى تظفر بعدو غضبك وهواك وليكن خوفك من سوء تدبيرك أكثر من عدوك الساعى فى تتبيرك وإذا اسنزلت ناجما أو أمنت ثائرا هاجما فلا تقلده البلد الذى فيه نجم وهمى عارضه فيه وانسجم يعظم عليك القدح فى اختيارك والغض من إيثارك واحترز من كيده فى حورك ومأمك فانك اكبر همه وليس باكبر همك وجمل المملكة بتأمين الفلوات وتسهيل الأقوات وتجديد ما يتعامل من الصرف فى البياعات وإجراء العوائد مع الأيام والساعات ولا تبخس عيار قيم البضاعات ولتكن يدك عن أموال الناس محجورة وفى احترامها إلا عن الثلاثة مأجورة مال من عدا طوره طور أهله وتخارق فى الملابس والزينة وفضول المدينة يروم معارضتك بجهله ومن باطن أعداك وأمن اعتداك ومن أساء جوار رعيتك بإخساره وبذل الأذاية فيهم بيمينه ويساره
وأضر ما منيت به التعادى بين عبدانك أو فى بلد من بلدانك فسد فيه الباب واسأل عن الأسباب وانقلهم بوساطة أولى الألباب إلى حالة الأحباب ولا تطوق الأعلام أطواق المنون بهواجس الظنون فهو أمر لا يقف عند حد ولا ينتهى إلى عد واجعل ولدك فى احتراسك حتى لا يطمع فى افتراسك
ثم لما رأى الليل قد كاد ينتصف وعموده يريد أن ينقصف ومجال الوصايا أكثر مما يصف قال يا أمير المؤمنين بحر السياسة زاخر وعمر المتمتع بناديك مستاخر فإن أذنت فى فن من فنون الأنس يجذب بالمقاد إلى راحة الرقاد ويعتق النفس بقدرة ذى الجلال من ملكه الكلال
فقال أما وقد استحسنا ما سردت فشأنك وما أردت
فاستدعى عودا فأصلحه حتى حمده وأبعد فى اختباره امده ثم حرك بمه وأطال الجس ثمه ثم تغنى بصوت يستدعى الإنصات ويصدع الحصاة ويستفز الحليم عن وقاره ويستوقف الطير ورزق بنيه فى منقاره وقال
( صاح ما أعطر القبول بنمه ... أتراها أطالت اللبث ثمه )
( هى دار الهوى منى النفس فيها ... أبد الدهر والأمانى جمه )
( إن يكن ما تأرج الجو منها ... واستفاد الشذا وإلا فممه )
( من لطرفى بنظرة ولأنفى ... فى رباها وفى ثراها بشمه )
( ذكر العهد فانتفضت كأنى ... طرقتنى من الملائك لمه )
( وطن قد نضيت فيه شبابا ... لم تدنس منه البرود مذمه )
( بنت عنه والنفس من أجل من قد ... خلفته خلاله مغتمه )
( كان حلما فويح من أمل الدهر ... وأعماه جهله وأصمه )
( تأمل العيش بعد أن خلق الجسم ... وبنيانه عسير المرمه )
( وغدت وفرة الشبيبة بالشيب ... على رغم أنفها معتمه )
( فلقد فاز سالك جعل الله ... إلى الله قصده ومأمه )
( من يبت من غرور دنيا بهم ... يلدغ القلب أكثر الله همه )
ثم أحال اللحن إلى لون التنويم فأخذ كل فى النعاس والتهويم وأطال الجس فى الثقيل عاكفا عكوف الضاحى فى المقيل فخاط عيون القوم بخيوط النوم وعمر بهم المراقد كأنما أدار عليهم الفراقد ثم انصرف فما علم به أحد ولا عرف ولما أفاق الرشيد جد فى طلبه فلم يعلم بمنقلبه فأسف للفراق وأمر بتخليد حكمه فى بطون الأوراق فهى إلى اليوم تتلى وتنقل وتجلى القلوب بها وتصقل والحمد لله رب العالمين انتهى
قال في الإحاطة بعد إيراد نبذة من نثره ما صورته فهذا ما حضر من المنثور وحظه عندي من الإجادة ضعيف وغرضه كما شاء الله تعالى سخيف لكن الله سبحانه بعباده لطيف انتهى
110 - ومما علق بحفظى من نثره قوله فى تحليته لبعض أهل زمانه هو إمام الفئة وعين أعيان هذه المائة
111 - وقوله فى وصف فاس نعم العرين لأسود بنى مرين ذات المشاهد التى منها مطرح الجنة ومسجد الصابرين
( بلد أعارته الحمامة طوقها ... وكساه ريش جناحه الطاووس )
( فكأنما الأنهار فيه مدامة ... وكأن ساحات الديار كؤوس )
جمعت ما ولد سام وحام وكثر الالتئام والالتحام واشتد الزحام إلى
أن قال يلقى الرجل أبا مثواه فلا يدعوه لبيته ولا يطعمه من بقله وزيته لا يطرق الضيف حماهم ولا يعرف اسمهم ولا مسماهم ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) ص 112 - وقوله فى وصف مراكش المحروسة ذات المقاصر والقصور ومأوى الليث الهصور ومسكن الناصر والمنصور إلى أن قال ومنارها فى الفلاة بمنزلة وإلى الولاة
ثم بعد كلام إلا أن خرابها هائل وزحامها حرب وائل وعقاربها كثيرة الدبيب منغصة لمضاجعة الحبيب انتهى ما كتبته من حفظى لطول العهد
113 - وقال رحمه الله تعالى فى وصف مدينة بسطة من كلام لم يحضرنى جميعة الآن محل خصيب ومنزل رحيب وكفاها مسجد الجنة دليلا على البركة وباب المسك دليلا علىالطيب ولها من اسمها نصيب إذ هى بحر الطعام وينبوع العيون المتعددة بتعدد أيام العام انتهى
فى ذكر بسطة
ولما أجرى ذكر بسطة الإمام أبو الحسن القلصادى فى رحلته قال سقى الله تعالى أرجاءها المشرقة وأغصانها المورقة شآبيب الإحسان ومهدها بالهدنة واالأمان دار تخجل منها الدور وتتقاصر عنها القصور وتقر لها بالقصور مع ما حوته من المحاسن والفضائل من صحة أجسام أهلها وما طبعوا عليه من كرم الشمائل وجسبك فيها من عدم الحرج أن داخلها باب الفرج ثم قال ولله در القائل
( دار مشى الإتقان فى تنجيدها ... حتى تناسب روضها وبناؤها )
( مرقومة الجنبات ذات قرارة ... يمتد قدام العيون فضاؤها )
( ما زال يضحك دائما نوارها ... فى وجه ساحته ويلعب ماؤها )
ولبعض أصحابنا فيها وهو الأديب الكاتب أبو عبد الله ابن الأزرق
( فى بسطة حيث الأباطح مشرقة ... أضحت جفونى بالمحاسن مغلقة ) وله أيضا فى تورية
( قل لمن رام النوى عن وطن ... قوله ليس بها من حرج )
( فرج الهم بسكنى بسطة ... إن فى بسطة باب الفرج ) رجع 114 - ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما خاطب به السلطان على لسان جدته وهو
إلى قرة أعيننا وأعين المؤمنين وفلذة كبدنا الذى نصل للقائه الحنين بالحنين وعزنا الذى حللنا من كنفه بالحرم الأمين وسترنا الذى خلفنا برضاه من أفقده الدهر من كرم البنين ووارثنا المستأثر بعدنا بطول السنين أمير المسلمين الأسعد المؤيد الموفق الطاهر البر الرحيم الأرضى الكافل الفاضل حفيدنا محمد ابن ولدنا الرضى وواحدنا الكريم الحفى السلطان الكبير الجليل السعيد الطاهر الظاهر المقدس جعل الله تعالى من عصمته لزيما يرافقه وأجرى القدر بما يوافقه وحفظ عليه الكمال الذى تناسب فيه خلقه وخلائقه والبر الذى حسنت فيه طرقه وطرائقه
من المستظلة بظلال رضاه وبره المبتهلة إلى الله تعالى فى عز نصره وسعادة أمره الداعية إلى الله تعالى أن يسترها فى الحياة وما بعدها بسترة وما يفضل عمرها من عمره جدته التائقة إليه كتبته من كنفه العزيز بحمرائه العلية عن الخير الدائم بدوامه واليسر الملازم ببركة أيامه ولا زائد بفضل الله تعالى إلا الشوق اليه وتحويم الكبد الخافقة خفوق رايته عليه وتجهيز مواكب الدعاء المقبول من خلفه ومن بين يديه
وقد وصل كتابه العزيز الوفادة والوصول الكريم الجمل والفصول مطلع وجه السرور والجذل ومهدي قصي الأمل ومجدد العهد بحديثه الذى فى ضمنه شفاء الغلل وبرء العلل ومهديا تحفة عافيته وهى الهدية التى جلت عن المكافأة وترفعت عن المجازاة إنما يجازى عليها من يصل بفضله عادتها ويوالى بعد الابداء إعادتها
ووصفتم يا ولدى ما عرفتم من نعم الله تعالى التى انثالت عليكم سحابها وعنايته التى يلقى ركابكم تسهالها وترحابها واستبشار الجهات بقدومكم الميمون واجتلاء وجهكم الذى فيه للإسلام قرة العيون وكيف لا يكون ذلك وأنتم ذخرهم العزيز وحرزهم الحريز والندرة التى خلصها من معادن سلفكم الذهب الإبريز فى أيامكم والحمد لله نامت أجفانهم وتكيف أمانهم نسأل الله تعالى أن يديم لنا ولهم نعمة بقائكم ويعلى الدين بعلوكم فى معارج العز وارتقائكم فقابلنا ما قرره سلطاانكم بالحمد والثناء والشكر المتصل على الآناء ومحضتكم من خالص الدعاء ما يتكفل لكم بالحسنى وما وعد الله تعالى من نيل الرجاء وتمهيد الأرجاء وأصدرت هذا الجواب لكم مصدر الهناء بنعم الله تعالى المغدقة والآلاء ونسأل من فضلكم وبركم صلة التعريف بمثل هذه الأخبار السارة والأنباء وإتحافنا بمثلها مع الصباح والمساء وإن كان مجدكم غنيا عن الشبه لمثل هذه الأشياء أدام الله تعالى لكم اسباب البقاء وكان لكم فى كل حال من إقامة وارتحال بعزة وجهه وقدرته انتهى
ويرحم الله تعالى لسان الدين ابن الخطيب فإنه يعبر فى كل مقام بما يليق فتارة يترقى فى أدراج البراعة وطورا يهتك عنان اليراعة
شعر لسان الدين
وأما شعر لسان الدين رحمه الله تعالى فهو من النهاية فى الحسن وقد قدمنا فى هذا الكتاب منه نبذة فى اثناء نثره وكلامه الذى جلبناه وفى مواضع غيرهما جملة مفيدة من شعره رحمه الله تعالىوقال رحمه الله تعالى فى الإحاطة ما نصه الشعر ولنثبت جملة من مطولاته ونتله بشىء من مقطوعاته ونقدم من المطولات أمداح رسول الله صلى الله عليه و سلم تبركا بها فمن ذلك قولى
( هل كنت تعلم فى هبوب الريح ... نفسا يؤجج لاعج التبريح )
( أهدتك من شيح الحجاز تحية ... فاحت لها عرض الفجاج الفيح )
( بالله قل لى كيف نيران الهوى ... ما بين ريح فى الفلاة وشيح )
( وخضيبة المنقار تحسب أنها ... نهلت بمورد دمعى المسفوح )
( باحت بما تخفي وناحت فى الدجى ... فرأيت فى الآماق دعوة نوح )
( نطقت بما يخفيه قلبى أدمعى ... ولطالما صمتت عن التصريح )
( عجبا لأجفان حملن شهادة ... عن خافت بين الضلوع جريح )
( ولقلما كتبت رواة مدامعي ... في صفحتيها حلية التجريح )
( جاد الحمى بعدي وأجراع الحمى ... جود تكل به متون الريح )
( هن المنازل ما فؤادي بعدها ... سال ولا وجدي بها بمريح )
( حسبى ولوعا أن أزور بفكرتى ... زوارها والجسم رهن نزوح )
( فأبث فيها من حديث صبابتى ... وأحث فيها من جناح جنوحي )
( ودجنة كادت تضل بها السرى ... لولا وميضا بارق وصفيح )
( رعشت كواكب جوها فكأنها ... ورق تقلبها بنان شحيح )
( صابرت منها لجة مهما ارتمت ... وطمت رميت عبابها بسبوح )
( حتى إذا الكف الخضيب بأفقها ... مسحت بوجه للصباح صبيح )
( شمت المنى وحمدت إدلاج السرى ... وزجرت للآمال كل سنيح )
( فكأنما ليلى نسيب قصيدتى ... والصبح فيه تخلصى لمديح )
( لما حططت لخير من وطىء الثرى ... بعنان كل مولد وصريح )
( رحمى إله العرش بين عباده ... وأمينة الأرضى على ما يوحى )
( والآية الكبرى التى أنوارها ... ضاءت أشعتها بصفحة يوح )
( رب المقام الصدق والآي التى ... راقت بها أوراق كل صحيح )
( كهف الأنام إذا تفاقم معضل ... مثلوا بساحة بابه المفتوح )
( يردون منه على مثابة راحم ... جم الهبات عن الذنوب صفوح )
( لهفى على عمر مضى أنضيته ... فى ملعب للترهات فسيح )
( يا زاجر الوجناء يعتسف الفلا ... والليل يعثر فى فضول مسوح )
( يصل السرى سبقا إلى خير الورى ... والركب بين موسد وطريح )
( لى فى حمى ذاك الضريح لبانه ... إن أصبحت لبنى أنا ابن ذريح )
( وبمهبط الروح الأمين أمانة ... اليمن فيها والأمان لروحى )
( يا صفوة الله المكين مكانه ... يا خير مؤتمن وخير نضيح )
( أقرضت فيك الله صدق محبتى ... أيكون تجرى فيك غير ربيح )
( حاشا وكلا أن تخيب وسائلى ... أو أن أرى مسعاي غير نجيح )
( إن عاق عنك قبيح ما كسبت يدي ... يوما فوجه العفو غير قبيح )
( واخجلتى من حلبة الفكر التى ... أغريتها بغرامى المشروح )
( قصرت خطاها بعدما ضمرتها ... من كل موفور الجمام جموح )
( مدحتك آيات الكتاب فما عسى ... يثنى على علياك نظم مديحى )
( واذا كتاب الله أثنى مفصحا ... كان القصور قصار كل فصيح )
( صلى عليك الله ما هبت صبا ... فهفت بغصن فى الرياض مروح )
( واستأثر الرحمن جل جلاله ... عن خلقه بخفى سر الروح )
وأنشدت السلطان ملك المغرب ليله الميلاد الأعظم من عام ثلاثة وستين وسبعمائة هذه القصيدة
( تألق نجديا فأذكرنى نجدا ... وهاج بى الشوق المبرح والوجدا )
( وميض رأى برد الغمامة مغفلا ... فمد يدا بالتبر أعلمت البردا )
( تبسم فى بحرية قد تجهمت ... فما بذلت وصلا ولا ضربت وعدا )
( وراود منها فاركا قد تنعمت ... فأهوى لها نصلا وهددها رعدا )
( وأغرى بها كف الغلاب فأصبحت ... ذلولا ولم تسطع لإمرته ردا )
( فحلتها الحمراء من شفق الضحى ... نضالها وحل المزن من جيدها عقدا )
( لك الله من برق كأن وميضه ... يد الساهر المقرور قد قدحت زندا )
( تعلم من سكانه شيم الندى ... فغادر أجراع الحمى روضة تندى )
( وتوج من نوارها قنن الربى ... وختم من أزهارها القضب الملدا )
( لسرعان ما كانت مناسف للصبا ... فقد ضحكت زهرا وقد خجلت وردا )
( بلاد عهدنا فى قرارتها الصبا ... يقل لذاك العهد أن يألف العهدا )
( إذا ما النسيم اعتل فى عرصاتها ... تناول فيها الباان والشيح والرندا )
( فكم فى مجانى وردها من علاقة ... اذا ما استثيرت أرضها أنبتت وجدا )
( اذا استشعرتها النفس عاهدت الجوى ... اذا التمحتها العين عاقدت السهدا )
( ومن عاشق حر اذا ما استماله ... حديث الهوى العذري صبره عبدا )
( ومن ذابل يحكى المحبين رقة ... فيثنى إذا ما هب عرف الصبا قدرا )
( سقى الله نجدا ما نضحت بذكرها ... على كبدي إلا وجدت لها بردا )
( وآنس قلبى فهو للعهد حافظ ... وقل على الأيام من يحفظ العهدا )
( صبور وان لم يبق إلا ذبالة ... إذا استقبلت مسرى الصبا اشتعلت وقدا )
( صبور إذا الشوق استجاد كتيبه ... تجوس خلال الصبر كان لها بندا )
( وقد كنت جلدا قبل أن يذهب النوى ... ذمائى وأن يستأصل العظم والجلدا )
( أأجحد حق الجب والدمع شاهد ... وقد وقع التسجيل من بعد ما أدى )
( تناثر فى إثر الحمول فريده ... فلله عينا من رأى الجوهر الفردا )
( جرى يققا فى ملعب الخد أشهبا ... وأجهده ركض الأسى فجرى وردا )
( ومرتحل أجريت دمعى خلفه ... ليرجعه فاستن فى إثره قصدا )
( وقلت لقلبى طر إليه برقعتى ... فكان حماما فى المسير بها هدى )
( سرقت صواع العزم يوم فراقه ... فلج ولم يرقب سواعا ولا ودا )
( وكحلت عيني من غبار طريقة ... فأعقبها دمعا وأورثها سهدا )
( لي الله كم أهذى بنجد وحاجر ... وأكنى بدعد فى غرامى أو سعدي )
( وما هو إلا الشوق ثار كمينه ... فأذهل نفسا لم تبن عنده قصدا )
( وما بى إلا أن سرى الركب موهنا ... وأعمل فى رمل الحمى النص والوخدا )
( وجاشت جنود الصبر والبين والأسى ... لدى فكان الصبر أضعفها جندا )
( ورمت نهوضا واعتزمت مودعا ... فصدنى المقدور عن وجهتى صدا )
( رقيق بدت للمشترين عيوبه ... ولم تلتفت دعواه فاستوجب الردا )
( تخلف منى ركب طيبة عانيا ... أما آن للعانى المعنى بأن يفدى )
( مخلف سرب قد اصيب جناحه ... وطرن فلم يسطع مراحا ولا مغدى )
( نشدتك يا ركب الحجاز تضاءلت ... لك الأرض مهما استعرض السهب وامتدا )
( وجم لك المرعى وأذعنت الصوى ... ولم تفتقد ظلا ظليلا ولا وردا )
( إذا أنت شافهت الديار بطيبة ... وجئت بها القبر المقدس واللحدا )
( وآنست نورا من جناب محمد ... يجلى القلوب الغلف والأعين الرمدا )
( فنب عن بعيد الدار فى ذلك الحمى ... وأذر به دمعا وعفر به خدا )
( وقل يا رسول الله عبد تقاصرت ... خطاه وأضحى من أحبته فردا )
( ولم يستطع من بعد ما بعد المدى ... سوى لوعة تعتاد أو مدحه تهدى )
( تداركه يا غوث العباد برحمه ... فجودك ما أجدى وكفك ما أندى )
( أجار بك الله العباد من الردى ... وبوأهم ظلا من الأمن ممتدا )
( حمى دينك الدنيا وأقطعك الرضى ... وتوجك العليا وألبسك الحمدا )
( وطهر منك القلب لما استخصه ... فجلله نورا وأوسعه رشدا )
( دعاه فما ولى هداه فما غوى ... سقاه فما يظما جلاه فما يصدا )
( تقدمت مختارا تأخرت مبعثا ... فقد شملت علياؤك القبل والبعدا )
( وعلة هذا الكون أنت وكل ما ... أعاد فأنت القصد فيه وما أبدا )
( وهل هو إلا مظهر أنت سره ... ليمتاز فى الخلق المكب من الأهدى )
( ففى عالم الأسرار ذاتك تجتلى ... ملامح نور لاح للطور فانهدا )
( وفى عالم الحس اغتديت مبوأ ... لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى )
( فما كنت لولا أن ثبت هداية ... من الله مثل الخلق رسما ولا حدا )
( فماذا عسى يثنى عليك مقصر ... ولم يأل فيك الذكر مدحا ولا حمدا )
( بماذا عسى يجزيك هاو على شفا ... من النار قد أوردته بعدها الخلدا )
( عليك صلاة الله يا كاشف العمى ... ومذهب ليل الروع وهو قد اربدا )
( إلى كم أرانى فى البطالة كانعا ... وعمرى قد ولى ووزري قد عدا )
( تقضى زمانى فى لعل وفى عسى ... فلا عزمه تمضى ولا لوعة تهدا )
( حسام جبان كلما شيم نصله ... تراجع بعد العزم والتزم الغمدا )
( ألا ليت شعرى هل أرانى ناهدا ... أقود القلاص البدن والضامر النهدا )
( رضيع لبان الصدق فوق شملة ... مضمرة وسدت من كورها مهدا )
( فتهدى بأشواقى السراه اذا سرت ... وتحدى بأشعارى الركاب إذا تحدى )
( الى أن أحط الرحل فى تربك الذى ... تضوع ندا ما رأينا له ندا )
( وأطفىء فى تلك الموارد غلتى ... وأحسب قربا مهجة شكت البعدا )
( لمولدك اهتز الوجود فأشرقت ... قصور ببصرى ضاءت الهضب والوهدا )
( ومن رعبه الأوثان خرت مهابة ... ومن هوله إيوان كسرى قد انهدا )
( وغاض له الوادي وصبح عزة ... بيوتا لنار الفرس أعدمها الوقدا )
( رعى الله منها ليلة أطلع الهدى ... على الأرض من آفاقها القمر السعدا )
( وأقرض ملكا قام فينا بحقها ... لقد أحرز الفخر المؤثل والمجدا )
( وحيا على شط الخليج محله ... يحاالف من ينتابها العيشة الرغدا )
( وجاد الغمام العد فيها خلائفا ... مآثرهم لا تعرف الحصر والعدا )
( عليا وعثمانا ويعقوب لا عدا ... رضى الله ذاك النجل والأب والجدا )
( حموا وهم فى حومة البأس والندى ... فكانوا الغيوث المستهلة والأسدا )
( ولله ما قد خلفوا من خليفة ... حوى الإرث عنهم والوصية والعهدا )
( إذا ما أراد الصعب أغرى بنيله ... صدور العوالى والمطهمة الجردا )
( وكم معتد أردى وكم تائه هدى ... وكم حكمة أخفى وكم نعمة أبدى )
( أبا سالم دين الإله بك اعتلى ... أبا سالم ظل الإله بك امتدا )
( فدم من دفاع الله تحت وقاية ... كفاك بها أن تسحب الحلق السردا )
( ودونكها منى نتيجة فكرة ... إذا استرشحت للنظم كانت صفا صلدا )
( ولو تركت منى الليالى صبابه ... لأجهدتها ركضا وأرهقتها شدا )
( ولكنه جهد المقل بلغته ... وقد أوضح الأعذار من بلغ الجهدا )
وقلت أخاطب السلطان الملك الكبير العالم أبا عنان على أثر انصرافه من بابه رحمه الله تعالى
( أبدى لداعى الفوز وجه منيب ... وأفاق من عذل ومن تأنيب )
( كلف الجنان إذا جرى ذكر الحمى ... والبان حن له حنين النيب )
( والنفس لا تنفك تكلف بالهوى ... والشيب يلحظها بعين رقيب )
( رحل الصبا فطرحت فى أعقابه ... ما كان من غزل ومن تشبيب )
( أترى التغزل بعد أن ظعن الصبا ... شأنى الغداة أو النسيب نسيبى )
( أنى لمثلى بالهوى من بعد ما ... للوخط فى الفودين أي دبيب )
( لبس البياض وحل ذروة منبر ... منى ووإلى الوعظ فعل خطيب )
( قد كان يسترنى ظلام شبيبتى ... والآن يفضحنى صباح مشيبى )
( وإذا الجديدان استجدا أبليا ... من لبسه الأعمار كل قشيب )
( سلنى عن الدهر الخؤون وأهله ... تسل المهلب عن حروب شبيب )
( متقلب الحالات فاخبر تقله ... مهما أعدت يدا إلى تقليب )
( فكل الأمور إذا اعترتك لربها ... ما ضاق لطف الرب عن مربوب )
( قد يخبأ المحبوب فى مكروهها ... من يخبأ المكروه فى المحبوب )
( واصبر على مضض الليالى إنها ... لحوامل سيلدن كل عجيب )
( واقنع بخط لم تنله بحيلة ... ما كل رام سهمه بمصيب )
( يقع الحريص على الردى ولكم غدا ... ترك التسبب أنفع التسبيب )
( من رام نيل الشىء قبل أوانه ... رام انتقال يلملم وعسيب )
( فإذا جعلت الصبر مفزع معضل ... عاجلت علته بطب طبيب )
( وإذا استعنت على الزمان بفارس ... لبى نداءك منه خير مجيب )
( بخليفة الله الذى فى كفه ... غيث يروض ساح كل جديب )
( المنتقى من طينة المجد الذى ... ما كان يوما صرفه بمشوب )
( يرمى الصعاب بصعبه فيقودها ... ذللا على حسب الهوى المرغوب )
( ويرى الحقائق من وراء حجابها ... لا فرق بين شهادة ومغيب )
( من آل عبد الحق حيث توشحت ... شعب العلا وربت بأي كثيب )
( أسد الشرى سرج الورى فمقامهم ... لله بين محارب وحروب )
( إما دعا الداعى وثوب صارخا ... ثابوا وأموا حومه التثويب )
( شهب ثواقب فى سماء عجاجة ... مأثورها قد صح بالتجريب )
( ما شئت فى آفاقها من رامح ... يبدو وكف بالنجيع خضيب )
( عجبت سيوفهم لشدة بأسهم ... فتبسمت والجو فى تقطيب )
( نظموا بلبات العلا واستوسقوا ... كالرمح أنبوبا على أنبوب )
( تروى العوالى والمعالى عنهم ... أثر الندى المولود والمكسوب )
( من كل موثوق به إسناده ... بالقطع أو بالوضع غير معيب )
( فأبو عنان عن علي نصه ... للنقل عن عثمان عن يعقوب )
( جاءوا كما اتسق الحساب أصاله ... وغدا فذالك ذلك المكتوب )
( متجسدا من جوهر النور الذى ... لم ترم يوما شمسه بغروب )
( متألقا من مطلع الحق الذى ... هو نور أبصار وسر قلوب )
( قل للزمان وقد تبسم ضاحكا ... من بعد طول تجهم وقطوب )
( هى دعوة الحق التى أوضاعها ... جمعت من الآثار كل غريب )
( هى دعوة العدل الذى شمل الورى ... فالشاة لا تخشى اعتداء الذيب )
( لو إن كسرى الفرس أدرك فارسا ... ألقى إليه بتاجه المعصوب )
( لما حللت بأرضه مستمليا ... ما شئت من بر ومن ترحيب )
( شمل الرضى فكأن كل أقاحة ... تومى بثغر للسلام شنيب )
( وأتيت فى بحر القرى أم القرى ... حتى حطط بمرفإ التقريب )
( فرأيت أمن الله فى ظل التقى ... والعدل تحت سرادق مضروب )
( ورأيت سيف الله مطرور الشبا ... يمضى القضاء بحده المرهوب )
( وشهدت نور الحق ليس بآفل ... والدين والدنيا على ترتيب )
( ووردت بحر العلم يقذف موجه ... للناس من درر الهدى بضروب )
( لله من شيم كأزهار الربى ... غب انثيال العارض المسكوب )
( وجمال مرأى فى رداء مهابة ... كالسيف مصقول الفرند مهيب )
( يا جنة فارقت من غرفاتها ... دار القرار بما اقتضته ذنوبى )
( أسفى على ما ضاع من حظى بها ... لا تنقضى ترحاته ونحيبي )
( إن أشرقت شمس شرقت بعبرتى ... وتفيض فى وقت الغروب غروبى )
( حتى لقد علمت ساجعة الضحى ... شجوى وجانحة الأصيل شحوبى )
( وشهادة الإخلاص توجب رجعتى ... لنعيمها من غير مس لغوب )
( يا ناصر الدين الحنيف وأهله ... أنضاء مسغبة وفل خطوب )
( حقق ظنون بنية فيك فإنهم ... يتعللون بوعدك المرقوب )
( ضاقت مذاهب نصرهم فتعلقوا ... بجناب عز من علاك رحيب )
( ودجا ظلام الكفر فى آفاقهم ... أوليس صبحك منهم بقريب )
( فانظر بعين العز من ثغر غدا ... حذر العدا يرنو بطرف مريب )
( نادتك أندلس ومجدك ضامن ... أن لا يخيب لديك ذو مطلوب )
( غصب العدو بلادها وحسامك ... الماضى الشبا مسترجع المغصوب )
( أرض السوابح فى المجاز حقيقة ... من كل قعدة محرب وجنيب )
( يتأود الأسل المثقف فوقها ... وتجيب صاهلة رغاء نجيب )
( والنصر يضحك كل مبسم غرة ... واليمن معقود بكل سبيب )
( والروم فارم بكل نجم ثاقب ... يذكى بأربعها شواظ لهيب )
( بذوابل السلب التى تركت بنى ... زيان بين مجدل وسليب )
( وأضف إلى لام الوغى ألف القنا ... تظهر لديك علامة التغليب )
( إن كنت تعجم بالعزائم عودها ... عود الصليب اليوم غير صليب )
( ولك الكتائب كالخمائل أطلعت ... زهر الأسنة فوق كل قضيب )
( فمرنح العطفين لا من نشوة ... ومورد الخدين غير مريب )
( يبدو سداد الرأى فى راياتها ... وأمورها تجرى على تجريب )
( وترى الطيور عصائبا من فوقها ... لحلول يوم فى الضلال عصيب )
( هذبتها بالعرض يذكر يومه ... عرض الورى للموعد المكتوب )
( وهى الكثائب إن تنوسى عرضها ... كانت مدونة بلا تهذيب )
( حتى إذا فرض الجلاد جداله ... ورأيت ريح النصر ذات هبوب )
( قدمت سالبه العدو وبعدها ... أخرى بعز النصر ذات وجوب )
( وإذا توسط وصل سيفك عندها ... جزأي قياسك فزت بالمطلوب )
( وتبرأ الشيطان لما أن علا ... حزب الهدى من حزبه المغلوب )
( الأرض إرث والمطامع جمه ... كل يهش إلى التماس نصيب )
( وخلائف التقوى هم وراثها ... فاليكما بالحظ والتعصيب )
( لكاننى بك قد تركت ربوعها ... قفرا بكر الغزو والتعقيب )
( وأقمت فيها مأتما لكنه ... عرس لنسر بالفلاة وذيب )
( وتركت مفلتها بقلب واجب ... رهبا وخد بالأسى مندوب )
( تبكى نوادبها وينقلن الخطا ... من شلو طاغية لشلو سليب )
( جعل الإله البيت منك مثابة ... للعاكفين وأنت خير مثيب )
( فإذا ذكرت كأن هبات الصبا ... فضت بمدرجها لطيمة طيب )
( لولا ارتباط الكون بالمعنى الذى ... قصر الحجى عن سره المحجوب )
( قلنا لعالمك الذى شرفته ... حسد البسيط مزية التركيب )
( ولأجل قطرك شمسها ونجومها ... عدلت من التشريق للتغريب )
( تبدو بمطلع أفقها فضية ... وتغيب عندك وهى فى تذهيب )
( مولاي أشواقى اليك تهزنى ... والنار تفضح عرف عود الطيب )
( بحلى علاك أطلتها وأطبتها ... ولكم مطيل وهو غير مطيب )
( طالبت أفكارى بفرض بديهها ... فوفت بشرط الفوز والترتيب )
( متنبىء أنا فى حلى تلك العلى ... لكن شعرى فيك شعر حبيب )
( والطبع فحل والقريحة حرة ... فاقبله بين نجيبه ونجيب )
( هابت مقامك فاطبيت صعابها ... حتى غدت ذللا على التدريب )
( لكننى سهلتها وأدلتها ... من كل وحشي بكل ربيب )
( إن كنت قد قاربت فى تعديلها ... لا بد فى التعديل من تقريب )
( عذرىلتقصيرى وعجزىناسخ ... ويجل منك العفو عن تثريب )
( من لم يدن لله فيك بقربة ... هو من جناب الله غير قريب )
ولما احتفل السلطان لإعذار ولده نظمت هذه القصيدة مساعدة لمن نظم من الأصحاب وتشتمل على أوصاف من ذكر الحلبة التى أرسلها والطلبة التى
نصبها فى الهواء للفرسان يرسلون العصى إليها والثيران التى أرسل عليها الأكلب الرومية تمسكها فى صورة القرط من آذانها وهى آخر النظم فى الأغراض السلطانية قصر الله تعالى ألسنتنا على ذكره وشغلها به عن غيره
( شحطت وفود الليل بان به الوخط ... وعسكره الزنجى هم به القبط )
( أتاه وليد الصبح من بعد كبره ... أيولد أجنا ناحل الجسم مشمط )
( كأن النجوم الزهر أعشار سورة ... ومن خطرات الرجم أثناءها مط )
( وقد وردت نهر المجرة سحره ... غوائص فيه مثلما تفعل البط )
( وقد جعلت تفلى بأنملها الفلا ... ويرسل منها فى غدائرة مشط )
( يجف عباب الليل عنهاجواهرا ... فيكثر فيها النهب للحين واللقط )
( فسارت خيالا مثلها غير أنه ... من البث والشكوى يبين له لغط )
( سرت سلخ شهر فى تلفت مقلة ... على قثب الأحلام تسمو وتنحط )
( لى الله من نفس شعاع ومهجة ... إذا قدحت لم يخب من زندها سقط )
( ونقطة قلب أصبحت منشأ الهوى ... وعن نقطة مفروضة ينشأ الخط )
( فأقسم لولا زاجر الشيب والنهى ... ونفس لغير الله ما خضعت قط )
( لريع لها الأحراس منى بطارق ... مفارقة شمط وأسيافه شمط )
( تناقله كوماء سامية الذرا ... ويقذفه شهم من النيق منحط )
( ولولا النهى لم تستهن سبل الهدى ... وكاد وزان الحق يدركه الغمط )
( ولولا عوادى الشيب لم يبرح الهوى ... يهيجه نوء على الرمل مختط )
( ولولا أمير المسلمين محمد ... لهالت بحار الروع واحتجب الشط )
( ينوب عن الإصباح إن مطل الدجى ... ويضمن سقى السرح إن عظم القحط )
( تقر له الأملاك بالشيم العلا ... إذا بذل المعروف أو نصب القسط )
( أرادوه فارتدوا وجاروه فانثنوا ... وساموه فى مرقى الجلالة فانحطوا )
( تبر على المداح غر خلاله ... وما رسموا فوق الطروس وما خطوا )
( تعلم منه الدهر حالية فى الورى ... فآونه يسخو وآونة يسطو )
( ويجمع بين القبض والبسط كفه ... بحكمه من فى كفه القبض والبسط )
( خلائق قد طابت مذاقا ونفحة ... كما مزجت بالبارد العذب إسفنط )
( أسبط الإمام الغالبي محمد ... ويا فخر ملك كنت أنت له سبط )
( وقتك أواقى الله من كل غائل ... فأي سلاح ما المجن وما اللمط )
( لقد زلزلت منك العزائم دولة ... أناخت على الإسلام تجنى وتشتط )
( إيالة غدر ضيع الله ركنها ... ونادى بأهليها التبار فلم يبطوا )
( على قدر جلى بك الله بؤسها ... ولا يكمل البحران أو ينضج الخلط )
( وكانوا نعيم الجنتين تفيأوا ... ولما يقع منها النزول ولا الهبط )
( فقد عوضوا بالأثل والخمط بعدها ... وهيهات أين الأثل منها أو الخمط )
( فمن طائح فوق العراء مجدل ... ومن راسف فى القيد أزهقه الضغط )
( وأتحف منك الله أمة أحمد ... أمانا كما يضفو على الغادة المرط )
( أنمت على مهد الأمان عيونها ... فيسمع من بعد السهاد لها غط )
( وصم صدى الدنيا فلما رحمتها ... تزاحم مرتاد عليها ومختط )
( وأحكمت عقد السلم لم تأل بعده ... وجاء فصح العقد واستوثق الربط )
( وأيقن مرتاب وأصحب نافر ... وأذعن معتاص وأقصر مشتط )
( ولله مبناك الذى معجزاته ... سمت أن توافيها الشفاه أو الخط )
( وأنست غريب الدار مسقط رأسه ... ومن دون فرخيه القتادة والخرط )
( تناسبت الأوضاع فيك وأحكمت ... على قدر حتى الأرائك والبسط )
( فجاء على وفق العلا رائق الحلى ... كما سمط المنظوم أو نظم السمط )
( ولله إعذار دعوت له الورى ... فهبوا لداعيه المهيب وإن شطوا )
( تقودهم الزلفى ويدعوهم الرضى ... ويحدوهم الخصب المضاعف والغبط )
( وأغريت بالبهم العلاج تحفيا ... فلم يذخر الشىء الغريب ولا السمط )
( أتت صورة معلولة عن مزاجها ... وأصل اختلاف الصورة المزج والخلط )
( قضيت بها دين الزمان ولم يزل ... اكد كذوب الوعد يلوى ويشتط )
( وأرسلت يوم السبق كل طمرة ... كما قذف الملمومة النار والنفط )
( رنت عن كحيل كالغزال إذا رنا ... وأوفت بهاد كالظليم إذا يعطو )
( وقامت على منحوته من زبرجد ... تخط على الصم الصلاب إذا تخطو )
( وكل عتيق من تماثل رومة ... تأنق فى استخطاطه القس والقمط )
( وطاعنة نحر السكاك أعانها ... على الكون عرق واشج ولحى سبط )
( تلقف حيات العصى إذا هوت ... فثعبانها لا يستقيم له سرط )
( أزرت بها بحر الهواء سفينة ... على الجو لا الجودي كان لها حط )
( وطاردت مقدام الصوار بجارح ... يصاب به منه الصماخ أو الإبط )
( متين الشوا فى رأسه سمهرية ... مقصرة عنهن ما ينبت الخط )
( وقد كا ذا تاج فلما تعلقا ... بسامعتيه زانه منهما قرط )
( وجىء بشبل الملك ينجد عزمه ... عليه الحفاظ الجعد والخلق السبط )
( سمحت به لم ترع فرط ضنانه ... وفى مثلها من سنة يترك الفرط )
( فأقدم مختارا وحكم عاذرا ... ولم يشتمل مسك عليه ولا ضبط )
( ولو غير ذات الله رامته نضنضت ... قنا كالأفاعى أو دونهما الرقط )
( وأسد نزال من ذؤابه خزرج ... بهاليل لا روم القديم ولا قبط )
( جلادهم مثنى إذا اشتجر الوغى ... كأن رعاء بالعضاه لها خبط )
( كتائب أمثال الكتاب تتاليا ... فمن بيضها شكل ومن سمرها نقط )
( دليلهم القرآن يا حبذا الهدى ... ورهطهم الأنصار يا حبذا الرهط )
( وبيض كأمثال البروق غمامها ... إذا وشحت سحب القتام دم عبط )
( ولكنه حكم يطاع وسنة ... وأعمال بر لا يليق بها الحبط )
( وربت نقص للكمال مآله ... ولا غرو فالأقلام يصلحها القط )
( فهنيته صنعا ودمت مملكا ... عزيزا تشيد المعلوات وتختط )
( ودون الذى يهدي ثناؤك فى الورى ... من الطيب ما تهدي الألوة والقسط )
( رضيت من لم يرض بالله حاكما ... ضلالا فلله الرضى وله السخط )
( حياتك للإسلام شرط حياته ... ولا يوجد المشروط إن عدم الشرط )
هذا كاف فى المطولات لنجلب منها عرضا يدل على حبوبها ونتحف منها أنفس الظرفاء بمطلوبها منقولة من الكتاب المسمى ب أبيات الأبيات ومن الكتاب المسمى ب الصيب والجهام
فمن التورية على طريقة المشارقة قولى
( مضجعى فيك عن قتادة يروي ... وروى عن أبى الزناد فؤادي )
( وكذا النوم شاعر فيك أمسى ... من دموعى يهيم فى كل وادي )
( ولما رأت عزمى حثيثا على السرى ... وقد رابها صبري على موقف البين )
( أتت بصحاح الجوهري دموعها ... فعارضت من دمعى بمختصر العين ) 3وفى هذا المعنى
( كتبت بدمع عيني صفح خدي ... وقد منع الكرى هجر الخليل )
( وراب الحاضرين فقلت هذا ... كتاب العين ينسب للخليل )
ومن الأغراض الظريفة فيها
( تعجلت وخط الشيب فى زمن الصبا ... لخوضى غمار الهم فى طلب المجد )
( فمهما رأيتم شيبة فوق مفرقى ... فلا تنكروها إنها شيبة الحمد )
ومن التورية بالنجوم والكاتب بيته بيت شرفه
( بأوت على زمنى همه ... فأعتبنى الزمن العاتب )
( وشرفنى الله فى موطنى ... وفى بيته يشرف الكاتب )
وأبدع منها قولى لمن يدعى بشمس الدين
( قل لشمس الدين وقيت الردى ... لم يدع سقمك عندى جلدا )
( رمدت عينك هذا عجب ... أوعين الشمس تشكو الرمدا ) وقلت فى غرض التورية بما يظهر من الأبيات
( أفل الألى كانوا نجو ... ما للورى فالكون مظلم )
( وتناكر الناس الحديث ... الحق وافتقد المعلم )
( أنا كاتب السلطان ما ... طالعت قط كتاب مسلم )
( إلا سخاما قادحا ... فى الدين والله المسلم )
وفى معنى الدعابة مع بعض الطلبة
( قال لى عندما أتى بجدال ... وشكوك على أصول الدين )
( ولسانى يبدل الدال تاء ... عاجز فى الأمور عن تبيين )
( التمس مخرجا يوافق قولى ... قلت أحسنت يا جلال التين )
وفى التورية
( اذمم ذوى التطفيل مهما أتى ... وإن تكن أجملتهم فاعنه )
( يمشى على رجليه مع أنه ... من جنس من يمشى على بطنه ) وقلت
( أفقد جفنى لذيذ الوسن ... من لم أزل فيه خليع الرسن )
( عذاره المسكى فى خده ... أنبته الله النبات الحسن ) وقلت فى رثاء من اسمه حسن
( أشكو إلى الله من بثى ومن شجنى ... لم أجن من محنتى شيئا سوى محن )
( أصابت الحسن العين التى رشقت ... وعادة العين لا تصمى سوى الحسن ) وفى الشيب
( تفر عن الشيب الغوانى تعززا ... كما يعتريها إن رأت سام أبرصا )
( بدا وضحا فى جده العمر شانيا ... فمن سام شيخا فهو قد سام أبرصا ) وقلت فى السها من النجوم الجوفية
( قالوا السها بادي النحول كأنه ... متستر تبدو مخايل خوفه )
( أتراه يشكو قلت هذا ممكن ... والله يعلم داره من جوفه )
وقلت
( عابوا وقالوا بساقه شعر ... لقد عداه الكمال من ساق )
( قلت أنظروا ورد روض وجنته ... وكل ورد مشوك الساق ) وقلت فى التضمين
( رفعت قصة اشتياقى ليحيى ... فزوى الوجه رافضا للفتوه )
( ورمى بالكتاب ضعف اهتبال ... قلت ( يحيى خذ الكتاب بقوة ) ) وقلت
( وذى حيل يعيى التقية أمره ... مكايده فى لجة الليل تسبح )
( يدب شبول الليث والليث ساهر ... ويسرق ناب الكلب والكلب ينبح ) وقلت
( لما رأوا كلفي به ودروا ... مقدار ما لى فيه من حب )
( قالوا الفتى حلو فقلت لهم ... طلعت حلاوته على قلبى ) وقلت ولهما حكاية
( وذي زوجة تشكو فقلت له اسقها ... دواء من الحب الملين للبطن )
( فقال أبت شرب الدواء بطبعها ... فقلت اسقها إن عافت الشرب بالقرن ) وقلت
( لعنوا بريا من خبائث ظنهم ... فالله يلعن أهل سوق العنبر )
( والله لا أوطأت ساقى سوقهم ... أبد الزمان فتلك سوق العن بري ) ومن الفكاهات
( ولما دعانى داعى الهوى ... وأخلف ما كنت أملته )
( ولم يبق غير البكا حيلة ... بكيت بمقدار ما نلته ) وقلت وقد رفع للسلطان باكورة بنفسج
( قدم البنفسج وهو نعم الوارد ... قدنم منه إلى طيب زائد )
( فسألته ما باله فأجابنى ... والحق لا يبغى عليه شاهد )
( أقبلت أطلب من بنان محمد ... صلة فعاد على منه عائد ) وقلت من التشبيه
( سهرنا وفى سير النجوم اعتبارنا ... إلى أن ضفا لليل من فوقنا ريط )
( فخلنا شهاب الرجم إبرة خائط ... مسوحا وما يبقى من الذنب الخيط ) وقلت أودع صديقا أنست به
( فلاحة مثلى ممقوتة ... وإن أعجب البدء منها وراق )
( زرعت اللقاء وعالجته ... فلم أستفد منه إلا الفراق ) ومن تضمين المثل
( لا تهج بالذكر فى كبدى ... نار وجد شق محتمله )
( ويقول الناس فى مثل ... لا تحرك من دنا أجله ) ومن المدح
( عجبا لراحتك الملثة بالندى ... أن لا تكون على الغمام غماما )
( يهمي ووجهك نوره متألق ... والقطر إن سحب السحاب أغاما ) ومن أبيات المدح
( يا ناصر الدين لما قل ناصره ... ومطلع الجود فى الدنيا وقد أفلا )
( لولا التشهد والترداد منك له ... لم يسمع الناس يوما من لسانك لا ) ومن أوصاف صنيع سلطانى
( ماذا أحدث فى صنيع خلافة ... هشت اليه الشهب فى آفاتها )
( فكأنماالجوزاء حين تعرضت ... شدت لتخدم فيه عقد نظاقها ) ومن قصيدة فى وصف فرس
( فبوأته من مهجتى متبوأ ... خفيا على سر الفؤاد المكتم )
( ويا عجبا منى وفرط تشيعي ... أهيم بوجدي فيه وهو ابن ملجم ) ومن الحماسة فى التورية بالمنطق
( حتى إذا فرض الجلاد جداله ... ورأيت ريح النصر ذات هبوب )
( قدمت سالبه العدو وبعدها ... أخرى بعز النصر ذات وجوب )
( وإذا توسط حد سيفك عندها ... جزأي قياس فزت بالمطلوب ) وفى خاتمة قصيدة
( ما ضرنى إن لم أجىء متقدما ... السبق يعرف آخر المضمار )
( ولئن غدا ربع البلاغة بلقعا ... فلرب كنز فى أساس جدار ) ومن المدح
( إن أبهم الخطب جلى فى دجنته ... رأيا يفرق بين الرأى والرشد )
( وإن عتا الدهر أبدى من أسرته ... وكفه هدى حيران وري صد )
( وإن نظرت إلى لألاء غرته ... يوم الهياج رأيت الشمس فى الأسد ) ومن الأوصاف فى قصيدة
( كم ليال بت فى ظلمائها ... أمتطى من نار شوقى فرشا )
( وكأن النجم شرب ثمل ... واصل الثمل حتى ارتعشا ) ومن التورية بالكفتين من الحيل العددية
( لا عدل فى الملك إلا وهو قد نصبه ... وصير الخلق فى ميزانه عصبه )
( والكفتان ترى من كفه درتا ... أن تخرج العدد المجهول للطلبه ) وفى رجل يحتال على الولاية
( حلفت لهم بأنك ذو يسار ... وذو ثقة وبر فى اليمين )
( ليستندوا اليك بحفظ مال ... فتأكل باليسار وباليمين ) وقلت ولهما حكاية تظهر من الأبيات
( قلت لما استقل مولاي زرعى ... ورأى غلة الطعام قليلة )
( دمنتى لانتجاعى الحرث كلت ... فهى اليوم دمنه وكليلة ) ومما صدرت به كتابا لأحد الفضلاء
( يا من تقلد للعلاء سلوكا ... والفضل صير نهجه مسلوكا )
( كاتبتنى متفضلا فملكتنى ... لا زلت منك مكاتبا مملوكا ) وقلت فى غرض يظهر منه
( جلس المولى لتسليم الورى ... ولفصل البرد فى الجو احتكام )
( فإذا ما سألوا عن يومنا ... قلت هذا اليوم برد وسلام ) وقلت من التورية
( يا مالكى بخلال ... تهدى إلى القلب حيره )
( أضرمت قلبى نارا ... يا مالك بن نويره ) وقلت فى التورية
( أضاف إلى الجفون السود شعرا ... كجنح الليل أو صبغ المداد )
( فقلت أمير هذا الحسن تزكو ... الأجور له بتكثير السواد ) وقلت أيضا
( بأبى بدر غزانى ... مستبيحا شرح صدرى )
( فأنا اليوم شهيد ... الحب من غزوة بدر ) وقلت ولهما حكاية
( أيا ليلة بالخصب لم تأل شهرة ... كما اشتهرت فى فضلها ليلة القدر )
( فآمن قلب اللوز من علة النوى ... وأصبح فيها التين منشرح الصدر ) ومن النزعات المشرقية فى التورية
( يا قائدي نحو الغرام بمقلة ... نفقت حلاوتها بكل فؤادي )
( ماذا جنيت على من مضض الهوى ... الله ينصف منك يا قوادي )
ومن هذا النمط المشرقى
( وقالت حلقت الكس منى بنورة ... فقلت لها استنصرت من ليس ينصر )
( ألا فابلغى عنى فديتك واصدقى ... محلق ذاك الكس أنى مقصر ) ومنها
( قال لى والدموع تنهل سحا ... فى عراض من الخدود محول )
( بك ما بى فقلت مولاي عافاك ... المعافى من عبرتى ونحولى )
( أنا جفني القريح يروى عن الأعمش ... والجفن منك عن مكحول ) ومن أبيات التورية أو ما داخلته
( فى مصر قلبى من خزائن يوسف ... حب وعير مدامعى تمتاره )
( حليت شعرى باسمه فكأنه ... فى كل قطر حله ديناره ) ومن المدح أيضا ولا أستحضر لقبه
( رأيت بكفك اعتبارا ... بأسا وندى ما إن يبارى )
( فقلت وقد عجبت منها ... يا بحر متى تدعو نوارا ) وقلت مما يجرى مجرى الحكم
( إن الهوى لشكاية معروفة ... صبر التصبر من أجل علاجها )
( والنفس إن ألفت مرارة طعمه ... ضمنت بذاك له صلاح مزاجها ) ومن الغرائب فى الأوصاف
( كأنما الروض ملك ... باهى به جلساه )
( يرضى النديم فمهما ... سقى الرياض كساه ) وفى غرض النسيب
( أصبح الخد منك جنة عدن ... مجتلى أعين وشم أنوف )
( ظللته من الجفون سيوف ... جنة الخلد تحت ظل السيوف ) وقلت فى النسيب
( أرسلت طرفى فى حلاك بنظرة ... هى كانت السبب الغريب لما بى )
( وأراك بالعبرات قد عاقبتها ... ليس الرسول بموضع لعقاب ) ومن تحسين القبيح
( وأحول يعدي القلب سهم جفونه ... فتضحى صحيحات القلوب به مرضى )
( رأى الحسن أن اللحظ منه مهند ... فحرفه كيما يكون له أمضى ) ومن النزعات الحسنة
( من لى بذكرى كلما أوجزتها ... تمحو سلوى واشتياقى تثبت )
( وسحاب دمع كلما أمطرته ... غير القتاد بمضجعى لا ينبت ) ومن النسيب
( جاء العذار بظل غير ممدود ... فمنتهى الحسن منه غير محدود )
( ناديت قلبى إذ لاحت طلائعه ... يا صبر أيوب هذا درع داود ) وفى نقيضه
( ما ضر منى أن أخلفت موعودي ... وروض خدك أضحى ذاوي العود )
( وقال قوس عذار فوق صفحته ... سفينة الحسن قد حطت على الجودي )
ومن التضمين
( يا من بأكناف فؤادي ربع ... قد ضاق بى عن حبك المتسع )
( ما فيك لى جدوى ولا أرعوي ... شح مطاع وهوى متبع ) ومن الأغراض المخترعة
( أنكرت لما أطل عارضه ... فقال لى حين رابه نظرى )
( ألم تقل لى بأننى قمر ... فانظر إلى وبر أرنب القمر ) ومن التضمين
( يا كوكب الحسن يا معناه يا قمرة ... يا روضة المتناهى الريع يا ثمرة )
( أمرتنى بسلو عنك ممتنع ... مأمور حسنك لما يقض ما أمره ) وقلت
( لما رضيت بفرقتى وبعادي ... وصرمت آمالى وخنت ودادي )
( لاعنت أم الصبر فيك وبعده ... ورثت للأشجان كنز فؤادي )
( فالصبر مني أجنبي بعدها ... ولواعج الأشجان من أولادي ) ومن الأغراض المشرقية
( سار بى للأمير يشكو اعتراضى ... يوسف والشهود أبناء جنسه )
( قال لى ما تقول قلت مجيبا ... لم نخف من نكاله أو لحبسه )
( حصحص الحق يا خوند فدعنى ... أنا راودت يوسفا عن نفسه ) ومن الأوصاف
( بثنا نطارح هم القحط ليلتنا ... وأيد الهم والسهد البراغيثا )
( وكان يحمد ما كنا نكابده ... من المشقة لو أن البرا غيثا ) وفى قريب من المعنى
( وقالوا بدت منكم على الجسم حمرة ... فقلت براغيث لكم رقطونا )
( عدت نحونا ليلا ومن بعدنا اغتدت ... كما رقصت فى القلو بزر قطونا ) ومن التضمين
( قال جوادي عندما ... همزت همزا أعجزه )
( إلى متى تهمزنى ... ( ويل لكل همزه ) ) وفى رثاء السلطان أبى الحجاج رحمه الله تعالى
( غبت فلا عين ولا مخبر ... ولا انتظار منك مرقوب )
( يا يوسف أنت لنا يوسف ... وكلنا فى الحزن يعقوب ) وقلت ولهما حكاية
( طال حزنى لنشاط ذاهب ... كنت أسقى دائما من حانه )
( وشباب كان يندى نضره ... نزل الثلج على ريحانه ) وقلت وقد أعجبني نشاط ولدي
( سرق الدهر شبابي من يدي ... ففؤادي مشعر بالكمد )
( وحمدت الأمر إذ أبصرته ... باع ما أفقدنى من ولدي )
وقلت ولهما حكاية
( قلت للشيب لا يربك جفائى ... فى اختصاري لك البرور ومقتك )
( أنت بالعتب يا مشيبي أولى ... جئتنى غفلة وفى غير وقتك ) ومما خططته فى رملة نزلتها
( أقمنا برهة ثم ارتحلنا ... كذاك الدهر حال بعد حال )
( وكل بداية فإلى انتهاء ... وكل إقامة فإلى ارتحال )
( ومن سام الزمان دوام أمر ... فقد وقف الرجاء على المحال ) وقلت أيام مقامى بسلا
( أيا أهل هذا القطر ساعده القطر ... بليت فدلونى لمن يرفع الأمر )
( تشاغلت بالدنيا ونمت مفرطا ... وفى شغلى أو نومتى سرق العمر ) وقلت والبقاء لله وحده وبه نختم الهذر
( عد عن كيت وكيت ... ما عليها غير ميت )
( كيف ترجو حالة البقيا ... لمصباح وزيت )
انتهى ما نقلته من الإحاطة من ترجمة نظمه وبعض ما ذكر هنا قد تقدم وكررته لكونه بلفظه فى الإحاطة وقد ذكرت أثناء الأبواب غير هذا الباب من نظم لسان الدين رحمه الله تعالى كثيرا ولنعزز ذلك هنا بذكر ما لم يتقدم ذكره إذ نظمه بحر لا ساحل له ولذا كتب ابنه أبو الحسن على هذا المحل من الإحاطة ما صورته ولوالدى أيضا المترجم به رحمه الله تعالى فى سكين الأضاحى لسلطانه أبى الحجاج يوسف بن نصر فيما يكتب بالسكين المضحية
( لي الفخر إن أبصرتنى أو سمعت لى ... على كل مصقول الغرارين مرهف )
( كفانى فخرا أن ترانى قائما ... بسنة إبراهيم فى كف يوسف ) ومقطوعاته كثيرة لم يتضمن هذا الديوان منها إلا القليل بسبب الاختصار ومن أراد الوقوف على جملتها فعليه بكتاب الصيب والجهام فى شعره رحمه الله تعالى قال ذلك ولده على لطف الله تعالى به آمين انتهى
فمن ذلك قوله رحمه الله تعالى
( عسى خطرة بالركب يا حادى العيس ... على الهضبة الشماء من قصر باديس )
( لنظفر من ذاك الزلال بعلة ... وننعم فى تلك الظلال بتعريس )
( حبست بها ركبى فواقا وإنما ... عقدت على قلبى بها عقد تحبيس )
( لقد رسخت آي الجوى فى جوانحى ... كما رسخ الإنجيل فى قلب قسيس )
( بميدان جفنى للسهاد كتيبة ... تغير على سرح الكرى فى كراديس )
( وما بى إلا نفحة حاجرية ... سرت والدجى ما بين وهن وتغليس )
( ألا نفس يا ريح من جانب الحمى ... تنفس من نار الجوى بعض تنفيس )
( ويا قلب لا تلق السلاح فربما ... تعذر فى الدهر اطراد المقاييس )
( وقد تعتب الأيام بعد عتابها ... وقد يعقب الله النعيم من البوس )
( ولا تخش لج الدمع يا خطرة الكرى ... إلى الجفن بل قيسي على صرح بلقيس )
( تقول سليمى ما لجسمك شاحبا ... مقالة تأنيب يشاب بتانيس )
( وقد كنت تعطو كلما هبت الصبا ... بريان فى ماء الشبيبة مغموس )
( ومن رابح الأيام يا ابنة عامر ... بجوب الفلا راحت يداه بتفليس )
( فلا تحسبى والصدق خير سجية ... ظهور النوى إلا بطون النواميس )
( وقفراء أما ركبها فمضلل ... ومربعها من آنس غير مأنوس )
( سحبنا بها من هضبة لقرارة ... ضلالا وملنا من كناس الى خيس )
( إذا ما نهضنا عن مقيل غزالة ... نزلنا فعرسنا بساحة عريس )
( أدرنا بها كأسا دهاقا من السرى ... أملنا بها عند الصباح من الروس )
( وحانة خمار هدانا لقصدها ... شميم الحميا واصطكاك النواقيس )
( تطلع ربانيها من جداره ... يهينم فى جنح الظلام بتقديس )
( بكرنا وقلنا إذ نزلنا بساحة ... عن الصافنات الجرد والضمر العيس )
( أيا عابد الناسوت إنا عصابه ... أتينا لتثليث بلى ولتسديس )
( وما قصدنا إلا المقام بحانه ... وكم ألبس الحق المبين بتلبيس )
( فأنزلنا قوراء فى جنباتها ... محاريب شتى لاختلاف النواميس )
( بدرنا بها طين الختام بسجدة ... أردنا بها تجديد حسرة إبليس )
( ودار العذارى بالمدام كأنها ... قطيع تهادى فى رياش الطواويس )
( وصارفنا فيها نضارا بمثله ... كأنا ملأنا الكاس ليلا من الكيس )
( وقمنا نشاوى عندما متع الضحى ... كما نهضت غلب الأسود من الخيس )
( فقال لبئس المسلمون ضيوفنا ... أما وأبيك الحبر ما نحن بالبيس )
( وهل فى بنى مثواك إلا مبرز ... بحلبة شورى أو بحلقة تدريس )
( إذا هز عسال اليراعة فاتكا ... أسال نجيع الحبر فوق القراطيس )
( يقلب تحت النقع مقلة ضاحك ... إذا التفت الأبطال عن مقل شوس )
( سبينا عقار الروم فى عقر دارها ... بحلية تمويه وخدعة تدليس )
( لئن أنكرت شكلى ففضلى واضح ... وهل جائز فى العقل إنكار محسوس )
( رسبت بأقصى الغرب ذخر مضنة ... وكم دره علياء فى قاع قاموس )
( وأغريت سوسي بالعذيب وبارق ... على وطن دانى الجوار من السوس ) ومن أبدع ما صدر عن لسان الدين رحمه الله تعالى لاميته المشهورة التى خاطب بها السلطان حين عاد من المغرب إلى الأندلس وأعاد الله تعالى عليه ملكه الذى كان خلع منه ويقال إن السلطان أمر بكتب هذه القصيدة على قصوره بالحمراء إعجابا بها وإنها إلى الآن لم تزل مكتوبة بتلك القصور التى استولى عليها العدو الكافر أعادها الله تعالى للإسلام وأول هذه القصيدة
( الحق يعلو والأباطل تسفل ... والله عن احكامه لا يسأل ) قال لسان الدين رحمه الله تعالى نظمتها للسلطان أسعده الله تعالى وأنا بمدينة سلا لما انفصل طالبا حقه بالأندلس كان صنع الله تعالى براعة استهلالها ووجهت بها اليه إلى رندة قبل الفتح ثم لما قدمت أنشدتها بعد الفتح وفاء بنذري وسميتها المنح الغريب فى الفتح القريب ومنها
( وإذا استحالت حالة وتبدلت ... فالله عز و جل لا يتبدل )
( واليسر بعد العسر موعود به ... والصبر بالفرج القريب موكل )
( والمستعد لما يؤمل ظافر ... وكفاك شاهد قيدوا وتوكلوا )
( أمحمد والحمد منك سجية ... بحليها دون الورى تتجمل )
( أما سعودك فهى دون منازع ... عقد بأحكام القضاء مسجل )
( ولك السجايا الغر والشيم التى ... بغريبها يتمثل المتمثل )
( ولك الوقار إذا تزلزلت الربى ... وهفت من الروع الهضاب المثل )
( عوذ كمالك ما استطعت فإنه ... قد تنقص الأشياء مما تكمل )
( تاب الزمان إليك مما قد جنى ... والله يأمر بالمتاب ويقبل )
( إن كان ماض من زمانك قد مضى ... بإساءة قد سرك المستقبل )
( هذا بذاك فشفع الجانى الذى ... أرضاك فيما قد جناه الأول )
( والله قد ولاك أمر عباده ... لما ارتضى بك قيما لا تعزل )
( وإذا تغمدك الإله بنصره ... وقضى لك الحسنى فمن ذا يخذل ) ومنها
( وظعنت عن أوطان ملكك راكبا ... متن العباب فأي صبر يجمل )
( والبحر قد حنيت عليك ضلوعه ... والريح تقطع للزفير وترسل )
( ولك الجواري المنشآت قد اغتدت ... تختال فى برد الشباب وترفل )
( جوفاء يحملها ومن حملت به ... من يعلم الأنثى وماذا تحمل ) ومنها
( صبحتهم غرر الجياد كأنما ... سد الثنية عارض متهلل )
( من كل منجرد أغر محجل ... يرمى الجلاد به أغر محجل )
( زجل الجناح إذا أجد لغاية ... وإذا تغنى للصهيل فبلبل )
( جيد كما التفت الظليم وفوقه ... أذن ممشقة وطرف أكحل )
( فكأنما هو صورة فى هيكل ... من لطفه وكأنما هو هيكل )
ومنها
( وخليج هند راق حسن صفائه ... حتى يكاد يعوم فيه الصيقل )
( غرقت بصفحته النمال وأوشكت ... تبغى النجاة فأوثقتها الأرجل )
( فالصرح منه ممرد والصفح ... منه مورد والشط منه مهدل )
( وبكل أزرق إن شكت الحاظه ... مرة العيون فبالعجاجة تكحل )
( متأود أعطافه فى نشوة ... مما يعل من الدماء وينهل )
( عجبا له أن النجيع بطرفه ... رمد ولا يخفى عليه مقتل ) ومنها
( لله موقفك الذى وثباته ... وثباته مثل به يتمثل )
( والخيل خط والمجال صحيفة ... والسمر تنقط والصوارم تشكل )
( والبيض قد كسرت حروف جفونها ... وعوامل الأسل المثقف تعمل )
( لله قومك عند مشتجر القنا ... إذ ثوب الداعى المهيب وأقبلوا )
( قوم إذا لفح الهجير وجوههم ... حجبوا برايات الجهاد وظللوا ) وهى طويلة لم يحضرنى الآن منها سوى ما كتبته
ومن نظمه رحمه الله تعالى قوله
( يا إمام الهدى وأي إمام ... أوضح الحق بعد إخفاء رسمه )
( أنت عبد الحليم حلمك نرجو ... فالمسمى له نصيب من اسمه ) وقال يخاطب عبد الواحد بن زكريا بن أحمد اللحيانى أبا مالك ابن سلطان إفريقية مودعا
( أبا مالك أنت نجل الملوك ... غيوث الندى وليوث النزال )
( ومثلك يرتاح للمكرمات ... وما لك بين الورى من مثال )
( عزيز بأنفسنا ان نرى ... ركابك مؤذنة بارتحال )
( وقد خبرت منك خلقا كريما ... أناف على درجات الكمال )
( وفازت لديك بساعات أنس ... كما زار فى الليل طيف الخيال )
( ولولا تعللنا أننا ... نزورك فوق بساط الجلال )
( ونبلغ فيك الذى نبتغى ... وذاك على الله سهل المنال )
( لما فترت أنفس من أسى ... ولا برحت أدمع فى انهمال )
( تلقتك حيث حللت السعود ... وكان لك الله فى كل حال )
وتوفى أبو مالك المخاطب بهذا فى بلاد الجريد سنة 750
ومن نظم ابن الخطيب قوله لما أشرف على الحضرة المراكشية حاطها الله تعالى
( ماذا أحدث عن بحر سبحت به ... من البحار فلا إثم ولا حرج )
( دحاه مبتدع الأشياء مستويا ... ما إن به درك كلا ولا درج )
( حتى إذا ما المنار الفرد لاح لنا ... صحت ابشري يا مطايا جاءك الفرج )
( قربت من عامر دارا ومنزلة ... والشاهد العدل هذا الطيب والأرج ) وقال رحمه الله تعالى
( كأنا بتامسنا نجوس خلالها ... وممدودها فى سيرنا ليس يقصر )
( مراكب فى البحر المحيط تخبطت ... ولا جهة تدري ولا البر تبصر )
وقال سامحه الله تعالى وهو مكتوب بالمدرسة التى بناها السلطان أبو الحجاج ابن نصر رحمه الله تعالى
( ألا هكذا تبنى المدارس للعلم ... وتبقى عهود المجد ثابتة الرسم )
( ويقصد وجه الله بالعمل الرضى ... وتجنى ثمار العز من شجر العزم )
( تفاخر منى حضرة الملك كلما ... تقدم خصم فى الفخار الى خصم )
( فأجدى إذا ضن الغمام من الحيا ... وأهدى إذا جن الظلام من النجم )
( فيا ظاعنا للعلم يطلب رحله ... كفيت اعتراض البيد أو لجج اليم )
( ببابى حط الرحل لا تنو وجهة ... فقد فزت فى حال الإقامة بالغنم )
( فكم من شهاب فى سمائى ثاقب )
( ومن هالة دارت على قمر تم )
( يفيضون من نور مبين إلى هدى ... ومن حكمه تجلو القلوب إلى حكم )
( جزى الله عنى يوسفا خير ما جزى ... ملوك بنى نصر عن الدين والعلم )
وقال رحمه الله تعالى مررت يوما مع شيخنا أبى البركات ابن الحاج ببعض مسالك غرناطة حرسها الله تعالى فأنشدنى من نظمه
( غرناطة ما مثلها حضره ... الماء والبهجة والخضرة )
واستجازنى رحمه الله تعالى فقلت
( سكانها قد أسكنوا جنة ... فهم يلقون بها نضره )
وقال فى تورية طبية
( إنى وإن كنت ذا اعتلال ... رث القوى بين الهزال )
( فى عارض التيس لى شفاء ... فكيف فى عارض الغزال )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب شيخه سيدي أبا عبد الله ابن مرزوق موطئا على بيت المشارقة فى العذار
( أما والذى تبلى لديه السرائر ... لما كنت أرضى الخسف لولا الضرائر )
( غدوت لضيم ابن الربيب فريسة ... أما ثار من قومى لنصري ثائر )
( إذا التمست كفى لديه جرايتى ... كأنى جان أوبقته الجرائر )
( وما كان ظنى أن أنال جراية ... يحكم من جرائها فى جائر )
( متى جاد بالدينار أخضر زائفا ... ودارته دارت عليها الدوائر )
( وقد أخرج التعنيت كيس مرارتى ... ورقت لبلواي النفوس الأخاير )
( تذكرت بيتا فى العذار لبعضهم ... له مثل بالحسن فى الأرض ثائر )
( وما اخضر ذاك الخد نبتا وإنما ... لكثرة ما شقت عليه المرائر )
( وجاه ابن مرزوق لدي ذخيرة ... وللشدة العظمى تعد الذخائر )
( ولو كان يدري ما دهاني لساءه ... وأنكر ما صارت إليه المصائر )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب أحد الشرفاء
( أعيا اللقاء علي إلا لمحة ... فى جملة لا تقبل التفصيلا )
( فجعلت بابك عن يمينك نائبا ... أهديه عند زيارتى تقبيلا )
( فإذا وجدتك نلت ما أملته ... أو لم أجدك فقد شفيت غليلا )
ولما دخل رحمه الله تعالى مدينة أنفا ومر منها على دار عظيمة تنسب إلى والي
جبايتها عبو من بنى الترجمان قارون قومه وغنى صنفه قال
( قد مررنا بدار عبو الوالى ... وهى ثكلى تشكو صروف الليالى )
( أقصدت ربها الحوادث لما ... رشقته بصائبات نبال )
( كان بالأمس واليا مستطيلا ... وهو اليوم ما له من وال )
وقال فى الشيخ ابن بطان الصنهاجي
( لله درك يا ابن بطان فما ... لشهير جودك فى البسيطة جاحد )
( إن كان فى الدنيا كريم واحد ... يزن الجميع فأنت ذاك الواحد )
( أجريت فضلك جعفرا يحيا به ... ما كان من مجد فذكرك خالد )
( فالقوم منك تجمعوا فى مفرد ... ولد كما شاء العلاء ووالد )
( وهى الليالى لا تزال صروفها ... يشقى بموقعها الكريم الماجد )
( وبمستعين الله يصلح منك ما ... قد كان أفسده الزمان الفاسد )
وقال رحمه الله تعالى وقد انتابه البرغوث
( زحفت إلى ركائب البرغوث ... نم الظلام بركبها المحثوث )
( بالحبة السوداء قابل مقدمى ... لله أي قرى أعد خبيث )
( كسحت بهن ذباب سرح تجلدى ... ليلا فحبل الصبر جد رثيث )
( إن صابرت نفسى أذاه تعبدت ... أو صحت منه أنفت من تحنيث )
( جيشان من ليل وبرغوث فهل ... جيش الصباح لصرختى بمغيث )
وقال يخاطب الوالى محمد بن حسون بن أبى العلاء وصدر بها رسالة
( لم يبق لى جود الولاية حاجة ... فى الأمن أو فى الجاه أو فى المال )
( بعد اللقاء أولو الفضائل بغيتي ... ورأيت هذا القصد شرط كمال )
( أجملته وتشوفت لبيانه ... همم فكنت مفسر الإجمال )
( وخصصت بالإلقاء غيرك غيره ... وجعلت ذكرك شاهد الأعمال )
( للبست يا ابن أبى العلا قشب الملا ... وتركت أهل الأرض فى أسمال )
( إن دون الفضلاء فضلا معلما ... فلقد أتيت عليه بالإكمال )
( تثني عليك رعيه آمالها ... فى أن تفوز يداك بالآمال )
( أرعيتها هملا فلم يطرق لها ... بمنيع سورك طارق الإهمال )
( من كنت واليه توالته العلا ... ومن اطرحت فما له من والي )
وقال فى عثمان بن يحيى بن عمر بن روح
( أسمى ذي النورين وجهك فى الوغى ... شمس الضحى حلت بليث عرين )
( إن تفتخر بمرين أرض العدوة ... القصوى فإنك أنت فخر مرين )
وقال رحمه الله تعالى عند وقوفه على مراكش واعتباره بما صار إليه أمرها
( بلد قد غزاه صرف الليالى ... وأباح المصون منه مبيح )
( فالذى خر من بناه قتيل ... والذى خر منه بعض جريح )
( وكأن الذى يزور طبيب ... قد تأتى له بها التشريح )
( أعجمت منه أربع ورسوم ... كان قدما بها اللسان الفصيح )
( كم معان غابت بتلك المغانى ... وجمال أخفاه ذاك الضريح )
( وملوك تعبدوا الدهر لما ... أصبح الدهر وهو عبد صريح )
( دوخوا نازح البسيطة حتى ... قال ما شاء ذابل وصفيح )
( حين شبت لهم من البأس نار ... ثم هبت لهم من النصر ريح )
( أثر يندب المؤثر لما ... طال بعد الدنو منه النزوح )
( ساكن الدار روحها كيف يبقى ... جسد بعدما تولى الروح )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب أحمد بن يوسف حفيد الولى الصالح سيدي أبى محمد صالح النائم فى ظل صيته رحمه الله تعالى
( يا حفيد الولى يا وارث الفخر ... الذى نال فى مقام وحال )
( لك يا أحمد بن يوسف جبنا ... كل قطر يعيي أكف الرحال )
وقال فى نفاضة الجراب لما خرجت من آسفى سرت إلى منزل ينسب إلى أبى خدو وفيه رجل من بنى المنسوب إليه اسمه يعقوب فألطف وأجزل وآنس فى الليل وطلبنى بتذكرة تثبت عندي معرفته فكتبت له
( نزلنا على يعقوب نجل أبى خدو ... فعرفنا الفضل الذى ما له حد )
( وقابلنا بالبشر واحتفل القرى ... فلم يبق لحم لم ننله ولا زبد )
( يحق علينا أن نقوم بحقه ... ويلقاه منا البر والشكر والحمد ) وقال
( أألقى إلى الأيام فضل مقادتى ... فتجنبني مابين كد وإرهاق )
( وأتلف بين الخلق والرزق فكرتى ... ولست بخلاق ولست برزاق )
( إذا كنت بالإثراء لى فى تملق ... رضيت بعز النفس فى عز إملاق ) وقال
( لك الملك ملك الحسن فاقض بنا الذى ... تشاء فما يعصى لأمرك واجبه )
( إذا ما كسرى اللحظ من تحت حاجب ... تحكم فى الألباب كسرى وحاجبه ) وقال
( سألنا ربيع العام للعام رحمه ... فضن ولم يسمح بذرة إنعام )
( فقلنا وقد رد الوجوه ولم يبل ... قليل الحيا قبحت والله من عام ) وقال
( تخونه صرف الزمان وهل ترى ... بقاء لحى أو دواما على أمر )
( هو الدهر ذو وجهين يوم وليلة ... ومن كان ذا وجهين يعتب فى غدر ) وقال رحمه الله تعالى فى شجر الجوز
( انظر إلى ينعى وحسن بسوقى ... يهفو النسيم بقدي الممشوق )
( يجلو اللواحظ منظرى حسنا كما ... يجلو ثغور الغانيات عروقى ) وقال رحمه الله تعالى فى ساق
( كيف آمنتما على الشرب ظبيا ... لحظه فى القلوب غير أمين )
( راح يسقى فصب فى الكأس نزورا ... ثقة منه بالذى فى العيون )
وقال يخاطب السلطان
( أنت للمسلمين خير عماد ... وملاذ وأي حرز حريز )
( لو رأى ما شرعت لخلق فيه ... عمر الفاضل ابن عبد العزيز )
( لجزى ملكك المبارك خيرا ... وقضى بالشفوف والتبريز )
( فاشكر الله ما استطعت بفعل ... وبقول مطول أو وجيز )
( كل ملك يرى بصحبة أهل ... العلم قد باء بالمحل العزيز )
( فإذا ما ظفرت منهم بإكسير ... ملأت البلاد من إبريز )
( والبرايا تبيد والملك يفنى ... أين كسرى الملوك مع أبرويز ) وقال رحمه الله تعالى
( ما لى أهذب نفسى فى مطامعها ... والنفس تأنف تهذيبي وتهذي بى )
( إذا استعنت على دهري بتجربة ... تأبى المقادير تجريبي وتجري بى ) وقال
( من لا نصيب لصحبه فى خيره ... وإذا سعى لم يقض حاجة غيره )
( فاقصد أباه متى أردت وقل له ... الله يلهمه العزاء بايره ) وقال رحمه الله تعالى
( أمستخرجا كنز العقيق بآماقى ... أناشدك الرحمن فى الرمق الباقى )
( فقد ضعفت عن حمل صبرى طاقتى ... عليك وضاقت عن زفيري أطواقى ) وقال رحمه الله تعالى
( إذا لم أشاهد منك قبل منيتى ... نهاية آمالى وغاية غاياتى )
( فحسن عزائى حيل بيني وبينه ... وقرة عينى لم تحل بمرآتى )
( شهودك أمنى من عداة خواطري ... وقربك حرزي من توقع آفات )
( فإن لم يكن وصل فهبها إشارة ... فيا حسن شاراتى بها من إشارات )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب الدنيا
( دنيا خدعت الذى سفرت له ... عن صفحة لم يحل بها كرم )
( سرقت حظ الإله من يده ... فهان ما كان منه يحترم )
( هذا الذى نال منك ليس له ... منقطع دائم ومنصرم )
( وهبه نال الذى أراد أما ... بين يديه المشيب والهرم )
ولما أورد رحمه الله تعالى قول القائل فى وصف الدنيا
( كلما أنبت الزمان قناة ... ركب المرء فى القناة سنانا )
( وكأنا لم نرض فيها بريب ... الدهر حتى أعانه من أعانا )
وقال أثره ما نصه والحق ما قلته من أبيات تناسب ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله
( والله إن لم يداركها وقد وحلت ... بلمحة أو بلطف من لدنه خفى )
( ولم يجد بتلافيها على عجل ... ما أمرها صائر إلا إلى التلف )
فحب الدنيا رأس كل بلية ولولاه لم تزل النفس صافية عالية عن سجيتها الأولية
ومن نظمه رحمه الله تعالى قوله
( إن رأى الحق فيك منه بقية ... فاتق البعد فيه حق التقيه )
( وإذا لم يكن لذاتك رسم ... قائم تلك حالة حقيه ) وقوله رحمه الله تعالى
( فسامح إذا ما لم تفدك عبارة ... وإن أشكلت يوما فخذها كما هيا )
( وتلخيص ما دندنت بالقول حوله ... إذا قمت بالباقى فما زلت باقيا ) وقال رحمه الله تعالى
( ففى عالم الأسرار ذاتك تجتلى ... ملامح نور لاح للطور فانهدا )
( وفى عالم الحس اغتديت مبوأ ... لتشفى من استشفى وتهدى من استهدى )
( فما كنت لولا أن أتيت هداية ... من الله مثل الخلق رسما ولا حدا )
وهذه الأبيات فى مدح النبى صلى الله عليه و سلم
وقال رحمه الله تعالى
( حمامة البان ما هذا البكاء على ... مر الليالى وما ذا البث والحزن )
( لا منزل بنت عنه أنت تندبه ... ولا حبيب ولا خل ولا سكن )
( لو كنت تنفث عن شوق منيت به ... إذا لصار رمادا تحتك الغصن )
وقال رحمه الله تعالى مضمنا
( أمط عنك مهما اسطعت كل إرادة ... وإلا فمغنى القوم عنك بعيد )
( تكون مريدا ثم فيك إرادة ... إذا لم ترد شيئا فأنت مريد ) وقال رحمه الله تعالى
( تعلقته من دوحة الجود والباس ... قضيبا لعوبا بالرجاء وبالياس )
( ضروبا بضرب لليراعة والقنا ... طروبا بحمل المشرفية والكاس )
( يذكرنيه الصبح عند انصداعه ... جمال رواء فى تأرج أنفاس )
( ويبدو لعينى شعره وجبينه ... إذا ما سفحت الحبر فى صفح قرطاس )
وقال رحمه الله تعالى
( أحب لحبها جملى ورحلى ... وعزمى والقتادة والطريقا )
( ومن أخشاه من سبع ولص ... فكيف فريقها سلموا فريقا )
( وكيف أخص باسم الحب إن لم ... أحب لأجلها إلا صديقا )
وقال رحمه الله تعالى وقلت من قصيدة
( أنا نسخة الأكوان أدمج خطها ... فسر ذوى التحقيق فى طي أوراقى )
( فمن عالم الأشباح ليلى وظلمتى ... ومن عالم الأرواح نورى وإشراقى )
وقال رحمه الله تعالى
( مولاى مولاي إن أرضاك بذل دمى ... فقد أتيت به أسعى على قدمى )
( وإن تعاظم ذنب قد جنته يدي ... وطال قرعى عليه السن من ندم )
( فهبه لى واغتفر ما كان من خطإ ... وزلة وارع لى حبى على القدم )
وقال رحمه الله تعالى من قصيدته العينية السلوية التى وجهها إلى سلا أيام خلف بها أهله وولده
( بولي الله فابدأ وابتدر ... واحد الآحاد فى باب الورع )
ترجمة الولى ابن عاشر
قلت هذا الولى هو العارف بالله تعالى سيدي الحاج أحمد بن عاشر أحد الصلحاء أصحاب الكرامات المشهورة بالمغرب وقد زرت قبره بسلا عام تسعة وألف وهو أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر الأندلسى نزيل سلا الولى الزاهد المشهور بالمناقب والأحوال قال ابن عرفة ما أدركت مبرزا فى زماننا هذا إلا الشيخ أبا الحسن المنتصر وأحمد بن عاشر بسلا انتهى
وقال بلدينا أبو عبد الله ابن صعد التلمسانى فى كتابه النجم الثاقب فيما لأولياء الله تعالى من المناقب كان أحد الأولياء الأبدال معدودا فى كبار العلماء مشهورا بإجابة الدعاء معروفا بالكرامات مقدما فى صدور الزهاد منقطعا عن الدنيا وأهلها ولو كانوا من صالحى العباد ملازما للقبور فى الخلاء المتصل ببحر مدينة سلا منفردا عن الخلق لا يفكر فى أمر الرزق وله أخبار جليلة وكرامات عجيبة مشهورة ممن جمع له العلم والعمل وألقى عليه القبوول من الخلق شديد الهيبة عظيم الوقار كثير الخشية طويل التفكر والاعتبار قصده أمير المؤمنين أبو عنان وارتحل إليه عام سبعة وخمسين وسبعمائة فوقف ببابه طويلا فلم يأذن له وانصرف وقد امتلأ قلبه من حبه وإجلاله ثم عاود الوقوف ببابه مرارا فما وصل اليه فبعث له بعض أولاده بكتاب كتبه إليه يستعطفه لزيارته ورؤيته فأجابه بما قطع رجاءه منه وأيس من لقائه واشتد حزنه وقال هذا ولى من أولياء الله تعالى حجبه الله عنا انتهى
ولما أجرى ذكره لسان الدين فى نفاضة الجراب قال ما ملخصه ولقيت من أولياء الله تعالى بسلا الولى الزاهد الكبير المنقطع القرين فرارا عن زهرة الدنيا وعزوفا عنها وإغفاء فى الورع وشهرة بالكشف وإجابة الدعوة وظهور الكرامة أبا العباس ابن عاشر يسر الله تعالى لقاءه على تعذره لصعوبة تأتيه وكثرة هيبته قاعدا بين القبور فى الخلاء رث الهيئة مطرق اللحظ كثير الصمت مفرط الانقباض والعزلة قد فر من أهل الدنيا وتطارحهم فهو شديد الاشمئزاز من قاصده مجرمز للوثبة من طارقه نفع الله تعالى به
وقال ابن الخطيب القسمطينى الشهير بابن قنفذ لقيته بسلا سنة 763 وهو على أتم حال فى الورع والفرار من الأمراء والتمسك بالسنة وهو الشيخ
الفقيه الولي توفى فى سنة خمس وستين وسبعمائة انتهى
وممن انتفع به ونال بركته الولى العارف بالله سيدي ابو عبد الله ابن عباد شارح الحكم وقد ترجمناه فى هذا الكتاب
وقال ابن عباد المذكور فى رسائله وقد كنت قدما خرجت فى يوم مولده صلى الله عليه و سلم صائما إلى ساحل البحر فوجدت هناك سيدي الحاج ابن عاشر رحمه الله تعالى وجماعة من أصحابه معهم طعامم يأكلونه فأرادوا منى الأكل فقلت إنى صائم فنظر إلى سيدي الحاج نظرة منكرة وقال لى هذا يوم فرح وسرور يستقبح فى مثله الصوم كالعيد فتأملت قوله فوجدته حقا وكأنه أيقظنى من النوم انتهى
وقال ابن قنفذ السابق فى رحلته ما صورته وكان ابن عاشر رحمه الله تعالى فريدا فى الورع ميسرا عليه فى ذاك أتم تيسير محفوظا من كل ما فيه شبهة كثير النفور من الناس وخصوصا أصحاب الولاية فى الأعمال وخرجت على يده تلامذة نجباء أخيار وطريقة أنه جعل إحياء علوم الدين بين عينيه واتبع ما فيه بجد واجتهاد وصدق وانقياد وكان الحجة فى ذلك الطريق وأول اجتماعى به نفر منى فحبسته بيدي وهززته فتبسم ووقف معى وسألنى عن نسبي ودعا لى وطلبته بما يطعمنى فاعتذر لى بالإقلال ثم قال أمهل فدخل وأخرج لى حبات تين يابسة فى يده اليمنى وغطاها باليد اليسرى ودفعها إلى وضحك معى وعجب الحاضرون من ليانته وانشراحه معى لأنه لا ينبسط إلى أحد وحصل لى بذلك فخر لا يدري قدرة إلا من حاول بعضه معه وقصدنى كثير من الخواص فسألنى عن مجلسى معه وما وقع من جوابه وسؤاله وقد حاول ملك المغرب لما ارتحل اليه فى عام سبعه وخمسين وسبعمائة على لقائه فلم يقدر عليه بوجه وحجبه الله تعالى حتى تبعه يوم جمعة من الجامع الأعظم على قدمه والناس ينظرونه وهو لم يره فرجع ولم يكن قوته إلا من نسخ العمدة فى الحديث وكيف يبيعها ولمن يبيعها ولا يأخذ إلا قيمتها
ولم تزل حالته وبركته فى زيادة إلى إن توفى سنة 765 وسأله بعض الأخيار بمحضري عن الفرق بين مكاشفة المسلم ومكاشفة النصرانى لوجود ذلك من بعضهم فقال المسلم الذى له هذه الدرجة يبرىء من العاهة والنصرانى لا يبرىء ثم قال وهل يبرىء الفقيه من العاهة فقال له نعم ثم نظر يمينا وشمالا ليجد صاحب عاهة فياتى بالعيان فلم يجد أحدا وكأنه اغتاظ لهذا السؤال ثم أخرج يده وقال يأتى لمن يقعد عن الحركة فيحبسه بيده ويقيمه وقد ذهب ألمة بعد أن جثا إلى الأرض فى الصفة ثم قال وسئل بعضهم عن هذا وكان السائل نصرانيا فى زي المسلم فقال له الفرق بينهما سقوط الزنار من وسطك قال فسقط وفضحه الله تعالى وأسلم بسبب ذلك انتهى كلام ابن قنفذ القسمطينى رحمه الله تعالى
وترجمة ولى الله تعالى سيدي الحاج ابن عاشر نفعنا الله تعالى ببركاته متسعة جدا وكراماته ومناقبه لا نبلغ لها حدا ولا نطيق لها عدا وإنما ألمعنا بذكره قصدا للتبرك به والله ولى التوفيق وهو الهادى إلى سواء الطريق
رجع الى نظم لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
فنقول ومن مداعباته رحمه الله تعالى قوله( ومولع بالكتب يبتاعها ... بأرخص السوم وأغلاه )
( فى نصف الاستذكار أعطيته ... مختصر العين فأرضاه )
ويعنى بمختصر العين الزبيدى فافهم وقال رحمه الله تعالى من قصيدة
( ووالله ما اعتل الأصيل وانما ... تعلم من شجوي فبان اعتلاله )
وهذا غاية فى المبالغة وحسن التعليل
وقال رحمه الله تعالى وقفت على قبر المعتمد بالله فى مدينة أغمات فى حركة راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار عام واحد وستين وسبعمائة وهو بمقبرة أغمات فى نشز من الأرض وقد حفت به سدرة وإلى جنبه قبر اعتماد حظية مولاه رميك وعليهما هيئة التغرب ومعاناة الخمول من بعد الملك فلا تملك العين دمعها عند رؤيتهما فأنشدت فى الحال
( قد زرت قبرك عن طوع بأغمات ... رأيت ذلك من أولى المهمات )
( لم لا أزورك يا أندى الملوك يدا ... ويا سراج الليالى المدلهمات )
( وأنت من لو تخطى الدهر مصرعه ... إلى حياتى لجادت فيه أبياتى )
( أناف قبرك فى هضب يميزه ... فتنتحيه حفيات التحيات )
( كرمت حيا وميتا واشتهرت علا ... فأنت سلطان أحياء وأموات )
( ما ريء مثلك فى ماض ومعتقدي ... أن لا يرى الدهر فى حال ولا آت )
وقد تقدم هذا فى القسم الأول فى الباب السابع منه وكررته هنا والله الموفق
وقال رحمه الله تعالى موريا حين أكل مشرف الدار القابض أي أكل ماله
( مشرف دار الملك ما باله ... منتفخ الجوف شكا نافضا )
( فقيل لى ليس به علة ... لكنه قد أكل القابضا )
وقال
( يا نفس لا تصغى إلى سلوة ... كم أخلف الموعد عرقوب )
( وأنت يا قلبى وصاك ... ابراهيم بالحزن ويعقوب )
وقال فى السعيد أبى بكر ابن السلطان أبى عنان
( أمير كأن قمير الدجى ... أفاض الضياء على صفحتيه )
( تملأ قلبى من جبه ... غداة نظرت بعينى اليه )
( فلا بسط الدهر كف الردى ... لذاك الشخيص وذاك الوجيه )
وقال يخاطب الخطيب ابن مرزوق
( تعلم طيفوري خلال سميه ... وإن كان منسوبا الى غير بسطام )
( وجاء فقير الوقت لابس خرقة ... فليس براض غير صحبه صوام )
( فديتك لا تردده عنك مخيبا ... ودرسه يا مولاي قصة بلعام )
وقال مما كتبت به إلى ابن مرزوق المذكور وقد وصل ولده إلى سلا ومنع ابن الخطيب عن لقائه عذر مرض وكان نزوله بزاوية النساك
( صدنى عن لقاء نجلك عذر ... يمنع الجسم عن تمام العباده )
( واختصرت القرى لأن حط رحلا ... فى محل الغنى ودار الزهاده )
( ولو أنى احتفلت لم يعن الدهر ... ولا نلت بعض بعض أراده )
( وعلى كل حالة فقصوري ... عادة إذ قبولك العذر عاده )
( لا عدمت الرضى من الله والحسنى ... كما نص وحيه والزياده )
وقال يخاطبه من ضريح السلطان أبى الحسن بشاله لاستنهاض عزيمته فى قضاء غرضه
( برئت لله من حولى ومن حيلي ... إن نام عنى وليي فهو خير ولى )
( أصبحت ما لى من عطف أؤمله ... من غيره فى مهمات ولا بذل )
( ما كنت أحسب أن أرمى بقاصيه ... للهجر أقطع فيها جانب الأمل )
( من بعد ما خلصت نحوى الشفاعة ما ... بين العلا والدجى والبيض والأسل )
( إن كنت لست بأهل للذى طمحت ... اليه نفسى وأهوى نحوه أملى )
( فكيف يلغى ولا ترعى وسيلته ... دخيل قبر أمير المسلمين على )
( من بعد ما اشتهرت حالى به وسرت ... بها الركائب فى سهل وفى جبل )
( والرسل تترى ولا تخفى نتائجها ... عند التأمل من قول ولا عمل )
( ولا لليلى من صبح أطالعه ... كأن همى قد مد الدجنة لى )
( لو أننى بابن مرزوق عقدت يدي ... وكان محتكما فى خيرة الدول )
( لكان كربى قد افضى إلى فرج ... وكان حزنى قد أوفى على جذلى )
( ألمحت بالعتب لم أحذر مواقعه ... أنا الغريق فما خوفى من البلل )
( ولست أجحد ما خولت من نعم ... لكنها النفس لا تنفك عن أمل )
( ولست أياس من وعد وعدت به ... وإنما خلق الإنسان من عجل )
وقال رحمه الله تعالى يخاطب السلطان أبا الحجاج
( أمولاي إن الشعر ديوان حكمه ... يفيد الغنى والعز والجاه من كانا )
( وقد وجد المختار فى الحفل منصتا ... له وحبا كعبا عليه وحسانا )
( وفيما رواه الناقلون وأثبتوا ... بذلك ديوانا صحيحا فديوانا )
( بأن أبا بكر خيلفته الرضى ... وفاروقه الأدنى اليه وعثمانا )
( وأن عليا قدس الله جمعهم ... وكرمنا بالقرب منهم وحيانا )
( لهم فى ضروب القول إذا هم فحوله ... خطاب وشعر يستقران تبيانا )
( وفاض على أهل القريض نوالهم ... فروض روض القول سحا وتهتانا )
( وأنت أحق الناس أن تفعل الذى ... به فعل المختار دينا وإيمانا )
( فما زلت تهدي فى البرية هديه ... وتقضى بما يرضيه سرا وإعلانا )
( وان قيل قدر المرء ما هو محسن ... فصنعه نظم القول أرفعه شانا )
وقال موريا
( بنفسى حبيب فى ثناياه بارق ... ولكنها للواردين عذاب )
( إذا كان لى منه عن الوصل حاجز ... فدمعى عقيق بالجفون مذاب ) وقال
( عذبت قلبى بالهوى فقيامه ... فى نار هجرك دائما وقعوده )
( ولقد عهدت القلب وهو موحد ... فعلام يقضى فى العذاب خلوده )
وقال فى التجنيس
( دعوتك للود الذى جنباته ... تداعت مبانيها وهمت بأن تهي )
( وقلت لعهد الوصل والقرب بعدما ... تناءى وهل أسلو حياتى وأنت هى )
( ومن شام من جو الشبيبة بارقا ... ولم تنهه عنه النهى كيف ينتهى )
وقال
( ناديت دمعى إذ جد الرحيل بهم ... والقلب من فرق التوديع قد وجبا )
( سقطت يا دمع من عينى غداه نأى ... عنى الحبيب ولم تقض الذى وجبا )
وقال
( شلير لعمرى أساء الجوار ... وسد على رحيب الفضا )
( هو الشيخ أبرد شىء يرى ... إذا لبس البرنس الأبيضا )
وقال قلت أخاطب بعض من أدل عليه وما أولانى بذلك
( إذا قمت قل بعقيب الكرى ... إلهمى أنت إله الورى )
( تباركت أنشأتهم من تراب ... وأنشاتنى بينهم من خرا )
قلت ولا خفاء ببشاعة هذا فحذفه أولى من إثباته
وقال يداعب بعض أصحابه
( شيخ رباط إن أتى شادن ... خلوته عند انسدال الظلام )
( أدلى وقد أبصره دلوه ... وقال يا بشراي هذا غلام )
وقال فى غرض يظهر
( لم أجد فيه لين بث لقلبى ... وقبولا لحجتى واعتذارى )
( ثقل الله ظهره بعيال ... سود الله وجهه بعذار )
وقال من قصيدة
( أخذت وأمواج الردى متلاطمه ... بضبعى يا نجل الوصى وفاطمه )
وقال
( ووجه غرست الورد فيه بنظره ... فيا ليت كفى متعت بجنى غرسى )
( كأن سواد الخال فى وجناته ... علامة مولانا على احمر الطرس )
( وبينهما فى باطن الأمر نسبه ... لذلك أمضيت العزام على نفسى )
وقال يشير إلى بعض طبقات الغناء
( ضرط الفقيه فقلت ذاك غريبة ... ما كان ذلك منه بالمعلوم )
( فدنا إلى وقال قد أصرفتكم ... من ضرطتى بغريبة المزموم )
وفى آخر سنة أربع وسبعين وجه إلى السلطان أبى حمو سلطان تلمسان أبياتا لزومية فى غرض الهناء وهى
( وقف الغرام على ثناك لسانى ... رعيا لما اوليت من إحسان )
( فكانما شكرى لما أوليته ... شكر الرياض لعارض النيسان )
( أنا شيعة لك حيث كنت قضية ... لم يختلف فى حكمها نفسان )
( ولقد تشاجرت الرماح فكنت فى ... ميدان نهرك فارس الفرسان )
( ورويت غر مآثر أسندتها ... لعلاك بين صحائح وحسان )
( ولأنت أولى بالتشيع شيمة ... لم تتفق لسواك من إنسان )
( الشمس أنت قد انفردت وهل يرى ... بين الورى فى مطلع شمسان )
( جبرت بجبرك كل نفس حرة ... وشدا بشكر الله كل لسان )
( وبدت سعودك مستقيما سيرها ... وعلت ففر أمامها النحسان )
( فاستقبل السعد المعاود سافرا ... عن أي وجه للرضى حسان )
( وابغ المزيد بشكر ربك ولتثق ... بمضاعف الإنعام والإحسان )
( فالشكر يقتاد المزيد ركائبا ... تنتاب بابك منه فى أرسان )
( ثم السلام عليك يزرى عرفه ... طيبا بعرف العود والبلسان )
وقال
( بحق ما بيننا يا ساكنى القصبه ... ردوا علي حياتى فهى مغتصبه )
( ماذا جنيتم على قلبى ببينكم ... وانتم الأهل والأحباب والعصبه )
قلت ولعل ابن زمرك قال أبياته التى على هذا الروى المذكورة فى غير هذا الموضع من هذا الكتاب جوابا لهذه حين كان ابن زمرك من جملة أتباع لسان الدين رحم الله تعالى الجميع وقال لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
( حين ساروا عنى وقد خنقتنى ... عبرات قد أعربت عن ولوعى )
( صحت من ينصر الغريب فلما ... لم أجد ناصرا بلعت دموعى ) وقال
( قال لى والدموع تنهل سحبا ... فى عراص من الخدود محول )
( بك ما بى فقلت مولاي عافاك ... المعافى من عبرتى ونحولى )
( أنا جفنى القريح يروى عن الأعمش ... والجفن منك عن مكحول ) وقال
( أشكو لمبسه الحريق وقد حمى ... عنى لماه المشتهى ورحيقه )
( يا ريقه حيرتنى ومطلتنى ... ما أنت إلا بارد يا ريقه )
وقال فيمن ركب البحر وماد
( ركب السفينة واستقل بافقها ... فكأنما ركب الهلال الفرقد )
حذف 1 502
( وشكوا إليه بميده فأجبتهم ... لا غرو ان ماد القضيب الأملد ) وقال عندما خرج السلطان ابن الأحمر من فاس متوجها إلى الأندلس لطلب حقه
( ولما حثثت السير والله حاكم ... لملكك فى الدنيا بعز وفى الأخرى )
( حكى فرس الشطرنج طرفك لا يرى ... ينقل من بيضاء إلا إلى حمرا ) ويعنى بالبيضاء فاسا الجديدة وبالحمراء حمراء غرناطة وتذكرت هنا أن بعض علماء الأندلس وأظنه أبا عبد الله ابن جزى لما رمدت عين بعض أهل فاس سأله عنها فقال
( يا سيدي عينى قد ... أودى قذاها بالأنس )
( فانظر إليها ترها ... دار مليك الأندلس ) يعني حمراء فأجابه بقوله
( وقيت مما تشتكى ... من القذى والوصب )
( ما رمدت عيناك بل ... عين العلا والأدب )
( فلتحمدن أن لم تكن ... دار مليك المغرب ) نى وقد خنقتنى ... عبرات قد أعربت عن ولوعى )
( صحت من ينصر الغريب فلما ... لم أجد ناصرا بلعت دموعى ) وقال
( قال لى والدموع تنهل سحبا ... فى عراص من الخدود محول )
( بك ما بى فقلت مولاي عافاك ... المعافى من عبرتى ونحولى )
( أنا جفنى القريح يروى عن الأعمش ... والجفن منك عن مكحول ) وقال
( أشكو لمبسه الحريق وقد حمى ... عنى لماه المشتهى ورحيقه )
( يا ريقه حيرتنى ومطلتنى ... ما أنت إلا بارد يا ريقه ) وقال فيمن ركب البحر وماد
( ركب السفينة واستقل بافقها ... فكأنما ركب الهلال الفرقد )
( وشكوا إليه بميده فأجبتهم ... لا غرو ان ماد القضيب الأملد )
وقال عندما خرج السلطان ابن الأحمر من فاس متوجها إلى الأندلس لطلب حقه
( ولما حثثت السير والله حاكم ... لملكك فى الدنيا بعز وفى الأخرى )
( حكى فرس الشطرنج طرفك لا يرى ... ينقل من بيضاء إلا إلى حمرا )
ويعنى بالبيضاء فاسا الجديدة وبالحمراء حمراء غرناطة
وتذكرت هنا أن بعض علماء الأندلس وأظنه أبا عبد الله ابن جزى لما رمدت عين بعض أهل فاس سأله عنها فقال
( يا سيدي عينى قد ... أودى قذاها بالأنس )
( فانظر إليها ترها ... دار مليك الأندلس )
يعني حمراء فأجابه بقوله
( وقيت مما تشتكى ... من القذى والوصب )
( ما رمدت عيناك بل ... عين العلا والأدب )
( فلتحمدن أن لم تكن ... دار مليك المغرب )
يعني بيضاء وهذا من غريب ما يحاضر به
رجع وقال لسان الدين رحمه الله تعالى
( أجاد يراع الحسن خط عذاره ... وأودعه السر المصون الذى يدري )
( ولم يفتقر فيه لختم وطابع ... فمبسمه أغناه عن طابع السر )
وقال فى غرناطة
( أحييك يا معنى الكمال بواجب ... وأقطع فى أوصافك الغر أوقاتى )
( تقسم منك الترب قومى وجيرتى ... ففى الظهر أحيائى وفى البطن أمواتى )
وقال فى غرض ينحو نحو المشارقة
( رموا بالسلو حليف الغرام ... وأدمعه كالحيا الهاطل )
( أعوذ بعزك يا سيدي ... لذلى من دعوة الباطل ) وقال
( يا ليل طلت ولم تجد بتبسم ... وأريتني خلق العبوس النادم )
( هلا رحمت تغربى وتفرقى ... لله ما أقساك يا ابن الخادم )
وقال فى مروحة سلطانية
( كأنى قوس الشمس عند طلوعها ... وقد قدمت من قبلها نسمة الفجر )
( وإلا كما هبت بمحتدم الوغى ... بنصر ولكن من بنود بنى نصر )
وقال يخاطب شيخه ابن الجياب
( بين السهام وبين كتبك نسبة ... فبها يصاب من العدو المقتل )
( وإذا أردت لها زيادة نسبة ... هذى وهذى فى الكنانة تجعل )
وقال يتغزل وفيه معنى غريب
( إن اللحاظ هى السيوف حقيقة ... ومن استراب فحجتى تكفيه )
( لم يدع غمد السيف جفنا باطلا ... إلا لشبه اللحظ يغمد فيه )
قيل وأحسن منه قول غيره
( إن العيون النجل أمضى موقعا ... من كل هندى وكل يمانى )
( فضل العيون على السيوف بأنها ... قتلت ولم تخرج من الأجفان )
وأصل ما قال لسان الدين قول الأول
( بين السيوف وعينيه مناسبة ... من اجلها قيل للأغماد أجفان )
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى فى الساعة وتسميها المغاربة المنجانه
( تأمل الرمل فى المنجان منقطعا ... يجرى وقدره عمرا منك منتهبا )
( والله لو كان وادى الرمل ينجده ... ما طال كامله إلا وقد ذهبا ) وقال
( أقول لعاذلى لما نهانى ... وقد وجد المقالة إذ جفانى )
( علمت بأنه مر التجنى ... وفاتك أنه حلو اللسان )
وقال فى غرض صوفى
( لا تنكروا إن كنت قد أحببتكم ... أو أننى استولى على هواكم )
( طوعا وكرها ما ترون فإننى ... طفت الوجود فما وجدت سواكم )
وقال يمدح وفيه تورية
( وإن نظرت إلى لألاء غرته ... يوم الهياج رأيت الشمس فى الأسد )
وقال مما يكتب على طاق الماء بباب القبة
( أنا طاق تزهو بى الأيام ... تعبت فى بدائعى الأفهام )
( وتبديت للنواظر محرابا ... كأن الإناء فى امام )
( واقف للصلاة حتى إذا ما ... جئت للشرب حان منى سلام )
وقال فى ذلك أيضا
( يا صانعى لله ما أحكمته ... فلأنت بين العالمين رئيس )
( أحكمت تاجى يوم صغت رقوشه ... فصبت اليه مفارق ورؤوس )
( وأقمت فى محرابه فكأنه ... مجلى إناء الماء فيه عروس )
وقال فى المشيب
( أنى لمثلى بالهوى من بعد ما ... للوخط فى الفودين أي دبيب )
( لبس البياض وحل ذروة منبر ... منى ووإلى الوعظ فعل خطيب )
وقال رحمه الله تعالى
( والله ما جان على ماله ... أو جاهه من ذب عن عرضه )
( والناس فى خير وفى ضده ... هم شهداء الله فى أرضه ) وقال
( إلهى بالبيت المقدس والمسعى ... وجمع إذا ما الخلق قد نزلوا جمعا )
( وبالموقف المشهود يا رب فى منى ... إذا ما أسال الناس من خوفك الدمعا )
( وبالمصطفى والصحب عجل إقالتى ... وأنجح دعائى فيك يا خير من يدعى )
( صدعت وأنت المستغاث جنابه ... أقل عثرتى يا موئلى واجبر الصدعا )
وقال رحمه الله تعالى فى بنيونش سبتة
( بنيونش أسنى الأماكن رقعه ... وأجل أرض الله طرا شانا )
( هى جنة الدنيا التى من حلها ... نال الرضى والروح والريحانا )
( قالوا القرود بها فقلت فضيلة ... حيوانها قد قارب الإنسانا )
وفى بنيونش هذه يقول أبو عبد الله ابن مجبر
( بنيونش جنة ولكن ... طريقها يقطع النياطا )
( وجنة الخلد لا يراها ... إلا فتى يقطع الصرطا )
وقال ابن الخطيب رحمه الله تعالى
( إن الهوى لشكاية معروفة ... صبر التصبر من أجل علاجها )
( والنفس إن ألفت مرارة طعمه ... يوما ضمنت لها صلاح مزاجها )
وقال رحمه الله تعالى
( ولما رأت عزمى حثيثا على السرى ... وقد رابها صبرى على موقف البين )
( أتت بصحاح الجوهرى دموعها ... فقابلت من دمعى بمختصر العين ) وقال رحمه الله تعالى
( تذكرت عهدا كان أحلى من الكرى ... وأقصر من إلمام طيف خياله )
( فيا ليت شعرى من أتاح لى المنى ... وعذب بالى هل أمر بباله ) وقال رحمه الله تعالى
( عينى جنت فعلام تحرق أضلعى ... أبما جنى جار يعذب جار )
( يا قلب لا تدهشك نيران الهوى ... فكنار إبراهيم تلك النار )
( فاصبر على ما حملوا تنل المنى ... بالسبك أدرك نقشه الدينار ) وقال رحمه الله تعالى
( وما كان إلا أن جنى الطرف نظرة ... غدا القلب رهنا فى عقوبة ذنبه )
( وما العدل أن يأتى امرؤ بجريرة ... فيؤخذ فى اوزارها جار جنبه ) وقال رحمه الله تعالى
( برى جسدى فيكم غرام ولوعة ... إذا سكن الليل البهيم تثور )
( فلولا أنيني ما اهتدى نحو مضجعى ... خيالكم بالليل حين يزور )
( ولو شئت فى طى الكتاب لزرتكم ... ولم تدر عنى أحرف وسطور )
وقال رحمه الله تعالى
( بلد تحف به الرياض كأنه ... وجه جميل والرياض عذاره )
( وكأنما وادية معصم غادة ... ومن الجسور المحكمات سواره ) وقال رحمه الله تعالى يخاطب السلطان أبا حمو صاحب تلمسان ويشكره على ما كان أعان به أهل الأندلس
( لقد زار الجزيرة منك بحر ... يمد فليس تعرف منه جزرا )
( أعدت لها بعهدك عهد موسى ... سميك فهى تتلو منه ذكرا )
( أقمت جدارها وأفدت كنزا ... ولو شئت اتخذت عليه أجرا ) وقال أيضا
( وقالوا الجزيرة قد صوحت ... فقلت غمام الندى تنتظر )
( إذا وكفت كف موسى بها ... غماما يعود الجناب الخضر )
وقال رحمه الله تعالى عقب الإياب من الرحلة المراكشية
( أفادت وجهتى بنداك مالا ... قضى دينى وأصلح بعض حالى )
( ومتعت الخواطر بانشراح ... وأطرفت النواظر باكتحال )
( وأبت خفيف ظهر والمظايا ... بجاهك تشتكى ثقل الرحال )
( وشانى للمعالم غير شان ... وحالى بالمكارم جد حال )
( فحب علاك إيمانى وعقدى ... وشكر نداك دينى وانتحالى )
( كما قد صح لله انقطاعى ... بتأميلي جنابك وارتحالى )
( وما يبقى سوى فعل جميل ... وحال الدهر لا تبقى بحال )
( وكل بداية فإلى انتهاء ... وكل إقامة فإلى ارتحال )
( ومن سام الزمان دوام أمر ... فقد وقف الرجاء على المحال )
وقال رحمه الله تعالى فى الضراعة الى ربه والاعتراف بذنبه
( مولاي إن أذنبت ينكر أن يرى ... منك الكمال ومنى النقصان )
( والعفو عن سبب الذنوب مسبب ... لولا الجناية لم يكن غفران )
وقال رحمه الله تعالى
( سلام على تلك المرابع إنها ... معاهد الأفي وعهد صحابى )
( ويا آسة المغنى انعمى فلطالما ... سكبت على مثواك ماء شبابى )
وقال سامحه الله تعالى
( أموطنى الذى أزعجت منه ... ولم أرزأ به مالا ولا دم )
( لئن أزعجت عنك بغير قصد ... فقبلى فارق الفردوس آدم )
ومن ميلادياتة رحمه الله تعالى قوله
( ما على القلب بعدكم من جناح ... أن يرى طائرا بغير جناح )
( وعلى الشوق أن يشب إذا هب ... بأنفاسكم نسيم الصباح )
( جيرة الحى والحديث شجون ... والليالى تلين بعد الجماح )
( أترون السلو خامر قلبى ... بعدكم لا وفالق الإصباح )
( ولو أنى أعطى اقتراحى على ... الأيام ما كان بعدكم باقتراحى )
( ضايقتنى فيكم صروف الليالى ... واستدارت على دور الوشاح )
( وسقتنى كأس الفراق دهاقا ... فى اغتباق مواصل واصطباح )
( واستباحت من جدتى وفتائى ... حرما لم أخله بالمستباح )
ومنها
( يا ترى والنفوس أسرى أمان ... ما لها من وثاقها من سراح )
( هل يباح الورود بعد ذياد ... أو يتاح اللقاء بعد انتزاح )
( واذا أعوز الجسوم التلاقى ... ناب عنه تعارف الأرواح )
وهى طويلة لم يحضرنى منها الآن سوى ما ذكرته
وقد حذا حذوها الفقيه الكاتب أبو زكريا يحيى بن خلدون أخو قاضى القضاة ولى الدين بن خلدون صاحب التاريخ فقال فى مولد عام ثمانية وسبعين وسبعمائة واستطرد لمدح السلطان أبى حمو موسى صاحب تلمسان الذى تقدم ذكره قريبا
( ما على الصب فى الهوى من جناح ... أن يرى حلف عبره وافتضاح )
( وإذا ما المحب عيل اصطبارا ... كيف يصغى إلى نصيحة لاح )
( يا رعى الله بالمحصب ربعا ... آذنت عهده النوى بانتزاح )
( كم أدرنا كأس الهوى فيه مزحا ... رب جد من الجوى فى المزاح )
( هل إلى رسمه المحيل سبيل ... يا حداه المطى تلك الطلاح )
( نسأل الدار بالخليط ونسقى ... ذلك الربع بالدموع السفاح )
( أي شجو عاينت بعد نواها ... من أسى لازم وصبر مزاح )
( أهل ودى إن رابكم برح وجدى ... من صبا بارق وبرق لياح )
( فاسألوا البرق عن خفوق فؤادى ... والصبا عن سقام جسمى المتاح )
( يا أهيل الحمى نداء مشوق ... ما له عن هوى الدمى من براح )
( طالما استعذب المدامع وردا ... فى هواكم عن كل عذب قراح )
( عادة بالطلول للشوق عيد ... من حمام بدوحهن صداح )
( من لقلب من الجوى فى ضرام ... ولجفن من البكا فى جراح )
( ولصب يهيجه الذكر شوقا ... فهو سكرا يرتاد من غير راح )
( وليال قضيت للهو فيها ... وطرا والشباب ضافى الجناح )
( راكبا فى الهوى ذلول تصاب ... ساحبا فى الغرام ذيل مراح )
( ونجوم المنى تنير إلى إن ... روع الشيب سربها بالصباح )
( أي مسرى حمدت لم أخل منه ... بسوى حسرة وطول افتضاح )
( واخسارى يوم القيامة إن لم ... يغفرالله زلتى واجتراحى )
( لم أقدم وسيلة فيه إلا ... حب خير الورى الشفيع الماحى )
( سيد العالمين دنيا وأخرى ... أشرف الخلق فى العلا والسماح )
( سيد الكون من سماء وأرض ... سره بين غاية وافتتاح )
( زهرة الغيب مظهر الوحى معنى النور ... كنه المشكاة والمصباح )
( آية المكرمات قطب المعالى ... مصطفى الله من قريش البطاح )
( أول الأنبياء تخصيص زلفى ... آخر المرسلين بعث نجاح )
( صفوة الخلق أرفع الرسل قدرا ... وسراج الهدى وشمس الفلاح )
( من لميلاده بمكة ضاءت ... من قرى قيصر جميع الضواحى )
( وخبت نار فارس وتداعت ... من مشيد الإيوان كل النواحى )
( من رقى فى السماء سبعا طباقا ... ورأى آي ربه فى اتضاح )
( ودنا منه قاب قوسين قربا ... ظافرا فى العلا بكل اقتراح )
( من هدى الخلق بين حمر وسود ... وجلا ليل غيهم بالصباح )
( من يجير الورى غدا يوم يجزى ... كل عاص وطائع باجتراح )
( من إلى حوضه وظل لواه ... يلجأ الناس بين ظام وضاحى )
( أحمد المجتبى حبيبا وأنى ... فوق عز الحبيب مرمى طماح )
( فى أناجيلة المسيح تلاه ... باسمه والكليم فى الألواح )
( ولكم حجة وبرهان صدق ... فى سماع أتى بها والتماح )
( إن فى النجم والنبات لآيا ... بهرت والجماد والأرواح )
( معجزات فتن المدارك وصفا ... وحسابا كالزهر أو كالصباح )
( يا رواة القريض والشعر عجزا ... ما عسى تدركون بالأمداح )
( إنما حسبنا الصلاة عليه ... وهى للفوز آية استفتاح )
( يا إلهى بحق أحمد عفوا ... عن ذنوب جنيتهن قباح )
( وأدم دولة الخليفة موسى ... ذى المعالى المبينة الأوضاح )
( مفخر الملك مستقر المزايا ... مظهر اللطف ذو التقى والصلاح )
( ناصر الحق خاذل الجور عدلا ... ملجأ الخائفين بحر السماح )
( يتلقى الندى بوجه حيي ... ويلاقى العدا ببأس صفاح )
( وله المكرمات إرثا ولبسا ... حاز حمدا بها معلى القداح )
( من علا باذخ وفخر صميم ... وكمال بحت ومجد صراح )
( وأحاديث فى المعالى حسان ... رويت عنه فى العوالى الصحاح )
( عاقد صفقة العلا كل حين ... فائز فيه سعيه بالرباح )
( للندى والهدى يروح ويغدو ... أي مغدى الى العلا ومراح )
( ملك تشرق الأسرة منه ... فى سماء السرير نور صباح )
( وإذا ما علا بعالى العوالى ... صهوة الجرد فهو ليث الكفاح )
( لبس الدهر منه حله حسن ... وثنى للسرور عطف مراح )
( وعلى عاتق الخلافة منه ... طرز فخر سبى النهى بالتماح )
( ورث الملك شامخا عن سراة ... شيدوا ركنه بايدى الصفاح )
( من بنى القاسم الذين تحلوا ... بالمعالى واستأثروا بالفلاح )
( فرعوا هضبة الخلافة مجدا ... رفعوا سقفه على الأرماح )
( نشروا راية المفاخر حمدا ... خافق النور بالربى والبطاح )
( يا إماما بذ الملوك جلالا ... وجمالا فديت بالأرواح )
( أنت شمس الكمال دمت عليها ... فى اغتباق من المنى واصطباح )
( وبنوك الأعلون أنجم سعد ... زاهرات بنورك الوضاح )
( وأبو تاشفين بدر منير ... زانه الله بالخلال الصباح )
( أكمل العالمين خلقا وخلقا ... أشرف الناس فى الندى والكفاح )
( وبكم زينت سماء المعالى ... واهتدى الناس فى الدجى والصباح )
وكان السلطان ابو حمو الممدوح بهذه القصيدة يحتفل لليلة مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم غاية الاحتفال كما كان ملوك المغرب والأندلس فى ذلك العصر وما قبله
ومن احتفاله له ما حكاه شيخ شيوخ شيوخنا الحافظ سيدي أبو عبد الله التنسى ثم التلمسانى فى كتابه راح الأرواح فيما قاله المولى أبو حمو من الشعر وقيل فيه من الأمداح وما يوافق ذلك على حسب الاقتراح ونصه أنه كان يقيم ليلة الميلاد النبوى على صاحبه الصلاة والسلام بمشورة من تلمسان المحروسة مدعاة حفيلة يحشر فيها الناس خاصة وعامة فما شئت من نمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة وبسط موشاة ووسائد بالذهب مغشاة وشمع كالأسطوانات وموائد كالهالات ومباخر منصوبة كالقباب يخالها المبصر تبرا مذاب ويفاض على الجميع أنواع الأطعمة كأنها أزهار الربيع المنمنمة تشتهيها الأنفس وتستلذها النواظر ويخالط حسن رياها الأرواح ويخامر رتب الناس فيها على مراتبهم ترتيب احتفال وقد علت الجميع أبهة الوقار والإجلال وبعقب ذلك يحتفل المسمعون بأمداح المصطفى عليه الصلاة و السلام ومكفرات ترغب فى الإقلاع عن الآثام يخرجون فيها من فن إلى فن ومن أسلوب إلى أسلوب ويأتون من ذلك بما تطرب له النفوس وترتاح إلى سماعه القلوب وبالقرب من السلطان رضوان الله تعالى عليه خزانة المنجانة قد زخرفت كأنها حلة يمانية لها أبواب موجفة على عدد ساعات الليل
الزمانية فمهما مضت ساعة وقع النقر بقدر حسابها وفتح عند ذلك باب من أبوابها وبرزت منه جارية صورت فى أحسن صورة فى يدها اليمنى رقعة مشتملة على نظم فيه تلك الساعة باسمها مسطورة فتضعها بين يدي السلطان بلطافة ويسراها على فمها كالمؤدية بالمبايعة حق الخلافة هكذا حالهم الى انبلاج عمود الصباح ونداء المنادى حى على الفلاح انتهى
وقال التنسى المذكور فى كتابه المسمى ب نظم الدر والقيان فى شرف بنى زيان وذكر ملوكهم الأعيان ما نصه وكان السلطان أبو حمو يقوم بحق ليلة مولد المصطفى صلى الله عليه و سلم ويحتفل لها بما هو فوق سائر المواسم يقيم مدعاة يحشر لها الأشراف والسوقة فما شئت من نمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة وشمع كالأطوانات وأعيان الحضرة على مراتبهم تطوف عليهم ولدان قد لبسوا أقبية الخز الملون وبأيديهم مباخر ومرشات ينال كل منها بحظة وخزانة المنجانة ذات تماثيل لجين محكمة الصنعه بأعلاها أيكة تحمل طائرا فرخاه تحت جناحيه ويختله فيهما أرقم خارج من كوة بجذر الأيكة صاعدا وبصدرها أبواب مرتجة بعدد ساعات الليل الزمانية يصاقب طرفيها بابان كبيران وفوق جميعها دوين رأس الخزانة قمر أكمل يسير على خط الاستواء سير نظيره فى الفلك ويسامت أول كل ساعة بابها المرتج فينقض من البابين الكبيرين عقابان بفى كل واحد منهما صنجة صفر يلقيها إلى طست من الصفر مجوف بوسطة ثقب يفضى بها إلى داخل الخزانة فيرن وينهش الأرقم أحد الفرخين فيصفر له أبوه فهناك يفتح باب الساعة الذاهبة وتبرز منه جارية محتزمة كأظرف ما أنت راء بيمناها إضبارة فيها اسم ساعتها منظوما ويسراها موضوعة على فيها كالمبايعة بالخلافة والمسمع قائم ينشد
أمداح سيد المرسيلن وخاتم النبيين سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم ثم يؤتى آخر الليل بموائد كالهالات دورا والرياض نورا وقد اشتملت من أنواع محاسن المطاعم على ألوان تشتهيها الأنفس وتستحسنها الأعين وتلذ بسماع اسمائها الآذان ويشره مبصرها للقرب منها والتناول وأن كان ليس بغرثان والسلطان لم يفارق مجلسه الذى ابتدأ جلوسه فيه وكل ذلك بمرأى منه ومسمع حتى يصلى هنالك صلاة الصبح
على هذا الأسلوب تمضى ليلة المصطفى صلى الله عليه و سلم فى جميع أيام دولته أعلى الله تعالى مقامه فى عليين وشكر له فى ذلك صنيعه الجميل آمين
وما من ليلة مولد مرت فى أيامه إلا ونظم فيها قصيدا فى مديح مولد المصطفى صلى الله عليه و سلم
أول ما يبتدىء المسمع فى ذلك الحفل العظيم بإنشاده ثم يتلوه إنشاد من رفع الى مقامه العلى فى تلك الليلة نظما انتهى وهو أتم مساقا مما فى راح الأرواح
ولا باس أن نلم ببعض المقطوعات التى أنشأها الكاتب أبو زكريا يحيى ابن خلدون المذكور على لسان جارية المنجانة فى مخاطبة السلطان أبى حمو معلمة بما مر من ليل ففى مضى ساعتين قوله
( أخليفة الرحمن والملك الذى ... تعنو لعز علاه أملاك البشر )
( لله مجلسك الذى يحكي علا ... بك مالكى أفق السماء لمن نظر )
( أوما ترى فيه النجوم زواهرا ... وجه الخليفة بينهن هو القمر )
( والليل منه ساعتان قد انقضت ... تثنى عليك ثنا الرياض على المطر )
( لا زال هذا الملك منصورا بكم ... وبلغت مما ترتجى أسنى الوطر )
( أمولاي يا ابن الملوك الألى ... لهم فى المعالى سنى الرتب )
( تولت ثلاث من الليل أبقت ... لك الفخر فى عجمها والعرب )
( فدم حجة الله فى أرضه ... تنال الذى شئته من أرب )
وقوله فى مضى ست ساعات
( يا ماجدا وهو فرد ... تخاله فى عساكر )
( ست من الليل ولت ... ما إن لها من نظائر )
( دامت لياليك حتى ... إلى المعاد نواضر )
وقوله فى مضى ثمانى ساعات
( يا أكرم الخلق ذاتا ... وأشرف الناس أسره )
( مرت ثمان وأبقت ... فى القلب منى حسرة )
( فيهن كان شبابى ... أخا نعيم ونضره )
( ولى بها الدهر عنى ... ترى لها بعد كره )
( فالله يبقيك مولى ... يطيل فى السعد عمره )
وقوله فى مضى عشر ساعات
( يا مالك الخير والخيل التى حكمت ... له بعز على الأيام مقتبل )
( هذا الصباح وقد لاحت بشائره ... والليل ودعنا توديع مرتحل )
( لله عشر من الساعات باهرة ... مضين لا عن قلى منا ولا ملل )
( كذا تمر ليالي العمر راحلة ... عنا ونحن من الآمال فى شغل )
( نمسى ونصبح فى لهو نسر به ... جهلا وذلك يدنينا من الأجل )
( والعمر يمضى ولا ندري فوا أسفا ... عليه إذا مر فى الآثام والزلل )
( يا ليت شعرى غدا كيف الخلاص به ... ولم نقدم له شيئا من العمل )
( يا رب عفوك عما قد جنته يدي ... فليس لى بجزاء الذنب من قبل )
( يا رب وانصر أمير المسلمين أبا ... حمو الرضى وأنله غاية الأمل )
( وأبق فى العز والتمكين مدته ... وأعل دولته الغرا على الدول )
انتهى المجلد السادس
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الخامس تتمه
رجع الى نظم لسان الدين رحمه الله تعالى فنقول وأما موشحاته وأزجاله فكثيرة وقد انتهت إليه رياسة هذا الفن كما صرح بذلك قاضي القضاة ابن خلدون في مقدمة تاريخه الكبير ولنذكر بعض كلامه إذ لا يخلو من فائدة زائدة قال رحمه الله تعالى ما ملخصه وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه وبلغ التنميق فيه الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا منه سموه بالموشح ينظمونه أسماطا أسماطا وأغصانا أغصانا يكثرون منها ومن أعاريضها المختلفة ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ويلتزمون عدد قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتاليا فيما بعد إلى آخر القطعة وأكثر ما ينتهي عندهم إلى سبعة أبيات ويشتمل كل بيت على اغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد وتجاوزوا في ذلك إلى الغاية واستظرفه الناس وحمده الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب طريقه وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم بن معافى القبري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني وأخذ عنه ذلك ابن عبد ربه صاحب العقد ولم يذكر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما فكان أول من برع في هذا الشأن بعدهما عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية وقد ذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع أبا بكر ابن زهر يقول كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما اتفق له من قوله
( بدر تم شمس ضحى ... غصن نقا مسك شم )
( ما أتم ما أوضحا ... ما أورقا ما أنم )
( لا جرم من لمحا ... قد عشقا قد حرم )
وزعموا أنه لم يسبق عبادة وشاح من معاصريه الذين كانوا في زمان ملوك الطوائف وجاء مصليا خلفه منهم ابن أرفع رأسه شاعر المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة قالوا وقد أحسن في ابتدائه في الموشحة التي طارت له حيث يقول
( العود قد ترنم بأبدع تلحين ... وشقت المذانب رياض البساتين )
وفي انتهائه حيث يقول
( تخطر ولم تسلم عساك المأمون ... مروع الكتائب يحيى بن ذي النون )
ثم جاءت الحلبة التي كانت في مدة الملثمين فظهرت لهم البدائع وفرسان حلبتهم الأعمى التطيلي ثم يحيى بن بقي وللتطيلي من الموشحات المذهبة قوله
( كيف السبيل إلى صبري وفي المعالم أشجان ... )
( والركب وسط الفلابالخرد النواعم قد بانوا ... )
وذكر غير واحد من المشايخ أن أهل هذا الشأن بالأندلس يذكرون أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في مجلس بإشبيلية وكان كل واحد منهم قد صنع موشحة وتأنق فيها فتقدم الأعمى التطليلي للإنشاد فلما افتتح موشحته المشهورة بقوله
( ضاحك عن جمان ... سافر عن بدر )
( ضاق عنه الزمان ... وحواه صدري )
خرق ابن بقي موشحته وتبعه الباقون
وذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع ابن زهر يقول ما حسدت قط وشاحا على قول إلا ابن بقي حين وقع له
( أما ترى أحمد في مجده العالي لا يلحق ... )
( أطلعه المغرب فأرنا مثله يا مشرق ... )
وكان في عصرهما من الوشاحين المطبوعين أبو بكر الأبيض وكان في عصرهم أيضا الحكيم أبو بكر ابن باجة صاحب التلاحين المعروفة
ومن الحكايات المشهورة أنه حضر مجلس مخدومه ابن تيفلويت صاحب سرقسطة فألقىعليه بعض موشحته
( جرر الذيل أيما جر ... وصل السكر منك بالسكر )
فطرب الممدوح لذلك وختمها بقوله
( عقد الله راية النصر ... لأمير العلا أبي بكر )
فلما طرق ذلك التلحين سمع ابن تيفلويت صاح واطرباه وشق ثيابه وقال ما أحسن ما بدأت وما ختمت وحلف الأيمان المغلظة أن لا يمشي ابن باجة لداره إلا على الذهب فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهبا في نعله ومشى عليه
ثم قال ابن خلدون بعد كلام واشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين محمد بن أبي الفضل بن شرف إلى أن قال وابن هردوس الذي له
( يا ليلة الوصل والسعود ... بالله عودي )
وابن مؤهل الذي له
( ما العيد في حلة وطاق وشم طيب ... )
( وإنما العيد في التلاقي مع الحبيب ... )
وأبو إسحاق الزويلي
قال ابن سعيد سمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول إنه دخل على ابن زهر وقد أسن وعليه زي البادية إذ كان يسكن بحصن سبتة فلم يعرفه فجلس حيث انتهى به المجلس وجرت المحاضرة أن أنشد لنفسه موشحة وقع فيها
( كحل الدجى يجري من مقلة الفجرعلى الصباح ... )
( ومعصم النهرفي حلل خضرمن البطاح ... )
فتحرك ابن زهر وقال أنت تقول هذا قال اختبر قال ومن تكون فأخبره فقال ارتفع فوالله ما عرفتك
قال ابن سعيد وسابق الحلبة التي أدركت هو أبو بكر ابن زهر وقد شرقت موشحاته وغربت قال وسمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول قيل لابن زهر لو قيل لك ما أبدع ما وقع لك في التوشيح فقال كنت أقول
( ما للموله من سكره لا يفيق يا له سكران ... )
( من غير خمر ما للكثيب المشوق يندب الأوطان ... )
( هل تستعادأيامنا بالخليج وليالينا ... )
( إذ يستفاد من النسيم الأريج مسك دارينا ... )
( وإذ يكاد حسن المكان البهيج أن يحيينا ... )
( نهر أظله دوح عليه أنيق مؤنق فينان ... )
( والماء يجري وعائم وغريق من جنى الريحان ... )
واشتهر بعده ابن حيون إلى أن قال وبعد هؤلاء ابن حزمون بمرسية ذكر ابن الرائس أن يحيى الخزرجي دخل عليه في مجلسه فأنشده موشحة لنفسه فقال له ابن حزمون ما الموشح بموشح حتى يكون عاريا من التكلف فقال
على مثل ماذا فقال على مثل قولي
( يا هاجري ... هل إلى الوصال ... منك سبيل )
( أو هل يرى ... عن هواك سال ... قلب العليل )
وأبو الحسن سهل بن مالك بغرناطة قال ابن سعيد كان والدي يعجب بقوله
( إن سيل الصباح في الشرق ... عاد بحرا في أجمع الأفق )
( فتداعت نوادب الورق ... أتراها خافت من الغرق )
( فبكت سحرة على الورق ... )
واشتهر بإشبيلية لذلك العهد ابو الحسن ابن الفضل قال ابن سعيد عن والده سمعت سهل بن مالك يقول له يا ابن الفضل لك على الوشاحين الفضل بقولك
( واحسرتي لزمان مضى ... عشية بان الهوى وانقضى )
( وأفردت بالرغم لا بالرضى ... وبت على جمرات الغضا )
( أعانق بالفكر تلك الطلول ... وألثم بالوهم تلك الرسوم )
قال وسمعت أبا بكر ابن الصابوني ينشد الأستاذ أبا الحسن الدباج موشحاته غير ما مرة فما سمعته يقول لله درك إلا في قوله
( قسما بالهوى لذي حجر ... ما لليل المشوق من فجر )
( خمد الصبح ليس يطرد ... )
( ما لليلي فيما أظن غد ... )
( صح يا ليل أنك الأبد ... )
( أو تقضت قوادم النسر ... فنجوم السماء لا تسري )
ومن موشحات ابن الصابوني قوله
( ما حال صب ذي ضنى واكتئاب ... أمرضه يا ويلتاه الطبيب )
( عامله محبوبه باجتناب ... ثم اقتدى فيه الكرى بالحبيب )
( جفا جفوني النوم لكنني ... لم أبكه إلا لفقد الخيال )
( وذو الوصال اليوم قد غرني ... منه كما شاء وشاء الوصال )
( فلست باللائم من صدني ... بصورة الحق ولا بالمحال )
واشتهر ببر العدوة ابن خلف الجزائري صاحب الموشحة المشهورة
( يد الإصباح ... قد قدحت ... زناد الأنوار ... من مجامر الزهر )
وابن خزر البجائي وله من موشحة
( ثغر الزمان موافق ... حياك منه بابتسام )
ومن محاسن الموشحات موشحة ابن سهل شاعر إشبيلية وسبتة من بعدها
( هل درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلب صب حله عن مكنس )
( فهو في حر وخفق مثلما ... لعبت ريح الصبا بالقبس )
وقد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبد الله ابن الخطيب شاعر الأندلس والمغرب لعصره فقال
( جادك الغيث إذا الغيث همى ... يا زمان الوصل بالأندلس )
( لم يكن وصلك إلا حلما ... في الكرى أو خلسة المختلس )
( إذ يقود الدهر أشتات المنى ... ينقل الخطو على ما يرسم )
( زمرا بين فرادى وثنا ... مثلما يدعو الوفود الموسم )
( والحيا قد جلل الروض سنا ... فثغور الزهر منه تبسم )
( وروى النعمان عن ماء السما ... كيف يروي مالك عن أنس )
( فكساه الحسن ثوبا معلما ... يزدهي منه بأبهى ملبس )
( في ليال كتمت سر الهوى ... بالدجى لولا شموس الغرر )
( مال نجم الكأس فيها وهوى ... مستقيم السير سعد الأثر )
( وطر ما فيه من عيب سوى ... أنه مر كلمح البصر )
( حين لذ الأنس شيئا أو كما ... هجم الصبح هجوم الحرس )
( غارت الشهب بنا أو ربما ... أثرت فينا عيون النرجس )
( أي شيء لامرىءقد خلصا ... فيكون الروض قد مكن فيه )
( تنهب الأزهار منه الفرصا ... أمنت من مكره ما تتقيه )
( فإذا الماء تناجى والحصى ... وخلا كل خليل بأخيه )
( تبصر الورد غيورا برما ... يكتسي من غيظه ما يكتسي )
( وترى الآسى لبيبا فهما ... يسرق السمع بأذني فرس )
( يا أهيل الحي من وادي الغضا ... وبقلبي سكن أنتم به )
( ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا ... لا أبالي شرقه من غربه )
( فأعيدوا عهد أنس قد مضى ... تعتقوا عانيكم من كربه )
( واتقوا الله وأحيو مغرما ... يتلاشى نفسا في نفس )
( حبس القلب عليكم كرما ... أفترضون عفاء الحبس )
( وبقلبي منكم مقترب ... بأحاديث المنى وهو بعيد )
( قمر أطلع منه المغرب ... شقوة المغرى به وهو سعيد )
( قد تساوى محسن أو مذنب ... في هواه بين وعد ووعيد )
( ساحر المقلة معسول اللمى ... جال في النفس مجال النفس )
( سدد السهم وسمى ورمى ... ففؤادي نهبة المفترس )
( إن يكن جار وخاب الأمل ... وفؤاد الصب بالشوق يذوب )
( فهو للنفس حبيب أول ... ليس في الحب لمحبوب ذنوب )
( أمره معتمل ممتثل ... في ضلوع قد براها وقلوب )
( حكم اللحظ بها فاحتكما ... لم يراقب في ضعاف الأنفس )
( منصف المظلوم ممن ظلما ... ومجازي البر منها والمسي )
( ما لقلبي كلما هبت صبا ... عاده عيد من الشوق جديد )
( كان في اللوح له مكتتبا ... قوله ( إن عذابي لشديد )
( جلب الهم له والوصبا ... فهو للأشجان في جهد جهيد )
( لاعج في أضلعي قد أضرما ... فهي نار في هشيم اليبس )
( لم يدع في مهجتي إلا ذما ... كبقاء الصبح بعد الغلس )
( سلمى يا نفس في حكم القضا ... واعمري الوقت برجعى ومتاب )
( دعك من ذكرى زمان قد مضى ... بين عتبى قد تقضت وعتاب )
( واصرفي القول إلى المولى الرضى ... ملهم التوفيق في أم الكتاب )
( الكريم المنتهى والمنتمى ... أسد السرج وبدرالمجلس )
( ينزل النصر عليه مثلما ... ينزل الوحي بروح القدس )
إلى هذا الحد انتهى ابن خلدون من موشحة لسان الدين ولا أدري لم لم يكملها وتمامها قوله
( مصطفى الله سمي المصطفى ... الغني بالله عن كل أحد )
( من إذا ما عقد العهد وفى ... وإذا ما فتح الخطب عقد )
( من بني قيس بن سعد وكفى ... حيث بيت النصر مرفوع العمد )
( حيث بيت النصر محمي الحمى ... وجنى الفضل زكي المغرس )
( والهوى ظل ظليل خيما ... والندى هب إلى المغترس )
( هاكها يا سبط أنصار العلا ... والذي إن عثر الدهر أقال )
( غادة ألبسها الحسن ملا ... تبهرالعين جلاء وصقال )
( عارضت لفظا ومعنى وحلى ... قول من أنطقه الحب فقال )
( هل درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلب صب حله عن مكنس )
( فهو في خفق وحر مثلما ... لعبت ريح الصبا بالقبس )
ثم قال ابن خلدون وأما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموشحات ومن أحسن ما وقع لهم في ذلك موشحة ابن سناء الملك المصري التي اشتهرت شرقا وغربا وأولها
( يا حبيبي ارفع حجاب النور ... عن العذار )
( تنظر المسك على كافور ... في جلنار )
( كللي يا سحب تيجان الربى بالحلي ... )
( واجعلي سوارها منعطف الجدول ... )
ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق
كلامه وتصريع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقتهم بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعرابا واستحدثوا فنا سموه بالزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر ابن قزمان وإن كانت قيلت قبله بالأندلس لكن لم تظهر حلاها ولا انسبكت معانيها واشتهرت رشاقتها إلا في زمانه وكان لعهد الملثمين وهو إمام الزجالين على الإطلاق قال ابن سعيد رأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب قال وسمعت أبا الحسن ابن جحدر الإشبيلي إمام الزجالين في عصرنا يقول ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة وقد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه فجلسوا تحت عريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء على صفائح من الحجر فقال
( وعريش قد قام على دكان بحال رواق ... )
( وأسد قد ابتلع ثعبان من غلظ ساق ... )
( وفتح فمو بحال إنسان به الفواق ... )
( وانطلق من ثم على الصفاح والقى الصياح ... )
وكان ابن قزمان مع أنه قرطبي الدار كثيرا ما يتردد إلى إشبيلية وينتاب نهرها
إلى أن قال ابن خلدون وجاءت بعدهم حلبة كان سابقها مدغليس وقعت له العجائب في هذه الطريقة فمن قوله في زجله المشهور
( ورذاذ دق ينزل ... وشعاع الشمس يضرب )
( فترى الواحد يفضض ... وترى الآخريذهب )
( والنبات يشرب ويسكر ... والغصون ترقص وتطرب )
( وتريد تجي إلينا ... ثم تستحي وترجع )
ومن محاسن أزجاله قوله
( لاح الضيا والنجوم سكارى ... )
ثم قال وظهر بعد هؤلاء في إشبيلية ابن جحدر الذي فضل على الزجالين في فتح ميورقة بالزجل المشهور الذي أوله
( من يعاند التوحيد بالسيف يمحق ... أنا بري ممن يعاند الحق )
قال ابن سعيد لقيته ولقيت تلميذه البعبع صاحب الزجل المشهور الذي أوله
( ليتني إن ريت حبيبي ... أفتل أذنو بالرسيلا )
( لش أخذ عنق الغزيل ... وسرق فم الحجيلا )
ثم جاء من بعدهم أبو الحسن سهل بن مالك إمام الآداب ثم من بعدهم لهذه العصور صاحبنا الوزير أبو عبد الله ابن الخطيب إمام النظم والنثر في الملة الإسلامية غير مدافع فمن محاسنه في هذه الطريقة
( امزج الأكواس واملالي نجدد ... ما خلق المال إلا أن يبدد )
ومن قوله على طريقة الصوفية وينحو منحى الششتري منهم
( بين طلوع وبين نزول ... اختلطت الغزول )
( ومضى من لم يكن ... وبقي من لم يزول )
ومن محاسنه أيضا قوله في ذلك المعنى
( البعد عنك يا ابني أعظم مصايبي ... وحين حصل لي قربك سيبت أقاربي )
انتهى المقصود جلبه من كلام ابن خلدون وقد أطال رحمه الله تعالى في هذا المقصد ولم أرد إيراد جميع كلامه لطوله وعدم تعلق الغرض به وفيما ذكرته منه كفاية لتعلقه بأمر لسان الدين رحمه الله تعالى وشهادته له أنه شاعر الإسلام غير مدافع وأنه انتهت إليه رياسة الصناعة الزجلية والتوشيحية
ترجمة ابن باجة من القلائد
وأبو بكر بن باجة الذي أشار إليه ابن خلدون هو أبو بكر ابن الصائغ التجيبي السرقسطي الذي قال في حقه لسان الدين في الإحاطة إنه آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس وكان بينه وبين الفتح بن خاقان صاحب القلائد معاداة فلذلك هجاه في القلائد وجعله آخر ترجمة فيها إذ قال ما نصه الأديب أبو بكر بن الصائغ هو رمد عين الدين وكمد نفوسالمهتدين اشتهر سخفا وجنونا وهجر مفروضا ومسنونا فما يتشرع ولا يأخذ في غير الأضاليل ولا يشرع ناهيك من رجل ما تطهر من جنابة ولا أظهر مخيلة إنابة ولا استنجى من حدث ولا أشجى فؤاده بتوار في جدث ولا أقر بباريه ومصوره ولا قر عن تباريه في ميدان تهوره الإساءة إليه أجدى من الإحسان والبهيمة عنده أهدى من الإنسان نظر في تلك التعاليم وفكر في أجرام الأفلاك وحدود الأقاليم ورفض كتاب الله الحكيم العليم ونبذه وراء ظهره ثاني عطفه وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه واقتصر على الهيئة وأنكر أن تكون له إلى الله تعالى فيئة وحكم للكواكب بالتدبير واجترم على الله اللطيف الخبير واجترأ عند سماع النهي والإيعاد واستهزأ بقوله تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) القص85 فهو يعتقد أن الزمان دور وأن الإنسان نبات أو نور حمامه تمامه واختطافه قطافه قد محي الإيمان من قلبه فما له فيه رسم ونسي الرحمن لسانه فما يمر له عليه اسم وانتمت نفسه إلى الضلال وانتسبت ونفت ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ) فقصر عمره على طرب ولهو واستشعر كل كبر وزهو وأقام سوق المويسقى وهام بحادي القطار وسقا فهو يعكف على سماع التلاحين ويقف عليه كل حين ويعلن بذلك الاعتقاد ولا يؤمن بشيء قادنا إلى الله تعالى في أسلس مقاد مع منشإ وخيم ولؤم أصل وخيم وصورة شوهها الله تعالى وقبحها وطلعة إذا أبصرها الكلب نبحها وقذارة يؤذي البلاد نفسها ووضارة يحكي الحداد دنسها وفند لا يعمر إلا كنفه ولدد لا يقوم إلا الصعاد جنفه وله نظم أجاد فيه بعض إجادة وشارف الإحسان أو كاده
فمن ذلك ما قاله في عبد حبشي ان يهواه فاشتمل عليه أسر سعر حشاه ونقله إلى حيث لم يعلم مثواه فقال
( يا شائقي حيث لا اسطيع أدركه ... ولا أقول غدا أغدو فألقاه )
( أما النهار فليلي ضم شملته ... على الصباح فأولاه كأخراه )
( أغر نفسي بآمال مزورة ... منها لقاؤك والأيام تأباه )
وله فيه لما بلغه موته وتحقق عنده فوته
( ألا يا رزق والأقدار تجري ... بما شاءت نشا أو لا نشاء )
( هل أنت مطارحي شجوي فتدري ... وأدري كيف يحتمل القضاء )
( يقولون الأمور تكون دورا ... وهذا فقده فمتى اللقاء )
وله في الأمير أبي بكر ابن إبراهيم قدس الله تعالى تربته وآنس غربته مدائح انتظمت بلبات الأوان ونظمت على كل شتيت من الإحسان فمن ذلك قوله
( توضح في الدجى طرف ضرير ... سنا بلوى الصريمة يستطير )
( فيا بأبي ولم أبذل يسيرا ... وإن لم يكفهم ذاك الكثير )
( بريق لا تقل هو ثغر سلمى ... فتأثم إنه حوب وزور )
( فكيف وما أطل الليل منه ... ولا عبقت بساحته الخمور )
( تراءى بالسدير فزاد قلبي ... من البرحاء ما شاء السدير )
( فلولا أن يوم الحشر يقضي ... علي بحكم مولى لايجور )
( دعوت على المشقر أن يجازى ... بما تجزى به الدار الغرور )
ومنها
( لقد وسع الزمان عليه عدوى ... وضر بشبله الليث الهصور )
( وقلبنا الزمان فلا بطون ... تضمنت الوفاء ولا ظهور )
( سوى ذكر أطارحه فولا ال ... أمير لقد عفا لولا الأمير )
( همام جوده يصف السواري ... وسطوته يعيرها الهجير )
( وقلنا نحن كيف وراحتاه ... بحور يلتظي فيها سعير )
( فهل فيما سمعت به خصام ... يكون الخصم فيه هو العذير )
وكان الأمير أبو بكر يعتقد له هذه الماتة ويراها ويجود أبدا ثراها فلما ولي الثغر والشرق لم يفغله من رعي ولم يكله إلى شفاعة وسعي وحمله على ما كان يعتقده فيه من المقت واستعمله على ما كان يقتضيه خلق الوقت من إقامة الوعد وتسويغه كل نعيم رغد وتغليب حجة داحضة وإنهاض عثرة غير ناهضة فتقلد وزارته ودولته تزهى منه بأندى من الوسمي المبتكر وأهدى من النجم في الليل المعتكر وألويته تميس زهوا ميس الفتاة ورعيته تبتهج بملكه ابتهاج حيي بابن الموماة ومذاهبه يبسطها الفضل وينشرها وكتائبه لا يكاد العدو يعشرها فجاس إليه وانبرى وراش في تنكيلهم وبرى وأقطعهم ما شاء من مقابحته وأسمعهم ما يصم بين ختمه ومفاتحته فوغرت
صدورهم السليمة واعتلت صحة ضمائرهم بنفوسهم الأليمة ولم يزل يأخذ في الإضرار بهم ولا يدع ويعلن به ويصدع حتى تفرق ذلك الجمع وألقاه بين بصر السباب والسمع وأفرد الدولة من ولاتها وجردها من حماتها فاستعجل العدو بذلك واستشرى وزأر منه على سرقسطة ليث شرى ولما رأى الشر قد ثار قتامه وبدا من ليله إعتامه ارتحل واحتمل وقال لا ناقة لي في هذا ولا جمل وأقام ببلنسية يشفي نفسه ويستوفي أنسه ونجوم سعدها كل يوم غائرة والعدو يتربص بها أسوأ دائرة ويروم منازلتها ثم يدع الاقتحام ويريد التقدم إليها فيؤثر الإحجام تهيبا لذلك الملك السري والليث الجري وفي خلال هذه المحاولة وأثناء تلك المطاولة عاجل الأمير أبا بكر حمامه واستسر فيها تمامه وأجنه الثرى وحاز منه بدر دجنة وليث شرى فعطلت الدنيا من علاء وجود وأطلت عليها بفقده حوادث أجدبت تهائمها والنجود وفيه يقول يرثيه بما يسيل الفؤاد نجيعا ويبيت به الأسى لسامعه ضجيعا
( أيها الملك قد لعمري نعى المج ... د نواعيك يوم قمن فنحنا )
( كم تقارعت والخطوب إلى أن ... غادرتك الخطوب في الترب رهنا )
( غير أني إذا ذكرتك والده ... إخال اليقين في ذاك ظنا )
( وسألنا متى اللقاء فقيل ال ... قلنا صبرا إليه وحزنا )
وكثيرا ما يغير هذا الرجل على معاني الشعراء وينبذ الاحتشام من ذلك بالعراء ويأخذها من أربابها أخذ غاصب ويعوضهم منها كل هم ناصب فهذا مما أطال به كمد أبي العلاء وغمه فإنه أخذه من قوله يرثي أمه
( فيا ركب المنون ألا رسول ... يبلغ روحها أرج السلام )
( سألت متى اللقاء فقيل حتى ... يقوم الهامدون من الرجام )
ولما فاتت سرقسطة من يد الإسلام وباتت نفوس المسلمين فرقا منهم في يد الاستسلام ارتاب بقبح أفعاله وبرىء من احتذائه بتلك الآراء وانتعاله وأخافه ذنبه ونبا عن مضجع الأمن جنبه فكر ألى الغرب ليتوارى في نواحيه ولا يتراءى لعين لائمه ولاحيه فلما وصل شاطبة حضرة الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين وجد باب نفاذه وهو مبهم وعاقه عنه مدلول عليه ملهم فاعتلقه اعتقالا شفى الدين من آلامه وشهد له بعقيدة إسلامه وفي ذلك يقول وهو معقول ويصرح بمذهبه الفاسد وغرضه المستاسد
( خفض عليك فما الزمان وريبه ... شيء يدوم ولا الحياة تدوم )
( واذهب بنفس لم تضع لتحلها ... حيث احتللت بها وأنت عليم )
( يا صاحبي لفظا ومعنى خلته ... من قبل حتى بين التقسيم )
( دع عنك من معنى الإخاء ثقيله ... وانبذ بذاك العبء وهو ذميم )
( واسمح وطارحني الحديث فإنه ... ليل كأحداث الزمان بهيم )
( خذني على أثر الزمان فقد مضى ... بؤس على أبنائه ونعيم )
( فعسى أرى ذاك النعيم وربه ... مرح ورب البؤس وهو سقيم )
( هيهات ساوت بينهم أجداثهم ... وتشابه المحسود والمحروم )
ولما خلص من تلك الحبالة ونجا وأنار من سلامته ما كان دجا احتال في إخفاء ماله واستيفاء آماله فأظهر الوفاء للأمير أبي بكر بالرثاء له والتأبين وتداهيه في ذلك واضح مستبين فإنه وصل بهذه النزعة من الحماية إلى حرم
وحصل في ذمة ذلك الكرم واشتمل بالرعي وأمن من كل سعي فاقتنى قيانا ولقنهن أعاريض من القريض وركب عليها ألحانا أشجى من النوح ولطف بها إلى إشادة الإعلان باللوعة والبوح فسلك بها أبدع مسلك وأطلعها نيرات ما لها غير القلوب من فلك فمن ذلك قوله
( إن غرابا جرى ببينهم ... جاوبه بالثنية الصرد )
( طاروا فها أنت بعدهم جسد ... قد فارق الروح ذلك الجسد )
( واكتتموا صبحة ببينهم ... فبئس والله ما الذي اعتمدوا )
وكقوله
( سلام وإلمام ووسمي مزنة ... على الجدث النائي الذي لا أزوره )
( أحقا أبو بكر تقضى فلا يرى ... ترد جماهير الوفود ستوره )
( لئن أنست تلك القبور بلحده ... لقد أوحشت أنصاره وقصوره )
ومن قلة عقله ونزارته أنه في مدة وزارته سفر بين الأمير أبي بكر رحمه الله تعالى وبين عماد الدولة بن هود رحمه الله تعالى بعد سعايات عليه أسلفها وذخائر كانت له على يديه أتلفها فوافاه أوغر ما كان عليه صدرا وأصغر ما كان لديه قدرا فآل به ذلك الانتقال إلى الاعتقال فأقام فيه شهورا يغازله الحمام بمقلة شوهاء وتنازله الأوهام بفطرته الورهاء وفي ذلك يقول
( لعلك يا يزيد علمت حالي ... فتعلم أي خطب قد لقيت )
( وإني إن بقيت بمثل ما بي ... فمن عجب الليالي أن بقيت )
( يقول الشامتون شقاء بخت ... لعمر الشامتين لقد شقيت )
( أعندهم الأمان من الليالي ... وسالمهم بها الزمن المقيت )
( وما يدرون أنهم سيسقوا ... على كره بكأس قد سقيت )
وعزم عماد الدولة يوما على قتله وألزم المرقبين به التحيل على ختله فنمي إليه الأمر الوعر وارتمى به في لجج اليأس الذعر فقال
( أقول لنفسي حين قابلها الردى ... فراغت فرارا منه يسى إلى يمنى )
( قري تحمدي بعض الذي تكرهينه ... فقد طالما اعتدت الفرار إلى الأهنا )
ثم قضى له قدر قضى بإنظاره وما أمضى من إباحته ما كان رهين انتظاره ويمهل الفاجر حكمة من الله تعالى وعلما و ( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) انتهى نص القلائد
ثناء الفتح على ابن باجة
وأين هذا من تحليته له في بعض كتبه بقوله فيه ما صورته نور فهم ساطع وبرهان علم لكل حجة قاطع تتوجت بعصره الأعصار وتأرجت من طيب ذكره الأمصار وقام أوان المعارف واعتدل ومال للأفهام فننا وتهدل وعطل بالبرهان التقليد وحقق بعد عدمه الاختراع والتوليد إذا قدح زند فهمه أورى بشرر للجهل محرق وإن طما بحر خاطره فهو لكل شيء مغرق مع نزاهة النفس وصونها وبعد الفساد من كونها والتحقيق الذي هو للإيمان شقيق والجد الذي يخلق العمر وهو مستجد وله أدب يود عطارد أن يلتحفه ومذهب يتمنى المشتري ان يعرفه ونظم تعشقه اللبات والنحور وتدعيه مع نفاسة جوهرها البحور وقد أثبت منه ما تهوى الأعين النجل أن يكون إثمدها ويزيل من النفوس حزنها وكمدها فمن ذلك قوله يتغزل( أسكان نعمان الأراك تيقنوا ... بأنكم في ربع قلبي سكان )
( ودوموا على حفظ الوداد فطالما ... بلينا بأقوام إذا استحفظوا خانوا )
( سلوا الليل عني إذ تناءت دياركم ... هل اكتحلت لي فيه بالنوم أجفان )
( وهل جردت أسياف برق سمائكم ... فكانت لها إلا جفوني أجفان )
وله
( أتأذن لي آتي العقيق اليمانيا ... أسائله ما للمعالي وما ليا )
( وهل داركم بالحزن قفراء إنني ... تركت الهوى يقتاد فضل زماميا )
( فيا مكرع الوادي أما فيك شربة ... لقد سال فيك الماء أزرق صافيا )
( ويا شجرات الجزع هل فيك وقفة ... وقد فاء فيك الظل أخضر ضافيا )
وأورد له في المطمح أنه استأذن على المستعين بالله فوجده محجوبا فقال
( من مبلغ خير إمام نشا ... ذا عزة وساميا قدرا )
( قول امرىء لو قاله للصفا ... أنبت فيه ورقا خضرا )
( عبدك بالباب له خجلة ... لو أنها بالنرجس احمرا )
وحكى غير واحد أنه مات له سكن كان يهواه فبات مع بعض أصحابه عند ضريحه ومثواه وكان قد عرف وقت كسوف البدر بصناعة التعديل فزور في نفسه بيتين في خطاب القمر أتقنهما ولحنهما حتى إذا كان قبيل وقت الكسوف بقليل تغنى فيهما بذلك الصوت المشجي واللحن يسوق الشوق ويزجي وهما
( شقيقك غيب في لحده ... وتشرق يا بدر من بعده )
( فهلا كسفت فكان الكسوف ... حدادا لبست على فقده )
فكسف القمر في الحال وعدت هذه من نوادره التي جيد الأخبار بفرائدها حال سامحه الله تعالى
ابن الحداد الوادي آشي
ثم رأيت في الإحاطة نسبة ذلك لغيره ونصه محمد بن أحمد بن الحداد الوادي آشي يكنى أبا عبد اللهحاله شاعر مفلق وأديب شهير مشار إليه في التعاليم منقطع القرين منها في المويسيقى مضطلع بفك المعمى سكن المرية واشتهر بمدح رؤسائها من بني صمادح وقال ابن بسام كان أبو عبد الله هذا شمس ظهيرة وبحر خبر وسيرة وديوان تعاليم مشهورة وضح في طريق المعارف وضوح الصبح المتهلل وضرب فيها بقدح ابن مقبل إلى جلالة مقطع وأصالة منزع ترى العلم ينم على أشعاره ويبين في منازعه وآثاره
تأليفه ديوان شعره كبير معروف وله في العروض تصنيف مشهور مزج فيه بين الألحان المويسيقية والآراء الخليلية
بعض أخباره حدث بعض المؤرخين مما يدل على ظرفه أنه فقد سكنا عزيزا عليه وأحوجت الحاجة إلى تكلف سلوة فلما حضر الندماء وكان قد رصد الخسوف القمري فلما حقق أنه ابتدأ أخذ العود وغنى شقيقك غيب إلى آخره وجعل يرددها ويخاطب البدر فلم يتم ذلك إلا واعترضه الخسوف وعظم من الحاضرين التعجب
ثم قال لسان الدين في ترجمة شعره وقال
( أقبلن في الحبرات يقصرن الخطا ... ويرين في حلل الوراشين القطا )
( سرب الجوى لا الجو عود حسنه ... أن يرتعي حب القلوب ويلقطا )
( مالت معاطفهن من سكر الصبا ... ميلا يخيف قدودها أن تسقطا )
( وبمسقط العلمين أوضح معلم ... لمهفهف سكن الحشا والمسقطا )
( ما أخجل البدر المنير إذا مشى ... يختال والغصن النضير إذا خطا )
ومنها في المدح
( يا وافدي شرق البلاد وغربها ... أكرمتما خيل الوفادة فاربطا )
( ورأيتما ملك البرية فاهنآ ... ووردتما أرض المرية فاخططا )
( يدمي نحور الدارعين إذا ارتأى ... ويذل عز العالمين إذا سطا )
انتهى المقصود منه وأورد له في الإحاطة قصيدة ثانية أولها
( حديثك ما أحلى فزيدي وحدثي ... )
وهي طويلة
وكتب عليها ابن المؤلف ما صورته سمعتها من لفظ شيخي أبي جعفر ابن خاتمة بالمرية في سنة خمس وستين وسبعمائة قاله علي بن الخطيب انتهى
رجع إلى أخبار ابن الصائغ ومن نظمه قوله
( ضربوا القباب على أقاحي روضة ... خطر النسيم بها ففاح عبيرا )
( وتركت قلبي سار بين حمولهم ... دامي الكلوم يسوق تلك العيرا )
( هلا سألت أميرهم هل عندهم ... عان يفك ولو سألت غيورا )
( لا والذي جعل الغصون معاطفا ... لهم وصاغ الأقحوان ثغورا )
( ما مر بي ريح الصبا من بعدهم ... إلا شهقت له فعاد سعيرا )
وتوفي ابن الصائغ في شهر رمضان سنة 523 وقيل سنة خمس وعشرين مسموما في باذنجان بمدينة فاس وهو تجيبي بضم التاء وفتحها وباجة بالباء الموحدة وبعد الألف جيم مشددة ثم هاء ساكنة وهي القصة بلغة الفرنج وسرقسطة بفتح السين والراء وضم القاف وسكون السين الثانية وبعدها طاء مهملة مدينة كبيرة بالأندلس استولى عليها العدو سنة 512
وقال الأمير ركن الدين بيبرس في تأليفه زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة إن ابن الصائغ كان عالما فاضلا له تصانيف في الرياضات والمنطق وإنه وزر لأبي بكر الصحراوي صاحب سرقسطة ووزر أيضا ليحيى بن يوسف ابن تاشفين عشرين سنة بالمغرب وإن سيرته كانت حسنة فصلحت به الأحوال ونجحت على يديه الآمال فحسده الأطباء والكتاب وغيرهم وكادوه فقتلوه مسموما انتهى
وأنشد له بعضهم
( هم رحلوا يوم الخميس عشية ... فودعتهم لما استقلوا وودعوا )
( ولما تولوا ولت النفس معهم ... فقلت ارجعي قالت إلى أين أرجع )
( إلى جسد ما فيه لحم ولا دم ... وما هو إلا أعظم تتقعقع )
( وعينين قد أعماهما كثرة البكا ... وأذن عصت عذالها ليس تسمع )
وقد ذكر بعضهم في تعزيز بيتي الحريري أنه لابن الصائغ الأندلسي وليس هو بهذا فيما أعلم
( انقد مهوى أزره فانثنى ... مه يا عذولي في الذي انقد مه )
( مندمة قتل المعنى فلا ... ترسل سهام اللحظ تأمن دمه )
ترجمة الفتح عن الإحاطة
رجع إلى ابن باجة وقد ذكر لسان الدين في الإحاطة سبب العداوة بينه وبين الفتح في ترجمة الفتح ولنذكرها بنصه فنقول قال رحمه الله تعالى الفتح بن محمد بن عبيد الله الكاتب من قرية تعرف بقلعة الواد من قرى يحصب يكنى أبا نصر ويعرف بابن خاقانحاله كان آية من آيات البلاغة لا يشق غباره ولا يدرك شأوه عذب الألفاظ ناصعها أصيل المعاني وثيقها لعوبا بأطراف الكلام معجزا في باب الحلى والصفات إلا أنه كان محارفا مقدورا عليه لا يمل من المعاقرة والقصف حتى هان قدره وابتذلت نفسه وساء ذكره ولم يدع بلدا من بلاد الأندلس إلا ودخله مسترفدا أميره واغلا في عليته قال الأستاذ في الصلة وكان معاصرا للكاتب أبي عبد الله ابن أبي الخصال إلا أن بطالته أخلدت به عن مرتبته وقال ابن عبد الملك قصد يوما إلى مجلس قضاء أبي الفضل عياض مخمرا فتنسم بعض حاضري المجلس رائحة الخمر فأعلم القاضي بذلك فاستثبت وحده حدا تاما وبعث إليه بعد أن أقام عليه الحد بثمانية دنانير وعمامة فقال الفتح حينئذ لبعض من أصحابه عزمت على إسقاط القاضي أبي الفضل من كتابي الموسوم بقلائد العقيان قال فقلت لا تفعل وهي نصيحة فقال وكيف ذلك فقلت له قصتك معه من الجائز من أن تنسى وأنت تريد أن تتركها مؤرخة إذ كل من ينظر في كتابك يجدك قد ذكرت
فيه من هو مثله ودونه في العلم والصيت فيسأل عن ذلك فيقال له فيتوارث العلم عن الأكابر الأصاغر قال فتبين ذلك وعلم صحته وأقر اسمه
وحدثني بعض الشيوخ أن سبب حقده على ابن باجة أبي بكر آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس ما كان من إزرائه به وتكذيبه إياه في مجلس إقرائه إذ جعل يكثر ذكر ما وصله به أمراء الأندلس ووصف حليا وكان يبدو من أنفه فضلة خضراء اللون زعموا فقال له فمن تلك الجواهر إذن الزمردة التي على شاربك فثلبه في كتابه بما هو معروف وعلى ذلك فابو نصر نسيج وحده غفر الله تعالى له
مشيخته روي عن أبوي بكر ابن سليمان بن القصيرة وابن عيسى ابن اللبانة وأبي جعفر ابن سعدون الكاتب وأبي الحسن ابن سراج وأبي خالد ابن بشتغير وأبي الطيب ابن زرقون وأبي عبد الله ابن خلصة الكاتب وأبي عبد الرحمن ابن طاهر وأبي عامر ابن سرور وأبي محمد ابن عبدون وأبي الوليد ابن حجاج وابن دريد الكاتب
تواليفه ومصنفاته شهيرة منها قلائد العقيان و مطمح الأنفس والمطمح أيضا وترسيله مدون وشعره وسط وكتابته فائقة
شعره من شعره قوله وثبت في قلائده يخاطب أبا يحيى ابن الحاج
( أكعبة علياء وهضبة سؤدد ... وروضه مجد بالمفاخر تمطر )
( هنيئا لملك زار أفقك نوره ... وفي صفحتيه من مضائك أسطر )
( وإني لخفاق الجناحين كلما ... سرى لك ذكر أو نسيم معطر )
( وقد كان واش هاجنا لتهاجر ... فبت وأحشائي جوى تتفطر )
( فهل لك في ود ذوى لك ظاهرا ... وباطنه يندى صفاء ويقطر )
( ولست بعلق بيع بخسا وإنني ... لأرفع أعلاق الزمان وأخطر )
فروجع عنه بما ثبت أيضا في قلائده مما أوله
( ثنيت أبا نصر عناني وربما ... ثنت عزمة السهم المصمم أسطر )
نثره ونثره شهير ونثبت له من غير المتعارف من السلطانيات ظهيرا كتبه عن بعض الأمراء لصاحب الشرط ولا خفاء بإدلاله وبراعته كتاب تأكيد اعتناء وتقليد ذي منة وغناء أمر بإنفاذه فلان أيده الله تعالى لفلان ابن فلان صانه الله تعالى ليتقدم لولاية المدينة الفلانية وجهاتها ويضرح ما تكاثف من العدوان في جنباتها تنويها أحظاه بعلائه وكساه رائق ملائه لما علمه من سنائه وتوسمه من غنائه ورجاه من حسن منابه وتحققه من طهارة ساحته وجنابه وتيقن أيده الله تعالى أنه مستحق لماولاه مستقل بما تولاه لا يعتريه الكسل ولا تثنيه عن المضاء الصوارم والأسل ولم يكل الأمر منه إلى وكل ولا ناطه بمناط عجز ولا فشل وأمره أن يراقب الله تعالى في أوامره ونواهيه وليعلم أنه زاجره عن الجور وناهيه وسائله عما حكم به وقضاه وأنفذه وأمضاه ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) فليتقدم إلى ذلك يجزم لا يخمد توقده وعزم لا ينفد تفقده ونفس مع الخير ذاهبة وعلى متن البر والتقوى راكبة ويقدم للاحتراس من عرف اجتهاده وعلم أرقه في البحث وسهاده وحمدت أعماله وأمن تفريطه وإهماله ويضم إليهم من يحذو حذوهم ويقفو شأوهم
ممن لا يستراب بمناحيه ولا يصاب خلل في ناحية من نواحيه وأن يذكي العيون على الجناة وينفي عنها لذيذ السنات ويفحص عن مكامنهم حتى يغص بالريق نفس آمنهم فلا يستقر بهم موضع ولا يفر منهم خب ولا موضع فإذا ظفر منهم بمن ظفر بحث عن باطنه وبث السؤال في مواضع تصرفه ومواطنه فإن لاحت شبهة أبداها الكشف والاستبراء وتعداها البغي والافتراء نكله بالعقوبة أشد نكال وأوضح له منها ما كان ذا إشكال بعد أن يبلغ إناه ويقف في طرفه مداه وحد له أن لا يكشف بشرة إلا في حد يتعين وإن جاءه فاسق أن يتبين وأن لا يطمع في صاحب مال موفور وأن لا يسمع من مكشوف في مستور وأن يسلك السنن المحمود وينزه عقوبته من الأفراط وعفوه من تعطيل الحدود وإذا انتهت أليه قصة مشكلة أخرها إلى غده فهو على العقاب أقدر منه على رده فقد يتبين في وقت ما لا يتبين في وقت والمعاجلة بالعقوبة من المقت وأن يتغمد هفوات ذوي الهيئات وأن يستشعر الإشفاق ويخلع التكبر فإنه ملابس أهل النفاق وليحسن لعباد الله تعالى اعتقاده ولا يرفض زمام العدل ولا مقاده وأن يعاقب المجرم قدر زلته ولا يعتز عند ذلته وليعلم أن الشيطان أغواه وزين له مثواه فليشفق من عثاره وسوء آثاره وليشكر الله تعالى على ما وهبه من العافية وألبسه من ملابسها الضافية ويذكره جل وعلا في جميع أحواله ويفكر في الحشر وأهواله ويتذكر وعدا ينجز فيه ووعيدا ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) والأمير أيده الله تعالى ولي له ما عدل وأقسط وبرىء منه إن جار وقسط فمن قرأه فليقف عند حده ورسمه وليعرف له حق
قطع الشر وحسمه ومن وافقه من شريف أو مشروف وخالفه في نهي عن منكر أو أمر بمعروف فقد تعرض من العقاب لما يذيقه وبال خبله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وكتب في كذا
وفاته بمراكش ليلة الأحد لثمان بقين من محرم من عام تسعة وعشرين وخمسمائة ألفي قتيلا ببيت من بيوت فندق أحد فنادقها وقد ذبح وعبث به وما شعر به إلا بعد ثلاث ليال من قتله انتهى نص الإحاطة
ترجمة الفتح عن المغرب
وقال في المغرب ما ملخصه فخر أدباء إشبيلية بل الأندلس أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي الإشبيلي صاحب القلائد والمطمح ذكره الحجاري في المسهب الدهر من رواة قلائده وحملة فرائده طلع من الأفق الإشبيلي شمسا طبق الآفاق ضياؤها وعم الشرق والغرب سناها وسناؤها وكان في الأدب أرفع الأعلام وحسنة الأيام وله كتاب قلائد العقيان ومن وقف عليه لا يحتاج في التنبيه على قدره إلى زيادة بيان وهو وأبو الحسن ابن بسام الشنتمري مؤلف الذخيرة فارسا هذا الأوان وكلاهما قس وسحبان والتفضيل بينهما عسير إلا أن ابن بسام أكثر تقييدا وعلما مفيدا وإطنابا في الأخبار وإمتاعا للأسماع والأبصار والفتح أقدر على البلاغة من غير تكلف وكلامه أكثر تعلقا وتعشقا بالأنفس ولولا ما اتسم به مما عرف من أجله بابن خاقان لكان أحد كتاب الحضرة المرابطية بل مجليها المستولي على الرهان وإنما أخل به ما ذكرناه مع كونه اشتهر بذم أولي الأحساب والتمرين بالطعن على الأدباء والكتاب وقد رماه الله تعالى بما رمى به إمام علماء الأندلس أبا بكر ابن باجة فوجد في فندق بحضرة مراكش قد ذبحه عبد أسود خلا معه بما اشتهر عنه وتركه مقتولا وفي دبره وتد والله سبحانه يتغمده برحمته
ومن شعره قوله من أبيات في المدح
( إلى أين ترقى قد علوت على البدر ... وقد نلت غايات السيادة والقدر )
( وجدت إلى أن ليس يذكر حاتم ... وأغنيت أهل الجدب عن سبل القطر )
( وكم رام أهل اللوم باللوم وقفة ... وبحرك مد لا يؤول إلى جزر )
( ولو لم يكن فيك السماح جبلة ... لأثر ذاك اللوم فيك مع الدهر )
وذكره ابن الإمام في سمط الجمان وأنشد له
( لله ظبي من جنابك زارني ... يختال زهوا في ملاء مراح )
( ولي التماسك في هواه كأنه ... مروان خاف كتائب السفاح )
( فخلعت صبري بالعرا ونبذته ... وركبت وجدي في عنان جماح )
( أهدى لي الورد المضعف خده ... فقطفته باللحظ دون جناح )
( وأردت صبرا عن هواه فلم أطق ... وأريت جدا في خلال مزاح )
( وتركت قلبي للصبابة طائرا ... تهفو به الأشواق دون جناح )
وذكره ابن دحية في المطرب ونعته بابن خاقان قال والشيخ أبو الحجاج البياسي ينكر هذا وقيل إنما قيل له ابن خاقان لما تقدم ذكره في كلام الحجاري وقال ابن دحية إنه قتل ذبحا بمسكنه في فندق ببيت من حضرة مراكش صدر سنة تسع وعشرين وخمسمائة أشار بقتله علي بن يوسف بن تاشفين
وقال أبو الحسن ابن سعيد رأيت فضلاء الأندلس ينتقدون على الفتح أول افتتاحه في خطبة قلائده الحمد لله الذي راض لنا البيان حتى انقاد في أعنتنا وشاد مثواه في أجنتنا لكون ما تضمنته الفقرة الأولى أصوب مما تضمنته الفقرة الثانية والصواب ضد ذلك انتهى
وقال ابن الأبار في معجم أصحاب الصدفي إنه لم يكن مرضيا وحذفه أولى من إثباته انتهى ولذا لم يذكره في التكملة
وقال ابن خاتمة إنه لم يعرف من المعارف بغير الكتابة والشعر والآداب وما حكاه في الإحاطة من تاريخ وفاته مخالف لما حكاه ابن الأبار أنه ليلة عيد الفطر من سنة ثمان وعشرين وخمسمائة قال وقرأت ذلك بخط من يوثق به وحكى ابن خلكان قولا آخر أنه توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة وقيل وهو خطأ على أنه حكى القول الآخر أيضا
ودفن بباب الدباغين رحمه الله تعالى
وقد قيل إن قتله كان بإشارة أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين أخي إبراهيم الذي ألف برسمه قلائد العقيان
وقد ذكر ابن خلكان أن المطمح ثلاث نسخ صغرى ووسطى وكبرى والذي قاله ابن الخطيب وابن خاتمة وغير واحد من المغاربة أنه نسختان فقط صغرى وكبرى ولعله الصواب إذ صاحب البيت أدرى بالذي فيه
ومن تأليف الفتح راية المحاسن وغاية المحاسن ومجموع في ترسيله وتأليف صغير في ترجمة ابن السيد البطليوسي نحو الثلاثة كراريس على منهاج القلائد
رسائل للفتح
ومن بديع إنشاء الفتح المذكور سامحه الله تعالى قوله أطال الله تعالى بقاء الوزير الأجل عتادي الأسرى وزنادي الأورى وأيامه أعياد وللسعد في زمانه انقياد أما أنا أدام الله تعالى عزه فجوي عاتم وأعيادي مآتم وصبحي عشاء وما لي إلا من الخطوب انتشاء أبيت بين فؤاد خافق وطرف مسهد نائي المحلة من مزار العود حين لا أرى الروض المنور ولا أحس سهيلا إذا لاح ثم تهور وقد بعدت دار إلى حبيبة ودنت مني حوادث بأدناها تؤذى الشبيبة وأي عيش لمن لزم المفاوز لا يريمها حتى ألفه ريمها قد رمته النوائب فما اتقى وارتقت له الجوائح في وعور المرتقى يواصل النوى ولا يهجر سيرا ولا يزجر في الإراحة طيرا قد هام بالوطن هيام ابن طالب بالحوض والعطن وحن إلى تلك البقاع حنينه إلى أثلات القاع ولا سبيل أن يشعب صدر بينه شاعب أو تكلمه أحجار للدار وملاعب وليس له إلى أين يجنح ولا يرى أمله يسنح قد طوى البلاد وبسطها وتطرف الأرض وتوسطها ولم يلف مقيلا ولا وجد مقيلا إلى الله أشكو ما أقاسي وأقاصي وبيده الأقدام والنواصي ولقاؤه موعد كل موعد وكل معمر سيدركه يوما حمام الموعد وأنفذته وقد صدرت عن فلانة بعد أهوال لقيتها وأنكال سقيتها وسفر لقيت منه نصبا وكدر أعقبني وصبا وإلى متى يعزلني السعد ولله الأمر من قبل ومن بعد انتهى 2 - وكتب رحمه الله تعالى من رسالة سيدي لا عدمت ارتفاقا ولا حرمت تكيفا من السعد واتفاقا أنا الآن مشتغل البال لا أفرق بين الإعراض والإقبال وعند تفرغي أوجه لك ما حضر ومثلك أرجأ الأمر وأنظر وفي علم الله تعالى لو أمكنني لحملتك على كاهل وأوردتك منه أعذب المناهل وأبحت لك السعد ثغرا ترتشفه وخلعته بردا عليك تلتحفه لكن الزمان لا يجد وصروفه لا تنجد وعلى أي حال فلا بد أن تجد قراك وتحمد سراك إن شاء الله تعالى
3 - وكتب إلى أبي بكر بن علي عند ولايته إشبيلية أطال الله تعالى بقاء الأمير الأجل أبي بكر للأرض يتملكها ويستدير بسعده فلكها استبشر الملك وحق له الاستبشار وأومأ إليه السعد في ذلك وأشار بما اتفق له من توليتك وخفق عليه من ألويتك فلقد حبي منك بملك أمضى من السهم المسدد
( طويل نجاد السيف رحب المقلد ... )
يقدم حيث يتأخر الذابل ويكرم إذا بخل الوابل ويحمي الحمى كربيعة ابن مكدم ويسقي الظبى نجيعا كلون العندم فهنيئا للأندلس لقد استردت عهد خلفائها واستمدت تلك الإمامة بعد عفائها حتى كأن لم تمر أعاصرها ولم يمت حكمها ولا ناصرها اللذان عمرا الرصافة والزهرا ونكحا عقائل الروم وما بذلا إلا المشرفية مهرا والله تعالى أسأله انتصار أيامك وبه أرجو انتشار أعلامك حتى يكون عصرك أعجب من عصرهم ونصرك أعز من
نصرهم والسلام انتهى
وقال بعضهم من أحسن ما رأيت له قوله معاليك أشهر رسوما وأعطر نسيما من أن يغرب شهاب مسعاها أو يجدب لرائد مرعاها فإن نبهتك فإنما نبهت عمرا وإن استنرتك فإنما أستنير قمرا والأمير أيده الله تعالى أجل من أعتصم في ملكه وأنتظم في سلكه فإنه حسام بيد الملك طلاقته فرنده وشهامته حده وقضيب في دوحة الشرف رطيب بشره زهره وبره ثمره وقد توسمت نارك لعلي أفوز منها بقبس أو تكون كنار موسى بالوادي المقدس وعسى الأمل أن تعلو بكم قداحه ويشف من أفقكم مصباحه فجرد أيدك الله تعالى صارم عزم لا تفل غروبه واطلع كوكب سعد لا يخاف غروبه انتهى
ولنذكر بعض كلامه في المطمح لغرابته في هذه البلاد المشرقية بخلاف القلائد فإنها موجودة بأيدي الناس فيه
نماذح من تراجم المطمح
قال رحمه الله تعالى في ترجمة أبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي إمام اللغة والإعراب وكعبة الآداب أوضح منها كل إبهام وفضح دون الجهل بها محل الأوهام وكان أحد ذوي الإعجاز وأسعد أهل الأختصار والإيجاز نجم والأندلس في إقبالها والأنفس أول تهممها بالعلم واهتبالها فنفقت له عندهم البضاعة واتفقت على تفضيله الجماعة وأشاد الحكم بذكره فأورى بذلك زناد فكره وله اختصار العين للخليل وهو معدوم النظير والمثيل ولحن العامة وطبقات النحويين وكتاب الواضح وسواها من كل تأليف مخجل لمن أتى بعده فاضح وله شعر مصنوع ومطبوع كأنما يتفجر من خاطره ينبوع وقد أثبت له منه ما يقترح ولا يطرح فمن ذلك قوله
( كيف بالدين القديم ... لك من أم تميم )
( ولقد كان شفاء ... من جوى القلب السقيم )
( يشرق الحسن عليها ... في دجى الليل البهيم )
وكتب مراجعا
( أغرقتني في بحور فكر ... فكدت منها أموت لما )
( كلفتني غامضا عويصا ... أرجم فيه الظنون رجما )
( ما زلت أسرو السجوف عنه ... كأنني كاشف لظلما )
( أقرب من ليله وأنأى ... مستبصرا تارة وأعمى )
( حتى بدا مشرق المحيا ... لما اعتلى طالعا وتما )
( لله من منطق وجيز ... قد حل قدرا وجل فهما )
( أخلصت لله فيه قولا ... سلمت لله فيه حكما )
( إذ قلت قول امرىء حكيم ... مراقب للإله علما )
( الله ربي ولي نفسي ... في كل بوس ولك نعمى )
وكتب إلى أبي مسلم ابن فهد وكان كثير التكبر عظيم التجبر متغيرا لسانه مقفرا من المعالم جنانه
( أبا مسلم إن الفتى بفؤاده ... ومقوله لا بالمراكب واللبس )
( وليس رواء المرء يغني قلامة ... إذا كان مقصورا على قصر النفس )
( وليس يفيد الحلم والعلم والحجى ... أبا مسلم طول القعود على الكرسي )
واستدعاه الحكم المستنصر بالله أمير المؤمنين فعجل إليه وأسرع فأمرع من آماله ما أمرع فلما طالت نواه واستطالت عليه لوعته وجواه وحن إلى مستكنه بإشبيلية ومثواه استأذنه في اللحوق بها فلومه ولواه فكتب إلى من كان يألفه ويهواه
( ويحك يا سلم لا تراعي ... لا بد للبين من مساع )
( لا تحسبيني صبرت إلا ... كصبر ميت على النزاع )
( ما خلق الله من عذاب ... أشد من وقفة الوداع )
( ما بينها والحمام فرق ... إلا المناحات في النواعي )
( إن يفترق شملنا وشيكا ... من بعد ما كان في اجتماع )
( فكل شمل إلى افتراق ... وكل شعب إلى انصداع )
( وكل قرب إلى بعاد ... وكل وصل إلى انقطاع )
2 - وقال سامحه الله تعالى بعد ترجمة السلطان بالمرية المعتصم بن صمادح ما نصه ابنه عز الدولة أبو مروان عبد الله فتى الراح المعاقر لدنانها المهتصر لأغصان الفتوة وأفنانها المهجر لفلاة الظباء والآرام المشهر في باب الصبابة والغرام نشأ في حجر أبيه نديم قهوة ومديم صبوة وخديم شهوة لا يريم كاسا ولا يروم إلا اقتضاء وانتكاسا ما شهد قتلا ولا قتالا ولا تقلد صارما إلا مختالا قد أمن منه جنان الجبان وعدت له غصون البان وما زال مرتضعا لأخلاف البطالة مقتطعا ما شاء من إطالة متوغلا
في شعاب الفتاك متغلغلا في طريق الانتهاك إلى أن وجهه أبوه إلى أمير المسلمين سفيرا عندما بدت له وجوه الفتنة تسفر ومعاهد الهدنة تقفر مع أكامل أصحبهم نقصانه وذوي أديان جعلهم خلصانه يسمعون بوادر بذاذته وينظرون مناكر لذاذته فآلت سفراته إلى الاعتقال وقصرت نخوته ما بين قيد وعقال فجاء كالمهر لا يعرف لجاما وصار حبيس قوم لا يألونه استعجاما وحين شالت نعامته وسالت عليه ظلامته كتب إلى أبيه
( أبعد السنا والمعالي خمول ... وبعد ركوب المذاكي كبول )
( ومن بعد ما كنت حرا عزيزا ... أنا اليوم عبد أسير ذليل )
( حللت رسولا بغرناطة ... فحل بها في خطب جليل )
( وثقفت إذ جئتها مرسلا ... وقبلي كان يعز الرسول )
( فقدت المرية أكرم بها ... فما للوصول إليها سبيل )
فراجعه أبوه بقطعة منها
( عزيز علي ونوحي دليل ... على ما أقاسي ودمعي يسيل )
( وقطعت البيض أغمادها ... وشقت بنود وناحت طبول )
( لئن كنت يعقوب في حزنه ... ويوسف أنت فصبر جميل )
ولم يزل يتحيل في تخلصه وأخذه من يد مقتنصه فسرق وحراسه منه بمكان السلك من النحر وطرق به على ثبج البحر فوافى المرية وقد أخذ البحث عليه آفاق البرية فهنىء المعتصم بخلاصه وبقي مستقرا بعراصه إلى أن أخلوها ومضوا لطلبة ما نووها فنجا أخوه إلى حيث ذكرنا من بلاد الناصر ولجأ هو إلى أحد المرابطين لأذمة كانت بينهما وأواصر وأقام معه سمير لهوه وأمير سهوه إلى أن انقرض أمده وطواه سروره لا كمده فلم ير إلا
خالعا لعذاره طالعا في ثنيات اغتراره غير مكترث باتضاعه ولا منحرف عن ارتشاف الغي وارتضاعه وبد منه في هذه الحال ندى كاثر به السحاب وظاهر بسببه الصحاب وتخدم الأوطار وتقدم لذوي الرتب فيها والأخطار تقدما حسن من ذكره وأولع الألسن بشكره فارتفع عنه الكدح وشفع له في الذم ذلك المدح وكان نظمه بديع الوصف رفيع الرصف وقد أثبت له ما يشهد بإجادته وإحسانه شهادة الروض بجود نيسانه
أخبرني ابن القطان أنه ساير الأمير يحيى بن أبي بكر إلى طليطلة في جيوش فاضت سيلا وخاضت المطايا قتامها ليلا وكان ملكا لم يعقد على مثله لواء ولم يحتو على شبهه حواء جمال محيا وكمال عليا وحسن شيم وبعد همم أغنى العفاة وأحيا الرفات وألغى الأجواد وأنسى كعب ابن مامة وابن أبي داود فلما شارف طليطلة وكشفها واشتف بلالتها وارتشفها وضرب بكنفها مضاربه وأجال بساحتها زنجه وأعاربه سقط أحد الويته عن يد حامله وانكسر عند عامله فطائفة تفاءلت وطائفة تطيرت وفرقة ابتهجت وأخرى تغيرت فقال
( لم ينكسر عود اللواء لطيرة ... يخشى عليك بها وأن تتأولا )
( لكن تحقق أنه يندق في ... نحر العدا ولدى الوغى فتعجلا )
وأخبرني أخوه رفيع الدولة أن ابن اللبانة كتب إليه والخلع قد نضا لبوسه وقصر بوسه وكدر صفاءه وغدر وفاءه وطوى ميدان جوده وأذوى أفنان وجوده قوله
( يا ذا الذي هز أمداحي بحليته ... وعزه أن يهز المجد والكرما )
( واديك لا زرع فيه اليوم تبذله ... فخذ عليه لأيام المنى سلما )
فدعته دواعي الندى وأولعته بالجدا في ذلك المدى فتحيل في بر طبعه وكتب معه
( المجد يخجل من نقديك في زمن ... ثناه عن واجب البر الذي علما )
( فدونك النزر من مصف مودته ... حتى يوفيك أيام المنى سلما )
3 - ابنه الثاني رفيع الدولة أبو يحيى ابن المعتصم
من بيت إماره والى السعد طوافه بها واعتماره عمرت أنديته ونشرت به رايات العز وألويته إلى أن خوى كوكبهم وهوى مرقبهم فتفرقوا ايادي سبا وفرقوا من وقع الأسنة والظبى وفارقوا أرضا كأرض غسان ووافقوا أياما كيوم أهل اليمامة مع حسان بعدما خامرت النفوس مكارمهم مخامرة الرحيق وأمهم الناس من كل مكان سحيق وانتجعوا انتجاع الأنواء واستطعموا في المحل واللأواء وصالوا بالدهر وسطوا وبين النهي والأمر فيه خطوا ورفيع الدولة هذا فجر ذاك الصباح وضوء ذلك المصباح وغصن تلك الدوحة ونسيم تلك النفحة لم يمتهن والدهر قد بذله ولا ترك الانتصار والأمر قد خذله فالتحف بالصون وارتدى وراح على الانقباض واغتدى فما تلقاه إلا سالكا جددا ولا تراه إلا لابسا سوددا وله أدب كالروض المجود إذا أزهر ونظم كزهر التهائم والنجود بل كالصبح إذا أسفر واشتهر أوقفه على النسيب وصرفه إلى المحبوبة والحبيب فمن ذلك قوله
( ما لي وللبدر لم يسمح بزورته ... لعله ترك الإجمال أو هجرا )
( إن كان ذاك لذنب ما شعرت به ... فأكرم الناس من يعفو إذا قدرا )
وله أيضا
( يا عابد الرحمن كم ليلة ... أرقتني وجدا ولم تشعر )
( إذ كنت كالغصن ثنته الصبا ... وصحن ذاك الخد لم يشعر )
وله أيضا
( وأهيف لا يلوي على عتب عاتب ... ويقضي علينا بالظنون الكواذب )
( يحكم فينا أمره فنطيعه ... ونحسب منه الحكم ضربة لازب )
وله أيضا رحمه الله تعالى
( وعلقته حلو الشمائل ماجنا ... خنث الكلام مرنح الأعطاف )
( ما زلت أنصفه وأوجب حقه ... لكنه يأبى من الإنصاف )
وله أيضا
( حبيب متى ينأى عن العين شخصه ... يكاد فؤادي أن يطير من البين )
( ويسكن ما بين الضلوع إذا بدا ... كأن على قلبي تمائم من عين )
وله أيضا
( أفدي أبا عمرو وإن كان جانيا ... علي ذنوبا لا تعدد بالعتب )
( فما كان ذاك الود إلا كبارق ... أضاء لعيني ثم أظلم للقلب )
وله وقد بلغه موتي وتحقق عنده فوتي
( مثنى الوزارة قد أودى فما فعلت ... تلك المحابر والأقلام والطرس )
( ما كنت أحسب يوما قبل ميتتة ... أن البلاغة والآداب تختلس )
واستأذن ليلة على أحد الأمراء وأنا عنده في أسنى موضع وأبهى مطلع وجوانب حفده بين يدي محتلة وسحائب رفده علي منهلة وكان أجمل من مقل وأكمل من من المهد إلى سرير الملك قد نقل وكتب إلي يهنيني بقدوم من سفر
( قدمت أبا نصر على حال وحشة ... فجاءت بك الآمال واتصل الأنس )
( وقرت بك العينان واتصل المنى ... وفازت على يأس ببغيتها النفس )
( فأهلا وسهلا بالوزارة كلها ... ومن رأيه في كل مظلمة شمس )
4 - وقال في المطمح في ترجمة الوزير أبي الوليد ابن حزم واحد دونه الجمع وهو للجلالة بصر وسمع روضة علاه رائقة السنا ودوحة بهاه طيبة الجنى لم يتزر بغير الصون ولم يشتهر بفساد بعد الكون مع نفس برئت من الكبر وخلصت خلوص التبر مع عفاف التحف به برودا وما ارتشف به ثغرا برودا فعفت مواطنه وما استرابت ظواهره ولا بواطنه وأما شعره ففي قالب الإحسان أفرغ وعلى وجه الاستحسان يلقى ويبلغ وكتب إليه ابن زهر
( أأبا الوليد وأنت سيد مذحج ... هلا فككت أسير قبضة وعده )
( وحياة من أمد الحياة بوصله ... وذهابها حتما بأيسر صده )
( لأقاتلنك إن قطعت بمرهف ... من جفنه وبصعدة من قده )
فراجعه أبو الوليد
( لبيك يا أسد البرية كلها ... من صادق عبث المطال بوعده )
( يمضي بأمرك ساء أو سر القضا ... ويفل حد النائبات بحده )
( إيه ووافقت الصبا في معرض ... ذهب المشيب بهزله وبجده )
5 - وقال في المطمح في ترجمة أبي بكر الغساني ما صورته صليب العود مهيب الوعود لو دعي له الأسد الورد لأجاب ولو رمي بذكره الليل البهيم لانجاب ولو قعدت بين يديه الأطواد لتحرك سكونها ولو عصته الطيور ما آوتها وكونها مع وقار تخاله يذبلا وفخار يفضح بلبلا وشيم لو كانت بالروض ما ذوى أو تقاسمت في الخلق ما رمد أحد بعدما شوى وسجايا تنجلي عنها الظلماء كأن مزاجها عسل وماء انتهى
وهذا الغساني هو صاحب تفسير القرآن وقد عرف به في الإحاطة فليراجع ثمة
6 - وقال أيضا في المطمح ما صورته أبو عامر ابن عقال كان له ببني قاسم تعلق وفي سماء دولتهم تألق فلما خوت نجومهم وعفت رسومهم انحط عن ذلك الخصوص وسقط سقوط الطائر المقصوص وتصرف بين وجود وعدم وتحرف قاعدا حينا وحينا على قدم وفي خلال حاله وأثناء انتحاله لم يدع حظه من الحبيب ولا ثنى لحظه
عن الغزال الربيب ولم يزل يطير ويقع والدهر يخرق حاله ويرقع إلى أن أرقاه الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين رحمه الله تعالى أعلى ربوة وأراه أبهى حظوة فأدرك عنده رتبة أعلام التحبير والإنشا وترك الدهر قلق الحشا وتسنم منزلة لا يتسنمها إلا من تطهر من درنه وجمح إحسانه في ميدان حرنه والحظوظ أقسام لا تسام والدنيا إنارة وإعتام
( ولو لم يعل إلا ذو محل ... تعالى الجيش وانحط القتام )
وقد أثبت عنه بعض ما انتقيته والذي أخذته مباين لما أبقيته فمن ذلك قوله
( يا ويح أجسام الأنا ... م لما تطيق من الأذى )
( خلقت لتقوى بالغذا ... ء وسقمها ذاك الغذا )
( وتنال أيام السلا ... مة بالحياة تلذذا )
( فإذا انقضى زمن الصبا ... ورمى المشيب فأنفذا )
( وجد السقام إلى المفا ... صل والجوانح منفذا )
( ويقول مهما يعط شي ... ئا ناولوني غير ذا )
وحذا في هذه القصيدة خذو الصابي في قوله
( وجع المفاصل وهو أي ... سر ما لقيت من الأذى )
( رد الذي استحسنته ... والناس من حظي كذا )
( والعمر مثل الكاس ير ... سب في أواخرها القذى )
وله يعتذر عن زيارة اعتمدها ومواصلة اعتقدها فعاقته عنها حوادث لوته وعدته عن ذلك وثنته
( بينما كنت راجيا للقائه ... والتشفي بالبشر من تلقائه )
( وترقبت من سماء نزاعي ... قمر الأنس طالعا من سمائه )
( إذ دهاني اعتراض خطب ثناني ... عن غمام يشفي الغليل بمائه )
( فتدلهت انزويت حياء ... منه والعذر واضح لسنائه )
وله فصل كتب به عن الأمير إبراهيم يصف إجازة أمير المسلمين البحر سنة خمس عشرة وخمسمائة وفي الساعة الثانية من يوم الجمعة كان جوازه أيده الله تعالى من مرسى جزيرة طريف على بحر ساكن قد ذل بعد استصعابه وسهل بعد أن رأى الشامخ من هضابه وصار حيه ميتا وهذره صمتا وجباله لا ترى فيها عوجا ولا أمتا وضعف تعاطيه وعقد السلم بين موجه وشاطيه فعبر آمنا من لهواته متملكا لصهواته على جواد يقطع الجو سبحا ويكاد يسبق البرق لمحا لم يحمل لجاما ولا سرجا ولا عهد غير اللجة الخضراء مرجا عنانه في رجله وهدب العين يحكي بعض شكله فلله هو من جواد له جسم وليس له فؤاد يخرق الهواء ولا يرهبه ويركض الماء ولا يشربه
وقال في ترجمة الفقيه أبي مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني ما نصه
من ثنية شرف وحسب ومن أهل حديث وأدب إمام في اللغة متقدم فارع لرتب الشعر متسنم له رواية بالأندلس ورحلة إلى المشرق ثم عاد
وقد توج بالمعارف المفرق وأقام بقرطبة علما من أعلامها ومتسنما لترفعها وإعظامها تؤثره الدول وتصطفيه أملاكها الأول ما زال فيها مقيما ولا برح عن طريق أمانيها مستقيما إلى أن اغتيل في إحدى الليالي بقضية يطول شرحها فأصبح مقتولا في فراشه مذهولا كل أحد من انبساط الضرب إليه على انكماشه وقد أثبت من محاسنه ما يعجب السامع وتصغي إليه المسامع فمن ذلك قوله
( وضاعف ما بالقلب يوم رحيلهم ... على ما به منهم حنين الأباعر )
( وأصبر عن أحباب قلب ترحلوا ... ألا إن قلبي سائر غير صابر )
ولما رجع إلى قرطبة وجلس ليرى ما احتقبه من العلوم اجتمع إليه في المجلس خلق عظيم فلما رأى تلك الكثرة وما له عندهم من الأثرة قال
( إني إذا حضرتني ألف محبرة ... يكتبن حدثني طورا وأخبرني )
( نادت بمفخري الأقلام معلنة ... هذي المفاخر لا قعبان من لبن )
وكتب إلى ذي الوزارتين أبي الوليد ابن زيدون
( أبا الوليد وما شطت بنا الدار ... وقل منا ومنك اليوم زوار )
( وبيننا كل ما تدريه من ذمم ... وللصبا ورق خضر وأنوار )
( وكل عتب وإعتاب جرى فله ... بدائع حلوة عندي وآثار )
( فاذكر أخاك بخير كلما لعبت ... به الليالي فإن الدهر دوار )
8 - وقال في ترجمة صاحب العقد الفقيه العالم أبي عمر أحمد بن عبد ربه
عالم ساد بالعلم ورأس واقتبس به من الحظوة ما اقتبس وشهر بالأندلس حتى سار إلى المشرق ذكره واستطار شرر الذكاء فكره وكانت له عناية بالعلم وثقة ورواية له متسقة وأما الأدب فهو كان حجته وبه غمرت الأفهام لجته مع صيانة وورع وديانة ورد ماءها فكرع وله التأليف المشهور الذي سماه بالعقد وحماه عن عثرات النقد لأنه أبرزه مثقف القناة مرهف الشباة تقصر عنه ثواقب الألباب وتبصر السحر منه في كل باب وله شعر انتهى منتهاه وتجاوز سماك الإحسان وسماه
أخبرني ابن حزم أنه مر بقصر من قصور قرطبة لبعض الرؤساء فسمع منه غناء أذهب لبه وألهب قلبه فبينما هو واقف تحت القصر إذ رش بماء من أعاليه فاستدعى رقعة وكتب إلى صاحب القصر بهذه القطعة
( يا من يضن بصوت الطائر الغرد ... ما كنت أحسب هذا الضن في أحد )
( لو أن أسماع أهل الأرض قاطبة ... أصغت إلى الصوت لم ينقص ولم يزد )
( فلا تضن على سمعي ومن به ... صوتا يجول مجال الروح في الجسد )
( أما النبيذ فإني لست أشربه ... ولا أجيئك إلا كسرتي بيدي )
وعزم فتى كان يتألفه وخامره كلفه على الرحيل في غده فأذهبت عزمته قوى جلده فلما أصبح عاقته السماء بالأنواء وساقته مكرها إلى الثواء فاستراح أبو عمر من كمده وانفسح له من التواصل ضائق أمده فكتب إلى المذكور العازم على البكور
( هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر ... هيهات يأبى عليك الله والقدر )
( ما زلت أبكي حذار البين ملتهبا ... حتى رثى لي فيك الربح والمطر )
( يا برده من حيا مزن على كبد ... نيرانها بغليل الشوق تستعر )
( آليت أن لا أرى شمسا ولا قمرا ... حتى أراك فأنت الشمس والقمر )
ومن شعره الذي صرح به تصريح الصب وبرح فيه وقائع اسم الحب قوله
( الجسم في بلد والروح في بلد ... يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد )
( إن تبك عيناك لي يا من كلفت به ... من رحمة فهما سهماك في كبدي )
ومنه قوله
( ودعتني بزفرة واعتناق ... ثم نادت متى يكون التلاقي )
( وبدت لي فأشرق الصبح منها ... بين تلك الجيوب والأطواق )
( يا سقيم الجفون من غير سقم ... بين عينيك مصرع العشاق )
( إن يوم الفراق أفظع يوم ... ليتني مت قبل يوم الفراق )
وله أيضا
( يا ذا الذي خط الجمال بخده ... خطين هاجا لوعة وبلابلا )
( ما صح عندي أن لحظك صارم ... حتى لبست بعارضيك حمائلا )
وأخبرني بعضهم أن الخطيب أبا الوليد ابن عيال حج فلما انصرف تطلع إلى لقاء المتنبي واستشرف ورأى أن لقياه فائدة يكتسبها وحلة فخر لا يحتسبها فصار إليه فوجده في مسجد عمرو بن العاص ففاوضه قليلا ثم قال أنشدني لمليح الأندلس يعني ابن عبد ربه فأنشده
( يا لؤلؤا يسبي العقول أنيقا ... ورشا بتقطيع القلوب رفيقا ... ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... درا يعود من الحياء عقيقا )
( وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك في سناه غريقا )
( يا من تقطع خصره من رقة ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا )
فلما أكمل إنشادها استعادها منه وقال يا ابن عبد ربه لقد تأتيك العراق حبوا
وله أيضا
( ومعذر نقش الجمال بخطه ... خدا له بدم القلوب مضرجا )
( لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا )
وله أيضا
( وساحبة فضل الذيول كأنها ... قضيب من الريحان فوق كثيب )
( إذا ما بدت من ثغرها قال صاحبي ... أطعني وخذ من وصلها بنصيب )
وله أيضا
( هيج الشوق دواعي سقمي ... وكسا الجسم ثياب الألم )
( أيها البين أقلني مرة ... فإذا عدت فقد حل دمي )
( يا خلي الذرع نم في غبطة ... إن من فارقته لم ينم )
( ولقد هاج بجسمي سقما ... حب من لو شاء داوى سقمي )
وبلغ سن عوف بن محلم واعترف بذلك اعتراف متألم عندما وهت شدته وبليت جدته وهو آخر شعر قال ثم عثر في أذيال الردى وما استقال
( كلاني لما بي عاذلي كفاني ... طويت زماني برهة وطواني )
( بليت وأبليت الليالي مكرها ... وصرفان للأيام معتوران )
( وما لي لا أبلى لسبعين حجة ... وعشر أتت من بعدها سنتان )
( فلا تسألاني عن تباريح علتي ... ودونكما مني الذي تريان )
( وإني بحول الله راج لفضله ... ولي من ضمان الله خير ضمان )
( ولست أبالي من تباريح علتي ... إذا كان عقلي باقيا ولساني )
وفي أيام إقلاعه عن صبوته وارتجاعه عن تلك الغفلة وأوبته وانثنائه عن مجون المجون إلى صفاء توبته محص أشعاره في الغزل بما ينافيها ونصل من قوادمها وخوافيها بأشعار في الزهد على أعاريضها وقوافيها منها القطعة التي أولها
( هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر ... )
محصها بقوله
( يا راقدا ليس يعفو حين يقتدر ... ماذا الذي بعد شيب الراس تنتظر )
( عاين بقلبك إن العين غافلة ... عن الحقيقة واعلم أنها سقر )
( سوداء تزفر من غيظ إذا سفرت ... للظالمين فلا تبقي ولا تذر )
( لو لم يكن لك غير الموت موعظة ... لكان فيه عن اللذات مزدجر )
( أنت المقول له ما قلت مبتدئا ... هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر )
9 - وقال في ترجمة أبي القاسم المنيشي ما صورته
أبو القاسم المنيشي أحد أبناء حضرة إشبيلية المقلين الناهضين بأعباء
الضرائر المستقلين لم يزل يعشو لكل ضوء وينتجع مصاب كل نوء فيوما يخصب ويوما يجدب وآونة يفرح وأخرى ينتدب إلى أن صدقت مخايله فرمقت بخوته وتحايله وأتى من العجب بمنسدل الحجب ومن الأشر ما لم يأت من بشر وما تصرف إلا في أنزل الأعمال ولا تعرف إلا بأخون العمال لم يفرع ربوة ظهور ولم يقرع باب رجل مشهور وله أدب ولسن ومذهب فيهما يستحسن لكنه نكب عن المقطع الجزل وذهب مذهب الهزل إلا في النادر فربما جد ثم أخلق منه ما استجد وعاد إلى ديدنه عودة أبي عباد إلى واواته ومدنه وأخذ في ذلك الغرض وليس شرط كتابي بذاءه ولا أن يقف حذاءه وقد أثبت له ما هو عندي نافق ولغرض كتابي موافق فمن ذلك قوله
( يا روضة باتت الأنداء تخدمها ... أتى النسيم وهذا أول السحر )
( إن كان قدك غصنا فالثراء به ... مثل الكمائم قد زرت على الزهر )
( اربأ بخديك عن ورد وعن زهر ... واغن بقرطيك عن شمس وعن قمر )
( يا قاتل الله لحظي كم شقيت به ... من حيث كان نعيم الناس بالنظر )
وله من رثاء في والدتي رحمة الله عليها
( يا ناصحي غير مفتات ولا شجن ... على النصائح والنصاح مفتات )
( لا أستجيب ولو ناديت من كثب ... قد وقذتني تعلات وعلات )
( إن كان رأيك في بري وتكرمتي ... بحيث قد ظهرت منه علامات )
( لا ترض لي غير شجو لا أفارقه ... فذاك أختاره والناس أشتات )
ومنها
( يا ذا الوزارة من مثنى وواحدة ... لله ما اصطنعت منك الوزارات )