كتاب : التذكرة الحمدونية
المؤلف : ابن حمدون
وصار لا يزدادُ إلا شرّا ... حتى إذا ما قام واسبطَرَّا
وانتفخَتْ أوْداجُهُفدرّاعاد إليّ خازناً مُزوَرّا
كأنما أَسقطَ شيئاً مُرّا
قال أعرابي: من الطويل:
أبى القلبُ أن يهوى السَّديرَ وأهلَه ... وإن قِيلَ عيشٌ بالسَّديرِ غريرُ
به البقّ والحمّى وأُسْدُ خفيّةٍ ... وعمروُ بنُ هند يَعتدي ويَجورُ
صار رجل من بني العنبر إلى سوار القاضي فقال: إن أبي مات وتركني وأخاً لي، وخط خطين ناحية، وهجيناً فكيف يقسم المال؟ فقال: ههنا وارث غيركم؟ قال: لا، قال: المال بينكم أثلاثاً. فقال الأعرابي: يخذ الهجين كما آخذ وكما يأخذ أخي؟ فقال: أجل. فغضب الأعرابي ثم أقبل على سوار وقال: تعلم والله أنك قليل الخالات بالدهناء. قال سوار: غذن لا يضرني ذلك عند الله شيئاً.
كان في وكيع بن أبي سود أعرابية وهوج شديد. فقال يوماً وهو يخطب: إن الله تعالى خلق السموات والأرض في ست سنين. فقال بعض جلسائه في ستة أيام، قال: فداك لقد قلت الأولى وإني لأستقلها.
سئل رجل عن نسبه فقال: أنا ابن فلان فقال أعرابي: الناس تنتسب طولاً وأنت تنتسب عرضاً.
صلى أعرابي وأطال الصلاة وإلى جانبه ناس فقالوا: ما أحسن صلاته! فقطع صلاته وقال: مع هذا أنا صائم.
كان أعرابي إذا توضأ غسل وجهه قبل استه، فقيل له في ذلك، قال: لا أبدأ بالخبيثة قبل الطيب.
وقال بعضهم: أتيت لخماً وجذاماً، وكانوا يقدمون العروس يصلي بهم سبعة أيام، فقلت لهم: ما هذه السنة؟ قالوا: أما سمعت الله تعالى يقول في كتابه: كاد العروس يكون ملكاً.
شهد أعرابي عند بعض الولاة على رجل بالزنا فقال له: اشهد أنك رأيته كالميل في المكحلة، فقال الأعرابي: لو كنت جلدة استها ما شهدت بذلك.
قال أبو زيد: نظر شيخ من الأعراب إلى امرأته تتصنع وهي عجوز فقال: من الطويل:
عَجوزٌ ترجّي أن تكونَ فَتيَّةً ... وقد لُحِبَ الجنبان واحدَوْدَبَ الظهرُ
تَدسُّ إلى العطّار سِلعةَ أهلِها ... وهل يُصلحُ العطّارُ ما أفسدَ الدهرُ
فقالت امرأته: من الطويل:
ألم ترَ أن الناب تحلب علبة ... ويُترَكُ ثِلْبٌ لا ضرابٌ ولا ظهرُ
قال: ثم استغاثت بالنساء، وطلب الرجال فإذا هم خلوف، فاجتمع النساء عليه فضربنه.
الثلب: الكبير الهم.
قال أعرابي: خطب منا رجل مغمور امرأةً مغموزةً، فقيل لولي المرأة: تعمم لكم فزوجتموه. فقال: إنا قد تبرقعنا له قبل أن يتعمم لنا.
قال الأصمعي: حضرت الصلاة فقال أعرابي: حي على العمل الصالح، قد قام الفلاح. ثم قام يصلي فكبر وقام وقال: اللهم احفظ حسبي ونسبي، واردد ضالتي، واحفظ جملي، والسلام عليك ورحمة الله.
قامت امرأة من العرب تصلي فقالت: اللهم إني أعوذ بك من شر قريش وثقيف، ومن شر ما جمعت من اللفيف، وأعوذ بك من حر ملك أمره، وعبد ملأ بطنه، الله أكبر.
وقف أعرابي يسأل شيئاً فقيل له: يا أعرابي، هل لك في خير مما تطلب؟ قال: وما هو؟ قال: نعلمك سورةً من القرآن، قال: والله إني لأحسن ما لو حفظته كفاني أحسن منه خمس سور. قال، فقلنا: اقرأ! فقرأ الحمد لله وإذا جاء نصر الله والفتح وإنا أعطيناك الكوثر، ثم سكت. فقلنا له هذه ثلاث فأين الثنتان؟ قال: إني وهبتهما لابن عم لي يريد أنه علمهما إياه ولا والله لا أعود في شيء وهبته أبداً.
كان أعرابيان يطوفان بالبيت وأحدهما يقول: اللهم هب لي رحمتك، واغفر لي فإنك تجد من تعذبه غيري ولا أجد من يرحمني غيرك. فقال له صاحبه: اقصد قصد حاجتك ولا تغمرنا بالناس.
أصاب أعرابي سراويل وهو لا يدري ما هو، فأخذه وأدخل يده في رجل السراويل، وبقي رأسه داخلاً، وجعل يقلبه وليس يدري كيف يلبسه. فلما أعياه رمى به وقال: ما أظن هذا إلا من قمص الشياطين.
سلم أعرابي ابناً له إلى معلم فقال لابنه: في أي سورة أنت؟ فقال: في قل يا أيها الكافرون، قال: بئس العصابة أنت فيهم. ثم غاب فسأله فقال: في إذا جاءك المنافقون، فقال: والله ما تنقلب إلا على أوتاد الكفر والنفاق، عليك بنعمك فارعها.
وخفف أعرابي صلاته فقام إليه علي عليه السلام بالدرة وقال: أعدها. فلما فرغ قال له: أهذه خير أم الأولى؟ فقال: بل الأولى، قال: لم؟ قال: لأن الأولى صليتها لله وهذه فرقاً من الدرة. فضحك علي عليه السلام.
مر أعرابي بآخر فقال: من أين أقبلت يا ابن عم؟ قال: من الثنية. قال: فهل أتيتنا منها بخير؟ قال: نعم، سل عما بدا لك. قال: كيف علمك بحيي؟ قال: أحسن العلم. قال: هل لك علم بكلبي نفاع؟ قال: حارس الحي. قال: فأم عثمان؟ قال: بخ بخ ومن مثل أم عثمان لا تدخل من الباب إلا متحرمة بالثياب المعصفرات. قال: فعثمان؟ قال: وأبيك إنه حر؟ الأسد ويلعب مع الصبيان وبيده الكسرة. قال: فجملنا السقاء؟ قال: إن سنامه ليخرج من الغبيط قال: فالدار؟ قال: وأبيك إنها لحصينة الجناب، عامرة الفناء والرحاب. ثم قام عنه وقعد ناحيةً يأكل ولا يدعوه، فمر كلب فصاح به وقال: يا ابن العم، أين كان هذا الكلب من نفاع؟ قال: أسفاً على نفاع، نفاع قد مات، قال: وما أماته؟ قال: أكل من لحم الجمل السقاء فاغتص بعظم منه فمات. فقال له: إنا لله، أوقد مات الجمل؟ فما أماته؟ قال: عثر بقبر أم عثمان فانكسرت رجله. فقال: ويل أمك أماتت أم عثمان؟ قال: إي والله أماتها الأسف على عثمان؟ قال: ويلك، أمات عثمان، قال: إي وعهد الله، سقطت الدار عليه. فرمى الأعرابي بطعامه ونثره وأقبل ينتف لحيته ويقول: فأين أذهب؟ قال الآخر: إلى النار. وأقبل على طعامه يلتقطه ويأكله ويهزأ به ويضحك منه ويقول: لا أرغم الله إلا أنف اللئام.
نوادر القراء والأدباء.
كان المنصور ألزم أبا دلامة المقام في المسجد والصلاة فيه وملازمة الجماعة، فضج من ذلك واستعان بالمهدي على أبيه ليعفيه، فقال: قد أطل شهر رمضان فلا تدع القيام معنا فيه؛ فقال: أفعل والبلية في شهر أصلح منها طول السنة. ثم شق أيضاً ذلك عليه فتشفع بريطة في إعفائه من القيام في شهر رمضان فقالت: تصبر حتى تجيء ليلة القدر، فكتب إليها إني لم أسألك في إعفائي عاماً قابلاً وإذا مضت ليلة القدر فقد فني الشهر، وكتب تحت ذلك: من البسيط:
خافي إلهكِ في نفسٍ قد احتُضِرَتْ ... قامَتْ قِيامتُها بين المصلّينا
ما ليلةُ القَدْرِ من همّي فأطلُبَها ... إني أخافُ المنايا قبل عشرينا
يا ليلةَ القَدْرِ قد كسَّرْتِ أرجُلَنا ... يا ليلةَ القَدْرِ حقّاً ما تُمنِّينا
لا باركَ الله في خيرٍ أُؤَمِّلُه ... في ليلةٍ بعدما قُمْنا ثلاثينا
توفيت حمادة بنت عيسى بن علي وحضر المنصور جنازتها. فلما وقف على حفرتها قال لأبي دلامة: ما أعددت لهذه الحفرة؟ قال: بنت عمك يا أمير المؤمنين حمادة بنت عيسى يجاء بها الساعة فتدفن فيها. فضحك المنصور حتى غلب وستر وجهه.
وكان أبو دلامة يحب جاريةً للجنيد ويبغضه فقال فيها: من الكامل:
إني لأحسَبُ أن سأُمسي ميِّتاً ... أو سوف أُصبحُ ثم لا أُمسي
من حبِّ جاريةِ الجُنيدِ وبُغضِه ... وكلاهما قاضٍ على نفسي
فكلاهما يُشفى به سَقَمي ... فإذا تكلّمَ عاد لي نَكسي
عطس سعيد الدارمي عند عبد الصمد بن علي عطسة هائلة ففزع عبد الصمد فزعاً شديداً وغضب وقال: يا عاض كذا من أمه أتفزعني؟ قال: لا والله ولكن هذا عطاسي. قال: لا والله لأنقعنك في دمك أو لتأتيني ببينة على ذلك. قال: فخرج ومعه حرسي لا يدري أين يذهب به. فلقيه ابن الريان المكي فسأله فقال: أنا أشهد لك. فمضى حتى دخل على عبد الصمد فقال: ما تشهد لهذا؟ قال: إني رأيته مرة عطس عطسة سقط ضرسه. فضحك عبد الصمد وخلى سبيله.
ومدح الدارمي عبد الصمد بن لي، فلما فرغ من إنشاده أدخل إليه رجل من الشراة، فقال لغلامه: أعط هذا مائة دينار واضرب عنق هذا. فوثب الدارمي فقال: بأبي أنت ومي! برك وعقوبتك قد جمعا، فإن رأيت أن تبدأ بقتل هذا، فإذا فرغ منه أمرته فأعطاني، فإني لن أريم من حضرتك حتى يفعل ذلك! قال: لم ويلك؟ قال: أخشى أن يغلط فيما بيننا، والغلط في هذا لا يستقال. فضحك وأجابه إلى ما سأل.
نظر ابن سيابة إلى رجل يمشي في القيظ وعلى رأسه قلنسوة سمور، فقال له: ما هذا؟ فقال: هذا خير لي من كشف رأسي. قال: بل المشي بلا رأس خير لك من هذا.
قيل لآخر: إن الحمار لا يدفأ في السنة إلا يوماً. فقال: لا يعرف هذا إلا من كان حماراً.
وقيل: إن رجلاً عرض على الأصمعي شعراً زرياً فبكى الأصمعي. فقيل: ما يبكيك؟ قال: يبكيني أنه ليس لغريب قدر، لو كنت في بلدي بالبصرة ما جسر هذا الكشخان أن يعرض علي هذا الشعر وأسكت عنه.
أهدى حمد الراوية إلى صديق غلاماً وكتب إليه: قد بعثت إليك بغلام تتعلم عليه كظم الغيظ.
قال الفرزدق: من الطويل:
إذا ما مضَتْ عشرون يوماً تحركَتْ ... أراجيفُ بالشهرِ الذي أنا صائمُهْ
وطارَتْ رقاعٌ بالمواعيدِ بيننا ... لكي يلتقي مظلومُ دَيْنٍ وظالمُه
وإنْ شالَ شوّال تشيل أكفُّنا ... كؤوساً تُعادي العقلَ حين تُسالمُه
وقال ابن الرومي: من البسيط:
شهرُ الصيّامِ وإن عظَّمتُ حُرمتَهُ ... شهرٌ طويلٌ ثقيلُ الظلِّ والحركَهْ
نمشي الهُوَينا وأما حين يَطلبُنا ... فلا السُّلَيكُ يُدانيهِ ولا السُّلكَه
أذمُّه غيرَ وقتٍ فيه أحمدُهُ ... منذ العِشاءِ إلى أن تصقعَ الدِّيَكه
لو كان مولىً وكنّا كالعبيدِ له ... لكانَ مولىً بخيلاً سيِّءَ الملَكَه
قال يعقوب بن الدورقي: كنا يوماً عند أحمد بن نصر بن مالك، فأطال من حضر الجلوس. فلما عيل صبره دعا غلامه فقال له: اضمني من هؤلاء بنفسي.
قال أبو سعيد السيرافي النحوي لبعض من كان يقرأ عليه، وكان رافضياً، ما علامة النصب في عمر وعثمان؟ قال: بغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أنشد رجل عرادة شعراً رديئاً ثم قال له: تراني مطبوعاً؟ قال: إي والله على قلبك.
قال أبو نواس: من الخفيف:
أنتَ يا ابنَ الربيع علّمتَني الخي ... رَ وعودتنيه والخير عاده
فارعوَى باطلي وأقصرَ جهلي ... وتبدَّلتُ عِفَّةً وزَهاده
لو تراني ذكرت بي الحسن البص ... ريَّ في حال نُسكهِ أو قَتَاده
من خشوعٍ أَزينُه بنحولٍ ... واصفرارٍ مثلِ اصفرارِ الجراده
فإذا شئتَ أن ترى طُرفةً تع ... جب منها مَليحةً مُستفَاده
فادعُ لي لا عدمتَ تقويم مثلي ... وتفطَّنْ لموضع السِّجادَه
تَرَ أثراً من الصلاة بوجهي ... تُوقنُ النفسُ أنها من عباده
لو رآها بعضُ المُرائينَ يوماً ... لاشتراها يُعدّها للشهاده
أمر المنصور أصحابه أن يلبسوا السواد وقلانس طوالاً تدعم بعيدان من داخلها، وأن يعلقوا السيوف في المناطق، ويكتبوا على ظهورهم فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم؛ فدخل عليه أبو دلامة في هذا الزي فقال له: ما حالك؟ قال: شر حال: وجهي في نصفي، وسيفي في استي، وقد صبغت بالسواد ثيابي، ونبذت كتاب الله وراء ظهري. فضحك منه وأعفاه وحده من ذلك، وقال: إياك أن يسمع هذا منك أحد. فقال أبو دلامة: من الطويل:
وكنّا نُرجِّي منحةً من إمامِنا ... فجاءَ بطولٍ زادَه في القلانس
وقال عبد الله بن المعتز وهو يعمر داراً: من المتقارب:
ألا من لنفس وأحْزَانِها ... ودار تَداعَى بسكانها
أُسوِّدُ وجهي بتبييضها ... وأهدِمُ كيسي بعُمرانها
دخل رجل على الحطيئة وهو مضطجع في فراشه وإلى جانبه سوداء فقال له الحطيئة: أتدري من هي؟ قال: لا، قال: هي والله التي أقول فيها: من الطويل:
وآثرتُ إدلاجي على ليلِ حُرَّةٍ ... هضيمِ الحشا حُسَّانةُ المُتَجَرَّدِ
تُفرِّقُ بالمِدرَى أَثِيثاً كأنه ... على واضحِ الذِّفرَى أسيلِ المُقَلَّدِ
قال رجل مطعون النسب لأبي عبيدة لما عمل كتاب المثالب: سببت العرب جميعاً.قال: وما يضرك أنت من ذلك؟ فقال لأبي عبيدة: الأصمعي دعي؟ قال: ليس في الدنيا أحد يدعي إلى أصمع.
قال أبو الغلامة الحمدوني: من المنسرح:
يا سائلي عن حمار طيَّابِ ... ذاك حمارٌ حليفُ أوْصابِ
كأنه والذبابُ يأخذُه ... من كل وجهٍ بقيار دوشاب
دخل أبو العيناء على محمد بن عبد الملك الزيات فجعل لا يكلمه إلا بأطرافه، فقال: إن من حق الله تعالى عندك أن تجعل البسطة لأهل الحاجة إليك، فإن من أوحش انقبض عن المسألة، وبكثرة المسألة مع النجح يدوم السرور. فقال له محمد: أما إني أعرفك فضولياً كثير الكلام. وأمر به إلى الحبس، فكتب إليه: قد علمت أن الحبس لم يكن من جرم تقدم إليك، ولكن أحببت أن تريني قدرتك علي، لأن كل جديد يستلذ، فلا بأس أن ترينا من عفوك مقدار ما أريتنا من قدرتك. فأمر بإطلاقه.
ثم لقيه بعد أيام فقال: يا أبا العيناء ما تزورنا حسب نيتنا فيك؟ فقال: أما نيتك فمتأكدة ولكن أرى أن الذي حدد الاستبطاء فراغ حبسك فأحببت أن تشغله بي.
فأبو العيناء اسمه محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر بن سلمان، وأصلهم بني حنيفة من اليمامة، لحقهم سبي في أيام المنصور، فلما صار ياسر في يده أعتقه، فصار ولاؤه لبني هاشم، وكنيته أبو عبد الله، ومنشؤه البصرة، وأستاذه الأصمعي. وهو من أهل الأدب، له رسائل مشهورة مدونة يشار إليها. وعمر عمراً طويلاً، وعمي في آخر عمره. وهو مطبوع جداً، ونوادره كثيرة مستحسنة قد أوردت في كل باب منها ما يليق به.
حضر رجل بباب عضد الدولة وسأله ترتيبه في معيشة، فتقدم بترتيبه صاحب خبر بالمأزمين. فأقام بالموضع مدةً طويلةً لم يكتب بشيء. فتقدم عضد الدولة بمكاتبته، وتوعده على تأخر مطالعته. فكتب: ما فيهما خبر يذكر، وقال: يطوى خبر المأزمين: من المتقارب:
أأذكرُ أخبارَ وحشِ الفلاة ... أم الجنِّ فهي بها أكثرُ
كأنَّ السماءَ على المأزمين ... رصاصٌ وأرضهما مَرْمَرُ
وكلُّ مقيمٍ بها مُدبرٌ ... وصاحبُ أخبارِها أدبرُ
فرق له ووصله واستخدمه في غير ذلك العمل.
لما رجع أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد معزولاً من خراسان مر بخيله من الأهواز وقد وسم عليها عدة، فحبست هناك. وكتب إلى الحجاج بخبرها، فقال: اكتبوا تحت عدة للفرار.
كتب رجل إلى الصاحب بن عباد رقعةً قد أغار فيها على رسائله وسرق جملةً من ألفاظه، فوقع فيها: هذه بضاعتنا ردت إلينا.
قال أبو العيناء لصاعد: أنت خير من رسول الله قال: كيف؟ قال: إن الله سبحانه يقول: ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك. وأنت فظ ولسنا ننفض من حولك.
سلم نجاح بن سلمة إلى موسى بن عبد الملك ليستأديه مالاً، فتلف في المطالبة، فلقي بعض الرؤساء أبا العيناء فقال له: ما عندك من خبر نجاح؟ قال: فوكزه موسى فقضى عليه. فبلغت كلمته موسى بن عبد الملك فلقيه فقال: أبي تولع؟ والله لأقومنك، فقال أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس.
كان سبب اتصال ابن قريعة القاضي بالوزير أبي محمد المهلبي أن ابن قريعة كان قيم رحى له، فرفع إليه حساباً فيه درهمان ودانقان وحبتان، فدعاه وأنكر عليه الإغراق في الحساب؛ فقال: أيها الوزير، صار لي طبعاً فلست أستطيع له دفعاً، فقال: أنا أزيله عنك صفعاً. ثم استدناه بعد ذلك وقربه.
وقد روي في سبب اتصاله به غير ذلك، وذكر في باب السير. ولابن قريعة نوادر كثيرة حقيقية أدبية هزلية تجيء متفرقة في مواضعها.
سكر هارون بن محمد بن عبد الملك بن الزيات ليلةً بين يدي الموفق، فقام لينصرف فغلبه السكر، فنام في المضرب. فلما انصرف جاء راشد الحاجب فأنبهه وقال: يا هارون انصرف. فقال بسكره: هارون لا ينصرف. وأعاد راشد قوله، فقال له هارون: سل مولاك فإنه يعلم أن هارون لا ينصرف. فسمع الموفق فقال: هارون لا ينصرف. فتركه راشد. فلما أصبح وقف على أن هارون بات في مضربه وقال: يا راشد أيبيت في مضربي رجل لا أعلم به؟ قال: أنت أمرتني بهذا، قلت: إن هارون لا ينصرف. فقال: إنا لله! أردت الإعراب وظننت أنت غيره.
قال ابن الرومي: من البسيط:
حيّا أبو حسنٍ وهبٌ أبا حسنٍ ... بضرطة صيَّرَتْ عثنونَه خُصَلا
ثم استمرَّتْ فسارَتْ في البلاد له ... كأنما أُرسلَتْ من دُبرِهِ مثلا
وقال أيضاً فيها: من السريع:
يا وهبُ ذا الضرطة لا تَبتئسْ ... فإنّ للأَستاهِ أنفاسا
واضرط لنا أخرى ولا تحتشمْ ... كأنما خرّقتَ قرطاسا
وقال الحمدوني: من الخفيف:
قل لها لا تُمرتكيه فما ين ... فع ضرب بالطبل تحت الكساءِ
وقال آخر: من الكامل:
ولقد مَرَرْتُ على سعيدٍ مَرَّةً ... فظنَنْتُه ممَّنْ يَضرُّ وينفعُ
وإذا سعيدٌ في الرجال كأنّه ... مشط يقلِّبُه خصيٌّ أصلعُ
وقال بعض الأصحاب: من الطويل:
أيا ربِّ إن اليومَ أصبح بارداً ... وأنت بحالي عالمٌ لا تُعلَّمُ
فإن تكُ يوماً في جهَّنمَ مُدخلي ... ففي مثلِ هذا اليومِ طابَتْ جهنَّمُ
كتب البحتري إلى صديق له يعرض بغلامه فعاتبه: من الخفيف:
نِكْ غلامي إذا اتَّخذْتُ غلاماً ... واعْفُ إنّ المعروفَ كان قُروضا
وإذا ما أرَدْتَ أنْ تمنعَ النا ... سَ وُرودَ الفراتِ كنتَ بغيضا
مر أبو نواس بغلام حسن الوجه خفيف العجز فسئل عنه فقال: من السريع:
ما شئتَ من دنيا ولكنّه ... منافقٌ ليستْ له آخرَه
وقال شاعر: من الرجز:
عجبت للأمر الفظيع قد حدث ... أبو تميم وهو شيخ لا حدث
قد حبس الأصلعَ في بيت الحدث
سمع رجل قول عمر بن أبي ربيعة: من المديد:
فأتتنا طبَّةٌ عالمةٌ ... تخلطُ الجِدَّ مراراً باللعب
ترفع القول إذا لانت لها ... وتراخى عند سَوْراتِ الغضب
فقال: لو ادعت النبوة بهذا الخلق لأومن بها.
وروي أن ابن أبي عتيق قال له: يا أخي الناس يطلبون خليفةً منذ قتل عثمان ابن عفان مثل قوادتك هذه فلا يجدون.
ولآخر في مثل ذلك: من البسيط:
في فمّها من رُقى إبليسَ مفتاحُ
وأجاد الآخر في قوله: من الرمل المجزوء:
لا يَغُرَّنَّك في مج ... لسه طولُ سكوتِ
وتسابيحُ أُديرَتْ ... في يديه بخفوِت
لو يشأ ألّف ضبّاً ... حسنَ تأليفٍ بحوتِ
ويقود الجملَ الصع ... بَ بخيط العنكبوتِ
قال ابن الرومي: من الوافر:
يقودُ من الفراهة ألفَ بغلٍ ... بها حرنٌ بخيط العنكبوتِ
وسمع أبو الهذيل رجلاً ينشد: من الكامل:
يُغْشَونَ حتى ما تَهرُّ كلابُهم ... لا يَسألونَ عن السَّوادِ المقبلِ
فقال أوشك أن تكون هذه دار خمار أو قواد.
بعض الأعراب: من الطويل:
لقد سرَّني أنّ الهلالَ غُديَّةً ... مضى وهو محقورُ الخيال دقيقُ
طواهُ مُرورُ الشّهرِ حتى كأنّه ... عنانٌ لَواهُ باليدين رقيق
وقال ابن الرومي: من الكامل:
شهرُ الصيّام مباركٌ لكنّه ... جُعلَتْ لنا بركاتُهُ في طولِهِ
إنّي لَيُعجبُني كمالُ هلالِهِ ... وأَسرُّ بعدَ كمالِهِ بنحولِهِ
قال علي بن الصباح الكوفي: دخلت على بشار فقال: يا أبا علي، أما إني قد أوجعت صاحبكم وبلغت منه، يعني حماد عجرد فقلت: بماذا يا أبا معاذ؟ قال بقولي فيه: من الخفيف:
يا ابنَ نِهيا رأسٌ عليَّ ثقيلُ ... واحتمالُ الرأسَيْنِ خطبٌ جليلُ
فادعُ غيري إلى عبادةِ رَبَّيْ ... نِ فإنّي بواحدْ مشغولُ
فقلت: لم أدعه في عماه؟ ثم قلت: قد بلغ حماداً هذا الشعر وهو يرويه خلاف هذا، قال: فما يقول: قلت: يقول إنك قلت:
فادعُ غيري إلى عبادة رَبَّيْ ... نِ فإني عن واحدٍ مشغولُ
فلما سمعه أطرق وقال: أحسن والله ابن الفاعلة. ثم قال: إني لأحتشمك فلا تنشد أحداً هذين البيتين. وكان إذا سئل عنهما بعد ذلك قال: ما هما لي!.
قال الزبير بن بكار: لما ولي أبي الحجاز أخذ عبد الله بن يونس الخياط بأن يصلي الصلوات الخمس جماعةً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءني هو ومحمد بن الضحاك وجعفر بن الحسين اللهبي وجماعة معه ووقف بين يدي وأنشدني: من الرجز:
قُلْ للأميرِ يا كريمَ الجنسِ ... يا خيرَ مَنْ بالغَوْرِ أو بالجلسِ
وعُدَّتي لولدي ونفسي ... شغلْتَني بالصلواتِ الخمسِ
فقلت له: ويلك! أتريد أن أستعفيه لك من الصلاة؟ والله ما يعفيك، وإن ذلك يبعثه على اللجاج في أمرك ثم يضرك عنده. فمضى وقال: إذن نصبر حتى يفرج الله.
دخل بعض الفصحاء على بعض عمال البصرة، وكان يعرب في كلامه، فقال له يوماً: إن لم تترك الإعراب ضربتك. فقال: إني إذن أشقى الناس به، ضربت صغيراً لأتعلم وضربت كبيراً لأترك.
صلى رجل اسمه يحيى بأربعة نفر فأكثر اللحن في : قل هو الله أحد؛ فلما فرغ قال أحدهم: من الرجز:
أكثر يحيى غلطاً ... في قل هو الله أَحَدْ
فقال الثاني:
قام يصلّي قائماً ... حتى إذا أعيا قعدْ
فقال الثالث:
كأنما لسانُهُ ... شُدَّ بحبلٍ من مَسدْ
فقال الرابع:
يزحر في محرابه ... زحير حُبلى للولد
دخل أبو النجم العجلي على هشام فأعطاه جاريةً، فلما باتت عنده وراح عليه من الغد سأله عن حاله معها، فأنشده أبياتاً منها: من الكامل:
نظرَتْ فأعجبَها الذي في دِرعِها ... من حُسْنه ونظرتُ في سرباليا
فرأَتْ لها كفلاً ينوء بخصْرِها ... وعثاً روادِفهُ وأجْثَمَ جاثيا
ورأيتُ منقشر العجان مقبضاً ... رخواً حمائلُهُ وجِلداً باليا
أُدني له الرَّكَبَ الحَليقَ كأنما ... أدني إليه عقارباً وأفاعيا
فاذهبْ فإنك ميّتٌ لا يُرتَجى ... أبدَ الأبيدِ ولو عَمِرتَ لياليا
أبو سهل البوشنجي: من الكامل المجزوء:
شهرُ الصيِّامِ مُباركٌ ... إن لم يكنْ في شهرِ آبْ
اليومُ منه كأنّه ... في طوله يومُ الحسابْ
خفتُ العذابَ فصُمتُه ... فوقعتُ في عينِ العذابْ
قال الفراء: أنشدني صبي من الأعراب أرجوزةً فقلت: لمن هي؟ فقال: لي. فزبرته، فأدخل رأسه في فروته ثم قال: من الرجز:
إنّي وإنْ كنتُ صغيرَ السنِّ ... وكان في العين نُبُوٌّ عنّي
فإن شيطاني أميرُ الجنِّ ... يذهبُ بي في الشعر كلَّ فنِّ
قيل: سمع أعرابي مؤذناً يقول: أشهد أن محمد رسول الله بالنصب، فقال: ويحك! يفعل ماذا.
وقيل لأعرابي: أتهمز إسرائيل؟ قال: إني إذن لرجل سوء. وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ قال: السنور يهمزها.
وقيل لآخر: أتجر فلسطين؟ قال: إني إذن لقوي.
أحمد بن أبي سلمة الكاتب: من المتقارب:
حلفتُ بأنّك من حِمْيَرٍ ... وليس اليمينُ على المدعي
أعرابي وذكر الحقنة: من الطويل:
لقد سرّني والله وقاك شرها ... نِفارُك منها إذْ أتاكَ يَقودُها
كفى سَوْأةً إذ لا نراك مُجَبِّياً ... على شَكْوَةْ وَفْراءَ في استِكَ عُودها
قال رجل لأبي العيناء: تأمر بشيئاً؟ قال: نعم بحذف الألف من شيء.
أنشد رجل الفرزدق شعراً فقال: كيف تراه؟ فقال: لقد طاف إبليس على هذا الشعر في الناس فلم يجد أحمق يقبله سواك.
كان للمبرد ابن متخلف فقيل له يوماً: عط سوأتك، فوضع يده على رأس ابنه.
نوادر الظرفاء.
كان أبو عيسى ابن الرشيد من أحسن الناس وجهاً وأجملهم، وكان المأمون مقبحاً. فقال الرشيد لابنه أبي عيسى وهو صبي: ليت جمالك لعبد الله يعني المأمون. فقال أبو عيسى على أن حظه منك لي. فعجب من جوابه مع صباه وضمه إليه وقبله.
وسأل إبراهيم بن العباس بن صول يوماً عن ابن أخيه أحمد بن عبد الله ابن العباس المعروف بطماس، فقيل إنه مشغول بطبيب عنده ومنجم.
وكان إبراهيم يستثقله فقال: قل له يا غلام، والله ما لك في السماء نجم ولا له في الأرض طبع فما هذا التكلف؟ مر أبو حفص الشطرنجي بأبي نواس، وكان أبو نواس يستثقله، فقال له: يا أبا علي، ما لي أراك مصفراً؟ قال: رأيتك فذكرت ذنوبي، فخشيت أن يمسخني الله عز وجل في خلقك إذا عاقبني، فاصفر وجهي.
قال أبو مجالد: كنا يوماً عند بعض الوراقين ومعنا أبو الحارث جمين. فنزل إلينا راكب له جلالة في العين ومنظر، فقال للوراق: ههنا مصحف جامع للقراءات الثلاث: قراءة حمزة وعاصم وأبي عمرو، وقد نسخ بالكوفة، وعرض بالبصرة، وحمل إلى المدينة، صحيح الأخماس والعشور والورق والدفتين. فقال الوراق: كم تحد - أصلحك الله - في الثمن؟ قال: ثلثا دينار إلا ثلاثة أرباع دينار. قال: يقول أبو الحارث جمين: لم يرد شيخنا مصحفاً على هذه الصفة بهذه القيمة إلا ليكفروا بما فيه.
وقال بعض الأمراء لأبي الحارث جمين: أيسرك أنك تخرا غالية؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: أخاف أن يختم الأمير على فقحتي فلا يفتحها إلا إذا أراد أن يتغلف.
قال أبو الفرج نجاح بن سلمة لأبي عون الكاتب: إن أخي قد باع ضيعةً يدعو لثمنها القبان، فقال: دعه ينهش للفقر.
دخل أبو حفص الكرماني على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن في المداعبة؟ قال: وهل العيش إلا فيها! فقال: يا أمير المؤمنين، ظلمتني وظلمت غسان بن عباد. قال: ويلك، كيف ذلك؟ قال: رفعت غسان فوق قدره ووضعتني دون قدري، إلا أنك في ذلك لغسان أشد ظلماً، قال: لأنك أقمته مقام هزء وأقمتني مقام رحمة. فقال المأمون: قاتلك الله ما أهجاك.
ذكر قوم معاوية فلعنوه وفيهم رجل من ولد أبي لهب ممسك، فقالوا: ما لك لا تلعنه قال: ما أشغلني بتبت! قدم إلى جماعة فالوذجة حارة، فكاع القوم عنها لحرارتها، وفيهم رجل من آل أبي معيط، فأهوى إليها وجعل يأكل. فقال أحدهم: انظر إلى صبر آل أبي معيط على النار.
كان عمران بن حطان من أقبح الناس وجهاً وأسمجهم منظراً، وكانت له امرأة كأنها القمر، أدبية فصيحة. فقالت له يوماً: أنا وأنت في الجنة جميعاً، قال: وكيف ذاك، وبم علمت؟ فقالت: لأني ابتليت بك فصبرت وأعطيت مثلي فشكرت، والصابر والشاكر في الجنة.
لعب رجل بين يدي بعض الملوك بالشطرنج. فلما رآه قد استجاد لعبه فاوضه الكلام: لم لا توليني نهر بوق قال: أوليك نصفه؛ اكتبوا عهده على بوق. وقال له مرة أخرى: ولني أرمينية، قال: يبطئ على أمير المؤمنين خبرك.
وقدم آخر على صاحب له من فارس فقال له: قد أتيت الأمير فأي شيء ولاك؟ قال: ولاني قفاه.
جاء رجل إلى بعض الأماثل فقال له: أنا جارك وقد مات أخي فلان فمر له بكفن، قال: لا والله ما عندي اليوم شيء، ولكن تعهدنا وتعود بعد أيام وسيكون ما تحب. قال: أصلحك الله، فنملحه حتى يتيسر عندكم شيء؟ خاصمت مدينية زوجها وكان في خلق لا يواريه فقالت: غير الله ما بك من نعمة، قال استجاب الله دعاءك لعلي أصبح في ثوبين جديدين.
جاء رجل إلى مديني فقال له: هل تدلني على من يشتري حماري - وكان جرباً أجرد - فقال: والله ما أعرف من يشتري هذا إلا أن يجيء من يطلب حماراً يسمنه للعتق.
جاور إبراهيم بن سيابة قوماً فأزعجوه من جوارهم. فقال: لم تخرجوني من جواركم؟ قالوا: لأنك مريب، قال: ويحكم ومن أذل من مريب أو أحسن جواراً؟ وكان ابن سيابة شاعراً ماجناً لطيفاً خليعاً ظريفاً أديباً. وعوتب في مجونه فقال: ويلكم! لأن ألقى الله بذل المعاصي فيرحمني أحب إلي أن ألقاه أبتختر إدلالاً بحسناتي فيمقتني.
قيل لبعض الصوفية: أتبيع جبتك الصوف؟ فقال: إذا باع شبكته الصياد فبأي شيء يصطاد؟ أعدم رجل وأرادوا تفليسه فأركبه القاضي حماراً ونودي عليه: هذا معدم فلا يعامله أحد إلا بالنقد. فلما كان آخر النهار ونزل عن الحمار قال له المكاري: هات أجرتي. فقال له: فيم كنا منذ الغداة؟! كان الجماز لا يدعو إلى بيته أكثر من ثلاثة لضعفه. فدعا ثلاثةً فجاءه ستة، وقام كل واحد منهم على رجل واحدة، وقرعوا الباب فعد أرجلهم من خلف الباب وأدخلهم. فلما حصلوا في بيته تذمر، فقالوا: ما شأنك؟ قال: دعوت ناساً ولم أدع الكراكي.
قيل لغلام: أتحب أن يموت أبوك؟ قال: لا ولكني أحب أن يقتل لأرث ديته فإنه فقير.
نظر فيلسوف إلى رجل يرمي وسهامه تقع يميناً وشمالاً، فقعد موضع الهدف. فقيل له في ذاك، فقال: لم أر موضعاً أسلم منه.
استقبل عمرو الخوزي رجلاً من أصدقائه وقد شج وسالت الدماء على وجهه فقال لعمرو: ليس تعرفني؟ قال: ما رأيتك في هذا الزي قط، فاعذرني إن لم أثبتك.
كان في بعض السنين قحط، ووقع بين امرأة عمرو الخوزي وبين جيرة لها خصومة وضربت وكسرت ثنيتها. فانصرفت إليه باكيةً وقالت: فعل بي ما هو ذا تراه وكسرت ثنيتي. فقال: لا تغتمي! ما دام الثغر على هذا يكفيك ثنية واحدة.
قيل لأدهم المضحك، وكان أسود: قد أمر الوالي أن لا يخرج أحد إلى المصلى إلا في سواد، قال: فأنا أخرج عريان.
قال المتوكل لبعض أصحابه: اطلب لي نصارى يسلمون. فغاب عنه أياماً ثم عاد إليه وقال: الإسلام - والحمد لله - في إقبال، ولم أجد ما طلبت، ولكن ههنا مشايخ مشهورون من المسلمين ينتصرون إذا أردت.
قيل لبعضهم: ما بال الكلب إذا بال أشغر برجله؟ قال: يخاف أن تتلوث دراعته. قيل: وللكلب دراعة؟ قال: هو يتوهم أن له دراعة.
نظر بعضهم إلى صبي بغيض فقال: هذا والله من أولاد الإيمان؛ قال، يقول أبوه: نحرت ابني هذا عند الكعبة، أهديت ابني هذا إلى مقام إبراهيم، ثكلت ابني هذا.
تزوج رجل امرأةً قد مات عنها خمسة أزواج، فمرض السادس فقالت: إلى من تكلني؟ فقال: إلى السابع الشقي.
ومات زوج امرأة فراسلها في ذلك اليوم رجل يخطبها، فقالت: لو لم يسبقك غيرك لفعلت. فقال الرجل: قد قلت لك إذا مات الثاني فلا تفوتيني.
وكان ليهودي غلام فبعثه يوماً ليحمل ناراً يطبخ بها قدراً فأبطأ عليه، ثم عاد بعد مدة وليس معه نار. فقال: أين النار؟ قال: يا سيدي قد جئتك بأحر من النار، هذا صاحب الجوالي بالباب يطلب الجزية.
قال ابن أبي عتيق لأشعب: أما تستحي - وعندك ما أرى - من أن تسأل الناس؟ قال: معي والله من لطف المسألة ما لا تطيب نفسي بتركه.
وجلس أشعب يوماً في الشتاء إلى رجل من ولد عقبة بن أبي معيط، فمر به حسن بن حسن فقال: ما يقعدك إلى جانب هذا؟ قال: أصطلي بناره.
وقال أبو العيناء، قلت لغلامي: قد رأيت في السوق مشجباً فاشتر لنا هذا المشجب، قال: يا سيدي ما تلبس إذا ألقيت ثيابك على المشجب؟ وقال أبو العيناء لرئيس كان عنده وهو يخفض كلامه: قد طفل بك في منزلك.
وقدم إليه ابن مكرم جنب شواء فقال: ليس هذا جنباً، هذا شر لجة قصب.
تزوج بعض الخصيان في زمن شريح بامرأة، فأتت بولد، فتبرأ الخصي منه، فترافعا إلى شريح فألحق الولد به وألزمه أن يحمله على تلك الحال. فاستقبله خصي آخر، فقال: انج بنفسك فإن شريحاً يريد أن يفرق أولاد الزنا على الخصيان.
تزوج رجل امرأةً، فلما كان اليوم الخامس من زفافها ولدت ابناً. فقام الرجل وصار إلى السوق واشترى لوحاً ودواة، فقالوا له: ما هذا؟ قال: من يولد في خمسة أيام يذهب إلى الكتاب في ثلاثة أيام.
وجد رجل مع أمه رجلاً فقتل أمه وخلى عن الرجل، فقيل له: أما قتلت الرجل وخليت أمك؟ قال: كنت أحتاج أن أقتل رجلاً في كل يوم.
سئل جحظة عن دعوة حضرها فقال: كل شيء كان بارداً إلا الماء.
دخل أبو العيناء على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وهو يلعب بالشطرنج فقال له: في أي الحيزين أنت؟ قال: في حيز الأمير أعزه الله. وغلب عبيد الله وقال: يا أبا العيناء قد غلبنا، وقد أصابك من البدن خمسون رطلاً ثلجاً فكن في حيلتها. فقام ومضى إلى ابن ثوابة وقال: إن الأمير يدعوك. فلما دخلا قال: أيد الله الأمير، قد جئتك بجبل همذان وماسبذان، فخذ منه ما شئت.
لما استوزر صاعد بعقب دخوله من النصرانية في الإسلام صار أبو العيناء إلى بابه، فقيل له: يصلي، فعاد فقيل له يصلي، فقال: معذور، لكل جديد لذة.
وقال لرجل سلم عليه: من أنت؟ قال: رجل من ولد آدم. فقال: ادن مني عانقني، فما ظننت أنه بقي من هذا النسل أحد.
حضر يوماً ابن مكرم فأخذ يؤذيه. فقال ابن مكرم: الساعة والله أنصرف، قال: ما رأيت من يتهدد بالعافية غيرك.
وأكل عند ابن مكرم فسقي على المائدة ثلاث شربات باردة، ثم استسقى فسقي شربةً حارة فقال: لعل مزملتكم تعتريها حمى الربع.
صحب رجل مفلس جماعةً فقسموا له قسماً، فاشترى دابةً وكسوةً. وكان إذا حلف يقول: وإلا فدابتي حبيس وثيابي صدقة وغلامي وداري مقبرة. فقال أبو العيناء: طالت يمينه ابن الزانية.
وانتصف ابن مكرم من أبي العيناء، فإنه صادفه ساجداً وهو يقول: يا رب سائلك ببابك، فقال: تمنن على الله تعالى بأنك ببابه سائله وأنت سائل لكل باب؟.
وولد لأبي العيناء ابن فأهدى إليه ابن مكرم حجراً، يريد قول النبي صلى الله عليه وسلم: للعاهر الحجر.
أكل أبو العيناء مرة ديكبريكةً وغسل يده عدة مرات فلم تنق، فقال: كادت هذه القدر أن تكون نسباً وصهراً.
ولقيه رجل من إخوانه فقال له: أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك، فقال أبو العيناء: هذا العنوان وكتاب من أنت؟ صار أبو العيناء إلى باب أبي عبيد الله بن يحيى، فقال له حاجبه سعد: هو مشغول يا أبا عبد الله. قال: ففي شغله أريد ألقاه. قال: ليس إلى ذلك سبيل. فقال له: رزقكم الله العود إلى بيته الحرام، وانصرف؛ فقال سعد: دعا علينا لعنه الله والله إن كنا بمكة إلا حين نفينا.
وقيل له: كيف أصبحت قال: أصبحت والله من المملقين الذين لا يطمع فيهم نجاح بن سلمة.
قيل لبعضهم: أعطيتني برك تفاريق وعقوقك جملةً.
وداس رجل بنتاً له وقال: باسم الله. فقالت أمها: لم ترض بذبحها حتى تذكيها.
أخذ بعض الولاة مزبداً واتهمه بالشرب فاستنكهه فلم يجد منه رائحة. فقال: قيئوه، قال: من يضمن عشائي، أصلحك الله؟ وادعى عليه رجل شيئاً وقدمه إلى القاضي فأنكره، وسأله إقامة البينة، فقال: ليس لي بينة، قال: فأستحلفه لك؟ قال: وما يمين مزبد أصلحك الله؟ فقال مزبد: ابعث، أصلحك الله، إلى ابن أبي ذئب فاستحلفه له.
قيل لمزبد: أيسرك أن هذه الجبة لك؟ قال: نعم وأضرب عشرين سوطاً. قيل: ولم تقول هذا؟ قال: لأنه لا يكون شيء إلا بشيء.
سمع مزبد رجلاً فقال له: من أنت؟ قال: قرشي والحمد لله. فقال مزبد: الحمد لله في هذا الموضع ريبة.
وقيل له: ما ورثت أختك عن زوجها؟ فقال: أربعة أشهر وعشراً.
وقال لامرأته يوماً: اتخذي لي قريصاً فقد اشتهيته، قالت: فأين حوائجه؟ قال: قد حضر البرد لعقده حتى ننظر في باقي الحوائج.
واشتهت امرأته فالوذجاً فقال: ما أيسر ما طلبت، عندنا من آلته أربعة أشياء، بقي شيئان تحتالين فيهما أنت. قال: وما الذي عندنا قال: الطحين والإسطام والنار والماء وبقي الدهن والعسل وهما عليك.
ووضعت امرأته المنخل على فراشه فلما جاء ورآه تعلق بالوتد، فقالت امرأته: ما هذا؟ قال: وجدت المنخل في موضعي فصرت في موضعه.
وقيل له وقد عضه كلب: إن أردت أن يسكن فأطعمه الثريد قال: إذن لا يبقى في الدنيا كلب إلا جاءني وعضني.
وقيل له: قد بيض الناس جميعاً في سائر الآفاق، وذلك عند خروج محمد بن عبد الله بن الحسن، فقال: وما ينفعنا من ذلك وهذا عيسى بن موسى بعقوبنا، اعملوا على أن الدنيا كلها زبدة. قيل: فبهذا سمي مزبداً.
وقال مزبد لرجل: كم تعلف حمارك؟ قال: نخسة بالغداة ونخسة بالعشي، قال: اتق الله لا يحمر عليك.
قيل لأبي الحارث جمين: هل سبقت برذونك هذا قط؟ قال: لا إلا مرةً دخلنا زقاقاً لا منفذ له، وكنت آخر القوم، فلما رجعت كنت أولهم، أول الموكب.
ونظر جمين يوماً إلى برذون يستقى عليه فقال: من الطويل.
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه.
لو هملج هذا ما كان كذا.
ودخل إلى بعض أصدقائه فقال له: ما تشتهي؟ قال: أما الآن فما حضر وأما غداً فهريسة.
وقيل له: ما تقول في جواذب بط في يوم صائف قال: نعم في يوم من أيام تموز في حمام حار بمنى.
وقيل له وقد رأى سوداء قبيحةً: لو ابتلاك الله بها تحبها؟ قال: يا بغيض، لو ابتلاني بحبها كانت عندي من الحور العين، ولكن ابتلاك الله بأن تكون في بيتك وأنت تبغضها.
وقال له الرشيد: اللوزينج ألذ أم الفالوذج؟ فقال له: أحضرهما يا أمير المؤمنين. فأحضرا فجعل يأكل من هذا وهذا، ثم قال: يا أمير المؤمنين كلما أردت أن أشهد لأحدهما غمزني الآخر بحاجبه.
ودخل إلى الجماز يوما بعض إخوانه وهو يطبخ قدراً، فقال: لا إله إلا الله، ما أعجب الرزق! فقال له الجماز: أعجب منه الحرمان، امرأته طالق إن ذقتها.
صلى رجل صلاةً خفيفةً فقال له الجماز: لو رآك العجاج لسر بك.
قال ولم؟ قال: لأن صلاتك رجز.
قال رجل من ولد عبيد الله بن زياد إن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وعلياً وفاطمة عليهما السلام فصام وتصدق تبركاً برؤياه. وقصها والجماز حاضر، فقال له: أتدري لم جاءوك؟ قال: لا، قال: جاءوك ليشكروك على فعل أبيك بابنهم. فانخزل الرجل وود أنه لم يذكر من ذلك شيئاً.
وقال ابن عمار: تذاكر جماعة ضيق المنازل، فقال الجماز: كنت على نبيذ لنا وكان أحدنا إذا دخل الكنيف وجاء القدح مد يده إلى الساقي فناوله إياه.
دفع الجماز إلى القصار قميصاً ليغسله فضيعه ورد عليه قميصاً صغيراً، فقال: ليس هذا قميصي. قال: بلى هو قميصك، ولكنه توزي في كل غسلة ينقص ويقصر. قال: فأحب أن تعرفني في كم غسلة يصير القميص زراً.
حضر الجماز دعوةً فجعل رب البيت يدخل ويخرج وهو يقول: عندنا سكباجة تطير طيراناً، عندنا قلية تطير في السماء. فلما طال ذلك على الجماز جاع وقال: يا سيدي أحب أن تخرج إلي رغيفاً مقصوص الجناح إلى أن تقع ألوانك الطائرات.
قال بعض المؤدبين: حضرت لتعليم المعتز وهو صغير فقلت له: بأي شيء نبدأ اليوم؟ قال: بالانصراف.
صرعت امرأة بعض المطبوعين، فقرأ عليها مثل ما يقرأ المعزم ثم قال: أمسلم أنت أم يهودي أم نصراني؟ فأجابه الشيطان على لسانها كما يقولون ويزعمون: أنا مسلم. قال: فكيف استحللت أن تتعرض لأهلي وأنا ومسلم مثلك؟ قال: لأني أحبها. قال: ومن أين جئت؟ قال: من جرجان. قال: ولم صرعتها؟ قال: لأنها تمشي في البيت مكشوفة الرأس، قال: فإذا كنت بهذه الغيرة، هلا حملت لها من جرجان وقاية تلبسها ولا تنكشف.
دعا حماد بن الزبرقان أبا الغول النهشلي إلى منزله، وكانا يتقارضان، فانتهره أبو الغول، فلم يزل المفضل به حتى أجابه. وانطلق فلما رجع إلى المفضل قال له: ما صنعت أنت وحماد؟ قال: اصطلحنا على ألا آمره بالصلاة ولا يدعوني إلى شرب الخمر.
سقط لمطيع بن إياس حائط فقال له بعض أصحابه: احمد الله على السلامة، فقال مطيع: احمد الله أنت الذي لم ترعك هدته، ولم يصبك غباره، ولم تغرم أجر بنائه.
وقيل لإسماعيل بن حماد: أي اللحمين أطيب؟ قال: لحوم الناس، هي أطيب من الدجاج والدراج.
قيل لبعضهم: كيف أنت في دينك؟ قال: أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار.
قيل لسهل بن هارون: خادم القوم سيدهم، قال: هذا من أخبار الكسالى.
رأى محمد بن سعيد كتاباً بخط دقيق، فقال: هذا كتاب من يئس من طول حياته.
دخل أبو بكر بن مكرم على أبي العيناء فرأى عنده منجماً فقال: ما يصنع هذا؟ قال: يعمل مولد ابني، قال: فسله قبل هو ابنك حقيقةً.
دعا يحيى بن أكثم عدوله فقدم إليهم صغيرة فتضاموا عليها حتى كان أحدهم يتقدم فيأكل اللقمة ثم يتأخر حتى يتقدم الآخر. فلما خرجوا قيل لهم: فيم كنتم؟ قالوا: كنا في صلاة الخوف.
قال رجل للجماز: خرج بي دمل في أقبح موضع، قال: كذبت هو ذا أرى وجهك ليس فيه شيء.
نوادر مواجن النساء.
طلبت جارية محمود الوراق للمعتصم بسبعة آلاف دينار فامتنع من بيعها، وشريت له بعد ذلك من ميراثه بسبعمائة دينار. فذكر المعتصم لها ذلك يوماً فقالت: إذا كان الخليفة ينتظر لشهواته الموارث فسبعون ديناراً في ثمني كثير، فكيف سبعمائة!.
وقالت شاعرة فيهن: من الرجز:
والله لا تُمسكُني بضمِّ ... ولا بتقبيلْ ولا بِشَمِّ
إلا بزَعْزاعٍ يُسلِّي هَمِّي ... يَسقطُ منه فَتَخي في كُمِّي
قيل: تزوج الوليد بن عبد الملك ثلاثاً وستين امرأةً، وكان أكثر ما يقيم على المرأة ستة أشهر. وكان في من تزوج ابنة عبد الله بن مطيع العدوي، وكانت جميلةً ظريفةً. فلما أهديت إليه قال لسماره الذي يسمرون عنده: لا تبرحوا إن أبطأت حتى أخرج إليكم. ودخل بها وانتظروه حتى خرج إليهم في السحر، وهو يضحك، فقالوا: سرك الله يا أمير المؤمنين. فقال: ما رأيت مثل ابنة المنافق يعني عبد الله بن مطيع، وكان في من قتل مع ابن الزبير، وكان بنو مروان يسمون شيعة ابن الزبير المنافقين لما أردت القيام أخذت بردائي وقالت: يا هذا إنا قد اشترطنا على الحمالين الرجعة، فما رأيك؟ فأعجب بها وأقام عليها ستة أشهر، ثم بعث إليها بطلاقها.
حملت ابنة الخس من زنا فسئلت ممن حملت فقالت: من الطويل:
أشَمُّ كغصنِ البانِ جَعدٌ مرجَّلٌ ... شُغِفْتُ به لو كان شيئاً مُدانيا
ثكلتُ أبي إذ كنتُ ذُقتُ كريقه ... سلافاً ولا ماءً من المُزنِ صافيا
فأُقسِمُ لو خُيِّرتُ بين فِراقِه ... وبين أبي لاخترت أَنْ لا أبا ليا
فإن لمْ أُوسِّدْ ساعدي بعد رَقدةٍ ... غلاماً هِلاليّاً فشَلَّتْ بنانيا
حدث أبو محمد الحسن بن محمد، وكان دميماً ظاهر السماجة، قال كنت واقفاً عند الجسر ببغداد أحدث صديقاً لي، فوقفت امرأة مقابلي طويلاً تتأملني ولا ترفع ناظرها عني حتى استربت بها. فقلت لغلامي: انظر ما تريد هذه المرأة. فدنا منها فقال: ما وقوفك وما تريدين؟ قالت: كانت عيني أذنبت ذنباً فأحببت أن أعاقبها بالنظر إلى هذا السمج.
نوادر في التعصب والتحزب.
قال عروة بن سليمان كان عندنا رجل من بني نمير يدعو لأبيه ويدع أمه فقيل له في ذلك فقال: إنها كلبية.
ركب شيخ من بني نمير في سفينة ومعه ابن له، وفي السفينة جماعة، فنسبهم الشيخ فإذا كلهم من الأزد. فأخذ الشيخ حديدةً وجعل ينقب بها، فقال له ابنه: ما تصنع؟ قال: أخرقها، قال: إذن نغرق، قال: يا بني، أما ترضى أن أغرق أنا وأنت وثمانية عشر رجلاً من الأزد؟ وقال رجل من بني أسد يمدح يحيى بن حيان النخعي: من الطويل:
ألا جعلَ الله اليَمانِينَ كلَّهم ... فِدى لفتى القتيانِ يحيى بنِ حيَّانِ
ولولا عريق فيّ من عصبيَّة ... لقلتُ وألفاً من معدِّ بنِ عدنانِ
ولكنّ نفسي لم تَطِبْ بعشيرتي ... وطابَتْ له نفسي بأبناء قحطانِ
وزعم أن ناسكاً من بني الهجيم بن عمرو بن تميم كان يقول في قصصه: اللهم اغفر للعرب خاصة وللموالي عامة، فأما العجم فهم عبيدك والأمر إليك.
وزعم الأصمعي أنه سمع أعرابياً يقول لآخر: أترى هذه العجم تنكح نساءنا في الجنة؟ قال: أرى ذاك والله بالأعمال الصالحة، قال: توطأ رقابنا والله قبل ذلك.
سمع رجل يقرأ: الأكراد أشد كفراً ونفاقاً، فقيل له: ويحك! الأعراب، قال: كلهم يقطعون الطريق.
كان للحسن بن قيس بن حصن ابن شيعي وابنة حرورية وامرأة معتزلة وأخت مرجئة وهو سني، فقال لهم ذات يوم: أراني وإياكم طرائق قدداً.
قيل لمدني: كيف رغبتكم في السواد؟ قال: لو وجدنا بيضاء لسودناها.
أحضر رجل رمي بالرفض عند الوالي، فقيل له ما تقول في أبي بكر، خليفة هو؟ قال: لا؛ قال: فعمر، قال: لا؛ قال: فعثمان قال: لا؛ قال: فما تقول في علي رضي الله عنه، قال ليس بخليفة؛ قال: ويحك! من الخليفة؟ قال: معاوية، قال: كيف؟ قال: لأن الله تعالى قال حاكياً عن الملائكة قال: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. وهذه صفة معاوية.
نوادر المخنثين.
نظر مخنث إلى رجل دميم الوجه، فقال: وجهك هذا نموذج جهنم أخرج إلى الدنيا.
دخل مخنث على العريان بن الهيثم، وهو أمير الكوفة، فقالوا: إنه يفعل ويصنع. فقال له العريان: يا عدو الله لم تفعل هذا؟ قال: كذبوا علي أيها الأمير كما كذبوا عليك. فغضب العريان وقال: ما قيل في؟ قال: يسمونك العريان، وعليك عشرون قطعة ثياباً. فضحك وخلاه.
مرت امرأة بمخنث حسن الوجه ومعها ابنة لها، فقالت: ليت لابنتي حسن وجهك، قال: وحلاقي؟ قالت: تعست! قال: فتأخذين من ما صفا وتدعين ما كدر؟ تاب مخنث فلقيه مخنث آخر فقال: يا فلان، أيش حالك؟ قال: قد تبت، قال: فمن أين معاشك؟ قال: بقيت لي فضلة من الكسب القديم فأنا أمزمزها، قال: إذا كانت نفقتك من ذلك الكسب فلحم الخنزير طري خير منه قديد.
قال الجماز: مات مخنث يقال له قرنفل، فرآه في النوم إنسان وكأنه يقول: أيش خبرك يا قرنفل؟ قال: إلى النار، قال: ويلك فمن يودك في النار؟ قال: ثم يزيد بن معاوية ليس يقصر في أمري.
كان سكران يبكي ويقول: لو عرفت قتلة عثمان. فقال له مخنث: وما كنت تصنع بهم؟ قال: كنت أنيكهم. فقال المخنث من تحته؟ إن كنت ولي الدم وهذه عقوبتك فإني أقتل كل يوم عثمان.
ومر الطائف بالمدينة بمخنثين فأراد أن يقول خذوهما فقال: نيكوهما، ثم قال: اضربوهما. فقال أحدهما: قد سبقت رحمتك عذابك فلا ترجع.
قال مخنث لأبي عباد وكان قبيحاً ومعه أخ صبيح: ما أمك إلا شجرة البلوط تحمل سنة بلوطاً وسنةً عفصاً.
باع مزبد حماراً فأقبلوا يقلبونه فقال: والله لو قلبتم عين الشمس هذا التقليب لأخرجتم منها صدأ.
كسا مزبد امرأةً له ثوباً فقالت: هذا حسن، فقال: الطلاق أحسن منه، قالت: فطلق، فقال لها: فأنت طالق ثلاثاً. فسجدت. فقال لها: إن كنت وضعت جبهةً خاشعةً فقد رفعت إستاً نادمة.
حج مخنث فرأى رجلاً قبيح الوجه يستغفر، فقال: يا حبيبي ما أرى لك أن تبخل بهذا الوجه على جهنم.
قيل لقرقر المخنث: أبو من؟ قال: أبو محمد.
رقي مخنث جبل لكام على أن يتعبد فيه. فأخذ زاده وصعد وسار على مهل، فنفد زاده وتطلع إلى أسفل فإذا هو قد قطع أكثره. فنظر إلى الجبل وقال: اشماتتي بك يوم أراك كالعهن المنفوش! نظر مخنث إلى رجل يغسل استه ويستقصي جداً، فقال له: عافاك الله تريد أن تشرب بها سويقا؟
حج مخنث فرأى إنساناً قبيحاً يرمي الجمار، فقال له: بأبي أنت! لست أشير عليك أن تعود إلى هذا المكان. قال: ولم، ألست مسلماً؟ قال المخنث: بلى، ولكن لا أرى أن تبخل على أهل النار بهذا الوجه.
ونظر رجل إلى أير ابنه في الحمام، وهو كبير، فضربه وقال: إنما طال أيرك من كثرة ما يفعل بك. فقال مخنث كان معه في الحمام: لا تفعل، فلو كان هذا حقاً كان أيري وبظر أمه قد بلغا مكة طولاً.
جمع مخنث بين نفسين فأخذوا جميعاً، وأفرج عنهما ورفع المخنث إلى السلطان، فسأله عن قصته، فقال: هؤلاء وجدوا طائرين في قفص فخلوا الطائرين وحبسوا القفص.
رأى عبادة دينار بن عبد الله وقد ولي مصر فقال: يا فرعون ارفع رأسك وانظر من ندب مكانك.
سمع مخنث رجلاً يقرأ قراءةً قبيحةً، فقال: أظن أن هذا القرآن الذي يزعم ابن أبي دواد أنه مخلوق.
قيل لمخنث: كيف ترى الدنيا؟ فقال: مثلنا، يوماً عند الأسخياء ويوماً عند البخلاء.
طلب رجل منزلاً يكتريه، فجاء إلى باب دار ودفعه وقال: لكم منزل للكرا؟ وإذا في الدار مخنث وفوقه رجل، فصاح المخنث: أليس ترانا بعضنا فوق بعض من ضيق المكان؟ من أين لنا منزل نكريه؟ رأى إنسان مخنثاً ينتف لحيته، فقال له: ويلك! لأي شيء تنتف لحيتك؟ قال: أيسرك أن مثلها في استك؟ قال: لا، قال المخنث: فشيء تأنف منه لاستك، لا آنف لوجهي منه؟ ألزم المتوكل عبادة في يوم من شهر رمضان أن يقرأ في المصحف. فقرأ وجعل يصحف ويغلط حتى بلغ إلى قوله عز وجل: وبشر المخنتبين " فصحفه وقرأ: وبشر المخنثين، فطرده.
قال حمزة النوفلي: صلى الدلال المخنث إلى جنبي في المسجد فضرط ضرطةً كبيرة هائلة، فسمعها من في المسجد فرفعنا رؤوسنا وهو ساجد يقول في سجوده: سبح لك أعلاي وأسفلي، رافعاً بذلك صوته، فلم يبق في المسجد أحد إلا فتن وقطع صلاته بالضحك.
وقال رجل للدلال أن يزوجه امرأةً فزوجه. فلما أعطاه صداقها وجاء بها عليه ودخلت عليه قام إليها يواقعها، فضرطت قبل أن يطأها، فكسل عنها ومقتها وأمر بها فأخرجت وبعثت إلى الدلال، فعرفه ما جرى عليه، فقال له الدلال: فديتك! هذا كله من عزة نفسها. فقال: دعني منك فإني قد أبغضتها اردد علي دراهمي. فرد بعضها فقال له: لم رددت بعضها وقد خرجت كما دخلت؟ قال: للروعة التي أدخلتها على استها. فضحك وقال: اذهب وأنت أقضى الناس وأفقههم.
قيل كان مزبد يسبق الحاج في كل عام، وكان يجيء في ثلاث على رجليه. قال: فتزوج بامرأة ولها صديق صراف يختلف إليها في غيبة مزبد.
وتأخر مزبد عن وقته الذي كان يجيء فيه لعلة أصابته. فظن الصراف أنه قد مات أو أصابته بلية، فأقام في ذلك اليوم عندها ولم يبرح. وجاء مزبد ودخل على الوالي وخبره بقصة الحاج وانصرف إلى منزله، فدنا من الباب واطلع من كوة فيه، وإذا الصراف مع امرأته في البيت، فلم يستفتح الباب، ومضى من وقته إلى المخنثين - وكانوا لا يعصونه - فدعاهم فأجابوه، فوقف على بابه وأمرهم فضربوا بطبولهم وزمروا، واجتمع الناس فأقبلوا يقولون له: يا أبا إسحاق ما حدث؟ فيقول: تزوجت امرأتي. فيقولون: ما بك؟ وما هذه القصة؟ فلا يخبرهم باسمه. قال: فجاء الصراف إلى الباب فقال: يا أبا إسحاق، فأذن لي أن أكلمك. فدنا فقال: اتق الله من الفضيحة وأنا أفتدي. قال: فافعل، واردد علي نفقتها ومهرها نقداً فقد أفسدتها. قال: وكم ذاك؟ قال: خمسون ديناراً. قال فكتب رقعةً إلى غلامه في السوق، ودفعها إليه من تحت الباب، فانطلق وأخذ الخمسين، وقال: أي بني أمي، تفرقوا فإنما كنت أمزج. فتفرقوا، ودخل فقنع رأسه وأدخله سراً وقعد على امرأته وسكت.
قيل لأشعب: لو تركت النوادر ورويت الحديث لكان أنبل لك. قال: والله لقد سمعت الحديث. قال: فحدثنا. قال: حدثنا نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم وعلى آله - قال: خصلتان من كانتا فيه كان من خالصة الله. قالوا: هذا حديث حسن فهاتهما. قال: نسي نافع واحدةً ونسيت أنا الأخرى.
نوادر ذوي العاهات والأدواء
كان الحكم بن عبدل الأسدي أعرج، فدخل على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو أعرج، وكان صاحب شرطته أعرج. فقال ابن عبدل: من الكامل:ألقِ العصا ودَعِ التخاذُلَ والتَمِسْ ... عملاً فهذي دولةُ العُرجانِ
لأميرنا وأميرُ شرطتنا معاً ... لكليهما يا قومَنا رِجْلانِ
فإذا يكون أميرُنا ووزيرُنا ... وأنا فإنّ الرابعَ الشيطانُ
وأنشد الأعور: من الوافر:
ألم تَرَني وعمراً حينَ نغدو ... إلى الحانات ليسَ لنا نظيرُ
أُسايُره على يمنى يديه ... وفيما بيننا رجلٌ ضريرُ
دخل آخر إلى بعض الرؤساء فساره بشيء فتأذى ببخره. فلما فرغ من حديثه فسا وزاد البلاء على الرجل، فقال له: قم بالله فإنك عارم الطرفين.
قال بعضهم: خرجت في الليل لحاجة فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج، فلم يزل يمشي حتى أتى نهراً فملأ الجرة ورجع. فقلت له: أنت أعمى والليل والنهار عليك سواء، فما معنى هذا السراج؟ قال: يا فضولي، حملته معي لأعمى القلب مثلك يستضيء به ولا يعثر بي في الظلمة فيقع علي ويكسر جرتي.
جلس كسرى للمظالم فتقدم إليه رجل قصير، فأقبل يصيح أنا مظلوم، وهو لا يلتفت إليه؛ فقال له الموبذان: أنصفه قال: إن القصير لا يظلمه أحد، فقال: الذي ظلمني أقصر مني، فضحك وأشكاه.
سار سعيد بن حميد رجل به بخر فقال: مثلك لا يسار وإنما يكاتب. وأنشد: من الخفيف:
كلَّمتني فقلت خراً وخِيرٌ
ورأى فيلسوف قملةً تدب على رأس أصلع فقال: هذا لص يروم القطع في خربة.
اتفق في ملك محمود بن ملكشاه توجيه القضاة الثلاثة، الهروي والشهرزوري والهيتي، رسلاً إلى الأطراف، وكانوا أعيان عصرهم إلا أنهم عور، فقال فيهم محمد بن الحسين الآمدي: من البسيط:
أرى العراق بمحمودٍ على خطرٍ ... ظمآن أنا رويت فيه السيوف روي
ولست أرجو له صلحا يهذبه ... بالشهوزوريِّ والهيتيِّ والهروي
عورٌ وأَخلِقْ بملك رسْلُه طير ... أن لا يروم وهذا قد بري ودوي
كتب بعضهم إلى محمد بن عبد الملك الزيات: نعمتني بوطء المطهمات حتى أصابني الفالج، وأتخمتني بأكل الطيبات حتى أصابني النقرس، ولولاك لكنت أبعد من النقرس من فيج، وأسلم من الفالج من مكار؛ وأين شرف أدوائي من جرب الحسن بن وهب ودود أحمد بن أبي خالد؟ وأين أدواء الملوك والأنبياء من أدواء السفلة والأغبياء؟ فمن كان داؤه أفضل من صحة غيره، وعيبه أحمد مما تراه ضده، فما ظنك بغير ذلك من أمره؟! أبو حكيمة: من الطويل:
أيحسدني إبليس داءين أصبحا ... برأسي ورجلي دُمَّلاً وزكاما
فليتهما كانا به وأزيدُه ... زمانة شيءٍ لا يري قياما
رجل من بني عجل: من الطويل:
وشى بيَ واشٍ عند ليلى سفاهةً ... فقالَتْ له ليلى مَقالةَ ذي عقلِ
وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلتُ العَصَا رِجلاً أُقيمُ بها رجلي
وخبر أني قد عرِجْتُ فلم تكُنْ ... كوَرْهاءَ تجري بالملامة للبعلِ
آخر: من الرجز:
ليس يضرُّ الطِّرفَ تَوْليعُ البَلَقْ ... إذا جرى في حَلْبةِ الخيلِ سَبَقْ
لما شاع في بلعاء بن قيس الوضح قيل له: ما هذا يا بلعاء؟ فقال: سيف الله جلاه.
نوادر البلغاء.
وصفوا غلاماً عند بعضهم فقالوا: هو فاسد، قال: في فساده صلاحي.
وقال ابن وهب في مرد التحوا: من المنسرح.
ما بالُكُمْ يا ظباءَ وَجَرة أم ... ما غَالَكُم يا جآذِرَ البَقَرِ
ماتوا فلم يُدفنوا فيُحتَسبوا ... ففيهمُ عبرةٌ لمُعتَبِرِ
كأنّهم بعدَ بهجةٍ دَرسَتْ ... ركبٌ عليهمْ عمائمُ السَّفَرِ
وقال ابن بسام في مثله: من البسيط:
يا من نَعَتْهُ إلى الإخوانِ لحيتُه ... أدبرتَ والناسُ إقبالٌ وإدبارُ
حَانَتْ منيّته واسوَدَّ عارضُهُ ... كما تُسوَّدُ بعد الميِّتِ الدّارُ
وقال آخر: من الوافر:
وعِلْقٍ لو تَنسَّكَ يومَ حجٍّ ... لواحر بين زمزمَ والحَطيمِ
ولو يومَ المعادِ رأى لُواطاً ... لنامَ على الصِّراطِ المستقيمِ
قيل لأعرابي: أغلمة الرجل أشد أم غلمة المرأة؟ فقال مرتجلاً: من الطويل:
فو الله ما أدري وإني لخَابرٌ ... أالأيرُ أدنى للفجورِ أم الحرُ
وقد جاء هذا مُرخِياً من عِنانِهُ ... وأقبلَ هذا فاتحاً فاهُ يَهدِرُ
وقال أبو العيناء لرجل دخل من النصرانية في الإسلام: أتشرب الخمر؟ قال: بلى. قال: لقد أصبت عين الرأي إذ دخلت في عز هذه الدعوة وثبت على شرائط تلك النحلة.
قال ابن مكرم لأبي العيناء: أحسبك لا تصوم شهر رمضان، فقال: ويحك! وتدعني امرأتك أن أصوم؟ قال أبو العيناء: مررت بسر من رأى فقال لي غلامي: يا مولاي في الدرب حمل سمين والدرب خال. فأمرته أن يأخذه، وغطيته بطيلساني وصرت به إلى منزلي. فلما كان الغد جاءتني رقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها جعلت فداك! ضاع لنا بالأمس في الدرب حمل، فأخبرني صبيان دربنا أنك أنت سرقته، فتأمر برده متفضلاً؟ قال أبو العيناء: فكتبت إليه: يا سبحان الله، ما أعجب هذا الأمر! مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاء وأكذبهم أنا ولا أصدقهم، وتصدق أنت صبيان دربكم أني أنا سرقت الحمل؟ فسكت وما عاودني بشيء.
قال ابن مكرم يوماً: ما في الدنيا أعقل من القحبة، لأنها تطعم أطايب الطعام وتسقى ألذ الشراب وتأخذ دراهم وتتلذذ. فقال له أبو العيناء: فكيف عقل والدتك. فقال: أحمق من دغة يا عاض كذا.
قيل لرجل كانت امرأته تشاره: أما أحد يصلح بينكما؟ فقال: لا، قد مات الذي كان يصلح بيننا، فقال: من الطويل:
وكنتُ فتى من جندِ إبليسَ فارتقَتْ ... بي الحالُ حتى صار إبليسُ من جُندي
أشرف قوم كانوا في سفينة على الهلاك، فأخذوا يدعون الله تعالى بالنجاة، ويتضرعون، ورجل منهم ساكت لا يتكلم. فقالوا له: لم لا تدعو أنت أيضاً؟ فقال: هو مني وأومأ إلى نفسه وإن تكلمت غرقكم.
مر بعضهم في طريق فعيي من المشي، فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا رب، ارزقني دابة. فلم يمش إلا قليلاً حتى لحقه أعرابي راكباً رمكةً وخلفه مهرها صغير قد عيي. فقال للرجل: احمل المهر ساعةً. فامتنع فقنعه بالسوط حتى حمله. فلما حمله نظر إلى السماء فقال: الذنب لي حيث لم أفسر دابة تحملني أو أحملها.
قام بعضهم من مجلس ليصلي فقيل له: أي صلاة تصليها: الأولى أو العصر؟ فقال بعض المجان الحاضرين: أي صلاة صلاها فهي الأولى فإنه ما صلى قبلها.
اشترى بعضهم جاريةً فقيل له: اشتريتها لخدمتك أو لخدمة النساء؟ فقال: بل لنفسي، ولو اشتريتها للنساء لكنت أشتري مملوكاً فحلاً.
لما أخرجت جنازة الصريمية المغنية كان أشعب جالساً في نفر من قريش فبكى عليها وقال: اليوم ذهب الغناء كله وترحم عليها، ثم مسح عينيه والتفت إليهم وقال: وعلى ذلك فقد كانت الزانية شر خلق الله؛ فضحكوا وقالوا: يا أشعب ما بين بكائك عليها ولعنك إياها فرق. قال: نعم، كنا نجيئها الفاجرة بكبش إذا أردنا أن نزورها فيطبخ لنا من دارنا ثم لا نتعشى - شهد الله - إلا بسلق.
نزل على مديني أضياف فتسترت امرأته منهم وتخفرت، فقال لها زوجها: لوددت أن في الدنيا عيناً تشتهيك وأنك أثقلت في كل يوم بتوأمين.
نظر مديني إلى قوم يستسقون ومعهم الصبيان فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: نرجو بهم الإجابة، قال: لو كان دعاؤهم مجاباً لما بقي في الأرض معلم.
كان يترافق اثنان أحدهما يقود بالصبيان الصغار والآخر بالبالغين الكبار، وكل واحد يعيب صاحبه ويعنفه، حتى أخذ في بعض الأيام صاحب الصغار مع صبي، ورفع إلى السلطان فضرب وحمل الصبي على عاتقه ليطاف به في البلد؛ فلقيه رفيقه في تلك الحال فقال: قد كنت أنهاك عن الصغار حذراً عليك من مثل هذا ولو كان كبيراً لم ينكر عليك كونه معك في البيت. فقال اسكت يا أحمق! فلو قبلت منك كان مكان هذا الصغير ذاك الكبير، وكان يدق عنقي بثقله.
نظر الحسن البصري إلى رجل عليه بزة سرية، فقال: ما يصنع هذا؟ قالوا: يضرط، قال: ما طلب الدنيا بما تستحق غير هذا.
كان سعيد بن حميد الكاتب يذكر بالضراط، فقال لأبي هفان: لئن ضرطت عليك لأبلغنك إلى فيد في دفعة. فقال: الله الله يا مولاي! زدني أخرى وبلغني مكة فإني صرورة. فضرط عليه ضرطةً أصعقت أبا هفان، فقال: ردني من الثعلبية فقد كفاني.
مشت فتاة في الطريق وإلى جانبها شيخ. فاستعجلت فضرطت، فقال الشيخ: سبحان الله! فوقفت وقالت: سبحت في غل وقيدين يا بغيض يا مقيت، لم تسبح؟ قطعت عليك الطريق؟ تعلقت لك بثوب؟ شتمت عرضك؟ رميتك بفاحشة؟ حبستك عن حاجة؟ امض على حالك لا محفوظاً ولا مصحوباً. فخجل الشيخ حتى كأنه قد ضرط.
دخل أعرابي إلى الحجاج فجعل يشكو إليه جدب السنة. فبينما هو مفرط في ذلك إذ ضرط فقال: أصلح الله الأمير وهذه أيضاً من بلية هذه السنة. فضحك وأجازه.
وقد روي أن المغيرة صعد المنبر فضرط، فحرك يده وضرب بها استه وقال: كل است ضروط. ثم نزل وتوضأ وعاد إلى مكانه.
وقيل لبعضهم: لا تضرط فإن الضراط شؤم، قال: فأحرى أن لا أدعه في جوفي.
تزوج رجل بامرأة فضرطت ليلة الزفاف فخجلت وبكت فقال لها الزوج: لا تبكي فقد قيل إن المرأة إذا ضرطت ليلة الزفاف كان دليلاً على خصب السنة، قالت: فأضرط أخرى؟ قال: لا فإن بيتنا الذي ندخر فيه الغلة بيت واحد صغير لا يسع أكثر من هذا.
مر ابن أبي علقمة على جماعة من عبد القيس، فضرط بعض فتيانهم فقال: يا عبد القيس، فسائين في الجاهلية ضراطين في الإسلام، إن جاء دين آخر خريتم.
صلى أشعب يوماً إلى جانب مروان بن أبان بن عثمان، وكان مروان عظيم العجيزة والخلف فأفلتت منه ريح عند نهوضه لها صوت. فانصرف أشعب من الصلاة يوهم الناس أنه هو الذي خرجت الريح منه. فلما انصرف مروان إلى منزله جاءه أشعب فقال له: الدية! فقال له: الدية، لماذا؟ قال: الضرطة التي تحملتها عنك وإلا شهرتك والله. فلم يدعه حتى أخذ منه شيئاً صالحاً.
خرجت من أعرابي ريح وحضرت الصلاة، فقام يصلي فقيل له في ذلك، فقال: لو أوجبت على نفسي الوضوء لكل ريح تخرج مني لخلتموني ضفدعاً أو حوتاً.
شرب الهفتي دواءً فأشرف عليه حتى أنحله وأذهب جسمه، فأتاه إخوانه يعودونه فقال: ما علمت أني من خرا حتى اليوم.
كتب بعض المجان إلى صديق له: أما بعد، فقد أضلنا هذا العدو يعني شهر رمضان. فكتب إليه الجواب: ليكن أهون عليك من شوال.
قيل لابن مضاء الرازي: قد كبرت فلو تبت وحججت كان خيراً لك. قال: ومن أين لي مال أحج به؟ قيل: تبيع دارك. قال: فإذا بعت ورجعت فأين أنزل؟ قيل: تجاور. قال: فإذا جاورت بمكة، أليس الله تبارك وتعالى يقول: يا صفعان، بعت بيتك وجئت تنزل على بيتي.
وتزوج بامرأة وأمهرها أربعة آلاف درهم، فاستكثر ذلك بعض أصدقائه فقال: الأمر يسهل مع غريم كلما لقيته نكته.
صار إلى عمرو الخوزي جماعة من جيرانه وسألوه أن يعطيهم شيئاً يصرفونه في ثمن بواري مسجد يجاوره فقال لهم: إن كنتم رأيتموني في المسجد يوماً من الأيام أو دخلته لحاجة فضلاً عن الصلاة فكلفوني أن أفرشه بزلالي جهرمية.
قال بعضهم: دعوت أصدقائي فجاؤني معهم بصفعان، فمددت يدي إليه، فقال: يا ابن البظراء هذا مزح من داره على دجلة، وفي بستانه طاووس، وفي اصطبله فيل، وعلى باب داره زرافة، ليس من داره بكراء، وخبزه شراء، ودوابه في زنقة، وفي حجرته ديك، وعلى بابه كلب.
قيل لبعضهم: اللواط إذا استحكم صار حلاقاً، قال: هذا من إرجاف الزناة.
سمع صبي أمه تبكي وقت السحر، فقال: لم تبكين؟ قالت: ذكرت أباك فأحرق قلبي، قال الصبي: صدقت، هذا وقته.
أخذ رجل مع غلام فرفع إلى صاحب الشرطة فأدبه، ثم وجد بعد ذلك مع امرأة فعوقب، وبعد ذلك مع مخنث فأدب، ثم وجد في خربة مع أتان، فقال له صاحب الشرطة: ويلك! لم لا تغمد أيرك؟ قال: يا سيدي هذا غمده ولكن ليس تتركوني أن أغمده.
قيل لابن سوار: قد امتهنك غلامك الأسود، قال: ما امتهنني ولكن امتهنته، عمدت إلى أكرم عرق فيه فاستعملته في أقذر مدخل في.
اشترى مديني عرصةً وأحضر من يبنيها. فذرعها وقال: ابن ههنا صفةً، وههنا. وهذه خزانة. ثم ضرط فقال بالعجلة: وههنا كنيفاً فقد اختاره الثقة العالم به. فضحك هو ومن حضره وزال خجله.
كان بعض الفقهاء، ويعرف بالخضيري، يحضر مجلس النظر للصاحب بالليل، فغلبته عيناه مرةً وبدرت منه ريح لها صوت، فخجل وانقطع من المجلس، فقال الصاحب: أبلغوه عني: من البسيط:
قل للخضيري لا تذهبْ على خجلٍ ... لحادثٍ كان مثلَ النايِ والعودِ
فإنها الريح لا تَسطيعُ تحبسُها ... إذ أنتَ لستَ سليمانَ بنَ داود
التقى مدينيان فقال أحدهما لصاحبه: علمت أن امرأتي حامل قال: ممن؟ قال: مني، قال: سررتني والله.
سمع العنبري القاضي صبياً يقول لآخر: وإلا فأير القاضي في حر أم الكاذب. فقال القاضي: ولم يا صبي؟ قال: لأن عليه أيراً مردوداً في حر أمه مثل سارية المسجد، فقال القاضي: الاستقضاء شؤم.
راودت أعرابية شيخاً عن نفسه، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة أبطأ عليه الانتشار. فأقبلت تستعجله وتوبخه فقال: يا هذه إنك تفتحين بيتاً وأنا أنشر ميتاً.
أتى نوفل إلى ابن أخيه وقد أحبل جاريةً لغيره، فقال: يا عدو الله هلا إذا ابتليت بالفاحشة عزلت؟ قال: بلغني أن العزل مكروه، قال: فما بلغك أن الزنا حرام؟ جاء رجل إلى عابد فسأله عن القبلة للصائم، قال: تكره للحدث، ولا بأس بها للمسن، وبالليل له فسحة. فقال: إن زوجها يعود إلى منزله ليلاً، فقال: يا ابن أخ، هذه تكره في شوال أيضاً.
قال رجل لقينة في مجلس: أشتهي أن أضع يدي عليه، قالت: العتمة. قال: يا ستي إذا كان العتمة وأطفئ السراج يكون الزحام عليه أكثر من الزحام على الحجر الأسود.
كان في جوار ابن المعذل قحبة تزني بالنهار وتصلي بالليل وتدعو وتقول: اللهم اختم لي بخير. فلما طال ذلك على ابن المعذل قال: ما ينفعك هذا الدعاء، هو يختم بالليل وأنت تكسرين الختم بالنهار.
وقيل لرجل: إن فلاناً وفلاناً حملا السلم البارحة ونصباه على حائط دارك يريدان امرأتك، قال: على كل حال إذا حملاه هما أولى من أن يكلفوني حمله وحدي.
قيل لرجل رؤي يكلم امرأة في شهر رمضان: أتكلمها في مثل هذا الشهر؟ قال: أدرجها لشوال.
أدخل الجماز غلاماً ففعل به. فلما خرج سئل الصبي فقال: أدخلني الجماز ههنا لأفعل به. فبلغ ذلك الجماز فقال: قد حرم اللواط إلا بولي وشاهدين.
وخصم أمرد من شعره لما بقل وجهه، فقيل له في ذلك فقال: تجارة تخشون كسادها.
أسلم نصراني ثم تعاطى ركوب الفواحش واستحلال المآثم. فقال له نصراني آخر: ما زدت على أن أسخطت عيسى ولم ترض محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال أبو العيناء: كان بالري مجوسي موسر فأسلم، وحضر شهر رمضان فلم يطق الصوم، فنزل إلى سرداب له وقعد يأكل. فسمع ابنه حساً من السرداب فاطلع فيه وقال: من هذا؟ فقال الشيخ: أبوك الشقي يأكل خبز نفسه ويفزع من الناس.
تبع أشعب مرةً امرأةً فقالت له: وما تصنع بي ولي زوج؟ قال: فتسري بي فديتك.
وكان يقول: كلبي كلب سوء يبصبص الأضياف وينبح لأصحاب الهدايا.
وقع بين مزبد وبين رجل كلام، فقال له الرجل: تكلمني وقد نكت أمك. فرجع مزبد إلى أمه فقال: يا أماه، تعرفيه مليك؟ قالت: أبو علية؟ قال: ناكك، شهد الله، أنا أسألك عن اسمه وتجيبينني عن كنيته.
وسمع رجلاً يقول عن ابن عباس: من نوى حجةً وعاقه عائق كتب له. فقال مزبد: ما خرج العام كراء أرخص من هذا.
ونام مرةً في المسجد فدخل رجل يصلي، فلما فرغ قال: يا رب أنا أصلي وهذا نائم! فقال: يا ابن أم سل أنت حاجتك ولا تحرشه علينا.
وسمع رجلاً يقول لآخر: إذا استقبلك الكلب بالليل فاقرأ في وجهه: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان. فقال مزبد: الوجه عندي أن يكون معك عصا أو حجر، فليس كل كلب يحفظ القرآن.
ووقعت بينه وبين امرأته خصومة فحلف لا يجتمع رأسي ورأسك على مخدة سنةً. فلما طال ذلك عليه قال: نقنع باجتماع الأرجل إلى وقت حلول الأجل.
وغضب عليه بعض الولاة وأمر بحلق لحيته، فقال له الحجام: افتح فمك حتى أحلق. قال: يا ابن الفاعلة، أمرك أن تحلق لحيتي أو تعلمني الزمر؟ وسئل يوماً عن عدد أولاده فقال: عهد الله في رقبته إن لم يكن امرأته تلد أكثر مما ينيكها.
وقال يوماً: قد عزمت في هذه السنة على الحج وأصلحت أكثر ما أحتاج إليه، قالوا: وما الذي أصلحت؟ قال: حفظت التلبية.
ودخل إلى بعض العلوية فجعل يعبث به ويؤذيه. فتنفس مزبد الصعداء وقال: صلوات الله على المسيح، أصحابه منه في راحة، لم يخلف عليهم ولداً يؤذيهم.
وجاء غريم له يطالبه بحق عليه، فقال له: ليس لك اليوم عندي شيء، وحشرني الله كلباً عقوراً ينهش عراقيب الناس في الموقف ولو علقتني من الثريا بزغبة قثاءة ما أعطيتك اليوم شيئاً.
وقيل له: صوم يوم عرفه يعادل صوم سنة. فصام إلى الظهر ثم أفطر وقال: يكفيني صوم نصف سنة فيه شهر رمضان.
وكان لامرأة مزبد صديق فضربها وشحبها. ودخل مزبد فرآها على تلك الحال، فقال لها: ويلك! ما لك؟ قال: سقطت عن الدرجة، قال لها مزبد: أنت طالق، لو أنك سقطت من بنات نعش ما أصابك هذا كله.
وزفت إليه امرأة قبيحة، فقالت له الماشطة: بأي شيء تصحبها؟ قال: بالطلاق.
وجلس مرةً على الطريق يبول وهو سكران، وعليه طيلسان خلق، فمر به رجل فأخذ طيلسانه فالتفت إليه مزبد وقال: يا فتى، صرف الله عنك السوء.
وقيل لمزبد: وقد أدمن الحلف بالطلاق وجلس مرة على الطريق يبول وهو سكران: ويحك! لم تحلف بالطلاق؟ فقال: قوموا معي حتى أريكم امرأتي، فإن كانت تصلح إلا للحنث فاصنعوا بي ما شئتم.
دخل على مطيع صديق له فرأى تحته غلاماً وفوقه آخر، فقال: ما هذا؟ قال: اللذة المضاعفة.
وعوتب ابن مكرم على حب غلام كان يعرف به، فأومى بيده إلى خلفه فقال: من الطويل:
أقلَّوا عليهم لا أبا لأبيكمُ ... من اللّوْمِ أو سُدُّوا المكانَ الذي سَدُّوا
قيل لآخر: أتنبطح مع شرفك؟ فقال: ذوقوا ثم لوموا.
رفع شيخ مأبون مع أمرد إلى السلطان، فقالت امرأته: أما تستحي أن يرفع ذلك إلى السلطان؟ فقال: لو استقبلك بمثل ما استدبرني لم تبالي أن ترفعي إلى ملك الروم.
دعا الأمين يوماً عبد الله بن عفان ليصطبح فأبطأ. فلما جاء قال: أظنك أكلت، قال: لا والله، قال: والله لتصدقن، قال: نعم يا أمير المؤمنين. فدعا بحكاك فحك أضراسه السفلى، فلما ذهب ليحك العليا قال: يا أمير المؤمنين. دعها لقضية أخرى. فضحك وخلاه.
هبت ريح شديدة فصاح الناس: القيامة! القيامة! فقال مزبد: هذه قيامة على الريق بلا دابة الأرض ولا الدجال ولا القائم.
سمع الجماز محبوساً يقول: اللهم احفظني! فقال: قل اللهم ضيعني حتى تفلت.
طالب رجل امرأته بالجماع فقالت: أنا حائض، وتحركت فضرطت. فقال لها: قد حرمتنا خير حرك فاكفينا شر استك.
وأدخل الجماز غلاماً فلما بطحه فسا فسوةً منكرة، فقال الجماز: ويلك! هو ذا تذري قبل أن تدرس.
وقال الجماز: اجتزت بباب دار وصاحب الدار يقابل امرأته ويقول: لأحملن عليك اليوم مائة رجل. فجلس شيخ كان خلفي على الباب ينتظر. فلما طال للشيخ الانتظار، دق الباب وقال: تريد أن تحمل على هذه القحبة أو أنصرف؟ تحدث ابن سيابة، وأنشد شيئاً من شعره ثم تحرك فضرط، فضرب بيده على استه غير مكترث وقال: إما أن تسكتي حتى أتكلم وإما أن تتكلمي حتى أسكت.
قال رجل بحمص: إذا كان يوم القيامة يؤتى بالذي فجر بامرأة جاره ويؤخذ من سيئات الجار فتوضع على سيئاته، ويؤخذ من حسناته فتوضع على حسنات جاره. فقال الحمصي: والله إن كان هذا هكذا فما في القيامة أحسن حالاً من الكشاخنة بعد المخنثين.
قال ابن رشيق المغربي: دخلت الجامع فرأيت أبا بكر الوراق التميمي الشاعر في حلقة يقرأ المواعظ ويذكر أخبار السلف الصالحين، وقد بدا خشوعه وترقرقت دموعه. فما كان إلا أن جئته عشية ذلك اليوم إلى داره، فوجدته في يده طنبور وعن يمينه غلام مليح، فقلت: ما أبعد ما بين حاليك في مجلسيك. فقال: ذلك بيت الله وهذا بيتي أصنع في كل واحد منهما ما يليق به وبصاحبه.
نظر أبو قصيصة - وكان ماجناً من أهل الحجاز - إلى هلال شهر رمضان فقال: قد جئتني بقرنيك! قطع الله أجلي إن لم أقطعك بالأسفار.
قال رجل مشوه للجماز: ولد لي ابن كأنه دينار، فقال له: لاعن أمه، والله أعلم.
نوادر الأغبياء والجهلاء وتصحيفهم وأغلاطهم وغيهم.
يقال إن كيسان مستملي ابن الأنباري كان أعمى القلب، وسمع ابن الأنباري وهو يقول: كيسان يسمع غير ما أقول، ويكتب غير ما يسمع، ويقرأ غير ما يكتب، ويحفظ غير ما يقرأ.
وحكي عنه أنه كان يكتب ما يسمع في خزف ويجمعه في حب. فاشترى رواية ماء، فغلط السقاء بين حب الماء وحب الخزف، فصب الماء في حب العلم فرأينا كيسان وقد وضع يديه على رأسه وذهب علمه كله.
سأل كيسان خلفاً، فقال: يا أبا محرز، علقمة بن محرز جاهلي أو من ضبة؟ فقال: يا مجنون صحح المسألة حتى يصح الجواب.
دخل شيخ على هشام بن عبد الملك فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو الحسن والبهاء، فقيل له: أما تكفيك واحدة؟ فقال: إن ضاعت واحدة كانت الأخرى.
كان في يزدانفاذار كلنه، وكان يجعل الحاء هاء. فأملى على كاتب له: والهاصل ألف كر فكتبها الكاتب بالهاء فأعاد عليه الكلام، فأعاد الكاتب الكتاب مثله. فلما فطن لاجتماعهما على الجهل قال: أنت لا تهسن أن تكتب وأنا لا أهسن أن أملي، فاكتب الجاصل، فكتبها بالجيم معجمة.
كان عبد الملك بن هلال الهنائي عنده زنبيل ملآن حصى، وكان يسبح بواحدة، فإذا مل شيئاً طرح ثنتين ثنتين، ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا فضل قبض قبضةً قبضةً، وقال: سبحان الله بعدد هذا، فإذا ضجر أخذ بعروتي الزنبيل فقلبه وقال: سبحان الله عدد ما فيه.
وسمع بمكة رجل يدعو لأمه فقيل له: ما بال أبيك؟ قال: إنها ضعيفة وهو رجل يحتال لنفسه.
كان الوليد بن القعقاع عاملاً على بعض الشام، وكان يستسقي في كل خطبة، وإن كان في أيام الشعرى. فقام إليه شيخ من أهل حمص فقال: أصلح الله الأمير، إذن تفسد القطاني يعني الحبوب واحدتها قطينة.
قالت أم ولد لجرير لبعض ولدها: وقع الجردان في عجان أمكم، تريد الجرذان في عجين أمكم.
كان الوليد بن عبد الملك لحاناً. فدخل عليه يوماً رجل من العرب فقال له الوليد: ما شانك؟ قال: أود في أنفي واعوجاج. فقال له رجل من أصحابه: إن أمير المؤمنين يقول لك: ما شأنك؟ قال: كذا وكذا.
ودخل إليه آخر فتظلم من ختن له فقال: من ختنك؟ قال: معذر في الحي يا أمير المؤمنين. وهذا يشبه الخبر الأول.
وحكي أن امرأةً تقدمت إلى قاض فقال لها القاضي: جا معك شهودك كلهم؟ فسكتت، فقال لها كاتبه: القاضي يقول لك: جاء شهودك معك؟ قالت: معي. ثم قالت للقاضي: ألا قلت كما قال كاتبك؟ كبر سنك، وذهب عقلك، وعظمت لحيتك فغطت على عقلك، وما رأيت ميتاً تكلم بين الأحياء غيرك.
وقال الوليد يوماً: يا غلام رد الفرسان الصادان عن الميدان.
ومات لعبد الملك ابن فجاء الوليد فعزاه، فقال: يا بني، مصيبتي فيك أكبر من مصيبتي بأخيك، متى رأيت ابناً عزى أباه؟ فقال: يا أمير المؤمنين أمي أمرتني بذلك. قال: هو من مشورة النساء.
قام بعض الجهال إلى عالم وسأله عن قول الشاعر: من الخفيف:
يوم تُبدي لنا قتيلةُ عنجيدٍ
فقال: ما العنجيد؟ وسأله عن قوله تعالى: والهدي معكوفا.
قال: من كان كوفا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ وسأل عن قوله: زاحم بعود أو دع. ما الأودع؟ وكان أحمد بن موسى بن إسحاق من قضاة أصفهان، فأملى يوماً على أصحاب الحديث: حدثني فلان عن فلان عن هند أن المعتوه، يريد: عن هند أن المغيرة وروى آخر: لا بأس أن يصلي الرجل وفي كمه سنورة وإنما هي سبورة وهي الألواح من الأبنوس يكتب فيها للتذكرة.
وروى أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى يده سخلة تبعر وإنما هي تيعر، من اليعار وهو صوتها.
كان للمتوكل صاحب خبر يقال له ابن الكلبي، وكان يرفع إليه كل ما يسمعه من غث وسمين وهزل، ليمين كان حلفه بها. فرفع إليه يوماً: إن امرأتي خرجت مع حبة لها إلى بعض المتنزهات فسكرت حبتها وعربدت عليها وجرحتها في صدغها، ولم ينقط الغين، فقرأه المتوكل: في صدعها ثم قال: إنا لله، تعطل على ابن الكلبي مناكحه.
وجه رجل ابنه إلى السوق ليشتري له حبلاً للبئر ويكون عشرين ذراعاً. فانصرف من بعض الطريق وقال: يا أبي في عرض كم؟ قال: مصيبتي بك.
وقال آخر لابنه وهو في المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد. فقال: لعمري من كنت ولده فهو بلا ولد.
علق ستر على باب أمر جعفر، وكان أمر أن يكتب للسيدة الميمونة المباركة فأغفل الناسخ الراء. ودخل الرشيد فقرأه المناكة فأمر بتمزيقه.
كان الصاحب بن عباد يكره أن يكون في مخاطبة النساء حراستها وعقلها ونظرها، ويقول: لا يؤمن أن يصحف.
استأذن ابن الجصاص يوماً على بعض الوزراء، وعرض عليه شيئاً من الجوهر، وقال: وقع هذا في السيق. فضحك الوزير، فقال: أعز الله الوزير، إن في تخفض ما بعدها.
قال الصولي: عدت بعض الرؤساء في علة وسمعته يقول للطبيب: أكلت فراريج، فقال له: كان يكفيك فروج واحد. فقال: إن الفراريج لا تضر، فقال الطبيب: يا سيدي، إذا لبس الإنسان عشر غلائل قصب يكون قد لبس لباداً.
قال ابن ماسويه: قال لي عبيد الله بن يحيى: أخبرني عن الطبائع الأربع، هي من عقاقير الجبل؟ فضحكت، قال: مم تضحك؟ قلت: أخو وزير لا يعرف الطبائع؟ قال: أنا طبيب؟ قال رجل لطبيب: يا سيدي، إن أمي تجد في حلقها ضيقاً ويبساً وحرارةً. قال الطبيب: ليت الذي في حلق أمك في حر امرأتك، وأن على حلق أمك السكين.
جاء رجل ماجن إلى الطبيب فقال: أجد في أطراف شعري شبه المغص وفي بطني ظلمة، وإذا أكلت الطعام تغير في وجهي وبطني. فقال الطبيب: أما ما تجده في أطراف شعرك فاحلق رأسك ولحيتك فإنك لا تجد منه شيئاً، وأما الظلمة في بطنك فعلق على باب استك قنديلاً حتى لا تجدها، وأما تغير الطعام في بطنك فكل خراء واربح النفقة.
مر طبيب بابن عبد الواسع المازني، فشكا إليه ريحاً في بطنه فقال: خذ صعتراً. فقال: يا غلام، الدواة والقرطاس ثم قال: أصلحك الله، ما أكتب؟ قلت: قال: خذ كف صعتر ومكوك شعير. قال: لم تذكر الشعير أولاً، قال: ولا علمت أنك حمار إلا الساعة.
جاء رجل إلى بعض الأطباء فشكا إليه وجع بطنه، فقال له: ما أكلت؟ قال: خبزاً محروقاً. فدعا الطبيب بذرور ليكحله، فقال الرجل: أنا أشكو بطني وأنت تكحل عيني؟ قال: قد علمت، ولكني أكحلك لتبصر الخبز المحترق فلا تأكله بعد هذا.
كتب بعض الوزراء بالري في معنى أبيه إلى صديق له ببغداد - وكان أبوه قد حج - : هذا الكتاب يوصله فلان بن فلان وهو والدي وقديم الصحبة لي، وواجب الحق علي، ولي بأمره عناية.
حكي أبو هفان قال: رأيت بالكوفة شيخاً قاعداً على باب دار وله زي وهيئة، وفي الدار صراخ، فقلت: يا شيخ، ما هذا الصراخ؟ قال: هذا رجل افتضد أمس فبلغ المرضع شادروانه فمات، يريد: بلغ المبضع شريانه.
حكي عن حمزة بن بصير، مع جلالته عند سلطانه وموضعه من ولايته، أنه دخل على امرأته وعندها ثوب وشي، فقالت له: كيف هذا الثوب؟ قال: بكم اشتريته؟ قالت: بألف درهم. قال: فو الله لقد وضعوا في استك مثل ذا وأشار بكفه مقبوضةً مع ساعده فقالت: لم أزن الثمن بعد، قال: فخصاهم بعد في يدك. قالت: فأختك قد اشترت شراً منه بألفين. قال: إن أختي تضرط من است واسعة. قالت: ولكن أمك عرض عليها فلم ترده، قال: لأن تلك في استها شعر.
كان بالري وراق حسن الخط، وكان إذا كتب بسم الله تعالى أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم في قرآن أو شعر كتب بعدهما ما يكتبه الإنسان في سائر المواضع. فكان يكتب في القرآن إن الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان. وما محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. وكان يكتب في الشعر: إن تقوى ربنا - عز وجل - خير نفل وبإذن الله - تبارك وتعالى - ريثي وعجل ويكتب:
هجوت محمداً صلى الله عليه وسلم فأجبت عنه ... وعند الله عز وجل في ذاك الجزاء
قال الجاحظ: قال لي ابن بركة: يا أبا عثمان لا تثقن بقحبة ولو كانت أمك. فلم أر تأديباً قط أبعد من جميع الرشد من هذا.
قال بعضهم: جئت إلى كاتب وسألته كتاب شفاعة إلى بعض أصدقائه. فكتب: يجب أن تصونه وتحوطه، وترد عليه خطوطه. قال، قلت: الرجل لم يعرفني قط، وليس معه شيء من خطوطي. فقال: إن أردت أن تأخذ الكتاب فخذه، وإلا فإني لا أضيع سجعي.
وكانت علامة أبي الحمار لما تولى ديوان الخراج: لا إله إلا الله ما أعجب ما نحن فيه.
وعلامة بعض أكابر كتاب عضد الدولة: الحمد لله فتاح المغاليق.
وكتب رجل إلى أبيه من البصرة: كتابي هذا ولم يحدث علينا بعدك إلا خير والحمد لله إلا أن حائطنا وقع فقتل أمي وأختي وجارتينا ونجوت أنا والسنور والحمار فقلت: إن شاء الله.
قرأ سابق الأعمى: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا. فقال ابن خاقان: وإن آمنوا أيضاً لم ننكحهم.
كان الشيرجي إماماً من أئمة الحنبلية، اجتاز بمسجد فيه معزى. فخرج عليه منه نحوي بغيض فقال له الشيرجي: من المتوفي بكسر الفاء فقال النحوي: الله، فلببه وقال: زنديق والله، ورفعه إلى صاحب الجسر.
قال رجل لآخر: تأمر بشيئا فقال: بتقوى الله وإسقاط الألف.
كان الوليد بن يزيد ينادم أبا رقية، وكان أبو رقية يمسك المصحف على أم الوليد لتقرأ. فغنى يوماً عمر الوادي بحضرة الوليد وأبو رقية نائم سكراً، وكان مضعفاً. فطرب الوليد وقال: أحسنت يا جامع لذاتي - وكان يسميه لشغفه به - فرفع أبو رقية رأسه من نومه وقال: وأنا جامع لذات أمك. فغضب الوليد وهم به حتى كفه عنه عمر الوادي.
قال: والله ما يعقل أبو رقية وهو صاح، فكيف يعقل وهو سكران؟! قال الحريش بن موسى: قلت لرجل: ما بلغ من نسيانك؟ قال: أؤذن من رقعة.
جاء رجل إلى عالم يستفتيه فقال: أفطرت يوماً من شهر رمضان سهواً، فما علي؟ قال: تصوم يوماً مكانه. قال: فصمت يوماً مكانه وأتيت أهلي وقد عملوا حيساً، فسبقتني يدي إليه فأكلت منه. قال: تقضي يوماً آخر، قال: لقد قضيت يوماً مكانه وأتيت أهلي وقد عملوا هريسة، فسبقتني يدي إليها فأكلت منها، فما ترى؟ قال: أرى أن لا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك.
قدم رجل امرأته إلى القاضي فقال: أعز الله القاضي، أنا رجل من دورق وهذه امرأة من درب عون، وفي قلبي حب وهي تغار علي وأريدها صاغرة. فقال القاضي: اذهب عافاك الله إلى دار بانوكة حتى يعمل لك قاض من دن يحكم بينكما.
وريحان وفاكهة من فواكه أصفهان وتفاح لبنان وصواني صندل وزعفران. ثم أتانا غلمان أقران كأنهم خيطان بان، فمن حامل طستاً ومتناول إبريقاً ومناول منديلاً، وقدمت إلينا مائدة من الخلنج ذات أفانين وتجزيع بديع، وعليها كرمازك كأنه قطع المروط، في خلاله دجاج كسكر، ثم محفوفة بالبزماورد والهلام وجامات البوارد في وسطها جام لطيف مخروط كالماء رقةً وصفاءً، فيه ملح همذاني النسبة . النقبة كثير الأفاويه، عطر الأبازير، مقرون بجام مثله فيه خل ثقيف ذكي، كأنه عقيق سائل وأرجوان ذائب، حواليهما بقل جني غض يشعشع وطرخون وسذاب وباذروج. فتناولنا لقماً. ثم أتينا بسكباجة تضحك فوق الخوان، قد أحكمت بالخل الحاذق العطر، ونصبت بورق السذاب النضر. ثم تلتها أرزة بيضاء مكينة، يتبعها إوزة سمينة وجدي قد غاصت أضلاعه في شحم كلاه؛ ثم أتينا بمضيرة نقية الوجه من الكلف، فائقة المنظر والمخبر، لها وميض وبصيص، لو رآها صائم لأفطر، والعليل ما كل وما صبر. ثم أتي بالقطايف كمتون الحيات، يضطرب بين الطبرزد وبين اللوز. فسبحان خالق هذه الألوان، لأهل الطاعة والعصيان. نعم أيها القاضي. فقال له القاضي: أصلحك الله، إن كانت عندك شهادة فأخرها إلى مجلس آخر، فبالناس حاجة إلى المجلس. فقال: أنا أشهد بما علمت، فإن شئت شهدت وإن شئت انصرفت. فقال: هات شاهديك فقال: أشهد أيها القاضي أن فلان بن فلان الفلاني. قال: عزمك أن تعود إلى أول القصة. قال: نعم لأنك قطعت علي. قال القاضي: إن كان ولابد فمن موضع المضيرة. والتفت إلى صديقه وقال له: وضح العذر؟ قال: نعم.
كان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند فقال لرجل: ما اسمك؟ قال: عبد الله بالنصب قال: ابن من، قال: ابن عبد الرحمن بالجر فأمر بضربه، فقال: باسم الله بالرفع. فقال: دعوه لو كان تاركاً اللحن لتركه تحت السياط.
وكان الوليد بن عبد الملك لحانةً، فقرأ في خطبته: يا ليتها كانت القاضية بالرفع فقال أخوه سليمان: عليك.
كان رجل ينسى أسماء مماليكه، فقال: اشتروا لي غلاماً له اسم مشهور لا أنساه. فاشتري له غلام وقالوا: اسمه واقد، فقال: هذا اسم لا أنساه، اجلس يا فرقد.
قال رجل: إن أبينا هلك وإن أخينا غصبنا على ميراثنا. فقال: يا هذا، ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك.
ادعى مؤدب أنه قد علم صبياً النحو والفرائض، فامتحنه أبوه، فقال: كيف تقول ضرب زيد عمراً؟ قال: كما تقول. قال: فما إعرابهما؟ قال: زيد رفع بفعله، وما بقي للعصبة.
وأمر آخر معلماً أن يعلم ولده الفرائض، فامتحنه يوماً فقال: ما تقول في رجل مات وخلف بنتين وابناً؟ فقال: أما الإبن فيسقط. قال: نعم إذا كان متخلفاً مثلك.
مر رجل بأديب فقال: كيف طريق البغداد؟ قال: بالحذاء، ثم مر به آخر فقال: كيف طريق كوفة؟ قال: ههنا، وبادر فمع ذلك المار ألف ولام تحتاج إليهما، وهو مستغن عنهما فخذهما منه.
قصد الحجاج رجل فأنشده: من الرجز:
أبا هاشم ببابك ... قد شمّ ريح كبابك
فقال: ويحك لم نصبت أبا هاشم؟ فقال: الكنية كنيتي إن شئت رفعته وإن شئت نصبته.
وكتب محمد الأمين على ظهر كتاب: من المجتث:
عشقت ظبياً رشيقاً ... في دارِ يحيى بنِ خاقا
وكتب تحته: أردت خاقان، وخاقان مولى لي، إن شئت أثبت نونه وإن شئت أسقطته.
قال بعض العلوية الكبار لقاضي القضاة عبد الجبار: ما بهذا الذي يقول التجار في كتبه: الكس بالكسب؟ أراد الكسب. فضحك القاضي وكل من كان عنده. وأنشد بعض الحاضرين: من الطويل:
إذا الغصنُ لم يُثمرْ وإن كان شعبةً ... من المثمراتِ اعتدَّه الناسُ في الحطبْ
نوادر المتنبئين والقصاص والممخرقين.
تنبأ رجل في أيام المتوكل فأحضره وقال له: ما صناعتك قال: رواس. قال: صناعة قذرة، فقام المتنبئ ينفض ثيابه. فقال: إلى أين؟ قال: أذهب أقول لهم: القوم متقذرون يريدون نبياً عطاراً.
وجاء آخر إلى المتوكل وادعى النبوة، فقال له بعض من حضر: صف لنا جبريل. فوصفه ولم يذكر جناحه. فقال له: ويلك تعلمنا خبر جناحه، ولسنا نشك في أن له جناحاً. قال: أظنه يأتي وهو في القرنصة.
ألقي إلى أبي سالم القاص خاتم بلا فص، فقال: إن صاحب هذا الخاتم يعطى في الجنة يوم القيامة غرفةً بلا سقف.
وقال يوماً في حلقه: من صلى ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعةً وقرأ في كل ركعة كذا وكذا بنى الله له في الجنة بيتاً. فقام إليه رجل نبطي فقال: يا فديت وجهك! إن صليت أنا فعل بي هذا؟ قال: يا عاض بظر أمه، ذاك لبني هاشم والعرب وأهل خراسان، وأما أنت فيبنى لك لوح بعكبرا.
قيل لأبي سالم القاص: ادع الله تعالى لفلان أن يرده علي، وأعطي درهمين. قال: وأين هو؟ قيل: بالصين، قال: يرده من الصين بدرهمين؟ بلى، لو كان بسيراف أو تستر.
قص قاص، فلما ابتدأ يسأل أقيمت الصلاة، وخاف أن يتفرق الناس، قال: يا فتيان، العجائب بعد الصلاة.
قال بعضهم لصوفي: بعني جبتك. فقال: إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصيد؟ وروي أن قاصاً أنشد: من الطويل:
أمِنْ ذكرِ خَوْدٍ ... دمعُ عينيكَ يسفَحُ
ولطم وجهه وبكى. فسئل عن خود فقال: واد في جهنم يا حمقى! وقال بعض القصاص: إن مما أكرم به الكبش أن جعله الله مستور العورة من قبل ومن دبر، ومما أهان به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر.
وسئل بعضهم عن نصراني قال لا إله إلا الله. قال: يؤخذ بنصف الإسلام، وإن مات دفن بين مقابر المسلمين ومقابر النصارى.
وقال رجل لمفت بالبصرة: أسلمت ثوباً إلى الحائك، فالدقيق على من يجب؟ فقال: الدقيق ولعنة الله على الحائك.
نوادر المجانين.
سأل رجل بهلولاً فقال: ما تقول في رجل مات وخلف زوجةً وأماً وبنتاً، كيف تقسم التركة بينهم؟ فقال: هذه مسألة لا تخفى على أحد من أهل الفقه والعقل: الثكل للأم واليتم للبنت وخراب البيت للزوجة.
جمحت بجحا بغلته يوماً فأخذت به غير الطريق الذي أراده. فلقيه صديق له فقال: أين عزمت يا أبا الغصن؟ فقال: في حاجة البغلة.
وبات ليلة مع صبيان له فجعلوا يفسون، فقال لامرأته: هذا والله بلية. قالت: دعهم يفسون فإنه أولى لهم. فقام وخرئ وسط البيت ثم قال: انبهي الصبيان حتى يصطلوا بهذه النار.
وكان بهلول يتشيع، وهو من مجانين الكوفة، فقال له إسحاق ابن الصباح: أكثر الله في الشيعة مثلك. قال: بل أكثر الله في المرجئة مثلي وأكثر في الشيعة مثلك.
ودعاه الرشيد ليضحك منه. فلما دخل دعا له بمائدة فقدم عليها خبز وحده. فولى بهلول هارباً فقال له: إلى أين؟ فقال: أجيئكم يوم الأضحى فعسى أن يكون عندكم لحم.
ورمى بهلول رجلاً فشجه، فقدم إلى الوالي فقال له: لم رميت هذا؟ قال: ما رميته ولكنه دخل تحت رميتي.
رؤي بهلول مغموماً يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: كيف لا أبكي وقد جاء الشتاء، وليس لي جبة. فقيل: لا تبك لأن الله تعالى لا يدعك بلا جبة. قال: بلى والله، عام أول تركني بلا جبة ولا سراويل وأخاف أن يدعني العام بلا جبة ولا سراويل ولا قلنسوة.
قال بعضهم: مررت يوماً ببهلول وهو يأكل فرنية حوارى مع دجاجة، فقلت: يا بهلول، أطعمني مما تأكل، قال: ليس هذا لي، وحياتك، هذا دفعته إلي أم جعفر آكله لها.
وحضر بهلول مجلس قوم يتذاكرون الحديث فرووا عن عائشة أنها قالت: لو أدركت ليلة القدر ما سألت ربي تعالى إلا العفو والعافية.
فقال بهلول: والظفر بعلي يوم الجمل.
حج موسى بن عيسى ومعه بهلول، فأقبل موسى يدعو عند البيت ويتضرع، وبهلول يقول: لا لبيك ولا سعديك! فقال له ابنه العباس: ويلك! أتقول هذا للأمير في مثل هذا الموقف؟ فقال: أقول له ما أعلم أن الله تعالى يقول له.
هرب مجنون من الصبيان ودخل دهليزاً، وأغلق الباب في وجوههم، وجلس. فخرج إليه صاحب الدار فقال: لم دخلت داري؟ قال: من أيدي هؤلاء أولاد الزنا. فدخل صاحب الدار وأخرج إليه رطباً، فجلس المجنون يأكل والصبيان يصيحون على الباب. فأخرج المجنون رأسه إلى صاحب الدار وقال: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.
قيل لمجنون بالبصرة: عد لنا مجانين البصرة. فقال: كلفتموني شططاً، أنا على عد عقلائهم أقدر.
كان ببغداد مجنون يلبس فروته مقلوبة، فإذا قيل له في ذلك قال: لو علم الله أن الصوف إلى داخل أجود جعل الصوف إلى داخل.
نظر رجل إلى جماعة من المجان حول مجنون، فقال له: أدخل إلى بعض المواضع حتى يتفرقوا عنك. قال: إذا جاعوا انصرفوا.
وقع الصبيان بغباوة المجنون وصاحوا عليه ورموه، وهرب منهم، واستقبلته امرأة ومعها صبي صغير، فدنا منها ولطم الطفل لطمةً كادت تأتي عليه، فقالت المرأة: قطعت يدك! أيش أذنب هذا إليك؟ قال: يا قحبة! هذا غداً يكون شراً من هؤلاء الكشاخنة، لعنهم الله! نظروا إلى ماني الموسوس يأكل تمراً ويبتلع النوى. فقيل له: لم لا ترمي بالنوى، قال: كذا وزنوه علي.
كان مجنون يؤذيه الصبيان، فقال له رجل: تريد أطردهم عنك؟ قال: نعم وتنطرد أنت أيضاً معهم.
قال أبو العيناء: قلت لمعتوه عندنا مليح في يوم مطر: أخرج معنا إلى المصلى، قال: على أن تعيرني صلعتك أتترس بها من الصبيان.
كان بحران مجنون يقال له لغدان، فمر يوماً بقوم من بني تيم الله ابن ثعلبة فعبثوا به وعذبوه، فقال: يا بني تيم الله، ما أعلم في الدنيا قوماً خيراً منكم، قالوا: وكيف ذلك يا لغدان؟ قال: بنو أسد ليس فيهم مجنون غيري وقد قيدوني وسلسلوني، وكلكم مجانين ليس فيكم مقيد.
وكان بدير المعاقل مجنون يقال له طبرزد، فأخذه الشرط وهو على باب المسجد يبول، فجعلوا يضربونه، فقال: أرأيتم لو بال ههنا حمار أكنتم ضاربيه قالوا: لا، قال: فلا عقل لي فهبوني حماراً، فتركوه.
شهد سلمي الموسوس عند جعفر بن سليمان على رجل فقال: هو أصلحك الله ناصبي رافضي قدري مجبري يشتم الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على علي بن أبي سفيان. فقال له جعفر: ما أدري على أي حسدك: على علمك بالمقالات أم على معرفتك بالأنساب. قال: أصلح الله الأمير، ما خرجت من الكتاب حتى حذقت هذا كله.
نوادر السفلة وأصحاب المهن والسوقة.
سرق رجل نافجة مسك فقيل له: إن كل من غل يأتي بما غل يوم القيامة يحمله على عنقه. قال: إذن والله أحملها طيبة الريح خفيفة المحمل.
اشترى مديني رطباً، فأخرج صاحبه كيلجةً صغيرةً ليكيل بها فقال المديني: لو كلت بها حسنات ما قبلتها.
جاء رجل به وجع الضرس ليقلعه. فقال القلاع: أريد درهماً فقال له: أحسن قال: أقلع ضرساً آخر إن أردت ولا أنقص من الدرهم شيئاً.
واستدعى آخر قلاعاً ليقلع له ضرساً، وكان الرجل أبخر، فلما فتح فاه قام القلاع وقال: ليس هذا من عملي، إنه من عمل الكناسين.
وقال آخر: سمعت واحداً يقول لآخر: إن كنت كناس ابن كناس فقل لي: كم رجل لبنت وردان؟ قيل لقراد: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح من يرجو خير هذا؟ وأشار إلى قرده.
قال الواقدي رحمه الله: رأيت بقالاً بالمدينة وقد أشعل بين يديه سراجاً بالنهار، فقلت له: ما هذا؟ قال: أرى الناس يبيعون ويشترون ولا يدنو مني أحد، فقلت: عسى لا يروني فأسرجت لهم حتى يروني.
وتخاصم رجلان وكان أحدهما ندافاً، فقال له الآخر: والله لو وضعت إحدى رجليك على حراء والأخرى على ثبير ثم أخذت قوس قزح وندفت الغيم على جناب الملائكة ما كنت إلا ندافاً.
حج رجل من أهل العراق، فتقدم إلى مزين وقال: احلق رأسي حلقاً جيداً، واستقبل الشعر بالموسى؛ وأقبل يصف له كيف يعمل، فقال له المزين: حسبك! هو ذا أحلق رأسك حلقاً لا يراه أحد إلا اشتهى أن يصفعك.
سرق لرجل دراهم فقيل له: هي في ميزانك، قال: من الميزان سرقت.
وسرق خرج آخر وفيه ثيابه وأسبابه، فقيل له: وجب أن تقرأ سورة يس وتتعوذ بها، فقال: كان جامع القرآن كله في الخرج.
وكان بعض اللصوص لا يسرق إلا الحمير، فقيل له في ذلك فقال: قد روي أنه إذا كان يوم القيامة أحيا الله الناس والبهائم كلها، فأنا أسرق الحمير حتى إذا جاءني أربابها يوم القيامة وطالبوني بها قلت: هو ذا حمارك خذه وانصرف.
سرق لبعضهم بغل، فقال بعض إخوانه: الذنب لك لإهمالك أمرك. وقال آخر: الذنب لغلامك لقلة تفقده لمنزلك. وقال الآخر: الذنب لسائسك حين غاب عن اسطبلك. فقال صاحب البغل: إذن فاللص أبرؤنا من الذنب.
سرق رجل حماراً ودفعه إلى آخر ليبيعه فسرق منه، فعاد إلى الأول فقال له: بعت الحمار؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: برأس المال.
مر عبادي بين يديه حمار عليه قفص فيه زجاج، فقيل له: أي شيء معك؟ قال: إن عثر الحمار فلا شيء.
مر سكران بمؤذن رديء الحنجرة، فجلد به الأرض، وجعل يدوس بطنه. فاجتمع عليه الناس فقال: ما بي رداءة صوته ولكن شماتة اليهود والنصارى.
جاء رجل إلى فقيه فقال: إن امرأتي قالت لي: يا سفلة، فقلت لها: إن كنت سفلة فأنت طالق. فقال له: ما صناعتك؟ قال: سماك قال: سفلة والله، سفلة.
شم أعرابي إبطيه فقطب وجهه وقال: أخرجني الله من بينكما.
ساوم مدني بدجاجة بعشرة دراهم، فقال: والله لو كانت في الحسن كيوسف، وفي العظم ككبش إسماعيل، وكانت كل يوم تبيض ولي عهد للمسلمين ما ساوت أكثر من درهمين.