كتاب : البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف : بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي

ومن يتتبع كلامه في الموطإ يجد من استدلاله بالعموم كثيرا قال وهو قول الفقهاء بأسرهم وقال ابن حزم وهو قول جميع أهل الظاهر وبه نأخذ

تحقيق مذهب الشافعي
وقال الصيرفي في كتاب الدلائل والأعلام زعمت طائفة من أصحابنا أن مذهب الشافعي أن الآية إذا وردت ظاهرة في العموم لا يقضى عليها بعموم ولا خصوص إلا بدليل من خارج قال وهذا الذي قال ضده وقول الشافعي سواء لأنه الذي قد اشتهر به في كتبه وعند خصومه أن الكلام على عمومه وظاهره حتى تأتي دلالة تقوم على أنه خاص دون عام وعلى أنه باطن دون ظاهر وقد قال رضي الله عنه في الرسالة الكلام على عمومه وظاهره حتى تأتي دلالة تدل على خصوصه وقال أيضا ما نصه فكل خطاب في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في كلام الناس فهو على عمومه وظهوره إلا أن يأتي دلالة تدل على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر ثم قال وإذا وجدت خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجملا فهو على عمومه وظاهره إلا أن يأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يدل على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر فيستدل بذلك ثم قسم القرآن والأخبار على ذلك قال فثبت من هذا أن مذهب الشافعي أن الكلام من كل مخاطب على ما اشتمل عليه الاسم ما لم يمنع من إجراء الاسم عليه دليل ومعنى قوله إلا أن يأتي دلالة يجوز على نفسه استتار الدليل من خبر أو غيره فإذا علم صار إليه وعلم أن الكلام كان عاما ثم ذكر الصيرفي نصوصا للشافعي كثيرة صريحة في ذلك بل قطعية فيه قال والدليل القطعي قائم عليه وإنما يثبت هنا أن ذلك مذهب الشافعي وأني لم أقلده فيه لقيام البرهان عليه ثم بين وجه شبهة الناقلين عن الشافعي الوقف ثم ردها ثم قال ولا يقال إن له في المسألة قولين لأن هذا غير معروف بل المعروف بينه وبين أصحابه ما وصفت لك منهم المزني وأبو ثور والبويطي والحسين الكرابيسي والأشعري وداود وسائر الشافعيين هذا كلام الصيرفي وعجيب نقله القول بالصيغة عن الأشعري

وقال الشيخ أبو حامد الإسفراييني قال الشافعي في الرسالة كل كلام كان عاما ظاهرا فهو على عمومه وظهوره حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنه إنما أراد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض وقال في كتاب أحكام القرآن قال لي قائل تقول الحديث على عمومه وظهوره وإن احتمل معنى غير العام والظاهر حتى يأتي دلالة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر قلت فكذلك أقول وقال في كتاب اختلاف الحديث القرآن عربي كما وصفت والأحكام فيه على ظاهرها وعمومها وليس لأحد أن يحيل منها ظاهرا إلى باطن ولا عاما إلى خاص إلا بدلالة وقال الشيخ أبو حامد وهذا صحيح العموم عندنا له صيغة إذا أوردت مجردة عن القرائن دلت على استغراق الجنس هذا مذهبنا وبه قال مالك وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وداود وأهل الظاهر وبه قال من المتكلمين الجبائي وطائفة وذهبت طائفة إلى أن هذه الألفاظ إذا وردت فإنها تحمل على أقل الخصوص حتى يدل دليل على أن المراد بها زيادة على ذلك ثم اختلفوا في قدر ما يحمل عليه فمنهم من قال يحمل على اثنين ومنهم من قال على ثلاثة ذهب إلى هذا جماعة من المعتزلة منهم أبو هاشم وغيره وذهبت الأشعرية إلى الوقف

الذين لا يثبتون للعموم صيغة لفظية
والثالث أن شيئا من الصيغ لا يقتضي العموم ولا مع القرائن بل إنما يكون العموم عند إرادة المتكلم وهو قول جمهور المرجئة ونسب إلى الأشعري قال في البرهان نقل مصنفون المقالات عن أبي الحسن الأشعري والواقفية أنهم لا يثبتون لمعنى العموم صيغة لفظية وهذا النقل على الإطلاق زلل فإن أحدا لا ينكر إمكان التعبير عن معنى الجمع بترديد ألفاظ مشعرة به كقول القائل رأيت القوم واحدا واحدا لم يفتني منهم أحد وإنما كرر هذه الألفاظ قطعا لتوهم يحسبه خصوصا إلى غير ذلك وإنما أنكر الواقفية لفظة واحدة مشعرة بمعنى الجمع انتهى وما ادعى فيه الوفاق فهو محل الخلاف صرح به في كتاب التلخيص من التقريب للقاضي وسيأتي وليس مراده بالجمع القدر المخصوص من ثلاثة أو اثنين إنما مراده الشمول بدليل المثال المذكور

القائلون بالوقف
والرابع الوقف ونقله القاضي في مختصر التقريب عن الشيخ أبي الحسن ومعظم المحققين وذهب إليه وحقيقة ذلك أنا سبرنا اللغة ووضعها فلم نجد في وضع اللغة صيغة دالة على العموم وسواء وردت مطلقة أو مقيدة بضروب من التأكيد وقال الإمام في البرهان ومما زل فيه الناقلون عن أبي الحسن ومتابعيه أن الصيغة وإن تقيدت بالقرائن فإنها لا تشعر بالجمع بل تبقى على التردد وهذا إن صح النقل فيه مخصوص عندي بالتوابع المؤكدة لمعنى الجمع كقول القائلين رأيت القوم أجمعين أكتعين أبصعين فأما ألفاظ صحيحة صريحة تفرض مقيدة فلا يظن بذي عقل أن يتوقف فيها انتهى وقد أنكر عليه المازري في إمكان النقل عن الواقفية وإن تقيدت بالقرائن قال وهذا منصوص عليه في كتب أئمتهم ولو سلم له ذلك فإنما يقتضي إنكار وجود لفظة تقتضي الاستيعاب على حسب ما ذكروه وأشار إلى أن تلك الصور إنما استفيد العموم منها بإضافة قرائن استشعرت من المتكلم بهذه الألفاظ التابعة للصيغة وقال أبو الحسين بن القطان شذت طائفة من أصحابنا فنسبت هذا القول للشافعي لأشياء يتعلق به كلامه لأنه قال في مواضع من الآي يحتمل الخصوص ويحتمل العموم ولم يرد الشافعي ما ذهبوا إليه وإنما احتمل عنده أن ترد دلالة تنقله عن ظاهره من العموم إلى الخصوص لا أن حقه الاحتمال وكذلك أبو بكر الصيرفي حكى قول الوقف عن الشافعي قال ولا يقال له في المسألة قولان واختاره أبو الحسين البصري في بعض كتبه ونقل الماوردي والروياني في كتاب الأقضية عن الظاهرية الذي نقله الصيرفي عن داود القول بالصيغة

مذاهب الواقفية في محل الوقف
واختلفت الواقفية في محل الوقف على ستة أقوال وفي صفته على قولين فأما محله فالمشهور من مذهب أئمتهم القول به على الإطلاق من غير تفصيل والثاني أن التوقف في أخبار الوعد والوعيد دون الأمر والنهي وحكاه أبو بكر الرازي عن الكرخي قال وربما ظن أن ذلك مذهب أبي حنيفة لأنه كان لا يقطع بوعيد أهل الكبائر من المسلمين ويجوز أن يغفر الله لهم في الآخرة وليس ذلك مدركه بل لأن الأدلة الموجبة للوعيد بالتخليد في النار إنما انتهضت في حق الكفار بدلائل من خارج والثالث عكسه وهم جمهور المرجئة فقالوا بصيغ العموم في الوعد والوعيد وتوقفوا فيما عدا ذلك والرابع الوقف في الوعيد بالنسبة إلى عصاة هذه الأمة دون غيرها والخامس الوقف في الوعيد دون الوعد قال القاضي وفرقوا بينهما بما يليق بالشطح والترهات دون الحقائق والسادس التفصيل بين أن لا يسمع قبل اتصالها به شيء من أدلة السمع وكانت وعدا أو وعيدا فيعلم أن المراد بها العموم وإن كان قد سمع قبل اتصالها به أدلة الشرع وعلم انقسامها إلى العموم والخصوص فلا يعلم حينئذ العموم في الأخبار التي اتصلت به حكاه القاضي في مختصر التقريب السابع الوقف في حق من لم يسمع خطاب الشارع منه صلى الله عليه وسلم فأما من سمع منه وعرف تصرفاته فيه ما بين عموم وخصوص فإنه لا يقف كذا حكاه المازري وهو عكس ما قبله الثامن التفصيل بين أن يتقيد بضرب من التأكيد فيكون للعموم دون ما إذا لم يتقيد فلفظ الناس مثلا إذا قلنا إنه لا يعم حالة الإطلاق سلم أنه عام في مثل قولك الناس أجمعون عن آخرهم صغيرهم وكبيرهم لا يشذ منهم أحد إلى غير ذلك حكاه القاضي قال والمحققون من الواقفية يقولون وإن قيدت بهذه القيود فليس موضوعة للاستغراق في اللغة ولكن قد يعرف عمومها بقرائن الأحوال المتقربة بالمقام

وهي مما ينحصر بالعبارة كما يعرف بالقرائن وجل الوجل وإن كانت القرائن لا توجب معرفتها ولكن أجرى الله العادة بخلق العلم الضروري عندنا والتاسع أن لفظة المؤمن والكافر حيثما وقعت في الشرع أفادت العموم دون غيرهما حكاه المازري عن بعض المتأخرين قال ويمكن أن يكون هذا من أحكام الشرع في الأحكام اللغوية كأحكامه في الصلاة والحج والصوم

مذهب الواقفية في صفة الوقف
وأما صفة الوقف فقد اختلف النقل فيه عن الشيخ وأصحابه فنقل عنهم مذهبان أحدهما أن اللفظ مشترك بين الواحد اقتصارا عليه وبين أقل الجمع فما فوقه اشتراكا لفظيا كالقرء والعين ونحوهما أي أنه موضوع لهما وضعا متساويا حكاه المازري والأصفهاني وهذا فيما يحمل من الصيغ على الواحد كمن وما وأي ونحوها وأما ألفاظ الجموع فهي مشتركة بين أقل الجمع وبين ما فوقه اشتراكا لفظيا والثاني نفي العلم بكيفية الوضع من أصله ويقولون هي مستعملة للعموم والخصوص ولكن لا ندري هل ذلك على وجه الحقيقة أو المجاز وحكى ابن الحاجب هذين القولين على وجه آخر أحدهما أنا لا ندري هل وضعت هذه الصيغة للعموم أم لا والثاني أنا ندري أنها استعملت للعموم ولكن لا ندري أذلك على وجه الحقيقة أم لا ونقل قول الاشتراك في أصل المسألة مباينا لقول الوقف واعلم أن الواقفية وإن قالوا بأن اللفظ لم يوضع لخصوص ولا عموم فقالوا إنا نعلم أن أقل الجمع لا بد منه ليجوز إطلاقه وجعل إمام الحرمين الخلاف في غير الصيغ المؤكدة وأما هي فلا خلاف في اقتضائها العموم وحكى القاضي في التقريب وتبعه هو في التلخيص الخلاف مع التأكيد أيضا نعم قال بعضهم ما يدل على العموم من الصيغ بحكم القرائن المنفصلة إما عرفا أو عقلا أو غير ذلك لا خلاف فيه فإن المخالف في العموم لم ينكر أن في الكلام ما يدل على العموم فإن العموم وقصد إفادته ضروري وأما المنكرون فأنكروا أن يكون للعموم صيغة خاصة موضوعة للدلالة عليه

وجعل غيره منشأ الخلاف أمرين أحدهما أن التأكيد بالجمع في لفظ الجمع هل إنما حسن لمكان احتمال إرادة الخصوص أو لكون اللفظ صالحا للاستيعاب والثاني هو أن الاستثناء هل هو استخراج ما تتناوله الصيغة أو ما يجب دخوله تحت الصيغة أم هو استخراج ما اللفظ صالح لتناوله ومأخذ قول الوقف من أصله أن الأشعري لما تكلم مع المعتزلة في عمومات الوعيد الواردة في الكتاب والسنة كقوله وإن الفجار لفي جحيم وقوله ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها ونحوه ومع المرجئة في عموم الوعد نفى أن يكون هذه الصيغ موضوعة للعموم وتوقف فيها وتبعه جمهور أصحابه وقال أبو نصر بن القشيري في كتابه في باب المفهوم لم يصح عندنا عن الشيخ إنكار الصيغ بل الذي صح عنه أنه لا ينكرها ولكن قال في معارضاته في أصحاب الوعيد بإنكار الصيغ قال سر مذهبه إلى إنكار التعلق بالظواهر فيما يطلب فيه القطع وهذا هو الحق المبين ولم يمنع من العمل بالظواهر في مظان الظنون وقد سبق أن الصيرفي حكى عن الشيخ القول بالصيغ كالشافعي تنبيه زعم الشريف المرتضى في الذريعة أن الخلاف في هذه المسألة بالنسبة إلى وضع اللغة أنه هل يقتضي الاستغراق ولا خلاف في أن الشرع يقتضيه مَسْأَلَةٌ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ ليس أَمْرًا كُلِّيًّا وَإِلَّا لَمَا دَلَّ على جُزْئِيَّاتِهِ لِأَنَّ الدَّالَّ على الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَدُلُّ على شَيْءٍ من جُزْئِيَّاتِهِ أَلْبَتَّةَ وَلَيْسَ كُلًّا مَجْمُوعًا وَإِلَّا لَحَصَلَ الِامْتِثَالُ بِتَرْكِ قَتْلِ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ إذَا قِيلَ لَا تَقْتُلُوا الْمُسْلِمِينَ بَلْ مَدْلُولُهَا كُلِّيَّةً أَيْ مَحْكُومٌ فيه على كل فَرْدٍ فَرْدٌ مُطَابَقَةً سَلْبًا أو إيجَابًا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ منهم الشَّيْخُ الْأَصْفَهَانِيُّ خِلَافًا لِلسُّهْرَوَرْدِيِ وَالْقَرَافِيِّ حَيْثُ أَخْرَجَاهُ من أَقْسَامِ الدَّلَالَةِ وَمِنْهُمْ من قال إنَّمَا هِيَ كُلِّيَّةٌ في غَيْرِ جَانِبِ النَّهْيِ وَالنَّفْيِ عِنْدَ تَأَخُّرِ كُلٍّ وَنَحْوِهَا عن أَدَوَاتِ النَّهْيِ أو النَّفْيِ نَحْوُ ما جاء كُلُّ الرِّجَالِ وَلَا يُعْرَفُ كُلُّ الرِّجَالِ

فَإِنَّهَا لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ لَا الْأَفْرَادِ قال الْقَرَافِيُّ دَلَالَةُ الْعُمُومِ على الْفَرْدِ الْوَاحِدِ كَالْمُشْرِكِينَ على زَيْدٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُ ليس تَمَامُ مُسَمَّى الْمُشْرِكِينَ وَلَا بِالِالْتِزَامِ لِأَنَّهُ ليس خَارِجًا وَلَا بِالتَّضْمِينِ لِأَنَّهُ ليس جُزْءَ الْمُسَمَّى إذْ الْجُزْءُ مُقَابِلُ الْكُلِّ وَالْعُمُومُ كُلِّيٌّ لَا كُلٌّ كما عَرَفْت فَإِذَنْ لَا يَدُلُّ لَفْظُ الْمُشْرِكِينَ على زَيْدٍ لِانْتِفَاءِ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ وإذا لم يَدُلَّ بِذَلِكَ بَطَلَ أَنْ يَدُلَّ لَفْظُ الْعُمُومِ مُطْلَقًا لِانْحِصَارِ الدَّلَالَةِ في الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَأَجَابَ عنه الْأَصْفَهَانِيُّ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمُطَابَقَةِ وقال نَحْنُ حَيْثُ قُلْنَا اللَّفْظُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ مُطَابَقَةً أو تَضَمُّنًا أو الْتِزَامًا فَذَلِكَ في لَفْظٍ مُتَرَدِّدٍ دَالٍّ على مَعْنًى ليس ذلك الْمَعْنَى نِسْبَةً بين مُفْرَدَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى هُنَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَبَ وإذا عُرِفَ هذا فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ في قُوَّةِ جُمَلٍ من الْقَضَايَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ اُقْتُلْ هذا الْمُشْرِكَ وَهَذَا وَهَذَا إلَى آخِرِ الْأَفْرَادِ وَهَذِهِ الصِّيَغُ إذَا اُعْتُبِرَتْ بِجُمْلَتِهَا فَهِيَ لَا تَدُلُّ على زَيْدٍ الْمُشْرِكِ وَلَكِنَّهَا تَتَضَمَّنُ ما يَدُلُّ على مِثْلِهِ لَا بِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَيْدًا بَلْ بِعُمُومِ كَوْنِهِ فَرْدًا ضَرُورَةُ تَضَمُّنِهِ اُقْتُلْ زَيْدًا الْمُشْرِكَ فإنه من جُمْلَةِ هذه الْقَضَايَا وَهِيَ جُزْءٌ من مَجْمُوعِ تِلْكَ الْقَضَايَا فَتَكُونُ دَلَالَةُ هذه الصِّيغَةِ على وَجْهَيْنِ قَتْلِ زَيْدٍ الْمُشْرِكِ لِتَضَمُّنِهَا ما يَدُلُّ على ذلك الْوُجُوبِ وَاَلَّذِي هو في ضِمْنِ ذلك الْمَجْمُوعِ هو دَالٌّ على ذلك مُطَابَقَةً قال فَافْهَمْ ذلك فإنه دَقِيقُ الْكَلَامِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَ نَحْوُ قَوْلِهِ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فإن فيه عُمُومَاتٍ أَحَدُهَا في الْمُشْرِكِينَ وَالثَّانِي في الْمَأْمُورِ بِقَتْلِهِمْ وَدَلَالَةُ الْعُمُومِ كُلِّيَّةٌ فَيَكُونُ أَمْرُ كل فَرْدٍ بِقَتْلِ كل فَرْدٍ فَرْدٌ من الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ تَكْلِيفًا بِالْمُسْتَحِيلِ وهو غَيْرُ وَاقِعٍ وَأَجَابَ عنه بِأَنَّهُ وَإِنْ كان ظَاهِرُ اللَّفْظِ إلَّا أَنَّ الْعَقْلَ دَلَّ على خِلَافِهِ فَيُحْمَلُ على الْمُمْكِنِ دُونَ الْمُسْتَحِيلِ قال بَعْضُهُمْ هذا السُّؤَالُ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّ الْفَرْدَ الْوَاحِدَ من الْمُسْلِمِينَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقْتُلَ جَمِيعَ الْمُشْرِكِينَ

مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْعُمُومِ على الْأَفْرَادِ هل هِيَ قَطْعِيَّةٌ إذَا ثَبَتَ دَلَالَةُ الْعُمُومِ على الْأَفْرَادِ فَاخْتَلَفُوا هل هِيَ قَطْعِيَّةٌ أو ظَنِّيَّةٌ وَالثَّانِي هو الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ قال صَاحِبُ اللُّبَابِ منهم وأبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ في التَّقْوِيمِ دَلَالَةُ الْعَامِّ على أَفْرَادِهِ قَطْعِيَّةٌ تُوجِبُ الْحُكْمَ بِعُمُومِهِ قَطْعًا وَإِحَاطَتَهُ كَالْخَاصِّ إنْ كان النَّصُّ مَقْطُوعًا بِهِ وقال الشَّافِعِيُّ لَا تُوجِبُ الْعِلْمَ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْخَاصَّ يَنْسَخُ الْعَامَّ وَالْعَامَّ الْخَاصَّ لِاسْتِوَائِهِمَا رُتْبَةً وَعِنْدَهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ وَيَمْتَنِعُ نَسْخُ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ وَلِهَذَا قال أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِخَاتَمٍ ثُمَّ لِعَمْرٍو بِفَصِّهِ في كَلَامٍ مَفْصُولٍ بِالْحَلَقَةِ لِلْأَوَّلِ على الْخُصُوصِ وَالْفَصُّ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ الْفَصَّ بِوَصِيَّةٍ عَامَّةٍ لِلْفَصِّ وَالْخَاتَمِ وَالثَّانِي اسْتَحَقَّ الْفَصَّ بِوَصِيَّةٍ خَاصَّةٍ فَزَاحَمَهُ بِالْمُشَارَكَةِ معه انْتَهَى وَأَطْلَقَ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ النَّقْلَ عن الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ دَلَالَتَهُ على أَفْرَادِهِ قَطْعِيَّةٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ في الْمَنْحُولِ عن الشَّافِعِيِّ أَيْضًا قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ الذي صَحَّ عِنْدَنَا من مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصِّيغَةَ إنْ تَجَرَّدَتْ عن الْقَرَائِنِ فَهِيَ نَصٌّ في الِاسْتِغْرَاقِ وَإِنْ لم يَقْطَعْ بِانْتِفَاءِ الْقَرَائِنِ فَالتَّرَدُّدُ بَاقٍ وَجَرَى عليه الْإِبْيَارِيُّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ وزاد حِكَايَتَهُ عن الْمُعْتَزِلَةِ قال وَالْمَأْخَذُ مُخْتَلِفٌ فَالْمُعْتَزِلَةُ تَلَقَّوْهُ من اسْتِحَالَةِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عن الْخِطَابِ فَلَوْ كان الْمُرَادُ بِهِ غير ما هو ظَاهِرٌ لَكَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ وهو مُحَالٌ وَالشَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَكُونُ وَارِدًا على كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ لِاقْتِرَانِ اللَّفْظَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ قال وَهَذَا بَحْثٌ لُغَوِيٌّ يَفْتَقِرُ إلَى النَّقْلِ وقد رَأَيْت من يُنْكِرُ على الْإِبْيَارِيِّ هذا النَّقْلَ عن الشَّافِعِيِّ ظَنًّا منه تَفَرُّدَهُ بهذا نعم قد أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أبو الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِإِلْكِيَا فقال في كِتَابِهِ التَّلْوِيحِ نُقِلَ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَلْفَاظَ إذَا تَعَرَّتْ عن الْقَرَائِنِ الْمُخَصِّصَةِ كانت نَصًّا في الِاسْتِغْرَاقِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا احْتِمَالٌ وَهَذَا لم يَصِحَّ عنه وَإِنْ صَحَّ عنه فَالْحَقُّ غَيْرُهُ فإن الْمُسَمَّيَاتِ النَّادِرَةَ يَجُوزُ أَنْ لَا تُرَادَ بِلَفْظِ الْعَامِّ

وَيَجِبُ منه أَنَّ التَّخْصِيصَ إذَا وَرَدَ في مَوْضِعٍ آخَرَ كان نَسْخًا وَذَلِكَ خِلَافُ رَأْيِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى وَلَعَلَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ في نَقْلِهِ عن الشَّافِعِيِّ كَوْنَهَا قَطْعِيَّةً أَخَذَهُ من قَوْلِهِ إنَّهَا نَصٌّ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن الشَّافِعِيَّ يُسَمِّي الظَّوَاهِرَ نُصُوصًا كما نَقَلَهُ الْإِمَامُ في الْبُرْهَانِ عنه في مَوْضِعٍ آخَرَ وَهَذَا هو الْحَقُّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ فإنه قال وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعُمُومَ نَصٌّ فِيمَا تَنَاوَلَهُ من الْمُسَمَّيَاتِ وقد سَمَّى الشَّافِعِيُّ الظَّوَاهِرَ نُصُوصًا في مَجَارِي كَلَامِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُسَمِّيَ الْعُمُومَ نَصًّا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ وَلِأَنَّ الْعُمُومَ فِيمَا يَدْخُلُ فيه من الْمُسَمَّيَاتِ ليس بِأَرْفَعِ وُجُوهِ الْبَيَانِ وَلَكِنَّ الْعُمُومَ ظَاهِرٌ في الِاسْتِيعَابِ لِأَنَّهُ يَبْتَدِرُ إلَى الْفَهْمِ ذلك مع أَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وهو الْخُصُوصُ انْتَهَى وقال ابن بَرْهَانٍ في الْكَلَامِ على أَنَّ السَّبَبَ لَا يُخَصَّصُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ نَصًّا في بَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قال أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ نَصًّا في بَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ وَهِيَ الظَّاهِرَةُ التي يَقْطَعُ بِكَوْنِهَا مَقْصُودَةَ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا وَاسْتَخْرَجَهَا عن مُقْتَضَى الْعَامِّ وَيَكُونُ ظَاهِرًا في الْبَعْضِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودَ الشَّرْعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقْصِدَهُ فَحِينَئِذٍ تَقُولُ شَمِلَهُ الْعَامُّ وَيَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ وَفَرَّقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بين أَدَوَاتِ الشَّرْطِ وَغَيْرِهَا فَرَأَى أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ تَدُلُّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً وَإِنَّمَا نَقَلَ التَّخْصِيصَ بِنَاءً على الْقَرَائِنِ وَرَأَى أَنَّ جَمْعَ الْكَثْرَةِ يَدُلُّ ظَاهِرًا لَا قَطْعِيًّا وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ أَنَّهُ نَصٌّ في أَقَلِّ الْجَمْعِ ظَاهِرٌ فِيمَا وَرَاءَهُ وَخَصَّ الْمَازِرِيُّ الْخِلَافَ بِمَا زَادَ على أَقَلِّ الْجَمْعِ أَمَّا ما دُونَهُ فَدَلَالَتُهُ عليه قَطْعِيَّةٌ وَالْمُخْتَارُ الذي عليه أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ دَلَالَتَهُ عليه بِطَرِيقِ الظُّهُورِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ تَأْكِيدُ الصِّيَغِ الْعَامَّةِ إذْ لَا فَائِدَةَ فيه وقد قال تَعَالَى فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كلهم أَجْمَعُونَ وَيُبْنَى على هذا الْأَصْلِ مَسَائِلُ منها وُجُوبُ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ قبل الْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصِ وَمِنْهَا تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنِّيَّيْنِ ابْتِدَاءً وَالْعَامِّ بِالْخَاصِّ وَأَنَّ الْخَاصَّ لَا يَصِيرُ مَنْسُوخًا

بِالْعَامِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ الْعَرَايَا على خَبَرِ التَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ تَنْبِيهٌ قَوْلُهُمْ الْعَامُّ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ وَالْخَاصُّ مَقْطُوعُ الدَّلَالَةِ لَا يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ فيه قَطْعِيَّةٌ بَلْ إنَّ الْعَامَّ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالْخَاصَّ لَا يَحْتَمِلُهُ فَرْعٌ لو قال في الْإِقْرَارِ له عِنْدِي خَاتَمٌ ثُمَّ قال ما أَرَدْت الْفَصَّ فَفِي قَوْلِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا لِأَنَّ الْفَصَّ مُتَنَاوَلٌ لِاسْمِ الْخَاتَمِ فَهُوَ رُجُوعٌ عن بَعْضِ ما أَقَرَّ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ على أَفْرَادِهِ قَطْعِيَّةٌ عِنْدَنَا وقد قال اللُّغَوِيُّونَ الْخَاتَمُ في اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْحَلَقَةِ مع الْفَصِّ وَإِلَّا فَهُوَ حَلَقَةٌ وَقِيلَ فَتْخٌ مَسْأَلَةٌ في أَنَّ الْعَامَّ في الْأَشْخَاصِ هل هو عَامٌّ في الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَيَظُنُّ كَثِيرٌ من الناس أَنَّ الْبَحْثَ في هذه الْمَسْأَلَةِ مِمَّا أَثَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ وَقَعَ في كَلَامِ من قَبْلَهُمْ وَالْمَشْهُورُ نعم وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ أبو الْمُظَفَّرِ في الْقَوَاطِعِ في الْكَلَامِ على اسْتِصْحَابِ الْحَالِ فقال لِأَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ دَالٌّ على اسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ ما يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ في أَصْلِ الْوَضْعِ في الْأَعْيَانِ وفي الْأَزْمَانِ وفي أَيِّ عَيْنٍ وُجِدَ ثَبَتَ الْحُكْمُ فيها بِعُمُومِ اللَّفْظِ هذا كَلَامُهُ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ في الْمَحْصُولِ في كِتَابِ الْقِيَاسِ حَيْثُ قال جَوَابًا عن سُؤَالٍ قُلْنَا لَمَّا كان أَمْرًا بِجَمِيعِ الْأَقْيِسَةِ كان مُتَنَاوِلًا لَا مَحَالَةَ لِجَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَإِلَّا قَدَحَ ذلك في كَوْنِهِ مُتَنَاوِلًا لِكُلِّ الْأَقْيِسَةِ انْتَهَى وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ في فَتَاوِيهِ فإنه قال فِيمَا إذَا قال لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّهُ كما يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى يَشْمَلُ اخْتِلَافَ الْوَقْتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ وَيَتَكَرَّرَ هذا لَفْظُهُ وقد نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا قال أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قال أَرَدْت إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنَّهُ لَا يَدِينُ وإذا نَوَى إلَى شَهْرَيْنِ يَدِينُ فَفَرَّقَ بين الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ مُجَلِّي في الذَّخَائِرِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَإِنَّهُمَا حَكَيَا وَجْهَيْنِ في التَّدْيِينِ في إنْ دَخَلْت الدَّارَ وقال الْإِمَامُ وَلِلْفَقِيهِ نَظَرٌ في هذا فإن قَوْلَ الْقَائِلِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا يَتَعَلَّقُ بِالْأَزْمَانِ ظَاهِرًا على الْعُمُومِ بِخِلَافِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ

فإن اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ على التَّقْيِيدِ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ حَيْثُ قال اللَّفْظُ عَامٌّ في الْأَزْمَانِ فإذا قال أَرَدْت شَهْرًا فَكَأَنَّهُ خَصَّصَ الْعَامَّ قال الرَّافِعِيُّ وقد تُقَابَلُ هذه الْمَسْأَلَةُ فَيُقَالُ اللَّفْظُ عَامٌّ في الْأَحْوَالِ إلَّا أَنَّهُ خَصَّصَهُ بِحَالِ دُخُولِ الدَّارِ انْتَهَى لَكِنَّ الْإِمَامَ قَائِلٌ بِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عن الْأَحْوَالِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ على الْأَزْمَانِ على أَنَّ هذا اللَّفْظَ لَا عُمُومَ له أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هو مُطْلَقٌ وَزَعَمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْعَامَّ في الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ في الْأَزْمَانِ وَالْبِقَاعِ وَالْأَحْوَالِ وَالتَّعَلُّقَاتِ فَلَا تَعُمُّ الصِّيغَةُ في شَيْءٍ من هذه الْأَرْبَعِ من جِهَةِ ثُبُوتِ الْعُمُومِ في غَيْرِهَا حتى يُوجَدَ لَفْظٌ يَقْتَضِي فيها الْعُمُومَ لِأَنَّ الْعَامَّ في الْأَشْخَاصِ لَا دَلَالَةَ له على خُصُوصِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَلَا مَكَان مُعَيَّنٍ وَلَا حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ فإذا قال اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ عَمَّ كُلَّ مُشْرِكٍ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فَرْدٌ وَلَا يَعُمُّ الْأَحْوَالَ حتى لَا يُقْتَلَ في حَالِ الْهُدْنَةِ وَالذِّمَّةِ وَلَا خُصُوصِ الْمَكَانِ حتى يَدُلَّ على الْمُشْرِكِينَ في أَرْضِ الْهِنْدِ مَثَلًا وَلَا الْأَزْمَانِ حتى يَدُلَّ على يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا وَيُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ في دَفْعِ كَثِيرٍ من الِاسْتِدْلَالَاتِ بِأَلْفَاظٍ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَيُؤَدِّي إلَى بَعْضِ الْأَحْوَالِ التي اتَّفَقَ عليها الْخَصْمَانِ فَيُقَالُ إنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ في الْأَحْوَالِ وقد عَمِلْت بِهِ في الصُّورَةِ الْفُلَانِيَّةِ وَالْمُطْلَقُ يَكْفِي في الْعَمَلِ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا يَلْزَمُ الْعَمَلَ بِهِ في صُورَةِ النِّزَاعِ وقد ارْتَضَاهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ وفي كَلَامِ الْآمِدِيَّ في مَسْأَلَةِ الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ ما يُشِيرُ إلَى الْقَوْلِ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وقد رَدَّهَا جَمَاعَةٌ منهم الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ فقال وَهَذَا عِنْدِي بَاطِلٌ بَلْ الْوَاجِبُ أَنَّ ما دَلَّ عليه الْعُمُومُ في الذَّوَاتِ مَثَلًا يَكُونُ دَالًّا على ثُبُوتِ الْحُكْمِ في كل ذَاتٍ تَنَاوَلَهَا اللَّفْظُ وَلَا يَخْرُجُ عنها ذَاتٌ إلَّا بِدَلِيلٍ يَخُصُّهُ فَمَنْ أَخْرَجَ شيئا من ذلك فَقَدْ خَالَفَ مُقْتَضَى الْعُمُومِ نعم يَكْفِي في الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ مَرَّةً كما قالوا وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِالْعُمُومِ في هذه الْمَوَاضِعِ من حَيْثُ الْإِطْلَاقُ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِهِ من حَيْثُ الْمُحَافَظَةُ على ما تَقْتَضِيهِ صِيغَةُ الْعُمُومِ في كل ذَاتٍ فَإِنْ كان الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِهِ مَرَّةً مُخَالَفَةً لِمُقْتَضَى صِيغَةِ الْعُمُومِ قُلْنَا بِالْعُمُومِ مُحَافَظَةً على مُقْتَضَى صِيغَتِهِ لَا من حَيْثُ إنَّ الْمُطْلَقَ يَعُمُّ مِثَالُ ذلك إذَا قال من دخل دَارِي فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا فَمُقْتَضَى الصِّيغَةِ الْعُمُومُ في كل ذَاتٍ صَدَقَ عليها أنها دَاخِلَةٌ فإذا قال قَائِلٌ هو مُطْلَقٌ في الْأَزْمَانِ وقد عَمِلْت بِهِ مَرَّةً فَلَا يَلْزَمُ أَنْ أَعْمَلَ بِهِ أُخْرَى لِعَدَمِ عُمُومِ الْمُطْلَقِ قُلْنَا له لَمَّا دَلَّتْ الصِّيغَةُ على الْعُمُومِ في كل ذَاتٍ دَخَلَتْ الدَّارَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الذَّوَاتُ الدَّاخِلَةُ في آخِرِ

النَّهَارِ فإذا أَخْرَجْت تِلْكَ الذَّوَاتِ فَقَدْ أَخْرَجْت ما دَلَّتْ الصِّيغَةُ على دُخُولِهِ وَهِيَ كُلُّ ذَاتٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ على ذلك بِحَدِيثِ أبي أَيُّوبَ فإنه لَمَّا رَوَى قَوْلَهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ الحديث أَتْبَعهُ بِأَنْ قال فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قد بُنِيَتْ نحو الْكَعْبَةِ فَنُحَرِّفُ عنها وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عز وجل قال فإن أَبَا أَيُّوبَ من أَهْلِ اللِّسَانِ وَالشَّرْعِ وقد اسْتَعْمَلَ قَوْلَهُ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا عَامًّا في الْأَمَاكِنِ وهو مُطْلَقٌ فيها وَعَلَى ما قَالَهُ هَؤُلَاءِ لَا يَلْزَمُ منه الْعُمُومُ وَعَلَى ما قُلْنَاهُ يَعُمُّ بِمَعْنَى فَيَكُونُ الْعَامُّ في الْأَشْخَاصِ عَامًّا في الْأَمْكِنَةِ وقد رَدَّ بَعْضُهُمْ هذا الِاسْتِدْلَالَ من جِهَةِ أَنَّ في اللَّفْظِ هُنَا ما يَدُلُّ على الْعُمُومِ وهو وُقُوعُ الِاسْتِقْبَالِ نَكِرَةً في سِيَاقِ النَّهْيِ فَيَعُمُّ جَمِيعَ الْأَمَاكِنِ في الشَّامِ وَغَيْرِهِ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هو فِيمَا إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على الْعُمُومِ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْقَرَافِيِّ فإنه لو كان عُمُومُ الْفِعْلِ في سِيَاقِ النَّهْيِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ في الْمَكَانِ لَمَا كان لِتَعْرِيفِ الْمَكَانِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَائِدَةٌ وَتَمَسَّك آخَرُونَ في رَدِّ هذه الْقَاعِدَةِ بِحَدِيثِ أبي سَعِيدِ بن الْمُعَلَّى حَيْثُ دَعَاهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وهو في الصَّلَاةِ فلم يُجِبْهُ فقال عليه السَّلَامُ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ الحديث فَقَدْ جَعَلَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَامًّا في الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ احْتَجَّ عليه بِالْآيَةِ وهو في الصَّلَاةِ وَرَدَّ بِأَنَّ ذلك جاء من صِيغَةِ إذَا الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّكْرَارِ في جَمِيعِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ وقد خَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ في مَوْضِعٍ آخَرَ هذه الْقَاعِدَةَ فقال في حديث بَيْعِ الْخِيَارِ إنَّ الْخِيَارَ عَامٌّ وَمُتَعَلِّقُهُ وهو ما يَكُونُ فيه الْخِيَارُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ على خِيَارِ الْفَسْخِ وَهَذَا اعْتِرَافٌ بِمَقَالَةِ الْقَرَافِيِّ وَرُبَّمَا أَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قال فَلَوْ كان الْعَامُّ في الْمُشْرِكِينَ لَكَانَ وَجَدْتُمُوهُمْ تَكْرَارًا وحيث من صِيَغِ الْعُمُومِ في الْمَكَانِ قَالَهُ

الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وقد تَوَسَّطَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْبَاجِيُّ بين هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فقال ما مَعْنَاهُ إنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْعَامِّ في الْأَشْخَاصِ مُطْلَقًا في الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَالْبِقَاعِ أَنَّهُ إذَا عَمِلَ بِهِ في الْأَشْخَاصِ في زَمَانٍ ما وَمَكَانٍ ما وَحَالَةٍ ما لَا يَعْمَلُ بِهِ في تِلْكَ الْأَشْخَاصِ مَرَّةً أُخْرَى في زَمَانٍ آخَرَ وَنَحْوِهِ أَمَّا في أَشْخَاصٍ أُخْرَى مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ ذلك اللَّفْظُ الْعَامُّ فَيَعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ لو لم يَعْمَلْ بِهِ لَزِمَ التَّخْصِيصُ في الْأَشْخَاصِ كما قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَالتَّوْفِيَةُ بِعُمُومِ الْأَشْخَاصِ أَنْ لَا يَبْقَى شَخْصٌ ما في أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَحَالٍ إلَّا حُكِمَ عليه وَالتَّوْفِيَةُ بِالْإِطْلَاقِ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ ذلك الْحُكْمُ فَكُلُّ زَانٍ مَثَلًا يُجْلَدُ بِعُمُومِ الْآيَةِ وإذا جُلِدَ مَرَّةً ولم يَتَكَرَّرْ زِنَاهُ بَعْدَ ذلك لَا يُجْلَدُ ثَانِيَةً في زَمَانٍ آخَرَ وَمَكَانٍ آخَرَ فإن الْمَحْكُومَ عليه وهو الزَّانِي وَالْمُشْرِكُ وما أَشْبَهَ ذلك فيه أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا الشَّخْصُ وَالثَّانِي الصِّفَةُ كَالزِّنَى وَالشِّرْكِ لَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِمَا أَدَاةُ الْعُمُومِ أَفَادَتْ عُمُومَ الشَّخْصِ لَا عُمُومَ الصِّفَةِ وَالصِّفَةُ بَاقِيَةٌ على إطْلَاقِهَا فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ الْعَامُّ في الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ في الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ فَبِمُطْلَقِ زَنَى حُدَّ وَكُلُّ شَخْصٍ حَصَلَ منه مُطْلَقُ شِرْكٍ قُتِلَ بِشَرْطِهِ فَرَجَعَ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ إلَى لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِهَا وَاعْتُرِضَ على هذا بِأَنَّ عَدَمَ التَّكْرَارِ جاء من أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَخْذِ ذلك من الْإِطْلَاقِ وَرُدَّ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمْرِ أَحَدُ الْمُقْتَضَيَاتِ لِلْإِطْلَاقِ في الْأَزْمَانِ وَغَيْرِهَا فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا قُلْت وَهَذَا مُسْتَمَدٌّ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ حَيْثُ قال إنَّا نَقُولُ أَمَّا كَوْنُ اللَّفْظِ الْعَامِّ في الْأَشْخَاصِ مُطْلَقًا في الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الْمَذْكُورَةُ في الِاسْتِدْلَالِ فَيَلْزَمُ منها عَوْدُ التَّخْصِيصِ إلَى صِيغَةِ الْعُمُومِ وَيَبْقَى الْعُمُومُ في تِلْكَ الْأَحْوَالِ لَا من حَيْثُ إنَّ الْمُطْلَقَ عَامٌّ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِغْرَاقِ بَلْ من حَيْثُ إنَّ الْمُحَافَظَةَ على صِيغَةِ الْعُمُومِ في الْأَشْخَاصِ وَاجِبٌ فَالْعُمُومُ من حَيْثُ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ لَا من حَيْثُ إنَّ الْمُطْلَقَ عُمُومُ اسْتِغْرَاقٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُطْلَقَ يَكْفِي في الْعَمَلِ بِهِ مَرَّةً فَنَقُولُ هل يَكْتَفِي فيه بِالْمَرَّةِ فِعْلًا أو حَمْلًا فَإِنْ كان الْأَوَّلُ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ كان الثَّانِي فَمَمْنُوعٌ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا فُعِلَ مُقْتَضَاهُ مَرَّةً وَوُجِدَتْ الصُّورَةُ الْجُزْئِيَّةُ الدَّاخِلَةُ تَحْتَ الْكُلِّ كَفَى ذلك في الْعَمَلِ بِهِ كما إذَا قال اعْتِقْ رَقَبَةً فَفَعَلَ ذلك مَرَّةً لَا يَلْزَمُ إعْتَاقُهُ رَقَبَةً أُخْرَى لِحُصُولِ الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ من غَيْرِ اقْتِضَاءِ اللَّفْظِ الْعُمُومَ وَكَذَلِكَ إذَا قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ مَرَّةً

وَحَنِثَ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا ثَانِيَةً لِوُجُودِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فِعْلًا من غَيْرِ اقْتِضَاءِ الْعُمُومِ أَمَّا إذَا عَمِلَ بِهِ مَرَّةً حَمْلًا أَيْ في أَيِّ صُورَةٍ من صُوَرِ الْمُطْلَقِ لَا يَلْزَمُ التَّقَيُّدُ بها وَلَا يَكُونُ وَفَاءً بِالْإِطْلَاقِ لِأَنَّ مُقْتَضَى تَقْيِيدِ الْإِطْلَاقِ بِالصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ حَمْلًا أَنْ لَا يَحْصُلَ الِاكْتِفَاءُ بِغَيْرِهَا وَذَلِكَ يُنَاقِضُ الْإِطْلَاقَ وَمِثَالُهُ إذَا قال اعْتِقْ رَقَبَةً فإن مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ أَنْ يَحْصُلَ الْإِجْزَاءُ بِكُلِّ ما يُسَمَّى رَقَبَةً لِوُجُودِ الْمُطْلَقِ في كل من يُعْتَقُ من الرِّقَابِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ بِهِ فإذا خَصَّصْنَا الْحُكْمَ بِالرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ مَنَعْنَا إجْزَاءَ الْكَافِرَةِ وَمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ إجْزَاؤُهَا إنْ وَقَعَ الْعِتْقُ بها فَاَلَّذِي فَعَلْنَاهُ خِلَافُ مُقْتَضَاهُ قال فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ التي تَرِدُ عَلَيْك من أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذَا كان الْإِطْلَاقُ في الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَقْتَضِي الْحَمْلُ على الْبَعْضِ فيه عَوْدَ التَّخْصِيصِ إلَى مَحَلِّ الْعُمُومِ هِيَ الْأَشْخَاصُ أو مُخَالَفَةُ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ الْحَمْلِ فَالْحُكْمُ بِعَدَمِ التَّقْيِيدِ لِوُجُودِ الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ أو الْعُمُومِ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ أَمَّا إذَا كان الْإِطْلَاقُ في صُورَةٍ لَا تَقْتَضِي مُخَالَفَةَ صِيغَةِ الْعُمُومِ وَلَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ فَالْكَلَامُ صَحِيحٌ وَيَتَعَدَّى النَّظَرُ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ما ذَكَرْنَا إلَى أَمْرٍ آخَرَ وهو أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِالْعُمُومِ فَإِنْ اقْتَضَى إخْرَاجَ بَعْضِ الصُّوَرِ وَعَدَمَ الْجَرْيِ على ظَاهِرِ الْعُمُومِ وَجَبَ أَنْ يَنْظُرَ في قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا قُصِدَ بِهِ مُعَيَّنٌ فَهَلْ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لم يُقْصَدْ بِهِ أو لَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَلَا حَاجَة بِنَا إلَى هذا وَإِلَّا احْتَجْنَا إلَى النَّظَرِ فيها بَعْدَ الِانْتِهَاءِ بِمُقْتَضَى صِيغَةِ الْعُمُومِ وَأَنَّ الْوَفَاءَ بِمُقْتَضَاهَا وَاجِبٌ فَهَذَا ما عِنْدِي في هذا الْمَوْضِعِ وَاَلَّذِي يُزِيدُهُ وُضُوحًا أَنَّ اللَّفْظَ إذَا كان مُطْلَقًا في هذه الْأَحْوَالِ يَلْزَمُ منه أَنْ يَصِحَّ التَّمَسُّكُ بِشَيْءٍ من الْعُمُومَاتِ أو أَكْثَرِهَا إذْ ما من عَامٍّ إلَّا وَلَهُ أَحْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الذَّوَاتِ التي يَتَعَلَّقُ بها الْعُمُومُ فإذا اكْتَفَيْنَا في الْعَمَلِ بِحَالَةٍ من الْحَالَاتِ تَعَذَّرَ الِاسْتِدْلَال بِغَيْرِهِ وَهَذَا خِلَافُ ما دَرَجَ عليه الناس

مَسْأَلَةٌ هل يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَلَا يَبْلُغُهُ الْمُخَصِّصُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْعُمُومِ صِيغَةً بِالْمَعْنَى السَّابِق قال الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ سِيَّمَا الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْمُكَلَّفُ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَلَا يَسْمَعَ الْمُخَصَّصَ إذَا كان له مُخَصِّصٌ في أَدِلَّةِ الشَّرْعِ وَعَلَيْهِ الْبَحْثُ في ذلك بِقَدْرِ ما يَعْلَمُ أَنَّهُ لو كان هُنَاكَ مُخَصِّصٌ لَبَلَغَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا اعْتَقَدَ عُمُومَهُ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْمِعَ اللَّهُ وَاحِدًا من الْمُكَلَّفِينَ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ وَلَا يُسْمِعَهُ خُصُوصَهُ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُسْمِعَهُ إيَّاهُمَا أو يَصْرِفَهُ عن سَمَاعِ الْعُمُومِ إذَا لم يَسْمَعْ الْخُصُوصَ قُلْت وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ وَالْمَحْصُولِ عن الْجُبَّائِيُّ وَأَبِي الْهُذَيْلِ قال صَاحِبُ الْوَاضِحِ وهو قَوْلُ أبي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ قال وَكَذَا كان يقول في النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ قال الْقَاضِي وَاتَّفَقَ الْكُلُّ على أَنَّهُ إذَا كان الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ جَازَ أَنْ يَسْمَعَهُ من لم يَتَقَدَّمْ نَظَرُهُ في الدَّلِيلِ على تَخْصِيصِهِ وَأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ الْمُخَصِّصَ له مُقَدَّمٌ عليه لِتَقَدُّمِ الْعَقْلِ على السَّمْعِ وهو من أَوْضَحِ ما يُسْتَدَلُّ بِهِ فإنه إذَا جَازَ ذلك في الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ جَازَ في السَّمْعِيَّةِ قال الْقَاضِي وَيَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْمَنْسُوخُ وَلَا يَبْلُغَهُ النَّاسِخُ وَحَكَى صَاحِبُ الْوَاضِحِ الْمُعْتَزِلِيُّ في الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ ثَالِثَهَا التَّفْصِيلَ بين الْمُخَصِّصِ الْعَقْلِيِّ فَيَجُوزُ وَالسَّمْعِيِّ فَلَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ في الْمُعْتَمَدِ عن الْجُبَّائِيُّ وَأَبِي الْهُذَيْلِ وَمِمَّنْ تَبِعَ الْقَاضِي في ذِكْرِ هذه الْمَسْأَلَةِ الْإِمَامُ في التَّلْخِيصِ وَالْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى قال وَنَحْنُ نَقُولُ يَجِبُ على الشَّارِعِ أَنْ يَذْكُرَ دَلِيلَ الْخُصُوصِ إمَّا مُقْتَرِنًا أو مُتَرَاخِيًا على ما ذَكَرْنَا من تَأْخِيرِ الْبَيَانِ وَلَيْسَ من ضَرُورَةِ كل مُحْتَمِلٍ يَبْلُغُهُ الْعُمُومُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْخُصُوصُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَغْفُلَ عنه وَيَكُونُ حُكْمُ اللَّهِ في حَقِّهِ الْعَمَلَ بِالْعُمُومِ وهو الذي بَلَغَهُ دُونَ ما لم يَبْلُغْهُ وقال في الْبُرْهَانِ لَا يَمْتَنِعُ وُرُودُ اللَّفْظِ الْعَامِّ مع اسْتِئْخَارِ الْمُخَصِّصِ عنه إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى مَنْعِ ذلك وَهِيَ من فُرُوعِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ

مَسْأَلَةٌ هل يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ قبل الْبَحْثِ عن مُخَصِّصٍ إذَا جَوَّزْنَا وُرُودَ الْعَامِّ مُجَرَّدًا عن مُخَصِّصِهِ فَهَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ أو يَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ يَنْظُرَ دَلِيلَ الْمُخَصِّصِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ في كِتَابِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيه فقال الْقَاضِي أبو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ في الْحَالِ عِنْدَ سَمَاعِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ وقال عَامَّةُ أَصْحَابِنَا أبو الْعَبَّاسِ بن سُرَيْجٍ وأبو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وأبو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وأبو عَلِيِّ بن خَيْرَانَ وأبو بَكْرٍ الْقَفَّالُ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فيه حتى يَنْظُرَ في الْأُصُولِ التي يَتَعَرَّفُ فيها الْأَدِلَّةَ فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ على تَخْصِيصِهِ خَصَّ بِهِ وَإِنْ لم يَجِدْ دَلِيلًا يَدُلُّ على التَّخْصِيصِ اعْتَقَدَ عُمُومَهُ وَعَمِلَ بِمُوجَبِهِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَحَكَى الْقَفَّالُ أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ سُئِلَ عن قَوْله تَعَالَى فَامْشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا من رِزْقِهِ هل تَقُولُ إنَّ من سمع هذا يَأْكُلُ جَمِيعَ ما يَجِدُهُ من رِزْقِهِ فقال أَقُولُ إنَّهُ يَبْلَعُ الدُّنْيَا بَلْعًا قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَزَعَمَ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ في الرِّسَالَةِ وَالْكَلَامُ إذَا كان عَامًّا ظَاهِرًا كان على ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ حتى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ تَدُلُّ على خِلَافِ ذلك وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ قال وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنْ يَتَطَلَّبُوا دَلِيلًا يُفَرِّقُونَ بِهِ بين الْحَتْمِ وَغَيْرِهِ في الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَجِبُ طَلَبُ دَلِيلٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ على مُوجِبِ اللَّفْظِ قُلْت وَمِنْ هذه الطَّرِيقَةِ يُؤْخَذُ حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ في هذه الْمَسْأَلَةِ وهو غَرِيبٌ وما حَكَاهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ من الْخِلَافِ في وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ جَرَى عليه الْعِرَاقِيُّونَ من أَصْحَابِنَا منهم الْقَاضِي ابن كَجٍّ في كِتَابِهِ في الْأُصُولِ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في شَرْحِ اللُّمَعِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ وابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ وَنَصَرُوا قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمِمَّنْ حَكَاهُ من الْمَرَاوِزَةِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وأبو النَّصْرِ بن الْقُشَيْرِيّ في كِتَابِهِ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ في تَعْلِيقِهِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالْإِمَامُ أبو عُمَرَ بن عبد الْبَرِّ وَنَقَلَ التَّمَسُّكَ بِالْعُمُومِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْمُخَصِّصَ عن أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْمَنْعَ منه عن

أَهْلِ الْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ وَالنَّقْلَ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ في التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ في التَّلْخِيصِ قال وَذَهَبَ ابن سُرَيْجٍ وَمُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ إلَّا بَعْدَ النَّظَرِ في الْأَدِلَّةِ ثُمَّ إذَا نَظَرَ فيها جَرَى على قَضِيَّتِهَا قال وَارْتَضَاهُ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وهو الصَّحِيحُ وَكَذَلِكَ صَوَّرَهَا إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ في الْمَدَارِكِ وَنَقَلَ مُوَافَقَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ عن الْقَفَّالِ وَابْنِ خَيْرَانَ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَكَذَلِكَ ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ إلَّا أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ الصَّيْرَفِيِّ وقال إنَّهُ الصَّحِيحُ وَكَذَا اخْتَارَهُ ابن عَقِيلٍ وَالْمَقْدِسِيُّ وَالْقَاضِي أبو يَعْلَى بن الْفَرَّاءِ وأبو بَكْرٍ الْخَلَّالُ من الْحَنَابِلَةِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ وأبو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ من الْمَالِكِيَّةِ لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قبل الْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصِ وَنَقَلَ فيه الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ اتِّفَاقَ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ في الْبُرْهَانِ وَزَيَّفَ قَوْلَ الصَّيْرَفِيِّ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وقال في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قُلْت هو ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فإنه قال وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ طَلَبُ الدَّلَائِلِ لِيُفَرِّقُوا بين الْحَتْمِ وَغَيْرِهِ في الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هذا لَفْظُهُ فَنَصَّ على طَلَبِ الدَّلَائِلِ الْمُمَيِّزَةِ بين مَوَاقِعِ الْكَلَامِ ولم يَكِلْهُمْ إلَى نَفْسِ الْكَلَامِ وَظَاهِرِهِ قبل الْبَحْثِ عن الْقَرَائِنِ لَكِنَّهُ نَصَّ في مَوْضِعٍ آخَرَ على ما يُخَالِفُهُ فَيَصِيرُ له في الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فذكر في الْأُمِّ حَدِيثَ أبي أَيُّوبَ بِعُمُومِ النَّهْيِ عن الِاسْتِقْبَالِ بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وقال يَعْنِي أَبَا أَيُّوبَ بِالْحَدِيثِ جُمْلَةً كما سَمِعَهُ جُمْلَةً قال الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِمَنْ سمع الحديث أَنْ يَقُولَ بِهِ على عُمُومِهِ وَجُمْلَتِهِ حتى يُجَدِّدَ دَلَالَةً يُفَرِّقُ منها فيه ثُمَّ مَثَّلَ الدَّلَالَةَ الْمُفَرِّقَةَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ النَّهْيِ عن الْأَوْقَافِ الْمَكْرُوهَةِ ثُمَّ قال الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا غَيْرُ هذا من حديث رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم هو على الظَّاهِرِ من الْعُمُومِ حتى تَأْتِيَ الدَّلَالَةُ عنه من سُنَّةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أو إجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْمِعُوا على خِلَافِ سُنَّةٍ أَنَّهُ بَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ وَخَاصٌّ دُونَ عَامٍّ انْتَهَى هذا لَفْظُهُ وَذَكَرَ في الرِّسَالَةِ مثله وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أبي أَيُّوبَ في قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَأَنَّهُ سَمِعَهُ جُمْلَةً

فقال بِهِ جُمْلَةً وقد سَبَقَ في مَسْأَلَةِ صِيَغِ الْعُمُومِ نَقَلَ الصَّيْرَفِيُّ مِثْلَ ذلك عن نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ الْكَثِيرَةِ وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ في كِتَابِهِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا على أَنَّ الْعُمُومَ إذَا وَرَدَ وَسَمِعَهُ الْمُكَلَّفُ وَفَهِمَ ما يَجِبُ وَجَبَ عليه عَرْضُهُ إذَا أَرَادَ تَنْفِيذَهُ على ما يَقْدِرُ من أَدِلَّةِ الْعُقُولِ وَأُصُولِ الشَّرْعِ فَإِنْ كان فيه ما أَوْجَبَ تَخْصِيصَهُ خَصَّهُ بِهِ وَإِلَّا أَجْرَاهُ على ظَاهِرِهِ فِيمَا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ وَهَذَا وَقْفٌ منه على مِقْدَارِ الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ هو من جِنْسِ ما تَقُولُهُ الْوَاقِفِيَّةُ انْتَهَى وقال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في أُصُولِهِ إذَا وَرَدَ الْخِطَابُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ نَظَرَ إنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَخُصُّ اللَّفْظَ كان مَقْصُودًا عليه وَإِلَّا أُجْرِيَ على عُمُومِهِ لِأَنَّ الْعَامَّ مُحْتَمِلٌ لِلتَّخْصِيصِ فَلَا يَجُوزُ الْهُجُومُ على الْحُكْمِ دُونَ النَّظَرِ في الْمُرَادِ بِهِ فَإِنْ قِيلَ فما الذي يَعْتَقِدُهُ السَّامِعُ قبل النَّظَرِ قُلْنَا قد يَقْتَرِنُ بِالْخِطَابِ من دَلَالَةِ الْحَالِ ما يَقِفُ بِهِ السَّامِعُ على مُرَادِ الْخِطَابِ وقد يَتَقَدَّمُ الْخِطَابُ ما يَتَعَقَّلُ لِتَخْصِيصِ اللَّفْظِ وَقَرِينَتِهِ عليه كما وَرَدَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ولم يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شَقَّ ذلك على الصَّحَابَةِ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ إذَا وَرَدَ الْخِطَابُ مُجَرَّدًا من دَلَالَةٍ تَقْتَرِنُ بِهِ فَالْوَاجِبُ على الْمُخَاطَبِ قبل النَّظَرِ أَنْ يَعْتَقِدَ ما حَصَلَ عِنْدَهُ من ظَاهِرِ اللَّفْظِ فإنه حَقٌّ وَلَا يَعْتَقِدُ انْصِرَافَهُ إلَى عُمُومٍ وَلَا إلَى خُصُوصٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ على ما هو بِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ قبل النَّظَرِ في هذا أَكْثَرُ من اللَّفْظِ الْعَامِّ فَالْعَامُّ يَرِدُ عليه الْحَادِثَةُ وَجْهَيْنِ فَلَا يَعْتَقِدُ في حُكْمِهَا شيئا بِعَيْنِهِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ فَيَتَبَيَّنَ له الْحُكْمُ انْتَهَى وقد احْتَجَّ بَعْضُهُمْ على الْعَمَلِ قبل الْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصِ بِمَا في الصَّحِيحَيْنِ عن حديث أبي عُبَيْدَةَ في الْعَنْبَرِ الذي أَلْقَاهُ الْبَحْرُ فإن أَبَا عُبَيْدَةَ حَكَمَ بِتَنْجِيسِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ الْقُرْآنِ ثُمَّ إنَّهُ اسْتَبَاحَهَا بِحُكْمِ الِاضْطِرَارِ مع أَنَّ عُمُومَ الْقُرْآنِ في الْمَيْتَةِ مُخَصَّصٌ بِقَوْلِهِ هو الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ولم يَكُنْ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ من أَصْحَابِهِ خَبَرٌ من هذا الْمُخَصِّصِ وَحَصَلَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ في هذه الْمَسْأَلَةِ عِنْدَنَا طَرِيقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا حِكَايَةٌ لِقَوْلَيْنِ أو وَجْهَيْنِ وَالثَّانِيَةُ الْقَطْعَ بِوُجُوبِ الْبَحْثِ من غَيْرِ خِلَافٍ على طَرِيقَةِ الْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ مَشْهُورَانِ من غَيْرِ مَذْهَبِنَا وَلَهُمْ فيها أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ

غَرِيبَةٍ أَحَدُهَا إنْ سَمِعَهُ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على طَرِيقِ تَعْلِيمِ الْحُكْمِ وَجَبَ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ في الْحَالِ وَإِنْ سَمِعَهُ من غَيْرِهِ لَزِمَهُ التَّثَبُّتُ وَنُسِبَ لِأَبِي عبد اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ من الْحَنَفِيَّةِ وَالثَّانِي وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ عن أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ بَيَانًا بِأَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ أو أَمْرًا أو نَهْيًا وَجَبَ حَمْلُهُ على عُمُومِهِ وَإِنْ وَرَدَ ابْتِدَاءً وَجَبَ التَّوَقُّفُ فيه وَحَكَاهُ أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ في أُصُولِهِ وَاخْتَارَهُ على غَيْرِ هذا الْوَجْهِ وهو التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَرِدَ جَوَابًا عن سُؤَالٍ أو أَمْرًا أو نَهْيًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ على عُمُومِهِ لِأَنَّهُ لو كان خَاصًّا لَمَا تَرَكَهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِلَا بَيَانٍ في الْحَالِ التي أُلْزِمَ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ مع جَهْلِ السَّائِلِ وَإِنْ وَرَدَ ابْتِدَاءً من غَيْرِ تَعَلُّقٍ بِسُؤَالٍ أو سمع آيَةً من الْقُرْآنِ مُبْتَدَأَةً وَالسَّائِلُ من أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ قال الرَّازِيَّ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَحْكُمُ بِظَاهِرِهِ حتى يَبْحَثَ عن الْمُخَصِّصِ فَإِنْ لم يَجِدْهُ أَمْضَاهُ على عُمُومِهِ وَالثَّانِي إنْ كان مُخَاطَبًا بِحُكْمِ اللَّفْظِ فَلَيْسَ يُخَلِّيهِ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ من آيَةِ دَلَالَةِ التَّخْصِيصِ عليه حتى يَكُونَ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ لِلْجُمْلَةِ وَأَمَّا من لم يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالْحُكْمِ فَلَيْسَ عليه أَنْ يَعْتَقِدَ فيه عُمُومًا وَلَا خُصُوصًا قال وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَلَيْسَ له أَنْ يَعْتَقِدَ شيئا من ذلك وَلَكِنَّهُ إذَا سَأَلَ عن حُكْمِ حَادِثَةٍ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ قَبُولُ قَوْلِهِ فَأَجَابَهُ بِجَوَابٍ مُطْلَقٍ أَمْضَاهُ على ما سَمِعَهُ وَمِنْهُ من اقْتَصَرَ على الْعُمُومِ من غَيْرِ تَفْصِيلٍ وهو خَطَأٌ لِأَنَّ فيه إيجَابَ اعْتِقَادِ عُمُومِ ما لَا يَعْلَمُ صِحَّةَ عُمُومِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كان مُخَصَّصًا في نَفْسِ الْأَمْرِ ا هـ الثَّالِثُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ في كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَدْخُلَهُ تَخْصِيصٌ أو لَا فَقِيلَ التَّخْصِيصُ يُسْتَعْمَلُ على عُمُومِهِ من غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا نَظَرٍ وَبَعْدَ التَّخْصِيصِ يُحْتَمَلُ قال وهو قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَكَلَامُ ابْنِ كَجٍّ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْخِلَافِ بِمَا إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ ما يُخَصِّصُهُ فَإِنْ وَجَدْنَا ما يُخَصِّصُهُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ بِلَا خِلَافٍ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَإِنْ كان يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُخَصِّصٌ آخَرُ فإنه جَعَلَ هذا أَصْلًا قَاسَ عليه مَوْضِعَ الْخِلَافِ وَحَكَى ابن فُورَكٍ مَذْهَبَ الصَّيْرَفِيِّ وَمُقَابِلَهُ قَوْلًا بِالتَّفْصِيلِ بين الْأَوَامِرِ وَالْأَخْبَارِ قال وَمِنْهُمْ من جَمَعَ في الْوَقْفِ بَيْنَهُمَا وهو الْأَفْقَهُ وَمِنْهُمْ من حَمَلَهُ على

ثَلَاثَةٍ وَتَوَقَّفَ في الزَّائِدِ عليه وَالْمَشْهُورُ حِكَايَةُ هذا في تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْحَاجَةِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عن الْأُصُولِ لِلْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا وَرَدَ الْخِطَابُ الْعَامُّ بَعْدَ وَفَاتِهِ عليه السَّلَامُ فَإِنْ وَرَدَ في عَهْدِهِ وَجَبَ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْفِعْلِ عُمُومِهِ لِأَنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ لم تَكُنْ مُقَرَّرَةً مَذْهَبُ الصَّيْرَفِيِّ في الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قبل الْبَحْثِ عن مُخَصِّصٍ وفي ذلك نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ من كَلَامِ الصَّيْرَفِيِّ في كِتَابِ الدَّلَائِلِ الْخِلَافُ في ذلك فقال ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى أَنَّ ما سُمِعَ من النبي عليه السَّلَامُ من الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ من الْعَامِّ مُخَاطَبًا بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَهُ حتى يُبَيِّنَهُ لِلْمُخَاطَبِينَ لِيَصِلُوا إلَى عِلْمِ ما أُمِرُوا بِهِ وَأَمَّا السَّاعَةَ فَقَدْ تَكَامَلَ الدِّينُ وَثُبُوتُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فَلَيْسَ على من سمع آيَةً من الْعَامِّ الْعَمَلُ بها حتى يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ فَيَعْرِفَ حُكْمَهَا لِمَا في ذلك من النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ وَإِنْ كان مِمَّنْ يَبْحَثُ وَلَهُ أَنْ يَبْحَثَ فَقَدْ أتى بِمَا يُمْكِنُهُ فَلَيْسَ عليه إلَّا اعْتِقَادُ ما سَمِعَهُ إذْ قد بَلَغَ ما يُمْكِنُهُ في الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ لِلْعِلْمِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا حتى لَا يَفُوتَهُ منها شَيْءٌ وَاخْتَارَ قَوْمٌ جَوَازَ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ منه عليه السَّلَامُ إلَى وَقْتِ التَّقْيِيدِ وقال قَوْمٌ على من سمع شيئا وَحَصَلَ في يَدَيْهِ أَمْرٌ من اللَّهِ أو نَهْيُ اعْتِقَادِ ما سمع حتى يَعْلَمَ خِلَافَهُ قال أبو بَكْرٍ وَاَلَّذِي أَقُولُهُ إنَّ كُلَّ آيَةٍ أو سُنَّةٍ خَاطَبَ اللَّهُ بها أو رَسُولُهُ مُوَاجِهًا بها من يُخَاطِبُ آمِرًا أو نَاهِيًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَحُكْمُهُ في تِلْكَ مَرْفُوعٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ آمِرًا بِشَيْءٍ حُكْمُهُ أَنْ يُنْهَى عنه في تِلْكَ الْحَالِ وهو مُحَالٌ في صِفَتِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُوَاجِهَ رَجُلًا آمِرًا له بِشَيْءٍ أو نَاهِيًا عنه بِاسْمٍ عَامٍّ وَوَقْتُ بَيَانِهِ مُمْكِنٌ وَلَا يَتَقَدَّمُ ما يُوجِبُ له الْبَيَانَ فَيَصِيرُ ما يُرِيدُ منه أَنْ يَعْلَمَ من خِطَابِهِ أو فِعْلِهِ بِخِلَافِ ما أَظْهَرَ لِأَنَّهُ في الظَّوَاهِرِ آمِرٌ له بِخِلَافِ ما يُرِيدُ منه وَلَا سَبِيلَ له إلَى عِلْمٍ من لَفْظِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يُبَيِّنَ ما أُنْزِلَ إلَيْهِ وَهَذَا خِطَابُ من كَتَمَ لَا من بَيَّنَ وَالرَّسُولُ عليه السَّلَامُ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ من أَنْ يَفْعَلَ ذلك فإذا سمع الْمُخَاطَبُونَ ذلك منه عليه السَّلَامُ ثُمَّ فَارَقُوهُ وَاحْتَمَلَ وُرُودَ النَّسْخِ عليه فَعَلَيْهِمْ الْإِقَامَةُ عليه حتى يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَزَالَهُ أو رَسُولَهُ لِأَنَّهُ قد حَصَلَ في أَيْدِيهِمْ الْيَقِينُ فَلَا يَزُولُونَ عنه لِإِمْكَانِ ما يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا وَلَا يَتَوَقَّفُونَ عنه لِأَنَّ في ذلك إسْقَاطَ ما عَلِمَ صِحَّتَهُ لِمَا لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ

وقد عَلِمَ أَنَّ الناس لَا يُمْكِنُهُمْ مُرَاعَاةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في كل الْأَحْوَالِ لَا يُفَارِقُونَهُ بَلْ عليهم اسْتِعْمَالُ ما عَلِمُوهُ حتى يَعْلَمُوا خِلَافَهُ مع احْتِمَالِ زَوَالِ ما عَلِمُوا أو وَجَبَ عليهم تَبْلِيغُهُ قال تَعَالَى لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وَعَلَى ذلك جَرَى أَمْرُ السَّلَفِ كَابْنِ مَسْعُودٍ في الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ لم يَنْزِلْ عليه حتى قَدِمَ عليه السَّلَامُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وكان مُعَاذٌ وَمَنْ بَلَّغَهُ مُعَاذٌ سَوَاءً في الِاعْتِقَادِ وفي الْفِعْلِ حتى يَعْلَمَ خِلَافَهُ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِتَوْجِيهِهِ لِيُعَلِّمَ الناس لِإِمْكَانِ نَسْخِ ما بُعِثَ بِهِ ثُمَّ قال بَابُ الْإِبَانَةِ عَمَّا سمع من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم غَيْرُ مُوَاجِهٍ في الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا قال قَائِلُونَ ليس على من سمع ذلك اعْتِقَادُ ما سمع وَلَا فِعْلُهُ حتى يَسْأَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَيُبَيِّنَ له لِأَنَّهُ لم يُوَاجِهْهُ بِالْخِطَابِ وَإِنَّمَا سمع دَرْسًا وقد يُدَرَّسُ الْمَنْسُوخُ وَقِيلَ لَا يُكَلَّفُ إلَّا ما سمع حتى يَعْلَمَ خِلَافَهُ وقال أبو بَكْرٍ وَاَلَّذِي أَقُولُهُ إنَّ كُلَّ آيَةٍ سُمِعَتْ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَمْرٍ أو نَهْيٍ وكان الْكَلَامُ قد تَمَّ ولم يَتَعَقَّبْهُ وَيُقَارِنْهُ بِمَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ فَعَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُ ما سمع حتى يَعْلَمَ خِلَافَهُ ثُمَّ احْتَجَّ على ذلك بِأُمُورٍ منها قَوْله تَعَالَى وَإِذْ صَرَفْنَا إلَيْك نَفَرًا من الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فلما حَضَرُوهُ قالوا أَنْصِتُوا فلما قُضِيَ وَلَّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قال فلما سَمِعُوا عِنْدَ انْقِضَائِهِ أَثْنَى عليهم عِنْدَ التَّقَضِّي بِالِانْصِرَافِ ولم يَتَوَقَّفُوا لِلسُّؤَالِ وَلَا غَيْرِهِ فلما آمَنُوا بِهِ لَزِمَهُمْ حُكْمُ ما سَمِعُوا حتى يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَزَالَ حُكْمَهُ وَأَبْقَى تِلَاوَتَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الصَّيْرَفِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يقول ذلك فإن من جُمْلَةِ ما احْتَجَّ بِهِ على هذا أَنَّ الشَّافِعِيَّ احْتَجَّ على خُصُوصِهِ بِقَوْلِهِ رُبَّمَا حَضَرَ الرَّجُلُ من الصَّحَابَةِ قد سمع الْجَوَابَ ولم يَسْمَعْ السُّؤَالَ وَالْكَلَامُ يَخْرُجُ على السَّبَبِ فَيَحْكِي ما سمع وَعَلَى كل إنْسَانٍ أَنْ يَحْكِيَ ما سمع حتى يَعْلَمَ خِلَافَهُ فإذا كان هذا من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِحَيْثُ يَكُونُ الْجَوَازُ مُمْكِنًا من النبي عليه السَّلَامُ وَالصَّحَابَةُ يَسْمَعُونَ ذلك وَيُمْكِنُهُمْ سُؤَالُهُ فَيُجِيبُهُمْ فَهُوَ في غَيْرِهِمْ أَوْلَى ثُمَّ قال بَابُ الْإِبَانَةِ عن الْعَامِّ يَسْمَعُ من غَيْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في عَصْرِ النبي عليه السَّلَامُ وَهَلُمَّ جَرَّا إلَى وَقْتِنَا هذا فَنَقُولُ كُلُّ آيَةٍ أو سُنَّةٍ وَرَدَتْ عَلَيْنَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا اعْتِقَادُ ما سَمِعْنَا حتى نَعْلَمَ خِلَافَهُ من خُصُوصٍ أو نَسْخٍ وَعِلَّتُنَا فيه ما اعْتَلَلْنَا من أَمْرِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ من عُمَّالِ النبي عليه السَّلَامُ وَمَنْ لم يَلْقَ النبي عليه السَّلَامُ بَلْ اعْتَقَدُوا ما سَمِعُوا منه وَعَمِلُوا بِهِ لِأَنَّهُ لو جَازَ التَّوَقُّفُ لِاحْتِمَالِ الْخُصُوصِ لَجَازَ التَّوَقُّفُ عَمَّا عَلِمْنَاهُ

ثَانِيًا وَاحْتَمَلَ في مَنْعِهِ وَهَذَا يُؤَوَّلُ إلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ فَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ عَلَيْنَا طَلَبَ ذلك بِقَدْرِ الطَّاقَةِ كَطَلَبِ الْمَاءِ بِحَسَبِ ما يُمْكِنُ فَإِنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا صَارَ إلَى التُّرَابِ وَإِذًا قد يُدْرِكُ الْجَلِيُّ منه ما لَا يُدْرِكُ الْخَفِيُّ فَلَيْسَ عليه إلَّا ما يَقْدِرُ عليه فَإِنْ وَجَدَهُ فيها وَإِلَّا عَادَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْعُمُومِ قُلْنَا له تَطْلُبُ دَلِيلَ الْخُصُوصِ في بَعْضِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أو في كل ذلك فَإِنْ قال أَطْلُبُهُ في الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَقَدْ عَمَدَ إلَى أَهْلِ الْخُصُوصِ وَإِنْ قال أَطْلُبُهُ في كل ذلك قُلْنَا وقد عَلِمْت أَنَّك لَا تَبْلُغُ عِلْمَ ذلك كُلِّهِ فَتَوَقُّفُك خَطَأٌ من وَجْهَيْنِ فَأَمَّا تَشْبِيهُهُمْ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ فَخَطَأٌ لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَلْتَمِسُوا الْمَاءَ إلَى الطَّهُورِ كما يَلْتَمِسُوا أَهْلَ الزُّقَاقِ ولم يُكَلَّفُوا غير ذلك انْتَهَى كَلَامُهُ وَهَذَا الْبَابُ الْأَخِيرُ يُعْلَمُ منه ثُبُوتُ الْخِلَافِ في الصُّورَةِ التي نَقَلَ عن الْأُسْتَاذِ الْوِفَاقَ فيها وقد اسْتَفَدْنَا من جُمْلَةِ كَلَامِهِ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالًا أَحَدُهَا أَنْ يُخَاطِبَ النبي عليه السَّلَامُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ فَعَلَى الْمُخَاطَبِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ حتى يَعْلَمَ خِلَافَهُ ثَانِيهَا أَنْ يَقُولَ ذلك لَا على جِهَةِ الْخِطَابِ له فَعَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ ثَالِثُهَا أَنْ يَسْمَعَ الْعَامُّ من غَيْرِ النبي عليه السَّلَامُ في عَصْرِهِ أو بَعْدَهُ فَالْحُكْمُ فيه كَذَلِكَ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ في الْجَمِيعِ لَكِنَّ الْحَالَةَ الْأُولَى فَرَّعَهَا على مَذْهَبِهِ في مَنْعِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ ثُمَّ إنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذلك تَقْيِيدَ ما سَبَقَ بِمَا إذَا لم يَعْلَمْ أَنَّ فيه تَخْصِيصًا أو نَاسِخًا أَمَّا إذَا عَلِمَ فإنه يَتَوَقَّفُ فإنه قال بَعْدَ أَوْرَاقٍ بَابُ الْقَوْلِ في الْأَسْمَاءِ التي قد عُلِمَ أَنَّهُ قد خَصَّ أو نَسَخَ بَعْضَ حُكْمِهِ وَلَا نَعْلَمُ نَاسِخَهُ أو الْبَعْضَ الْمَنْسُوخَ منه قال أبو بَكْرٍ كُلُّ خِطَابٍ خُوطِبْت بِهِ وَعَلِمْت أَنَّ فيه خُصُوصًا أو نَسْخًا ولم تَعْلَمْهُ فَلَا تُقْدِمْ فيه على شَيْءٍ منه لِأَنَّك لَا تَتَوَجَّهُ إلَى وَجْهٍ من وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا تَعَادَلَ في نَفْسِك بِضِدِّهِ فَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى من الْآخَرِ فَلَا تُقْدِمْ عليه حتى تَعْلَمَ الْمَرْفُوعَ من الثَّابِتِ ثُمَّ قال وَلَيْسَ هذا مِثْلَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ فيه مَنْسُوخًا لِأَنِّي لَا أَدْرِي هل ذلك في الْقُرْآنِ من النَّسْخِ وَاقِعٌ لِهَذَا أو لِغَيْرِهِ فَلَا أَتْرُكُ ما ثَبَتَ أَمْرُهُ حتى أَعْلَمَ خِلَافَهُ انْتَهَى

اخْتِلَافُ الْأُصُولِيِّينَ في تَحْدِيدِ مَذْهَبِ الصَّيْرَفِيِّ وَإِنَّمَا حَكَيْت كَلَامَ الصَّيْرَفِيِّ بِنَصِّهِ لِعِزَّةِ وُجُودِ هذا الْكِتَابِ وَلِأَنَّهُ قد وَقَعَ أَغْلَاطٌ لِجَمَاعَةٍ من الْأَكَابِرِ في النَّقْلِ عنه فَأَرَدْت الِاسْتِظْهَارَ في ذلك وَبَيَانُهُ بِأُمُورٍ أَحَدِهَا قالوا إنَّ قَوْلَ الصَّيْرَفِيِّ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً من غَيْرِ طَلَبِ الْمُخَصِّصِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ على الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَظُنَّ عُمُومَهُ إذْ ذَاكَ إذْ ليس من شَرْطِهِ حُكْمًا وَالتَّمَسُّكُ بِالدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ قَاطِعًا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ الذي تَمَسَّكَ بِهِ وَالثَّانِيَ أَنَّهُ يَجِبُ عليه أَنْ يَقْطَعَ بِعُمُومِهِ إذْ ذَاكَ لَكِنْ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي نَقْلًا عنه فَأَغْلَظَ الْقَوْلَ عليه قُلْت وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ نَصَبَ خِلَافَ الصَّيْرَفِيِّ في وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ ولم يَذْكُرُوا وُجُوبَ الْعَمَلِ وما سَكَتُوا عنه فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمْ وقال الْمَازِرِيُّ لم يُرِدْ الرَّجُلُ هذا وَإِنَّمَا أَرَادَ اعْتِقَادَ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ قال الْمُقْتَرِحُ في تَعْلِيقِهِ على الْبُرْهَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ إنَّمَا أَرَادَ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ ا هـ وقد عَلِمْت أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ فَرَضَ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالًا ثَلَاثَةً وَجَعَلَ بَعْضَهَا من الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَبَعْضَهَا من الْأَخِيرِ فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَنْ يُخَاطِبَهُ عليه السَّلَامُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ يَجِبُ عليه الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْعُمُومِ ولم يَخْتَرْ اعْتِقَادَ الْعُمُومِ بِخِلَافِهِ في الْحَالَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ وقال الْأَصْفَهَانِيُّ اسْتَفَدْنَا منه أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ مَقْطُوعٌ أَمَّا مُطْلَقُ اللَّفْظِ الْعَامِّ إنْ أَرَادَ بِهِ الْعُمُومَ فَلَا قَطْعَ فيه وَهَذَا الذي اشْتَبَهَ على من قال إنَّ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُفِيدُ الظَّنَّ أَحْكَامٌ مَعْلُومَةٌ ولم يَعْرِفْ أَنَّ الْمَقْطُوعَ بِهِ وُجُوبُ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَظْنُونَ مَعْلُومٌ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ صَوَّرَ مَحَلَّ الْخِلَافِ في صُورَةٍ خَاصَّةٍ فقال إذَا وَرَدَتْ الصِّيغَةُ الظَّاهِرَةُ في اقْتِضَاءِ الْعُمُومِ ولم يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهَا فَقَدْ قال أبو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ يَجِبُ على الْمُتَعَبِّدِينَ اعْتِقَادُ عُمُومِهَا على جَزْمٍ ثُمَّ إنْ كان الْأَمْرُ على ما اعْتَقَدُوهُ فَذَاكَ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْخُصُوصَ تَغَيُّرُ الْعَقْدِ انْتَهَى وَالصَّوَابُ في النَّقْلِ عنه إطْلَاقُ الْعُمُومِ سَوَاءٌ قبل حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ أو

بَعْدَهُ بَلْ هو مُصَرَّحٌ بِالْعَمَلِ بِهِ قبل الْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصِ وَنَقَلَ ذلك أَيْضًا في كِتَابِهِ الْبَيَانِ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عنه الْجُمْهُورُ كما سَبَقَ التَّصْرِيحُ بِهِ في كَلَامِهِمْ ولم يُقَيِّدْ أَحَدٌ منهم النَّقْلَ عنه بِهَذِهِ الْحَالَةِ تَفْرِيعٌ الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ مِمَّا يَتَفَرَّعُ على هذا الْخِلَافِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى إجْرَائِهِ على الْعُمُومِ قبل الْبَحْثِ عن الْمُتَخَصِّصِ كَالصَّيْرَفِيِّ قال لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عنه بَيَانُ الْخُصُوصِ إنْ كان ثَمَّ مُرَادٌ كما يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَنْ مَنَعَ اقْتِضَاءَ عُمُومِهِ أَجَازَ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْوُرُودِ وَكَذَا ذَكَرَهُ ابن فُورَكٍ في كِتَابِهِ فقال من ذَهَبَ إلَى الِاقْتِضَاءِ بِنَفْسِ السَّمَاعِ قال لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عنه بَيَانُ الْخُصُوصِ إنْ كان ثَمَّ مُرَادٌ وَمَنْ أَبَى الْمُبَادَرَةَ إلَى الْإِمْضَاءِ جَوَّزَهُ وَكَذَا قال إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِأَصْلِ الصَّيْرَفِيِّ فإنه مِمَّنْ يَمْنَعُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْحَاجَةِ كما سَبَقَ التَّصْرِيحُ بِهِ في صَدْرِ كَلَامِهِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ عنه الْجُمْهُورُ وَلَكِنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ نَقَلَ عنه هُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْحَاجَةِ وَاسْتَدَلَّ عليه بِأَنَّهُ من الرَّادِّينَ عليهم في كُتُبِهِ فَأَلْزَمَهُ التَّنَاقُضَ فقال الْقَوْلُ بِالْإِجْرَاءِ على الْعُمُومِ إنَّمَا يَلِيقُ بِمَذْهَبِ من يَمْنَعُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ أَمَّا من يُجَوِّزُهُ فَلَا فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ وُرُودِ الْمُخَصِّصِ مع الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْعُمُومِ تَنَاقُضٌ وقد عَلِمْتَ أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ صَرَّحَ في صَدْرِ كَلَامِهِ في هذه الْمَسْأَلَةِ بِمَنْعِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْحَاجَةِ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مُسْتَقِيمٌ وَكَذَا نَقَلَهُ عنه ابن الصَّبَّاغِ في الْعِدَّةِ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّهُ من الرَّادِّينَ على مَانِعِي تَأْخِيرِ الْبَيَانِ في تَصَانِيفِهِ صَحِيحٌ وَلَكِنْ في غَيْرِ مَسْأَلَةِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ نعم سَيَأْتِي عن الْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ رُجُوعُ الصَّيْرَفِيِّ عن هذا الْمَذْهَبِ ولم يَقِفْ جَمَاعَةٌ على تَحْرِيرِ النَّقْلِ عن الصَّيْرَفِيِّ في مَسْأَلَةِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ وَظَنُّوا صِحَّةَ ما نَقَلَهُ عنه الْإِمَامُ فَأَخَذُوا في تَأْوِيلِ كَلَامِهِ قال الْمَازِرِيُّ قد أَغْلَظَ الْإِمَامُ الْقَوْلَ على الصَّيْرَفِيِّ وَنَسَبَهُ إلَى الْغَبَاوَةِ وهو غَيْرُ لَائِقٍ فإنه إمَامٌ جَلِيلٌ مع إمْكَانِ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ قال الْمُقْتَرِحُ لَا تَنَاقُضَ لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا على مَحَلٍّ وَاحِدٍ فإن مَحَلَّ الِاعْتِقَادِ إنَّمَا هو وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ وَالتَّجْوِيزُ رَاجِعٌ إلَى تَبَيُّنِ مُرَادِ اللَّفْظِ انْتَهَى وَهَذَا بِنَاءٌ منه على أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ كَلَامُهُ في وُجُوبِ الْعَمَلِ لَا الِاعْتِقَادِ وَالْإِمَامُ

بَنَى اعْتِرَاضَهُ على أَنَّ كَلَامَ الصَّيْرَفِيِّ في الِاعْتِقَادِ وقد سَبَقَ تَحْرِيرُهُ وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجَزْمَ بِاعْتِقَادِ الْعُمُومِ إنَّمَا يَلِيقُ بِمَذْهَبِ الْمَانِعِ من تَأْخِيرِ الْبَيَانِ بَلْ التَّنَاقُضُ الْمَذْكُورُ لَازِمٌ لهم أَيْضًا إلَّا من لم يُجَوِّزْ سَمَاعَ الْمُكَلَّفِ الْعَامِّ دُونَ الْخَاصِّ فإن التَّنَاقُضَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَنْدَفِعُ عَنْهُمْ لَا غَيْرُ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ وَإِنْ أَوْجَبُوا اتِّصَالَ الْمُخَصَّصِ بِالْعَامِّ في الْوُرُودِ لَكِنَّهُمْ لم يُوجِبُوا وُصُولَهُ إلَى من يَصِلُ إلَيْهِ الْعَامُّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَظْهَرَ الْمُخَصَّصُ لِلْمُكَلَّفِ بَعْدَ سَمَاعِ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَا عِنْدَ الْوُرُودِ مُقْتَرِنَيْنِ وَمَعَ هذا الِاحْتِمَالِ وَالتَّجْوِيزِ كَيْفَ يَجِبُ عليه الْقَطْعُ بِالْعُمُومِ الْغَزَالِيُّ يَنْقُلُ الْإِجْمَاعَ على وُجُوبِ الْبَحْثِ قبل الْحُكْمِ بِالْعَامِّ الْأَمْرُ الرَّابِعُ قِيلَ إنَّ الْغَزَالِيَّ خَالَفَ طَرِيقَةَ الناس في هذه الْمَسْأَلَةِ فقال في الْمُسْتَصْفَى لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ قبل الْبَحْثِ عن الْأَدِلَّةِ الْمُخَصِّصَةِ لِأَنَّ الْعُمُومَ دَلِيلٌ بِشَرْطِ انْتِفَاءِ الْمُخَصِّصِ وَالشَّرْطُ بَعْدُ لم يَظْهَرْ وَكَذَلِكَ كُلُّ دَلِيلٍ يُمْكِنُ فيه الْمُعَارَضَةُ وَذَلِكَ كَإِلْحَاقِ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ في الْقِيَاسِ فَالْعِلَّةُ دَلِيلٌ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ وقد تَبِعَهُ على ذلك الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ فَنَقَلَا الْإِجْمَاعَ على امْتِنَاعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قبل الْبَحْثِ عن كل ما يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا وَغَلَّطَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْعِنْوَانِ مُتَمَسِّكًا بِكَلَامِ الشَّيْخِ أبي إِسْحَاقَ السَّابِقِ وَمَنْ نَقَلَ الْخِلَافَ مُقَدَّمٌ على من نَقَلَ الْإِجْمَاعَ لِمَزِيدِ الِاطِّلَاعِ انْتَهَى قُلْت وَهَذَا لَا يُنَافِي نَقْلَ الْخِلَافِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذلك طَرِيقَةٌ في الْمَذْهَبِ قَاطِعَةٌ بِذَلِكَ وَطَرِيقَةٌ حَاكِيَةٌ لِلْخِلَافِ على أَنَّ من الناس من عَكَسَ هذه الطَّرِيقَةَ فقال الْمَعْرُوفُ ما ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَخِلَافُ الصَّيْرَفِيِّ إنَّمَا هو في اعْتِقَادِ عُمُومِهِ قبل دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ وإذا ظَهَرَ مُخَصِّصٌ يَتَغَيَّرُ الِاعْتِقَادُ هَكَذَا نَقَلَهُ عنه إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمَا وَعَلَى هذا فَنَصْبُ الْخِلَافِ على التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ قبل الْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصِ كما نَقَلَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ غَلَطٌ بَلْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافِ الصَّيْرَفِيِّ وَامْتِنَاعُ التَّمَسُّكِ بِهِ قبل الْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ إجْمَاعٍ وَاسْتَشْكَلَ آخَرُونَ الِاتِّفَاقَ على امْتِنَاعِ الْعَمَلِ مع إيجَابِ الْبَعْضِ اعْتِقَادَ

عُمُومِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ لِوُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ فَائِدَةٌ إلَّا الْعَمَلَ بِهِ فِعْلًا أو كَفًّا فَلَوْ قِيلَ قَاتِلُوا الْكُفَّارَ أو اُقْتُلُوهُمْ وَاعْتَقَدْنَا عُمُومَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ في قِتَالِهِمْ حتى يَأْتِيَ الْمُخَصِّصُ وَإِنْ لم يَكُنْ الْأَمْرُ هَكَذَا لم يَكُنْ لِوُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ فَائِدَةٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ في الْحَالَيْنِ وَمِمَّنْ نَصَبَ فِيهِمَا الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في شَرْحِ اللُّمَعِ فقال هل يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهَا وَالْعَمَلُ بِمُوجِبِهَا قال الصَّيْرَفِيُّ يَجِبُ الْأَخِيرُ وقد سَبَقَ تَوَهُّمُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ تَخْصِيصَ النَّقْلِ عنه بِذَلِكَ وقال بَعْضُ شُرَّاحِ اللُّمَعِ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهَا في الْأَزْمَانِ وَالْأَعْيَانِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهَا وَالْعَمَلُ بِمُوجِبِهَا قبل الْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصِ فيه الْوَجْهَانِ وَأَيْضًا فَالْكُلُّ مُتَّفِقُونَ في النَّقْلِ عن الصَّيْرَفِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ وَمَعَ الْجَزْمِ بِالْعُمُومِ يَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّمَسُّكُ بِهِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ في مَنْعِ التَّمَسُّكِ بِهِ وَكَيْفَ تُجْعَلُ مَسْأَلَةُ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ غير مَسْأَلَةِ جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِهِ هو لَازِمُهُ وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْقَلُ وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّمَسُّكِ بِهِ أَوْلَى وَأَظْهَرُ من وُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ ثُمَّ حين ظُهُورِ الْمُخَصِّصِ يَتَغَيَّرُ الِاعْتِقَادُ فإنه مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ أَغْلَظَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَوْلَ فيه بِسَبَبِهِ بِخِلَافِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً فإن له وَجْهًا وَجِيهًا قال الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ هُمَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا قبل مَجِيءِ وَقْتِ الْعَمَلِ وَالْحَقُّ فيها ما اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعُمُومَ ظَاهِرٌ وَالْعَمَلَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَثَانِيَتُهُمَا عِنْدَ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْغَزَالِيِّ وَالْحَقُّ فيها ما اخْتَارَهُ وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ من كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْهُجُومُ على الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْعُمُومِ دُونَ الْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصِ وَأَمَّا الْخِلَافُ الْمَحْكِيُّ عن الصَّيْرَفِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ فَهُوَ حُكْمُ مُقْتَضَى الْعُمُومِ ابْتِدَاءً وَيَعْتَمِدُ على ظُهُورِ التَّخْصِيصِ ابْتِدَاءً وَالْخِلَافُ في الْعَامِّ في إجْرَائِهِ على عُمُومِهِ وفي الْخَاصِّ في إجْرَائِهِ على حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَنْ أَوْجَبَ الِاسْتِقْصَاءَ عن الْمُخَصِّصِ أَوْجَبَ الْبَحْثَ عن الْمُقْتَضَى بِحَمْلِ اللَّفْظِ على الْمَجَازِ وَهَكَذَا جَعَلَ الْهِنْدِيُّ خِلَافَ الصَّيْرَفِيِّ قبل حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ قال فَإِنْ حَضَرَ وَقْتُهُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ إجْمَاعًا لَكِنْ مع الْجَزْمِ بِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ عِنْدَ جَمْعٍ كَالْقَاضِي وَمَعَ ظَنِّهِ عِنْدَ آخَرِينَ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَالْغَزَالِيِّ وهو الْأَوْلَى انْتَهَى وقد سَبَقَ أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ وَالْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا النَّقْلَ عنه من غَيْرِ فَرْقٍ بين حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ لَا وَنَقْلُهُ الْإِجْمَاعَ في الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَسْتَقِيمُ لِمَا سَيَأْتِي من كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ

قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا حَضَرَ وَقْتُ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ فَقَدْ يَقْطَعُ الْمُكَلَّفُ بِمُقْتَضَى الْعُمُومِ لِقَرَائِنَ تَتَوَفَّرُ عِنْدَهُ فَيَصِيرُ الْعَامُّ كَالنَّصِّ وقد لَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِلْقَطْعِ بَلْ يَغْلِبُ على ظَنِّهِ الْعُمُومُ فَيَعْمَلُ بِنَاءً على غَلَبَةِ الظَّنِّ كما في خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ الْمَذَاهِبُ في الْمُدَّةِ التي يَجِبُ فيها الْبَحْثُ عن مُخَصِّصٍ الْأَمْرُ الْخَامِسُ إذَا أَوْجَبْنَا الْبَحْثَ عن الْمُخَصِّصِ فَاخْتُلِفَ في الْمُدَّةِ التي يَجِبُ فيها الْبَحْثُ على أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ حَكَاهَا في الْمُسْتَصْفَى أَحَدِهَا يَكْفِيهِ أَدْنَى نَظَرٍ وَبَحْثٍ كَاَلَّذِي يَبْحَثُ عن مَتَاعٍ في بَيْتٍ وَلَا يَجِدُهُ فَيَغْلِبُ على ظَنِّهِ عَدَمُهُ وَالثَّانِي يَكْفِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِالِانْتِفَاءِ عِنْدَ الِاسْتِقْصَاءِ في الْبَحْثِ وَالثَّالِثِ لَا بُدَّ من اعْتِقَادٍ جَازِمٍ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ وَلَا يَكْفِي الظَّنُّ وَرَابِعِهَا لَا بُدَّ من الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ الْأَدِلَّةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي وَالْقَطْعُ بِهِ مُمْكِنٌ وَمَنَعَ غَيْرُهُ ذلك الْإِمْكَانَ لِأَنَّ غَايَةَ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ الِاسْتِقْصَاءِ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الْوِجْدَانِ على عَدَمِ الْوُجُودِ وَلَا يَلْزَمُ منه إلَّا الظَّنُّ بِعَدَمِ الْوُجُودِ لَا الْقَطْعُ بِعَدَمِهِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ الْأَدِلَّةِ وَاحْتِمَالِ الشُّذُوذِ وقال الْقَاضِي وَلَا يَكْفِي عَدَمُ وُجْدَانِ الْمُخَصِّصِ لِمُجْتَهِدٍ سَابِقٍ وَلَا قَوْلُهُ وَلَوْ كان الْحُكْمُ خَاصًّا لَنَصَبَ اللَّهُ عليه دَلِيلًا لِلْمُكَلَّفِينَ وَلْيَكْفِهِمْ ذلك وَاعْلَمْ أَنَّ هذا الْقَوْلَ قَرِيبٌ من الذي قَبْلَهُ فإن الْمُعْتَقِدَ أَيْضًا لَا يُجَوِّزُ النَّقِيضَ وَإِلَّا لَكَانَ ظَانًّا لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ في أَنَّ الْمُعْتَقِدَ على الثَّالِثِ يَكُونُ مُصِيبًا في الْحُكْمِ وَإِنْ تَبَيَّنَ له الْغَلَطُ بَعْدَ ذلك وَالْقَاضِي يَرَى أَنَّ الِاعْتِقَادَ من غَيْرِ عِلْمٍ لَا يَكُونُ مَطْلُوبًا في الشَّرِيعَةِ قَالَهُ الْإِبْيَارِيُّ وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَالْغَزَالِيِّ وَالْمُحَقِّقِينَ الْأَوَّلُ فقال عليه تَحْصِيلُ عِلْمٍ أو ظَنٍّ بِاسْتِقْصَاءِ الْبَحْثِ أَمَّا الظَّنُّ فَبِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ في نَفْسِهِ وَأَمَّا الْقَطْعُ فَبِانْتِفَائِهِ في حَقِّهِ يَتَخَيَّرُ عن نَفْسِهِ عن الْوُصُولِ إلَيْهِ بَعْدَ بَذْلِ وُسْعِهِ وَهَذَا الظَّنُّ بِالصَّحَابَةِ في مَسْأَلَةِ الْمُخَابَرَةِ وَنَحْوِهَا وَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ في الْقِيَاسِ وَالِاسْتِصْحَابِ وَكُلُّ ما هو مَشْرُوطٌ بِنَفْيِ دَلِيلٍ آخَرَ

وَيَجْتَمِعُ من كَلَامِ الْأَصْحَابِ في الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ فَقَدْ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ كِلَاهُمَا في الْأَقْضِيَةِ ليس لِزَمَانِ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ وَإِنَّمَا هو مُعْتَبَرٌ بِمَا يُؤَدِّي الِاجْتِهَادُ إلَيْهِ من الرَّجَاءِ وَالْإِيَاسِ وقال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في كِتَابِهِ ليس لِمُدَّةِ الْبَحْثِ زَمَنٌ مُحَدَّدٌ وَلَكِنَّهَا مَعْقُولَةٌ وَهَذَا كما أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا لم يَجِدْ نَصًّا في الْحَادِثَةِ يَجْتَهِدْ حتى يَجِدَ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَيْسَ له في ذلك زَمَنٌ مُحَدَّدٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ من سمع النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَتْلُو آيَةً بِلَفْظٍ عَامٍّ كان عليه أَنْ يَسْتَوْعِبَهَا سَمَاعًا فَلَعَلَّهُ اسْتَثْنَى عَقِبَ الْكَلَامِ فإذا اسْتَوْعَبَهَا ولم يَجِدْ فيها اسْتِثْنَاءً وَلَا خُصُوصًا اعْتَقَدَ عُمُومَهَا وَعَمِلَ بِمَا يُوجِبُهُ لَفْظُهَا وَلَيْسَ لِمُدَّةِ الِاسْتِمَاعِ وَقْتٌ مُحَدَّدٌ وَلَكِنْ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ فَكَذَلِكَ من سمع آيَةً عَامَّةً نَظَرَ وَلَا مُدَّةَ لِنَظَرِهِ أَكْثَرَ من زَمَانٍ يَخْطُرُ بِبَالِهِ ما قد عَلِمَهُ من الْأُصُولِ فيه فَإِنْ لم يَجِدْ في ذلك ما يَدُلُّ على خُصُوصِهَا وَاحْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ أَجْرَاهَا على الْعُمُومِ وَإِنْ لم يَحْتَجْ سَأَلَ من يَعْلَمُ أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا أو ازْدَادَ في التَّأَمُّلِ بِمَا عِنْدَهُ من الْأُصُولِ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَتَنَبَّهَ بِهِ على خُصُوصٍ إنْ كان فيها كما سَأَلَ الصَّحَابَةُ عن قَوْله تَعَالَى ولم يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ وَقَالُوا أَيُّنَا لم يَظْلِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَسَأَلُوا النبي عليه السَّلَامُ عن قَوْلِهِ من أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَهُ كَرِهَ لِقَاءَهُ فَقَالُوا أَيُّنَا لَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ فَكَشَفَ لهم عن الْمَعْنَى وَلَيْسَ كُلُّ ما قَدَرَ حَصْرُهُ بِمِقْدَارٍ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ كما تَقُولُ في التَّوَاتُرِ أَنْ يَكُونَ عَدَدًا يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ على الْكَذِبِ قال وفي ذلك إبْطَالُ قَوْلِ من نَظَرَ إلَى إبْطَالِ النَّظَرِ في مَعْنَى الْعُمُومِ لِجَهْلِ الْمُدَّةِ التي يَقَعُ فيها النَّظَرُ وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَلَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ أَبَدًا بَلْ هو كَالْحَاكِمِ يَتَوَقَّفُ حتى يَسْأَلَ عن عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ هو الْوَاجِبُ دُونَ التَّكْرَارِ كَالْمُجْتَهِدِ تَنْزِلُ بِهِ الْحَادِثَةُ قال الشَّيْخُ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ الْمُوجِبُونَ لِلْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصِ إنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُجْتَهِدِ من نَظَرِهِ فِيمَا تَأَخَّرَ من النُّصُوصِ أو ما يَتَيَسَّرُ له مُرَاجَعَتُهُ مِمَّا سَتَعْرِفُهُ بِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ التَّوَقُّفَ حتى يَقَعَ على ما لَعَلَّهُ لم يَبْلُغْهُ من النُّصُوصِ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ مع قُرْبِ الْمُرَاجَعَةِ فَلَا يَصِحُّ وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّ عُلَمَاءَ الْأَمْصَارِ ما بَرِحُوا يُفْتُونَ بِمَا بَلَغَهُمْ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ على الْبَحْثِ في الْأَمْصَارِ وَالْبِلَادِ عَمَّا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا وَبِهَذَا يُجَابُ عن قَوْلِ الْقَائِلِ بِالْوُجُوبِ إنَّهُ لو كان كَذَلِكَ لَكَانَتْ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ

مُمْكِنَةً لِكُلِّ أَحَدٍ حَصَلَتْ له أَدْنَى أَهْلِيَّةٍ لِأَنَّا أَوَّلًا شَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلِاجْتِهَادِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اطِّلَاعَهُ على جُمْلَةٍ من النُّصُوصِ زَائِدَةٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا من له أَدْنَى أَهْلِيَّةٍ انْتَهَى مَنْشَأُ الْخِلَافِ في الْمَسْأَلَةِ الْأَمْرُ السَّادِسُ أَنَّ مَثَارَ الْخِلَافِ في وُجُوبِ الْبَحْثِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا التَّعَارُضُ بين الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَالثَّانِي عَدَمُ الْمُخَصِّصِ هل هو شَرْطٌ في الْعُمُومِ أو التَّخْصِيصُ من بَابِ الْمُعَارِضِ فيه قَوْلَانِ يُؤْخَذَانِ مِمَّا سَبَقَ وَكَمَا في تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَالصَّيْرَفِيُّ يقول إنَّ التَّخْصِيصَ مَانِعٌ فَ يَتَمَسَّكُ بِالْعُمُومِ ما لم يَنْتَهِضْ الْمَانِعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وابن سُرَيْجٍ يقول عَدَمُهُ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ من تَحَقُّقِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يقول صِيَغُ الْعُمُومِ لَا تَدُلُّ على الِاسْتِيعَابِ إلَّا عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَرَائِنِ وَانْتِفَاءُ الْقَرَائِنِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ من الْبَحْثِ هَكَذَا نَقَلَهُ ابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ إنَّمَا يَدُلُّ على الْعُمُومِ صِيغَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَالتَّجَرُّدُ لم يَثْبُتْ قال وَهَذَا كما تَقُولُ إذْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ شَاهِدَانِ لَا يَعْرِفُ حَالَهُمَا فإنه يَجِبُ السُّؤَالُ عن عَدَالَتِهِمَا وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بها قبل السُّؤَالِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَانِ مع الْعَدَالَةِ لَا الشَّاهِدُ فَقَطْ انْتَهَى هل يُؤَوَّلُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْبَحْثِ في الْمُخَصِّصِ إلَى الْقَوْلِ بِالْوُقُوفِ في صِيَغِ الْعُمُومِ الْأَمْرُ السَّابِعُ يَلْزَمُ على الْمُصَحِّحِ من قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْجُمْهُورِ الْقَوْلُ بِالْوَقْفِ في صِيَغِ الْعُمُومِ فَإِنَّا لم نَعْتَقِدْ أَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ في الْعُمُومِ وَلَا يَجْرِي عليه حتى يَبْحَثَ عن الْمُخَصِّصِ فَقَدْ تَرَكَ الْقَوْلَ بِالْعُمُومِ وَصَارَ إلَى مَذْهَبِ الْوَاقِفِيَّةِ وَعَلَى هذا جَرَى ابن فُورَكٍ في كِتَابِهِ وهو من الْوَاقِفِيَّةِ فقال غَلِطَ عَلَيْنَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَزَعَمَ أَنَّ الْمَذْهَبَيْنِ يَفْتَرِقَانِ فإن أَبَا الْعَبَّاسِ يُمْضِي الْعُمُومَ إذَا عَدِمَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِدَلَالَةِ غَيْرِ نَفْسِ الْكَلَامِ قال وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا بَلْ نَقُولُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكٌ وَلَا نَهْجُمُ على أَحَدِهِمَا إلَّا بِتَبَيُّنٍ وَبَحْثٍ فَإِنْ وَجَدْنَا ما يَخُصُّهُ عَمِلْنَا بِعُمُومِهِ وَرَجَعْنَا إلَى نَفْسِ الْكَلَامِ بِالْقَرِينَةِ وَلِهَذَا قال ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ بِنَاءُ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ على حَرْفٍ وهو أَنَّ اعْتِقَادَ الْعُمُومِ عِنْدَنَا

يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِغْرَاقِ وَالْقَوْلِ بِالْوَقْفِ وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا يُفْضِي إلَى ذلك وَلِهَذَا اخْتَارَ هو قَوْلَ الصَّيْرَفِيِّ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْوَاقِفِيَّةِ قد اتَّفَقَ على تَرْكِ الْهُجُومِ على إمْضَاءِ الْكَلَامِ على الْعُمُومِ قبل الْبَحْثِ إلَّا أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ يُمْضِيهِ على عُمُومِهِ إذَا عَدِمَ الدَّلَائِلَ الْخَاصَّةَ من نَفْسِهِ من غَيْرِ قَرِينَةٍ وَالْوَاقِفِيَّةِ يَقُولُونَ لَا بُدَّ من قَرِينَةٍ على خُصُوصِ حُكْمِ الِاسْتِيعَابِ قال إلْكِيَا في الْمَدَارِكِ ظَنَّ الْوَاقِفِيَّةُ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ يُوَافِقُهُمْ على مَذْهَبِهِمْ فإنه قال الْأَلْفَاظُ تُطْلَقُ وَالْقَصْدُ منها الْمَعَانِي التي تَحْتَهَا فَيَكُونُ الْكَلَامُ عَامًّا في اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جميعا وقد يَكُونُ عَامَّ اللَّفْظِ وَالْمُرَادُ منه مَعْنًى دُونَ مَعْنًى فإذا وَرَدَ في الْكَلَامِ نَظَرْنَا فإذا كان هُنَاكَ دَلَائِلُ تَدُلُّ على أَنَّهُ لِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى صُيِّرَ إلَى ذلك وَإِلَّا أُجْرِيَ على عُمُومِهِ قال وَذَكَر الشَّافِعِيُّ في كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ ما يُومِئُ إلَيْهِ فإنه قال وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ طَلَبُ الدَّلَائِلِ لِيُفَرِّقُوا بين الْحَتْمِ وَغَيْرِهِ في الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ على وُجُوبِ طَلَبِ الدَّلَائِلِ الْمُمَيِّزَةِ بين مَوَاقِعِ الْكَلَامِ ولم يَكِلْهُمْ إلَى نَفْسِ الْكَلَامِ قال وَهَذَا الظَّنُّ غَلَطٌ لِأَنَّ أَبَا الْحَسَن يَرَى أَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ في الْعُمُومِ وَالظَّاهِرُ يُفِيدُ الظَّنَّ وَالظَّنُّ إنَّمَا يَنْتَفِي بِالْبَحْثِ عن الْمُخَصِّصَاتِ وَالْوَاقِفِيَّةُ لَا يَرَوْنَ عَامًّا لَا ظَاهِرًا وَلَا نَصًّا انْتَهَى وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ على التَّخْصِيصِ ليس هو بِقَوْلِ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ طَلَبُوا ما يُمْنَعُ إجْرَاؤُهُ على ظَاهِرِهِ فَإِنْ لم يَجِدُوا ما يُوجِبُهُ عَمِلُوا بِظَاهِرِ لَفْظِهِ وَأَصْحَابُ الْوَقْفِ طَلَبُوا دَلِيلَهُ الذي يُبَيِّنُ مُرَادَهُ فَإِنْ لم يَجِدُوا لم يَعْمَلُوا بِشَيْءٍ منه وقال أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ ليس هذا بِآيِلٍ إلَى قَوْلِ الْوَقْفِ في الصِّيَغِ كما ظَنَّ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يقول إذَا لم يَجِدْ في الْأُصُولِ ما يَخُصُّهُ حَمَلَهُ على الْعُمُومِ وَالْأَشْعَرِيُّ لَا يقول ذلك وَيَتَوَقَّفُ فيه على الدَّلِيلِ فَافْتَرَقَا وقال سُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ نَحْنُ نُفَارِقُ الْوَاقِفِيَّةَ في الصِّيَغِ من وِجْهَتَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّا إذَا لم نَجِدْ في الْأُصُولِ قَرِينَةَ التَّخْصِيصِ أُجْرِيَ اللَّفْظُ على عُمُومِهِ وَالْأَشْعَرِيُّ لَا يقول ذلك لَكِنْ يَتَوَقَّفُ حتى يَدُلَّ الدَّلِيلُ على أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ

وَالثَّانِي أَنَّا نَطْلُبُ الدَّلِيلَ لِإِخْرَاجِ ما ليس بِمُرَادٍ بِاللَّفْظِ وَالْأَشْعَرِيُّ يَطْلُبُ الدَّلِيلَ لِمَعْرِفَةِ ما هو مُرَادٌ بِاللَّفْظِ فَهُوَ لِبَيَانِ الْمُحَالِ دُونَ بَيَانِ الْعُمُومِ تَقْسِيمُ الصَّيْرَفِيِّ الْعَامَّ إلَى قِسْمَيْنِ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ في الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ في مَوْضِعٍ منه قَسَّمَ الْعَامَّ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا ما يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ في جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَحُكْمُهُ الْعُمُومُ حتى يَعْلَمَ ما يَخُصُّهُ الدَّلِيلُ وَلَا يُتْرَكُ شَيْءٌ يَقَعُ عليه الِاسْمُ إلَّا لَزِمَ حُكْمُهُ الثَّانِي ما لَا يَقْدِرُ الْمُخَاطَبُ أَنْ يَأْتِيَ بِعُمُومِ ما اشْتَمَلَ عليه فَلَا يَلْزَمُ من ذلك إلَّا ما وَقَفَ عليه لِأَنَّهُ ليس بَعْضُهُ أَوْلَى من بَعْضٍ إذْ الْكُلُّ مَعْجُوزٌ عنه كَقَوْلِنَا لَا تَنَامُوا وَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تَشْرَبُوا فَهَذَا مِمَّا لَا يَقْدِرُ على الِامْتِنَاعِ فيه دَائِمًا فَلَا بُدَّ من التَّوَقُّفِ لِلْعَجْزِ عن دَوَامِ ذلك وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ وهو أَنْظَرُهَا أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ من الذي نهى عنه أَبَدًا حتى يَغْلِبَ عليه هذا كَلَامُهُ الْبَحْثُ عن مُخَصِّصٍ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ الْأَمْرُ التَّاسِعُ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ لِيَشْمَلَ ما إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وقال أبو نَصْرِ بن الصَّبَّاغِ في كِتَابِ عُدَّةِ الْعَالِمِ له في أُصُولِ الْفِقْهِ إنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ إنْ اقْتَضَى عَمَلًا مُؤَقَّتًا وَضَاقَ الْوَقْتُ عن طَلَبِ الْخُصُوصِ فَهَلْ يَعْمَلُ بِهِ أو يَتَوَقَّفُ قال فيه خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا وَهَذَا فيه رَدٌّ على من حَكَى الْإِجْمَاعَ في مِثْلِ هذه الْحَالَةِ كما سَبَقَ وَنَظِيرُهُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ هل يُقَلِّدُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ جَوَّزَهُ ابن سُرَيْجٍ وقال لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتَى بِهِ وقال الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له الْقَضَاءُ وَأَوْلَى وَمِنْهُمْ من طَرَدَ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ في الْقَضَاءِ قال الرَّافِعِيُّ وَمَنْ قال بِهِ فَقِيَاسُهُ طَرْدُهُ في الْفَتْوَى الْأَمْرُ الْعَاشِرُ أَنَّ هذا الْخِلَافَ لَا يَخْتَصُّ بِالْعُمُومِ بَلْ يَجْرِي في لَفْظِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إذَا وَرَدَا مُطْلَقَيْنِ كما ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ وابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ وَكَذَلِكَ الْحَقِيقَةُ إذَا وَرَدَتْ هل يُطْلَبُ لها مَجَازٌ أَمْ لَا وَعَمَّمَهُ الْغَزَالِيُّ وابن الْحَاجِبِ في كل دَلِيلٍ مع مُعَارِضِهِ قال الْغَزَالِيُّ وَكَذَلِكَ كُلُّ دَلِيلٍ يُمْكِنُ أَنْ يُعَارِضَهُ دَلِيلٌ فَهُوَ دَلِيلٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عن الْمُعَارِضِ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بين الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِعِلَّةٍ تُحِيلُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقَدِحَ فَرْقٌ فَعَلَيْهِ الْبَحْثُ عن

الْفَوَارِقِ جَهْدَهُ وَنَفْيِهَا ثُمَّ يَحْكُمُ بِالْقِيَاسِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِصْحَابُ وَكُلُّ ما هو مَشْرُوطٌ بِنَفْيِ دَلِيلٍ آخَرَ انْتَهَى لَكِنْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ هُنَا الْإِجْمَاعَ على أَنَّهُ لَا يَجِبُ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَقِيقَةِ طَلَبُ الْمَجَازِ وَإِنْ وَجَبَ عِنْدَ سَمَاعِ الْعَامِّ الْبَحْثُ عن الْخَاصِّ لِأَنَّ تَطَرُّقَ التَّخْصِيصِ إلَى الْعُمُومَاتِ أَكْثَرُ وهو ظَاهِرُ اسْتِدْلَالِ الْبَيْضَاوِيِّ في الْمَنَاهِجِ وَسَبَقَ في بَحْثِ الْحَقِيقَةِ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ في هذا الْأَصْلِ إنَّمَا هو في التَّوَقُّفِ لِأَجْلِ طَلَبِ التَّخْصِيصِ خَاصَّةً وَأَمَّا الْإِمْضَاءُ فَلَا خِلَافَ فيه فإنه قال في تَعْلِيقِهِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إنَّ الْقَاضِيَ يَتَوَقَّفُ في أَحْوَالِ الشُّهُودِ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِطَلَبِ الْجُرْحِ أو طَلَبِ الْعَدَالَةِ وَجْهَانِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في الْعُمُومِ إذَا وَرَدَ قال بَعْضُهُمْ ظَاهِرُ الِاسْتِغْرَاقِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ وَمِنْهُمْ من قال يَتَوَقَّفُ فيه طَلَبًا لِلتَّخْصِيصِ لَا طَلَبًا لِلْإِمْضَاءِ انْتَهَى وَبِهَذَا التَّصْوِيرِ يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ في الْمَسْأَلَةِ وإذا انْضَمَّ إلَى ما سَبَقَ خَرَجَ في الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مَسْأَلَةٌ الصُّورَةُ النَّادِرَةُ هل تَدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ اخْتَلَفُوا في الصُّوَرِ النَّادِرَةِ هل تَدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ لِصِدْقِ اللَّفْظِ عليها أو لَا لِأَنَّهَا لَا تَخْطِرُ بِالْبَالِ غَالِبًا وَبَنَى عليه أَصْحَابُنَا في الْمُسَابَقَةِ على الْفِيلِ فَمَنْ مَنَعَ ذلك ادَّعَى أَنَّهُ لم يَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ لَا سَبْقَ إلَّا في خُفٍّ أو حَافِرٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الدُّخُولِ فإنه قال في الْبَسِيطِ في بَابِ الْوَصِيَّةِ لو أَوْصَى بِعَبْدٍ أو رَأْسٍ من رَقِيقِهِ جَازَ دَفْعُ الْخُنْثَى وفي وَجْهٍ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وهو بَعِيدٌ لِأَنَّ الْعُمُومَ يَتَنَاوَلُهُ هذا لَفْظُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ دُخُولِهَا فإنه قال الشَّاذُّ يَجِيءُ بِالنَّصِّ عليه وَلَا يُرَادُ على الْخُصُوصِ بِالصِّيغَةِ الْعَامَّةِ انْتَهَى

وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في كِتَابِ الْعُمُومِ فقال إنَّ الْعُمُومَ إذَا وَرَدَ وَقُلْنَا بِاسْتِعْمَالِهِ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْغَالِبَ دُونَ الشَّاذِّ النَّادِرِ الذي لَا يَخْطِرُ بِبَالِ الْقَائِلِ كَذَا حَكَاهُ عنه ابن الْعَرَبِيِّ في كِتَابِ الزِّنَى من كِتَابِهِ الْقَبَسِ لَكِنْ حَكَى الرَّافِعِيُّ في بَابِ الْوَصِيَّةِ خِلَافًا فِيمَا إذَا أَوْصَى لِعَبْدٍ مُبَعَّضٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ يَنْبَنِي على أَنَّ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ هل تَدْخُلُ في الْمُهَايَأَةِ ثُمَّ قال وَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِإِدْرَاجِ الْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ في الْمُهَايَأَةِ أنها تَدْخُلُ لَا مَحَالَةَ أو تَكُونُ على الْخِلَافِ وَفِيمَا إذَا عَمَّتْ الْهِبَاتُ وَالْوَصَايَا في قُطْرٍ أنها تَدْخُلُ لَا مَحَالَةَ كَالْأَكْسَابِ الْعَامَّةِ أو هِيَ على الْخِلَافِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فيها النُّدُورُ انْتَهَى وَيَجِيءُ مِثْلُ هذا فِيمَا لو عَمَّ بَعْضُ النَّادِرِ في قُطْرٍ هل يَدْخُلُ في الْعُمُومِ وَقَلَّ من تَعَرَّضَ لِذِكْرِ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَقِيلَ إنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ حَكَاهُ ولم أَرَهُ في كُتُبِهِ وَإِنَّمَا حَكَوْا في بَابِ التَّأْوِيلِ الْخِلَافَ في تَنْزِيلِ الْعَامِّ على الصُّورَةِ النَّادِرَةِ بِخُصُوصِهَا فَنَقَلَ ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ في الْكَلَامِ على أَنَّ السَّبَبَ لَا يُخَصَّصُ أَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ بَعِيدَةٌ عن الْبَالِ عِنْدَ إطْلَاقِ الْمَقَالِ وَلَا تَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ فإن اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يَجُوزُ تَنْزِيلُهُ عليها لِأَنَّا نَقْطَعُ بِكَوْنِهَا غير مَقْصُودَةٍ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ لِعَدَمِ خُطُورِهَا بِالْبَالِ قال وَبَنَى على هذا أَصْحَابُنَا كَثِيرًا من الْمَسَائِلِ منها أَنَّهُمْ أَبْطَلُوا حَمْلَ أبي حَنِيفَةَ حَدِيثَ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ على الْمُكَاتَبَةِ وَقَالُوا الْمُكَاتَبَةُ نَادِرَةٌ من نَادِرٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ في النِّسَاءِ الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ نَادِرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِنَّ وَالْمُكَاتَبَاتُ نَادِرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَاءِ فَلَا يَجُوزُ تَنْزِيلُ الْعَامِّ عليها وَذَكَرَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ في هذه الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا فقال تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالصُّورَةِ النَّادِرَةِ إنْ تَقَدَّمَ عَهْدٌ يَدُلُّ عليه لم يَبْعُدْ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَيُّمَا رَجُلٍ دخل الدَّارَ أَكْرِمْهُ ثُمَّ يقول عَنَيْت بِهِ من تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ من خَوَاصِّي وَإِنْ لم يَظْهَرْ سَبْقُ عَهْدٍ فَاخْتَلَفُوا فيه فَقِيلَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِهِ اتِّكَالًا على احْتِمَالِ اللَّفْظِ الْقَرَائِنَ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إزَالَةُ الظَّاهِرِ بِنَاءً على تَقْدِيرِ حِكَايَاتٍ وَقَرَائِنَ فإن ذلك لَا يَسْلَمُ عنه

حَدِيثٌ وَبِالْجُمْلَةِ فَيُمْكِنُ أَخْذُ الْخِلَافِ من هذه الصُّورَةِ في مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ جَوَازَ التَّخْصِيصِ فَرْعُ شُمُولِ اللَّفْظِ وقد اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إطْلَاقَ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وقال لَا يَتَبَيَّنُ لي في كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فإنه لَا يَخْفَى عليه خَافِيَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ لَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْخُطُورِ بِبَالِ الْعَرَبِ في مُخَاطَبَاتِهَا فإذا كانت عَوَائِدُهُمْ إطْلَاقَ الْعَامِّ الذي يَشْمَلُ وَضْعًا صُورَةً لَا تَخْطِرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ غَالِبًا بِبَالِهِمْ فَوَرَدَ ذلك الْعَامُّ في كَلَامِ الْبَارِي تَعَالَى قُلْنَا إنَّهُ تَعَالَى لم يُرِدْ تِلْكَ الصُّورَةَ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ كِتَابَهُ على أُسْلُوبِ الْعَرَبِ في مُحَاوَرَاتِهَا وَعَادَاتِهَا في الْخِطَابِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ قال ابن الرِّفْعَةِ في الْمَطْلَبِ في بَابِ الْمُسَابَقَةِ كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَدُلُّ على أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ في الْعَامِّ ما خَطَرَ لَا لِلَّافِظِ بِهِ حين النُّطْقِ بِهِ وَهَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ في قَوْلِهِ عليه السَّلَامُ إذَا قُلْنَا إنَّ جَمِيعَ ما يَقُولُهُ عن وَحْيٍ وَاجْتِهَادٍ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ جَمِيعَ ما يَقُولُهُ عن وَحْيٍ فَلَا يَظْهَرُ اعْتِبَارُهُ لِأَنَّ مُوحِيَهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ وَجَوَابُهُ ما تَقَدَّمَ الثَّانِي أَطْلَقُوا هذا الْخِلَافَ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَدُومَ فَإِنْ دَامَ دخل قَطْعًا لِأَنَّ النَّادِرَ الدَّائِمَ يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ ثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ فِيمَا ظَهَرَ انْدِرَاجُهُ في اللَّفْظِ ولم يُسَاعِدْهُ الْمَعْنَى أَمَّا إذَا سَاعَدَهُ فَيَحْتَمِلُ الْقَطْعَ فيه بِالدُّخُولِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ فيه خِلَافٌ من الْخِلَافِ في بَيْعِ الْأَبِ مَالَ وَلَدِهِ من نَفْسِهِ وَبِالْعَكْسِ هل يَثْبُتُ فيه خِيَارُ الْمَجْلِسِ على وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا لَا فإن الْمُعَوَّلَ عليه الْخَبَرُ وهو إنَّمَا وَرَدَ في الْمُتَبَايِعَيْنِ وَالْوَلِيُّ قد تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَأَصَحُّهُمَا الثُّبُوتُ فإنه بَيْعٌ مُحَقَّقٌ وَغَرَضُ الشَّارِعِ إثْبَاتُ الْخِيَارِ في الْبَيْعِ وَإِنَّمَا خَصَّصَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالذِّكْرِ إجْرَاءً لِلْكَلَامِ على الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ كَذَا وَجَّهَهُ الْإِمَامُ في النِّهَايَةِ مَسْأَلَةٌ وَهَلْ يَدْخُلُ في الْعُمُومِ ما يَمْنَعُ دَلِيلُ الْعَقْلِ من دُخُولِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ خَالِقُ كل شَيْءٍ وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ اضْرِبْ كُلَّ من في الدَّارِ فيه

خِلَافٌ حَكَاهُ ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ من وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ مَرْجِعَ اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُهُ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ يُوجِبُ إخْرَاجَهُ منه وَالثَّانِي أَنَّهُ خَارِجٌ منه لِسُقُوطِهِ في نَفْسِهِ وَاللَّفْظُ لم يَتَنَاوَلْهُ أَصْلًا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ في التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَسْأَلَةٌ وَهَلْ يَدْخُلُ في الْعُمُومِ الصُّوَرُ غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ فيه قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ وقال ذَهَبَ مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِنَا إلَى وُجُوبِ وَقْفِ الْعُمُومِ على ما قَصَدَ بِهِ وَأَنْ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَإِنْ كانت الصِّيغَةُ تَقْتَضِيهِ وَبِهِ قال أبو بَكْرٍ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ من الشَّافِعِيَّةِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا إلَى مَنْعِ الْوَقْفِ فيه وَوُجُوبِ إجْرَائِهِ على مُوجِبِهِ لُغَةً قال وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ إلَى قَوْلِهِ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ على إبَاحَةِ كل نَوْعٍ مُخْتَلَفٍ في جَوَازِ أَكْلِهِ أو شُرْبِ بَعْضِ ما يَخْتَلِفُ في شُرْبِهِ وقد عَلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ من الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ في لَيْلَةِ الصِّيَامِ لَا يَحْرُمُ بَعْدَ النَّوْمِ نَسْخًا لِمَا تَقَدَّمَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ على وُجُوبِ الزَّكَاةِ في نَذْرٍ مُخْتَلَفٍ فيه أو نَوْعٍ مُخْتَلَفٍ في تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِ وَكَذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِالْخِطَابِ الْخَارِجِ على الْمَدْحِ وَالذَّمِّ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ على جَوَازِ الْجَمْعِ بين الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَنَحْوِهِ قُلْت وَسَتَأْتِي تَرْجَمَةُ الْمَسْأَلَةِ بِ الْعَامِّ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالذَّمُّ هل هو عَامٌّ أو لَا فَهِيَ فَرْدٌ من أَفْرَادِ هذه فَيُعَابُ على من ذَكَرَهُمَا في كِتَابِهِ من غَيْرِ تَنْبِيهٍ إلَى ما أَشَرْنَا إلَيْهِ وَظَهَرَ من هذا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى وَقْفَهُ على ما قَصَدَ بِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ عَامٍّ وَلِهَذَا مَنَعَ الزَّكَاةَ في الْحُلِيِّ مَنَعَ التَّمَسُّكَ في الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لِأَنَّ الْعُمُومَ لم يَقَعْ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا وَقَعَ هُنَا قَرِينَةَ الذَّمِّ وَقَرِينَةُ الذَّمِّ أَخْرَجَتْهُ عن الْعُمُومِ وَالْحَنَفِيَّةُ يَمِيلُونَ إلَيْهِ وَيَبْنُونَ عليه أُصُولًا في بَابِ الْوَقْفِ وَاسْتَنْبَطَ ابن الرِّفْعَةِ من كَلَامِ الْغَزَالِيِّ في الْفَتَاوَى أَنَّ الْمَقَاصِدَ تُعْتَبَرُ أَعْنِي مَقَاصِدَ الْوَاقِفِينَ فَيَتَخَصَّصُ بها الْعُمُومُ وَيَعُمُّ بها الْخُصُوصُ

تَنْبِيهٌ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هذه الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهَا لَا تُتَصَوَّرُ في كَلَامِ اللَّهِ الْمُنَزَّهِ عن الْغَفْلَةِ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ قال بِعَدَمِ خُطُورِهَا بِالْبَالِ وهو لَا يُتَصَوَّرُ في حَقِّ اللَّهِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَأْتِيَ الْعَرَبِيُّ بِلَفْظٍ عَامٍّ على قَصْدِ التَّعْمِيمِ مع ذُهُولِهِ عن بَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ فلما كان هذا مُعْتَادًا في لُغَةِ الْعَرَبِ كَذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَكُونَانِ على هذا الطَّرِيقِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ سِيبَوَيْهِ في كِتَابِهِ حَيْثُ وَقَعَ في الْقُرْآنِ الرَّجَا بِلَعَلَّ وَعَسَى وَنَحْوِ ذلك مِمَّا يَسْتَحِيلُ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ ذلك نَزَلَ مُرَاعَاةً لِلُغَتِهِمْ قَاعِدَةٌ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في بَابِ التَّأْوِيلِ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ تَقْسِيمًا نَافِعًا وَزَادَهُ وُضُوحًا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وهو أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ بِوَضْعِ اللُّغَةِ على ثَلَاثِ مَرَاتِبَ إحْدَاهَا ما ظَهَرَ منه قَصْدُ التَّعْمِيمِ بِقَرِينَةٍ زَائِدَةٍ على اللَّفْظِ مَقَالِيَّةٍ أو حَالِيَّةٍ بِأَنْ أَوْرَدَ مُبْتَدَأً لَا على سَبَبٍ لِقَصْدِ تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ فَلَا إشْكَالَ في الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى عُمُومِهِ قال إلْكِيَا وَالْقَرَائِنُ إمَّا أَنْ تَنْشَأَ عن غَيْرِ اللَّفْظِ كَالنَّكِرَةِ في سِيَاقِ النَّفْيِ وَالتَّعْلِيلِ فإنه أَمَارَةُ الْحُكْمِ على الْإِطْلَاقِ وَإِمَّا أَنْ يَنْشَأَ من اتِّسَاقِ الْكَلَامِ وَنَظْمِهِ على وَجْهٍ يَظْهَرُ منه قَصْدُ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ بَعْدَ أَنْ قَسَّمَ الْبَابَيْنِ قِسْمَيْنِ الثَّانِيَةُ ما يَعْلَمُ أَنَّ مَقْصُودَ الشَّرْعِ فيه التَّعَرُّضُ لِحُكْمٍ آخَرَ وَأَنَّهُ بِمَعْزِلٍ عن قَصْدِ الْعُمُومِ فَهَلْ يَتَمَسَّكُ بِعُمُومِهِ إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إرَادَةِ اللَّفْظِ بِغَيْرِهِ أو يُقَالُ لَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فيه مُجْمَلٌ فَيَتَبَيَّنُ من الْجِهَةِ الْأُخْرَى فيه قَوْلَانِ قال إلْكِيَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِعُمُومِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ لِأَنَّ الْعَرَبَ ما وَضَعَتْ لِلْوَعِيدِ لَفْظًا أَحْسَنَ منه

وَمَثَّلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ فإن اللَّفْظَ عَامٌّ في الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَكِنْ ظَهَرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ منه بَيَانُ قَدْرِ الْمُخْرَجِ لَا قَدْرِ الْمُخْرَجِ منه وَيُؤْخَذُ ذلك من قَوْلِهِ ليس فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ فَهَذَا لَا عُمُومَ له في قَصْدِهِ وَالْحَنَفِيُّ يَحْتَجُّ بِهِ في وُجُوبِ الزَّكَاةِ في الْحَرْثِ سَوَاءٌ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَالسِّيَاقُ لَا يَقْتَضِيهِ قال الشَّيْخُ وَالتَّحْقِيقُ عِنْدِي أَنَّ دَلَالَتَهُ على ما لم يُقْصَدْ بِهِ أَضْعَفُ من دَلَالَتِهِ على ما قُصِدَ بِهِ وَمَرَاتِبُ الضَّعْفِ مُتَفَاوِتَةٌ وَالدَّلَالَةُ على تَخْصِيصِ اللَّفْظِ وَتَعَيُّنِ الْمَقْصُودِ مَأْخُوذَةٌ من قَرَائِنَ وَتَضْعُفُ تِلْكَ الْقَرِينَةُ عن دَلَالَةِ اللَّفْظِ على الْعُمُومِ وَمِنْ فَوَائِدِ هذا أَنَّ ما كان غير مَقْصُودٍ يَخْرُجُ عنه بِذَلِكَ قَرِينَةُ الْحَالِ لَا يَكُونُ في قَرِينَةِ الذي يَخْرُجُ بِهِ الْعُمُومُ عن الْمَقْصُودِ وَهَذِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ التي حَكَى فيها الْخِلَافَ في وَقْفِ الْعُمُومِ على الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ الثَّالِثَةُ ما يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ ولم يَظْهَرْ فيه قَرِينَةٌ زَائِدَةٌ تَدُلُّ على التَّعْمِيمِ وَلَا على عَدَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ على الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فَيَحْتَجُّ بِهِ على إبْطَالِ شِرَاءِ الْكَافِرِ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فإن الْمِلْكَ نَفْيُ السَّبِيلِ قَطْعًا وَيَجُوزُ

أَنْ لَا يُرَادَ ذلك بِاللَّفْظِ قال الطَّبَرِيُّ وهو مُحْتَمَلٌ وَالْمَنْعُ منه ظَاهِرٌ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْوَاجِبُ في هذا الْقِسْمِ أَنَّهُ إذَا أُوِّلَ وَعُضِّدَ بِقِيَاسِ اتِّبَاعِ الْأَرْجَحِ في الظَّنِّ فَإِنْ اسْتَوَيَا وَقَفَ الْقَاضِي وقال الْغَزَالِيُّ هِيَ لِلْإِجْمَالِ أَقْرَبُ من الْعُمُومِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ في التَّمَسُّكِ بِهِ على إيجَابِ الْوِتْرِ وَبِالْآيَةِ السَّابِقَةِ على قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ وَكَذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ فإن إيجَابَ الْقِصَاصِ تَسْوِيَةٌ قال فَلَفْظُ الْخَيْرِ وَالسَّبِيلِ وَالِاسْتِوَاءِ إلَى الْإِجْمَالِ أَقْرَبُ قال وَلَيْسَ منه فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ خِلَافًا لِقَوْمٍ مَنَعُوا التَّمَسُّكَ بِعُمُومِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ الْفَصْلِ بين الْعُشْرِ وَنِصْفِهِ وهو فَاسِدٌ لِأَنَّ صِيغَتَهُ عَامَّةٌ لِأَنَّهَا من أَدَوَاتِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ السَّبِيلِ وَالْخَيْرِ وَالِاسْتِوَاءِ نعم تَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ في قَوْله تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ أَنَّهُ عَامٌّ أو مُجْمَلٌ وَسَنَذْكُرُهُ ذَيْلَ الْكَلَامِ في تَعْمِيمِ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُفْرَدِ

فَصْلٌ في تَقْسِيمِ صِيَغِ الْعُمُومِ الذي يُفِيدُ الْعُمُومَ إمَّا أَنْ يُفِيدَهُ من جِهَةِ اللُّغَةِ أو الْعُرْفِ أو الْعَقْلِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ صِيَغُ الْعُمُومِ التي تُفِيدُ الْعُمُومَ لُغَةً وَالْأُولَى على ضَرْبَيْنِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَهُ بِنَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا له أو بِوَاسِطَةِ اقْتِرَانِ قَرِينَةٍ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَعْنِي الذي يَدُلُّ بِنَفْسِهِ نَوْعَانِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِجَمْعِ الْمَفْهُومَاتِ كَلَفْظِ كل وَجَمِيعِ وَأَيِّ في حَالِ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ شَامِلًا لِلْكُلِّ فَإِمَّا أَنْ يُخَصَّصَ بِأُولِي الْعِلْمِ كَلَفْظِ من شَرْطًا أو اسْتِفْهَامًا فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْعُقَلَاءِ وقد تُسْتَعْمَلُ في غَيْرِهِمْ لِلتَّغَلُّبِ أو غَيْرِهِ وَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِغَيْرِ الْعَالَمِينَ فَإِمَّا أَنْ يَعُمَّهُمْ أو يَخْتَصَّ بِبَعْضِهِمْ وَالْأَوَّلُ ما الِاسْمِيَّةُ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إذَا كانت مَعْرِفَةً نَحْوُ هَاتِ ما رَأَيْت فَتُفِيدُ الْعُمُومَ فِيمَا عَدَا الْعَالَمِينَ من الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْجَمَادِ وَالْإِنْسَانِ وَقِيلَ إنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْعَالَمِينَ أَيْضًا كما في قَوْله تَعَالَى وَالسَّمَاءِ وما بَنَاهَا وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَنَحْوِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَخْتَصَّ عُمُومُ بَعْضِهِمْ فَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْأَمْكِنَةِ نَحْوُ أَيْنَ تَجْلِسْ أَجْلِسْ وَمِنْهُ حَيْثُ أو بِالْأَزْمِنَةِ نَحْو مَتَى تَقُمْ أَقُمْ الثَّانِي ما يُفِيدُ الْعُمُومَ لُغَةً لَا بِالْوَضْعِ بَلْ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ فَهُوَ إمَّا في جَانِبِ الثُّبُوتِ كَ لَامِ التَّعْرِيفِ التي لَيْسَتْ لِلْعَهْدِ وَلَامُ التَّعْرِيفِ إنَّمَا تُفِيدُ الْجِنْسَ إذَا دَخَلَتْ على الْجُمُوعِ أو على اسْمِ الْجِنْسِ الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ الْمُضَافِ لِهَذَيْنِ نَحْوُ عَبِيدِي أَحْرَارٌ وَعَبْدِي حُرٌّ وَإِمَّا في جَانِبِ الْعَدَمِ وَهِيَ النَّكِرَةُ في سِيَاقِ النَّفْيِ الْقِسْمُ الثَّانِي الذي يُفِيدُ الْعُمُومَ عُرْفًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ فإنه يُفِيدُ في الْعُرْفِ تَحْرِيمَ وُجُوهِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ التي تُفْعَلُ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ وَلَيْسَ ذلك مَأْخُوذًا من مُجَرَّدِ اللُّغَةِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ الذي يُفِيدُهُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ وهو على ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدِهَا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ وَلِعِلَّتِهِ إمَّا بِصَرَاحَتِهِ وَإِمَّا بِوَجْهٍ من وُجُوهِ الْإِيمَاءَاتِ فَيَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ أَيْنَمَا ثَبَتَ الْعِلَّةُ وَثَانِيهِمَا ما يُذْكَرُ جَوَابًا عن سُؤَالِ السَّائِلِ كما إذَا سُئِلَ عَمَّنْ أَفْطَرَ فَقِيلَ

من أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَيَعْلَمُ منه أَنَّ كُلَّ مُفْطِرٍ عليه مِثْلُهَا ثَالِثِهَا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ كَقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فإنه يَدُلُّ بِمَفْهُومٍ على أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ ليس بِظُلْمٍ وَهَذَا التَّقْسِيمُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ وَلَا يَخْلُو بَعْضُهُ عن نِزَاعٍ وَلَيْسَ شَامِلًا لِجَمِيعِ الصِّيَغِ كما سَيَأْتِي سَرْدُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْتَرَضَ عليه الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ من وما لَا يُفِيدَانِ أَيْضًا الْعُمُومَ إلَّا بِاسْتِضَافَةِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِمَا إمَّا الصِّلَةِ إنْ كَانَتَا مَوْصُولَيْنِ أو الْمُسْتَفْهَمِ عنهما إنْ كانت اسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ أو الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ إنْ كَانَا لِلشَّرْطِ وَلَوْ نَطَقَ وَاحِدٌ بِمَنْ وما وَحْدَهَا لم يُفِدْ كَلَامُهُ شيئا وَكَذَلِكَ كُلُّ وَجَمِيعُ فَلَا بُدَّ من إضَافَةِ لَفْظٍ إلَيْهِمَا حتى يَحْصُلَ الْعُمُومُ وهو اعْتِرَاضٌ عَجِيبٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ إفَادَةُ الْعُمُومِ عَلَيْهِمَا إنَّمَا يَتَوَقَّفُ مُطْلَقُ الْإِفَادَةِ في الْجُمْلَةِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِصِيَغِ الْعُمُومِ بَلْ بِجَمِيعِ التَّرَاكِيبِ وَذَكَرَ النَّقْشَوَانِيُّ في مُلَخَّصِهِ أَنَّ الْمُفِيدَ لِلْعُمُومِ لَا يَخْرُجُ عن ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةٍ كَجَمِيعِ وَكُلِّ وَمَتَى وما وَإِمَّا بِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِهِ كَالْمُعَرَّفِ بِ لَامِ الْجِنْسِ من الْجُمُوعِ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ أو بِزِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ يَعْنِي عن الْكَلِمَةِ أو بِ لَا النَّافِيَةِ وَغَيْرِهَا من أَدَوَاتِ النَّفْيِ وقال بَعْضُهُمْ هو قِسْمَانِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَ الْعُمُومَ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَجْمُوعًا وَالْمَعْنَى مُسْتَوْعَبًا سَوَاءٌ كان له مُفْرَدٌ من لَفْظِهِ أو لَا كَالنِّسَاءِ وَإِمَّا عَامٌّ بِمَعْنَاهُ فَقَطْ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفْرَدًا مُسْتَوْعَبًا لِكُلِّ ما يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَامٌّ بِصِيغَةٍ فَقَطْ إذْ لَا بُدَّ من تَعَدُّدِ الْمَعْنَى وَهَذَا الْعَامُّ مَعْنَاهُ إمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ مَجْمُوعَ الْأَفْرَادِ كَالْقَوْلِ وَالرَّهْطِ وَإِمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلَّ وَاحِدٍ نَحْوُ من وما الصِّيغَةُ الْأُولَى كُلُّ وَمَدْلُولُهَا الْإِحَاطَةُ بِكُلِّ فَرْدٍ من الْجُزْئِيَّاتِ إنْ أُضِيفَتْ إلَى النَّكِرَةِ أو الْأَجْزَاءِ إنْ أُضِيفَتْ إلَى مَعْرِفَةٍ وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ لِإِحَاطَتِهِ بِالرَّأْسِ وَالْكَلَالَةُ لِإِحَاطَتِهَا بِالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَمَعْنَاهَا التَّأْكِيدُ لِمَعْنَى الْعُمُومِ وَلِهَذَا قال الْقَاضِي

عبد الْوَهَّابِ ليس بَعْدَهَا في كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَعَمُّ منها وَلَا فَرْقَ بين أَنْ تَقَعَ مُبْتَدَأً بها أو تَابِعَةً تَقُولُ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَجَاءَنِي الْقَوْمُ كلهم فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُؤَكَّدَ بِهِ عَامٌّ وَهِيَ تَشْمَلُ الْعَاقِلَ وَغَيْرَهُ وَالْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ وَالْمُفْرَدَ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعَ فَلِذَلِكَ كانت أَقْوَى صِيَغِ الْعُمُومِ وَتَكُونُ في الْجَمِيعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ تَقُولُ كُلُّ الناس وَكُلُّ الْقَوْمِ وَكُلُّ رَجُلٍ وَكُلُّ امْرَأَةٍ قال سِيبَوَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِمْ كُلُّ رَجُلٍ كُلُّ رِجَالٍ فَأَقَامُوا رَجُلًا مَقَامَ رِجَالٍ لِأَنَّ رَجُلًا شَائِعٌ في الْجِنْسِ وَالرِّجَالُ الْجِنْسُ وَلَا يُؤَكَّدُ بها الْمُثَنَّى اسْتِغْنَاءً عنه بِكِلَا وَكِلْتَا وَلَا يُؤَكَّدُ بها إلَّا ذُو أَجْزَاءَ فَلَا يُقَالُ جاء زَيْدٌ كُلُّهُ قال ابن السَّرَّاجِ وَالضَّابِطُ أنها إمَّا أَنْ تُضَافَ لَفْظًا أو تُجَرَّدَ عن الْإِضَافَةِ وإذا أُضِيفَتْ فَإِمَّا إلَى مَعْرِفَةٍ أو إلَى نَكِرَةٍ فَهَذِهِ أَقْسَامٌ الْأَوَّلُ أَنْ تُضَافَ إلَى النَّكِرَةِ فَيَتَعَيَّنُ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى فِيمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ فِيمَا لها من ضَمِيرٍ وَخَبَرٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كان الْمُضَافُ إلَيْهَا مُفْرَدًا فَمُفْرَدًا وَمُثَنَّى فَمُثَنًّى وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ وَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ قال تَعَالَى كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ في الزُّبُرِ كُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ في عُنُقِهِ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عليها حَافِظٌ وَمَعْنَى الْعُمُومِ في هذا الْقِسْمِ كُلُّ فَرْدٍ لَا الْمَجْمُوعُ فإذا قِيلَ كُلُّ رَجُلٍ فَمَعْنَاهُ كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ من الرِّجَالِ وقد يَكُونُ الِاسْتِغْرَاقُ لِلْجُزْئِيَّاتِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِكُلِّ فَرْدٍ من جُزْئِيَّاتِ النَّكِرَةِ قد يَكُونُ مع ذلك الْحُكْمِ على الْمَجْمُوعِ لَازِمًا كَقَوْلِهِ كُلُّ مُشْرِكٍ مَقْتُولٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وقد لَا يَلْزَمُ كَقَوْلِنَا كُلُّ رَجُلٍ يُشْبِعُهُ رَغِيفٌ وما ذَكَرْنَا من وُجُوبِ مُرَاعَاةِ ما أُضِيفَتْ إلَيْهِ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا كان في جُمْلَتِهَا فَإِنْ كان في جُمْلَةٍ أُخْرَى جَازَ عَوْدُ الضَّمِيرِ على لَفْظِهَا أو على مَعْنَاهَا كَقَوْلِهِ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عليه ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لم يَسْمَعْهَا فَبِشَرِّهِ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وإذا عَلِمَ من آيَاتِنَا شيئا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لهم عَذَابٌ مُهِينٌ فَرَاعَى الْمَعْنَى في الْجَمِيعِ لِكَوْنِهِ في جُمْلَةٍ أُخْرَى وَعَلَى هذا فَلَا يَرِدُ اعْتِرَاضُ الشَّيْخِ أبي حَيَّانَ على الْقَاعِدَةِ بِبَيْتِ عَنْتَرَةَ جَادَتْ عليه كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ فَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كَالدِّرْهَمِ

حَيْثُ قال فَتَرَكْنَ وَقِيَاسُ ما قالوا تَرَكَتْ وَجَوَابُهُ ما سَبَقَ وَلِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ على الْعُيُونِ التي دَلَّ عليها كُلُّ عَيْنٍ وَلَا يَعُودُ على كل عَيْنٍ لِيُفِيدَ أَنَّ تَرْكَ كل حَدِيقَةٍ كَالدِّرْهَمِ نَاشِئٌ عن مَجْمُوعِ الْعُيُونِ لَا عن كل وَاحِدَةٍ الثَّانِي أَنْ يُضَافَ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْأَكْثَرُ مَجِيءُ خَبَرِهَا مُفْرَدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يوم الْقِيَامَةِ فَرْدًا وَقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ حِكَايَةً عن رَبِّهِ يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا من أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا من كَسَوْتُهُ وَقَوْلِهِ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ حَمْلًا على الْمَعْنَى وَكَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُكْمَ في هذه الْحَالَةِ كما في التي قَبْلَهَا من دَلَالَتِهَا على كل فَرْدٍ وَأَنَّ دَلَالَتَهَا فيه كُلِّيَّةٌ وَاقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ وَابْنِ مَالِكٍ أَنَّ مَدْلُولَهَا في هذه الْحَالَةِ الْمَجْمُوعُ فإنه جَوَّزَ فيها اعْتِبَارَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَلِهَذَا جَعَلَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ من الْحَنَفِيَّةِ كُلَّ الرِّجَالِ كُلًّا مَجْمُوعِيًّا وقال ابن فُورَكٍ الْقَائِلُ كُلَّ حَبَّةٍ من الْبُرِّ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ كُلِّيٌّ عَدَدِيٌّ بِخِلَافِ ما إذَا قال كُلَّ الْحَبَّاتِ منه غير مُتَقَوِّمٍ فإنه غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَجْمُوعُ وقد اسْتَضْعَفَ هذا منه فإن كُلَّ إذَا أُضِيفَ إلَى مَعْرِفَةٍ جَمْعٍ كانت ظَاهِرَةً في كل فَرْدٍ كما دَلَّ عليه الْأَمْثِلَةُ السَّابِقَةُ وقد نَقَلَ ابن السَّرَّاجِ عن الْمُبَرِّدِ في قَوْلِ الْقَائِلِ أَخَذْت الْعَشَرَةَ كُلَّهَا أَنَّ إضَافَةَ كُلٍّ إلَى الْعَشَرَةِ كَإِضَافَةِ بَعْضِهَا إلَيْهَا وَأَنَّ الْكُلَّ ليس الْمَعْنَى الْجُزْئِيَّ وَإِنَّمَا الْكُلُّ اسْمٌ لِأَجْزَائِهِ جميعا الْمُضَافَةِ إلَيْهِ وَاسْتَحْسَنَ ابن السَّرَّاجِ هذا الْكَلَامَ من الْمُبَرِّدِ وَكَأَنَّ مُرَادَ ابْنِ السَّاعَاتِيِّ إذَا أُرِيدَ بها الْمَجْمُوعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلًا قَوْلُنَا كُلُّ شَيْءٍ ليس مَعْنَاهُ كُلَّ الشَّيْءِ فإن الْأَوَّلَ كُلِّيٌّ عَدَدِيٌّ وَالثَّانِيَ كُلِّيٌّ مَجْمُوعِيٌّ فَالْخَلَلُ إنَّمَا جاء من تَمْثِيلِهِ بَعْدَ ذلك بِكُلِّ حَبَّةٍ من الْبُرِّ غَيْرِ مُتَقَوِّمَةٍ وَكُلُّ الْحَبَّاتِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَهَذَا جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِخِلَافِ كل شَيْءٍ فإنه مُفْرَدٌ مُعَرَّفٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وقال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الظَّاهِرُ التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَكُونَ الْمَعْرِفَةُ مُفْرَدًا أو جَمْعًا فَإِنْ كان مُفْرَدًا كانت لِاسْتِغْرَاقِ أَجْزَائِهِ وَيَلْزَمُ منه الْمَجْمُوعُ وَلِذَلِكَ يَصْدُقُ قَوْلُنَا كُلُّ

رُمَّانٍ مَأْكُولٌ وَلَا يَصْدُقُ كُلُّ الرُّمَّانِ مَأْكُولٌ لِدُخُولِ قِشْرِهِ وَإِنْ كان جَمْعًا احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ الْمَجْمُوعُ كما في قَوْلِنَا كُلُّكُمْ يَكْفِيكُمْ دِرْهَمٌ وَأَنْ يُرَادَ كُلُّ فَرْدٍ كَقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَلِذَلِكَ فَصَّلَهُ بَعْدُ فقال السُّلْطَانُ رَاعٍ وَالرَّجُلُ رَاعٍ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَكْثَرُ فَيُحْمَلُ عليه عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَلَا يَعْدِلُ إلَى الْأَوَّلِ إلَّا بِقَرِينَةٍ وإذا دَخَلَتْ كُلُّ على ما فيه الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَأُرِيدَ كُلُّ فَرْدٍ لِأَنَّ ذلك جَمْعٌ أو اسْمُ جَمْعٍ كَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ فَهَلْ نَقُولُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ هُنَا تُفِيدُ الْعُمُومَ على بَابِهَا وكل تَأْكِيدٌ لها أو أنها لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ حتى تَكُونَ كُلُّ تَأْسِيسًا لِلْعُمُومِ فيه نَظَرٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ من جِهَةِ أَنَّ كُلَّ إنَّمَا تَكُونُ تَأْكِيدًا إذَا كانت تَابِعَةً دُونَهَا إذَا كانت مُضَافَةً وقد يُقَالُ بِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تُفِيدُ الْعُمُومَ في مَرَاتِبَ ما دَخَلَتْ عليه وكل تُفِيدُ الْعُمُومَ في أَجْزَاءِ كُلٍّ من الْمَرَاتِبِ فإذا قُلْت كُلَّ الرِّجَالِ أَفَادَتْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ اسْتِغْرَاقَ كل مَرْتَبَةٍ من مَرَاتِبِ جَمْعِ الرَّجُلِ وَأَفَادَتْ كُلُّ اسْتِغْرَاقَ الْآحَادِ فَيَصِيرُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنًى وهو أَوْلَى من التَّأْكِيدِ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أنها لَا تَدْخُلُ في الْمُفْرَدِ وَالْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إذَا أُرِيدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْعُمُومُ وقد نَصَّ عليه ابن السَّرَّاجِ في الْأُصُولِ قُلْت وَلِهَذَا مَنَعَ دُخُولَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ على كُلٍّ وَاعْتَرَضَ قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ بَدَلَ الْكُلِّ من الْكُلِّ وَلَك أَنْ تَقُولَ لِمَا لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ على أَنَّ كُلَّ مُؤَكِّدَةٌ كما هو أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْدَهُ في الْمَجْمُوعِ الْمُعَرَّفِ قِيلَ وَمِنْ دُخُولِهَا على الْمُفْرَدِ الْمَعْرِفَةِ قَوْله تَعَالَى كُلُّ الطَّعَامِ كان حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ وَقَوْلُهُ عليه السَّلَامُ كُلُّ الطَّلَاقِ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ

الْمَعْتُوهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا من قِسْمِ الْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْجِنْسُ فَهُوَ جَمْعٌ في الْمَعْنَى وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عليه السَّلَامُ كُلُّ الناس يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ نعم إنْ أُرِيدَ بِالنَّاسِ وَاحِدٌ صَحَّ تَمْثِيلُهُ الثَّالِثُ أَنْ تُقْطَعَ عن الْإِضَافَةِ لَفْظًا فَيَجُوزُ فيها الْوَجْهَانِ الْإِفْرَادُ وَالْجَمْعُ قال اللَّهُ تَعَالَى كُلٌّ له أَوَّابٌ كُلٌّ آمَنَ بِاَللَّهِ كُلٌّ له قَانِتُونَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لم يَكُنْ في حَيِّزِ النَّفْيِ فَإِنْ كانت في حَيِّزِهِ كان الْكَلَامُ مَنْفِيًّا وَاخْتَلَفَ حُكْمُهَا بين أَنْ يَتَقَدَّمَ النَّفْيُ عليها وَبَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَ هِيَ على النَّفْيِ فإذا تَقَدَّمَتْ على حَرْفِ النَّفْيِ نَحْوُ كُلُّ الْقَوْمِ لم يَقُمْ أَفَادَتْ التَّنْصِيصَ على انْتِفَاءِ كل فَرْدٍ فَرْدٍ كما تَقَدَّمَ وَإِنْ تَقَدَّمَ النَّفْيُ عليها مِثْلُ لم يَقُمْ كُلُّ الْقَوْمِ لم يَدُلَّ إلَّا على نَفْيِ الْمَجْمُوعِ وَذَلِكَ يَصْدُقُ بِانْتِفَاءِ الْقِيَامِ عن بَعْضِهِمْ وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ عُمُومَ السَّلْبِ وَالثَّانِي سَلْبَ الْعُمُومِ من جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يَحْكُمُ فيه بِالسَّلْبِ عن كل فَرْدٍ وَالثَّانِي لم يُفِدْ الْعُمُومَ في حَقِّ كل أَحَدٍ بَلْ إنَّمَا أَفَادَ نَفْيَ الْحُكْمِ عن بَعْضِهِمْ قال الْقَرَافِيُّ وَهَذَا شَيْءٌ اخْتَصَّتْ بِهِ كُلُّ من بَيْنِ سَائِرِ صِيَغِ الْعُمُومِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُتَّفَقٌ عليها عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَيَانِ وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ عليه السَّلَامُ كُلُّ ذلك لم يَكُنْ لَمَّا قال له ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ وَقَوْلُ ذِي الْيَدَيْنِ له قد كان بَعْضُ ذلك وَوَجْهُهُ أَنَّ السُّؤَالَ بِ أَمْ عن أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لِطَلَبِ التَّعْيِينِ عِنْدَ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ على وَجْهِ الْإِبْهَامِ وإذا كان السُّؤَالُ عن أَحَدِهِمَا

فَالْجَوَابُ إمَّا بِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا أو بِنَفْيِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَانَ قَوْلُهُ كُلُّ ذلك لم يَكُنْ لِنَفْيِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى ظَنِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَوْ كان يُفِيدُ نَفْيَ الْمَجْمُوعِ لَا نَفْيَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكَانَ قَوْلُهُ كُلُّ ذلك لم يَكُنْ غير مُطَابِقٍ لِلسُّؤَالِ ولم يَكُنْ في قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ قد كان بَعْضُ ذلك جَوَابٌ له فإن السَّلْبَ الْكُلِّيَّ يُنَاقِضُهُ الْإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ وقد ذَكَرُوا في سَبَبِ ذلك طُرُقًا منه أَنَّ النَّفْيَ مع تَأَخُّرِ كُلٍّ مُتَوَجِّهٌ إلَى الشُّمُولِ دُونَ أَصْلِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ ما إذَا تَقَدَّمَتْ فإن النَّفْيَ حِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ قال الْجُرْجَانِيُّ من حُكْمِ النَّفْيِ إذَا دخل على كَلَامٍ وكان في ذلك الْكَلَامِ تَقْيِيدٌ على وَجْهٍ من الْوُجُوهِ أَنْ يَتَوَجَّهَ النَّفْيُ إلَى ذلك التَّقْيِيدِ دُونَ أَصْلِ الْفِعْلِ فإذا قِيلَ لم يَأْتِ الْقَوْمُ مُجْتَمَعِينَ كان النَّفْيُ مُتَوَجِّهًا إلَى الِاجْتِمَاعِ الذي هو قَيْدٌ في الْإِتْيَانِ دُونَ أَصْلِ الْإِتْيَانِ وَلَوْ قال قَائِلٌ لم يَأْتِ الْقَوْمُ مُجْتَمِعِينَ وكان لم يَأْتِهِ أَحَدٌ منهم لَقِيلَ له لم يَأْتُوكَ أَصْلًا فما مَعْنَى قَوْلِكَ مُجْتَمِعِينَ فَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فيه عَاقِلٌ وَالتَّأْكِيدُ ضَرْبٌ من التَّقْيِيدِ وَهَاهُنَا تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَوْرَدَ على قَوْلِهِمْ إنْ تَقَدَّمَ النَّفْيُ على كُلٍّ لِسَلْبِ الْعُمُومِ وَلَا يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ قَوْله تَعَالَى إنْ كُلُّ من في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرحمن عَبْدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذلك بِمَا إذَا لم يُنْتَقَضْ النَّفْيُ فَإِنْ انْتَقَضَ فَالِاسْتِغْرَاقُ بَاقٍ كَالْآيَةِ وَيَكُونُ لِعُمُومِ السَّلْبِ وَمِنْهُ ما كُلُّ رَجُلٍ إلَّا قَائِمٌ وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّفْيَ لِلْمَجْهُولِ وما بَعْدَ إلَّا لَا تَسَلُّطَ لِلنَّفْيِ عليه لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ وهو في الْمُفَرَّغِ مُسْتَنِدٌ لِمَا قَبْلَهَا وهو كُلُّ فَرْدٍ كما كان قبل دُخُولِ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَ النَّهْيِ فِيمَا سَبَقَ حُكْمُ النَّفْيِ فإذا قُلْت لَا تَضْرِبْ كُلَّ رَجُلٍ أو كُلَّ الرِّجَالِ كان النَّهْيُ عن الْمَجْمُوعِ لَا عن كل وَاحِدٍ وَلَوْ قُلْت كُلَّ الرِّجَالِ لَا تَضْرِبْ كان عُمُومًا في السَّلْبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كل فَرْدٍ وَلِذَلِكَ قال الْفُقَهَاءُ لو قال وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُ كُلَّ رَجُلٍ إنَّمَا يَحْنَثُ بِكَلَامِهِمْ كُلِّهِمْ فَلَوْ كَلَّمَ وَاحِدًا لم يَحْنَثْ وَهَذَا وَإِنْ لم يَكُنْ نَهْيًا فَهُوَ في حُكْمِهِ وقد رَدَّ بَعْضُهُمْ هذه الْقَاعِدَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ وَنَظَائِرِهِ فإنه لم يَزَلْ الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ

على ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِكُلِّ فَرْدٍ وَكَذَلِكَ قال الْفُقَهَاءُ فِيمَا لو قال وَاَللَّهِ لَا أَطَأُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ يَكُونُ مُولِيًا من كل وَاحِدَةٍ وَيَتَعَلَّقُ بِوَطْءِ كل وَاحِدَةٍ الْحِنْثُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين تَقَدُّمِ النَّفْيِ وَتَأَخُّرِهِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْحُكْمَ السَّابِقَ لَا يَخْتَصُّ بِ كُلٍّ بَلْ يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ صِيَغِ الْعُمُومِ كَقَوْلِكَ لَا تَضْرِبْ الرِّجَالَ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ قال إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي ثُبُوتَ النَّهْيِ لِكُلِّ فَرْدٍ وَجَعَلَ هذا وَارِدًا على قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ كُلِّيَّةٌ ولم يَفْصِلُوا في النَّفْيِ وَالنَّهْيِ بين تَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا وَجَعَلَ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ إنَّمَا ثَبَتَ الْعُمُومُ فيه لِكُلِّ فَرْدٍ بِقَرِينَةٍ أو بِجَعْلِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ في مِثْلِ ذلك لِمُجَرَّدِ الْجِنْسِ لَا الْعُمُومِ لِلْقَرِينَةِ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التِّبْيَانِ في عِلْمِ الْبَيَانِ في صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ مع كُلٍّ فقال إذَا قُلْت لَا تَضْرِبْ الرَّجُلَيْنِ كِلَيْهِمَا كان النَّهْيُ ليس بِشَامِلٍ وَمِنْ ثَمَّ قالوا وَلَكِنْ اضْرِبْ أَحَدَهُمَا وَكَذَلِكَ لَا تَأْخُذْهُمَا جميعا وَلَكِنْ خُذْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَكِنْ تَقَدَّمَ عن الْقَرَافِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ هذا الْفَرْقَ بين تَقَدُّمِ النَّفْيِ وَعَدَمِهِ من خَصَائِصِ كُلٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بَلْ ما دَلَّ على مُتَعَدِّدٍ أو مُفْرَدٍ ذِي أَجْزَاءٍ كَذَلِكَ فإذا قُلْت ما رَأَيْت رِجَالًا أو ما رَأَيْت رَجُلَيْنِ أو ما أَكَلْت رَغِيفًا أو ما رَأَيْت رَجُلًا وَعَمْرًا كُلُّ ذلك سَلَبَ الْمَجْمُوعَ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ ما لو تَقَدَّمَ السَّلْبُ الثَّالِثُ قَوْلُهُمْ إنَّ السَّالِبَةَ الْكُلِّيَّةَ تَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عن كل فَرْدٍ وقد مَنَعَهُ بَعْضُهُمْ مُدَّعِيًا أنها اقْتَضَتْ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ من حَيْثُ هِيَ هِيَ وَالْمُسْتَلْزِمُ ذلك نَفْيُ الْحُكْمِ عن كل وَاحِدٍ وَعَنْ الْجُمْلَةِ وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ من الْأُصُولِيِّينَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ كُلٌّ تَأْكِيدًا بَلْ دَلَّ على مَعْنًى آخَرَ وهو نَفْيُ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَلْزِمِ لِنَفْيِ الْإِفْرَادِ وهو مَرْدُودٌ لِأَنَّ كُلًّا وَكُلَّمَا وَلَا شيئا وَلَا وَاحِدًا وَسَائِرَ كَلِمَاتِ السُّوَرِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ لَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى في الطَّبِيعِيَّةِ لَا في الْمُسَوَّرَةِ الرَّابِعُ هذا حُكْمُهَا في النَّفْيِ وَسَكَتُوا عن حُكْمِهَا في الشَّرْطِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَقَدُّمَهَا عليه كَتَقَدُّمِهَا على النَّهْيِ فَيَكُونُ الشَّرْطُ عَامًّا لِكُلِّ فَرْدٍ فإذا قُلْت كُلُّ رَجُلٍ إنْ قام فَاضْرِبْهُ وَكُلُّ عَبْدٍ لي إنْ حَجَّ فَهُوَ حُرٌّ فَمَنْ حَجَّ منهم عَتَقَ فَلَوْ قَدَّمْتَ الشَّرْطَ

فَقُلْت إنْ حَجَّ كُلُّ عَبْدٍ من عَبِيدِي فَهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُعْتَقُ أَحَدٌ منهم حتى يَحُجَّ جَمِيعُهُمْ وَمِنْ هذا قَوْله تَعَالَى وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بها الْخَامِسُ جَمِيعُ ما تَقَدَّمَ في كُلٍّ من إفَادَتِهَا اسْتِيعَابَ جُزْئِيَّاتِ ما دَخَلَتْ عليه إنْ كان نَكِرَةً أو جَمْعًا مُعَرَّفًا وَأَجْزَائِهِ إنْ كان مُفْرَدًا مَعْرِفَةً لَا فَرْقَ فيه بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَقِلَّةً أو تَابِعَةً مُؤَكَّدَةً مِثْلُ أَخَذْتُ الْعَشَرَةَ كُلَّهَا وَجَاءَ الْقَوْمُ كلهم وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدْخُلُ فيه التَّأْكِيدُ لَكِنَّ الْعُمُومَ فيها مُسْتَفَادٌ من الصِّيغَةِ الْمُؤَكِّدَةِ وكل جَاءَتْ لِلتَّنْصِيصِ على الْأَفْرَادِ وَعَدَمِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ إذَا وَقَعَتْ مُؤَكَّدَةً بين تَقْدِيمِهَا على نَفْيٍ أو تَقْدِيمِ النَّفْيِ عليها نَحْوُ لم أَرَ الْقَوْمَ كُلَّهُمْ وَالْقَوْمُ كلهم لم أَرَهُمْ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ لِسَلْبِ الْعُمُومِ وَالثَّانِي لِعُمُومِ السَّلْبِ كما إذْ تَقَدَّمَ في الْمُضَافَةِ قال الْقَرَافِيُّ لم أَرَ فيه نَقْلًا وَيُحْتَمَلُ طَرْدُ الْحُكْمِ في الْبَابَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّفْرِقَةَ من حَقَائِقِ الْمُسْتَقِلَّةِ دُونَ التَّابِعَةِ وَرَجَّحَ هذا لِأَنَّ وَضْعَ التَّأْكِيدِ تَقْرِيرُ السَّابِقِ فَلَوْ تَقَدَّمَ النَّفْيُ عليه لَا يَعُمُّ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْعُمُومِ قُلْت لَكِنْ صَرَّحَ ابن الزَّمْلَكَانِيِّ في الْبُرْهَانِ بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وهو التَّسْوِيَةُ اللَّفْظُ الثَّانِي جَمِيعٌ وما يَتَصَرَّفُ منها كَأَجْمَعَ وَأَجْمَعُونَ وَهِيَ مِثْلُ كل إذَا أُضِيفَتْ وَلَا تُضَافُ إلَّا إلَى مَعْرِفَةٍ وَتَكُونُ لِإِحَاطَةِ الْأَجْزَاءِ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ من جِهَةِ أَنَّ دَلَالَةَ كُلٍّ على كل فَرْدٍ بِطَرِيقِ النُّصُوصِيَّةِ بِخِلَافِ جَمِيعٍ وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا تَعُمُّ الْأَشْيَاءَ على سَبِيلِ الِانْفِرَادِ وجميعا تَعُمُّهَا على سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ وَذَكَرَ ابن الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيُّ في كِتَابِهِ النُّكَتِ أَنَّ الزَّجَّاجَ حَكَاهُ عن الْمُبَرِّدِ قُلْت وَإِنَّمَا نَقَلَ عنه بِالنِّسْبَةِ إلَى أَجْمَعِينَ في نَحْوِ قَوْله تَعَالَى فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كلهم أَجْمَعُونَ وَكَذَا حَكَاهُ ابن الْخَشَّابِ وابن إيَازٍ وَنَقَلَ ابن بَابْشَاذَ عنه خِلَافَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَجْمَعِينَ لَا يَقْتَضِي الِاتِّحَادَ في الزَّمَانِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا في أَنَّهُ إذَا جَمَعَ في التَّأْكِيدِ بين كُلٍّ وأجمع في أَنَّ التَّأْكِيدَ حَاصِلٌ بِهِمَا مَعًا أو بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حِدَتِهِ وَحِينَئِذٍ فما الذي أَفَادَهُ الثَّانِي وَرَفْعُ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ وَإِنْ حَصَلَ بِهِمَا جميعا فَكَيْفَ ذلك من الْوَاحِدِ إذَا اقْتَصَرَ عليه وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ وَتَقْوِيَتُهُ كما في

التَّوَابِعِ الْآتِيَةِ بَعْدَ أَجْمَعَ إنَّمَا تُفِيدُ تَمْكِينَهُ في النَّفْسِ وَمَنَعَ ابن مَالِكٍ وَالسُّهَيْلِيُّ جَوَازَ تَثْنِيَةِ أَجْمَعَ زَادَ السُّهَيْلِيُّ وَجَمْعَهُ لِأَنَّهُ في مَعْنَى كُلٍّ وَهِيَ لَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ لَكِنْ صَرَّحَ ابن سِيدَهْ وَالْجَوْهَرِيُّ بِأَنَّ أَجْمَعِينَ جَمْعُ أَجْمَعَ وَمَنَعَ ذلك الزَّوْزَنِيُّ في شَرْحِ الْمُفَصَّلِ وقال أَجْمَعُونَ ليس جَمْعًا لِأَجْمَعَ وَإِلَّا لَتَنَكَّرَ بِالْجَمْعِ كما يَتَنَكَّرُ الزَّيْدُون بَلْ هو مُرْتَجَلٌ كَذَلِكَ عُلِمَ مَعْنَاهُ وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ إفَادَةَ الْعُمُومِ من جَمِيعِ لِأَنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا إلَى مَعْرِفَةٍ تَقُولُ جَمِيعُ الْقَوْمِ قَوْمُكَ وَلَا تَقُولُ جَمِيعُ قَوْمٍ وَمَعَ التَّعْرِيفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أو الْإِضَافَةِ يَكُونُ الْعُمُومُ مُسْتَفَادًا منها لَا من لَفْظَةِ جَمِيعٍ وقد يُقَالُ إنَّ الْعُمُومَ مُسْتَفَادٌ من جَمِيعٍ وَالْأَلِفُ اللَّامُ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ أو هو مُسْتَفَادٌ من الْأَلِفِ وَاللَّامِ وجميع لِلتَّأْكِيدِ فَائِدَةٌ يُقَالُ جاء الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ بِضَمِّ الْمِيمِ لِأَنَّ أَجْمَعَ جَمْعُ جُمُعٍ كَعُبُدٍ وَأَعْبُدٍ وَلَا يُقَالُ بِفَتْحِ الْمِيمِ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ أَجْمَعُ الذي يُؤَكِّدُ لِإِضَافَتِهِ إلَى الضَّمِيرِ وَإِدْخَالِ حَرْفِ الْجَرِّ عليه وأجمع الْمَوْضُوعُ لِلتَّأْكِيدِ لَا يُضَافُ وَلَا يَدْخُلُ حَرْفُ الْجَرِّ عليه قَالَهُ الْحَرِيرِيُّ في الدُّرَّةِ لَكِنْ حَكَى ابن السِّكِّيتِ الضَّمَّ وَالْفَتْحَ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ اللَّفْظُ الثَّالِثُ سَائِرٌ إنْ كانت من سُورِ الْمَدِينَةِ وهو الْمُحِيطُ بها كما جَزَمَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ وقد عَدَّهَا الْقَاضِيَانِ أبو بَكْرٍ في مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ في الْإِفَادَةِ كما نَقَلَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ قُلْت وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فيها حِكَايَةُ ذلك ثُمَّ تَغْلِيطُهُ بِأَنَّهَا من أَسْأَرَ أَيْ أَبْقَى فَإِنْ كانت مَأْخُوذَةً من السُّؤْرِ بِالْهَمْزَةِ وهو الْبَقِيَّةُ فَلَا تَعُمُّ وَذَلِكَ هو الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ فيه الِاتِّفَاقَ وَغَلَّطُوا الْجَوْهَرِيَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَهُ السِّيرَافِيُّ في شَرْحِ سِيبَوَيْهِ وأبو مَنْصُورٍ الْجَوَالِيقِيُّ في شَرْحِ أَدَبِ الْكَاتِبِ وابن بَرِّيٍّ وَغَيْرُهُمْ وَأَوْرَدُوا فيه شَوَاهِدَ كَثِيرَةً فَيَكُونُ فيها اللُّغَتَانِ وقد مَنَعَ ابن وَلَّادٍ وَالْفَارِسِيُّ من النُّحَاةِ كَوْنَهُ من السُّؤْرِ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ تُقَالُ لِمَا فَضَلَ من الشَّيْءِ سَوَاءٌ قَلَّ أو كَثُرَ وَالسُّؤْرُ لَا يُقَالُ إلَّا لِلتَّقْلِيلِ الْفَاضِلِ وَسَائِرُ لَا يُقَالُ إلَّا لِلْأَكْثَرِ تَقُولُ أَخَذْتُ من الْكِتَابِ وَرَقَةً وَتَرَكْتُ سَائِرَهُ وَلَا تَقُولُ

بَقِيَّتَهُ قال وَلَا يُوجَدُ شَاهِدٌ يَدُلُّ على أَنَّ سَائِرَ بِمَعْنَى الْبَاقِي قَلَّ أو كَثُرَ بَلْ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ في الْأَكْثَرِ وَالظَّاهِرُ أنها لِلْعُمُومِ وَإِنْ كانت بِمَعْنَى الْبَاقِي خِلَافًا لِلْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَالْقَرَافِيِّ لِأَنَّ بها شُمُولَ ما دَلَّتْ عليه سَوَاءٌ كان بِمَعْنَى الْجَمِيعِ وَالْبَاقِي تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ تُرِيدُ تَعْمِيمَهُمْ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ مَعْشَرٌ وَمَعَاشِرُ وَعَامَّةٌ وَكَافَّةٌ وَقَاطِبَةٌ قال تَعَالَى يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً وفي الحديث نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا مَاتَ عليه السَّلَامُ ارْتَدَّتْ الْعَرَبُ قَاطِبَةً قال ابن الْأَثِيرِ أَيْ جَمِيعُهُمْ وَلَكِنَّ مَعْشَرَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا وقاطبة لَا يُضَافُ وعامة ( ( ( و ) ) ) وكافة ( ( ( عامة ) ) ) يُسْتَعْمَلَانِ مُضَافَيْنِ وَخَالِيَيْنِ الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ من وما الشَّرْطِيَّتَيْنِ أو الِاسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى من عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ يَقْنَطُ من رَحْمَةِ رَبِّهِ إلَّا الضَّالُّونَ وَقَوْلِهِ ما يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ من رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لها وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسَى وَهُمَا من صِيَغِ الْعُمُومِ بَلْ هُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ في أَعْلَى صِيغَةٍ قال صَاحِبُ الْمُحْكَمِ من اسْمٌ يُغْنِي عن الْكَلَامِ الْكَثِيرِ الْمُتَنَاهِي في التَّضَادِّ وَالطُّولِ فإذا قُلْت من يَقُمْ أَقُمْ معه كان كَافِيًا عن ذِكْرِ جَمِيعِ الناس وَلَوْلَا من لَاحْتَجْتَ إلَى ذِكْرِ الْأَفْرَادِ ثُمَّ لَا تَجِدْ إلَى ذلك سَبِيلًا أَمَّا الشَّرْطِيَّتَانِ فَبِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الِاسْتِفْهَامِيَّتَانِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ منهم الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ وابن السَّمْعَانِيِّ وابن الصَّبَّاغِ

وَغَيْرُهُمْ من أَصْحَابِنَا وأبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ وَالْبَزْدَوِيُّ من الْحَنَفِيَّةِ وَالْقُرْطُبِيُّ وَالْإِبْيَارِيُّ من الْمَالِكِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالْهِنْدِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُمَا لَيْسَا من الْعُمُومِ فإنه قَيَّدَ من بِالشَّرْطِيَّةِ ذَكَرَهُ في مَسْأَلَةِ عُمُومِهَا لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجَمِيعِ أَنَّهُمَا إذَا كَانَتَا مَوْصُولَتَيْنِ فَلَيْسَتَا لِلْعُمُومِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ فقال وَإِنْ كَانَتَا بِمَعْنَى الذي وَاَلَّتِي فَهُمَا حِينَئِذٍ مَعْرِفَةٌ وَلَيْسَتَا لِلْجِنْسِ وَلَكِنْ رُبَّمَا تَنَاوَلَا في الْمَعْرِفَةِ وَاحِدًا وَرُبَّمَا تَنَاوَلَا جَمْعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْهُمْ من يَسْتَمِعُونَ إلَيْكَ وَكَذَلِكَ قال سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ فَإِنْ وَرَدَا مَعْرِفَتَيْنِ بِمَعْنَى الذي لم يَدُلَّا على الْعُمُومِ هذا لَفْظُهُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ وَالْقَاضِي أبي بَكْرٍ في التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُمَا قَيَّدَا الْعُمُومَ بِالشَّرْطِيَّتَيْنِ وَالِاسْتِفْهَامِيَّتَيْ فَقَطْ لَكِنْ مَثَّلَ الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى لِعُمُومِ من بِقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ على الْيَدِ ما أَخَذَتْ حتى تُؤَدِّيَهُ وهو تَصْرِيحٌ بِعُمُومِ الْمَوْصُولَةِ وهو لَازِمٌ لِلْجَمِيعِ في مَسْأَلَةِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ في قَوْلِهِ إنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ من دُونِ اللَّهِ وَسُؤَالُ ابْنِ الزِّبَعْرَى وَعَلَيْهِ جَرَى الْقَرَافِيُّ وابن الْحَاجِبِ وابن السَّاعَاتِيِّ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عن صَاحِبِ التَّلْخِيصِ يَعْنِي النَّقْشَوَانِيَّ وَأَنْكَرَ ذلك الْأَصْفَهَانِيُّ وقال وَجَدْتُ كِتَابَ التَّلْخِيصِ مُصَرِّحًا بِخِلَافِ ذلك وَأَنَّهُمَا إذَا كَانَتَا مَوْصُولَتَيْنِ لَيْسَتَا لِلْعُمُومِ وقال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ من تَعُمُّ في الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ عُمُومَ الْأَفْرَادِ وفي الْخَبَرِ بِمَعْنَى الْمَوْصُولَةِ عُمُومَ الشُّمُولِ فإذا قُلْت من زَارَنِي فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا اسْتَحَقَّ كُلُّ من زَارَهُ الْعَطِيَّةَ وإذا قال أَعْطِ من في هذه الدَّارِ دِرْهَمًا اسْتَحَقَّ الْكُلُّ دِرْهَمًا وَاحِدًا وقد اُسْتُشْكِلَ قَوْلُنَا من لِلْعُمُومِ بِأَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا بِقَوْلِنَا من في الدَّارِ فإنه يَحْسُنُ الْجَوَابُ بِزَيْدٍ وَحِينَئِذٍ فَالْعُمُومُ كَيْفَ يَنْطَبِقُ عليه زَيْدٌ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ الْعُمُومَ وَكَذَلِكَ ما عِنْدَكَ فَتَقُولُ دِرْهَمٌ

وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هو بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الِاسْتِفْهَامِ لَا بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ في الدَّارِ وَالِاسْتِفْهَامُ عَمَّ جَمِيعَ الْمَرَاتِبِ وَكَأَنَّ الْمُسْتَفْهِمَ قال سَأَلَتْكَ عن كل أَحَدٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ في الدَّارِ لَا أَخَصُّ سُؤَالِي بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ وَالْوَاقِعُ من ذلك قد يَكُونُ فَرْدًا أو أَكْثَرَ فَالْعُمُومُ ليس بِاعْتِبَارِ الْوُقُوعِ بَلْ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِفْهَامِ الْأَمْرُ الثَّانِي قَوْلُ الْفُقَهَاءِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ إذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِلَفْظِ من اقْتَضَى مَشْرُوطَهُ مَرَّةً ولم يَتَكَرَّرْ الْحُكْمُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ كما لو قال من دخل دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وَدَخَلَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً اسْتَحَقَّهُ ولم يَسْتَحِقَّ شيئا آخَرَ بِدُخُولِهِ بَعْدَهُ وَكَذَا لو قال لِنِسَائِهِ من دَخَلَتْ مِنْكُنَّ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مَرَّةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً ولم تَطْلُقْ بِدُخُولٍ آخَرَ الْجَوَابُ أَنَّ من وَغَيْرَهَا من أَدَوَاتِ الشَّرْطِ إنَّمَا تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَشْخَاصِ لَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ فَلِهَذَا لم يَتَعَدَّدْ الطَّلَاقُ لِتَعَدُّدِ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي وُجُودَ الْجَزَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَمَّا التَّكْرَارُ فَلَا تَقْتَضِيهِ إلَّا أَنَّهُ قد يَتَحَقَّقُ التَّكْرَارُ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِوَاسِطَةِ قِيَاسٍ أو فَهْمِ أَنَّ الشَّرْطَ عِلَّةٌ فإن الْأَصْلَ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ على عِلَّتِهِ فَلَزِمَ التَّكْرَارُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى من عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ أَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِعُمُومِ الْأَفْعَالِ فَهِيَ كُلَّمَا وَمَتَى وما وَمَهْمَا فإذا عَلَّقَ بِشَيْءٍ منها اقْتَضَى التَّكْرَارَ وقد قال الْأَصْحَابُ لو قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا جَزَاءٌ وَأَوْرَدَ عليه أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْجَزَاءَ في قَتْلِ الصَّيْدِ وَعَلَّقَهُ بِلَفْظِ من بِقَوْلِهِ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا وَالْمُعَلَّقُ بِلَفْظِ من لَا يَتَكَرَّرُ فيه الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ نَحْوُ من دخل دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ لَا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ منهم الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ في بَابِ الْحَجِّ من الْمُعَايَاةِ فَقَالُوا إنَّمَا لم يَتَكَرَّرْ الْحُكْمُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ إذَا كان الْفِعْلُ الثَّانِي وَاقِعًا في مَحَلِّ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ كَالْمِثَالِ السَّابِقِ فَأَمَّا إذَا كان الْفِعْلُ الثَّانِي في غَيْرِ مَحَلِّ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَيَتَكَرَّرُ كما لو قال من دخل دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وَلَهُ عِدَّةُ دُورٍ فَدَخَلَ دَارًا له اسْتَحَقَّ دِرْهَمًا ثُمَّ لو دخل دَارًا أُخْرَى اسْتَحَقَّ دِرْهَمًا آخَرَ لَمَّا كانت الدَّارُ الثَّانِيَةُ غير الْأُولَى كَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا كان الصَّيْدُ الثَّانِي غير الْأَوَّلِ تَعَلَّقَ بِهِ ما تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ يُرِيدُ في قَوْله تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ وَوَقَعَ في كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَبَعْضِ نُسَخِ الْحَاوِي تَمْثِيلُ تَعَدُّدِ الْمَحَلِّ بِقَوْلِهِ من دخل دُورِي وهو

أَقْرَبُ وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي في هذا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا عِنْدَ دُخُولِهِ جَمِيعَ الدُّورِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ تَعَلَّقَ بِالْجَمِيعِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي إذَا اشْتَرَكَ جَمْعٌ في قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وقال مَالِكٌ وأبو حَنِيفَةَ على كُلٍّ منهم جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ وَلَفْظَةُ من إذَا عَلَّقَ عليها الْجَزَاءَ اسْتَوَى حَالُ الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ في اسْتِحْقَاقِهِ كَقَوْلِهِ من دخل دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَدَخَلَهَا وَاحِدٌ اسْتَحَقَّهُ أو جَمَاعَةٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ منهم دِرْهَمًا قال الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالشَّرْطُ إذَا عُلِّقَ عليه الْجَزَاءُ بِلَفْظِ من إذَا كان مَوْجُودًا من كل وَاحِدٍ من الْجَمَاعَةِ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ منهم جَزَاءً كَامِلًا نَحْوُ من دخل دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ منهم دِرْهَمٌ لِأَنَّ الدُّخُولَ مَوْجُودٌ من كل وَاحِدٍ منهم وَإِنْ كان الشَّرْطُ مَوْجُودًا من جَمَاعَتِهِمْ فَالْجَزَاءُ يُسْتَحَقُّ من جَمَاعَتِهِمْ دُونَ كل وَاحِدٍ منهم كَقَوْلِهِ من جاء بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَهُ دِرْهَمٌ وَمَنْ شَالَ الْحَجَرَ فَلَهُ دِرْهَمٌ فإذا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ في الْمَجِيءِ بِالْآبِقِ وَشَيْلِ الْحَجَرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ مُسْتَحَقًّا بين جَمَاعَتِهِمْ دُونَ كل وَاحِدٍ منهم وَاعْلَمْ أَنَّ من تَصْلُحُ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُفْرَدِ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ لَكِنْ هل الْعُمُومُ في جَمِيعِ هذه الْمَرَاتِبِ أو في الْآحَادِ فيه نَظَرٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قال وَيَظْهَرُ فِيمَا إذَا قال من دخل دَارِي من هَؤُلَاءِ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا بِدُخُولِهِ وَحْدَهُ وَنِصْفَ دِرْهَمٍ بِدُخُولِهِ مع الْآخَرِ وَإِنْ دخل ثَلَاثَةٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْطِيهِمْ ثَلَاثَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا وَعَلَى الثَّانِي يُعْطِيهِمْ ثَلَاثَةً إلَى الْآحَادِ كُلَّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا بِدُخُولِ الثَّلَاثَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثَةٌ لِأَنَّ صِفَةَ الِاثْنِينِيَّةِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فَيَسْتَحِقُّونَ بها ثَلَاثَةً لِكُلٍّ دِرْهَمٌ فَمَجْمُوعُ ما يَسْتَحِقُّونَهُ سَبْعَةٌ وَعَلَى هذا الْقِيَاسُ تَنْبِيهٌ أَطْلَقُوا أَنَّ من لِلْعُمُومِ في الْعُقَلَاءِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الذي دَخَلَتْ عليه صَالِحًا لِكُلِّ فَرْدٍ لِيُخْرِجَ ما لو قال الْأَمِيرُ من غَزَا مَعِي فَلَهُ دِينَارٌ قال في الْكِفَايَةِ في بَابِ السِّيَرِ خَرَجَ منه أَهْلُ الْفَيْءِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَيَخْرُجَ النِّسَاءُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ من قَاتَلَ مَعِي فَلَهُ دِينَارٌ

لِأَنَّ الْغَزْوَ حُكْمٌ لَا فِعْلٌ يَتَوَجَّهُ لِأَهْلِهِ وَيَخْرُجُ الصِّبْيَانُ منها لِأَنَّ الْجَعَالَةَ عَقْدٌ وَهِيَ لَا تَصِحُّ منهم وَكَذَا الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ لِوُجُودِ الْحَجْرِ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إلَيْهَا لِوَاحِدٍ لِيُخْرِجَ ما لو قال الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ طَلِّقْ من نِسَائِي من شِئْتَ قال الْقَاضِي في تَعْلِيقِهِ لَا يُطَلِّقْ الْوَكِيلُ إلَّا وَاحِدَةً في أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ بِخِلَافِ ما إذَا قال طَلِّقْ من نِسَائِي من شَاءَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ من شَاءَتْ الطَّلَاقَ وَجَرَى عليه النَّوَوِيُّ في زَوَائِدِهِ في كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْمَشِيئَةِ مُضَافٌ إلَى وَاحِدٍ فإذا اخْتَارَ وَاحِدَةً سَقَطَ اخْتِيَارُهُ وفي الثَّانِيَةِ الِاخْتِيَارُ مُضَافٌ إلَى جَمَاعَةٍ فَكُلُّ من اخْتَارَتْ طَلَقَتْ وَقَوْلُهُمْ من لِلْعُمُومِ في الْعُقَلَاءِ وَإِنْ أَرَادُوا أَصْلَ وَضْعِ اللُّغَةِ فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ من لِغَيْرِ الْعُقَلَاءِ وَحِينَئِذٍ فَالْعُمُومُ مُرَادٌ فيها كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ يَسْجُدُ من في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْعَاشِرُ أَيُّ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً أو اسْتِفْهَامِيَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَقَوْلِهِ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا وَلِهَذَا أَجَابَهُ الْكُلُّ عن نَفْسِهِ بِأَنَّهُ يَأْتِيهِ وقد ذَكَرَهَا في صِيَغِ الْعُمُومِ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ في بَابِ التَّأْوِيلَاتِ من الْبُرْهَانِ في قَوْلِهِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا وابن الصَّبَّاغِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وَالْقَاضِيَانِ أبو بَكْرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ قالوا وَيَصْلُحُ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ قال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في التَّلْخِيصِ إلَّا أنها تَتَنَاوَلُ على وَجْهِ الْإِفْرَادِ دُونَ الِاسْتِغْرَاقِ وَلِهَذَا إذَا قُلْت أَيُّ الرَّجُلَيْنِ عِنْدَك لم يُجِبْ إلَّا بِذِكْرِ وَاحِدٍ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَأَمَّا كَلِمَةُ أَيِّ فَقِيلَ كَالنَّكِرَةِ لِأَنَّهَا تَصْحَبُهَا لَفْظًا وَمَعْنًى تَقُولُ أَيُّ رَجُلٍ فَعَلَ هذا وَأَيُّ دَارٍ قال تَعَالَى أَيُّكُمْ

يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا وَهِيَ في الْمَعْنَى نَكِرَةٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بها وَاحِدٌ منهم انْتَهَى وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ أنها لِلِاسْتِغْرَاقِ الْبَدَلِيِّ لَا الشُّمُولِيِّ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّيْخِ أبي إِسْحَاقَ أنها لِلْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ فإنه قال فِيمَا إذَا قال لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَيَّتُكُنَّ حَاضَتْ فَصَوَاحِبَاتُهَا طَوَالِقُ فَقُلْنَ حِضْنَ وَصَدَّقَهُنَّ أَنَّهُ تُطْلَقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا وَذَكَرَ غَيْرُهُ من الْعِرَاقِيِّينَ وَخَرَجَ لنا من هذا أَنَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا لِلْعُمُومِ فَهَلْ هو عُمُومُ شُمُولٍ أَمْ بَدَلٍ وَجْهَانِ وَتَوَسَّعَ الْقَرَافِيُّ فَعَدَّى عُمُومَهَا إلَى الْمَوْصُولَةِ وَالْمَوْصُوفَةِ في النِّدَاءِ وَمِنْهُمْ من لم يَعُدَّهَا في الصِّيَغِ كَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ الْقُشَيْرِيّ لِأَجْلِ قَوْلِ النُّحَاةِ إنَّهَا بِمَعْنَى بَعْضٍ إنْ أُضِيفَتْ إلَى مَعْرِفَةٍ وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ أَيُّ وَقْتٍ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ كما في كُلَّمَا وَالْحَقُّ أَنَّ عَدَمَ التَّكْرَارِ لَا يُنَافِي الْعُمُومَ وَكَوْنُ مَدْلُولِهَا أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الصِّيَغِ في الِاسْتِفْهَامِ وقد سَبَقَ أَنَّ من وما الِاسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ لِلْعُمُومِ فَلْتَكُنْ أَيُّ كَذَلِكَ وقال صَاحِبُ اللُّبَابِ من الْحَنَفِيَّةِ وأبو زَيْدٍ في التَّقْوِيمِ كَلِمَةَ أَيٍّ نَكِرَةٌ لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ بِنَفْسِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا ولم يَقُلْ يَأْتُونِي وَلَوْ قال لِغَيْرِهِ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُمْ لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنْ وَصَفَهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ كانت لِلْعُمُومِ كَقَوْلِهِ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبُوهُ جميعا عَتَقُوا لِعُمُومِ فِعْلِ الضَّرْبِ وَصَرَّحَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ من صِيَغِ الْعُمُومِ فقال وَأَمَّا أَيُّ فَهُوَ اسْمُ فَرْدٍ يَتَنَاوَلُ جُزْءًا من الْجُمْلَةِ الْمُضَافَةِ قال تَعَالَى أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا وَإِنَّمَا جاء بِهِ وَاحِدٌ وقال أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَيُّ الرَّجُلِ أَتَاكَ وَلَا تَقُولُ أَيُّ الرِّجَالِ أَتَاكَ إذْ لَا عُمُومَ في الصِّيغَةِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ قال الْغَزَالِيُّ في فَتَاوِيهِ لو قال أَيُّ عَبِيدِي حَجَّ فَهُوَ حُرٌّ فَحَجُّوا كلهم لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ قال أَيُّ رَجُلٍ دخل الْمَسْجِدَ فَلَهُ دِرْهَمٌ فإنه يَقْصُرُ على الْوَاحِدِ وَهَذَا بَنَاهُ على أنها لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ وقال محمد بن الْحَسَنِ إذَا قال أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبُوهُ كلهم عَتَقُوا جميعا وَإِنْ قال أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَ جَمَاعَةً لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في فَتَاوِيهِ وفي فَتَاوَى الشَّاشِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بين

الصُّورَتَيْنِ وَأَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ جميعا عَمَلًا بِعُمُومِ أَيٍّ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ فقال أَيُّ أَعَمُّ الْمُبْهَمَاتِ وَزَعَمَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَنَّهُ على الْوَاحِدِ غَالِبًا وَلِذَلِكَ قال أبو حَنِيفَةَ وَأَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّ ذلك يُحْمَلُ على الْوَاحِدِ وَأَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّهُ يُحْمَلُ على الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْفِعْلَ الذي عَلَّقَ بِهِ الْحُرِّيَّةَ إلَى الْجَمَاعَةِ قال الْأُسْتَاذُ وَقُلْنَا بِعُمُومِ هذا اللَّفْظِ في الْمَوْضِعَيْنِ انْتَهَى وَوَجَّهَ ابن يَعِيشَ وَغَيْرُهُ من النُّحَاةِ مَسْأَلَتَيْ مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ بِأَنَّ الْفِعْلَ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَامٌّ وفي الثَّانِيَةِ خَاصٌّ فإنه في الْأُولَى مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ عَبِيدِي وَهِيَ كَلِمَةُ عُمُومٍ وفي الثَّانِيَةِ مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ وهو خَاصٌّ ثُمَّ قَرَّرُوا أَنَّ الْفِعْلَ يَعُمُّ بِعُمُومِ فَاعِلِهِ لَا بِعُمُومِ مَفْعُولِهِ من جِهَةِ أَنَّ الْفَاعِلَ كَالْجُزْءِ من الْفِعْلِ وهو لَا يُسْتَغْنَى عنه وَلَا كَذَلِكَ الْفِعْلُ وَالْمَفْعُولُ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ قد يَسْتَغْنِي عنه الْفِعْلُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَسْرِيَ عُمُومُ الْفَاعِلِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْرِيَ عُمُومُ الْمَفْعُولِ إلَى الْفِعْلِ وَهَذَا هو الذي وَجَّهَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فإنه قال فَرْعٌ إذَا قال طَلِّقْ من نِسَائِي من شِئْتَ لَا يُطَلِّقُ الْكُلَّ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وإذا قال طَلِّقْ من نِسَائِي من شَاءَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ من اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْصِيصَ وَالْمَشِيئَةَ مُضَافٌ بِمَعْنَى في الْأُولَى إلَى وَاحِدٍ فإذا اخْتَارَ وَاحِدَةً سَقَطَ اخْتِيَارُهُ وفي الثَّانِيَةِ الِاخْتِيَارُ مُضَافٌ إلَى جَمَاعَةٍ فَكُلُّ من اخْتَارَتْ طَلُقَتْ نَظِيرُهُ ما إذَا قال أَيُّ عَبْدٍ من عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا لَا يُعْتَقُ الثَّانِي لِأَنَّ حَرْفَ أَيِّ وَإِنْ كان حَرْفَ تَعْمِيمٍ فَالْمُضَافُ إلَيْهِ الضَّرْبُ وَاحِدٌ وإذا قال أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ عَبْدٌ ثُمَّ عَبْدٌ عَتَقُوا لِأَنَّ الضَّرْبَ مُضَافٌ إلَى جَمَاعَةٍ انْتَهَى وقد اعْتَرَضَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ بن عَمْرُونٍ النَّحْوِيُّ الْحَلَبِيُّ وقال لَا فَرْقَ بين الصُّورَتَيْنِ وَالْفِعْلُ عَامٌّ فِيهِمَا وَضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ في ذلك على حَدٍّ سَوَاءٍ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ الْعَبَّاسِ بن مِرْدَاسٍ يُخَاطِبُ النبي عليه السَّلَامُ وما كنت دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا وَمَنْ تَخْفِضْ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعْ فإن من الشَّرْطِيَّةُ عَامَّةٌ بِاتِّفَاقٍ وَالْمُرَادُ عُمُومُ الْفِعْلِ مُطْلَقًا مع أَنَّ الِاسْمَ الْعَامَّ هُنَا إنَّمَا هو ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ إذْ التَّقْدِيرُ وَمَنْ تَخْفِضْهُ الْيَوْمَ وهو عَائِدٌ على من وهو الِاسْمُ الْعَامُّ وَأَمَّا ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فَخَاصٌّ وهو ضَمِيرُ النبي عليه السَّلَامُ وَهَذَا وِزَانُ قَوْلِهِ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ التي ادَّعَى فيها عَدَمَ عُمُومَ الْفِعْلِ

وَاخْتَارَ ابن الْحَاجِبِ أَيْضًا التَّعْمِيمَ فِيهِمَا وقال نِسْبَةُ فِعْلِ الشَّرْطِ إلَى الْفَاعِلِ وَإِلَى الْمَفْعُولِ في اقْتِضَاءِ التَّعْمِيمِ في الْمَشْرُوطِ عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ وَأَنَّ التَّعْمِيمَ فِيمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فيه ليس من قَبِيلِ إثْبَاتِ الْمَشْرُوطِ بِتَكْرِيرِ الشَّرْطِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَأَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ في أَنَّهُ يُعْتَقُ الْمَضْرُوبُونَ لِلْمُخَاطَبِ كلهم كما يُعْتَقُ الضَّارِبُونَ لِلْمُخَاطَبِ كلهم وَاسْتَشْهَدَ على ذلك بِمَنْ فإنه قد تَسَاوَى فيها الْأَمْرَانِ قال اللَّهُ تَعَالَى من يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ فإنه مُسَاوٍ في الدَّلَالَةِ على التَّعْمِيمِ لِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى من يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَالْأَوَّلُ مَنْسُوبٌ في شَرْطِهِ إلَى عُمُومِ الْمَفْعُولِ وهو الْمَصْدَرُ مُنَازَعًا فيه الثَّانِي مَنْسُوبٌ إلَى عُمُومِ الْفَاعِلِ وهو الْمُتَّفَقُ عليه إذَا ثَبَتَ في من فَكَذَلِكَ في أَيٍّ بَلْ هِيَ من أَقْوَى من من في الدَّلَالَةِ على التَّفْصِيلِ تَنْبِيهٌ عَدَّى الْحَنَفِيَّةُ هذا إلَى أَيِّ عَبِيدِي ضُرِبَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ هَكَذَا قَالَهُ ابن جِنِّي لِأَنَّ الْفَاعِلَ وَإِنْ لم يُذْكَرْ فَهُوَ في حُكْمِ الْمَذْكُورِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وقد قالوا هُمْ فيه بِالْعُمُومِ أَكْثَرَ مِنَّا لِأَنَّهُمْ أَدْرَجُوا فيه جِلْدَ الْكَلْبِ تَنْبِيهٌ إذَا اتَّصَلَتْ أَيُّ بِمَا كانت تَأْكِيدًا لِأَدَاةِ الشَّرْطِ وَزَعَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ في بَابِ التَّأْوِيلِ أَنَّ ما الْمُتَّصِلَةَ بها لِلْعُمُومِ في نَحْوِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا فَاعْتَقَدَ أنها ما الشَّرْطِيَّةُ وهو وَهْمٌ وقد قَارَبَ الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى هُنَاكَ فَجَعَلَهَا مُؤَكِّدَةً لِلْعُمُومِ هو أَقْرَبُ مِمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ إلَى الصَّوَابِ لَكِنَّ الصَّوَابَ أنها تَوْكِيدٌ لِأَدَاةِ الشَّرْطِ وهو عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ من التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ كَأَنَّهُ كَرَّرَ اللَّفْظَ الْحَادِيَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الْخَامِسِ عَشَرَ مَتَى وَأَيْنَ وَحَيْثُ وَكَيْفَ وإذا الشَّرْطِيَّةُ أَمَّا مَتَى فَهِيَ عَامَّةٌ في الْأَزْمَانِ الْمُبْهَمَةِ كُلِّهَا كما قَيَّدَهُ ابن الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ولم

يُقَيِّدْهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُبْهَمَةِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا لَا يَتَحَقَّقُ وُقُوعُهُ فَلَا يَقُولُونَ مَتَى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَائْتِنِي بَلْ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَهِيَ عَكْسُ إذَا وَقِيلَ مَتَى تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَزْمِنَةِ وَلَا تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا لَا تَكْرَارَ فيه كما إذَا قِيلَ مَتَى قَتَلْتَ زَيْدًا وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ منها تَكْرَارُ الْفِعْلِ وَلَا تَقْتَضِي تَكْرَارًا على التَّحْقِيقِ فإذا قال مَتَى دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالطَّلَاقُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ وَهَذَا بِخِلَافِ كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لِاقْتِضَائِهَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ فإذا قال كُلَّمَا دَخَلْتِ فَمَعْنَاهُ كُلُّ دُخُولٍ يَقَعُ مِنْكِ لِأَنَّ كُلًّا إنَّمَا يُضَافُ لِلْأَسْمَاءِ وَيَنْضَمُّ إلَيْهَا ما لِتَصْلُحَ لِلدُّخُولِ على الْأَفْعَالِ فَهِيَ كَ رُبَّ وَأَمَّا أَيْنَ وَحَيْثُ فَيَعُمَّانِ الْأَمْكِنَةَ وقد ذَكَرَهُمَا ابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا كَيْفَ وإذا فَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْقَرَافِيُّ من الصِّيَغِ إذَا كانت كَيْفَ اسْتِفْهَامِيَّةً أو اتَّصَلَتْ بها ما إذَا جُوزِيَ بها وَهُمَا دَاخِلَانِ في إطْلَاقِهِمْ عُمُومَ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ حَيْثُمَا وَمَتَى ما من صِيَغِ الْعُمُومِ وقال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ مَتَى أَعَمُّ من إذَا السَّادِسَ عَشَرَ وما بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ مَهْمَا وَأَنَّى وَأَيَّانَ وَإِذْ ما على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وأي حِينٍ وَكَمْ أَمَّا مَهْمَا فَهِيَ اسْمٌ بِدَلِيلِ عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَيْهَا وَلَا يُعَادُ إلَّا إلَى الْأَسْمَاءِ وَهِيَ من أَدَوَاتِ الْجَزْمِ بِاتِّفَاقٍ وَتَجِيءُ لِلِاسْتِفْهَامِ قَلِيلًا وَأَمَّا أَنَّى فَأَصْلُهَا الِاسْتِفْهَامُ إمَّا بِمَعْنَى من أَيْنَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَنَّى لَكِ هذا وَإِمَّا بِمَعْنَى كَيْفَ كَقَوْلِهِ أَنَّى يُؤْفَكُونَ وَأَمَّا أَيَّانَ فَهِيَ في الْأَزْمَانِ بِمَنْزِلَةِ مَتَى لَكِنْ مَتَى أَشْهَرُ منها وَلِذَلِكَ تُفَسَّرُ أَيَّانَ بِمَتَى وَأَمَّا إذْ ما فَهِيَ من أَدَوَاتِ الشَّرْطِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَكُلُّهَا تَدْخُلُ في إطْلَاقِهِمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الشُّرُوطِ من صِيَغِ الْعُمُومِ وَلِمَا فيها من الْإِبْهَامِ وَعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِوَقْتٍ دُونَ غَيْرِهِ وَأَمَّا أَيُّ حِينٍ على طَرِيقَةِ من يَصِلُهَا من أَيِّ الْمُقَدَّمَةِ وَأَمَّا كَمْ الِاسْتِفْهَامِيَّة لَا الْخَبَرِيَّةُ فَإِنَّمَا عُدَّتْ من صِيَغِ الْعُمُومِ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ بها سَائِغٌ في جَمِيعِ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ لَا يَخْتَصُّ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ كما أَنَّ مَتَى

سَائِغَةٌ في جَمِيعِ الْأَزْمَانِ وأين في جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ ومن في جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ فإذا قِيلَ كَمْ مَالُكَ حَسُنَ الْجَوَابُ بِأَيِّ عَدَدٍ شِئْتَ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ الْأَسْمَاءُ الْمَوْصُولَةُ سِوَى ما تَقَدَّمَ من ما وَمَنْ وَأَيٍّ وَهِيَ الذي وَاَلَّتِي وَجُمُوعُهُمَا من الَّذِينَ وَاَللَّاتِي وَذُو الطَّائِيَّةِ وَجَمْعُهَا وقد بَلَغَ بِذَلِكَ الْقَرَافِيُّ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ صِيغَةً وقد صَرَّحَ بِأَنَّ الذي من صِيَغِ الْعُمُومِ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْإِفَادَةِ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ تَقْتَضِي الْعُمُومَ وقال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ من وما وَأَيُّ وَمَتَى وَنَحْوُهَا من الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ لَا تُسْتَوْعَبُ بِظَاهِرِهَا وَإِنَّمَا تُسْتَوْعَبُ بِمَعْنَاهَا عِنْدَ قَوْمٍ من حَيْثُ إنَّ الْإِبْهَامَ يَقْتَضِي ذلك وقال أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ إنَّهُ يَجْرِي في بَابِهِ مُجْرَى اسْمٍ مَنْكُورٍ كَقَوْلِنَا رَجُلٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ زَيْدًا أو عَمْرًا فَلَا يُصَارُ إلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْإِبْهَامُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ من وما إذَا كَانَتَا مَوْصُولَتَيْنِ لَا تَعُمَّانِ يقول بِأَنَّ الذي وَاَلَّتِي وَفُرُوعَهُمَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ أَمَّا الْحُرُوفُ الْمُوصَلَةُ فَلَيْسَتْ لِلْعُمُومِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا يَكُونُ الذي إذَا كانت جِنْسِيَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ من قَبْلِكَ إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لهم مِنَّا الْحُسْنَى إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُمُومَ في ذلك كُلِّهِ مُسْتَفَادٌ من الصِّيغَةِ أَمَّا الْعَهْدِيَّةُ فَلَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وقال الذي آمَنَ يا قَوْمِ قد سمع اللَّهُ قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا أو نَحْوِهِ وَعَدَّ الْحَنَفِيَّةُ من الصِّيَغِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الْمَوْصُولَةَ الدَّاخِلَةَ على اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَلَوْ قال لِعَبِيدِهِ الضَّارِبُ مِنْكُمْ زَيْدًا حُرٌّ وَلِنِسَائِهِ الدَّاخِلَةُ مِنْكُنَّ الدَّارَ طَالِقٌ عَتَقَ الْجَمِيعُ وَطُلِّقَ الْكُلُّ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ بِمَعْنَى الذي وهو ظَاهِرٌ على الْقَوْلِ الصَّحِيحِ إنَّهَا اسْمٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ لِمَا في الصِّفَةِ من الْجِنْسِيَّةِ وَتَكُونُ مُشْعِرَةً بِذَلِكَ وَمَنَعَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عُمُومَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمَوْصُولَةِ قال لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ دَاخِلَةٌ في الْمُوصَلَاتِ فَلَهُ حُكْمُ الْعُمُومِ لِجَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَخَرَجَ من هذا أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْأُصُولِيِّينَ

في إثْبَاتِ الْعُمُومِ من الْمُشْتَقَّاتِ الْمُعَرَّفَةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مِثْلُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ليس من مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهَذَا الذي ذَكَرَهُ فيه نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَا تَنْبِيهٌ جَعْلُ الْمَوْصُولَاتِ من صِيَغِ الْعُمُومِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ النُّحَاةَ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ الصِّلَةِ أَنْ يَكُونَ مَعْهُودَةً مَعْلُومَةً لِلْمُخَاطَبِ وَلِهَذَا كانت مُعَرِّفَةً لِلْمَوْصُولِ وَالْمَعْهُودُ لَا عُمُومَ فيه كما صَرَّحَ بِهِ ابن الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَإِنْ كانت اسْمًا فَلَا عُمُومَ فيها على ما سَبَقَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ في الْحَرْفِيَّةِ وَاَلَّذِي تَدْخُلُ عليه أَقْسَامٌ أَحَدُهَا الْجَمْعُ سَوَاءٌ كان سَالِمًا أو مُكَسَّرًا لِلْقِلَّةِ أو الْكَثْرَةِ وَسَوَاءٌ كان له وَاحِدٌ من لَفْظِهِ أَمْ لَا كَالزَّيْدَيْنِ وَالْعَالَمِينَ وَالْأَرْجُلِ وَالرِّجَالِ وَالْأَبَابِيلِ وَمَدْلُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآحَادُ الْمُجْتَمِعَةُ دَالًّا عليها دَلَالَةَ تَكْرَارِ الْوَاحِدِ قَالَهُ بَدْرُ الدِّينِ بن مَالِكٍ في أَوَّلِ شَرْحِ الْخُلَاصَةِ وَدَلَالَةُ الْجَمْعِ على كل وَاحِدٍ من أَفْرَادِهِ مُطَابِقَةٌ وَلِهَذَا مَنَعُوا أَنْ يُقَالَ جاء رَجُلٌ وَرَجُلٌ وَرَجُلٌ في الْقِيَاسِ إذْ لَا فَائِدَةَ في التَّكْرَارِ لِإِغْنَاءِ لَفْظِ الْجَمْعِ عنه فَلَوْ كانت دَلَالَتُهُ على رَجُلٍ بِالتَّضَمُّنِ لَكَانَ قَوْلُنَا رَجُلٌ وَرَجُلٌ وَرَجُلٌ مُشْتَمِلًا على فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ الثَّانِي اسْمُ الْجَمْعِ سَوَاءٌ كان له وَاحِدٌ من لَفْظِهِ أَمْ لَا كَرَكْبٍ وَصَحْبٍ وَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وما قِيلَ إنَّ قَوْمًا جَمْعُ قَائِمٍ كَصَوْمٍ وَصَائِمٍ وَهَمٌ قال ابن عُصْفُورٍ هذا النَّوْعُ لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ بَلْ هو مَحْفُوظٌ وقال ابن مَالِكٍ هو مَوْضِعٌ لِمَجْمُوعِ الْآحَادِ أَيْ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ على الِانْفِرَادِ وَكَذَا قال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قال وَحَيْثُ تَثْبُتُ الْآحَادُ فَلِدُخُولِهَا في الْمَجْمُوعِ حتى لو قال الرَّهْطُ أو الْقَوْمُ الذي يَدْخُلُ الْحِصْنَ فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ كان النَّفَلُ لِمَجْمُوعِهِمْ وَلَوْ دَخَلَهُ وَاحِدٌ لم يَسْتَحِقَّ شيئا فَإِنْ قُلْت إذَا لم يَتَنَاوَلْ كُلَّ وَاحِدٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدِ منه في مِثْلِ جَاءَنِي الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَالِاسْتِثْنَاءُ يُخْرِجُ ما يَجِبُ انْدِرَاجُهُ لَوْلَاهُ قُلْت من حَيْثُ إنَّ مَجِيءَ الْمَجْمُوعِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ كل وَاحِدٍ حتى لو كان الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِالْمَجْمُوعِ من حَيْثُ هو مَجْمُوعٌ من غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ فَرْدٍ لم يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ

مِثْلُ يُطِيقُ رَفْعَ هذا الْحَجَرِ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَهَذَا كما يَصِحُّ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا وَاحِدًا وَلَا يَصِحُّ الْعَشَرَةُ زَوْجٌ إلَّا وَاحِدًا إذْ ليس الْحُكْمُ على الْآحَادِ بَلْ على الْمَجْمُوعِ الثَّالِثُ اسْمُ الْجِنْسِ الذي يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ وَلَيْسَ مَصْدَرًا وَلَا مُشْتَقًّا منه كَتَمْرٍ وَشَجَرَةٍ وَهَذَا هو الْمَشْهُورُ أَعْنِي كَوْنَهُ اسْمَ جِنْسٍ وَالْغَزَالِيُّ يُسَمِّيهِ جَمْعًا وابن مَالِكٍ يُسَمِّيهِ اسْمَ جَمْعٍ فإنه عَدَّهُ في أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ لَكِنْ سَمَّاهُ في شَرْحِ الْكَافِيَةِ اسْمَ جِنْسٍ وَاخْتُلِفَ في مَدْلُولِهِ على أَقْوَالٍ أَصَحِّهَا أَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَالْجِنْسُ مَوْجُودٌ مع كُلٍّ من الثَّلَاثَةِ وَحَكَى الْكِسَائَيُّ عن الْعَرَبِ إطْلَاقَهُ على الْوَاحِدِ وقال بِهِ الْكُوفِيُّونَ سَوَاءٌ كان الْوَاحِدُ مُذَكَّرًا أو مُؤَنَّثًا قال الرَّاغِبُ في مُفْرَدَاتِهِ النَّحْلُ يُطْلَقُ على الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ على أَقَلَّ من ثَلَاثَةٍ قَالَهُ ابن جِنِّي وَتَبِعَهُ ابن مَالِكٍ وَالثَّالِثِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ إلَّا على جَمْعِ الْكَثْرَةِ وَنَقَلَ ذلك عن الشَّلَوْبِينَ وَابْنِ عُصْفُورٍ وهو مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ مَالِكٍ في بَابِ أَمْثِلَةِ الْجَمْعِ وَلِأَجْلِ ذلك أَوْرَدَهُ شُرَّاحُ سِيبَوَيْهِ على قَوْلِهِ بَابُ عِلْمِ ما الْكَلِمُ من الْعَرَبِيَّةِ وَقَالُوا إنَّمَا هِيَ اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ ثُمَّ أَجَابُوا بِأَنَّ تَحْتَ كل نَوْعٍ منها أَنْوَاعًا وَالرَّابِعِ الْمُثَنَّى نَحْوُ الزَّيْدَانِ وَالرَّجُلَانِ وما أُلْحِقَ بِهِ وَدَلَالَتُهُ على كُلٍّ مِنْهُمَا كَدَلَالَةِ الْجَمْعِ على أَفْرَادِهِ الْخَامِسُ الدَّالُّ على الْحَقِيقَةِ وَأَفْرَادُهُ مُتَمَيِّزَةٌ وَلَيْسَ له مُؤَنَّثٌ بِالتَّاءِ كَرَجُلٍ وَفَرَسٍ وَالْقَصْدُ بِهِ الْجِنْسُ مع الْوَحْدَةِ ما لم تَقْتَرِنْ بِمَا يُزِيلُهَا من تَثْنِيَةٍ أو جَمْعٍ أو عُمُومٍ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى وَالسَّكَّاكِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَيَشْهَدُ له تَثْنِيَتُهُ وَجَمْعُهُ وَصِحَّةُ قَوْلِك ما عِنْدِي رَجُلٌ بَلْ رَجُلَانِ السَّادِسُ الِاسْمُ الدَّالُّ على الْحَقِيقَةِ وَأَفْرَادُهُ مُتَمَيِّزَةٌ وهو مُؤَنَّثٌ لِإِطْبَاقِهِمْ على أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ ما يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ السَّابِعُ الِاسْمُ الدَّالُّ على الْحَقِيقَةِ من حَيْثُ هِيَ هِيَ وَلَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عن بَعْضٍ وَلَيْسَ لها مُؤَنَّثٌ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فيه على وَحْدَةٍ وَلَا تَعَدُّدٍ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ في الْأَعْيَانِ وَالضَّرْبِ وَالنَّوْمِ في الْمَصَادِرِ الثَّامِنُ ما كان كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ فيه التَّاءَ لَا من أَصْلِ الْوَضْعِ كَضَرْبَةٍ

فَمَدْلُولُهُ الْوَاحِدَةُ التَّاسِعُ ما كان عَدَدًا كَالثَّلَاثَةِ فَهُوَ نَصٌّ في مَدْلُولِهِ وهو مَوْضُوعٌ لِمَجْمُوعِهَا وَدَلَالَتُهُ على أَحَدِهَا بِالتَّضَمُّنِ

الجمع إذا دخلت عليه الألف واللام
إذا علمت هذا فإن دخلت الألف واللام على الجمع أفادت الاستغراق فإن تقدم عهد ودلت قرينة على قصده حمل عليه بلا خلاف وكان ذلك قرينة التخصيص ومنه ما إذا سبقه تنكير وظهر ترتب التعريف عليه لكن القاضي عبد الوهاب في الإفادة قال اختلف في الألف واللام على ثلاثة مذاهب أحدها أنه يحمل على معهود إن كان فإن لم يكن حمل على الجنس وهو قول أكثر الفقهاء والثاني عكسه أنها تحمل على الجنس إلا أن يقوم دليل على العهد الثالث أنه يحمل عند فقد العهد على الجنس من غير تعميم وفيه خلاف آخر وهو أنه لا بد من عهد وإلا لم يصح دخولها انتهى وإن لم يسبقه عهد فهي للعموم عند معظم العلماء قاله ابن برهان وقاله ابن الصباغ إنه إجماع أصحابنا وحكي عن الجبائي أنها لا تقتضي الاستغراق قال ابن السمعاني سواء جمع السلامة والتكسير كاقتلوا المشركين واعمروا مساجد الله وقال سليم الرازي في التقريب سواء المشتق وغيره كالمسلمين والرجال وقال غيره سواء كان للقلة كالمسلمين والمسلمات أو للكثرة كالعباد والرجال وحكاه أبو الحسين البصري في المعتمد عن أبي علي الجبائي وجماعة الفقهاء وحكي عن أبي هاشم أنه يفيد الجنس لا الاستغراق وحكاه صاحب الميزان عن أبي علي الفارسي وأبي هاشم قال وحكي عنه أنه فرق بين المفرد والجمع فقال وفي المفرد يصرف إلى مطلق الجنس من غير استغراق إلا بدليل وحكاه المازري عن الشيخ أبي حامد الإسفراييني من أصحابنا وهو غريب قال وقالوا في قوله تعالى وإن الفجار لفي جحيم إنه يستوعب من حيث دخول الألف واللام ثم أنكر إلكيا هذا وقال الألف واللام معناها في لسان العرب تعريف العهد لا غير

هكذا قال سيبويه وأن الألف الأصل لما كانت ساكنة ولم يتوصل إلى النطق بها وأن حرف التعريف هو اللام فثبت أنه لا يصير عاما ومستوعبا بدخول الألف واللام وقد كان ولم يكن مستوعبا قبل دخولها ولو كان اللام مفيدا للاستيعاب لما صح دخوله عن الأسماء المفردة لأن معناه لا يتغير بكون الاسم مفردا أو مجموعا كما لا يتغير معنى سائر الحروف قال ولذلك زعم المحققون أن عموم قوله تعالى والسارق والسارقة الزانية والزاني في معناه وهو ترتب الحكم على الوصف بفاء التعليل وهو أقرب من ادعاء العموم من لفظه ولعل إلكيا بنى هذا على قول أرباب الخصوص فإنه قال بعد ذلك الصحيح أن هذه الألفاظ للعموم ونبه أبو الحسين على فائدة ترفع الخلاف وهي أن أبا هاشم وإن لم يجعله مستغرقا من جهة اللفظ فهو عنده عام من جهة المعنى إن صلح له كقوله تعالى وإن الفجار لفي جحيم فإنه يفيد أنهم في الجحيم لأجل فجورهم فوجب أن يكون كل فاجر كذلك لأنه خرج مخرج الزجر انتهى هذا كله إذا قام الدليل على أنه لم يرد العهد فإن أشكل الحال واحتمل كونها للعهد أو الاستغراق أو الجنس فلم يصرحوا فيها بنقل صريح ويخرج من كلامهم فيها ثلاثة مذاهب وظاهر كلام بعضهم أنها تحمل على العهد وبه صرح ابن مالك من النحويين وظاهر كلام أكثر الأصوليين أنها تحمل على الاستغراق لعموم فائدته ولدلالة اللفظ عليه ونقله ابن القشيري عن المعظم وصاحب الميزان عن أبي بكر بن السراج النحوي فقال إذا تعارضت جهتا العهد والجنس يصرف إلى الجنس وهو الذي أورده الماوردي والروياني في أول كتاب البيع قالا لأن الجنس يدخل تحته العهد والعهد لا يدخل تحته الجنس والثالث أنه مجمل لأن عمومه ليس من صيغته بل من قرينة نفي المعهود فيتعين الجنس لأنه لا يخرج عنها وهو قول إمام الحرمين وتبعه ابن القشيري في كتابه وقال صاحبه إلكيا الهراسي إنه الصحيح لأن الألف واللام للتعريف وليست إحدى جهتي التعريف بأولى من الثانية فيكتسب اللفظ جهة الإجمال لاستوائه بالنسبة إليها قلت وما ذكره إمام الحرمين قد حكاه الأستاذ أبو إسحاق في كتابه عن بعض أصحابنا وقال قبله إن المذهب أنه عام ولا يصار إلى غير العموم إلا بدليل

ويخرج من كلام ابن دقيق العيد مذهب رابع فإنه قال في شرح العنوان وعندنا أن هذا مختلف باختلاف السياق ومقصود الكلام ويعرف ذلك بقرائن ودلائل منه وأصل الخلاف أن الألف واللام للعموم عند عدم العهد وليست للعموم عند قرينة العهد لكن هل الأصل فيها العموم حتى يقوم دليل على خلافه أو الأصل أنها موضوعة للعهد حتى يقوم دليل على عدم إرادته فيه وكلام الأصوليين فيه مضطرب ومن أخذ بظواهر عباراتهم حكى في ذلك قولين وقد صرح بها بعض متأخري الحنفية فقال الأصل هو للعهد الخارجي لأنه حقيقة التعيين وكمال التمييز ثم الاستغراق لأن الحكم على نفس الحقيقة بدون اعتبار الأفراد قليل الاستعمال جدا والعهد الذهني موقوف على وجود قرينة البعضية فالاستغراق هو المفهوم من الإطلاق حيث لا عهد في الخارج خصوصا في الجمعية هذا ما عليه المحققون وقيل العهد الذهني مقدم على الاستغراق بناء على أن البعض متيقن وهذا معارض فإن الاستغراق أعم فائدة وأكثر استعمالا في الشرع وأحوط في أكثر الأحكام أعني الإيجاب والندب والتحريم والكراهة وأن البعض أحوط في الإباحة ومنقوض بثبوت الماهية فإنه لا يوجد بدون الماهية وقد جعلوه متأخرا عن الاستغراق بها على أنه لا يفيد فائدة جديدة زائدة على ما يفيد الاسم بدون اللام ويظهر أثر هذا الخلاف فيما إذا لم تقم قرينة على إرادة عهد في أن العهد مراد أم لا هل يحمل على العموم أم لا وذكر الماوردي في كتاب الأيمان من الحاوي عند الكلام فيما إذا حلف لا يشرب ماء النهر أن الألف واللام يستعملان تارة للجنس وللعهد أخرى وأنه حقيقة فيهما فإن قيل إذا كانت القرينة تصرف إلى العهد وتمنع من الحمل على العموم فهلا جعلتم العام بالألف واللام مصروفا إلى العهد بقرينة السبب الخاص وقلتم إن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ أجيب بأن تقدم السبب الخاص قرينة في أنه لا يراد لا أن غيره ليس بمراد فنحن نعلمه بهذه القرينة ونقول دلالة هذا العام على محل السبب قطعية وعلى غيره ظنية إذ ليس في السبب ما يثبتها ولا ما ينفيها

ما يُفِيدُهُ جَمْعُ السَّلَامَةِ وَجَمْعُ التَّكْسِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ جَمْعَ السَّلَامَةِ لِلتَّكْثِيرِ كَالْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَقَسَّمَ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ من النَّحْوِيِّينَ الْجَمْعَ إلَى قِسْمَيْنِ جَمْعِ سَلَامَةٍ وهو لِلتَّقْلِيلِ لِلْعَشَرَةِ فما دُونَهَا وَجَمْعِ تَكْسِيرٍ وهو نَوْعَانِ ما هو لِلْقِلَّةِ وَهِيَ أَرْبَعُ صِيَغٍ أَفْعَالٌ وَأَفْعُلٌ وَأَفْعِلَةٌ وَفِعْلَةٌ وَالْبَاقِي لِلتَّكْثِيرِ إذَا عُرِفَ هذا فَقَدْ اسْتَشْكَلَ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الْعُمُومُ مع جَمْعِ الْقِلَّةِ وَالْأَوَّلُ يَسْتَغْرِقُ الْأَفْرَادَ وَالثَّانِي لَا يَسْتَغْرِقُ الْعَشَرَةَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِوُجُوهٍ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْعُمُومَ يَجْمَعُ ما لَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَ فَاجْتِمَاعُ الْعُمُومِ مع ما لَا يَتَجَاوَزُ الْعَشَرَةَ أَوْلَى فإذا قُلْت أَكْرِمْ الزَّيْدَيْنِ فَمَعْنَاهُ أَكْرِمْ كُلَّ وَاحِدٍ مُجْتَمِعٍ مع تِسْعَةٍ أو دُونَهَا إلَى اثْنَيْنِ بِخِلَافِ أَكْرِمْ الرِّجَالَ فَمَعْنَاهُ أَكْرِمْ كُلَّ وَاحِدٍ منهم مُنْضَمٍّ إلَى عَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ الثَّانِي أَنَّ الْعُمُومَ في نَحْوِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ من الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ التي تَصَرَّفَ الشَّارِعُ فيها بِالنَّقْلِ كما في الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهَا فَحَيْثُ جاء ذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَنَحْوِهِ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كان الْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومَ تَصَرُّفًا من الشَّارِعِ فيه وَإِنْ لم يَكُنْ ذلك مُقْتَضَى الْعُمُومِ لُغَةً ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ وَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عن بَعْضِ من عَاصَرَهُ ثُمَّ ضَعَّفَهُ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ يَدُلُّ على هذا التَّصَرُّفِ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ الثَّالِثِ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كما قال سِيبَوَيْهِ من أَنَّ كُلَّ اسْمٍ لَا تَسْتَمِرُّ الْعَرَبُ فيه بِصِيغَةِ الْكَثِيرِ فَصِيغَةُ التَّقْلِيلِ فيه مَحْمُولَةٌ على التَّكْثِيرِ أَيْضًا لِكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ كَقَوْلِهِمْ في جَمْعٍ رِجْلٍ أَرْجُلٌ فَهُوَ لِلتَّكْثِيرِ الرَّابِعِ قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُحْمَلُ كَلَامُ سِيبَوَيْهِ على ما إذَا كان مُنَكَّرًا وَكَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ على ما إذَا كان مُعَرَّفًا بِأَلْ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ اسْمَ الْعِلْمِ إذَا ثُنِّيَ أو جُمِعَ ولم يُعَرَّفْ بِاللَّامِ كان نَكِرَةً بِالِاتِّفَاقِ وَزَالَتْ عنه الْعَلَمِيَّةُ وَإِنَّمَا يُفِيدُ مُفَادَ الْعِلْمِ إذَا عُرِّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَالزَّيْدِينَ وَالزُّيُودِ فَمَوْضُوعُ الْجَمْعِ إذَا لم يُعَرَّفْ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الِاسْتِيعَابَ كما في قَوْله تَعَالَى وَقَالُوا مَالَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كنا نَعُدُّهُمْ بِخِلَافِ حَالَةِ التَّعْرِيفِ وَيَشْهَدُ له قَوْلُ الْفَارِسِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ بِأَنَّ جَمْعَيْ التَّصْحِيحِ لِلْقِلَّةِ ما لم يَقْتَرِنْ بِأَلْ

التي لِلِاسْتِغْرَاقِ أو يُضَافُ إلَى ما يَدُلُّ على الْكَثْرَةِ فَإِنْ اقْتَرَنَ صُرِفَ إلَى الْكَثْرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَقَوْلِهِ وَهُمْ في الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ وقد جَمَعَ بين الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ حَسَّانُ رضي اللَّهُ عنه في قَوْلِهِ لنا الْجَفَنَاتُ الْغُرُّ يَلْمَعْنَ في الضُّحَى وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ من نَجْدَةٍ دَمًا وَاعْتَرَضَ الْمَازِرِيُّ وَالْإِبْيَارِيُّ على إمَامِ الْحَرَمَيْنِ في اتِّفَاقِ الْأُصُولِيِّينَ على أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ يُفِيدُ الْعُمُومَ وَنَقَلَا الْخِلَافَ فيه عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وهو غَرِيبٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لم يَثْبُتْ عنه وَإِنَّمَا نُقِلَ فيه عن أبي هَاشِمٍ وقد سَبَقَ في كَلَامِ أبي الْحُسَيْنِ ما يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ فَكَلَامُ الْإِمَامِ إذَنْ مُسْتَقِيمٌ وقال بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ قد قِيلَ إنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ لَا يَدُلُّ على الِاسْتِغْرَاقِ وهو ما يَكُونُ على وِزَانِ الْأَفْعَالِ كَالْأَبْوَابِ أو الْفِعْلَةِ كَالصِّبْيَةِ قال وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَدُلَّ هذا على الِاسْتِغْرَاقِ وَلَكِنَّ دَلَالَتَهُ دُونَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ وَاعْتَرَضَ الْأَصْفَهَانِيِّ شَارِحِ الْمَحْصُولِ عليه بِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُنَكَّرَ لَا خِلَافَ فيه وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَامِسِ قال الْإِمَامُ أَيْضًا إنَّ جَمْعَ السَّلَامَةِ مَوْضُوعٌ في الْعَرَبِيَّةِ لِلْقِلَّةِ وقد يُسْتَعْمَلُ في الْكَثْرَةِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فَنَظَرُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَنَظَرُ النَّحْوِيِّينَ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَهَذَا الذي قَالَهُ الْإِمَامُ نَقَلَهُ ابن الصَّائِغِ في شَرْحِ الْجُمَلِ عن سِيبَوَيْهِ فقال مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ جَمْعَيْ السَّلَامَةِ لِلتَّقْلِيلِ غير أَنَّ كَثِيرًا من الْأَسْمَاءِ لَا سِيَّمَا الصِّفَاتِ يُقْتَصَرُ منها على جَمْعِ السَّلَامَةِ وَلِذَلِكَ تُسْتَعْمَلُ في الْكَثْرَةِ أَكْثَرَ من غَيْرِهِ كَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَزَعَمَ ابن خَرُوفٍ أَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فإنه مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وقال صَاحِبُ الْبَسِيطِ من النَّحْوِيِّينَ إنَّهُ الْحَقُّ وَهَذَا أَبْلَغُ في تَقْوِيَةِ مَقَالَةِ الْإِمَامِ وقد حَكَاهُ ابن الْقُشَيْرِيّ في أُصُولِهِ عن الزَّجَّاجِ أَيْضًا فإنه قال في قَوْله تَعَالَى وَاذْكُرُوا اللَّهَ في أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وَإِنْ كان جَمْعَ السَّلَامَةِ فَلَا يَدُلُّ على الْقِلَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَهُمْ في الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ قال ابن إيَازٍ وَاسْتُضْعِفَ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بين الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ فَالْمَجَازُ أَوْلَى قال بَلْ جَمْعُ السَّلَامَةِ مُذَكَّرُهُ وَمُؤَنَّثُهُ لِلْقِلَّةِ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ في الْكَثْرَةِ فَذَلِكَ اتِّسَاعٌ وَهَاهُنَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ يَنْقَسِمُ إلَى سَالِمٍ وهو ما سَلِمَتْ فيه بِنْيَةُ

الْوَاحِدِ كَالزَّيْدِينَ وَالْهِنْدَاتِ وقد سَبَقَ الْكَلَامُ فيه وَإِلَى ما لَا يَسْلَمُ كَرِجَالٍ وهو ضَرْبَانِ جَمْعُ قِلَّةٍ وهو أَرْبَعَةٌ أَفْعِلَةٌ كَأَرْغِفَةٍ وَأَفْعُلٌ كَأَبْحُرٍ وَفِعْلَةٌ كَفِتْيَةٍ وَأَفْعَالٌ كَأَحْمَالٍ وَمَدْلُولُهُ من الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَوَقَعَ في الْبُرْهَانِ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَتَبِعَهُ ابن الْقُشَيْرِيّ فقال وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يُحْمَلُ على ما دُونَ الْعَشَرَةِ وهو تِسْعَةٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ وُضِعَ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ ولم يَخُصُّوهُ بِثَلَاثَةٍ أو اثْنَيْنِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وقال صَاحِبُ الْبَسِيطِ من النَّحْوِيِّينَ قَوْلُهُمْ جَمْعُ الْقِلَّةِ من الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَة اُخْتُلِفَ في الْعَشَرَةِ فَمِنْهُمْ من جَعَلَهَا من جَمْعِ الْقِلَّةِ وهو قَوْلُهُ من أَدْخَلَ ما بَعْدَ إلَى فِيمَا قَبْلَهَا وَلِذَلِكَ يُقَالُ عَشَرَةُ أَفْلُس وَمِنْهُمْ من جَعَلَهَا أَوَّلَ جَمْعِ الْكَثْرَةِ وَالتِّسْعَةُ مُنْتَهَى جَمْعِ الْقِلَّةِ وهو قَوْلُ من لم يُدْخِلْ وَأَمَّا تَمْيِيزُهَا بِجَمْعِ الْقِلَّةِ فَلِقُرْبِهَا من جَمْعِ الْقِلَّةِ قال تَعَالَى عليها تِسْعَةَ عَشَرَ فَجَمَعَ في هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ أَكْثَرَ الْقَلِيلِ وَأَقَلَّ الْكَثِيرِ وما بَعْدَ الْعَشَرَةِ كَثِيرٌ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى وَهَذِهِ فَائِدَةٌ ما يَدُلُّ عليه جَمْعُ الْجَمْعِ وَنَبَّهَ بَعْدَ ذلك على فَائِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ جاء الْجَمْعُ في أَلْفَاظٍ مَسْمُوعَةٍ نَحْوُ نَعَمٌ وَأَنْعَامٌ وَأَنَاعِيمُ وَهَذَا جَمْعُ الْجَمْعِ قال وَأَقَلُّهُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّ النَّعَمَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَأَنْعَامٌ جَمْعُهُ وَأَقَلُّهُ تِسْعَةٌ وَأَنَاعِيمُ جَمْعُهُ وَأَقَلُّهُ ذلك وَلَوْ قُلْت في هذه الْمَسْأَلَةِ أَقَاوِيلُ لَكَانَ أَقَلُّهَا تِسْعَةً لِأَنَّهَا جَمْعُ أَقْوَالٍ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ولم يُوضَعْ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِاتِّفَاقٍ قال الْإِبْيَارِيُّ إنْ أَرَادَ ظَاهِرًا فَنَعَمْ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ قَطْعًا فَبَاطِلٌ وقد قال أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ إنَّ الْجَمْعَ الْقَلِيلَ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْكَثِيرِ وَعَكْسَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ مَثَّلَ بَعْدَ ذلك بِقَوْلِهِ إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَظَاهِرُهُ إلْحَاقُ أَبْنِيَةِ الْقِلَّةِ من جَمْعِ التَّكْسِيرِ بِجَمْعِ السَّلَامَةِ في إفَادَةِ الْعُمُومِ وَبِهِ صَرَّحَ ابن قُدَامَةَ في الرَّوْضَةِ فقال إنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إذَا عُرِّفَتْ وَيَكُونُ الْعُمُومُ مُسْتَفَادًا من الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْجِنْسِ كما كان قَبْلَهُ في أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْمُفْرَدَةِ وهو اخْتِيَارُ الْأَصْفَهَانِيِّ وَالْقَرَافِيِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّازِيَّ في الْمَحْصُولِ وَابْنِ الْحَاجِبِ تَخْصِيصُ ذلك بِالْجَمْعِ السَّالِمِ وَأَنَّ جَمْعَ التَّكْسِيرِ لَمَّا كان لِلْقِلَّةِ لَا يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَإِنْ عُرِّفَ تَعْرِيفَ جِنْسٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ أبو نَصْرِ بن الْقُشَيْرِيّ في كِتَابِهِ في الْأُصُولِ وَجَعَلَ الِاسْتِغْرَاقَ خَاصًّا بِجَمْعِ السَّلَامَةِ إذَا عُرِّفَ قال وَإِنَّمَا حَمَلَ قَوْلَهُ إنَّ الْأَبْرَارَ

لَفِي نَعِيمٍ على الْعُمُومِ لِقَرِينَةٍ فَائِدَةٌ أَلْ إذَا دَخَلَتْ على الْجَمْعِ الثَّانِي أَنَّ أَدَاةَ الْعُمُومِ إذَا دَخَلَتْ على الْجَمْعِ فَهَلْ تَسْلُبُهُ مَعْنَى الْجَمْعِ وَيَصِيرُ لِلْجِنْسِ وَيُحْمَلُ على أَقَلِّهِ وهو الْوَاحِدُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ على الْكَلِمَةِ عُمُومَانِ أو مَعْنَى الْجَمْعِ بَاقٍ مَعَهَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْأَوَّلُ وَقَضِيَّةُ مَذْهَبِنَا الثَّانِي وَلِهَذَا اشْتَرَطُوا ثَلَاثَةً من كل صِنْفٍ في الزَّكَاةِ إلَّا الْعَامِلِينَ وَقَالُوا لو حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أو لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ حَنِثَ عِنْدَهُمْ بِالْوَاحِدِ وَعِنْدَنَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ كما نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الطَّلَاقِ مُحَافَظَةً على الْجَمْعِ ولم يَنْظُرُوا إلَى كَوْنِهِ جَمْعَ كَثْرَةٍ حتى لَا يَحْنَثَ إلَّا بِأَحَدَ عَشَرَ نعم ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ في بَابِ الْأَيْمَانِ من الْحَاوِي أَنَّهُ لو حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ على الْمَسَاكِينِ حَنِثَ بِالصَّدَقَةِ على الْوَاحِدِ بِخِلَافِ ما لو قال لَأَتَصَدَّقَنَّ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ لِأَنَّ نَفْيَ الْجَمْعِ مُمْكِنٌ وَإِثْبَاتَ الْجَمْعِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وقال السُّرُوجِيُّ في الْغَايَةِ ذَكَرَ ابن الصَّبَّاغِ في الشَّامِلِ أَنَّ اللَّامَ إذَا دَخَلَتْ على الْجُمُوعِ تَجْعَلُهَا لِلْجِنْسِ كَقَوْلِنَا لَكِنَّ اشْتِرَاطَهُمْ الثَّلَاثَةَ من كل صِنْفٍ في الزَّكَاةِ يُخَالِفُ ما قَالَهُ ابن الصَّبَّاغِ قُلْت وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أو الشُّهُورَ وَقَعَ على الْعَشَرَةِ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يُحْمَلُ على الْأُسْبُوعِ وَالسَّنَةِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ الْعَهْدِ وَلَا يُحْمَلُ على الْجِنْسِ وَالرَّاجِحُ ما صَارَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ فيه عَمَلًا بِالصِّيغَتَيْنِ وهو بَقَاءُ مَعْنَى اللَّامِ وَمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَعْمَلُ قال تَعَالَى لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ من بَعْدُ وَقَوْلُهُمْ فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيُلْزِمُ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ لَا يَصِحَّ منه الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا تَخْصِيصُهُ وَكَذَلِكَ في اسْمِ الْجِنْسِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وقد قال تَعَالَى فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كلهم أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيسَ وقال فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إلَى قَوْلِهِ حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ تَخْصِيصِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يَتَنَاهَى وقال تَعَالَى إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وقال تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَالْبَاقِي بَعْدَ تَخْصِيصِ الرِّبَا تَحْتَ الْبَيْعِ دَائِرٌ بين الْأَقَلِّ وَالْكُلِّ وهو كَثِيرٌ وَأَيْضًا اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ على جَوَازِ جَاءَنِي الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَيَلْزَمُ منه أَنْ لَا يُطْلَقَ جِنْسٌ من الْأَجْنَاسِ إلَّا على الْفَرْدِ الْحَقِيقِيِّ أو على كل الْجِنْسِ وهو بَعِيدٌ لِأَنَّ النُّحَاةَ أَطْبَقُوا على أَنَّ الْمَصْدَرَ يَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ

بِدُونِ تَقَيُّدِهِمْ بِالْفَرْدِ الْحَقِيقِيِّ أو الْكُلِّ بَلْ أَطْلَقُوا ذلك وَكَذَلِكَ قالوا الْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ لِصَلَاحِيَتِهِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَثْنِيَتِهِ وَجَمْعِهِ وقال ابن الْمُنِيرِ في تَفْسِيرِهِ اللَّامُ تُفِيدُ الِاسْتِيعَابَ وَالْجَمْعِيَّةُ تُفِيدُ التَّعَدُّدَ وما كُلُّ تَعَدُّدٌ اسْتِيعَابًا فَإِنْ قُلْت أَلَيْسَ يَتَدَاخَلُ التَّعَدُّدُ وَالِاسْتِيعَابُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِالِاسْتِيعَابِ فَلَا يَحْتَاجُ مع لَامِ الْجِنْسِيَّةِ إلَى الْجَمْعِ قُلْت اُحْتِيجَ إلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ لِقَطْعِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ إلَى الْوَاحِدِ فَالْجِنْسُ الْعَامُّ الْمُفْرَدُ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّصَ إلَى الْوَاحِدِ وَلَا يَجُوزُ في الْجَمْعِ الْعَامِّ الْجِنْسِ أَنْ يُخَصَّصَ إلَى الْوَاحِدِ بَلْ يَقِفُ جَوَازُ التَّخْصِيصِ عِنْدَ أَقَلِّ ذلك الْجَمْعِ وَلَك أَنْ تَقُولَ الرَّجُلُ أَفْضَلُ من الْمَرْأَةِ تَفْضِيلٌ لِلْجِنْسِ وَاحِدًا وَاحِدًا وَالرِّجَالُ أَفْضَلُ من النِّسَاءِ تَفْضِيلٌ لِلْجِنْسِ جَمَاعَةً جَمَاعَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِغَرَضٍ يَخُصُّهُ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِثْبَاتِ وَأَمَّا في النَّفْيِ فَقَالُوا إنَّ قَوْله تَعَالَى لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ إنَّهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ دُونَ الْجِنْسِ وَأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ بَصَرٍ وهو سَلْبُ الْعُمُومِ أَعْنِي نَفْيَ الشُّمُولِ فَيَكُونُ سَلْبًا جُزْئِيًّا وَلَيْسَ الْمَعْنَى لَا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ من الْأَبْصَارِ لِيَكُونَ عُمُومُ السَّلْبِ أَيْ شُمُولُ النَّفْيِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَيَكُونُ سَلْبًا كُلِّيًّا كما أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ في الْإِثْبَاتِ لِإِيجَابِ الْحُكْمِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَكَذَلِكَ هو في النَّفْيِ لِسَلْبِ الْحُكْمِ عن كل فَرْدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وما اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ فإن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِجِوَارِ أَنْ يَكُونَ ذلك بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلْجِنْسِ وَالْجِنْسُ في النَّفْيِ يَعُمُّ وَبِأَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى تَعُمُّ الْأَحْوَالَ وَالْأَوْقَاتِ وَبِأَنَّ الْإِدْرَاكَ بِالْبَصَرِ أَخَصُّ من الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُ من نَفْيِهِ نَفْيُهَا اسْمُ الْجَمْعِ إذَا دَخَلَتْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَأَمَّا اسْمُ الْجَمْعِ إذَا دَخَلَتْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لِلْجِنْسِ وَلِهَذَا لو حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ الناس حَنِثَ بِالْوَاحِدِ كما لو قال لَا آكُلُ الْخُبْزَ حَنِثَ بِبَعْضِهِ بِخِلَافِ ما لو قال لَا أُكَلِّمُ نَاسًا يُحْمَلُ على ثَلَاثَةٍ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ في بَابِ الْأَيْمَانِ عن ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِجَمِيعِهِ وهو يَدُلُّ على أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْجَمْعِ في إفَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْحُسَيْنِ في الْمُعْتَمَدِ جَرَيَانُ خِلَافِ أبي هَاشِمٍ فيه فإنه جَعَلَ من صُوَرِ الْخِلَافِ لَفْظَ الناس

وَجَعَلَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ الْجَمْعَ مِمَّا يَعُمُّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَهَذَا مِمَّا يَعُمُّ بِمَعْنَاهُ لَا بِصِيغَتِهِ أَقَلُّ ما يَدُلُّ عليه لَفْظُ الطَّائِفَةِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ من هذا الْقِسْمِ لَفْظَ الطَّائِفَةِ قال لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ إلَّا على قِطْعَةٍ من شَيْءٍ وَاخْتُلِفَ في أَقَلَّ ما يُطْلَقُ عليه ذلك هل هو ثَلَاثَةٌ أو أَقَلُّ فَمِنْ حَيْثُ كان مَدْلُولُهَا الْقِطْعَةَ من الناس لم تَكُنْ عَامَّةً لِأَنَّ مَدْلُولَ الْعُمُومِ شُمُولٌ لِغَيْرِ مُتَنَاهٍ وَلَا مَحْصُورٍ قُلْت وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْمُخْتَصَرِ على أَنَّ أَقَلَّ الطَّائِفَةِ ثَلَاثَةٌ فقال في بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالطَّائِفَةُ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ من طَائِفَةٍ انْتَهَى هذا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ عليه الْأَصْحَابُ وَذَكَرُوا عن أبي بَكْرِ بن دَاوُد أَنَّهُ قال قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَقَلُّ الطَّائِفَةِ ثَلَاثَةٌ خَطَأٌ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ في اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ تُطْلَقُ على وَاحِدٍ أَمَّا في اللُّغَةِ فَحَكَى ثَعْلَبٌ عن الْفَرَّاءِ أَنَّهُ قال مَسْمُوعٌ من الْعَرَبِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْوَاحِدُ وَأَمَّا في الشَّرْعِ فَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي اللَّهُ عنه احْتَجَّ في قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَوْلَا نَفَرَ من كل فِرْقَةٍ منهم طَائِفَةٌ فَحَمَلَ الطَّائِفَةَ على الْوَاحِدِ وقال تَعَالَى وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ من الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَأُجِيبُ بِأَجْوِبَةٍ أَشْهُرُهَا تَسْلِيمُ أَنَّ الطَّائِفَةَ يَجُوزُ إطْلَاقُهَا على الْوَاحِدِ فما فَوْقَهُ وَحَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ ابن قُتَيْبَةَ وابن فَارِسٍ في فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الطَّائِفَةَ في صَلَاةِ الْخَوْفِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَكُونَ أَقَلَّ من ثَلَاثَةٍ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فإذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا من وَرَائِكُمْ وقال في الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لم يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ فَذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ في كل الْمَوَاضِعِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَثَانِيهِمَا أنها لَا تُطْلَقُ إلَّا على ثَلَاثَةٍ كما هو ظَاهِرُ النَّصِّ وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ من أَهْلِ اللُّغَةِ منهم الزَّمَخْشَرِيُّ فقال وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ أو أَرْبَعَةٌ وَإِنَّمَا حَمَلَ الشَّافِعِيُّ الطَّائِفَةَ على الْوَاحِدِ في قَوْلِهِ فَلَوْلَا نَفَرَ من كل فِرْقَةٍ منهم طَائِفَةٌ بِالْقَرِينَةِ وَهِيَ حُصُولُ الْإِنْذَارِ بِالْوَاحِدِ كما حَمَلَهُ في الْأُولَى على الثَّلَاثَةِ بِقَرِينَةٍ وَهِيَ ضَمِيرُ الْجَمْعِ وقال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في كِتَابِهِ في الْأُصُولِ في الْكَلَامِ على أَقَلِّ الْجَمْعِ جاء أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وقال وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أنها تَقَعُ على الْوَاحِدِ

كَالْقِطْعَةِ فَيُقَالُ هذه طَائِفَةٌ من هذا أَيْ قِطْعَةٌ منه قال وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ الطَّائِفَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ على الْقِطْعَةِ من الشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فيه دَلِيلٌ على الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ هذه طَائِفَةٌ من الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ فَأَمَّا إذَا أُطْلِقَ اسْمُهَا على جِنْسٍ كَالنَّاسِ وَالْحَيَوَانِ وَالْفِيلِ فَالْمَقْصُودُ بها الْجَمَاعَةُ كما يُقَالُ كان طَائِفَةٌ من الناس أَيْ جَمَاعَةٌ وَالْجَمَاعَةُ أَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ هذا كَلَامُهُ وقد اُخْتُلِفَ في دَلَالَةِ بَعْضِ أَفْرَادِ هذا النَّوْعِ كَالْقَوْمِ فإن بَعْضَهُمْ قال يَعُمُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ بِالذُّكُورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ من قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا منهم وَلَا نِسَاءٌ من نِسَاءٍ وَكَذَلِكَ الرَّهْطُ قال الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ اسْمٌ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ من الرِّجَالِ لَا يَكُونُ فِيهِمْ امْرَأَةٌ قال ابن سِيدَهْ الرَّهْطُ جَمْعٌ من ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَكَذَلِكَ النَّفَرُ وَعَلَى هذا فَفِي عَدِّ هذه الْأَسْمَاءِ من صِيَغِ الْعُمُومِ نَظَرٌ اسْمُ الْجِنْسِ إذَا أُدْخِلَتْ عليه الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَأَمَّا اسْمُ الْجِنْسِ بِأَقْسَامِهِ السَّابِقَةِ فإذا دَخَلَتْ عليه الْأَلِفُ وَاللَّامُ سَوَاءٌ الِاسْمُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أو الصِّفَةُ الْمُشْتَقَّةُ كَالضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ وَالْقَائِمِ وَالسَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ فَإِنْ كان لِلْعَهْدِ فَخَاصٌّ سَوَاءٌ الذِّكْرِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كما أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ أو الذِّهْنِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ على يَدَيْهِ يقول يا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مع الرَّسُولِ سَبِيلًا فإن اللَّامَ في الرَّسُولِ لِلْعَهْدِ وهو النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ في اللَّفْظِ وَإِنْ لم يُرَدْ بِهِ مَعْهُودٌ فَاخْتَلَفُوا فيه على أَقْوَالٍ أَحَدِهَا أَنَّهُ يُفِيدُ اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ وَنُقِلَ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الرِّسَالَةِ والبويطي وَنَقَلَهُ أَصْحَابُهُ عنه في قَوْله تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وهو كَذَلِكَ في الْأُمِّ من رِوَايَةِ الرَّبِيعِ وَيَدُلُّ عليه قَوْله تَعَالَى وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ إنْكَارًا على قَوْلِ عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ منها الْأَذَلَّ فَدَلَّ على أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفِ يَعُمُّ وَلَوْلَا ذلك لَمَا تَطَابَقَ وَالْفُقَهَاءُ كَالْمُجْمِعِينَ عليه في اسْتِدْلَالِهِمْ بِنَحْوِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وهو الْحَقُّ لِأَنَّ الْجِنْسَ مَعْلُومٌ قبل دُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فإذا دَخَلَتَا وَلَا مَعْهُودَ فَلَوْ لم يَجْعَلْهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ لم يُفِدْ شيئا جَدِيدًا

وقال الْأُسْتَاذ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ عن الْقَائِلِينَ بِالصِّيَغِ قال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وهو قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَكَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وقال بِهِ أبو عبد اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ وَنَسَبَهُ لِأَصْحَابِهِ الْحَنَفِيَّةِ وقال الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ من الْفُقَهَاءِ وقال الْبَاجِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وابن بَرْهَانٍ وابن السَّمْعَانِيِّ وَالْجُبَّائِيُّ وَنَصَرَهُ عبد الْجَبَّارِ وَصَحَّحَهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وابن الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ عن الْمُبَرِّدِ وَالْفُقَهَاءِ قُلْت وَنَصَّ عليه سِيبَوَيْهِ فإنه قال قَوْلُك شَرِبْت مَاءَ الْبَحْرِ مَحْكُومٌ بِفَسَادِهِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَوْلَا اقْتِضَاؤُهُ الْعُمُومَ لَمَا جاء الْفَسَادُ لَكِنْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في أَنَّ الْعُمُومَ فيه من حَيْثُ اللَّفْظُ أو الْمَعْنَى على وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَصَحَّحَ ابن السَّمْعَانِيِّ أَنَّهُ من حَيْثُ الْمَعْنَى وَكَأَنَّهُ لَمَّا قال وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فُهِمَ أَنَّ الْقَطْعَ من أَجْلِ السَّرِقَةِ وَصَحَّحَ سُلَيْمٌ أَنَّهُ من جِهَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّ اللَّامَ إمَّا لِلْعَهْدِ وهو مَفْقُودٌ فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ من اللَّفْظِ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ لِإِفَادَتِهِ الْعُمُومَ أَنْ يَصْلُحَ أَنْ يَخْلُفَ اللَّامَ فيه كُلُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ وَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ منه وَالثَّانِي أَنَّهُ يُفِيدُ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ وَلَا يُحْمَلُ على الِاسْتِغْرَاقِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ عن أبي هَاشِمٍ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ عن أبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ النَّحْوِيِّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ وَحَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ اللُّمَعِ عن الْجُبَّائِيُّ أَنَّهُ على الْعَهْدِ وَلَا يَقْتَضِي الْجِنْسَ قال وَحَقِيقَةُ هذا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا لم يَعْرِفْ عَيْنَ الْمَعْهُودِ صَارَ مُجْمَلًا لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمُرَادَ إلَّا بِتَفْسِيرٍ وَهَذَا صِفَةُ الْمُجْمَلِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجِنْسِ وَلِبَعْضِ الْجِنْسِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الْكُلِّ إلَّا بِدَلِيلٍ وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ يُحْكَمُ بِظَاهِرِهِ وَيُطْلَبُ دَلِيلُ الْمُرَادِ بِهِ وَالرَّابِعُ التَّفْصِيلُ بين ما فيه الْهَاءُ وَبَيْنَ ما لَا هَاءَ فيه فما ليس فيه الْهَاءُ لِلْجِنْسِ عِنْدَ فِقْدَانِهَا وفي الْقِسْمِ الْآخَرِ التَّوَقُّفُ وَنَقَلَهُ الْإِبْيَارِيُّ عن إمَامِ الْحَرَمَيْنِ

وقال إنَّهُ الصَّحِيحُ وَاَلَّذِي في الْبُرْهَانِ وَنَقَلَهُ عنه الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ إنْ تَجَرَّدَ عن عَهْدٍ فَلِلْجِنْسِ نَحْوُ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وَإِنْ لَاحَ عَدَمُ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ لِلْجِنْسِ فَلِلِاسْتِغْرَاقِ نَحْوُ الدِّينَارُ أَشْرَفُ من الدِّرْهَمِ وَإِنْ لم يَعْلَمْ هل خَرَجَ على عَهْدٍ أو إشْعَارٍ بِجِنْسٍ فَمُجْمَلٌ وَأَنَّهُ حَيْثُ يَعُمُّ لَا يَعُمُّ بِصِيغَةِ اللَّفْظِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عُمُومُهُ وَتَنَاوَلَهُ الْجِنْسُ بِحَالَةٍ مُقْتَرِنَةٍ معه مُشْعِرَةٍ بِالْجِنْسِ الْخَامِسُ التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَتَمَيَّزَ لَفْظُ الْوَاحِدِ فيه عن الْجِنْسِ بِالتَّاءِ كَالتَّمْرِ وَالتَّمْرَةِ فإذا عُرِّيَ عن التَّاءِ اقْتَضَى الِاسْتِغْرَاقَ كَقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ قال في الْمَنْخُولِ وَأَنْكَرَهُ الْفَرَّاءُ مُسْتَدِلًّا بِجَوَازِ جَمْعِهِ على تُمُورٍ وَرُدَّ بِأَنَّهُ جُمِعَ على اللَّفْظِ لَا الْمَعْنَى وَإِنْ لم تَدْخُلْ فيه التَّاءُ لِلتَّوْحِيدِ فَإِنْ لم يَتَشَخَّصْ مَدْلُولُهُ ولم يَتَعَدَّدْ كَالذَّهَبِ فَهُوَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ إذْ لَا يُعَبَّرُ عن أَبْعَاضِهِ بِالذَّهَبِ الْوَاحِدِ وَإِنْ تَشَخَّصَ مَدْلُولُهُ وَتَعَدَّدَ كَالدِّينَارِ وَالرَّجُلِ فَيَحْتَمِلُ الْعُمُومَ نَحْوُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ وَيَحْتَمِلُ تَعْرِيفَ الْمَاهِيَّةِ وَلَا يُحْمَلُ على الْعُمُومِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَإِنَّمَا الْجِنْسُ قَوْلُك الدِّينَارُ أَفْضَلُ من الدِّرْهَمِ بِقَرِينَةِ التَّسْعِيرِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى والمنخول وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَالْمَرِيسِيُّ وَنَازَعَهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ في الدِّينَارِ وَالرَّجُلِ وقال الْحَقُّ ما حَقَّقَهُ وهو في كِتَابِ مِعْيَارِ الْعِلْمِ في الِاسْمِ الْمُفْرَدِ إذْ دخل عليه الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ فإنه أَطْلَقَ فيه اقْتِضَاءَهُ الِاسْتِغْرَاقَ بِمُجَرَّدِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فيه إلَى قَرِينَةٍ زَائِدَةٍ وقال في الْمُسْتَصْفَى يُحْتَمَلُ كَوْنُهَا لِلْعَهْدِ أو الْجِنْسِ وَكَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ قال وَالْعُمُومُ فيه غَيْرُ عُمُومِ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فإن عُمُومَ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَدُلُّ على مَعْنًى يَدْخُلُ تَحْتَهُ كَثْرَةٌ تَشْمَلُهُ وَيَصِحُّ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ عن كل وَاحِدٍ منها وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِ الْمُفْرَدِ كُلِّيًّا وَأَمَّا الْعُمُومُ الْآخَرُ وهو عُمُومُ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَلَا يَكُونُ إلَّا في قَوْلٍ كَخَبَرٍ أو أَمْرٍ أو نَهْيٍ مِثْلُ الْإِنْسَانُ في خُسْرٍ وَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَالْحُكْمُ في قَوْلِك خُسْرٍ وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ في الْأَمْرِ انْتَهَى وَحَكَى الْإِمَامُ وابن الْقُشَيْرِيّ عن بَعْضِ الْقَائِلِينَ بِصِيَغِ الْعُمُومِ أَنَّ ما كان من أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يُجْمَعُ كَالتَّمْرِ وَالتُّمُورِ فإن ذلك لَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ لِأَنَّ ذلك إنَّمَا يُؤْخَذُ منه حَالَةُ

الْجَمْعِ قال الْإِمَامُ وَهَذَا لَا حَاصِلَ له فإن الِاسْتِغْرَاقَ ثَابِتٌ في أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَيَرِدُ عليهم امْتِنَاعُ قَوْلِ الْقَائِلِ تَمْرٌ وَاحِدٌ وهو أَظْهَرُ من مُتَعَلِّقِهِمْ في الْجَمْعِ وقد قال سِيبَوَيْهِ النَّاقَةُ تُجْمَعُ على نُوقٍ ثُمَّ النُّوقُ تُجْمَعُ على نِيَاقٍ وَهُمَا من أَبْنِيَةِ الْكَثْرَةِ ثُمَّ يُجْمَعُ النِّيَاقُ على أَيْنُقْ هو وهو مَقْلُوبُ آنِقٍ أو أَنِيقً وَالْأَفْعَلُ من جَمْعِ الْقِلَّةِ ثُمَّ قال الْإِمَامُ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّمْرَ أَقْعَدُ بِالْعُمُومِ من التُّمُورِ لِاسْتِرْسَالِهِ على الْآحَادِ لَا بِصِيغَةٍ لَفْظِيَّةٍ وَأَمَّا التُّمُورُ فإنه يَرِدُ إلَى تَخَيُّلِ الْوَحَدَاتِ ثُمَّ يَجِيءُ الِاسْتِغْرَاقُ بَعْدَهُ من صِيغَةِ الْجَمْعِ قال شَارِحُوهُ يُرِيدُ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ التَّمْرِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى الْمُشْتَمِلِ لِلْآحَادِ وَالتَّمْرُ يُلْتَفَتُ فيه إلَى الْوَاحِدِ فَلَا يَحْكُمُ فيه على الْحَقِيقَةِ بَلْ على أَفْرَادِهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قال تُمُورٌ فَقَدْ تَخَيَّلَ رَدَّهُ إلَى الْوَاحِدِ عِنْدَ إرَادَةِ الْجَمْعِ وَأَرَادَ دَلَالَتَهُ على الْجِنْسِ وَهِيَ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فيها وَصَيَّرَ دَلَالَةَ الْجِنْسِ إلَى لَفْظِ الْجَمْعِ الذي فيه خِلَافٌ وَقَوْلُهُ الْجَمْعُ يُرَدُّ إلَى تَخَيُّلِ الْوَحَدَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ الْمَقْصُودَةُ وَإِلَّا فَاسْمُ الْجِنْسِ يَتَخَيَّلُ فيه الْوَحَدَاتِ لَكِنَّ آحَادَهُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِخِلَافِ الْجَمْعِ وَتَمْثِيلُهُ بِالتَّمْرِ مُعَرَّفًا يُؤْخَذُ منه أَنَّ التَّمْرَ مُفْرَدٌ وَأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ يَعُمُّ وقد اُخْتُلِفَ في التَّمْرِ هل هو اسْمُ جِنْسٍ لِأَنَّهُ تَمَيَّزَ بِهِ وَلَا تَمَيُّزَ إلَّا بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ أو جَمْعُ تَمْرَةٍ يُفَرَّقُ بين وَاحِدِهِ وَجَمْعِهِ بِالتَّاءِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ فإن التَّمْرَ لَا يَدُلُّ على أَفْرَادٍ مَقْصُودَةٍ بِالْعَدَدِ وَإِنَّمَا يُجْمَعُ إذَا قَصَدْت أَنْوَاعَهُ لَا أَفْرَادَهُ فَهُوَ في أَصْلِ وَضْعِهِ كَمَاءٍ وقد قَرَأَ ابن عَبَّاسٍ كُلٌّ آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكِتَابِهِ وقال كِتَابُهُ أَكْثَرُ من كُتُبِهِ يُرِيدُ أَنَّ كِتَابَهُ يَنْصَرِفُ إلَى جِنْسِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ فَدَلَالَتُهُ أَعَمُّ من كُتُبِهِ لِأَنَّ كُتُبَهُ جَمْعٌ قال الزَّمَخْشَرِيُّ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَاحِدٌ نُحِيَ بِهِ نَحْوُ الْجِنْسِ فَهُوَ أَبْلَغُ في الْعُمُومِ من الْجَمْعِ فَمَعْنَاهُ مُفْرَدًا أَدَلُّ على الِاسْتِغْرَاقِ منه جَمْعًا وفي قَوْلِهِ نَحَّى بِهِ نحو اسْمِ الْجِنْسِ ما يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ غير اسْمِ الْجِنْسِ لِأَنَّ ما نُحِيَ بِهِ نَحْوُ الشَّيْءِ غَيْرُ ذلك الشَّيْءِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَرَى أَنَّ تَمْرًا اسْمُ جَمْعٍ لَا جَمْعٌ كَرَهْطٍ وَقَوْمٍ وهو قَوْلٌ فَفِي تَمْرٍ إذَنْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وقال في قَوْله تَعَالَى وَالْمَلَكُ على أَرْجَائِهَا إنَّ الْمَلَكَ أَعَمُّ من الْمَلَائِكَةِ وَذُكِرَ هذا الْمَعْنَى في مَوَاضِعَ وَاعْلَمْ أَنَّ هذا الْخِلَافَ نَظِيرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ في الْأَلِفِ وَاللَّامِ الدَّاخِلَةِ على الْجَمْعِ وَيَزِيدُ هَاهُنَا مَذَاهِبُ أُخْرَى كما بَيَّنَّا

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَةَ على الْمُفْرَدِ أو الْجَمْعِ تُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ فِيهِمَا جميعا عِنْدَ مُعْظَمِ الْأُصُولِيِّينَ إلَّا إذَا كان مَعْهُودًا وَالثَّانِي أَنَّهُ لِمُطْلَقِ الْجِنْسِ فِيهِمَا لَا الِاسْتِغْرَاقِ وهو أَحَدُ قَوْلَيْ أبي هَاشِمٍ من الْمُعْتَزِلَةِ وَالثَّالِثُ وهو قَوْلُهُ الْآخَرُ إنَّهُ في الْمُفْرَدِ لِمُطْلَقِ الْجِنْسِ وفي الْجَمْعِ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ إلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ وقال الزَّمَخْشَرِيُّ إذَا دَخَلَتْ على الْمُفْرَدِ كان صَالِحًا لَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ إلَى أَنْ يُحَاطَ بِهِ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُهُ إلَى الْوَاحِدِ منه وإذا دَخَلَتْ على الْجَمْعِ صَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْجِنْسِ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُهُ لَا إلَى الْوَاحِدِ وَهَذَا مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ من بَعْدُ فإن الْحُرْمَةَ غَيْرُ مُتَوَقِّفَةٍ على الْجَمْعِ وقَوْله تَعَالَى فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَالصَّحِيحُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَامَّةُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ الْجِنْسِ بِدَلِيلِ اسْتِثْنَاءِ الْمُؤْمِنِينَ منه وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لقد خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ إلَى قَوْلِهِ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَقَوْلِهِ إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إلَى قَوْلِهِ إلَّا الْمُصَلِّينَ وَاسْتِثْنَاءُ الْمُصَلِّينَ دَالٌّ على الِاسْتِغْرَاقِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السَّلَامُ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ جِنْسِ الْحِنْطَةِ وَلَنَا في الْجَمْعِ قَوْله تَعَالَى يَأَيُّهَا الناس وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ الْجِنْسِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكُلُّ وَالْمَعْقُولُ في الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مُطْلَقَ الْجِنْسِ كان مُسْتَفَادًا قبل دُخُولِ اللَّامِ وَلَا بُدَّ لِدُخُولِهَا من فَائِدَةٍ وَلَيْسَ ذلك إلَّا الِاسْتِغْرَاقَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَةَ على اسْمِ الْجِنْسِ إمَّا أَنْ يَقْصِدَ بها الْعَهْدَ فَلَا إشْكَالَ في عَدَمِ عُمُومِهِ وَإِمَّا أَنْ يَقْصِدَ بها تَعْرِيفَ اسْمِ الْجِنْسِ فَلَا إشْكَالَ في عُمُومِهِ وَإِمَّا أَنْ يُشْكِلَ الْحَالُ فَهَلْ يُحْمَلُ على الْعُمُومِ أو الْعَهْدِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ التَّعْمِيمُ وَإِمَّا أَنْ يَقْصِدَ تَعْرِيفَ الْمَاهِيَّةِ أَيْ حَقِيقَةَ الْجِنْسِ مع قَطْعِ النَّظَرِ عن

الْأَفْرَادِ فَهِيَ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ وَمِنْهُ قَوْلُك الرَّجُلُ أَفْضَلُ من الْمَرْأَةِ قال ابن الْقُشَيْرِيّ في أُصُولِهِ هذا مِمَّا تَرَدَّدُوا فيه فَقِيلَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَقِيلَ لَا وَاخْتَارَ الْإِمَامُ التَّفْصِيلَ بين أَنْ يُعَرِّفَ هُنَا بِنَاءً على تَنْكِيرٍ سَابِقٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اُقْتُلْ رَجُلًا ثُمَّ يَقُولَ اُقْتُلْ الرَّجُلَ فَلَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَإِنْ قَالَهُ ابْتِدَاءً فَلِلْجِنْسِ وَإِنْ لم يَدْرِ هل خَرَجَ تَعْرِيفًا لِنَكِرَةٍ سَابِقَةٍ أو إشْعَارًا بِالْجِنْسِ فَمَيْلُ الْمُعْظَمِ إلَى أَنَّهُ لِلْجِنْسِ وَالْحَقُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ مُجْمَلٌ فإنه من حَيْثُ يَعُمُّ لَا يَعُمُّ بِصِيغَةِ اللَّفْظِ بَلْ لِاقْتِرَانِ حَالَةٍ مُشْعِرَةٍ بِالْجِنْسِ فإذا لم تُوجَدْ لم يُتَّجَهْ إلَى التَّوَقُّفِ وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ لِلَمْحِ الصِّفَةِ كَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ أو لِلْغَلَبَةِ كَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا فَلَا إشْكَالَ في عَدَمِ عُمُومِهَا كَغَيْرِهَا من الْأَعْلَامِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ قال الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ احْتِمَالَانِ عَامًّا وَمُجْمَلًا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ وَتَرَدَّدَا بَيْنَهُمَا وَمِنْ الْعَامِّ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَعَامًّا في كل بَيْعٍ إلَّا ما نَهَتْ عنه السُّنَّةُ وَفِيهِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قد يُشْكِلُ الْفَرْقُ بين الِاحْتِمَالِ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ قال ابن التِّلِمْسَانِيِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ في الْفَرْقِ إنَّ الْأَوَّلَ على تَقْدِيرِ أَنَّ لِلشَّارِعِ عُرْفًا في الْأَسْمَاءِ وإذا كان لِلشَّارِعِ عُرْفٌ في الْبَيْعِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَمَتَى وَرَدَ الِاسْمُ منه صُرِفَ إلَى عُرْفِهِ فَقَوْلُهُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يَتَنَاوَلُ ذلك الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ وَيَنْدَرِجُ فيه كُلُّ نَوْعٍ من أَنْوَاعِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا تَخْصِيصَ فيه وَلَا اسْتِثْنَاءَ وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَعَلَى قَوْلِنَا إنَّ الشَّارِعَ لم يُغَيِّرْ الْأَسْمَاءَ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا في مَوْضُوعِهَا اللُّغَوِيِّ فَيَكُونُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ أَيْ كُلُّ ما يُسَمَّى بَيْعًا لُغَةً إلَّا ما نُهِيَ عنه على لِسَانِ نَبِيِّهِ عليه السَّلَامُ أو كان في مَعْنَاهُ فَهُوَ عَامٌّ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ إلَيْهِ ثُمَّ يَتَرَجَّحُ احْتِمَالُ الِاسْتِغْرَاقِ في الْآيَةِ فإنه لَا يَتَوَقَّفُ على تَوَقُّفِهِ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ على خِلَافِ الْأَصْلِ الثَّانِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ في آيَةِ الْبَيْعِ على أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ وَاخْتَلَفَ في قَوْلِهِ في آيَةِ الزَّكَاةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَآتُوا الزَّكَاةَ إلَى قَوْلَيْنِ

أَحَدِهِمَا أنها عَامَّةٌ خَصَّصَتْهَا السُّنَّةُ وَالثَّانِي مُجْمَلَةٌ بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ وَهُمَا من جِهَةِ اللَّفْظِ وَالتَّعْرِيفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَاحِدٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَدٌ مُشْتَقٌّ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَإِنْ عَمَّ من حَيْثُ اللَّفْظُ فَلْيَعُمَّ في الْآيَتَيْنِ وَإِنْ عَمَّ من حَيْثُ الْمَعْنَى فَلْيَعُمَّ فِيهِمَا وَإِنْ لم يَعُمَّ من حَيْثُ اللَّفْظُ وَلَا من حَيْثُ الْمَعْنَى فَلْيَكُنْ ذلك في الْآيَتَيْنِ مع أَنَّ الصَّحِيحَ في آيَةِ الْبَيْعِ الْعُمُومُ وفي آيَةِ الزَّكَاةِ الْإِجْمَالُ وَالسِّرُّ في ذلك أَنَّ حِلَّ الْبَيْعِ على وَفْقِ الْأَصْلِ من حَيْثُ إنَّ الْأَصْلَ في النَّافِعِ الْحِلُّ وفي الْمَضَارِّ الْحُرْمَةُ بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فَمَهْمَا حُرِّمَ الْبَيْعُ فَهُوَ على خِلَافِ الْأَصْلِ وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَهِيَ على خِلَافِ الْأَصْلِ لِتَضَمُّنِهَا أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إرَادَتِهِ فَوُجُوبُهَا على خِلَافِ الْأَصْلِ ثُمَّ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ في الْبَابَيْنِ نَاظِرَةٌ إلَى هذا الْمَعْنَى فَلِذَلِكَ اعْتَنَى عليه السَّلَامُ بِبَيَانِ الْمَبِيعَاتِ الْفَاسِدَةِ كَالنَّهْيِ عن بَيْعِ حَبَلِ الْحُبْلَةِ وَالْمَضَامِينِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ ولم يَعْتَنِ بِبَيَانِ الْمَبِيعَاتِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا في الزَّكَاةِ فإنه عليه السَّلَامُ اعْتَنَى بِبَيَانِ ما يَجِبُ فيه الزَّكَاةُ ولم يَعْتَنِ بِبَيَانِ ما لَا يَجِبُ فيه الزَّكَاةُ فَمَنْ ادَّعَى الزَّكَاةَ في شَيْءٍ مُخْتَلَفٍ فيه كَالرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ فَقَدْ ادَّعَى حُكْمًا على خِلَافِ الدَّلِيلِ وَأَمَّا تَرَدُّدُ الشَّافِعِيِّ في آيَةِ الْبَيْعِ هل الْمُخَصِّصُ أو الْمُبَيِّنُ لها الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ دُونَ الزَّكَاةِ فَلِأَنَّهُ عَقَّبَ حِلَّ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَحَرَّمَ الرِّبَا وَالرِّبَا من أَنْوَاعِ الْبَيْعِ اللُّغَوِيَّةِ ولم يُعَقِّبْ الزَّكَاةَ بِشَيْءٍ الثَّالِثُ عن هذا الْخِلَافِ نَشَأَ الْخِلَافُ في مَعْنَى الْحَمْدِ فقال عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ جَمِيعُ الْمَحَامِدِ لِلَّهِ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وقال الْمُعْتَزِلَةُ ما يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ من الْحَمْدُ بِحَسْبِهِ فَهُوَ لِلَّهِ لِأَنَّ اللَّامَ لِمُطْلَقِ الْجِنْسِ وَلِهَذَا قال الزَّمَخْشَرِيُّ وَمَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إلَى ما يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ من الْحَمْدِ ما هو وما قِيلَ من أَنَّ اللَّامَ في الْحَمْدِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لِلْعَهْدِ فَذَلِكَ كَلَامٌ بِلَا أَسَاسٍ لِأَنَّهُ لم يَصِحَّ عَنْهُمْ هذا النَّقْلُ بَلْ قالوا إنَّ اللَّامَ فيه لِمُطْلَقِ الْجِنْسِ وَبِهَذَا ظَهَرَ تَقْرِيرُ قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ الذي قَالَهُ كَثِيرٌ من الناس وَهَمٌ منهم الرَّابِعُ حَكَى الْقَرَافِيُّ عن الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ على هذه الْقَاعِدَةِ بِقَوْلِ الْقَائِلِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي فإنه لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِنَاءً على أَنَّهُ الْتِزَامُ أَصْلِ الطَّلَاقِ وَعَلَى قِيَاسِ الْقَاعِدَةِ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَأَجَابَ بِأَنَّ هذا نَقْلٌ عن مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ

إلَى الْعُرْفِ فَنَقْلُ الْعُرْفِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عن الْعُمُومِ إلَى حَقِيقَةِ الْجِنْسِ في الطَّلَاقِ خَاصَّةٌ لِدَلِيلٍ وَبَقِيَ على عُمُومِهِ في غَيْرِ هذا الْبَابِ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا أَفْرَادَ له وَلَكِنْ له مَرَاتِبُ مُشْتَرَكَةٌ في قَطْعِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَحُمِلَ على أَدْنَى الْمَرَاتِبِ الْخَامِسُ قال الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ لَامُ الْجِنْسِ تُخَصِّصُ جِنْسًا من سَائِرِ الْأَجْنَاسِ كَ لَامِ الْعَهْدِ تُخَصِّصُ وَاحِدًا من الْآحَادِ وَلَا يَكُونُ تَخْصِيصٌ ما لم يَكُنْ عُمُومٌ أو تَقْدِيرُهُ فَتَقُولُ إنْ زَارَك الصَّدِيقُ أَيْ من صِفَتُهُ الصَّدَاقَةُ خَاصَّةً دُونَ الْعَدُوِّ وَمَنْ ليس بِصَدِيقٍ وَلَا عَدُوٍّ فَإِنْ نُكِّرَتْ زَالَ هذا التَّخْصِيصُ وَانْقَلَبَ إلَى مَعْنَى الشِّيَاعِ في كل صَدِيقٍ قال فَقَوْلُنَا رَجُلٌ فَاسِقٌ هو بَعْضٌ من شِيَاعِهِ وَلَيْسَ فيه إفْرَازُ الْفَاسِقِ من الْعَدْلِ وَلَا قَصَدَ إلَى ذلك وَإِنَّمَا كان يَقْصِدُ إلَيْهِ لو دَخَلَتْ اللَّامُ فإن التي تُمَيِّزُ الْجِنْسَ مِمَّا سِوَاهُ وَالصِّفَةُ إنَّمَا تَقْتَضِي الشِّيَاعَ وَالْكَلَامُ في التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ أَدَقُّ من الدَّقِيقِ وَأَمَّا الْمُثَنَّى فقال الْقَرَافِيُّ هو كَالْجَمْعِ في الْعُمُومِ ثُمَّ قال لَا يُفْهَمُ الْعُمُومُ من إضَافَةِ التَّثْنِيَةِ في شَيْءٍ من الصُّوَرِ سَوَاءٌ كان الْفَرْدُ يَعُمُّ أَمْ لَا فإذا قال عَبْدَايَ حُرَّانِ لم يَتَنَاوَلْ غَيْرَهُمَا وَكَذَلِكَ مَالَايَ فَالْفَهْمُ عن الْعُمُومِ في التَّثْنِيَةِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ وَالْفَرْدِ انْتَهَى وَالْإِضَافَةُ وَالتَّعْرِيفُ سَوَاءٌ وَكَلَامُهُ الْأَوَّلُ لَا يَجْتَمِعُ مع الثَّانِي وَسَيَأْتِي فيه مَزِيدٌ في الْإِضَافَةِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ الْعُمُومُ مِمَّا ذَكَرْنَا مُخْتَلِفٌ فَالدَّاخِلُ على اسْمِ الْجِنْسِ يَعُمُّ الْأَفْرَادَ أَعْنِي كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ وَالدَّاخِلُ على الْجَمْعِ يَعُمُّ الْجُمُوعَ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَعُمُّ أَفْرَادَ ما دَخَلَا عليه وقد دَخَلَا على جَمْعٍ فَتَفَطَّنْ له وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِدْلَال بِهِ في النَّفْيِ وَالنَّهْيِ على ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِفَرْدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ النَّفْيُ وَالنَّهْيُ عن كل فَرْدٍ وَلَا قَرِينَةَ تَنْفِي كُلَّ فَرْدٍ وَهَذَا لَا يُعَارِضُ ما تَقَدَّمَ من أَنَّ الْعُمُومَ من بَابِ الْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ كُلِّيَّةَ الْجَمْعِ هِيَ أَفْرَادُ الْمَجْمُوعِ لَا كُلُّ فَرْدٍ من أَفْرَادِ كل جَمْعٍ وَيَنْبَغِي على مَسَاقِ هذا التَّقْدِيرِ أَنْ تَخْتَلِفَ الْجُمُوعُ فَتَشْمَلَ جُمُوعَ الْقِلَّةِ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً وَلَا تَشْمَلُ جُمُوعُ الْكَثْرَةِ إلَّا أَحَدَ عَشَرَ أَحَدَ عَشَرَ وَهَذَا التَّقْدِيرُ مُشْكِلٌ على اسْتِدْلَالِ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الصِّيَغِ على كل فَرْدٍ فَرْدٍ

وقد أَجَابَ عنه الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ التَّعْرِيفَ الْجِنْسِيَّ لِاسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ أَفْرَادِ ما دخل عليه سَوَاءٌ كان مُفْرَدًا أو جَمْعًا في إثْبَاتٍ أو نَفْيٍ وَهَذَا لَا يُجْدِي لِأَنَّ النِّزَاعَ فيه وَالْخَصْمُ يقول إنَّمَا يَدُلُّ على أَفْرَادِ الْجُمُوعِ لَا على فَرْدٍ فَرْدٍ وقد يُقَالُ إنَّ قَرِينَةَ الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ هُنَا اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ من الْآحَادِ لَا من مَرَاتِبِ الْجُمُوعِ لِأَنَّ ذلك أَقْوَى في دَلَالَةِ الْعُمُومِ الْكُلِّيَّةِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي إلَى أَنَّ اسْتِغْرَاقَ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُفْرَدِ لِمَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَقْوَى من اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَوْلُ الْقَائِلِ لَا رَجُلَ في الدَّارِ إذْ كان فيها وَاحِدٌ أو اثْنَانِ وَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ لَا رِجَالَ في الدَّارِ وَهَذَا إنَّمَا جاء في جَانِبِ النَّفْيِ أَمَّا في حَالَةِ الْإِثْبَاتِ مع التَّعْرِيفِ الْجِنْسِيِّ فَالشُّمُولُ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنَّ طَرِيقَهُ مُخْتَلِفٌ كما سَبَقَ نَقْلُهُ عن إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ في قَوْله تَعَالَى وَكُتُبِهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْكِتَابُ أَكْثَرُ من الْكُتُبِ وَقَرَّرَهُ ابن الْمُنِيرِ بِأَنَّ الْمُفْرَدَ يَدُلُّ على أَفْرَادِ جِنْسِهِ كُلِّهَا لَا بِصِيغَةٍ لَفْظِيَّةٍ بَلْ بِمَعْنَاهُ وَمَوْضُوعِهِ وَأَمَّا في الْجَمْعِ فإنه يُرَدُّ أَوَّلًا إلَى تَخَيُّلِ الْوَحَدَاتِ ثُمَّ يَحْصُلُ الِاسْتِغْرَاقُ بَعْدَ ذلك من صِيَغِ الْجَمْعِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَقْوَى الثَّانِي أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ على أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعُمُومِ وَأَطْبَقَ الْمَنْطِقِيُّونَ على أَنَّ نحو قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ قَضِيَّةٌ مُهْمَلَةٌ في قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ وقد تَكَلَّمَ الْغَزَالِيُّ في كِتَابِهِ مِعْيَارِ الْعِلْمِ على وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فقال اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الِاسْتِغْرَاقُ من لُغَةِ الْعَرَبِ وَجَبَ طَلَبُ الْمُهْلَةِ من لُغَةٍ أُخْرَى وَإِنْ لم يَثْبُتْ فَهُوَ مُهْمَلٌ إذْ يَحْتَمِلُ الْكُلَّ وَيَحْتَمِلُ الْجُزْءَ وَيَكُونُ قُوَّةُ الْمُهْمَلِ قُوَّةَ الْجُزْءِ لِأَنَّهُ بِالضَّرُورَةِ يَشْتَمِلُ عليه وَأَمَّا الْعُمُومُ فَمَشْكُوكٌ فيه وَلَيْسَ من ضَرُورَةِ ما يَصْدُقُ جُزْئِيًّا أَنْ لَا يَصْدُقَ كُلِّيًّا انْتَهَى وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ سَلِمَ الِاسْتِغْرَاقُ لَزِمَ أَنَّهُ ليس في لُغَةِ الْعَرَبِ مُهْمَلٌ وَطَلَبَ ذلك من لُغَةٍ أُخْرَى إذْ ليس بَحْثُ الْمَنْطِقِيِّينَ قَاصِرًا على لُغَةٍ دُونَ لُغَةٍ وَإِنْ مُنِعَ الِاسْتِغْرَاقُ بِنَاءً على أنها كما تَأْتِي في لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْعُمُومِ تَأْتِي لِلْخُصُوصِ كَالْعَهْدِ فَثَبَتَ أَنَّهُ يُرَادُ بها الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ بِاعْتِبَارَيْنِ فَلَا يَكُونُ بِمَعْنَى كُلٍّ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِهْمَالِ إذَا أُطْلِقَ فَلَا يُفْهَمُ منه تَعْمِيمٌ وَلَا تَخْصِيصٌ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَلَوْ كان يَدُلُّ على الْعُمُومِ وَيُقَابِلُ التَّنْوِينَ لِلتَّنْكِيرِ في الدَّلَالَةِ على الْخُصُوصِ لَكَانَ قَوْلُنَا الْإِنْسَانُ لَا يَدُلُّ على الْوَاحِدِ أَلْبَتَّةَ وَقَوْلُنَا إنْسَانٌ لَا يَتَنَاوَلُ الشِّيَاعَ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ وَأَخْذُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ بِمَعْنَى أنها سُوَرٌ هو الْمُغَلَّطُ فإن الْقَضِيَّةَ إذَا ذُكِرَتْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ صَدَقَتْ في بَعْضٍ ما وإذا قُرِنَ

بِهِ لَفْظُ السُّوَرِ كَذَبَتْ وَالسُّوَرُ الْكُلِّيَّةُ إنَّمَا تَدُلُّ على كُلِّيَّةِ الْحُكْمِ الْمَوْضُوعِ لَا على كُلِّيَّةِ الْمَحْمُولِ الثَّالِثُ أَجْمَعَ النُّحَاةُ بِأَنَّ أَلْ تَأْتِي لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَيَلْزَمُ عليه تَعْرِيفُ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ لِأَنَّهُمْ إمَّا أَنْ يُرِيدُوا تَعْرِيفَ الْحَقِيقَةِ من حَيْثُ هِيَ هِيَ أَيْ لو بِقَيْدِ وُجُودِهَا ذِهْنًا أو خَارِجًا فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ مَعَارِفَ كما قُلْنَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ أو تَعْرِيفَهَا من حَيْثُ وُجُودُهَا في الذِّهْنِ أو في الْخَارِجِ فَحِينَئِذٍ هِيَ الِاسْتِغْرَاقُ فَلَا فَرْقَ وَإِذْ قد تَعَذَّرَ هذا فَالْأَوْلَى ما قَالَهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ أَلْ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ خَاصَّةً حَيْثُمَا وَرَدَتْ فَحَيْثُ يُقَالُ هذه لِلْحَقِيقَةِ قُلْنَا لِلْعَهْدِ بِوَاسِطَةِ التَّهَكُّمِ أو غَيْرِهِ وَحَيْثُ قِيلَ لِلِاسْتِغْرَاقِ قُلْنَا لِلْعَهْدِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ هذا الْقَوْلِ لِمَا سَبَقَ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْإِضَافَةُ هِيَ من مُقْتَضَيَاتِ الْعُمُومِ كَالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلِهَذَا عَاقَبَتْهَا فَإِنْ دَخَلَتْ على جَمْعٍ أَفَادَتْ الْعُمُومَ سَوَاءٌ كان جَمْعَ تَصْحِيحٍ أو جَمْعَ تَكْسِيرٍ كَذَا قالوا وفي تَعْمِيمِ أَبْنِيَةِ جَمْعِ التَّكْسِيرِ الْأَرْبَعَةِ التي لِلْقِلَّةِ نَظَرٌ كما لو قال أَعْبُدِي أَحْرَارٌ وَلَهُ عَبِيدٌ كَثِيرُونَ أَزْيَدُ من الْعَشَرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فيه ما سَبَقَ في الْأَلِفِ وَاللَّامِ من الْخِلَافِ وَأَمَّا اسْمُ الْجَمْعِ فَكَذَلِكَ وَأَمَّا اسْمُ الْجِنْسِ فَكَذَاك وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إنَّا رسول رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلُهُ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ الشَّامُ قَفِيزَهَا وَصَاعَهَا وَلِهَذَا لو حَلَفَ لَيَشْرَبَن مَاءَ هذا الْبِئْرِ فإنه يَحْنَثُ في الْحَالِ على الْأَصَحِّ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي جَمِيعَ مَائِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ فَكَانَ كَقَوْلِهِ لَأَصْعَدَن إلَى السَّمَاءِ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعُرْفَ حَمَلَهُ على التَّبْعِيضِ وهو مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَفَصَلَ الْقَرَافِيُّ بين أَنْ يَصْدُقَ على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ نَحْوُ مَالِي صَدَقَةٌ فَيَعُمُّ وَبَيْنَ أَنْ يَصْدُقَ على الْجِنْسِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَلَا يَعُمُّ نَحْوُ عَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ وقد أَشَارَ إلَيْهِ أبو عَمْرِو بن الْحَاجِبِ إشَارَةً لَطِيفَةً يَعْنِي في مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ حَيْثُ ذَكَرَ صِيَغَ الْعُمُومِ وَذَكَرَ أَسْمَاءَ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْمَوْصُولَاتِ وَالْجُمُوعِ الْمُعَرَّفَةَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ وما في مَعْنَاهَا وَاسْمَ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ وَالْمُضَافَ لِمَا يَصْلُحُ لِلْبَعْضِ وَالْجَمِيعِ فَقَوْلُهُ لِمَا يَصْلُحُ إلَخْ

يَقْتَضِي التَّقَيُّدَ بِمَا سَبَقَ وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَعَلَّ الْقَرَافِيَّ أَخَذَهُ من تَفْصِيلِ الْغَزَالِيِّ السَّابِقِ في اسْمِ الْجِنْسِ إذْ دَخَلَتْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الدِّينِ في أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ على أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ يَعُمُّ مع اخْتِيَارِهِ بِأَنَّ الْمُعَرَّفَ بِأَلْ لَا يَعُمُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِضَافَةَ أَدَلُّ على الْعُمُومِ من الْأَلِفِ وَاللَّامِ كما ذَكَرَهُ في تَفْسِيرِهِ ولم يَقِفْ الْهِنْدِيُّ على نَقْلٍ في ذلك فقال في النِّهَايَةِ وَكَوْنُ الْمُفْرَدِ الْمُضَافِ لِلْعُمُومِ وَإِنْ لم يَكُنْ مَنْصُوصًا لهم لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّسْوِيَةِ بين الْإِضَافَةِ وَلَامِ التَّعْرِيفِ تَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالْحَقُّ أَنَّ عُمُومَ الْإِضَافَةِ أَقْوَى وَلِهَذَا لو حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ حَنِثَ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ لِعَدَمِ تَنَاهِي أَفْرَادِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الْبَحْرِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِكُلِّهِ وَهَاهُنَا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْعُمُومَ فِيمَا ذَكَرْنَا مُخْتَلِفٌ فَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ يَعُمُّ مَرَاتِبَ الْآحَادِ وَأَمَّا الْجَمْعُ الْمُضَافُ فَهَلْ يَعُمُّ مَرَاتِبَ الْجُمُوعِ أو الْآحَادِ على قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ على أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ أو الْجِنْسُ وَأَمَّا الْمُثَنَّى الْمُضَافَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَصْلِحُوا بين أَخَوَيْكُمْ فَإِنْ قَدَّرْت الْإِضَافَةَ دَاخِلَةً على الْمُثَنَّى بَعْدَ التَّثْنِيَةِ كان مَعْنَاهَا التَّعْمِيمَ في كل فَرْدٍ من الْإِخْوَةِ وَإِنْ قَدَّرْت التَّثْنِيَةَ دَاخِلَةً بَعْدَ الْإِضَافَةِ كان مَعْنَاهَا تَثْنِيَةَ الْجِنْسَيْنِ الْمُضَافَيْنِ وَإِنْ كان الْجِنْسُ لَا يُثَنَّى وَالْعَامُّ لَا يُثَنَّى لِاسْتِغْرَاقِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا امْتَازَ بِنَوْعٍ من الشِّقَاقِ جَازَ ذلك وقد سَبَقَ كَلَامُ الْقَرَافِيِّ فيه فَرْعٌ كان له أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فقال زَوْجَتِي طَالِقٌ وَقَعَ على وَاحِدَةٍ وَعَلَيْهِ الْبَيَانُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ تَطْلُقُ الْأَرْبَعُ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ في الْأَيْمَانِ قد يُعَبَّرُ بِهِ عن الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ وَأَرَادَ لَيَالِيَ الصِّيَامِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ وَالْكَلَامُ يُحَالُ على الْحَقِيقَةِ ما أَمْكَنَ وهو إنَّمَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ على وَاحِدَةٍ فَلَا يَقَعُ على الْجَمَاعَةِ قُلْت وَهَذَا الْفَرْعُ مُخَالِفٌ لِتَعْمِيمِ الْمُضَافِ وَيُجَابُ عنه بِمَا سَبَقَ في الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي من أَنَّ الْأَصْلَ فيه التَّعْمِيمُ وَإِنَّمَا خَصَّ هذه الصُّورَةَ وَأَمْثَالَهَا بِنَقْلِ الْعُرْفِ لها عن مَوْضُوعِهَا اللُّغَوِيِّ بِدَلِيلِ ما لو قال مَالِي صَدَقَةٌ فإنه يَعُمُّ وَمِنْ ثَمَّ

اسْتَدَلَّ على إبَاحَةِ السَّمَكِ الطَّافِي من قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْحِلُّ مِيتَتُهُ تَنْبِيهٌ الْبَعْضُ وَنَحْوُهُ من الْجُزْءِ وَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ إذَا أُضِيفَ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَإِلَّا لَكَانَ قام بَعْضُ الرِّجَالِ مِثْلَ قام كلهم كَذَا قال بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ هذا بِبَعْضِ الْمُحَالِ وهو إذَا لم تَدْعُ إلَى الْعُمُومِ ضَرُورَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ على بَعْضٍ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَفْضَلَ من الْآخَرِ فَإِنْ دَعَتْ كان لِلْعُمُومِ وهو حِينَئِذٍ بِالْقَرِينَةِ لَا بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ يوم الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فإنه عَامٌّ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وقَوْله تَعَالَى فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ فإن يَتَسَاءَلُونَ يَدُلُّ على أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فإن كُلَّ وَاحِدٍ عَدُوُّ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّك لو قُلْت كُلُّكُمْ لِكُلٍّ عَدُوٌّ صَحَّ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا وَيَنْبَغِي النَّظَرُ في مَوْضُوعِ اللَّفْظِ وَفَائِدَةُ هذا فِيمَا يَجُوزُ فيه الْأَمْرَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ النَّكِرَةُ في سِيَاقِ النَّفْيِ النَّكِرَةُ في سِيَاقِ النَّفْيِ بِمَا أو لَنْ أو لم أو ليس وَسَوَاءٌ دخل حَرْفُ النَّفْيِ على فِعْلٍ نَحْوُ ما رَأَيْت رَجُلًا أو على اسْمٍ نَحْوُ لَا رَجُلَ في الدَّارِ وَسَوَاءٌ بَاشَرَهَا النَّفْيُ نَحْوُ ما أَحَدٌ قَائِمًا أو عَامِلَهَا نَحْوُ ما قام أَحَدٌ وَيَدُلُّ له قَوْله تَعَالَى وَلَا يَتَّخِذُ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دُونِ اللَّهِ وقال الْآمِدِيُّ في أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ إنَّمَا تَعُمُّ النَّكِرَةُ الْمَنْفِيَّةُ فَأَمَّا التي لَيْسَتْ بِمَنْفِيَّةٍ لَكِنَّهَا في سِيَاقِهِ فَلَا تَعُمُّ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى قُلْ من أَنْزَلَ الْكِتَابَ الذي جاء بِهِ مُوسَى

في جَوَابِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ على بَشَرٍ من شَيْءٍ فَلَوْ لم يَكُنْ الْعُمُومُ لم يَلْزَمْ الرَّدُّ عليه بِالْوَاحِدِ وَالْمَعْنَى في ذلك أَنَّ النَّكِرَةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِمُعَيَّنٍ كَقَوْلِكَ رَأَيْت رَجُلًا وَالنَّفْيُ لَا اخْتِصَاصَ له فإذا انْضَمَّ النَّفْيُ الذي لَا اخْتِصَاصَ له إلَى التَّنْكِيرِ الذي لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ اقْتَضَى ذلك الْعُمُومَ احْتَجَّ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ بِأَنَّهَا لو لم تَكُنْ لِنَفْيِ الْعُمُومِ لَمَا كان لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ نَفْيًا لِدَعْوَى من ادَّعَى سِوَى اللَّهِ ثُمَّ إنْ كانت النَّكِرَةُ صَادِقَةً على الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَشَيْءٍ وَمَوْجُودٍ وَمَعْلُومٍ أو مُلَازِمَةً لِلنَّفْيِ نَحْوُ أَحَدٍ وما أُلْحِقَ بِهِ مِثْلُ غَرِيبٍ وَدَاعٍ وَمُجِيبٍ أو وَاقِعَةً بَعْدَ لَا الْعَامِلَةِ عَمَلَ إنْ وَهِيَ لَا التي لِنَفْيِ الْجِنْسِ مِثْلُ لَا رَجُلَ في الدَّارِ بِبِنَاءِ رَجُلٍ على الْفَتْحِ أو دَاخِلًا عليها من مِثْلِ ما جَاءَنِي من رَجُلٍ فإن كَوْنَهَا لِلْعُمُومِ من الْوَاضِحَاتِ لَكِنْ هل اُسْتُفِيدَ الْعُمُومُ في قَوْلِك ما جَاءَنِي من رَجُلٍ من لَفْظَةِ من أو كان مُسْتَفَادًا من النَّفْيِ قبل دُخُولِهَا وَدَخَلَتْ هِيَ لِلتَّأْكِيدِ فيه قَوْلَانِ لِلنَّحْوِيِّينَ وَالصَّحِيحُ الثَّانِي وهو قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْمُبَرِّدِ حَكَاهُ في الِارْتِشَافِ في الْكَلَامِ على حُرُوفِ الْجَرِّ وَاخْتَارَهُ الْقَرَافِيُّ وَزَعَمَ أنها لَا تَعُمُّ إلَّا إذَا بَاشَرَتْهَا من وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ في قَوْله تَعَالَى ما لَكُمْ من إلَهٍ غَيْرُهُ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ الْعُمُومُ من لَفْظَةِ من وَلَوْ قال ما لَكُمْ إلَهٌ لم يَعُمَّ مع أَنَّ لَفْظَةَ إلَهٍ نَكِرَةٌ وقد حَكَمَ بِأَنَّهُ لم يَعُمَّ وقد ذَكَرَ الْحَرِيرِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَنَازَعَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَقَالَا لَا حُجَّةَ في قَوْلِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ مع نَقْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ عن سِيبَوَيْهِ إنَّ ما جَاءَنِي رَجُلٌ عَامٌّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِكَلَامِهِ ظَاهِرَهُ فَهُوَ شُذُوذٌ وَيُحْمَلُ أَنْ يُرِيدَ ما أَرَادَهُ غَيْرُهُ من أَنَّهُ بَعْدَ دُخُولِ من في النَّفْيِ يَكُونُ الْعُمُومُ نَصًّا وَدُونَهَا ظَاهِرًا وَالِانْتِقَالُ من الظُّهُورِ إلَى النَّصِّ تَأْكِيدُ تَأْسِيسٍ فإنه تَقْوِيَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَكَذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ النُّحَاةِ إلَى أَنَّ لَا التي لِنَفْيِ الْجِنْسِ نَصٌّ في الْعُمُومِ دُونَ لَا التي هِيَ أُخْتُ ليس فإن مَعْنَى من مُتَضَمِّنٌ مع الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وقال ابن الصَّائِغِ رَادًّا على من قال لَا رَجُلَ بَنَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى حَرْفِ الِاسْتِغْرَاقِ وهو من قال سِيبَوَيْهِ إنَّهُ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ النَّفْيِ وقال الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ ما جَاءَنِي من أَحَدٍ وما جَاءَنِي من رَجُلٍ من في الْمَوْضِعَيْنِ لِتَأْكِيدِ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في بَابِ التَّأْوِيلِ هِيَ لِلْعُمُومِ ظَاهِرًا عِنْدَ تَقْدِيرِ من فَإِنْ دَخَلَتْ من كانت

نَصًّا وَهَذَا هو الْحَقُّ وَنَقَلَهُ ابن الْخَبَّازِ في شَرْحِ الْإِيضَاحِ عن النَّحْوِيِّينَ فقال فَرَّقَ النَّحْوِيُّونَ بين قَوْلِنَا ما جَاءَنِي رَجُلٌ وما جَاءَنِي من رَجُلٍ أَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ نَفْيَ وَاحِدٍ من الْجِنْسِ فَلَوْ جاء اثْنَانِ أو ثَلَاثَةٌ كان صَادِقًا وَالثَّانِي لَا يَحْتَمِلُ إلَّا نَفْيَ جَمِيعِ الْجِنْسِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَلَوْ قُلْت بَلْ رَجُلَانِ كان كَذِبًا وَكَذَا قال أبو الْبَقَاءِ إلَّا أَنَّهُ فَرَّقَ بين دُخُولِ من على أَدَاةِ عُمُومٍ كَأَحَدٍ فَجَعَلَهَا مُؤَكِّدَةً لِلْعُمُومِ وَبَيْنَ دُخُولِهَا على غَيْرِهِ كَرَجُلٍ فَجَعَلَهَا مُقَيِّدَةً له وَهَذَا هو الصَّوَابُ وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْإِفَادَةِ قد فَرَّقَ أَهْلُ اللُّغَةِ بين النَّفْيِ في قَوْلِهِ ما جَاءَنِي أَحَدٌ وما جَاءَنِي من أَحَدٍ وَبَيْنَ دُخُولِهِ على النَّكِرَةِ من أَسْمَاءِ الْجِنْسِ في ما جَاءَنِي رَجُلٌ وما جَاءَنِي من رَجُلٍ فَرَأَوْا تَسَاوِيَ اللَّفْظَيْنِ في الْأَوَّلِ وَأَنَّ من زَائِدَةٌ فيه وَافْتِرَاقُ الْمَعْنَى في الثَّانِي لِأَنَّ قَوْلَهُ ما جَاءَنِي رَجُلٌ يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكُلُّ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ فإذا دَخَلَتْ من أَخْلَصَتْ النَّفْيَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَغَيَّرَتْ الْفَائِدَةَ ا هـ لَا لو لم يُفِدْ الْعُمُومَ مع عَدَمِهَا لم يُفِدْ في قَوْله تَعَالَى لَا يَعْزُبُ عنه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عن نَفْسٍ شيئا وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا شَكَّ في إفَادَتِهِ الْعُمُومَ وَلَيْسَ هُنَاكَ من وَأَيْضًا فَإِنَّهَا دَالَّةٌ على الْمَاهِيَّةِ فَدُخُولُ النَّافِي يَنْفِي مَعْنَاهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وهو مُطْلَقُ الْمَاهِيَّةِ وَيَلْزَمُ منه الْعُمُومُ وَتَسْمِيَتُهُمْ لَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ وهو بِانْتِفَاءِ كل فَرْدٍ أَمَّا النَّكِرَةُ الْمَرْفُوعَةُ بَعْدَ لَا الْعَامِلَةُ عَمَلَ ليس نَحْوُ لَا رَجُلَ في الدَّارِ فَهِيَ لِنَفْيِ الْوَحْدَةِ قَطْعًا لَا لِلْعُمُومِ وَلِهَذَا يُقَالُ في تَوْكِيدِهِ بَلْ رَجُلَانِ أو رِجَالٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا رَجُلَ بِالْفَتْحِ بَلْ رَجُلَانِ وَذَلِكَ يَدُلُّ على اقْتِضَاءِ الثَّانِي التَّعْمِيمَ دُونَ الْأَوَّلِ وَأَنَّ الْمَنْفِيَّ في حَالَةِ الرَّفْعِ الرَّجُلُ الْمُقَيَّدُ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَذَلِكَ لَا يُعَارِضُهُ وُجُودُ الِاثْنَيْنِ أو الْجَمْعِ بِخِلَافِ الْمَنْفِيِّ حَالَةَ الْفَتْحِ فإن الْمَنْفِيَّ فيه الْحَقِيقَةُ لَا بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَذَلِكَ يُنَافِيهِ ثُبُوتُ الْفَرْدِ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ فَرْدٌ ثَبَتَتْ الْحَقِيقَةُ بِالضَّرُورَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَحَكَاهُ عن سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ وَالْجُرْجَانِيِّ في أَوَّلِ شَرْحِ الْإِيضَاحِ وَابْنِ السَّيِّدِ في شَرْحِ الْجُمَلِ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرِهِمْ وَتَبِعَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ في شَرْحِ الْعُنْوَانِ عن بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ولم يُنْكِرْهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَمُ الْقَرَافِيُّ في مُخْتَصَرِ الْمَحْصُولِ

وَحَكَاهُ الْإِبْيَارِيُّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ والقرطبي في أُصُولِهِ عن النُّحَاةِ قال وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَبْنِيَّةِ على الْفَتْحِ وَالصَّوَابُ عَدَمُ اقْتِصَارِهَا على نَفْيِ الْوَحْدَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِنَفْيِ الْجِنْسِ وَأَنْ تَكُونَ لِنَفْيِ الْوَحْدَةِ وَيُقَالُ في تَوْكِيدِهِ على الْأَوَّلِ بَلْ امْرَأَةٌ وَعَلَى الثَّانِي بَلْ رَجُلَانِ أو رِجَالٌ وقد قال الشَّاعِرُ تَعَزَّ فَلَا شَيْءٌ على الْأَرْضِ بَاقِيًا وقد نَقَلَ الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ عن سِيبَوَيْهِ أنها لِتَأْكِيدِ الِاسْتِغْرَاقِ مع الْإِعْرَابِ في قَوْلِكَ ما جاء من أَحَدٍ وما قام من رَجُلٍ وَنَقَلَهُ عنه من الْأُصُولِيِّينَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في كَلَامِهِ على حُرُوفِ الْمَعَانِي فقال قال سِيبَوَيْهِ إذَا قُلْت ما جَاءَنِي رَجُلٌ فَاللَّفْظُ عَامٌّ وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُؤَوَّلَ بِمَا جَاءَنِي رَجُلٌ بَلْ رَجُلَانِ فإذا قُلْت ما جَاءَنِي من رَجُلٍ اقْتَضَى نَفْيَ جِنْسِ الرِّجَالِ على الْعُمُومِ من غَيْرِ تَأْوِيلٍ وقد ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ هذا النَّصَّ وَلَكِنَّهُ قال لم أَجِدْهُ في كِتَابِ سِيبَوَيْهِ وَسَأَلْتُ عنه من هو عَالِمٌ بِالْكِتَابِ فقال لَا أَعْرِفُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ فإن الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ على النَّافِي وقد صَنَّفَ ابن خَرُوفٍ في مَوَاضِعَ نَقَلَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عن سِيبَوَيْهِ ولم يَرَهَا في كِتَابِهِ ولم يذكر هذا منها وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ دَلَالَةَ هذه الْأَقْسَامِ على الْعُمُومِ مُتَفَاوِتَةٌ وَتَجِيءُ على مَرَاتِبَ فَأَدْنَاهَا ما جَاءَنِي رَجُلٌ لِعَدَمِ دُخُولِ من وَلِعَدَمِ اخْتِصَاصِ رَجُلٍ بِالنَّفْيِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ في الْعُمُومِ لَا نَصَّ وَأَعْلَاهَا ما جَاءَنِي من أَحَدٍ لِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ وَهَذَا نَصٌّ في الْعُمُومِ وَالْمَرْتَبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ ما جَاءَنِي من رَجُلٍ وما جَاءَنِي أَحَدٌ وَهِيَ تَلْحَقُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي وَتَلْحَقُ بِهِ النَّكِرَةُ الْمَبْنِيَّةُ مع لَا على الْفَتْحِ فَأَمَّا الْمَرْفُوعَةُ فَلَيْسَتْ نَصًّا بَلْ ظَاهِرٌ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ تَتِمَّاتٌ الْأُولَى أَنَّ حُكْمَ الْمَنْهِيِّ في ذلك حُكْمُ الْمَنْفِيِّ كَقَوْلِكَ لَا تَعِظْ نَاسًا وَلَا تَعِظْ رِجَالًا كما قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الثَّانِيَةُ زَعَمَ أبو الْحُسَيْنِ في الْمُعْتَمَدِ أَنَّ النَّكِرَةَ في النَّفْيِ أَفَادَتْ الْعُمُومَ بِصِيغَتِهَا لَا بِزِيَادَةٍ عليها وَصَرَّحَ الرَّازِيَّ بِخِلَافِهِ وهو الْحَقُّ لِأَنَّ لَا رَجُلَ عَمَّتْ بِزِيَادَةٍ دَخَلَتْ على رَجُلٍ وَكَذَا قال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ إنَّمَا عَمَّتْ النَّكِرَةُ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الْكَلَامِ

وَتَحْقِيقِ غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ من الْإِفْهَامِ لَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ بِصِيغَتِهِ فَالْعُمُومُ فيه من الْقَرِينَةِ هذا لَفْظُهُ وَقَطَعَ بِهِ أبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ في التَّقْوِيمِ فقال النَّكِرَةُ عَمَّتْ اقْتِضَاءً لَا نَصًّا الثَّالِثَةُ اخْتَلَفُوا في أَنَّ النَّكِرَةَ في سِيَاقِ النَّفْيِ هل عَمَّتْ لِذَاتِهَا أو لِنَفْيِ الْمُشْتَرَكِ فيها فقال أَصْحَابُنَا بِالْأَوَّلِ وهو أَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ لِسَلْبِ كل فَرْدٍ فَرْدٍ من أَفْرَادِ الْكُلِّيَّةِ بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ وَأَنَّ سَلْبَ الْكُلِّيِّ حَصَلَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِنَفْيِ الْكُلِّيَّةِ وقال الْحَنَفِيَّةُ إنَّمَا حَصَلَ الْعُمُومُ لِأَنَّ النَّفْيَ فيه لِنَفْيِ الْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ التي هِيَ مَفْهُومُ الرَّجُلِ وَيَلْزَمُ من نَفْيِهِ نَفْيُ كل فَرْدٍ لِأَنَّهُ لو ثَبَتَ فَرْدٌ لَمَا كانت حَقِيقَةُ الرَّجُلِ مَنْفِيَّةً لِاسْتِلْزَامِ ذلك الْفَرْدِ الْحَقِيقَةَ الْكُلِّيَّةَ فإن نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ يَلْزَمُ منه نَفْيُ كل فَرْدٍ فَرْدٍ وَنَفْيُ الْأَعَمِّ يَلْزَمُ منه نَفْيُ الْأَخَصِّ فَحَصَلَتْ السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لَا لِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ في اللُّغَةِ لِلسَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُنَا النَّكِرَةُ في سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ لَا بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْيَ رَفْعٌ لِلْأَفْرَادِ بَلْ رَفَعَ الْحَقِيقَةَ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْعُمُومِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِنَفْيِهِ نَفْيَ كل رَجُلٍ رَجُلٍ لَا نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ فَإِنْ قِيلَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ لَازِمَةٌ على كِلَا الْقَوْلَيْنِ فإن نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ لَازِمٌ لِنَفْيِ كل فَرْدٍ فَرْدٍ وهو عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ وَنَفْيُ كل فَرْدٍ فَرْدٍ لَازِمٌ له قُلْنَا لَكِنَّ نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ نَفْيِ كل فَرْدٍ فَرْدٍ فَجَعْلُهُ مَدْلُولًا بِالْمُطَابَقَةِ أَوْلَى من جَعْلِ ذلك لِلْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ وَالْمُخْتَارُ في هذه الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ بين النَّكِرَةِ الْمَبْنِيَّةِ على الْفَتْحِ فَبِاللُّزُومِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا فَبِالْوَضْعِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ على هذا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَتَفَرَّعُ على هذا الْخِلَافِ أَعْنِي نَفْيَ الْكُلِّيَّةِ أو الْكُلِّيِّ جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي جَوَابًا لِقَسَمٍ أو شَرْطًا نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ أو إنْ أَكَلْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى مَأْكُولًا فَعِنْدَنَا يُقْبَلُ التَّخْصِيصُ لِأَنَّهُ عَامٌّ قَطْعِيًّا فَتُؤَثِّرُ النِّيَّةُ في بَعْضِ أَفْرَادِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ لَا يُقْبَلُ بَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ كل مَأْكُولٍ بِنَاءً على أَنَّهُ نَفْيٌ لِلْكُلِّيِّ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا النَّكِرَةُ في سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ أنها تُفِيدُ عُمُومَ النَّفْيِ لَا نَفْيَ الْعُمُومِ الذي قد يَكُونُ بِالثُّبُوتِ في الْبَعْضِ وقد يَسْلَمُ لُزُومُهُ من نَفْيِ النَّكِرَةِ لَكِنَّ غَايَتَهُ أَنَّ ذلك بِوَاسِطَةِ نَفْيِ الْمَاهِيَّةِ وهو غَيْرُ قَادِحٍ في مَقْصُودِنَا

لِأَنَّ الْمَفْهُومَ الْأَوَّلَ يُحَقَّقُ بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا نَفْيُ ما ليس بِعَامٍّ لَكِنْ يَلْزَمُ منه عُمُومُ النَّفْيِ كما هو في نَفْيِ الْمَاهِيَّةِ وَثَانِيهِمَا بِنَفْيِ كل وَاحِدٍ وَاحِدٍ من أَفْرَادِ ما هو عَامٌّ وَمَتَى تَحَقَّقَ الْخَاصُّ تَحَقَّقَ الْعَامُّ الرَّابِعَةِ اسْتَثْنَى من كَوْنِ النَّكِرَةِ في سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ سَلْبَ الْحُكْمِ عن الْعُمُومِ كَقَوْلِنَا ما كُلُّ عَدَدٍ زَوْجًا فإن هذا ليس من بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ أَيْ ليس حُكْمًا بِالسَّلْبِ عن كل فَرْدٍ وَإِلَّا لم يَكُنْ في الْعَدَدِ زَوْجٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بَلْ الْمَقْصُودُ بِهِ إبْطَالُ قَوْلِ من قال إنَّ كُلَّ عَدَدٍ زَوْجٌ فَأَبْطَلَ السَّامِعُ ما ادَّعَاهُ من الْعُمُومِ وَهَكَذَا اسْتَثْنَاهُ السُّهْرَوَرْدِيّ في التَّنْقِيحَاتِ وَالْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْخَامِسَةِ قال أبو حَيَّانَ في آخِرِ جَمْعِ التَّكْسِيرِ من شَرْحِ التَّسْهِيلِ ما ذَكَرَهُ النُّحَاةُ وَالْأُصُولِيُّونَ من أَنَّ النَّكِرَةَ في سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ ليس عِنْدِي على إطْلَاقِهِ فَإِنَّا نُفَرِّقُ بين ما قام كُلُّ رَجُلٍ وما قام رَجُلٌ وَالنَّفْيُ عِنْدِي مَبْنِيٌّ على الْإِثْبَاتِ فَإِنْ كان الْإِثْبَاتُ عَامًّا كان النَّفْيُ عَامًّا وَإِنْ كان الْإِثْبَاتُ خَاصًّا بِمُطْلَقٍ كان النَّفْيُ لِذَلِكَ الْمُطْلَقِ لَكِنْ يَلْزَمُ من انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عن الْمُطْلَقِ انْتِفَاؤُهُ عن كل فَرْدٍ فَرْدٍ من أَفْرَادِ الْمُطْلَقِ فإذا قُلْت قام كُلُّ رَجُلٍ فَهَذَا إثْبَاتٌ لِقِيَامِ كل رَجُلٍ فإذا نَفَيْتَ فَقُلْتَ ما قام كُلُّ رَجُلٍ انْتَفَى الْقِيَامُ عن كل فَرْدٍ فَرْدٍ من الرِّجَالِ وإذا قُلْت قام رَجُلٌ فيه إثْبَاتُ قِيَامٍ لِمُطْلَقِ رَجُلٍ فإذا قُلْت ما قام رَجُلٌ نَفَيْتَ الْقِيَامَ عن مُطْلَقِ رَجُلٍ هذه دَلَالَةُ هذا اللَّفْظِ لَكِنْ يَلْزَمُ من حَيْثُ نَفْيُ الْقِيَامِ عن مُطْلَقِ رَجُلٍ أَنْ لَا يُوجَدَ في صُورَةٍ ما من صُوَرِ الْمُطْلَقِ فَمَعْنَى الْعُمُومِ لَازِمٌ له لَا أَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ لِلْعُمُومِ وَهَذَا لَفْظُهُ وَنَازَعَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ التَّبْرِيزِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال ليس هذا الْحُكْمُ على ما ذُكِرَ فإن قَوْلَهُ ما قام كُلُّ رَجُلٍ سَلَبَ الْقِيَامَ عن كل رَجُلٍ وَلَا يَلْزَمُ السَّلْبُ عن كل وَاحِدٍ وَاحِدٍ إذَا سَلَبَ الْجُزْئِيَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْكُلِّيَّ نعم يَكُونُ سَلْبُ الْقِيَامِ عن كل وَاحِدٍ وَاحِدٍ النَّكِرَةُ في سِيَاقِ النَّفْيِ إذَا كانت جَمْعًا السَّادِسَةُ هذا كُلُّهُ إذَا كانت النَّكِرَةُ الْمَنْفِيَّةُ مُفْرَدَةً فَإِنْ كانت جَمْعًا نَحْوُ ما رَأَيْت رِجَالًا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ في التَّلْوِيحِ فقال الْقَاضِي هو لِلِاسْتِغْرَاقِ كَنَكِرَةِ الْوَاحِدِ بَلْ أَوْلَى

وقال أبو هَاشِمٍ لَا يَقْتَضِيهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى ما لنا لَا نَرَى رِجَالًا وَصَحَّحَهُ إلْكِيَا وقال لِأَنَّ الْإِبْهَامَ في النَّكِرَةِ اقْتَضَى الِاسْتِغْرَاقَ وإذا ثُنِّيَ أو جُمِعَ زَالَ مَعْنَى الْإِبْهَامِ وَيَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ ما رَأَيْت رِجَالًا وَإِنَّمَا رَأَيْت رَجُلًا أو رَجُلَيْنِ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ ما رَأَيْت رَجُلًا وَإِنَّمَا رَأَيْت رِجَالًا سِيَّمَا إذَا قال ما رَأَيْت من أَحَدٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ تَرْجِيحُهُ أَيْضًا فإنه قال وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فذكر ما ذَكَرَهُ إلْكِيَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ نَقَلَ عن سِيبَوَيْهِ جَوَازَ أَنْ يُقَالَ ما رَأَيْت رَجُلًا ثُمَّ يقول ما رَأَيْت رِجَالًا وقال ابن حَزْمٍ في الْأَحْكَامِ الْجَمْعُ بِلَفْظِ الْمَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ سَوَاءٌ في اقْتِضَائِهِ الْعُمُومَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وما تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عن قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ فَهُوَ عُمُومٌ لِكُلِّ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ وَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الْجَمْعَ إذَا جاء بِلَفْظِ النَّكِرَةِ نَحْوُ قال رِجَالٌ لَا يُوجِبُ الْعُمُومَ وهو فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عليه انْتَهَى وإذا جاء هذا في الْإِثْبَاتِ فَلَأَنْ يَقُولَ بِهِ في النَّفْيِ من طَرِيقِ الْأَوْلَى السَّابِعَةُ إنْ كانت النَّكِرَةُ مُثْبَتَةً لم تَعُمَّ هذا هو الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ عن الْأَكْثَرِينَ وقال أَصْحَابُنَا ليس الِاعْتِبَارُ بِالنَّفْيِ وَلَا الْإِثْبَاتِ وَلَكِنْ كُلُّ نَكِرَةٍ لَا تَحْتَمِلُ الِاسْتِثْنَاءَ فَهِيَ غَيْرُ عَامَّةٍ على الِاسْتِغْرَاقِ وَإِنْ صَحَّ عُمُومُهَا على الْبَدَلِ وَكُلُّ نَكِرَةٍ تَحْتَمِلُ الِاسْتِثْنَاءَ فَهِيَ عَامَّةٌ ا هـ وَأَمَّا نَحْوُ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ وَحَدِيثُ صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا فَغَيْرُ ما نَحْنُ فيه لِأَنَّ الْحُكْمَ فيه على الْمَاهِيَّةِ من حَيْثُ هِيَ فَجَاءَ الْعُمُومُ فيه بِالْعَرْضِ وَلَيْسَ فيه عُمُومٌ حَقِيقِيٌّ إذْ لَا أَفْرَادَ تَحْتَ مُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ حتى يَعُمَّهَا وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْإِفَادَةِ النَّكِرَةُ قبل دُخُولِ أَلْ عليها تُفِيدُ الْعُمُومَ على الصَّلَاحِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا وَلِهَذَا قالوا لو

قال السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ بِالْبَابِ رِجَالٌ ائْذَنْ لِرَجُلٍ صَلَحَ ذلك لِكُلِّهِمْ على الْبَدَلِ ولم يَحْتَجْ إلَى الِاسْتِفْهَامِ أَيُّهُمْ أَرَادَ ا هـ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ تَعُمُّ فيها مع الْإِثْبَاتِ لِقَرِينَةٍ على خِلَافٍ فيه منها وُقُوعُهَا في سِيَاقِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ وَالْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ وَيَدُلُّ له قَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَنَّمَا في الْأَرْضِ من شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالسَّبَبُ فيه أَنَّ الشَّرْطَ لَا اخْتِصَاصَ له فَأَشْبَهَ النَّفْيَ وَقَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ وفي الْحَقِيقَةِ ليس هذا نَقْضًا لِأَنَّ الشَّرْطَ في مَعْنَى الْكَلَامِ الْمَنْفِيِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِطَ لم يُجِزْ وُقُوعَ الشَّرْطِ حَيْثُ جَعَلَهُ شَرْطًا وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِالنَّكِرَةِ في سِيَاقِ الثُّبُوتِ الْمَحْضِ كَقَوْلِنَا في الدَّارِ رَجُلٌ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا النَّهْيُ وَالشَّرْطُ وَالِاسْتِفْهَامُ فَهُوَ عِنْدَ النُّحَاةِ كُلُّهُ كَلَامٌ غَيْرُ مُوجِبٍ مع أَنَّ الْإِبْيَارِيَّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ رَدَّ عليه حَيْثُ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ من يَأْتِنِي بِمَالٍ فَأُكْرِمْهُ وَأَنْكَرَ الْعُمُومَ فقال لو كانت لَمَا اسْتَحَقَّ الْإِكْرَامَ من أتى بِمَالٍ وَاحِدٍ بَلْ كان يَفْتَقِرُ إلَى الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْأَمْوَالِ كما لو قال من جَاءَنِي بِكُلِّ مَالٍ وَكَأَنَّ هذا منه اعْتِرَاضٌ على الْمِثَالِ لَا الِاسْتِثْنَاءِ وقال غَيْرُهُ النَّكِرَةُ هُنَا لم تَقْتَضِ عُمُومًا إذْ الْمَطْلُوبُ مَالٌ مُعَيَّنٌ وَإِنَّمَا الْعُمُومُ في سِيَاقِ الشَّرْطِ لَا في مُتَعَلِّقِ الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ من عُمُومِ الشَّرْطِ عُمُومُ ما وَقَعَ في مَسَاقِهِ فإذا قُلْت من يَأْتِنِي بِزَيْدٍ فَالْعُمُومُ في الْآتِي لَا في الْمَأْتِيِّ بِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ النَّكِرَةَ في سِيَاقِ الشَّرْطِ لَا تَتَنَاوَلُ الْآحَادَ عُمُومًا وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُهَا على الْبَدَلِ وَلَوْ كانت عَامًّا في الشَّرْطِ لَعَمَّتْ مع الْأَمْرِ إذَا قال ائْتِنِي بِثَوْبٍ فَلَوْ أَتَاهُ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَكَانَ مُمْتَثِلًا وَلَوْ أَتَاهُ بِعَشَرَةٍ كان حَائِدًا عن الْمَطْلُوبِ فَلَوْ كان لَفْظُ الثَّوْبِ يَتَنَاوَلُ الْعَشَرَةَ لَمَا عُدَّ مُخَالِفًا وَمِنْهَا الْوَاقِعَةُ في حَيِّزِ الْإِنْكَارِ الِاسْتِفْهَامِيِّ فَإِنَّهَا لِلْعُمُومِ كَالنَّفْيِ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى هل تَعْلَمُ له سَمِيًّا فَهَلْ تَرَى لهم من بَاقِيَةٍ وَمِنْهَا الْوَاقِعَةُ في سِيَاقِ الِامْتِنَانِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في تَعْلِيقِهِ وَذَكَرَهُ ابن الزَّمْلَكَانِيِّ في الْبُرْهَانِ لَكِنْ أَخَذَهُ من قَوْلِ الْبَيَانِيِّينَ إنَّ النَّكِرَةَ تَأْتِي لِلتَّكْثِيرِ ظَنًّا منه أَنَّ التَّكْثِيرَ هو التَّعْمِيمُ أو مُلَازِمُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا لِلتَّكْثِيرِ الزَّمَخْشَرِيُّ في قَوْله تَعَالَى فيها عَيْنٌ جَارِيَةٌ

وَمِنْهَا الْوَاقِعَةُ في سِيَاقِ الطَّلَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً فإن حَسَنَةً نَكِرَةٌ مُرَادٌ بها التَّعْمِيمُ وَلِهَذَا كان من جَوَامِعِ الْأَدْعِيَةِ وَمِنْهَا في الْأَمْرِ لِلْعُمُومِ وَنَسَبَهُ في الْمَحْصُولِ لِلْأَكْثَرِينَ نَحْوُ أُعْتِقُ رَقَبَةً وَإِلَّا لَمَا خَرَجَ عن الْعُهْدَةِ بِأَيِّ إعْتَاقٍ وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وقال هذا الدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ يَدُلُّ على أنها لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ لِأَنَّهَا لو كانت لِلْعُمُومِ لَمَا خَرَجَ عن الْعُهْدَةِ إلَّا بِإِعْتَاقِ رِقَابِ الدُّنْيَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ يَجِبُ قَتْلُ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَالصَّوَابُ أنها لَا تَعُمُّ وَبِهِ صَرَّحَ أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ في كِتَابِهِ فقال إذَا قال الْحَكِيمُ اُقْتُلْ مُشْرِكًا لم يُعْقَلْ منه إلَّا قَتْلُ مُشْرِكٍ ما قال يَجِبُ الْوَقْفُ حتى يَقْتَرِنَ بِهِ الْبَيَانُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْمُشْرِكَ الذي صِفَتُهُ كَذَا فَلَا بُدَّ من دَلِيلٍ وَقِيلَ إذَا حُمِلَ على الْجِنْسِ خُصَّ وَوُقِفَ فيه وهو قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَلَوْ قام دَلِيلٌ على التَّقْيِيدِ لم يَكُنْ مُخَالِفًا وَلَا مُخَصَّصًا وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ في عُمُومِ النَّكِرَةِ في الْإِنْشَاءِ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْعُمُومِ لَا يُرِيدُ شُمُولَ الْحُكْمِ لِكُلِّ فَرْدٍ حتى يَجِبَ في مِثْلِ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ذَبْحُ كل بَقَرَةٍ وفي مِثْلِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ تَحْرِيرُ كل رَقَبَةٍ بَلْ الْمُرَادُ ذَبْحُ أَيِّ بَقَرَةٍ كانت وَعِتْقُ أَيِّ رَقَبَةٍ كانت فَإِنْ سُمِّيَ مِثْلُ هذا عَامًّا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ تَصَوُّرَهُ لَا يَمْنَعُ الشَّرِكَةَ فيه وَإِنْ جُعِلَ مُسْتَغْرِقًا فَكُلُّ نَكِرَةٍ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا جِهَةَ لِلْعُمُومِ وَمِنْهَا قالت الْحَنَفِيَّةُ قد تَعَرَّضَتْ النَّكِرَةُ لِلْعُمُومِ فِيمَا إذَا وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مَعْرِفَةً لِأَنَّ الْوَصْفَ من التَّعْرِيفِ بِمَنْزِلَةِ اللَّامِ في اسْمِ الْجِنْسِ وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِهِمْ لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا فإن له أَنْ يُكَلِّمَ جَمِيعَ الْكُوفِيِّينَ وَلَوْ قال إلَّا رَجُلًا فَكَلَّمَ رَجُلَيْنِ حَنِثَ فَعُلِمَ أَنَّ الْعُمُومَ من إلْحَاقِ الْوَصْفِ الْعَامِّ بهذا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ من مُشْرِكٍ لِأَنَّهُ في مَعْرِضِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حتى يُؤْمِنُوا فَلَوْ لم تَكُنْ الْعِلَّةُ عَامًّا لَمَا صَحَّ التَّعْلِيلُ وَكَذَا قَوْلٌ مَعْرُوفٌ قالوا وَالْمُرَادُ بِالْوَصْفِ الْمَعْنَوِيُّ لَا النَّعْتُ النَّحْوِيُّ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ النَّكِرَةَ قد تَكُونُ خَبَرًا أو صِلَةً أو شَرْطًا وقد صَرَّحُوا في قَوْله تَعَالَى لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أنها نَكِرَةٌ وُصِفَتْ بِحُسْنِ الْعَمَلِ وهو عَامٌّ فَعَمَّتْ لِذَلِكَ وَلَا خَفَاءَ في أنها مُبْتَدَأٌ وَأَحْسَنُ عَمَلًا خَبَرُهُ وقد رُدَّ عليهم بِمَا نَصَّ عليه محمد بن الْحَسَنِ في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لو قال

لَأُكَلِّمَنَّ رَجُلًا كُوفِيًّا بَرَّ بِوَاحِدٍ وَلَوْ اقْتَضَى الْوَصْفُ الْعُمُومَ كما قَالُوهُ لَمَا بَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَلِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ ليس لِلتَّعْمِيمِ بَلْ لِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالنَّكِرَةِ فإن النَّكِرَةَ فيها أَمْرَانِ النَّوْعُ وَالْوَحْدَةُ فإن الرَّجُلَ يُذْكَرُ في مُقَابَلَةِ الْمَرْأَةِ فَيُرَادُ بِهِ النَّوْعُ وفي مُقَابَلَةِ الرَّجُلَيْنِ فَيُفِيدُ الْوَحْدَةَ مع النَّوْعِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَعَمُّ من الْكُوفِيِّ وَغَيْرِهِ فإذا قال كُوفِيًّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلْوَحْدَةِ فَلَا يُكَلِّمُ إلَّا وَاحِدًا كُوفِيًّا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلنَّوْعِ فَلَا يُكَلِّمُ إلَّا النَّوْعَ الْكُوفِيَّ فَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا اتَّبَعَ وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْمُتَّجَهُ حَمْلُهُ على الْوَحْدَةِ وَيَحْنَثُ بِالِاثْنَيْنِ وقد فَرَّعُوا على هذه الْقَاعِدَةِ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ في أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبُوهُ جميعا عَتَقُوا وَأَيُّ عَبْدِي ضَرَبْتَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُمْ جميعا لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ منهم وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُصِفَ في الْأَوَّلِ بِالضَّرْبِ وهو عَامٌّ وفي الثَّانِي قُطِعَ عن الْوَصْفِ لِأَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا أُضِيفَ إلَى الْمُخَاطَبِ لَا إلَى النَّكِرَةِ التي يَتَنَاوَلُهَا أَيْ وهو عَجِيبٌ فإنه إنْ كان الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ النَّعْتَ النَّحْوِيَّ فَلَا نَعْتَ في شَيْءٍ من الصُّورَتَيْنِ إذْ النَّكِرَةُ صِلَةٌ أو شَرْطٌ لِأَنَّ أَيًّا هُنَا مَوْصُولَةٌ أو شَرْطِيَّةٌ بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ وَإِنْ كان الْمُرَادُ الْوَصْفَ الْمَعْنَوِيَّ فَأَيُّ مَوْصُوفٍ في الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ كما وُصِفَ في الْأُولَى بِالضَّارِبِيَّةِ لِلْمُخَاطَبِ وُصِفَ في الثَّانِيَةِ بالمضروبية له فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ وَصْفٌ وَالثَّانِيَ قَطْعٌ عن الْوَصْفِ تَحَكُّمٌ إلَّا أَنَّ يَوْمًا في قَوْلِكَ لَا أَقْرَبُكُمَا الْيَوْمَ أَقْرَبُكُمَا فيه عَامٌّ بِعُمُومِ الْوَصْفِ مع أَنَّهُ مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ بِأَنَّ الضَّرْبَ قَائِمٌ بِالضَّارِبِ فَلَا يَقُومُ بِالْمَضْرُوبِ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ بِشَخْصَيْنِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فإن الْفِعْلَ مُتَّصِلٌ بِهِ حَقِيقَةً فَيَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ الْيَوْمُ عَامًّا بِهِ وَأَيْضًا الْمَفْعُولُ بِهِ فَضْلَةٌ ثَبَتَ ضَرُورَةً فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ في التَّعْمِيمِ بِخِلَافِ الْمَفْعُولِ فيه فإنه صَرَّحَ بِهِ وَقَصَدَ وَصْفَهُ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الضَّرْبَ صِفَةٌ إضَافِيَّةٌ لها تَعَلُّقٌ بِالْفَاعِلِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ هو وَصْفٌ له وَتَعَلُّقٌ بِالْمَفْعُولِ بِهِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ هو وَصْفٌ له وَلَا امْتِنَاعَ في قِيَامِ الْإِضَافَاتِ بِالْمُضَافَيْنِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ يَحْتَاجُ إلَى الْمَفْعُولِ في التَّعَقُّلِ وَالْوُجُودِ جميعا وَإِلَى الْمَفْعُولِ فيه في الْوُجُودِ فَقَطْ فَاتِّصَالُهُ بِالْأَوَّلِ أَشَدُّ وَأَثَرُ الْمَفْعُولِ بِهِ هَاهُنَا إنَّمَا هو في رَبْطِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ لَا في التَّعْمِيمِ وَكَوْنُهُ ضَرُورِيًّا لَا يُنَافِي الرَّبْطَ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْفَاعِلُ أَيْضًا الضَّرُورَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهُ في التَّعْمِيمِ وَكَوْنُهُ غير

فَضْلَةٍ لَا يُنَافِي الضَّرُورَةَ بَلْ يُؤَكِّدُهَا الثَّامِنَةُ مِمَّا يَتَفَرَّعُ على أَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ لِلْعُمُومِ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ بين الشَّيْئَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ فَهُوَ عَامٌّ عِنْدَنَا لِأَنَّ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ بين الشَّيْئَيْنِ يَقْتَضِي نَفْيَهَا من كل وَجْهٍ حتى احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا على امْتِنَاعِ الْقِصَاصِ من الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ وَاَللَّهُ تَعَالَى قد نَفَاهُ وَخَالَفَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنَعُوا عُمُومَهُ وَبِهِ قالت الْمُعْتَزِلَةُ وَوَافَقَهُمْ الْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ والمحصول لِأَنَّ نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ الْمُطْلَقِ لَا يَحْتَمِلُ نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ من كل وَجْهٍ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ وهو مَرْدُودٌ فإن ذلك في جَانِبِ الثُّبُوتِ أَمَّا في النَّفْيِ فَيَدُلُّ لِأَنَّ نَفْيَ الْعَامِّ يَدُلُّ على نَفْيِ الْخَاصِّ وهو نَفْيُ الْحَقِيقَةِ الْعَامَّةِ فَتَنْتَفِي جُزْئِيَّاتُهَا وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ في الْإِثْبَاتِ هل مَدْلُولُهَا لُغَةً الْمُشَارَكَةُ في كل الْوُجُوهِ حتى يَكُونَ اللَّفْظُ شَامِلًا أو مَدْلُولُهَا الْمُسَاوَاةُ في بَعْضِ الْوُجُوهِ حتى يَصْدُقَ بِأَيِّ وَجْهٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لم يَكُنْ النَّفْيُ لِلْعُمُومِ لِأَنَّ نَقِيضَ الْكُلِّيِّ الْمُوجَبِ جُزْئِيٌّ سَالِبٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي كان لِلْعُمُومِ لِأَنَّ نَقِيضَ الْجُزْئِيِّ الْمُوجَبِ كُلِّيٌّ سَالِبٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ صِيغَةَ لَا يَسْتَوِي عُمُومُ سَلْبِ التَّسْوِيَةِ أو سَلْبُ عُمُومِ التَّسْوِيَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ شَيْءٍ من أَفْرَادِهَا وَعَلَى الثَّانِي لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْبَعْضِ فَإِنْ قُلْت فَهَذَا يُرَجِّحُ مَذْهَبَهُمْ لِأَنَّ حَرْفَ النَّفْيِ سَابِقٌ وهو شَرْطٌ لِسَلْبِ الْعُمُومِ قُلْت الشَّرْطُ أَنْ يَتَقَدَّمَ على لَفْظٍ عَامٍّ تَحْتَهُ مُتَعَدِّدٌ فإذا سُلِبَ عُمُومُهُ نُفِيَ الْحُكْمُ عن بَعْضِ الْأَفْرَادِ نَحْوُ لم أَضْرِبْ كُلَّ الرِّجَالِ بِخِلَافِ لَا يَسْتَوِيَانِ فإن السَّلْبَ دخل على مَاهِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَاهِيَّةُ من حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا تَعَدُّدَ فيها وَلَا اتِّحَادَ فلم يَبْقَ بَعْدَ سَلْبِهَا شَيْءٌ يَثْبُتُ له الْحُكْمُ فَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ هذه الصِّيغَةَ من بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ لَا سَلْبِ الْعُمُومِ وَأَمَّا ابن الْحَاجِبِ فإنه لَمَّا رَأَى الْمَبَاحِثَ مُتَقَابِلَةً من الْجَانِبَيْنِ عَدَلَ عن مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَأَحَالَ الْعُمُومَ على النَّفْيِ فإن الْفِعْلَ لَمَّا وَقَعَ في جَانِبِ النَّفْيِ كان نَفْيًا لِمَصْدَرِهِ كما سَيَأْتِي فَلِذَلِكَ قال وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعُمُومَ من النَّفْيِ وهو الذي عَوَّلَ عليه الْآمِدِيُّ وَسَلَكَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ طَرِيقَةً أُخْرَى فَحَكَى عن قَوْمٍ أَنَّهُ من بَابِ الْمُجْمَلِ لِأَنَّ نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ إذَا أُطْلِقَ فِيمَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ مُتَمَاثِلٌ بِالذَّاتِ إنَّمَا يَعْنِي بِهِ في بَعْضِ أَوْصَافِهِ

وَذَلِكَ غَيْرُ بَيِّنٍ من اللَّفْظِ فَهُوَ مُجْمَلٌ إذْ قال وَمَتَى عُقِّبَ هذا النَّوْعُ بِشَيْءٍ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فيه وَجَبَ حَمْلُ أَوَّلِهِ عليه وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ في الْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ وَلِذَا قال في آخِرِهِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ وَعَلَيْهِ جَرَى الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ فقال الْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ يَسْتَوِي أو لَا يَسْتَوِي من بَابِ الْمُجْمَلِ من الْمُتَوَاطِئِ لَا من بَابِ الْعَامِّ وَنَظِيرُهُ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ على الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا وَنَظِيرُ هذا الْخِلَافِ خِلَافُ الْأُصُولِيِّينَ في قَوْله تَعَالَى وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى هل هو عَامٌّ حتى يَخُصَّ ما يَخُصُّ من الْأَحْكَامِ بِدَلِيلٍ أو مُجْمَلٌ لِأَنَّا نَعْلَمُ ضَرُورَةَ مُسَاوَاتِهِمَا في الْإِنْسَانِيَّةِ وَغَيْرِ ذلك وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْتَجُّ بِهِ على أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ قَاضِيًا وَلَا إمَامًا وَلَا يَلْزَمُهَا الْجُمُعَةُ وَغَيْرُ ذلك بِخِلَافِ الثَّانِي تَنْبِيهٌ هذا الْخِلَافُ في عُمُومِ الْمُسَاوَاةِ يَجْرِي في كَلِمَةِ مِثْلِ بَلْ هو أَدَلُّ على الْمُشَابَهَةِ من لَفْظِ الْمُسَاوَاةِ ولم يَذْكُرُوهُ قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ لَفْظُ الْمِثْلِ دَالٌّ على الْمُسَاوَاةِ بين الشَّيْئَيْنِ إلَّا فِيمَا لَا يَقَعُ التَّعَدُّدُ إلَّا بِهِ التَّاسِعَةُ إذَا وَقَعَ الْفِعْلُ في سِيَاقِ النَّفْيِ أو الشَّرْطِ فَهُوَ على قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَاصِرًا فَهَلْ يَتَضَمَّنُ ذلك الْمَصْدَرُ فَيَكُونُ نَفْيُهُ بِمَصْدَرِهِ وهو نَكِرَةٌ في سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَقْتَضِي الْعُمُومَ أَمْ لَا حَكَى الْقَرَافِيُّ عن الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَعُمُّ وَأَنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ في الْإِفَادَةِ نَصَّ على ذلك وَظَاهِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيَّ وَالْهِنْدِيِّ حَيْثُ قَيَّدُوا الْخِلَافَ الْآتِيَ بِالْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي إذَا نُفِيَ هل يَعُمُّ مَفَاعِيلَهُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّازِمَ لَا يَعُمُّ نَفْيَهُ وَلَا يَكُونُ نَفْيًا لِلْمَصْدَرِ وقال الْأَصْفَهَانِيُّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْخِلَافُ فِيهِمَا على السَّوَاءِ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ حَيْثُ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا سَبَقَ مَثَّلَ بِمَا إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ أو إنْ ضَرَبْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الضَّرْبَ بِآلَةٍ بِعَيْنِهَا أو إنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى مَكَانًا بِعَيْنِهِ وهو يُخِلُّ بِتَرْجَمَةِ الْمَسْأَلَةِ كما قَالَهُ الْهِنْدِيُّ لِأَنَّ الضَّرْبَ وَالْخُرُوجَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ إلَى الْآلَةِ وَالْمَكَانِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ الْمُتَعَدِّي إلَى مَفْعُولٍ أَعَمُّ من أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ أو بِالْحَرْفِ سَوَاءٌ كان معه الْحَرْفُ أو لم يَكُنْ وَحِينَئِذٍ فَيَشْمَلُ الْخِلَافُ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا ثُمَّ إنَّهُ أُطْلِقَ الْفِعْلُ وَلَا بُدَّ من تَقْيِيدِهِ بِالْوَاقِعِ في حَيِّزِ النَّفْيِ أو الشَّرْطِ لَا الْإِثْبَاتِ فَتَفَطَّنْ له وَذَكَرَ الْهِنْدِيُّ أَنَّ ذلك في قُوَّةِ نَفْيِ الْمَصْدَرِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ ليس مثله بَلْ أَنْزَلَ منه

دَرَجَةً وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَعُمُّ كما في نَفْيِ الْمَصْدَرِ مِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى لَا يَمُوتُ فيها وَلَا يحيى لَا يُقْضَى عليهم فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ من عَذَابِهَا إنَّ لَك أَلَّا تَجُوعَ فيها وَلَا تَعْرَى الْآيَةَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ النَّفْيَ في هذا وَأَمْثَالِهِ لِلْعُمُومِ وَأَنَّ الْمَفْهُومَ منه أَنَّهُ نَفْيٌ كما لو قال لَا حَيَاةَ وَلَا مَوْتَ وَلِهَذَا لو حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يُطَلِّقُ حَنِثَ بِأَيِّ بَيْعٍ كان وَأَيِّ طَلَاقٍ كان لِأَنَّهُ لم يُفْهَمْ منه إلَّا نَفْيُ أَفْرَادِ هذا الْجِنْسِ من الْبَيْعِ أو الطَّلَاقِ وَالْأَصْلُ في الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ الْفِعْلِ حَقِيقَةً في عُمُومِ نَفْيِ جَمِيعِ الْمَصَادِرِ وهو الْمَطْلُوبُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا وَوَقَعَ في سِيَاقِ النَّفْيِ أو الشَّرْطِ ولم يُصَرَّحْ بِمَفْعُولِهِ ولم يَكُنْ له دَلَالَةٌ على مَفْعُولٍ لَا وَاحِدٍ وَلَا أَكْثَرَ فَهَلْ يَكُونُ عَامًّا فيها أَمْ لَا كما إذَا قال وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ أو لَا آكُلُ أو إنْ أَكَلْتُ فَعَلَيَّ كَذَا فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وأبو يُوسُفَ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ عَامٌّ فيه وقال أبو حَنِيفَةَ لَا يَعُمُّ وَاخْتَارَهُ الْقُرْطُبِيُّ من الْمَالِكِيَّةِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ مِنَّا وَجَعَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ من بَابِ الْأَفْعَالِ اللَّازِمَةِ نَحْوُ يُعْطِي وَيَمْنَعُ فَلَا يَدُلُّ على مَفْعُولٍ لَا بِالْعُمُومِ وَلَا بِالْخُصُوصِ لِأَنَّ هذه الْأَفْعَالَ لَمَّا لم تُقْصَدْ مَفْعُولَاتُهَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ قُصِدَ بها مَاهِيَّاتُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ الْمُجَرَّدَةِ عن الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ بَلْ وَعَنْ الْقُيُودِ الْمَكَانِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ وَحُجَّةُ الْأَوَّلِينَ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ هذه الْأَفْعَالِ لِتَدُلَّ على مَاهِيَّاتٍ مُقَيَّدَةٍ بِالْمَحَالِّ التي هِيَ الْمَفْعُولَاتُ كما وُضِعَتْ لِتَدُلَّ على الْفَاعِلِ وَمَعَ ذلك فَقَدْ يُحْذَفُ الْفَاعِلُ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لم يُوضَعْ له الْفِعْلُ كما فَعَلُوا في بَابِ إعْمَالِ الْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أو إطْعَامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ في التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا لو نَوَى بِهِ مَأْكُولًا مُعَيَّنًا قُبِلَ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ غَيْرِهِ بِنَاءً على عُمُومِ لَفْظِهِ وَقَبُولُ الْعَامِّ لِلتَّخْصِيصِ بِبَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ كَسَائِرِ الْعُمُومَاتِ فَصَحَّ أَنْ يَنْوِيَ في هذه الْأَفْعَالِ ما كان أَصْلًا لها مع كَوْنِهِ مَحْذُوفًا لَفْظًا لِأَنَّهَا صَالِحَةٌ له وَضْعًا وَلَا يُقْبَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْعُمُومِ وَلَا عُمُومَ وقد قال الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ لو حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ في الدُّنْيَا وَنَوَى الْبَلَدَ فَهَلْ يُحْمَلُ عليه أو لَا إذْ ليس بِمُسَاكَنَةٍ فَلَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ وَجْهَانِ وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِتَعْمِيمِهِ قالوا إنَّهُ لَا يَدُلُّ على جَمِيعِ ما يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا له على جِهَةِ الْجَمْعِ بَلْ على جِهَةِ الْبَدَلِ قال وَهَؤُلَاءِ أَخَذُوا الْمَاهِيَّةَ مُقَيَّدَةً وَلَا يَنْبَغِي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24