كتاب : البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف : بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي

مَسْأَلَةٌ وَضْعُ اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ في مَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا مَنَعَ الرَّازِيَّ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ في مَعْنًى لِمَعْنًى خَفِيٍّ جِدًّا فَالْغَرَضُ من هذه الْمَسْأَلَةِ الرَّدُّ على مُثْبِتِي الْحَالِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْحَرَكَةُ اسْمٌ لِمَعْنًى يَجْعَلُ الِاسْمَ مُتَحَرِّكًا وَالْمَشْهُورُ نَفْسُ الِانْتِقَالِ لَا مَعْنًى أَوْجَبَ الِانْتِقَالَ وَجَوَّزَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فإن أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مَشْهُورَةٌ وَبِإِزَائِهَا مَعَانٍ دَقِيقَةٌ غَامِضَةٌ لَا يَفْهَمُهَا إلَّا الْخَوَاصُّ الْعَارِفُونَ بِاَللَّهِ وَبِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُدْرِكُ مَعَانِيَ لَطِيفَةً فَيَخْتَرِعُ لها أَلْفَاظًا بِإِزَائِهَا فَائِدَةُ الْوَضْعِ الْخَامِسُ في فَائِدَةِ الْوَضْعِ وَالْمَعَانِي الْمُفْرَدَةُ مَعْلُومَةٌ في الذِّهْنِ قبل وَضْعِ اللَّفْظِ وَفَائِدَةُ وَضْعِ اللَّفْظِ تَصَوُّرُهَا عِنْدَ التَّلَفُّظِ لِتَوَقُّفِ فَهْمِ النِّسْبَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ عليه فَإِذَنْ الْفَائِدَةُ الْحَاصِلَةُ من الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ تَصَوُّرُ مَعَانِيهَا وَشُعُورُ الذِّهْنِ بها لَا مَعْرِفَةُ مَعَانِيهَا فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ وَتَصَوُّرُ النِّسْبَةِ مَوْجُودٌ في الذِّهْنِ قبل وُجُودِ اللَّفْظِ وَالْفَائِدَةُ الْحَاصِلَةُ بِاللَّفْظِ مع الْحَرَكَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَالتَّرْكِيبِ الْمَخْصُوصِ مَعْرِفَتُهَا وَاقِعَةً أو وَقَعَتْ أو سَتَقَعُ فَالْمَوْقُوفُ عليها التَّصْدِيقُ لَا التَّصَوُّرُ فَلَا دَوْرَ أَيْضًا الْوَاضِعُ السَّادِسُ في الْوَاضِعِ وقد اُخْتُلِفَ فيه على مَذَاهِبَ أَحَدُهَا قَوْلُ الشَّيْخِ أبي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَبَعْضِ أَتْبَاعِهِ كَابْنِ فُورَكٍ أنها تَوْقِيفِيَّةٌ وَأَنَّ الْوَاضِعَ هو اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ وَأَعْلَمَهَا لِلْخَلْقِ بِالْوَحْيِ إلَى الْأَنْبِيَاءِ أو بِخَلْقِ الْأَصْوَاتِ في كل شَيْءٍ أو بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ لهم وَحَكَاهُ ابن جِنِّي في الْخَصَائِصِ عن أبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَجَزَمَ بِهِ ابن فَارِسٍ وَالثَّانِي أنها إلْهَامٌ من اللَّهِ تَعَالَى لِبَنِي آدَمَ كَأَصْوَاتِ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ حَيْثُ كانت أَمَارَاتٌ على إرَادَتِهَا فِيمَا بَيْنَهَا بِإِلْهَامِ اللَّهِ تَعَالَى حَكَاهُ صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ عن أبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَيَشْهَدُ له ما أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ في مُسْتَدْرَكِهِ عن جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَلَا قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ثُمَّ قال أُلْهِمَ إسْمَاعِيلُ هذا اللِّسَانَ إلْهَامًا ثُمَّ قال صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وقال الذَّهَبِيُّ في مُخْتَصَرِهِ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ على شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَكِنَّ مَدَارَ الحديث على إبْرَاهِيمَ بن إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ الْغَسِيلِيِّ وكان مِمَّنْ

يَسْرِقُ الحديث انْتَهَى وَالثَّالِثِ مَذْهَبُ أبي هَاشِمٍ وَأَتْبَاعِهِ أنها اصْطِلَاحِيَّةٌ على مَعْنَى أَنَّ وَاحِدًا من الْبَشَرِ أو جَمَاعَةٍ وَضَعَهَا وَحَصَلَ التَّعْرِيفُ لِلْبَاقِينَ بِالْإِشَارَةِ وَالْقَرَائِنِ كَتَعْرِيفِ الْوَالِدَيْنِ لُغَتَهُمَا لِلْأَطْفَالِ وَحَكَاهُ ابن جِنِّي في الْخَصَائِصِ عن أَكْثَرِ أَهْلِ النَّظَرِ وقال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ مَعْنَى الِاصْطِلَاحِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ اللَّهُ مَقَاصِدَ اللُّغَاتِ ثُمَّ يَهْجِسُ في نَفْسِ وَاحِدٍ منهم أَنْ يُنَصِّبَ أَمَارَةً على مَقْصُودِهِ فإذا نَصَّبَهَا وَكَرَّرَهَا وَاتَّصَلَتْ الْقَرَائِنُ بها أَفَادَتْ الْعِلْمَ كَالصَّبِيِّ يَتَلَقَّى من وَالِدِهِ وَالْقَائِلُونَ بِالتَّوْقِيفِ يَقُولُونَ لَا بُدَّ وَأَنْ يُلْهَمُوا الْأَمَارَاتِ قال وَمَنْ فَهِمَ الْمَسْأَلَةَ وَتَصَوَّرَهَا لَا يُحِيلُ تَصْوِيرَهَا نعم يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُ الْعَالَمِينَ على أَمَارَةٍ وَاحِدَةٍ مع اخْتِلَافِ الدَّوَاعِي فَإِنْ عُنِيَ بِالِاصْطِلَاحِ هذا فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ عُنِيَ ما ذَكَرْنَاهُ فَلَا وإذا تَعَارَضَ الْإِمْكَانَاتُ تَوَقَّفَ على السَّمْعِ وَالرَّابِعِ أَنَّ بَعْضَهُ من اللَّهِ وَبَعْضَهُ من الناس ثُمَّ اخْتَلَفُوا هل الْبُدَاءَةُ من اللَّهِ وَالتَّتِمَّةُ من الناس وَنَسَبَهُ الْقُرْطُبِيُّ إلَى الْأُسْتَاذِ وَإِمَّا عَكْسُهُ وقد ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْمٌ فَتَصِيرُ الْمَذَاهِبُ خَمْسَةً وقد اخْتَلَفَ في النَّقْلِ عن الْأُسْتَاذِ فَحَكَى الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ عنه أَنَّ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ في التَّعْرِيفِ تَوْقِيفِيٌّ وَالْبَاقِي مُحْتَمَلٌ لِلتَّوَقُّفِ وَغَيْرِهِ وَحَكَى في الْمَحْصُولِ عنه أَنَّ الْبَاقِيَ مُصْطَلَحٌ وَسَبَقَهُ إلَى حِكَايَتِهِ أَيْضًا أبو نَصْرِ بن الْقُشَيْرِيّ وَالصَّوَابُ عنه الْأَوَّلُ فَقَدْ رَأَيْته في كِتَابِ أُصُولِ الْفِقْهِ لِلْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ وَنَقَلَهُ عن بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ من أَصْحَابِنَا ثُمَّ قال إنَّهُ الصَّحِيحُ الذي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَعِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ من أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أو يَخْلُقَ لهم عِلْمًا بِمِقْدَارِ ما يَفْهَمُ بَعْضُهُمْ من بَعْضٍ لِمَعْنَى الِاصْطِلَاحِ وَالْوُقُوفِ على التَّسْمِيَةِ فإذا عَرَفُوهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ تَوْقِيفًا منه لهم عليه وَجَازَ أَنْ يَكُونَ اصْطِلَاحًا فِيهِمْ وَلَا طَرِيقَ بَعْدَهُ إلَى مَعْرِفَةِ ما كان منه فيه إلَّا بِخَبَرِ نَبِيٍّ عنه هذا لَفْظُهُ وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عنه ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ وَالْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ في كِتَابِهِ الْخَامِسُ قَوْلُ الْقَاضِي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ الْقُشَيْرِيّ وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَابْنِ بَرْهَانٍ وَجُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ كما قَالَهُ في الْمَحْصُولِ التَّوَقُّفُ بِمَعْنَى أَنَّ الْجَمِيعَ مُمْكِنٌ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَأَمَّا تَعْيِينُ الْمَوَاقِعِ من هذه الْأَقْسَامِ فَلَيْسَ فيه نَصٌّ قَاطِعٌ وَمَالَ إلَيْهِ ابن جِنِّي في أَوَاخِرِ الْأَمْرِ

وقال الْآمِدِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ كان الْمَطْلُوبُ في هذه الْمَسْأَلَةِ تَعْيِينَ الْوَاقِعِ فَالْحَقُّ ما قَالَهُ الشَّيْخُ وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ الْوَاقِفُ إنْ تَوَقَّفَ عن الْقَطْعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ التَّوَقُّفَ عن الظَّنِّ فَظَاهِرُ الْآيَةِ يَنْفِيهِ وقال التِّلِمْسَانِيُّ في الْكِفَايَةِ قال الْمُتَأَخِّرُونَ من الْفُقَهَاءِ هذا الْخِلَافُ إنْ كان في الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ فَهُوَ ثَابِتٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ إذْ لَا يَلْزَمُ منه مُحَالٌ أَصْلًا وَإِنْ كان في الْوُقُوعِ السَّمْعِيِّ فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الْوُقُوعَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّقْلِ ولم يُوجَدْ فيه خَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ وَلَا بُرْهَانٌ عَقْلِيٌّ بِنَفْيِ رَجْمِ الظُّنُونِ بِلَا فَائِدَةٍ وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ ما وَقَعَ التَّوْقِيفُ في الِابْتِدَاءِ على لُغَةٍ وَاحِدَةٍ وما سِوَاهَا من اللُّغَاتِ وَقَعَ التَّوْقِيفُ عليها بَعْدَ الطُّوفَانِ من اللَّهِ في أَوْلَادِ نُوحٍ حتى تَفَرَّقُوا في أَقْطَارِ الْأَرْضِ قال وقد رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَوَّلَ من تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمَحْضَةِ إسْمَاعِيلُ وَأَرَادَ بها عَرَبِيَّةَ قُرَيْشٍ التي نَزَلَ بها الْقُرْآنُ وَأَمَّا عَرَبِيَّةُ قَحْطَانَ وَحِمْيَرَ فَكَانَتْ قبل إسْمَاعِيلَ عليه السَّلَامُ وقال في شَرْحِ الْأَسْمَاءِ قال الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ من الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ من الْمُفَسِّرِينَ إنَّهَا كُلَّهَا تَوْقِيفٌ من اللَّهِ وقال أَهْلُ التَّحْقِيقِ من أَصْحَابِنَا لَا بُدَّ من التَّوْقِيفِ في أَصْلِ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الِاصْطِلَاحِ على أَوَّلِ اللُّغَاتِ من غَيْرِ مَعْرِفَةٍ من الْمُصْطَلِحِينَ يَعْنِي ما اصْطَلَحُوا عليه وإذا حَصَلَ التَّوْقِيفُ على لُغَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ ما بَعْدَهَا من اللُّغَاتِ اصْطِلَاحًا وَأَنْ يَكُونَ تَوْقِيفًا وَلَا يُقْطَعُ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلَالَةٍ قال وَاخْتَلَفُوا في لُغَةِ الْعَرَبِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللُّغَاتِ كُلَّهَا اصْطِلَاحٌ فَكَذَا قَوْلُهُ في لُغَةِ الْعَرَبِ وَمَنْ قال بِالتَّوْقِيفِ على اللُّغَةِ الْأُولَى وَأَجَازَ الِاصْطِلَاحَ فِيمَا سِوَاهَا من اللُّغَاتِ اخْتَلَفُوا في لُغَةِ الْعَرَبِ فَمِنْهُمْ من قال هِيَ أَوَّلُ اللُّغَاتِ وَكُلُّ لُغَةٍ سِوَاهَا حَدَثَتْ بَعْدَهَا إمَّا تَوْقِيفًا أو اصْطِلَاحًا وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وهو عَرَبِيٌّ وهو دَلِيلٌ على أَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ أَسْبَقُ اللُّغَاتِ وُجُودًا وَمِنْهُمْ من قال لُغَةُ الْعَرَبِ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا عَرَبِيَّةُ حِمْيَرَ وَهِيَ التي تَكَلَّمُوا بها في عَهْدِ هُودٍ وَمَنْ قَبْلَهُ وَبَقِيَ بَعْضُهَا إلَى وَقْتِنَا

وَالثَّانِي الْعَرَبِيَّةُ الْمَحْضَةُ التي نَزَلَ بها الْقُرْآنُ وَأَوَّلُ من أَطْلَقَ لِسَانَهُ بها إسْمَاعِيلُ فَعَلَى هذا الْقَوْلِ يَكُونُ تَوْقِيفُ إسْمَاعِيلَ على الْعَرَبِيَّةِ الْمَحْضَةِ مُحْتَمِلًا أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ اصْطِلَاحًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُرْهُمٍ النَّازِلِينَ عليه بِمَكَّةَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفًا من اللَّهِ وهو الصَّوَابُ ا هـ وَحَكَى ابن جِنِّي في الْخَصَائِصِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ أَصْلَ اللُّغَاتِ إنَّمَا هو من الْأَصْوَاتِ وَالْأَسْمَاعِ كَدَوِيِّ الرِّيحِ وَحُنَيْنِ الرَّعْدِ وَخَرِيرِ الْمَاءِ وَنَهِيقِ الْحِمَارِ وَنَعِيقِ الْغُرَابِ وَصَهِيلِ الْفَرَسِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ تَوَلَّدَتْ اللُّغَاتُ عن ذلك فِيمَا بَعْدُ قال وَهَذَا عِنْدِي وَجْهٌ صَالِحٌ وَمَذْهَبٌ مُتَقَبَّلٌ قال وأبو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ يَذْهَبُ إلَى أنها تَوْفِيقِيَّةٌ لَكِنَّهُ لم يَمْنَعْ الْقَوْلَ بِالِاصْطِلَاحِ تَنْبِيهَاتٌ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ على اللُّغَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَّا تَوْقِيفًا أو إلَّا اصْطِلَاحًا الثَّانِي أَنَّهُ ما الذي وَقَعَ على تَقْدِيرِ كُلٍّ من الْأَمْرَيْنِ وَالْقَوْلُ بِتَجْوِيزِ كُلٍّ من الْأَمْرَيْنِ هو مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ وَنَقَلُوهُ عن الْأَشْعَرِيِّ وَقِيلَ إنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ في الْوُقُوعِ مع تَجْوِيزِ صُدُورِ اللُّغَةِ اصْطِلَاحًا وَلَوْ مَنَعَ الْجَوَازَ لَنَقَلَهُ عنه الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافَ في الْجَوَازِ ثُمَّ قال إنَّ الْوُقُوعَ لم يَثْبُتْ وَتَبِعَهُ ابن الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُ التَّنْبِيهُ الثَّانِي مَعْنَى التَّوْقِيفِ في مَعْنَى التَّوْقِيفِ قال ابن فَارِسٍ لَعَلَّ ظَانًّا يَظُنُّ أَنَّ اللُّغَةَ التي دَلَّلْنَا على أنها تَوْقِيفٌ إنَّمَا جَاءَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً وفي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ وَقَّفَ اللَّهُ آدَمَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ على ما شَاءَ أَنْ يُعَلِّمَهُ إيَّاهُ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى عِلْمِهِ في زَمَانِهِ فَانْتَشَرَ من ذلك ما شَاءَ ثُمَّ عَلَّمَ بَعْدَ ذلك آدَمَ من عَرَفَ من الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم نَبِيًّا نَبِيًّا ما شَاءَ أَنْ يُعَلِّمَهُ حتى انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى نَبِيِّنَا صلى اللَّهُ عليه وسلم فَآتَاهُ من ذلك ما لم يُؤْتِ أَحَدًا ثُمَّ قَرَّ الْأَمْرُ قَرَارَهُ فَلَا نَعْلَمُ لُغَةً من بَعْدِهِ حَدَثَتْ

التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ الْأَسْمَاءُ التي عَلَّمَهَا اللَّهُ آدَمَ قال ابن عَطِيَّةَ اخْتَلَفُوا في أَيِّ الْأَسْمَاءِ عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ فَقِيلَ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ حَقِيرِهَا وَجَلِيلِهَا وَقِيلَ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ وَقِيلَ عُلِّمَ الْأَسْمَاءَ بِكُلِّ لُغَةٍ تَكَلَّمَتْ بها ذُرِّيَّتُهُ وقد غَلَا قَوْمٌ في هذا الْمَعْنَى حتى حَكَى ابن جِنِّي عن أبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ قال عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ كُلَّ شَيْءٍ حتى أَنَّهُ كان يُحْسِنُ من النَّحْوِ مِثْلَ ما أَحْسَنَ سِيبَوَيْهِ وَنَحْوَ هذا من الْقَوْلِ الذي هو بَيِّنُ الْخَطَأِ وقال أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَّمَهُ مَنَافِعَ كل شَيْءٍ وما يَصْلُحُ التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ إنَّ الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ يُوجِبُ الظَّنَّ بِأَنْ لَا فَائِدَةَ لِلْخَوْضِ فيه لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا تَكْمِيلُ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ إذْ مُعْظَمُ النَّظَرِ فيها يَتَعَلَّقُ بِدَلَالَةِ الصِّيَغِ أو جَوَازُ قَلْبِ ما لَا تَعَلُّقَ له بِالشَّرْعِ فيها كَتَسْمِيَةِ الْفَرَسِ ثَوْرًا وَالثَّوْرِ فَرَسًا إلَى غَيْرِ ذلك وَقِيلَ الْخِلَافُ فيها طَوِيلُ الذَّيْلِ قَلِيلُ النَّيْلِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عليها مَعْرِفَةُ عَمَلٍ من أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ في عِلْمِ الْأُصُولِ لِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الرِّيَاضِيَّاتِ التي يَرْتَاضُ الْعُلَمَاءُ بِالنَّظَرِ فيها كما يُصَوِّرُ الْحَيْسُوبُ مَسَائِلَ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ فَهَذِهِ من أُصُولِ الْفِقْهِ من رِيَاضِيَّاتِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أو الْفَوْرِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَإِنَّهَا من ضَرُورَاتِهِ وَمِنْهُمْ من خَرَّجَ عليها مَسَائِلَ من الْفِقْهِ كما لو عَقَدَا صَدَاقًا في السِّرِّ وَآخَرَ في الْعَلَانِيَةِ أو اسْتَعْمَلَا لَفْظَ الْمُفَاوَضَةِ وَأَرَادَا شَرِكَةَ الْعِنَانِ حَيْثُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ على الْجَوَازِ أو تَبَايَعَا بِالدَّنَانِيرِ وَسَمَّيَا الدَّرَاهِمَ قال ابن الصَّبَّاغِ لَا يَصِحُّ وَكَمَا لو قال لِزَوْجَتِهِ إذَا قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لم أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ وَإِنَّمَا غَرَضِي أَنْ تَقُومِي وَتَقْعُدِي ثُمَّ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ وَحَكَى الْإِمَامُ في بَابِ الصَّدَاقِ وَجْهًا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا تَوَاضَعَا عليه وَلَوْ سَمَّى أَمَتَهُ حُرَّةً ولم يَكُنْ ذلك اسْمَهَا ثُمَّ قال بَعْدَ ذلك يا حُرَّةُ فَفِي الْبَسِيطِ أَنَّ الظَّاهِرَ أنها لَا تُعْتَقُ إذَا قَصَدَ النِّدَاءَ وَجَعَلَهُ مُلْتَفَتًا على هذه الْقَاعِدَةِ قال في الْمَطْلَبِ وَالْأَشْبَهُ عَدَمُ بِنَائِهِ على ذلك لِأَنَّا نُفَرِّعُ على جَوَازِ وَضْعِ الِاسْمِ بِالِاصْطِلَاحِ وإذا جَازَ صَارَ كَالِاسْمِ الْمُسْتَمِرِّ وَلَوْ كان اسْمُهَا بَعْدَ الرِّقِّ حُرَّةً وَنَادَاهَا بِهِ وَقَصَدَ ذلك لم يَقَعْ فَكَذَا هُنَا وَغَيْرُ ذلك من الصُّوَرِ

وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ شَيْءٌ من ذلك على هذه الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا في أَنَّ اللُّغَاتِ هذه الْوَاقِعَةِ بين أَظْهُرِنَا هل هِيَ بِالِاصْطِلَاحِ أو التَّوْقِيفِ لَا في شَخْصٍ خَاصٍّ اصْطَلَحَ مع صَاحِبِهِ على تَغْيِيرِ الشَّيْءِ عن مَوْضُوعِهِ نعم يُضَاهِيهَا قَاعِدَةٌ في الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ هل يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ أَمْ لَا فيه خِلَافٌ وَعَلَيْهَا تَتَفَرَّعُ هذه الْفُرُوعُ كما بَيَّنْته في كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَمِنْهُمْ من قال فَائِدَتُهَا النَّظَرُ في جَوَازِ قَلْبِ اللُّغَةِ فَالْقَائِلُونَ بِالتَّوْقِيفِ يَمْنَعُونَهُ مُطْلَقًا وَالْقَائِلُونَ بِالِاصْطِلَاحِ يُجَوِّزُونَهُ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ الشَّرْعُ منه وَمَتَى لم يَمْنَعْ كان لِلشَّيْءِ اسْمَانِ أَحَدُهُمَا مُتَوَقَّفٌ عليه وَالْآخَرُ مُتَوَاضَعٌ عليه وَبِذَلِكَ قال الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا الْمُتَوَقِّفُونَ فقال الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَتْ إشَارَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَذَهَبَ الْأَزْدِيُّ إلَى التَّجْوِيزِ كَمَذْهَبِ الِاصْطِلَاحِ وَأَشَارَ أبو الْقَاسِمِ عبد الْجَلِيلِ الصَّابُونِيُّ إلَى الْمَنْعِ وَجَوَّزَ كَوْنَ التَّوْقِيفِ وَارِدًا على أَنَّهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ النُّطْقُ إلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وقال ابن الْأَنْبَارِيِّ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ في هذه الْمَسْأَلَةِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ في تَفْسِيرِهِ فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ من جَعَلَ الْكَلَامَ تَوْقِيفِيًّا جَعَلَ التَّكْلِيفَ مُقَارِنًا لِكَمَالِ الْعَقْلِ وَمَنْ جَعَلَهُ اصْطِلَاحِيًّا جَعَلَ التَّكْلِيفَ مُتَأَخِّرًا عن الْعَقْلِ مُدَّةَ الِاصْطِلَاحِ على مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ ثُمَّ فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّعْلِيمَ إنَّمَا كان مَقْصُورًا على الِاسْمِ دُونَ الْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ عُلِّمَ الْأَسْمَاءَ وَمَعَانِيَهَا إذْ لَا فَائِدَةَ في تَعْلِيمِ عِلْمِ الْأَسْمَاءِ بِلَا مَعَانٍ لِتَكُونَ الْمَعَانِي هِيَ الْمَقْصُودَةَ وَالْأَسْمَاءُ دَلَائِلَ عليها وإذا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وهو أَنَّ التَّعْلِيمَ إنَّمَا كان مَقْصُودًا على أَلْفَاظِ الْأَسْمَاءِ دُونَ مَعَانِيهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَّمَهُ إيَّاهَا بِاللُّغَةِ التي يَتَكَلَّمُ بها وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَّمَهُ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ وَعَلَّمَهَا آدَم وَلَدَهُ فلما تَفَرَّقُوا تَكَلَّمَ كُلُّ قَوْمٍ منهم بِلِسَانٍ اسْتَسْهَلُوهُ منها وَأَلِفُوهُ ثُمَّ نَسُوا غَيْرَهُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ أَصْبَحُوا وَكُلُّ قَوْمٍ منهم يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَةٍ قد نَسُوا غَيْرَهَا في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِثْلُ هذا في الْعُرْفِ مُمْتَنِعٌ ا هـ وَعَزَا بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ التَّوْقِيفَ لِأَصْحَابِهِمْ وَالِاصْطِلَاحُ لِأَصْحَابِنَا ثُمَّ قال وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْلِيقُ بِاللُّغَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الشَّرْعِ من غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى الشَّرْعِ وَبَنَوْا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عنه وَعِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِاللُّغَةِ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَاضِعِينَ في الْأَصْلِ كَانُوا جُهَّالًا

وَضَعُوا عِبَارَاتٍ لِمُعَبَّرَاتٍ لَا لِمُنَاسَبَاتٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ وَصَارَتْ لُغَةً انْتَهَى وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ أو تَوْقِيفِيَّةٌ فَاخْتَارَ ابن جِنِّي في الْخَصَائِصِ أنها مُتَلَاحِقَةٌ بَعْضُهَا يَتْبَعُ بَعْضًا لَا أنها وُضِعَتْ في وَقْتٍ وَاحِدٍ قال وهو قَوْلُ أبي الْحَسَنِ الْأَخْفَشِ وهو الصَّوَابُ على مَعْنَى أَنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَ في أَوَّلِ الْأَمْرِ شيئا ثُمَّ اُحْتِيجَ لِلزِّيَادَةِ عليه لِحُصُولِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ فَزِيدَ فيه شيئا فَشَيْئًا إلَّا أَنَّهُ على قِيَاسِ ما سَبَقَ منها في حُرُوفِهِ وقد سَبَقَ مِثْلُهُ عن ابْنِ فَارِسٍ فَائِدَةٌ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ ذَكَرَهَا الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ في كِتَابِ التَّحْصِيلِ فقال أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا على أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ شَيْءٍ منها بِالْقِيَاسِ وَإِنْ كان في مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَجَوَّزَهُ مُعْتَزِلَةُ الْبَصْرَةِ قال وَأَمَّا أَسْمَاءُ غَيْرِهِ فَالصَّحِيحُ من مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْقِيَاسِ فيها وقال بَعْضُ أَصْحَابِهِ مع أَكْثَرِ أَهْلِ الرَّأْيِ بِامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ وَأَجْمَعُوا على أَنَّهُ لو حَدَثَ في الْعَالَمِ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا جَازَ أَنْ يُوضَعَ له اسْمٌ وَاخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّتِهِ فَمِنْهُمْ من قال نُسَمِّيهِ بِاسْمِ الشَّيْءِ الْقَرِيبِ منه في صُورَتِهِ وَيَكُونُ ذلك من جُمْلَةِ اللُّغَةِ التي قِيسَ عليها وَمِنْهُمْ من قال ابْتَدَأَ له اسْمًا كَيْفَ كان وَيَكُونُ ذلك لُغَةً مُخْتَصَّةً بِالْمُسَمَّى بها ا هـ وقال الْمُقْتَرِحُ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَطْلَقَ أَئِمَّتُنَا أَنَّ الْقِيَاسَ يَجْرِي في أَسْمَاءِ اللَّهِ فَانْحَصَرَ مَدَارِكُهَا في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ الْوَارِدُ في السُّنَّةِ في أَسْمَاءِ اللَّهِ مُتَوَاتِرًا فيه خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ كَيْفِيَّةُ مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ إلَى مَعْرِفَةِ وَضْعِ الْأَلْفَاظِ السَّابِعُ في كَيْفِيَّةِ مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ إلَى مَعْرِفَةِ وَضْعِ الْأَلْفَاظِ لِمَعَانِيهَا وهو إمَّا بِالنَّقْلِ الصِّرْفِ أو بِالْعَقْلِ الصِّرْفِ أو الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ النَّقْلُ وهو إمَّا مُتَوَاتِرٌ كَالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وهو مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ وَإِمَّا آحَادٌ كَالْقُرْءِ وَنَحْوِهِ وهو مُفِيدٌ لِلظَّنِّ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي من الْحَنَابِلَةِ عن السَّمْنَانِيِّ في مَسْأَلَةِ الْعُمُومِ أَنَّ اللُّغَةَ لَا تَثْبُتُ بِالْآحَادِ وَكَأَنَّهُ قَوْلُ الْوَاقِفِيَّةِ في صِيَغِ الْعُمُومِ وَالْأَمْرِ

وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً في بَابِ الْعَمَلِيَّاتِ وَالْأَحْكَامِ أَمَّا ما يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَائِدِ فَلَا لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْقَطْعَ قال في الْمَحْصُولِ وَالْعَجَبُ من الْأُصُولِيِّينَ حَيْثُ أَقَامُوا الدَّلِيلَ على أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ في الشَّرْعِ ولم يُقِيمُوا الدَّلِيلَ على ذلك في اللُّغَةِ وكان هذا لِأَنَّ إثْبَاتَ اللُّغَةِ كَالْأَصْلِ لِلتَّمَسُّكِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قال الْأَصْفَهَانِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الذي دَلَّ على حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ في الشَّرْعِ على التَّمَسُّكِ بِهِ في نَقْلِ اللُّغَةِ آحَادًا إذَا وُجِدَتْ الشَّرَائِطُ فَلَعَلَّهُمْ أَهْمَلُوا ذلك اكْتِفَاءً منهم بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ على أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ في الشَّرْعِ وَأَوْرَدَ في الْمَحْصُولِ تَشْكِيكَاتٍ كَثِيرَةً على نَقْلِ اللُّغَةِ وَنَاقِلِهَا وَمِنْ جَيِّدِ أَجْوِبَتِهَا أنها على قِسْمَيْنِ فَمِنْهُ ما يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مَدْلُولُهُ فَيَنْدَفِعُ عِنْدَ جَمِيعِ التَّشْكِيكَاتِ إذْ لَا تَشْكِيكَ في الضَّرُورِيَّاتِ وَالْأَكْثَرُ في اللُّغَةِ هو هذا وَمِنْهُ ما ليس كَذَلِكَ فَيُكْتَفَى فيه بِالظَّنِّ وَنَقْلِ الْآحَادِ وقال أبو الْفَضْلِ بن عَبْدَانَ في شَرَائِطِ الْأَحْكَامِ وَتَبِعَهُ الْجِيلِيُّ في الْإِعْجَازِ وَلَا يَلْزَمُ اللُّغَةَ إلَّا بِخَمْسِ شَرَائِطَ أَحَدُهَا ثُبُوتُ ذلك عن الْعَرَبِ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ وَالثَّانِي عَدَالَةُ النَّاقِلِينَ كما يُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمْ في الشَّرْعِيَّاتِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ عَمَّنْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ في أَصْلِ اللُّغَةِ كَالْعَرَبِ الْعَارِبَةِ مِثْلِ قَحْطَانَ وَمَعْدٍ وَعَدْنَانَ فَأَمَّا إذَا نَقَلُوا عَمَّنْ بَعْدَهُمْ بَعْدَ فَسَادِ لِسَانِهِمْ وَاخْتِلَافِ الْمُوَلَّدِينَ فَلَا قُلْت وَوَقَعَ في كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِ الِاسْتِشْهَادُ بِشِعْرِ أبي تَمَّامٍ بَلْ في الْإِيضَاحِ لِلْفَارِسِيِّ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِتَقْرِيرِ النَّقَلَةِ كَلَامَهُمْ وَأَنَّهُ لم يَخْرُجْ عن قَوَانِينِ الْعَرَبِ وقال ابن جِنِّي يُسْتَشْهَدُ بِشِعْرِ الْمُوَلَّدِينَ في الْمَعَانِي كما يُسْتَشْهَدُ بِشِعْرِ الْعَرَبِ في الْأَلْفَاظِ وَالرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ النَّاقِلُ قد سمع منهم حِسًّا وَأَمَّا بِغَيْرِهِ فَلَا يَثْبُتُ وَالْخَامِسُ أَنْ يَسْمَعَ من النَّاقِلِ حِسًّا ا هـ الثَّانِي الْعَقْلُ قال الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وهو لَا يُفِيدُ وَحْدَهُ إذْ لَا مَجَالَ له في مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ الثَّالِثُ الْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا كما إذَا نَقَلَ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ ما لَوْلَاهُ لَتَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ فإن الْعَقْلَ يُدْرِكُ ذلك وَأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ لِلْعُمُومِ وهو يُفِيدُ الْقَطْعَ إنْ كانت مُقَدِّمَاتُهُ كُلُّهَا قَطْعِيَّةً وَالظَّنَّ إنْ كان منها شَيْءٌ

ظَنِّيٌّ وَاعْتَرَضَ في الْمَحْصُولِ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُقَدَّمَتَيْنِ النَّقْلِيَّتَيْنِ على النَّتِيجَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّاقِضَةَ مَمْنُوعَةٌ على الْوَاضِعِ وَهَذَا إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا قُلْنَا إنَّ الْوَاضِعَ هو اللَّهُ تَعَالَى وقد بَيَّنَّا أَنَّ ذلك غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هذا الْقِسْمَ لَا يَخْرُجُ عن الْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ إذْ ليس الْمُرَادُ بِالنَّقْلِ أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ مُسْتَقِلًّا بِالدَّلَالَةِ من غَيْرِ مَدْخَلٍ لِلْعَقْلِ فيه أَلَا تَرَى أَنَّ صِدْقَ الْمُخَبِّرِ لَا بُدَّ منه وهو عَقْلِيٌّ وقد قال سُلَيْمٌ في بَابِ الْمَفْهُومِ من التَّقْرِيبِ تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِالْعَقْلِ لِأَنَّ له مَدْخَلًا في الِاسْتِدْلَالِ بِمَخَارِجِ كَلَامِهِمْ على مَقَاصِدِهِمْ وَمَوْضُوعَاتِهِمْ تَنْبِيهَانِ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ قد تُعْلَمُ اللُّغَةُ بِالْقَرَائِنِ قال ابن جِنِّي في الْخَصَائِصِ من قال إنَّ اللُّغَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا نَقْلًا فَقَدْ أَخْطَأَ فَإِنَّهَا قد تُعْلَمُ بِالْقَرَائِنِ أَيْضًا فإن الرَّجُلَ إذَا سمع قَوْلَ الشَّاعِرِ قَوْمٌ إذَا الشَّرُّ أَبَدًا نَاجِذَيْهِ لهم طَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا يُعْلَمُ أَنَّ الزَّرَافَاتِ بِمَعْنَى الْجَمَاعَاتِ التَّنْبِيهُ الثَّانِي قال عبد اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ في شَرْحِ الْخُطَبِ النَّبَاتِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ اللُّغَوِيَّ شَأْنُهُ أَنْ يَنْقُلَ ما نَطَقَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَلَا يَتَعَدَّاهُ وَأَمَّا النَّحْوِيُّ فَشَأْنُهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا يَنْقُلُهُ اللُّغَوِيُّ وَيَقِيسُ عليه وَمِثَالُهُمَا الْمُحَدِّثُ وَالْفَقِيهُ فَشَأْنُ الْمُحَدِّثِ نَقْلُ الحديث بِرُمَّتِهِ ثُمَّ إنَّ الْفَقِيهَ يَتَلَقَّاهُ وَيَتَصَرَّفُ فيه وَيَبْسُطُ عِلَلَهُ وَيَقِيسُ عليه الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ قال أبو عَلِيٍّ فِيمَا حَكَاهُ ابن جِنِّي يَجُوزُ لنا أَنْ نَقِيسَ مَنْثُورَنَا على مَنْثُورِهِمْ وَشِعْرَنَا على شِعْرِهِمْ مَسْأَلَةٌ لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ قال الشَّافِعِيُّ في الرِّسَالَةِ لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ لَا يُحِيطُ بِجَمِيعِهِ إلَّا نَبِيٌّ وَلَكِنَّهُ لَا يَذْهَبُ منه شَيْءٌ على عَامَّتِهَا وَالْعِلْمُ بِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ كَالْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَهْلِ

الْفِقْهِ لَا نَعْلَمُ رَجُلًا جَمَعَ السُّنَنَ فلم يَذْهَبْ منها عليه شَيْءٌ وَتُوجَدُ مَجْمُوعَةً عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وقال ابن فَارِسٍ في كِتَابِ فِقْهِ الْعَرَبِيِّ قال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَلَامُ الْعَرَبِ لَا يُحِيطُ بِهِ إلَّا نَبِيٌّ قال وَهَذَا كَلَامٌ حَقِيقٌ أَنْ لَا يَكُونَ صَحِيحًا وما بَلَغْنَا عن أَحَدٍ من الْمَاضِينَ أَنَّهُ ادَّعَى حِفْظَ اللُّغَةِ كُلِّهَا وَأَمَّا ما وَقَعَ في آخِرِ كِتَابِ الْخَلِيلِ هذا آخِرُ كَلَامِ الْعَرَبِ فَالْخَلِيلُ أَتْقَى لِلَّهِ من أَنْ يَقُولَ ذلك قال وَذَهَبَ عُلَمَاؤُنَا أو أَكْثَرُهُمْ إلَى أَنَّ الذي انْتَهَى إلَيْنَا من كَلَامِ الْعَرَبِ هو الْأَقَلُّ وَلَوْ جَاءَنَا جَمِيعُ ما قَالُوهُ لَجَاءَ شِعْرٌ كَثِيرٌ وَكَلَامٌ كَثِيرٌ وَأَحْرَى بهذا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا

مسألة
الِاحْتِجَاجُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ قال ابن فَارِسٍ لُغَةُ الْعَرَبِ يُحْتَجُّ بها فِيمَا اُخْتُلِفَ فيه إذَا كان التَّنَازُعُ في اسْمٍ أو صِفَةٍ أو شَيْءٍ مِمَّا يَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ من سُنَنِهَا في حَقِيقَةٍ أو مَجَازٍ وَنَحْوِهِ فَأَمَّا ما سَبِيلُهُ الِاسْتِنْبَاطُ وما فيه لِدَلَائِلِ الْعَقْلِ مَجَالٌ فإن الْعَرَبَ وَغَيْرَهُمْ فيه سَوَاءٌ وَأَمَّا خِلَافُ الْفُقَهَاءِ في الْقُرْءِ وَالْعَوْدِ في الظِّهَارِ وَنَحْوِهِ فَمِنْهُ ما يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ فيه بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَمِنْهُ ما يُوَكَّلُ إلَى غَيْرِ ذلك قال وَيَقَعُ في الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ لُغَتَانِ كَالصِّرَامِ وَثَلَاثٌ كَالزُّجَاجِ وَأَرْبَعٌ كَالصَّدَاقِ وَخَمْسٌ كَالشِّمَالِ وَسِتٌّ كَالْقِسْطَاسِ وَلَا يَكُونُ أَكْثَرُ من هذا ا هـ قُلْت وَهَذَا غَرِيبٌ فَقَدْ حَكَوْا في الْأُصْبُعِ عَشْرَ لُغَاتٍ وَكَذَا الْأُنْمُلَةُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَقِيلَ في أُفٍّ خَمْسُونَ لُغَةً مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ لَا خِلَافَ في ثُبُوتِ اللُّغَةِ بِالنَّقْلِ وَالتَّوْقِيفِ وَهَلْ تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ فيه قَوْلَانِ لِلْأُصُولِيِّينَ وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا كما قَالَهُ الشَّيْخُ في اللُّمَعِ وَالْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي وَالرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ فَذَهَبَ أبو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَالْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَتِلْمِيذُهُ ابن حَاتِمٍ من أَصْحَابِنَا في كِتَابِهِ اللَّامِعِ وأبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وابن الْقُشَيْرِيّ

وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ إلَى الْمَنْعِ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ مَأْخُوذَةٌ من اللُّغَةِ دُونَ الشَّرْعِ وَنَقَلَهُ عن مُعْظَمِ الْمُحَقِّقِينَ وَنَقَلَهُ في الْمَحْصُولِ عن مُعْظَمِ أَصْحَابِنَا وَعَنْ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ عن الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ عن الْعِرَاقِيِّينَ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَاخْتَارَهُ ابن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ من الْمَالِكِيَّةِ وَالْآمِدِيَّ وابن الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُمَا وَهِمَا في النَّقْلِ عن الْقَاضِي فَنَقَلَا عنه الْجَوَازَ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ في كِتَابِ التَّقْرِيبِ إنَّمَا هو الْمَنْعُ وَكَذَا نَقَلَهُ عنه الْمَازِرِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَهُ ابن جِنِّي وابن سِيدَهْ في كِتَابِ الْقَوَافِي عن النَّحْوِيِّينَ قال لِأَنَّ الْعَرَبَ قد فَرَغَتْ من تَسْمِيَةِ الْأَشْيَاءِ فَلَيْسَ لنا أَنْ نَبْتَدِعَ أَسْمَاءً كما أَنَّهُ ليس لنا أَنْ نُطْلِقَ الِاشْتِقَاقَ على جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِئَلَّا يَقَعَ اللَّبْسُ في اللُّغَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْبَيَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ سَمَّوْا الزُّجَاجَةَ قَارُورَةً لِاسْتِقْرَارِ الشَّيْءِ فيها فَلَيْسَ لنا أَنْ نُسَمِّيَ الْجُبَّ وَالْبَحْرَ قَارُورَةً لِاسْتِقْرَارِ الْمَاءِ فِيهِمَا وَالْأَكْثَرُونَ من أَصْحَابِنَا كما قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وابن بَرْهَانٍ وابن السَّمْعَانِيِّ على الْجَوَازِ قُلْت منهم أبو عَلِيِّ بن أبي هُرَيْرَةَ وابن سُرَيْجٍ وَالْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ في كِتَابِ التَّحْصِيلِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ فإنه قال في الشُّفْعَةِ إنَّ الشَّرِيكَ جَارٍ وَقَاسَهُ على تَسْمِيَةِ الْعَرَبِ امْرَأَةَ الرَّجُلِ جَارَهُ وقال ابن فُورَكٍ إنَّهُ الظَّاهِرُ من مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذْ قال الشَّرِيكُ جَارٌ في مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ يُقَالُ امْرَأَتُك أَقْرَبُ إلَيْك أَمْ جَارُك وَنَقَلَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ عن الْبَصْرِيِّينَ من النَّحْوِيِّينَ وقال في الْمَحْصُولِ نَقَلَ ابن جِنِّي في الْخَصَائِصِ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْمَازِنِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ قال وما اصْطَلَحَ عليه الْعَرُوضِيُّونَ من أَسْمَاءِ الْبُحُورِ وَغَيْرِهِ فإنه على التَّشْبِيهِ وَالنَّقْلِ لِمَا وَضَعَتْهُ الْعَرَبُ في أَوَّلِيَّةِ مَوْضُوعِ اللُّغَةِ وقال ابن فَارِسٍ في فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ إلَّا من شَذَّ منهم أَنَّ في لُغَةِ الْعَرَبِ قِيَاسًا وهو قَوْلُ ابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ في شَرْحِ كِتَابِ التَّرْتِيبِ تَكَلَّمْت يَوْمًا مع أبي الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَنَصَرْت الْقَوْلَ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأَسَامِي قِيَاسًا فقال من يقول بهذا يَلْزَمُهُ ما يَلْزَمُ ابْنَ دُرُسْتَوَيْهِ قال وكان ابن دُرُسْتَوَيْهِ رَجُلًا كَبِيرًا في

النَّحْوِ وَاللُّغَةِ غير أَنَّهُ كان يُتَّهَمُ في دِينِهِ فقال ابن دُرُسْتَوَيْهِ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَسَامِي قِيَاسًا إذَا كان مِمَّا يُقَاسُ عليه فَمِمَّا أُخِذَ وَاشْتُقَّ اسْمُهُ من مَعْنًى فيه مِثْلَ الْقَارُورَةِ تُسَمَّى قَارُورَةً لِاسْتِقْرَارِ الْمَاءِ فيها فَلِكُلِّ ما في مَعْنَاهَا يَكُونُ قَارُورَةً قِيلَ وَأَيْشِ يقول في الْجُبِّ يَسْتَقِرُّ الْمَاءُ فيه هل يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى قَارُورَةً قال نعم قِيلَ فما تَقُولُ في الْبَحْرِ وَالْحَوْضِ فَالْتَزَمَ ذلك وَرَكَّبَ الْبَابَ كُلَّهُ فَاسْتَبْشَعُوا ذلك منه وَشَنَّعُوا عليه فَقُلْت لِأَبِي الْحُسَيْنِ أَيْشٍ إذَا أَخْطَأَ وَاحِدٌ في الْقِيَاسِ بَلْ كان من سَبِيلِهِ أَنْ يَحْتَرِزَ فيه بِنَوْعٍ من الِاحْتِرَازِ بِأَنْ يَقُولَ ما يَسْتَقِرُّ الْمَاءُ فيه وَيَخِفُّ على الْيَدِ وَنَحْوُهُ وَحَكَى أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ لم يَقَعْ وَكَذَا قال ابن فُورَكٍ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ اخْتَلَفُوا في الْوُقُوعِ على وَجْهَيْنِ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ إثْبَاتِ الْأَسَامِي شَرْعًا وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا لُغَةً وهو الذي اخْتَارَهُ ابن سُرَيْجٍ وَيُخَرَّجُ مِمَّا سَيَأْتِي في عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ مَذْهَبٌ آخَرُ وهو الْفَرْقُ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ في حَقِيقَةِ اللُّغَةِ وَيَمْتَنِعُ فِيمَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مَجَازًا احْتَجَّ الْمَانِعُ بِأَنَّ الْقِيَاسَ إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ عنه بِمَنْطُوقٍ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ في اللُّغَةِ لِأَنَّ الْفَرْعَ لم يَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ فلم يَكُنْ من لُغَتِهَا وَإِنْ أُرِيدَ إلْحَاقُهُ بِمَا نَطَقَتْ بِهِ فَهُوَ وَضْعٌ من جِهَتِهِ لَا من جِهَتِهِمْ فَلَا يَكُونُ من لُغَتِهِمْ وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُ بِالْإِجْمَاعِ على جَوَازِ الْقِيَاسِ في الِاشْتِقَاقِ وَالنَّحْوِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ النَّحْوِيَّ تَصَرُّفٌ في أَحْوَالِ الْكَلِمِ فَلَيْسَ وَضْعًا مُسْتَأْنَفًا بِخِلَافِ وَضْعِ ذَوَاتِ الْكَلِمِ وَالْأَقْيِسَةُ النَّحْوِيَّةُ ليس فيها شَيْءٌ مَسْكُوتٌ عنه بَلْ إمَّا مَنْطُوقٌ بِعَيْنِهِ أو بِنَظِيرِهِ وَمِنْ مُهِمَّاتِ هذا الْأَصْلِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ إلْحَاقُ النَّبِيذِ بِالْخَمْرِ في الِاسْمِ حتى يُحْكَمَ بِتَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَنَحْنُ وَإِنْ لم نَقُلْ بِالْقِيَاسِ اللُّغَوِيِّ فَنَحْنُ نَحْكُمُ بِتَحْرِيمِ قَلِيلِ النَّبِيذِ تَمَسُّكًا بِأَصْلِ الِاسْمِ فإن الْعَرَبَ تُسَمِّيهِ خَمْرًا كما قال عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَهَمَتْ الْعَرَبُ منها تَحْرِيمَ النَّبِيذِ وَغَيْرِهِ فإن أَقْوَامًا أَرَاقُوا ما كان عِنْدَهُمْ من النَّبِيذِ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا اسْتِفْسَارٍ فَدَلَّ على أَنَّهُ من لُغَتِهِمْ وَاصْطِلَاحِهِمْ ثُمَّ مَحَلُّ الْخِلَافِ في الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَعَانِي الدَّائِرَةِ مع الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فيها وُجُودًا وَعَدَمًا كَالْخَمْرِ اسْمٌ لِلْمُسْكِرِ الْمُعْتَصِرِ من الْعِنَبِ لِيَصِحَّ الْإِلْحَاقُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَعْنَى الذي من أَجْلِهِ وُضِعَ اسْمُ الْمَنْصُوصِ عليه أَمَّا الْأَعْلَامُ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلَا يَجْرِي فيها وِفَاقًا قَالَهُ أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ

وَالْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ وَالْمَازِرِيُّ قال وَالْمَعْنَى فيه كَوْنُهَا غير مُعَلَّلَةٍ فَهِيَ كَالْمَنْصُوصِ لَا تُعَلَّلُ قال وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ الصَّادِرَةِ في مَعَانٍ مَعْقُولَةٍ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَى وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْخِلَافَ في الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ دُونَ الْجَوَامِدِ وَأَسْمَاءِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ وَنَازَعَهُ الْمُقْتَرِحُ بِأَنَّ الْمُشْتَقَّةَ قد نُقِلَ عنها في الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ طَرَدُوا فيه الِاشْتِقَاقَ وَقِسْمٌ مَنَعُوهُ فيه وَقِسْمٌ لم يُعْلَمْ هل طَرَدُوهُ أو مَنَعُوهُ قال وَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا نِزَاعٌ لِأَنَّا إذَا عَلِمْنَا الِاشْتِقَاقَ كان هذا مَأْخُوذًا من اللَّفْظِ لَا من طَرِيقِ الْقِيَاسِ وَإِنْ عَلِمْنَا الْمَنْعَ من طَرْدِ الِاشْتِقَاقِ امْتَنَعَ الْقِيَاسُ لِئَلَّا يُلْتَحَقَ بِلُغَتِهِمْ ما ليس فيها فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ في الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّا إذَا شَكَكْنَا في أَنَّهُمْ أَجَازُوا الِاطِّرَادَ أو مَنَعُوهُ فَتَعَيَّنَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا السَّمْعُ ولم يُنْقَلْ لنا عن الْعَرَبِ مَنْعٌ وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ ليس من مَحَلِّ الْخِلَافِ ما عُلِمَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَضَعُوهُ لِمَعْنًى يَشْمَلُ الْجُزَيْئَاتِ فإنه لَا خِلَافَ في أَنَّ إطْلَاقَهُ على الْجُزْئِيَّاتِ ليس بِقِيَاسٍ وَلَا يَجْرِي أَيْضًا فِيمَا ثَبَتَ بِالِاسْتِقْرَاءِ إرَادَةٌ إلَى الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَإِنْ لم يُعْلَمْ نَصُّهُمْ أَنَّ الْمَوْضُوعَ هو الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُنَا رَجُلٌ وَالثَّانِي قَوْلُنَا الْفَاعِلُ مَرْفُوعٌ وَالْمَفْعُولُ مَنْصُوبٌ بَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَطْلَقُوا اسْمًا مُشْتَمِلًا على وَصْفٍ وَاعْتَقَدْنَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ لِذَلِكَ الْوَصْفِ فَأَرَدْنَا تَعَدِّيَةَ الِاسْمِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ كما إذَا اعْتَقَدْنَا أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْخَمْرِ بِاعْتِبَارِ التَّخْمِيرِ فَعَدَّيْنَاهُ إلَى النَّبِيذِ وَكَذَا قال ابن الْحَاجِبِ إنَّ الْخِلَافَ لَا يَجْرِي فِيمَا ثَبَتَ بِالِاسْتِقْرَاءِ كَرَفْعِ الْفَاعِلِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبَ قال ما طَرِيقُ اللُّغَةِ من اسْمٍ أو إعْرَابٍ هل يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيه فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلَى ثُبُوتِهِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَبِهِ قال أَصْحَابُ أبي حَنِيفَةَ وَكَثِيرٌ من الْمُتَكَلِّمِينَ ا هـ وَجَعَلَ في الْإِرْشَادِ مَحَلَّ الْخِلَافِ ما إذَا أُرِيدَ إلْحَاقُ الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ بِقِيَاسٍ لُغَوِيٍّ أو الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ بِقِيَاسٍ شَرْعِيٍّ قال فَإِنْ أُرِيدَ إلْحَاقُهُ بِهِ بِقِيَاسٍ شَرْعِيٍّ لم يَجُزْ قَطْعًا لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ اللُّغَوِيَّةَ سَابِقَةٌ على الشَّرْعِ فلم يَصِحَّ إثْبَاتُهَا بِعِلَلٍ شَرْعِيَّةٍ حَكَاهُ بَعْضُ شُرَّاحِ اللُّمَعِ

وقال ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ يَمْتَنِعُ إثْبَاتُ الِاسْمِ اللُّغَوِيِّ بِقِيَاسٍ شَرْعِيٍّ مِثْلُ أَنْ يَثْبُتَ فِيمَنْ وَطِئَ الْغُلَامَ أَنَّهُ يُسَمَّى زِنًى لِأَنَّهُ وَطِئَ في فَرْجٍ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ اللُّغَوِيَّةَ سَابِقَةٌ لِلشَّرْعِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ وَإِنَّمَا الِاسْمُ الشَّرْعِيُّ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِقِيَاسٍ شَرْعِيٍّ مِثْلُ تَسْمِيَةِ هذه الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ صَلَاةٌ وقال الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ تَحْرِيرُ النِّزَاعِ أَنَّ صِيَغَ التَّصَارِيفِ على الْقِيَاسِ ثَابِتٌ في كل مَصْدَرٍ نُقِلَ بِالِاتِّفَاقِ إذْ هو في حُكْمِ الْمَنْقُولِ وَتَبْدِيلُ الْعِبَارَاتِ مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ كَتَسْمِيَةِ الْفَرَسِ دَارًا وَالدَّارِ فَرَسًا وَمَحَلُّ النِّزَاعِ في الْقِيَاسِ على عِبَارَةٍ تُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى وهو حَائِدٌ عن نَهْجِ الْقِيَاسِ كَقَوْلِهِمْ لِلْخَمْرِ خَمْرٌ لِأَنَّهُ يُخَامِرُ الْعَقْلَ فَهَلْ يُقَاسُ عليه سَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ جَوَّزَهُ الْأُسْتَاذُ وَالْمُخْتَارُ مَنْعُهُ وهو مَذْهَبُ الْقَاضِي ا هـ وقال الصَّيْرَفِيُّ الْقِيَاسُ لَا يَكُونُ إلَّا على عِلَّةٍ وَالْأَسْمَاءُ لَا قِيَاسَ لها وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ كَالْحَدِّ لِلشَّيْءِ وَالْعِلْمِ عليه وَالْحَاصِلُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ في كل مَحَلٍّ يَصْلُحُ الْجَرْيُ فيه على مُقْتَضَى الِاشْتِقَاقِ ولم يَظْهَرْ من أَهْلِ اللُّغَةِ فيه قَصْدُ الْقَصْرِ أو التَّعَدِّيَةِ كَتَسْمِيَةِ عَصِيرِ الْعِنَبِ خَمْرًا من الْمُخَامَرَةِ أو التَّخْمِيرِ وقال صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ أَجْمَعُوا على أَنَّ إثْبَاتَ الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ بِالْقِيَاسِ اللُّغَوِيِّ جَائِزٌ إذَا كان الِاسْمُ اسْمَ مَعْنًى وكان الْقِيَاسُ مَأْذُونًا فيه من أَهْلِ اللُّغَةِ كَالِاشْتِقَاقِ أَمَّا هل يَجُوزُ إثْبَاتُ الْأَسْمَاءِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ أو لَا وَالْجُمْهُورُ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَهَبَ ابن سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ إلَى الْجَوَازِ فَأَثْبَتُوا لِنَبِيذِ التَّمْرِ اسْمَ الْخَمْرِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ ثُمَّ أَوْجَبُوا الْحَدَّ بِشُرْبِهِ وَأَثْبَتُوا لِفِعْلِ اللِّوَاطِ اسْمَ الزِّنَى بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ ثُمَّ أَوْجَبُوا حَدَّ الزِّنَى فِيهِمَا بِالنَّصِّ وَأَجْمَعُوا على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اخْتِرَاعُ أَلْفَاظٍ مُبْتَكَرَةٍ بِالْقِيَاسِ وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَاتَّفَقُوا على أَنَّ ما حَدَثَ بَعْدَهُمْ مِمَّا لم يَضَعُوا له اسْمًا ولم يَكُنْ عِنْدَهُمْ فلم يَعْرِفُوهُ في وَقْتِهِمْ فَلَنَا أَنْ نُسَمِّيَهُ قال وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في كَيْفِيَّتِهِ فقال من جَوَّزَ أَخْذَ الْأَسَامِي قِيَاسًا إنَّا نَقِيسُ ما لم نَعْرِفْهُ فَنَعْزِيهِ إلَى ما يُشْبِهُ فَيَكُونُ ذلك على لِسَانِ الْعَرَبِ بِأَصْلِهَا وقال من امْتَنَعَ منه إنَّا نُسَمِّيهِ بِمَا شِئْنَا لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ ذلك من لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُ كما يُعَرَّبُ من كَلَامِ الْفَرَسِ لِلْحَاجَةِ

تَنْبِيهَانِ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ الْقِيَاسُ في الْمَجَازِ الْخِلَافُ في الْقِيَاسِ في اللُّغَةِ كما يَجْرِي في الْحَقِيقَةِ في الْمَجَازِ أَيْضًا وَأَشَارَ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ إلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ في الْمَجَازِ بِلَا خِلَافٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَنْعَ في الْقِيَاسِ في الْمَجَازِ لَا يُوقِعُ في ضَرُورَةٍ لِبَقَاءِ اسْمِ الْحَقِيقَةِ وَلَوْ مَنَعْنَا الْقِيَاسَ في الْحَقِيقَةِ بَقِيَتْ بِغَيْرِ اسْمٍ وقد يُحْتَاجُ إلَى التَّعْبِيرِ عنها فَيُوقِعُ مَنْعُ الْقِيَاسِ في ضَرَرٍ قال الْمَازِرِيُّ هذا إنَّمَا يَتِمُّ له في ذَاتٍ لَا اسْمٍ لها أَصْلًا في لِسَانِ الْعَرَبِ الْمَجَازُ أَخْفَضُ رُتْبَةً من الْحَقِيقَةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَجَازَ أَخْفَضُ رُتْبَةً من الْحَقِيقَةِ فَيَجِبُ تَمْيِيزُ الْحَقِيقَةِ عليه وقد مَنَعَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ الْقِيَاسَ في الْمَجَازِ قال فَلَا يُقَالُ سَأَلْت الثَّوْبَ قِيَاسًا على قَوْلِهِمْ سَأَلْت الرَّبْعَ وقال أبو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ في مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ من خِلَافِهِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ على أَنَّ الْمَجَازَ لَا يُقَاسُ عليه في مَوْضِعِ الْقِيَاسِ التَّنْبِيهُ الثَّانِي قِيلَ هذا الْخِلَافُ في نَفْسِ اللُّغَةِ أَمَّا حُكْمُهَا فَلَا خِلَافَ فيه كَقِيَاسِ النَّحْوِيِّ إنَّ النَّافِيَةِ في الْعَمَلِ على ما النَّافِيَةِ بِجَامِعِ كَوْنِهِمَا وَضْعًا على حَرْفَيْنِ كَنَفْيِ الْحَالِ وَهَذَا عَجِيبٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ في اللُّغَةِ وَهِيَ غَيْرُ النَّحْوِ وَكَيْفَ لَا يَثْبُتُ النَّحْوَ بِالْقِيَاسِ وهو الْعِلْمُ بِمَقَايِيسِ كَلَامِ الْعَرَبِ قال ابن خَرُوفٍ لَمَّا كان كَلَامُ الْعَرَبِ لَا يُضْبَطُ بِالْحِفْظِ انْتَدَبَ له الْأَئِمَّةُ وَوَضَعُوا له قَوَانِينَ يُعْلَمُ بها كَلَامُهُمْ فَصَارَ النَّوْعُ الذي يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ هو الذي يُسَمَّى بِالنَّحْوِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالنَّوْعُ الذي لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ هو اللُّغَةُ وَيَسْتَوِي في حَمْلِهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ لِأَنَّهُ قَيْدُ اللَّفْظِ وَلِذَلِكَ قال ابن جِنِّي في الْخَصَائِصِ قال لي أبو عَلِيٍّ وَلِأَنَّ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً من الْقِيَاسِ أَنْبَهُ وَأَنْبَلُ من كِتَابِ لُغَةٍ عِنْدَ عُيُونِ الناس وقال لي أَيْضًا أَخْطَأُ في خَمْسِينَ مَسْأَلَةً من اللُّغَةِ وَلَا أَخْطَأُ في وَاحِدَةٍ من الْقِيَاسِ قال ابن جِنِّي وَصَدَقَ

لِأَنَّهُ بِالْقِيَاسِ ضُبِطَ كَلَامُهُمْ وَجَمَعُوا الْكَثِيرَ الذي لَا يَضْبِطُهُ الْحِفْظُ الْقَلِيلُ بِالْقِيَاسِ وَاسْتَغْنَوْا بِهِ عن حِفْظِ ما لَا يَنْحَصِرُ إذْ فَاتَهُمْ الْأَصْلُ عن الْعَرَبِ ا هـ مَسْأَلَةٌ تَغْيِيرُ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ حَكَى بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ من شَارِحِي الْبُرْهَانِ أَنَّ الناس اخْتَلَفُوا في أَنَّ الْأَلْفَاظَ اللُّغَوِيَّةَ هل يَجُوزُ تَغْيِيرُهَا حتى يُسَمَّى الثَّوْبُ دَارًا مَثَلًا قال فَاَلَّذِي أَجْمَعَ عليه الْعُلَمَاءُ أَنَّ ما تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ من الْأَلْفَاظِ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ إذْ يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ الْحُكْمِ وما لم يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فَإِنْ كان تَوْقِيفِيًّا فَمِنْ الناس من يقول لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ وكان التَّوْقِيفُ حُكْمًا وَمِنْهُمْ من جَوَّزَ التَّغْيِيرَ وقال إمْكَانُ الْحُكْمِ ليس بِحُكْمٍ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ بِالْخِطَابِ وَالْعِلْمِ بِهِ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ وقد سَبَقَتْ هذه الْمَسْأَلَةُ في فَوَائِدِ الْخِلَافِ في أَنَّ اللُّغَاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ أَمْ لَا مَسْأَلَةٌ ثُبُوتُ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ بِالِاجْتِهَادِ هذا في الِاسْمِ اللُّغَوِيِّ فَأَمَّا في الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ فَكَمَا يَثْبُتُ بِالتَّوْقِيفِ يَثْبُتُ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ تَبِعَهُ الِاسْمُ كما أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ الرِّبَا في الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ ثُمَّ أَلْحَقَ الْعُلَمَاءُ غَيْرَهَا بها بِالِاجْتِهَادِ وَثَبَتَ بِذَلِكَ اسْمُ الرِّبَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ من أَصْحَابِنَا في كِتَابِ السَّلَمِ من كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْأَوْسَطِ الْمُنَاسَبَةُ في الْوَضْعِ الثَّامِنُ في عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ في الْوَضْعِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ على الْمَعْنَى لَيْسَتْ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا بَلْ لِأَنَّهُ جُعِلَ عَلَامَةً عليه وَمُعَرَّفًا بِهِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ وَذَهَبَ عَبَّادُ بن سُلَيْمَانَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ على الْمَعْنَى لِمُنَاسَبَةٍ طَبِيعِيَّةٍ بَيْنَهُمَا وَعَبَّرَ ابن الْجُوَيْنِيِّ عن هذا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ اللُّغَاتِ الْمَوْضُوعَةَ لِمَعَانِيهَا هل هو لِأَمْرٍ مَعْقُولٍ أو لَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُ عَبَّادٍ ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ عنه أَنَّ اللَّفْظَ يُفِيدُ الْمَعْنَى بِذَاتِهِ من غَيْرِ وَاضِعٍ لِمَا بَيْنَهُمَا من الْمُنَاسَبَةِ الطَّبِيعِيَّةِ قال الْأَصْفَهَانِيُّ وهو الصَّحِيحُ عنه وَنَقَلَ صَاحِبُ الْأَحْكَامِ عنه أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ حَامِلَةٌ لِلْوَاضِعِ على أَنْ يَضَعَ

وَفَصَّلَ الزَّجَّاجِيُّ بين أَسْمَاءِ الْأَلْقَابِ وَغَيْرِهَا فقال وَاضِعُ اللُّغَةِ أَجْرَى اللَّفْظَ على مُسَمَّيَاتِهَا لَمَعَانٍ تَتَضَمَّنَهَا أَسْمَاءُ الْأَلْقَابِ فإن قَوْلَنَا زَيْدٌ وَإِنْ كان مَأْخُوذًا من الزِّيَادَةِ فَلَيْسَ بِجَارٍ على مُسَمَّاهَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ فيه إلَّا تَعْرِيفُ شَخْصٍ من شَخْصٍ حَكَاهُ عنه الْوَاحِدِيُّ في الْبَسِيطِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لو لم تَدُلَّ بِالْوَضْعِ وَإِنَّمَا دَلَّتْ بِذَوَاتِهَا لَكَانَتْ كَالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالْأَعْصَارِ وَالْأُمَمِ وَالِاخْتِلَافُ مَوْجُودٌ وَأَيْضًا لو كان كما قال لَاشْتَرَكَ فيه الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْعَقْلِ وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقْطَعُ بِصِحَّةِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ وَضِدِّهِ وَنَقْطَعُ بِوُقُوعِ اللَّفْظِ على الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ كَالْقُرْءِ الْوَاقِعِ على الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْجَوْرِ الْوَاقِعِ على الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ فَلَوْ كانت الدَّلَالَةُ لِمُنَاسَبَةٍ لَزِمَ أَنْ يُنَاسِبَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ النَّقِيضَيْنِ وَالضِّدَّيْنِ بِالطَّبْعِ وهو مُحَالٌ فَلَا يَصِحُّ وَضْعُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لَهُمَا على هذا التَّقْدِيرِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِصِحَّةِ وَضْعِهِ لَهُمَا بَلْ بِوُقُوعِهِ قال السَّكَّاكِيُّ هذا الْمَذْهَبُ مُتَأَوَّلٌ على أَنَّ لِلْحُرُوفِ خَوَاصَّ تُنَاسِبُ مَعْنَاهَا من شِدَّةٍ وَضَعْفٍ وَغَيْرِهِ كَالْجَهْرِ وَالْهَمْسِ وَالْمُتَوَسِّطِ بَيْنَهُمَا إلَى غَيْرِ ذلك وَتِلْكَ الْخَوَاصُّ تَسْتَدْعِي على أَنَّ الْعَالِمَ بها إذَا أَخَذَ في تَعْيِينِ شَيْءٍ منها لِمَعْنًى لَا يُهْمِلُ التَّنَاسُبَ بَيْنَهُمَا قَضَاءً لِحَقِّ الْكَلِمِ كما تَرَى في الْفَصْمِ بِالْفَاءِ الذي هو حَرْفٌ رِخْوٌ لِكَسْرِ الشَّيْءِ من غَيْرِ أَنْ يَبِينَ وَالْقَصْمُ بِالْقَافِ الذي هو حَرْفٌ شَدِيدٌ لِكَسْرِ الشَّيْءِ حتى يَبِينَ وفي الزَّفِيرِ لِصَوْتِ الْحِمَارِ وَالزَّئِيرِ بِالْهَمْزِ الذي هو شَدِيدٌ لِصَوْتِ الْأَسَدِ وَأَنَّ الْمُرَكَّبَاتِ كَالْفَعَلَانِ والفعلى بِالتَّحْرِيكِ كَالنَّزَوَانِ وَالْحَيَدَى وفعل بِضَمِّ الْعَيْنِ كَطَرُفَ وَشَرُفَ وَغَيْرِ ذلك خَوَاصٌّ أَيْضًا فَيَلْزَمُ فيها ما يَلْزَمُ في الْحُرُوفِ من اخْتِصَاصِ بَعْضِ الْمُرَكَّبَاتِ بِبَعْضِ الْمَعَانِي دُونَ بَعْضٍ كَاخْتِصَاصِ الْفَعَلَانِ والفعلى بِالْمُتَحَرِّكَاتِ وَاخْتِصَاصِ فَعُلَ بِأَفْعَالِ الطَّبَائِعِ وفي أَنَّ لِلْحُرُوفِ وَالْمُرَكَّبَاتِ خَوَاصَّ نَوْعُ تَأْثِيرٍ لَا نَفْسُ الْكَلِمَةِ في اخْتِصَاصِهَا بِالْمَعَانِي هذا حَاصِلُ تَأْوِيلِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ هذا الْقَائِلَ إنْ أَرَادَ أَنَّ هذه الْأَلْفَاظَ عِلَّةٌ مُقْتَضِيَةٌ لِذَاتِهَا هذه الْمَعَانِي فَخَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ بين وَضْعِ الْأَلْفَاظِ وَمَعَانِيهَا تَنَاسُبًا من وَجْهٍ ما لِأَجْلِهَا حتى جَعَلَ هذه الْحُرُوفَ دَالَّةً على الْمَعْنَى دُونَ غَيْرِهِ كما يقول الْمُعَلِّلُونَ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إنَّ بين عِلَلِهَا وَأَحْكَامِهَا مُنَاسَبَاتٌ وَإِنْ لم تَكُنْ مُوجِبَةً لها وهو الظَّاهِرُ من كَلَامِهِ فَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ من أَرْبَابِ عِلْمِ الْحُرُوفِ إذْ زَعَمُوا أَنَّ لِلْحُرُوفِ طَبَائِعَ في

طَبَقَاتٍ من حَرَارَةٍ وَبُرُودَةٍ وَرُطُوبَةٍ وَيُبُوسَةٍ تُنَاسِبُ أَنْ يُوضَعَ لِكُلِّ مُسَمًّى ما يُنَاسِبُهُ من طَبِيعَةِ تِلْكَ الْحُرُوفِ لِيُطَابِقَ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ يَزْعُمُ الْمُنَجِّمُونَ أَنَّ حُرُوفَ اسْمِ الشَّخْصِ مع اسْمِ أُمِّهِ وَاسْمِ أبيه تَدُلُّ على أَحْوَالِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا من الْمُنَاسَبَةِ فَإِنْ عَنَى عَبَّادٌ هذا فَالْبَحْثُ معه وَمَعَ هَؤُلَاءِ وَالرَّدُّ عليه بِمَا يَرُدُّ مَذْهَبَ الطَّبَائِعِيِّينَ في عِلْمِ الْكَلَامِ وَلَا يَنْفَعُ ما رَدُّوا بِهِ من وَضْعِ اللَّفْظِ لِلضِّدَّيْنِ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ خِلَافٍ كما سَيَأْتِي وقال ابن الْحُوبِيِّ هل لِلْحُرُوفِ في الْكَلِمَاتِ خَوَاصٌّ أو وُضِعَتْ الْكَلِمَاتُ لِمَعَانِيهَا اتِّفَاقًا فَوُضِعَ الْبَابُ لِمَعْنًى وَالنَّابُ لِآخَرَ وكان من الْجَائِزِ وَضْعُ الْبَابِ لِمَعْنَى النَّابِ وَبِالْعَكْسِ فَنَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُعَلَّلُ وَلَا يُقَالُ لِمَ قِيلَ لِهَذَا الْمَعْنَى بَابٌ وَلِذَلِكَ جِدَارٌ قال وَلَا شَكَّ أَنَّ من الْحُرُوفِ ما هو مُسْتَحْسَنٌ وَمِنْهُ ما ليس كَذَلِكَ فَالْمُسْتَحْسَنُ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ مُسْتَقْبَحٌ لم يَكُنْ مُنَاسِبًا غير أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ من كل لَفْظٍ وَمَعْنَاهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُمْكِنُ وَتَفْوِيتٌ لِلزَّمَانِ فَإِنْ اُتُّفِقَ في بَعْضِهَا أَنْ وَقَعَ في الذِّهْنِ شَيْءٌ من غَيْرِ تَفَكُّرٍ قِيلَ بِهِ كما يقول في الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ كَيْفَ جُعِلَ في الشِّدَّةِ الْحَرْفُ الشَّدِيدُ وهو الدَّالُ مُضَاعَفًا وَالرَّخَاءُ كَيْفَ جِيءَ فيه بِالْحُرُوفِ الرِّخْوَةِ قال وَهَذَا يَنْبَنِي على مَسْأَلَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ هل يُشْتَرَطُ في اخْتِيَارِهِ أَحَدُ الرَّافِعِينَ بِحَاجَتِهِ وُجُودُ مُرَجِّحٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَالْجَائِعُ يَكُونُ أَكْلُهُ لِعِلَّةِ الشِّبَعِ أَمَّا اخْتِيَارُهُ أَحَدَ الرَّغِيفَيْنِ لِشِبَعِهِ بَدَلًا عن الْآخَرِ لَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ فَالْوَضْعُ لِحِكْمَةٍ وَإِنَّمَا وُضِعَ الْبَابُ بِخُصُوصِهِ لِمَعْنَاهُ فَلَا سَبَبَ له قُلْت وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من فَوَائِدِ الْخِلَافِ ما إذَا تَعَارَضَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ وَالْعُرْفِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْعِبَارَاتِ لَا تُغْنِي لِأَعْيَانِهَا وَهِيَ في الْحَقِيقَةِ أَمَارَاتٌ مَنْصُوبَةٌ على الْمَعَانِي الْمَطْلُوبَةِ

تقسيم الألفاظ
تقسيم الدلالة
الْأَوَّلُ في تَقْسِيمِ الدَّلَالَةِ وقد اُخْتُلِفَ فيها فَالصَّحِيحُ أنها كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ فَهِمَ منه الْمَعْنَى من كان عَالِمًا بِوَضْعِهِ له وقال ابن سِينَا إنَّهَا نَفْسُ الْفَهْمِ وَرُدَّ بِأَنَّ الدَّلَالَةَ نِسْبَةٌ مَخْصُوصَةٌ بين اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَمَعْنَاهَا مُوجِبِيَّتُهُ تَخَيُّلَ اللَّفْظِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَلِهَذَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ فَهْمِ الْمَعْنَى من اللَّفْظِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عليه وَالْعِلَّةُ غَيْرُ الْمَعْلُولِ فإذا كانت الدَّلَالَةُ غير فَهْمِ الْمَعْنَى من اللَّفْظِ لم يَجُزْ تَفْسِيرُهَا بِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ قد يَكُونُ مع الِاتِّحَادِ كما في كل حَدٍّ مع مَحْدُودِهِ نحو هذا إنْسَانٌ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَرَجَّحَ آخَرُونَ التَّفْسِيرَ الثَّانِيَ بِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بين مُخَاطَبَيْنِ وَحَصَلَ فَهْمُ السَّامِعِ منه قِيلَ هو لَفْظُ ذلك وَإِنْ لم يَحْصُلْ قِيلَ ليس بِذَلِكَ فَقَدْ دَارَ لَفْظُ الدَّلَالَةِ مع الْفَهْمِ وُجُودًا وَعَدَمًا فَدَلَّ على أَنَّهُ مُسَمَّى الدَّلَالَةِ وَيَتَلَخَّصُ من هذا الْخِلَافِ خِلَافٌ آخَرُ في أَنَّ الدَّلَالَةَ صِفَةٌ لِلسَّامِعِ أو اللَّفْظِ وَالصَّحِيحُ الثَّانِي وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ ابْنِ سِينَا على أَنَّ مُرَادَهُ بِالْفَهْمِ الْإِفْهَامُ وَلَا يَبْقَى خِلَافٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفَهْمَ صِفَةُ السَّامِعِ وَالْإِفْهَامُ صِفَةُ الْمُتَكَلِّمِ أو صِفَةُ اللَّفْظِ على سَبِيلِ الْمَجَازِ وَهَذِهِ دَلَالَةٌ بِالْقُوَّةِ أَمَّا الدَّلَالَةُ بِالْفِعْلِ فَهِيَ إفَادَتُهُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ له وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ فيه شُرُوطًا ثَلَاثَةً أَنْ لَا يَبْتَدِئَهُ بِمَا يُخَالِفُهُ وَلَا يَخْتِمَهُ بِمَا يُخَالِفُهُ وَأَنْ يَصْدُرَ عن قَصْدٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِكَلَامِ السَّاهِي النَّائِمِ وَالْقَصْدُ من هذا أَنْ يُجْعَلَ سُكُوتُ الْمُتَكَلِّمِ على كَلَامِهِ كَالْجُزْءِ من اللَّفْظِ وَيُلْتَحَقُ بِالْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَهِيَ على الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ الدَّلَالَةِ بِاللَّفْظِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ بِاللَّفْظِ هِيَ الِاسْتِدْلَال بِهِ هو اسْتِعْمَالُهُ في الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَهُوَ صِفَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَالدَّلَالَةُ صِفَةُ اللَّفْظِ أو السَّامِعِ وقد أَطْنَبَ الْقَرَافِيُّ في الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ هذا وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى لَفْظِيَّةٍ وَغَيْرِ لَفْظِيَّةٍ وَالثَّانِيَةُ قد تَكُونُ وَضْعِيَّةً كَدَلَالَةِ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ على وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَقْلِيَّةً كَدَلَالَةِ الْأَثَرِ على الْمُؤَثِّرِ كَدَلَالَةِ الدُّخَانِ على النَّارِ

وَبِالْعَكْسِ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ وَالْأَوَّلُ أَعْنِي اللَّفْظِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى عَقْلِيَّةٍ كَدَلَالَةِ الصَّوْتِ على حَيَاةِ صَاحِبِهِ وَطَبِيعِيَّةٍ كَدَلَالَةِ أَحْ على وَجَعٍ في الصَّدْرِ وَوَضْعِيَّةٍ وَتَنْحَصِرُ في ثَلَاثَةٍ الْمُطَابَقَةُ وَالتَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ لِأَنَّ اللَّفْظَ إمَّا أَنْ يَدُلَّ على تَمَامِ ما وُضِعَ له أَوَّلًا وَالْأَوَّلُ الْمُطَابَقَةُ كَدَلَالَةِ الْإِنْسَانِ على الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ جُزْءَ مُسَمَّاهُ أو لَا وَالْأَوَّلُ دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ كَدَلَالَةِ الْإِنْسَانِ على الْحَيَوَانِ وَحْدَهُ أو النَّاطِقِ وَحْدَهُ وَكَدَلَالَةِ النَّوْعِ على الْجِنْسِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عن مُسَمَّاهُ وَهِيَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ له كَدَلَالَتِهِ على الْكَاتِبِ أو الضَّاحِكِ وَدَلَالَةِ الْفَصْلِ على الْجِنْسِ وَبِهَذَا التَّقْسِيمِ تَعَرَّفَ حَدُّ كل وَاحِدٍ منها وقد اجْتَمَعَتْ الدَّلَالَةُ في لَفْظِ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ على كَمَالِ الْأَفْرَادِ مُطَابِقَةً على الْخَمْسَةِ تَضَمُّنًا وَعَلَى الزَّوْجِيَّةِ الْتِزَامًا وَالدَّلِيلُ على الْحَصْرِ أَنَّ الْمَعْنَى من دَلَالَةِ اللَّفْظِ على الْمَعْنَى عِنْدَ سَمَاعِهِ إمَّا وَحْدَهُ كما في الْمُطَابَقَةِ وَإِمَّا مع الْقَرِينَةِ كما في التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ فَلَوْ فُهِمَ منه مَعْنًى عِنْدَ سَمَاعِهِ ليس هو مَوْضُوعُهُ وَلَا جُزْءُ مَوْضُوعِهِ وَلَا لَازِمُهُ لَزِمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ على الْآخَرِ من غَيْرِ مُرَجِّحٍ لِأَنَّ نِسْبَةَ ذلك اللَّفْظِ إلَى ذلك الْمَعْنَى كَنِسْبَتِهِ إلَى سَائِرِ الْمَعَانِي فَفَهْمُهُ دُونَ سَائِرِ الْمَعَانِي تَرْجِيحٌ من غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الدِّينِ قَيَّدَ دَلَالَةَ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ بِقَوْلِهِ من حَيْثُ هو كَذَلِكَ وَاحْتَرَزَ بِهِ عن دَلَالَةِ اللَّفْظِ على الْجُزْءِ أو اللَّازِمِ بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ إذَا كان اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا بين الْكُلِّ وَالْجُزْءِ أو بين الْكُلِّ وَاللَّازِمِ وَيُمَثِّلُونَهُ بِلَفْظِ الْإِمْكَانِ فإنه مَوْضُوعٌ لِلْإِمْكَانِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْعَامُّ جُزْءُ الْخَاصِّ كما تَقَرَّرَ في الْمَنْطِقِ من أَنَّ الْمُمْكِنَ الْعَامَّ في مُقَابَلَةِ الْمُمْتَنِعِ فَلِذَلِكَ يُطْلَقُ على الْوَاجِبِ وَعَلَى ما ليس بِمُمْتَنِعٍ وَلَا وَاجِبٍ الذي هو الْمُمْكِنُ الْخَاصُّ فَهُوَ حِينَئِذٍ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ وَالْجُزْءِ قال بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وفي النَّفْسِ من هذا التَّمْثِيلِ شَيْءٌ فَلَعَلَّهُ ما وُضِعَ لِذَلِكَ

بَلْ مَجْمُوعُ قَوْلِنَا إمْكَانُ عَامٍّ لَا أَحَدُهُمَا وَمَجْمُوعُ قَوْلِنَا إمْكَانُ خَاصٍّ لَا قَوْلِنَا إمْكَانٌ فَقَطْ فَلَا اشْتِرَاكَ حِينَئِذٍ قال وَأَخَذَ التَّمْثِيلَ بِأَحْسَنَ من ذلك بِلَفْظِ الْحَرْفِ فإنه مَوْضُوعٌ لِكُلِّ حُرُوفِ الْمَعَانِي وَلِجُزْئِهِ فإن لَيْتَ مَثَلًا حَرْفٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ من اللَّامِ وَالْيَاءِ التَّاءِ يُقَالُ له حَرْفٌ فَهَذَا هو اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ بين الْمُسَمَّى وَجُزْئِهِ وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ بين اللَّفْظِ وَلَازِمِهِ فَهُوَ عَسِرٌ مع إمْكَانِهِ انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُمَثَّلَ له بِلَفْظِ مَفْعَلُ فإن أَهْلَ اللُّغَةِ نَقَلُوا أَنَّهُ اسْمٌ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَصْدَرِ وَهِيَ مُتَلَازِمَةٌ عَادَةً فَيَكُونُ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِلشَّيْءِ وَلَازِمِهِ إذْ لَا فِعْلَ إلَّا في زَمَانٍ أو مَكَان عَادَةً وَمِثْلُهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ بِفَعِيلٍ الْمُشْتَرَكِ بين الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ كَالرَّحِيمِ فإنه يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَرْحُومِ كما يَكُونُ بِمَعْنَى الرَّاحِمِ نَصَّ عليه الْجَوْهَرِيُّ هو إذَا دَلَّ على أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ دَلَّ على الْآخَرِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لِكَوْنِهِ لَازِمًا له وهو أَيْضًا تَمَامُ مُسَمَّاهُ فَلَوْ لم يَقُلْ من حَيْثُ هو كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ دَلَالَةَ الْمُطَابَقَةِ فلم يَكُنْ التَّعْرِيفُ مَانِعًا إذَا عُرِفَ هذا فَقَدْ أَوْرَدَ على الْقَيْدِ الذي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَهُ أَيْضًا في الْمُطَابَقَةِ احْتِرَازًا عن دَلَالَةِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بين الْكُلِّ وَالْجُزْءِ وَبَيْنَ الْكُلِّ وَاللَّازِمِ على الْجُزْءِ أو اللَّازِمِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ أو الِالْتِزَامِ فإن كُلَّ وَاحِدَةٍ من هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ حِينَئِذٍ دَلَالَةٌ على تَمَامِ الْمُسَمَّى وَلَيْسَتْ مُطَابَقَةً وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ إنَّمَا لم يَذْكُرْهُ فيها لِأَنَّ دَلَالَةَ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُمَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُطَابِقَةِ لِكَوْنِهِمَا تَابِعَيْنِ لها فَلَوْ جُعِلَ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ جُزْءًا من مَعْرِفَةِ الْمُطَابَقَةِ لِلِاحْتِرَازِ عنها لَزِمَ أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ قبل الْمُطَابَقَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَعْلُومًا قبل كَوْنِهِ مَعْلُومًا وهو مُحَالٌ قال وَلَا يَخْفَى عَلَيْك ما فيه وَبَعْضُهُمْ حَذَفَ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ في الثَّلَاثِ اعْتِبَارًا بِقَرِينَةِ ذِكْرِ التَّمَامِ وَالْجُزْءِ وَاللَّازِمِ وَصَاحِبُ التَّحْصِيلِ ذَكَرَهُ في الثَّلَاثِ قال الْقَرَافِيُّ وهو قَيْدٌ لم يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ الْإِمَامَ وَإِنَّمَا اكْتَفَى الْمُتَقَدِّمُونَ بِقَرِينَةِ التَّمَامِيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ وَاللَّازِمِيَّةِ فَيُقَالُ لِلْإِمَامِ إنْ كانت هذه الْقَرَائِنُ كَافِيَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَيْدِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ في الثَّلَاثِ فما وَجْهُ تَخْصِيصِ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ فَإِنَّا نَقُولُ في الْمُطَابَقَةِ كما يُمْكِنُ وَضْعُ الْعَشَرَةِ لِلْخَمْسَةِ يُمْكِنُ وَضْعُهَا لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ فَيَصِيرُ له على جَمِيعِ ذلك دَلَالَتَانِ مُطَابِقَةٌ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ وَتَضَمُّنٌ

بِاعْتِبَارِ الثَّانِي انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ ما اُعْتُرِضَ بِهِ على الْإِمَامِ فإنه يَرَى أَنْ لَا يُمْكِنَ أَنْ يَدُلَّ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ على الْمَعْنَى الْوَاحِدِ بِالْمُطَابَقَةِ مع التَّضَمُّنِ أو الِالْتِزَامِ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ على الْمَعْنَى بِالْمُطَابَقَةِ بِالذَّاتِ وَبِهِمَا بِالْوَاسِطَةِ وَمِنْ الْمُحَالِ اجْتِمَاعُ دَلَالَتَيْ الذَّاتِ وَالْوَاسِطَةِ وإذا لم يَجْتَمِعَا كان اللَّفْظُ في حَالِ الِاشْتِرَاكِ بين الْكُلِّ وَالْجُزْءِ دَلَالَةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْمُطَابَقَةُ لِأَنَّهَا أَقْوَى فَتَدْفَعُ الْأَضْعَفَ وإذا صَحَّتْ لَك هذه الْقَاعِدَةُ صَحَّ ما قَالَهُ ولم يَحْتَجْ أَنْ يَذْكُرَ الْقَيْدُ بِالْحَيْثِيَّةِ في دَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُ في صُورَةِ الِاشْتِرَاكِ بين الْكُلِّ وَالْجُزْءِ وَلَيْسَ لِلَّفْظِ إلَّا دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ فَقَطْ لَا التَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ فلم يَحْتَجْ أَنْ يَحْتَرِزَ عنه بِقَوْلِهِ من حَيْثُ هو كَذَلِكَ وَأَمَّا في دَلَالَةِ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ فَاحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْحَيْثِيَّةِ وَإِلَّا كان يَلْزَمُهُ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُطَابَقَةِ على الْجُزْءِ دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ في صُورَةِ الْمُشْتَرَكِ بين الْكُلِّ وَالْجُزْءِ وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّفْظَ إذْ دَلَّ بِالْمُطَابَقَةِ على الْجُزْءِ في تِلْكَ الصُّورَةِ فَقَدْ دَلَّ على جُزْءِ الْمُسَمَّى دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ فَدَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ هذا خُلْفٌ وَلَا يَلْزَمُ هذا على إطْلَاقِ دَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ وَلِلْبَحْثِ فيه مَحَالٌّ فَقَدْ نَازَعَ بَعْضُهُمْ الْإِمَامَ في هذا التَّقْيِيدِ وقال اللَّفْظُ إذَا أُطْلِقَ على الْجُمْلَةِ فإن التَّضَمُّنَ لِلْجُزْءِ ثَابِتٌ عِنْدَ مُرَادِ الْمُطْلَقِ الْمَعْنَى الْمُرَكَّبَ من ذلك الْجُزْءِ وَغَيْرَهُ فإن مَدْلُولَ اللَّفْظِ هو جُمْلَةٌ مُشْتَمِلَةٌ على أَجْزَاءٍ كُلُّ وَاحِدٍ منها إنَّمَا فُهِمَ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلْجُمْلَةِ وَإِنْ كان لِلْمُسْتَعْمِلِ أَنْ يُطْلِقَ ذلك اللَّفْظَ أَيْضًا على الْجُزْءِ وَلَكِنْ عِنْدَ دَلَالَتِهِ بهذا الْإِطْلَاقِ على ذلك الْجُزْءِ لَا يَكُونُ جُزْءًا من أَجْزَاءِ ذلك الْمَعْنَى بَلْ مُسْتَقِلًّا وَنَحْنُ لَا نُرِيدُ بِدَلَالَةِ التَّضَمُّنِ إلَّا أَنْ يُفْهَمَ الْجُزْءُ تَضَمُّنًا وَيَكُونُ جُزْءًا من أَجْزَاءِ ذلك الْمَعْنَى وَلَا تَكُونُ الدَّلَالَةُ لَفْظِيَّةً لَكِنْ تَبَعِيَّةً فإذا اسْتَقَلَّتْ خَرَجَتْ عن كَوْنِهَا تَضَمُّنًا ولم يَبْقَ جُزْءٌ من أَجْزَاءِ ذلك الْمَعْنَى وَحِينَئِذٍ فَالْقَيْدُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ

التَّنْبِيهُ الثَّانِي أَقْسَامُ اللَّازِمِ إنَّ اللَّازِمَ على قِسْمَيْنِ لَازِمٌ في الذِّهْنِ بِمَعْنَى أَنَّ الذِّهْنَ يُنْتَقَلُ إلَيْهِ عِنْدَ فَهْمِ الْمَعْنَى وَيَلْزَمُ من تَصَوُّرِ الشَّيْءِ تَصَوُّرُهُ كَالْفَرْدِيَّةِ لِلثَّلَاثَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ لِلْأَرْبَعَةِ سَوَاءٌ كان لَازِمًا في الْخَارِجِ أَيْضًا كَالسَّرِيرِ في الِارْتِفَاعِ من الْأَرْضِ إذْ السَّرِيرُ كُلَّمَا وُجِدَ في الْأَرْضِ فَهُوَ مُرْتَفِعٌ وَمَهْمَا تُصَوِّرَ في الذِّهْنِ فَهُوَ مُرْتَفِعٌ أو لم يَكُنْ كَالسَّوَادِ إذَا أُخِذَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ ضِدًّا لِلْبَيَاضِ فإن تَصَوُّرَهُ من هذه الْحَيْثِيَّةِ يَلْزَمُهُ تَصَوُّرُ الْبَيَاضِ فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ في الذِّهْنِ مُتَنَافِيَانِ في الْخَارِجِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذلك في اللَّازِمِ الْخَارِجِيِّ فَقَطْ كَالسَّرِيرِ مع الْإِمْكَانِ فإنه مَهْمَا وُجِدَ السَّرِيرُ في الْخَارِجِ فَهُوَ مُمْكِنٌ ضَرُورَةً وقد يُتَصَوَّرُ السَّرِيرُ وَيُذْهَلُ عن إمْكَانِهِ فَافْهَمْ هذا التَّقْرِيرَ فإنه الصَّوَابُ وفي عِبَارَاتِهِمْ إيهَامٌ وَاللَّازِمُ الثَّانِي في الْوُجُودِ وهو كَوْنُ الْمُسَمَّى بِحَيْثُ يَلْزَمُ من حُصُولِهِ في الْخَارِجِ حُصُولُ الْخَارِجِيِّ فيه إذَا عَرَفْت ذلك فَلَا خِلَافَ في أَنَّ الْمُعْتَبَرَ في دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ اللُّزُومُ الذِّهْنِيُّ سَوَاءٌ كان في ذِهْنِ كل وَاحِدٍ كما في الْمُتَقَابِلَيْنِ أو عِنْدَ الْعَالِمِ بِالْوَضْعِ وزاد الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ ظَاهِرًا لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَإِلَّا لم يَجُزْ إطْلَاقُ اسْمِ الْيَدِ على الْقُدْرَةِ وَنَحْوِهِ فإن الْيَدَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْقُدْرَةَ قَطْعًا لِأَنَّ الْيَدَ تَكُونُ شَلَّاءَ بَلْ ظَاهِرًا وَمِثْلُهُ قَوْلُ السَّكَّاكِيِّ في الْمِفْتَاحِ الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ الْبَيِّنُ الْقَرِينَةِ بِحَيْثُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ من فَهْمِهِ إلَى فَهْمِهِ كَالشَّجَاعَةِ لِلْأَسَدِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ ظَاهِرَةٌ يَصِحُّ إطْلَاقُ الْأَسَدِ لِإِرَادَتِهَا بِخِلَافِ الْبَخَرِ وَإِنْ كان لَازِمًا لِلْأَسَدِ لَا أَنَّهُ أَخْفَى فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْأَسَدِ لِإِرَادَتِهِ وَاخْتَلَفُوا في اللَّازِمِ الْخَارِجِيِّ هل يُعْتَبَرُ في دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ من الْأُصُولِيِّينَ إلَى اعْتِبَارِهِ فَيَسْتَدِلُّونَ بِاللَّفْظِ على كل ما يَلْزَمُ الْمُسَمَّى ذِهْنِيًّا أو خَارِجِيًّا وَرَجَّحَهُ ابن الْحَاجِبِ وَذَهَبَ الْمَنْطِقِيُّونَ وَوَافَقَهُمْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَالْبَيْضَاوِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الْفَهْمِ بِدُونِهِ كما في الضِّدَّيْنِ وإذا لم يُمْكِنْ فَهْمٌ فَلَا دَلَالَةَ وَيَرِدُ عليهم أَنْوَاعُ الْمَجَازَاتِ وَالْحَقُّ الْتِفَاتُ هذا الْخِلَافِ على أَصْلٍ سَبَقَ في تَفْسِيرِ الدَّلَالَةِ هل يُشْتَرَطُ فيها أَنَّهُ مَهْمَا سُمِعَ اللَّفْظُ مع الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فُهِمَ الْمَعْنَى أَمْ لَا بَلْ يَكْفِي الْفَهْمُ في الْجُمْلَةِ وَبِهِ

يَظْهَرُ رُجْحَانُ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ بَلْ قد تَوَسَّعَ الْبَيَانِيُّونَ فَأَجْرَوْهَا فِيمَا لَا لُزُومَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا لَكِنَّ الْقَرَائِنَ الْخَارِجِيَّةَ اسْتَلْزَمَتْهُ وَلِهَذَا يَجْرِي فيها الْوُضُوحُ وَالْخَفَاءُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَوْسَعُهَا الثَّالِثُ وهو الْأَظْهَرُ وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْجَوْهَرَ وَالْعَرَضَ مُتَلَازِمَانِ في الْخَارِجِ وَاللَّفْظُ الدَّالُّ على أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ على الْآخَرِ بِالِالْتِزَامِ وهو ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ على الْمَعْنَى غَيْرُ اسْتِعْمَالِهِ فيه فَلَا يَلْزَمُ من انْتِفَاءِ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْجَوْهَرِ في الْعَرَضِ وَعَكْسِهِ انْتِفَاءُ دَلَالَةِ أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ بِالِالْتِزَامِ إذْ ليس الِاسْتِعْمَالُ نَفْسَ الدَّلَالَةِ وَلَا لَازِمَهَا كما في الْوَضْعِ الْأَوَّلِ قبل الِاسْتِعْمَالِ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لو لَزِمَ من وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ فلم يَلْزَمْ من وُجُودِ اللُّزُومِ الْخَارِجِيِّ بِدُونِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ عَدَمُ كَوْنِهِ شَرْطًا لها لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا أو لَازِمًا أَعَمَّ وَالْعَجَبُ من الْإِمَامِ أَنَّهُ صَرَّحَ عَقِيبَ هذا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللُّزُومَ الذِّهْنِيَّ شَرْطٌ لَا مُوجِبٌ فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ اللُّزُومُ الْخَارِجِيُّ مُعْتَبَرًا كان كَذَلِكَ فَكَيْفَ اسْتَدَلَّ بِوُجُودِهِ مع عَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ على عَدَمِ الِاعْتِبَارِ التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ الْمُلَازَمَةُ الذِّهْنِيَّةُ شَرْطٌ في الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ إذَا شَرَطْنَا الْمُلَازَمَةَ الذِّهْنِيَّةَ فَهِيَ شَرْطٌ في الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ وَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ سَبَبٌ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ وقال الْإِمَامُ هذا اللَّازِمُ شَرْطٌ لَا سَبَبٌ يَعْنِي أَنَّ مُجَرَّدَ اللُّزُومِ من غَيْرِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ ليس بِسَبَبٍ في حُصُولِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بَلْ السَّبَبُ إنَّمَا هو إطْلَاقُ اللَّفْظِ فَاللُّزُومُ شَرْطٌ وَقِيلَ يَعْنِي أَنَّ الْمُلَازَمَةَ الذِّهْنِيَّةَ يَلْزَمُ من عَدَمِهَا الْعَدَمُ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا أَفَادَ مَعْنًى غير مُسْتَلْزِمٍ لِآخَرَ لَا يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ إلَى ذلك الْآخَرِ إلَّا بِسَبَبٍ مُنْفَصِلٍ فَتَكُونُ إفَادَتُهُ مُضَافَةً لِذَلِكَ الْمُنْفَصِلِ لَا لِلَّفْظِ فَلَا يَكُونُ فَهْمُهُ دَلَالَةَ اللَّفْظِ بَلْ أَثَرًا لِلْمُنْفَصِلِ وَلَا يَلْزَمُ من وُجُودِ الْمُلَازَمَةِ وُجُودُ الدَّلَالَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِطْلَاقِ فإن الْمُلَازَمَةَ في نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْفَهْمُ مَعْدُومٌ من اللَّفْظِ إذْ اللَّفْظُ مَعْدُومٌ فَهُوَ حِينَئِذٍ شَرْطٌ وَالْإِطْلَاقُ هو الْمُسَبِّبُ

التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ وَالْخِلَافُ في دَلَالَةِ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ لَا خِلَافَ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُطَابَقَةِ لَفْظِيَّةٌ وَاخْتَلَفُوا في التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ على ثَلَاثِهِ مَذَاهِبَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا عَقْلِيَّانِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَعْنَى عَلَيْهِمَا بِالْوَاسِطَةِ وَهَذَا ما ذَهَبَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْمَحْصُولِ وَاخْتَارَهُ أَثِيرُ الدِّينِ الْأَبْهَرِيُّ في كَشْفِ الْحَقَائِقِ وَالصَّفِيّ الْهِنْدِيُّ قال وَإِنَّمَا وُصِفَتَا بِكَوْنِهِمَا عَقْلِيَّتَيْنِ إمَّا لِأَنَّ الْعَقْلَ يَسْتَقِلُّ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِمَا من غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللِّسَانِ اللَّفْظَ فِيهِمَا وَهَذَا يَسْتَقِيمُ على رَأْيِ من لم يَعْتَبِرْ الْوَضْعَ في الْمَجَازِ وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُمَيِّزَ بين مَدْلُولَيْهِمَا وهو الْجُزْءُ وَاللَّازِمُ هو الْعَقْلُ الثَّانِي أَنَّهُمَا لَفْظِيَّانِ وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَاخْتَارَهُ ابن وَاصِلٍ في شَرْحِ جُمَلِ الْخُونَجِيِّ وَالثَّالِثُ أَنَّ دَلَالَةَ التَّضَمُّنِ لَفْظِيَّةٌ وَالِالْتِزَامِ عَقْلِيَّةٌ وَبِهِ قال الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ لِأَنَّ الْجُزْءَ دَاخِلٌ فِيمَا وُضِعَ له اللَّفْظُ بِخِلَافِ اللَّازِمِ فإنه خَارِجٌ عنه وقال الْهِنْدِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إنْ جُعِلَتْ لَفْظِيَّةٌ لِأَجْلِ أَنَّ فَهْمَ الْجُزْءِ منها إنَّمَا هو بِوَاسِطَةِ اللَّفْظِ فَدَلَالَةُ الِالْتِزَامِ كَذَلِكَ لِأَنَّ فَهْمَ اللَّازِمِ إنَّمَا هو بِوَاسِطَةِ اللَّفْظِ الدَّالِّ على الْمَلْزُومِ وَإِنْ كان لِأَجْلِ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ له بِالْوَضْعِ الْمُخْتَصِّ بِالْحَقِيقَةِ فَبَاطِلٌ أو بِالْوَضْعِ الْمُشْتَرَكِ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَاللَّازِمُ أَيْضًا كَذَلِكَ إنْ اُعْتُبِرَ الْوَضْعُ في الْمَجَازِ وَالْأَقْيَسُ مِنْهُمَا الْوَضْعُ وَإِنْ كان لِأَجْلِ أَنَّ الْجُزْءَ دَاخِلٌ في الْمُسَمَّى وَاللَّازِمُ خَارِجٌ عنه فَهُوَ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ وَاصْطِلَاحٌ من غَيْرِ مُنَاسَبَةٍ وقال صَاحِبُ الدَّقَائِقِ وَمَنْ جَعَلَ الِالْتِزَامَ لَفْظِيَّةً فَقَدْ أَخْطَأَ لِأَنَّ الذِّهْنَ يَنْتَقِلُ من اللَّفْظِ إلَى مَعْنَاهُ وَمِنْ مَعْنَاهُ إلَى اللُّزُومِ وَالتَّضَمُّنُ غَيْرُ خَارِجٍ عن مُسَمَّى اللَّفْظِ بِخِلَافِ الِالْتِزَامِ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْسُوبٌ إلَى اللَّفْظِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَقْلِيٌّ بِوَجْهٍ وَاعْتِبَارٍ

التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ وَدَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ قد تَنْفَكُّ عن التَّضَمُّنِ إنَّ دَلَالَةَ الْمُطَابَقَةِ قد تَنْفَكُّ عن التَّضَمُّنِ وَذَلِكَ بِكَوْنِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ بَسِيطًا لَا جُزْءًا له وَهَلْ تَنْفَكُّ عن دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ أَمْ لَا قال الْهِنْدِيُّ ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ لِأَنَّ كُلَّ مَاهِيَّةٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لها لَازِمٌ أَقَلُّهُ أنها لَيْسَتْ غَيْرَهَا وَمِنْهُمْ من جَوَّزَ الِانْفِكَاكَ زَاعِمًا أَنَّ شَرْطَ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ أَنْ يَكُونَ اللَّازِمُ بِحَيْثُ يَكُونُ تَصَوُّرُهُ لَازِمًا لِتَصَوُّرِ الْمَلْزُومِ وهو مَمْنُوعٌ فِيمَا ذُكِرَ من اللَّازِمِ هذا لِأَنَّهُ يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْقِلَ الْمَاهِيَّةَ مع الذُّهُولِ عن الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا الْمُطَابَقَةُ فَلَازِمَةٌ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ التَّابِعِ من حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ بِدُونِ الْمَتْبُوعِ وَقِيلَ أَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ لِكُلِّ مَاهِيَّةٍ لَازِمًا أو بَعْضَ الْمَاهِيَّاتِ لَا لَازِمَ لها فَإِنْ قُلْنَا لِكُلِّ شَيْءٍ لَازِمٌ فَالْمُطَابَقَةُ وَالِالْتِزَامُ مُتَسَاوِيَانِ قال الْإِمَامُ في التَّلْخِيصِ لِكُلِّ شَيْءٍ لَازِمٌ وَأَدْنَاهُ أَنَّهُ ليس غَيْرَهُ وَرُدَّ عليه بِأَنَّ الْكَلَامَ في اللَّازِمِ الْبَيِّنِ الذي يَلْزَمُ من حُضُورِ الْمَلْزُومِ حُضُورُهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ بَعْضَ الْمَاهِيَّاتِ لَا لَازِمَ لها فَالْمُطَابَقَةُ أَعَمُّ التَّنْبِيهُ السَّادِسُ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إنَّ دَلَالَةَ الْمُطَابَقَةِ هِيَ الصَّرِيحُ من اللَّفْظِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَأَمَّا دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ فَتَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ عِنْدَنَا وَمِنْ ثَمَّ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَقَعَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لنا أَنَّ طَلَّقْتُ فِعْلٌ يَدُلُّ على الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ وَالْحَدَثُ الذي هو الْمَصْدَرُ جُزْؤُهُ وَدَلَالَتُهُ عليه بِالتَّضَمُّنِ فَيَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كما لو ذَكَرَ الْمَصْدَرَ صَرِيحًا فقال أَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَمَّا دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ كَدَلَالَةِ الْبَيْتِ على الْأَرْضِ فقال صَاحِبُ الْمُقْتَرِحِ من أَصْحَابِنَا في الْخِلَافِ لَا تَعْوِيلَ عليها في الْأَحْكَامِ وهو صَحِيحٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ في الْمَلْفُوظِ وَالْمُلْتَزَمُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ وَالطَّلَاقُ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عن اللَّفْظِ لَا يَقَعُ

التَّنْبِيهُ السَّابِعُ دَلَالَةُ الِاسْتِدْعَاءِ ما ذَكَرْنَاهُ من انْحِصَارِ الدَّلَالَاتِ في الثَّلَاثِ هو الْمَشْهُورُ وزاد الجزولي من النَّحْوِيِّينَ دَلَالَةً رَابِعَةً وَسَمَّاهَا بِالِاسْتِدْعَاءِ وَجَعَلَ دَلَالَةَ الْفِعْلِ على الْمَحَلِّ وهو الْمَفْعُولُ بِهِ وَعَلَى الْبَاعِثِ يَعْنِي الذي بَعَثَ على الْفِعْلِ وهو الْمَفْعُولُ لِأَجْلِهِ وَعَلَى الْمُصَاحَبِ وهو الْمَفْعُولُ معه من قَبِيلِ هذه الدَّلَالَةِ وَأَنْكَرَهُ الْآمِدِيُّ وقال دَلَالَةُ الْفِعْلِ على الْمَحَلِّ وَالْبَاعِثِ وَالْمُصَاحَبِ من قَبِيلِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ الْمَكَانَ يَلْزَمُ جَمِيعَ الْأَفْعَالِ مُتَعَدِّيَهَا وَلَازِمَهَا ما وَقَعَ فيها عَمْدًا وَسَهْوًا وَالْمَحَلُّ إنَّمَا يَلْزَمُ من الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّي خَاصَّةً وَالْبَاعِثَةُ إنَّمَا تَلْزَمُ من الْأَفْعَالِ ما يُوقِعُهُ الْقَاصِدُ لِلْإِيقَاعِ وَلَا يَلْزَمُ فِعْلُ السَّاهِي وَالنَّائِمِ وَالْمُصَاحِبِ إنَّمَا يَلْزَمُ ما يُشْرِكُ فيه الْفَاعِلُ غَيْرَهُ وقد أَوْرَدَ الْقَرَافِيُّ على الْحَصْرِ في الثَّلَاثِ دَلَالَةَ الْعَامِّ على أَفْرَادِهِ وقال إنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْهُنَّ وَجَوَابُهُ يُعْلَمُ من بَابِ الْعَامِّ وَمِنْهُمْ من أَوْرَدَ دَلَالَةَ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ على مُفْرَدَاتِهِ فإن الْوَاضِعَ لم يَضَعْهُ لِمَفْهُومِهِ وَلَا لِشَيْءٍ ذلك الْمَفْهُومُ دَاخِلٌ فيه وَلَا لِخَارِجٍ عنه لَازِمٌ له وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى وَضْعُ عَيْنِهِ لِعَيْنِهِ أو وَضْعُ أَجْزَائِهِ لِأَجْزَائِهِ بِحَيْثُ يُطَابِقُ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ مَجْمُوعَ الْمَعْنَى وَالثَّانِي مَوْجُودٌ في الْمُرَكَّبِ فإن الْوَاضِعَ وَإِنْ لم يَضَعْ مَجْمُوعَ زَيْدٌ قَائِمٌ لِمَدْلُولِهِ فَقَدْ وَضَعَ كُلَّ جُزْءٍ من أَجْزَائِهِ لِجُزْءٍ من مَفْهُومِهِ فإنه وَضَعَ زَيْدًا لِلذَّاتِ وَقَائِمًا لِلصِّفَةِ وَالْحَرَكَةُ الْمَخْصُوصَةُ أَعْنِي دَفْعَهُمَا لِإِثْبَاتِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ

الْقِسْمُ الثَّانِي بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ وَالْإِفْرَادِ وَيُطْلَقُ الْمُفْرَدُ بِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ على أَرْبَعَةِ مَعَانٍ أَحَدُهَا مُقَابِلُ الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ وهو اللَّفْظُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ الثَّانِي مُقَابِلُ الْمُضَافِ في بَابِ النِّدَاءِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ الْمُنَادِي مُفْرَدٌ وَمُضَافٌ وَالثَّالِثُ مُقَابِلُ الْجُمْلَةِ في بَابِ الْمُبْتَدَأِ وهو الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ الْخَبَرُ قد يَكُونُ مُفْرَدًا وقد يَكُونُ جُمْلَةً الرَّابِعُ مُقَابِلُ الْمُرَكَّبِ أَمَّا الْمُفْرَدُ بِاصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ فَهُوَ ما دَلَّ على مَعْنًى وَلَا جُزْءَ من أَجْزَائِهِ يَدُلُّ بِالذَّاتِ على جُزْءٍ من أَجْزَاءِ ذلك الْمَعْنَى كَإِنْسَانٍ وَإِنْ شِئْت فَقُلْ هو ما لَا يُرَادُ بِالْجُزْءِ منه دَلَالَةٌ أَصْلًا على مَعْنًى حين هو جُزْؤُهُ كَأَحْمَدَ تَعْرِيفُ الْمُرَكَّبِ وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ فما دَلَّ جُزْؤُهُ على جُزْءِ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ منه حين هو جُزْؤُهُ سَوَاءٌ كان تَرْكِيبَ إسْنَادٍ كَقَامَ زَيْدٌ وَزَيْدٌ قَائِمٌ أَمْ تَرْكِيبَ مَزْجٍ كَخَمْسَةَ عَشَرَ أو إضَافَةٍ كَغُلَامِ زَيْدٍ وَأَمَّا عبد اللَّهِ فَإِنْ كان دَالًّا على الذَّاتِ فَهُوَ مُفْرَدٌ وَإِنْ كان دَالًّا على الصِّفَاتِ فَهُوَ مُرَكَّبٌ وَالْمُرَادُ بِالْجُزْءِ ما صَارَ بِهِ اللَّفْظُ مُرَكَّبًا كَحُرُوفِ زَيْدٍ فَلَا يُرِدْ الزَّايَ من زَيْدٌ قَائِمٌ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ على جُزْءِ الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ أَوْرَدُوا على أَنْفُسِهِمْ كَوْنَ الْمَاضِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا لِأَنَّ مَادَّتَهُ تَدُلُّ على الْمَصْدَرِ وَزِنَتَهُ على خُصُوصِ الزَّمَنِ فَأَجَابُوا بِأَنَّ الْمَعْنَى بِقَوْلِنَا الْجُزْءُ ليس مُطْلَقَ الْجُزْءِ بَلْ الْأَجْزَاءُ الْمُتَرَتِّبَةُ في السَّمْعِ وَقَالُوا وَنَحْوُ بَعْلَبَكَّ مُرَكَّبٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لِأَنَّهُ كَلِمَتَانِ وَمُفْرَدٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ جُزْؤُهُ على جُزْءِ مَعْنَاهُ وأقوم ( ( ( و ) ) ) ونقوم ( ( ( أقوم ) ) ) ويقوم ( ( ( و ) ) ) مُرَكَّبٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ جُزْأَهُ يَدُلُّ على جُزْءِ مَعْنَاهُ لِأَنَّ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ منها يَدُلُّ على الْفَاعِلِ الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ وَالْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ وَالْمُخَاطَبِ منها وَنَفْسُ الْكَلِمَةِ تَدُلُّ على الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ وَمُفْرَدٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لِأَنَّهُ لَفْظٌ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ

أَمَّا يَقُومُ بِالْغَيْبَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ فَقِيلَ هو مُفْرَدٌ وَقِيلَ هو مُرَكَّبٌ وَنُقِلَ عن ابْنِ سِينَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُضَارِعَةِ وَإِنَّمَا قالوا حين هو جُزْؤُهُ لِيَحْتَرِزُوا من مِثْلِ أَبْكَمَ وَإِنْسَانٍ فإن كُلَّ وَاحِدٍ من جُزْئِهِ يَدُلُّ على مَعْنًى لَكِنْ لَا على جُزْءِ مُسَمَّاهُ حين هو جُزْؤُهُ وَإِنَّمَا يَدُلُّ على مَعْنًى في الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ اسْمٌ لِلْوَالِدِ وكم اسْمٌ لِلْعَدَدِ لَكِنْ لَا من حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ من اللَّفْظَيْنِ جُزْءٌ من الْآخَرِ حين هو جُزْؤُهُ وَكَذَلِكَ إنْسَانٌ أَلَا تَرَى أَنَّ إنْ حَرْفُ شَرْطٍ يَدُلُّ على الشَّرْطِيَّةِ لَكِنْ لَا من حَيْثُ هِيَ جُزْءُ إنْ وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَبِعَهُ ابن يَعِيشَ في أَوَّلِ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ وابن إيَادٍ أَنَّ الرَّجُلَ مُرَكَّبٌ فإنه يَدُلُّ على مَعْنَيَيْنِ التَّعْرِيفِ وَالْمُعَرَّفِ وهو من جِهَةِ النُّطْقِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَلِمَتَانِ وَكَذَلِكَ ضَرَبَا وضربوا قال الزَّنْجَانِيّ في الْهَادِي وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الرَّجُلَ وَنَظَائِرَهُ لَفْظَتَانِ لَا لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يُنْتَقَضُ ما ذَكَرَهُ بِنَحْوِ ضَرَبَ فإنه يَدُلُّ على مَعْنَيَيْنِ الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ وَأَنَّهُ كَلِمَةٌ بِاتِّفَاقٍ قُلْت لَعَلَّ الزَّمَخْشَرِيَّ بَنَاهُ أَنَّ الْمُعَرِّفَ اللَّامُ وَحْدَهَا وَحِينَئِذٍ فَهِيَ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ وَاللَّامُ كَالتَّنْوِينِ في زَيْدٍ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُعَرِّفَ أَلْ فَهُوَ لَفْظَتَانِ لِإِمْكَانِ التَّلَفُّظِ بها وَحْدَهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَمْثِلَةَ الْمُضَارِعِ خَلَا الْغَائِبَ مُرَكَّبَاتٌ قَطْعًا وَأَمْثِلَةُ الْمَاضِي مُفْرَدَاتٌ قَطْعًا وَأَمْثِلَةُ الْأَوَامِرِ مُرَكَّبَاتٌ عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ وَصَرَّحَ ابن مَالِكٍ في أَوَّلِ شَرْح التَّسْهِيلِ بِأَنَّ يَاءَ النَّسَبِ وألف ضَارِبٍ وَمِيمَ مُكْرَمٍ يَدُلُّ على مَعْنًى وَلَكِنْ لَا بِالْوَضْعِ وقال ابن السَّاعَاتِيِّ الْمَجْمُوعُ هو الدَّالُّ على شَخْصٍ مُسَمًّى بِذَلِكَ لَا أَنَّ الْحَرْفَ دَلَّ بِنَفْسِهِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ أَنَّ النُّحَاةَ يَتَرَجَّحُ نَظَرُهُمْ في جَانِبِ الْأَلْفَاظِ وَأُولَئِكَ يَتَرَجَّحُ نَظَرُهُمْ في جَانِبِ الْمَعَانِي وَعَلَى هذا عبد اللَّهِ وَنَحْوُهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْعَلَمِيَّةُ كان مُفْرَدًا بِمَثَابَةِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لِأَنَّ جُزْأَهَا لَا يَدُلُّ على مَعْنَاهَا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نِسْبَةُ الْعُبُودِيَّةِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ لِدَلَالَةِ جُزْئِهَا على جُزْءِ مَعْنَاهَا وقد اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ في حَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ في مُسْنَدِهِ فقال حدثنا عبد الرَّزَّاقِ حدثنا مَعْمَرٌ عن زَيْدِ بن أَسْلَمَ قال كان ابن عُمَرَ يحدث أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَآهُ وَعَلَيْهِ إزَارٌ يَتَقَعْقَعُ يَعْنِي جَدِيدًا فقال من هذا فَقُلْت عبد

اللَّهِ فقال إنْ كُنْتَ عَبْدَ اللَّهِ فَارْفَعْ إزَارَك قال فَرَفَعْتُهُ وكان طَوِيلًا فَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ عبد اللَّهِ يَعْنِي أنا عبد اللَّهِ فَهُوَ مُفْرَدٌ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْعَلَمِيَّةَ وَقَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ كُنْت عَبْدَ اللَّهِ فَهُوَ مُرَكَّبٌ تَرْكِيبًا إضَافِيًّا لِأَنَّ مُرَادَهُ نِسْبَةُ الْعُبُودِيَّةِ إلَى اللَّهِ فَالْإِفْرَادُ الْعِلْمِيُّ طَارَ على التَّرْكِيبِ الْإِضَافِيِّ وهو يَلُوحُ فيه وَيُقَالُ لِلْمُرَكَّبِ مُؤَلَّفٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ كما قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَمِنْهُمْ من فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَكَّبَ ما دَلَّتْ أَجْزَاؤُهُ إذَا انْفَرَدَتْ وَلَا تَدُلُّ إذَا كانت أَجْزَاءً كَعَبْدِ اللَّهِ فإنه إذَا كان عَلَمًا كان بِمَنْزِلَةِ زَيْدٍ فَلَا تَدُلُّ أَجْزَاؤُهُ في هذه الْحَالَةِ على شَيْءٍ وَلَوْ انْفَرَدَتْ الْأَجْزَاءُ كانت دَالَّةً لِأَنَّ عَبْدًا دَلَّ على ذَاتٍ اتَّصَفَتْ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْمُؤَلَّفُ ما دَلَّتْ الْأَجْزَاءُ في حَالِ الْبَسَاطَةِ وَحَالِ التَّرْكِيبِ كَقَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ فإن كُلَّ وَاحِدٍ من هذه الْأَجْزَاءِ يَدُلُّ إذَا انْفَرَدَ وإذا كان جُزْءًا انقسام ( ( ( وينقسم ) ) ) الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ إلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ رَابِعًا وَيُسَمِّيهِ خَالِفًا وهو الظَّرْفُ وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ أو أَسْمَاءُ الْأَفْعَالِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا من قَبِيلِ الْأَسْمَاءِ قالوا وَدَلِيلُ الْحَصْرِ أَنَّ الْمَعَانِيَ ثَلَاثَةٌ ذَاتٌ وَحَدَثٌ وَرَابِطَةٌ لِلْحَدَثِ بِالذَّاتِ فَذَاتٌ الِاسْمُ وَالْحَدَثُ الْفِعْلُ وَالرَّابِطَةُ الْحَرْفُ قال ابن الْخَبَّازِ وَلَا يَخْتَصُّ انْحِصَارُ الْكَلِمَةِ في الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الذي دَلَّ على الِانْحِصَارِ في الثَّلَاثَةِ عَقْلِيٌّ وَالْأُمُورُ الْعَقْلِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ قُلْت وفي كِتَابِ الْإِيضَاحِ لِأَبِي الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيِّ في قَوْلِ سِيبَوَيْهِ الْكَلَامُ اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ جاء لِمَعْنًى قِيلَ قَصَدَ بِهِ الْكَلِمَ الْعَرَبِيَّ دُونَ غَيْرِهِ وَقِيلَ أَرَادَ الْكَلِمَ الْعَرَبِيَّ وَالْعَجَمِيَّ ا هـ

الكلي والجزئي
ثُمَّ الِاسْمُ يَنْقَسِمُ إلَى كُلِّيٍّ وَجُزْئِيٍّ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يَمْنَعَ نَفْسُ تَصَوُّرِهِ من اشْتِرَاكِ كَثِيرِينَ فيه أو يَمْنَعُ وَالْأَوَّلُ الْكُلِّيُّ وَمَعْنَى اشْتِرَاكِ الْأَشْخَاصِ فيه أَنَّ مَعْنَاهُ مُطَابِقٌ لِمَعَانِيهَا بِالِاسْمِ وَالْحَدِّ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ فيها وهو تَارَةً تَقَعُ فيه الشَّرِكَةُ كَالْحَيَوَانِ وَتَارَةً لَا تَقَعُ أَمَّا مع الْإِمْكَانِ كَالشَّمْسِ عِنْدَ من يُجَوِّزُ وُجُودَ مِثْلِهَا أو الِاسْتِحَالَةِ كَهِيَ

عِنْدَ من لَا يُجَوِّزُهُ وَحَذَفْت تَمْثِيلَ الْمَنْطِقِيِّينَ عَمْدًا أَدَبًا وَلَيْسَ الْكُلِّيُّ وَهْمِيًّا مُرْسَلًا بَلْ له وُجُودٌ في الْعَقْلِ وهو ما يَجِدُهُ كُلُّ عَاقِلٍ من نَفْسِهِ من الْمَعَانِي التي لو نَسَبَهَا إلَى الشَّخْصِيَّاتِ الْمُنَاسِبَةِ لَكَانَتْ مُطَابِقَةً لها كَالْمُتَمَثِّلِ من مَعْنَى الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ في الْعَقْلِ غير تَمَيُّزِهِ في النَّفْسِ لَا بِمَعْنَى أَنَّ صُورَتَهُ قَائِمَةٌ بِنَفْسِ الْعَاقِلِ وَإِلَّا لَكَانَ من يَعْقِلُ الْحَرَارَةَ وَالْبُرُودَةَ حَارًّا وَبَارِدًا

الطبيعي والمنطقي والعقلي
وَيَنْقَسِمُ إلَى طَبِيعِيٍّ وَمَنْطِقِيٍّ وَعَقْلِيٍّ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مَثَلًا وَأَنَّهُ كُلِّيٌّ وَأَرَدْت الْحِصَّةَ من الْحَيَوَانِيَّةِ التي شَارَكَ بِاعْتِبَارِهَا الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ فَطَبِيعِيٌّ وهو مَوْجُودٌ في الْخَارِجِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ من الْإِنْسَانِ الْمَوْجُودِ وَجُزْءُ الْمَوْجُودِ مَوْجُودٌ وَإِنْ أَرَدْت بِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ من الشَّرِكَةِ فَهُوَ الْمَنْطِقِيُّ وَلَا وُجُودَ له في الْخَارِجِ لِاشْتِمَالِهِ على ما لَا يَتَنَاهَى وَقِيلَ بَلْ هو مَوْجُودٌ وَمَدْرُك الْخِلَافِ في أَنَّ الْإِضَافَةَ هل لها وُجُودٌ في الْأَعْيَانِ وَالْكُلِّيُّ الْمَنْطِقِيُّ نَوْعٌ من مَقُولَةِ الْمُضَافِ قال الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَنَازَعَهُ ابن وَاصِلٍ وقال بَلْ الْكُلِّيُّ الْمَنْطِقِيُّ لَا وُجُودَ له في الْأَعْيَانِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْإِضَافَةَ مَوْجُودَةٌ في الْأَعْيَانِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ مَوْجُودٌ في الْخَارِجِ فَلَوْ كان الْمَنْطِقِيُّ مَوْجُودًا في الْخَارِجِ كان الْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا ضَرُورَةً مَوْجُودًا في الْخَارِجِ وَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا هو الْكُلِّيُّ الْعَقْلِيُّ فَيَكُونُ أَيْضًا مَوْجُودًا في الْخَارِجِ لِتَرَكُّبِهِ من جُزْأَيْنِ مَوْجُودَيْنِ وَسَنُبَيِّنُ أَنَّهُ ليس كَذَلِكَ ا هـ وَإِنْ أَرَدْت الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الْحَيَوَانِيَّةَ التي وَقَعَتْ بها الشَّرِكَةُ مع كَوْنِهَا غير مَانِعَةٍ فَهُوَ الْعَقْلِيُّ فَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ في الذِّهْنِ لَا في الْخَارِجِ قَالَهُ ابن وَاصِلٍ وَحَكَى غَيْرُهُ في وُجُودِهِ في الْخَارِجِ خِلَافًا أَيْضًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا وُجُودَ له لِاشْتِمَالِهِ على ما لَا يَتَنَاهَى وهو غَيْرُ مُتَشَخِّصٍ وَزَعَمَ أَفْلَاطُونُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ في الْأَعْيَانِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ الْكُلِّيَّ مَوْجُودٌ في الْخَارِجِ وَالْفَرْقُ بين الْكُلِّيِّ وَالْكُلِّ من أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْكُلَّ مَوْجُودٌ في الْخَارِجِ وَلَا شَيْءَ من الْكُلِّيِّ بِمَوْجُودٍ في الْخَارِجِ كَذَا قِيلَ وهو مُنَازَعٌ بِمَا سَبَقَ وَثَانِيهَا أَجْزَاءُ الْكُلِّ مُتَنَاهِيَةٌ وَأَجْزَاءُ الْكُلِّيِّ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ

وَثَالِثُهَا الْكُلُّ لَا بُدَّ من حُضُورِ أَجْزَائِهِ مَعًا بِخِلَافِ الكلي أقسام الْكُلِّيِّ ثُمَّ الْكُلِّيُّ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارَاتٍ أَحَدُهَا إلَى مُتَوَاطِئٍ وَمُشَكِّكٍ لِأَنَّهُ إنْ كان حُصُولُ مَعْنَاهُ في أَفْرَادِهِ الذِّهْنِيَّةِ أو الْخَارِجِيَّةِ على السَّوَاءِ كَالْإِنْسَانِ فَهُوَ الْمُتَوَاطِئُ وَإِنْ لم يَكُنْ على السَّوَاءِ بَلْ في بَعْضِ أَفْرَادِهِ أَقْدَمَ وَأَوْلَى وَأَشَدَّ فَهُوَ الْمُشَكِّكُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشَكِّكُ النَّاظِرَ هل هو مُتَوَاطِئٌ لِوَحْدَةِ الْحَقِيقَةِ فيه أو مُشْتَرِكٌ لِمَا بَيْنَهُمَا من الِاخْتِلَافِ وَذَلِكَ كَالْبَيَاضِ الذي هو في الثَّلْجِ أَشَدُّ منه في الْعَاجِ وَجَوَّزَ الْهِنْدِيُّ فيه فَتْحَ الْكَافِ وَكَسْرَهَا إمَّا أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ لِلتَّشْكِيكِ أو اسْمُ مَفْعُولٍ لِكَوْنِ النَّاظِرِ يَتَشَكَّكُ فيه وَمِنْهُمْ من أَنْكَرَ حَقِيقَةَ هذا الْقِسْمِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تُسْتَعْمَلَ مع ضَمِيمَةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ أو لَا فَإِنْ لم يَكُنْ فَهُوَ الْمُتَوَاطِئُ وَإِنْ كان فَهُوَ الْمُشْتَرَكُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ قِيلَ وَأَوَّلُ من قال بِهِ ابن سِينَا لِأَنَّ تَرَكُّبَ الشَّبَهَيْنِ يُخْرِجُهُ إلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى كَالْخُنْثَى فَالْمُتَوَاطِئُ أَنْ يَضَعَ الْوَاضِعُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَيْدِ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ في الْمُحَالِ مع اخْتِلَافِ الْمَحَالِّ في أُمُورٍ من غَيْرِ جِنْسِ الْمُسَمَّى كَامْتِيَازِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُتَوَاطِئُ ما اسْتَوَى مَحَالُهُ وَيُسَمَّى اسْمُ الْجِنْسِ كَالرَّجُلِ وَيُسَمَّى الْمُطْلَقُ وَقِيلَ هو الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ مُسْتَوْفًى مَحَالَّهُ فَكُلِّيٌّ احْتِرَازٌ من الْعِلْمِ وَمُسْتَوٍ احْتِرَازٌ من الْمُشَكِّكِ وَيُسَمَّى بِذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ في كل مَحَلٍّ مُوَافِقٌ لِمَعْنَاهُ في الْآخَرِ وَالتَّوَاطُؤُ التَّوَافُقُ قال تَعَالَى لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَالْمُشَكِّكُ أَنْ يَضَعَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَيْدِ الِاخْتِلَافِ في الْمَحَالِّ بِأُمُورٍ من جِنْسِ الْمُسَمَّى كَالنُّورِ في الشَّمْسِ وَاسْتِحَالَةِ التَّغْيِيرِ في الْوَاجِبِ فَاشْتَرَكَ الْقِسْمَانِ في أَنَّ الْوَضْعَ في كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَافْتَرَقَا بِقَيْدَيْهِمَا

تَنْبِيهَاتٌ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ إطْلَاقُ الْمُتَوَاطِئِ على أَفْرَادِهِ هل هو حَقِيقَةٌ أو مَجَازٌ إطْلَاقُ الْمُتَوَاطِئِ على كُلٍّ من أَفْرَادِهِ هل حَقِيقَةٌ أو مَجَازٌ فيه بَحْثٌ لِكَثِيرٍ من الْمُتَأَخِّرِينَ فَقِيلَ إنَّهُ مَجَازٌ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فإذا اُسْتُعْمِلَ في الْخُصُوصِ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ في غَيْرِ ما وُضِعَ له فَيَكُونُ مَجَازًا وَقِيلَ إنْ اُسْتُعْمِلَ فيه بِحَسَبِ ما فيه من الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فيه بِخُصُوصٍ كان مَجَازًا وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَلَا تَحْقِيقَ في هذا التَّفْصِيلِ فإن الِاسْتِعْمَالَ في الْخُصُوصِ إنَّمَا هو بِحَسَبِ الْخُصُوصِ أَمَّا إذَا أَرَدْت الْعُمُومَ فلم تَسْتَعْمِلْهُ فَلَا وَجْهَ لِلْخُصُوصِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّفْصِيلِ وَإِنْ كان حَقًّا الثَّانِي أَنَّ الْمُتَوَاطِئَ قد يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ في بَعْضِ أَفْرَادِهِ دُونَ بَعْضٍ التَّنْبِيهُ الثَّانِي يَنْقَسِمُ الْكُلِّيُّ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ إلَى مُشْتَقٍّ وَغَيْرِهِ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ إلَى مُشْتَقٍّ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ على الْمَاهِيَّةِ بِصِفَةٍ فَهُوَ الْمُشْتَقُّ كَالْأَسْوَدِ وَيُسَمَّى في اصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ صِفَةً وَإِمَّا أَنْ لَا يَدُلَّ وَحِينَئِذٍ إنْ دَلَّ على نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ فَقَطْ فَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ إذَا كان الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ وَإِنْ دَلَّ على الْمَاهِيَّةِ وَعَلَى قَيْدٍ آخَرَ زَائِدٍ عليها بِأَنْ كان ذلك الْقَيْدُ هو الْوَحْدَةُ أو الْكَثْرَةُ الْغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ فَهُوَ النَّكِرَةُ وَإِنْ كان هو الْكَثْرَةُ الْمُعَيَّنَةُ الْغَيْرُ الْمُنْحَصِرَةِ فَهُوَ الْعَامُّ وَإِنْ كانت مُنْحَصِرَةً فَهُوَ اسْمُ الْعَدَدِ قال الْأَصْفَهَانِيُّ وَالدَّالُّ على الْجِنْسِ يَنْقَسِمُ إلَى اسْمِ جِنْسٍ كَأَسَدٍ وَعَلَمِ جِنْسٍ كَأُسَامَةَ وَلَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ وَعَلَمُ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِتِلْكَ الْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ تَشَخُّصِهَا في الذِّهْنِ فإن تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ لَا بُدَّ أَنْ تَمْتَازَ عن غَيْرِهَا وَتَتَشَخَّصَ في الذِّهْنِ وَمَعَ ذلك فَإِنَّهَا تَصْدُقُ على الْأَفْرَادِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ على ما تَلَخَّصَ في عِلْمِ الْمَنْطِقِ من صِدْقِ الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ على الْجُزْئِيَّاتِ

التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ وَالْكُلِّيُّ إمَّا تَمَامُ الْمَاهِيَّةِ أو جُزْءٌ منها أو خَارِجٌ عنها وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ إمَّا أَنْ تُعْتَبَرَ من حَيْثُ إنَّهَا مَاهِيَّةٌ مع قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَعْرِضُ لها من الْعَوَارِضِ كَالْجُزْئِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ أو يُعْتَبَرُ مع الْعَارِضِ نَحْوُ كَوْنِهَا جُزْءًا لِغَيْرِهَا أو خَارِجًا عن مَاهِيَّةِ غَيْرِهَا فَالْأَوَّلُ تَمَامُ الْمَاهِيَّةِ وَالثَّانِي جُزْءٌ منها وَالثَّالِثُ خَارِجٌ عنها وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقُولَ في جَوَابِ ما هو إنَّمَا هو الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ سُؤَالٌ عَمَّا بِهِ هُوِيَّةُ الشَّيْءِ وهو تَمَامُ الْمَاهِيَّةِ وَأَمَّا الْكُلِّيُّ الذي هو جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ فَهُوَ الْمُسَمَّى بِالذَّاتِيِّ على رَأْيِ الْأَكْثَرِينَ فَتَمَامُ الْمُشْتَرَكِ هو الْجِنْسُ وَتَمَامُ التَّمْيِيزِ هو الْفَصْلُ وَأَمَّا الْخَارِجُ فَإِنْ اخْتَصَّ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ لَا يُوجَدُ في غَيْرِهِ فَهُوَ الْخَاصَّةُ وَإِنْ لم يَخْتَصَّ فَهُوَ الْعَرَضُ الْعَامُّ وَمِمَّا يَغْلُظُ فيه كَوْنُ الْعَرَضِ هَاهُنَا هو الْمُقَابِلُ لِلْجَوْهَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فإن الْعَرَضِيَّ قد يَكُونُ جَوْهَرًا كَالْأَبْيَضِ وقد لَا يَكُونُ كَالْبَيَاضِ وَالْعَرَضُ لَا يَكُونُ جَوْهَرًا كَالْبَيَاضِ ثُمَّ الْعَرَضُ قد يَكُونُ لَازِمًا لِحَقِيقَةِ الشَّيْءِ كَالضَّحِكِ لِلْإِنْسَانِ أَعْنِي بِالْقُوَّةِ

الفرق بين العرضي اللازم والذاتي
وَالْفَرْقُ بين الْعَرَضِيِّ اللَّازِمِ وَالذَّاتِيِّ أَنَّ الْعَرَضَ اللَّازِمَ يَكُونُ بَعْدَ تَحْقِيقِ الشَّيْءِ وَالذَّاتِيُّ يَكُونُ مُقَدَّمًا على حَقِيقَةِ الشَّيْءِ فإن الضَّحِكَ وَصْفٌ لِلْإِنْسَانِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ إنْسَانًا وَالْحَيَوَانُ وَصْفٌ له مُقَدَّمٌ ذِهْنًا على كَوْنِ الْإِنْسَانِ إنْسَانًا وقد يَكُونُ لَازِمًا لِوُجُودِهِ كَسَوَادِ الْحَبَشِيِّ وَكَوْنِ الْإِنْسَانِ مَوْجُودًا وَالْعَرَضُ قد يَكُونُ غير لَازِمٍ في الْوُجُودِ وَلَا في الْوَهْمِ لِجَوَازِ زَوَالِهِ إمَّا سَرِيعًا كَالْقِيَامِ أو بَطِيئًا كَالسَّوَادِ
الجزئي
وَأَمَّا الْجُزْئِيُّ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَقِلَّ في دَلَالَتِهِ على الْمَعْنَى الْجُزْئِيِّ فَهُوَ الْعَلَمُ كَزَيْدٍ وَإِلَّا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى قَرِينَةٍ إمَّا تَكَلُّمٌ أو خِطَابٌ أو غِيبَةٌ فَهُوَ وهو الْمَوْصُولُ هذا هو الذي عليه الْأَكْثَرُونَ منهم الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ أَعْنِي أَنَّ الْمُضْمَرَ جُزْئِيٌّ وقد رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ في كِتَابِ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ في أَوَّلِ بَابِ الْعُمُومِ

وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْكُلِّيَّ نَكِرَةٌ وَالْمُضْمَرَاتِ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ وَلِأَنَّهُ لو كان مَوْضُوعًا لِكُلِّيٍّ لَمَا أَفَادَ الشَّخْصَ لِأَنَّ الدَّالَّ على الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ على الْأَخَصِّ وَرَجَّحَ الْقَرَافِيُّ وَالْأَصْفَهَانِيُّ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا لِكُلِّيٍّ لِأَنَّهُ لو كان لِجُزْئِيٍّ لَمَا دَلَّ على شَخْصٍ آخَرَ إلَّا بِوَضْعٍ آخَرَ فلما صَدَقَتْ لَفْظَةُ أنا على ما لَا يَتَنَاهَى من الْمُتَكَلِّمِينَ وَكَذَلِكَ أنت على ما لَا يَتَنَاهَى من الْمُخَاطَبِينَ وهو على ما لَا يَتَنَاهَى من الْغَائِبِينَ من غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِوَضْعٍ دَلَّ على أَنَّهُ كُلِّيٌّ وَمَالَ إلَيْهِ أبو بَكْرِ بن طَلْحَةَ من النُّحَاةِ فقال إنَّ الْمُضْمَرَ لَا يُنْعَتُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فيه عُمُومٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى تَخْصِيصٍ وَلَا اشْتِرَاكَ فَيَفْتَقِرُ إلَى إزَالَةِ كَذَا يقول النَّحْوِيُّونَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَفِيهِ نَظَرٌ فإنه يُبْدَلُ منه لِلْبَيَانِ وَلَوْ لم يَقَعْ فيه اشْتِرَاكٌ لِمَا أُبْدِلَ منه أَصْلًا وَكَذَا قَوْلُهُمْ الْمُتَكَلِّمُ أَعْرَفُ من الْمُخَاطَبِ وَالْمُخَاطَبُ أَعْرَفُ من الْغَائِبِ اعْتِرَافٌ مُبْهَمٌ بِدُخُولِ الِاشْتِرَاكِ وَإِنَّمَا لم يُنْعَتْ لِأَمْرٍ آخَرَ وقال الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ هو كُلِّيٌّ في الْوَضْعِ جُزْئِيٌّ في الِاسْتِعْمَالِ وهو حَسَنٌ وَبِهِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّمِيرَ بِحَسَبِ ما يَعُودُ إلَيْهِ فَإِنْ عَادَ على عَامٍّ كان عَامًّا في كل فَرْدٍ أو على جَمْعٍ فَهُوَ له وَإِنْ عَادَ على خَاصٍّ كان خَاصًّا وَأَمَّا إطْلَاقُهُمْ أَنَّ الْعَلَمَ جُزْئِيٌّ فَهُوَ في عَلَمِ الشَّخْصِ أَمَّا عَلَمُ الْجِنْسِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ كُلِّيٌّ

الفرق بين علم الجنس وعلم الشخص واسم الجنس
وَاعْلَمْ أَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ السُّؤَالُ عنه الْفَرْقُ بين عَلَمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ الْجِنْسِ وهو من نَفَائِسِ الْمَبَاحِثِ قال الْقَرَافِيُّ وكان الْخُسْرَوْ شَاهْ يُقَرِّرُهُ ولم أَسْمَعْهُ من أَحَدٍ إلَّا منه وما كان في الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ من يَعْرِفُهُ وهو أَنَّ الْوَضْعَ فَرْعُ التَّصَوُّرِ فإذا اسْتَحْضَرَ الْوَاضِعُ صُورَةَ الْأَسَدِ لِيَضَعَ لها فَتِلْكَ الصُّورَةُ الثَّابِتَةُ في ذِهْنِهِ هِيَ جُزْئِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُطْلَقِ صُورَةِ الْأَسَدِ فإن هذه الصُّورَةَ وَاقِعَةٌ في هذا الزَّمَانِ وَمِثْلُهَا يَقَعُ في زَمَانٍ آخَرَ وفي ذِهْنِ شَخْصٍ آخَرَ وَالْجَمْعُ مُشْتَرِكٌ في مُطْلَقِ صُورَةِ الْأَسَدِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ جُزْئِيَّةٌ من مُطْلَقِ صُورَةِ الْأَسَدِ فَإِنْ وَقَعَ لها من حَيْثُ خُصُوصِهَا فَهُوَ عَلَمُ الْجِنْسِ أو من حَيْثُ عُمُومِهَا فَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ وَهِيَ من حَيْثُ عُمُومِهَا وَخُصُوصِهَا تُطْلَقُ على كل أَسَدٍ في الْعَالَمِ لِأَنَّا إنَّمَا أَخَذْنَاهَا في الذِّهْنِ مُجَرَّدَةً عن جَمِيعِ الْخُصُوصِيَّاتِ فَتُطْلَقُ على الْجَمِيعِ فَلَا جَرَمَ يُطْلَقُ لَفْظُ الْأَسَدِ وَأُسَامَةَ على جَمِيعِ الْأُسُودِ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فيها كُلِّهَا فَيَقَعُ الْفَرْقُ بين اسْمِ الْجِنْسِ

وَعَلَمِ الْجِنْسِ بِخُصُوصِ الصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ وَالْفَرْقُ بين عَلَمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الشَّخْصِ أَنَّ عَلَمَ الشَّخْصِ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ التَّشَخُّصِ الْخَارِجِيِّ وَعَلَمَ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ التَّشَخُّصِ الذِّهْنِيِّ ا هـ وقال ابن إيَازٍ رَدًّا على من فَرَّقَ بين اسْمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الْجِنْسِ أَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ وهو أُسَامَةُ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ من غَيْرِ نَظَرٍ لِلْأَفْرَادِ وَعَكْسُهُ اسْمُ الْجِنْسِ قال فَيَلْزَمُ أَنَّ أُسَامَةَ إذَا اُسْتُعْمِلَ في الْأَفْرَادِ الْخَارِجِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هو حَقِيقَةٌ وقال الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ في الرَّدِّ على من فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْوَضْعُ مَسْبُوقٌ بِالتَّصَوُّرِ فَإِنْ كان لِلْأَفْرَادِ الْخَارِجِيَّةِ فَيَلْزَمُ وَضْعُهُ من غَيْرِ قَصْدٍ وهو بَاطِلٌ وقال صَاحِبُ الْبَسِيطِ من النَّحْوِيِّينَ إنَّمَا حُكِمَ لِعَلَمِ الْجِنْسِ بِالْعَلَمِيَّةِ لِأَنَّهُمْ عَامَلُوهُ مُعَامَلَةَ الْأَعْلَامِ في أَرْبَعَةِ أُمُورٍ دُخُولِ أَلْ عليها وَإِضَافَتِهَا وفي نَصْبِ الْحَالِ عنها نحو هذا أُسَامَةُ مُقْبِلًا وَامْتِنَاعِ صَرْفِهَا عِنْدَ وُجُودِ عِلَّتَيْنِ فيها وفي تَحَقُّقِ عِلْمِيَّتِهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا لِأَبِي سَعِيدٍ وَبِهِ قال ابن بَابْشَاذَ وابن يَعِيشَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ على الْجِنْسِ بِأَسْرِهِ بِمَنْزِلَةِ تَعْرِيفِ الْجِنْسِ بِاللَّامِ في نَحْوِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَلِهَذَا يُقَالُ ثُعَالَةُ يَفِرُّ من أُسَامَةَ أَيْ أَشْخَاصُ هذا الْجِنْسِ يَفِرُّ من أَشْخَاصِ هذا الْجِنْسِ وَإِنَّمَا لم يَحْتَاجُوا في هذا النَّوْعِ إلَى تَعْيِينِ الشَّخْصِ كَغَيْرِهَا من الْأَعْلَامِ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ أَفْرَادِهَا قال ابن يَعِيشَ وَتَعْرِيفُهَا لَفْظِيٌّ وَهِيَ في الْمَعْنَى نَكِرَاتٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ أُطْلِقَ على الْجِنْسِ فَقَدْ يُطْلَقُ على أَفْرَادِهِ وَلَا يَخُصُّ شَخْصًا بِعَيْنِهِ وَعَلَى هذا فَيَخْرُجُ عن حَدِّ الْعَلَمِ وَالثَّانِي لِابْنِ الْحَاجِبِ أنها مَوْضُوعَةٌ لِلْحَقَائِقِ الْمُتَّحِدَةِ في الذِّهْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْرِيفِ بِاللَّامِ لِلْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ نحو أَكَلْت الْخُبْزَ وَشَرِبْت الْمَاءَ فإذا أُطْلِقَ على الْوَاحِدِ في الْوُجُودِ فَلَا بُدَّ من الْقَصْدِ إلَى الْحَقِيقَةِ فَالتَّعَدُّدُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ وَالْفَرْقُ بين أَسَدٍ وَأُسَامَةَ أَنَّ أَسَدًا مَوْضُوعٌ لِكُلِّ فَرْدٍ من أَفْرَادِ النَّوْعِ على طَرِيقِ الْبَدَلِ فَالتَّعَدُّدُ فيه من أَصْلِ الْوَضْعِ وَأَمَّا أُسَامَةُ فإنه لَزِمَ من إطْلَاقِهِ على الْوَاحِدِ في الْوُجُودِ التَّعَدُّدِ فَالتَّعَدُّدُ جاء فيه ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا بِالْوَضْعِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَمَّا لم يَتَعَلَّقْ بِوَضْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بَلْ الْوَاحِدُ من حُفَاةِ الْعَرَبِ إذَا وَقَعَ طَرَفُهُ على وَحْشٍ عَجِيبٍ أو طَيْرٍ غَرِيبٍ أَطْلَقَ عليه اسْمًا يَشْتَقُّهُ من خِلْقَتِهِ أو فِعْلِهِ أو

وَصْفِهِ فإذا رَآهُ مَرَّةً أُخْرَى أَجْرَى عليه ذلك الِاسْمَ بِاعْتِبَارِ شَخْصِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ على تَصَوُّرِ أَنَّ هذا الْمَوْجُودَ هو الْمُسَمَّى أَوَّلًا أو غَيْرُهُ فَصَارَتْ مُشَخَّصَاتُ كل نَوْعٍ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعُ قُلْته أنا أَنَّ لَفْظَ عَلَمِ الْجِنْسِ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بين الْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ وَالْوُجُودِيَّةِ فإن لَفْظَ أُسَامَةَ يَدُلُّ على الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ عَرِيضِ الْأَعَالِي فَالِافْتِرَاسُ وَعَرْضُ الْأَعَالِي مُشْتَرَكٌ بين الذِّهْنِيِّ وَالْوُجُودِيِّ فإذا أُطْلِقَ على الْوَاحِدِ في الْوُجُودِ فَقَدْ أُطْلِقَ على ما وُضِعَ له لِوُجُودِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَيَلْزَمُ من إخْرَاجِهِ إلَى الْوُجُودِ التَّعَدُّدُ فَيَكُونُ التَّعَدُّدُ من اللَّوَازِمِ لَا مَقْصُودًا بِالْوَضْعِ بِخِلَافِ أَسَدٍ فإن تَعَدُّدَهُ مَقْصُودٌ بِالْوَضْعِ فإذا تَقَرَّرَ ذلك فَالْفَرْقُ بين عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ بِأُمُورٍ أَحَدُهَا امْتِنَاعُ دُخُولِ اللَّامِ على أَحَدِهِمَا وَجَوَازُهُ في الْآخَرِ وَلِذَلِكَ كان ابن لَبُونٍ وابن مَخَاضٍ اسْمَ جِنْسٍ بِدَلِيلِ دُخُولِ لَامِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِمَا الثَّانِي امْتِنَاعُ الصَّرْفِ يَدُلُّ على الْعِلْمِيَّةِ الثَّالِثُ نَصْبُ الْحَالِ عنها الرَّابِعُ نَصَّ أَهْلُ اللُّغَةِ على ذلك وَأَمَّا الْإِضَافَةُ فَلَا دَلِيلَ فيها لِأَنَّ الْأَعْلَامَ جَاءَتْ مُضَافَةً ا هـ وَأَحْسَنُ ما قِيلَ فيه أَنَّ اللَّفْظَ إنْ كان مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُتَصَوَّرَ الْحَقِيقَةُ وَيَحْضُرَ فَرْدٌ من أَفْرَادِهَا في الذِّهْنِ مُتَشَخِّصًا فَالْوَاضِعُ تَارَةً يَضَعُ لِلْحَقِيقَةِ لَا بِقَيْدِ التَّشَخُّصِ الْخَاصِّ في ذِهْنِهِ فَيَكُونُ ذلك اسْمَ جِنْسٍ كَمَنْ حَضَرَ في ذِهْنِهِ حَقِيقَةُ الْأَسَدِ وَتَشَخَّصَ في ذِهْنِهِ فَرْدٌ من أَفْرَادِهِ فَوُضِعَ لِلْحَقِيقَةِ لَا لِذَلِكَ الْفَرْدِ وَتَارَةً يَضَعُ لِلتَّشَخُّصِ الْخَاصِّ في ذِهْنِهِ بِقَيْدِ ذلك الشَّخْصِ الذي هو حَاصِلٌ في أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ خَارِجِيَّةٍ فَهَذَا عَلَمُ الْجِنْسِ وَتَارَةً يَضَعُ لِلشَّخْصِ الْخَارِجِيِّ فَهُوَ عَلَمُ الشَّخْصِ وَسُمِّيَ هذا عَلَمًا لِأَنَّ الْوَضْعَ فيه لِلشَّخْصِ لِيَكُونَ التَّشْخِيصُ لِلْوَضْعِ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلَى أَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ هو الذي لُوحِظَ فيه خَاصَّةً من خَوَاصِّ ذلك الْجِنْسِ وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْعَلَمَ هو الْمَوْضُوعُ لِلْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ التَّشَخُّصِ الذِّهْنِيِّ وَلَيْسَ هذا من بَابِ الِاصْطِلَاحِ حتى لَا يُمْنَعَ لِأَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْعَلَمَ حَقِيقَتُهُ الْوَضْعُ لِلتَّشَخُّصِ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ فَاعْتِبَارُ الْوَصْفِ لَا مَدْخَلَ له فيه فَهَذَا هو الْفَرْقُ الصَّحِيحُ بين الثَّلَاثَةِ وَعِبَارَةُ سِيبَوَيْهِ تُعْطِي ذلك حَيْثُ قال هذا بَابٌ من الْمَعْرِفَةِ يَكُونُ فيه الِاسْمُ

الْخَاصُّ شَائِعًا في أُمَّتِهِ ليس وَاحِدٌ منها بِهِ من الْآخَرِ نحو قَوْلِك لِلْأَسَدِ أبو الْحَارِثِ وَأُسَامَةُ وَلِلثَّعْلَبِ ثُعَالَةٌ وأبو الْحُصَيْنِ وَذَكَرَ أَمْثِلَةً وَفَرَّقَ بين أُسَامَةَ وَزَيْدٍ بِأَنَّ زَيْدًا قد عَرَفَهُ الْمُخَاطَبُ بِحِلْيَتِهِ أو أَنَّهُ قد بَلَغَهُ وإذا قال أُسَامَةُ فَإِنَّمَا يُرِيدُ هذا الْأَسَدَ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَيْءٍ قد عَرَفَهُ بِعَيْنِهِ قبل ذلك كَمَعْرِفَتِهِ زَيْدًا وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِ هذا الذي كُلُّ وَاحِدٍ من أُمَّتِهِ له هذا الِاسْمُ فَهَذَا الْكَلَامُ منه يُعْطِي ما قُلْنَا وَانْظُرْ قَوْلَهُ يَكُونُ فيه الِاسْمُ خَاصًّا شَائِعًا فَجَعَلَهُ خَاصًّا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ الْمُشَخِّصَةِ الْمَوْضُوعِ وَشَائِعًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ الْخَارِجِيَّةِ وَإِلَى قَوْلِهِ يُرِيدُ هذا الْأَسَدَ وَلَا يُرِيدُ إلَى شَيْءٍ قد عَرَفْته وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَتَّضِحُ أَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ مَعْرِفَةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى وَأَنَّ قَوْلَ ابْنِ مَالِكٍ إنَّهُ مَعْرِفَةٌ لَفْظًا وَنَكِرَةٌ مَعْنًى وَأَنَّهُ في أُسَامَةَ في السِّبَاعِ كَأَسَدٍ مَمْنُوعٌ وَوَافَقَهُ أبو حَيَّانَ على أَنَّ أُسَامَةَ نَكِرَةٌ في الْمَعْنَى وَفِيهِ ما تَقَدَّمَ فإذا ثَبَتَ هذا فَلَا إشْكَالَ في أَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ كُلِّيٌّ لِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ في مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ

فَصْلٌ في نِسْبَةِ الْأَسْمَاءِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ الِاسْمُ وَالْمُسَمَّى إمَّا أَنْ يَتَّحِدَا أو يَتَكَثَّرَا أو يَتَكَثَّرَ الِاسْمُ وَيَتَّحِدَ الْمُسَمَّى أو عَكْسُهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَّحِدَا فَإِنْ كان نَفْسُ تَصَوُّرِ ذلك الْعَيْنِ يَمْنَعُ من وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فيه فَهُوَ الْجُزْئِيُّ وَإِنْ لم يَمْنَعْ وكان الِاشْتِرَاكُ وَاقِعًا فيه بِالْفِعْلِ وَعَلَى السَّوِيَّةِ فَمُتَوَاطِئٌ وَإِلَّا فَمُشَكِّكٌ فَالْمُتَوَاطِئَةُ هِيَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ على الْأَعْيَانِ الْمُتَغَايِرَةِ بِالْعَدَدِ الْمُتَّفِقَةِ في الْمَعْنَى الذي وُضِعَ اللَّفْظُ له كَدَلَالَةِ لَفْظِ الْإِنْسَانِ على زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَدَلَالَةِ لَفْظِ الْحَيَوَانِ على الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَمِنْهُ دَلَالَةُ اللَّمْسِ على الْقُبْلَةِ وَعَلَى الْجِمَاعِ وَعَلَى غَيْرِهَا من أَنْوَاعِهِ وَدَلَالَةُ اللَّوْنِ على السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَعَلَى غَيْرِهَا من أَنْوَاعِهِ الثَّانِي أَنْ يَتَكَثَّرَا فَهِيَ الْأَلْفَاظُ الْمُتَبَايِنَةُ كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَغَيْرِ ذلك من الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَوْضُوعِ لِمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَذَلِكَ إمَّا أَنْ تَتَبَايَنَ بِذَاتِهَا أَيْ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْإِنْسَانِ وَالْحَجَرِ أو تَتَبَايَنَ بِصِفَاتِهَا مع إمْكَانِ اجْتِمَاعِهَا بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا اسْمًا لِلذَّاتِ وَبَعْضُهَا اسْمًا لها إذَا اتَّصَفَتْ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ كَالسَّيْفِ وَالصَّارِمِ وَيُسَمَّى الْمُزَايَلَةَ وقد يَكُونُ بَعْضُهَا اسْمًا لِلصِّفَةِ وَبَعْضُهَا اسْمًا لِصِفَةِ الصِّفَةِ كَالنَّاطِقِ بِالْفِعْلِ وَالْفَصِيحِ وَسُمِّيَتْ مُتَبَايِنَةً من الْبَيْنِ الذي هو التَّبَاعُدُ لِأَنَّ مُسَمَّى هذا غَيْرُ مُسَمَّى ذَاكَ أو من الْبَيْنِ الذي هو الْفِرَاقُ لِمُفَارَقَةِ كل وَاحِدٍ من الْآخَرِ لَفْظًا وَمَعْنًى الثَّالِثُ أَنْ يَتَعَدَّدَ اللَّفْظُ وَيَتَّحِدَ الْمَعْنَى فَهِيَ الْمُتَرَادِفَةُ كَالْإِنْسَانِ وَالْبَشَرِ قال ابن خَرُوفٍ النَّحْوِيُّ وَإِنَّمَا يَكُونُ في الْأَجْنَاسِ لَا الْأَعْلَامِ انْتَهَى وَاشْتِقَاقُهُ من رِدْفِ الدَّابَّةِ يُشْبِهُ اجْتِمَاعَ الرَّاكِبِينَ على مَعْنًى وَاحِدٍ بِاجْتِمَاعِ الرَّاكِبِينَ على دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ مُسَمَّاهَا ظَهَرَ التَّرَادُفُ وَإِنْ اخْتَلَفَ بِوَجْهٍ من الْوُجُوهِ فَلَا تَرَادُفَ وقد يَخْفَى وَجْهُ الِاخْتِلَافِ فَيَقَعُ الْغَلَطُ وَمِمَّا اعْتَبَرَهُ بَعْضُهُمْ في هذا النَّظَرِ في الِاشْتِقَاقِ اللَّفْظِيِّ وَيُجْعَلُ التَّبَايُنُ وَاقِعًا فيه وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ كما سَيَأْتِي

الرَّابِعُ عَكْسُهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قد وُضِعَ لِلْكُلِّ أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ من تِلْكَ الْمَعَانِي أو لَا وَالْأَوَّلُ الْمُشْتَرَكُ كَالْعَيْنِ لِمَدْلُولَاتِهَا الْمُتَعَدِّدَةِ وَالثَّانِي أَنْ لَا يُوضَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَلْ لِمَعْنًى ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ فَإِمَّا أَنْ يَنْتَقِلَ لِعَلَاقَةٍ أو لَا فَإِنْ لم يَنْتَقِلْ لِعَلَاقَةٍ فَهُوَ الْمُرْتَجَلُ قَالَهُ الْإِمَامُ وهو مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ النُّحَاةِ فإن الْمُرْتَجَلَ عِنْدَهُمْ هو الذي لم يُسْبَقْ بِوَضْعٍ كَغَطَفَانَ مَأْخُوذٌ من قَوْلِهِمْ شِعْرٌ مُرْتَجَلٌ أَيْ لم يُسْبَقْ بِفِكْرٍ مَأْخُوذٌ من الرِّجْلِ لِأَنَّهُ إذَا لم يُسْبَقْ بِفِكْرِ مُتَأَمِّلِهِ كَالْوَاقِفِ على رِجْلٍ فإنه لَا يَتَمَكَّنُ من النَّظَرِ وَإِنْ نُقِلَ لِعَلَاقَةٍ فَإِمَّا أَنْ تَقْوَى في الثَّانِي أو لَا وَالْأَوَّلُ الْمَنْقُولُ ثُمَّ إنْ كان النَّاقِلُ الشَّرْعَ كَالصَّلَاةِ سُمِّيَ بِالْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ أو الْعُرْفِ الْعَامِّ فَالْعُرْفِيَّةِ أو الْخَاصِّ كَاصْطِلَاحِ النُّحَاةِ على الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ سُمِّيَ بِالِاصْطِلَاحِيَّةِ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ على هذا نَقْلًا لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَبْقَى زَمَنَيْنِ وما لَا يَقْبَلُ الْبَقَاءَ لَا يَقْبَلُ التَّحْوِيلَ وَلَكِنْ لَمَّا وُضِعَ لِشَيْءٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ في غَيْرِهِ حتى غَلَبَ عليه فَكَأَنَّهُ قد حُوِّلَ من مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَالثَّانِي وهو أَنْ لَا يَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ على الْمَنْقُولِ إلَيْهِ أَقْوَى من دَلَالَتِهِ على الْمَنْقُولِ عنه فإن الْأَوَّلَ يُسَمَّى بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ في الْأَوَّلِ حَقِيقَةً وَالثَّانِيَ مَجَازًا وقال بَعْضُهُمْ الْمَجَازُ ثَلَاثُهُ أَقْسَامٍ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ إنْ لم يَكُنْ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما وُضِعَ له فَهُوَ الْمُرْتَجَلُ وَإِنْ كان فَإِنْ لم يَحْسُنْ فيه أَدَاةُ التَّشْبِيهِ فَهُوَ الِاسْتِعَارَةُ وَإِنْ حَسُنَ ذلك فَهُوَ مَجَازُ التَّشْبِيهِ وَفَائِدَةُ الْمُرْتَجَلِ التَّوَسُّعُ في الْكَلَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْسَامَ الْأُوَلَ الْمُتَّحِدَةَ الْمَعْنَى نُصُوصٌ لِأَنَّ لِكُلِّ لَفْظٍ منها فَرْدًا مُعَيَّنًا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَقَوْلُنَا الْمُتَّحِدَةَ الْمَعْنَى يُخْرِجُ الْعَيْنَ وَالْقُرْءَ فَإِنَّهَا مُتَبَايِنَةٌ مع أنها لَيْسَتْ بِنُصُوصٍ لِأَجْلِ الِاشْتِرَاكِ وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتَهُ على كل وَاحِدٍ من الْمَعَانِي على السَّوَاءِ أَيْ مُتَسَاوِيَانِ في الْفَهْمِ فَلَيْسَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا مَعًا مُشْتَرَكًا وَبِالنِّسْبَةِ إلَى كل وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مُجْمَلًا وَإِلَّا فَإِنْ كانت دَلَالَتُهُ على بَعْضِهَا أَرْجَحَ فَالطَّرَفُ الرَّاجِحُ ظَاهِرٌ لِمَا فيه من الظُّهُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ وقد سَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا نَصًّا لِمُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمَرْجُوحُ مُؤَوَّلٌ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الظُّهُورِ عِنْدَ مُسَاعَدَةِ الدَّلِيلِ فَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ في نَفْيِ الْإِجْزَاءِ رَاجِحٌ وهو مَرْجُوحٌ في نَفْيِ الْكَمَالِ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكِ بين النَّصِّ وَالظَّاهِرِ من الرُّجْحَانِ يُسَمَّى الْمُحْكَمَ لِإِحْكَامِ عِبَارَتِهِ

وَإِثْبَاتِهِ فَالْمُحْكَمُ جِنْسٌ لِنَوْعَيْ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ وَمُقَابِلُهُمَا الْمُجْمَلُ وَالْمُؤَوَّلُ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا من عَدَمِ الرُّجْحَانِ يُسَمَّى الْمُتَشَابِهَ فَهُوَ جِنْسٌ لِنَوْعَيْ الْمُجْمَلِ وَالْمُؤَوَّلِ وَأَصْلُ هذا الِاصْطِلَاحِ مَأْخُوذٌ من قَوْله تَعَالَى منه آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ تَقْسِيمُ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ وهو إمَّا تَامٌّ أو غَيْرُ تَامٍّ فَأَمَّا التَّامُّ فَهُوَ الذي يَحْسُنُ السُّكُوتُ عليه وَيُسَمَّى كَلَامًا قال الزَّمَخْشَرِيُّ وَجُمْلَةٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْجُمْلَةَ أَعَمُّ من الْكَلَامِ لِأَنَّ شَرْطَ الْكَلَامِ الْإِفَادَةُ بِخِلَافِ الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ جُمْلَةُ الشَّرْطِ جُمْلَةُ الْجَوَابِ وهو ليس بِمُفِيدٍ فَلَيْسَ كَلَامًا وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ شَرَطَ قَوْمٌ من النُّحَاةِ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلسَّامِعِ فَائِدَةً غير مَعْلُومَةٍ له وَالصَّوَابُ حُصُولُ حَقِيقَةِ الْكَلَامِ بِمُجَرَّدِ الْإِسْنَادِ الذي يَصِحُّ السُّكُوتُ عليه وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْقَضَايَا الْبَدِيهِيَّةُ كُلُّهَا لَيْسَتْ كَلَامًا وهو بَاطِلٌ لِوُجُوبِ انْتِهَاءِ جَمِيعِ الدَّلَائِلِ إلَيْهَا وَحَكَى ابن فَارِسٍ عن بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُهْمَلَ يُطْلَقُ عليه كَلَامٌ وَخَطَّأَهُ قال وَأَهْلُ اللُّغَةِ لم يَذْكُرُوهُ في أَقْسَامِ الْكَلَامِ وَحَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ اللُّمَعِ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ حَكَى في كِتَابِهِ الْإِرْشَادِ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا في أَنَّ الْمُهْمَلَ كَلَامٌ أو لَا قال وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُسَمَّى كَلَامًا مَجَازًا وَلَا يَتَأَلَّفُ الْكَلَامُ إلَّا من اسْمَيْنِ أو اسْمٍ وَفِعْلٍ إمَّا مَلْفُوظٌ بِهِ كَقَامَ زَيْدٌ أو مُقَدَّرٌ كَ يا زَيْدُ فإن حَرْفَ النِّدَاءِ في تَقْدِيرِ الْفِعْلِ وهو أَدْعُو زَيْدًا وَاعْتُرِضَ على هذا بِأَنَّهُ لو كان كَذَلِكَ لَاحْتَمَلَ التَّكْذِيبَ وَالتَّصْدِيقَ وَسَنَذْكُرُ جَوَابُهُ وزاد بَعْضُهُمْ تَرْكِيبَ الْحُرُوفِ مع ما هو في تَقْدِيرِ الِاسْمِ نحو أَمَا أَنَّك ذَاهِبٌ بِفَتْحِ أَنَّ وَزَعَمَ ابن خَرُوفٍ أَنَّ هذا من بَابِ يا زَيْدُ على مَذْهَبِ أبي عَلِيٍّ وهو مَرْدُودٌ بِأَنَّ أَنَّ وَإِنْ كان في تَقْدِيرِ مُفْرَدٍ فإن في الْكَلَامِ مُسْنَدًا وَمُسْنَدًا إلَيْهِ وَجَوَّزَ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ائْتِلَافَهُ من فِعْلٍ وَحَرْفٍ نحو قد قام وهو مَرْدُودٌ بِأَنَّ هذا

إنَّمَا يُفِيدُ لِتَصَوُّرِ ضَمِيرٍ في الْفِعْلِ الذي هو في قام فَيَكُونُ الْمَعْنَى قد قام فُلَانٌ وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ فيه أَنْ يَكُونَ من نَاطِقٍ وَاحِدٍ فَلَوْ اصْطَلَحَ اثْنَانِ على أَنْ يَذْكُرَ أَحَدُهُمَا فِعْلًا أو مُبْتَدَأً وَالْآخَرُ فَاعِلُ ذلك الْفِعْلِ أو خَبَرُ ذلك الْمُبْتَدَأِ فَلَيْسَ بِكَلَامٍ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى في الْكَلَامِ على تَخْصِيصِ الْعَامِّ هل يُغَيِّرُ صِفَتَهُ وَرَدَّ ابن مَالِكٍ ذلك وقال الْمَجْمُوعُ كَلَامٌ لِاشْتِمَالِهِ على حَدِّهِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ النَّاطِقِ كما لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْكَاتِبِ في كَوْنِ الْخَطِّ خَطًّا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فيه في مَوَاضِعَ أَحَدُهَا أَنَّهُ هل يُحَدُّ فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ وقال إنَّمَا يُبَيَّنُ بِالتَّفْصِيلِ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ من الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِخْبَارِ وَلَا عِبَارَةَ تُحِيطُ بِذَلِكَ إلَّا بِتَطْوِيلٍ يُصَانُ الْحَدُّ عنه وَالْجُمْهُورُ على أَنَّهُ يُحَدُّ وَلِلْقَاضِي فيه قَوْلَانِ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ على أَنَّهُ يُحَدُّ كَالْعَلَمِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فقال الْأَشْعَرِيُّ ما أُوجِبَ لِمَحَلِّ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْقَوْلُ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ التي تَدُلُّ عليه الْعِبَارَاتُ وَزُيِّفَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هو الْقَوْلُ فَكَيْفَ يُحَدُّ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ مَجَازٌ فإن الْقَائِمَ من صِفَاتِ الْعُقَلَاءِ ثُمَّ إنَّ الدَّلَالَةَ لَا تَسْتَقِلُّ بها الْأَلْفَاظُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا من قَرِينَةٍ الثَّانِي اخْتَلَفُوا وَهَلْ هو حَقِيقَةٌ في اللِّسَانِيِّ أو النَّفْسَانِيِّ فيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ تَقَدَّمَتْ مَحْكِيَّةً عن الْأَشْعَرِيِّ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُخْتَارُ الثَّانِي وَيَتَخَرَّجُ على ذلك مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ في الصَّلَاةِ مُطْلَقًا مُبْطِلٌ فَلَوْ نَظَرَ الْمُصَلِّي في مَكْتُوبٍ غَيْرِ قُرْآنٍ وَرَدَّدَ ما فيه في نَفْسِهِ لم تَبْطُلْ وَقِيلَ تَبْطُلُ إنْ طَالَ حَكَاهُ ابن كَجٍّ عن النَّصِّ الثَّانِي إذَا حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَتَكَلَّمَ في نَفْسِهِ من غَيْرِ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا أو صلى وسلم في صَلَاتِهِ هل يَحْنَثُ قال الْخُوَارِزْمِيُّ في الْكَافِي يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا لَا يَحْنَثُ وَيُحْمَلُ على الْكَلَامِ الْمُتَعَارَفِ بين الناس قال وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةً وَاعْلَمْ أَنَّهُ لم يُفَرِّعْ أَئِمَّتُنَا على الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَلَا اعْتَبَرُوهُ بِمُجَرَّدِهِ في إثْبَاتِ الْعُقُودِ وَلَا في فَسْخِهَا ولم يُوقِعُوا الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ بِالنِّيَّةِ وَإِنْ صَمَّمَ عليها بِقَلْبِهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ فَلَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ له بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ

لِأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا ما لم تَكَلَّمْ أو تَعْمَلْ وَوَجْهُ اخْتِلَافِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِيمَا لو حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالطَّلَاقِ ولم يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ السَّمِيعُ بِنَفْسِهِ أَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ نُطْقٌ وَإِنَّمَا لم يَثْبُتُوا له حُكْمَ الْكَلَامِ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كما لم يَجْعَلُوهُ قِرَاءَةً إذَا لم يُسْمِعْ نَفْسَهُ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الْإِشْهَادِ تَفْتَقِرُ إلَى سَمَاعِ الشَّاهِدِ وَطَرِيقِ الصَّوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَقْسَامُ الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ ما يَتَرَتَّبُ عليه من الْمَعْنَى وَيَنْقَسِمُ الْكَلَامُ بِاعْتِبَارِ ما يَتَرَتَّبُ عليه من الْمَعْنَى إلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَ طَلَبًا بِالْوَضْعِ أو لَا وَالْأَوَّلُ إنْ كان الطَّلَبُ لِذِكْرِ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ فَهُوَ الِاسْتِفْهَامُ كَقَوْلِك ما هذا وَمَنْ هذا وَإِنْ كان لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ من الْأُمُورِ فَإِنْ كان مع الِاسْتِعْلَاءِ فَأَمْرٌ أو مع التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ أو مع التَّسَفُّلِ فَدُعَاءٌ وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ أو لَا وَالْأَوَّلُ الْخَبَرُ وَالثَّانِي التَّنْبِيهُ وَيَنْدَرِجُ فيه التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي وَالْقَسَمُ وَالنِّدَاءُ وَيُسَمَّى الْخَبَرُ قَضِيَّةً لِأَنَّك قَضَيْت فيها بِأَحَدِهِمَا على الْآخَرِ وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ من جُزْئَيْهَا مَحْكُومًا عليه وَالْآخَرُ مَحْكُومًا بِهِ وَالْمَنْطِقِيُّونَ يُسَمُّونَ الْأَوَّلَ مَوْضُوعًا وَالثَّانِيَ مَحْمُولًا ثُمَّ الْقَضِيَّةُ إمَّا كُلِّيَّةً أو جُزْئِيَّةً أو صَالِحَةً لَهُمَا وَتُسَمَّى الْمُهْمَلَةُ وَصِدْقُهَا على الْجُزْئِيِّ ضَرُورِيٌّ فَأَمَّا صِدْقُهَا على الْكُلِّيِّ فَمَنَعَهُ الْمَنْطِقِيُّونَ وَأَمَّا لُغَةُ الْعَرَبِ فَتَقْتَضِي الْحُكْمَ عليه بِالِاسْتِغْرَاقِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْأُصُولِيُّونَ وما ذَكَرْنَاهُ من كَوْنِ النِّدَاءِ من جُمْلَةِ أَقْسَامِ الْإِنْشَاءِ لَا شَكَّ فيه وَزَعَمَ ابن بَابْشَاذَ النَّحْوِيُّ أَنَّ قَوْلَهُمْ في الْقَذْفِ يا فَاسِقُ يا زَانِي مِمَّا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ وَغَلَّطُوهُ بِأَنَّ التَّكْذِيبَ لَا يَرِدُ على النِّدَاءِ إذْ لَا فَرْقَ بين نِدَاءِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِيقَةِ التَّذْكِيرِ وَإِنَّمَا يُرَدُّ على أَنَّهُ ليس فيه تِلْكَ الصِّفَةُ نَفْسُهَا وَذَلِكَ غَيْرُ النِّدَاءِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ بَرْهَانٍ في الْغُرَّةِ إذَا نَادَيْت وَصْفًا فَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ وإذا نَادَيْت اسْمًا فَالْجُمْلَةُ لَيْسَتْ بِخَبَرِيَّةٍ وَلِهَذَا لو قال يا زَانِيَةُ وَجَبَ الْحَدُّ نعم اخْتَلَفُوا في نَاصِبِ الْمُنَادَى فَقِيلَ فِعْلٌ مُضْمَرٌ أَيْ أَدْعُو زَيْدًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ النِّدَاءِ إلَى بَابِ الْإِخْبَارِ الذي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ وَقِيلَ الْحَرْفُ وهو يا لِأَنَّهُ صَارَ بَدَلًا من الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ بِدَلِيلِ أنها أُمِيلَتْ وقال الْعَبْدَرِيُّ يا اسْمُ فِعْلٍ فَنَصَبَتْ كَنَصْبِهِ لِأَنَّ يا اسْمٌ لِقَوْلِك أُنَادِي

كما أَنَّ أُفٍّ اسْمٌ لِقَوْلِك أَتَضَجَّرُ وَرُدَّ بِأَنَّ أُنَادِي خَبَرٌ وَلَيْسَ يا بِخَبَرٍ وَمِنْ شَرْطِ اسْمِ الْفِعْلِ أَنْ يُوَافِقَهُ في قَبُولِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَعَدَمِهِ وقد خَطَّأَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ في تَفْسِيرِهِ في أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ من فَسَّرَ قَوْلَنَا يا زَيْدُ بِأُنَادِي من وُجُوهٍ حَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ يا زَيْدُ إنْشَاءٌ وَقَوْلُنَا أُنَادِي خَبَرٌ وَلِأَنَّهُ لو كان كَذَلِكَ لَصَلَحَ قَوْلُنَا يا زَيْدُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِعَمْرٍو كما صَلَحَ قَوْلُنَا أُنَادِي زَيْدًا لِذَلِكَ وَرَدَّ عليه بَعْضُهُمْ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أُنَادِي الذي هو بِمَعْنَى يا زَيْدُ خَبَرٌ وَإِنَّمَا هو إنْشَاءٌ نعم الْخَبَرُ الذي هو أُنَادِي زَيْدًا ليس هو بهذا الْمَعْنَى وَأَجَابَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْمُرْسِيُّ بِأَنَّ الْخَبَرَ قد يُنْقَلُ من الْخَبَرِيَّةِ إلَى الْإِنْشَائِيَّةِ كَأَلْفَاظِ الْعُقُودِ التي يُقْصَدُ بها اسْتِحْدَاثُ الْأَحْكَامِ بِأَنَّهَا بَعْدَ نَقْلِهَا إلَى الْإِنْشَاءِ لم تَبْقَ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَكَذَلِكَ هذا وَكُلُّ هذا غَفْلَةٌ عن تَحْقِيقِ الْمَحْذُوفِ في الْمُنَادَى وَسِيبَوَيْهِ لم يُقَدِّرْ يا زَيْدُ بِأُنَادِي زَيْدًا بَلْ قَدَّرَهُ يا أُنَادِي زَيْدًا كَأَنَّ يا أَوَّلًا تَنْبِيهٌ غَيْرُ خَاصٍّ يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَبَّهَ بِهِ من سَمِعَهُ فَبَيَّنَ الْمُنَبَّهُ بَعْدَ هذا التَّنْبِيهِ غَيْرِ الْخَاصِّ أَنَّهُ خَاصٌّ فَتَقْدِيرُ الْفِعْلِ في النِّدَاءِ على مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَلَا يُغَيِّرُهُ من بَابِ الْإِنْشَاءِ إلَى الْخَبَرِ كما قالوا بَلْ هو كَتَقْدِيرِ الْمُتَعَلِّقِ في قَوْلِك زَيْدٌ عِنْدَك الذي هو مُسْتَقِرٌّ إذَا قَدَّرْت فَقُلْت زَيْدٌ مُسْتَقِرٌّ عِنْدَك في أَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَلَا يُغَيِّرُهُ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ تَصَيَّدْتهَا من كَلَامِ الْأُسْتَاذِ النَّحْوِيِّ أبي عَلِيٍّ الشَّلَوْبِينِيُّ رضي اللَّهُ عنه

خاتمة
في أمرين يتعين الاهتمام بهما مَبْحَثٌ الِاسْمُ عَيْنُ الْمُسَمَّى أو غَيْرِهِ أَحَدُهُمَا الْكَلَامُ في أَنَّ الِاسْمَ هل هو الْمُسَمَّى أو غَيْرُهُ وقد كَثُرَ خَبْطُ الناس فيها وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْخِلَافَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَأَنَّهُ لو كان الِاسْمُ هو الْمُسَمَّى لَاحْتَرَقَ من نَطَقَ بِاسْمِ النَّارِ وَلَوْ كان غَيْرَهُ لَلَزِمَ كَذَا وَكَذَا وَكُلُّ ذلك نَاشِئٌ عن عَدَمِ فَهْمِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقُولُ إذَا سَمَّيْت شيئا بِاسْمٍ فَالنَّظَرُ في ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ذلك الِاسْمُ وهو اللَّفْظُ وَمَعْنَاهُ قبل التَّسْمِيَةِ وَمَعْنَاهُ بَعْدَهَا وهو الذَّاتُ التي أُطْلِقَ عليها اللَّفْظُ وَالذَّاتُ وَاللَّفْظُ مُتَغَايِرَانِ قَطْعًا وَالنُّحَاةُ إنَّمَا يُطْلِقُونَ الِاسْمَ على اللَّفْظِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ في الْأَلْفَاظِ وهو غَيْرُ الْمُسَمَّى قَطْعًا عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَالذَّاتُ هو الْمُسَمَّى عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَلَيْسَ هو الِاسْمُ قَطْعًا وَالْخِلَافُ في الْأَمْرِ الثَّالِثِ وهو مَعْنَى اللَّفْظِ قبل التَّلْقِيبِ فَعَلَى قَوَاعِدِ الْمُتَكَلِّمِينَ يُطْلِقُونَ الِاسْمَ عليه وَيَخْتَلِفُونَ في أَنَّهُ الثَّالِثُ أو لَا فَالْخِلَافُ عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ في الِاسْمِ الْمَعْنَوِيِّ هل هو الْمُسَمَّى أَمْ لَا لَا في الِاسْمِ اللَّفْظِيِّ وَأَمَّا النُّحَاةُ فَلَا يُطْلِقُونَ الِاسْمَ على غَيْرِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَبْحَثُونَ في الْأَلْفَاظِ وَالْمُتَكَلِّمُ لَا يُنَازِعُ في ذلك وَلَا يَمْنَعُ هذا الْإِطْلَاقَ لِأَنَّهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَدْلُولِ على الدَّالِّ وَيُرِيدُ شيئا دَعَاهُ عِلْمُ الْكَلَامِ إلَى تَحْقِيقِهِ في مَسْأَلَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَإِطْلَاقُهُمَا على الْبَارِي تَعَالَى مِثَالُهُ إذَا قُلْت عبد اللَّهِ أَنْفُ النَّاقَةِ فَالنُّحَاةُ يُرِيدُونَ بِاللَّقَبِ لَفْظَ أَنْفِ النَّاقَةِ وَالْمُتَكَلِّمُونَ يُرِيدُونَ مَعْنَاهُ وهو ما يُفْهَمُ منه من مَدْحٍ أو ذَمٍّ وَقَوْلُ النُّحَاةِ إنَّ اللَّقَبَ وَيَعْنُونَ بِهِ اللَّفْظَ يُشْعِرُ بِضِعَةٍ أو رِفْعَةٍ لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْعِرٌ لِدَلَالَتِهِ على الْمَعْنَى وَالْمَعْنَى في الْحَقِيقَةِ هو الْمُقْتَضِي لِلضِّعَةِ أو الرِّفْعَةِ وَذَاتُ عبد اللَّهِ يَعْنِي اللَّقَبَ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ فَهَذَا تَنْقِيحُ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ خَاصٌّ بِأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ الْمُشْتَقَّةِ لَا في كل اسْمٍ وَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هو الْمَسْأَلَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِأُصُولِ الدِّينِ في الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وقال بَعْضُ الْأَئِمَّةِ التَّحْقِيقُ أَنَّ الِاسْمَ هو الْمُسَمَّى من حَيْثُ الْمَدْلُولُ وهو

غَيْرُ الْمُسَمَّى من حَيْثُ الدَّلَالَةُ فإن الدَّلَالَةَ تَتَغَيَّرُ وَتَتَبَدَّلُ وَتَتَعَدَّدُ وَالْمَدْلُولُ يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَبَدَّلُ وقال الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ بن النَّحَّاسِ قال شَيْخُنَا ابن عَمْرُونٍ هذا الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ ثُمَّ قال وَلَا حَاجَةَ لي إلَى الْخَوْضِ في ذلك بَلْ أَقُولُ بَدَلُ الِاسْمِ الْعِبَارَةُ وَبَدَلُ الْمُسَمَّى الْمُعَبَّرُ عنه وَهَذَا لَا نِزَاعَ فيه وقال الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هذا الْخِلَافَ الصَّحِيحُ أَنْ يُحْمَلَ على اخْتِلَافِ حَالَاتٍ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا ضَرَبْت زَيْدًا أو أَكْرَمْت زَيْدًا لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِزَيْدٍ ليس هذه الْحُرُوفَ بَلْ الْمُسَمَّى وإذا قُلْنَا كَتَبْت زَيْدًا أو مَحَوْت زَيْدًا ليس الْمُرَادُ بِهِ إلَّا هذه الْحُرُوفَ لَا الْمُسَمَّى فَعَرَفْنَا أَنَّ الْخِلَافَ يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ عِبَارَاتٍ الثَّانِي أَنَّ إثْبَاتَ الْفِعْلِ هل يَسْتَدْعِي إثْبَاتَ مُطَاوِعِهِ أَمْ لَا مِثَالُهُ إذَا قُلْت أَخْرَجْته فَهَلْ يَسْتَدْعِي ذلك حُصُولَ الْخُرُوجِ أو لَا يَسْتَدْعِيهِ حتى يَصِحَّ أَنْ تَقُولَ أَخْرَجْته فما خَرَجَ وَعَلَّمْته فما تَعَلَّمَ وَبِهَذَا صَرَّحَ في الْمَحْصُولِ في الْكَلَامِ على أَنَّ اللُّغَةَ تَوْقِيفِيَّةٌ وَيُنْسَبُ إلَى النِّهَايَةِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ حِكَايَةٌ فيه وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَوَارِدَ مُخْتَلِفَةٌ وَالِاسْتِعْمَالَانِ وَاقِعَانِ في الْعُرْفِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَوَارِدِ وَنُقِلَ عن الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْبَاجِيِّ أَنَّهُ كان يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَسْتَدْعِي مُطَاوِعَهُ وَيَقُولُ لو لم يَصِحَّ عَلَّمْته فما تَعَلَّمَ لَمَا صَحَّ عَلَّمْته فَتَعَلَّمَ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ التَّعْلِيمَ لو كان عِلَّةً لِحُصُولِ الْعِلْمِ لَمَا عُطِفَ عليه بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مع مَعْلُولِهَا لَا تَعْقِيبَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمَعْلُولَ يَتَأَخَّرُ لم يَكُنْ فَائِدَةٌ في قَوْلِنَا فَتَعَلَّمَ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ فُهِمَ من قَوْلِنَا عَلَّمْته وَهَذَا كَلَامٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ غَيْرُ سَابِقَةٍ لِلْمَعْلُولِ زَمَنًا فَهِيَ سَابِقَةٌ بِالذَّاتِ إجْمَاعًا وَذَلِكَ كَافٍ في تَعْقِيبِ مَعْلُولِهَا فَإِنْ قُلْت أَلَيْسَ يُقَالُ كَسَرْته فما انْكَسَرَ فما وَجْهُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مع ذلك عَلَّمْته فما تَعَلَّمَ قُلْت فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ الْعِلْمَ في الْقَلْبِ من اللَّهِ تَعَالَى يَتَوَقَّفُ على أُمُورٍ من الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فَكَانَ عَلَّمْته مَوْضُوعًا لِلْجُزْءِ الذي من الْعِلْمِ فَقَطْ لِعَدَمِ إمْكَانِ فِعْلٍ من الْمَخْلُوقِ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ بِخِلَافِ الْكَسْرِ فإنه أَثَرٌ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِانْكِسَارِ وَرَجَّحَ بَعْضُ أَذْكِيَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْفِعْلَ يَسْتَدْعِي حُصُولَ مُطَاوِعِهِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى من يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي فَأَخْبَرَ عن كل من هَدَاهُ

بِأَنَّهُ اهْتَدَى وَاهْتَدَى مُطَاوِعُ هَدَى وَأَنَّهُ حَيْثُ وَجَدْنَاهُ في الِاسْتِعْمَالِ بِغَيْرِ ذلك فَهُوَ مَجَازٌ لَكِنْ يَشْهَدُ لِوُجُودِ الْفِعْلِ دُونَ مُطَاوِعِهِ قَوْله تَعَالَى وما نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلَّا تَخْوِيفًا وَقَوْلُهُ وَنُخَوِّفُهُمْ فما يَزِيدُهُمْ إلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا فإن كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ حُصُولَ التَّخْوِيفِ ولم يَحْصُلْ لِلْكُفَّارِ خَوْفٌ أَعْنِي الْخَوْفَ النَّافِعَ الذي يَصْرِفُهُمْ إلَى الْإِيمَانِ فإنه هو الْمُطَاوِعُ لِلتَّخْوِيفِ الْمُرَادِ في الْآيَةِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَلَيْسَ من ذلك لِأَنَّ الْهُدَى هُنَا بِمَعْنَى الدَّعْوَةِ لَا بِمَعْنَى الرَّشَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى على الْهُدَى

مَبَاحِثُ الِاشْتِقَاقِ هو افْتِعَالٌ من الشَّقِّ بِمَعْنَى الِاقْتِطَاعِ من انْشَقَّتْ الْعَصَا إذَا تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهَا فإن مَعْنَى الْمَادَّةِ الْوَاحِدَةِ تَتَوَزَّعُ على أَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ مُتَقَطِّعَةٍ منها أو من شَقَقْت الثَّوْبَ وَالْخَشَبَةَ فَيَكُونُ كُلُّ جُزْءٍ منها مُنَاسِبًا لِصَاحِبِهِ في الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وهو يَقَعُ بِاعْتِبَارِ حَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَرَى لَفْظَيْنِ اشْتَرَكَا في الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمَعْنَى وَتُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهُمَا أَصْلٌ أو فَرْعٌ وَالثَّانِيَةُ أَنْ تَرَى لَفْظًا قَضَتْ الْقَوَاعِدُ بِأَنَّ مثله أَصْلٌ وَتُرِيدُ أَنْ تَبْنِيَ منه لَفْظًا آخَرَ وَالْأُولَى تَقَعُ بِاعْتِبَارٍ عَامٍّ غَالِبًا وَالثَّانِيَةُ بِاعْتِبَارٍ خَاصٍّ إمَّا بِحَسَبِ الْإِحَالَةِ على الْأُولَى أو بِحَسَبِ ما يَخُصُّهَا فَمِنْ الْأُولَى الْكَلَامُ في الْمَصْدَرِ وَالْفِعْلُ أَيُّهُمَا أَصْلٌ وَالْآخَرُ فَرْعٌ وَمِنْ الثَّانِيَةِ الْكَلَامُ في كَيْفِيَّةِ بِنَاءِ اسْمِ فَاعِلٍ من له الطَّلَاقُ مَثَلًا وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمُشْتَقَّةَ تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ بِذَاتِ الشَّيْءِ وَصِفَتِهِ وَأَنْشَدَ ابن السَّمْنَانِيِّ في ذلك لِلْحَسَنِ بن هَانِئٍ وَإِنْ اسْمُ حُسْنَى لِوَجْهِهَا صِفَةٌ وَلَا أَرَى ذَا لِغَيْرِهَا اجْتَمَعَا فَهِيَ إذَا سُمِّيَتْ فَقَدْ وُصِفَتْ فَيَجْمَعُ اللَّفْظُ مَعْنَيَيْنِ مَعَا وقال الْأَئِمَّةُ الِاشْتِقَاقُ من أَشْرَفِ عُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَدَقِّهَا وَعَلَيْهِ مَدَارُ عِلْمِ التَّصْرِيفِ في مَعْرِفَةِ الْأَصْلِيِّ وَالزَّائِدِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ لِبِنْيَةٍ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا في الِاشْتِقَاقِ وَتَوَقَّفَ عليه في النَّحْوِ وَالْكَلَامُ فيه في مَوَاطِنَ الْأَوَّلُ في ثُبُوتِهِ وَحَكَى ابن الْخَشَّابِ فيه ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا جَوَازُهُ مُطْلَقًا فَيَشْتَقُّ ما يُمْكِنُ اشْتِقَاقُهُ وما يَبْعُدُ أو يَسْتَحِيلُ قَالَهُ ابن دُرُسْتَوَيْهِ قُلْت وَكَذَلِكَ أبو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ صَنَّفَ كِتَابًا وَذَكَرَ فيه اشْتِقَاقَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَالثَّانِي مَنَعَهُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ في الْكَلَامِ مُشْتَقٌّ من آخَرَ بَلْ الْجَمِيعُ مَوْضُوعٌ بِلَفْظٍ جَدِيدٍ وهو مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بن إبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفِ بِنَفْطَوَيْهِ

قال وكان ظَاهِرِيًّا في ذَا وفي مَذْهَبِهِ وكان من أَجِلَّةِ أَصْحَابِ دَاوُد وَوَافَقَهُ أبو بَكْرِ بن مِقْسَمٍ الْمُقْرِي وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ طَرَفَانِ وَالثَّالِثُ وهو الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ الْحُذَّاقُ من أَهْلِ عِلْمِ اللِّسَانِ كَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقُطْرُبٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ في الْكَلَامِ مُشْتَقًّا وَغَيْرَ مُشْتَقٍّ وهو الْمُرْتَجِلُ قال ابن السَّرَّاجِ لو جَمَدَتْ الْمَصَادِرُ وَارْتَفَعَ الِاشْتِقَاقُ من كل كَلَامٍ لم تُوجَدْ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ وَلَا فِعْلٌ لِفَاعِلٍ وَلَوْلَا الِاشْتِقَاقُ لَاحْتِيجَ في مَوْضِعِ الْجُزْءِ من الْكَلِمَةِ إلَى كَلَامٍ كَثِيرٍ أَلَا تَرَى كَيْفَ تَدُلُّ التَّاءُ في تَضْرِبُ على مَعْنَى الْمُخَاطَبَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالْيَاءُ في يَضْرِبُ على مَعْنَى الْغَيْبَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَكَذَا بَاقِي حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ وَلَوْ جُعِلَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ يَتَبَيَّنُ بِهِ من غَيْرِ أَصْلٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ لَانْتَشَرَ الْكَلَامُ وَبَعُدَ الْإِفْهَامُ وَنَقَصَتْ الْقُوَّةُ الثَّانِي في حَدِّهِ قال الرُّمَّانِيُّ هو اقْتِطَاعُ فَرْعٍ من أَصْلٍ يَدُورُ في تَصَارِيفِ الْأَصْلِ قال ابن الْخَشَّابِ وَهَذَا الْحَدُّ صَحِيحٌ وهو عَامٌّ لِكُلِّ اشْتِقَاقٍ صِنَاعِيٍّ وَغَيْرِ صِنَاعِيٍّ وقال الرُّمَّانِيُّ في مَوْضِعٍ آخَرَ هو الْإِنْشَاءُ عن الْأَصْلِ فَرْعًا يَدُلُّ عليه وهو أَيْضًا ما يَكُونُ منه النَّحْتُ وَالتَّغْيِيرُ لِإِخْرَاجِ الْأَصْلِ بِالتَّأَمُّلِ كَأَنَّك تَشُقُّ الشَّيْءَ لِيَخْرُجَ منه الْأَصْلُ وَكَأَنَّ الْأَصْلَ مَدْفُونٌ فيه فَأَنْتَ تَشُقُّهُ لِتُخْرِجَهُ منه قال ابن الْخَشَّابِ وَظَاهِرُهُ أَنَّك اسْتَخْرَجْت الْأَصْلَ من الْفَرْعِ وَإِنَّمَا الْحَقُّ أَنَّهُ رَدُّ الْفَرْعِ إلَى أَصْلِهِ بِمَعْنَى جَمْعِهِمَا وهو خَاصٌّ في أَصْلِ الْوَضْعِ بِالْأَصْلِ وقال الْمَيْدَانِيُّ أَنْ تَجِدَ بين اللَّفْظَيْنِ تَنَاسُبًا في الْمَعْنَى وَالتَّرْكِيبِ فَتَرُدَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وقال صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنْ يَنْتَظِمَ من الصِّفَتَيْنِ فَصَاعِدًا مَعْنًى وَاحِدٌ وهو غَيْرُ مَانِعٍ فإن الضَّارِبَ وَالْمَضْرُوبَ قد انْتَظَمَا في مَعْنًى وَاحِدٍ وهو الضَّرْبُ مع أَنَّهُ لَا اشْتِقَاقَ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ يَنْتَظِمُ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا في مَعْنًى وَاحِدٍ وهو مَعْنَى الْمَصْدَرِ مع أَنَّ بَعْضَهَا ليس مُشْتَقًّا من بَعْضٍ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَكُونُ من ذلك الْمَعْنَى الذي يَنْتَظِمُهَا وهو الضَّرْبُ مَثَلًا

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ يُحَدُّ تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَتَارَةً بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فَفِي الْأَوَّلِ إذَا أَرَدْت تَقْرِيرَ أَنَّ الْكَلِمَةَ مِمَّ اشْتَقْت فَإِنَّك تَرُدُّهَا إلَى آخَرَ لِتَعْرِفَ أنها مُشْتَقَّةٌ وَالثَّانِي إذَا أَرَدْت أَنْ تَشْتَقَّ الْكَلِمَةَ من شَيْءٍ فَإِنَّك تَأْخُذُهَا منه فَقَدْ جَعَلْتهَا مُشْتَقَّةً منه فَالتَّفَاوُتُ إنَّمَا يَحْصُلُ من الرَّدِّ وَالْأَخْذِ فَهَذَا قبل الِاشْتِقَاقِ وَالْأَوَّلُ بَعْدَهُ وَالْمُخْتَارُ على الْأَوَّلِ أَنَّهُ رَدُّ لَفْظٍ إلَى آخَرَ أَبْسَطُ مَعْنًى منه حَقِيقَةً أو مَجَازًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا في الْمَعْنَى وَالْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ كَضَارِبٍ وَضَرَبَ من ضَرْبٍ فَحَكَمْنَا بِاشْتِقَاقِ ضَرَبَ وَضَارِبٍ لِأَنَّ ضَرْبًا أَبْسَطُ منه وَالْبَسِيطُ قبل الْمُرَكَّبِ فَشَمِلَ اللَّفْظُ الْأَسْمَاءَ وَالْأَفْعَالَ على الْمَذْهَبَيْنِ وَالْحُرُوفِ قال ابْنِ جِنِّي الِاشْتِقَاقُ كما يَقَعُ في الْأَسْمَاءِ يَقَعُ في الْحُرُوفِ فإن نعم حَرْفُ جَوَابٍ وَأَرَى أَنَّ نعم وَالنِّعَمَ وَالنَّعْمَاءَ وَالنَّعِيمَ مُشْتَقَّةٌ منه وَكَذَلِكَ أَنْعَمَ صَبَاحًا لِأَنَّ الْجَوَابَ بِهِ مَحْبُوبٌ لِلْقُلُوبِ وَكَذَلِكَ سَوَّفْت من سَوْفَ الذي هو حَرْفُ تَنْفِيسٍ وَلَوْلَيْت إذَا قُلْت له لَوْلَا وَلَيْلَيْت إذَا قُلْت له لَا لَا ثُمَّ قد يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُشْتَقُّ حَقِيقَةً كَضَارِبٍ من الضَّرْبِ وقد يَكُونُ مَجَازًا على جِهَةِ الِاتِّسَاعِ نحو ضَرَبَ في الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا بِسَهْمٍ أَيْ أَخَذَ وَضَارِبٍ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ وَمَالِ فُلَانٍ ضَرَبْت أَيْ نِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا اقْتَسَمُوا غَنِيمَةً أو غَيْرَهَا ضَرَبُوا عليها بِسِهَامِ الْقُرْعَةِ وَهِيَ الْأَقْلَامُ ثُمَّ اضْطَرَدَ ذلك في كل من أَخَذَ نَصِيبًا من شَيْءٍ قد ضَرَبَ فيه بِسَهْمٍ وَالْمُضَارَبَةُ بِالْمَالِ مُشْتَقَّةٌ من الضَّرْبِ في الْأَرْضِ وهو السَّفَرُ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يُسَافِرُ عَالِمًا لِيَطْلُبَ الرِّبْحَ ثُمَّ اطَّرَدَ ذلك في كل مُسَافِرٍ وَإِنْ لم يُضَارِبْ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ ما لَا يُنَاسِبُهُ أَصْلًا وَبِالْحُرُوفِ عَمَّا لَا يُوَافِقُهُ في الْحُرُوفِ بَلْ في الْمَعْنَى كَمَنْعٍ وَحَبْسٍ فَلَا يُقَالُ إنَّ أَحَدَهُمَا مُشْتَقٌّ من الْآخَرِ وَبِالْأَصْلِيَّةِ التَّنَاسُبُ في الزِّيَادَةِ كَدَخَلَ فإنه مُشْتَقٌّ من الدُّخُولِ مع أَنَّهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ مَصْدَرَهُ في الْوَاوِ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ وَالْمُنَاسَبَةُ في الْمَعْنَى ما يُوَافِقُ في اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى كَضَرَبَ بِمَعْنَى سَافَرَ لَا يَكُونُ مُشْتَقًّا من الضَّرْبِ بِمَعْنَى الْقَتْلِ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ التَّرْتِيبَ في الْحُرُوفِ أَيْ أَنْ تَبْقَى حُرُوفُ الْأَصْلِ في الْفَرْعِ على تَرْتِيبِهَا في الْأَصْلِ وَتَرْجِعَ تَفَارِيعُ الْمَادَّةِ الْوَاحِدَةِ منه إلَى مَعْنًى مُشْتَرَكٍ في الْجُمْلَةِ كَضَرَبَ من الضَّرْبِ وَكَمَا دَلَّ قَوْلُنَا إلَى آخَرَ على تَغَايُرِ اللَّفْظَيْنِ كَذَلِكَ قَوْلُنَا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا في الْمَعْنَى يَدُلُّ على تَغَايُرِ الْمَعْنَيَيْنِ إذْ الشَّيْءُ لَا يُنَاسِبُ نَفْسَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُرَدُّ الْمَعْدُولُ لِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بين الْمَعْدُولِ وَالْمَعْدُولِ عنه في الْمَعْنَى

الثَّالِثُ في فَائِدَتِهِ وَسَبَقَ صَدْرَ الْبَحْثِ وقال ابن الْحُوبِيِّ فَائِدَتُهُ تَسْهِيلُ السَّبِيلِ على الْوَاضِعِ وَالْمُتَعَلِّمِ جميعا فإن الْمَعْنَى الْوَاحِدَ في الْحَقِيقَةِ يَخْتَلِفُ بِالْعَوَارِضِ فَإِنْ وُضِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ اسْمٌ على حِدَةٍ من حُرُوفٍ مُتَبَايِنَةٍ احْتَاجَ الْوَاضِعُ إلَى صِيَغٍ كَثِيرَةٍ وَالْمُتَعَلِّمُ إلَى حِفْظِ أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ فإذا قال الْوَاضِعُ ما على وَزْنِ الْفَاعِلِ من كل فِعْلٍ هو لِفَاعِلِ ذلك الْفِعْلِ لم يَحْتَجْ إلَى وَضْعِ الضَّارِبِ وَالْقَاتِلِ وَالشَّاتِمِ وَالْمُتَعَلِّمُ إذَا عَلِمَ ضَرَبَ عَلِمَ الضَّارِبَ والمضروب وَالتَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ وَالتَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ وَالْغَيْبَةَ وَالْحُضُورَ وَهَذَا هو عُمْدَةُ الْعَرَبِيَّةِ الرَّابِعُ في تَقْسِيمِهِ وهو أَصْغَرُ وَأَكْبَرُ وَأَوْسَطُ فَالْأَصْغَرُ ما كانت الْحُرُوفُ الْأَصْلِيَّةُ فيه مُسْتَوِيَةً في التَّرْكِيبِ نحو ضَرَبَ يَضْرِبُ فَهُوَ ضَارِبٌ وَمَضْرُوبٌ وَالْأَكْبَرُ ما كانت الْحُرُوفُ فيه غير مُرَتَّبَةٍ كَالتَّرَاكِيبِ السِّتَّةِ في كُلٍّ من جِهَةِ دَلَالَتِهَا على الْقُوَّةِ فَتُرَدُّ مَادَّةُ اللَّفْظَيْنِ فَصَاعِدًا إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَنَحْوُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ ابن جِنِّي من عَقْدِ التَّغَالِيبِ السِّتَّةِ في الْقَوْلِ على مَعْنَى السُّرْعَةِ وَالْخِفَّةِ نحو الْقَوْلِ وَالْقَلْوِ وَالْوَلْقِ وَالْوَقْلِ وَاللَّوْقِ وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ على الشِّدَّةِ كَالْمُلْكِ وَالْكَمَلِ وَاللَّكْمِ قال الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ ولم يَقُلْ بهذا الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ أَحَدٌ من النَّحْوِيِّينَ إلَّا أَبَا الْفَتْحِ وَحُكِيَ عن أبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ كان يَتَأَنَّسُ بِهِ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قال أبو حَيَّانَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هذا الِاشْتِقَاقَ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عليه لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ قُلْت قد ذَهَبَ إلَيْهِ أبو الْحَسَنِ بن فَارِسٍ وَبَنَى عليه كِتَابَهُ الْمَقَايِيسَ في اللُّغَةِ فَيَرُدُّ تَرَاكِيبَ الْمَادَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وقد يَكُونُ ظَاهِرًا في بَعْضِهَا خَفِيًّا في الْبَعْضِ فَيَحْتَاجُ في رَدِّهِ إلَى ذلك الْمَعْنَى إلَى تَلَطُّفٍ وَاتِّسَاعٍ في اللُّغَةِ وَمَعْرِفَةِ الْمُنَاسَبَاتِ مِثَالُهُ من مَادَّةِ ص ر ب تَصْبِرُ وَتَرَبَّصَ وَتَبَصَّرَ وَالتَّرَاكِيبُ الثَّلَاثَةُ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى التَّأَنِّي نحو تَصَبَّرَ على فُلَانٍ إنَّهُ مُعْسِرٌ ثُمَّ طَالَبَهُ وقول الشَّاعِرِ تَرَبَّصْ بها رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا تَطْلُقُ يَوْمًا أو يَمُوتُ حَلِيلُهَا وَمِنْ مَادَّةِ ع ب ر عَبَّرَ وَرَبَّعَ وَبَعَرَ وَبَرَعَ وَرَعَبَ وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِانْتِقَالِ وَالْمُجَاوَزَةِ وَمِنْ ذلك ح س د حَسَدَ دَحَسَ وَحَدَسَ تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى

التَّضْيِيقِ وَالْحَدْسُ جَوْدَةُ الْفِرَاسَةِ وَإِصَابَتُهَا لِأَنَّ الْحَادِسَ يُضَيِّقُ مَجَالَ الْحُكْمِ حتى يَتَعَيَّنَ له مَحْكُومٌ وَاحِدٌ وَأَمَّا الْأَوْسَطُ فَهُوَ أَنْ تَتَّفِقَ أَكْثَرُ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ كَفَلَقَ وَفَلَحَ وَفَلَدَ يَدُلُّ على الشَّقِّ وَوَقَعَ هذا في كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ في مَوَاضِعَ الْخَامِسُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْمُشْتَقُّ وَالْمُشْتَقُّ منه وَالْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُمَا في الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَالرَّابِعُ التَّغْيِيرُ اللَّاحِقُ فَلَا بُدَّ من التَّغْيِيرِ اللَّفْظِيِّ وَيَحْصُلُ التَّغْيِيرُ الْمَعْنَوِيُّ بِطَرِيقِ التَّبَعِ السَّادِسُ في أَقْسَامِهِ ولم يذكر الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ من أَقْسَامِ التَّغْيِيرِ غير تِسْعَةٍ وَذَكَرَ لها مِثَالَيْنِ أو ثَلَاثَةً وَأَعْرَضَ عن الْبَاقِي ظَنًّا منه سُهُولَةَ اسْتِخْرَاجِهَا وَذَكَرَ ابن الْخَبَّازِ الْمَوْصِلِيُّ أنها كَلِمَةٌ مُشْكِلَةُ التَّحْصِيلِ وَأَنَّهُ ما كان يَتَأَتَّى له اسْتِخْرَاجُهَا إلَّا بَعْدَ إطَالَةِ الْفِكْرِ وَإِدَامَةِ الذِّكْرِ وَأَنَّهُ مَرَّ عليه زَمَانٌ وهو آيِسٌ من تَحْصِيلِهَا وَأَنَّهُ بَحَثَ فيها مع شَيْخِهِ فَخْرِ الدِّينِ عُمَرَ النَّحْوِيِّ الْمُوصِلِيِّ فلم يَزِدْهُ على صُورَةٍ أو صُورَتَيْنِ قال ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِفَتْحِ رِتَاجِ الْإِشْكَالِ فذكر أَمْثِلَةَ التِّسْعَةِ وَذَكَرَهَا رَضِيُّ الدِّينِ بن جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَالْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ الْبَيْضَاوِيُّ وزاد عليها سِتَّةَ أَقْسَامٍ فَبَلَغَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ وقال ابن جَعْفَرٍ لَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ عليها وَرَأَيْت لِلشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بن مَالِكٍ زِيَادَةً عليها تِسْعَةً أُخْرَى فَبَلَغَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وقال وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ عن أَمْثِلَةِ تَغْيِيرِ الْمُشْتَقِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَقِّ منه لِيَدْخُلَ في الْفِعْلِ فإنه أَصْلٌ في الِاشْتِقَاقِ إذْ لَا فِعْلَ إلَّا وهو مُشْتَقٌّ من مَصْدَرٍ مُسْتَعْمَلٍ أو مُقَدَّرٍ وَالِاسْمُ تَبَعٌ له وَلِذَلِكَ كَثُرَ منه الْجُمُودُ وَبَعْدَ ذلك فَالِاعْتِبَارُ الصَّحِيحُ يَقْتَضِي كَوْنَ الْمُشْتَقِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُبَايَنَةِ الْمُشْتَقِّ منه عِشْرِينَ قِسْمًا أو أَكْثَرَ من ذلك أَوَّلُهَا زِيَادَةُ الْحَرْفِ فَقَطْ نحو كَاذِبٍ من الْكَذِبِ وَضَاحِكٍ من الضَّحِكِ وَكَرِيمٍ من الْكَرَمِ وَجَزُوعٍ من الْجَزَعِ زِيدَتْ فيها الْحُرُوفُ الْأَلِفُ وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ وَمَثَّلَهُ ابن السَّرَّاجِ الْأُرْمَوِيُّ بِطَالِبٍ وقال زِيدَتْ فيه الْأَلِفُ ثُمَّ أَوْرَدَ عليه سُؤَالًا وهو فَإِنْ قُلْت فِيمَا ذَكَرْتُمْ زِيَادَةُ حَرَكَةٍ مع نُقْصَانِهَا فَإِنَّكُمْ نَقَصْتُمْ فَتْحَةَ اللَّامِ التي هِيَ

عَيْنُ الْفِعْلِ وَزِدْتُمْ كَسْرَتَهَا وَأَجَابَ عنه فقال الْمَعْنَى بِزِيَادَةِ الْحَرَكَةِ تَحْرِيكُ السَّاكِنِ وَبِنُقْصَانِهَا تَسْكِينُ الْمُتَحَرِّكِ وَإِبْدَالُ حَرَكَةٍ بِحَرَكَةٍ ليس من الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الْمَذْكُورَيْنِ في شَيْءٍ وَلَوْ جَعَلْنَا إبْدَالَ حَرَكَةٍ بِحَرَكَةٍ زِيَادَةَ حَرَكَةٍ وَنُقْصَانٍ أُخْرَى لَكَانَ كَاذِبًا من الْكَذِبِ مِثَالًا له قال الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بن الشَّرِيشِيِّ وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ جَعَلْنَا إبْدَالَ حَرَكَةٍ إلَخْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فإنه إبْدَالُ حَرَكَةٍ بِحَرَكَةٍ لَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ وَإِنْ كان قد يُنْزَعُ بِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ما قَالَهُ أَوَّلًا من تَحْرِيكِ السَّاكِنِ وَتَسْكِينِ الْمُتَحَرِّكِ وهو الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْعَرَبِيَّةِ على ما هو مَذْكُورٌ في التَّصْرِيفِ ثَانِيهَا زِيَادَةُ الْحَرَكَةِ فَقَطْ نحو عَلِمَ من الْعِلْمِ وَضَرَبَ من الضَّرْبِ وَظَرُفَ من الظَّرْفِ زِيدَتْ حَرَكَةُ اللَّامِ وَالرَّاءِ فَإِنَّهَا سَوَاكِنُ في الْمَصْدَرِ وَمَثَّلَهُ ابن جَعْفَرٍ بِقَوْلِهِ طَلَبَ من الطَّلَبِ وقال زِيدَ في الْفِعْلِ حَرَكَةُ الْبِنَاءِ التي في آخِرِهِ وَفِيهِ نِزَاعٌ سَيَأْتِي بَيَانُهُ ثَالِثُهَا زِيَادَتُهُمَا مَعًا كَضَارِبٍ وَعَالِمٍ وَفَاضِلٍ زِيدَتْ الْأَلِفُ وَحَرَكَةُ عَيْنِ الْكَلِمَةِ وَمَثَّلَهُ ابن جَعْفَرٍ بِ طَالَبَ الْفِعْلِ الْمَاضِي قال وهو مُشْتَقٌّ من الطَّلَبِ زِيدَتْ فيه الْأَلِفُ وَفَتْحَةُ الْبِنَاءِ وهو فَاسِدٌ لِأَنَّ طَالَبَ إنَّمَا هو مُشْتَقٌّ من الْمُطَالَبَةِ كَذَا

قال ابن الشَّرِيشِيِّ قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ إنَّمَا أَرَادَ طَالِبَ اسْمَ فَاعِلٍ وَبِذَلِكَ مَثَّلَهُ ابن مَالِكٍ رَابِعُهَا نُقْصَانُ الْحَرْفِ كَخَرَجَ من الْخُرُوجِ وَصَهَلَ من الصَّهِيلِ وَذَهَبَ من الذَّهَابِ نَقَصَ منه الْوَاوُ وَالتَّاءُ وَالْأَلِفُ وَمَثَّلَهُ السَّرَّاجُ الْأُرْمَوِيُّ بِشَرِسَ من الشَّرَاسَةِ وقال نَقَصَتْ منه الْأَلِفُ وَالتَّاءُ وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وابن جَعْفَرٍ بِخَفْ فِعْلُ أَمْرٍ من الْخَوْفِ نَقَصَتْ الْوَاوُ وَاعْتَرَضَ عليه بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْفَاءَ صَارَتْ في هذا سَاكِنَةً بَعْدَ أَنْ كانت مُتَحَرِّكَةً فَاجْتَمَعَ في هذا الْمِثَالِ نُقْصَانُ الْحَرْفِ وَالْحَرَكَةُ مَعًا وقال ابن الشَّرِيشِيِّ هذا الْمِثَالُ غَيْرُ جَيِّدٍ لِأَنَّ عَيْنَ الْكَلِمَةِ وَهِيَ الْوَاوُ لم تُحْذَفْ لِأَجْلِ الِاشْتِقَاقِ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ لِأَجْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ أَلَا تَرَى أنها تَعُودُ عِنْدَ تَحْرِيكِ الْآخَرِ فِيمَا إذَا اتَّصَلَ ضَمِيرُ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْمُؤَنَّثِ في قَوْلِهَا خَافَا وَخَافُوا وَخَافِي وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِيمَا حُذِفَ لِأَجْلِ الِاشْتِقَاقِ حتى يَقَعَ بِهِ الْمُغَايَرَةُ بين الْمُشْتَقِّ وَالْمُشْتَقِّ منه وَأَمَّا الْحَذْفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فَلِعِلَّةٍ أُخْرَى بَعْدَ حُصُولِ صُورَةِ الْمُشْتَقِّ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَنَا خَافَا قد عَادَ فيه الْمَحْذُوفُ مع بَقَاءِ الْكَلِمَةِ مُشْتَقَّةً مُعَبِّرَةً عن أَصْلِهَا وَحَقُّ الْأَلِفِ أَنْ تَكُونَ وَاوًا مُتَحَرِّكَةً لِتَقَعَ الْمُغَايَرَةُ بين الْفِعْلِ وَالْمَصْدَرِ بِحَرَكَةِ هذه الْوَاوِ فَإِنَّهَا في الْمَصْدَرِ سَاكِنَةٌ وَحَقُّهَا أَنْ تَكُونَ في الْفِعْلِ مُتَحَرِّكَةٌ وَلَكِنْ طَرَأَ عليها الِاعْتِلَالُ فَانْقَلَبَتْ أَلِفًا سَاكِنَةً ثُمَّ حُذِفَ بَعْدَ ذلك لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لَا لِلِاشْتِقَاقِ وَكَلَامُنَا إنَّمَا هو فِيمَا حُذِفَ لِلِاشْتِقَاقِ خَامِسُهَا نُقْصَانُ الْحَرَكَةِ كَأَبْيَضَ من الْبَيَاضِ وَأَصْبَحَ من الصَّبَاحِ وَنَحْوَ اُطْلُبْ وَاحْذَرْ وَاضْرِبْ فإنه نَقَصَ منها حَرَكَاتُ أَوَائِلِهَا فَإِنَّهَا مُتَحَرِّكَةٌ في الْمَصْدَرِ سَاكِنَةٌ في الْفِعْلِ فَإِنْ قِيلَ هذه غَيْرُ مُطَابِقَةٍ فإن فيها أَلِفًا زَائِدَةً في أَوَائِلِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ فِيمَا زِيدَ فيه حَرْفٌ وَنَقَصَتْ منه حَرَكَةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَلِفَ التي في أَوَائِلِهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بها في الِاشْتِقَاقِ فإن صُورَةَ الْمُشْتَقِّ حَاصِلَةٌ بِدُونِهَا في قَوْلِك يا زَيْدُ اضْرِبْ وما أَشْبَهَهُ فَالْأَلِفُ سَاقِطَةٌ مع أَنَّ صُورَةَ الْفِعْلِ الْمُشْتَقِّ حَاصِلَةٌ وَإِنَّمَا يُجَاءُ بها في بَعْضِ الْأَحْوَالِ وهو الِابْتِدَاءُ بها لِسُكُونِ أَوَائِلِهَا وَتَعَذُّرِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّاكِنِ وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِ ضَرْبٍ الْمَصْدَرُ من ضَرَبَ الْمَاضِي على مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ في اشْتِقَاقِهِمْ الْمَصْدَرَ من الْفِعْلِ الْمَاضِي وَمَثَّلَهُ ابن مَالِكٍ بِ ثَارَ من الثَّارِّ مَصْدَرُ ثِيرَ الْمَكَانُ إذَا كَثُرَتْ حِجَارَتُهُ وَمَثَّلَهُ ابن جَعْفَرٍ بِحَرِرٍ اسْمُ فَاعِلٍ من حُرِّرَ الْفِعْلُ الْمَاضِي فَقَدْ نَقَصَتْ منه حَرَكَةُ الْبِنَاءِ التي في الْفِعْلِ وهو بِنَاءٌ على أَصْلِهِ من اعْتِبَارِ حَرَكَةِ الْبِنَاءِ في صِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي سَادِسُهَا نُقْصَانُهُمَا نحو سِرْ من السَّيْرِ وبع من الْبَيْعِ نَقَصَتْ الْيَاءُ وَحَرَكَةُ الرَّاءِ من الْأَوَّلِ وَالْيَاءُ وَحَرَكَةُ الْعَيْنِ من الثَّانِي وَمَثَّلَهُ ابن مَالِكٍ بِ حَيِيَ من الْحَيَاةِ وَمَثَّلَهُ الْأُرْمَوِيُّ بِ عَصَى من الْعِصْيَانِ

وقال نَقَصَتْ منه الْأَلِفُ وَالنُّونُ وَالْفَتْحَةُ التي كانت على الْيَاءِ في الْمَصْدَرِ وَمَثَّلَهُ ابن الْخَبَّازِ بِ نَزَا وَغَلَا من النَّزَوَانِ وَالْغَلَيَانِ وَمَثَّلَهُ ابن جَعْفَرٍ بِ عَدَّ من الْعَدِّ فَنَقَصَتْ منه أَلِفٌ وَحَرَكَةُ الدَّالِ وفي هذه الْأَمْثِلَةِ كُلِّهَا نَظَرٌ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَرَكَةِ فيها إنَّمَا هو بِسُكُونِ آخِرِ الْأَفْعَالِ في عَصَى وَنَزَا وَغَلَا وَعَدَّ وَسُكُونُ لَامِ الْكَلِمَةِ وَحَرَكَتُهَا لَا يُعْتَبَرَانِ في صِيغَةِ الْكَلِمَةِ وَبِنْيَتِهَا وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالْحَشْوِ أَلَا تَرَى أَنَّ هذا السُّكُونَ قد يَزُولُ مع بَقَاءِ صُورَةِ الْكَلِمَةِ على حَالِهَا وَلَا يُعَدُّ زَوَالُهُ مُغَيِّرًا لِلْكَلِمَةِ وَذَلِكَ من قَوْلِنَا عَصَيَا وَنَزَوَا وَغَلَيَا وَعَدَّا وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ في التَّغْيِيرِ بِمَا إذَا تَغَيَّرَ من صُورَةِ الْكَلِمَةِ وَبِنْيَتِهَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا تُحَرَّكُ آخِرُ هذه الْأَفْعَالِ لِاتِّصَالِ الضَّمَائِرِ بها وكان الْأَصْلُ سُكُونَهَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا سَابِعًا زِيَادَةُ حَرْفٍ وَنُقْصَانُ حَرْفٍ نحو تَدَحْرَجَ من الدَّحْرَجَةِ نَقَصَ هَاءُ التَّأْنِيثِ وَزَادَتْ التَّاءُ وَهَذَا الْقِسْمُ أَهْمَلَهُ السَّرَّاجُ الْأُرْمَوِيُّ وَمَثَّلَهُ ابن جَعْفَرٍ بِ دَيَّانٍ من الدِّيَانَةِ وقال نَقَصَتْ منه التَّاءُ وَزِيدَتْ فيه الْيَاءُ الْمُدْغَمَةُ السَّاكِنَةُ ثُمَّ قال وَفِيهِ نَظَرٌ وَمَثَّلَهُ ابن مَالِكٍ بِ رَؤُفَ من الرَّأْفَةِ ثَامِنُهَا زِيَادَةُ الْحَرَكَةِ وَنُقْصَانُ حَرَكَةٍ أُخْرَى نحو اضْرِبْ وَاعْلَمْ وَاشْرَبْ نَقَصَ منها حَرَكَاتُ فَاءِ الْكَلِمَاتِ وَزِيدَ فيها حَرَكَاتُ عَيْنِهَا وَأَلِفُ الْوَصْلِ لَا اعْتِبَارَ بها كما تَقَدَّمَ وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِ حَذِرَ من الْحَذَرِ زِيدَتْ فيه كَسْرَةُ الذَّالِ وَنَقَصَتْ فَتْحَتُهُ وَمَثَّلَهُ ابن جَعْفَرٍ ب كَرَمَ من الْكَرَمِ وشرف من الشَّرَفِ وقال نَقَصَتْ حَرَكَةُ الرَّاءِ من الْمَصْدَرِ وَزِيدَتْ فيه ضَمَّةُ الرَّاءِ وفي شَرُفَ كَسْرَتُهَا وَالْحَقُّ أَنَّ هذه الْأَمْثِلَةَ غَيْرُ مُطَابِقَةٍ وَلَيْسَ في هذا نُقْصَانٌ وَلَا زِيَادَةٌ وَإِنَّمَا هو إبْدَالٌ تَاسِعُهَا زِيَادَةُ الْحَرْفِ وَنُقْصَانُ الْحَرَكَةِ نحو تُحَرِّرُ وَتُعَرِّجُ زِيدَ فيه حَرْفُ الْمُضَارَعَةِ وَنَقَصَ منه فَتْحَةُ الْحَاءِ وَالْيَاءِ

وَذَكَرَ الْبَيْضَاوِيُّ وابن جَعْفَرٍ في مِثَالِهِ عَادَ من الْعَدَدِ زِيدَتْ فيه الْأَلِفُ بَعْدَ الْعَيْنِ وَنَقَصَتْ حَرَكَةُ الدَّالِ الْأُولَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الدَّالَ الْمُدْغَمَةَ أَصْلُهَا الْحَرَكَةُ وَإِنَّمَا سَكَنَتْ وَأُدْغِمَتْ لِمَعْنًى آخَرَ غير الِاشْتِقَاقِ وهو تَوَالِي الْمِثْلَيْنِ وَالنَّظَائِرِ وَمَثَّلَهُ السَّرَّاجُ الْأُرْمَوِيُّ بِ أَكْرَمَ من الْكَرَمِ زِيدَ فيه الْأَلِفُ وَنَقَصَتْ حَرَكَةُ الْكَافِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَكْرَمَ مُشْتَقٌّ من الْإِكْرَامِ الذي هو مَصْدَرٌ لِدَلَالَتِهِ عليه وَلَوْ جَعَلَ الْإِكْرَامَ هو الْمُشْتَقُّ أَوَّلًا لَحَصَلَ بِهِ الْغَرَضُ عَاشِرٌ زِيَادَةُ الْحَرَكَةِ وَنُقْصَانُ الْحَرْفِ نحو قَدَرَ وَكَتَبَ وَرَحِمَ من الْقُدْرَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالرَّحْمَةِ وَحُرِمَ من الْحِرْمَانِ وَنَقَصَ من النُّقْصَانِ نَقَصَ من الْأَوَّلِ التَّاءُ وَمِنْ الْأَخِيرَيْنِ الْأَلِفُ وَالنُّونُ وَزِيدَ فيها كُلُّهَا حَرَكَاتُ الْعَيْنَاتِ وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وابن جَعْفَرٍ بِ بَنَيْت من الْبُنْيَانِ وقال نَقَصَتْ الْأَلِفُ وَزِيدَ فيه فَتْحَةُ الْبِنَاءِ في الْفِعْلِ وَسَيَأْتِي أَنَّ حَرَكَةَ الْبِنَاءِ لَا يُعْتَدُّ بها حَادِيَ عَشَرَهَا زِيَادَةُ الْحَرْفِ وَالْحَرَكَةِ مَعًا مع نُقْصَانِ حَرَكَةٍ أُخْرَى نحو يَضْرِبُ زِيدَ في حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَحَرَكَةِ عَيْنِ الْكَلِمَةِ وَنَقَصَ منه حَرَكَةُ فَاءِ الْكَلِمَةِ وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وابن جَعْفَرٍ وقال زِيدَتْ فيه الْهَمْزَةُ الْمَكْسُورَةُ وَنَقَصَتْ حَرَكَةُ الضَّادِ فَجَعَلَ الْهَمْزَةَ وَحَرَكَتَهَا زَائِدَتَيْنِ وقد تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عليه وَبَيَّنَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ في الْحَرَكَةِ بِأَنْ تَكُونَ على ما كان سَاكِنًا في الْأَصْلِ وَأَنَّ الْأَلِفَ الْمُتَحَرِّكَةَ زَائِدَةٌ وَاحِدَةٌ ثَانِيَ عَشَرَهَا زِيَادَةُ الْحَرَكَةِ مع زِيَادَةِ الْحَرْفِ وَنُقْصَانِهِ نحو قَادِرٍ وَعَاصِمٍ وَرَاحِمٍ وَكَاتِبٍ زِيدَ فيها الْأَلِفُ وَحُرِّكَتْ الْعَيْنَاتُ وَنَقَصَ منها التَّاءُ التي هِيَ أَوَاخِرُهَا وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وابن جَعْفَرٍ بِ خَافَ من الْخَوْفِ وقال نَقَصَتْ الْوَاوُ

وَحَرَكَةُ الدَّالِ وَلَا يَخْفَى بِمَا تَقَدَّمَ فَسَادُهُ ثَالِثَ عَشَرَهَا نُقْصَانُ الْحَرْفِ مع زِيَادَةِ الْحَرَكَةِ وَنُقْصَانِهَا نحو اُنْصُرْ من النُّصْرَةِ وَارْحَمْ من الرَّحْمَةِ وَاقْدِرْ من الْقُدْرَةِ زِيدَ فيها حَرَكَاتُ الْعَيْنَاتِ وَنَقَصَ منها تَاءُ التَّأْنِيثِ وَحَرَكَاتُ فَاءِ الْكَلِمَةِ وَحَرَكَتُهَا وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِ عِدْ من الْوَعْدِ زِيدَتْ فيه كَسْرَةُ الْعَيْنِ وَنَقَصَتْ الْوَاوُ وَحَرَكَةُ الدَّالِ وَلَا يَخْفَى ما فيه مِمَّا تَقَدَّمَ رَابِعَ عَشَرَهَا نُقْصَانُ الْحَرَكَةِ مع زِيَادَةِ الْحَرْفِ وَنُقْصَانِهِ نحو يَخْرُجُ ويقصد زِيدَ فيه حَرْفُ الْمُضَارَعَةِ وَنَقَصَ منه الْوَاوُ التي في الْمَصْدَرِ وَفَتْحَةُ فَاءِ الْكَلِمَةِ وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وابن جَعْفَرٍ بِ كَالَ من الْكَلَالِ وقال زِيدَ فيه الْأَلِفُ بَعْدَ الْكَافِ وَنَقَصَ منه الْأَلِفُ التي كانت بين اللَّامَيْنِ وَفَتْحَةُ اللَّامِ الْأُولَى الْمُدْغَمَةِ وَالْكَلَامُ فيه كما في عَادَ وقد تَقَدَّمَ خَامِسَ عَاشِرِهَا زِيَادَةُ الْحَرْفِ وَالْحَرَكَةِ مَعًا وَنُقْصَانُهُمَا مَعًا كَالِاحْمِرَارِ من الْحُمْرَةِ نَقَصَتْ منه التَّاءُ وَحَرَكَةُ الْحَاءِ وَزِيدَتْ فيه الرَّاءُ الْأُولَى وَالْأَلِفُ التي بَعْدَهَا وَحَرَكَةُ الْمِيمِ وَكَذَلِكَ ما أَشْبَهَهُ من الِاصْفِرَارِ وَنَحْوِهِ وَمَثَّلَهُ ابن الْخَبَّازِ وَالسَّرَّاجُ الْأُرْمَوِيُّ بِ اسْتَنْوَقَ الْجَمَلُ أَيْ تَحَوَّلَ الْجَمَلُ نَاقَةً وهو مُشْتَقٌّ من النَّاقَةِ نَقَصَتْ منه التَّاءُ وَحَرَكَةُ النُّونِ وَزِيدَتْ فيه السِّينُ وَالتَّاءُ وَحَرَكَةٌ وَالْوَاوُ التي كانت أَلِفًا سَاكِنَةً في النَّاقَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اسْتَنْوَقَ إنَّمَا هو مُشْتَقٌّ من مَصْدَرِهِ الذي هو الِاسْتِنْوَاقُ لِدَلَالَتِهِ عليه فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ الِاسْتِنْوَاقُ الذي هو الْمَصْدَرُ هو الْمُشْتَقُّ من النَّاقَةِ وَالْغَرَضُ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ وَالزِّيَادَةَ الْمَطْلُوبَيْنِ في الْمِثَالِ مَوْجُودَانِ فيه لِأَنَّ الْمَصْدَرَ زِيدَتْ فيه السِّينُ وَالتَّاءُ وَالْأَلِفُ التي بَعْدَ الْوَاوِ وَحَرَكَةُ الْوَاوِ وَنَقَصَ منه التَّاءُ وَفَتْحَةُ النُّونِ وكان جَعْلُهُ هو الْمُشْتَقَّ أَوَّلًا أَوْلَى وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وابن جَعْفَرٍ بِ ارْمِ من الرَّمْيِ وقال زِيدَتْ فيه الْأَلِفُ وَكَسْرَةُ الْمِيمِ وَنَقَصَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَلِفُ الْوَصْلِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عليها وَأَمَّا الْيَاءُ فلم تُحْذَفْ لِلِاشْتِقَاقِ بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ وهو حَمْلُ الْمَبْنِيِّ على الْمُعْرَبِ لِشَبَهِهِ بِهِ في الصَّحِيحِ فَجَعْلُ الْمُعْتَلِّ كَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ هذه الْيَاءَ تُحْذَفُ في الْمُعْرَبِ في قَوْلِنَا لم يَرْمِ لِيَجْزِمَ فَكَذَلِكَ حُذِفَتْ في قَوْلِنَا ارْمِ لِلْبِنَاءِ حَمْلًا لِلْمَبْنِيِّ على الْمُعْرَبِ في الصُّورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَاءَ تَعُودُ عِنْدَ اتِّصَالِ الضَّمِيرِ بِالْفِعْلِ في قَوْلِك ارْمِيَا وَعِنْدَ اتِّصَالِ النُّونَيْنِ الثَّقِيلَةِ وَالْخَفِيفَةِ في قَوْلِك ارْمِيَنْ وَارْمِيَنَّ وَعِنْدَ اتِّصَالِ ضَمِيرِ جَمَاعَةِ الْإِنَاثِ في قَوْلِك ارْمِينَ يا نِسْوَةُ فَعُلِمَ أَنَّ الْيَاءَ ما حُذِفَتْ لِلِاشْتِقَاقِ وَكَلَامُنَا فِيمَا يُحْذَفُ له أو يَزْدَادُ له فَتَحْصُلُ بِهِ الْمُغَايَرَةُ بين صُورَةِ الْمُشْتَقِّ وَالْمُشْتَقِّ منه لَا فِيمَا يُحْذَفُ أو يُزَادُ لِمَعْنًى آخَرَ وزاد الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ الشَّرِيشِيُّ قِسْمَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا ما فيه تَغْيِيرٌ

ظَاهِرٌ نحو حَذِرَ من الْحَذَرِ وَفَرِحَ من الْفَرَحِ وَجَزِعَ من الْجَزَعِ وَنَحْوُهُ وَقَعَتْ الْمُغَايَرَةُ بين الْفِعْلِ وَالْمَصْدَرِ بِحَرَكَةِ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا في الْمَصْدَرِ مَفْتُوحَةٌ وفي الْفِعْلِ مَكْسُورَةٌ ثَانِيهِمَا ما فيه تَغْيِيرٌ مُقَدَّرٌ نَحْوُ طَلَبَ من الطَّلَبِ وَهَرَبَ من الْهَرَبِ وَغَلَبَ من الْغَلَبِ وَنَحْوُهُ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا التَّغْيِيرَ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ الْمُشْتَقِّ وَبِنْيَتُهُ مُخَالِفَةً لِصُورَةِ الْمُشْتَقِّ منه وَرَأَيْنَا هذه الْأَفْعَالَ لَا تُخَالِفُ صُورَةَ الْمَصَادِرِ الْمُشْتَقِّ منها وَلَيْسَ لها مَصَادِرُ غَيْرُهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فيها تَغْيِيرٌ مُقَدَّرٌ كما قالت النُّحَاةُ في الْفُلْكِ إنَّهُ يَقَعُ على الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَلَا بُدَّ من التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا فَتُقَدَّرُ الضَّمَّةُ إذَا كان جَمْعًا غير الضَّمَّةِ التي فيه إذَا كان مُفْرَدًا تَنْبِيهَاتٌ التنبيه الْأَوَّلُ قد تَقَرَّرَ من جَعْلِ التَّغْيِيرِ من أَرْكَانِ الِاشْتِقَاقِ وُجُودُ التَّغْيِيرِ في كل مُشْتَقٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِهِ وقد نَجِدُ أَفْعَالًا من مَصَادِرَ من غَيْرِ تَغَيُّرٍ ظَاهِرٍ فيها كَطَلَبَ من الطَّلَبِ وَغَلَبَ من الْغَلَبِ وَجَلَبَ من الْجَلَبِ فَإِنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِمَصَادِرِهَا في الْحُرُوفِ وَالصِّيَغِ بِلَا تَفَاوُتٍ مع اشْتِقَاقِهَا منها وَذَلِكَ يَقْدَحُ في كَوْنِ التَّغْيِيرِ رُكْنًا لِلِاشْتِقَاقِ لِامْتِنَاعِ تَحَقُّقِ الشَّيْءِ بِدُونِ رُكْنِهِ وَحَلُّهُ أَنَّ التَّغْيِيرَ وَإِنْ لم يَكُنْ مَوْجُودًا ظَاهِرًا لَكِنَّهُ مُقَدَّرٌ كما سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَأَجَابَ رَضِيُّ الدِّينِ بن جَعْفَرٍ بِأَنَّ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ في الِاشْتِقَاقِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بها تَغْيِيرًا إذْ الِاشْتِقَاقُ إنَّمَا هو من صِيغَةِ الْمَصْدَرِ بُنِيَ عليها وَحَرَكَةُ الْإِعْرَابِ طَارِئَةٌ على الصِّيغَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا مُنْتَقِلَةٌ غَيْرُ قَادِرَةٍ وَأَمَّا حَرَكَةُ الْبِنَاءِ في آخِرِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فَإِنَّهَا لِثَبَاتِهَا وَلُزُومِهَا وَبِنَاءِ الْكَلِمَةِ عليها من أَوَّلِ وَهْلَةٍ صَارَتْ دَاخِلَةً في صِيغَةِ الْفِعْلِ جَارِيَةً مَجْرَى حَرَكَةِ أَوَّلِهِ وَحَشْوِهِ فَاعْتُدَّ بها في الِاشْتِقَاقِ وَجُعِلَ التَّغْيِيرُ بها زِيَادَةً وَنُقْصَانًا وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا على هذا لِأَنَّهُمْ لم يَعْتَدُّوا بِحَرَكَةِ الْإِعْرَابِ وَاعْتَدُّوا بِحَرَكَةِ الْبِنَاءِ وَجُعِلَ التَّغْيِيرُ بها زِيَادَةً وَنُقْصَانًا مِثَالُ الزِّيَادَةِ طَلَبَ من الطَّلَبِ لِأَنَّهُمْ مَثَّلُوهُ لِزِيَادَةِ الْحَرَكَةِ فإن طَلَبَ اُعْتُدَّ بِحَرَكَةِ الْبَاءِ في آخِرِهِ زِيَادَةً لِكَوْنِهَا حَرَكَةَ بِنَاءٍ ولم يَعْتَدُّوا بِالْحَرَكَةِ التي في آخِرِ الْمَصْدَرِ وهو الطَّلَبُ لِكَوْنِهَا حَرَكَةَ إعْرَابٍ وَمِثَالُ النُّقْصَانِ حَذِرٌ اسْمُ فَاعِلٍ من حَذِرَ نَقَصَ من اسْمِ الْفَاعِلِ حَرَكَةُ

الْبِنَاءِ التي كانت في الْفِعْلِ فَقَدْ يَظُنُّ ظَانٍّ من اعْتِبَارِهِمْ التَّغْيِيرَ اللَّاحِقَ لِلْمُشْتَقِّ اسْتَلْزَمَ حُصُولَ التَّغْيِيرِ في كل مُشْتَقٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِهِ مع أَنَّهُ نَحْنُ نَجِدُ أَفْعَالًا مَأْخُوذَةً من الْمَصَادِرِ من غَيْرِ تَغْيِيرٍ ظَاهِرٍ فيها كَطَلَبَ من الطَّلَبِ وَحَذِرَ من الْحَذَرِ فإن هذه الْأَفْعَالَ مُسَاوِيَةٌ لِهَذِهِ الْمَصَادِرِ وَأَنَّهُ يَقْدَحُ في كَوْنِ التَّغْيِيرِ رُكْنًا في الِاشْتِقَاقِ وَجَوَابُهُ أَنَّ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بها وَحَرَكَةُ الْبِنَاءِ مُعْتَدٌّ بها وَنَازَعَهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بن الشَّرِيشِيِّ وقال حَرَكَةُ الْإِعْرَابِ كما لَا يُعْتَدُّ بها في صِيغَةِ الْكَلِمَةِ وَبِنْيَتِهَا فَكَذَلِكَ حَرَكَةُ الْبِنَاءِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَارِئَةٌ على الْكَلِمَةِ بَعْدَ حُصُولِ صِيغَتِهَا وَتَقْرِيرِ بِنْيَتِهَا إنْ كانت لها بِنْيَةٌ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ في أَنَّ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ تَتَغَيَّرُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْعَامِلِ أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ خَرَجَ زَيْدٌ خَرَجَ عَمْرٌو فَلَا يَتَغَيَّرُ آخِرُ خَرَجَ وَإِنْ دخل عليه الْعَامِلُ وَتَقُولُ خَرَجْت وَدَخَلْت بِتَغَيُّرِ آخِرِهِ لِاتِّصَالِ الضَّمِيرِ بِهِ مع أَنَّ أَحَدًا من النُّحَاةِ لَا يقول إنَّ بِنْيَةَ الْفِعْلِ تَغَيَّرَتْ فَعُلِمَ أَنَّ حَرَكَةَ لَامِ الْكَلِمَةِ أو سُكُونَهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بها في بِنْيَةِ الْكَلِمَةِ فَلَا يُعَدُّ وُجُودُهَا زِيَادَةً وَلَا زَوَالُهَا نَقْصًا وَقَوْلُهُ إنْ الْفِعْلُ الْمَاضِي بُنِيَ في أَوَّلِ وَهْلَةٍ على الْحَرَكَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ كان يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا كما هو الْأَصْلُ وَلَكِنْ بُنِيَ على حَرَكَةٍ لِعِلَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ الِاشْتِقَاقِ وَهِيَ جَوَازُ وُقُوعِهِ مَوْقِعَ الْمُعْرَبِ بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَمْرِ فَعُلِمَ أَنَّ حَرَكَةَ الْبِنَاءِ في الْفِعْلِ طَارِئَةٌ عليه بَعْدَ حُصُولِ بِنْيَتِهِ وإذا كانت حَرَكَةُ الْإِعْرَابِ غير مُعْتَدٍّ بها في بِنْيَةِ الْكَلِمَةِ لِكَوْنِهَا طَارِئَةً وَمُتَغَيِّرَةً فَكَذَلِكَ حَرَكَةُ الْبِنَاءِ وَلَا يَكُونُ ثُبُوتُهَا في الْفِعْلِ زِيَادَةً في الصِّيغَةِ وَلَا زَوَالُهَا نَقْصًا فيها التَّنْبِيهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِزِيَادَةِ الْحَرْفِ أو الْحَرَكَةِ أو نُقْصَانِهِمَا جِنْسُ الْحَرْفِ وَجِنْسُ الْحَرَكَةِ لَا وَاحِدٌ فَقَطْ فَقَدْ يَكُونُ الْمَزِيدُ من الْحُرُوفِ أَكْثَرَ من وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ في الْحَرَكَةِ وَكَذَلِكَ في النُّقْصَانِ وَعَلَى هذا فَتَكْثُرُ الْأَقْسَامُ وَلَا يَخْفَى حِينَئِذٍ أَمْثِلَتُهَا التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِتَنَوُّعِ الْحَرَكَةِ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ إذْ لو اُعْتُبِرَتْ لَكَثُرَتْ الْأَقْسَامُ

التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا من أَرْكَانِ الِاشْتِقَاقِ الْمُشَارَكَةَ بين الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ في الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَالتَّغْيِيرِ ثُمَّ جَعَلُوا من أَقْسَامِ التَّغْيِيرِ نُقْصَانَ الْحُرُوفِ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ في الظَّاهِرِ فإنه مَتَى نَقَصْنَا أَحَدَ الْحُرُوفِ الْمُشْتَقِّ من الْمُشْتَقِّ منه زَالَتْ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُمَا في الْحُرُوفِ وَأَجَابَ ابن جَعْفَرٍ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَهُمَا في الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ قد تَكُونُ بِحَقِّ الْأَصْلِ ثُمَّ يَطْرَأُ النُّقْصَانُ الْعَارِضُ نَقِيضُهُ كَقَوْلِنَا خَفْ من الْخَوْفِ وَنَمْ من النَّوْمِ فإن الْوَاوَ سَقَطَتْ فِيهِمَا بَعْدَ انْقِلَابِهِمَا أَلِفًا لِعَارِضِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فَالْمُشَارَكَةُ فِيهِمَا حَاصِلَةٌ بِالْفِعْلِ لِحُصُولِهِمَا في الْأَصْلِ قبل طُرُوُّ الْحَذْفِ الْعَارِضِ الثَّانِي أَنَّ الْمَصَادِرَ ذَوَاتَ الزِّيَادَةِ كَالْإِنْبَاتِ وَالْغَشَيَانِ وَالنَّزَوَانِ إذَا اشْتَقَقْنَا منها أَفْعَالًا كَنَبَتَ وَغَشِيَ وَنَزَا حَصَلَتْ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَصَادِرِ في الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَوُفِرَ التَّغَيُّرُ بِنُقْصَانِ الْحَرْفِ الزَّائِدِ فَقَدْ صَدَقَ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِمَا أَعْنِي الْمُشَارَكَةَ مع النُّقْصَانِ فَإِنَّا لم نَشْتَرِطْ الْمُشَارَكَةَ في الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ مع نُقْصَانِ حَرْفٍ أَصْلِيٍّ التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ في اشْتِقَاقِ الْأَفْعَالِ من الْمَصَادِرِ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْمَصَادِرَ مُشْتَقَّةٌ من الْأَفْعَالِ وَعَكَسَ الْبَصْرِيُّونَ ذلك وهو الصَّحِيحُ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ وَاحِدٌ وَمَفْهُومَ الْفِعْلِ مُتَعَدِّدٌ لِدَلَالَتِهِ على الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ وَالْوَاحِدُ قبل الْمُتَعَدِّدِ وإذا كان أَصْلًا لِلْأَفْعَالِ يَكُونُ أَصْلًا لِمُتَعَلِّقَاتِهِ أو لِأَنَّهُ اسْمٌ وَالِاسْمُ مُسْتَغْنٍ عن الْفِعْلِ وَيُقَالُ مَصْدَرٌ لِأَنَّ هذه الْأَشْيَاءَ تَصْدُرُ عنه وَكَذَلِكَ الصِّفَاتُ كَأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ وَتَوَسَّطَ الْفَارِسِيُّ فقال الصِّفَاتُ مُشْتَقَّةٌ من الْأَفْعَالِ لِجَرَيَانِهَا عليها وَعَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِهِ فَهِيَ وَإِنْ كانت مُشْتَقَّةً من الْأَفْعَالِ بهذا الِاعْتِبَارِ فَالْأَفْعَالُ أُصُولُهَا الْقَرِيبَةُ وَالْمَصَادِرُ أُصُولُهَا الْبَعِيدَةُ وَذَهَبَ أبو بَكْرِ بن طَلْحَةَ إلَى أَنَّ كُلًّا من الْمَصْدَرِ وَالْفِعْلِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ ليس

أَحَدُهُمَا مُشْتَقًّا من الْآخَرِ فَالْحَاصِلُ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ وقد اسْتَشْكَلَ الْمَازِرِيُّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ حَقِيقَةَ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وقال إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمَا حَقِيقَةٌ وَالْآخَرَ مَجَازٌ فَالْحَقِيقَةُ أَصْلٌ لِلْمَجَازِ فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ فَلَا خِلَافَ أَنَّا إذَا قُلْنَا قام زَيْدٌ قِيَامًا فإن قَوْلَنَا قام لَفْظَةٌ من الْحَقَائِقِ لَا تَجَوُّزَ فيها وَقَوْلُنَا قِيَامًا لَفْظَةٌ من الْحَقَائِقِ لَا تَجَوُّزَ فيها أَيْضًا فَقَدْ وَضَحَ بُطْلَانُ صَرْفِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ إلَى هذا الْوَجْهِ وَإِنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ هذا أَصْلٌ وَهَذَا فَرْعٌ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ حَقِيقَتَانِ وَلَكِنَّ النُّطْقَ بِهَذِهِ سَبَقَ فَهَذَا غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْبَحْثُ عنه عِيٌّ لَا يُجْدِي وَلَا فَائِدَةَ فيه وَأَيُّ فَائِدَةٍ في السُّؤَالِ عن تَسْمِيَةِ الْحَائِطِ وَالْجِدَارِ أَيُّ اللَّفْظَيْنِ نُطِقَ بِهِ أَوَّلًا انْتَهَى وقال بَعْضُهُمْ إذَا قِيلَ هذا مُشْتَقٌّ من هذا فَلَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ بين الْقَوْلَيْنِ تَنَاسُبًا في اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَسَوَاءٌ تَكَلَّمَ أَهْلُ اللُّغَةِ بِأَحَدِهِمَا قبل الْآخَرِ أَمْ لَا وَعَلَى هذا إذَا قُلْنَا الْمَصْدَرُ مُشْتَقٌّ من الْفِعْلِ أو بِالْعَكْسِ كان كُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحًا وَهَذَا هو الِاشْتِقَاقُ الذي يَقُومُ عليه أَسَاسُ التَّصْرِيفِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا لِلْآخَرِ فَهَذَا إنْ عَنِيَ بِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا تُكُلِّمَ بِهِ بَعْدَ الْآخَرِ لم يَقُمْ على هذا دَلِيلٌ في أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ عَنِيَ بِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُقَدَّمٌ على الْآخَرِ في الْعَقْلِ لِكَوْنِ هذا مُفْرَدًا وَهَذَا مُرَكَّبًا فَالْفِعْلُ مُشْتَقٌّ من الْمَصْدَرِ التَّنْبِيهُ السَّادِسُ أَنَّهُ لَا بُدَّ في مَعْرِفَةِ الِاشْتِقَاقِ من التَّصْرِيفِ وهو مَعْرِفَةُ اخْتِلَافِ أَبْنِيَةِ الْكَلِمَةِ وما يَعْرِضُ لها من زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَقَلْبٍ وَبَدَلٍ وَإِدْغَامٍ لِيُعْرَفَ الْأَصْلِيُّ من الزِّيَادَةِ وَيُرَدُّ الْمَقْلُوبُ إلَى أَصْلِهِ وَيُعْرَفُ الْبَدَلُ من الْمُبْدَلِ منه وَالْمُدْغَمُ من الْمُدْغَمِ فيه وَحُرُوفُ الزِّيَادَةِ عَشَرَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُك سَأَلْتُمُونِيهَا فإذا عَرَفَ الْأَصْلِيَّ وَالزَّائِدَ قَابَلَ في مِيزَانِ التَّصْرِيفِ الْأَصْلِيَّ بِفَاءِ فِعْلٍ وَعَيْنِهِ وَلَامِهِ وَالزَّائِدَ بِلَفْظِهِ تَقُولُ وَزْنُ ضَارِبٍ فَاعِلٍ فَالْأَلِفُ زَائِدٌ مَذْكُورٌ بِلَفْظِهِ وَالضَّادُ وَالرَّاءُ وَالْبَاءُ أُصُولٌ مُقَابَلَةٌ بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ وَكَذَلِكَ مَضْرُوبٌ مَفْعُولٌ من الضَّرْبِ فَالْوَاوُ وَالْمِيمُ زَائِدَتَانِ وَمِيعَادٌ وَمِيزَانٌ مِفْعَالٌ من الْوَعْدِ وَالْوَزْنِ فَالْمِيمُ وَالْأَلِفُ زَائِدَتَانِ وَالْيَاءُ هِيَ مُنْقَلِبَةٌ عن وَاوٍ لِظُهُورِهَا فِيمَا منه الِاشْتِقَاقُ فَإِنْ قِيلَ جَعَلْتُمْ مَعْرِفَةَ الِاشْتِقَاقِ مُتَوَقِّفَةً على مَعْرِفَةِ التَّصْرِيفِ وَأَهْلُ التَّصْرِيفِ يَجْعَلُونَ مَعْرِفَتَهُ مُتَوَقِّفَةً على مَعْرِفَةِ الِاشْتِقَاقِ لِتَعْرِيفِ الزَّائِدِ فَيُحْكَمُ بِزِيَادَتِهِ فَإِنَّا

لَا نَعْلَمُ أَنَّ كَوْثَرًا مُشْتَقٌّ من الْكَثْرَةِ حتى يُعْلَمَ أَنَّ الْوَاوَ زَائِدَةٌ وَلَا نَعْرِفُ أنها زَائِدَةٌ حتى نَعْلَمَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ من الْكَثْرَةِ وَذَلِكَ دَوْرٌ فَيَمْتَنِعُ قُلْنَا إذَا عَرَفْنَا الْأَصْلِيَّ من الزَّائِدِ حَكَمْنَا بِاشْتِقَاقِهِ من الْأَصْلِيَّةِ فَكُلٌّ من التَّصْرِيفِ وَالِاشْتِقَاقِ يَفْتَقِرُ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عليه التَّنْبِيهُ السَّابِعُ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْنَى الْمُشْتَقَّ منه كَالْعِلَّةِ في الْقِيَاسِ وَالْعَلَاقَةُ في الْمَجَازِ حَيْثُ وُجِدَ الِاشْتِقَاقُ كما أَنَّ الْعِلَّةَ حَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ الْحُكْمُ لَكِنْ لم يَطَّرِدْ ذلك في الِاشْتِقَاقِ فَإِنَّا رَأَيْنَاهُمْ سَمَّوْا الْأَسَدَ ضَيْغَمًا من الضَّغْمِ ولم يُسَمُّوا الْجَمَلَ بِهِ وَأَنَّ الضَّغْمَ هو الْعَضُّ الشَّدِيدُ مَوْجُودًا فيه وَسَمَّوْا الْمَنْزِلَ الذي بَعْدَ الثُّرَيَّا دَبَرَانًا لِاسْتِدْبَارِهِ إيَّاهَا أو الْقِبْلَةَ ولم يُسَمُّوا كُلَّ مُسْتَدْبِرٍ لِلثُّرَيَّا أو الْقِبْلَةِ دَبَرَانًا وَسَمَّوْا الثُّرَيَّا بِاسْمِهَا لِاشْتِقَاقِهَا من الثَّرْوَةِ وَهِيَ الْكَثْرَةُ لِاجْتِمَاعِ نُجُومِهَا ولم يُسَمُّوا كُلَّ أَعْدَادٍ مُجْتَمِعَةٍ ثُرَيًّا وَسَمَّوْا الْقَارُورَةَ وَهِيَ الْوِعَاءُ الْخَاصُّ لِاسْتِقْرَارِ الْمَاءِ فيها ولم يُسَمُّوا كُلَّ مُسْتَقِرٍّ لِمَائِعٍ أو غَيْرِهِ كَالْحَوْضِ وَنَحْوِهِ قَارُورَةً وَالضَّابِطُ في ذلك أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ وُجُودُ مَعْنَى الْأَصْلِ في مَحَلِّ التَّسْمِيَةِ من حَيْثُ إنَّهُ دَاخِلٌ فيها وَالْمُرَادُ ذَاتٌ مع اعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إلَيْهَا فَهَذَا يَطَّرِدُ في كل ذَاتٍ فَهَذَا هو الْمُطَّرِدُ وَإِنْ كان الْمُرَادُ ذَاتًا مَخْصُوصَةً على شَخْصِهِ امْتَنَعَ التَّعَدِّيَةُ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ من الثَّرْوَةِ وَالِاسْتِدْبَارِ وَالضَّيْغَمِ وَالِاسْتِقْرَارِ بِمَنْزِلَةِ جُزْءِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ من الْقِيَاسِ وَالْجُزْءُ الْآخَرُ كَوْنُ هذا الْمُشْتَقِّ عَلَمًا لِهَذَا الْوَضْعِ أو خَاصًّا بِهِ التَّنْبِيهُ الثَّامِنُ قال ابن عُصْفُورٍ لَا يَدْخُلُ الِاشْتِقَاقُ في سَبْعَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ الْأَسْمَاءُ الْعَجَمِيَّةُ كَإِسْمَاعِيلَ وَالْأَصْوَاتُ كَ غَاقٌ وَالْحُرُوفُ وما أَشْبَهَهَا من الْمُتَوَغِّلَةِ في الْبِنَاءِ نحو من وما وَالْأَسْمَاءُ النَّادِرَةُ نَحْوُ طُوبَى له اسْمٌ لِلنِّعْمَةِ وَاللُّغَاتُ الْمُتَدَاخِلَةُ نَحْوُ الْهُونِ لِلْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْمَاءُ الْخُمَاسِيَّةُ كَسَفَرْجَلٍ وَيَدْخُلُ فِيمَا عَدَا ذلك انْتَهَى وَأَثْبَتَ ابن جِنِّي الِاشْتِقَاقَ في الْحُرُوفِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ الْأَكْبَرُ

مَسْأَلَةٌ وقد يَطَّرِدُ بِأَنْ يُطَلَّقَ على كل صُورَةٍ وُجِدَ فيها مَعْنَى الْمُشْتَقِّ منه كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَغَيْرِهِمَا من الصِّفَاتِ كَضَارِبٍ وَمَضْرُوبٍ وَحَسَنٍ وقد يَخْتَصُّ كَالْقَارُورَةِ لَا يُطْلَقُ على غَيْرِ الزُّجَاجَةِ وَالضَّابِطُ أَنَّ الْمُطَّرِدَ ما كان لِذَاتٍ قُصِدَ فيه الْمَعْنَى وَالْمُخْتَصُّ ما قَصَدَ مُجَرَّدَ الذَّاتِ وَالْمَعْنَى تَابِعٌ وقد يُقَالُ إنَّ وُجُودَ مَعْنَى الْأَصْلِ في كل التَّسْمِيَةِ قد تُعْتَبَرُ من حَيْثُ إنَّهُ دخل في التَّسْمِيَةِ وَالْمُرَادُ ذَاتُ ما بِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ له إلَيْهَا فَهَذَا يَطَّرِدُ في كل ذَاتٍ فيه مَعْنَى الْأَصْلِ كَالْأَحْمَرِ فإنه لِذَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُمْرَةَ دَاخِلَةٌ فيه وقد يُعْتَبَرُ من حَيْثُ إنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلتَّسْمِيَةِ مُرَجِّحٌ لها كَتَسْمِيَةِ الذَّاتِ التي له الْحُمْرَةُ بِالْأَحْمَرِ لِكَوْنِهَا أَحْمَرَ لَكِنْ لَا بِاعْتِبَارِ دُخُولِ الْحُمْرَةِ في مُسَمَّاهُ وَلِهَذَا لو زَالَتْ حُمْرَتُهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ الْأَحْمَرِ عليه بِخِلَافِ الِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ وَهَذَا مُسْتَمَدٌّ من قَوْلِ السَّكَّاكِيِّ وَإِيَّاكَ وَالتَّسْوِيَةَ بين تَسْمِيَةِ إنْسَانٍ له حُمْرَةٌ بِأَحْمَرَ وَبَيْنَ وَصْفِهِ بِأَحْمَرَ أَنْ تَزِلَّ فإن اعْتِبَارَ الْمَعْنَى في التَّسْمِيَةِ لِتَرْجِيحِ الِاسْمِ على غَيْرِهِ حَالَ تَخْصِيصِهِ بِالْمُسَمَّى وَاعْتِبَارَ الْمَعْنَى في الْوَصْفِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عليه فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ وَحَاصِلُهُ الْفَرْقُ بين تَسْمِيَةِ الْغَيْرِ لِوُجُودِهِ فيه أو بِوُجُودِهِ فيه فَهُوَ مع اللَّامِ إشَارَةٌ إلَى الْعِلْمِيَّةِ وَمَعَ الْبَاءِ إشَارَةٌ إلَى الْمُصَاحَبَةِ مَسْأَلَةٌ شَرْطُ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ من هـ شَرْطُ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ اسْمًا كان أو فِعْلًا صِدْقُ الْمُشْتَقِّ منه فَلَا يَصْدُقُ قَائِمٌ على ذَاتٍ إلَّا إذَا صَدَقَ الْقِيَامُ على تِلْكَ الذَّاتِ وَسَوَاءٌ كان الصِّدْقُ في الْمَاضِي أَمْ في الْحَالِ أَمْ في الِاسْتِقْبَالِ وَأَمَّا إنَّ ذلك هو بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَمْ لَا فَسَيَأْتِي وَالْكَلَامُ في هذه الْمَسْأَلَةِ مع أبي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَابْنِهِ أبي هَاشِمٍ وَهُمَا لم يُصَرِّحَا بِالْمُخَالَفَةِ في ذلك وَلَكِنْ وَقَعَ ذلك مِنْهُمَا ضِمْنًا حَيْثُ ذَهَبَا إلَى الْقَوْلِ بِعَالَمِيَّةِ اللَّهِ دُونَ عِلْمِهِ أَيْ ذَهَبَا إلَى أَنَّ الْعَالَمَ وَغَيْرَهُ من الصِّفَاتِ أَسْمَاءٌ مُشْتَقَّةٌ من الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ إنَّهُمَا يُطْلِقَانِ على اللَّهِ تَعَالَى هذه الْأَسْمَاءَ وَيُنْكِرَانِ حُصُولَ الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ هِيَ الْمَعَانِي التي تُوجِبُ الْعَالَمِيَّةَ وَالْقَادِرِيَّةَ وَهَذِهِ الْمَعَانِي غَيْرُ

ثَابِتَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ لِلَّهِ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا حَيَاةٌ مع أَنَّهُ عَالِمٌ قَادِرٌ حَيٌّ وَفِرَارًا من أَنْ يَكُونَ الذَّاتُ قَابِلًا وَفَاعِلًا وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَاتَّفَقُوا على أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِالْعِلْمِ قَادِرٌ بِالْقُدْرَةِ حَيٌّ بِالْحَيَاةِ هل الْعِلْمُ نَفْسُ الْعَالَمِيَّةِ وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذلك هل الْعِلْمُ نَفْسُ الْعَالَمِيَّةِ أو الْقُدْرَةُ نَفْسُ الْقَادِرِيَّةِ أو هِيَ زَائِدَةٌ عليها وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّيْخِ أبي الْحَسَنِ وَأَتْبَاعِهِ وَالثَّانِي قَوْلُ الْقَاضِي أبي بَكْرٍ وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَالُوا عَالِمٌ بِالذَّاتِ لَا بِالْعِلْمِ قَادِرٌ بِالذَّاتِ لَا بِالْقُدْرَةِ وَهَكَذَا فَقَدْ جَوَّزُوا صِدْقَ الْمُشْتَقِّ الذي هو الْعَالِمُ بِدُونِ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ منه وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا يُعَلِّلَانِ الْعَالَمِيَّةَ بِالْعِلْمِ مُطْلَقًا كما صَرَّحُوا بِهِ في كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ وَيَقُولَانِ إنَّ الْعِلْمَ في اللَّهِ غَيْرُ ذَاتِهِ فَهُمَا لَا يَسْلُبَانِ عنه إلَّا الْعِلْمَ الزَّائِدَ على ذَاتِهِ لَا الْعِلْمَ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ فَتَخْصِيصُ عَالَمِيَّتِنَا بِالْعِلْمِ كما قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أو إثْبَاتُ عَالَمِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى مع سَلْبِ الْعِلْمِ عنه كما قَالَهُ في الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِسَلْبِ عِلِّيَّتِهَا عنه بَلْ يَقُولَانِ إنَّ عِلِّيَّةَ الْعَالَمِيَّةِ هِيَ الْعِلْمُ وَهِيَ غَيْرُ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى هذا أَصْلُ الْخِلَافِ وَمِنْهُ أَخْذُ هذه الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَلَا يَنْبَغِي لِجَوَازٍ أَنْ يَكُونَ هذا الْقَائِلُ يقول مُقْتَضَى اللُّغَةِ ما ذَكَرْتُمْ وَلَكِنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ مَنَعَ هُنَا فَاسْتُثْنِيَ ذلك من الْمُشْتَقَّاتِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ الْخَاصِّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ تَعْمِيمُ الْمُشْتَقَّاتِ بِذَلِكَ وَيَخْرُجُ الْكَلَامُ منها عن أُصُولِ الْفِقْهِ إلَى عِلْمِ الْكَلَامِ وَيَصِيرُ الْخِلَافُ مَعْنَوِيًّا لَا لَفْظِيًّا لُغَوِيًّا وَإِنْ رَجَعْنَا بها إلَى أُصُولِ الْفِقْهِ فَنَقُولُ الْمُشْتَقُّ إمَّا أَنْ يَغْلِبَ عليه الِاسْمِيَّةُ أو لَا فَالْأَوَّلُ لَا يُشْتَرَطُ في صِدْقِهِ وُجُودُ الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ الْحَارِثُ وَالْعَبَّاسُ فَإِنَّهُمَا يُسَمَّى بِهِمَا وَلَيْسَ بِحَارِثٍ وَلَا كَثِيرِ الْعَبُوسِ وَمَعَ ذلك فَقَدْ لَاحَظَ ذلك الْمَعْنَى الْمُطْلَقَ أو الشَّائِعَ في بَعْضِ الْأَعْيَانِ وَمِنْ ثَمَّ كان النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم يَسْتَحِبُّ أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ وَيَكْرَهُ قَبِيحَهَا وَأَمَّا الذي لَا يَغْلِبُ عليه الِاسْمِيَّةُ فَهُوَ الْبَاقِي على أَصْلِ الصِّفَةِ كَالْعَالِمِ وَالْقَائِمِ وَيُشْتَرَطُ في صِدْقِهِ حَقِيقَةُ وُجُودِ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ منه وَإِطْلَاقُهُ مع عَدَمِهِ مَجَازٌ مَحْضٌ غير أَنَّهُ قد كَثُرَ هذا الْمَجَازُ في بَعْضِ الْأَسْمَاءِ وَاشْتَهَرَ وَذَلِكَ كَالْمُؤْمِنِ فإنه يُطْلَقُ على الْغَافِلِ وَالنَّائِمِ وَالْمَيِّتِ مع قِيَامِ مَوَانِعِ الْإِيمَانِ اسْتِصْحَابًا لِلْمَعْنَى السَّابِقِ وَالْحُكْمِ اللَّاحِقِ فَدَلَّ على أَنَّهُ مَجَازٌ هُنَا وَإِنْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَقِيقَةً في أَصْلِهِ وَإِنْ قَلَّ اسْتِعْمَالُهُ وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ خِلَافُ

أبي هَاشِمٍ في هذا فإنه يقول إنَّ وُجُودَ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ منه ليس شَرْطًا في صِدْقِ الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ ليس شَرْطًا في أَصْلِ الْوَضْعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ منه عَدَمُ الْفَرْقِ بين الْمُشْتَقِّ وَغَيْرِهِ وَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِعْمَالَ الْعُرْفِيَّ فَهُوَ صَحِيحٌ على ما بَيَّنَّاهُ مَسْأَلَةٌ بَقَاءُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ هل هو شَرْطٌ في أَنَّ دَوَامَ ما منه الِاشْتِقَاقُ أَعْنِي بَقَاءَ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ منه هل شَرْطٌ في إطْلَاقِ اسْمِ الْمُشْتَقِّ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَمْ لَا فَمَنْ لم يَشْتَرِطْ وُجُودَهُ لم يَشْتَرِطْ دَوَامَهُ قَطْعًا وَأَمَّا الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ وُجُودَهُ فَاخْتَلَفُوا فيه فَنَقُولُ إطْلَاقُ الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ حَقِيقَةٌ بِلَا خِلَافٍ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ خَمْرًا وَبِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ مَجَازٌ بِلَا خِلَافٍ كَتَسْمِيَةِ الْعِنَبِ وَالْعَصِيرِ خَمْرًا وَأَمَّا إطْلَاقُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي كَإِطْلَاقِ الضَّارِبِ على من صَدَرَ منه الضَّرْبُ انْتَهَى وَهَذَا هو مَحَلُّ الْخِلَافِ فقال الْجُمْهُورُ منهم الرَّازِيَّ وَالْبَيْضَاوِيُّ إنَّهُ مَجَازٌ وقال ابن سِينَا وَالْفَلَاسِفَةُ وأبو هَاشِمٍ من الْمُعْتَزِلَةِ إنَّهُ حَقِيقَةٌ وَنَقَلَ الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ مَذْهَبًا ثَالِثًا أَنَّ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ منه إنْ كان مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ اُشْتُرِطَ بَقَاؤُهُ في كَوْنِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً وَإِلَّا فَلَا كما في الْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ مِثْلِ الْكَلَامِ وَأَنْوَاعِهِ وَنَسَبَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ في النِّهَايَةِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَيَحْتَاجُ إلَى تَثَبُّتٍ فإن الرَّازِيَّ ذَكَرَهُ في أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ على سَبِيلِ الْبَحْثِ وقال إنَّهُ لم يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنْ كان مُسْتَنِدُ نَقْلِهِمْ هذا فَقَدْ عَلِمْت لَكِنَّ الْإِمَامَ في جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ صَرَّحَ بِاخْتِيَارِهِ وَمَنَعَ الْإِجْمَاعَ فقال قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا حُصُولٌ بِتَمَامِهِ إنْ أَمْكَنَ أو حُصُولُهُ آخِرَ جُزْءٍ من أَجْزَائِهِ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ على فَسَادِ هذا التَّفْصِيلِ مَمْنُوعَةٌ هذا لَفْظُهُ في الْمُسَوَّدَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَقِيلَ إنَّ ما يُعْدَمُ عَقِبَ وُجُودِ مُسَمَّاهُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالِاغْتِسَالِ وَالتَّوَضُّؤِ فإن الِاسْمَ يَقَعُ عليه بَعْدَ حَقِيقَةٍ وما يَدُومُ بَعْدَ وُجُودِ الْمُسَمَّى كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فإذا عُدِمَ الْمُسَمَّى جَمِيعُهُ كان مَجَازًا وَنَقَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ عن بَعْضِهِمْ تَفْصِيلًا آخَرَ وقال إنَّهُ الْحَقُّ وهو أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَعْنَى في الْمَحِلِّ وَاشْتَقَّ له منه اسْمًا فَبَعْدَ ذلك إنْ لم يَطْرَأْ على الْمَحِلِّ ما يُنَاقِضُهُ وَيُضَادُّهُ بَقِيَ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ كَالْقَاتِلِ وَالزَّانِي وَالسَّارِقِ فَأَمَّا إذَا طَرَأَ على الْمَحِلِّ ما يُضَادُّهُ

وَاشْتَقَّ له منه اسْمَ الْمُشْتَقِّ الْأَوَّلِ فَحِينَئِذٍ لَا يَصْدُقُ الْمُشْتَقُّ الْأَوَّلُ كَاللَّوْنِ إذَا قام بِهِ الْبَيَاضُ يُسَمَّى أَبْيَضَ فإذا اسْوَدَّ لَا يُقَالُ في حَالَةِ السَّوَادِ إنَّهُ أَبْيَضُ وَالدَّلِيلُ على ذلك أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِجَلْدِ الزَّانِي وَقَطْعِ السَّارِقِ وَلَوْ كان بَقَاءُ وَجْهِ الِاشْتِقَاقِ شَرْطًا لَمَا أَمْكَنَنَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ لِأَنَّ حَالَةَ الْجَلْدِ وَالْقَطْعِ ليس بِزَانٍ وَلَا سَارِقٍ حَقِيقَةً فَلَا يَقَعُ الِامْتِثَالُ بِالْأَمْرِ وَيَخْرُجُ من كَلَامِ الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ في مَسْأَلَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ قَوْلٌ خَامِسٌ بِالتَّفْصِيلِ بين إطْلَاقِهِ عَقِبَ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ منه فَيَسُوغُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَلَا وَمِنْ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ من الْحَنَابِلَةِ سَادِسٌ وهو التَّفْصِيلُ بين ما يَطُولُ زَمَنُهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَبَيْنَ ما يَقْصُرُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وهو قَرِيبٌ من الْخَامِسِ وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ في الْمَسْأَلَةِ فإنه ذَكَرَ شِبْهَ الْفَرْقِ وَأَجَابَ عن الْجَمِيعِ فَتَحَصَّلْنَا على سَبْعِ مَذَاهِبَ يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا التَّفْصِيلُ بين الْمُمْكِنِ وَغَيْرِهِ التَّفْصِيلُ بين طُرُوُّ ما يُنَاقِضُ التَّفْصِيلَ بين الْإِطْلَاقِ عَقِبَهُ أو بَعْدَهُ التَّفْصِيلُ بين طُولِ الزَّمَانِ وَقِصَرِهِ الْوَقْفُ وَالْفَرْقُ بين هذه الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ الْمُخَالِفَ في الْأَوَّلِ يقول بِصِدْقِ الْمُشْتَقِّ كَالْعَالِمِ وَالْقَادِرِ وَإِنْ لم يَكُنْ ما منه الِاشْتِقَاقُ قَائِمًا بِالْمُشْتَقِّ منه وَلَا في وَقْتٍ ما وَأَمَّا الْمُخَالِفُ في هذه فإنه يقول إنْ قام ما منه الِاشْتِقَاقُ بِالشَّيْءِ فَهُوَ صَادِقٌ حَقِيقَةً حِينَئِذٍ وإذا انْقَضَى ولم يَقُمْ بِهِ فَهُوَ يَصْدُقُ عليه مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ عَكْسُهُ

تَنْبِيهَاتٌ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً في الْحَالِ مَعْنَى قَوْلِهِمْ حَقِيقَةً في الْحَالِ أَيْ حَالَ التَّلَبُّسِ بِالْفِعْلِ لَا حَالَ النُّطْقِ بِهِ فإن حَقِيقَةَ الضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ لَا يَتَقَدَّمُ على الضَّرْبِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عنه لِأَنَّهُمَا طَرَفَا النِّسْبَةِ فَهُمَا معه في زَمَنٍ وَاحِدٍ وَمِنْ هذا يُعْلَمُ أَنَّ نحو قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَنَّ قَتِيلًا حَقِيقَةً وَأَنَّ ما ذَكَرُوهُ من أَنَّهُ سُمِّيَ قَتِيلًا بِاعْتِبَارِ مُشَارَفَتِهِ الْفِعْلَ لَا تَحْقِيقَ له إذَا عَلِمْت ذلك فما ذَكَرُوهُ من نَقْلِ الْإِجْمَاعِ على أَنَّهُ حَقِيقَةٌ في الْحَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ بَعْدَ وُجُودِ ما يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ الْمُشْتَقُّ منه فَأَمَّا حَالَةُ الشُّرُوعِ قبل وُجُودِ ذلك كَالتَّسَاوُمِ من التَّابِعِينَ قبل الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْأَكْلُ حين أَخْذِ اللُّقْمَةِ قبل وُجُودِ مُسَمَّى الْأَكْلِ فقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ لَا يُسَمَّى فَاعِلًا إلَّا مَجَازًا وَإِنَّمَا يَكُونُ حَقِيقَةً بَعْدَ وُجُودِ ما يُسَمَّى بَيْعًا وَأَكْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ في الْإِطْلَاقِ تَمَامُ الْفِعْلِ وَلِهَذَا قال ابن مَالِكٍ الْمُرَادُ بِالْحَالِ ما قَارَنَ وُجُودُ لَفْظِهِ لِوُجُودِ جُزْءٍ من مَعْنَاهُ كَقَوْلِك هذا زَيْدٌ يَكْتُبُ فَيَكْتُبُ مُضَارِعٌ بِمَعْنَى الْحَالِ وَوُجُودُ لَفْظِهِ مُقَارِنٌ لِوُجُودِ بَعْضِ الْكِتَابَةِ لَا لِجَمِيعِهَا لَا ما يَعْتَقِدُهُ كَثِيرٌ من الناس أَنَّ الْحَالَ هو الْمُقَارِنُ وُجُودُ مَعْنَاهُ لِوُجُودِ لَفْظِهِ لِأَنَّ مُدَّةَ وُجُودِ اللَّفْظِ لَا تَتَّسِعُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْفِعْلِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْحَالِ عن اللَّفْظِ الدَّالِّ على الْجَمِيعِ لِاتِّصَالِ أَجْزَاءِ الْكَلِمَةِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ التَّنْبِيهُ الثَّانِي نَقْلُ الْإِجْمَاعِ على أَنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبِلِ فيه نَظَرٌ فإن الشَّافِعِيَّ رَدَّ قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ في خِيَارِ الْمَجْلِسِ سُمِّيَا مُتَبَايِعَيْنِ لِشُرُوعِهِمَا في تَقْرِيرِ الثَّمَنِ وَالْمُبَادَلَةِ فقال الشَّافِعِيُّ لَا يُسَمَّيَانِ مُتَبَايِعَيْنِ بَلْ مُتَسَاوِمَيْنِ وَلِهَذَا لو قال امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كنا مُتَبَايِعَيْنِ وَكَانَا مُتَسَاوِمَيْنِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ التَّبَايُعُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ له مَدْلُولَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْلُبَ الدَّلَالَةَ على الزَّمَانِ فَلَا يَشْعُرُ بِتَجَدُّدٍ وَلَا حُدُوثٍ نَحْوُهُ

قَوْلُهُمْ سَيْفُهُ قَطُوعٌ وَزَيْدٌ صَارِعُ مِصْرَ أَيْ شَأْنُهُ ذلك فَهَذَا حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ يَصِحُّ نَفْيُهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ في السَّيْفِ ليس بِقَطُوعٍ وَالثَّانِي أَنْ يُقْصَدَ الْفِعْلُ في الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ الْفَاعِلُ كَأَفْعَالِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ من الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ فإنه يُوصَفُ في الْأَزَلِ بِالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ حَقِيقَةً وَإِنْ قُلْنَا إنَّ صِفَاتِ الْفِعْلِ حَادِثَةٌ وَإِنْ كان يَتَغَيَّرُ فَهُوَ مَوْضِعُ الْمَسْأَلَةِ وكان بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يقول مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ من الْمَنْطِقِيِّينَ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ حَقِيقَةً أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ إذَا قُلْنَا كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ فَمَعْنَاهُ كُلُّ ما هو إنْسَانٌ في الْحَالِ أو قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ فَهُوَ حَيَوَانٌ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْحُكْمَ على مُسَمَّى الْإِنْسَانِ وَمُسَمَّى الْإِنْسَانِ أَعَمُّ من أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا أو حَاضِرًا أو مُسْتَقْبَلًا وهو حَقِيقَةٌ في الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ له لِأَنَّا لَمَّا أَطْلَقْنَا اللَّفْظَ ما أَرَدْنَا بِهِ إلَّا ذلك الْمَعْنَى وَهَذَا مُرَادُنَا بِقَوْلِنَا إنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ حَقِيقَةٌ أَيْ إذَا أُرِيدَ منه الْحَالُ التي فيها كَذَلِكَ وَإِنْ أُطْلِقَ الْإِنْسَانُ مَثَلًا على النُّطْفَةِ أو الطِّينِ بِاعْتِبَارِ ما سَيَصِيرُ إلَيْهِ فَهَذَا مَجَازٌ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مُسَمَّى الْإِنْسَانِ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُسَمَّاهُ وَكَذَلِكَ إذَا أُطْلِقَ عليه بَعْدَ خُرُوجِهِ عن الْإِنْسَانِيَّةِ وَأُرِيدَ تِلْكَ الْخَارِجَةُ وهو الْمَنْقُولُ فيه الْخِلَافُ عن ابْنِ سِينَا التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ أَنَّ في نَقْلِ الْخِلَافِ عن ابْنِ سِينَا وَأَبِي هَاشِمٍ في هذه الْمَسْأَلَةِ نَظَرًا بَيَّنَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ أَمَّا ابن سِينَا فَلَا يُوجَدُ له مَوْضُوعٌ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَا في الْعَرَبِيَّةِ حتى يُؤْخَذَ خِلَافُهُ مِنْهُمَا نعم قال إنَّ الِاصْطِلَاحَ في عِلْمِ الْمَنْطِقِ أَنَّ قَوْلَنَا كُلُّ ج ب أَنَّا لَا نَعْنِي بِهِ ما هو ج دَائِمًا أو في الْحَالِ أو في وَقْتٍ مُعَيَّنٍ بَلْ ما هو أَعَمُّ من ذلك وهو أَنَّهُ ما صَدَقَ عليه أَنَّهُ ج سَوَاءٌ كان في ذلك الْمَاضِي أو الْمُسْتَقْبَلُ أو الْحَالُ دَائِمًا أو غير دَائِمٍ فَهَذَا ما اُصْطُلِحَ عليه فَعَلَى هذا إذَا قِيلَ الضَّارِبُ مُتَحَرِّكٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذلك حُكْمًا على الضَّارِبِ في الْحَالِ بَلْ على ما صَدَقَ عليه الضَّارِبُ سَوَاءٌ كان ذلك الصِّدْقُ في الْمَاضِي أو الْمُسْتَقْبَلِ أو الْحَالِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِاصْطِلَاحَاتِ لَا مُنَاقَشَةَ فيها وَلَا يَلْزَمُ من الِاصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ إلَّا إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ الْمُوَافَقَةَ وابن سِينَا وَغَيْرُهُ من

الْمَنْطِقِيِّينَ يَدَّعُونَ ذلك على أَنَّ الرَّازِيَّ في كُتُبِهِ الْمَنْطِقِيَّةِ قد وَافَقَ ابن سِينَا في هذا الِاصْطِلَاحِ وَأَمَّا ما نُقِلَ عن أبي هَاشِمٍ فَفِيهِ بَحْثٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ نُقِلَ عنه في الْمَسْأَلَةِ السَّالِفَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ بِدُونِ ما منه الِاشْتِقَاقُ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ منه أَنْ يُشْتَرَطَ في صِدْقِ الْمُشْتَقِّ أَنْ يَقُومَ بِهِ ما منه الِاشْتِقَاقُ وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ يقول إنَّ الضَّارِبَ لَا يَصْدُقُ حَقِيقَةً إلَّا في حَالِ صُدُورِ الضَّرْبِ من الضَّارِبِ وأبو هَاشِمٍ يقول يَكْفِي في صِدْقِ الضَّارِبِ حَقِيقَةً أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ وُجِدَ في الْوُجُودِ وَانْقَضَى فَإِنْ لم يَكُنْ وُجِدَ أَصْلًا فَلَا يقول بِصِدْقِ الضَّارِبِ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ التَّنَاقُضُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ ما نُقِلَ عنه أَوَّلًا صُورَتُهُ في صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً بِخِلَافِ غَيْرِهَا من الْمُشْتَقَّاتِ فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ لَكِنَّ الْإِمَامَ جَعَلَ الْمَسْأَلَتَيْنِ من حَيْثُ اللُّغَةِ التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ في الْمَسْأَلَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَجْرِي في الصِّفَاتِ الْقَارَّةِ الْمَحْسُوسَةِ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ لِأَنَّا على قَطْعٍ بِأَنَّ اللُّغَوِيَّ لَا يُطْلِقُ على الْأَبْيَضِ بَعْدَ اسْوِدَادِهِ أَنَّهُ أَبْيَضُ وقال الْإِمَامُ في الْمَسْأَلَةِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ نَائِمٌ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ السَّابِقِ وَادَّعَى الْآمِدِيُّ فيه الْإِجْمَاعَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في الضَّرْبِ وَنَحْوِهِ من الْأَفْعَالِ الْمُنْقَضِيَةِ فَإِطْلَاقُ الْمُشْتَقِّ على مَحِلِّهَا من بَابِ الْأَحْكَامِ فَلَا يَبْعُدُ إطْلَاقُهُ حَالَ خُلُوِّهِ عن مَفْهُومِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ وقال الْقَرَافِيُّ أَيْضًا مَحِلُّهُ إذَا كان الْمُشْتَقُّ مَحْكُومًا بِهِ كَقَوْلِك زَيْدٌ مُشْرِكٌ أو زَانٍ أو سَارِقٌ فَإِنْ كان مَحْكُومًا عليه كَقَوْلِك السَّارِقُ تُقْطَعُ يَدُهُ فإنه حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا فِيمَنْ اتَّصَفَ بِهِ في الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ قال وَلَوْلَا ذلك لَأَشْكَلَ الْقَطْعُ وَالْجَلْدُ لِأَنَّ هذه الْأَزْمِنَةَ الْمَاضِي وَالْحَالُ وَالِاسْتِقْبَالُ إنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ زَمَنِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ فَتَكُونُ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَنَظَائِرُهَا مَجَازَاتٍ بِاعْتِبَارِ من اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ في زَمَانِنَا لِأَنَّهُمْ في الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ زَمَنِ الْخِطَابِ عِنْدَ النُّزُولِ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَا مُخَلِّصَ عن هذا الْإِشْكَالِ إلَّا بِمَا سَبَقَ قال فَاَللَّهُ تَعَالَى لم يَحْكُمْ في تِلْكَ الْآيَاتِ بِشِرْكِ وَاحِدٍ وَلَا زِنَاهُ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِالْقَتْلِ وَالْجَلْدِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمَوْصُوفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ يَعُمُّ مُتَعَلِّقَ هذه الْأَحْكَامِ هذا ما ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وكان يَسْتَشْكِلُ ذلك وكان من في زَمَانِهِ من الْفُضَلَاءِ يَتَخَبَّطُونَ معه في

ذلك ولم يُوَفَّقُوا لِلصَّوَابِ فيه وقال بَعْضُهُمْ إنَّهُ مُنْدَفِعٌ بِدُونِ هذا فإن الْمَجَازَ وَإِنْ كان الْأَصْلُ عَدَمَهُ إلَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ على أَنَّ الْمُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ بَعْدَ وُرُودِ هذه النُّصُوصِ يَتَنَاوَلُهُمْ وَتَثْبُتُ تِلْكَ الْأَحْكَامُ فِيهِمْ وَالْحَقُّ أَنَّ هَاهُنَا شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا إطْلَاقُ اللَّفْظِ وَإِرَادَةُ الْمَعْنَى من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِزَمَانٍ كَقَوْلِنَا الْخَمْرُ حَرَامٌ فَهَذَا اللَّفْظُ صَادِقٌ سَوَاءٌ كانت الْخَمْرَةُ مَوْجُودَةً أَمْ لَا وَإِطْلَاقُ الْخَمْرِ في هذه الْقَضِيَّةِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّهُ لم يَقْصِدْ غير مَعْنَاهُ وَالْحُكْمُ عليه بِالتَّحْرِيمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالَةِ اتِّصَافِهِ بِالْخَمْرِيَّةِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فَلَا مَجَازَ في ذلك وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا الْقَاتِلُ مَقْتُولٌ وَنَحْوُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا وَقَوْلُهُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرُ ذلك من النُّصُوصِ وَالْحُكْمُ في ذلك على من اتَّصَفَ بِالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشِّرْكِ وَنَحْوِهَا حَاضِرًا كان أو مُسْتَقْبَلًا ولم يُقْصَدْ بِالزَّانِي إلَّا من اُتُّصِفَ بِالزِّنَى حين زِنَاهُ وَكَذَلِكَ بَاقِيهَا الثَّانِي إطْلَاقُهُ بِاعْتِبَارِ ما كان عليه فَهُوَ مَجَازٌ وهو مَوْضِعُ الْخِلَافِ قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أبو الْحَسَنِ السُّبْكِيُّ وَإِنَّمَا الْوَهْمُ سَرَى لِلْقَرَافِيِّ قَوْلُهُ بِأَنَّ الْمَاضِيَ وَالْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ بِحَسَبِ زَمَنِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَحَصَلَ بِذَلِكَ ما قَالَهُ من الْإِشْكَالِ وَلَا يُنْجِيهِ ما أَجَابَ بِهِ وَالْقَاعِدَةُ صَحِيحَةٌ في نَفْسِهَا وَلَكِنْ لم يَفْهَمُوهَا حَقَّ فَهْمِهَا قال وَهَاهُنَا أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَنَحْوَهُمَا إنَّمَا دَلَّ على شَخْصٍ مُتَّصِفٍ بِالْمَصْدَرِ الْمُشْتَقِّ منه فَضَارِبٌ مَدْلُولُهُ شَخْصٌ مُتَّصِفٌ بِضَرْبٍ صَادِرٍ منه وَلَا تَعَرُّضَ له لِزَمَانٍ كما هو شَأْنُ الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا وإذا لم يَدُلَّ على الزَّمَانِ الْأَعَمُّ من الْحَالِ فَلَأَنْ لَا يَدُلَّ على الْحَالِ الْأَخَصُّ منه أَوْلَى فَكَيْفَ يَكُونُ حَقِيقَةً فيه وَأَعْنِي بِالْحَالِ هُنَا زَمَنَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَدُلُّ على ذلك فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنَّمَا الْتَبَسَ على بَعْضِ الْمُبْتَدِئِينَ ذلك من جِهَةِ أَنَّهُمْ يَفْهَمُونَ من قَوْلِنَا زَيْدٌ ضَارِبٌ أَنَّهُ ضَارِبٌ في الْحَالِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ هذا لِدَلَالَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ عليه وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّك تَقُولُ هذا حَجَرٌ وَتُرِيدُ إنْسَانًا فَيُفْهَمُ منه الْحَالُ أَيْضًا مع أَنَّ الْحَجَرَ وَالْإِنْسَانَ لَا دَلَالَةَ لَهُمَا على الزَّمَانِ

فَإِنْ قُلْت اسْمُ الْفَاعِلِ يَدُلُّ على الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ في زَمَنٍ فَاسْمُ الْفَاعِلِ دَالٌّ على الزَّمَانِ بِالِالْتِزَامِ قُلْت الْمُعْتَبَرُ في دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ اللُّزُومُ الذِّهْنِيُّ وهو مَمْنُوعٌ هَاهُنَا وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْمَعْنَى فيه مُطْلَقُ الزَّمَانِ وإذا كنا نَقُولُ إنَّ الْيَوْمَ وَغَدًا وَأَمْسَ وَالزَّمَانَ وَالْآنَ أَسْمَاءٌ مع أنها لَا مَدْلُولَ لها غير الزَّمَانِ فما ظَنُّك بِمَا يَسْتَلْزِمُهُ وَاَلَّذِي مَنَعْنَا وُجُودَهُ في الِاسْمِ هو دَلَالَتُهُ على الزَّمَانِ كما يَدُلُّ الْفِعْلُ عليه وَأَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يَدُلُّ على زَمَنٍ مَاضٍ غَيْرِ زَمَانِ الْخِطَابِ أو مُقَارِنٍ له أو مُسْتَقْبَلٍ عنه فَهَذَا هو الْقَدْرُ الذي اخْتَصَّ بِهِ الْفِعْلُ وَلَا يُوجَدُ في شَيْءٍ من الْأَسْمَاءِ فَإِنْ قُلْت ضَرَبَ دَلَّ على زَمَانٍ مَاضٍ غَيْرِ زَمَنِ الْخِطَابِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنَّ زَمَنَ الْخِطَابِ مُسْتَقْبَلٌ عنه وَيَضْرِبُ وَاضْرِبْ بِالْعَكْسِ وَتَضْرِبُ إذَا جَعَلْته لِلْحَالِ دَلَّ على زَمَانٍ مَاضٍ وهو زَمَنُ الْخِطَابِ فَكُلُّ وَاحِدٍ من الْأَفْعَالِ دَالٌّ على زَمَانَيْنِ زَمَنِ الْخِطَابِ وَزَمَنٍ مَنْسُوبٍ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَا في الْحَاضِرِ مُتَّحِدَيْنِ وَمِثْلُ هذا لَا يُوجَدُ في شَيْءٍ من الْأَسْمَاءِ لَا بِمَادَّتِهِ وَلَا بِصُورَتِهِ وَقَوْلُ من قال إنَّ الْيَوْمَ وَأَمْسِ وَغَدًا يَدُلُّ على أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ بِمَادَّتِهِ وَأَخْذُهُ في حَدِّ الْفِعْلِ أَنْ يَدُلَّ بِبِنْيَتِهِ لِيُحْتَرَزَ عن ذلك مَدْخُولٌ بِمَا حَرَّرْنَاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا دَلَالَةَ له على زَمَنِ الْخِطَابِ أَلْبَتَّةَ وَأَنَّ قَوْلَنَا إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى الْحَالِ حَقِيقَةً ليس بهذا الْمَعْنَى خِلَافًا لِمَنْ غَلِطَ في ذلك الثَّانِي أَنَّ مَدْلُولَ اسْمِ الْفَاعِلِ شَخْصٌ مُتَّصِفٌ بِالْفِعْلِ كما قَدَّمْنَا حَاضِرًا كان أو مَاضِيًا أو مُسْتَقْبَلًا يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَنِ الْخِطَابِ وَهَذَا الْمَدْلُولُ مُرَكَّبٌ بِقَيْدِ الِاتِّصَافِ بِالْفِعْلِ لَا بُدَّ منه لِأَنَّهُ أَحَدُ جُزْئَيْ الْمَدْلُولِ فَمَتَى لم يَكُنْ لِذَلِكَ الْفِعْلِ وُجُودٌ فيه في زَمَنٍ ما فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ اللَّفْظِ عليه لِعَدَمِ حُصُولِ مَدْلُولِهِ وَمَتَى اتَّصَفَ بِالْفِعْلِ في زَمَنٍ بَقِيَ ذلك الزَّمَنُ الْمَدْلُولُ حَاصِلًا بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْفَاعِلِ عليه حَقِيقَةً لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ في مَدْلُولِهِ وَإِطْلَاقُهُ عليه قبل حُصُولِهِ بِاعْتِبَارِ تَوَقُّعِ مَحْصُولِهِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ له في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ لِلْمُرَكَّبِ من جُزْأَيْنِ مَوْجُودَيْنِ بِالْفِعْلِ وَهُنَا ليس كَذَلِكَ وَإِطْلَاقُهُ عليه بَعْدَ حُصُولِهِ مَجَازٌ أَيْضًا على الصَّحِيحِ وَهَذَا التَّقْسِيمُ ليس بِالنِّسْبَةِ إلَى وَقْتِ الْخِطَابِ بَلْ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَقْتِ حُصُولِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلِاشْتِقَاقِ وَإِنَّمَا تَطَرَّقَتْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ إلَيْهِ من جِهَةِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ على مَوْضُوعِهِ وَعَلَى غَيْرِ

مَوْضُوعِهِ فَمَوْضُوعُهُ هو التَّرْكِيبُ وَقْتَ التَّرْكِيبِ فَإِنْ أُرِيدَ كان اللَّفْظُ حَقِيقَةً فيه سَوَاءٌ تَكَلَّمَ بِهِ في ذلك الْوَقْتِ أَمْ غَيْرِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُهُ مَجَازًا سَوَاءٌ تَكَلَّمَ بِهِ ذلك الْوَقْتَ أَمْ غَيْرَهُ وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ حَالَةَ اقْتِرَانِ الْفِعْلِ بِالشَّخْصِ هل هِيَ شَرْطٌ في الْمَدْلُولِ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أنها شَرْطٌ لِضَرُورَةِ التَّرْكِيبِ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْحَالُ وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا لِكَوْنِ الزَّمَانِ مَأْخُوذًا في مَوْضُوعِهِ وَلَكِنْ لِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمُرَكَّبِ وَحَقِيقَةُ الْمُرَكَّبِ عَقْلًا تَسْتَدْعِي وَقْتَ التَّرْكِيبِ فَكَانَ ذلك الزَّمَانُ شَرْطًا لِوُجُودِ الْمَدْلُولِ الصَّحِيحِ لِلِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقِيِّ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْفَاعِلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَالِ حَقِيقَةٌ أَيْ مَقْصُودٌ بِهِ الْحَالُ الذي وُجِدَ مَدْلُولُهُ فيها وَهِيَ حَالَ قِيَامِ الْمَعْنَى بِهِ وَإِنَّمَا دَلَّ على ذلك قَاعِدَةُ الِاشْتِقَاقِ وَاسْتِدْعَاؤُهُ وُجُودَ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ منه لِأَنَّ الْمُشْتَقَّ مُرَكَّبٌ وَالْمُشْتَقَّ منه مُفْرَدٌ وَالْمُرَكَّبُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمُفْرَدِ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ من الناس أَنَّ الْمَقْصُودَ بهذا وَقْتُ الْخِطَابِ فَغَلِطَ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ إطْلَاقَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ مَجَازٌ أَيْ إذَا قَصَدَ تِلْكَ الْحَالَةَ وَإِنْ كان الْإِطْلَاقُ قَبْلَهَا أو بَعْدَهَا وَمَعْنَى قَوْلِنَا قَصَدَ بِهِ تِلْكَ الْحَالَ أَيْ قَصَدَ مَدْلُولَهُ الْكَائِنَ في تِلْكَ الْحَالِ وَأَمَّا الْحَالُ فَلَيْسَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ مَوْضُوعًا له الثَّالِثُ قد عَرَفْت أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَدُلُّ على الزَّمَانِ وَأَنَّهُ إنْ أُطْلِقَ وَأُرِيدَ بِهِ وَقْتُ حُصُولِ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ منه كان حَقِيقَةً وَإِلَّا كان مَجَازًا وَلَا فَرْقَ في ذلك بين أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا أو مُرَكَّبًا وَاقِعًا جُزْءَ كَلَامٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُ الْمُفْرَدِ يُوصَفُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَإِنَّك إذَا ذَكَرْت الْأَسْمَاءَ من غَيْرِ عَقْدٍ وَتَرْكِيبٍ وَأَرَدْت بها حَقَائِقَهَا كانت حَقِيقَةً وَإِلَّا مَجَازًا وإذا وَقَعَ جُزْءُ الْكَلَامِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ طَلَبًا أو خَبَرًا فَإِنْ كان طَلَبًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ اقْتَضَى طَلَبَ قَتْلٍ مُسْتَقْبَلٍ لِأَشْخَاصِ الْمُتَّصِفِينَ بِالشِّرْكِ حين الْقَتْلِ سَوَاءٌ كَانُوا مَوْجُودِينَ حَالَةَ الْخِطَابِ أَمْ حَادِثِينِ بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ من يُشْرِكُ بَعْدُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا لِأَنَّهُ ما قُصِدَ بِهِ إلَّا من هو مُتَّصِفٌ بِالشِّرْكِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَجَازًا وَلَا يَدْخُلُ من أَشْرَكَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَا من ظُنَّ أَنَّهُ مُشْرِكٌ بَعْدَ ذلك لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى مُشْرِكًا حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُحْمَلُ على حَقِيقَتِهِ

وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ سُؤَالَ الْقَرَافِيِّ لَا وَقْعَ له وَقَوْلُهُ إنَّ الْمُرَادَ في هذه الْمَسْأَلَةِ الْمَحْكُومُ بِهِ يُقَالُ له إنَّ قَوْلَهُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ مَعْنَاهُ الَّذِينَ هُمْ مُشْرِكُونَ فَقَدْ وَقَعَ اسْمُ الْفَاعِلِ مَحْكُومًا بِهِ وَقَوْلُهُ إنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ ليس يُرَادُ يَرُدُّ عليه قَوْلُك الْقَاتِلُ يُقْتَلُ أو الْكَافِرُ يُقْتَلُ وَأَرَدْت بِهِ مَعْهُودًا حَاضِرًا فإنه لَا يَكُونُ حَقِيقَةً حتى يَكُونَ الْقَتْلُ قَائِمًا بِهِ من حِينِ الْخِطَابِ وهو مِمَّا اقْتَضَتْهُ الْقَاعِدَةُ في الْمَسْأَلَةِ هذا حُكْمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَإِنْ كان الْكَلَامُ خَبَرًا فَإِنْ كان مَاضِيًا وَاسْمُ الْفَاعِلِ نَكِرَةً غير عَامَّةٍ كَقَوْلِك قَتَلْت كَافِرًا فَصِدْقُهُ بِوُجُودِ تِلْكَ الصِّفَةِ في الْمَاضِي حَالَةَ الْقَتْلِ وَإِنْ كانت مُضَافَةً إلَيْهَا كُلَّ كَقَوْلِك قَتَلْتُ كُلَّ كَافِرٍ اقْتَضَتْ تَعْمِيمَ الْقَتْلِ لِكُلِّ كَافِرٍ في الْمَاضِي وَهَلْ الْكَافِرُ في الْمُسْتَقْبَلِ خَارِجٌ عن ذلك بِقَرِينَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فَيَكُونُ مَخْصُوصًا أو لم يَدْخُلْ أَلْبَتَّةَ في الدَّلَالَةِ فيه ما أَشَرْنَا إلَيْهِ من الِاحْتِمَالَيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ في شَخْصٍ مُتَّصِفٍ بِحَدَثٍ حَالَ قِيَامِهِ بِهِ وَمَجَازٌ فِيمَا سَيَتَّصِفُ بِهِ وَكَذَا فِيمَا انْقَضَى اتِّصَافُهُ بِهِ على الصَّحِيحِ وَلَا فَرْقَ في الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بين أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ ذلك في تِلْكَ الْحَالَةِ أو في غَيْرِهَا فَالِاعْتِبَارُ في الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِزَمَانِ الِاتِّصَافِ لَا بِزَمَانِ الْإِطْلَاقِ وَلَا فَرْقَ بين أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا عليه أو بِهِ أو تَعَلَّقَ الْحُكْمُ حَيْثُ وُجِدَ في قَضِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ مُقَيَّدًا بِزَمَانِ فِعْلِهَا وفي قَضِيَّةٍ اسْمِيَّةٍ إنْ قُيِّدَتْ تَقَيَّدَتْ وَإِنْ أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ على الْحَالِ بِاسْمِ فَاعِلٍ كان الْمَحْكُومُ أو غَيْرُهُ من الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ أو الْجَامِدَةِ

مَسْأَلَةٌ الِاشْتِقَاقُ من الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ في الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالشَّيْءِ هل يَجِبُ أَنْ يُشْتَقَّ لِمَحِلِّهِ منه اسْمٌ قال الرَّازِيَّ إنْ لم يَكُنْ لِذَلِكَ الْمَعْنَى اسْمٌ كَأَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ وَالْآلَامِ اسْتَحَالَ أَنْ يُشْتَقَّ لِمَحِلِّهِ منه اسْمٌ بِالضَّرُورَةِ وَإِنْ كان له اسْمٌ فَفِيهِ مَقَامَانِ أَحَدُهَا هل يَجِبُ أَنْ يُشْتَقَّ اسْمٌ لها منها الظَّاهِرُ من مَذْهَبِ أَئِمَّتِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وُجُوبُهُ فإن الْمُعْتَزِلَةَ لَمَّا قالوا إنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ كَلَامَهُ في جِسْمٍ قال أَصْحَابُنَا لهم لو كان كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُشْتَقَّ من ذلك اسْمُ الْمُتَكَلِّمِ من ذلك الْكَلَامِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ إذَا لم يُشْتَقَّ لِمَحِلِّهِ منه اسْمٌ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَقَّ لِغَيْرِ ذلك الْمَحِلِّ منه اسْمٌ فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ نعم لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِالِاتِّفَاقِ وهو اسْمٌ مُشْتَقٌّ من الْكَلَامِ ثُمَّ إنَّ الْأَشَاعِرَةَ أَطْلَقُوا على اللَّهِ ما منه الِاشْتِقَاقُ قَائِمٌ بِذَاتِهِ الْكَرِيمَةِ وهو الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَلَا يُطْلِقُونَ ذلك على من لم يَقُمْ بِهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ يُطْلِقُونَ اسْمَ الْمُتَكَلِّمِ على اللَّهِ بِاعْتِبَارِ خَلْقِهِ لِلْكَلَامِ في اللَّوْحِ أو في غَيْرِهِ وَلَا يَعْتَرِفُونَ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَإِذَنْ اسْمُ الْمُتَكَلِّمِ صَادِقٌ على اللَّهِ ولم يَقُمْ بِذَاتِ اللَّهِ الْكَلَامُ وَيُسَمَّى مُتَكَلِّمًا وما قام بِهِ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا هذا حَاصِلُ ما قَالَهُ ثُمَّ إنَّهُ مَالَ إلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وقال ليس من شَرْطِ الْمُشْتَقِّ منه قِيَامُهُ بِمَنْ له الِاشْتِقَاقُ إذْ الْكَيُّ وَالْحِدَادُ وَنَحْوُهُمَا مُشْتَقَّةٌ من أُمُورٍ يَمْتَنِعُ قِيَامُهَا بِمَنْ له الِاشْتِقَاقُ وَرُدَّ ما قَالَهُ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا ادَّعَوْا ذلك في الْمُشْتَقَّاتِ من الْمَصَادِرِ التي هِيَ أَسْمَاءُ الْمَعَانِي وما ذَكَرَهُ مُشْتَقٌّ من الزَّوَائِدِ وَأَسْمَاءِ الْأَعْيَانِ فَلَا يَرُدُّ عليهم وقال الْقَرَافِيُّ هذه الْأَشْيَاءُ أَجْسَامٌ وَالْكَلَامُ في الْمَعَانِي لَا في الْأَجْسَامِ وَهَذَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَسْأَلَةِ بِالْمَصَادِرِ ذَاتِ الْمَعَانِي وقال الْجَزَرِيُّ إنَّ النَّقْصَ بِهَذِهِ إنَّمَا وَرَدَ على قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ الْمَعْنَى إذَا لم

يَقُمْ بِالْمَحِلِّ لم يُشْتَقَّ له منه اسْمٌ فَقِيلَ هذه الْأَشْيَاءُ لم تَقُمْ بِمَحَالِّهَا وقد اُشْتُقَّ منها أَسْمَاءٌ وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجْسَامَ لَا لَبْسَ في عَدَمِ قِيَامِهَا بِمَحَالِّ الْأَسْمَاءِ وَلَا كانت الْمَعَانِي يَصِحُّ قِيَامُهَا بِالْمَحَالِّ التي أُخِذَتْ لها منها الْأَسْمَاءُ فإذا أُطْلِقَتْ على غَيْرِ مَحَالِّهَا الْتَبَسَ الْأَمْرُ فيه قال وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا هِيَ النِّسَبُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بِالْمَحَالِّ فَمِنْ النِّسْبَةِ أُخِذَتْ الْأَسْمَاءُ لَا من الْمُنْتَسَبِ إلَيْهِ كان له وَجْهٌ قُلْت وَكَأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ على إطْلَاقِهِ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ ظَنَّ من لم يُحَصِّلْ عِلْمَ هذا الْبَابِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَصَفُوا الرَّبَّ تَعَالَى بِكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا وَزَعَمُوا أَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ وَلَيْسَ هذا مَذْهَبَ الْقَوْمِ بَلْ حَقِيقَةَ مُعْتَقَدِهِمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِعْلٌ من أَفْعَالِ اللَّهِ كَخَلْقِهِ الْجَوَاهِرَ وَأَعْرَاضَهَا فَلَا يَرْجِعُ إلَى حَقِيقَتِهِ وُجُودُ حُكْمٍ من أَحْكَامِ الْكَلَامِ فَمَحْصُولُ أَصْلِهِمْ أَنَّهُ ليس لِلَّهِ كَلَامٌ وَلَيْسَ قَائِلًا آمِرًا نَاهِيًا وَإِنَّمَا يَخْلُقُ أَصْوَاتًا في جِسْمٍ من الْأَجْسَامِ دَالٍّ على إرَادَتِهِ ا هـ وَعَلَى هذا فَتَنْسَلِخُ هذه الْمَسْأَلَةُ من هذا الطِّرَازِ وَلْنُنَبِّهْ أَنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ هَكَذَا من بَحْثِ اللُّغَاتِ لم تُنْقَلْ عن الْمُعْتَزِلَةِ ثُمَّ لَا يُمْكِنُهُمْ اطِّرَادُ ذلك في كل مَوْضِعٍ وَإِلَّا لَكَانَ جَهْلًا بِالْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَخُرُوجًا عن الْعَقْلِ وَإِنَّمَا أَلْجَأَهُمْ إلَى الْقَوْلِ بِهِ هُنَا أَنَّ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ وَاللَّفْظِيَّ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُهُ مَحِلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالِاتِّفَاقُ على أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَكَلِّمٌ فَاحْتَاجُوا إلَى أَنْ قالوا سُمِّيَ مُتَكَلِّمًا لِكَوْنِهِ يَخْلُقُ الْكَلَامَ في جِسْمٍ أُخِذَ من اعْتِقَادِهِمْ هذا جَوَازُ اشْتِقَاقِ الْفَاعِلِ لِشَيْءٍ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ ذلك غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ ليس بِمَذْهَبٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُورَدَ الْمَسْأَلَةُ هَكَذَا فَائِدَةٌ قد يَخْرُجُ على قَوْلِهِمْ لَا يُشْتَقُّ اسْمُ الْفَاعِلِ لِشَيْءٍ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ ما لو حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَوَكَّلَ من يَفْعَلُهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لم يَقَعْ منه فَلَا يُسَمَّى فَاعِلًا وَكَذَا لو وُكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ ثُمَّ قال وَاَللَّهِ لَسْت بِبَائِعٍ وَلَا مُطَلِّقٍ هل يَحْنَثُ

مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ الْأَسْمَاءُ الْمُشْتَقَّةُ لَا تَدُلُّ على خُصُوصِيَّاتِ الذَّوَاتِ التي قَامَتْ تِلْكَ الْمَعَانِي بها بَلْ على اتِّصَافِهَا بِالْمَصْدَرِ فَإِذَنْ قَوْلُنَا أَسْوَدُ يَدُلُّ على شَيْءٍ ما له السَّوَادُ أَيْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بين الْمَوْجُودَاتِ وَأَمَّا أَنَّ ذلك الشَّيْءَ جِسْمٌ فَلَا يَدُلُّ ذلك من اللَّفْظِ بَلْ بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ أَنَّ السَّوَادَ لَا يَقُومُ إلَّا بِجِسْمٍ فَدَلَّ على الْجِسْمِيَّةِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لَا بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ فَنَقُولُ ضَارِبٌ يَدُلُّ على قِيَامِ الضَّرْبِ بِذَاتٍ وَأَمَّا أنها إنْسَانٌ أو حَيَوَانٌ أو غَيْرُهُمَا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ مَسْأَلَةٌ قال الصَّفَّارُ في شَرْحِ سِيبَوَيْهِ الْمُشْتَقَّاتُ بِالِاسْتِقْرَارِ تَدُلُّ على ما يَدُلُّ عليه الْمُشْتَقُّ منه وَزِيَادَةٍ وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ فَائِدَةُ الِاشْتِقَاقِ نحو أَحْمَرَ يَدُلُّ على الْحُمْرَةِ وَعَلَى الشَّخْصِ وَكَذَلِكَ ضَارِبٌ يَدُلُّ على الضَّرْبِ وَعَلَى الشَّخْصِ وَلِهَذَا قال الْبَصْرِيُّونَ إنَّ الْفِعْلَ مُشْتَقٌّ من الْمَصْدَرِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ على ما يَدُلُّ عليه الْمَصْدَرُ وَزِيَادَةٍ وهو الزَّمَانُ وَخِلَافُ الْكُوفِيِّينَ يَدُلُّ على مُخَالَفَتِهِمْ هذا الْأَصْلَ

مَبَاحِثُ التَّرَادُفِ وهو مُشْتَقٌّ من مُرَادَفَةِ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَمْلُهَا اثْنَيْنِ أو أَكْثَرَ على ظَهْرِهَا وَرِدْفِهَا وفي الِاصْطِلَاحِ هو الْأَلْفَاظُ الْمُفْرَدَةُ الدَّالَّةُ على شَيْءٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ وَاحْتُرِزَ بِالْمُفْرَدَةِ عن دَلَالَةِ الِاسْمِ وَالْحَدِّ فَإِنَّهُمَا يَدُلَّانِ على شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ لِأَنَّ الْحَدَّ مُرَكَّبٌ وَخَرَجَ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ الْمُتَزَايِلَانِ كَالسَّيْفِ وَالصَّارِمِ فإن مَدْلُولَهُمَا وَاحِدٌ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ وَفِيهِ مَسَائِلُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى في وُقُوعِهِ مَذَاهِبُ أَحَدُهَا أَنَّهُ وَاقِعٌ مُطْلَقًا وهو الصَّحِيحُ من لُغَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنْ لُغَتَيْنِ وَبِحَسَبِ الشَّرْعِ كَالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ عِنْدَنَا وَبِحَسَبِ الْعُرْفِ الثَّانِي الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ وَضْعَ اللَّفْظَيْنِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ عِيٌّ يَجِلُّ الْوَاضِعُ عنه وَكُلُّ ما اُدُّعِيَ فيه التَّرَادُفُ فإن بين مَعْنَيْهِمَا تَوَاصُلًا لِأَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ الِاشْتِقَاقَ الْأَكْبَرَ وَاخْتَارَهُ أبو الْحُسَيْنِ بن فَارِسٍ في كِتَابِهِ فِقْهِ اللُّغَةِ وَحَكَاهُ عن شَيْخِهِ ثَعْلَبٍ وقال ابن سِيدَهْ في الْمُخَصَّصِ كان محمد بن السَّرِيِّ يَعْنِي ابْنَ السِّرَاجِ يَحْكِي عن أَحْمَدَ بن يحيى ثَعْلَبٍ مَنْعَهُ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْعُهُ سَمَاعًا أو قِيَاسًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمَاعًا فإن كُتُبَ الْعُلَمَاءِ بِاللُّغَةِ وَنُقَلَهَا طَافِحَةٌ بِهِ في تَصْنِيفِهِ كِتَابَ الْأَلْفَاظِ فَإِنْ قال في كل لَفْظَةٍ مَعْنًى ليس في الْأُخْرَى كما في مَضَى وَذَهَبَ قِيلَ نَحْنُ نُوجِدُ له ما لَا تَجِدُ بُدًّا من أَنْ تَقُولَ إنَّهُ لَا زِيَادَةَ مَعْنَى في وَاحِدَةٍ منها دُونَ الْأُخْرَى وَذَلِكَ نَحْوُ الْكِتَابَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَك ضَرَبَك وما ضَرَبَ إلَّا إيَّاكَ وَجِئْتنِي وما جَاءَنِي إلَّا أنت وَنَحْوُهُ يُفْهَمُ من كل لَفْظَةٍ ما يُفْهَمُ من الْأُخْرَى من الْغَيْبَةِ وَالْخِطَابِ وَالْإِضْمَارِ وَالْمَوْضِعِ من الْإِعْرَابِ لَا زِيَادَةَ في ذلك فإذا جَازَ في شَيْءٍ وَشَيْئَيْنِ وَثَلَاثَةٍ جَازَ فِيمَا زَادَ على ذلك وَصَنَّفَ الزَّجَّاجُ كِتَابًا ذَكَرَ فيه التَّرَادُفَ وَكِتَابًا ذَكَرَ فيه اشْتِقَاقَ الْأَسْمَاءِ وَصَنَّفَ أبو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ مُصَنَّفًا آخَرَ مَنَعَ فيه التَّرَادُفَ وَسَمَّاهُ الْفُرُوقَ قال وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ من الْعُلَمَاءِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُبَرِّدُ في قَوْله تَعَالَى لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا قال فَعَطَفَ مِنْهَاجًا على شِرْعَةٍ

لِأَنَّ الشِّرْعَةَ لِأَوَّلِ الشَّيْءِ وَالْمِنْهَاجَ لِعَظِيمِهِ وَمُتَّسَعِهِ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِمْ شَرَعَ فُلَانٌ في كَذَا إذَا ابْتَدَأَهُ وَأَنْهَجَ الْبَلَاءَ في الثَّوْبِ إذَا اتَّسَعَ فيه قال أبو هِلَالٍ وقال بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ على الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ حتى تَضَامَّهُ عَلَامَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِلَّا أَشْكَلَ فَالْتَبَسَ على الْمُخَاطَبِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ على مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظَانِ يَدُلَّانِ على مَعْنًى وَاحِدٍ لِأَنَّ فيه تَكْثِيرًا لِلُّغَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فيه وقال الْمُحَقِّقُونَ من أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْحَرَكَاتُ في الْكَلِمَتَيْنِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ قالوا فإذا كان الرَّجُلُ عِنْدَهُ الشَّيْءُ قِيلَ فيه مَفْعَلُ كَمِرْحَمٍ وَمِحْرَبٍ وإذا كان قَوِيًّا على الْفِعْلِ قِيلَ فَعُولٌ كَصَبُورٍ وَشَكُورٍ فإذا تَكَرَّرَ منه الْفِعْلُ قِيلَ فَعَّالٌ كَعَلَّامٍ وَجَبَّارٍ وإذا كان عَادَةً له قِيلَ مِفْعَالٌ كَمِعْوَانٍ وَمِعْطَافٍ وَمَنْ لَا يُحَقِّقُ الْمَعَانِيَ يَظُنُّ أنها مُتَرَادِفَةٌ وَلِهَذَا قال الْمُحَقِّقُونَ إنَّ حُرُوفَ الْجَرِّ لَا تَتَعَاقَبُ حتى قال ابن دُرُسْتَوَيْهِ في جَوَازِ تَعَاقُبِهَا إبْطَالُ حَقِيقَةِ اللُّغَةِ وَإِفْسَادُ الْحُكْمِ فيها لِأَنَّهَا إذَا تَعَاقَبَتْ خَرَجَتْ عن حَقَائِقِهَا وَوَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ منها بِمَعْنَى الْآخَرِ فَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ لَفْظَانِ مُخْتَلِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْمُحَقِّقُونَ يَأْبَوْنَهُ هذا كَلَامُهُ وَمِمَّنْ اخْتَارَ ذلك من الْمُتَأَخِّرِينَ الْجُوَيْنِيُّ في الْيَنَابِيعِ وقال أَكْثَرُ ما يُظَنُّ أَنَّهُ من الْمُتَرَادِفِ ليس كَذَلِكَ بَلْ اللَّفْظَانِ مَوْضُوعَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَكِنَّ وَجْهَ الْخِلَافِ خَفِيٌّ وَالثَّالِثُ يَقَعُ في اللُّغَةِ لَا في الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ في الْمَحْصُولِ فقال في آخِرِ مَسْأَلَةِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ وُقُوعَ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَمَّا التَّرَادُفُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لم يُوجَدْ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ على خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ا هـ هذا وَالْإِمَامُ نَفْسُهُ مِمَّنْ يقول بِأَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ مُتَرَادِفَانِ وَالسُّنَّةَ وَالتَّطَوُّعَ ثُمَّ الْخِلَافُ في اللُّغَةِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا اللُّغَتَانِ فَلَا يُنْكِرُهُمَا أَحَدٌ قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ قُلْت وَنَصَّ عليه الْعَسْكَرِيُّ وهو مِمَّنْ يُنْكِرُ أَصْلَ التَّرَادُفِ فقال لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ وأفعل بِمَعْنًى وَاحِدٍ كما لَا يَكُونَانِ على بِنَاءٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ ذلك في لُغَتَيْنِ وَأَمَّا في لُغَةٍ فَمُحَالٌ فَقَوْلُك سَقَيْت الرَّجُلَ يُفِيدُ أَنَّك أَعْطَيْته ما يَشْرَبُهُ أو صَبَبْته في حَلْقِهِ وَأَسْقَيْته يُفِيدُ أَنَّك جَعَلْت له سَقْيًا أو حَظًّا من الْمَاءِ وَقَوْلُك شَرِقَتْ الشَّمْسُ يُفِيدُ خِلَافَ غَرَبَتْ وَأَشْرَقَتْ يُفِيدُ أنها صَارَتْ ذَاتَ إشْرَاقٍ انْتَهَى

مَسْأَلَةٌ هل وَقَعَ في الْقُرْآنِ تَرَادُفٌ إذَا قُلْنَا بِوُقُوعِهِ في اللُّغَةِ فَهَلْ وَقَعَ في الْقُرْآنِ نُقِلَ عن الْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ الْمَنْعُ كَذَا رَأَيْته في أَوَّلِ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِأَبِي إِسْحَاقَ بن دِهَاقٍ الشَّهِيرِ بِابْنِ الْمِرْآةِ فقال ذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ إلَى مَنْعِ تَرَادُفِ اسْمَيْنِ في كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى على مُسَمًّى وَاحِدٍ فقال في قَوْلِهِ هو اللَّهُ الْخَالِقُ إنَّهُ بِمَعْنَى الْمُعَدِّلِ من قَوْلِ الشَّاعِرِ وَلَأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْت وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي فَمَعْنَاهُ يَمْضِي وَيَقْطَعُ ما قَدَّرْت من غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَصَفَهُ بِحَصَافَةِ الْعَقْلِ وَجَوْدَةِ الرَّأْيِ ا هـ وَهَذَا هو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُبَرِّدِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَبْدَى لِكُلِّ مَعْنًى وَالصَّحِيحُ الْوُقُوعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كل أُمَّةٍ وفي مَوْضِعٍ أَرْسَلْنَا وهو كَثِيرٌ مَسْأَلَةٌ في سَبَبِ التَّرَادُفِ وهو إمَّا أَنْ يَكُونَ من وَاضِعَيْنِ وهو السَّبَبُ الْأَكْثَرُ كما قَالَهُ الْإِمَامُ وَيَلْتَبِسُ وَإِمَّا من وَاضِعٍ وَاحِدٍ وَلَهُ فَوَائِدُ منها التَّوْسِعَةُ لِتَكْثِيرِ الطُّرُقِ على التَّعْبِيرِ عن الْمَعَانِي الْمَطْلُوبَةِ وَلِهَذَا يَجْتَنِبُ وَاصِلُ بن عَطَاءٍ اللَّفْظَةَ التي فيها الرَّاءُ لِلُثْغَتِهِ حتى كَأَنَّ الرَّاءَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ من حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَمِنْهَا تَيْسِيرُ النَّظْمِ لِلرَّوِيِّ وَالنَّثْرِ لِلزِّنَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَالْمُطَابِقَةِ مَسْأَلَةٌ التَّرَادُفُ خِلَافُ الْأَصْلِ التَّرَادُفُ خِلَافُ الْأَصْلِ فإذا دَارَ اللَّفْظُ بين كَوْنِهِ مُتَرَادِفًا أو مُتَبَايِنًا فَحَمْلُهُ على الْمُتَبَايِنِ أَوْلَى لِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِفْهَامُ فَمَتَى حَصَلَ بِالْوَاحِدِ لم يَحْتَجْ إلَى الْأَكْثَرِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَشَقَّةَ في حِفْظِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ في الْمَحْصُولِ حَكَى خِلَافًا في أَنَّ الْمُتَرَادِفَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّرَادُفِ وَذَكَرَ الْحُجَّةَ السَّابِقَةَ

لِكُلٍّ من الْمَقَالَيْنِ وَفِيهِ إشَارَةٌ لِاتِّحَادِهِمَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ في لُغَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ مَعْنًى وَاحِدٍ لَفْظٌ وَاحِدٌ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْمَحْصُولِ وُجُودَ خِلَافٍ في الْمَسْأَلَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَصْلِ الْغَالِبُ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْخِلَافُ وإذا أُرِيدَ بِهِ الْقِيَاسُ فَيُمْكِنُ قَوْلُهُ في التَّرَادُفِ من وَاضِعٍ وَاحِدٍ لَا من وَاضِعَيْنِ مَسْأَلَةٌ إطْلَاقُ كل وَاحِدٍ من الْمُتَرَادِفَيْنِ على الْآخَرِ الْمُتَرَادِفَانِ يَصِحُّ إطْلَاقُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِمَعْنَى الْمُتَرَادِفَيْنِ وَلَا خِلَافَ في هذا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في حَالِ التَّرْكِيبِ على ما يَدُلُّ عليه كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ في الْمُنْتَهَى وَالْبَيْضَاوِيُّ أَيْ إذَا صَحَّ النُّطْقُ بِأَحَدِهِمَا في تَرْكِيبٍ يَلْزَمُ أَنْ يَصِحَّ النُّطْقُ فيه بِالْآخَرِ اخْتَلَفُوا فيه وهو مَعْنَى قَوْلِ الْمَحْصُولِ يَجِبُ صِحَّةُ إقَامَتِهِ مَقَامَهُ وَفِيهِ ثَلَاثُ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ اللُّزُومُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من التَّرْكِيبِ إنَّمَا هو الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ فإذا صَحَّ النُّطْقُ مع أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ وَجَبَ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَصِحَّ مع اللَّفْظِ الْآخَرِ قال الْإِمَامُ الرَّازِيَّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ في أَوَّلِ النَّظَرِ وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّرْكِيبَ من عَوَارِضِ الْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ فإذا صَحَّ تَأَلُّفُ الْمَعْنَى مع الْمَعْنَى فَلَا نَظَرَ إلَى التَّعْبِيرِ عنه بِأَيِّ لَفْظَةٍ كانت وَمُقْتَضَى ذلك أَنَّهُ إذَا لم يَصِحَّ التَّأْلِيفُ لَا يَجُوزُ كما في صلى وَدَعَا فإن أَئِمَّةَ اللُّغَةِ قالوا إنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ مع أَنَّهُ لم يَقُمْ أَحَدُ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَقَامَ الْآخَرِ فإنه يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ صلى عليه فَتَرَكَّبَ صلى مع لَفْظَةِ على في طَلَبِ الْخَيْرِ لِلْمَدْعُوِّ له وَلَوْ رَكَّبْتهَا مع دَعَا فَقُلْت دَعَا عليه لم يَصِحَّ وَانْعَكَسَ الْمَعْنَى لِلشَّرِّ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كُلًّا من صلى وَدَعَا مُشْتَرَكٌ بين مَعَانٍ وَالصَّلَاةُ من اللَّهِ لَيْسَتْ بِالدُّعَاءِ بَلْ هِيَ الْمَغْفِرَةُ فَمَعْنَى صلى اللَّهُ على زَيْدٍ غَفَرَ له غير أَنَّ التَّعَدِّيَةَ مُخْتَلِفَةٌ فَأَتَى في الصَّلَاةِ بِعَلَى مُبَالَغَةً في اسْتِعْلَاءِ الْفِعْلِ على الْمَفْعُولِ وَالثَّانِي أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَاخْتَارَهُ في الْحَاصِلِ والتحصيل وقال في الْمَحْصُولِ إنَّهُ الْحَقُّ لِأَنَّ صِحَّةَ الضَّمِّ قد تَكُونُ من عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ أَيْضًا لِأَنَّهُ

يَصِحُّ قَوْلُك خَرَجْت من الدَّارِ مع أَنَّك لو أَبْدَلْت لَفْظَةَ من وَحْدَهَا بِمُرَادِفِهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لم يَجُزْ قال وإذا قُلْنَا ذلك في لُغَتَيْنِ لم يَمْتَنِعْ وُقُوعُ مِثْلِهِ في اللُّغَةِ الْوَاحِدَةِ وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَكُونَ من لُغَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَصِحُّ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وقال هذا الْقَوْلُ وَإِنْ لم يُلْفَ صَرِيحًا لَكِنْ يُلْفَى ضِمْنًا في كَلَامِهِمْ وقال النَّقْشَوَانِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ اللُّغَةَ الْوَاحِدَةَ فيها تَفْصِيلٌ فإنه إنْ لم يَكُنْ الْمَقْصُودُ إلَّا مُجَرَّدَ الْفَهْمِ قام أَحَدُ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَقَامَ الْآخَرِ وَإِنْ كان الْمَقْصُودُ قَافِيَةَ الْقَصِيدَةِ وَرَوِيَّ الشِّعْرِ وَأَنْوَاعَ الْجِنَاسِ فَلَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ فإنه قد يَكُونُ ذلك مَوْجُودًا في الْبُرِّ دُونَ الْقَمْحِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ في الْمَحْصُولِ نَصَبَ الْخِلَافَ في وُجُوبِ إقَامَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ قال الْأَصْفَهَانِيُّ وَمُرَادُهُ بِالْوُجُوبِ اللُّزُومُ بِمَعْنَى أَنَّ من لَوَازِمِ صِحَّةِ انْضِمَامِ الْمَعَانِي صِحَّةُ انْضِمَامِ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عليها وَاخْتَارَ أَنَّ جَوَازَ تَبْدِيلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ غَيْرُ لَازِمٍ وَعَلَى هذا فَمَنْ نَقَلَ عن الْإِمَامِ اخْتِيَارَ الْمَنْعِ مُطْلَقًا ليس بِجَيِّدٍ وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ في الْمُنْتَهَى يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ في الْجَوَازِ حَيْثُ لم يَتَغَيَّرْ الْمَعْنَى فَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا وَلَا شَكَّ فيه وَكَلَامُهُ في الْمُخْتَصَرِ صَرِيحٌ في أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هو في تَبْدِيلِ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ دُونَ الْبَعْضِ وَلِهَذَا مَثَّلَ بِ خداي أَكْبَرُ قال وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِاخْتِلَاطِ اللُّغَتَيْنِ فَأَرْشَدَ إلَى أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ قَاصِرَةٌ على تَرْجَمَةِ بَعْضِ الْمُرَكَّبِ لَا كُلِّهِ أَمَّا تَبْدِيلُ أَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ كُلِّهَا أَلْفَاظًا من غَيْرِ لُغَتِهِ فَلَا شَكَّ في جَوَازِهِ وقد نَقَلَ ابن الْحَاجِبِ فيه الْإِجْمَاعَ في بَابِ الْأَخْبَارِ فَلْيُتَفَطَّنْ له فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَتَّجِهُ جَوَازُ تَبْدِيلِ الْجَمِيعِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمَنْعِ على قَوْلٍ إذَا بَدَّلَ الْبَعْضَ قُلْت لِأَنَّ تَبْدِيلَ الْبَعْضِ جَمْعٌ بين اللُّغَتَيْنِ في كَلَامٍ وَاحِدٍ فَرُبَّمَا خَلَطَ على السَّامِعِ فَيُخِلُّ بِالْفَهْمِ بِخِلَافِ تَبْدِيلِ الْجَمِيعِ وَأَوْضَحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَسْأَلَةَ فقال أَحَدُ الْمُتَرَادِفَيْنِ إمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ مُفْرَدًا أو مُرَكَّبًا الْحَالَةُ الْأُولَى الْإِفْرَادُ وقد نَصُّوا على أَنَّهُ لَا خِلَافَ في قِيَامِ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ قُلْت منهم ابن الْحَاجِبِ في الْمُنْتَهَى ا ه

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُفْرَدَ ذُو التَّرَادُفِ له أَحْوَالٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ عِنْدَ تَعْدَادِ الْمُفْرَدَاتِ حَيْثُ لَا إعْرَابَ وَلَا بِنَاءَ كَقَوْلِهِ أَسَدٌ عَيْنٌ حِنْطَةٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ في النُّطْقِ بِأَيِّ اللَّفْظَيْنِ شَاءَ بِلَا إشْكَالٍ من لَيْثٍ أو مُقْلَةٍ أو بُرٍّ الثَّانِي أَنْ يَتَكَلَّمَ زَيْدٌ بِالْمُفْرَدِ فَيُرِيدُ أَنْ يَحْكِيَهُ فيقول قال زَيْدٌ أَسَدٌ وَيَكُونُ إنَّمَا قال لَيْثٌ الثَّالِثُ أَنْ يَأْمُرَك زَيْدٌ بِأَنْ تَقُولَ لَيْثٌ فَتَقُولُ أَسَدٌ فَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ من قِسْمِ الْمُفْرَدِ وَلِلنِّزَاعِ فيها مَجَالٌ عِنْدَ تَعَيُّنِ حِكَايَةِ اللَّفْظِ لَا سِيَّمَا إنْ مَنَعْنَا النَّقْلَ بِالْمَعْنَى وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازُ بِمُرَادِفِهِ لِأَنَّ ذلك لَعَلَّهُ خَاصٌّ بِحِكَايَةِ كَلَامِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَكَذَلِكَ في صُورَةِ الْأَمْرِ يَحْتَمِلُ الِامْتِثَالَ بِالْمُرَادِفِ وَإِلَّا قُلْت قد صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إذَا قال الْقَاضِي له قُلْ بِاَللَّهِ فقال بِالرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ نُكُولًا وفي الْمُكْرَهِ لو قال له قُلْ أَنْتِ طَالِقٌ فقال بَائِنٌ إنَّهُ يَكُونُ اخْتِيَارًا وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْإِجْمَاعِ على الْمُفْرَدِ مَمْنُوعٌ الْمُرَكَّبُ وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا أَنْ يَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمُ النُّطْقَ فَيَنْطِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيْسَ ذلك مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً وَيُبَدِّلُ بِأَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ كُلِّهَا أَلْفَاظًا من غَيْرِ لُغَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كما قَالَهُ ابن الْحَاجِبِ في بَابِ الْأَخْبَارِ الثَّالِثُ أَنْ يُبَدِّلَ كُلَّهَا بِأَلْفَاظٍ مُتَرَادِفَةٍ من لُغَتِهَا مِثْلَ أَنْ يُقَالَ حَضَرَ الْأَسَدُ فَيُقَالُ قال زَيْدٌ جاء اللَّيْثُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذا ليس مَحَلَّ النِّزَاعِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَحْصُولِ مِمَّنْ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُقَامُ أَحَدُ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَقَامَ الْآخَرِ مع جَزْمِهِ بِجَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى بِغَيْرِ الْمُتَرَادِفِ فَضْلًا عن الْمُتَرَادِفِ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ في امْتِثَالِ الْأَمْرِ كَأَنْ يَقُولَ زَيْدٌ قُلْ جاء الْأَسَدُ فيقول حَضَرَ اللَّيْثُ أو يُعَبِّرُ عنه بِالْعَجَمِيَّةِ فَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّفْظُ وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازُ إلَّا حَيْثُ تَعَبَّدْنَا بِاللَّفْظِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهَا الْخَامِسُ أَنْ يُبَدِّلَ بَعْضَ أَلْفَاظِ الْمُرَكَّبِ دُونَ بَعْضٍ كَأَنْ يَقُولَ حَضَرَ الْأَسَدُ مَكَانَ حَضَرَ اللَّيْثُ وَكَذَلِكَ خداي أَكْبَرُ في غَيْرِ الصَّلَاةِ فَهَذَا مَوْضِعُ النِّزَاعِ هذا

كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ جَوَازُ إقَامَةِ كُلٍّ من الْمُتَرَادِفَيْنِ مُخْتَلِفَيْ اللُّغَةِ مَقَامَ الْآخَرِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فيه الْأَلْفَاظُ كَعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا ما وَقَعَ النَّظَرُ في أَنَّ التَّعَبُّدَ هل وَقَعَ بِلَفْظَةٍ فَلَيْسَ من هذا الْبَابِ لِأَنَّ الْمَانِعَ إذْ ذَاكَ من إقَامَةِ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مُخْتَلِفَيْ اللُّغَةِ مَقَامَ الْآخَرِ ليس لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ذلك بَلْ لِمَا وَقَعَ من التَّعَبُّدِ بِجَوْهَرِ لَفْظِهِ كَالْخِلَافِ في أَنَّ لَفْظ النِّكَاحِ هل يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَأَنْظَارِهِ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في النِّهَايَةِ في بَابِ النِّكَاحِ لِلْأَلْفَاظِ سِتَّ مَرَاتِبَ الْأَوَّلُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَلَفْظُهُ مُتَعَيِّنٌ الثَّانِي ما تَعَبَّدْنَا بِلَفْظِهِ وَإِنْ كان الْغَرَضُ الْأَكْبَرُ مَعْنَاهُ كَالتَّكْبِيرِ وَالتَّشَهُّدِ الثَّالِثُ لَفْظُ النِّكَاحِ تَرَدَّدُوا هل الْمَرْعِيُّ فيه التَّعَبُّدُ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ أَلْفَاظُهُ لِحَاجَةِ الْإِشْهَادِ وَيَلْزَمُ على الثَّانِي أَنَّ أَهْلَ قُطْرٍ لو تَوَاطَئُوا على لَفْظٍ في إرَادَةِ النِّكَاحِ يَنْعَقِدُ بِهِ الرَّابِعُ الطَّلَاقُ الْخَامِسُ الْعُقُودُ سِوَى النِّكَاحِ السَّادِسُ ما لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ كَالْإِبْرَاءِ وَالْفَسْخِ مَسْأَلَةٌ اللُّغَاتُ ما عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ اللُّغَاتُ ما عَدَا الْعَرَبِيَّةَ سَوَاءٌ على الْأَصَحِّ وَمِنْ فُرُوعِهَا أَنَّ من لم يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ على التَّكْبِيرِ في الصَّلَاةِ تَرْجَمَ قال في الْحَاوِي إذَا لم يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ وَأَحْسَنَ الْفَارِسِيَّةَ وَالسُّرْيَانِيَّة فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يُكَبِّرُ بِالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ اللُّغَاتِ إلَى الْعَرَبِيَّةِ وَالثَّانِي بِالسُّرْيَانِيَّةِ لِشَرَفِهَا بِإِنْزَالِ كِتَابٍ لها وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَحْسَنَ التُّرْكِيَّةَ وَالْفَارِسِيَّةَ فَهَلْ تَتَعَيَّنُ الْفَارِسِيَّةُ أو يَتَخَيَّرُ وَجْهَانِ وَإِنْ أَحْسَنَ التُّرْكِيَّةَ وَالْهِنْدِيَّةَ يَتَخَيَّرُ بِلَا خِلَافٍ قال الشَّاشِيُّ وَهَذَا التَّخْرِيجُ فَاسِدٌ فإن اللُّغَاتِ بَعْدَ الْعَرَبِيَّةِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْعَرَبِيَّةُ بِذَلِكَ تَعَبُّدًا

مَسْأَلَةٌ تَرَادُفُ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ قِيلَ الْحَدُّ وَالْمَحْدُودُ مُتَرَادِفَانِ وَالصَّحِيحُ تَغَايُرُهُمَا لِأَنَّ الْمَحْدُودَ يَدُلُّ على الْمَاهِيَّةِ من حَيْثُ هِيَ وَالْحَدُّ يَدُلُّ عليها بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ على أَجْزَائِهَا فَالِاعْتِبَارَانِ مُخْتَلِفَانِ وقال الْقَرَافِيُّ الْحَدُّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ وَنَفْسُهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى فَلَفْظُ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ الذي وَقَعَ الْحَدُّ بِهِ هو الْإِنْسَانُ قَطْعًا وَمَدْلُولُ هذا اللَّفْظِ هو غَيْرُ الْإِنْسَانِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْحَدَّ وَالْمَحْدُودَ إنْ لم يَتَّحِدَا في الذَّاتِ كَذَبَ الْحَدُّ ولم يَكُنْ حَدًّا وَإِنْ اتَّحَدَا صَدَقَ الْحَدُّ وَلَيْسَ هو الْمَحْدُودَ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ يَجِبُ اتِّحَادُ الْخَبَرِ بِالْمُبْتَدَأِ وَإِلَّا لم يَكُنْ خَبَرًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هو هو من كل وَجْهٍ وَإِلَّا لم يَكُنْ كَلَامًا أَلْبَتَّةَ فإن قَوْلَك زَيْدٌ زَيْدٌ إذَا لم يُقَدَّرْ زَيْدٌ الثَّانِي بِمَعْنًى يَزِيدُ على الْأَوَّلِ كان مُهْمَلًا وَالْفَائِدَةُ في الْخَبَرِ مع الِاتِّحَادِ تَنْزِيلُ الْكُلِّيِّ على الْجُزْئِيِّ فإن هذا اسْمُ إشَارَةٍ فَيُطْلَقُ على كل مُشَارٍ إلَيْهِ سَوَاءٌ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ فلما حَمَلْنَاهُ على زَيْدٍ جَاءَتْ الْفَائِدَةُ مَسْأَلَةٌ الْإِتْبَاعُ من كَلَامِهِمْ الْإِتْبَاعُ وهو أَنْ تَتْبَعَ الْكَلِمَةُ الْكَلِمَةَ على وَزْنِهَا أو رَوِيِّهَا إتْبَاعًا وَتَوْكِيدًا قال ابن فَارِسٍ وقد شَارَكَ الْعَجَمُ الْعَرَبَ في هذا وهو يُشْبِهُ أَسْمَاءَ الْمُتَرَادِفِ من حَيْثُ إنَّهُمَا اسْمَانِ وُضِعَا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَيُشْبِهُ أَسْمَاءَ التَّوْكِيدِ من حَيْثُ إنَّهَا تُفِيدُ تَقْوِيَةَ الْأَوَّلِ غير أَنَّ التَّابِعَ وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ بَلْ شَرْطُ إفَادَتِهِ تَقَدُّمُ الْمَتْبُوعِ عليه وَصَنَّفَ فيه ابن خَالَوَيْهِ كِتَابًا سَمَّاهُ الْإِتْبَاعَ وَالْأَلْبَابَ وأبو الطَّيِّبِ عبد الْوَاحِدِ اللُّغَوِيُّ أَيْضًا وأبو الْحُسَيْنِ بن فَارِسٍ وَغَيْرُهُمْ قِيلَ إنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يَدُلُّ على ما يَدُلُّ عليه الْمَتْبُوعُ إلَّا بِتَبَعِيَّةِ الْأَوَّلِ وإذا قُطِعَ عنه لَا يَدُلُّ على شَيْءٍ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُتَرَادِفِ

فإن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُلُّ على ما يَدُلُّ عليه الْآخَرُ وَحْدَهُ قال ابن الْأَعْرَابِيِّ قُلْت لِأَبِي الْمَكَارِمِ ما قَوْلُكُمْ في جَامِعٍ تَابِعٍ قال إنَّمَا هو شَيْءٌ نَتِدُ بِهِ كَلَامَنَا أَيْ نُؤَكِّدُ بِهِ قال بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ ولم يَسْمَعْ الْإِتْبَاعَ في أَكْثَرَ من خَمْسَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُمْ كَثِيرٌ بَتِيرٌ عَمِيرٌ بَرِيرٌ بَجِيرٌ بَدِيرٌ وَقِيلَ مُجِيرٌ بِالْمِيمِ فَأَمَّا الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَكَثِيرٌ قالوا حَسَنٌ بَسَنٌ مَسَنٌ وَجَارَ بَارَ حَارَ وَسَمَّى أبو الطَّيِّبِ كِتَابَهُ بِالْإِتْبَاعِ وَالتَّوْكِيدِ قال وَإِنَّمَا قَرَنَّا الْإِتْبَاعَ بِالتَّوْكِيدِ وَإِنْ كان كُلُّ إتْبَاعٍ تَوْكِيدًا وَكُلُّ تَوْكِيدٍ إتْبَاعًا في الْمَعْنَى لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا فَمِنْهُمْ من جَعَلَهُمَا وَاحِدًا وَأَجَازَ أَكْثَرُهُمْ الْفَرْقَ فَجَعَلُوا الْإِتْبَاعَ ما لَا يَدْخُلُ عليه الْوَاوُ نحو قَوْلِهِمْ عَطْشَانُ نَطْشَانُ وَشَيْطَانُ لَيْطَانُ وَالتَّوْكِيدُ ما دخل عليه الْوَاوُ نحو قَوْلِهِمْ هو في حَلٍّ وَبَلٍّ وَأَخَذَ في كل حَسَنٍ وَسَنٍ قال وَنَحْنُ نَذْهَبُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إلَى أَنَّ إتْبَاعَ ما لَا يَخْتَصُّ بِمَعْنًى يُمْكِنُ إفْرَادُهُ وَالتَّوْكِيدُ ما اخْتَصَّ بِمَعْنًى وَجَازَ إفْرَادُهُ بِهِ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُمْ هذا جَائِعٌ فَائِعٌ فَهُوَ عِنْدَهُمْ إتْبَاعٌ ثُمَّ يَقُولُونَ في الدُّعَاءِ على الْإِنْسَانِ جُوعًا وَبُوعًا فَيُدْخِلُونَ الْوَاوَ وهو مع ذلك إتْبَاعٌ إذْ كان مُحَالًا أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ مَرَّةً إتْبَاعًا وَمَرَّةً غير إتْبَاعٍ فَقَدْ وَضَحَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ ليس بِالْوَاوِ ا هـ وَمِنْهُمْ من فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّابِعَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ على زِنَةِ الْمَتْبُوعِ بِخِلَافِ التَّوْكِيدِ قَالَهُ الْآمِدِيُّ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ من الِاسْتِقْرَاءِ فإنه لم يُنْقَلْ إلَّا كَذَلِكَ قال الْآمِدِيُّ التَّابِعُ قد لَا يُفِيدُ مَعْنًى أَصْلًا وَلِهَذَا قال ابن دُرَيْدٍ سَأَلْت أَبَا حَاتِمٍ عن مَعْنَى قَوْلِهِمْ بَسَنٌ في قَوْلِهِمْ حَسَنٌ بَسَنٌ فقال لَا أَدْرِي ما هو وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّابِعَ يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ فإن الْعَرَبَ لم تَضَعْهُ عَبَثًا فَإِنْ قُلْت فَصَارَ كَالتَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ أَيْضًا إنَّمَا يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ قُلْت التَّأْكِيدُ يُفِيدُ مع التَّقْوِيَةِ نَفْيَ احْتِمَالِ الْمَجَازِ وقال ابن الدَّهَّانِ النَّحْوِيُّ في الْغُرَّةِ اُخْتُلِفَ في الْإِتْبَاعِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُ في حُكْمِ التَّأْكِيدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ لِمَعْنًى في نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ كَأَكْتَعَ وَأَبْصَعَ مع أَجْمَعَ فَكَمَا لَا يَنْطِقُ بِأَكْتَعَ بِغَيْرِ أَجْمَعَ فَكَذَا هذه الْأَلْفَاظُ مع ما قَبْلَهَا وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَرَّرْت بَعْضَ حُرُوفِهَا في مِثْلِ حَسَنٌ بَسَنٌ كما قِيلَ في أَكْتَعَ وَأَبْصَعَ مع أَجْمَعَ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ التَّأْكِيدَ غَيْرُ الْإِتْبَاعِ وَاخْتَلَفُوا في الْفَرْقِ فَقِيلَ الْإِتْبَاعُ ما لم يَحْسُنْ فيه وَاوُ الْعَطْفِ كَقَوْلِك حَسَنٌ بَسَنٌ وَالتَّأْكِيدُ يَحْسُنُ فيه نَحْوُ حِلَّ وَبِلَّ

وَقِيلَ الْإِتْبَاعُ يَكُونُ لِلْكَلِمَةِ وَلَا مَعْنَى لها غير التَّبَعِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ على هذا أَنْ يُسَمَّى تَابِعٌ تَابِعًا قُلْت وَقِيلَ التَّأْكِيدُ يَدُلُّ على مَعْنًى في الْجُمْلَةِ وهو تَقْوِيَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ السَّابِقِ كَيْفَ كان وَالتَّابِعُ إنَّمَا يُذْكَرُ بَعْدَ الِاسْمِ الْأَوَّلِ وقال الْآمِدِيُّ إنَّ التَّابِعَ لم يُوضَعْ لِمُسَمًّى في نَفْسِهِ وَيَشْهَدُ لِمَا نَقَلَهُ ابن الدَّهَّانِ عن الْأَكْثَرِينَ عن ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ من قَوْلِهِمْ هو شَيْءٌ نَتِدُ بِهِ كَلَامَنَا أَيْ نُقَوِّيهِ وَلَا مَعْنَى لِلتَّأْكِيدِ إلَّا هذا وقال أبو عَمْرٍو محمد بن عبد الْوَاحِدِ في كِتَابِ فَائِتِ الْجَمْهَرَةِ سَمِعْت الْمُبَرِّدَ وَثَعْلَبًا يَقُولَانِ الْإِتْبَاعُ لَا يَكُونُ بِحَرْفِ النَّسَقِ إنَّمَا الْإِتْبَاعُ أَنْ يَقُولَ حِلٌّ بَلْ وَشَيْطَانُ لَيْطَانُ فَأَمَّا قَوْلُ الْعَبَّاسِ لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسَلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ أَيْ حَلَالٌ وَمُبَاحٌ لِأَنَّهُ ليس كُلُّ حَلَالٍ مُبَاحًا لِأَنَّ أَكْلَ الرُّطَبِ حَلَالٌ وَلَيْسَ بِمُبَاحٍ حتى يَشْتَرِيَهُ أو يَسْتَوْهِبَهُ ا هـ وَهَذَا فَرْقٌ غَرِيبٌ مَسْأَلَةٌ التَّأْكِيدُ وَاقِعٌ في اللُّغَةِ التَّأْكِيدُ وَاقِعٌ في اللُّغَةِ وَحَكَى الطُّرْطُوشِيُّ في الْعُمْدَةِ عن قَوْمٍ إنْكَارَهُ قال وَمَنْ أَنْكَرَهُ فَهُوَ مُكَابِرٌ إذْ لَوْلَا وُجُودُهُ لم يَكُنْ لِتَسْمِيَتِهِ تَأْكِيدًا فَائِدَةٌ فإن الِاسْمَ لَا يُوضَعُ إلَّا لِمُسَمًّى مَعْلُومٍ وَكَذَلِكَ وَقَعَ في الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَأَنْكَرَتْ الْمَلَاحِدَةُ الثَّانِيَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ أَنَّ خِلَافَهُمْ في الْأَوَّلِ أَيْضًا وهو مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا بِكَوْنِهِ في لِسَانِ الْعَرَبِ لِنَوْعٍ من الْقُصُورِ عن تَأْدِيَةِ ما في النَّفْسِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّأْكِيدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عن ذلك وَضَلُّوا من حَيْثُ جَهِلُوا لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَمِنْوَالِ كَلَامِهِمْ وهو من مَحَاسِنِ الْكَلَامِ وَفِيهِ مَسَائِلُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى هل التَّأْكِيدُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ إذَا ثَبَتَ وُقُوعُهُ لُغَةً فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا ما أَفَادَهُ الْمَذْكُورُ الْأَوَّلُ حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ ثُمَّ قال وَمَنْ سَمَّى التَّأْكِيدَ مَجَازًا فَيُقَالُ له إذَا كان

التَّأْكِيدُ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ نحو عَجِّلْ عَجِّلْ وَنَحْوُهُ فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَجَازًا كان الْأَوَّلُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ على مَعْنًى وَاحِدٍ وإذا بَطَلَ حَمْلُ الْأَوَّلِ على الْمَجَازِ بَطَلَ حَمْلُ الثَّانِي عليه لِأَنَّهُ مِثْلُهُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ التَّأْكِيدُ على خِلَافِ الْأَصْلِ أَنَّهُ على خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ عليه إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِهِ على فَائِدَةٍ مُجَدِّدَةٍ وهو مَعْنَى قَوْلِهِمْ إذَا دَارَ اللَّفْظُ بين حَمْلِهِ على التَّأْسِيسِ أو التَّأْكِيدِ فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّهُ يَكْتَفِي في تِلْكَ الْفَائِدَةِ بِأَيِّ مَعْنًى كان وَشَرَطَ الطُّرْطُوشِيُّ كَوْنَهَا من مُقْتَضَى اللِّسَانِ فَحَذَا بها حَذْوَ اللَّفْظِ قال وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ على فَائِدَةٍ يُخْرِجُهَا الْفُقَهَاءُ لَيْسَتْ من مُقْتَضَى لِسَانِ الْعَرَبِ لِأَنَّ ذلك وَضْعُ لُغَةٍ عليهم وما قَالَهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ من دَلَالَةِ اللَّفْظِ ليس من بَابِ اللَّفْظِ حتى يَلْتَزِمَ فيه أَحْكَامَ اللَّفْظِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ أَقْسَامُ التَّأْكِيدِ يَنْقَسِمُ إلَى لَفْظِيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ فَاللَّفْظِيُّ يَجِيءُ لِخَوْفِ النِّسْيَانِ أو لِعَدَمِ الْإِصْغَاءِ أو لِلِاعْتِنَاءِ وهو تَارَةً بِإِعَادَةِ اللَّفْظِ وَتَارَةً يَقْوَى بِمُرَادِفِهِ وَيَكُونُ في الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ وَزَعَمَ الرَّافِعِيُّ في الطَّلَاقِ أَنَّهُ أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّأْكِيدِ قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَنْبَغِي فيه شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الِاحْتِيَاطُ بِإِيصَالِ الْكَلَامِ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ إنْ فُرِضَ ذُهُولٌ أو غَفْلَةٌ وَالثَّانِي إيضَاحُ الْقَصْدِ إلَى الْكَلَامِ وَالْإِشْعَارِ بِأَنَّ لِسَانَهُ لم يَسْبِقْ إلَيْهِ وَيُمَثِّلُهُ النَّحْوِيُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى كَلًّا إذَا دُكَّتْ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّك وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجَعْلُهُمْ صَفًّا صَفًّا تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا مَرْدُودٌ فإنه ليس بِتَأْكِيدٍ قَطْعًا بَلْ هو تَأْسِيسٌ وَالْمُرَادُ صَفًّا بَعْدَ صَفٍّ وَدَكًّا بَعْدَ دَكٍّ وَكَذَلِكَ أَلْفَاظُهُ إذَا كُرِّرَتْ فَكُلٌّ منها بِنَاءٌ على حِدَتِهِ وَالْعَجَبُ منهم كَيْفَ خَفِيَ عليهم

وَالْمَعْنَوِيُّ وهو إمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمُفْرَدِ كَالنَّفْسِ وَالْعَيْنِ وَجَمْعَاءَ وَكَتْعَاءَ أو بِالِاثْنَيْنِ كَكِلَا وَكِلْتَا أو بِالْجَمْعِ كَكُلِّ وَأَجْمَعِينَ وَجَمْعٍ وَكَتْعٍ وَكُلُّ وما في مَعْنَاهُ لِلتَّجَزُّؤِ وَالنَّفْسُ وَالْعَيْنُ لِلْمُتَشَخِّصِ غَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ وَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْجُمَلِ كَكَأَنَّ وَإِنَّ وما في مَعْنَاهُمَا وَفَائِدَتُهُ تَمْكِينُ الْمَعْنَى في نَفْسِ السَّامِعِ وَرَفْعُ التَّجَاوُزَاتِ الْمُتَوَهَّمَةِ فإن التَّجَوُّزَ يَقَعُ في اللُّغَةِ كَثِيرًا فَيُطْلَقُ الشَّيْءُ على أَسْبَابِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ فإنه يُقَالُ وَرَدَ الْبَرْدُ إذَا وَرَدَتْ أَسْبَابُهُ وَيُطْلَقُ اسْمُ الْكُلِّ على الْبَعْضِ نَحْوُ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ قَيَّدَ بِالْكَمَالِ لِيَخْرُجَ احْتِمَالُ تَوَهُّمِ بَعْضِ الْحَوْلِ الثَّانِي وَالتَّوْكِيدُ يُحَقِّقُ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فَإِنْ قِيلَ إذَا كان رَافِعًا لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ في نَحْوِ قام الْقَوْمُ كلهم وَلِلْمَجَازِ في نَحْوِ جاء زَيْدٌ نَفْسُهُ فَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ فَكَيْفَ أَطْبَقُوا على أَنَّ الْمَقْصُودَ منه التَّقْوِيَةُ قُلْت إنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَرْفُوعَ تَارَةً يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَرَدَّدًا فيه وفي غَيْرِهِ على السَّوَاءِ وَتَارَةً يَكُونُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا وَرَفْعُ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ لِأَنَّ تَرَدُّدَ اللَّفْظِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ليس فيه دَلَالَةٌ على أَحَدِهِمَا كما أَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَدُلُّ على الْأَخَصِّ فَدَفْعُ ذلك الِاحْتِمَالِ تَأْسِيسٌ أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْمَرْجُوحُ فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّأْكِيدُ يُقَوِّي ذلك الظَّاهِرَ وَهَاهُنَا أُمُورٌ أَحَدُهَا أَثْبَتَ ابن مَالِكٍ قِسْمًا ثَالِثًا وهو ما له شَبَهٌ بِالْمَعْنَوِيِّ وَشَبَهٌ بِاللَّفْظِيِّ وَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى كَقَوْلِكَ أنت بِالْخَيْرِ حَقِيقٌ قَمِينٌ وَنُوزِعَ في هذا الْمِثَالِ وَلَا نِزَاعَ لِإِجْمَاعِ النَّحْوِيِّينَ على أَنَّ من التَّوْكِيدِ مَرَرْت بِكُمْ أَنْتُمْ الثَّانِي هل أَنَّهُ يُوجِبُ رَفْعَ احْتِمَالِ الْمَجَازِ أو يُرَجِّحُهُ يَخْرُجُ من كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ فيه قَوْلَانِ فَفِي التَّسْهِيلِ أَنَّهُ رَافِعٌ وَكَلَامُ ابْنِ عُصْفُورٍ وَغَيْرِهِ يُخَالِفُهُ وهو الْحَقُّ وَكَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَقْتَضِيهِ فإنه قال في الْبُرْهَانِ وَمِمَّا زَالَ فيه النَّاقِلُونَ عن الْأَشْعَرِيِّ وَيَقْتَضِيهِ أَنَّ صِيغَةَ الْعُمُومِ مع الْقَرَائِنِ تَبْقَى مُتَرَدِّدَةً وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ يُحْمَلُ على تَوَابِعِ الْعُمُومِ كَالصِّيَغِ الْمُؤَكِّدَةِ ا هـ فَقَدْ صُرِّحَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يَرْفَعُ احْتِمَالَ الْخُصُوصِ وَيُؤَيِّدُهُ ما في الحديث فَأَحْرَمُوا كلهم إلَّا أبو قَتَادَةَ لم يُحْرِمْ فَدَخَلَهُ التَّخْصِيصُ مع تَأْكِيدِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كلهم أَجْمَعُونَ إنْ كان الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا وَهَلْ يَجْرِي ذلك في التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِيضَاحِ الْبَيَانِيِّ نعم وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ

النُّحَاةُ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذلك وَأَنَّ الْقَائِلَ إذَا قال قام زَيْدٌ زَيْدٌ فَإِنَّمَا يُفِيدُ تَقْرِيرَ الْكَلَامِ في ذِهْنِ السَّامِعِ لَا رَفْعَ التَّجَوُّزِ وَحَكَى الرُّمَّانِيُّ في شَرْحِ أُصُولِ ابْنِ السَّرَّاجِ الْأَمْرَيْنِ فقال في قَوْله تَعَالَى وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فيها مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ التَّمْكِينِ وقد يَكُونُ لِرَفْعِ الْمَجَازِ إذْ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ هُمْ في الْجَنَّةِ خَالِدِينَ في غَيْرِهَا فَأُزِيلَ هذا بِالتَّأْكِيدِ وَدَلَّ على أَنَّهُمْ في الْجَنَّةِ التي يَدْخُلُونَهَا مُخَلَّدُونَ فيها وَلَا يُنْقَلُونَ عنها إلَى جَنَّةٍ أُخْرَى الثَّالِثُ أَنَّ التَّوْكِيدَ اللَّفْظِيَّ أَكْثَرُ ما يَقَعُ مَرَّتَيْنِ كَقَوْلِهِ أَلَا حَبَّذَا حَبَّذَا حَبَّذَا وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَذَكَرُوا أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا تَجْتَمِعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هذا أَثْقَلُ لِاتِّحَادِ اللَّفْظِ وقال الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بن عبد السَّلَامِ اتَّفَقَ الْأُدَبَاءُ على أَنَّ التَّأْكِيدَ إذَا وَقَعَ بِالتَّكْرَارِ لَا يَزِيدُ على ثَلَاثِ مَرَّاتٍ يَعْنِي بِالْأَصْلِ وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ التَّأْكِيدُ بِمَرَّتَيْنِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى في الْمُرْسَلَاتِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أَيْ بهذا فَلَا يَجْتَمِعَانِ على مَعْنًى وَاحِدٍ فَلَا تَأْكِيدَ وَكَذَلِكَ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَنَحْوُهُ وَكَذَلِكَ قال السُّبْكِيُّ في شَرْحِ الْكَافِيَةِ لم تَتَجَاوَزْ الْعَرَبُ في تَأْكِيدِ الْأَفْعَالِ ثَلَاثًا كما فَعَلُوا في تَأْكِيدِ الْأَسْمَاءِ قال تَعَالَى فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا فلم يَزِدْ على ثَلَاثَةٍ مَهِّلْ وَأَمْهِلْ وَرُوَيْدٍ وَكُلُّهَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ قال وَمِمَّا يَدُلُّ على صِحَّةِ هذا أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ يُكَرِّرُونَ الْفِعْلَ مع تَأْكِيدِهِ بِالنُّونِ خَفِيفَةً وَلَا شَدِيدَةً لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ مع الْخَفِيفَةِ مَرَّتَيْنِ كَالتَّلَفُّظِ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَمَعَ الشَّدِيدَةِ كَالتَّلَفُّظِ بِهِ سِتَّ مَرَّاتٍ ا هـ لَكِنْ فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ في الْإِتْبَاعِ أَنَّهُ سمع خَمْسَةً مع أَنَّهُ تَأْكِيدٌ في الْمَعْنَى وقال الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ سُورَةِ الرحمن كانت عَادَةُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُكَرِّرَ عليهم ما كان يَعِظُ بِهِ وَيَنْصَحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَسَبْعًا لِيُرَكِّزَهُ في قُلُوبِهِمْ وَيَغْرِزَهُ في صُدُورِهِمْ وفي الحديث الصَّحِيحِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ فما زَالَ يُكَرِّرُهَا حتى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ ثُمَّ لَا يَشُكُّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ في عَادَتِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَالْمَرَّةِ في حَقِّ غَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ

كان قد زَادَ على الثَّلَاثِ ثُمَّ مُرَادُ الشَّيْخِ التَّأْكِيدُ اللَّفْظِيُّ أَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَنَصَّ النَّحْوِيُّونَ على أَنَّ أَلْفَاظَهُ الصِّنَاعِيَّةَ كُلَّهَا تُجْمَعُ وَفَرَّقُوا بِمَا سَبَقَ الرَّابِعُ أَنَّ التَّأْكِيدَ نَظِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ وَحِينَئِذٍ فَيَأْتِي فيه شُرُوطُهُ السَّابِقَةُ من اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فيه وَمَحِلِّهَا وَاتِّصَالِهِ بِالْمُؤَكَّدِ لَكِنْ جَوَّزَ النَّحْوِيُّونَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ الْخَامِسُ إنَّ كَوْنَ التَّوْكِيدِ يَرْفَعُ التَّجَوُّزَ إنَّمَا هو بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَاعِلِ فإذا قُلْت جاء زَيْدٌ اُحْتُمِلَ مَجِيئُهُ بِنَفْسِهِ وَمَجِيءُ جَيْشِهِ فإذا قُلْت نَفْسُهُ انْتَفَى الثَّانِي أَمَّا التَّأْكِيدُ بِالْمَصْدَرِ نحو ضَرَبْت ضَرْبًا فَنَصَّ ثَعْلَبٌ في أَمَالِيهِ وابن عُصْفُورٍ في شَرْحِ الْجُمَلِ الصَّغِيرِ وَالْأَبْذَوِيُّ في قَوْله تَعَالَى وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا أَنَّهُ يَدُلُّ على رَفْعِ الْمَجَازِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِنَفْسِهِ وَهَكَذَا احْتَجَّ بها أَصْحَابُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُعْتَزِلَةُ في إثْبَاتِ كَلَامِ اللَّهِ وهو غَلَطٌ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِالْمَصْدَرِ إنَّمَا يَرْفَعُ التَّجَوُّزَ عن الْفِعْلِ نَفْسِهِ لَا عن الْفَاعِلِ فإذا قُلْت قام زَيْدٌ قِيَامًا فَالْأَصْلُ قام زَيْدٌ قام زَيْدٌ فَإِنْ أَرَدْت تَأْكِيدَ الْفَاعِلِ أَتَيْت بِالنَّفْسِ وَهَاهُنَا إنَّمَا أَكَّدَ الْفِعْلَ وَلَوْ قَصَدَ تَأْكِيدَ الْفَاعِلِ لَقَالَ وَكَلَّمَ اللَّهُ نَفْسُهُ مُوسَى فَلَا حُجَّةَ فيه إذَنْ عليهم السَّادِسُ في الْفَرْقِ بين التَّرَادُفِ وَالتَّأْكِيدِ أَنَّ الْمُؤَكِّدَ يُقَوِّي الْمُؤَكَّدَ وهو اللَّفْظُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِنَا جاء زَيْدٌ نَفْسُهُ بِخِلَافِ التَّرَادُفِ فإن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُلُّ على الْمَعْنَى بِمُجَرَّدِهِ وَالتَّأْكِيدُ تَقْوِيَةُ مَدْلُولِ ما ذُكِرَ بِلَفْظٍ آخَرَ مُسْتَقِلٍّ لِيَخْرُجَ التَّابِعُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّابِعِ قد سَبَقَ

مَبَاحِثُ الْمُشْتَرَكِ وَهَذَا هو الْأَصْلُ وقد يَحْذِفُونَ فيه إمَّا لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ في كَلَامِهِمْ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ جُعِلَ لَقَبًا قال ابن الْحَاجِبِ في شَرْحِ الْمُفَصَّلِ وهو اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الدَّالُّ على مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أو أَكْثَرَ دَلَالَةً على السَّوَاءِ عِنْدَ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ سَوَاءٌ كانت الدَّلَالَتَانِ مُسْتَفَادَتَيْنِ من الْوَضْعِ الْأَوَّلِ أو من كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ أو اُسْتُفِيدَتْ إحْدَاهُمَا من الْوَضْعِ وَالْأُخْرَى من كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وهو في اللُّغَةِ على الْأَصَحِّ وقد اُخْتُلِفَ فيه هل هو وَاجِبٌ أَمْ لَا وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا فَهَلْ هو مُمْتَنِعٌ أو مُمْكِنٌ وَبِتَقْدِيرِ إمْكَانِهِ فَهَلْ هو وَاقِعٌ أو لَا فَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ أَرْبَعٌ بِحَسَبِ الِانْقِسَامِ الْعَقْلِيِّ وقد ذَهَبَ إلَى كُلٍّ منها فَرِيقٌ فَأَحَالَهُ ثَعْلَبٌ وأبو زَيْدٍ الْبَلْخِيّ وَالْأَبْهَرِيُّ على ما حَكَاهُ ابن الْعَارِضِ الْمُعْتَزِلِيُّ في كِتَابِ النُّكَتِ وَصَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ وَمَنَعَهُ قَوْمٌ في الْقُرْآنِ خَاصَّةً وَنُسِبَ لِأَبِي دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ في الحديث وَنَقَلَ عبد الْجَبَّارِ عن جَمَاعَةٍ من مُتَأَخِّرِي زَمَانِهِ إنْكَارَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِضِدَّيْنِ فَإِنْ خَصُّوهُ بِهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا كما هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ وقد صَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فقال يَمْتَنِعُ بين النَّقِيضَيْنِ فَقَطْ لِخُلُوِّهِ عن الْفَائِدَةِ وَرَدَّ عليه صَاحِبُ التَّحْصِيلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَاضِعٍ وَاحِدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَبَثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَاعِلَيْنِ لَا يَلْزَمُ من فِعْلِ أَحَدِهِمَا عِلْمُ الْآخَرُ بِهِ وَقِيلَ يَمْتَنِعُ في اللُّغَةِ الْوَاحِدَةِ من وَاضِعٍ وَاحِدٍ وَيَجُوزُ في لُغَتَيْنِ من وَاضِعَيْنِ حَكَاهُ الصَّفَّارُ في شَرْحِ سِيبَوَيْهِ وقال صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ أَصْلٌ في الْوَضْعِ وَالْمُتَعَيِّنُ كَالْمُتَبَايِنِ وَالْمُتَرَادِفِ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ ليس بِأَصْلٍ في ذلك وَإِنَّمَا هو في الْمُتَبَايِنَةِ أو الْمُتَرَادِفَةِ في حَقِّ الْوَضْعِ وَالتَّعَيُّنُ كَالْمَجَازِ من الْحَقِيقَةِ فَتَحَصَّلْنَا على تِسْعَةِ مَذَاهِبَ وقد مَنَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ وقال ليس إلَّا قَوْلَانِ الْوُقُوعُ وَعَدَمُهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هَاهُنَا هو الْوُجُوبُ بِالْغَيْرِ إذْ لَا مَعْنَى لِلْوُجُوبِ بِالذَّاتِ وَالْمُمْكِنُ الْوَاقِعُ هو الْوُجُوبُ بِالْغَيْرِ ا هـ وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ ذلك وهو قَوْلٌ ثَالِثٌ مَنْقُولٌ وَقَوْلُ الْوُجُوبِ كما قَالَهُ شَارِحُ الْمَحْصُولِ إنَّ الْحَاجَةَ الْعَامَّةَ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ في اللُّغَاتِ وَقَوْلُ الْوُقُوعِ مع

الْإِمْكَانِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ لم تَقْتَضِ ذلك وَلَكِنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا مع إمْكَانِهِ كَوُقُوعِ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ عَقْلًا وَوُقُوعُهُ سَمْعًا قال سِيبَوَيْهِ وَيْلٌ له دُعَاءٌ وَخَبَرٌ وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ في الْقُرْآنِ كما في الْقُرْءِ والصريم ( ( ( و ) ) ) ووالليل ( ( ( الصريم ) ) ) إذَا عَسْعَسَ فَلَا وَجْهَ لِمَنْ أَنْكَرَ ذلك وَمَنَعَ قَوْمٌ الِاشْتِرَاكَ بين الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ وَيَرُدُّهُ عَسْعَسَ فإنه مَوْضُوعٌ لِلْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ إلَّا على رَأْيِ من يَزْعُمُ أنها مُشْتَرِكَةٌ بين إدْخَالِ الْغَايَةِ وَعَدَمِهِ وَاخْتَلَفُوا في وُقُوعِ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ الشَّرْعِيَّةِ قال الرَّازِيَّ وَالْحَقُّ الْوُقُوعُ لِأَنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ مُسْتَعْمَلٌ في مَعَانٍ شَرْعِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ بِالْحَقِيقَةِ ليس فيها قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بين الْجَمِيعِ وقال تِلْمِيذُهُ الْحُوبِيُّ في الْيَنَابِيعِ أَمَّا في لُغَتَيْنِ فَلَا شَكَّ فيه فإن الشَّهْرَ في الْعَرَبِيَّةِ لِزَمَانِ ما بين الاستهلالين وفي الْفَارِسِيَّةِ لِلْبَلَدِ وهو مَكَانٌ ما بين حَدَّيْنِ وَأَمَّا في لُغَةٍ وَاحِدَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَصْلٌ وَالْآخَرَ فَرْعٌ كَالْعَيْنِ في الْعُضْوِ أَصْلٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ اُشْتُقَّ منه فِعْلٌ تَقُولُ عَانَهُ أَصَابَهُ بِعَيْنِهِ وَالذَّهَبُ سُمِّيَ بِهِ لِعِزَّتِهِ كَعِزَّةِ الْعَيْنِ وَسَمَّى الْفَوَّارَةَ عَيْنًا لِخُرُوجِ الْمَاءِ منها كما أَنَّ الْعَيْنَ مَنْبَعُ النُّورِ وَالْمَاءُ عَزِيزٌ كَنُورِ الْعَيْنِ وَمِنْهُ ما وُضِعَ لِمَعْنًى جَامِعٍ لِشَيْئَيْنِ فَاسْتُعْمِلَ في كُلٍّ مِنْهُمَا فَظَنَّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْءُ من ذلك مَسْأَلَةٌ الْعِلْمُ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا يَحْصُلُ إمَّا بِالضَّرُورَةِ وهو ما يُدْرَكُ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ من أَهْلِ اللُّغَةِ كَوْنُهُ مُشْتَرَكًا وَإِمَّا بِالنَّظَرِ بِأَنْ يُوجَدَ في كُلٍّ من الْمَعْنَيَيْنِ طَرِيقٌ من الطُّرُقِ الدَّالَّةِ على كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمِنْهُمْ من قال يُسْتَدَلُّ عليه بِحُسْنِ الِاسْتِفْهَامِ عن مَدْلُولِ اللَّفْظِ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ هو طَلَبُ الْفَهْمِ وهو لَا يَكُونُ عِنْدَ تَرَدُّدِ الذِّهْنِ بين الْمَعْنَيَيْنِ وَرَدَّهُ الْإِمَامُ فإن الِاسْتِفْهَامَ قد يَكُونُ لِمَعَانٍ شَتَّى غير الِاشْتِرَاكِ وَمِنْهُمْ من قال يُسْتَدَلُّ عليه بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ بين مَعْنَيَيْنِ ظَاهِرًا وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ

مَسْأَلَةٌ في حَقِيقَةِ وُقُوعِ الْمُشْتَرَكِ وَذَلِكَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا وهو الْأَكْثَرُ يَقَعُ من وَاضِعَيْنِ بِأَنْ يَضَعَ أَحَدُهُمَا لَفْظًا لِمَعْنًى ثُمَّ يَضَعُهُ الْآخَرُ لِمَعْنًى آخَرَ كَالسُّدْفَةِ في لُغَةِ نَجْدٍ الظُّلْمَةُ وفي لُغَةِ غَيْرِهِمْ الضَّوْءُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ في الصِّحَاحِ وَلَا حَاجَةَ لِقَيْدِ الْتِبَاسِ الْوَاضِعَيْنِ كما قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ زَاعِمًا أَنَّ اللَّفْظَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كل وَاحِدٍ مُنْفَرِدٌ إذْ ليس ذلك بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ صَدَقَ عليه أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمَعْنَيَيْنِ وَإِنْ كان وَاضِعَاهُ مَعْرُوفَيْنِ الثَّانِي وَاضِعٌ وَاحِدٌ وَلَهُ فَوَائِدُ منها غَرَضُ الْإِبْهَامِ على السَّامِعِ حَيْثُ يَكُونُ التَّصْرِيحُ سَبَبًا لِمَفْسَدَةٍ وَمِنْهَا اسْتِعْدَادُ الْمُكَلَّفِ لِلْبَيَانِ هَكَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ الْمُبَرِّدِ وَغَيْرِهِ من أَئِمَّةِ اللُّغَةِ إنْكَارُ وُقُوعِهِ من وَاضِعٍ وَاحِدٍ وَسَبَقَ كَلَامُ ابْنِ الْحُوبِيِّ مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ خِلَافُ الْغَالِبِ وهو خِلَافُ الْأَصْلِ وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ هُنَا الْغَالِبُ فإذا جَهِلْنَا كَوْنَ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا أو مُنْفَرِدًا فَالْغَالِبُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ فَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ لِلِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَلْفَاظِ مُفْرَدَةٌ وَإِلَّا لَمَا حَصَلَ التَّفَاهُمُ في الْخِطَابِ دُونَ الِاسْتِفْسَارِ وَقَبُولُهُ دُونَهُ مَعْلُومٌ فَإِنْ قُلْت إنَّ الِاشْتِرَاكَ أَغْلَبُ لِأَنَّ الْحُرُوفَ كُلَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بِشَهَادَةِ النُّحَاةِ وَالْمَاضِي مُشْتَرَكٌ بين الْخَبَرِ وَالدُّعَاءِ وَالْمُضَارِعُ بين الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَالْأَسْمَاءُ فيها الِاشْتِرَاكُ كَثِيرٌ فإذا ضَمَمْتهَا إلَى الْقِسْمَيْنِ كان الِاشْتِرَاكُ أَكْثَرَ أُجِيبَ بِأَنَّ أَغْلَبَ الْأَلْفَاظِ أَسْمَاءٌ وَالِاشْتِرَاكُ فيها قَلِيلٌ

مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ أَصْلٌ قال صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ أَصْلٌ في الْوَضْعِ وَالتَّعْيِينِ كَالْمُتَبَايِنِ وَالْمُتَرَادِفِ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ ليس بِأَصْلٍ في تِلْكَ وَإِنَّمَا هو من الْمُتَبَايِنَةِ أو الْمُتَرَادِفَةِ في حَقِّ الْوَضْعِ وَالتَّعْيِينِ كَالْمَجَازِ من الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ وُضِعَ لِلْإِفْهَامِ وَالْمُشْتَرَكُ إلَى الْإِبْهَامِ أَقْرَبُ منه إلَى الْإِفْهَامِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَصْلًا في وَضْعِ الْإِفْهَامِ وَلَنَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ على السَّوِيَّةِ في الْمَعَانِي وَالِاسْتِعْمَالُ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ وَلَا إبْهَامَ مع الْقَرِينَةِ الْمُمَيِّزَةِ مَسْأَلَةٌ الْمُشْتَرَكُ له مَفْهُومَانِ فَصَاعِدًا الْمُشْتَرَكُ لَا بُدَّ له من مَفْهُومَيْنِ فَصَاعِدًا فَمَفْهُومَاهُ إمَّا أَنْ يَتَبَايَنَا أَيْ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا في الصِّدْقِ على شَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْقُرْءِ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَسَوَاءٌ تَبَايَنَا بِالتَّضَادِّ أو غَيْرِهِ على الْأَصَحِّ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ وَضْعَهُ لِلضِّدَّيْنِ وَإِمَّا أَنْ يَتَوَاصَلَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا لِلْآخَرِ أو لَازِمًا له وَالْأَوَّلُ كَالْإِمْكَانِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالثَّانِي كَالْكَلَامِ فإنه مُشْتَرَكٌ بين النَّفْسَانِيِّ وَاللِّسَانِيِّ مع أَنَّ اللِّسَانِيَّ دَلِيلٌ على النَّفْسَانِيِّ وَالدَّلِيلُ يَسْتَلْزِمُ مَدْلُولَهُ مَسْأَلَةٌ تَجَرُّدُ الْمُشْتَرَكِ من الْقَرِينَةِ الْمُشْتَرَكُ إمَّا أَنْ يَتَجَرَّدَ عن الْقَرِينَةِ فَمُجْمَلٌ يَتَوَقَّفُ على الْمُرَجِّحِ إنْ مَنَعْنَا حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ على مَعْنَيَيْهِ وَكَذَا إنْ قُرِنَ بِهِ ما يُوجِبُ اعْتِبَارَ الْكُلِّ وَكَانَتْ مَعَانِيهِ مُتَنَافِيَةً فَإِنْ لم تَكُنْ مُتَنَافِيَةً فقال بَعْضُهُمْ يَقَعُ التَّعَارُضُ بين الْقَرِينَةِ وَبَيْنَ الدَّلَالَةِ الْمَانِعَةِ من إعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ في مَفْهُومَاتِهِ فَيُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ وهو خَطَأٌ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْمَانِعَةَ قَاطِعَةٌ لَا تَحْتَمِلُ الْمُعَارَضَةَ وَلَئِنْ قُلْت فَلَا مُعَارَضَةَ هُنَا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ في

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24