كتاب : البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف : بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي

الْمَحْصُولِ مع أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ الْمُشْتَرَكُ في مَعْنَيَيْهِ وقد يُمَثَّلُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ فإنه يَحْتَمِلُ إرَادَةَ نَفْسِ الصَّلَاةِ وَمَوَاضِعِهَا وَقَوْلُهُ حتى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ قَرِينَةٌ لِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ قَرِينَةٌ لِإِرَادَةِ مَوَاضِعِهَا وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ الْبَدِيعِ الِاسْتِخْدَامَ اقْتِرَانُ الْقَرِينَةِ بِالْمُشْتَرَكِ وَإِمَّا أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ قَرِينَةٌ وهو على أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ أَنْ تُوجِبَ تِلْكَ الْقَرِينَةُ اعْتِبَارَ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِثْلَ إنِّي رَأَيْت عَيْنًا بَاصِرَةً فَتَعَيَّنَ حَمْلُ ذلك اللَّفْظِ على ذلك الْوَاحِدِ قَطْعًا الثَّانِي أَنْ تُوجِبَ اعْتِبَارَ أَكْثَرِ من وَاحِدٍ فَيَتَعَيَّنُ ذلك عِنْدَ من يُجَوِّزُ إعْمَالَ الْمُشْتَرَكِ في مَعْنَيَيْهِ كَقَوْلِهِ رَأَيْت عَيْنًا صَافِيَةً وَالصَّفَاءُ مُشْتَرَكٌ بين الْجَارِيَةِ وَالْبَاصِرَةِ وَالشَّمْسِ الثَّالِثُ أَنْ تُوجِبَ تِلْكَ الْقَرِينَةُ إلْغَاءَ الْبَعْضِ فَيَنْحَصِرُ الْمُرَادُ في الْبَاقِي أَيْ يَتَعَيَّنُ ذلك الْبَاقِي إنْ كان وَاحِدًا نحو دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك الرَّابِعُ أَنْ تُوجِبَ إلْغَاءَ الْكُلِّ فَيُحْمَلُ على مَجَازِهِ بِحَسَبِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ فإذا كان ذَا مَجَازَاتٍ كَثِيرَةٍ وَتَعَارَضَتْ فَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أو بَعْضُهَا رَاجِحٌ فَإِنْ رَجَحَ بَعْضُهَا فَالْحَقَائِقُ إمَّا مُتَسَاوِيَةٌ أو بَعْضُهَا أَجْلَى فَإِنْ كانت مُتَسَاوِيَةً حُمِلَ على الْمَجَازِ الرَّاجِحِ وَإِلَّا حُمِلَ على الْأَجْلَى إنْ كان حَقِيقَةُ ذلك الْمَجَازِ الرَّاجِحَ

مسألة
في حكمه بالنسبة إلى معنييه أو معانيه
اعلم أن معاني المشترك إما أن يمتنع الجمع بينهما كالضدين والنقيضين إذا فرعنا على جواز الوضع لهما وهو الصحيح فلا يحمل على معنييه قطعا وكذا الاستعمال فيهما بلا خلاف كذا قالوا لكن حكى صاحب الكبريت الأحمر عن أبي الحسن الأشعري أنه يجوز أن يراد به معنياه وإن كان بينهما منافاة وهو غريب مثال النقيضين لفظة إلى على رأي من يزعم أنها مشتركة بين إدخال الغاية وعدمه ومثال الضدين صيغة افعل عند من يجعلها حقيقة في الطلب وفي

التهديد فإنها مشتركة بين معنيين متضادين لا يمكن الجمع بينهما ولا الحمل عليهما ولهذا لو قال أنت علي حرام ونوى الطلاق والظهار لم يثبتا لأنهما وإن اشتركا في التحريم لكن بينهما منافاة لأن الطلاق يفك قيد الزوجية بخلاف الظهار قال الأستاذ أبو منصور وابن القشيري وحينئذ يصير مجملا فيطلب البيان من غيره قال الأستاذ وكذلك في الحقيقة والمجاز والكناية والصريح لكن هاهنا الحقيقة أولى من المجاز والصريح أولى من الكناية قال ولولا الإجماع على أن المراد بآية القرء في العدة أحد الجنسين من طهر أو حيض لحملناها عليهما لوقوع اسم القرء عليهما لكن لما أجمعوا على أن المراد به أحدهما توقف في الدليل لكاشف عن المراد وما حكيناه عن الإجماع عن المنع في هذه الحالة حكاه غير واحد منهم الأستاذ وأغرب صاحب الكبريت الأحمر فقال وقال أبو الحسن الأشعري يجوز ذلك وإن كان بينهما منافاة وأما إذا أمكن الجمع بينهما فإن تكلم به مرات جاز أن يستعمل في كل مرة غير ما استعمله في الأخرى وإنما الخلاف فيما إذا تكلم به مرة واحدة ثم الكلام فيه في مواطن ثلاثة استعمال اللفظ في حقيقته وفي حقيقته ومجازه وفي مجازيه فأما الأول فله مقامان أحدهما هل يجوز أن يراد به جميع المتناولات فيه مذاهب أحدها الجواز ونسب للشافعي وقطع به ابن أبي هريرة في تعليقه ومثله بقوله تعالى إن الله وملائكته يصلون فالاسم واحد واختلف المراد به فكانت الصلاة من الله رحمة ومن المؤمنين دعاء ومن الملائكة استغفارا وكذلك شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم فكانت شهادته علمه وشهادة الملائكة إقرارهم بذلك وقوله لا تقربوا الصلاة يعني وضعها للجنس وموضعها وفعلها للسكران وهو الذي نص عليه القاضي في التقريب قال ولا يحتاج إلى تكرارها والتكلم بها في وقتين لعلم كل عاقل أنه يصح قصده من نفسه بقول لا تنكح ما نكح أبوك إلى نهيه عن العقد وعن الوطء جميعا ونقله إمام الحرمين في التلخيص عن مذاهب المحققين وجماهير الفقهاء قال ابن القشيري في أصوله قال القاضي وهو الاختيار عندنا أنه يجوز

إذا دلت عليه القرينة فلا يمتنع أن تقول العين مخلوقة ونعني جميع محاملها وحكاه صاحب المعتمد والقواطع عن أبي علي الجبائي والقاضي عبد الجبار وقال صاحب الكبريت الأحمر إنه مذهب أكثر أصحاب أبي حنيفة وحكاه أبو سفيان في العيون عن أبي يوسف ومحمد وحملوا من حلف لا يشرب من الإناء على الكرع والشرب من الإناء وحمله أبو حنيفة على الكرع ونسبه القاضي عبد الوهاب لمذهبهم قال وهو قول جمهور أهل العلم وقد قال سيبويه يجوز أن يراد باللفظ الواحد الدعاء على الغير والخبر على حال المدعو عليه نحو الويل له فهذا دعاء عليه وخبر عنه ولهما معنيان مختلفان ثم اختلف المجوزون في موضعين أحدهما أن استعماله في الجميع هل هو بطريق الحقيقة أو المجاز قال الأصفهاني واللائق بمذهب الشافعي جواز استعماله بطريق الحقيقة لأنه يوجب حمله على الجميع ونقله الآمدي عن الشافعي والقاضي كسائر الألفاظ العامة في صيغ العموم ولهذا حملت على التجرد على الجميع ونقل صاحب التلخيص عن الشافعي أنه بطريق المجاز وهو ميل إمام الحرمين واختاره ابن الحاجب الثاني اختلفوا في أنه إذا أراد المعنيين هل يتعلق بهما إرادة واحدة أم إرادتان وقال الإمام في التلخيص وابن القشيري والأصح أن الإرادة الواحدة لا تتعلق إلا بمراد واحد فلا يتحقق إرادة المرادين إلا بإرادتين وفصل القاضي في التقريب فقال إن كان المتكلم بها هو الله عز وجل فإنما يريدها وجميع أراد به بإرادة واحدة وإن كان المتكلم محدثا فإنما يريدهما جميعا بإرادتين غير متضادتين ولو كان يريدهما بإرادة واحدة لاستحال أن يراد أحدهما دون الآخر وشرط أبو الحسن بن الصائغ النحوي في شرح الجمل كون المشترك يدل على معنى يعم مدلوليه وهو الصريح في الاشتراك كاللمس الذي يراد به المس مطلقا والوقاع قال فإن لم يدل فينبغي امتناعه بلا خلاف كما لو قلت رأيت زيدا أو عمرا أخاك وأردت برأيت زيدا أبصرته وبه مع ما بعده علمت أو رأيت زيدا والطائر تريد في الطائر ضربت رئته وفي زيد الإبصار فينبغي أن يجوز هذا باتفاق لعدم الصراحة

المذهب الثاني المنع ونصره ابن الصباغ في العدة وإليه ذهب أبو هاشم والكرخي وأبو عبد الله البصري وفخر الدين وغيرهم قال الأستاذ وحكاه الكرخي عن أبي حنيفة وقال أبو بكر الرازي كان الكرخي يحكيه عن أبي حنيفة وأن أبا يوسف جوزه وقال القاضي في التقريب زعم ابن الجبائي ووافقه جماعة من أصحاب أبي حنيفة أنه غير جائز وأنه متى أريد بها معنيان مختلفان فلا بد من تكرارها والتكلم بها في وقتين يراد بها في أحدهما أحد المعنيين وفي الآخر المعنى الآخر ا هـ ومراده بابن الجبائي أبو هاشم كما قاله القاضي عبد الوهاب قال صاحب المعتمد وشرط أبو عبد الله في المنع شروطا أربعة اتحاد المتكلم والعبارة والوقت وأن يكون المعنيان مختلفين لا ينتظمهما فائدة واحدة فمتى انخرم شرط جاز أن يرادا وما حكيناه عن أبي هاشم صرح به أبو الحسين في المعتمد عنه لكن أفاد صاحب الكبريت الأحمر أن له في المسألة قولين وأنه ذهب في كتاب البغداديات إلى الجواز إذا لم يكن بينهما منافاة وفي غيره إلى المنع مطلقا ثم اختلف المانعون في سبب المنع فقيل أمر يرجع إلى القصد أي لا يصح أن يقصد باللفظ المشترك جميع مفهوماته من حيث اللغة لا حقيقة ولا مجازا ولكنه يمكن أن يقصد باللفظ الدلالة على المعنيين جميعا بالمرة الواحدة ويكون خالف الوضع اللغوي وابتدأ بوضع جديد ولكل أحد أن يطلق لفظا ويريد به ما شاء وهذا ما ذهب إليه الغزالي وأبو الحسين البصري وهو ضعيف إذ لا استحالة في ذلك وقيل سببه الوضع الحقيقي أي أن الواضع لم يضع اللفظ المشترك لهما على الجميع بل على البدل فلا يصحح إطلاقه بطرق الحقيقة على الجميع ولا يلزم من وضع اللفظ لمعنيين على البدل أن يكون موضوعا لهما على الجميع والمشترك إنما وضع لكل منهما على البدل فاستعماله في الجميع استعمال اللفظ في غير موضوعه ولكن يجوز أن يراد جميع محامله على جهة المجاز إذا اتصل بقرينة مشعرة بذلك وهذا ما اختاره ابن الحاجب والسهروردي في التنقيحات وفخر الدين الرازي

وغيرهم وكلام إمام الحرمين محتمل لهما والمذهب الثالث لا يستعمل في الجميع إذا تجرد عنه القرائن ويجوز مع القرينة المتصلة وهو ظاهر كلام إمام الحرمين في البرهان والمذهب الرابع الفرق بين النفي والإثبات والفرق أن النكرة في سياق النفي تعم فيجوز إرادة مدلولاته المختلفة ورد بأن النفي لا يرفع إلا ما يقتضي الإثبات وهذا القول حكاه ابن الحاجب وإنما هو احتمال أنه أبداه صاحب المعتمد وتبعه في المحصول وقيل إن الماوردي حكاه وجها لأصحابنا في كتاب الأشربة وهو ظاهر كلام الحنفية فإنهم قالوا إذا حلف لا يكلم موالي فلان يتناول الأعلى والأسفل وقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء يتناول الوطء والعقد إن قلنا إنه مشترك والمذهب الخامس يجوز في الجمع كقوله اعتدي بالأقراء دون المفرد لأن الجمع في حكم تعديد الأفراد وحكاه الماوردي عن بعض أصحابنا في كتاب الأشربة وهذا مفرع على جواز تثنية المشترك وجمعه وقد منعه أكثر النحاة وجوزه ابن الأنباري وابن مالك وقال ابن الحاجب الأكثر أن جمعه باعتبار معنييه مبني على الخلاف في المفرد فإن جاز ساغ وإلا فلا وقيل بل يجوز وإن لم يجز في المفرد وذكر في شرح المفصل أن تثنيته شاذة وأن الأكثر المستعمل خلافه المذهب السادس أنه ينظر في المعنى فإن كان أحدهما يتعلق بالآخر من جهة المعنى كالنكاح فإنه يتناول العقد والوطء واللمس يتناول الوطء والمس باليد وكل منهما متعلق بالآخر يجوز إرادتهما والحمل عليهما وإن كان أحدهما غير متعلق بالآخر لم تجز إرادتهما والحمل عليهما بلفظ واحد حكاه بعض شراح اللمع وهو غريب المذهب السابع الوقف واختاره الآمدي ونبه القاضي في التقريب على أن محل الخلاف في إرادتهما في وقت واحد من غير تكرار وأنه متى أريد بهما المعنيان وكررا في وقتين أريد

به في أحدهما أحد المعنيين وفي الآخر الأخرى فلا خلاف في الجواز المقام الثاني إذا جوزنا الاستعمال فهل يجب على السامع حمله على ذلك إذا تجرد عن قرينة صارفة فيه مذاهب أحدهما أنه يحمل على جميع المعاني قال ابن القشيري وعليه يدل كلام الشافعي لأنه لما تمسك بقوله تعالى أو لامستم النساء فقيل أراد بالملامسة المواقعة فقال أحمله على الجس باليد حقيقة وعلى الوقاع مجازا يعني وإذا قال ذلك في الحقيقة والمجاز ففي الحقيقتين أولى وقال الأستاذ أبو منصور إنه قول أكثر أصحابنا ولهذا حملنا آية اللمس على الجماع وعلى الجس باليد ونقله غيرهما عن الشافعي والقاضي صريحا وقال القرطبي الحق أن في النقل عنهما في هذا خللا ونقله الإمام الرازي في المناقب عن القاضي عبد الجبار والبيضاوي في الكلام على الجمع المنكر عن الجبائي لأنه لو لم يجب فإما أن يحمل على واحد منهما ويلزم تعطيل النص ولأن العمل بالدليل واجب ما أمكن وليس من عادة العرب تفهيم المراد باللفظ المشترك من غير قرينة فيصير انتفاء القرينة المخصصة قرينة تعميم ولما فيه من الاحتياط الثاني المنع وهو قول ابن عقيل من الحنابلة وقال الرافعي في باب التدبير إنه الأشبه فقال والأشبه أن اللفظ المشترك مراد به جميع معانيه ولا يحمل عند الإطلاق على جميعها وليس كما قال وإنما هذا مذهب الحنفية كما قاله أبو زيد الدبوسي في تقويم الأدلة قال ولهذا قال علماؤنا من أوصى لمواليه وله موال أعتقوه وموال أعتقهم أن الوصية باطلة لأن معنى الولاءين مختلف فيراد بالوصية للأعلى الجزاء وللأسفل زيادة الإنعام وإذا قال لامرأة إن نكحتك فأنت طالق لم ينصرف إلى العقد والوطء جميعا لأنهما مختلفان ا هـ وبه قال الإمام فخر الدين تفريعا على القول بجواز الاستعمال والثالث التوقف لا يحمل على شيء إلا بدليل ويصير مجملا وبه قال القاضي كما سنذكره قال القاضي أبو منصور وهو قول الواقفية في صيغ العموم ا هـ واختاره ابن القشيري في أصوله وتفسيره لأنه ليس موضوعا للجميع بل لآحاد مسميات

على البدل وادعاء إشعارها بالجميع بعيد قال نعم يجوز أن يريد المتكلم به جميع المحامل ولا يستحيل ذلك في العقل وفي مثل هذا فقال يحتمل أن يكون المراد كذا يحتمل أن يكون كذا ا هـ والرابع إن كان بلفظ المفرد فهو مجمل أو بلفظ الجمع وجب به الحمل وهو قول القاضي عن الحنابلة في الكفاية هذا كله حيث لا قرينة تعين مراد اللافظ فإن وجدت قرينة بواحد منها نظر فإن كان بين تلك المعاني منافاة بقي اللفظ مجملا إلى المرجح وإن كانت معانيه متساوية فالمشهور أنه يجب حمل اللفظ عليها وإن قلنا لا يحمل عند عدم القرينة وحكي في المحصول عن بعضهم أنه يتعارض الدليل المانع من حمل المشترك على جميع معانيه والقرينة الموجبة تحمله عليها فيعتبر بينهما الترجيحات قال وهذا خطأ لإمكان الجمع بأن يقال المتكلم تكلم به مرات وأراد بكم مرة معنى من معانيه والدليل المانع لا ينفي ذلك وقال بعض شراح اللمع إن دل الدليل على أحدهما حمل عليه قطعا وإن دل على أن المراد أحدهما ولم يعين وجب الوقف حتى يعلم ذلك الواحد بعينه قطعا وإن لم يعلم المراد به فهو موضع الخلاف

تنبيهات التنبيه الأول
في تحرير النقل عن الشافعي والقاضي في هذه المسألة
أما الشافعي فقد اشتهر عنه في كتب المتأخرين القول الأول وقد أنكر ذلك أبو العباس بن تيمية وقال ليس للشافعي نص صريح فيه وإنما استنبطوا هذا من نصه فيما إذا أوصى لمواليه وله موال أعلى وأسفل أو وقف على مواليه فإنه يصرف للجميع وهذا الاستنباط لا يصح لاحتمال أنه يرى أن اسم الموالي من الأسماء المتواطئة وأن موضوعه للقدر المشترك بين الموليين ولا يلزم من هذا أن يحكى عنه قاعدة كلية في الأسماء التي لا شركة بين معانيها وإنما الاشتراك بينهما في مجرد اللفظ قلت وهذا نقله ابن الرفعة في الكفاية عن شيخه الشريف عماد الدين وأن تناول الاسم لهما معنى واحد على جهة التواطؤ وهي الموالاة والمناصرة ثم نازع فيه في باب الوصية من المطلب بأن هذا يقتضي التصحيح وصرف الريع والوصية إليهما

والسؤال إنما يتجه على القول بعدم الصحة ا هـ ويحتمل أن يقال إن مواليه جمع مضاف فالتعميم من هذه الحيثية لا من جهة الاشتراك لكن كلام الشافعي في مواضع يدل للقول الأول منها أنه احتج في الأم على استحباب الكتابة فيما إذا جمع العبد بين الأمانة والقوة على الكسب بقوله تعالى فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ففسر الخير بالأمرين قال وأظهر معاني الخير قوة العبد بدلالة الكتاب الاكتساب مع الأمانة فأحب أن لا يمتنع من مكاتبته إذا كان هكذا ا هـ ومنها أنه نص في الأم في لفظة عند المشترك بين إفادة الحضور والملك في حديث حكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك قال وكان نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع المرء ما ليس عنده يحتمل أن يبيع بحضرته فيراه المشتري كما يراه البائع عند تبايعهما ويحتمل أن يبيع ما ليس عنده ما ليس يملك تعيينه فلا يكون موضوعا مضمونا على البائع يؤخذ به ولا في ملكه فيلزمه أن يسلمه إليه لأنه يعينه وعنى هذين المعنيين ومنها حمله اللمس في الآية كما سبق عن القشيري فإن قيل فلم لم يحمل الشفق على معنييه بل اعتبر في آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق الأحمر قلنا لأنه ورد في حديث آخر تعيينه بالأحمر فلهذا لم يقل بالاشتراك وأما النقل عن القاضي فأنكره ابن تيمية أيضا قال لأن من أصله الوقف في صيغ العموم وأنه لا يجوز حملها على الاستغراق إلا بدليل فمن يقف في ألفاظ العموم كيف يجزم في الألفاظ المشتركة بالاستغراق بغير دليل وإنما الذي ذكره في كتبه إحالة الاشتراك أصلا وأن ما يظن من الأسماء المشتركة هي عنده من الأسماء المتواطئة قلت وممن استشكل ذلك الإبياري وتابعه القرافي لكن القاضي إنما ينكر وضعها للعموم ولا ينكر استعمالها وكلامنا في الاستعمال ويحتمل أنه فرعه على القول

بصيغ العموم على أن الذي رأيته في التقريب للقاضي بعد أن قرر صحة إرادة المعنيين من المتكلم قال فإن قيل هل يصح أن يراد المعنيان أي يحمل عليهما بالظاهر أم بدليل يقترن بهما قيل بل بدليل يقترن بهما لموضع احتمالهما للقصد تارة إليهما وتارة إلى أحدهما وكذلك سبيل كل محتمل من القول وليس بموضوع في الأصل لأحد محتمليه ا هـ وزاد عند إمام الحرمين في تلخيص التقريب فإنا نقول إذا احتمل إرادة المعنيين واحتمل تخصيص اللفظ بأحدهما فيتوقف في معنى اللفظ على قرينة تدل على الجمع والتخصيص وكيف لا نقول ذلك ونحن على نصرة نفي صيغة العموم انتهى فظهر أن الصواب في النقل عن القاضي المذهب الثالث وهو التوقف التَّنْبِيهُ الثَّانِي إنَّ الْخِلَافَ في حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ على مَعَانِيهِ إنَّمَا هو في الْكُلِّيِّ الْعَدَدِيِّ أَيْ في كل فَرْدٍ فَرْدٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَهُ يَدُلُّ على كُلٍّ مِنْهُمَا على حِدَتِهِ بِالْمُطَابَقَةِ في الْحَالَةِ التي تَدُلُّ على الْمَعْنَى الْآخَرِ بها وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُلِّيُّ الْمَجْمُوعَ أَيْ بِجَعْلِ مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ مَدْلُولًا مُطَابِقًا كَدَلَالَةِ الْخَمْسَةِ على آحَادِهَا وَلَا الْكُلِّيِّ الْبَدَلِيِّ أَيْ بِجَعْلِ كل وَاحِدٍ مَدْلُولًا مُطَابِقًا على الْبَدَلِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّحْصِيلِ وَكَذَا قال عبد الْعَزِيزِ في شَرْحِ الْبَزْدَوِيُّ إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أُرِيدَ بِالْمُشْتَرَكِ كُلُّ وَاحِدٍ من مَعْنَيَيْهِ وَأَمَّا إرَادَةُ الْمَجْمُوعِ من حَيْثُ هو مَجْمُوعٌ فَلَا نِزَاعَ فيه لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ كُلَّ وَاحِدٍ من الْمَعْنَيَيْنِ جُزْءًا لِمَعْنًى بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فإنه يُصَيِّرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هو الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ وقال الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ إنَّهُ رَآهُ في تَصْنِيفٍ آخَرَ لِصَاحِبِ التَّحْصِيلِ أَنَّ الْأَظْهَرَ من كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْخِلَافَ في الْكُلِّيِّ الْمَجْمُوعُ فإن أَكْثَرَهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالْعَامِّ

التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ جَعَلَ النَّقْشَوَانِيُّ في التَّلْخِيصِ مَحَلَّ الْخِلَافِ في الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ قال فَأَمَّا الْمُفْرَدُ الْمُنَكَّرُ إذَا لم يُكَرَّرُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا سَوَاءٌ كان مُثْبَتًا أو مَنْفِيًّا لِأَنَّ التَّنْكِيرَ يَقْتَضِي التَّوْحِيدَ فَإِنْ تَكَرَّرَ بِقَوْلِهِ اعْتَدِّي قُرْءًا وَقُرْءًا فَقَدْ جَوَّزَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِمَا حَقِيقَةً وَإِنْ كان مُفْرَدًا مُعَرَّفًا بِأَلْ مُكَرَّرًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ لم يَتَكَرَّرْ وَكَانَتْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على أَحَدِهِمَا بِخُصُوصٍ وَجَبَ الْحَمْلُ عليه وَإِنْ لم تُوجَدْ الْقَرِينَةُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ الشَّافِعِيُّ يُوجِبُ الْحَمْلَ على الْمَعْنَيَيْنِ جميعا في هذا الْوَقْتِ قال الْأَصْفَهَانِيُّ وَجَعْلُهُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْعَمَلِ مَمْنُوعٌ بَلْ نَقُولُ جَوَازُ الْخِطَابِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ يَنْبَنِي على أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ هل يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ على جَمِيعِ مَعَانِيهِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْحَمْلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيَانِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَلَا يَجُوزُ وُرُودُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ من غَيْرِ بَيَانٍ التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ إذَا قُلْنَا بِالْحَمْلِ فَهَلْ هو من بَابِ الْعُمُومِ أو الِاحْتِيَاطِ فيه طَرِيقَتَانِ إحْدَاهُمَا وَعَلَيْهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيَّ وابن الْحَاجِبِ أَنَّهُ كَالْعَامِّ وَأَنَّ نِسْبَةَ الْمُشْتَرَكِ إلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ كَنِسْبَةِ الْعَامِّ إلَى أَفْرَادِهِ وَالْعَامُّ إذَا تَجَرَّدَ عن الْقَرَائِنِ وَجَبَ حَمْلُهُ على الْجَمِيعِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَكَذَا الْمُشْتَرَكُ وَضَعَّفَهُ النَّقْشَوَانِيُّ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ اللَّفْظَ حِينَئِذٍ مُتَوَاطِئًا لَا مُشْتَرَكًا قال وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ لم يُرِيدُوا الْعُمُومَ وَأَنَّ هذه الزِّيَادَةَ من جِهَةِ النَّاقِلِ عَنْهُمْ لَمَّا رَأَى في كُتُبِهِمْ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ على مَعْنَيَيْهِ ظَنَّ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَازَعَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ لِمَا فيه من تَوْهِيمِ الْأَئِمَّةِ قال وما اسْتَبْعَدَ النَّقْلُ ضَعِيفٌ فإن مُرَادَهُمْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ كَالْعَامِّ في مَعْنَى اسْتِغْرَاقِهِ لِمَدْلُولَاتِهِ وَوُجُوبِ الْحَمْلِ على جَمِيعِ مَعَانِيهِ الْمُخْتَلِفَةِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عن الْقَرَائِنِ فَهُوَ كَالْعَامِّ من هذا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْأَفْرَادَ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ مِثْلُ الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْعَامِّ حتى يَلْزَمَ التَّوَاطُؤُ

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ وَعَلَيْهَا الْإِمَامُ الرَّازِيَّ أَنَّهُ من بَابِ الِاحْتِيَاطِ وَتَقْدِيرُهَا أَنَّ لِلسَّامِعِ أَحْوَالًا ثَلَاثَةً إمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ فَيَلْزَمُ التَّعْطِيلُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ وَقْتِ الْحَاجَةِ أو يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا فَيَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ لم يَبْقَ إلَّا الْحَمْلُ على الْمَجْمُوعِ وهو أَحْوَطُ لِاشْتِمَالِهِ على مَدْلُولَاتِ اللَّفْظِ بِأَسْرِهَا وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْحَاجَةِ غَيْرُ جَائِزٍ فإذا جاء وَقْتُ الْعَمَلِ بِالْخِطَابِ ولم يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَحَدُهُمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجْمُوعُ وَعَلَى هذه الطَّرِيقَةِ جَرَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فقال إنْ لم يَقُمْ دَلِيلٌ على تَعْيِينِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ لِلْإِرَادَةِ حَمَلْنَاهُ على كُلٍّ مِنْهُمَا لَا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَضْعًا بَلْ لِأَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ على أَحَدِهِمَا ولم يَتَعَيَّنْ وَلَا يَخْرُجُ عن عُهْدَتِهِ إلَّا بِالْجَمِيعِ قال وَلَا فَرْقَ في ذلك بين أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ وُجُوبًا أو كَرَاهَةً وَلَوْ لم يَقُمْ دَلِيلٌ على تَعْيِينِ الْقُرْءِ لِلطُّهْرِ عِنْدَ من يَرَاهُ وَلَا على تَعْيِينِهِ لِلْحَيْضِ عِنْدَ من يَرَاهُ لَوَجَبَ أَنْ تَتَرَبَّصَ الْمَرْأَةُ مِنْهُمَا جميعا لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ تَعْلِيقُ الْوُجُوبِ بِالْقُرْءِ وَإِنَّمَا الْمُبْهَمُ تَعَيُّنُ الْمُرَادِ مِنْهُمَا وَلَا يَخْرُجُ عن عُهْدَةِ وُجُوبِ التَّرَبُّصِ وَالْحَلِّ لِلْأَزْوَاجِ إلَّا بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَقُولُ إنْ صَحَّ أَنَّ الشَّفَقَ مُشْتَرَكٌ بين الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ ولم يَقُمْ دَلِيلٌ على تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا لِلْإِرَادَةِ وَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ صَلَاةُ الْعِشَاءِ إلَّا بَعْدَ غَيْبُوبَةِ آخِرِهِمَا وهو الْبَيَاضُ وَمَنْ رَجَّحَ الْحَمْلَ على أَحَدِهِمَا فَلَا بُدَّ له من دَلِيلٍ يَدُلُّ على تَعَيُّنِهِ لِلْإِرَادَةِ بِخُصُوصِهِ فَإِنْ قُلْت قد ذُكِرَ أَنَّهُ يُعْمَلُ على تَقْدِيرِ الِاشْتِرَاكِ بِالْأَمْرَيْنِ مع أَنَّ عَدَمَ تَعَيُّنِ الْمُرَادِ يُوجِبُ الْإِجْمَالَ وَالْإِجْمَالُ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ وَذَلِكَ خِلَافُ ما قُلْت قُلْت هذا صَحِيحٌ إذَا لم يَكُنْ تَعَلُّقُ الْمُبَيَّنِ من وَجْهٍ كما لو قال ائْتِنِي بِعَيْنٍ وَأَمَّا إذَا كان مُبَيَّنًا من وَجْهٍ كَالنَّهْيِ عن الْقَزْعِ مَثَلًا وكان الِامْتِثَالُ مُمْكِنًا فإنه يَتَعَيَّنُ الْخُرُوجُ عن الْعُهْدَةِ في التَّكْلِيفِ الْمُبَيَّنِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ بِالْعَمَلِ في الْأَمْرَيْنِ وَصَارَ هذا كَقَوْلِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ في الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَنَّهُ يُخْتَنُ في فَرْجَيْهِ مَعًا وَالْخِتَانُ إنَّمَا هو في فَرْجٍ فَأَحَدُ الْفَرْجَيْنِ خَتْنُهُ وَالْآخَرُ خَتْنُهُ وَلَمَّا كان وُجُوبُ الْخِتَانِ أَمْرًا مُبِينًا لَا إجْمَالَ فيه وَالْخُرُوجُ عن الْعُهْدَةِ مُمْكِنٌ بِالْخِتَانِ فِيهِمَا أَوْجَبُوهُ قُلْت وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ من الطَّرِيقِ الْأُولَى أَنَّهُ كَالْعَامِّ حَقِيقَةً كَيْفَ وَأَفْرَادُهُ مَحْصُورَةٌ وقد حَمَلُوهُ على مَفْهُومِيَّةِ حَالَةِ الْإِفْرَادِ من غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَلَا إضَافَةٍ بَلْ أَجْرَوْهُ في الْأَفْعَالِ حَيْثُ مَثَّلُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ وَقَوْلِهِ أو لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ وَمَعْلُومُ الْفِعْلِ لَا عُمُومَ له

التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ أَنَّ الْقُرْءَ على الصَّحِيحِ مُشْتَرَكٌ بين الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في كل قُرْءٍ طَلْقَةً طَلُقَتْ في كل قُرْءٍ طَلْقَةً وقد يُقَالُ لَا طَلُقَتْ في الطُّهْرِ وَاحِدَةً وفي الْحَيْضِ أُخْرَى حَمْلًا لِلْمُشْتَرَكِ على مَعْنَيَيْهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَ الْمُطَلِّقِ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يَقَعَ في بِدْعَةٍ وهو جَمْعُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فَلَا تُوقِعُهُ في بِدْعَةٍ أَشَدَّ منها وهو الْوُقُوعُ في الْحَيْضِ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ على مُقَيَّدِ الشَّرْعِ الْمَوْطِنُ الثَّانِي في اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مِثْلَ أَنْ يُطْلِقَ النِّكَاحَ وَيُرِيدَ بِهِ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ جميعا وَفِيهِ الْحَالَانِ السَّابِقَانِ من الِاسْتِعْمَالِ وَالْحَمْلِ أَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَفِيهِ مَذَاهِبُ أَحَدُهَا وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كما قَالَهُ النَّوَوِيُّ في بَابِ الْأَيْمَانِ من الرَّوْضَةِ جَوَازُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَكَأَنَّ الرَّافِعِيَّ لم يَقِفْ على النَّقْلِ عِنْدَنَا في ذلك فقال اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ في الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُسْتَبْعَدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وهو قَوْلُ الْقَاضِي صَرَّحَ بِهِ في كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَغَلِطَ من نَقَلَ عنه الْمَنْعَ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْحَمْلَ لَا الِاسْتِعْمَالَ كما سَنُحَقِّقُهُ عنه وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَجَرَى على مِنْوَالٍ وَاحِدٍ فَجَوَّزَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَحَمَلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا وَأَخْرَجَ ابن الرِّفْعَةِ نَصَّهُ على ذلك في الْأُمِّ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا عَقَدَ لِرَجُلَيْنِ على امْرَأَةٍ ولم يَعْلَمْ السَّابِقَ مِنْهُمَا ذَكَرَ ذلك في بَابِ الْوَصِيَّةِ من الْمَطْلَبِ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ إنَّهُ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الشَّافِعِيِّ فإنه قال في مُفَاوَضَةٍ له في آيَةِ اللَّمْسِ هِيَ مَحْمُولَةٌ على الْجَسِّ بِالْيَدِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْوِقَاعِ مَجَازًا قُلْت وَكَذَلِكَ نَصُّهُ في قَوْله تَعَالَى لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى فإنه احْتَجَّ بِهِ على جَوَازِ الْعُبُورِ في الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ وقال أَرَادَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ وَحَمَلَ اللَّفْظَ على الصَّلَاةِ وَعَلَى مَوَاضِعِهَا وَدَلَّ على الصَّلَاةِ قَوْلُهُ حتى تَعْلَمُوا وَعَلَى مَوَاضِعِهَا قَوْلُهُ إلَّا عَابِرِي

سَبِيلٍ فَحُمِلَ اللَّفْظُ على حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَأَمَّا نَصُّهُ في الْبُوَيْطِيِّ على أَنَّهُ لو أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ عُتَقَاءُ وَلَهُمْ عُتَقَاءُ أنها تَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِينَ مع أَنَّهُمْ مَوَالِيهِ وَالْآخَرُونَ مَجَازًا بِالسَّبَبِيَّةِ وَكَذَلِكَ لو وَقَفَ على أَوْلَادِهِ لم يَدْخُلْ وَلَدُ الْوَلَدِ على الْأَصَحِّ فَلَيْسَ ذلك لِأَجْلِ مَنْعِ الْجَمْعِ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالْقَرِينَةُ هُنَا عَيَّنَتْ الْحَقِيقَةَ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ وَلَاءَ مَوَالِيهِمْ لهم دُونَهُ أَمَّا الثَّانِيَةُ قال الْغَزَالِيُّ وَالتَّعْمِيمُ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَقْرَبُ منه بين حَقِيقَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي وهو قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاخْتَارَهُ من أَصْحَابِنَا ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ وابن بَرْهَانٍ في الْوَجِيزِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ عن أبي عبد اللَّهِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَالْكَرْخِيِّ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَصْلٌ وَالْمَجَازَ مُسْتَعَارٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا كما لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الثَّوْبِ على اللَّابِسِ مِلْكًا وَعَارِيَّةً في وَقْتٍ وَاحِدٍ وَنَقَضَ ابن السَّمْعَانِيِّ عليهم بِقَوْلِهِمْ لو حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ في الدَّارِ فَدَخَلَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا حَنِثَ قال تَنَاوَلَ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ قال لو قال الْيَوْمَ الذي يَدْخُلُ فُلَانٌ الدَّارَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَدَخَلَ لَيْلًا وَنَهَارًا حَنِثَ وَقَالُوا في السِّيَرِ الْكَبِيرِ لو أَخَذَ الْأَمَانَ لِبَنِيهِ دخل بَنُوهُ وَبَنُو بَنِيهِ وَالظَّاهِرُ من مَذْهَبِنَا في الْأُولَى عَدَمُ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ على إرَادَةِ الْأَشْهَرِ فَخَالَفْنَا الْقَاعِدَةَ لِهَذَا وفي الثَّانِيَةِ مُوَافَقَتُهُمْ لِأَنَّهُ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عن التَّتِمَّةِ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ طَلُقَتْ في الْحَالِ وَإِنْ كان بِاللَّيْلِ وَيَلْغُوا الْيَوْمُ لِأَنَّهُ لم يُعَلِّقْ وَإِنَّمَا سَمَّى الْوَقْتَ بِغَيْرِ اسْمِهِ وفي الثَّالِثَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ كما في الْوَقْفِ على الْأَوْلَادِ ولم يُحَكِّمُوا بَقِيَّةَ الْمَذَاهِبِ السَّابِقَةِ في الْحَقِيقَتَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ مَجِيئُهَا وَأَمَّا الْحَمْلُ فَالْمَنْقُولُ عن الشَّافِعِيِّ الْجَوَازُ طَرْدًا لِأَصْلِهِ هُنَاكَ وَأَمَّا الْقَاضِي أبو بَكْرٍ فَسَبَقَ عنه هُنَاكَ الْإِجْمَالُ وَأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَأَمَّا هَاهُنَا فقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ وقد عَظُمَ نَكِيرُ الْقَاضِي على من يَرَى الْحَمْلَ على الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا وقال في تَحْقِيقِ إنْكَارِهِ اللَّفْظَةُ إنَّمَا تَكُونُ حَقِيقَةً إذَا انْطَبَقَتْ على ما وُضِعَتْ له في أَصْلِ اللِّسَانِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَجَازًا إذَا تُجُوِّزَ بها عن مُقْتَضَى الْوَضْعِ وَيَحِيلُ الْجَمْعُ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُحَالَ الْجَمْعِ بين النَّقِيضَيْنِ قُلْت من هُنَا نُقِلَ عن الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ مَعًا كما يَلْزَمُ منه في الْجَمْعِ بين النَّقِيضَيْنِ ولم يُرِدْ الْقَاضِي ذلك وقد صَرَّحَ في التَّقْرِيبِ بِجَوَازِ الْإِرَادَةِ وَإِنَّمَا الذي مَنَعَهُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا

قال الْإِمَامُ وَقَوْلُ الْقَاضِي هو جَمْعٌ بين النَّقِيضَيْنِ يَرْجِعُ إلَى اشْتِقَاقِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وقال الْمَازِرِيُّ في شَرْحِ التَّلْقِينِ اسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ على الْقَاضِي هذا وقال إنَّمَا يُمْنَعُ في حَقِّ من خَطَرَ بِبَالِهِ من الْمَخْلُوقِينَ في خِطَابِهِ حَقِيقَةُ الْحَقِيقَةِ وَحَقِيقَةُ الْمَجَازِ وَأَمَّا إذَا كان الْقَصْدُ إرْسَالَ اللَّفْظَةِ على جَمِيعِ ما تُطْلَقُ عليه دُونَ الْقَصْدِ إلَى حَقَائِقَ أو مَجَازٍ فإن هذا يَصِحُّ دَعْوَى الْعُمُومِ فيه وَحَقَّقَ ابن الْقُشَيْرِيّ مَذْهَبَ الْقَاضِي فقال وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ الْمُطْلِقُ لَفْظَ اللَّمْسِ وَيُرِيدُ بِهِ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ فيقول اللَّمْسُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وهو يَعْنِيهِمَا وقد صَرَّحَ بِتَجْوِيزِهِ في بَعْضِ كُتُبِهِ قال الْقَاضِي وفي هذا أَصْلٌ يَدِقُّ على الْفَهْمِ وهو أَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لو خَطَرَ له أَنْ يَسْتَعْمِلَ اللَّفْظَ حَقِيقَةً وَيَسْتَعْمِلَهُ مَجَازًا لم يُتَصَوَّرْ الْجَمْعُ بين الْمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَقْتَضِي قَصْرَهَا وَالتَّجَوُّزَ يَقْتَضِي تَعْدِيَتَهَا عن أَصْلِ وَضْعِهَا وَأَمَّا من أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمُسَمَّيَيْنِ من غَيْرِ تَعَرُّضِ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً وَتَجَوُّزًا فَهَذَا هو الْجَائِزُ قال ابن الْقُشَيْرِيّ يَعْنِي بهذا أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا في شَيْءٍ وَاحِدٍ حتى يَكُونَ الْأَسَدُ في الْبَهِيمِيَّةِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا وَأَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ هذا اللَّفْظُ حَقِيقَةً من غَيْرِ تَعْدِيَةٍ في حَالِ ما تُرِيدُ أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ مَجَازًا مع التَّعْدِيَةِ فإنه مُتَنَاقِضٌ قال وما أَوْهَمَهُ كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ من أَنَّ لِلْقَاضِي خِلَافًا في الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ وَهْمٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بهذا الذي ذَكَرْنَاهُ فقال كُلُّ لَفَظَّةٍ تُنْبِئُ عن مَعْنَيَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَلَا تَجُوزُ إرَادَتُهُمَا بِاللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ كَلَفْظِ افْعَلْ عِنْدَ مُنْكِرِي الصِّيغَةِ مُتَرَدِّدًا بين الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالنَّهْيِ فَلَا يَصِحُّ إرَادَةُ هذه الْمَعَانِي بِاللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ لِتَنَاقُضِهَا قُلْت هذا إنَّمَا قَالَهُ الْقَاضِي شَرْطًا لِلْجِوَارِ وهو أَنَّهُ حَيْثُ يَصِحُّ الْجَمْعُ كما اشْتَرَطَ ذلك في الْحَقِيقَتَيْنِ لَا مَنْعَ الْإِرَادَةِ مُطْلَقًا وقال في التَّقْرِيبِ وَلَخَّصَهُ الْإِمَامُ في التَّلْخِيصِ اعْلَمْ أَنَّ إرَادَةَ الْجَمْعِ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَخْطِرُ له التَّعَرُّضُ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَلَكِنْ يَقْتَصِرُ على إرَادَةِ الْمُسْلِمِينَ من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِوَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً وَتَجَوُّزًا وفي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ صَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ أَنَّهُ يُحْمَلُ على الْحَقِيقَةِ خَاصَّةً لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَرَابِعٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أَيْضًا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ فيه حتى يَبِينَ الْمُرَادُ

تَنْبِيهَاتٌ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ إذَا قُلْنَا بِالْحَمْلِ في هذه الْحَالَةِ فَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قِيَامِ قَرِينَةِ الْمَجَازِ لَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كما اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ إذْ قال وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ على الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إذَا تَسَاوَيَا في الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ إذَا عَرِيَ عن عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ لم يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ على الْمَجَازِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ على أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ وَقِيَامُ الدَّلَالَةِ على إرَادَةِ الْمَجَازِ لَا يَنْفِي عن اللَّفْظِ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ هذا لَفْظُهُ وهو الْحَقُّ قال وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ في اللَّفْظِ الذي اشْتَرَكَ في عُرْفِ اسْتِعْمَالِهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا وقال ابن حَاتِمٍ الْأَزْدِيُّ صَاحِبُ الْقَاضِي إذَا كان اللَّفْظُ مَوْضُوعًا حَقِيقَةً لِشَيْءٍ وَمَجَازًا لِغَيْرِهِ ثُمَّ وَرَدَ هل يُحْمَلُ على الْحَقِيقَةِ مُطْلَقًا وَبِالْقَرِينَةِ على الْمَجَازِ أَمْ تَتَوَقَّفُ الدَّلَالَةُ وَلَا يُحْمَلُ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيه فَمِنْهُمْ من قال يُحْمَلُ على الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمِنْهُمْ من قال لَا يُصْرَفُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ ا هـ قال ابن السَّمْعَانِيِّ وَاللَّفْظُ وَالْحَالَةُ هذه حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ وَزَعَمَ ابن الْحَاجِبِ أَنَّ اللَّفْظَ حِينَئِذٍ مَجَازٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اسْتِعْمَالٌ في غَيْرِ ما وُضِعَ له وَحَكَاهُ ابن عبد السَّلَامِ في كِتَابِ الْمَجَازِ عن بَعْضِهِمْ وقال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْخِلَافُ في هذه الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هو إذَا ظَهَرَ قَصْدُ الْمَجَازِ بِقَرِينَةٍ مع السُّكُوتِ عن الْحَقِيقَةِ أو قَصْدُهُمَا مَعًا أَمَّا إذَا قَصَدَ الْحَقِيقَةَ فَقَطْ فَالْحَمْلُ عليها فَقَطْ بِلَا نِزَاعٍ أو الْمَجَازَ فَقَطْ اخْتَصَّ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ لم يَظْهَرْ قَصْدٌ فَلَا مَدْخَلَ لِلْحَمْلِ على الْمَجَازِ فإن اللَّفْظَ إنَّمَا يُحْمَلُ على مَجَازِهِ بِقَرِينَةٍ وَلِهَذَا قالوا فِيمَا إذَا قال وَقَفْتُ على أَوْلَادِي وَنَظَائِرُهُ أَنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ على الصَّحِيحِ وَنَظِيرُهُ ما لو أَوْصَى لِإِخْوَةِ فُلَانٍ وَكَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا إخْوَةً وَأَخَوَاتٍ قال الْإِمَامُ في بَابِ الْوَصِيَّةِ من النِّهَايَةِ مَذْهَبُ أبي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْوَصِيَّةِ الْإِخْوَةُ دُونَ الْأَخَوَاتِ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لِلْجَمِيعِ

وَكَذَا كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ السَّابِقُ وقد أَفَادَ حَالَةً أُخْرَى وَهِيَ ما إذَا تَسَاوَيَا في الِاسْتِعْمَالِ بِأَنْ يَكْثُرَ الْمَجَازُ كَثْرَةً تُوَازِي الْحَقِيقَةَ فَيَتَسَاوَيَانِ فِيهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيَحْصُلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ أَحَدُهُمَا أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ على إرَادَةِ الْمَجَازِ مع السُّكُوتِ عن الْحَقِيقَةِ ثَانِيهَا أَنْ تَدُلَّ على إرَادَتِهِمَا جميعا ثَالِثُهَا أَنْ لَا تَكُونَ قَرِينَةٌ وَلَكِنْ لِلْمَجَازِ شُهْرَةٌ وَازَى بها الْحَقِيقَةَ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ في الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا الْحَمْلُ عليها رَابِعُهَا حَالَةُ الْإِطْلَاقِ مع عَدَمِ شُهْرَةِ الْمَجَازِ فَلَا يُحْمَلُ فِيهِمَا على الْمَجَازِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَدْفُوعٌ ما لم يَدُلَّ عليه دَلِيلٌ وإذا ضَمَمْت الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ إلَى الْمُشْتَرَكِ خَرَجَ منه مَذَاهِبُ ثَالِثُهَا التَّفْصِيلُ بين الْحَقِيقَتَيْنِ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَيَمْتَنِعُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَتُفَارِقُ هذه الْحَالَةُ ما قَبْلَهَا على مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يُحْمَلُ على مَعْنَيَيْهِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ وَالْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا سَاوَى الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ لِشُهْرَةٍ أو نَحْوِهِمَا كما تَقَدَّمَ وَرَابِعُهَا عَكْسُهُ وهو الْمَنْعُ في الْحَقِيقَتَيْنِ قَطْعًا وَتُرَدَّدُ في الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَإِلَيْهِ صَارَ الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى فإنه قَطَعَ بِالْجَمْعِ في الْحَقِيقَتَيْنِ ثُمَّ قال في الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ هو عِنْدَنَا كَالْمُشْتَرَكِ وَإِنْ كان التَّعْمِيمُ منه أَقْرَبَ قَلِيلًا التَّنْبِيهُ الثَّانِي احْتَجَّ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ لِلْجَمْعِ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم صُبُّوا عليه ذَنُوبًا من مَاءٍ من جِهَةِ أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَوَجَّهَتْ إلَى صَبِّ الذَّنُوبِ وَالْقَدْرُ الذي يَغْمُرُ النَّجَاسَةَ وَاجِبٌ في إزَالَتِهَا فَتَنَاوُلُ الصِّيغَةِ لها اسْتِعْمَالٌ لِلَّفْظِ في الْحَقِيقَةِ وهو الْوُجُوبُ وَالزَّائِدُ على ذلك مُسْتَحَبٌّ فَتَنَاوُلُ الصِّيغَةِ له اسْتِعْمَالٌ في النَّدْبِ وهو مَجَازٌ فيه فَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ في حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا وَذَكَرَ الْإِبْيَارِيُّ من فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ هل يَصِحُّ أَنْ يُعَلَّقَ الْأَمْرُ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا على جِهَةِ الْوُجُوبِ وَالْآخَرُ على جِهَةِ النَّدْبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فإن أَتِمُّوا يَقْتَضِي وُجُوبَ إتْمَامِ الْحَجِّ وَاسْتِحْبَابَ إتْمَامِ الْعُمْرَةِ إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ وُجُوبِهَا التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ احْتَجُّوا على الْحَقِيقَتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ فإن الصَّلَاةَ من اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ وَاسْتَشْكَلَ ذلك بِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدِّدٌ لِتَعَدُّدِ الضَّمَائِرِ فَكَأَنَّهُ كَرَّرَ لَفْظَ يُصَلِّي فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ من مَوْضِعِ النِّزَاعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعَدُّدَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا بِحَسَبِ اللَّفْظِ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ من بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ في مَعْنَيَيْهِ لِأَنَّ سِيَاقَهَا إنَّمَا هو لِإِيجَابِ اقْتِدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ في الصَّلَاةِ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَا بُدَّ من اتِّحَادِ مَعْنَى الصَّلَاةِ في الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ لو قِيلَ إنَّ اللَّهَ يَرْحَمُ النبي وَالْمَلَائِكَةُ يَسْتَغْفِرُونَ له يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو اُدْعُوا له لَكَانَ رَكِيكًا فَلَا بُدَّ من اتِّحَادِ مَعْنَى الصَّلَاةِ إمَّا حَقِيقَةً أو مَجَازًا أَمَّا حَقِيقَةً فَالدُّعَاءُ إيصَالُ الْخَيْرِ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ومن لَوَازِمِهِ الرَّحْمَةُ ليس لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا مَجَازًا فَكَإِرَادَةِ الْخَيْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَلِيقُ بِالْمَقَامِ ثُمَّ إنْ اخْتَلَفَ ذلك الْمَعْنَيَانِ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِ يَضُرُّ وَلَيْسَ من الِاشْتِرَاكِ بِحَسَبِ الْمَوْضِعَ وَكَذَلِكَ الِاحْتِجَاجُ بِآيَةِ السُّجُودِ ليس من هذا الْبَابِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ الِانْقِيَادَ في الْجَمِيعِ أو وَضْعَ الْجَبْهَةِ وَلَا يَسْتَحِيلُ في الْحَادِثِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ حَاصِلَةٌ لِهَذَا الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ في اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ في مَجَازَيْهِ إذَا خَرَجَتْ الْحَقِيقَةُ عن الْإِرَادَةِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي وَتُرِيدُ بِهِ السَّوْمَ وَشِرَاءَ الْوَكِيلِ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ صَرَّحَ بِهِ ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَالْهِنْدِيُّ وَالْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَشُرِطَ لِلْجَوَازِ أَنْ لَا تَكُونَ تِلْكَ الْمَجَازَاتُ مُتَنَافِيَةً كَالتَّهْدِيدِ وَالْإِبَاحَةِ إذَا قُلْنَا إنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ حَقِيقَةٌ في الْإِيجَابِ مَجَازٌ في الْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ ولم يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْحَمْلِ في هذا الْمَوْطِنِ وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ إذَا تَسَاوَى الْمَجَازَانِ وَيَكُونُ من بَابِ الِاحْتِيَاطِ وَيَجِبُ هُنَا طَرْدُ قَوْلِ الْإِجْمَالِ في الْحَقِيقَتَيْنِ بَلْ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ في الْمَحْصُولِ في تَفَارِيعِ الْمَسْأَلَةِ قال

وَتَصِيرُ هذه اللَّفْظَةُ مُجْمَلَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجَازَاتِ ضَرُورَةً وَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ على جَمِيعِهَا بِنَاءً على امْتِنَاعِ حَمْلِ اللَّفْظِ على مَجْمُوعِ مَعَانِيهِ سَوَاءٌ كانت حَقِيقِيَّةً أو مَجَازِيَّةً وَبِهِ صَرَّحَ الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ في بَابِ الْمُجْمَلِ مع أَنَّهُمَا هُنَا رَجَّحَا خِلَافَهُ في الْحَقِيقَتَيْنِ وَالْإِمَامُ مَشَى على مِنْوَالٍ وَاحِدٍ حَيْثُ مَنَعَ في الْمَوْضِعَيْنِ وقال ابن الصَّبَّاغِ في أَوَاخِرِ الْعُدَّةِ وَبَعْضُ شُرَّاحِ اللُّمَعِ إذَا كان الِاسْمُ له حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ وَوَرَدَ الْخِطَابُ بِهِ فإنه يُحْمَلُ على الْحَقِيقَةِ فَإِنْ قام دَلِيلٌ على أَنَّهُ لم يُرَدْ بِهِ الْحَقِيقَةُ نُظِرَ فَإِنْ كان له مَجَازٌ وَاحِدٌ حُمِلَ عليه وَإِنْ كان أَكْثَرَ نُظِرَ فَإِنْ كان مَحْصُورًا كَلَفْظِ الْأَمْرِ انْبَنَى على الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ على مَعْنَيَيْنِ فَهَذَا أَوْلَى فَعَلَى هذا يَكُونُ اللَّفْظُ مُجْمَلًا وَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ ثُمَّ نَظَرْت فَإِنْ كان بين الْمَعَانِي تَضَادٌّ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ قال ابن عبد رَبِّهِ حُمِلَ على أَحَدِهِمَا على سَبِيلِ الْبَدَلِ قال الشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُحْمَلَ على وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ إذْ ليس أَحَدُهُمَا أَوْلَى من الْآخَرِ وَإِنْ لم يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ فَهَلْ يُحْمَلُ على أَحَدِهِمَا أو على الْجَمِيعِ وَجْهَانِ وَإِنْ كان مَجَازُهُ غير مَحْصُورٍ كَلَفْظِ الدَّابَّةِ فَإِنْ دَلَّ على الْمُرَادِ بِهِ دَلِيلٌ صِرْنَا إلَيْهِ وَإِلَّا انْبَنَى على الْوَجْهَيْنِ في الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا مَسْأَلَةٌ مُفَرَّعَةٌ على امْتِنَاعِ الْجَمْعِ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الْخِطَابُ الذي له حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ وَمُوجِبُ الْمَجَازِ ثَابِتٌ في بَعْضِ الصُّوَرِ هل يَقْتَضِي إسْنَادُهُ إلَى ذلك الْمَجَازِ حتى يَكُونَ مُرَادًا من ذلك الْخِطَابِ وَيَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَحْتَمِلَ ذلك الْخِطَابُ على الْحَقِيقَةِ وَأَنْ لَا يَلْزَمَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وهو بَاطِلٌ لِأَنَّا نُفَرِّعُ على هذه الْمَسْأَلَةِ أَمْ لَا يَقْتَضِي ذلك فَاخْتَارَ الْقَاضِي عبد الْجَبَّارِ وَالرَّازِيَّ في الْمَحْصُولِ أَنَّ مُوجِبَ الْمَجَازِ يَدُلُّ على أَنَّهُ مُرَادٌ بِالْخِطَابِ وَاخْتَارَ الْبَصْرِيُّ من الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ يَدُلُّ وَنُسِبَ إلَى الْكَرْخِيِّ مِثَالٌ لَفْظُ الْمُلَامَسَةِ حَقِيقَةٌ في الْجَسِّ بِالْيَدِ وهو مَجَازٌ في الْوِقَاعِ فَقَدْ ثَبَتَ مُوجِبُ الْمَجَازِ في قَوْله تَعَالَى أو لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ على وُجُوبِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَثُبُوتُ مَعْنًى هَاهُنَا لَا يَدُلُّ على أَنَّهُ مُرَادٌ بِالْخِطَابِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً بِالْخِطَابِ على ما بَيَّنَّا فَصَارَ النِّزَاعُ في أَنَّ ثُبُوتَ مُوجِبِ الْمَجَازِ

في صُورَةٍ من الصُّوَرِ يَمْنَعُ إجْرَاءَ الْخِطَابِ على حَقِيقَتِهِ على رَأْيٍ وَلَا يُمْنَعُ على الْآخَرِ وَأَوْضَحَهُمَا الْقَاضِي عبد الْجَبَّارِ في الْعُمْدَةِ فقال اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالدَّلِيلِ فَإِنْ كان لَفْظُ النَّصِّ يَتَنَاوَلُهُ على الْحَقِيقَةِ قَطَعْنَا بِأَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ إنْ لم يَمْنَعْ منه دَلِيلٌ وَإِنْ كان لَفْظُ النَّصِّ يَتَنَاوَلُهُ على جِهَةِ الْمَجَازِ لم يَجِبْ أَنْ نَقْطَعَ بِذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ فَإِنْ دَلَّ عليه دَلِيلٌ قُضِيَ بِهِ وَإِلَّا حُكِمَ بِثُبُوتِهِ بِالدَّلِيلِ الذي أَوْجَبَ ذلك مِثَالُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ إقَامَتُهَا وكان قَوْله تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ يَتَنَاوَلُهَا على الْحَقِيقَةِ قُطِعَ بِأَنَّهَا مُرَادَةٌ وإذا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجِبُ على الْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ في التَّشَهُّدِ كان قَوْلُنَا صَلَاةٌ يَتَنَاوَلُهَا على جِهَةِ الْمَجَازِ لم يَجِبْ أَنْ يَكُونَ ذلك مُرَادًا بِقَوْلِهِ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَإِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ سِوَى ذلك ثَابِتُ وُجُوبِهِ يَدُلُّ على أَنَّهُ قد أُرِيدَ ذلك وَلِهَذَا لم يَصِحَّ عِنْدَنَا إبْطَالُ ما يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ إنَّ اللَّمْسَ هو بِالْيَدِ بِأَنْ يُقَالَ قد ثَبَتَ أَنَّ الْجِمَاعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وهو النَّقْضُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بها وإذا صَارَ مُرَادًا بها بَطَلَ أو يُرَادُ بها اللَّمْسُ بِالْيَدِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كَوْنَ الْجِمَاعِ مُرَادًا لَا يَمْنَعُ كَوْنَ اللَّمْسِ مُرَادًا وَالثَّانِي أَنَّ ثُبُوتَ هذا الْحُكْمِ لِلْجِمَاعِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِالْأَمْرِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ في قَوْله تَعَالَى وَلَا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبَاؤُكُمْ أَنَّ ثُبُوتَ الْوَطْءِ مُرَادٌ بِهِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْعَقْدِ مُرَادًا بِهِ تَنْبِيهٌ حَمْلُ الْمُتَوَاطِئِ على مَعَانِيهِ وَأَمَّا الْمُتَوَاطِئُ فَهَلْ يُحْمَلُ على مَعَانِيهِ قال الْأَصْفَهَانِيُّ في قَوَاعِدِهِ لَا عُمُومَ فيه إجْمَاعًا وَصَرَّحَ في الْمَحْصُولِ في بَابِ الْمُجْمَلِ بِأَنَّهُ مُجْمَلٌ وَأَلْحَقَهُ بِالْمُشْتَرَكِ على رَأْيِهِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِهِ وَأَمَّا الْمُشَكَّكُ فقال ابن الصَّائِغِ النَّحْوِيُّ في شَرْحِ الْجُمَلِ من جَوَّزَ ذلك في الْمُشْتَرَكِ رُبَّمَا يُجَوِّزُهُ في الْمُشَكَّكِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ أَفْرَادَهُ مُتَفَاوِتَةٌ فَيَنْبَغِي الْحَمْلُ على الْأَقْوَى رِعَايَةً لِتِلْكَ الْأَوْلَوِيَّةِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ قَلَّ من تَعَرَّضَ لَهُمَا

مَسْأَلَةٌ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَيَيْنِ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ اخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ وهو الْقِيَاسُ الذي يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عليه الْأَلْفَاظُ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَنْفَصِلُ الْمَعَانِي وَلَا تَلْتَبِسُ وَاخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وهو التَّرَادُفُ وَعَكْسُهُ الِاشْتِرَاكُ وَبَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ أَهْمَلَهُ الْأُصُولِيُّونَ وهو اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَيَيْنِ وهو بَابُ الْأَضْدَادِ قال أبو مُحَمَّدِ بن الْخَشَّابِ في بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِهِ الضِّدُّ مَعْنَاهُ الْمِلْءُ يُقَالُ ضَدَدْت الْإِنَاءَ أَضُدُّهُ ضَدًّا إذَا مَلَأْتُهُ فإن كُلَّ وَاحِدٍ من الضِّدَّيْنِ يَشْغَلُهُ الْحَيِّزُ عن الْآخَرِ قد مُلِئَ دُونَهُ قال وقد صَنَّفَ اللُّغَوِيُّونَ فيها كُتُبًا كَالْأَصْمَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَحْسَنُ من جاء بَعْدَهُ أبو بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِيُّ وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ أَحْمَدُ بن يحيى بن ثَعْلَبٍ ولم يُوَافِقْهُ الْأَكْثَرُونَ على مَذْهَبِهِ قال الْفَارِسِيُّ وَلَا خِلَافَ في أَنَّ اللَّفْظَةَ الْوَاحِدَةَ تَقَعُ لِلشَّيْءِ وَخِلَافِهِ كَوَجَدْت اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى غَضِبْتُ وَبِمَعْنَى حَزِنْتُ فإذا جَازَ ذلك جَازَ وُقُوعُهَا لِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ لِكَوْنِ الضِّدِّ ضَرْبًا من الْخِلَافِ انْتَهَى هَكَذَا نَسَبَ ابن الْخَشَّابِ الْجَوَازَ لِلْأَكْثَرِينَ وقال أبو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ في كِتَابِ إفْسَادِ الْأَضْدَادِ ذَهَبَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَجَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ الْمَوْثُوقُ بِعِلْمِهِمْ وَاَلَّذِي كان عليه شَيْخَا الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ محمد بن يَزِيدَ الْمُبَرَّدِ وَأَحْمَدُ بن يحيى بن ثَعْلَبٍ دَفْعُ أَنْ تَكُونَ الْعَرَبُ وَضَعَتْ اسْمًا وَاحِدًا لِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ إلَّا ما وَضَعَتْ من أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ نحو لَوْنٍ فإنه لِمَعْنًى يَنْطَلِقُ على السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ يُطْلَقُ على الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وقال أبو الْفَتْحِ بن جِنِّي إنَّ الْأَضْدَادَ وَاقِعَةٌ في اللُّغَةِ لَكِنْ تَتَدَاخَلُ اللُّغَاتُ لَا أنها اجْتَمَعَتْ على وَضْعِهَا قَبِيلَةٌ وَاحِدَةٌ في وَقْتٍ وَاحِدٍ بَلْ قَبَائِلُ ثُمَّ فَشَتْ اللُّغَاتُ وَتَدَاخَلَتْ بِالْمُلَاقَاةِ وَالْمُجَاوَرَةِ فَنُقِلَتْ إلَى كُلٍّ لُغَةُ صَاحِبِهِ وَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ ما جاء من ذلك على التَّوَاطُؤِ فيقول في الصَّرِيمِ إنَّمَا سُمِّيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ صَرِيمًا لِانْصِرَامِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عن صَاحِبِهِ وَالضَّوْءُ وَالظُّلْمَةُ إنَّمَا سُمِّيَا سُدْفَةً من قَوْلِك أنا في سُدْفِك أَيْ مُسْتَتِرٌ بِك وَهَذَا في الظُّلْمَةِ وَاضِحٌ وفي الضَّوْءِ

لِأَنَّهَا تُقَالُ في الظُّلْمَةِ التي يُخَالِطُهَا مُقَدِّمَةُ ضَوْءٍ وَتَقُولُ في مِثْلِ الْجَلَلِ إنَّهُ الْعَظِيمُ بِحَقِّ الْإِثْبَاتِ وَعَلَى الصَّغِيرِ بِالسَّلْبِ كَقَوْلِهِمْ ب وَنَائِمٌ وَأَعْجَمْتُ الْكِتَابَ وَرَجُلٌ مُبَطَّنٌ أَيْ خَمِيصُ الْبَطْنِ فَعَلَى هذا الْقَوْلِ يَكُونُ اجْتِمَاعُ الْأَضْدَادِ في الشِّعْرِ إيطَاءً وقال ابن الْحَاجِّ الْإِشْبِيلِيُّ تِلْمِيذُ الشَّلَوْبِينَ الْحَقُّ أَنَّ التَّضَادَّ في اللُّغَةِ مَوْجُودٌ على ما صَوَّرْته من التَّدَاخُلِ وَلَعَمْرِي لقد كان يُمْكِنُ دُونَ تَدَاخُلٍ وَلَكِنْ بِتَوَاضُعٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ بِحَسَبِ قَصْدَيْنِ أو وَقْتَيْنِ وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ يَقْصِدَ الْوَاضِعُ وَضْعَ لَفْظٍ لِمَعْنَيَيْنِ ضِدَّيْنِ أو غَيْرَيْنِ مُلْتَبِسًا لِذَلِكَ غير مُبَيِّنٍ له فإن ذلك يَقْتَضِي وَضْعَ اللُّغَةِ وَيُبْطِلُ حِكْمَةَ الْمُخَاطَبَةِ وقال ابن سِيدَهْ في الْمُخَصَّصِ أَمَّا في اتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ قَصْدًا في الْوَضْعِ وَلَا أَصْلًا لَكِنَّهُ من تَدَاخُلِ اللُّغَاتِ أو يَكُونُ لَفْظُهُ يُسْتَعْمَلُ لِمَعْنًى ثُمَّ يُسْتَعَارُ لِشَيْءٍ فَيَكْثُرُ وَيَغْلِبُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ قال الْفَارِسِيُّ وكان أَحَدُ شُيُوخِنَا يُنْكِرُ الْأَضْدَادَ التي حَكَاهَا أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَنْ تَكُونَ لَفْظَةً لِشَيْءٍ وَضِدِّهِ وَالْقَوْلُ في ذلك أَنَّهُ لَا يَخْلُو إنْكَارُهُ لِذَلِكَ من حُجَّةٍ سَمَاعًا أو قِيَاسًا فَلَا حُجَّةَ له من جِهَةِ السَّمَاعِ بَلْ الْحُجَّةُ من هذه الْجِهَةِ في الْمُرَادِ عليه لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ كَأَبِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قد حَكَوْا ذلك وَصَنَّفُوا فيه الْكُتُبَ فَإِنْ قال الْحُجَّةُ من الْجِهَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الضِّدَّ بِخِلَافِ ضِدِّهِ فإذا اشْتَرَكَتَا في لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ ولم يَخُصَّ كُلُّ وَاحِدٍ منها بِلَفْظٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ أَلْبَسَ وَأَشْكَلَ فَصَارَ الضِّدُّ شَكْلًا وَالشَّكْلُ ضِدًّا وَهَذَا إلْبَاسٌ قِيلَ له هل يَجُوزُ عِنْدَك أَنْ يَجِيءَ في اللُّغَةِ لَفْظَانِ مُتَّفِقَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنْ مَنَعَ ذلك فَقَدْ مَنَعَ ما ثَبَتَ جَوَازُهُ وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ له فإذا لم يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى مَنْعِ هذا ثَبَتَ جَوَازُ اللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ لِلشَّيْءِ وَخِلَافِهِ وإذا جَازَ وُقُوعُهَا لِلشَّيْءِ وَخِلَافِهِ جَازَ وُقُوعُهَا لِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ إذْ الضِّدُّ ضَرْبٌ من الْخِلَافِ وَإِنْ لم يَكُنْ خِلَافٌ ضِدًّا قال وَيَدُلُّ على جِوَازِ وُقُوعِ اللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَوْله تَعَالَى في وَصْفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لم يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ فَلَا يَكُونُ الطَّمَعُ هذا إلَّا بِمَعْنَى الْيَقِينِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من الذي يُطْمَعُ فيه وَيَقَعُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ ليس في الْآخِرَةِ شَكٌّ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عن إبْرَاهِيمَ وَاَلَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لي خَطِيئَتِي يوم الدِّينِ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِمَعْنَى الْعِلْمِ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَا يَشُكُّ في الْمَغْفِرَةِ انْتَهَى

مباحث الحقيقة والمجاز
قال ابن فَارِسٍ الْحَقِيقَةُ من قَوْلِنَا حَقَّ الشَّيْءُ إذَا وَجَبَ وَاشْتِقَاقُهُ من الشَّيْءِ الْمُحَقِّ وهو الْمُحْكَمُ تَقُولُ ثَوْبٌ مُحَقَّقُ النَّسْجِ أَيْ مُحْكَمٌ وقال غَيْرُهُ اشْتِقَاقُهَا من الِاسْتِحْقَاقِ لَا من الْحَقِّ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَجَازُ بَاطِلًا وَتُطْلَقُ الْحَقِيقَةُ وَيُرَادُ بها ذَاتُ الشَّيْءِ وَمَاهِيَّتُهُ كما يُقَالُ حَقِيقَةُ الْعَالِمِ من قام بِهِ الْعِلْمُ وَحَقِيقَةُ الْجَوْهَرِ الْمُتَمَيِّزُ وَهَذَا مَحَلُّ نَظَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ تُطْلَقُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ وفي الحديث لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ غَرَضَنَا هُنَا وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بها الْمُسْتَعْمَلُ في أَصْلِ ما وُضِعَتْ له في اللُّغَةِ وهو مُرَادُنَا وقد مَنَعَ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُنَا حَقِيقَةً يَنْطَبِقُ على ما عَدَا هذا لِأَنَّ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا يَصِحُّ فيه الْمَجَازُ حَكَاهُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَزَيَّفَهُ بِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَمْنَعُ وقد بَيَّنَّا لِلْحَقِيقَةِ فيها اسْتِعْمَالَاتٍ وَلِأَنَّ من الْكَلَامِ ما هو حَقِيقَةٌ وَإِنْ لم يَصِحَّ الْمَجَازُ فيه فَقَوْلُنَا الْمُسْتَعْمَلُ خَرَجَ بِهِ اللَّفْظُ قبل الِاسْتِعْمَالِ فَلَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَقَوْلُنَا ما وُضِعَ له أَخْرَجَ الْمَجَازَ إنْ قُلْنَا إنَّهُ ليس بِمَوْضُوعٍ فَإِنْ قُلْنَا مَوْضُوعٌ قُلْنَا وُضِعَ أَوَّلًا وَهَلْ إطْلَاقُهَا بهذا الِاصْطِلَاحِ حَقِيقَةٌ أو مَجَازٌ اخْتَلَفُوا فيه فَذَهَبَ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ إلَى أَنَّهُ مَجَازٌ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ فَعِيلَةٌ من الْحَقِّ إمَّا بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَيْ الثَّابِتِ وَلِهَذَا دَخَلَتْ التَّاءُ وَإِمَّا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ الْمُثْبَتِ وَعَلَى هذا فَدُخُولُ التَّاءِ فيها لِنَقْلِ الِاسْمِ من الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْحَقُّ أنها إنْ كانت بِمَعْنَى الْفَاعِلِ فَهِيَ على بَابِهَا لِلتَّأْنِيثِ وَإِنْ كانت بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ فَيُحْتَمَلُ أنها لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّاءُ لِنَقْلِ الِاسْمِيَّةِ وقال السَّكَّاكِيُّ هِيَ عِنْدِي لِلتَّأْنِيثِ في الْوَجْهَيْنِ لِتَقْدِيرِ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ قبل الِاسْمِيَّةِ صِفَةَ مُؤَنَّثٍ غير مُجْرَاةٍ على الْمَوْصُوفِ وهو الْكَلِمَةُ ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الِاعْتِقَادِ الْمُطَابِقِ ثُمَّ من الِاعْتِقَادِ إلَى اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيمَا وُضِعَ له تَحْقِيقًا لِذَلِكَ الْوَضْعِ فَظَهَرَ أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ على هذا الْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ ليس حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً بَلْ مَجَازًا وَاقِعًا في الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ

وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وهو الذي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ بهذا الْمَعْنَى وَيَدُلُّ عليه كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ قال ابن سِيدَهْ في الْمُحْكَمِ الْحَقِيقَةُ في اللُّغَةِ ما أُقِرَّ في الِاسْتِعْمَالِ على أَصْلِ وَضْعِهِ وَالْمَجَازُ بِخِلَافِ ذلك وَحَكَاهُ في الْمَحْصُولِ عن ابْنِ جِنِّي وقال إنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ وهو غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ كَلَامَهُ كَالْمُصَرِّحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ اللُّغَوِيَّةُ فَقَطْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ لَفْظُ الْحَقِيقَةِ لَا الْمَعْنَى ثُمَّ تَعْدَادُ هذه الْمَرَاتِبِ وَجَعْلُهُ مَجَازًا في الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَلِمَ لَا يَكُونُ نُقِلَ من أَوَّلِ وَهْلَةٍ إلَى الْمَقْصُودِ وَالْعَلَاقَةُ مَوْجُودَةٌ ثُمَّ إنَّ دَعْوَى الْمَجَازِ في لَفْظَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إنَّمَا هو بِحَسَبِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَلَا إشْكَالَ في أنها صِفَتَانِ عُرْفِيَّتَانِ مَسْأَلَةٌ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَحُكْمُ الْحَقِيقَةِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بها عِنْدَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ في حَقِيقَةٍ من غَيْرِ بَحْثٍ عن الْمَجَازِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ فيه الْإِجْمَاعَ وَأَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ على الْخِلَافِ الْآتِي في الْعَامِّ من الْعَمَلِ بِهِ قبل الْبَحْثِ عن الْمُخَصَّصِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ احْتِمَالَ وُجُودِ الْمُخَصَّصِ أَقْوَى إذْ ما من عَامٍّ إلَّا وقد تَطَرَّقَ إلَيْهِ التَّخْصِيصُ كما قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ على السَّوَاءِ في جَرَيَانِ الْخِلَافِ وَيُقَوِّيهِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْمَجَازَ غَالِبٌ في اللُّغَاتِ وقال سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ أَمَّا الْحَقَائِقُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا تُحْمَلُ على مُسَمَّيَاتِهَا حتى يُنْظَرَ هل هُنَاكَ ما يُعْدَلُ بِهِ عن الْحَقِيقَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا إذَا عُدِلَتْ عن مُقْتَضَاهَا حُمِلَتْ على الْمَجَازِ وَقِيلَ الْعُمُومُ إذَا حُمِلَ على الْخُصُوصِ لم يُحْمَلْ على الْمَجَازِ أَقْسَامُ الْحَقِيقَةِ وَتَنْقَسِمُ الْحَقِيقَةُ إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ وَشَرْعِيَّةٍ لِأَنَّ الْوَضْعَ الْمُعْتَبَرَ فيه إمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ وَهِيَ اللُّغَوِيَّةُ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ أَوَّلًا وهو إمَّا وَضْعُ الشَّارِعِ وَهِيَ الشَّرْعِيَّةُ كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ وقد كانت في اللُّغَةِ لِلدُّعَاءِ أَوَّلًا وَهِيَ الْعُرْفِيَّةُ الْمَنْقُولَةُ عن مَوْضِعِهَا الْأَصْلِيِّ إلَى غَيْرِهِ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَلْتَتَنَبَّهْ لِأَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ اللُّغَوِيَّةَ أَصْلُ الْكُلِّ فَالْعُرْفُ نَقَلَهَا عن اللُّغَةِ إلَى الْعُرْفِ وَالشَّرْعُ نَقَلَهَا عن اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ

الثَّانِي أَنَّ الْوَضْعَ في اللُّغَوِيَّةِ غَيْرُ الْوَضْعِ في الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ فإنه في اللُّغَةِ تَعْلِيقُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ مَعْنًى لم يُعْرَفْ بِهِ غَيْرُ ذلك الْوَضْعِ وَأَمَّا في الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ فَبِمَعْنَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ الْمَعْنَى السَّابِقِ فإنه لم يُنْقَلْ عن الشَّارِعِ أَنَّهُ وَضَعَ لَفْظَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ بَلْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِإِزَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي حَيْثُ صَارَتْ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ مَهْجُورَةً وَكَذَلِكَ الْعُرْفُ فإن أَهْلَهُ لم يَضَعُوا لَفْظَ الْقَارُورَةِ مَثَلًا لِلظَّرْفِ من الزُّجَاجِ على جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ كما أَنَّ الشَّرْعَ لم يَضَعْ لَفْظَ الزَّكَاةِ لِقَطْعِ طَائِفَةٍ من الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ بَلْ صَارَتْ هذه الْأَلْفَاظُ شَرْعِيَّةً وَعُرْفِيَّةً بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ أَنْ يَسْبِقَهُ تَعْرِيفٌ بِتَوَاضُعِ الِاسْمِ وَمِنْ هَاهُنَا مَنَعَ بَعْضُهُمْ إدْخَالَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ في الْحَدِّ لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْوَضْعِ فيها فإن الِاصْطِلَاحَ غَيْرُ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنْ خَصَصْنَا الْوَضْعَ بِالِاصْطِلَاحِ خَرَجَتْ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعُرْفِيَّةُ وَإِنْ لم نَخُصَّهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا وَالْحُدُودُ تُصَانُ عنه فَيَنْبَغِي إفْرَادُهَا بِحَدٍّ كَأَنْ يُقَالَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ في الِاصْطِلَاحِ الذي يَقَعُ بِهِ التَّخَاطُبُ لَكِنْ هذه مُضَايَقَةٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ لِلشَّرْعِ وَضْعًا كَاللُّغَةِ فإن الْوَضْعَ تَعْلِيقُ لَفْظٍ بِإِزَاءِ مَعْنًى وهو يَشْمَلُهُمَا لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ في سَبَبِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَفِي اللُّغَةِ إعْلَامُ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ وفي الشَّرْعِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِيَرْفَعَ الْوَضْعَ السَّابِقَ إنْ كان وإذا عَلِمْت هذا فَلْنَتَكَلَّمْ على هذه الْأَقْسَامِ فَنَقُولُ أَمَّا اللُّغَوِيَّةُ فَهِيَ التي عليها جُلُّ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ قَوْمٍ وَهُمْ الْمُثْبِتُونَ لِلنَّقْلِ الشَّرْعِيِّ وَالْعُرْفِيِّ أو كُلُّهَا عِنْدَ آخَرِينَ وَهُمْ النَّافُونَ له فَيَقُولُونَ إنَّ جَمِيعَ ما وَرَدَ في الشَّرْعِ بِحُرُوفِ اللُّغَةِ وَنَظْمِهَا وَالْمَقْصُودُ بِهِ من نُطْقِ الشَّرْعِ هو الْمَقْصُودُ عِنْدَهُمْ ثُمَّ لَا خِلَافَ في إمْكَانِهَا وَوُقُوعِهَا في الْمَعْنَى الْوَاحِدِ وَأَمَّا الْمُفِيدُ لِلشَّيْءِ وَخِلَافِهِ على طَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ فَمَنَعَهُ قَوْمٌ وقد سَبَقَتْ في مَبَاحِثِ الِاشْتِرَاكِ وقال بَعْضُهُمْ يُمْكِنُ النِّزَاعُ في الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّهَا انْتَسَخَتْ وَصَارَتْ الْأَلْفَاظُ بِأَسْرِهَا شَرْعِيَّةً أو عُرْفِيَّةً لِكَثْرَةِ النَّقْلِ وَالتَّغْيِيرِ في انْتِقَالَاتِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ وَعَلَى هذا يَجِبُ تَتَبُّعُ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ إنْ وَجَدْنَاهَا في أَلْفَاظِ الْخِطَابِ فَإِنْ لم نَجِدْهَا فَالْحَقَائِقُ الْعُرْفِيَّةُ وَأَمَّا ما يُنْقَلُ من وَاضِعِي اللُّغَاتِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ وَانْتَسَخَتْ فَلَا يُخَاطِبُنَا الشَّرْعُ بها وَالْجَوَابُ هذا مَمْنُوعٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ على الْوُقُوفِ لِنَقْلِ اللُّغَةِ في مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ كما في الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَبِالصَّلَاةِ لِمَنْ دُعِيَ إلَى

وَلِيمَةٍ وهو صَائِمٌ وَغَيْرِ ذلك وَأَمَّا الْعُرْفِيَّةُ فَتَنْقَسِمُ إلَى خَاصَّةٍ وَعَامَّةٍ فَإِنْ كان النَّاقِلُ طَائِفَةً مَخْصُوصَةً سُمِّيَتْ خَاصَّةً وَإِنْ كان عَامَّةَ الناس سُمِّيَتْ عَامَّةً وقد أَوْضَحَ مَعْنَى الْعُرْفِيَّةِ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ فقال في التَّقْرِيبِ مَعْنَى وَصْفِ الِاسْمِ بِأَنَّهُ عُرْفِيٌّ أَنَّ الْمَفْهُومَ من إطْلَاقِهِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ في بَعْضِ ما وُضِعَ له أو غَيْرِهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وَالدَّلِيلُ على أَنَّ هذا الْمَعْنَى عُرْفِيٌّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ اُبْتُدِئَ وَضْعُهُ لِمَا جَرَى عليه لِأَنَّ ذلك يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ عُرْفِيَّةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أنها أَسْمَاءٌ مُجَرَّدَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لِأَنَّ ذلك سَبِيلُ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أنها أَسْمَاءٌ ابْتَدَأَهَا وَوَضَعَهَا غَيْرُ أَهْلِ اللُّغَةِ من الْعُلَمَاءِ بِضُرُوبِ الْعَلَامَاتِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَنَّهُ نُقِلَ عن مَعْنَاهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ ذلك هو الْمَجَازُ وَتَسْمِيَتُهُ مَجَازًا أَحَقُّ وَأَوْلَى انْتَهَى قال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَالِاعْتِبَارَاتُ في الْعُرْفِ إنَّمَا هو بِعُرْفِ من هو له دُونَ من ليس من أَهْلِ ذلك الْعُرْفِ لِأَنَّا قد قُلْنَا إنَّ الْعُرْفَ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ يَقُومُ مَقَامَ ابْتِدَاءِ الْمُوَاضَعَةِ فإذا اخْتَصَّ ابْتِدَاءُ الْمُوَاضَعَةِ بِأَهْلِهَا فَكَذَلِكَ الْعُرْفُ ا هـ مَسْأَلَةٌ إمْكَانُ الْعُرْفِيَّةِ وَلَا خِلَافَ في إمْكَانِ الْعُرْفِيَّةِ وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَلَا نِزَاعَ في وُجُودِ الْخَاصَّةِ منها لِاسْتِقْرَاءِ كَلَامِ ذَوِي الْعُلُومِ وَالصِّنَاعَاتِ التي لَا يَعْرِفُهَا أَهْلُ اللُّغَةِ كَالْقَلْبِ وَالنَّقْضِ وَالْجَمْعِ وَالْفَرْقِ وَأَمَّا الْعُرْفِيَّةُ الْعَامَّةُ فَمِنْهُمْ من أَنْكَرَ وُجُودَهَا وَالْأَكْثَرُونَ على الْوُقُوعِ قَالَهُ الْهِنْدِيُّ وَتَابَعَ فيه في الْمَحْصُولِ وَاسْتَغْرَبَ شَارِحُهُ الْأَصْفَهَانِيُّ هذا الْخِلَافَ وقال إنَّمَا الْمَعْرُوفُ الْخِلَافُ في الشَّرْعِيَّةِ قُلْت حَكَى الْخِلَافَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ ثُمَّ قال وَاَلَّذِينَ أَجَازُوا انْتِقَالَ الِاسْمِ عن مَوْضُوعِهِ في اللُّغَةِ بِالْعُرْفِ إنَّمَا أَجَازُوا ذلك ما لم يَكُنْ الِاسْمُ اللُّغَوِيُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَإِنْ تَعَلَّقَ لم يَجُزْ نَقْلُهُ عن مَوْضِعِهِ إلَى مَعْنًى آخَرَ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حِينَئِذٍ إلَى التَّكْلِيفِ ا هـ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ وَيَخْرُجُ من كَلَامِ الْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ وَالْإِمَامِ الرَّازِيَّ رَابِعٌ فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ إلَى قِسْمَيْنِ

أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ قد وُضِعَ لِمَعْنًى عَامٍّ ثُمَّ تَخَصَّصَ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ لِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ كَلَفْظِ الدَّابَّةِ فإنه مَوْضُوعٌ لِكُلِّ ما يَدِبُّ على وَجْهِ الْأَرْضِ ثُمَّ خَصَّصَهَا الْعُرْفُ الْعَامُّ بِذَاتِ الْحَوَافِرِ وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ في أَصْلِ اللُّغَةِ قد وُضِعَ لِمَعْنًى ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا له بِهِ نَوْعُ مُنَاسَبَةٍ وَمُلَابَسَةٍ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ كَالْغَائِطِ وَالْأَوَّلُ نُقِلَ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالثَّانِي إلَى الْمَجَازِ قال الْقَاضِي وَالْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ مُنْحَصِرَةٌ في هَذَيْنِ وَلَا يُنْبِئُ الْعُرْفُ عن الْوَضْعِ لِلْإِجْمَاعِ على اخْتِصَاصِهِ بِبَعْضِ الْأَسَامِي وَلَوْ صُرِفَ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ لَلَزِمَ تَسْمِيَةُ جُمْلَةِ اللُّغَةِ عُرْفِيَّةً وَلَا يُنْبِئُ عن تَجْدِيدِ الْوَضْعِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ اللُّغَةِ فإن هذا سَبِيلُ كل لُغَةٍ سَبَقَهَا أُخْرَى وَإِنَّمَا تُنْبِئُ عَمَّا يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ عُرْفًا من الْمَجَازَاتِ أو يَغْلِبُ تَخْصِيصُهُ بِبَعْضِ الْمُقْتَضَيَاتِ وَكَذَا قال في الْمَحْصُولِ التَّصَرُّفُ الْوَاقِعُ على هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ هو الذي ثَبَتَ عن أَهْلِ الْعُرْفِ وَأَمَّا على غَيْرِهِمَا فلم يَثْبُتْ عَنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ وَذَكَرَ غَيْرُهُ من أَقْسَامِ الْعُرْفِيَّةِ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِشَيْءٍ في اللُّغَةِ لَكِنْ لم يُسْتَعْمَلْ فِيمَا وُضِعَ له فيها فَيَسْتَعْمِلُهُ الْعُرْفُ في غَيْرِهِ كَعَسَى فإنه وُضِعَ أَوَّلًا لِلْفِعْلِ الْمَاضِي ولم يُسْتَعْمَلْ فيه قَطُّ بَلْ اُسْتُعْمِلَ في الْإِنْشَاءِ بِوَضْعِ الْعُرْفِ فَصَارَتْ الْعُرْفِيَّةُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِيمَا لم يُوضَعْ له في اللُّغَةِ أَصْلًا إذَا لم يَسْتَعْمِلْهُ اللُّغَوِيُّ أَيْضًا أو كان له وَضْعٌ في اللُّغَةِ وَاسْتُعْمِلَ فيه لَكِنْ هُجِرَ كَالْغَائِطِ أو لم يُهْجَرْ وَلَكِنْ قَصَرَهُ الْعُرْفُ على بَعْضِ مَوْضُوعَاتِهِ كَالدَّابَّةِ وَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ فَهِيَ من مُهِمَّاتِ هذا الْمَوْضِعِ ولم أَرَ من أَحْكَمَ شَرْحَهَا وَيَتَعَلَّقُ بها مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ في تَحْقِيقِ الْمُرَادِ بِالِاسْمِ الشَّرْعِيِّ وَهِيَ اللَّفْظَةُ التي اُسْتُفِيدَ وَضْعُهَا لِلْمَعْنَى من جِهَةِ الشَّرْعِ كَذَا قَالَهُ في الْمَحْصُولِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ أبو الْحُسَيْنِ في الْمُعْتَمَدِ وقال الْقَاضِي عبد الْجَبَّارِ ما كان مَعْنَاهُ ثَابِتًا بِالشَّرْعِ وَالِاسْمُ مَوْضُوعٌ له فيه وقال ابن بَرْهَانٍ هو ما اُسْتُفِيدَ من الشَّرْعِ وَاللَّفْظِ من اللُّغَةِ وَمَرَّةً يُسْتَفَادُ الْمَعْنَى من وَضْعِ اللُّغَةِ وَاللَّفْظِ في الشَّرْعِ وَالْكُلُّ أَسَامِي شَرْعِيَّةٌ وقال بَعْضُهُمْ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ له أَوَّلًا في الشَّرْعِ وَقِيلَ الِاسْمُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ له في الشَّرْعِ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَارَ دَلَّ على عَدَمِ الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ الشَّرْعِيَّيْنِ إلَّا بِالتَّبَعِ

وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ كُلُّ ما وَرَدَ على لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ مِمَّا هو مُخَالِفٌ لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أو سَوَاءٌ كان مُوَافِقًا لِلْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فإن اللَّفْظَ الذي أَرَادَ بِهِ الشَّارِعُ مَعْنًى يَصِحُّ إطْلَاقُ ذلك اللَّفْظِ عليه في اللُّغَةِ حَقِيقَةً لَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى أَنْ نَقُولَ إنَّهُ تَجَوَّزَ بِهِ عن الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُرَادَةِ كَإِطْلَاقِ الصَّلَاةِ على الدُّعَاءِ في قَوْله تَعَالَى وَصَلِّ عليهم لَا نَقُولُ إنَّهُ مَجَازٌ بِحَسَبِ الصَّلَاةِ ذَاتِ الْأَرْكَانِ بَلْ هو الدُّعَاءُ وَهَذَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وإذا أَمْكَنَتْ فما الدَّاعِي لِلْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ

أقسام الحقيقة الشرعية
وأقسامها أربعة الأول أن يكون اللفظ والمعنى معلومين لأهل اللغة لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى الثاني أن يكونا غير معلومين لهم الثالث أن يكون اللفظ معلوما لهم والمعنى غير معلوم الرابع عكسه والمنقولة الشرعية أخص من الحقيقة الشرعية ثم من المنقولة ما نقل إلى الدين وأصوله كالإيمان والإسلام والكفر والفسق وتخص بالدينية وما نقل إلى فروعه كالصلاة والزكاة وتختص بالفرعية قال الصفي الهندي وهذه الأقسام الأربعة الأشبه وقوعها أما الأول فكلفظ الرحمن لله فإن هذا اللفظ كان معلوما لهم والثاني كأوائل السور والثالث كلفظ الصلاة والصوم والرابع كلفظ الأب ولهذا لما نزل قوله تعالى وفاكهة وأبا قال عمر ما الأب ا هـ والنزاع في الكل على السواء واعلم أن هذا القسم ذكره الإمام في المحصول فتابعوه وإنما ذكره صاحب المعتمد على أصل المعتزلة وكذلك تفسير الشرعي بما سبق وهو ماش على مذهبهم الآتي وأما على أصلنا فلا يستقيم ذلك بل الشرط كما قاله الأصفهاني كون اللفظ والمعنى من حيث هو مجاز لغوي يعلمها أهل اللغة لاستحالة نقل الشرع لفظة لغوية إلى معنى مجاز لغة ولا يعرفهما أهل اللغة الثاني في إمكانها عقلا ونقل الإمام في المحصول والآمدي في

الإحكام الإجماع على إمكان الحقيقة الشرعية وأن الخلاف إنما هو في الوقوع وليس كذلك ففي شرح العمد لأبي الحسين عن قوم إنكار إمكانها فقال وقد أبى قوم جواز ذلك واختلف تعليلهم فعلة بعضهم دالة على أنه منع من إمكان ذلك وعلة الآخرين دالة على أنهم منعوا من حسنه ا هـ وممن حكى الخلاف أيضا ابن برهان في الأوسط فقال وأما إمكان نقل الأسامي أو نقلها من اللغة إلى الشرع فقد جوزه كافة العلماء ومنعه طائفة يسيرة وبناء المسألة على حرف واحد وهو أن نقلها من اللغة إلى الشرع لا يؤدي إلى قلب الحقائق وعنده يؤدي الثالث أنه إذا ثبت إمكانه فهو حسن وليس بقبيح وإنما هو بمثابة النسخ في الأحكام الشرعية فإنه يجوز نسخها وتبديلها باعتبار المصالح ويكون ذلك حسنا فلأن يحسن ذلك في الأسامي أولى وقيل وإن جاز عقلا لكنه لا ينتقل لأنه قبيح لإفضائه إلى إسقاط الأحكام الشرعية وهو لا يجوز إلا بالنسخ ذكره ابن برهان الرابع إنه إذا ثبت هذا فهل وقع أو لا فيه مذاهب أحدها أنها ليست بواقعة مطلقا سواء الدينية وهي المتعلقة بأصول الدين كالإيمان والكفر والفرعية وهي المتعلقة بالفروع قال المازري في شرح البرهان وهو رأي المحققين من أئمتنا الفقهاء والأصوليين وهو قول القاضي أبي بكر والإمام أبي نصر بن القشيري ونقله عن أصحابنا فقال وقال أصحابنا لم ينقل الشرع شيئا من الأسامي اللغوية بل النبي صلى الله عليه وسلم كلم الخلق بلسان العرب وإلى هذا ميل القاضي ا هـ ونقله الأستاذ أبو منصور عن القاضي أبي حامد المروذي والشيخ أبي الحسن الأشعري فقال أجمع أصحاب الشافعي على أنه قد نقل بالشرع أسماء كثيرة عن معانيها في اللغة إلى معان سواها إلا أبا حامد المروذي فإنه زعم أن الأسامي كلها باقية على مقتضاها في اللغة قبل الشرع وبه قال أبو الحسن الأشعري ومثال ذلك الإيمان في اللغة بمعنى التصديق وقد صار بالشرع عند أصحاب الشافعي اسما لجميع الطاعات وعند الأشعري أنه الآن أيضا بمعنى التصديق وكذلك الصلاة والحج والعمرة أسماء لأفعال مخصوصة زائدة على ما كان مفعولا منها في اللغة قبل الشرع عندنا وهي عند الأشعري ثابتة على ما كان عليه قبل الشرع إلا أنها لا يحتسب بها إلا إذا أتى على

الشروط التي علقتها الشريعة بها ا هـ وكذلك حكاه عن الأشعري الأستاذ أبو بكر بن فورك في جزء جمعه في بيان الإسلام والإيمان فقال واختلفوا في مسألة الإيمان هل نقلت الشريعة أسماء اللغة عن موضوعاتها إلى غيرها فمنهم من قال إنها نقلت وإن من ذلك الإيمان فإنه لغة التصديق وإنما قيل في الشريعة للطاعات كلها إيمان وذلك شرعي لا لغوي وكذلك الصلاة والزكاة والحج والوضوء فجمعه منقول عن اللغة وقال أبو الحسن الأشعري إن الأسماء كلها لغوية وإنه لم ينقل منها شيء عن موضوع اللغة وأن لا إيمان إلا بتصديق وأن لا تصديق إلا بإيمان وقال إن الصلاة لغة الدعاء والحج القصد والزكاة النماء والوضوء النظافة ولكن الشرع أتى بفعلها عن وجه دون وجه وفرق أبو الحسن بين الإيمان والإسلام فقال كل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمانا وقال إن الإسلام هو الاستسلام والانقياد والمتابعة لله في طاعاته والإيمان به وهو الاستسلام له بالتصديق بالقلب وقال إن المنافق مسلم غير مؤمن لأنه مستسلم في الظاهر غير مصدق في الباطن ولذلك قال الله تعالى قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ففرق بين الإسلام والإيمان ا هـ النافون للحقيقة ثم اختلف النافون على مذهبين أحدهما أنها مقرة على حقائق اللغات لم تنقل ولم يزد في معناها ونقله إمام الحرمين وابن السمعاني عن القاضي أبي بكر والثاني أنها أقرت وزيد في معناها في الشرع ونقلاه عن طائفة من الفقهاء قلت وهو ما نصه ابن فورك في كتابه فقال وليس ذلك بنقل الاسم عن اللغة إلى الشرع وإنما هو إبانة موضع ما أريد بإيقاعه فيه فالصلاة في اللغة من معانيها الدعاء ولم يخرج بالشرع عن معناه بل أتى بوضعه الذي جعل فيه فقيل ندعو على صفة كذا ولا يتغير معنى الاسم بذلك ا هـ ويخرج من أدلتهم مذهب ثالث وهو التفضيل بين أن يتعلق بالاسم فرض فلا يجوز نقله عن معناه لأن النقل يؤدي إلى تغيير الأحكام وبين أن لا فلا يمتنع وقد سبق نقله صريحا في الحقيقة العرفية ولا شك أن قائله يطرده هنا

المذهب الثاني أنها واقعة وهو قول الجمهور من الفقهاء والمعتزلة كما قاله أبو الحسين في المعتمد وحكاه ابن برهان وابن السمعاني عن أكثر المتكلمين والفقهاء وصححه وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ في كَيْفِيَّةِ وُقُوعِهَا على مَذْهَبَيْنِ أَحَدِهِمَا أنها حَقَائِقُ وَضَعَهَا الشَّارِعُ مُبْتَكَرَةً لم يُلَاحَظْ فيها الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَصْلًا وَلَيْسَ لِلْعَرَبِ فيها تَصَرُّفٌ وهو مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ قالوا وَتَارَةً يُصَادِفُ الْوَضْعُ الشَّرْعِيُّ عَلَاقَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَيَكُونُ اتِّفَاقِيًّا غير مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ وَتَارَةً لَا يُصَادِفُهُ وَقَالُوا نَقَلَ الشَّارِعُ هذه الْأَلْفَاظَ من الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا من مُسَمَّيَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَابْتِدَاءً وَضْعَهَا لِهَذِهِ الْمَعَانِي فَلَيْسَتْ حَقَائِقَ لُغَوِيَّةً وَلَا مَجَازَاتٍ عنها وَالثَّانِي أنها مَأْخُوذَةٌ من الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ على سَبِيلِ الْمَجَازِ بِأَنْ يَكُونَ اُسْتُعِيرَ لَفْظُهَا لِلْمَدْلُولِ الشَّرْعِيِّ لِعَلَاقَةٍ وهو اخْتِيَارُ الْإِمَامِ في الْمَحْصُولِ وهو في الْحَقِيقَةِ تَوَسَّطَ بين الْمَذْهَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فإنه لم يَرَ أَنَّ الشَّرْعَ نَقَلَهَا نَقْلًا كُلِّيًّا فإن مَعَانِيَ اللُّغَةِ لَا تَخْلُو منها وَلَا اسْتَعْمَلَهَا اسْتِعْمَالًا كُلِّيًّا وَإِلَّا لَتَبَادَرَ الذِّهْنُ إلَى حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ فلم يَسْتَعْمِلْهَا في حَقِيقَتِهَا اللُّغَوِيَّةِ بَلْ في مَجَازِهَا اللُّغَوِيِّ فإن الْعَرَبَ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِيقَةِ كما يَتَكَلَّمُونَ بِالْمَجَازِ وَمِنْ مَجَازِهَا تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ أَجْزَائِهِ وَالصَّلَاةُ كَذَلِكَ فإن الدُّعَاءَ جُزْءٌ منها بَلْ الْمَقْصُودُ منها قال فلم يَخْرُجْ اسْتِعْمَالُهُ عن وَضْعِ اللُّغَةِ وقد قال ابن السَّمْعَانِيِّ في ذَيْلِ الْمَسْأَلَةِ وهو مِمَّنْ صَحَّحَ الْوُقُوعَ رَدًّا على من قال من أَصْحَابِنَا إنَّهَا مَجَازَاتٌ شَرْعِيَّةٌ ثُمَّ قال وَالْأَصَحُّ أنها حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ ثُمَّ حَقَّقَ وقال وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هذه الْأَسْمَاءُ حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ فيها مَعْنَى اللُّغَةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْلُو عن الدُّعَاءِ في أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ وَالْأَخْرَسُ نَادِرٌ وَلِأَنَّا لو اعْتَبَرْنَا ذلك فَقَدْ يَخْلُو في بَعْضِ الْمَرْضَى عن مُعْظَمِ الْأَفْعَالِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ لَا بَأْسَ بِهِ ا هـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّارِعَ تَجَوَّزَ وَوَضَعَ اللَّفْظَ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَضْعًا حَقِيقِيًّا وقال الْغَزَالِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثَبَتَ منها قَصْرُ التَّسْمِيَةِ على بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهَا فإن الصَّلَاةَ لُغَةً الدُّعَاءُ وَقَصَرَهُ الشَّرْعُ على دُعَاءٍ مَخْصُوصٍ وَثَبَتَ أَيْضًا إطْلَاقُهَا على الْأَفْعَالِ من السُّجُودِ وَنَحْوِهِ تَوَسُّعًا وَاسْتِعَارَةً من الدُّعَاءِ لِأَنَّ الدَّاعِيَ خَاضِعٌ فَكَذَلِكَ السَّاجِدُ فَالْمُثْبِتُ لِلنَّقْلِ إنْ أَرَادَ الْقَصْرَ أو التَّجَوُّزَ فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَبَاطِلٌ وَنَازَعَهُ الْمَازِرِيُّ وقال الْقَصْرُ وَالتَّجَوُّزُ لَا تَغْيِيرَ فيه فإن الْعَرَبَ قد تَقْصُرُ الشَّيْءَ على غَيْرِ ما وَضَعَتْهُ له وَيَصِيرُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً مَهْجُورَةً كما في حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ لَا يُفْهَمُ منه إلَّا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ وهو مَجَازٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ

لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الزِّيَادَةُ على وَضْعِهِمْ تَغْيِيرٌ فَكَذَلِكَ النَّقْصُ منه لِتَعَدِّيهِ إلَى غَيْرِهِ وَالتَّحْقِيقُ فيه أَنَّ الْمَوْضُوعَاتِ الشَّرْعِيَّةَ مُسَمَّيَاتٌ لم تَكُنْ مَعْهُودَةً من قَبْلُ فَلَا بُدَّ من أَسَامِي تُعْرَفُ بها تِلْكَ الْمُسَمَّيَاتُ وَعِنْدَ هذا لَا بُدَّ من الْجَوَابِ عن شُبْهَةِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ هذا وُضِعَ ابْتِدَاءً من قِبَلِ الشَّارِعِ وَنَحْنُ نَقُولُ في الْجَوَابِ جَعْلُهُ عُرْفِيًّا على مِثَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الشَّارِعَ يَضَعُ الشَّرْعِيَّاتِ أَبَدًا على وَزْنِ الْعُرْفِيَّاتِ حتى تَكُونَ الطِّبَاعُ أَقْبَلَ عليها الثَّانِي أَنَّ اللَّفْظَ أُطْلِقَ وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ على الْوَجْهِ الذي ذَكَرْنَاهُ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عليه لِأَنَّ الْأَصْلَ هو التَّقْرِيرُ وَفِيمَا قُلْنَاهُ تَقْرِيرٌ من وَجْهٍ وَعِنْدَ هذا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عن اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ وَالْخَبَرِ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْإِيمَانِ عن الصَّلَاةِ وَبِالصَّلَاةِ عن الْإِيمَانِ إنَّمَا كان لِنَوْعِ تَعَلُّقٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ دَلِيلُ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وفي اللُّغَةِ يَجُوزُ التَّعْبِيرُ بِأَحَدِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ عن الْآخَرِ وَمِنْ فَوَائِدِ هذا الْخِلَافِ الثَّانِي أَنَّهُ هل يَحْتَاجُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ إلَى عَلَاقَةٍ أَمْ لَا فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْتَاجُ وَعَلَى الثَّانِي نعم قال الْمَاوَرْدِيُّ في كِتَابِ الصَّلَاةِ من الْحَاوِي وَاَلَّذِي عليه جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الشَّرْعَ لَاحَظَ فيها الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ قُلْت وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ صَرِيحٌ في أنها مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ قَالَهُ ابن اللَّبَّانِ في تَرْتِيبِ الْأُمِّ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُثْبِتُونَ في وُقُوعِ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ هل وَقَعَ النَّقْلُ فيها مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِأُصُولِ الدِّينِ كَالْإِيمَانِ أو فُرُوعِهِ أو إنَّمَا وَقَعَ في فُرُوعِهِ فَقَطْ فَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا في التَّسْمِيَةِ فَخَصُّوا اللَّفْظَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْفُرُوعِ بِالشَّرْعِيِّ وَبِالْأُصُولِ بِالدِّينِيِّ وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ النَّقْلَ إنَّمَا وَقَعَ في فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَقَطْ وهو رَأْيُ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ منهم الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ في شَرْحِ اللُّمَعِ وابن الصَّبَّاغِ فَعُلِمَ من هذا أَنَّ الْفَرْعِيَّةَ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في الدِّينِيَّةِ وَمِنْهُمْ من عَكَسَ فَحَكَى الْخِلَافَ في الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَطْعَ بِالْمَنْعِ في الدِّينِيَّةِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فإنه قال في الْقَوَاطِعِ وَصُورَةُ الْخِلَافِ في الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَنَحْوِ ذلك وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ من النَّاس من نَفَى النَّقْلَ مُطْلَقًا في الدِّينِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ كَالْقَاضِي وَمَنْ أَثْبَتَهُ مُطْلَقًا كَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ فَرَّقَ بين الدِّينِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ فَأَثْبَتَ الشَّرْعِيَّةَ وَنَفَى الدِّينِيَّةَ وهو الْمُخْتَارُ ولم يَقُلْ أَحَدٌ بِعَكْسِهِ فَالْقَاضِي يقول إنَّهَا مُقَرَّةٌ على حَقَائِقِهَا في اللُّغَةِ لم تُنْقَلْ ولم يُزَدْ فيها وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يقول كَذَلِكَ زِيدَ في الِاعْتِدَادِ بِمَدْلُولَاتِهَا أُمُورٌ أُخْرَى وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ يقول إنَّهَا مُقَرَّةٌ على مَجَازَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ نُقِلَتْ عن مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ نَقْلًا بِالْكُلِّيَّةِ إلَى مَعَانٍ أُخْرَى شَرْعِيَّةٍ من غَيْرِ مُرَاعَاةِ النَّقْلِ إلَى الْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَقُولَانِ اسْتَعْمَلَهَا الشَّارِعُ مَجَازَاتٍ ثُمَّ اُشْتُهِرَتْ فَصَارَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً لِغَلَبَتِهَا فِيمَا نُقِلَتْ إلَيْهِ وهو قَرِيبٌ من مَذْهَبِ الرَّازِيَّ وَلِهَذَا نَقَلَ الْهِنْدِيُّ عن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا من الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ما كان لُغَوِيًّا كما في الْحَقَائِقِ الْعُرْفِيَّةِ دُونَ ما ليس كَذَلِكَ بِأَنْ كان مَنْقُولًا عنها بِالْكُلِّيَّةِ وهو مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَفَى النَّقْلَ جُمْلَةً وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ لم يَشْتَرِطُوا في النَّقْلِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ مَجَازًا لُغَوِيًّا وقال ابن بَرْهَانٍ عِنْدَنَا أَنَّ هذه الْأَلْفَاظَ مَجَازَاتٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَضْعِ اللُّغَةِ فإنه أُفِيدَ بها ما لم يُوضَعْ له وَهِيَ حَقَائِقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَضْعِ الشَّرْعِ فإنه لم يَضَعْهَا إلَّا لِتِلْكَ الْمَعَانِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بِاعْتِبَارَيْنِ وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ في الْمَسْأَلَةِ فلم يَخْتَرْ شيئا تَنْبِيهَانِ التَّنْبِيهُ الْأَوَّلُ هذا الْخِلَافُ يَضْمَحِلُّ إذَا حُقِّقَ الْأَمْرُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا على أَنَّ هذه الْأَسْمَاءَ يُسْتَفَادُ منها في الشَّرْعِ زِيَادَةٌ على أَصْلِ وَضْعِ اللُّغَةِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا هل ذلك الْمَعْنَى يُصَيِّرُ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ مَوْضُوعَةً كَالْوَضْعِ الِابْتِدَائِيِّ من قِبَلِ الشَّرْعِ أو هِيَ مُبْقَاةٌ على الشَّرْعِ أو هِيَ مُبْقَاةٌ على الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعُ إنَّمَا تَصَرَّفَ في شُرُوطِهَا وَأَحْكَامِهَا فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ وإذا قُلْنَا بِأَنَّ الشَّارِعَ تَصَرَّفَ فيها فذكر الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في كِتَابِ الصِّيَامِ من تَعْلِيقِهِ كَيْفِيَّةَ ذلك فقال الْأَسْمَاءُ التي نَقَلَهَا الشَّارِعُ من اللُّغَةِ إلَى الشَّرْعِ على ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا ما زَادَ فيه من كل وَجْهٍ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا في اللُّغَةِ الدُّعَاءُ فَأَبْقَاهَا الشَّارِعُ على مَعْنَى الدُّعَاءِ وزاد الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ

وَالثَّانِي ما نَقَصَ من كل وَجْهٍ كَالْحَجِّ فإنه في اللُّغَةِ الْقَصْدُ وفي الشَّرْعِ الْقَصْدُ إلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ الثَّالِثُ ما نَقَصَ فيه من وَجْهٍ وزاد فيه من وَجْهٍ كَالصَّوْمِ فإنه في اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ وفي الشَّرْعِ إمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ مع شُرُوطٍ وَالنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا التَّنْبِيهُ الثَّانِي إذَا أَثْبَتْنَا النَّقْلَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ الشَّارِعُ بِالِاسْمِ الشَّرْعِيِّ وَنَعْنِي بِهِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ وَنَعْلَمُ أَنَّهُ عَنَى بِبَيَانٍ مُتَقَدِّمٍ أو مُقَارَنٍ إنْ مَنَعْنَا تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْخِطَابِ أو بَيَانٍ مُتَأَخِّرٍ إنْ جَوَّزْنَاهُ الْبَحْثُ الْخَامِسُ في تَبَيُّنِ الْمُرَادِ بِالدِّينِيِّ وَالشَّرْعِيِّ قَسَّمَتْ الْمُعْتَزِلَةُ اللَّفْظَ إلَى دِينِيٍّ وَشَرْعِيٍّ فَالْأَسْمَاءُ الدِّينِيَّةُ ثَلَاثَةٌ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ وَالْفِسْقُ وَهِيَ عِنْدَهُمْ مُسْتَعْمَلَةٌ في الشَّرْعِ في غَيْرِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ حَقِيقَةً وَمَجَازًا وَغَرَضُهُمْ أَنَّ الشَّرْعَ اسْتَعْمَلَهَا في غَيْرِ ما اسْتَعْمَلَهَا الْوَاضِعُ اللُّغَوِيُّ وَلِهَذَا أَثْبَتُوا الْوَاسِطَةَ بين الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ فَهِيَ عِنْدَهُمْ أَسْمَاءٌ لُغَوِيَّةٌ نُقِلَتْ في الشَّرْعِ عن أَصْلِ وَضْعِهَا إلَى أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ فَزَعَمُوا أَنَّ هذه الْأَحْكَامَ إنَّمَا حَدَثَتْ في الشَّرْعِ نُقِلَتْ إلَيْهَا هذه الْأَسْمَاءُ من اللُّغَةِ وما ذَكَرْنَاهُ من تَفْسِيرِ الدِّينِيَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي في الْقَرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ في التَّلْخِيصِ وَالْبُرْهَانُ وابن الْقُشَيْرِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وفي الْمَحْصُولِ عن الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الشَّرْعِيَّةَ تَخْتَصُّ بِأَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالدِّينِيَّةُ بِأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ كَالْمُؤْمِنِ وَالْفَاسِقِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ كُلَّ ما كان من أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ دَاخِلٌ في الشَّرْعِيِّ فَيَدْخُلُ فيه الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ وَالْفِسْقُ في الشَّرْعِيَّةِ وَيَخْرُجُ عن الدِّينِيَّةِ وَأَنَّ أَسْمَاءَ الْفَاعِلِينَ كُلَّهَا دِينِيَّةٌ فَيَدْخُلُ فيه الْمُصَلِّي وَالْمُزَكِّي وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا تَابِعَانِ لِلصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُمَا شَرْعِيَّانِ وَالْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ أَصْلٌ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَهُمَا من الدِّينِيَّةِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا عَمَلِيَّةٌ وَهِيَ الشَّرْعِيَّةُ أو اعْتِقَادِيَّةٌ وَهِيَ الدِّينِيَّةُ الْبَحْثُ السَّادِسُ أَنَّ الشَّرْعِيَّةَ تُطْلَقُ على مَعْنَيَيْنِ ما في كَلَامِ الشَّارِعِ وما في كَلَامِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ من الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هو بِالنِّسْبَةِ إلَى كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى

الْمُتَشَرِّعَةِ فَلَيْسَتْ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً بَلْ عُرْفِيَّةً وَلَيْسَتْ من مَحَلِّ النِّزَاعِ في شَيْءٍ ولم أَرَ من نَبَّهَ على الْفَصْلِ بين الْمَقَامَيْنِ غير الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَحْثُ السَّابِعُ أَنَّ منهم من تَرْجَمَ هذه الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ هل هِيَ وَاقِعَةٌ أَمْ لَا كما في الْمَحْصُولِ وَمِنْهُمْ من تَرْجَمَهَا بِالْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ كما عَبَّرَ بِهِ ابن الْحَاجِبِ في الْمُنْتَهَى وَالْبَيْضَاوِيُّ في مِنْهَاجِهِ وهو الصَّوَابُ لِيَشْمَلَ كُلًّا من الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَجَازَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فإن الْبَحْثَ جَارٍ فِيهِمَا وِفَاقًا وَخِلَافًا الْبَحْثُ الثَّامِنُ قال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ هذه أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ نَشَأَتْ في الِاعْتِزَالِ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِمَنْزِلَةٍ بين الْمَنْزِلَتَيْنِ أَيْ جَعَلُوا الْفِسْقَ مَنْزِلَةً مُتَوَسِّطَةً بين الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ في اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ وَالْفَاسِقُ مُوَحِّدٌ وَمُصَدِّقٌ فَقَالُوا هذه حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ في اللُّغَةِ وَنُقِلَ في الشَّرْعِ إلَى من يَرْتَكِبُ شيئا من الْمَعَاصِي فَمَنْ ارْتَكَبَ شيئا منها خَرَجَ عن الْإِيمَانِ ولم يَبْلُغْ الْكُفْرَ ثُمَّ أَجَازَ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَبْقَى على مَوْضُوعِهِ في اللُّغَةِ وَأَنَّ الْأَلْفَاظَ التي ذَكَرْنَاهَا من الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذلك مَنْقُولَةٌ قال وَلَيْسَ من ضَرُورَةِ النَّقْلِ أَنْ يَكُونَ في جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ وَإِنَّمَا يَكُونُ على حَسَبِ ما يَقُومُ عليه الدَّلِيلُ وَنَقَلَ الْإِمَامُ محمد بن نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عن أبي عُبَيْدٍ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ على أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَ الْإِيمَانَ عن مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ إلَى الشَّرْعِيِّ بِأَنَّهُ نَقَلَ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ وَنَحْوَهُمَا إلَى مَعَانٍ أُخْرَى قال فما بَالُ الْإِيمَانِ وَهَذَا يَدُلُّ على تَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِالْإِيمَانِ وهو الذي وَقَعَ فيه النِّزَاعُ في ظُهُورِ الِاعْتِزَالِ وقال ابن بَرْهَانٍ حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِنَقْلِ الْأَسَامِي لَا يُفْضِي إلَى تَفْسِيقِ الصَّحَابَةِ وَلَا إلَى خُرُوجِ الْفَاسِقِ إلَى الْإِيمَانِ وَعِنْدَهُمْ يُفْضِي إلَى ذلك الْبَحْثُ التَّاسِعُ أَنَّ الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ في مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا وهو أَصْلُهُ أَنَّهُ هل بين الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَاسِطَةٌ وهو الْفِسْقُ أَمْ لَا فَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُثْبِتُونَهُ وَأَثْبَتَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ قَائِلِينَ بِأَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ ليس بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ أَمَّا أَنَّهُ

ليس بِكَافِرٍ فَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا أَنَّهُ ليس بِمُؤْمِنٍ فَلِأَنَّ الْإِيمَانَ فِعْلُ الْوَاجِبِ الذي منه كَفُّ النَّفْسِ عن الشَّهَوَاتِ وقد أَخَلَّ بِهِ فَرَأَوْا أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَعَ من الشَّرْعِ وَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَعْنًى لم تُرِدْهُ الْعَرَبُ وَحَمَلُوا على ذلك ظَوَاهِرَ الْأَحَادِيثِ النَّافِيَةِ لِلْإِيمَانِ عن مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ نحو لَا يَزْنِي الزَّانِي وهو مُؤْمِنٌ وَأَنَّهُ لم يُرِدْ نَفْيَ التَّصْدِيقِ وَأَمَّا الْأَشْعَرِيَّةُ فَيُؤَوِّلُونَهُ على الْمُسْتَحِيلِ وَغَيْرِهِ وَمَنَعُوا كَوْنَ الشَّرْعِ غير اللُّغَةِ بَلْ التَّصْدِيقُ بَاقٍ فيه وَقَالُوا صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ مُطِيعٌ بِإِيمَانِهِ وَكَذَا الْقَوْلُ في الْأَسْمَاءِ الْفَرْعِيَّةِ كَمَنْ صلى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَمَنْ رَأَى أنها بَاطِلَةٌ قال إنَّهُ ما أتى بِمَا يُسَمَّى صَلَاةً في اللُّغَةِ وقد قال تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ صَحَّحَهَا قال دُعَاءُ الشَّرْعِ غَيْرُ دُعَاءِ اللُّغَةِ وَكَذَا الْبَاقِي وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ في الْمَعَالِمِ على الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ من أَجْزَائِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ مُرَكَّبَةٌ من قَوْلٍ وَعَمَلٍ وَاعْتِقَادٍ فَيَنْبَغِي إذَا انْتَفَى الْعَمَلُ أَنْ يَنْتَفِيَ الْإِيمَانُ قال وهو سُؤَالٌ صَعْبٌ وَلِأَجْلِهِ طَرَدَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مَذْهَبَهُمْ فَسَلَبُوا الْإِيمَانَ عنه وقد ذَكَرَ هذه الشُّبْهَةَ الْإِمَامُ محمد بن نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ في كِتَابِ تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ وَأَجَابَ عنها بِأَنَّ لِلْإِيمَانِ أَصْلًا مَتَى نَقَصَ عنه مِثْقَالَ ذَرَّةٍ زَالَ عنه اسْمُ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ يَنْقُصُ لم يَزُلْ الِاسْمُ وَلَكِنْ يَزْدَادُ بَعْدُ إيمَانًا إلَى إيمَانِهِ فَإِنْ نَقَصَتْ الزِّيَادَةُ التي بَعْدَ الْأَصْلِ لم يَنْقُصْ الْأَصْلُ الذي هو التَّصْدِيقُ وَذَلِكَ كَنَخْلَةٍ تَامَّةٍ ذَاتِ أَغْصَانٍ وَوَرَقٍ فَكُلَّمَا قُطِعَ منها غُصْنٌ لم يَزُلْ عنها اسْمُ الشَّجَرَةِ وَكَانَتْ دُونَ ما كانت عليه من الْكَمَالِ من غَيْرِ أَنْ يَزُولَ اسْمُهَا وَهِيَ شَجَرَةٌ نَاقِصَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا من اسْتِكْمَالِهَا التَّامَّةَ الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ هذه الْأَسْمَاءَ إذَا وُجِدَتْ في كَلَامِ الشَّارِعِ مُجَرَّدَةً عن الْقَرِينَةِ مُحْتَمِلَةً الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَالشَّرْعِيَّ فَعَلَى أَيِّهِمَا يُحْمَلُ فَمَنْ أَثْبَتَ النَّقْلَ قال إنَّهَا مَحْمُولَةٌ على عُرْفِ الشَّارِعِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ يُحْمَلُ لَفْظُهُ على عُرْفِهِ وَقِيَاسُهُ قَوْلُ الْقَاضِي حَمْلُهَا على الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عن الْقَاضِي أنها مُجْمَلَةٌ وهو مُشْكِلٌ على أَصْلِهِ هُنَا

قال الْإِبْيَارِيُّ قَوْلُ الْقَاضِي إنَّهُ مُجْمَلٌ يُنَاقِضُ مَذْهَبَهُ في حُجَّةِ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ له قَوْلٌ آخَرُ بِإِثْبَاتِهَا وَإِلَّا فَالْإِجْمَالُ مع اتِّحَادِ جِهَةِ الدَّلَالَةِ مُحَالٌ أو يَكُونَ ذلك منه تَفْرِيعًا على قَوْلِ من يُثْبِتُهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ فإنه من أَيْنَ له الْحُكْمُ عليهم فَإِنَّهُمْ يُسَوُّونَ بين النِّسْبَةِ إلَى الْمُسَمَّيَيْنِ قُلْت وَبِهَذَا الْأَخِيرِ صَرَّحَ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ فقال فَإِنْ قِيلَ ما تَقُولُونَ لو ثَبَتَ أَسْمَاءٌ شَرْعِيَّةٌ هل تُحْمَلُ على مُوجِبِ اللُّغَةِ أو الشَّرْعِ قُلْنَا يَجِبُ الْوَقْفُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بها ما هو لها في اللُّغَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ ما هو في الشَّرْعِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الْأَمْرَيْنِ فَيَجِبُ لِتَجْوِيزِ ذلك الْوَقْفِ حتى يَدُلَّ دَلِيلٌ على الْمُرَادِ وقال السُّهْرَوَرْدِيّ تَرَدَّدَ الْقَاضِي بين نَفْيِ الْكَمَالِ وَالصِّحَّةِ ليس لِاعْتِرَافِهِ بِاللُّغَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ لِأَنَّهُ يَرَى الْإِضْمَارَ وَلَا تَعَيُّنَ لِأَحَدِ الْإِضْمَارَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرْعِيَّةَ تُطْلَقُ على مَعْنَيَيْنِ ما في كَلَامِ الشَّارِعِ وما في كَلَامِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ من الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَهَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ في الشَّرْعِيَّةِ إنَّمَا هو بِالنِّسْبَةِ إلَى كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِيَّةِ فَيُحْمَلُ على الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ لَا حَاجَةَ لهم فيها إلَى الْقَرِينَةِ كما هو حُكْمُ الْحَقَائِقِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي في أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في أَنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا هل لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ إلَّا بِالشَّرْعِ أو هو ظَاهِرٌ قبل وُرُودِ الْبَيَانِ على وَجْهَيْنِ وَبَنَوْا عَلَيْهِمَا أَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ هل جاء بِهِ الشَّرْعُ كما جاء بِبَيَانِ الْحُكْمِ أو كان مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالشَّرْعُ اخْتَصَّ بِبَيَانِ الْأَحْكَامِ فَمَنْ قال بِالْأَوَّلِ قال إنَّ الشَّرْعَ أَحْدَثَ الِاسْمَ كَالْحُكْمِ وَمَنْ قال بِالثَّانِي قال إنَّ الِاسْمَ مَأْخُوذٌ من أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْبَيَانُ من الشَّرْعِ وقال أَيْضًا اخْتَلَفُوا في اسْمِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ هل جاء بِبَيَانِ الشَّرْعِ كما جاء بِبَيَانِ الْحُكْمِ كان مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالشَّرْعُ اخْتَصَّ بِبَيَانِ الْحُكْمِ على ثَلَاثِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّهُ أَحْدَثُ الْأَسْمَاءِ شَرْعًا كَالْأَحْكَامِ وَهَذَا قَوْلُ من زَعَمَ أَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ مُجْمَلٌ فَجَعَلَهُ مُسْتَحْدَثًا بِالشَّرْعِ لِأَنَّ الْعَرَبَ لم تَكُنْ تَعْرِفُهُ على هذه الصِّفَةِ وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ مُخْتَصٌّ بِوُرُودِ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا الْأَسْمَاءُ مَأْخُوذَةٌ من أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ لو وَرَدَتْ شَرْعًا لَصَارُوا مُخَاطَبِينَ بِمَا ليس من لُغَتِهِمْ وَهَذَا قَوْلُ من قال إنَّهَا لَيْسَتْ بِمُجْمَلَةٍ وَالثَّالِثُ وهو قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَافَّةِ أَهْلِ اللُّغَةِ أنها أَسْمَاءٌ قد كان لها في

اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ فَكَانَ حَقِيقَتُهَا ما نَقَلَهَا الشَّرْعُ عنه وَمَجَازُهَا ما قَرَّرَهَا الشَّرْعُ عليه لِوُجُودِ مَعْنًى من مَعَانِي الْحَقِيقَةِ فَعَلَى هذا سُمِّيَتْ صَلَاةً لِمَا تَضَمَّنَتْ من الدُّعَاءِ هو مُسَمًّى في اللُّغَةِ صَلَاةً مَسْأَلَةٌ كما زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ بَعْضَ الْأَسْمَاءِ اسْتَعْمَلَهُ الشَّارِعُ في غَيْرِ مَعْنَاهُ في اللُّغَةِ زَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُ وَرَدَ فيه كَلِمَاتٌ لَيْسَتْ بِصِيَغٍ عَرَبِيَّةٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبِ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا ما أَصْلُهُ عَجَمِيٌّ ثُمَّ عُرِّبَ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ على نَحْوِ اسْتِعْمَالِهَا لِكَلَامِهَا فَقِيلَ مُعَرَّبٌ مُتَوَسِّطًا بين الْعَجَمِيِّ وَالْعَرَبِيِّ وهو عَكْسُ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ الْمَعْنَى بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ له في تِلْكَ اللُّغَةِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ وَاقِعٌ في اللُّغَةِ وفي وُقُوعِهِ في الْقُرْآنِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ على إثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَمَنْ أَثْبَتَهَا وَجَعَلَهَا مَجَازَاتٍ لُغَوِيَّةٍ لَا يَلْزَمُ من قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ في الْقُرْآنِ غَيْرُ عَرَبِيٍّ وقال ابن الْقُشَيْرِيّ ليس هذا الْخِلَافُ مع من يقول في الشَّرِيعَةِ أَسْمَاءٌ مَنْقُولَةٌ من اللُّغَةِ إلَى الشَّرْعِ بَلْ ذَاكَ فَنٌّ آخَرُ وقد أَثْبَتَهُ جَمَاعَةٌ منهم ابن عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابن الْحَاجِبِ وَنَفَاهُ الْأَكْثَرُونَ منهم الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ وَالْقَاضِي أبو بَكْرٍ وأبو بَكْرٍ الْقَفَّالُ كما رَأَيْته في كِتَابِهِ وأبو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ وأبو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وابن السَّمْعَانِيِّ وابن الْقُشَيْرِيِّ قال وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ قال ابن فَارِسٍ في فِقْهِ اللُّغَةِ وهو قَوْلُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وقال ابن بَرْهَانٍ وَعُزِيَ إلَى الشَّافِعِيِّ قُلْت نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الرِّسَالَةِ في الْبَابِ الْخَامِسِ فقال وقد تَكَلَّمَ في الْعِلْمِ من لو أَمْسَكَ عن بَعْضِ ما تَكَلَّمَ فيه لَكَانَ الْإِمْسَاكُ أَوْلَى له فقال منهم قَائِلٌ إنَّ في الْقُرْآنِ عَرَبِيًّا وَأَعْجَمِيًّا وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ على أَنَّهُ ليس في كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ إلَّا بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَوَجَدْنَا قَائِلَ هذا الْقَوْلِ من قَبْلِ ذلك منه تَقْلِيدًا وَتَرْكًا لِلْمَسْأَلَةِ له عن حُجَّةٍ وَمَسْأَلَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ خَالَفَهُ وَبِالتَّقْلِيدِ أَغْفَلَ من أَغْفَلَ منهم وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لنا وَلَهُمْ ا هـ وقد نَقَلَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ في تَعْلِيقِهِ في أُصُولِ الْفِقْهِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الرِّسَالَةِ ثُمَّ قال الذي عليه الشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَلَيْسَ فيه شَيْءٌ غَيْرُ الْعَرَبِيِّ وهو قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِأَسْرِهِمْ ثُمَّ نَصَرَهُ

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُثْبِتِينَ له كِبَارٌ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ كَلَامِهِمْ فقال الشَّافِعِيُّ في الرِّسَالَةِ لَعَلَّ قَائِلَهُ أَرَادَ أَنَّ فيه ما يَجْهَلُ مَعْنَاهُ بَعْضُ الْعَرَبِ وَلِهَذَا قال عُمَرُ لَمَّا سمع فَاكِهَةً وَأَبًّا لَا أَدْرَى ما الْأَبُّ وقال ابن عَبَّاسٍ ما كُنْت أَدْرِي مَعْنَى افْتَحْ بَيْنَنَا حتى سَمِعْت أَعْرَابِيَّةً تَقُولُ تَعَالَ أُفَاتِحْك إلَى الْقَاضِي وَلَا يَلْزَمُ من كَوْنِهِ غير مَعْلُومٍ لِوَاحِدٍ أو اثْنَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا وقال غَيْرُهُ أَرَادَ أَعْجَمِيًّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَصْلَ اسْتِعْمَالِهَا في كَلَامِ الْعَجَمِ فَحَوَّلَتْهَا الْعَرَبُ إلَى لُغَتِهِمْ وَإِلَى هذا ذَهَبَ أبو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بن سَلَامٍ في غَرِيبِهِ فَنَقَلَ عن أبي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بن الْمُثَنَّى أَنَّهُ قال من زَعَمَ أَنَّ في الْقُرْآنِ لِسَانًا سِوَى الْعَرَبِيَّةِ فَقَدْ أَعْظَمَ على اللَّهِ الْقَوْلَ وَنُقِلَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فيه من غَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ مِثْلَ سِجِّيلٍ وَمِشْكَاةٍ وَالْيَمِّ والطور ( ( ( و ) ) ) وأباريق ( ( ( الطور ) ) ) وإستبرق ( ( ( و ) ) ) وَغَيْرِ ذلك ثُمَّ قال وَهَؤُلَاءِ أَعْلَمُ من أبي عُبَيْدَةَ وَلَكِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى مَذْهَبٍ وَذَهَبَ هو إلَى غَيْرِهِ وَكِلَاهُمَا مُصِيبٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ هذه الْحُرُوفَ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ في الْأَصْلِ فقال أُولَئِكَ على الْأَصْلِ ثُمَّ لَفَظَتْ بِهِ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا فَعَرَّبَتْهَا فَصَارَ عَرَبِيًّا بِتَعْرِيبِهَا إيَّاهُ فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ في هذه الْحَالِ أَعْجَمِيَّةُ الْأَصْلِ فَهَذَا الْقَوْلُ يُصَدِّقُ الْقَوْلَيْنِ جميعا ا هـ وقال ابن خَرُوفٍ النَّحْوِيُّ جَمِيعُهَا من كَلَامِ الْعَرَبِ ولم يَخْتَلِفْ أَحَدٌ من أَرْبَابِ اللِّسَانِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَأَجْمَعُوا على أنها أَعْجَمِيَّاتٌ تَلَقَّتْهَا الْعَرَبُ وَعَمِلَتْ بها وَأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ مَلْآنُ من ذلك مِثْلَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجِبْرِيلَ وَيُوسُفَ وَيُونُسَ وَغَيْرِ ذلك وقد نَصَّ عليه سِيبَوَيْهِ في مَوَاضِعَ من كِتَابِهِ فِيمَا لَا يَنْصَرِفُ وفي النَّسَبِ وَالْأَمْثِلَةِ وأبو عُبَيْدَةَ وَإِنْ أَنْكَرَ ذلك في الْقُرْآنِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ فإنه مُجْمِعٌ مَعَهُمْ على أَنَّ كَلَامَ الْعَرَبِ مَلْآنُ من ذلك وَالْأَعْلَامُ أَعْجَمِيَّةٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ في الْكَلَامِ أَعْجَمِيَّةٌ وفي الْقُرْآنِ عَرَبِيَّةٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ ما في الْقُرْآنِ من الْأَلْفَاظِ الْأَعْجَمِيَّةِ مُعَرَّبَةٌ فَصِيحَةٌ ولم يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ في الْقُرْآنِ كَلِمَةً وَاحِدَةً أَعْجَمِيَّةً لَا تُعْرِبُهَا الْعَرَبُ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْأَعْلَامِ ذَكَرَهُ ابن الْحَاجِبِ وَشَيْخُهُ الْإِبْيَارِيُّ وَيَرُدُّ عليهم بِأَنَّهُ ليس في مَحَلِّ الْخِلَافِ فإن الْخِلَافَ في غَيْرِ الْأَعْلَامِ كَاللِّجَامِ وَالْفِرِنْدِ أَمَّا فيها فَلَا وَلِهَذَا اتَّفَقُوا على مَنْعِ صَرْفِ نَحْوِ إبْرَاهِيمَ لِلْعَجَمِيَّةِ وَالْعَلَمِيَّةِ

تَنْبِيهٌ قد سَبَقَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ في وُقُوعِ الْمُعَرَّبِ في اللُّغَةِ وَأَطْلَقُوا هذا إطْلَاقًا وَذَكَرَ حَازِمٌ في مِنْهَاجِ الْبُلَغَاءِ تَقْسِيمًا حَسَنًا فقال إنْ كان اللَّفْظُ غير مَوْجُودٍ في كَلَامِ الْعَرَبِ فَلَا يَخْلُو من أَنْ يَكُونَ اسْمًا أو فِعْلًا أو حَرْفًا فَإِنْ كان فِعْلًا أو حَرْفًا فَلَا يَجُوزُ إيقَاعُهُ أَلْبَتَّةَ فِيمَا أُجْرِيَ من الْكَلَامِ على قَوَانِينِ الْعَرَبِ وَمَجَارِي كَلَامِهَا وَإِنْ كان اسْمًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِمُسَمَّاهُ اسْمٌ في كَلَامِ الْعَرَبِ أو لَا فَإِنْ كان فَلَا يَخْلُوَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الِاسْمَانِ الْعَرَبِيُّ وَالْعَجَمِيُّ عَلَمَيْنِ على الْمُسَمَّى أو نَكِرَتَيْنِ فَإِنْ كَانَا عَلَمَيْنِ جَازَ تَعْرِيبُ الْعَجَمِيِّ وَإِنْ كَانَا نَكِرَتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ إذْ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ عَرَبِيٍّ أَنْ يُعَرِّبَ غير الْأَعْلَامِ وَأَعْنِي بِالتَّعْرِيبِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيمَا أَجْرَى من الْكَلَامِ على قَوَانِينِ كَلَامِ الْعَرَبِ بِأَنْ يُلْحِقَهُ لَوَاحِقَ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ فَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ لِلْمُسَمَّى اسْمٌ في كَلَامِ الْعَرَبِ فَجَائِزٌ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الِاسْمَ الذي ليس بِعَرَبِيٍّ في الدَّلَالَةِ على ذلك الشَّيْءِ حَيْثُ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ سَوَاءٌ كان ذلك الِاسْمُ من وَضْعِ من لَا يَتَكَلَّمُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ على وَجْهِهِ أو كان وَاقِفًا في بَعْضِ أَلْسُنِ الْعَجَمِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذلك الِاسْمُ يَعْرِفُهُ أَهْلُ زَمَانِ من يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ وَسَوَاءٌ كان ذلك مَعْرِفَةً أو نَكِرَةً وقد تَقَدَّمَ أَنَّ غير الْعَلَمِ الذي ليس بِعَرَبِيٍّ لَا يَجُوزُ تَعْرِيبُهُ مع وُجْدَانِ الْبَدَلِ منه في كَلَامِ الْعَرَبِ وَإِنْ كانت الْعَرَبُ قد عَرَّبَتْ أَسْمَاءً أَعْجَمِيَّةً نَكِرَاتٍ فَذَلِكَ شَيْءٌ مَقْصُورٌ عليها وَلَعَلَّهُمْ أَيْضًا إنَّمَا عَرَّبُوهَا وَلَيْسَ في كَلَامِهِمْ ما يَقُومُ مَقَامَهَا فَيَكُونُ وَجْهُ تَعْرِيبِهِمْ إيَّاهَا الْوَجْهَ الذي اسْتَنْسَبُوا معه لِلْمُحْدَثِ أَنْ يُعَرِّبَ النَّكِرَةَ حَيْثُ لَا يَجِدَ بَدَلًا منها فَأَمَّا الْعَلَمُ فَسَائِغٌ لِلْمُحْدَثِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِيمَا يُعَرِّبُ من كَلَامِهِ وَجَدَ بَدَلًا منه أَمْ لَا فَائِدَةٌ قال الثَّعَالِبِيُّ في فِقْهِ اللُّغَةِ فَصْلٌ في ذِكْرِ أَسْمَاءٍ قَائِمَةٍ في لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ على لَفْظٍ وَاحِدٍ التَّنُّورُ الْخَمِيرُ الرُّمَّانُ اللَّبَنُ الدِّينَارُ الدِّرْهَمُ

فَصْلٌ في أَسْمَاءٍ تَفَرَّدَتْ بها الْفُرْسُ دُونَ الْعَرَبِ وَاضْطُرَّتْ الْعَرَبُ إلَى تَعْرِيبِهَا أو تَرْكِهَا كما هِيَ فَمِنْهَا من الْأَوَانِي الْكُوزُ الْجَرَّةُ الْإِبْرِيقُ الطَّشْتُ الْخُوَانُ الطَّبَقُ الْقَصْعَةُ السُّكْرُجَةُ وَمِنْ الْمَلَابِسِ السُّمُورُ السِّنْجَابُ الْخَزُّ الدِّيبَاجُ السُّنْدُسُ النَّاصِحُ الرَّاجِحُ وَمِنْ الْجَوَاهِرِ الْيَاقُوتُ الْفَيْرُوزَجُ الْبَلُّورُ وَمِنْ الْمَأْكُولَاتِ السَّمِيدُ الجردق الدرمك الْكَعْكُ السِّكْبَاجُ الزيرياج الطباهج الْجَرْدَانُ الزماورد الفالوذج اللَّوْزِينَجُ الْجُوزَيَنْجُ السكنجبين الْخَلَنْجَيِينُ وَمِنْ الْأَقَاوِيَّةِ وَالرَّيَاحِينِ الْقِرْفَةُ الدَّارَصِينُ الْفُلْفُلُ الكراويا الزَّنْجَبِيلُ الخولنجان السَّوْسَنُ الْمَرْكُوشُ الْيَاسَمِينُ الْجُلَّنَارُ الْكَافُورُ والصندل الْقُرُنْفُلُ مَسْأَلَةٌ الْمُعَرَّبُ وَاقِعٌ في السُّنَّةِ أَيْضًا وَمِنْهُمْ من نَصَبَ الْخِلَافَ فيه كَابْنِ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرِهِ وقد بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ بَابَ من تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ وَأَسْنَدَ فيه عن أُمِّ خَالِدٍ أَتَيْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مع أبي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ فقال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سنه سنه قال ابن الْمُبَارَكِ هِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ وفي الصَّحِيحِ أَيْضًا وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قِيلَ وما الْهَرْجُ قال الْقَتْلُ قال أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ هِيَ لُغَةُ الْحَبَشَةِ

فُرُوعٌ على جَوَازِ النَّقْلِ الْأَوَّلُ النَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا دَارَ اللَّفْظُ بين احْتِمَالِ النَّقْلِ وَبَقَائِهِ على الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ كان حَمْلُهُ على الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فيه وَالْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ مُتَّفَقٌ عليها فَيَكُونُ الْأَخْذُ بها أَوْلَى الثَّانِي قد سَبَقَ انْقِسَامُ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ الْمُتَبَايِنَةِ وَالْمُتَوَاطِئَةِ وَالْمُتَرَادِفَةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُشَكَّكَةِ فَهَلْ هذه الْأَقْسَامُ في الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ أَمْ لَا فَنَقُولُ أَمَّا الْمُتَبَايِنَةُ فَلَا شَكَّ فيها كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَكَذَلِكَ الْمُتَوَاطِئَةُ كَالصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَصَلَاةِ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ وَالصَّوْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْضِ وَالنَّقْلِ وَزَعَمَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَالْبَيْضَاوِيُّ أَنَّ إطْلَاقَ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمُومِئِ بِالظَّهْرِ وَنَحْوِهِ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ لِأَنَّهُ ليس بَيْنَهُمَا أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ قال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وهو ضَعِيفٌ فإن كَوْنَ الْفِعْلِ وَاقِعًا بِالتَّحَرُّمِ وَالتَّحَلُّلِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بين تِلْكَ الصَّلَوَاتِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُهَا وَالْأَقْرَبُ أنها مُتَوَاطِئَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُلِّ إذْ التَّوَاطُؤُ خَيْرٌ من الِاشْتِرَاكِ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّحْصِيلِ نَحْوَهُ وَأَمَّا الْمُشْتَرَكَةُ فَالْأَشْبَهُ وُقُوعُهَا أَيْضًا فإن إطْلَاقَ الطَّهُورِ على الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَعَلَى ما يُدْفَعُ بِهِ ليس اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيًّا إذْ ليس بَيْنَهُمَا مَعْنًى مُشْتَرَكٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ كَذَا قال الْهِنْدِيُّ وهو مُعْتَرَضٌ بِمِثْلِ ما اُعْتُرِضَ بِهِ على الْإِمَامِ في الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمُشَكَّكَةُ فَالْأَظْهَرُ أنها وَاقِعَةٌ أَيْضًا وَهِيَ كَالْفَاسِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى من فَعَلَ الْكَبِيرَةَ الْوَاحِدَةَ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى فِعْلِ الْكَبَائِرِ الْمُتَعَدِّدَةِ فإن تَنَاوُلَهُ لِلثَّانِي بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَأَمَّا الْمُتَرَادِفُ فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ أَيْضًا خِلَافًا لِلرَّازِيِّ كَالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ عِنْدَنَا وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ هذا كُلُّهُ نَقْلٌ في الْأَسْمَاءِ وَهِيَ أَيْضًا على قِسْمَيْنِ أَحَدِهِمَا ما وَضَعَهُ بِإِزَاءِ الْمَاهِيَّاتِ الْجَعْلِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَأَمْثَالِهَا وَالثَّانِي الْأَسْمَاءُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْأَفْعَالِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ الْمَصْدَرُ وَاسْمُ الْفَاعِلِ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ وَالصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَأَسْمَاءُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَاسْمُ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ يُسْتَعْمَلُ في الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَيَقْرُبُ منه أَنْتِ

حَرَامٌ وَأَنْتَ حُرٌّ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّيِّ وَأَمَّا الْمَصْدَرُ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ في الطَّلَاقِ في قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ وَهَلْ هو صَرِيحٌ أو كِنَايَةٌ فيه خِلَافٌ وَلَا يَبْعُدُ جَرَيَانُ مِثْلِهِ في الْعِتْقِ وفي الضَّمَانِ ذَكَرُوا في صِيغَةِ أنا ضَامِنٌ وَكَفِيلٌ وَقَبِيلٌ وفي قَبِيلٍ وَجْهٌ قال الرَّافِعِيُّ يَطَّرِدُ في الْحَمِيلِ وَأَمَّا الْحُرُوفُ فلم يُنْقَلْ منها شَيْءٌ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ كَالْأَفْعَالِ في ذلك فإن نَقْلَ مُتَعَلِّقِ مَعَانِي الْحُرُوفِ من الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ إلَى الشَّرْعِيَّةِ مُسْتَلْزِمٌ لِنَقْلِهَا أَيْضًا وفي نعم بَحْثٌ مَبْنِيٌّ على قَاعِدَةِ أَنَّ السُّؤَالَ هل هو كَالْمُعَادِ في الْجَوَابِ وَأَمَّا الْأَفْعَالُ فلم يُوجَدْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَيُوجَدُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِمَصَادِرِهَا فَإِنْ كان الْمَصْدَرُ شَرْعِيًّا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ كان الْفِعْلُ الدَّالُّ عليه شَرْعًا كَصَلَّى وَزَكَّى وَإِنْ كان لُغَوِيًّا كان الْفِعْلُ أَيْضًا لُغَوِيًّا كَأَكْثَرِ الْأَفْعَالِ أَقْسَامُ الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ يَنْقَسِمُ إلَى مَاضٍ وَأَمْرٍ وَمُضَارِعٍ فَأَمَّا الْمُضَارِعُ فلم يُسْتَعْمَلْ في الشَّرْعِ في شَيْءٍ أَصْلًا إلَّا في لَفْظَةِ أَشْهَدُ في الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا تَعَيَّنَتْ ولم يَقُمْ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَكَذَلِكَ في اللِّعَانِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ يَمِينٌ أو شَهَادَةٌ أو فيه شَائِبَةٌ من أَحَدِهِمَا وَيَجُوزُ في الْيَمِينِ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَأَشْهَدُ وَلَا يَتَعَيَّنُ وَأَمَّا الْمَاضِي فَيُعْمَلُ بِهِ في الْإِنْشَاءَاتِ كَالْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ وَأَمَّا فِعْلُ الْأَمْرِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ في الْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ فَكَذَا يُعْمَلُ بِهِ في كل مَوْضِعٍ يُعْمَلُ بِالْمَاضِي على الصَّحِيحِ الثَّالِثُ صِيَغُ الْعُقُودِ كَبِعْتُ وَطَلَّقْت لَا شَكَّ في كَوْنِهَا وُضِعَتْ في اللُّغَةِ لِلْإِخْبَارِ عن أَمْرٍ مَاضٍ وَأَمَّا في الشَّرْعِ فَقَدْ يُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ كما إذَا صَدَرَ عن إنْسَانٍ بَيْعٌ أو طَلَاقٌ أو غَيْرُهُمَا ثُمَّ قال بِعْتُ أو طَلَّقْتُ وَمُرَادُهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا نَصَّ وقد يُسْتَعْمَلُ لِاسْتِحْدَاثِ أَحْكَامٍ لم تَكُنْ قَبْلُ فَهَلْ هِيَ إخْبَارَاتٌ وَالْحَالَةُ هذه بَاقِيَةٌ على الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ أو إنْشَاءَاتٌ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهَا إلَى الْإِنْشَاءَاتِ الْمَخْصُوصَةِ فيه قَوْلَانِ وَالْأَكْثَرُونَ منهم الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ على الثَّانِي وَنُسِبَ الْأَوَّلُ لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ السُّرُوجِيُّ في الْغَايَةِ وقال الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أنها إنْشَاءَاتٌ

قُلْت وما قَالَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ إنَّهُ الْحَقُّ حِينَئِذٍ فَلَا خِلَافَ بين الْفَرِيقَيْنِ وَلِهَذَا أَجْمَعُوا على ثُبُوتِ أَحْكَامِهَا عِنْدَ التَّلَفُّظِ بها وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هل يَثْبُتُ مع آخِرِ حَرْفٍ من حُرُوفِهَا أو عَقِبَهُ وَنَسَبَ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا إخْبَارَاتٌ لِاخْتِبَارِ أَئِمَّةِ النَّظَرِ من الْخِلَافِيِّينَ قالوا وهو تَفْرِيعٌ على الْقَوْلِ بِالنَّقْلِ الشَّرْعِيِّ إمَّا مُطْلَقًا كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أو إلَى مَجَازَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَلَا يَتَأَتَّى على رَأْيِ الْقَاضِي وَتَحْرِيرُ الْقَوْلِ بِالْإِخْبَارِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِك بِعْت الْإِخْبَارُ عَمَّا في قَلْبِك فإن أَصْلَ الْبَيْعِ هو التَّرَاضِي وَوُضِعَتْ لَفْظَةُ بِعْت لِلدَّلَالَةِ على الرِّضَى فَكَأَنَّهُ أَخْبَرَ بها عَمَّا في ضَمِيرِهِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهَا قُبَيْلَ اللَّفْظِ لِلضَّرُورَةِ وَغَايَةُ ذلك أَنْ يَكُونَ مَجَازًا وهو أَوْلَى من النَّقْلِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا إنْشَاءٌ قالوا ليس مَعْنَاهُ أنها نُقِلَتْ عن مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّيَّةِ وَوُضِعَتْ لِإِيقَاعِ هذه الْأُمُورِ بَلْ مَعْنَاهُ أنها صِيَغٌ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ مَدْلُولَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ على ثُبُوتِ هذه الْأُمُورِ من جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَاعْتَبَرَ الشَّرْعُ إيقَاعَهَا من جِهَتِهِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ تَصْحِيحًا لِهَذِهِ الْأُمُورِ من حَيْثُ إنَّهَا لم تَكُنْ تَابِعَةً وَلِهَذَا كان جَعْلُهُ إنْشَاءً لِلضَّرُورَةِ حتى لو أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِكَوْنِهِ إخْبَارًا لم يُجْعَلْ إنْشَاءً بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُطَلَّقَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قال قَصَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ تَنْبِيهٌ كَذَا فَرَضُوا الْخِلَافَ في الْعُقُودِ وَيُلْتَحَقُ بِهِ الْحُلُولُ كَفَسَخْتُ وَطَلَّقْت فَالطَّلَاقُ إنْشَاءٌ لَا يَقُومُ الْإِقْرَارُ مَقَامَهُ وَلَكِنْ يُؤَاخَذُ ظَاهِرًا بِمَا أَقَرَّ بِهِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْإِقْرَارَ بِالطَّلَاقِ على صِيغَتِهِ حتى يَنْفُذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِيرُ إنْشَاءً حتى يَنْفُذَ بَاطِنًا قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وهو مُتَلَبِّسٌ فإن الْإِقْرَارَ وَالْإِنْشَاءَ يَتَنَافَيَانِ فَذَلِكَ إخْبَارٌ عن مَاضٍ وَهَذَا إحْدَاثٌ في الْمُسْتَقْبَلِ وَذَلِكَ يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ وَهَذَا بِخِلَافِهِ

الْمَجَازُ الْمَجَازُ مُشْتَقٌّ من الْجَوَازِ وَالْجَوَازُ في الْأَمَاكِنِ حَقِيقَةٌ وهو الْعُبُورُ يُقَالُ جُزْت الدَّارَ أَيْ عَبَرْتهَا وَيُسْتَعْمَلُ في الْمَعَانِي وَمِنْهُ الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ قال الْإِمَامُ وهو حَقِيقَةٌ في الْمَصْدَرِ وَنُقِلَ منه إلَى الْفَاعِلِ وهو الْجَائِزُ لِمَا بَيْنَهُمَا من الْعَلَاقَةِ ثُمَّ نُقِلَ منه إلَى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عليه وهو اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ في مَعْنًى غَيْرِ مَوْضُوعٍ له أَوَّلًا يُنَاسِبُ الْمُصْطَلَحَ وَهَذَا التَّعْرِيفُ إنْ قُلْنَا الْمَجَازُ ليس بِمَوْضُوعٍ فَإِنْ قُلْنَا مَوْضُوعٌ فَلْنَقُلْ بِوَضْعٍ ثَانٍ وَخَرَجَ الْحَقِيقَةُ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ وَأَشَارَ بِالْقَيْدِ الْآخَرِ إلَى شُمُولِ الْحَدِّ كُلَّ مَجَازٍ من شَرْعِيٍّ وَعُرْفِيٍّ عَامٍّ وَخَاصٍّ وَلُغَوِيٍّ وَأَنَّ الْعَلَاقَةَ شَرْطٌ وَيَجِيءُ الْخِلَافُ السَّابِقُ في أَنَّ انْتِقَالَهُ بهذا الْمَعْنَى حَقِيقَةٌ أو مَجَازٌ وَكَلَامُ ابْنِ سِيدَهْ السَّابِقُ يَقْتَضِي أَنَّ له اسْتِعْمَالًا في اللُّغَةِ وقال أبو حَيَّانَ التَّوْحِيدِيُّ في الْبَصَائِرِ الْمَجَازُ طَرِيقُ الْمَعْنَى بِالْقَوْلِ تَقُولُ جَازَ يَجُوزُ جَوَازًا وَمَجَازًا وَإِنْ جَعَلْته مَصْدَرًا من ذلك كان الْجَوَازُ كَالسُّلُوكِ فَكَأَنَّهُ سُلُوكُ الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ وقال الْقَاضِي يُسَمَّى مَجَازًا لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُجَاوِزُونَ بِهِ عن أَصْلِ الْوَضْعِ تَوَسُّعًا منهم كَتَسْمِيَةِ الرَّجُلِ الشُّجَاعِ أَسَدًا وَالْبَلِيدِ حِمَارًا

فصل
اخْتَلَفُوا في أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ أَمْ لَا فَقِيلَ مَوْضُوعٌ كَالْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ بِوَضْعٍ أَصْلِيٍّ وَالْمَجَازُ بِوَضْعٍ طَارٍ وَقِيلَ ليس بِمَوْضُوعٍ بَلْ الْمَوْضُوعُ طَرِيقُهُ دُونَ لَفْظِهِ لِأَنَّ في وَضْعِهِمْ الْحَقِيقَةَ غُنْيَةً عن وَضْعِ الْمَجَازِ وَلَكِنْ وَضَعُوا الْمَجَازَ تَوْسِعَةً لِلنَّاسِ في الْكَلَامِ وَقِيلَ لم يَضَعُوا لَفْظَهُ وَلَا طَرِيقَهُ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ له وَمَتَى كانت الْعِلَّةُ مَوْضُوعَةً كان الْحُكْمُ مَنْصُوصًا عليه كَالْعِلَّةِ في الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا كانت مَنْصُوصَةً كان الْحُكْمُ الثَّابِتُ فيها مَنْصُوصًا فَيَفْسُدُ بَابُ الْمَجَازِ وهو خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْكَلَامَ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ لَكِنَّ الْمَجَازَ عُرِفَ بِالتَّأَمُّلِ في أَشْعَارِهِمْ وَهَذَا الْخِلَافُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ من الْحَنَفِيَّةِ

تَنْبِيهٌ الْوَضْعُ في الْمَجَازِ خِلَافُ الْوَضْعِ في الْحَقِيقَةِ فإنه في الْحَقِيقَةِ تَعَلُّقُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى الذي جُعِلَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً له وَأَمَّا الْوَضْعُ في الْمَجَازِ على الْخِلَافِ فيه فَالْمُرَادُ بِهِ كما قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ أَنْ يَكُونَ نَوْعُ ذلك الْمَجَازِ مَنْقُولًا عن الْعَرَبِ اسْتِعْمَالُهُ فيه كَاسْتِعْمَالِهِمْ الْكُلَّ في الْجُزْءِ وَعَكْسِهِ هَكَذَا جَعَلَ هذا الْخِلَافَ هو الْخِلَافُ الْآتِي في أَنَّهُ هل يُشْتَرَطُ النَّقْلُ وَفِيهِ نَظَرٌ كما سَبَقَ وَقِيلَ الْخِلَافُ فيه يَلْتَفِتُ على تَفْسِيرِ الْوَضْعِ بِأَنَّهُ التَّعْيِينُ مُطْلَقًا أو التَّعْيِينُ الذي بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وقال بَعْضُهُمْ هو مَوْضُوعٌ لَا بِمَعْنَى تَوَقُّفِ الِاسْتِعْمَالِ بَعْدَ الْمُنَاسَبَةِ بِإِذْنِ الْوَاضِعِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ على وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا كان وَضْعًا غير أَوْلَى مَسْأَلَةٌ إذَا قُلْنَا إنَّهُ مَوْضُوعٌ انْقَسَمَ كَالْحَقِيقَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ لُغَوِيٍّ وَشَرْعِيٍّ وَعُرْفِيٍّ فَالشَّرْعِيُّ وَالْعُرْفِيُّ يَجِيءُ فِيهِمَا الْخِلَافُ السَّابِقُ في الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ وَأَمَّا اللُّغَوِيُّ فَالْمَجَازُ وَاقِعٌ في اللُّغَةِ خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ حَيْثُ قال لَا مَجَازَ فيها لِأَنَّ الْحَقَائِقَ شَمِلَتْ جَمِيعَ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجَوُّزِ قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في التَّلْخِيصِ وَالظَّنُّ بِالْأُسْتَاذِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عنه وَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ اللُّغَةِ لم يُسَمُّوهُ بِذَلِكَ بَلْ اسْمُهُ مع قَرِينَةٍ حَقِيقَةٌ فَمَمْنُوعٌ فإن كُتُبَهُمْ مَشْحُونَةٌ بِتَلْقِيبِهِ مَجَازًا وَلَوْ صَحَّ كَوْنُ الْمَجْمُوعِ حَقِيقَةً لم يَقْدَحْ في تَسْمِيتِهِمْ الِاسْمَ بِانْفِرَادِهِ مَجَازًا وَقِيلَ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ إذْ هو لَا يُنْكِرُ اسْتِعْمَالَ الْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ وَأَمْثَالِهِ بَلْ يَشْتَرِطُ في ذلك الْقَرِينَةَ وَيُسَمِّيهِ حِينَئِذٍ حَقِيقَةً وَلَكِنْ يُنْكِرُ تَسْمِيَتَهُ مَجَازًا قَالَهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وقال الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ لَعَلَّ الْأُسْتَاذَ أَرَادَ أَنَّهُ ليس بِثَابِتٍ ثُبُوتَ الْحَقِيقَةِ وَلَا يُظَنُّ بِالْأُسْتَاذِ إنْكَارُ الِاسْتِعَارَاتِ مع كَثْرَتِهَا ثُمَّ قال في بَابِ التَّأْوِيلِ مَسْأَلَةٌ قال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الظَّاهِرُ هو الْمَجَازُ وَالنَّصُّ هو الْحَقِيقَةُ وَرُبَّ مَجَازٍ هو نَصٌّ كَقَوْلِنَا الْخَمْرُ مُحَرَّمَةٌ وَالتَّحْرِيمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَمْرِ حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْحَافِظَاتِ خطأ ( ( ( بعد ) ) ) قَوْلِهِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ مَجَازٌ في حِفْظِ

الْفَرْجِ على الْخُصُوصِ وهو نَصٌّ في مَقْصُودِهِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ ما يَغْلِبُ على الظَّنِّ فَهْمُ مَعْنًى منه ا هـ فَلْيُنْظَرْ في مُطَابَقَةِ هذا النَّقْلِ لِلْمَنْقُولِ منه هُنَا وَرَأَيْت بِخَطِّ ابْنِ الصَّلَاحِ في فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ بن كَجٍّ حَكَى عن أبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ إنْكَارَ الْمَجَازِ كَقَوْلِ الْأُسْتَاذِ وهو غَرِيبٌ عَكْسُ مَقَالَةِ تِلْمِيذِهِ ابْنِ جِنِّي وَفِيهِ نَظَرٌ فإن تِلْمِيذَهُ أَبَا الْفَتْحِ بن جِنِّي أُعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ وقد نَقَلَ عنه في كِتَابِ الْخَصَائِصِ عَكْسَ هذه الْمَقَالَةِ أَنَّ الْمَجَازَ غَالِبُ اللُّغَاتِ كما هو مَذْهَبُ ابْنِ جِنِّي وقال فَإِنْ قُلْت فَقَدْ أَحَالَ سِيبَوَيْهِ قَوْلَنَا شَرِبْت مَاءَ الْبَحْرِ وَهَذَا مَنْعٌ منه لِوُقُوعِ الْمَجَازِ قُلْت الذي مَنَعَهُ سِيبَوَيْهِ حَقِيقَةً لِامْتِنَاعِ تَصَوُّرِهِ ذلك أَمَّا إذَا أُرِيدَ الْبَعْضُ فَلَا شَكَّ في جَوَازِهِ تَنْبِيهٌ لم يُبَيِّنُوا الْكَلَامَ في هذه الْمَسْأَلَةِ هل هو في الْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ أو في الْجَوَازِ كما هو في الْمُشْتَرَكِ وَالْمُرَادِفِ وَظَاهِرُ دَلِيلِ الْأُسْتَاذِ أَنَّهُ في الِامْتِنَاعِ لِاحْتِجَاجِهِ فإنه مُخِلٌّ بِالتَّفَاهُمِ وَهَذَا يُنَاسِبُ الْمَنْعَ مَسْأَلَةٌ بَالَغَ ابن جِنِّي فَادَّعَى أَنَّ الْغَالِبَ على اللُّغَةِ الْمَجَازُ وَنَقَلَهُ ابن السَّمْعَانِيِّ عن أبي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ وقال تِلْمِيذُ ابْنِ جِنِّي عبد اللَّهِ بن مَتَّوَيْهِ الْكُلُّ مَجَازٌ وَهُمَا شَاذَّانِ وَعِبَارَةُ ابْنِ جِنِّي وَأَكْثَرُ اللُّغَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ وَذَلِكَ عَامَّةُ الْأَفْعَالِ نحو قام زَيْدٌ وَقَعَدَ عَمْرٌو وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لم يَكُنْ منه جَمِيعُ الْقِيَامِ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذلك وهو جِنْسٌ وَالْجِنْسُ يُطْلَقُ على الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَإِنَّمَا هو على وَضْعِ الْكُلِّ مَوْضِعَ الْبَعْضِ لِلِاتِّسَاعِ وَالْمُبَالَغَةِ وَتَشْبِيهِ الْقَلِيلِ بِالْكَثِيرِ وَحُكِيَ قَرِيبًا من ذلك عن أبي عَلِيٍّ وَغَرَضُ ابْنِ جِنِّي من هذا أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ خَالِقٍ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ كما صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ حَيْثُ قال وَكَذَلِكَ أَفْعَالُ الْقَدِيمِ نحو خَلْقِ اللَّهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَنَحْوَهُ قال

لِأَنَّهُ تَعَالَى لم يَكُنْ بِذَلِكَ خَالِقًا لِأَفْعَالِنَا وَلَوْ كان حَقِيقَةً لَا مَجَازًا لَكَانَ خَالِقًا لِلْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ وَغَيْرِهِمَا من أَفْعَالِنَا وَيَتَعَالَى عن ذلك قال وَكَذَلِكَ عِلْمُ اللَّهِ بِقِيَامِ زَيْدٍ مَجَازٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْحَالَةُ التي عَلِمَ عليها قِيَامَ عَمْرٍو وَلَسْنَا نُثْبِتُ له تَعَالَى عِلْمًا لِأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِنَفْسِهِ إلَّا مع ذلك فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَتْ حَالَةُ عِلْمِهِ بِجُلُوسِ عَمْرٍو هِيَ حَالَةُ عِلْمِهِ بِقِيَامِ زَيْدٍ قال وَكَذَلِكَ ضَرَبْتُ عَمْرًا مَجَازٌ لِأَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا وَقَعَ على بَعْضِهِ قُلْت وقد اسْتَدْرَكَ بهذا الْمَرْكَبِ الصَّعْبِ إلَى أُمُورٍ قَبِيحَةٍ تَنَزَّهَ اللَّهُ عنها

مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ في الْقُرْآنِ وَوَقَعَ في الْقُرْآنِ على الْأَصَحِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ لَمَّا طَغَى الْمَاءُ وقد صَنَّفَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِزُّ الدِّينِ بن عبد السَّلَامِ كِتَابًا حَافِلًا في ذلك وَبِهِ قال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ منهم أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ فإنه قال في قَوْله تَعَالَى إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى هذا من مَجَازِ اللُّغَةِ يقول الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ سَنُجْرِي عَلَيْك رِزْقَك إنَّا نَشْتَغِلُ بِك وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَنَسَبَهُ الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ إلَى الْحَشْوِيَّةِ قال ابن الْقُشَيْرِيّ وَحُكِيَ عن الْأُسْتَاذِ أَيْضًا وقال ابن بَرْهَانٍ وَالْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ إذَا أَنْكَرَ الْمَجَازَ في اللُّغَةِ فَلَأَنْ يُنْكِرَهُ في الْقُرْآنِ من طَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ قُلْت وَكَذَا حَكَاهُ ابن بَرْهَانٍ في شَرْحِ الْإِرْشَادِ عن الْأُسْتَاذِ وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وهو قَوْلُ أبي الْعَبَّاسِ بن الْقَاصِّ من أَصْحَابِنَا فِيمَا حَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ في الطَّبَقَاتِ وَحَكَوْهُ عن دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَابْنِهِ وَحَكَاهُ أبو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ عن ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ من الْمَالِكِيَّةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُنْذِرُ بن سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيُّ في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَحَكَاهُ أبو عبد اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ من الْحَنَفِيَّةِ في كِتَابِهِ في الْأُصُولِ عن أبي مُسْلِمِ بن يحيى الْأَصْفَهَانِيِّ وقال الْقَاضِي أبو يَعْلَى من الْحَنَابِلَةِ عن أبي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ إنَّهُ حَكَاهُ في كِتَابِهِ الْأُصُولِ عن أَصْحَابِهِمْ وَلِذَلِكَ قال أبو حَامِدٍ في أُصُولِهِ ليس في الْقُرْآنِ مَجَازٌ لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عن أَحْمَدَ خِلَافُهُ وَقِيلَ إنَّمَا أَنْكَرَتْ الظَّاهِرِيَّةُ مَجَازَ الِاسْتِعَارَةِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ عن أبي الْفَتْحِ الْمَرَاغِيّ وَشُبْهَتُهُمْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَعْدِلُ عن الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ إلَّا إذَا ضَاقَتْ بِهِ الْحَقِيقَةُ فَيَسْتَعِيرُ وهو مُسْتَحِيلٌ على اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا بَاطِلٌ وَلَوْ وَجَبَ خُلُوُّ الْقُرْآنِ من الْمَجَازِ لَوَجَبَ خُلُوُّهُ من التَّوْكِيدِ وَتَثْنِيَةِ الْقَصَصِ وَالْإِشَارَاتِ إلَى الشَّيْءِ دُونَ النَّصِّ وَلَوْ سَقَطَ الْمَجَازُ من الْقُرْآنِ ذَهَبَ شَطْرُ الْحُسْنِ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمَجَازَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ قد يُرَادُ بِهِ امْتِحَانُ

الْعُلَمَاءِ وَإِتْعَابُ خَوَاطِرِهِمْ وَحَدُّ فِكْرِهِمْ بِاسْتِخْرَاجِهِ وَطَلَبِ مَعَانِيهِ لِرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ وَإِكْرَامِ مَنَازِلِهِمْ كما في الْخِطَابِ بِالْمُجْمَلِ وَالْمُشْتَرَكِ وَالْمُتَشَابِهِ وَغَيْرِهِ من الْأَشْيَاءِ التي فيها أَمَارَةُ الْحُكْمِ على وَجْهٍ خَفِيٍّ وقال الْقَاضِي في مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ يَلْزَمُ من إثْبَاتِ الْمَجَازِ في اللُّغَةِ إثْبَاتُهُ في الْقُرْآنِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ فُورَكٍ من أَنْكَرَ الْمَجَازَ في الْقُرْآنِ فَقَدْ قال إنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانٍ غَيْرِ عَرَبِيٍّ لِأَنَّ في اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ مَجَازًا وَحَقِيقَةً وَالْقُرْآنُ نَزَلَ على لُغَتِهِمْ وَمَنْ نَازَعَ في إعْطَاءِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ فَقَدْ نَازَعَ في اللَّفْظِ مع تَسْلِيمِ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ قال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَاسْتَدَلَّ ابن سُرَيْجٍ على أبي بَكْرِ بن دَاوُد بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ فقال الصَّلَوَاتُ لَا تُهْدَمُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَوَاضِعَ الصَّلَوَاتِ وَعَبَّرَ بِالصَّلَوَاتِ عنها على سَبِيلِ الْمَجَازِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ قال فلم يَكُنْ له عنه جَوَابٌ قُلْت ذَكَرَ أبو عُبَيْدٍ في كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ بُيُوتٌ تُبْنَى في الْبَرَارِيِ لِلنَّصَارَى يُصَلُّونَ فيها في أَسْفَارِهِمْ تُسَمَّى صلوتا فَعُرِّبَتْ صَلَوَاتٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ إنَّمَا أَرَادَ هذه الْبُيُوتَ على ما يُرْوَى في التَّفْسِيرِ هذا كَلَامُهُ وهو غَرِيبٌ وَعَلَيْهِ فَلَا حُجَّةَ على دَاوُد إذْ لَا مَجَازَ حِينَئِذٍ وَالْحَقُّ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْقُرْآنِ نَفْسُ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَلَا مَجَازَ فيه أو الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عليه فَلَا شَكَّ في اشْتِمَالِهَا عليه وقال الْغَزَالِيُّ في إثْبَاتِ الْقِيَاسِ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ فإن الْحَقِيقَةَ قد يُرَادُ بها الْحَقُّ وهو ما بِهِ الشَّيْءُ حَقُّ في نَفْسِهِ وَيُقَابِلُهُ الْمَجَازُ وَيَكُونُ تَقَابُلُهُمَا تَقَابُلَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهَذَا الْمَعْنَى يَجِبُ الْقَطْعُ بِنَفْيِ الْمَجَازِ عنه وقد يُرَادُ بِالْحَقِيقَةِ اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ له وَبِالْمَجَازِ ما اُسْتُعْمِلَ في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ وهو بهذا الْمَعْنَى يَشْتَمِلُ عليه قَطْعًا وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ الْمُخَالِفُ في وُقُوعِهِ في اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُخَالِفَ في أَنَّ ما فِيهِمَا لَا يُسَمَّى مَجَازًا أو في أَنَّ ما فيها ما هو مُسْتَعْمَلٌ في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ فَإِنْ كان الْأَوَّلُ رَجَعَ الْخِلَافُ إلَى اللَّفْظِ لِأَنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَضَعُوا لَفْظَ الْمَجَازِ لِمَا اسْتَعْمَلُوهُ فِيمَا لم يُوضَعْ لِإِفَادَتِهِ لِأَنَّ ذلك مَوْضُوعٌ في لُغَتِهِمْ لِلْمَمَرِّ وَالطَّرِيقِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ الْعُلَمَاءُ هذه اللَّفْظَةَ في هذا الْمَعْنَى اصْطِلَاحًا منهم وَإِنْ كان الثَّانِي تَحَقَّقَ الْخِلَافُ في الْمَعْنَى لِأَنَّ غَرَضَنَا بِإِثْبَاتِ الْمَجَازِ يَرْجِعُ إلَى كَيْفِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَنَّهُ قد

يُسْتَعْمَلُ الْكَلَامُ في غَيْرِ ما وُضِعَ له فَيَدُلُّ عليهم وُجُودُهُ في لُغَتِهِمْ بِمَا لَا تُنْكِرُهُ الْأَكَابِرُ مَسْأَلَةٌ عن ابْنِ دَاوُد إنْكَارُ وُقُوعِ الْمَجَازِ حَكَى الْإِمَامُ الرَّازِيَّ عن ابْنِ دَاوُد إنْكَارَ وُقُوعِهِ في الحديث أَيْضًا وَاسْتَنْكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وقال تَفَرَّدَ بِهِ قُلْت هو لَازِمٌ من إنْكَارِهِ في اللُّغَةِ وقال ابن حَزْمٍ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مَجَازٍ إلَّا بَعْدَ وُرُودِهِ في كِتَابِ اللَّهِ أو سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالْحَاصِلُ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا الْمَنْعُ في الْقُرْآنِ وَحْدَهُ الْمَنْعُ في الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ دُونَ ما عَدَاهُمَا الْوُقُوعُ مُطْلَقًا وَالْخَامِسُ التَّفْصِيلُ بين ما فيه حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَغَيْرِهِ وهو قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَسَيَأْتِي وَالدَّلِيلُ على وُقُوعِهِ في الحديث قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ وَأَرَادَ بِالصَّاعِ ما فيه بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ على الْحَالِّ وَقَوْلُهُ أنت وَمَالُك لِأَبِيك وَقَوْلُهُ وقد رَكِبَ فَرَسَ أبي طَلْحَةَ إنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا وقال الْبُخَارِيُّ في كِتَابِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ أَمَّا بَيَانُ الْمَجَازِ من التَّحْقِيقِ مِثْلَ قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلْفَرَسِ وَجَدْتُهُ بَحْرًا وَاَلَّذِي يَجُوزُ فِيمَا بين الناس وَالْحَقِيقَةِ أَنَّ مَشْيَهُ حَسَنٌ كَقَوْلِك عِلْمُ اللَّهِ مَعَنَا وَفِينَا

وقد صَنَّفَ الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ مُجَلَّدًا في مَجَازَاتِ الْآثَارِ كما صَنَّفَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ في مَجَازِ الْقُرْآنِ تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ كَذَا فَرَضُوا الْخِلَافَ في الْوُقُوعِ وهو مُقْتَضَى الْجَزْمِ بِالْجَوَازِ لَكِنْ قال الْقَاضِي ابن كَجٍّ في كِتَابِهِ وقال قَوْمٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَاطِبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَجَازِ وَأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا وَتَمَحَّلُوا لِلْمَجَازَاتِ في الْقُرْآنِ حَقَائِقَ بِوَجْهِ تَعَبُّدٍ ثُمَّ قال وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالُوهُ إنَّهُ كَذِبٌ أَنَّهُمْ إمَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ في الْجُمْلَةِ أو في مَوْضُوعِ اللُّغَةِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِلِاسْتِقْرَاءِ بِوُجُودِهِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ بِالْعُمُومِ لِأَنَّهُ قد خَاطَبَنَا بِهِ وهو يُرِيدُ الْخُصُوصَ فيه الثَّانِي مُرَادُنَا بِوُقُوعِهِ في الْقُرْآنِ على نَحْوِ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ الْمُسْتَعْذَبَةِ لَا الْمَجَازِ الْبَعِيدِ الْمُسْتَكْرَهِ وقد تَوَسَّعَ فيه قَوْمٌ فَضَلُّوا قال الطُّرْطُوشِيُّ من هذا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ أَعْنِي الْمَجَازَ في الْقُرْآنِ ضَلَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالضَّلَالَاتِ في تَأْوِيلِ أَكْثَرِ الْآيَاتِ قال وَكَذَلِكَ من جِهَةِ وُجُودِ الْمَجَازِ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ غَلِطَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى في تَأْوِيلِ كَثِيرٍ منه وقد قال بَعْضُ عُلَمَائِنَا إنَّ الْقَدَرِيَّةَ قد رَكِبُوا هذا فَحَمَلُوا آيَاتٍ كَثِيرَةٍ من الْقُرْآنِ هِيَ حَقَائِقُ على الْمَجَازَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ له كُنْ فَيَكُونُ قالوا ليس فيه دَلِيلٌ على كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هو إخْبَارٌ عن سُرْعَةِ إيجَادِهِ لِأَفْعَالِهِ وَقَالُوا في قَوْله تَعَالَى قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ إنَّ هذا مَجَازٌ نحو امْتَلَأَ الْحَوْضُ وقال قُطْنِيٌّ وَأَنْكَرُوا أَيْضًا قَوْلَ جَهَنَّمَ هل من مَزِيدٍ وقَوْله تَعَالَى فيها تَدْعُوا من أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَزَعَمُوا أَنَّ مَعْنَاهُ مَصِيرُ من أَدْبَرَ وَتَوَلَّى إلَيْهَا وَهَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ اسْتَنْبَطُوهَا على قَوَاعِدِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَلَيْسَ في وُجُودِ الْمَجَازِ في الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ما يُوجِبُ تَأْوِيلَ الْحَقَائِقِ على الْمَجَازِ وَقَوْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا حَقِيقَةٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا في صِفَةِ الْحَقِيقَةِ فقال الْأَشْعَرِيُّ الْحَيَاةُ شَرْطٌ في النُّطْقِ يَخْلُقُ اللَّهُ فيها الْحَيَاةَ في وَقْتِ نُطْقِهَا فَ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ وَالْقَلَانِسِيُّ من أَصْحَابِنَا لم يَشْتَرِطْ الْحَيَاةَ في الْكَلَامِ

وَأَجَازَ وُجُودَ الْكَلَامِ في الْجَمَادَاتِ بِأَنْ يُخْلَقَ فيها الْكَلَامُ وَغَيْرُ ذلك وقال صَاحِبُ الْمَصَادِرِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ في الْخِطَابِ بِالْمَجَازِ وَجْهٌ زَائِدٌ على ما ثَبَتَ بِالْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِمَنْ قال يَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَى الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازِ من جَمِيعِ الْوُجُوهِ عِنْدَ الْحَكِيمِ ثُمَّ يَعْدِلُ عن الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْمَجَازِ عَادِلٌ عن الْحَقِيقَةِ الْمَوْضُوعَةِ وَيَقْصِدُ إلَى ما لم يُوضَعْ له وَذَلِكَ لَا يَفْعَلُهُ الْحَكِيمُ إلَّا لِغَرَضٍ زَائِدٍ وَمِنْ فَوَائِدِهِ التَّعْرِيضُ بِزِيَادَةِ الثَّوَابِ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي فِكْرًا وَنَظَرًا كما يقول في الْخِطَابِ بِالْمُتَشَابِهِ وَمِنْهَا كَوْنُ الْكَلَامِ أَدْخَلَ في الْفَصَاحَةِ وَأَبْلَغَ وَأَوْجَزَ فَائِدَةٌ في تَحْرِيرِ النَّقْلِ عن الظَّاهِرِيَّةِ في نَفْيِ الْمَجَازِ قال الْإِمَامُ أبو عبد اللَّهِ محمد بن أَحْمَدَ بن سَعِيدٍ الدَّاوُدِيُّ في كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِ أُصُولِ الْفَتْوَى وَهَذَا الْكِتَابُ عُمْدَةُ الظَّاهِرِيَّةِ فِيمَا صَحَّ عن دَاوُد وَابْنِهِ فقال ما نَصُّهُ اخْتَلَفَ الناس في الْمَجَازَاتِ وَالِاسْتِعَارَاتِ فقال أَكْثَرُهُمْ في الْقُرْآنِ ما هو مَحْمُولٌ على الظَّاهِرِ وَالْحَقِيقَةِ وَمِنْهَا ما هو مَحْمُولٌ على الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ وما كان منه من الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ فَهُوَ مَرْدُودٌ إلَيْهِمَا دُونَ رَدِّهِ إلَى الظَّاهِرِ وَالْحَقِيقَةِ وقال بَعْضُهُمْ ليس في الْقُرْآنِ مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ وَالِاسْتِعَارَةُ بِوَجْهٍ وَجَمِيعُهُ على ما هو بِهِ وَرُوِيَ عن دَاوُد بن عَلِيٍّ قَرِيبٌ من هذه الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ من مُوَافِقِيهِ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَبِهِ قال ابْنُهُ أبو بَكْرٍ محمد بن دَاوُد في آخَرِينَ وكان يقول الْمُسْتَعِيرُ في الْحَقِيقَةِ هو الْآخِذُ ما ليس له فإذا سَمَّى الرَّجُلُ لَفْظَةً في الْقُرْآنِ مُسْتَعَارَةً فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا قد وُضِعَتْ في غَيْرِ مَوْضِعِهَا قال وَهَذَا خَطَأٌ من قَائِلِهِ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ الْأَصْلِيَّةَ التي جَعَلَتْ الْأُخْرَى مُسْتَعَارَةً منها لَنْ تَخْلُوَ أَنْ تَكُونَ إنَّمَا صَارَتْ أَصْلِيَّةً لِخَاصِّيَّةٍ فيها مَوْجُودَةٍ في عَيْنِهَا أو لِأَنَّ اللُّغَةَ جَاءَتْ بها فَإِنْ كان الْأَوَّلُ فما تِلْكَ الْعِلَّةُ التي أَوْجَبَتْ ذلك الِاسْمَ لها ولم يَجِدْ مُدَّعٍ إلَى تَصْحِيحِهَا سَبِيلًا وَإِنْ كان إنَّمَا صَارَتْ أَصْلِيَّةً لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكَلَّمَتْ بها فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ في الْكَلِمَةِ التي سَمَّتْهَا مُسْتَعَارَةً فَيَجِبُ على هذا الْأَصْلِ أَلَّا يُزَالَ اسْمُ الِاسْتِعَارَةِ عنها فَتَصِيرَ أَصْلِيَّةً قَائِمَةً بها فَإِنْ قِيلَ فما مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّك إذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ وَقَوْلُهُ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ

قِيلَ لِهَذِهِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ منها أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ اللُّغَةِ زَعَمَ أَنَّ اسْمَ الْقَرْيَةِ يَقَعُ على جَمَاعَةِ الرِّجَالِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا وَإِلَّا لَقَالَ أَهْلَكْنَاهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْأَلْ الْقَرْيَةَ وَالْبِنَاءَ يُخْبِرَاك عن صِدْقِنَا وَيَكُونُ ذلك مُعْجِزَةً في أَمْرِ يَعْقُوبَ وَوَلَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كما ادَّعَاهُ خُصُومُنَا من أَنَّ قَوْلَهُ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ أَيْ أَهْلَهَا وَأَنَّ قَرْيَةً اسْمٌ لِلْبُنْيَانِ وَالْأَرْضِ وَأَنْ تَكُونَ اسْتِحَالَةُ سُؤَالِ الْأَرْضِ دَلِيلًا على أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ سُؤَالَ الناس وَيَكُونُ هذه حَقِيقَةً في مَعْنَاهَا لَا اسْتِعَارَةً ا هـ مُلَخَّصًا وقال أبو مُحَمَّدِ بن حَزْمٍ في كِتَابِهِ الْإِحْكَامِ اخْتَلَفَ الناس في الْمَجَازِ فَقَوْمٌ أَجَازُوهُ في الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَقَوْمٌ مَنَعُوا منه وَاَلَّذِي نَقُولُ أَنَّ الِاسْمَ إذَا تَيَقَّنَّا بِدَلِيلِ نَصٍّ أو إجْمَاعٍ أو طَبِيعَةٍ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عن مَوْضُوعِهِ في اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ قال اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَلَهُ أَنْ يُسَمِّيَ ما شَاءَ فَإِنْ لم نَجِدْ دَلِيلًا على نَقْلِ الِاسْمِ عن مَوْضُوعِهِ في اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ مَنْقُولٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يقول وما أَرْسَلْنَا من رَسُولٍ إلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ فَكُلُّ خِطَابٍ خَاطَبَنَا اللَّهُ بِهِ أو رَسُولُهُ فَهُوَ على مَوْضُوعِهِ في اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى فإذا وَجَدْنَا ذلك نَقَلْنَاهُ إلَيْهِ قال وَهَذَا الذي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ فَكُلُّ كَلِمَةٍ نَقَلَهَا اللَّهُ من مَوْضُوعِهَا في اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ فَإِنْ تَعَبَّدْنَا بها قَوْلًا وَعَمَلًا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذلك فَلَيْسَ شَيْءٌ منها مَجَازًا بَلْ حَقِيقَةً وَأَمَّا ما نَقَلَهُ عن مَوْضُوعِهِ في اللُّغَةِ إلَى مَعْنًى قد تَعَبَّدْنَا بِهِ دُونَ أَنْ نُسَمِّيَهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ فَهَذَا هو الْمَجَازُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ من الرَّحْمَةِ فَإِنَّمَا تَعَبَّدَنَا تَعَالَى بِأَنْ نَذِلَّ لِلْأَبَوَيْنِ وَنَرْحَمَهُمَا وَلَنْ يُلْزِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَنْ نَنْطِقَ وَلَا يَدِينَنَا بِأَنَّ لِلذُّلِّ جَنَاحًا وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فإنه لَا خِلَافَ في أَنَّهُ افْتَرَضَ عَلَيْنَا تَسْمِيَتَهَا هذه بِأَعْيَانِهَا قال وَاحْتَجَّ من مَنَعَ الْمَجَازَ بِأَنَّهُ كَذِبٌ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ يَبْعُدَانِ عنه قال فَيُقَالُ له صَدَقْت وَلَيْسَ نَقْلُ اللَّهِ تَعَالَى الِاسْمَ عَمَّا كان اللَّهُ تَعَالَى عَلَّقَهُ عليه في مَوْضِعٍ ما إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ كَذِبًا بَلْ الْكَذِبُ ما لم يَنْقُلْهُ تَعَالَى بَلْ ما نَقَلَهُ هو الْحَقُّ نَفْسُهُ وقال في كَلَامِهِ على قَوْله تَعَالَى وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ وقد ذَكَرَ رَجُلٌ من الْمَالِكِيِّينَ من أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُعْرَفُ بِابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّ لِلْحِجَارَةِ عَقْلًا

وَلَعَلَّ تَمْيِيزَهُ يَقْرُبُ من تَمْيِيزِهَا فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ قَوْمًا زَاغُوا عن الْحَقِّ بِالْأَنْعَامِ وَصَدَقَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا قال هذا الْجَاهِلُ من الدَّلِيلِ على أَنَّ لِلْحِجَارَةِ تَعَقُّلًا قَوْله تَعَالَى وَإِنَّ من الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ منه الْأَنْهَارُ وَإِنَّ منها لَمَا يَشَّقَّقُ الْآيَةَ فَدَلَّ على أَنَّ لها عَقْلًا قال أبو مُحَمَّدٍ وَمِنْ الْعَجَبِ اسْتِدْلَالُهُ على أَنَّهُ لَا يَخْشَى اللَّهَ إلَّا ذُو عَقْلٍ وَكَيْفَ يَكُونُ لها تَمْيِيزٌ وَعَقْلٌ وَاَللَّهُ شَبَّهَ قُلُوبَ الْكُفَّارِ بِالْحِجَارَةِ في أنها لَا تَعْقِلُ الْحَقَّ وَلَا تُذْعِنُ له انْتَهَى مُلَخَّصًا قال الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ كَلَامُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْأَحْكَامِ لَا يُحْمَلُ على الِاسْتِعَارَةِ ما أَمْكَنَ فَإِنَّهَا لَا تَلِيقُ إلَّا بِوَاعِظٍ أو خَطِيبٍ أو شَاعِرٍ يَنْتَحِي السَّجْعَ لِإِيقَاعِهِ في الْقُلُوبِ فإن الشَّارِعَ إذَا بَيَّنَ حُكْمًا لِمَعْجُوزٍ مَثَلًا فَيَبْعُدُ منه التَّجَوُّزُ وهو تَشَدُّقٌ وقد نهى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عنه نعم لَا يَبْعُدُ في الِاسْتِعَارَةِ إذَا ذُكِرَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَوَصْفُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لِيُعَظِّمَ وَقْعَهُ في الصَّدْرِ

مسألة
في السَّبَبِ الدَّاعِي إلَى المجاز الْعُدُولِ عن الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ وَلَهُ فَوَائِدُ منها التَّعْظِيمُ كَقَوْلِهِ سَلَامٌ على الْمَجْلِسِ الْعَالِي وَمِنْهَا التَّحْقِيرُ لِذِكْرِ الْحَقِيقَةِ كما في قَوْله تَعَالَى أو جاء أَحَدٌ مِنْكُمْ من الْغَائِطِ وَمِنْهَا الْمُبَالَغَةُ في بَيَانِ الْعِبَارَةِ على الْإِيجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَمِنْهَا تَفْهِيمُ الْمَعْقُولِ في صُورَةِ الْمَحْسُوسِ لِتَلْطِيفِ الْكَلَامِ وَزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَيُسَمَّى اسْتِعَارَةً تَخَيُّلِيَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ من الرَّحْمَةِ وَمِنْهَا زِيَادَةُ بَيَانِ حَالِ الْمَذْكُورِ نَحْوُ رَأَيْت أَسَدًا فإنه أَبْلَغُ في الدَّلَالَةِ على الشَّجَاعَةِ لِمَنْ حَكَمْت عليه في قَوْلِك رَأَيْت إنْسَانًا كَالْأَسَدِ شَجَاعَتُهُ وَمِنْهَا تَكْثِيرُ الْفَصَاحَةِ لِأَنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى منه يَتَوَقَّفُ على قَرِينَةٍ وفي ذلك

غُمُوضٌ يَحُوجُ إلَى حَرَكَةِ الذِّهْنِ فَيَحْصُلُ من الْفَهْمِ شَبِيهُ لَذَّةِ الْكَسْبِ وَكَذَلِكَ ما يَدُلُّ عليه اللَّفْظُ بِالِالْتِزَامِ أَحْسَنُ مِمَّا يَدُلُّ عليه بِالْمُطَابَقَةِ لِمَا في دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ تَصَرُّفُ الذِّهْنِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَعْنَى الذي عَبَّرَ عنه بِالْمَجَازِ لَفْظٌ حَقِيقِيٌّ إنْ قُلْنَا لَا يَسْتَلْزِمُهُ أو أَنْ يَجْهَلَ الْمُتَكَلِّمُ أو الْمُخَاطَبُ لَفْظَهُ الْحَقِيقِيَّ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إنَّ حَشِيشَ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَأَرَادُوا الْأَخْضَرَ وَإِلَّا فَفِي اللُّغَةِ أَنَّ الرَّطْبَ يُقَالُ له خَلَا وَالْيَابِسُ حَشِيشٌ فَكَأَنَّ الْفُقَهَاءَ آثَرُوا تَسْمِيَةَ الرَّطْبِ حَشِيشًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ ما يَئُولُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى أَفْهَامِ الْعَامَّةِ وَلِجَهْلِهِمْ مَعْنَى الْخَلَا وَبِهَذَا يَغْلُظُ من غَلَّطَهُمْ أو لِثِقَلِ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ على اللِّسَانِ كَالْخِنْفِقِيقِ اسْمٌ لِلدَّاهِيَةِ أو تَيْسِيرُ التَّجْنِيسِ وَالْجَمْعِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ الْبَدِيعِ تَنْبِيهٌ اتَّفَقَ الْأُدَبَاءُ على أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ من الْحَقِيقَةِ قال الْجُرْجَانِيُّ وَلَيْسَ ذلك لِأَنَّ الْمَجَازَ تَارَةً يُفِيدُ زِيَادَةً في الْمَعْنَى نَفْسِهِ لَا تُفِيدُهَا الْحَقِيقَةُ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ تَأْكِيدَ الْمَعْنَى فَلَيْسَ قَوْلُنَا رأيت زَيْدًا يُفِيدُ زِيَادَةً في مُسَاوَاتِهِ الْأَسَدَ عن قَوْلِنَا رَأَيْت رَجُلًا مُسَاوِيًا لِلْأَسَدِ في الشَّجَاعَةِ بَلْ قَوْلُنَا إنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ على مَعْنَى أَنَّهُ أَفَادَ تَأْكِيدَ مُسَاوَاةٍ لم تُفِدْهَا الْحَقِيقَةُ قالوا وَالسَّبَبُ فيه أَنَّ الِانْتِقَالَ فيه من اللُّزُومِ إلَى اللَّازِمِ فَيَكُونُ إثْبَاتُ الْمَعْنَى بِهِ كَادِّعَاءِ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ وَدَعْوَى الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ أَبْلَغُ من دَعْوَاهُ بِلَا دَلِيلٍ ا هـ وَأُورِدَ عليه أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ أَصْلُهَا التَّشْبِيهُ وَأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ في الْمُشَبَّهِ بِهِ أَتَمُّ منه في الْمُشَبَّهِ وَالِاسْتِعَارَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ قَوْلُنَا رَأَيْت أَسَدًا يُفِيدُ له شَجَاعَةً أَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُهَا قَوْلُك رأيت رَجُلًا كَالْأَسَدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هذا لَا يَرِدُ على مِثَالِهِ وَإِنَّمَا يَرِدُ على إطْلَاقِهِ أَنَّهُ ليس في الْمَجَازِ زِيَادَةٌ على الْحَقِيقَةِ وَيُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ بِالْمِثَالِ وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ في التَّرْجِيحِ بين الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَلَاغَةَ تَارَةً تَكُونُ في الْحَقِيقَةِ وَتَارَةً في الْمَجَازِ وهو الْحَقُّ فَلَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ يَكُونُ لها من الْبَلَاغَةِ ما ليس في الْمَجَازِ وَبِالْعَكْسِ وَيَكُونُ مُرَادُ من أَطْلَقَ أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ من الْحَقِيقَةِ أَنَّ مَجَازَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ أَبْلَغُ من حَقِيقَةِ ذلك اللَّفْظِ وَأَمَّا مَجَازُ لَفْظٍ وَحَقِيقَةُ لَفْظٍ آخَرَ فَلَا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا انْتِسَابٌ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ في مَحَلِّهِ له حُكْمٌ فَتَفَطَّنْ له وقال أبو زَكَرِيَّا التَّبْرِيزِيُّ في شَرْحِ الْحَمَاسَةِ أَكْثَرُ كَلَامِهِمْ الِاسْتِعَارَاتُ

جَيِّدُهَا أَحْسَنُ من الْحَقِيقَةِ وهو مُقَدَّمٌ عليها في الِاسْتِحْسَانِ فَأَمَّا في الْأَحْكَامِ فَتُقَدَّمُ الْحَقِيقَةُ على الْمَجَازِ فَحَصَلَ في هذه الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ خِلَافُ الْأَصْلِ وهو خِلَافُ الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ هُنَا بِمَعْنَى الرَّاجِحِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِلْوَضْعِ الْأَوَّلِ وَإِلَى الْعَلَاقَةِ وَإِلَى النَّقْلِ إلَى الْمَعْنَى الثَّانِي وَالْحَقِيقَةُ تَحْتَاجُ إلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَإِنَّمَا عَدَلَ إلَيْهِ لِلْفَوَائِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ وإذا كان كَذَلِكَ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَآحَادُهَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَالضَّابِطُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى أَصْلِ وَضْعِ اللَّفْظِ وَتَحَقُّقِهِ فإذا حَصَلَ فَانْظُرْ هل بَقِيَ في الِاسْتِعْمَالِ على ما وُضِعَ له أو لَا وَالْأَوَّلُ هو الْحَقِيقَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَإِنْ عَدَلَ عنه فَإِمَّا لِعَلَاقَةٍ أو لَا وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَشْتَهِرَ حتى يَكُونَ أَسْبَقَ إلَى الْفَهْمِ من الْأَصْلِ أو لَا فَإِنْ كان سَبَبُ الِاشْتِهَارِ اسْتِعْمَالَ الْعُرْفِ فَهُوَ الْمَجَازُ الْعُرْفِيُّ وَإِنْ كان الشَّرْعَ فَهُوَ الشَّرْعِيُّ وَهَذَانِ الِاسْمَانِ أَوْلَى بِهِمَا من أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِمَا حَقِيقَتَانِ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَإِنْ كان الثَّانِيَ وهو الذي عَدَلَ عنه لَا لِعَلَاقَةٍ فَهُوَ الْمَنْقُولُ وَالْمُرْتَجَلُ كما سَبَقَ مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ يَحْتَاجُ إلَى الْعَلَاقَةِ أو الْقَرِينَةِ الْمَجَازُ يَحْتَاجُ إلَى الْعَلَاقَةِ وَإِلَى الْقَرِينَةِ فَالْعَلَاقَةُ هِيَ الْمُجَوِّزَةُ لِلِاسْتِعْمَالِ وَالْقَرِينَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْحَمْلِ فَأَمَّا الْقَرِينَةُ فَلَا بُدَّ لِلْمَجَازِ من قَرِينَةٍ تَمْنَعُ من إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ عَقْلًا أو حِسًّا أو عَادَةً أو شَرْعًا وَهِيَ إمَّا خَارِجَةٌ عن الْمُتَكَلِّمِ وَالْكَلَامِ فَالْمُتَكَلِّمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْتَفْزِزْ من اسْتَطَعْت منهم بِصَوْتِك فَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْصِيَةِ أو من الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ فإن السِّيَاقَ وهو قَوْلُهُ إنَّا أَعْتَدْنَا يُخْرِجُهُ عن أَنْ يَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ لَا بُدَّ من الْقَرِينَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هل الْقَرِينَةُ دَاخِلَةٌ في مَفْهُومِ الْمَجَازِ وهو رَأْيُ الْبَيَانِيِّينَ أو شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ وَاعْتِبَارِهِ وهو رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ

وَأَمَّا الْعَلَاقَةُ فَلَا بُدَّ في التَّجَوُّزِ من الْعَلَاقَةِ بين الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الِاشْتِرَاكِ في أَمْرٍ ما وَإِلَّا لَجَازَ إطْلَاقُ كل شَيْءٍ على ما عَدَاهُ فَجِنْسُ الْعَلَاقَةِ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ وَشَخْصُهَا ليس بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فإذا رَأَيْنَاهُمْ أَطْلَقُوا الشُّجَاعَ على رَجُلٍ لم يَحْتَجْ إلَى إطْلَاقِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنَّمَا هو في الْأَنْوَاعِ أَيْ إذَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا اسْمَ اللَّازِمِ على الْمَلْزُومِ يَكْفِينَا هذا في إطْلَاقِ كل لَازِمٍ على مَلْزُومِهِ أو لَا بُدَّ في كل صُورَةٍ من جُزْئِيَّاتِ إطْلَاقِ اللَّوَازِمِ على الْمَلْزُومَاتِ من السَّمَاعِ عَنْهُمْ في ذلك اللَّازِمِ بِعَيْنِهِ وَاللُّزُومِ بِعَيْنِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ من قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هو في أَنَّهُ هل يُكْتَفَى بِالْعَلَاقَةِ التي نَظَرَ الْعَرَبُ إلَيْهَا كَإِطْلَاقِ السَّبَبِ على الْمُسَبَّبِ وَيَزِيدُ عليه الْمُسَبَّبُ على السَّبَبِ أو لَا يَتَعَدَّى عَلَاقَةَ السَّبَبِ إلَى عَلَاقَةٍ أُخْرَى وَإِنْ سَاوَتْهَا ما لم تَفْعَلْ الْعَرَبُ ذلك وَهَذَا هو الْخِلَافُ في أَنَّ الْمَجَازَ هل يَتَوَقَّفُ على السَّمْعِ وَيُشْتَرَطُ فيه الْوَضْعُ أَمْ لَا فَاخْتَارَ ابن الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ فَهُوَ يُجَوِّزُ إطْلَاقَ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ ما كان وَإِنْ لم تَسْتَعْمِلْهُ الْعَرَبُ لِاسْتِعْمَالِهِمْ ما هو نَظِيرُهُ أو دُونَهُ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في التَّلْخِيصِ وَالرَّازِيَّ وَغَيْرُهُمَا الثَّانِيَ وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ وقال ابن الْحَاجِبِ في أَمَالِيهِ الْإِنْصَافُ أَنَّ الْمَجَازَ إنْ كان بِاعْتِبَارِ الْأَلْفَاظِ مُفْرَدَةً احْتَاجَ إلَى النَّقْلِ وَإِنْ كان بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي الْحَاصِلَةِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْأَلْفَاظِ مِثْلُ طَلَعَ فَجْرٌ وَعَلَا وَشَابَتْ لِمَّةُ رَأْسِهِ وَأَشْبَاهُهُ لم يَحْتَجْ إلَى النَّقْلِ لِمَا عُلِمَ من اسْتِعْمَالِ الْعُلَمَاءِ من كل طَائِفَةٍ أَمْثَالَ ذلك في تَصَانِيفِهِمْ وَخَطِّهِمْ وَرَسَائِلِهِمْ فَظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِالْأَنْوَاعِ لَا في جُزْئِيَّاتِ الْمَجَازِ الْمُشَخَّصَةِ إنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ فَلَا بُدَّ أَنْ تَضَعَ الْعَرَبُ نَوْعَ التَّجَوُّزِ بِالْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ وَبِالسَّبَبِ إلَى الْمُسَبَّبِ وَغَيْرِهِمَا من الْأَنْوَاعِ وَأَمَّا وَضْعُهَا التَّعْبِيرَ بهذا الْكُلِّ الْمُعَيَّنِ أو التَّجَوُّزِ بهذا الْمُسَبَّبِ الْمُعَيَّنِ إلَى هذا السَّبَبِ فَلَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدٌ قَطْعًا ولم تَزَلْ الْأُدَبَاءُ في الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ يَكْتَفُونَ بِمُجَرَّدِ الْعَلَاقَةِ من غَيْرِ فَحْصٍ عن الْوَضْعِ وَيَتَحَصَّلُ صُوَرٌ أَحَدُهَا آحَادُ الْعَلَاقَاتِ أَعْنِي إذَا وُجِدَتْ عَلَاقَةٌ لم يُنْقَلْ عن الْعَرَبِ التَّجَوُّزُ بها فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بها هذا مَوْضِعُ الْخِلَافِ كما ذَكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالْقَرَافِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من شُرَّاحِ ابْنِ الْحَاجِبِ منهم الْقُطْبُ الشِّيرَازِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ في امْتِنَاعِ هذا الْقِسْمِ

الثَّانِيَةُ الْعَلَاقَةُ التي ثَبَتَ عن الْعَرَبِ اعْتِبَارُهَا وَتَجَوَّزَتْ بِسَبَبِهَا إلَى لَفْظَةٍ هل لنا أَنْ نَتَجَوَّزَ بِتِلْكَ الْعَلَاقَةِ بِعَيْنِهَا لِلَفْظَةٍ أُخْرَى كما إذَا ثَبَتَ عَنْهُمْ إطْلَاقُ الْأَسَدِ على الشُّجَاعِ لِلشَّجَاعَةِ فَهَلْ لنا أَنْ نُطْلِقَ عليه اللَّيْثَ كَذَلِكَ وهو من مَوْضِعِ الْخِلَافِ على ما ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْمُخْتَصَرِ الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الْعَلَاقَةِ أَنْوَاعٌ تَحْتَ كل نَوْعٍ جِهَاتٌ فَهَلْ يَكُونُ أَنْوَاعُ الْجُزْئِيَّاتِ مُلْحَقَةً بِمَا فَوْقَهَا حتى يُشْتَرَطَ فيها النَّقْلُ قَطْعًا أو بِمَا تَحْتَهَا حتى يَكُونَ مَحَلَّ الْخِلَافِ هذا فيه نَظَرٌ مِثَالٌ إذَا ثَبَتَ أَنَّ من الْعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةَ في صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ فإذا ثَبَتَ عَنْهُمْ التَّجَوُّزُ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ كَصِفَةِ الشَّجَاعَةِ في لَفْظِ الْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَتَجَوَّزَ بِصِفَةِ الْكَرْمِ في لَفْظِ الْبَحْرِ لِلْجَوَادِ فَالْأَقْرَبُ إلْحَاقُهُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ الرَّابِعَةُ إنْ ثَبَتَتْ بِاعْتِبَارِ نَوْعِ الْعَلَاقَةِ الْخَاصِّ بِالنَّقْلِ وَالتَّجَوُّزِ في لَفْظَةٍ بِعَيْنِهَا كَإِطْلَاقِ الْأَسَدِ على شَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِلشَّجَاعَةِ فَهَلْ لنا إطْلَاقُ الْأَسَدِ على عَمْرٍو كَذَلِكَ قَطْعًا أو نُلْحِقُهَا بِالثَّانِيَةِ في الْخِلَافِ فيه نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّقْلَ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ في نَوْعِ الْعَلَاقَةِ أَعْنِي النَّوْعَ الْأَصْلِيَّ وَغَيْرُ شَرْطٍ بِالِاتِّفَاقِ في مُشَخِّصَاتِ اللَّفْظَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ مَجَازًا في شَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَمُخْتَلَفٌ فيه فِيمَا عَدَا ذلك وهو ما بين هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ وقال صَاحِبُ اللُّبَابِ من الْحَنَفِيَّةِ الْمَجَازُ يَقْتَضِي الْمُنَاسَبَةَ بين اللَّفْظَيْنِ في الْمَعْنَى فَكُلُّ لَفْظٍ جُعِلَ مَجَازًا في غَيْرِهِ لَا بُدَّ من وُجُودِ الْمُشَارَكَةِ بَيْنَهُمَا في الْمَعْنَى كَالْأَسَدِ اُسْتُعِيرَ لِلشُّجَاعِ وَالْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ وَالْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ قال وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في شَرْطٍ آخَرَ وهو كَمَالُ الْمَعْنَى في الْمُسْتَعَارِ منه هل هو شَرْطٌ أَمْ لَا فَمِنْهُمْ من شَرَطَهُ وَإِلَّا لم يَكُنْ الْعُدُولُ عن الْحَقِيقَةِ مُفِيدًا وَمِنْهُمْ من قال يَجُوزُ تَسَاوِيهِمَا في الْمَعْنَى وَقِيلَ هو مُشْتَرَطٌ في كَمَالِ الْبَلَاغَةِ في الِاسْتِعَارَةِ نَفْسِهَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ الْحَقِيقَةُ تَتَوَقَّفُ على النَّقْلِ عن وَاضِعِ اللُّغَةِ كَالنُّصُوصِ في بَابِ الشِّعْرِ وَأَمَّا الْمَجَازُ فَاخْتَلَفُوا فيه فَذَهَبَ أبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فيه السَّمَاعُ بَلْ يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى الذي اعْتَبَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَمِنْهُمْ من اعْتَبَرَهُ وَكَلَامُهُ يَدُلُّ على أَنَّ هذا هو الْخِلَافُ في أَنَّ الْمَجَازَ هل له عُمُومٌ أَمْ لَا وَفَرَّعَ عليه امْتِنَاعَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ على الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا وَعَارِيَّةً

ثُمَّ حَكَى ابن السَّمْعَانِيِّ عن بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمَعْنَى الذي اعْتَبَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ في الْمَجَازِ هو أَنْ يَكُونَ بين الْمُسْتَعَارِ منه وَالْمُسْتَعَارِ له اشْتِرَاكٌ في الْمَعْنَى وَذَلِكَ الْمَعْنَى في الْمُسْتَعَارِ منه أَبْلَغُ وَأَبْيَنُ وَنَقَلَهُ عن أَهْلِ اللُّغَةِ منهم عَلِيُّ بن عِيسَى الرُّمَّانِيُّ قال وَإِنَّمَا اشْتَرَطْنَا هذا لِأَنَّ تَرْكَ الْحَقِيقَةِ مع الْقُدْرَةِ على الِاسْتِعْمَالِ لها وَالْمَيْلُ إلَى الْمَجَازِ فيه نَوْعُ إيهَامٍ وَتَلْبِيسٍ لَا يَجُوزُ إلَّا لِفَائِدَةٍ لَا تُوجَدُ في الْحَقِيقَةِ قال وَهَذَا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ مَعْنَاهُ امْتَثِلْ بِمَا تُؤْمَرُ فَقَدْ اسْتَعَارَ قَوْلَهُ اصْدَعْ مَكَانَ قَوْلِهِ امْتَثِلْ وَالصَّدْعُ هو الشَّقُّ وَالِامْتِثَالُ هو التَّأْثِيرُ فإن الشَّقَّ له تَأْثِيرٌ في الشُّقُوقِ وَالِامْتِثَالُ له أَثَرٌ في الْمَأْمُورِ بِهِ إلَّا أَنَّ تَأْثِيرَ الشَّقِّ في الشُّقُوقِ أَبْيَنُ من تَأْثِيرِ الِامْتِثَالِ في الْمُمْتَثَلِ فَكَانَ في الْمَجَازِ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَلِهَذَا يُقَالُ لِلشُّجَاعِ من الناس أَسَدٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا في الْمَعْنَى وهو الشَّجَاعَةُ وَهَذَا الْمَعْنَى في الْأَسَدِ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ أَشْجَعُ الْحَيَوَانِ وَكَذَا اسْتِعَارَةُ الْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ وَزَعَمَ عَلِيٌّ هذا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جَعْلُ لَفْظِ الطَّلَاقِ كِنَايَةً عن الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَبْلَغُ في الْإِزَالَةِ وَالطَّلَاقُ دُونَهُ وَلِهَذَا لو قال الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ الذي هو أَكْبَرُ سِنًّا منه هذا ابْنِي أَنَّهُ يُعْتَقُ وَيَصِيرُ قَوْلُهُ هذا أبي أَبْلَغُ في إفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْحُرِّيَّةَ قبل قَوْلِهِ بِزَمَانٍ كَثِيرٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أنت حُرٌّ فإنه لَا يُوجِبُهَا إلَّا في الْحَالِ قال ابن السَّمْعَانِيِّ وَهَذَا الشَّرْطُ الذي ذَكَرَهُ لَا يُعْرَفُ في اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ ولم يَذْكُرْهُ أَحَدٌ من أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَمَّا الِاسْتِعَارَةُ في الْكَلَامِ لِضَرْبٍ من التَّوَسُّعِ وَلِتَظْهَرَ بَرَاعَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَحُسْنُ بَصِيرَتِهِ في الْكَلَامِ وَاقْتِدَارُهُ عليه وَلَيْسَ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ أَفَادَتْ مَعْنًى زَائِدًا على ما يُفِيدُهُ التَّصْرِيحُ وَيَدُلُّ لِأَنَّ ما قَالُوهُ ليس بِشَرْطِ اسْتِعَارَتِهِمْ لَفْظَ الْمَسِّ لِلْوَطْءِ وَالْقُرْبَانِ لِلدُّخُولِ وَلَيْسَ فيه زِيَادَةٌ على ما يُفِيدُهُ لَفْظُ الْجِمَاعِ وَأَمَّا إذَا قال لِغُلَامِهِ الْأَكْبَرِ منه هذا أبي فَإِنَّمَا لم يَصْلُحْ عِنْدَنَا مَجَازًا عن الْعِتْقِ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَصْلُحُ مَجَازًا إذَا كان حَقِيقَةً وَهَذَا اللَّفْظُ في هذا الْمَحَلِّ لَا حَقِيقَةَ له لِأَنَّهُ لَغْوٌ وَهَذَيَانٌ وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّ السَّبَبَ في الْجُمْلَةِ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَإِنَّمَا يُوجِبُ في مَحَلٍّ يُتَصَوَّرُ فيه السَّبَبُ لَا فِيمَا لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِعْمَالُهُ فيه فَلَيْسَ اسْتِعْمَالُهُ فيه مَجَازًا ا هـ مُلَخَّصًا

مَسْأَلَةٌ شَرَطَ قَوْمٌ في الْعَلَاقَةِ أَنْ تَكُونَ ذِهْنِيَّةً أَيْ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُتَجَوَّزُ يَتَبَادَرُ له الْفَهْمُ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ وهو الْمُخْتَارُ في الْمَعَالِمِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَجَازَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ عَارِيَّةٌ عن اللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ مَسْأَلَةٌ التَّجَوُّزُ بِالْمَجَازِ عن الْمَجَازِ يُتَجَوَّزُ بِالْمَجَازِ عن الْمَجَازِ خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ ذَكَرَهُ في التَّرْجِيحِ بين الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ وهو أَنْ يُجْعَلَ الْمَجَازُ الْمَأْخُوذُ عن الْحَقِيقَةِ بِمَثَابَةِ الْحَقِيقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَجَازٍ آخَرَ فَيُتَجَوَّزُ بِالْمَجَازِ الْأَوَّلِ عن الثَّانِي لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي وَلَهُ أَمْثِلَةٌ منها قَوْله تَعَالَى وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا فإنه مَجَازٌ عن مَجَازٍ فإن الْوَطْءَ تَجَوَّزَ عنه السِّرُّ لِأَنَّهُ يَقَعُ غَالِبًا في السِّرِّ فلما لَازَمَهُ سُمِّيَ سِرًّا وَتَجَوَّزَ بِالسِّرِّ عن الْعَقْدِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فيه فَالْمُصَحِّحُ لِلْمَجَازِ الْأَوَّلِ الْمُلَازَمَةُ وَالْمُصَحِّحُ لِلْمَجَازِ الثَّانِي التَّعْبِيرُ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ الذي هو السِّرُّ عن الْعَقْدِ الذي هو سَبَبٌ كما سُمِّيَ عَقْدُ النِّكَاحِ نِكَاحًا لِكَوْنِهِ سَبَبًا في النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ سُمِّيَ الْعَقْدُ سِرًّا لِأَنَّهُ سَبَبٌ في السِّرِّ الذي هو النِّكَاحُ فَهَذَا مَجَازٌ عن مَجَازٍ مع اخْتِلَافِ الْمُصَحِّحِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا لَا تُوَاعِدُوهُنَّ عَقْدَ نِكَاحٍ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ إذَا حُمِلَ على ظَاهِرِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَجَازٌ عن تَصْدِيقِ الْقَلْبِ بِمَدْلُولِ هذا اللَّفْظِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عن الْوَحْدَانِيَّةِ من مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِالْقَوْلِ عن الْقَوْلِ منه وَالْأَوَّلُ من مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ السَّبَبِ عن الْمُسَبَّبِ لِأَنَّ تَوْحِيدَ اللِّسَانِ مُسَبَّبٌ عن تَوْحِيدِ الْجِنَانِ

مَسْأَلَةٌ يَجِيءُ الْمَجَازُ بِمَرَاتِبَ قد يَجِيءُ الْمَجَازُ بِمَرَاتِبَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قد أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ لِأَنَّ الْمُنَزَّلَ عليهم ليس هو نَفْسَ اللِّبَاسِ بَلْ إنَّمَا هو الْمَاءُ الْمُنْبِتُ لِلزَّرْعِ الْمُتَّخَذِ منه الْغَزْلُ الْمَنْسُوجُ منه اللِّبَاسُ وَصَارَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَظِيمِ الشَّانِ صَارَ الثَّرِيدُ في رُءُوسِ الْعِيدَانِ فَسَمَّى السُّنْبُلَ في رُءُوسِ الْعَصْفِ ثَرِيدًا وَإِنَّمَا يَصِيرُ ثَرِيدًا بَعْدَ أَنْ يُحْصَدَ ثُمَّ يُدْرَسَ ثُمَّ يُصَفَّى ثُمَّ يُطْحَنَ ثُمَّ يُخْبَزَ ثُمَّ يُثْرَدَ وَسَمَّى ابن السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ هذا وَأَمْثَالَهُ مَجَازَ الْمَرَاتِبِ وهو من غَرَائِبِ مَسَائِلِ الْمَجَازِ

فَصْلٌ في سَرْدِ أَنْوَاعِ الْعَلَاقَةِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ السَّبَبِيَّةُ وَهِيَ إطْلَاقُ اسْمِ السَّبَبِ على الْمُسَبَّبِ وَإِنْ شِئْت فَقُلْ إطْلَاقُ الْعِلَّةِ على الْمَعْلُولِ وَسَوَاءٌ كانت الْعِلَّةُ فَاعِلِيَّةً أو قَابِلِيَّةً أو صُورِيَّةً أو غَائِيَّةً مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ نَزَلَ السَّحَابُ أَيْ الْمَطَرُ فإن السَّحَابَ في الْعُرْفِ سَبَبٌ فَاعِلِيٌّ في الْمَطَرِ كما يُقَالُ النَّارُ تُحْرِقُ الثَّوْبَ وَمِنْهُ إطْلَاقُ اسْمِ النَّظَرِ على الرُّؤْيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ أَيْ له رَائِيَةٌ وَنَحْوُ نَظَرْت إلَى فُلَانٍ أَيْ رَأَيْته لِأَنَّ النَّظَرَ فِعْلُ الْفَاعِلِ وهو سَبَبُ الرُّؤْيَةِ وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْلُهُمْ سَالَ الْوَادِي فإن السَّائِلَ هو الْمَاءُ وَالْوَادِي سَبَبٌ قَابِلٌ لِسَيْلِ الْمَاءِ فيه هَكَذَا مِثْلُهُ في الْمَحْصُولِ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن الْوَادِيَ ليس جُزْءًا لِلْمَاءِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا قَابِلًا له بَلْ هو من قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ على الْحَالِّ وَمِثَالُ الثَّالِثِ إطْلَاقُ الْيَدِ على الْقُدْرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وَالْيَدُ صُورَةٌ خَاصَّةٌ يَتَأَتَّى بها الْإِقْدَارُ على الشَّيْءِ فَشَكْلُهَا مع الْإِقْدَارِ كَشَكْلِ السَّرِيرِ مع الِاضْطِجَاعِ وهو سَبَبٌ صُورِيٌّ فَتَكُونُ الْيَدُ كَذَلِكَ فَإِطْلَاقُهَا على الْقُدْرَةِ إطْلَاقٌ لِاسْمِ السَّبَبِ الصُّورِيِّ على السَّبَبِ وَوَجْهُ كَوْنِ صُورَةِ الْيَدِ سَبَبًا لِلْقُدْرَةِ أنها لو خُلِقَتْ على غَيْرِ هذه الصُّورَةِ الْمُخْتَصَّةِ بها لَنَقَصَ فِعْلُهَا وَبَطَلَ فَبِتِلْكَ الصُّورَةِ تَتِمُّ قُدْرَةُ الْيَدِ على ما هو الْمَطْلُوبُ منها فَإِنْ قِيلَ إذَا كان الْمُرَادُ الْقُدْرَةَ فَلِمَ ثُنِّيَتْ وَجُمِعَتْ وَالْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا جُمِعَتْ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقَاتِهَا فَاسْتَقَرَّ لها ما صَدَرَ عنها من الْآثَارِ الْعَدِيدَةِ وَيَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ آثَارَهَا قِسْمَانِ إمَّا لِأَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أو لِأَنَّ آثَارَهَا الْجَوَاهِرُ وَالْأَعْرَاضُ أو الْخَيْرُ وَالشَّرُّ وقد انْعَكَسَ هذا الْمِثَالُ على الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَأَتْبَاعِهِ وَقَالُوا كَتَسْمِيَةِ الْيَدِ قُدْرَةً قال الْقَرَافِيُّ صَوَابُهُ كَتَسْمِيَةِ الْقُدْرَةِ بِالْيَدِ فإن الْيَدَ سَبَبُ الْقُدْرَةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ سَبَبُ الْيَدِ إذْ لَا تُوضَعُ إلَّا بها فإن من الْوَاضِحِ أَنَّ الْمَعْنَى بِالْيَدِ هُنَا إنَّمَا هو الْمَعْنَى الْمُسَوِّغُ لِلتَّصَرُّفِ لَا الْجَارِحَةُ

وَاعْتَرَضَ الْأَصْفَهَانِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَيْسَتْ صُورَةَ الْيَدِ بَلْ لَازِمَةٌ لِصُورَةِ الْيَدِ وَجَوَابُهُ أنها صُورَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ وَمِثَالُ الرَّابِعِ تَسْمِيَةُ الْعَصِيرِ خَمْرًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى قد أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا وَقَوْلُهُ رَعَيْنَا الْغَيْثَ أَيْ النَّبَاتَ الذي سَبَبُهُ الْغَيْثُ قال الشَّاعِرُ إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا وهو الْمَطَرُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ غَائِيٌّ لِلْمَطَرِ وَقَوْلُهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اقْرَءُوا على مَوْتَاكُمْ يس أَيْ من اُحْتُضِرَ وَقَوْلُهُ من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَجَعَلَ منه الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ تَسْمِيَةَ الْفَجْرِ خَيْطًا في قَوْله تَعَالَى حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ من الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ من الْفَجْرِ قال لِأَنَّهُ يَمْتَدُّ من الْجَنُوبِ إلَى الشِّمَالِ كَامْتِدَادِ الْخَيْطِ على الْأُفُقِ أَحَدُ طَرَفَيْهِ في الْجَنُوبِ وَالْآخَرُ في الشِّمَالِ وَتَشْبِيهُ سَوْدَاءِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ بِخَيْطٍ طَرَفُهُ في الْأُفُقِ وَأَعْلَاهُ مِصْعَدٌ في السَّمَاءِ وَوَصَفَهُ بِالسَّوَادِ لِأَنَّهُ يَضْمَحِلُّ فَيَصِيرُ مَكَانَهُ سَوَادُ اللَّيْلِ فَوُصِفَ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ إنَّا نُبَشِّرُك بِغُلَامٍ عَلِيمٍ وهو مَعْنَى ما ذَكَرَهُ أبو عُبَيْدٍ وهو من أَحْسَنِ ما قِيلَ إذْ لَا يَصِحُّ تَشْبِيهُ اللَّيْلِ الْمُطْبِقِ لِلْآفَاقِ بِالْخَيْطِ وَلَا يَصِحُّ تَشْبِيهُ طَرَفِهِ الْمُلْتَصِقِ بِبَيَاضِ الْفَجْرِ بِبَيَاضِ الْخَيْطِ لِأَنَّهُ لَا تَشْبِيهَ بِخِلَافِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْغَائِيَّةَ أَقْوَى من الْجَمِيعِ لِأَنَّهَا حَالَ كَوْنِهَا ذِهْنِيَّةً عِلَّةُ الْعِلَلِ وَحَالُ كَوْنِهَا خَارِجِيَّةً مَعْلُولُهَا فَقَدْ حَصَلَ لها الْعَلَاقَتَانِ الْعَلَاقَةُ الثَّانِيَةُ الْمُسَبَّبِيَّةُ وَهِيَ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُسَبَّبِ على السَّبَبِ كَتَسْمِيَتِهِمْ الْمَرَضَ الْمُهْلِكَ مَوْتًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ في الْعِبَادِ سَبَبًا لِلْمَوْتِ وَكَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُمَا مُسَبَّبَانِ عنه وَمِنْهُ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ نَبَاتًا فَذُكِرَ النَّبَاتُ وَأُرِيدَ بِهِ الْغَيْثُ لِأَنَّ الْغَيْثَ سَبَبٌ لِلنَّبَاتِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى وَأَنْزَلَ لَكُمْ من الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّجَوُّزَ بِلَفْظِ السَّبَبِ عن الْمُسَبَّبِ أَوْلَى من الْعَكْسِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُعَيَّنَ يَسْتَدْعِي مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا كَالزِّنَى بَعْدَ الْإِحْصَانِ فإنه يَقْتَضِي مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا وهو الرَّجْمُ وَالْمُسَبَّبُ الْمُعَيَّنُ لَا يَسْتَدْعِي سَبَبًا مُعَيَّنًا بَلْ سَبَبًا ما كَإِبَاحَةِ الدَّمِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي سَبَبًا غير مُعَيَّنٍ وهو إمَّا الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ أو الزِّنَى بَعْدَ الْإِحْصَانِ أو قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَقْتَضِي وَاحِدًا من هذه الْأُمُورِ بِعَيْنِهِ وما اقْتَضَى الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ أَقْوَى مِمَّا يَقْتَضِي الْمُطْلَقَ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْمُعَيَّنِ يَقْتَضِي الْمُطْلَقَ وَزِيَادَةً وَهِيَ التَّعْيِينُ فَكَانَ أَوْلَى كَالضَّرْبِ فإنه يَقْتَضِي الْأَلَمَ جَزْمًا بِخِلَافِ الْأَلَمِ فإنه لَا يَقْتَضِي الضَّرْبَ على التَّعْيِينِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْلُفَهُ سَبَبٌ آخَرُ فَكَانَ فَهْمُ الْمُسَبَّبِ من اسْمِ السَّبَبِ فَوْقَ فَهْمِ السَّبَبِ من اسْمِ الْمُسَبَّبِ فَكَانَ أَبْلَغَ إفَادَةً لِلْمَقْصُودِ وَهَكَذَا يقول إطْلَاقُ اسْمِ اللُّزُومِ على اللُّزُومِ أَوْلَى من الْعَكْسِ وَكَذَا إطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ على الْجُزْءِ وقد يُقَالُ إنَّ إطْلَاقَ اسْمِ السَّبَبِ على الْمُسَبَّبِ أَوْلَى من إطْلَاقِ اسْمِ الْمَلْزُومِ على اللَّازِمِ لِمَا بين السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ من الِاتِّصَالِ وَالْمُنَاسَبَةِ الْعَلَاقَةُ الثَّالِثَةُ الْمُشَابَهَةُ وَهِيَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ مُشَبَّهِهِ إمَّا في الصُّورَةِ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْأَسَدِ على الْمَنْقُوشِ في الْحَائِطِ بِصُورَتِهِ وَإِمَّا في الْمَعْنَى كَالصِّفَةِ الظَّاهِرَةِ لِلْحَقِيقَةِ كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْأَسَدِ على الشُّجَاعِ فَلَا يَجُوزُ في الْحَقِيقَةِ كَاسْتِعَارَةِ لَفْظِ الْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الْأَبْخَرِ إذْ هِيَ صِفَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ وقال الْقَرَافِيُّ إنَّهُ يُشْتَرَطُ فيها أَنْ تَكُونَ أَشْهَرَ صِفَاتِ الْمَحَلِّ وَمِنْ هَاهُنَا تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْعَلَاقَةِ أَمْرًا ذِهْنِيًّا كما سَبَقَ وَنَحْنُ إنْ اشْتَرَطْنَا الظُّهُورَ فَلَا نَشْرِطُ كَوْنَهُ ذِهْنِيًّا وقد اجْتَمَعَتْ الْمُشَابَهَةُ في الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ الظَّاهِرَةِ مَعًا في قَوْله تَعَالَى فَأَخْرَجَ لهم عِجْلًا جَسَدًا له خُوَارٌ فإن الْعَلَاقَةَ مَجْمُوعُ الشَّكْلِ وَالْخُوَارِ وَإِمَّا بِدُونِ أَدَاةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ أَيْ مِثْلُ أُمَّهَاتِهِمْ في الْحُرْمَةِ وَتَحْرِيمِ الْمُنَاكَحَةِ وَقَوْلُهُمْ أبو يُوسُفَ أبو حَنِيفَةَ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْكَافِرِ كَافِرًا إذْ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ سَتْرُ جُرْمٍ بِجُرْمٍ وَتَغْطِيَتُهُ لِئَلَّا تَرَاهُ الْعُيُونُ وَلَمَّا كان الْكُفْرُ وَاحِدًا وَالْإِيمَانُ وَاقِعٌ لِلْبَصِيرَةِ عن إدْرَاكِ الْحَقِّ شُبِّهَ بِمَا يَمْنَعُ الْإِبْصَارَ من الْمَحْسُوسَاتِ وَقِيلَ في قَوْله تَعَالَى أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ أَيْ الزُّرَّاعَ لِكُفْرِهِمْ الْحَبَّ في الْأَرْضِ وَيُسَمَّى الْمَجَازُ الذي عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ اسْتِعَارَةً فَالِاسْتِعَارَةُ أَخَصُّ من الْمَجَازِ وَخَصَّ الْإِمَامُ الِاسْتِعَارَةَ بِالْمُتَشَابِهِ الْمَعْنَوِيِّ لَا الصُّورِيِّ وَتَبِعَهُ

الْهِنْدِيُّ وَحَكَى عبد اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ عن بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمَجَازَ وَالِاسْتِعَارَةَ مُتَرَادِفَانِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَجَازَ مُنْحَصِرٌ في الْمُشَابَهَةِ وَاخْتَلَفُوا هل الْمُعْتَبَرُ الْمُشَابَهَةُ بين لَفْظَيْ الْمُسْتَعَارِ منه وَالْمُسْتَعَارِ له في بَعْضِ ما وُضِعَ اسْمُ الْمُسْتَعَارِ منه لَا بين ذَاتَيْهِمَا أو الْمُعْتَبَرُ الْمُشَابَهَةُ بين ذَاتَيْهِمَا في الْمَعْنَى اللَّازِمِ الْمَشْهُورِ في الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمُشَابَهَةِ وفي مَعْنَى اسْمِهَا لُغَةً وَهَذَا الْقَوْلُ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ من الْحَنَفِيَّةِ وَشَرَطَ عَلِيُّ بن عِيسَى الرُّمَّانِيُّ في إعْجَازِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ ذلك الْمَعْنَى الْمُسْتَعَارُ منه أَبْلَغَ حتى يَكُونَ لِلِاسْتِعَارَةِ فَائِدَةٌ قال السَّمَرْقَنْدِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذلك ليس بِشَرْطٍ وَإِنْ كان هو الْغَالِبَ وَسَبَقَ في كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ وقال الْحَاجَوِيُّ في رِسَالَاتِهِ شَرَطُوا في صِحَّةِ الْمَجَازِ كَوْنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مَشْهُورًا في الْأَصْلِ كَالشَّجَاعَةِ التي هِيَ صِفَةٌ مَشْهُورَةٌ لِلْأَسَدِ وَالْبَلَادَةِ التي هِيَ صِفَةٌ مَشْهُورَةٌ لِلْحِمَارِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذلك حتى تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ أَسَدًا وَإِنْ لم يَكُنْ الْبَخَرُ صِفَةً مَشْهُورَةً لِلْأَسَدِ مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعَارُ إذَا اُسْتُعِيرَ من الْمُسْتَعَارِ منه إلَى الْمُسْتَعَارِ له فَالْعَامِلُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعَارُ وهو عِبَارَةٌ عن اسْمِ الْمُسْتَعَارِ له حتى كَأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِاسْمِهِ صَرِيحًا وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ قال صَاحِبُ الْمِيزَانِ منهم وَفُرُوعُ الشَّافِعِيِّ تَدُلُّ على أَنَّ الْعَامِلَ هو الِاسْمُ الذي قام لَفْظُ الْمُسْتَعَارِ مَقَامَهُ فإنه قال فِيمَنْ قال لِامْرَآتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ إنَّهُ رَجْعِيٌّ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عن قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَنَّهُ نَصَّ عليه وَكَذَا قال بِأَنَّ الْعَتَاقَ يَقَعُ بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ كَقِيَامِ لَفْظِ الطَّلَاقِ مَقَامَهُ حتى كَأَنَّهُ نَصَّ على لَفْظِ الْعَتَاقِ وَهَذَا يَسْتَقِيمُ على قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْمُشَابَهَةَ في الِاسْتِعَارَةِ مُعْتَبَرَةٌ بين اللَّفْظَيْنِ وقال محمد بن يحيى من أَصْحَابِنَا في تَعْلِيقِهِ الْخِلَافُ لِلَّفْظِ إذَا جُعِلَ كِنَايَةً عن غَيْرِهِ فَالْمَذْكُورُ حَقِيقَةً هو الْمَنْوِيُّ الْمُكَنَّى عنه دُونَ الْمَلْفُوظِ أَلَا تَرَى أَنَّ من قال لِلشُّجَاعِ يا أَسَدُ وَلِلْبَلِيدِ يا حِمَارُ كان الْمُنَادَى هو الْآدَمِيَّ دُونَ السَّبُعِ وَالْبَهِيمَةِ وَمَنْ قال لِزَوْجَتِهِ أَعْتَقْتُك وَنَوَى الطَّلَاقَ كان الصَّادِرُ حَقِيقَةً هو الطَّلَاقَ وَكَانَتْ الْإِبَانَةُ لَيْسَتْ تَصَرُّفًا مَوْضُوعًا شَرْعًا إنَّمَا الْمَوْضُوعُ هو الطَّلَاقُ غير أَنَّ الشَّارِعَ جَوَّزَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ

فيه لَفْظٌ آخَرُ يَقْرُبُ منه في الْمَعْنَى ثُمَّ الْمُتَصَرِّفُ هو الْمُسْتَعَارُ منه دُونَ ما عنه الِاسْتِعَارَةُ وَيَدُلُّ عليه أَنَّ نِيَّةَ الطَّلَاقِ لَا بُدَّ منها حتى لو قال أَبَنْتُكِ بَيْنُونَةَ النِّكَاحِ أو قَطَعْت نِكَاحَك لم يَعْمَلْ دُونَ النِّيَّةِ مع أَنَّ اللَّفْظَ خَرَجَ عن الْإِجْمَالِ أَعْنِي إجْمَالَ جِهَاتِ الْبَيْنُونَةِ الْعَلَاقَةُ الرَّابِعَةُ التَّضَادُّ وَهِيَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ ضِدِّهِ وَأَكْثَرُ ما يَقَعُ في الْمُتَقَابِلَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَطْلَقَ على الْجَزَاءِ سَيِّئَةً مع أَنَّهُ عَدْلٌ لِكَوْنِهِ ضِدَّهَا وفي هذا رَدُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَفِيهِ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَى لَفْظِ الثَّانِي لِأَنَّ الْقِصَاصَ ليس بِمُعَاقَبَةٍ وَمِنْهُ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَجُوزُ جَعْلُهُ من الْمُشَابَهَةِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْمَثَلِ السَّائِرِ من هذا الْقِسْمِ قَوْلَهُمْ الْجَوْنُ لِلْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ وهو وَهَمٌ لِأَنَّ هذا اشْتِرَاكٌ كَالنَّاهِلِ لِلرَّيَّانِ وَالظَّمْآنِ لَا أَنَّهُ مَجَازٌ وإذا وَقَعَ التَّعَارُضُ بين هذا وما قَبْلَهُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَلَاقَةَ في إطْلَاقِ اسْمِ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ على الْآخَرِ ليس هو اللُّزُومَ الذِّهْنِيَّ لِلِاتِّفَاقِ على امْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْأَبِ على الِابْنِ بَلْ هو من قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَنْزِيلِ الْمُقَابِلِ مَنْزِلَةَ الْمُنَاسِبِ بِوَاسِطَةِ تَمْلِيحٍ أو تَهَكُّمٍ كما في إطْلَاقِ الشُّجَاعِ على الْجَبَانِ أو تَفَاؤُلٍ كما في إطْلَاقِ الْبَصِيرِ على الْأَعْمَى أو مُشَاكَلَةٍ كما في إطْلَاقِ السَّيِّئَةِ على جَزَاءِ السَّيِّئَةِ الْعَلَاقَةُ الْخَامِسَةُ الْكُلِّيَّةُ وَهِيَ إطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ على الْجُزْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ أَيْ أَنَامِلَهُمْ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضَعُ أُصْبُعَهُ في أُذُنِهِ وَقَوْلُهُ وُجُوهٌ يَوْمئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ أَيْ أَعْيُنٌ لِأَنَّ النَّظَرَ بِالْعَيْنِ لَا بِالْوَجْهِ وَجَعَلَ منه ابن جِنِّي قَوْلَك ما فَعَلَ زَيْدٌ فَيُقَالُ الْقِيَامُ وَالْقِيَامُ إنَّمَا هو جِنْسٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ فيه نَظَرٌ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ قالوا إنَّ الْقِيَامَ دَالٌّ على الْمَصْدَرِ فَلَا يَدُلُّ بِمُطْلَقِهِ على أَنْوَاعِ الْقِيَامِ بَلْ يَدُلُّ على الْحَقِيقَةِ لَا غَيْرُ وَهَاهُنَا بَحْثٌ وهو أَنَّهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ التي في الْقِيَامِ الِاسْتِغْرَاقُ فَلَا مُشَاحَةَ له في ذلك لِأَنَّ الْكُلَّ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ تَعْرِيفَ الْمَصْدَرِ فَهَذَا مَوْضِعُ النَّقْدِ عليه لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَدُلُّ إلَّا على قِيَامٍ ما وَلَا يُقَالُ فيه إنَّهُ بَعْضُ الْقِيَامِ وَلَا كُلُّهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ له ما أَرَادَ من إدْخَالِهِ في بَابِ الْمَجَازِ وَعَلَى

هذا فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ الْقِيَامُ أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ بَلْ الْحَقِيقَةُ وَهَذَا النَّوْعُ يُقَالُ له إطْلَاقُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ وَشَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ وَعِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ من الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَتُسَمَّى قَاصِرَةً بِنَاءً على أَنَّهُ في الْمَجَازِ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ في غَيْرِ ما وُضِعَ له وَالْجُزْءُ ليس غير الْكُلِّ كما أَنَّهُ ليس عَيْنَهُ لِأَنَّ الْغَيْرَيْنِ مَوْجُودَانِ يَجُوزُ وُجُودُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ الْكُلِّ بِدُونِ الْجُزْءِ فَلَا يَكُونُ غَيْرَهُ فَعِنْدَهُ اللَّفْظُ إنْ اُسْتُعْمِلَ في غَيْرِ ما وُضِعَ له أَيْ في مَعْنًى خَارِجٍ عَمَّا وُضِعَ له فَمَجَازٌ وَإِلَّا فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ في عَيْنِهِ فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ الْعَلَاقَةُ السَّادِسَةُ الْجُزْئِيَّةُ وَهِيَ إطْلَاقُ الْجُزْءِ وَإِرَادَةُ الْكُلِّ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَمْلِكُ كَذَا رَأْسًا من الْغَنَمِ أو ذَبَحَ كَذَا رَأْسًا من الْبَقَرِ وَكَاسْتِعْمَالِ الْعَيْنِ التي هِيَ الْجَارِيَةُ في الْجَاسُوسِ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ على الْيَدِ ما أَخَذَتْ حتى تُؤَدِّيَهُ وقد فَرَّعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا على هذا مَسْأَلَةَ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَنَحْوِهِمَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَعْلُهُ من بَابِ السِّرَايَةِ وإذا تَعَارَضَ هذا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْكُلَّ يَسْتَلْزِمُ الْجُزْءَ وَلَا عَكْسَ فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْأَوَّلِ أَقْوَى وَهَذَا وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى إطْلَاقِ الْأَعَمِّ على الْكُلِّ أَمَّا في إطْلَاقِ الْجُزْءِ الْخَاصِّ بِالشَّيْءِ كَالنَّاطِقِ مَثَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِنْسَانِ فَلَا لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ له فَيَحْتَاجُ في تَعْلِيلِ أَوْلَوِيَّةِ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هذا الْجُزْءِ إلَى وَجْهٍ آخَرَ وهو أَنَّ الْكُلَّ يَسْتَلْزِمُ الْجُزْءَ من حَيْثُ إنَّهُ كُلٌّ وَأَمَّا الْجُزْءُ الذي يَسْتَلْزِمُ الْكُلَّ فإنه لَا يَسْتَلْزِمُهُ من حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ بَلْ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وما بِالذَّاتِ يَكُونُ أَوْلَى وَأَقْدَمَ مِمَّا بِالْعَرَضِ قَالَهُ الْهِنْدِيُّ الْعَلَاقَةُ السَّابِعَةُ إطْلَاقُ ما بِالْفِعْلِ على ما بِالْقُوَّةِ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ الْمُسْتَعِدِّ لِأَمْرٍ بِاسْمِ ذلك الْأَمْرِ كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ حَالَ كَوْنِهِ في الدَّنِّ بِالْمُسْكِرِ وَإِطْلَاقُ الْكَاتِبِ على الْعَارِفِ بِالْكِتَابَةِ عِنْدَ مُبَاشَرَتِهِ لها وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ إطْلَاقَ ما بِالْفِعْلِ على ما بِالْقُوَّةِ الْعَلَاقَةُ الثَّامِنَةُ الْمُجَاوَرَةُ وَهِيَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ ما يُجَاوِرُهُ كَإِطْلَاقِ لَفْظِ

الرَّاوِيَةِ على الْقِرْبَةِ التي هِيَ ظَرْفٌ لِلْمَاءِ فإن الرَّاوِيَةَ في الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْبَعِيرِ ثُمَّ أُطْلِقَ على الْقِرْبَةِ لِمُجَاوَرَتِهِ لها وَكَذَا قَوْلُهُمْ جَرَى الْمِيزَابُ وَكَالْغَائِطِ لِلْفَضْلَةِ الْمُسْتَقْذَرَةِ لِأَنَّهَا تُجَاوِرُ الْمَكَانَ الْمُطْمَئِنَّ غَالِبًا كَقَوْلِهِ فَشَكَكْت بِالرُّمْحِ الْأَصَمِّ ثِيَابَهُ ليس الْكَرِيمُ على الْقَنَا بِمُحَرَّمِ أَرَادَ بِثِيَابِهِ نَفْسَهُ الْعَلَاقَةُ التَّاسِعَةُ اعْتِبَارُ ما كان عليه تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ ما كان عليه كَتَسْمِيَةِ الْمُعْتَقِ عَبْدًا وَالْآدَمِيِّ مُضْغَةً وقَوْله تَعَالَى وَابْتَلُوا الْيَتَامَى إذْ لَا يُتْمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقِيلَ إنَّ هذا الْقِسْمَ حَقِيقَةٌ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الضَّارِبَ الْحَقِيقِيَّ هل هو من اتَّصَفَ بِإِيجَادِ الضَّرْبِ أو من هو آخِذٌ في إيجَادِهِ وقد سَبَقَتْ في مَبَاحِثِ الِاشْتِقَاقِ على أَنَّ الْقَائِلَ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً لم يُرِدْ تَحْقِيقَ الْمَعْنَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَمَّا إذَا أُرِيدَ جَعْلُهُ ضَارِبًا بَعْدَ ضَرْبِهِ بِتَخَيُّلِ ضَرْبٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَهُوَ مَجَازٌ قَطْعًا وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ هذه الْعَلَاقَةِ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَلَبِّسًا الْآنَ بِضِدِّهِ فَلَا يُقَالُ لِلشَّيْخِ إنَّهُ طِفْلٌ بِاعْتِبَارِ ما كان وَلَا لِلثَّوْبِ الْأَسْوَدِ إنَّهُ أَبْيَضُ بِاعْتِبَارِ ما كان وَلِهَذَا امْتَنَعَ إطْلَاقُ الْكَافِرِ على الْمُسْلِمِ لِكُفْرٍ تَقَدَّمَ عليه الْعَلَاقَةُ الْعَاشِرَةُ اعْتِبَارُ ما يَئُولُ إلَيْهِ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ ما يَئُولُ إلَيْهِ إمَّا بِالْفِعْلِ كَإِطْلَاقِ الْخَمْرِ على الْعِنَبِ أو بِالْقُوَّةِ كَإِطْلَاقِ الْمُسْكِرِ على الْخَمْرِ إنْ بَقِيَتْ قِيلَ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ آيِلًا بِنَفْسِهِ لِيَخْرُجَ الْعَبْدُ فإنه لَا يُطْلَقُ عليه حُرٌّ بِاعْتِبَارِ ما يَئُولُ إلَيْهِ وفي تَعْلِيقِ الْخِلَافِ لِإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ إنَّمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاعْتِبَارِ ما يَئُولُ إلَيْهِ إذَا كان الْمَآلُ مَقْطُوعًا بِوُجُودِهِ كَالْقِيَامَةِ لَا بُدَّ منها وَالْمَوْتُ لَا بُدَّ من نُزُولِهِ فَيَبْطُلُ تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ على أَنَّهُ سَيَبْطُلُ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَفْسَخَهُ وَذَكَرَ ابن يحيى في تَعْلِيقِهِ نَحْوَهُ فقال إذَا كان الْمَآلُ مَقْطُوعًا بِهِ نَحْوُ إنَّك مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ أو غَالِبًا لَا نَادِرًا كَتَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ

وَهَاهُنَا تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا أَنَّ منهم من اكْتَفَى عن هذه الْعَلَاقَةِ بِالسَّابِعَةِ أَعْنِي بِعَلَاقَةِ الِاسْتِعْدَادِ وهو ظَاهِرُ تَمْثِيلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْإِمَامِ في الْمَحْصُولِ وَالْحَقُّ تَغَايُرُهُمَا لِأَنَّ الْمُسْتَعِدَّ لِلشَّيْءِ قد لَا يَئُولُ إلَيْهِ بَلْ هو مُسْتَعِدٌّ له وَلِغَيْرِهِ كما أَنَّ الْعَصِيرَ قد لَا يَئُولُ إلَى الْخَمْرِيَّةِ وَإِنْ كان مُسْتَعِدًّا لها وَلِغَيْرِهَا الثَّانِي أَنَّ هذه وَاَلَّتِي قَبْلَهَا لَا بُدَّ من تَقْيِيدِهِمَا لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ ما كان عليه أو بِمَا سَيَئُولُ إلَيْهِ تَارَةً يُقَدَّرُ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ لِكَوْنِهَا كانت أو سَتَكُونُ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَيُتَخَيَّلُ ذلك فَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ وهو من الْقِسْمِ الْمُسَمَّى بِالْمُشَابَهَةِ في الصِّفَةِ وَتَارَةً لَا يُتَخَيَّلُ ذلك بَلْ يُطْلَقُ ذلك الِاسْمُ لِكَوْنِهِ كان أو سَيَكُونُ من غَيْرِ تَخَيُّلِ هذه الصِّفَةِ مَوْجُودَةً وهو مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ الثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بين هذه الْعَلَاقَةِ وَبَيْنَ التي قَبْلَهَا أَعْنِي بِاعْتِبَارِ ما كان فَالْأُولَى أَوْلَى لِكَوْنِهِ وَصْفًا بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ لِأَنَّهُ وُصِفَ بِمَا وَقَعَ بِخِلَافِ هذه وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا في الْأُولَى هل هِيَ حَقِيقَةٌ وَاتَّفَقُوا في الثَّانِيَةِ على أَنَّهُ مَجَازٌ وقال بَعْضُهُمْ الْمُعْتَبَرُ في الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ ما كان حُصُولُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْمُسَمَّى الْمَجَازِيِّ في الزَّمَانِ السَّابِقِ على حَالَةِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ إلَى زَمَانِ وُقُوعِ النِّسْبَةِ وفي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ ما يَئُولُ حُصُولُهُ في الزَّمَانِ اللَّاحِقِ وَيَمْتَنِعُ فِيهِمَا حُصُولُهُ في زَمَانِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَإِلَّا لَكَانَ الْمُسَمَّى من أَفْرَادِ الْمَوْضُوعِ له فَيَكُونُ اللَّفْظُ فيه حَقِيقَةً لَا مَجَازًا فَفِي مِثْلِ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وأعصر خَمْرًا وُضِعَ الْكَلَامُ على أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةُ الْيُتْمِ حَاصِلَةً لهم وَقْتَ إيتَاءِ الْمَالِ إيَّاهُمْ وَحَقِيقَةُ الْخَمْرِ حَاصِلَةٌ له حَالَ الْعَصِيرِ فَلَوْ حَصَلَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ في هذه الْحَالِ كما هو مُقْتَضَى وَضْعِ الْكَلَامِ لم يَكُنْ اللَّفْظُ مَجَازًا بَلْ حَقِيقَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُصُولُ في زَمَانٍ سَابِقٍ لِيَكُونَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ ما كان أو لَاحِقٍ لِيَكُونَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ ما يَئُولُ هذا بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْمِ وَأَمَّا في الْفِعْلِ إذَا أُطْلِقَ الْمُسْتَقْبَلُ وَأُرِيدَ بِهِ الْمَاضِي أو عَكْسُهُ فَالْمُرَادُ بِاللَّفْظِ نَفْسُ الْفِعْلِ وَبِالزَّمَانِ زَمَانُ ما يَدُلُّ عليه الْفِعْلُ بِهَيْئَتِهِ فإذا قُلْنَا يُكْتَبُ مَجَازًا عن كُتُبٍ بِاعْتِبَارِ ما كان بِمَعْنَى حُصُولِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْمُسَمَّى أو

جَوْهَرِ الْحُرُوفِ وهو الْحَدَثُ حَاصِلٌ لِلْمُسَمَّى في زَمَانٍ سَابِقٍ على الزَّمَانِ الذي هو مَدْلُولُ الْفِعْلِ أَعْنِي الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ إذْ لو كان حَاصِلًا له في ذلك الزَّمَانِ لَكَانَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا وإذا قُلْنَا كَتَبَ زَيْدٌ مَجَازًا عن يَكْتُبُ بِاعْتِبَارِ ما يَئُولُ إلَيْهِ بِمَعْنَى حُصُولِ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ لِلْمُسَمَّى أَنَّ الْحَدَثَ حَاصِلٌ له في زَمَانٍ لَاحِقٍ مُتَأَخِّرٍ عن الزَّمَانِ الْمَاضِي الذي يَدُلُّ عليه الْفِعْلُ بِهَيْئَتِهِ إذْ لو كان حَاصِلًا في الزَّمَانِ الْمَاضِي لَكَانَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا وَالزَّمَانُ الذي يَحْصُلُ فيه الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ الْمُسَمَّى في الصُّورَتَيْنِ مُغَايِرٌ لِلزَّمَانِ الذي وُضِعَ لَفْظُ الْفِعْلِ له لِحُصُولِ الْحَدَثِ فيه وَهَذَا فيه نَظَرٌ فإنه ليس مَدْلُولُهُ الْمُسَمَّى الْمُطْلَقُ عليه لَفْظُ الْمَجَازِ الذي هو لَفْظُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا الْمَدْلُولُ الْمَجَازِيُّ هو الْحَدَثُ الْمُقَارَنُ بِزَمَانٍ سَابِقٍ أو لَاحِقٍ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّعْبِيرَ عن الْمَاضِي بِالْمُضَارِعِ وَعَكْسُهُ من بَابِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَشْبِيهِ غَيْرِ الْحَاصِلِ بِالْحَاصِلِ في تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ وَتَشْبِيهُ الْمَاضِي بِالْحَاضِرِ في كَوْنِهِ نُصْبَ الْعَيْنِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لَفْظُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ الْعَلَاقَةُ الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ الْمَجَازُ بِالزِّيَادَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهَلْ الزَّائِدُ كَافٌ أو مِثْلِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وقال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في الْإِرْشَادِ هل الْمَجَازُ الزَّائِدُ عن الْآيَةِ لَا غَيْرُ أو الْكَلِمَةُ التي وَصَلَتْهَا الزِّيَادَةُ وَجْهَانِ وَسَيَأْتِي عن الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ فَقَطْ لِأَنَّهَا لو كانت أَصْلِيَّةً لَلَزِمَ إثْبَاتُ الْمِثْلِ وهو مُحَالٌ وَرُدَّ بِدَعْوَى الْأَصَالَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مِثْلِ الْمِثْلِ وَيَلْزَمُ من نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ نَفْيُ الْمِثْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مِثْلٌ إذْ الْمُمَاثَلَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا من الْجَانِبَيْنِ وقال بَعْضُهُمْ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ ليس شَيْءٌ كَمِثْلِهِ فَشَيْءٌ اسْمُ ليس وهو الْمُبْتَدَأُ وَكَمِثْلِهِ خَبَرٌ فَالشَّيْءُ الذي هو الْمَوْضُوعُ قد نُفِيَ عنه الْمِثْلُ الذي هو الْمَحْمُولُ فَهُوَ مَنْفِيٌّ عنه لَا مَنْفِيٌّ فَيَكُونُ ثَابِتًا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ الْمُقَدَّسَةُ مَنْفِيَّةً وَإِنَّمَا الْمَنْفِيُّ مِثْلُ مِثْلِهَا وَلَازِمُهُ نَفْيُ مِثْلِهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْفِيٌّ عنها وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في التَّلْخِيصِ قِيلَ إنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ أو الْمِثْلَ زَائِدٌ قال وَنَرَى الْقَاضِي يَمِيلُ إلَى ذلك وَيَعُدُّهُ من الْمَجَازِ وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ قد اُخْتُلِفَ في كَيْفِيَّةِ كَوْنِ هذا مَجَازًا فقال الْجُمْهُورُ إنَّ الْكَلِمَةَ تَصِيرُ بِالزِّيَادَةِ مَجَازًا وقال قَوْمٌ إنَّ نَفْسَ الزِّيَادَةِ تَكُونُ مَجَازًا دُونَ جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ لِأَنَّ الْكَافَ هِيَ الْمُسْتَعْمَلَةُ في غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَالْمِثْلُ مُسْتَعْمَلٌ في مَوْضِعِهِ قال وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَرْفَ الْوَاحِدَ لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ وما لَا يُفِيدُ

بِنَفْسِهِ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ وَالْكَافُ لَا تُفِيدُ إلَّا بِانْضِمَامِهَا إلَى الْمِثْلِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مَجَازًا انْتَهَى وقال الْعَبْدَرِيّ في الْمُسْتَوْفَى وابن الْحَاجِّ في تَنْكِيتِهِ على الْمُسْتَصْفَى الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ من أَنْوَاعِ الْمَجَازِ بَلْ فيها ضَرْبٌ من التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فيه مُبَالَغَةٌ في نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ كَأَنَّهُ قِيلَ ليس مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ وَالْمَعْنَى ليس مثله وَالزِّيَادَةُ حَقِيقِيَّةٌ الْعَلَاقَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ الْمَجَازُ بِالنُّقْصَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ أَيْ أَهْلَ اللَّهِ قال الْإِمَامُ في التَّلْخِيصِ وهو مِثَالٌ سَدِيدٌ وَقَوْلُهُ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ فإن الْمُرَادَ أَهْلُهَا وَمِنْهُمْ من لم يَجْعَلْهُ مَجَازًا وقال لَا نَقُولُ أُقِيمَتْ الْقَرْيَةُ مَقَامَ أَهْلِهَا بَلْ حُذِفَ من الْخِطَابِ ذِكْرُ الْأَهْلِ لِدَلَالَةِ بَقِيَّةِ الْخِطَابِ عليه وَالْإِضْمَارُ وَالْحَذْفُ لَيْسَا من الْمَجَازِ فإن الْمَجَازَ هو اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ في غَيْرِ ما وُضِعَ له حَكَاهُ الْإِمَامُ في التَّلْخِيصِ وابن الْقُشَيْرِيّ في أُصُولِهِ وَقَالَا مَيْلُ الْقَاضِي إلَى أَنَّهُ يُسَمَّى مَجَازًا قال وهو الظَّاهِرُ وَالْخِلَافُ فيه سَهْلٌ وَكَذَا قال إلْكِيَا الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَلَا خِلَافَ في الْمَعْنَى وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُضْمَرَ هل هو سَبَبُ التَّجَوُّزِ أو مَحَلُّ التَّجَوُّزِ وَطَرِيقَةُ الْبَيَانِيِّينَ تَقْتَضِي الثَّانِيَ قال الْمُطَرِّزِيُّ وَإِنَّمَا يَكُونُ كُلٌّ من الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إذَا تَغَيَّرَ بِسَبَبِهِ حُكْمٌ وَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ فَلَا فَلَوْ قُلْت زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ وَعَمْرٌو وَحَذَفْت الْخَبَرَ لم يُوصَفْ بِالْمَجَازِ لِأَنَّهُ لم يُؤَدِّ إلَى تَغْيِيرِ حُكْمٍ من أَحْكَامِ ما بَقِيَ من الْكَلَامِ انْتَهَى وَالتَّمْثِيلُ بِالْآيَةِ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْيَةِ الْأَبْنِيَةُ وَهِيَ لَا تُسْأَلُ وَقِيلَ إنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الناس الْمُجْتَمِعِينَ فيها وَقِيلَ بَلْ الْقَرْيَةُ حَقِيقَةٌ في الناس بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَكَمْ قَصَمْنَا من قَرْيَةٍ كانت ظَالِمَةً وَكَأَيِّنْ من قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لها وَهِيَ ظَالِمَةٌ وَكَمْ أَهْلَكْنَا من قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ من الْقَرِّ وهو الْجَمْعُ وَمِنْهُ قَرَأْت الْمَاءَ في الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْته وَمِنْهُ الْقِرَى وَهِيَ الضِّيَافَةُ لِاجْتِمَاعِ الناس لها وَقِيلَ إنَّهَا من بَابِ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ لَا من الْحَذْفِ وَقِيلَ لَا مَجَازَ أَصْلًا وَلَا حَذْفَ بَلْ السُّؤَالُ حَقِيقِيٌّ لها وَيَكُونُ مُعْجِزَةً

لِأَنَّهُ في زَمَنِ النُّبُوَّةِ وَالصَّحِيحُ من هذا كُلِّهِ هو الْأَوَّلُ وهو الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ في كِتَابِ الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ عن أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ وَجَعَلَ هذه الْآيَةَ من الدَّالِّ لَفْظِهِ على بَاطِنِهِ دُونَ ظَاهِرِهِ فقال قال اللَّهُ تَعَالَى وهو يَحْكِي قَوْلَ إخْوَةِ يُوسُفَ لِأَبِيهِمْ وما شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا وما كنا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ التي كنا فيها وَالْعِيرَ التي أَقْبَلْنَا فيها وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فَهَذِهِ الْآيَةُ في مَعْنَى الْآيَاتِ قَبْلَهَا لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُخَاطِبُونَ أَبَاهُمْ بِمَسْأَلَةِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَأَهْلِ الْعِيرِ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ وَالْعِيرَ لَا يُنْبِئَانِ عن صِدْقِهِمْ ا هـ كَلَامُهُ وقد أَشْكَلَ على جَمَاعَةٍ جَعْلُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ من أَنْوَاعِ الْمَجَازِ الْإِفْرَادِيِّ لِأَنَّ الْمَجَازَ الْإِفْرَادِيَّ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ في غَيْرِ ما وُضِعَ له وَجَمِيعُ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ في الْآيَتَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ له فَالْقَرْيَةُ في الْقَرْيَةِ وَالسُّؤَالُ في السُّؤَالِ وَكَذَا الْآيَةُ الْأُخْرَى فلم يَبْقَ إلَّا الْمَحْذُوفُ وهو الْأَصْلُ وَالْمَحْذُوفُ مَسْكُوتٌ عنه لم يُسْتَعْمَلْ أَلْبَتَّةَ وَالزَّائِدُ كَذَلِكَ لم يُسْتَعْمَلْ في شَيْءٍ وما لَا يُسْتَعْمَلُ في شَيْءٍ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ من مَجَازِ التَّرْكِيبِ لَا الْإِفْرَادِ وَاخْتَارَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ السُّؤَالَ لِتَرْكِيبِ لَفْظَةٍ مع لَفْظَةٍ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْإِجَابَةِ فَحَيْثُ رَكَّبَتْهُ مع ما لَا يَصْلُحُ فَقَدْ عَدَلَتْ عن التَّرْكِيبِ الْأَصْلِيِّ إلَى تَرْكِيبٍ آخَرَ وَلَا مَعْنَى لِلْمَجَازِ الْمُرَكَّبِ إلَّا هذا وَكَذَلِكَ حُرُوفُ الزِّيَادَةِ وَضَعَتْهَا لِتُرَكِّبَهَا مع مَعْنًى فإذا رَكَّبَتْهَا لَا مع مَعْنًى فَهُوَ مَجَازٌ في التَّرْكِيبِ وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَجَازَ في الْمَذْكُورِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَيِّرُ حُكْمَ إعْرَابِهِ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ مع ذِكْرِ الْأَهْلِ مَجْرُورَةٌ وَعِنْدَ حَذْفِهَا مَنْصُوبَةٌ وَكَذَلِكَ مِثْلِ مَجْرُورَةٌ بِزِيَادَةِ الْكَافِ وكان حُكْمُهُ في الْأَصْلِ النَّصْبَ فَإِنَّمَا وَقَعَ الْمَجَازُ في الْجَرِّ وَالنَّصْبِ من الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْبَيَانِ وَشَرَطُوا في مَجَازِ الْحَذْفِ أَنْ يَتَغَيَّرَ حُكْمُ إعْرَابِ الْكَلِمَةِ فَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ لم يَكُنْ مَجَازًا وَإِنْ كان ثَمَّ حَذْفٌ وَمِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى فَقَبَضْتُ قَبْضَةً من أَثَرِ الرَّسُولِ فإن الْمُقَدَّرَ من أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا لم يَتَغَيَّرْ حُكْمُ إعْرَابِهِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا

الثَّانِي أَنَّ تَعْرِيفَ الْمَجَازِ الْإِفْرَادِيِّ صَادِقٌ عليه وَإِنْ لم يُلْحَظْ لَك لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ مَوْضُوعٌ لِسُؤَالِهَا مُسْتَعْمَلٌ في سُؤَالِ أَهْلِهَا فَكَانَ مَجَازًا وَلَيْسَ هو مَجَازًا في التَّرْكِيبِ فإن مَجَازَ التَّرْكِيبِ مِثْلُ قَوْلِك أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ في مَوْضُوعِهِ فَمُقْتَضَاهُ إسْنَادُ الْإِثْبَاتِ إلَى الرَّبِيعِ وَلَكِنَّا عَلِمْنَا بِالْعَقْلِ أَنَّهُ ليس كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هو من اللَّهِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ أَنَّ اللَّفْظَةَ الزَّائِدَةَ وَحْدَهَا أو النَّاقِصَةَ وَحْدَهَا مَجَازٌ وَلَا نَعْنِي بِمَجَازِ التَّرْكِيبِ إلَّا إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى الْفَاعِلِ وهو الذي يَكُونُ فيه من جِهَةِ الْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ صَحِيحًا وَإِنَّمَا جاء الْمَجَازُ من جِهَةِ الْعَقْلِ حتى لو فُرِضَ هذا الْكَلَامُ من كَافِرٍ يَعْتَقِدُ حَقِيقَتَهُ لم يَكُنْ مَجَازًا الْعَلَاقَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ التَّعْلِيقُ الْحَاصِلُ بين الْمَصْدَرِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ أو الْفَاعِلِ فَمِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ على الْمَفْعُولِ قَوْله تَعَالَى هذا خَلْقُ اللَّهِ أَيْ مَخْلُوقَةٌ وقَوْله تَعَالَى وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ من عِلْمِهِ أَيْ من مَعْلُومِهِ فَسُمِّيَ الْمَعْلُومُ عِلْمًا لِمَا بين الْمَعْلُومِ وَالْعِلْمِ من التَّعَلُّقِ وَلَفْظَةُ من تَقْتَضِي أَنَّ الْعِلْمَ نَفْسَهُ ليس مُرَادًا فَإِنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ وَعِلْمُ اللَّهِ لَا يَتَبَعَّضُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ من مَعْلُومَاتِهِ وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِجَابًا مَسْتُورًا أَيْ سَاتِرًا إنَّهُ كان وَعْدُهُ مَأْتِيًّا أَيْ آتِيًا على قَوْلٍ وَمِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ على الْفَاعِلِ رَجُلٌ عَدْلٌ وَصَوْمٌ أَيْ عَادِلٌ وَصَائِمٌ وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِمْ قُمْ قَائِمًا أَيْ قِيَامًا وَاسْكُتْ سَاكِتًا أَيْ سُكُوتًا الْعَلَاقَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ إطْلَاقُ اسْمِ اللَّازِمِ على الْمَلْزُومِ كَالْمَسِّ على الْجِمَاعِ الْعَلَاقَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ عَكْسُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَمْ أَنْزَلْنَا عليهم سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ أَيْ يَدُلُّ وَالدَّلَالَةُ من لَوَازِمِ الْكَلَامِ الْعَلَاقَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ تَسْمِيَةُ الْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ كَالْغَائِطِ وَقَوْلُهُمْ لَا فُضَّ فُوك أَيْ أَسْنَانُك وَقَوْلُهُ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ الْعَلَاقَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ عَكْسُهُ كَقَوْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ أَيْ في الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا من مَحَلِّ رَحْمَتِهِ وَكَإِطْلَاقِ اللِّسَانِ على الْكَلَامِ كما في قَوْله تَعَالَى وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَقَوْلُهُ وَاجْعَلْ لي لِسَانَ صِدْقٍ وقد اجْتَمَعَ هذا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ في قَوْله تَعَالَى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مَسْجِدٍ فإن الزِّينَةَ حَالَّةٌ في الثِّيَابِ وَالْمَسْجِدُ مَحَلُّ الصَّلَاةِ فَفِي الْأَوَّلِ إطْلَاقُ الْحَالِّ وَإِرَادَةُ الْمَحَلِّ وَالثَّانِي إطْلَاقُ

الْمَحَلِّ وَإِرَادَةُ الْحَالِ وَهِيَ الصَّلَاةُ الْعَلَاقَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ إطْلَاقُ الْمُنَكَّرِ وَإِرَادَةُ الْمُعَرَّفِ مِثْلُ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً عِنْدَ من يقول كانت مُعَيَّنَةً الْعَلَاقَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ عَكْسُهُ مِثْلُ اُدْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا عِنْدَ من زَعَمَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ دُخُولُ أَيِّ بَابٍ كان الْعَلَاقَةُ الْعِشْرُونَ إطْلَاقُ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَإِرَادَةُ الْجِنْسِ نَحْوُ الرَّجُلُ خَيْرٌ من الْمَرْأَةِ الْعَلَاقَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ إطْلَاقُ النَّكِرَةِ وَإِرَادَةُ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ وَقَوْلُهُ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا عِنْدَ من لم يَجْعَلْهُ اسْمَ جِنْسٍ كَالصِّفَةِ الْعَلَاقَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُقَيَّدِ على الْمُطْلَقِ كَقَوْلِ الْقَاضِي شُرَيْحٍ أَصْبَحْت وَنِصْفُ الناس عَلَيَّ غَضْبَانُ فإنه أَرَادَ بِالنِّصْفِ الْبَعْضَ الْعَلَاقَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ عَكْسُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا عِنْدَ من يقول رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ قال الْأَصْفَهَانِيُّ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُطْلَقِ على الْمُقَيَّدِ من بَابِ إطْلَاقِ الْعَامِّ على الْخَاصِّ لِأَنَّ الْعَامَّ هو الْكُلُّ وَالْخَاصُّ هو الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ بِالْعَكْسِ من ذلك ضَرُورَةَ أَنَّ الْمُطْلَقَ جُزْءٌ من الْمُقَيَّدِ ا هـ وَهَذَا سَهْوٌ منه بَلْ هو دَاخِلٌ في إطْلَاقِ الْخَاصِّ وَإِرَادَةُ الْعَامِّ الذي أَرَادَ بِهِ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْجُزْءِ وَإِرَادَةَ الْكُلِّ الْعَلَاقَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ تَسْمِيَةُ الْبَدَلِ بِاسْمِ الْمُبْدَلِ منه كَتَسْمِيَةِ الدِّيَةِ بِالدَّمِ في قَوْلِهِمْ أَكَلَ فُلَانٌ دَمَ فُلَانٍ أَيْ دِيَتَهُ الْعَلَاقَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ عَكْسُهُ كَتَسْمِيَةِ الْأَدَاءِ بِالْقَضَاءِ في قَوْله تَعَالَى فإذا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ أَيْ أَدَّيْتُمْ هذا جُمْلَةُ ما ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ الْعَلَاقَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ الْقَلْبُ كَقَوْلِهِمْ خَرَقَ الثَّوْبُ الْمِسْمَارَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ما إنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْعَلَاقَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ التَّشْبِيهُ كَقَوْلِهِمْ تَعَالَى كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ النُّحَاةِ وَتَبِعَهُمْ صَاحِبُ الِارْتِشَافِ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّشْبِيهَ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ الْعَلَاقَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ قَلْبُ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِهِ يَكُونُ مِزَاجُهَا عَسَلًا وَمَاءً

الْعَلَاقَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ الْكِنَايَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ وفي هذا أَيْضًا نِزَاعٌ الْعَلَاقَةُ الثَّلَاثُونَ التَّعْرِيضُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قال يا قَوْمِ ليس بِي سَفَاهَةٌ الْعَلَاقَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ الِانْقِطَاعُ من الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إلَّا إبْلِيسَ الْعَلَاقَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ وُرُودُ الْمَدْحِ في صُورَةِ الذَّمِّ وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ذُقْ إنَّك أنت الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ وَقَالُوا ما أَشْعَرَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ اللَّهُ ما أَفْصَحَهُ الْعَلَاقَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ وُرُودُ الْأَمْرِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَقَوْلِهِ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ الْعَلَاقَةُ الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ وُرُودُ الْوَاجِبِ أو الْمُحَالِ في صُورَةِ الْمُمْكِنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَسَى أَنْ يَبْعَثَك رَبُّك وَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ لَعَلَّ مَنَايَانَا تَحَوَّلْنَ أَبْؤُسَا الْعَلَاقَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحَوَى وَالْغُثَاءُ ما احْتَمَلَهُ السَّيْلُ من الْحَشِيشِ وَالْأَحْوَى الشَّدِيدُ الْخُضْرَةِ من النِّعْمَةِ الْعَلَاقَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى ما ليس له كَقَوْلِهِ تَعَالَى بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الْعَلَاقَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ الْإِخْبَارُ عن الشَّيْءِ وَوَصْفُهُ لِغَيْرِهِ كَقَوْلِهِمْ نَهَارُهُ صَائِمٌ وَلَيْلُهُ قَائِمٌ الْعَلَاقَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ تَجَاهُلُ الْعَارِفِ وَتَجَنَّبَ السَّكَّاكِيُّ هذه الْعِبَارَةَ لِوُقُوعِهِ في التَّنْزِيلِ وَسَمَّاهُ سِيَاقَ الْمَعْلُومِ مَسَاقَ الْمَجْهُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَاكِيًا عن الرُّسُلِ وَإِنَّا أو إيَّاكُمْ لِعَلَى هُدًى أو في ضَلَالٍ مُبِينٍ ذَكَرَ هذه الثَّلَاثَةَ عَشْرَةَ الْأَخِيرَةَ أبو إِسْحَاقَ النَّهَاوِيُّ من النَّحْوِيِّينَ في شَرْحِ الْجُمَلِ وَإِنَّمَا لم يَتَعَرَّضْ له الْأُصُولِيُّونَ لِأَنَّ الْمَجَازَ فيها في التَّرْكِيبِ لَا في الْإِفْرَادِ فَاعْلَمْ ذلك فَقَدْ غَلِطَ من سَاقَ الْجَمْعَ مَسَاقًا

وَاحِدًا مَسْأَلَةٌ يَقَعُ الْمَجَازُ في الْمُفْرَدَاتِ وَالتَّرْكِيبِ الْمَجَازُ إمَّا أَنْ يَقَعَ في مُفْرَدَاتِ الْأَلْفَاظِ أو في تَرْكِيبِهَا فَالْأَوَّلُ كَإِطْلَاقِ الْأَسَدِ على الشُّجَاعِ وهو الذي تَكَلَّمَ فيه الْأُصُولِيُّ وَيُسَمَّى لُغَوِيًّا وَلَفْظِيًّا وَأَنْكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ وَمَنْ معه كما سَبَقَ وَالثَّانِي حَيْثُ تَكُونُ الْمُفْرَدَاتُ حَقَائِقَ إنَّمَا وَقَعَ التَّجَوُّزُ بِاعْتِبَارِ الْإِسْنَادِ فَإِنْ أُسْنِدَ إلَى ما ليس له في نَفْسِ الْأَمْرِ كَسَبَ زَيْدٌ أَبَاهُ إذَا كان سَبَبًا له وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى يَنْزِعُ عنهما لِبَاسَهُمَا وهو الذي يَتَكَلَّمُ الْبَيَانِيُّون فيه وَيُسَمَّى عَقْلِيًّا وَحُكْمِيًّا فإذا وَصَفْنَا الْمُفْرَدَ بِالْمَجَازِ كَقَوْلِنَا الْيَدُ مَجَازٌ في النِّعْمَةِ كان حُكْمًا من طَرِيقِ اللُّغَةِ وَمَتَى وَصَفْنَا الْجُمْلَةَ بِذَلِكَ كان من طَرِيقِ الْمَعْقُولِ وَالْكَلَامُ فيه من وُجْهَاتٍ تَعْرِيفُ الْمَجَازِ الْأَوْلَى في حَدِّهِ اُخْتُلِفَ فيه فقال عبد الْقَاهِرِ وَالسَّكَّاكِيُّ هو الْكَلَامُ الْمُفَادُ بِهِ خِلَافُ ما عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ فيه بِضَرْبٍ من التَّأْوِيلِ إفَادَةً لِلْخِلَافِ لَا بِوَاسِطَةِ الْوَضْعِ فَخَرَجَ بِالْمُفَادِ بِهِ خِلَافُ ما عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ الْحَقِيقَةُ وبضرب من التَّأْوِيلِ الْكَذِبُ وَبِالْأَخِيرِ الْمَجَازُ اللُّغَوِيُّ وقال الزَّمَخْشَرِيُّ إسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى شَيْءٍ يَلْتَبِسُ بِاَلَّذِي هو له في الْحَقِيقَةِ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْمَجَازَ هل هو نَفْسُ اللَّفْظِ أو الْإِسْنَادُ فيه خِلَافٌ يَنْشَأُ من الْحَدَّيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هو الْكَلَامُ وَعَلَى الثَّانِي هو الْإِسْنَادُ وَلِهَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ بِأَنَّهُ الْإِسْنَادُ نَفْسُهُ وهو ما نَقَلَهُ ابن الْحَاجِبِ عن الشَّيْخِ عبد الْقَاهِرِ لَكِنْ صَرَّحَ الشَّيْخُ في مَوَاضِعَ من دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ بِأَنَّ الْمُسَمَّى بِالْمَجَازِ الْكَلَامُ لَا الْإِسْنَادُ وَعَلَيْهِ جَرَى السَّكَّاكِيُّ في الْمِفْتَاحِ وَلِهَذَا يقول في جَمِيعِ الْبَابِ إسْنَادُ حَقِيقَةٍ وَإِسْنَادُ مَجَازٍ كما قال غَيْرُهُ وهو الصَّوَابُ لِأَنَّ الْمُسَمَّى حَقِيقَةً أو مَجَازًا على هذا نَقِيسُهُ بِلَا وَاسِطَةٍ لِاشْتِمَالِ الْإِسْنَادِ على ما يُنْسَبُ إلَيْهِ الْعَقْلُ نَفْسُهُ قِيلَ وَالْخِلَافُ في الْعِبَارَةِ لَا الْمَعْنَى لِأَنَّ الذي يَنْسُبُهُ إلَيْهِ الْكَلَامُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْإِسْنَادَ لِأَنَّ

الْكَلَامَ يَسْتَلْزِمُ الْإِسْنَادَ الذي يُوصَفُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَلِاسْتِلْزَامِهِ ذلك جَازَ الْإِطْلَاقُ وَلَا شَكَّ أَنَّ إطْلَاقَهُمَا على الْإِسْنَادِ أَوْضَحُ وُجُودُ الْمَجَازِ الثَّالِثَةُ هل هو مَوْجُودٌ أَمْ لَا وَالْجُمْهُورُ من الْبَيَانِيِّينَ على إثْبَاتِهِ وَوَافَقَهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَغَيْرُهُ وَأَنْكَرَهُ السَّكَّاكِيُّ وابن الْحَاجِبِ أَمَّا ابن الْحَاجِبِ فقال إنَّهُ حَقِيقَةٌ وَإِسْنَادُ السُّرُورِ إلَى الرُّؤْيَةِ ليس بِمَجَازٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَيْهَا بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى ما هو له عَادَةً حَقِيقَةٌ وَالْمَجَازُ إنَّمَا هو في الْمُفْرَدِ أَيْ في الْفِعْلِ وَأَمَّا السَّكَّاكِيُّ فقال إنَّهُ رَاجِعٌ إلَى اسْتِعَارَةٍ بِالْكِنَايَةِ فَقَوْلُهُمْ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ عن الْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ بِوَاسِطَةِ الْمُبَالَغَةِ في التَّشْبِيهِ على قَاعِدَةِ الِاسْتِعَارَةِ وَنِسْبَةُ الْإِنْبَاتِ إلَيْهِ قَرِينَةُ الِاسْتِعَارَةِ وَهَكَذَا يَصْنَعُ في بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ وَاحْتَجَّ الْمُنْكِرُ بِأَنَّ الْمُسْنَدَ وَالْمُسْنَدَ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَا في مَوْضُوعِهِمَا فَيَكُونُ الِاسْتِعْمَالُ حَقِيقِيًّا أو يُسْتَعْمَلَ أَحَدُهُمَا في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ فَالْإِسْنَادُ لِلْمَعْنَى لَا لِلَّفْظِ فَاللَّفْظُ مَجَازٌ وَالْإِسْنَادُ حَقِيقَةٌ وَإِسْنَادُ مَدْلُولِ الْمَجَازِ لِمَدْلُولِ الْمَجَازِ أو لِمَدْلُولِ الْحَقِيقَةِ حَقِيقَةٌ مِثَالُهُ أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك فَالْإِحْيَاءُ مَجَازٌ أو عن السُّرُورِ وَالِاكْتِحَالُ مَجَازٌ عن الرُّؤْيَةِ وَإِسْنَادُ السُّرُورِ إلَى الرُّؤْيَةِ حَقِيقَةٌ فَالْإِسْنَادُ دَائِمًا لِلْمَعْنَى وَالْمَعْنَى نِسْبَةُ شَيْءٍ فَلَا يَخْتَلِفُ وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ عن هذا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّا في مَجَازِ التَّرْكِيبِ لَا نُلَاحِظُ الْمَعْنَى أَصْلًا بَلْ مُجَرَّدُ اللَّفْظِ هل وُضِعَ لِيُرَكَّبَ مع هذا اللَّفْظِ أو لَا فما وُضِعَ لِيُرَكَّبَ مع اللَّفْظِ فَهُوَ مَجَازٌ في التَّرْكِيبِ ثَانِيهِمَا أَنَّ السُّؤَالَ مُغَالَطَةٌ لِأَنَّا ادَّعَيْنَا أَنَّ تَرْكِيبَ لَفْظِ الْإِحْيَاءِ مع لَفْظِ الِاكْتِحَالِ مَجَازٌ في التَّرْكِيبِ وَأَنْتُمْ أَثْبَتُّمْ تَرْكِيبَ لَفْظِ السُّرُورِ مع الرُّؤْيَةِ وهو غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ ا هـ قِيلَ وَهُمَا فَاسِدَانِ أَمَّا قَوْلُهُ في مَجَازِ التَّرْكِيبِ لَا نُلَاحِظُ الْمَعْنَى فَمَمْنُوعٌ وَأَيُّ مَجَازٍ لَا يُلَاحَظُ فيه الْمَعْنَى وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذلك وَالْمَجَازُ بِنَوْعَيْهِ شَرْطُهُ الْعَلَاقَةُ وَهِيَ مَعْنًى وَأَمَّا الثَّانِي فَنَقُولُ أَيُّ فَرْقٍ بين تَرْكِيبِ لَفْظِ الْإِحْيَاءِ وَالِاكْتِحَالِ وَلَفْظِ السُّرُورِ وَالرُّؤْيَةِ وَكُلُّ ما ثَبَتَ لِلشَّيْءِ ثَبَتَ لِمُسَاوِيهِ وَالْإِحْيَاءُ وَالِاكْتِحَالُ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مُسَاوِيَانِ لِلسُّرُورِ وَالرُّؤْيَةِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَ مَجَازَ التَّرْكِيبِ ابن الْحَاجِبِ في مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ

وأماليه وَاسْتَبْعَدَهُ في الصَّغِيرِ وَرَدَّ على عبد الْقَاهِرِ في قَوْلِهِ في نَحْوِ أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك أَنَّ الْمَجَازَ في الْإِسْنَادِ قال ما مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْمَجَازَ وَالْحَقِيقَةَ مُعْتَوِرَانِ شيئا بِحَسَبِ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ كَالْأَسَدِ يَكُونُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بِاعْتِبَارِ الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ وَالرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَأَمَّا إسْنَادُ الْإِحْيَاءِ إلَى الِاكْتِحَالِ فَلَيْسَ له إلَّا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ من غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا في التَّرْكِيبِ وَلِعَبْدِ الْقَاهِرِ أَنْ يَقُولَ نَظِيرُ الْأَسَدِ إنْ أَخَذْت الْإِحْيَاءَ مُسْنَدًا إلَى شَيْءٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ له جِهَتَانِ جِهَةٌ يُسْنَدُ فيها إلَى ما هو له وَجِهَةٌ يُنْسَبُ إلَى غَيْرِ ما هو له وَإِنْ أَخَذْت الْإِحْيَاءَ بِقَيْدِ إسْنَادِهِ إلَى الِاكْتِحَالِ فَنَظِيرُهُ الْأَسَدُ بِقَيْدِ إرَادَةِ الرَّجُلِ الشُّجَاعِ ليس له إلَّا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ وقال بَعْضُ الْأَئِمَّةِ في قَوْلِ من قال إنَّ الْمَجَازَ في التَّرْكِيبِ مِثْلُ أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك فيه نَظَرٌ لِأَنَّك إذَا رَدَدْت الْمُفْرَدَاتِ إلَى ما هِيَ مَجَازٌ عنه لم يَبْقَ في التَّرْكِيبِ مَجَازٌ وَذَلِكَ يَدُلُّ على أَنَّ الْمَجَازَ في الْمُفْرَدَاتِ وَطَرِيقُ رَدِّهَا إلَى ما هِيَ مَجَازٌ عنه أَنَّ أَحْيَانِي مَجَازٌ عن سَرَّنِي وَاكْتِحَالِي مَجَازٌ عن رُؤْيَتِي وَطَلْعَتُك مَجَازٌ عن وَجْهِك وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَجَازُ في التَّرْكِيبِ في مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ أَحْيَا الْأَرْضَ شَبَابُ الزَّمَانِ لِأَنَّكَ وَإِنْ رَدَدْت الْمُفْرَدَاتِ إلَى ما هِيَ عليه بَقِيَ الْمَجَازُ في الْإِسْنَادِ لِأَنَّ إحْيَاءَهَا في الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هو من اللَّهِ تَعَالَى قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هذا الْخِلَافُ ليس في جَوَازِهِ وَلَا في وُقُوعِهِ بِدَلِيلِ الْأَمْثِلَةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في كَوْنِهِ عَقْلِيًّا أو لُغَوِيًّا أَيْ في أَنَّ الْقَوْلَ في هذا الْمَجَازِ هل هو حُكْمٌ عَقْلِيٌّ أو لَفْظٌ وَضْعِيٌّ وَسَنَذْكُرُهُ وقد عَكَسَ أبو الْمُطَرِّفِ بن عَمِيرَةَ في كِتَابِ الشُّبُهَاتِ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ وقال الْمَجَازُ قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا في التَّرْكِيبِ وَلَا يَكُونُ في الْمُفْرَدِ نعم عِنْدَ التَّعْلِيمِ بِالْمِثَالِ قد يُجَاءُ بِاللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فَيُقَالُ كما يُقَالُ لِلشُّجَاعِ هو أَسَدٌ وَلِلْبَلِيدِ هو حِمَارٌ وَالنَّحْوِيُّ يقول إعْرَابُ الْفَاعِلِ الرَّفْعُ وَالْمَفْعُولِ النَّصْبُ كما يقول زَيْدٌ إذَا جَعَلْته فَاعِلًا وَزَيْدًا إذَا جَعَلْته مَفْعُولًا فَكَانَ يَلْزَمُ على هذا إذَا قِيلَ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا أَنْ يُقَالَ في الْإِعْرَابِ الْإِفْرَادِيِّ وفي هذا التَّرْكِيبِيُّ أو الْإِسْنَادِيُّ وَالْإِعْرَابُ حَقِيقَةً إنَّمَا هو في هذا وَانْظُرْ أَمْثِلَتَهُمْ في الْإِسْنَادِيِّ وفي الْإِفْرَادِيِّ تَجِدْهَا وَاحِدَةً الْمَجَازُ التَّرْكِيبِيُّ عَقْلِيٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ

الرَّابِعَةُ إذَا أَثْبَتْنَا الْمَجَازَ التَّرْكِيبِيَّ فَهَلْ هو لُغَوِيٌّ أَمْ عَقْلِيٌّ وَالْجُمْهُورُ على أَنَّهُ عَقْلِيٌّ ولم يُسَمُّوهُ مَجَازًا لِكَوْنِهِ وُضِعَ لِمَعْنًى ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ في غَيْرِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ له جِهَتَانِ جِهَةُ الْحَقِيقَةِ وَجِهَةُ الْمَجَازِ كما في الْمَجَازِ الْمُفْرَدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ صِيَغَ الْأَفْعَالِ فيه مُسْتَعْمَلَةٌ في مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَكَذَا صِيَغُ الْفَاعِلِ فَلَا مَجَازَ فيه إلَّا في نِسْبَةِ تِلْكَ الْأَفْعَالِ إلَى أُولَئِكَ الْفَاعِلِينَ وهو أَمْرٌ عَقْلِيٌّ لَا وَضْعِيٌّ وَكَذَلِكَ لَا نُسَمِّيهِ مَجَازًا لُغَوِيًّا لِعَدَمِ رُجُوعِهِ إلَى الْوَضْعِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ في الْمُفْرَدِ فإنه عِبَارَةٌ عن اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْجِهَتَيْنِ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَجِهَةِ الْمَجَازِ وَأَيْضًا فإن وَاضِعَ اللُّغَةِ لَا صُنْعَ له بَعْدَ وَضْعِ الْمُفْرَدِ لَا يُسْنَدُ إلَيْهِ بَلْ يَكِلُ ذلك إلَى خِبْرَةِ الْمُتَكَلِّمِ أَلَا تَرَى أَنَّ إسْنَادَ الْوَشْيِ إلَى الرَّبِيعِ لَا الْقَادِرِ في قَوْلِك خَيْطٌ أَحْسَنُ من وَشْيِ الرَّبِيعِ ليس مُسْتَفَادًا من اللُّغَةِ وَقِيلَ بَلْ هو لُغَوِيٌّ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ وَضَعَ الْمُفْرَدَ لِيُرَكِّبَهُ مع ما يُنَاسِبُهُ كما صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَغَيْرُهُ وَالْمُنَاسَبَةُ مَعْلُومَةٌ بِطُرُقِهَا وَحَجَرَ أَيْضًا في التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْحَذْفِ وَالذِّكْرِ إلَى غَيْرِ ذلك فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لُغَوِيٌّ وَاعْلَمْ أَنَّ هذا الْخِلَافَ يَتَوَقَّفُ على أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَرَبَ هل وَضَعَتْ الْمُرَكَّبَاتِ أو لَا وَفِيهِ خِلَافٌ الثَّانِي في مَدْلُولِ نِسْبَةِ الْأَفْعَالِ إلَى فَاعِلِهَا فَنَقُولُ الْفِعْلُ تَارَةً يُرَادُ بِهِ وُقُوعُهُ من فَاعِلِهِ حَقِيقَةً أو قُدْرَةُ الْفَاعِلِ كَقَوْلِنَا خَلَقَ اللَّهُ زَيْدًا وَكَذَلِكَ كُلُّ فِعْلٍ نُسِبَ إلَى اللَّهِ وَتَارَةً يُرَادُ بِهِ وُقُوعُهُ من فَاعِلِهِ حُكْمًا كَقَوْلِنَا قام زَيْدٌ فإن اللَّهَ تَعَالَى هو الْفَاعِلُ وَلَكِنَّ الْقِيَامَ مَنْسُوبٌ فِعْلُهُ لِزَيْدٍ حُكْمًا وَتَارَةً يُرَادُ بِمُجَرَّدِ اتِّصَافِهِ بِهِ كَقَوْلِنَا مَرِضَ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا تَسَبُّبَ فيه كَبَرْدِ الْمَاءِ وَكُلُّ هذه الْأَقْسَامِ الْإِسْنَادُ فيها حَقِيقِيٌّ لِأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ لها ولم تَقْتَصِرْ على الْإِسْنَادِ إلَى الْمُوجِدِ وَالْإِسْنَادُ لِغَيْرِ الْمُوجِدِ لَا يُنَافِي الْحَقِيقَةَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحَقِيقَةِ إلَّا ما وَضَعَتْ الْعَرَبُ بِإِزَائِهِ وَالْعَرَبُ تَقْصِدُ النِّسْبَةَ لِهَذِهِ الْأُمُورِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ تَبَادُرِ الذِّهْنِ إلَى الْإِسْنَادِ من غَيْرِ الْمُوجِدِ إنَّمَا الْمَجَازُ التَّرْكِيبِيُّ النِّسْبَةُ لِغَيْرِ هذه الْأَقْسَامِ وَمَعْنَى نِسْبَةِ الشَّيْءِ لِغَيْرِ فَاعِلِهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَلَا بِمَعْنَى اتِّصَافِهِ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَأَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ فإن الرَّبِيعَ ليس بِمُنْبِتٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَلَا مُتَّصِفٍ بِذَلِكَ في وَضْعِ الْعَرَبُ إذَا تَقَرَّرَ هذا فَنَقُولُ إنْ فَرَّعْنَا على مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ من أَنَّ الْمُرَكَّبَاتِ مَوْضُوعَةٌ فَالْمَجَازُ في التَّرْكِيبِ لُغَوِيٌّ لِأَنَّهُ إسْنَادٌ لِغَيْرِ مَوْضُوعِهِ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً فَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ عَقْلِيٌّ لَا مَدْخَلَ لِلُّغَةِ فيه فَمِنْ هُنَا جاء الْخِلَافُ في أَنَّ الْمَجَازَ

التَّرْكِيبِيَّ عَقْلِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ قد يَكُونُ بِالْأَصَالَةِ أو التَّبَعِيَّةِ الْمَجَازُ الْوَاقِعُ في الْكَلَامِ قد يَكُونُ بِالْأَصَالَةِ وقد يَكُونُ بِالتَّبَعِيَّةِ وَالْأَوَّلُ لَا يَدْخُلُ في أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْحُرُوفُ أَحَدُهَا الْحَرْفُ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ قال الْإِمَامُ فَإِنْ ضُمَّ إلَى ما يَنْبَغِي ضَمُّهُ إلَيْهِ كان حَقِيقَةً وَإِلَّا فَهُوَ مَجَازٌ في التَّرْكِيبِ لَا في الْمُفْرَدِ وَخَالَفَهُ النَّقْشَوَانِيُّ مُدَّعِيًا أَنَّ الْحُرُوفَ لها مُسَمًّى في الْجُمْلَةِ وقد اُسْتُعْمِلَ في مَوْضُوعِهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً سَوَاءٌ كان الِاسْتِعْمَالُ عِنْدَ ضَمِّهِ إلَى غَيْرِهِ أو عِنْدَ عَدَمِ الضَّمِّ فإذا اُسْتُعْمِلَ في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لِعَلَاقَةٍ كان مَجَازًا من غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَمِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى وَلِأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ فإن الصَّلْبَ مُسْتَعْمَلٌ في مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ وَكَذَلِكَ جُذُوعُ النَّخْلِ ولم يَقَعْ الْمَجَازُ إلَّا في حَرْفِ في فَإِنَّهَا لِلظَّرْفِيَّةِ في الْأَصْلِ وقد اُسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِغَيْرِ الظَّرْفِيَّةِ قال لو لم يَدْخُلْ الْمَجَازُ في الْحَرْفِ بِالذَّاتِ لَمَا دَخَلَتْ فيه الْحَقِيقَةُ وَأَطَالَ في ذلك وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ في كِتَابِ الْمَجَازِ دُخُولَهُ في الْحُرُوفِ وَمَذْهَبُ نُحَاةِ الْكُوفَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ نِيَابَةُ بَعْضِ الْحُرُوفِ عن بَعْضٍ وَخَالَفَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ وَجَعَلُوا ذلك على طَرِيقِ التَّضْمِينِ وهو لَا يَخْرُجُ عن الْمَجَازِ الْأَفْعَالُ وَالْمُشْتَقَّاتُ الثَّانِي الْأَفْعَالُ وَالْمُشْتَقَّاتُ لِأَنَّهُمَا يَتْبَعَانِ أُصُولَهُمَا وَأَصْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَصْدَرُ فَإِنْ كَانَا حَقِيقَةً كَانَا كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَاقَشَهُ النَّقْشَوَانِيُّ أَيْضًا فقال قَوْلُكُمْ هُنَا لَا يَدْخُلُ الْمَجَازُ في الْفِعْلِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دُخُولِهِ في الْمَصْدَرِ يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَقِّ بَعْدَ زَوَالِ الْمُشْتَقِّ منه مَجَازٌ وقال الْأَصْفَهَانِيُّ كَوْنُ الْمَجَازِ لَا يَدْخُلُ في الْفِعْلِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دُخُولِهِ في الْمَصْدَرِ مُفَرَّعٌ على قَوْلِنَا الْفِعْلُ مُشْتَقٌّ من الْمَصْدَرِ قال وقد يَدْخُلُ الْمَجَازُ في الْأَفْعَالِ فإن الْمَاضِيَ يُسْتَعْمَلُ في الْمُسْتَقْبَلِ

كَقَوْلِهِ تَعَالَى أتى أَمْرُ اللَّهِ وَعَكْسُهُ نَحْوُ إنْ قام عَمْرٌو وَهَذَا مَجَازٌ في الْمَاضِي مع عَدَمِ دُخُولِهِ في الْمَصْدَرِ قُلْت وَكَذَا اسْتِعْمَالُ ظَنَّ بِمَعْنَى تَيَقَّنَ في قَوْله تَعَالَى إنِّي ظَنَنْت أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ وَعَلِمَ بِمَعْنَى ظَنَّ في قَوْلِهِ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ وَمِنْ مِثْلِهِ قَوْلٌ لِأَبِي الطَّيِّبِ إنَّ الْكَرِيمَ إذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ سَالَ النِّضَارُ بها وَسَالَ الْمَاءُ وقال الْوَاحِدِيُّ أَيْ سَالَ الذَّهَبُ إلَى أَنْ مَلَأَ الْبِطَاحَ وَالْبَرَارِيَ وَالْأَوْدِيَةَ إلَى أَنْ مَلَأَ الْأَنْهُرَ فَمَنَعَ الْمَاءَ من أَنْ يَسْتَقِرَّ وَيَنْبَنِي على تَصَوُّرِ الْمَجَازِ في الْأَفْعَالِ أَنَّا لو جَمَعْنَا اسْمَيْنِ بِفِعْلٍ نَحْوِ ضَرَبَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو هل يَجُوزُ مع إرَادَةِ يَضْرِبُ الْإِيلَامُ وَالسَّفَرُ أَمْ لَا الْأَسْمَاءُ الْعَامَّةُ الثَّالِثُ الْأَسْمَاءُ الْعَامَّةُ التي تَسْتَغْرِقُ كُلَّ مُسَمًّى بِأَصْلِ الْوَضْعِ نَحْوُ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَالْمَعْلُولِ وَالْمَدْلُولِ فإنه في أَيِّ شَيْءٍ اُسْتُعْمِلَ كان حَقِيقَةً فيه وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا فَلَا يَقْبَلُ الْمَجَازَ إذْ جَمِيعُ الْمُسَمَّيَاتِ دَلَّتْ عليها حَقِيقَةً فَكَيْفَ يُتَجَوَّزُ بها إلَى غَيْرِ مَدْلُولِهَا الْأَصْلِيِّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وابن فُورَكٍ وَغَيْرُهُمَا الْعَلَمُ الرَّابِعُ الْعَلَمُ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لم تُنْقَلْ لِعَلَاقَةٍ كَذَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ وَالْإِمَامُ في الْمَحْصُولِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَجَازَ يَدْخُلُ في كل اسْمٍ أَفَادَ مَعْنًى في الْمَنْقُولِ إلَيْهِ غَيْرُ الْمَعْنَى الذي أَفَادَهُ في الِاسْمِ الْمَنْقُولِ منه وَذَلِكَ كَقَوْلِنَا الْبَحْرُ حَقِيقَةٌ في الْمَاءِ الْكَثِيرِ ثُمَّ نَقَلْنَاهُ إلَى الْعَالَمِ لِكَثْرَةِ عِلْمِهِ فَأَفَادَنَا في حَقِيقَتِهِ كَثْرَةَ الْمَاءِ وفي مَجَازِهِ كَثْرَةَ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ ما أَشْبَهَهُ فَأَمَّا زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَنَحْوُهُمَا من الْأَعْلَامِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْفَرْقِ بين الْأَعْيَانِ وَالْأَجْسَامِ وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ فَلَوْ اسْتَعْمَلْنَا اسْمَ زَيْدٍ في غَيْرِهِ مِمَّا لَا يُسَمَّى زَيْدًا لم يُفِدْنَا ذلك غير ذلك الْمَعْنَى الذي أَفَادَهُ في حَقِيقَتِهِ وهو الْفَرْقُ بين الْأَجْسَامِ وَالْأَعْيَانِ فلم يُتَصَوَّرْ دُخُولُ الْمَجَازِ فيها وَقَيَّدَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ في النِّهَايَةِ بِالْأَعْلَامِ الْمَنْقُولَةِ وَكَذَا قال الْجَارْبُرْدِيُّ الذي يَدُورُ في خَلَدِي أَنَّ الْمُرَادَ الْأَعْلَامُ الْمَنْقُولَةُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الْمَنْقُولَةِ وَالْمُرْتَجَلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْأَعْلَامَ الْمَوْضُوعَةَ بِوَضْعِ أَهْلِ اللُّغَةِ حَقَائِقُ لُغَوِيَّةٌ كَأَسْمَاءِ

الْأَجْنَاسِ وقد قال غَيْرُهُمَا سَوَاءٌ كان الْعَلَمُ مُرْتَجَلًا أو مَنْقُولًا لِغَيْرِ عَلَاقَةٍ فَإِنْ نُقِلَ لِعَلَاقَةٍ كَمَنْ سَمَّى وَلَدَهُ بِالْمُبَارَكِ لِمَا ظَنَّهُ فيه من الْبَرَكَةِ فَكَذَلِكَ بِدَلِيلِ صِدْقِهِ عليه مع زَوَالِهَا وَصَارَ ابن فُورَكٍ إلَى أنها حَقَائِقُ عُرْفِيَّةٌ فقال في كِتَابِهِ وَجُمْلَةُ أَسْمَاءِ الْأَلْقَابِ مَنْقُولَةٌ عن أُصُولِهَا وَمَوْضُوعِهَا إلَى غَيْرِهِمَا على طَرِيقِ الِاصْطِلَاحِ لِيَجْعَلُوهَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ أَخَصَّ بها وَأَشْهَرَ من غَيْرِهَا حتى إذَا ذُكِرَ بِهِ لم يَدُلَّ إلَّا عليه قال وَكَذَلِكَ قال سِيبَوَيْهِ إنَّ قَوْلَهُمْ زَيْدٌ الِاسْمُ الْجَامِعُ لِلْأَوْصَافِ لِمَا كان قُصِدَ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ الْخَاصُّ له من سَائِرِ مُسَمَّيَاتِ جِنْسِهِ ا هـ وَاعْلَمْ أَنَّ هذا الْحُكْمَ ليس مُتَّفَقًا عليه فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ الْخِلَافَ في دُخُولِ الْمَجَازِ في الْأَعْلَامِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ من الْحَنَفِيَّةِ فقال الْأَعْلَامُ هل يَدْخُلُهَا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ قال وَالْأَكْثَرُونَ على الدُّخُولِ وَكَذَا قَالَهُ ابن لُقْمَانَ الْكُرْدِيُّ في كِتَابِهِ الْفُصُولِ ذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إلَى أَنَّ الْأَعْلَامَ يَدْخُلُ فيها الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَمِنْ هُنَا قال ابن السَّاعَاتِيِّ إنَّ كُلَّ كَلَامٍ عَرَبِيٍّ مُسْتَعْمَلٍ لَا يَخْرُجُ عن الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إذْ الْأَعْلَامُ عَرَبِيَّةٌ وفي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَالْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى وهو التَّفْصِيلُ بين الْأَعْلَامِ التي لم تُوضَعْ إلَّا لِلْفَرْقِ بين الذَّوَاتِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ لِأَنَّهَا لم تُوضَعْ لِلْفَرْقِ بين الصِّفَاتِ وَبَيْنَ الْأَعْلَامِ الْمَوْضُوعَةِ لِلصِّفَةِ كَالْأَسْوَدِ وَنَحْوِهِ إذْ لَا يُرَادُ بِهِ الدَّلَالَةُ على الصِّفَةِ مع أَنَّهُ وُضِعَ لها فَيَكُونُ مَجَازًا وَعَلَى هذا جَرَى ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ فقال الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ لَا يَدْخُلَانِ في أَسْمَاءِ الْأَلْقَابِ وَيَدْخُلَانِ في أَسْمَاءِ الِاشْتِقَاقِ قال بَعْضُ شَارِحِي الْمَحْصُولِ إنَّمَا قال الْغَزَالِيُّ ذلك بِنَاءً على مَذْهَبِهِ في عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ في الْمَجَازِ فإن الْمَجَازَ عِنْدَهُ ما اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ فما ذَكَرَهُ مُسْتَقِيمٌ على مَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لو كان مَأْخَذُهُ في هذا عَدَمَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ لم يُفَرِّقْ بين زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثِ بَلْ جَعَلَ الْكُلَّ مَجَازًا إذْ يَصْدُقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ وقال بَعْضُ نُفَاةِ الْمَجَازِ تَصَوُّرُ هذه الْمَسْأَلَةِ مُحَالٌ إذْ يَسْتَحِيلُ وَضْعُ سَابِقٍ على الِاسْتِعْمَالِ ثُمَّ يَطْرَأُ الِاسْتِعْمَالُ فَصَارَ بِاعْتِبَارِهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا وَلَا يُعْرَفُ تَجَرُّدُ اللَّفْظِ عن الِاسْتِعْمَالِ وهو مُسْتَحِيلٌ وَإِنَّ تَجَرُّدَهُ عن الِاسْتِعْمَالِ كَتَجَرُّدِ الْحَرَكَةِ عن الْمُتَحَرِّكِ نعم إنَّمَا يَتَجَرَّدُ وَهِيَ حِينَئِذٍ لَيْسَتْ لَفْظًا وَإِنَّمَا هِيَ على تَقْدِيرِ أَلْفَاظٍ لَا حُكْمَ

لها وَثُبُوتُهَا في الرَّسْمِ مَسْبُوقٌ بِالنُّطْقِ بها فإن الْخَطَّ يَسْتَلْزِمُ اللَّفْظَ من غَيْرِ عَكْسٍ قالوا وَيَسْتَلْزِمُ أَمْرًا فَاسِدًا وهو أَنَّهُ إذَا تَجَرَّدَ الْوَضْعُ عن الِاسْتِعْمَالِ جَازَ أَنْ يُوضَعَ لِلْمَعْنَى الثَّانِي من غَيْرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ في مَعْنَاهُ الْأَوَّلِ فَيَكُونَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةَ له وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ على الْقَائِلِينَ إنَّ الْأَعْلَامَ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ نَحْوُ قَوْلِنَا أبو يُوسُفَ أبو حَنِيفَةَ وَزَيْدٌ زُهَيْرٌ شِعْرًا وَهَذَا لَا يَرِدُ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ في أَنَّ الْعَلَمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَدْلُولِهِ ليس بِمَجَازٍ وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْعَلَمَ في غَيْرِ مَدْلُولِهِ كَاسْتِعْمَالِ أبي حَنِيفَةَ في أبي يُوسُفَ وَاسْتِعْمَالِ زُهَيْرٍ في زَيْدٍ وَكَذَلِكَ اشْتَرَيْت سِيبَوَيْهِ وَتُرِيدُ كِتَابَهُ فَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ ذلك وَالْمَجَازُ فيه غَيْرُ الْعَلَمِ وَالْعَلَمُ إذَا لم يَكُنْ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْمَجَازُ نَاشِئًا عنه وَأَجَابَ التَّبْرِيزِيُّ في كَلَامِهِ على الْمَحْصُولِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أنها في هذه الْحَالَةِ خَرَجَتْ عن الْعَلَمِيَّةِ الثَّانِي أَنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ ما اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أبي بَكْرٍ وَصَرَّحَ بِهِ النُّحَاةُ أَنَّهُ على حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أبو يُوسُفَ مِثْلُ أبي حَنِيفَةَ وَزَيْدٌ مِثْلُ زُهَيْرٍ وَاشْتَرَيْت كِتَابَ سِيبَوَيْهِ وقد تَحَصَّلْنَا في هذه الْمَسْأَلَةِ على مَذَاهِبَ وَيَجِبُ تَخْصِيصُ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِالْأَعْلَامِ الْمُجَدَّدَةِ دُونَ الْمَوْضُوعَةِ بِوَضْعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَإِنَّهَا حَقَائِقُ لُغَوِيَّةٌ

مسألة
الحقيقة لا تستلزم المجاز
قالوا لا خلاف في أن الحقيقة لا تستلزم المجاز إذ الوضع لا يستلزم الثاني والأصل لا يستلزم الفرع وليس كل الحقيقة تكون في غيرها علاقة فيها مسوغة للتجوز بل الحقيقة يكون لها مجاز كالبحر وقد لا يكون كالفرس قال الشيخ أبو إسحاق ومن حكم هذا أنه إذا ورد به الشرع فهل هو على حقيقته ولا يعدل به عنها إلى المجاز إلا بدليل وكان ينبغي أن يجيء في هذه المسألة خلاف من الخلاف في أن الأول هل يستلزم ثانيا كما فرع عليه الفقهاء إذ الحقيقة فيها قيد الأولية ثم رأيت القاضي أبا بكر في كتاب التقريب حكى عن بعض القدرية أن كل حقيقة لا بد لها من مجاز وما لا مجاز له فلا يقال إن له حقيقة وهو يرد على

حكايتهم الإجماع فيما سبق واختلفوا في المجاز هل يستلزم الحقيقة على معنى أنه هل يشترط في استعمال اللفظ في غير موضوعه أن تكون الحقيقة قد وجدت واستعملت في ذلك المعنى أو لا على قولين أحدهما نعم وبه جزم الشيخ في اللمع والقاضي أبو بكر وابن فورك قال كما أن لكل فرع أصلا وابن برهان في الأوسط وابن السمعاني في القواطع وأبو الحسين البصري في المعتمد والقاضي عبد الوهاب في الملخص والقاضي عبد الجبار والإمام فخر الدين والإبياري في شرح البرهان وغيرهم فكل مجاز لا بد أن يكون له حقيقة لأنه فرعها والفرع يستلزم الأصل ولأن الثاني يستدعي أولا وأصحهما عند الآمدي وابن الحاجب المنع ونقله ابن الساعاتي عن المحققين واختاره البيضاوي في المرصاد لأن المجاز وإن كان مستعملا في غير ما وضع له ففائدة الوضع التهيؤ للاستعمال ولأن اللفظ بعد وضعه وقبل استعماله لا حقيقة ولا مجاز ويجوز أن يسمى به حينئذ غيره لعلاقة بينهما فيكون مجازا لا حقيقة له والحق أن المجاز يفتقر إلى سبق وضع أول لا إلى سبق حقيقة وكذا قال الأصفهاني الحق أن المجاز يستلزم اللفظ الموضوع بإزاء معنى من المعاني والحقيقة ليست اللفظ الموضوع بل المستعمل فيما وضع له اللفظ واختلف كلام الرازي في منتخبه وأوله ابن التلمساني بأنه حيث قال لا يستلزم أراد به الجواز العقلي وحيث يقال يستلزمه أراد به الوضع فإنا لم نعرف أن الألفاظ موضوعة بإزاء ما دلت عليه إلا بالاستعمال ولا نعرف عين الواضع من توقف أو مصطلح وزعم بعضهم أن الخلاف في هذه المسألة إنما هو في المفرد لا المركب والمانعون تمسكوا بأن الرحمن مجاز في الباري تعالى لأنه موضوع للواحد المذكر الموصوف بالتعطف وليس له حقيقة لأنه لم يستعمل إلا في الله واعترض بأنه كان يقال علي رحمان اليمامة وأجيب بأنه على سبيل المجاز أيضا ومعناه منعم اليمامة وبأنه لا يلتفت إليهم لأنه تعنت منهم وقيل في الجواب نظر لأنه لا ينفي الاستعمال في حق الباري سبحانه غايته أنه يعلل الواقع وهو تأكد الاستعمال لكنه ضعيف إذ لا اعتداد بالاستعمال إذا كان على خلاف أصل الوضع مضادا له منافيا إياه وظهر من هذا أنه مجاز ليس

بحقيقة

مسألته
هل يتجوز بالمجازعن المجاز
هل من شَرْطِ الْمَجَازِ أَنْ يُتَجَوَّزَ بِهِ عن الْحَقِيقَةِ أَمْ يَجُوزُ أَنْ يُتَجَوَّزَ عن الْمَجَازِ هذا لم يَتَعَرَّضْ له الْأُصُولِيُّونَ وَسَبَقَ عَقْدُ مَسْأَلَةٍ فيه وَيَخْرُجُ من كَلَامِ أَصْحَابِنَا فيه خِلَافٌ فَإِنَّهُمْ قالوا فِيمَا إذَا قال لِزَوْجَتِهِ أو أَمَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ نَوَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ أو الظِّهَارِ أو الْعِتْقِ صَحَّ وَإِنْ نَوَى كِنَايَةً بِأَنْ أَرَادَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ فَيُجْعَلُ قَائِمًا مَقَامَ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنْ قُلْنَا الْحَرَامُ صَرِيحٌ في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَهَذَا كِنَايَةٌ عنه لِأَنَّ الصَّرِيحَ يُكَنَّى عنه فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ كِنَايَةٌ فيها لم يَجِبْ هُنَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ يَكُونُ لها كِنَايَةٌ لِضَعْفِهَا وَإِنَّمَا الْكِنَايَةُ عن الصَّرِيحِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ ثُمَّ قال وَلَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ هذا التَّصْوِيرُ لِأَنَّهُ يَنْوِي بِاللَّفْظِ مَعْنَى لَفْظٍ آخَرَ لَا صُورَةَ اللَّفْظِ وإذا كان الْمَنْوِيُّ الْمَعْنَى فَلَا فَرْقَ بين أَنْ يُقَالَ نَوَى التَّحْرِيمَ وَبَيْنَ أَنْ يُقَالَ نَوَى أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ فَرْعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمَجَازُ خَلَفٌ عن الْحَقِيقَةِ بِالِاتِّفَاقِ أَيْ فَرْعٌ لها بِمَعْنَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الرَّاجِحُ الْمُقَدَّمُ في الِاعْتِبَارِ وَأَجْمَعُوا على أَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِ انْعِدَامُ الْأَصْلِ لِلْحَالِ على احْتِمَالِ الْوُجُودِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا في جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ هل ذلك في حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ أو في حَقِّ الْحُكْمِ فَذَهَبَ أبو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ خَلَفٌ عن الْمُتَكَلِّمِ سَوَاءٌ كان مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ مَقْصُودًا فيه أَمْ لَا لِأَنَّهُمَا من عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَذَهَبَ صَاحِبَاهُ إلَى أَنَّهُ خَلَفٌ عن حُكْمِ ذلك يَعْنِي أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُوجِبًا حَقِيقَةً ثُمَّ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ لِمَعْنًى فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ وهو ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ من الْكَلَامِ وَلِأَنَّ الْمَجَازَ الذي لَا يُمْكِنُ صِحَّةُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ في الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْبُلَغَاءِ أَكْثَرُ من أَنْ يُحْصَى وَمَعْنَى هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ لَفْظٌ وَأُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ هل يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ

بهذا اللَّفْظِ أو لَا فَعِنْدَنَا يُشْتَرَطُ فَحَيْثُ يَمْتَنِعُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَا يَصِحُّ الْمَجَازُ وَعِنْدَهُ لَا بَلْ يَكْفِي صِحَّةُ اللَّفْظِ من حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ احْتِرَازًا من إلْغَاءِ الْكَلَامِ وَنَكْتُبُهَا أَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَنَا إذَا كان مُحَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ لَغْوٌ وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يُحْمَلُ على الْمَجَازِ وَعَلَى هذا الْأَصْلِ مَسَائِلُ منها إذَا قال الرَّجُلُ لِلْعَبْدِ الْأَكْبَرِ منه سِنًّا هذا ابْنِي فَحَقِيقَتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ إذْ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ ابْنَهُ فَهَلْ يُنَزَّلُ على الْمَجَازِ وَيُقَالُ الْمُرَادُ مِثْلُ ابْنِي في الْحُرِّيَّةِ فَيُعْتَقُ عليه لِهَذَا اللَّفْظِ أو لَا يُنَزَّلُ عليه بَلْ يَلْغُو قال أبو حَنِيفَةَ بِالْأَوَّلِ وقال صَاحِبَاهُ بِالثَّانِي وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فيه وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِمْكَانِ إذَا كان الْمُقِرُّ بِنَسَبِهِ بَالِغًا وَكُذِّبَ الْمُقِرُّ فإن النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ جَزْمًا وفي ثُبُوتِ الْعِتْقِ وَجْهَانِ لِلْإِمْكَانِ على الْجُمْلَةِ وَقَالُوا لو حَلَفَ لِيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ فإن يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ على الْأَصَحِّ لِإِمْكَانِ الْبِرِّ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لم يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ على الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْحِنْثَ فيه غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ لَكِنْ خَالَفُوهُ فِيمَا لو قال لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هذه الْإِدَاوَةِ وَلَا مَاءَ فيها فَقَالُوا يَحْنَثُ على الْأَصَحِّ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وكان يَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَدَمِ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وهو الْبِرُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ لنا أَنَّ الْمَجَازَ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ من الْمَوْضُوعِ له إلَى لَازِمِهِ فَاللَّازِمُ مَوْقُوفٌ على الْمَوْضُوعِ له فَيَكُونُ اللَّازِمُ خَلَفًا وَفَرْعًا لِلْمَوْضُوعِ له فَلَا بُدَّ من إمْكَانِ الْأَوَّلِ لِتَوَقُّفِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ عليه فَاَلَّذِي ثَبَتَ بهذا اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ مَثَلًا فَلَفْظُ هذا ابْنِي خَلَفٌ عن الْحُكْمِ الذي ثَبَتَ بهذا اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ كَثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ مَثَلًا وقال أبو حَنِيفَةَ لَفْظُ هذا ابْنِي خَلَفٌ عن لَفْظِ هذا حُرٌّ فَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ بِاللَّفْظِ الذي يُفِيدُهُ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْمَجَازِ خَلَفًا عن الْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ الذي يُفِيدُ عَيْنَ ذلك الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَقِيلَ بَلْ أَرَادَ أَنَّ لَفْظَ هذا ابْنِي إنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُرِّيَّةُ خَلَفٌ عن لَفْظِ هذا ابْنِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الْبُنُوَّةُ وقد أَوْرَدَ على الصَّاحِبَيْنِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ بهذا قَوْلُهُمْ هذا أَسَدٌ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ لِمَا تَحَقَّقَ أَنَّ الْهَيْكَلَ الْمَخْصُوصَ في حَقِّ الْإِنْسَانِ مُحَالٌ وقد أَطْبَقَ على صِحَّتِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ليس نَظِيرَ ما نَحْنُ فيه لِأَنَّ قَوْلَهُ هذا أَسَدٌ ليس مُسْتَعَارًا بِجُمْلَتِهِ بَلْ أَسَدٌ مُسْتَعَارٌ وَهَذَا اسْتِعَارَةٌ له وَأَمَّا هَاهُنَا فَهَذَا ابْنِي بِجُمْلَتِهِ مُسْتَعَارٌ في حَقِّ إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ

مَسْأَلَةٌ الْعِبْرَةُ بِالْحَقِيقَةِ إذَا كانت الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةً وَالْمَجَازُ غير مُسْتَعْمَلٍ أو كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ وَالْحَقِيقَةُ أَغْلَبُ اسْتِعْمَالًا فَالْعِبْرَةُ بِالْحَقِيقَةِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ ولم يُوجَدْ ما يُعَارِضُهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ كَانَا في الِاسْتِعْمَالَيْنِ سَوَاءً فَالْعِبْرَةُ بِالْحَقِيقَةِ أَيْضًا وَمِنْهُمْ من نَقَلَ الِاتِّفَاقَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَكَى الْخِلَافَ فيه جَمَاعَةٌ منهم أبو يُوسُفَ في الْوَاضِحِ فقال وَأَمَّا إذَا كان يُفِيدُ مَجَازًا مُتَعَارَفًا وَحَقِيقَةً مُتَعَاَرَفَةً فَقَدْ اُخْتُلِفَ فيه فقال أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَجِبُ حَمْلُهُ على الْحَقِيقَةِ وَقِيلَ بَلْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا وقال صَاحِبُ الْمَصَادِرِ الْقَوْلُ إذَا كانت له حَقِيقَةٌ مُتَعَارَفَةٌ فيه وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ كَقَوْلِهِ لَا أَشْرَبُ من هذا النَّهْرِ فَحَقِيقَتُهُ الْعُرْفِيَّةُ الْكَرْعُ وَمَجَازُهُ أَنْ يَغْتَرِفَ منه فَيَشْرَبَ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى وُجُوبِ حَمْلِهِ على الْحَقِيقَةِ لِقُوَّتِهَا وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قال وَاَلَّذِي أَقُولُهُ أَنَّ حُكْمَ هذا الْقَوْلِ حُكْمُ الْحَقَائِقِ الْمُشْتَرَكَةِ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ في الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِحُكْمِ الْوَضْعِ وَحَقِيقَةٌ في الْمَعْنَى الثَّانِي بِحُكْمِ الْعُرْفِ الطَّارِئِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وهو حَقِيقَةٌ فِيهِمَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ وَالْعُرْفِ وَتَسْمِيَتُهُ مَجَازًا خَطَأٌ ا هـ وَكَذَلِكَ حَكَى الْخِلَافَ أَيْضًا الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَحْصُولِ في الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ من الْبَابِ التَّاسِعِ بِالْمُسَاوَاةِ وقال الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِهِ إنَّهُ الْحَقُّ وَإِنْ هُجِرَتْ الْحَقِيقَةُ بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ لَا تُرَادُ في الْعُرْفِ فَالْعِبْرَةُ بِالْمَجَازِ بِالِاتِّفَاقِ كما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذه النَّخْلَةِ فإنه يَحْنَثُ بِثَمَرِهَا لَا بِخَشَبِهَا وَإِنْ كان هو الْحَقِيقَةَ لِأَنَّهَا قد أُمِيتَتْ بِحَيْثُ لَا تُرَادُ في الْعُرْفِ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا إذَا غَلَبَ الْمَجَازُ في الِاسْتِعْمَالِ وَالْحَقِيقَةُ تُتَعَاهَدُ في بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فقال أبو حَنِيفَةَ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا رَاجِحَةٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَكَوْنُهَا مَرْجُوحَةً أَمْرٌ عَارِضٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وقال صَاحِبَاهُ الْمَجَازُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ رَاجِحًا في الْحَالِ ظَاهِرًا فيه قال الْقَرَافِيُّ في شَرْحِ التَّنْقِيحِ وهو الْحَقُّ لِأَنَّ الظُّهُورَ هو الْمُكَلَّفُ بِهِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ في الْمَعَالِمِ وَالْبَيْضَاوِيُّ في الْمِنْهَاجِ اسْتِوَاءَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ رَاجِحٌ

على الْآخَرِ من وَجْهٍ فَالْحَقِيقَةُ بِالْأَصْلِ وَالْمَجَازُ بِالْغَلَبَةِ فَيَتَعَادَلَانِ وَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهَذَا يَتَوَقَّفُ على ثُبُوتِ تَعَادُلِ الْمُرَجِّحَيْنِ وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَعُزِيَ ذلك إلَى الشَّافِعِيِّ قُلْت وَيَشْهَدُ له الْمِثَالُ فَإِنَّهُمْ مَثَّلُوا الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من الْفُرَاتِ وَلَا نِيَّةَ له فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ إنَّمَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ منه وَلَا يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ من الْأَوَانِي الْمَمْلُوءَةِ منه وَعِنْدَنَا يَحْنَثُ بِالِاغْتِرَافِ منه كما يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ منه لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ وهو الْمَنْقُولُ عِنْدَنَا كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ في النَّوْعِ الثَّانِي من أَلْفَاظِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قالوا وَالْخِلَافُ في هذه الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ وهو أَنَّ الْمَجَازَ هل هو خَلَفٌ عن الْحَقِيقَةِ في حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ أو في الْحُكْمِ فَإِنْ كان الْمَجَازُ خَلَفًا في حَقِّ الْمُتَكَلِّمِ لَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ بين الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ فَيُجْعَلُ اللَّفْظُ عَامِلًا في حَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ هذا تَحْرِيرُ التَّصْوِيرِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَالنَّقْلِ وَالتَّمْثِيلِ فَاعْتَمِدْهُ وَاطْرَحْ ما عَدَاهُ وَجَعَلَ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا صَدَرَ ذلك مِمَّنْ لَا عُرْفَ له وَلَا قَرِينَةَ فَإِنْ صَدَرَ ذلك من الشَّارِعِ حُمِلَ على الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَطْعًا أو من أَهْلِ الْعُرْفِ حُمِلَ عليها وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَجَازَ إنْ تَرَجَّحَ على الْحَقِيقَةِ بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ كَالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ أو الْعُرْفِيَّةِ الْعَامَّةِ أو الْخَاصَّةِ يُحْمَلُ على الشَّرْعِيَّةِ إنْ صَدَرَ من الشَّرْعِ وَعَلَى الْعُرْفِيَّةِ إنْ صَدَرَ منهم وَإِنْ تَرَجَّحَ على الْحَقِيقَةِ وَلَكِنْ لم يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الشَّرْعِيَّةِ أو الْعُرْفِيَّةِ أو انْتَهَى إلَيْهِ وَلَكِنْ لم يَصْدُرْ من أَهْلِ الشَّرْعِ أو الْعُرْفِ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُجْمَلًا وَلَا يُحْمَلُ على أَحَدِهِمَا إلَّا بِالْقَرِينَةِ أو النِّيَّةِ وَهَاهُنَا أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنَّ الْآمِدِيَّ ذَكَرَ في بَابِ الْمُجْمَلِ أَنَّ ما له مَوْضُوعٌ شَرْعِيٌّ وَلُغَوِيٌّ قِيلَ هو مُجْمَلٌ وَأَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُحْمَلُ على الشَّرْعِيَّةِ وَفَرَّقَ الْغَزَالِيُّ بين حَالَةِ الْإِثْبَاتِ فَكَذَلِكَ أو النَّفْيِ فَمُجْمَلٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ من الْمَجَازِ الرَّاجِحِ ولم يَظْهَرْ لي بَيْنَهُمَا فَرْقٌ في جَرَيَانِ الْخِلَافِ في كُلٍّ من الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْفَهَانِيِّ السَّابِقَ يَأْبَاهُ وقال صَاحِبُ الْمَصَادِرِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ على الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ وَلَكِنْ لَا أُسَمِّيهِ مَجَازًا بَلْ هو حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ كَالْغَائِطِ وَرَأَيْت في

شَرْحِ الْوَسِيطِ لِلشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ بن الرِّفْعَةِ في بَابِ الْإِيلَاءِ وقد تَعَرَّضَ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ فقال مَحَلُّ هذا الْخِلَافِ في جَانِبِ الْإِثْبَاتِ وَأَمَّا في جَانِبِ النَّفْيِ فَيُعْمَلُ بِالْمَجَازِ الرَّاجِحِ جَزْمًا لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى الْمَجَازِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْحَقِيقَةِ فَسَلْبُهَا يَقْتَضِي سَلْبَ سَائِرِ الْأَفْرَادِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا ما يُرَجَّحُ في الِاسْتِعْمَالِ قال وَلِهَذَا جَزَمَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ لَفْظَيْ الْجِمَاعِ وَالْإِيلَاءِ صَرِيحَانِ وَإِنْ حَكَوْا الْقَوْلَيْنِ في قَوْلِهِ لَا أُبَاشِرَنَّك وَلَا أَقْرَبَنَّك لِمُلَاحَظَةِ أَصْلِ الْحَقِيقَةِ وَالرُّجْحَانُ في لَا أُجَامِعُك دُونَهُمَا ا هـ وَفِيهِ بُعْدٌ عن كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ الثَّانِي مَثَّلَ في الْمَعَالِمِ هذه الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا قال لِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الْعِتْقَ هل يَكُونُ كِنَايَةً فَتُعْتَقُ بِهِ لِأَنَّ مَادَّةَ ط ل ق حَقِيقَتُهَا في الْخَلِيَّةِ وَحِلِّ الْقَيْدِ سَوَاءٌ من النِّكَاحِ وَالرِّقِّ فَيَكُونُ حَقِيقَةً في عِتْقِهَا بِالْوَضْعِ لَكِنَّهَا مَرْجُوحَةٌ لِاشْتِهَارِهَا في الطَّلَاقِ الذي هو حِلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ وهو مَجَازٌ رَاجِحٌ ثُمَّ أَوْرَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُ على هذا أَنْ لَا يُصْرَفَ إلَى الْمَجَازِ الرَّاجِحِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو قال لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ من غَيْرِ نِيَّةٍ وَأَجَابَ بِأَنَّ هذا غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ إذَا قال لِمَنْكُوحَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ عَنَى بهذا اللَّفْظِ الْحَقِيقَةَ الْمَرْجُوحَةَ وهو إزَالَةُ مُطْلَقِ الْقَيْدِ وَجَبَ أَنْ يَزُولَ مُسَمَّى الْقَيْدِ وإذا زَالَ هذا الْمُسَمَّى فَقَدْ زَالَ الْقَيْدُ الْمَخْصُوصُ وَإِنْ عَنَى بِهِ الْمَجَازَ الرَّاجِحَ فَقَدْ زَالَ قَيْدُ النِّكَاحِ فلما كان يُفِيدُ الزَّوَالَ على التَّقْدِيرَيْنِ اسْتَغْنَى عن النِّيَّةِ قال ابن التِّلِمْسَانِيِّ وَالسُّؤَالُ لَازِمٌ إذْ الْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا ذَكَرَهُ ولم يَنْوِ شيئا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُحْمَلُ على الطَّلَاقِ فَقَوْلُهُ إنْ نَوَى حُمِلَ على السُّؤَالِ وقال بَعْضُهُمْ هذا الذي قَالَهُ صَاحِبُ الْمَعَالِمِ لَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ بَلْ هو مُبَايِنٌ لهم لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ وَهَذَا مَبْحَثٌ في أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ أَوَّلًا وهو بَحْثٌ صَحِيحٌ مُفَرَّعٌ على الْقَوْلِ بِاسْتِوَاءِ الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْمَجَازِ الرَّاجِحِ إلَّا إنْ قِيلَ إنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ نَقَلَهُ إلَى حِلِّ قَيْدِ النِّكَاحِ وَصَارَ فيه حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً أو عُرْفِيَّةً وَارْتَفَعَ عن هذا الْمَجَازِ الرَّاجِحِ بِذَلِكَ كَسَائِرِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ وَمَسْأَلَةُ التَّعَارُضِ فِيمَا إذَا لم يَصِلْ الْمَجَازُ إلَى هذا الْحَدِّ وَالظَّاهِرُ أنها مَمَاتُهُ وَالْحَقِيقَةُ هُنَا لم تَمُتْ لَكِنَّ سِيَاقَ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَعَالِمِ أَنَّهُ يَنْوِي الْحَقِيقَةَ وهو مُطْلَقُ الْقَيْدِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا قالوا يَنْوِي الْعِتْقَ وهو إزَالَةُ قَيْدٍ خَاصٍّ وهو مِلْكُ

الْيَمِينِ وهو مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ فَخَرَجَ عن مَعْنَى الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْمَجَازِ الرَّاجِحِ فَيَبْطُلُ الْيَمِينُ في هذه الْجِهَةِ وَلَا نَدْرِي ما يقول الْأَصْحَابُ في هذه الْمَسْأَلَةِ إذَا نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْأَمَةِ إزَالَةَ مُطْلَقِ الْقَيْدِ من غَيْرِ نِيَّةِ الْعِتْقِ بِخُصُوصِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ تُعْتَقُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ من إزَالَةِ الْأَعَمِّ إزَالَةُ الْأَخَصِّ وَبَعْدُ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّمْثِيلُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً أو عُرْفِيَّةً في حِلِّ قَيْدِ النِّكَاحِ وَهُمَا مُقَدَّمَتَانِ على الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ قَطْعًا مَسْأَلَةٌ قِلَّةُ اسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُفْهَمُ مَعْنَاهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ قد يَقِلُّ اسْتِعْمَالُ الْحَقِيقَةِ في مَعْنَاهَا فَتَصِيرُ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَتْ لَا يُفْهَمُ الْمَعْنَى الذي كانت حَقِيقَةً فيه إلَّا بِقَرِينَةٍ فَتُلْحَقُ بِالْمَجَازِ كَالْغَائِطِ لِلْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ فإنه حَقِيقَةٌ ثُمَّ هُجِرَ وَيَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ في الْمَعْنَى الذي كان مَجَازًا فيه فَيَصِيرُ بِحَيْثُ إذَا أُطْلِقَ فُهِمَ منه ذلك الْمَعْنَى من غَيْرِ قَرِينَةٍ فَيُلْتَحَقُ بِالْحَقَائِقِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ هذه الْأَلْفَاظِ في مَعَانِيهَا تَابِعٌ لِاخْتِيَارِ الْوَاضِعِ وَالْمُسْتَعْمِلِ لَا لِأَنْفُسِهَا وَحَكَى الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ عن قَوْمٍ مَنَعُوا ذلك وَقَالُوا لَا يَجُوزُ أَنْ تُغَيَّرَ الْحَقِيقَةُ عن دَلَالَتِهَا لَا بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ في مَجَازِهَا وَلَا بِقِلَّتِهِ فيها وَلَا بِغَيْرِ ذلك وَكَذَا مَنَعُوا أَنْ يَتَغَيَّرَ الْمَجَازُ عن دَلَالَتِهِ بِأَنْ يَصِيرَ يَدُلُّ على الْمُرَادِ بِلَا قَرِينَةٍ قالوا لِأَنَّ ذلك يُوجِبُ قَلْبَ دَلَالَةِ الِاسْمِ وَمَعْنَاهُ وَالْأَدِلَّةُ لَا تَنْقَلِبُ عَمَّا هِيَ عليه قال الْقَاضِي وَهَذَا بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ وَضْعَ هذه الْأَلْفَاظِ ليس عن عِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ أو دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَإِنَّمَا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ بِالْمُوَاطَأَةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ على أَنَّهُ لو اُتُّفِقَ على تَسْمِيَةِ كل مُسَمًّى بِغَيْرِ اسْمِهِ لَدُلَّ عليه كَدَلَالَةِ الْيَوْمِ على ما اُتُّفِقَ عليه وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُوجِبُ قَلْبَ الْأَدِلَّةِ فَذَلِكَ في الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ أَمَّا ما ثَبَتَ بِالْمُوَاطَأَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ فَلَا يَمْنَعُ ذلك وقال صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ما ذَكَرْنَاهُ من صَيْرُورَةِ الْمَجَازِ حَقِيقَةً وَالْحَقِيقَةِ مَجَازًا إنَّمَا نُجَوِّزُهُ قبل نُزُولِ الْقُرْآنِ وَاسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ فَأَمَّا بَعْدَ نُزُولِهِ فَلَا وَإِلَّا لَانْسَدَّ عَلَيْنَا طَرِيقُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ بِمُرَادِ خِطَابِهِ وَيَتَطَرَّقُ الْوَهْمُ إلَى الْحَقَائِقِ ا ه

وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا مَسْأَلَةٌ تَعَدُّدُ وُجُوهِ الْمَجَازِ إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَتَعَدَّدَتْ وُجُوهُ الْمَجَازِ وكان بَعْضُهَا أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ الْحَمْلُ عليه قال ابن دَقِيقٍ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ هذه إذَا كانت الْمَجَازَاتُ بَيْنَهَا تَنَافٍ في الْحَمْلِ فَإِنْ لم يَكُنْ وَمَنَعَ من الْحَمْلِ عليها مَانِعٌ وَأَحَدُهَا أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ الْحَمْلُ على الْأَقْرَبِ مِنْهُمَا أو يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا جميعا لِتَنَاوُلِ ذلك الْوَجْهِ الْعَامِّ لها وَعَدَمُ الْمُنَافِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ على الْأَقْرَبِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ في الْحَمْلِ على الْأَقْرَبِ مَحْذُورَ التَّخْصِيصِ مع إمْكَانِ التَّعْمِيمِ بِخِلَافِ ما إذَا تَعَدَّدَتْ وُجُوهُ الْمَجَازِ وَوَقَعَ التَّنَافِي في الْحَمْلِ فإنه ليس فيه هذا الْمَحْذُورُ وَمِثَالُ ما إذَا تَعَذَّرَ الْحَمْلُ على الْحَقِيقَةِ وَتَعَدَّدَتْ وُجُوهُ الْمَجَازِ مع التَّنَافِي ما إذَا دخل على الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ عليها كما في لَا عَمَلَ إلَّا بِنِيَّةٍ مَثَلًا فإن الْحَقِيقَةَ مُتَعَذِّرَةٌ وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَدَّرَ لَا صِحَّةَ عَمَلٍ وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَدَّرَ لَا كَمَالَ عَمَلٍ فَهَذَانِ وَجْهَانِ من الْمَجَازِ وفي الْحَمْلِ على أَحَدِهِمَا مُنَافَاةٌ لِلْآخَرِ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا لَا صِحَّةَ لَزِمَ انْتِفَاءُ الْكَمَالِ وإذا قُلْنَا لَا كَمَالَ لم يَلْزَمْ انْتِفَاءُ الصِّحَّةِ وَالْحَمْلُ على الصِّحَّةِ أَقْرَبُ إلَى انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ من الْحَمْلِ على الْكَمَالِ قُلْت وَمِنْ الْمُرَجِّحَاتِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَتَعَدُّدِ الْمَجَازِ فيها ما تَحَقَّقَتْ عَلَاقَتُهُ فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا لم تَتَحَقَّقْ عَلَاقَتُهُ مِثَالُهُ قَوْلُهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا فإن الْحَنَفِيَّةَ حَمَلُوهُ على الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمَا بَائِعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ وَالشَّافِعِيَّةُ حَمَلُوهُ على من صَدَرَ مِنْهُمَا الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَجَازٌ لَكِنَّ مَجَازَ

الشَّافِعِيَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَلَاقَةَ مُتَحَقِّقَةٌ بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْفِعْلِ وَإِرَادَةِ الْمُسْتَقْبَلِ فإنه قد لَا يَتَحَقَّقُ صُدُورُ الْبَيْعِ الثَّانِي الِاتِّفَاقُ على مَجَازِيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ وَالِاخْتِلَافُ فيه بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي هل هو حَقِيقَةٌ أَمْ لَا فَكَانَ رَاجِحًا بهذا الِاعْتِبَارِ مَسْأَلَةٌ الْوَاسِطَةُ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَلَنَا وَاسِطَةٌ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قال ابن الْخَبَّازِ النَّحْوِيُّ في كِتَابِ النِّهَايَةِ وهو لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ لِشَيْءٍ وَضَعَ الْوَاضِعُ مثله لِعَيْنِهِ كَالْأَعْلَامِ لِلشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ وقال الْأُصُولِيُّونَ اللَّفْظُ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا كَاللَّفْظِ قبل الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا الِاسْتِعْمَالُ وهو مُنْتَفٍ وَكَالْأَعْلَامِ الْمُتَجَدِّدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُسَمَّيَاتِهَا فَإِنَّهَا أَيْضًا لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ لِأَنَّ مُسْتَعْمِلَهَا لم يَسْتَعْمِلْهَا فِيمَا وُضِعَتْ له إمَّا لِأَنَّهُ اخْتَرَعَهَا من غَيْرِ سَبْقِ وَضْعٍ كَالْمُرْتَجَلَةِ أو نَقَلَهَا عَمَّا وُضِعَتْ له كَالْمَنْقُولَةِ وَلَيْسَتْ مَجَازًا لِأَنَّهَا لم تُنْقَلْ لِعَلَاقَةٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ والمحصول أَمَّا الْأَعْلَامُ الْمَوْضُوعَةُ بِوَضْعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَهِيَ حَقَائِقُ لُغَوِيَّةٌ كَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَعَلَى هذا فَلَا فَرْقَ بين الْمَنْقُولَةِ وَالْمُرْتَجَلَةِ خِلَافًا لِلْهِنْدِيِّ حَيْثُ خَصَّهَا بِالْمَنْقُولَةِ وقد سَبَقَتْ مَسْأَلَةٌ كما أَنَّهُ من الْأَلْفَاظِ ما ليس بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ كَذَلِكَ فيها ما هو حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ إمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَعْنَيَيْنِ أو مَعْنًى وَاحِدٍ بِحَسَبِ وَضْعَيْنِ كَلُغَوِيٍّ وَعُرْفِيٍّ مَثَلًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ وَاحِدٍ لِاجْتِمَاعِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ

فَصْلٌ في الْحَقِيقَةِ الْحَقِيقَةُ تَتَوَقَّفُ على النَّقْلِ عن وَاضِعِ اللُّغَةِ كَالنُّصُوصِ في بَابِ الشَّرْعِ حَكَاهُ ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ عن أبي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ ولم يُخَالِفْهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَطْرُقُهُ الْخِلَافُ في الْمَجَازِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَمَّا الْمَجَازُ فَيُعْرَفُ إمَّا بِالنَّصِّ من الْعَرَبِ أو الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّصُّ بِأَنْ يَقُولَ هذا حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ وَيَنْقُلُ ذلك أَئِمَّةُ اللُّغَةِ قال ابن الْعَارِضِ في نُكَتِهِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا نَصَّ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُمْ إنْ قَالُوهُ نَقْلًا عن الْعَرَبِ فَهُوَ حُجَّةٌ أو إجْمَاعٌ بِإِجْمَاعِهِمْ كَذَلِكَ ا هـ وقد تَصَدَّى لِذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِأَسَاسِ الْبَلَاغَةِ وَقِيلَ يُعْرَفُ بِالضَّرُورَةِ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ بِأَنْ يُصَرِّحَ أَهْلُ اللُّغَةِ بِاسْمِهِ بِأَنْ يَقُولُونَ هذا اللَّفْظُ مَجَازٌ في الْمَعْنَى الْفُلَانِيِّ أو بِحَدِّهِ بِأَنْ يَقُولُونَ هو مَوْضُوعٌ فيه بِوَضْعٍ ثَانٍ أو بِخَاصَّتِهِ كما يُقَالُ اسْتِعْمَالُ هذا اللَّفْظِ في ذلك يَحْتَاجُ إلَى الْعَلَاقَةِ وَهَذَا قَالَهُ في الْمَحْصُولِ وَيُمْكِنُ رُجُوعُ الثَّالِثِ إلَى الْقِسْمِ النَّظَرِيِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْعَلَامَاتِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وقد أَنْكَرَ هذا الْقِسْمَ الْعَبْدَرِيُّ وابن الْحَاجِّ في كَلَامِهِمَا على الْمُسْتَصْفَى وَقَالَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَجَازِ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّصَفُّحِ لِلِسَانِ الْعَرَبِ ا هـ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ خِلَافُهُ فَمِنْ خَوَاصِّ الْحَقِيقَةِ وَهِيَ أَقْوَاهَا تَبَادُرُ الذِّهْنِ إلَى فَهْمِ الْمَعْنَى بِغَيْرِ قَرِينَةٍ لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ يَعْنِي أَنَّ من عَلِمَ الْوَضْعَ وَسَمِعَ اللَّفْظَ بَادَرَ إلَى حَمْلِهِ على ذلك الْمَعْنَى من غَيْرِ قَرِينَةٍ وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ عَمَّا إذَا بَدَرَ الْفَهْمُ إلَى الْمَعْنَى لِأَجْلِ أَمْرٍ خَارِجٍ عن الْوَضْعِ كَقَرَائِنَ احْتَفَتْ بِهِ أو غَلَبَةِ اسْتِعْمَالٍ لَا تَنْتَهِي إلَى كَوْنِ اللَّفْظِ مَنْقُولًا إلَى ذلك الْمَعْنَى وَرُبَّمَا يَتَبَادَرُ الْفَهْمُ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ من غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِهِ وَيَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْنًى آخَرَ لم يَتَبَادَرْ الْفَهْمُ إلَيْهِ ولم يَحْضُرْ السَّامِعَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا تَكُونُ الْمُبَادَرَةُ إلَى ذلك الْمَعْنَى الْأَوَّلِ دَلِيلًا على اخْتِصَاصِ الْحَقِيقَةِ بِهِ

قَالَهُ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وهو حَسَنٌ وَبِهِ يَنْدَفِعُ إيرَادُ من أَوْرَدَ على طَرْدِ هذه الْعَلَامَةِ الْمَجَازَ الْمَنْقُولَ وَالْمَجَازَ الرَّاجِحَ وَعَلَى عَكْسِهَا الْمُشْتَرَكُ فإنه حَقِيقَةٌ في مَدْلُولَاتِهِ مع عَدَمِ التَّبَادُرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ إنَّمَا يَتَبَادَرُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فيه وَلَا يُنَافِي ذلك لِكَوْنِهِ مَجَازًا وَأَمَّا الْمَجَازُ الرَّاجِحُ فَنَادِرٌ وَالتَّبَادُرُ في الْأَغْلَبِ لَا يُوجَدُ إلَّا في الْحَقِيقَةِ وَتَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ على الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ لَا يَقْدَحُ فيه حَقِيقَةً وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَالتَّعْرِيفُ بِالْعَلَامَةِ لَا يُشْتَرَطُ فيه الِانْعِكَاسُ وَمِنْهَا عَدَمُ احْتِيَاجِهِ إلَى الْقَرِينَةِ وَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرَكُ حَقِيقَتَيْنِ فإنه لِعَارِضِ الِاشْتِرَاكِ لَا لِذَاتِهِ وَمِنْ خَوَاصِّ الْمَجَازِ إطْلَاقُ اللَّفْظِ على ما يَسْتَحِيلُ تَعَلُّقُهُ بِهِ إذْ الِاسْتِحَالَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ غير مَوْضُوعٍ له فَيَكُونَ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ أَيْ أَهْلَهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ بِالْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ نَحْوُ وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا فإنه كَذَلِكَ مع أَنَّهُ ليس مَجَازًا لُغَوِيًّا فَإِنْ أَرَادَ بِاسْتِحَالَةِ التَّعَلُّقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَبَاطِلٌ قُلْت قد سَبَقَ أَنَّ الْمَجَازَ الْعَقْلِيَّ لُغَوِيٌّ على الصَّحِيحِ وَمِنْهَا أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ في الْمَعْنَى الْمَنْسِيِّ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى له أَفْرَادٌ فَيَتْرُكُ أَهْلُ الْعُرْفِ اسْتِعْمَالَهُ في بَعْضِ تِلْكَ الْأَفْرَادِ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذلك الْبَعْضُ مَنْسِيًّا ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ اللَّفْظُ في ذلك الْمَعْنَى الْمَنْسِيِّ فَيَكُونُ مَجَازًا عُرْفِيًّا كَالدَّابَّةِ فإنه مَوْضُوعٌ لِكُلِّ ما يَدِبُّ على الْأَرْضِ فَتَرَكَ بَعْضُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ اسْتِعْمَالَهَا في الْحِمَارِ بِحَيْثُ نُسِيَ فَإِطْلَاقُهَا عليه عِنْدَهُمْ مَجَازٌ لِأَنَّهُ مَجَازٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَمِنْهَا صِحَّةُ نَفْيِ اللَّفْظِ عن الْمَعْنَى في نَفْسِ الْأَمْرِ كَتَسْمِيَةِ الْجَدِّ أَبًا حَكَاهُ أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ في أُصُولِهِ عن الْكَرْخِيِّ وَكَقَوْلِك لِلْبَلِيدِ ليس بِحِمَارٍ وَقُلْنَا في نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَلِيدِ ليس بِإِنْسَانٍ فَقَدْ نَفَيْت الْحَقِيقَةَ لَكِنْ ليس في نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا بِعَكْسِ الْحَقِيقَةِ فإن عَلَامَتَهَا عَدَمُ صِحَّةِ النَّفْيِ إذْ لَا يُقَالُ لِلْبَلِيدِ ليس بِإِنْسَانٍ في نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ عِنْدَ قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ وَتَشْبِيهِهِ بِالْحِمَارِ وقد اجْتَمَعَ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ في قَوْله تَعَالَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فيها وَلَا يَحْيَا ومنها أن الحقيقة يجب اطرادها في سائر المواضع التي ثبت فيها معناها إلا لمانع ومعنى ذلك أنا إذا سمينا إنسانا بضارب لوقوع الضرب منه أو محلا بأنه أسود لحلول

السواد فيه وجب أن يسمى كل من صدر منه الضرب بأنه ضارب وكل من ماحله السواد واتصف به بأنه أسود وإلا لانتقض قولنا إنه سمي ضاربا لوقوع الضرب منه بخلاف المجاز فإنه لا يجب اطراده بل يقر حيث ورد فلا يستعمل إلا فيما استعمله أهل اللغة فيه أو في نظيره فكما يستدل بالاطراد على الحقيقة يستدل بعدم الاطراد على المجاز كالنخلة للإنسان الطويل فلا يقال لكل طويل نخلة كذا ذكره جماعة منهم الغزالي وابن برهان وقيده الهندي بأمرين أحدهما الوجوب أي يجب كون الحقيقة جارية على الاطراد لئلا يرد المجاز المطرد نقضا على طرده فإنه وإن كان مطردا لكنه لا يجب طرده بدليل عدم اطراد مثله في المجاز وثانيهما بشرط عدم المانع أي يجب أن تكون مطردة إن لم يمنع مانع شرعي أو عقلي أو لغوي لئلا يرد مثل السخي والفاضل بالنسبة إلى الله تعالى نقضا على عكسه ا هـ وممن ذكر أن علامة الحقيقة الاطراد دون المجاز القاضي أبو بكر فيما نقله إمام الحرمين عنه في التلخيص ثم قال وهو سديد إلا أنه لا يقتضي كبير معنى فإن الأصل في الحقائق نتبع أصل الوضع وفي المجاز نتبع استعمال أهل اللغة وإنما سمي كل من صدر عنه الضرب ضاربا بالاتباع لا بالقياس وحكاه أبو الحسين في المعتمد عن بعضهم ثم قال والصحيح أن نفس الاطراد من غير منع دليل على أن الاسم مجاز لأنه قد ثبت وجوب اطراد الاسم في حقيقته واطراده لا يدل على أنه حقيقة لأن المجاز وإن لم يجب اطراده فلا يمنع مانع من اطراده وقيل ليس الاطراد من علامات الحقيقة فإن من المجاز ما قد يطرد كإطلاق اسم الكل على الجزء ونحوه وقال إلكيا الهراسي الخلاف في هذه مبني على أن الحقائق تقاس عليها قال وفيه نظر لأنا قد بينا أن لا قياس في اللغة أصلا فلا يسمى من صدر منه الضرب ضاربا قياسا ولكن توقيفا ولو ثبت الاطراد في المجاز نقلا طردناه وَمِنْهَا أَنَّا إذَا وَجَدْنَا لَفْظَةً صَالِحَةً لِمَعْنَيَيْنِ وَجَمْعُهَا بِحَسَبِهِمَا مُخْتَلِفٌ عَلِمْنَا أنها مَجَازٌ في أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ عَلِمْنَا أنها حَقِيقَةٌ في الْآخَرِ أَمْ لَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فقال إنْ تَخْتَلِفْ صِيغَةُ الْجَمْعِ على الِاسْمِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مَجَازٌ في أَحَدِهِمَا وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَمِثْلُهُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ فإنه حَقِيقَةٌ في الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَجَمْعُهُ بهذا الْمَعْنَى

أَوَامِرُ وإذا أُطْلِقَ على الْفِعْلِ جُمِعَ على أُمُورٍ وَخَالَفَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن بَرْهَانٍ وَصَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجَمْعِ لَا مَدْخَلَ له في كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً أو مَجَازًا إلَّا أَنْ يَدَّعِي فيه اسْتِقْرَاءً فَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِهِ حِينَئِذٍ وقد يَتَّحِدُ الْجَمْعُ مع اخْتِلَافِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَالْحُمُرِ جَمْعُ حِمَارٍ وَالْأُسُدُ جَمْعٌ لِلرَّجُلِ وَغَيْرِهِ وقد يَخْتَلِفُ مع كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِمَا كَالْيَدِ فَإِنَّهَا حَقِيقَةٌ في النِّعْمَةِ وَالْجَارِحَةُ على قَوْلٍ وَجَمْعُ النِّعْمَةِ على أَيَادٍ وَجَمْعُ الْجَارِحَةِ على أَيْدٍ قِيلَ وَعَلَى من اعْتَبَرَ هذه الْعَلَامَةَ سُؤَالٌ فإنه إذَا اعْتَبَرْنَا اخْتِلَافَ الْجَمْعِ وَجَعْلَهُ مع اتِّحَادِ الْمُفْرَدِ دَلِيلًا على اخْتِلَافِ الْمَعْنَى فَهَلَّا فُعِلَ ذلك عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَصْدَرِ مع اتِّحَادِ الْفِعْلِ مِثْلُ شَعَرَ فإنه مُشْتَرَكٌ بين الْعِلْمِ وَالنَّظْمِ وَمَصْدَرُهُ في النَّظْمِ شِعْرٌ وفي الْعِلْمِ شُعُورٌ وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْفِعْلِ في الْحَرَكَاتِ مع اتِّحَادِ الْمَصْدَرِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ اخْتِلَافُ أَحَدِهِمَا دَلِيلًا على أَنَّ الْآخَرَ مَجَازٌ في أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بَلْ هذا أَوْلَى لِأَنَّ الْمَصْدَرَ وَالْفِعْلَ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْعُ الْآخَرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ فَرْعَ الْفِعْلِ أو بِالْعَكْسِ على اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ فإنه ليس فَرْعَ الْمُفْرَدِ بَلْ بِمَثَابَةِ تَكْرَارِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ شَعَرَ مَجَازٌ في أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ لِاخْتِلَافِ الْمَصْدَرِ كما أَنَّ الْأَمْرَ مَجَازٌ في أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْجَمْعِ وقال ابن التِّلِمْسَانِيِّ في تَعْلِيقِهِ على الْمُنْتَخَبِ وَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ الْجَمْعِ لَا يَدُلُّ مُطْلَقًا إلَّا بِزِيَادَةِ قَيْدٍ وهو أَنْ يُقَالَ مَثَلًا أَجْمَعْنَا على أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ إذَا أُطْلِقَ على الصِّيغَةِ الدَّالَّةِ على طَلَبِ الْفِعْلِ على جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ حَقِيقَةٌ وَأَنَّهُ يُجْمَعُ على أَوَامِرَ فإذا أُطْلِقَ على الْفِعْلِ جُمِعَ على أُمُورٍ فَخُولِفَ بِهِ جَمْعَ الْحَقِيقَةِ فَقَدْ عُدِلَ بِهِ عن الْحَقِيقَةِ وما عُدِلَ بِهِ عن الْحَقِيقَةِ يَكُونُ مَجَازًا وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِلتَّمْثِيلِ وَإِلَّا فَالْأَمْرُ لَا يُجْمَعُ على أَوَامِرَ قِيَاسًا وَإِنَّمَا هو جَمْعُ آمِرَةٍ كَفَاطِمَةَ وَفَوَاطِمَ وَتَسْمِيَةُ الصِّيغَةِ أَمْرًا مَجَازٌ ومنها أن الحقيقة يشتق منها الصفة والمجاز لا يشتق منه لأن الأمر بمعنى الطلب حينئذ يشتق منه فيقال أمر يأمر أمرا فهو آمر وبمعنى البيان والصفة مجاز لا يتصرف ذكره القاضي والغزالي وإلكيا الهراسي وغيرهم وخالفهم ابن برهان بأنه رب مجاز يشتق منه إذا وقع موقع المصدر كالغائط فإنه يقال تغوط الرجل يتغوط تغوطا وإن كان مجازا في الفضلة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24