كتاب : البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف : بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي

وكذلك قال القاضي أبو الطيب الفعل شأن حقيقة ثم لا يقال شأن يشأن فهو شائن ورب مجاز يتصرف وكذلك قال إمام الحرمين في التلخيص رب حقيقة لا يصدر عنها الاشتقاق وهو إذا لم يكن مصدرا ورب مجاز ورد التجوز بنعوت صادرة عنه فكل ما حل محل المصادر وضعا واستعمالا فالأغلب أن يصدر منه النعوت وهذا هو قضية كلام أهل البيان فإنهم قالوا إن الاستعارة لا تدخل في الأفعال إلا بطريق التبع للمصادر وذلك بأن يتجوز في المصدر أولا ثم يشتق منه الفعل ا هـ وأورد أبو الحسين في المعتمد الرائحة فإنها حقيقة في مسماها مع أنه لا يشتق منها اسم الفاعل لمحلها وهو ممنوع بل يقال للجسم الذي فيه متروح وأورد بعضهم أن ظن بمعنى أيقن مجاز ويصح أن يشتق منه اسم فاعل فيقال ظان وَمِنْهَا الْتِزَامُ تَقْيِيدٍ في مَعْنَى مع اسْتِعْمَالِهِ مُطْلَقًا في الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَجَنَاحِ الذُّلِّ وَنَارِ الْحَرْبِ وَرَحَى الْحَرْبِ كِنَايَةٌ عن شِدَّتِهِ وَالْتِهَابِهِ وَإِنَّمَا كان الْتِزَامُ التَّقْيِيدِ دَالًّا على التَّجَوُّزِ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ الْأَصْلُ فيها الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ له مَعْنًى يَخُصُّهُ مَعْلُومٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْقَرِينَةِ فَجُعِلَ الْتِزَامُ التَّقَيُّدِ دَلِيلَ الْمَجَازِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالِالْتِزَامِ الْمَنْعَ من الِاسْتِعْمَالِ من غَيْرِ قَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ اسْتِقْرَاءُ كَلَامِهِمْ قال الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَفِيهِ نَظَرُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بين مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا نِسْبِيٌّ وَالْآخَرُ غَيْرُ نِسْبِيٍّ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُهُ على أَحَدِ الْمُسَمَّيَيْنِ مُتَوَقِّفًا على إطْلَاقِهِ على الْمُسَمَّى الْآخَرِ فَالتَّوَقُّفُ مَجَازٌ سَوَاءٌ كان ذلك مَلْفُوظًا بِهِ كَقَوْلِهِ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ أو مُقَدَّرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إذْ لم يَتَقَدَّمْ لِمَكْرِهِمْ ذِكْرٌ في اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مَذْكُورٌ مَعْنًى وَكَثِيرٌ من الناس لَا يَعْلَمُ هذا التَّقْرِيرَ فَيَظُنُّ بُطْلَانَ الْقَاعِدَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ له تَعَلُّقٌ بِالْغَيْرِ فإذا اُسْتُعْمِلَ في مَعْنًى ولم يُسْتَعْمَلْ له تَعَلُّقٌ فَيَكُونُ مَجَازًا فيه كَالْقُدْرَةِ إذَا أُرِيدَ بها الصِّفَةُ اُسْتُعْمِلَ فيه الْمَقْدُورُ وَإِنْ أُرِيدَ بها الْمَقْدُورُ كَإِطْلَاقِهَا على النَّبَاتِ الْحَسَنِ الْعَجِيبِ كما تَقُولُ لِمَنْ تُنَبِّهُهُ على حُسْنِ النَّبَاتِ اُنْظُرْ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ أَيْ إلَى مَقْدُورِهِ وهو النَّبَاتُ هُنَا لم يَكُنْ له مُتَعَلِّقٌ إذْ النَّبَاتُ لَا مَقْدُورَ له ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فيها وَيَكُونَ له بِحَسَبِ إحْدَى حَقِيقَتَيْهِ مُتَعَلِّقٌ دُونَ الْأُخْرَى وَرَدَّهُ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ عَدَمَ التَّعَلُّقِ في الْمَجَازِ هُنَا لم يَكُنْ لِأَجْلِ الْمَجَازِ بَلْ لِأَنَّهُ نُقِلَ إلَى النَّبَاتِ وَلَا مُتَعَلِّقَ له

فَلَوْ نُقِلَ إلَى شَيْءٍ له مُتَعَلِّقٌ كما لو أَطْلَقَ على الْإِرَادَةِ قُدْرَةً مَجَازًا لَكَانَ له تَعَلُّقٌ وَمِنْهَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُؤَكَّدُ بِالْمَصْدَرِ وَبِأَسْمَاءِ التَّوْكِيدِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فإنه لَا يُوَكَّدُ بِشَيْءٍ من ذلك ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَتَمَدَّحَ بِذِكْرِهِ وقال هو من الْفُرُوقِ الْمَغْفُولِ عنها قُلْت قد ذَكَرَهُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ قال فَلَا يَقُولُونَ أَرَادَ الْجِدَارَ إرَادَةً وَلَا قالت الشَّمْسُ وَطَلَعَتْ قَوْلًا وَكَذَلِكَ وُرُودُ الْكَلَامِ في الشَّرْعِ لِأَنَّهُ على طَرِيقَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ قال وَلِهَذَا كان قَوْله تَعَالَى إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ له كُنْ فَيَكُونُ حَقِيقَةً لَا على مَعْنَى التَّكْوِينِ كما يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ من حَيْثُ أَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا يُفِيدُ الْحَقِيقَةَ وَأَنَّهُ أَسْمَعَهُ كَلَامَهُ وَكَلَّمَهُ بِنَفْسِهِ لَا كَلَامًا قام بِغَيْرِهِ ا هـ وقد سَبَقَ أَنَّ التَّأْكِيدَ بِالْمَصْدَرِ إنَّمَا يَرْفَعُ التَّجَوُّزَ عن الحديث لَا عن الْمُحَدَّثِ عنه فَلَيْسَ فيه حُجَّةُ تَكْلِيمِهِ بِنَفْسِهِ وَلَك أَنْ تُورِدَ مِثْلَ قَوْلِ الشَّاعِرِ بَكَى الْحُرُّ من رُوحٍ وَأَنْكَرَ جِلْدَهُ وَعَجَّتْ عَجِيجًا من جُذَامِ الْمَطَارِقِ وَيُجَابُ عنه بِأَنَّهُ قَصَدَ فيه الْمُبَالَغَةَ بِإِجْرَائِهِ مَجْرَى الْحَقِيقَةِ فَأَكَّدَهُ وَذَكَرَ بَعْضُ أَئِمَّةِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّهُ لم يَأْتِ تَأْكِيدُ الْمَجَازِ إلَّا في هذا الْبَيْتِ الْوَاحِدِ وَأَوَّلَهُ على أَنَّ الْمَعْنَى عَجَّتْ لو كانت غَافِلَةً قُلْت وَأَنْشَدَ ابن بَرْهَانٍ قَرَعْت طَنَابِيبَ الْهَوَى يوم عَالِجٍ وَيَوْمَ اللِّوَى حتى قَسَرْت الْهَوَى قَسْرَا وقال فيه حُجَّةٌ على أَنَّ التَّأْكِيدَ بِالْمَصْدَرِ لَا يَرْفَعُ الْمَجَازَ

فصل
في ذِكْرِ تَعَارُضِ ما يُخِلُّ بِالْفَهْمِ وَهِيَ عَشَرَةٌ منها ما يَرْجِعُ لِعَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الْمَجَازُ وَالِاشْتِرَاكُ وَالنَّقْلُ وَالْإِضْمَارُ وَالتَّخْصِيصُ وَمِنْهَا ما يَرْجِعُ لِغَيْرِ ذلك إمَّا لِلْحُكْمِ كَالنَّسْخِ أو لِلتَّرْكِيبِ كَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أو لِلْوَاقِعِ كَالْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ أو لِلُّغَةِ كَتَغْيِيرِ الْإِعْرَابِ وَإِنَّمَا تَعَرَّضُوا لِلْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ فَقَطْ لِرُجُوعِهَا إلَى اللَّفْظِ وَاحْتَجُّوا على الْحَصْرِ بِأَنَّهُ إذَا انْتَقَى احْتِمَالُ الِاشْتِرَاكِ وَالنَّقْلِ كان اللَّفْظُ حَقِيقَةً في مَعْنًى وَاحِدٍ وإذا انْتَفَى احْتِمَالُ الْإِضْمَارِ كان الْمُرَادُ منه مَدْلُولَ اللَّفْظِ وإذا انْتَفَى احْتِمَالُ الْمَجَازِ كان الْمُرَادُ منه مَدْلُولَهُ الْحَقِيقِيَّ وإذا انْتَفَى احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ كان الْمُرَادُ منه جَمِيعَ ما وُضِعَ له بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَحِينَئِذٍ لم يَبْقَ خَلَلٌ في الْفَهْمِ أَلْبَتَّةَ وَأُورِدَ على الْحَصْرِ أُمُورٌ أَحَدُهَا احْتِمَالُ النَّسْخِ فإن السَّامِعَ إذَا جَوَّزَ على حُكْمِ اللَّفْظِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَلَا يَجْزِمُ بِثُبُوتِهِ الثَّانِي احْتِمَالُ التَّقْيِيدِ الثَّالِثُ احْتِمَالُ الِاقْتِضَاءِ فإن قَوْلَهُ عليه السَّلَامُ رُفِعَ عن أُمَّتِي لِمَا عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مَرْفُوعٍ لِوُقُوعِهِ في الْأُمَّةِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ عليه السَّلَامُ شيئا آخَرَ لِئَلَّا يَلْزَمَ كَذِبُهُ وهو غَيْرُ مَعْلُومٍ من ظَاهِرِ الْكَلَامِ فَقَدْ نَشَأَ الْخِلَافُ في فَهْمِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ من غَيْرِ الِاحْتِمَالَاتِ الْخَمْسَةِ وَأُجِيبَ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّسْخَ دَاخِلٌ في التَّخْصِيصِ وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ في الْأَزْمَانِ وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي بِصِيغَتِهِ فِعْلَ الْمَأْمُورِ أَبَدًا وَالْحَقُّ في الْجَوَابِ أَنَّ النَّسْخَ من عَوَارِضِ الْأَحْكَامِ لَا الْأَلْفَاظِ فَإِنْ قِيلَ قد تُنْسَخُ التِّلَاوَةُ وَلَيْسَتْ مَعْنًى قُلْنَا نَسْخُهَا أَيْضًا عَدَمُ جَوَازِ تِلَاوَةِ ذلك الْمَنْسُوخِ قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ قَرِيبٌ من التَّخْصِيصِ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ رَاجِعٌ لِلْإِضْمَارِ على رَأْيِ جَمْعٍ من الْأُصُولِيِّينَ منهم أبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عن إسْقَاطِ شَيْءٍ من الْكَلَامِ لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ نَظَرًا إلَى الْعَقْلِ أو الشَّرْعِ

أو إلَيْهِمَا لَا نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ فَأَمَّا من قال إنَّهُ مُغَايِرٌ لِلْإِضْمَارِ فَنَقُولُ إنَّ الْخَلَلَ النَّاشِئَ من احْتِمَالِ الِاقْتِضَاءِ مِثْلُهُ النَّاشِئُ من احْتِمَالِ الْإِضْمَارِ فَكَانَ ذِكْرُهُ مُغْنِيًا عن ذلك وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ فَالْعَوَارِضُ الْمُخِلَّةُ بِالْفَهْمِ تَرْجِعُ إلَى احْتِمَالِ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ ابن الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ على ذِكْرِهَا لِأَنَّ النَّقْلَ وَالْإِضْمَارَ وَالتَّخْصِيصَ يَرْجِعُ لِلْمَجَازِ فإن الْمَجَازَ يَكُونُ بِالنُّقْصَانِ وَالْعَامُّ إذَا خُصَّ يَكُونُ مَجَازًا في الْبَاقِي على الصَّحِيحِ فَإِذَنْ الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ الْأَعَمُّ من ذلك لَا الْمُقَابِلُ لِلْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ فَإِنْ كان الْكَلَامُ في هذه الْمُحْتَمَلَةِ من حَيْثُ الْجِنْسُ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ لِأَنَّهُمَا من أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَيَنْدَرِجَانِ تَحْتَ مُطْلَقِهِ وَعَلَى هذا فَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كان الْكَلَامُ فيها من حَيْثُ النَّوْعُ فَلَا شَكَّ أَنَّ أَنْوَاعَ الْمَجَازِ لَا تَنْحَصِرُ في خَمْسَةٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّوَسُّعُ وَاقْتُصِرَ على هَذَيْنِ من بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ لِغَلَبَتِهِمَا في الْكَلَامِ على أَنَّهُ سَبَقَ خِلَافٌ في أَنَّ الْإِضْمَارَ ليس بِمَجَازٍ وَالتَّخْصِيصُ أَيْضًا كَذَلِكَ فإنه فِعْلُ الْمُخَصَّصِ وَلَيْسَ بِلَفْظٍ حتى يُحْكَمَ عليه بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وقد أُورِدَ على مَوْضِعِ الْمَسْأَلَةِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هذه الِاحْتِمَالَاتِ ليس شَيْءٌ منها مُخِلًّا بِالْفَهْمِ لِأَنَّ الظَّنَّ حَاصِلٌ مع تَجْوِيزِهَا إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ الْقَطْعُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منها مُخِلٌّ بِالْفَهْمِ على تَقْدِيرِ إرَادَتِهِ مع عَدَمِ الْقَرِينَةِ كَإِرَادَةِ الْمَجَازِ مع عَدَمِهَا فإنه يُخِلُّ بِالْفَهْمِ وَيُوقِعُ في الْحَقِيقَةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْإِضْمَارَ وَالتَّخْصِيصَ نَوْعَانِ من أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَكَيْفَ جَعَلَهُمَا مُقَابِلَيْنِ له وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّوَسُّعُ وَاقْتَصَرَ على هَذَيْنِ من بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ لِغَلَبَتِهِمَا في الْكَلَامِ على أَنَّهُ سَبَقَ خِلَافٌ في أَنَّ الْإِضْمَارَ ليس بِمَجَازٍ وَالتَّخْصِيصُ أَيْضًا كَذَلِكَ فإنه فِعْلُ الْمُخَصَّصِ وَلَيْسَ بِلَفْظٍ حتى يُحْكَمَ عليه بِالْحَقِيقَةِ أو الْمَجَازِ ثُمَّ التَّعَارُضُ الذي يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ بين هذه الِاحْتِمَالَاتِ الْخَمْسَةِ يَقَعُ على عَشَرَةِ أَوْجُهٍ وَهَذِهِ لِأَنَّ التَّعَارُضَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بين الشَّيْئَيْنِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعَارِضُ نَفْسَهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ من هذه الِاحْتِمَالَاتِ الْخَمْسَةِ إنَّمَا يُعَارِضُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ فيها فَتُضْرَبُ الْخَمْسَةُ في الْأَرْبَعَةِ فَحَصَلَ عِشْرُونَ وَجْهًا من التَّعَارُضِ لَكِنَّ الْعِدَّةَ مُكَرَّرَةٌ فَيَجِبُ حَذْفُهَا بِنَفْيِ عَشَرَةٍ تُكَرَّرُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى وهو أَنَّهُ قد يَقَعُ التَّعَارُضُ بين الِاشْتِرَاكِ وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ فَيَحْصُلُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ ثُمَّ

من تَعَارُضِ النَّقْلِ مع الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ صَارَتْ سَبْعَةً ثُمَّ من تَعَارُضِ الْمَجَازِ مع الْبَاقِينَ وَجْهَانِ صَارَتْ تِسْعَةً ثُمَّ من تَعَارُضِ الْمَجَازِ مع التَّخْصِيصِ وَجْهٌ وَاحِدٌ فَصَارَ الْمَجْمُوعُ عَشَرَةً وقد نَظَمَ ذلك بَعْضُهُمْ فقال تَجُوزُ ثُمَّ إضْمَارٌ وَبَعْدَهُمَا نَقْلٌ تَلَاهُ اشْتِرَاكٌ فَهُوَ يَخْلُفُهُ وَأَرْجَحُ الْكُلِّ تَخْصِيصٌ وَآخِرُهُمْ نَسْخٌ فما بَعْدَهُ قِسْمٌ يَخْلُفُهُ وَالضَّابِطُ تَقَدُّمُ التَّخْصِيصِ فَالْإِضْمَارِ فَالْمَجَازِ فَالنَّقْلِ فَالِاشْتِرَاكِ وَالتَّخْصِيصُ يُرَجَّحُ على سَائِرِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ رَاجِحٌ على الْإِضْمَارِ وَالْمَجَازِ فإن فيه عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ من وَجْهٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ وَعَلَى النَّقْلِ لِتَوَقُّفِ النَّقْلِ على ما لَا يَتَوَقَّفُ عليه التَّخْصِيصُ وَعَلَى الِاشْتِرَاكِ لِإِخْلَالِهِ بِالْفَهْمِ الْأَوَّلُ التَّعَارُضُ بين الِاشْتِرَاكِ وَالنَّقْلِ لِأَنَّهُ على تَقْدِيرِ النَّقْلِ يَكُونُ مَعْنَى اللَّفْظِ مُفْرَدًا قبل النَّقْلِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْأَصْلِيِّ وَبَعْدَهُ لِلْعُرْفِيِّ أو الشَّرْعِيِّ الذي نُقِلَ إلَيْهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الِاشْتِرَاكِ يَكُونُ مَعْنَاهُ مُتَعَدِّدًا في جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَالْمُجْمَلِ مِثَالُهُ لَفْظُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ في النَّمَاءِ وفي الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ من النِّصَابِ فَيُحْتَمَلُ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهُمَا أو في الْأَصْلِ لِلنَّمَاءِ وَاسْتُعْمِلَتْ في الثَّانِي بِطَرِيقِ النَّقْلِ فَحَمْلُهَا عليه أَوْلَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَجَّحَ الِاشْتِرَاكُ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي نَسْخَ وَضْعٍ سَابِقٍ بِخِلَافِ النَّقْلِ وَالْإِجْمَاعِ على وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ وَالِاخْتِلَافِ في النَّقْلِ وَأَنْكَرَهُ كَثِيرٌ من الْمُحَقِّقِينَ كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ الثَّانِي التَّعَارُضُ بين الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فَالْمَجَازُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا من الْمُشْتَرَكِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالْحَمْلُ على الْأَكْثَرِ أَوْلَى وَإِعْمَالُ اللَّفْظِ فيه مع الْقَرِينَةِ فَيَكُونُ مَجَازًا وَدُونَهَا فَيَكُونُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ فإنه عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ هذا هو الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ وابن الْحَاجِبِ وَأَمَّا الْآمِدِيُّ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ في مَبَاحِثِ الْأَمْرِ تَرْجِيحُ الِاشْتِرَاكِ وقد اُسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُ التَّعَارُضِ بين الِاشْتِرَاكِ وَالنَّقْلِ وَالْمَجَازِ فإن الِاشْتِرَاكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ حَالَاتِهِ في دَلَالَتِهِ على الْمَعْنَيَيْنِ أو الْمَعَانِي وَالْمَجَازُ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يَكُونُ دَلَالَتُهُ في أَحَدِهِمَا ضَعِيفَةً وَالْأُخْرَى قَوِيَّةً وَاللَّفْظُ إنَّمَا يَصِيرُ مَنْقُولًا إذَا يُطْلَبُ دَلَالَتُهُ الْأُولَى وَارْتَفَعَتْ وَأُجِيبَ بِتَصَوُّرِ ذلك في لَفْظٍ اُسْتُعْمِلَ في مَعْنَيَيْنِ ولم يُعْلَمْ تَسَاوِي دَلَالَتِهِ عَلَيْهِمَا وَلَا رُجْحَانُهَا في أَحَدِهِمَا فَيُحْتَمَلُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أو

بِطَرِيقِ النَّقْلِ أو حَقِيقَةً في أَحَدِهِمَا وَمَجَازًا في الْآخَرِ على السَّوَاءِ الثَّالِثُ الْإِضْمَارُ أَوْلَى من الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ إلَّا في صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْإِضْمَارِيِّ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ فإنه مُفْتَقِرٌ إلَى الْقَرِينَةِ في جَمِيعِ صُوَرِهِ إذْ ليس الْبَعْضُ منه أَوْلَى من الْبَعْضِ الرَّابِعُ التَّخْصِيصُ خَيْرٌ من الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ خَيْرٌ من الْمَجَازِ وَالْمَجَازُ خَيْرٌ من الِاشْتِرَاكِ وَالْخَيْرُ من الْخَيْرِ خَيْرٌ فَكَانَ التَّخْصِيصُ خَيْرًا من الِاشْتِرَاكِ وَعُلِمَ من هذه الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ أَضْعَفُ الْخَمْسَةِ الْخَامِسُ الْمَجَازُ خَيْرٌ من النَّقْلِ لِاسْتِلْزَامِ النَّقْلِ نَسْخَ الْأَوَّلِ وَتَغْيِيرَ الْوَضْعِ كَدَعْوَى الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَنْقُولَةٌ إلَى الْأَفْعَالِ وَالْجُمْهُورُ قالوا مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ وهو أَوْلَى السَّادِسُ الْإِضْمَارُ أَوْلَى من النَّقْلِ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ مُسَاوٍ لِلْمَجَازِ وَالْمَجَازُ أَوْلَى من النَّقْلِ السَّابِعُ التَّخْصِيصُ خَيْرٌ من النَّقْلِ لِأَنَّهُ خَيْرٌ من الْمَجَازِ وَالْمَجَازُ خَيْرٌ من النَّقْلِ وَعُلِمَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنَّ النَّقْلَ أَضْعَفُ من الثَّلَاثَةِ بَعْدُ الثَّامِنُ إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بين الْإِضْمَارِ وَالْمَجَازِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ قِيلَ الْمَجَازُ أَوْلَى لِكَثْرَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ في الْمَعَالِمِ وَاخْتَارَهُ الْهِنْدِيُّ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ وَاخْتَارَهُ في الْمَحْصُولِ وَتَبِعَهُ في الْمِنْهَاجِ لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى قَرِينَةٍ تَمْنَعُ من فَهْمِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَكَمَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُعِينُ على فَهْمِ الْمَجَازِ كَذَلِكَ تُعِينُ على فَهْمِ الْمُضْمَرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَيْنِ نَوْعَا مَجَازٍ فَيَنْبَغِي ذِكْرُهُ في تَرْجِيحِ أَنْوَاعِ بَعْضِ الْمَجَازِ على بَعْضٍ التَّاسِعُ التَّخْصِيصُ أَوْلَى من الْمَجَازِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ من أَفْرَادِ الْعَامِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ يَتَعَيَّنُ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فإنه رُبَّمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَمِنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَجَازَ أَضْعَفُ من الْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ الْعَاشِرُ التَّخْصِيصُ خَيْرٌ من الْإِضْمَارِ لِأَنَّهُ خَيْرٌ من الْمَجَازِ وَالْمَجَازُ مُسَاوٍ لِلْإِضْمَارِ على ما في الْمَحْصُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ فَهَذَا خِطَابٌ خَاصٌّ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا اقْتَصُّوا حَصَلَتْ الْحَيَاةُ لهم بِدَفْعِ شَرِّ هذا الْقَاتِلِ الذي صَارَ عَدُوًّا لهم أو هو عَامٌّ وَالْمَشْرُوعِيَّةُ مُضْمَرَةٌ لِأَنَّ الناس إذَا عَلِمُوا مَشْرُوعِيَّتَهُ كان أَنْفَى لِلْقَتْلِ فيها بَيْنَهُمْ وَهَذَا مِثَالٌ وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي

فُرُوعٌ أَحَدُهَا الِاشْتِرَاكُ خَيْرٌ من النَّسْخِ لِأَنَّهُ لَا إبْطَالَ فيه بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ النَّسْخِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عليه فإنه يُحْمَلُ على كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ نَسْخُ ما وَرَدَ من الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ على إبَاحَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ إنْ كان الْقُرْآنُ مُتَأَخِّرًا أو نَسْخُهُ إنْ كان مُتَقَدِّمًا أو لَا سَبِيلَ إلَى التَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ ليس أَحَدُهُمَا أَخَصَّ من الْآخَرِ حتى يُصَارَ إلَيْهِ ثَانِيهَا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بين الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ فَالْمَعْنَوِيُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَتَعَطَّلُ فيه النَّصُّ بِحَالٍ بِخِلَافِ اللَّفْظِ فإنه عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ يَتَعَطَّلُ وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ رَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ما كان حَقِيقَةً في الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ على الْمُشْتَرَكِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ على الْإِطْلَاقِ فإن الْمَجَازَ وَإِنْ كان خِلَافَ الْأَصْلِ فَقَدْ تُقَدَّمُ الدَّلَالَةُ عليه فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِسَبْقِ الذِّهْنِ إلَى فَهْمِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ من اللَّفْظِ عِنْدَ الْعَالِمِ بِالْوَضْعِ وَافْتِقَارِ الْمَعْنَى الْآخَرِ إلَى الْقَرِينَةِ الْحَامِلَةِ عليه ثَالِثُهَا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بين كَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بين عَلَمَيْنِ أو بين عَلَمٍ وَمَعْنًى أو بين مَعْنَيَيْنِ كان جَعْلُهُ مُشْتَرَكًا بين عَلَمَيْنِ أو مَعْنَيَيْنِ أَوْلَى وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَيْفَ يُدَّعَى الِاشْتِرَاكُ في الْأَعْلَامِ وَالِاشْتِرَاكُ إنَّمَا يَكُونُ بين الْحَقَائِقِ وَالْأَعْلَامُ لَيْسَتْ بِحَقَائِقَ كما سَبَقَ رَابِعُهَا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بين الْمُشْتَرَكِ وَالْمُشَكَّكِ فَالْمُشَكَّكُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُتَوَاطِئَ من وَجْهٍ وَالْمُتَوَاطِئُ رَاجِحٌ على الْمُشْتَرَكِ وَالْمُشَابِهُ لِلرَّاجِحِ رَاجِحٌ وَلِأَنَّ اخْتِلَالَ الْفَهْمِ فيه أَقَلُّ خَامِسُهَا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بين الْمُتَوَاطِئِ وَبَيْنَ الْمُشَكِّكِ فَالْمُتَوَاطِئُ أَوْلَى سَادِسُهَا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بين احْتِمَالِ النَّسْخِ وَاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ فَفِي تَقْدِيمِ أَيِّهِمَا أَوْلَى قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ في كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ تَأْلِيفُهُ قال وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ على حَمْلِهِ على النَّسْخِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ في أَكْثَرِ ذلك إلَى حَمْلِهِ على التَّخْصِيصِ حتى يَقُومَ دَلِيلٌ على النَّسْخِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ

فإنه عَامٌّ في الْكِتَابِيَّاتِ وَغَيْرِهِنَّ فلما جاء قَوْله تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ من الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قَبْلِكُمْ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّهُ نَاسِخٌ في تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ وَخَرَّجَ الشَّافِعِيُّ ذلك على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا النَّسْخُ كما قالوا وَالثَّانِي التَّخْصِيصُ ثُمَّ قَطَعَ بِأَنَّ ذلك خُصُوصٌ وَعُمُومٌ لَمَّا عَدِمَ الدَّلِيلَ أَنَّ ذلك على النَّسْخِ ا ه

فصل
في التَّرْجِيحَاتِ بين أَفْرَادِ الْمَجَازِ إذَا كان لِلْمَجَازِ عَلَاقَتَانِ أو أَكْثَرُ وَاحْتُمِلَ التَّجَوُّزُ عن كُلٍّ مِنْهُمَا فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ الرَّازِيَّ أَنَّ أَوْلَاهَا إطْلَاقُ الْكُلِّ على الْبَعْضِ لِأَنَّهُ جَعْلُ التَّخْصِيصِ جُزْءًا من الْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصُ من الْمَجَازِ هو كَذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَحْسَنَ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ الِاسْتِعَارَةُ فَلْتَكُنْ أَقْوَاهَا وَلِقُوَّتِهَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ أنها حَقِيقَةٌ ثُمَّ يَلِيهَا الْإِضْمَارُ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالْفَهْمِ فيه إنَّمَا هو من أَمْرٍ مَحْذُوفٍ لَا مَذْكُورٍ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ لم يُوجِبْ بِمُجَرَّدِهِ خَلَلًا فَكَانَ قَوِيًّا وَبَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ مُتَقَارِبَةٌ وَقَالُوا إنَّ إطْلَاقَ اسْمِ السَّبَبِ على الْمُسَبَّبِ أَحْسَنُ من الْعَكْسِ كما تَقَدَّمَ وَقَالُوا في بَابِ التَّرْجِيحِ إنَّ الْعِلَّةَ الْغَائِيَّةَ اجْتَمَعَ فيها السَّبَبُ وَالْمُسَبَّبُ فَكَانَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فيها أَوْلَى في سَائِرِ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ تَعَارَضَ مَجَازَانِ وَأَحَدُهُمَا تَحَقَّقَتْ عَلَاقَتُهُ فَهُوَ أَوْلَى من الذي لم تَتَحَقَّقْ كما في قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا فإن الْحَنَفِيَّةَ حَمَلُوهُ على الْمُسَاوِمَيْنِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِمَا بَائِعَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ وَالشَّافِعِيَّةُ حَمَلُوهُ على من صَدَرَ مِنْهُمَا الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَجَازٌ وَمَجَازُ الشَّافِعِيَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَلَاقَةَ فيه مُتَحَقِّقَةٌ فيه بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْفِعْلِ وَإِرَادَةِ الْمُسْتَقْبَلِ فإنه قد لَا يَتَحَقَّقُ صُدُورُ الْبَيْعِ وَالثَّانِي الِاتِّفَاقُ على مَجَازِيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ وَالِاخْتِلَافُ فيه بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي هل هو حَقِيقَةٌ أَمْ لَا فَرُجِّحَ بهذا الِاعْتِبَارِ

فصل
في الصريح والكناية والتعريض
في الصريح والكناية والتعريض في الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ وقد يَكُونُ ذلك في أَبْوَابِ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْقَذْفِ الصَّرِيحُ فَأَمَّا الصَّرِيحُ فَفِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا هو ظَاهِرُ الْمُرَادِ عِنْدَ السَّامِعِ بِحَيْثُ يَسْبِقُ إلَى أَفْهَامِ السَّامِعِينَ الْمُرَادُ منه نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ بِعْت وَاشْتَرَيْت مَأْخُوذٌ من قَوْلِهِمْ الْحَقُّ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَصْرُ صَرْحًا لِظُهُورِهِ وَارْتِفَاعِهِ على سَائِرِ الْأَبْنِيَةِ وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ هو ما انْكَشَفَ الْمُرَادُ منه في نَفْسِهِ فَيَدْخُلُ فيه الْمُبَيَّنُ وَالْمُحْكَمُ الْكِنَايَةُ وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ اسْمٌ لِمَا اسْتَتَرَ فيه مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ من حَيْثُ اللَّفْظُ كَقَوْلِهِ في الْبَيْعِ جَعَلْته لَك بِكَذَا وفي الطَّلَاقِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَيَدْخُلُ فيه الْمُجْمَلُ وَنَحْوُهُ مَأْخُوذٌ من قَوْلِهِمْ كَنَّيْت وَكَنَوْتُ قال الشَّاعِرُ وَإِنِّي لَأَكْنُو عن قُدُورٍ بِغَيْرِهَا وَأُعْرِبُ أَحْيَانًا بها وَأُصَارِحُ وَعِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ أَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ دَالٌّ على شَيْءٍ لُغَةً وَيُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْمَذْكُورِ لِمُلَازَمَةٍ بَيْنَهُمَا خَاصَّةٍ وَالْغَرَضُ منه إمَّا قُبْحُ ذِكْرِ الصَّرِيحِ نَحْوُ أو جاء أَحَدٌ مِنْكُمْ من الْغَائِطِ أو إخْفَاءُ الْمُكَنَّى عنه عن السَّامِعِ وَاخْتَلَفُوا هل الْكِنَايَةُ من بَابِ الْمَجَازِ أَمْ لَا فَقِيلَ مَجَازٌ وَكَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ يَقْتَضِيهِ في مَوْضِعٍ من الْكَشَّافِ فإنه قال في قَوْله تَعَالَى وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ من خِطْبَةِ النِّسَاءِ أو أَكْنَنْتُمْ الْكِنَايَةُ أَنْ يَذْكَرَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ له وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ شيئا يَدُلُّ على شَيْءٍ لم يَذْكُرْهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ من الْبَيَانِيِّينَ يَقْتَضِي أنها حَقِيقَةٌ وَوَقَعَ في كَلَامِ السَّكَّاكِيِّ أَيْضًا أنها لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ لِأَنَّهُ قال الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بها مَعْنَاهَا وَحْدَهُ أو مَعْنَاهَا وَغَيْرُ مَعْنَاهَا مَعًا وَالْأَوَّلُ الْحَقِيقَةُ في الْمُفْرَدِ وَالثَّانِي الْمَجَازُ في الْمُفْرَدِ وَالثَّالِثُ الْكِنَايَةُ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ أَرَادَ هُنَا بِالْحَقِيقَةِ

التَّصْرِيحَ بها بِقَرِينَةِ جَعْلِهَا في مُقَابَلَةِ الْكِنَايَةِ وَتَصْرِيحُهُ فِيمَا بَعْدُ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْكِنَايَةَ يَشْتَرِكَانِ في كَوْنِهِمَا حَقِيقَتَيْنِ وَيَفْتَرِقَانِ بِالتَّصْرِيحِ وَعَدَمِهِ وَجَزَمَ الْجَاجَرْمِيُّ في رِسَالَتِهِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ من الْمَجَازِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ وَالْكِنَايَةُ اسْتِعْمَالُهُ في مَوْضُوعِهِ غير أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ مَعْنًى ثَانٍ فإذا قُلْت فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ فَإِنَّك تُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ حَقِيقَةَ طُولِ النِّجَادِ دَلِيلًا على طُولِ الْقَامَةِ فَقَدْ اسْتَعْمَلْت اللَّفْظَ في مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ لَكِنَّ غَرَضَك مَعْنًى ثَانٍ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ وهو طُولُ الْقَامَةِ وإذا شُرِطَ في الْكِنَايَةِ اعْتِبَارُ الْمَوْضُوعِ الْأَصْلِيِّ لم تَكُنْ مَجَازًا وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت لِزَوْجَتِك أَنْتِ بَائِنٌ فَقَدْ اسْتَعْمَلْت لَفْظَ الْبَيْنُونَةِ في مَوْضُوعِهَا الْأَصْلِيِّ وهو انْقِطَاعُ الْوَصْلَةِ غير أَنَّ مَقْصُودَك الطَّلَاقُ وَلِهَذَا قالوا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ في الْكِنَايَةِ وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ في الْمَجَازِ ا هـ وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ وهو فيه مُتَابِعٌ لِلْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ فإنه قال في نِهَايَةِ الْإِيجَازِ وَاللَّفْظَةُ إذَا أُطْلِقَتْ وكان الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ غير مَعْنَاهَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا مَقْصُودًا أَيْضًا لِيَكُونَ دَالًّا على ذلك الْغَرَضِ الْأَصْلِيِّ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَالْأَوَّلُ هو الْكِنَايَةُ وَالثَّانِي هو الْمَجَازُ فَالْكِنَايَةُ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ كَثِيرُ الرَّمَادِ فَقَوْلُنَا طَوِيلُ النِّجَادِ اُسْتُعْمِلَ لَا لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَصْلِيَّ مَعْنَاهُ بَلْ ما يَلْزَمُهُ من طُولِ الْقَامَةِ قال وَلَيْسَتْ الْكِنَايَةُ من الْمَجَازِ بِدَلِيلِ أنها تُفِيدُ الْمَقْصُودَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُعْتَبَرًا وإذا كان مُعْتَبَرًا فِيمَا نُقِلَتْ اللَّفْظَةُ عن مَوْضُوعِهَا فَلَا تَكُونُ مَجَازًا فإذا قُلْت فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ فَإِنَّك تُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ حَقِيقَةَ كَثْرَةِ الرَّمَادِ دَلِيلًا على كَوْنِهِ جَوَادًا فَأَنْتَ اسْتَعْمَلْت هذه الْأَلْفَاظَ في مَعَانِيهَا الْأَصْلِيَّةِ غير مُنْكِرٍ أَنَّ في إفَادَةِ كَوْنِهِ كَثِيرَ الرَّمَادِ مَعْنًى ثَانِيًا يَلْزَمُ الْأَوَّلُ وهو الْجُودُ وإذا وَجَبَ في الْكِنَايَةِ اعْتِبَارُ مَعَانِيهَا الْأَصْلِيَّةِ لم تَكُنْ مَجَازًا انْتَهَى وَيَشْهَدُ لِتَغَايُرِهِمَا ما قَالَهُ الْأَصْحَابُ في كِتَابِ الطَّلَاقِ إنَّ الْكِنَايَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فيها النِّيَّةُ دُونَ الْقَرَائِنِ مع أَنَّ الْمَجَازَ تُؤَثِّرُ فيه الْقَرِينَةُ بِالِاتِّفَاقِ وقال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْكِنَايَةُ تَارَةً تَكُونُ حَقِيقَةً وَتَارَةً تَكُونُ مَجَازًا إلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ منها الْإِشْعَارُ بِمَا كَنَّى بها عنه إمَّا حَقِيقَةً أو مَجَازًا فَالْكِنَايَةُ أَعَمُّ لِانْقِسَامِهَا إلَيْهِمَا فَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَصْفَانِ لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ على الْمَعْنَى وَالِاسْتِعْمَالُ غَيْرُ الدَّلَالَةِ فَافْهَمْ هذا

فَائِدَةٌ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في الْكِنَايَةِ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ في مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يوم الْقِيَامَةِ أَنَّهُ مَجَازٌ عن الِاسْتِهَانَةِ وَالسَّخَطِ وَأَنَّ النَّظَرَ إلَى فُلَانٍ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ بِهِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِ كِنَايَةٌ إذَا أُسْنِدَ إلَى من يَجُوزُ عليه النَّظَرُ وَمَجَازٌ إذَا أُسْنِدَ إلَى من لَا يَجُوزُ عليه التَّعْرِيضُ وَأَمَّا التَّعْرِيضُ فَهُوَ لُغَةً ضِدُّ التَّصْرِيحِ قال الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ في تَفْسِيرِهِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْكَلَامَ ما يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ على مَقْصُودِهِ وَتَحْصُلُ الدَّلَالَةُ على غَيْرِ مَقْصُودِهِ إلَّا أَنَّ إشْعَارَهُ بِخِلَافِ الْمَقْصُودِ أَتَمُّ وَأَرْجَحُ وَأَصْلُهُ من عَرْضِ الشَّيْءِ وهو جَانِبُهُ كَأَنَّهُ يَحُومُ بِهِ حَوْلَهُ وَلَا يُظْهِرُهُ قال وَالْفَرْقُ بين الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ أَنَّ الْكِنَايَةَ أَنْ تَذْكُرَ الشَّيْءَ بِذِكْرِ لَوَازِمِهِ كَقَوْلِك فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ كَثِيرُ الرَّمَادِ وَالتَّعْرِيضُ أَنْ تَذْكُرَ كَلَامًا مُحْتَمِلًا لِمَقْصُودِك إلَّا أَنَّ قَرَائِنَ أَحْوَالِك تُؤَكِّدُ حَمْلَهُ على غَيْرِ مَقْصُودِك قِيلَ وَالتَّعْرِيضُ أَخَصُّ من الْحَقِيقَةِ مُطْلَقًا لَا يَصْدُقُ على الْمَجَازِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ اسْتِعْمَالُهُ في الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَكِنْ يَلُوحُ بِهِ إلَى غَرَضٍ آخَرَ هو الْمَقْصُودُ فَهُوَ يُشْبِهُ الْكِنَايَةَ إذَا قُصِدَ بها الْحَقِيقَةُ وهو أَخَصُّ من الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهَا مُرَادَةٌ من حَيْثُ هِيَ هِيَ وهو إنَّمَا يُرَادُ منه الْحَقِيقَةُ من حَيْثُ إشْعَارُهَا بِالْمَقْصُودِ لَا بُدَّ فيها من قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ فإن اللَّفْظَ الْمُجَرَّدَ لَا يَكْفِي فيها فَمِنْ الْكِنَايَةِ الْمَسُّ وَالْإِفْضَاءُ وَالدُّخُولُ كِنَايَةٌ عن الْجِمَاعِ وَمِنْ التَّعَرُّضِ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا أَيْ أَنَّ كَبِيرَ الْأَصْنَامِ غَضِبَ أَنْ تُعْبَدَ هذه الْأَصْنَامُ الصِّغَارُ فَكَسَّرَهَا فَكَذَلِكَ اللَّهُ يَغْضَبُ لِعِبَادَةِ من دُونَهُ فَكَلَامُ إبْرَاهِيمَ في حَقِّ نَفْسِهِ ضَرَبَهُ مَثَلًا لِمَقْصُودِهِ من التَّعْرِيضِ فَهُوَ من مَجَازِ التَّمْثِيلِ وَيَكُونُ التَّعْرِيضُ مِمَّا لَا يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ بَلْ ضَرَبَ الْمَثَلُ هذا وَمِنْهُ ما يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَيُشَارُ بِهِ إلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ الذي هو الْمَقْصُودُ من التَّعْرِيضِ هذا حَدُّهُ بِاصْطِلَاحِ الْبَيَانِيِّينَ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَقَدْ ذَكَرُوا الْكِنَايَاتِ وَالظَّاهِرُ أنها عِنْدَهُمْ مَجَازٌ فإذا قال الزَّوْجُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ مُرِيدًا الطَّلَاقَ فَهُوَ مَجَازٌ وَيُسَمِّيهِ الْفَقِيهُ كِنَايَةً فَلَوْ أَرَادَ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ

لَازِمًا لِلطَّلَاقِ فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ نَظَرٌ ولم يَتَعَرَّضُوا لِلْفَرْقِ بين الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ إلَّا في بَابِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الصَّرِيحَ وَالْكِنَايَةَ وَالتَّعْرِيضَ أَقْسَامًا وَذَكَرُوا في الْخِطْبَةِ التَّصْرِيحَ وَالتَّعْرِيضَ ولم يَذْكُرُوا الْكِنَايَةَ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنَّ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ يُطْلَقُ عليها كِنَايَةٌ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْكِنَايَةِ ما اسْتَتَرَ الْمُرَادُ بِهِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَعَانِيهَا غَيْرُ مُسْتَتِرَةٍ بَلْ ظَاهِرَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ من أَهْلِ اللِّسَانِ لَكِنَّهَا شَابَهَتْ الْكِنَايَةَ من جِهَةِ الْإِبْهَامِ وَلِهَذَا اُشْتُرِطَتْ فيها النِّيَّةُ لِيَزُولَ الْإِبْهَامُ وَتَتَعَيَّنَ الْبَيْنُونَةُ عن وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ مَفْهُومَاتِهَا اللُّغَوِيَّةَ ظَاهِرَةٌ غَيْرُ مُسْتَتِرَةٍ فَهَذَا لَا يُنَافِي الْكِنَايَةَ وَاسْتِتَارُ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بها كما في جَمِيعِ الْكِنَايَاتِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ ما أَرَادَهُ الْمُتَكَلِّمُ بها ظَاهِرٌ لَا اسْتِتَارَ فيه فَمَمْنُوعٌ كَيْفَ وَلَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ إلَّا بِبَيَانٍ من جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهَا من جِهَةِ الْمَحَلِّ مُبْهَمَةٌ مُسْتَتِرَةٌ ولم يُفَسِّرُوا الْكِنَايَةَ إلَّا بِمَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ منه سَوَاءٌ كان ذلك بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ أو غَيْرِهِ ولم يَشْتَرِطُوا إرَادَةَ اللَّازِمِ ثُمَّ الِانْتِقَالَ منه إلَى الْمَلْزُومِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْحَقِيقَةَ الْمَهْجُورَةَ وَالْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ كِنَايَةً لِمُجَرَّدِ اسْتِتَارِ الْمُرَادِ

أَدَوَاتُ الْمَعَانِي وَإِنَّمَا احْتَاجَ الْأُصُولِيُّ إلَيْهَا لِأَنَّهَا من جُمْلَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ مَعَانِيهَا قال ابن السَّيِّدِ النَّحْوِيُّ يُخْبِرُ عَمَّنْ تَأَمَّلَ غَرَضَهُ وَمَقْصِدَهُ فإن الطَّرِيقَةَ الْفِقْهِيَّةَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى عِلْمِ الْأَدَبِ مُؤَسَّسَةٌ على أُصُولِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَنَّ مَثَلَهَا وَمَثَلَهُ قَوْلُ أبي الْأَسْوَدِ فَإِنْ لَا يَكُنْهَا أو تَكُنْهُ فإنه أَخُوهَا غَذَتْهُ أُمُّهُ بِلَبَانِهَا قال ابن فَارِسٍ في كِتَابِ فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ رَأَيْت أَصْحَابَنَا الْفُقَهَاءَ يُضَمِّنُونَ كُتُبَهُمْ في أُصُولِ الْفِقْهِ حُرُوفًا من حُرُوفِ الْمَعَانِي وما أَدْرِي ما الْوَجْهُ في اخْتِصَاصِهِمْ إيَّاهَا دُونَ غَيْرِهَا فَذَكَرْت عَامَّةَ الْمَعَانِي رَسْمًا وَاخْتِصَارًا ا هـ وَأَقُولُ تَنْقَسِمُ حُرُوفُ الْمَعَانِي إلَى ما هو على حَرْفٍ وَاحِدٍ وَعَلَى حَرْفَيْنِ وما هو على أَكْثَرَ من ذلك فَمِنْ الْأَوَّلِ الْوَاوُ الْعَاطِفَةُ وَفِيهَا مَذَاهِبُ أَحَدُهَا وهو الصَّحِيحُ أنها لَا تَدُلُّ على التَّرْتِيبِ لَا في الْفِعْلِ كَالْفَاءِ وَلَا في الْمَنْزِلَةِ كَثُمَّ وَلَا في الْأَحْوَالِ كَ حتى وَإِنَّمَا هو لِمُجَرَّدِ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ كَالتَّثْنِيَةِ فإذا قُلْت مَرَرْت بِزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَهُوَ كَقَوْلِك مَرَرْت بِهِمَا قال سِيبَوَيْهِ في مَرَرْت بِرَجُلٍ وَحِمَارٍ لم يَجْعَلْ الرَّجُلَ بِمَنْزِلَةِ تَقْدِيمِك إيَّاهُ يَكُونُ بها أَوْلَى من الْحِمَارِ كَأَنَّك قُلْت مَرَرْت بِهِمَا وَلَيْسَ في هذا دَلِيلٌ على أَنَّهُ بَدَأَ بِشَيْءٍ قبل شَيْءٍ انْتَهَى فَتَبَيَّنَ بهذا أنها لِمُجَرَّدِ الْجَمْعِ وَأَنَّهَا كَالتَّثْنِيَةِ لَا تَرْتِيبَ فيها وَلَا مَعِيَّةَ فَلِذَلِكَ تَأْتِي بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كَذَلِكَ يُوحِي إلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ من قَبْلِك وَالْمَعِيَّةُ نَحْوُ اخْتَصَمَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَلِلتَّرْتِيبِ نَحْوُ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلك دَحَاهَا ولم تُوضَعْ لِشَيْءٍ بِخُصُوصِهِ بَلْ لِمَا يَعُمُّهَا من الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ

وَفَهِمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ منه تَعَيُّنَ إرَادَةِ الْجَمْعِ فَاعْتَرَضَ عليهم بِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قال جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو لَا تَفْهَمُ الْعَرَبُ مَجِيئَهُمَا مَعًا بَلْ يُحْتَمَلُ الْمَعِيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ وقد عَلِمْت أَنَّ هذا خِلَافُ مُرَادِهِمْ وَإِنَّمَا عَنَوْا أنها تَدُلُّ على التَّشْرِيكِ بين الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عليه في الْحُكْمِ الذي أُسْنِدَ إلَيْهِمَا من غَيْرِ أَنْ تَدُلَّ على أَنَّهُمَا مَعًا بِالزَّمَانِ أو أَحَدُهُمَا قبل الْآخَرِ وَنَقَلَ الْفَارِسِيُّ وَالسِّيرَافِيُّ في شَرْحِ سِيبَوَيْهِ وَالسُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُمْ إجْمَاعَ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ عليه قِيلَ وَنَصَّ عليه سِيبَوَيْهِ في سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا من كِتَابِهِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في شَرْحِ الْكِفَايَةِ عن أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وقال ابن بَرْهَانٍ هو قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَسْرِهِمْ وَمُعْظَمِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قُلْت وهو الذي صَحَّ عن الشَّافِعِيِّ فإنه نَصَّ على أَنَّهُ إذَا قال هذه الدَّارُ وَقْفٌ على أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي أَنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فيه بِخِلَافِ ما لو قال ثُمَّ أَوْلَادِي فَلَوْ كانت الْوَاوُ كَ ثُمَّ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشَارِكَ كما في ثُمَّ وَنَصَّ أَيْضًا على أَنَّهُ إذَا قال إذَا مِتُّ فَسَالِمٌ وَغَانِمٌ وَخَالِدٌ أَحْرَارٌ وكان الثُّلُثُ لَا يَفِي إلَّا بِأَحَدِهِمْ فإنه يُقْرَعُ فَلَوْ اقْتَضَتْ الْوَاوُ التَّرْتِيبَ لَعَتَقَ سَالِمٌ وَحْدَهُ وَمِنْ حُجَجِهِمْ قَوْله تَعَالَى حَاكِيًا عن مُنْكِرِي الْبَعْثِ إنْ هِيَ إلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابن الْخَشَّابِ وابن مَالِكٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هذا من عَطْفِ الْجُمَلِ وما أَخْرَجَهُ أبو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عن حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لَا تَقُولُوا ما شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ قُولُوا ما شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ فَلَوْ كانت لِلتَّرْتِيبِ لَسَاوَتْ ثُمَّ وَلَمَا فُرِّقَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيْنَهُمَا قال ابن الْخَشَّابِ إذَا تَأَمَّلْت الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ في التَّنْزِيلِ وَجَدْتهَا كُلَّهَا جَامِعَةً لَا مُرَتَّبَةً وَكَذَا في غَيْرِ التَّنْزِيلِ قال وما أَحْسَنَ ما سَمَّى النَّحْوِيُّونَ الْحَرَكَةَ الْمَأْخُوذَةَ من الْوَاوِ وَهِيَ بَعْضُهَا عِنْدَهُمْ بِالضَّمَّةِ لِأَنَّ الضَّمَّ الْجَمْعُ فَكَانَ ما هو من الضَّمِّ لِلْجَمْعِ وَلَا دَلَالَةَ فيه على التَّرْتِيبِ قال وَهَذَا من بَابِ إمْسَاسِ الْأَلْفَاظِ أَشْبَاهَ الْمَعَانِي وهو بَابٌ شَرِيفٌ في الْعَرَبِيَّةِ نَبَّهَ عليه ابن جِنِّي في الْخَصَائِصِ وَغَيْرِهِ الثَّانِي أنها لِلتَّرْتِيبِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ الْعَطْفُ في الْمُفْرَدَاتِ وَالْجُمَلِ صَحَّ ذلك عن

ابْنِ عَبَّاسٍ كما سَيَأْتِي وهو قَوْلُ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ منهم ثَعْلَبٌ وَالْفَرَّاءُ وَهِشَامٌ وأبو عَمْرٍو الزَّاهِدُ وَمِنْ الْبَصْرِيِّينَ قُطْرُبٌ عَلِيُّ بن عِيسَى الرَّبَعِيُّ وابن دُرُسْتَوَيْهِ حَكَاهُ عَنْهُمْ جَمَاعَةٌ من النُّحَاةِ وَعُزِيَ لِلشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ نَصَّ عليه في كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَبَعْضُهُمْ أَخَذَهُ من لَازِمِ قَوْلِهِ في اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ في الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ ليس مَدْرَكُهُ في ذلك كَوْنَهَا لِلتَّرْتِيبِ بَلْ من دَلِيلٍ آخَرَ وَإِنَّمَا هذا وَجْهٌ حُكِيَ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَغْرَبَ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فقال في كِتَابِهِ في أُصُولِ الْفِقْهِ الظَّاهِرُ من مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أنها تَدُلُّ على التَّرْتِيبِ وَالِابْتِدَاءِ بِفِعْلِ ما بُدِئَ بِذِكْرِهِ في الْخَبَرِ وَالْأَمْرِ انْتَهَى وَكَذَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ في بَابِ الْوُضُوءِ من الْحَاوِي عن جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَكَذَا الصَّيْدَلَانِيُّ في شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ فقال وَقَوْلُنَا إنَّ الْوَاوَ تُوجِبُ التَّرْتِيبَ قَوْلُ أبي عُبَيْدٍ وَالْفَرَّاءِ وَغُلَامِ ثَعْلَبٍ انْتَهَى وَعِبَارَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ في الْأَسَالِيبِ وَصَارَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَتَكَلَّفُوا نَقْلَ ذلك عن بَعْضِ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ انْتَهَى وَكَذَا قال في الْبُرْهَانِ إنَّهُ الذي اُشْتُهِرَ عن أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في التَّبْصِرَةِ وَحَكَى ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ عن قَوْمٍ من أَصْحَابِنَا أنها تُفِيدُ التَّرْتِيبَ مع التَّشْرِيكِ قُلْت وَجَزَمَ بِهِ ابن سُرَيْجٍ في كِتَابِ الْوَدَائِعِ وَاعْتَمَدَهُ في وُجُوبِ التَّرْتِيبِ في الْوُضُوءِ وَعِبَارَتُهُ وَوَاوُ النَّسَقِ تَدُلُّ على فِعْلِ ذلك مُتَوَالِيًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه بين أَهْلِ اللُّغَةِ هذا لَفْظُهُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في التَّبْصِرَةِ كَوْنَهَا لِلتَّرْتِيبِ عن ثَعْلَبٍ وَأَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ غُلَامِهِ وفي ذلك نَظَرٌ فَفِي كِتَابِ أبي بَكْرٍ الرَّازِيَّ قال لي أبو عُمَرَ وَغُلَامُ ثَعْلَبٍ الْوَاوُ عِنْدَ الْعَرَبِ لِلْجَمْعِ وَلَا دَلَالَةَ عِنْدَهُمْ فيها على التَّرْتِيبِ وَأَخْطَأَ من قال إنَّهَا تَدُلُّ على التَّرْتِيبِ انْتَهَى وقال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ ادَّعَى جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا أنها لِلتَّرْتِيبِ وَنَسَبُوهُ لِلشَّافِعِيِّ حَكَى عن بَعْضِ نُحَاةِ الْكُوفَةِ وَأَمَّا عَامَّةُ أَهْلِ اللُّغَةِ فَعَلَى أنها لِلْجَمْعِ وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ التَّرْتِيبُ بِقَرَائِنَ انْتَهَى

وقال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ هذا النَّقْلُ عن الشَّافِعِيِّ بَلْ الْوَاوُ عِنْدَهُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَإِنَّمَا نُسِبَ لِلشَّافِعِيِّ من إيجَابِهِ التَّرْتِيبَ في الْوُضُوءِ ولم يُوجِبْهُ من الْوَاوِ بَلْ لِدَلِيلٍ آخَرَ وهو قَطْعُ النَّظِيرِ عن النَّظِيرِ وَإِدْخَالُ الْمَمْسُوحِ بين الْمَغْسُولَيْنِ وَالْعَرَبُ لَا تَفْعَلُ ذلك إلَّا إذَا أَرَادَتْ التَّرْتِيبَ قُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ من نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَاوَ عِنْدَهُ لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ لُغَةً وَتُفِيدُ في الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ فإنه أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ في الْوُضُوءِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ ولم يَقْتَصِرْ عليها بَلْ تَمَسَّكَ بِمَا صَحَّ من حديث جَابِرٍ سَمِعْت النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حين خَرَجَ من الْمَسْجِدِ وهو يُرِيدُ الصَّفَا يقول نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا وَعَلَى هذا فإذا تَرَدَّدْنَا فيه وَجَبَ حَمْلُهَا على الْمَحْمَلِ الشَّرْعِيِّ فإنه مُقَدَّمٌ على اللُّغَوِيِّ وَبِهَذَا يَجْتَمِعُ كَلَامُهُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ وَيَزُولُ الِاسْتِشْكَالُ وقال ابن الْأَنْبَارِيِّ في مُصَنَّفِهِ الْمُفْرَدِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وما نُقِلَ عن ابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ وَالزَّاهِدِ وَابْنِ جِنِّي وَابْنِ بَرْهَانٍ وَالرَّبَعِيِّ من اقْتِضَائِهَا التَّرْتِيبَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَكُتُبُهُمْ تَنْطِقُ بِضِدِّ ذلك نعم لَمَّا ذَكَرَ عَلِيُّ بن عِيسَى الرَّبَعِيُّ في شَرْحِ كِتَابِ الْجَرْمِيِّ أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ قال هذا مَذْهَبُ النَّحْوِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ إلَّا الشَّافِعِيَّ وَلِقَوْلِهِ وَجْهٌ انْتَهَى وَهَذَا لَا يَدُلُّ على أَنَّهُ كان يَذْهَبُ إلَيْهِ وقال الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ على أنها لِلْجَمْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ وقال ابن مَالِكٍ في شَرْحِ الْكَافِيَةِ زَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أنها لِلتَّرْتِيبِ وَعُلَمَاءُ الْكُوفَةِ بَرَاءٌ من ذلك وَنَقَلَهُ ابن بَرْهَانٍ النَّحْوِيُّ عن قُطْرُبٍ وَالرَّبَعِيِّ وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هو وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ وَبِقَوْلِهِ إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ثُمَّ رُدَّ ذلك وَاسْتَدَلَّ على أنها لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ بِقَوْلِهِ فَكَيْفَ كان عَذَابِي وَنُذُرِ قال وَالنُّذُرُ قبل الْعَذَابِ بِدَلِيلِ وما كنا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا

وَمِنْ حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِالتَّرْتِيبِ ما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عن الْبَرَاءِ قال أتى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ وَأُسْلِمُ قال أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَمِلَ قَلِيلًا وَأُوجِرَ كَثِيرًا وَأَسْنَدَ ابن عبد الْبَرِّ في التَّمْهِيدِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قال ما نَدِمْت على شَيْءٍ لم أَكُنْ عَمِلْت بِهِ ما نَدِمْت على الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا أَكُونَ مَشَيْت لِأَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول حين ذَكَرَ إبْرَاهِيمُ وَأُمِرَ أَنْ يُنَادِيَ في الناس بِالْحَجِّ يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كل ضَامِرٍ فَبَدَأَ بِالرِّجَالِ قبل الرُّكْبَانِ قال فَهَذَا ابن عَبَّاسٍ قد صَرَّحَ بِأَنَّ الْوَاوَ تُوجِبُ عِنْدَهُ التَّرْتِيبَ انْتَهَى وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِحَدِيثِ بِئْسَ الْخَطِيبُ أنت فَلَا حُجَّةَ فيه لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّ الْأَدَبَ أَنْ لَا يَجْمَعَ بين اسْمِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ في ضَمِيرٍ وَلِهَذَا قال قالوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ولم يَقُلْ وَصَدَقَا بَلْ فيه تَنْبِيهٌ على أنها لِلْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ هذا الضَّمِيرِ وهو هُمَا بِمَنْزِلَةِ التَّثْنِيَةِ في الْأَسْمَاءِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَّفِقَةِ في قَوْلِك الزَّيْدَانِ وَالْعَمْرَانِ وَلَا يَخْتَلِفُونَ في أَنَّ أَصْلَ التَّثْنِيَةِ الْعَطْفُ وَحُكْمُ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ حُكْمُ التَّثْنِيَةِ في أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فيها تَرْتِيبٌ في الْمَعْنَى وَلَا تَقْدِيمُ احْتِفَالٍ في اللَّفْظِ وَأَمَّا وُجُوبُ التَّرْتِيبِ في قَوْله تَعَالَى إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ حَيْثُ رَتَّبَ الْعَمَلَ على الْإِيمَانِ ولم يُعْتَبَرْ بِدُونِهِ فلم يُسْتَفَدْ ذلك من الْوَاوِ بَلْ من دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ وهو قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يَعْمَلْ من الصَّالِحَاتِ وهو مُؤْمِنٌ

الثَّالِثُ أنها لِلْجَمْعِ تُفِيدُ الْمَعِيَّةَ فإذا اُسْتُعْمِلَتْ في غَيْرِ ذلك كانت مَجَازًا وَنُسِبَ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنْكَرَهُ عليهم ابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ وقال لم يَتَعَرَّضُوا لِغَيْرِ كَوْنِ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِاقْتِرَانٍ وَلَا تَرْتِيبٍ وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ وَأَخَذَهُ من قَوْلِهِمَا فِيمَا إذَا عَقَدَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ نِكَاحَ أُخْتَيْنِ في عَقْدٍ وَاحِدٍ من غَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُمَا قَالَا إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَإِنْ أَجَازَ نِكَاحَهُمَا مَعًا بَطَلَ فِيهِمَا وَإِنْ أَجَازَ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ نِكَاحَ الْأُخْرَى بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ وَإِنْ قال أَجَزْت نِكَاحَ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ فَهُوَ كما لو أَجَازَ نِكَاحَهُمَا مَعًا فَيَلْزَمُ من ذلك أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ تُفِيدُ الْمَعِيَّةَ كما لو أَجَازَ نِكَاحَهُمَا مَعًا وَمِنْ قَوْلِهِمَا فِيمَا إذَا قال إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَطَالِقٌ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَاحِدَةٌ وَرُبَّمَا نُسِبَ هذا الْمَذْهَبُ لِلشَّافِعِيِّ في الْقَدِيمِ وَلِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَا في غَيْرِ الْمَدْخُولِ بها إذَا قال لها أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ الْوَاوَ تُوجِبُ الْمُقَارَنَةَ الرَّابِعُ أنها لِلتَّرْتِيبِ حَيْثُ يَسْتَحِيلُ الْجَمْعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا حَكَاهُ بَعْضُهُمْ عن الْفَرَّاءِ وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا في آيَةِ الْوُضُوءِ قال إلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ وَيُشْبِهُ إنْ صَحَّ هذا عن الْفَرَّاءِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ في الْمَعْنَى يُفِيدُ التَّرْتِيبَ إذَا كان الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَا يَصْلُحُ من حَيْثُ اللَّفْظُ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ لو أَفَادَ ذلك لَأَفَادَهُ وَإِنْ صَحَّ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مُوجِبَهُ لَا يَتَغَيَّرُ كما لَا يَتَغَيَّرُ ما يَقْتَضِيهِ ثُمَّ وَالْفَاءُ كَذَلِكَ فَإِنْ كان في هذا التَّأْوِيلِ بُعْدٌ فَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وقال الْمَرَاغِيُّ نَظَرْت في كِتَابِ الْفَرَّاءِ فما أَلْفَيْت في شَيْءٍ منها هذا ثُمَّ فيه دَلَالَةٌ لو صَحَّ على أَنَّ أَصْلَهَا الْجَمْعُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لها التَّرْتِيبُ لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ الْخَامِسُ وهو قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ إنْ دَخَلَتْ بين أَجْزَاءِ بَيْنِهَا ارْتِبَاطٌ اقْتَضَتْ التَّرْتِيبَ كَآيَةِ الْوُضُوءِ فإن هذه الْأَفْعَالَ هِيَ أَجْزَاءُ فِعْلٍ وَاحِدٍ مَأْمُورٍ بِهِ وهو الْوُضُوءُ فَدَخَلَتْ الْوَاوُ بين الْأَجْزَاءِ لِلرَّبْطِ فَأَفَادَتْ التَّرْتِيبَ وَإِنْ دَخَلَتْ بين أَفْعَالٍ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهَا نَحْوُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ لَا تُفِيدُهُ وهو قَوْلُ ابْنِ مُوسَى من الْحَنَابِلَةِ وَرَجَّحَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ السَّادِسُ إنَّمَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ في عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ دُونَ عَطْفِ الْجُمَلِ حَكَاهُ ابن الْخَبَّازِ من النُّحَاةِ عن شَيْخِهِ

السَّابِعُ أنها لِلْعَطْفِ وَالِاشْتِرَاكِ وَلَا تَقْتَضِي بِأَصْلِهَا جَمْعًا وَلَا تَرْتِيبًا وَإِنَّمَا ذلك يُؤْخَذُ من أَمْرٍ زَائِدٍ عليها حَكَاهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ في تَعْلِيقِهِ عن إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قال وكان سَيِّئَ الرَّأْيِ في قَوْلِ التَّرْتِيبِ وفي قَوْلِ الْجَمْعِ قال وَأَنْكَرَ الْإِمَامُ أبو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ هذا وقال الْقَائِلُ قَائِلَانِ قَائِلٌ بِالْجَمْعِ وَقَائِلٌ بِالتَّرْتِيبِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ على ذلك فَإِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ لَا يَجُوزُ ا هـ وَنَقَلْته من فَوَائِدِ رِحْلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ بِخَطِّهِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ عبد الْوَهَّابِ قال في بَعْضِ كُتُبِهِ الْخِلَافِيَّةِ اخْتَلَفَ الناس في الْوَاوِ على ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أنها تَقْتَضِي الْجَمْعَ وَالثَّانِي تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَالثَّالِثُ لَا تَقْتَضِي وَاحِدًا منها وَإِنَّمَا تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ في الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابِ فَقَطْ الثَّامِنُ وَحَكَاهُ ابن السَّمْعَانِيِّ عن الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ قال الْوَاوُ لها ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ حَقِيقَةٌ مَجَازٌ وَمُخْتَلَفٌ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَالْحَقِيقَةُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ في الْعَطْفِ لِلْجَمْعِ وَالِاشْتِرَاكِ كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَالْمَجَازُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ بِمَعْنَى أو كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَالْمُخْتَلَفُ في حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَنْ يُسْتَعْمَلَ في التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ فَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ إلَى أنها تَكُونُ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ في التَّرْتِيبِ مَجَازًا وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أنها تَكُونُ حَقِيقَةً فيه فإذا اُسْتُعْمِلَتْ في مَوْضِعٍ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ حُمِلَتْ على التَّرْتِيبِ دُونَ الْجَمْعِ لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ قال ابن مَالِكٍ هو ظَاهِرٌ فيه وَاحْتِمَالُ تَأْخِيرِ الْمَعْطُوفِ كَثِيرٌ وَتَقَدُّمُهُ قَلِيلٌ وَالْمَعِيَّةُ احْتِمَالٌ رَاجِحٌ هذا كَلَامُهُ في الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ أَمَّا التي بِمَعْنَى مع في الْمَفْعُولِ معه قال الْهِنْدِيُّ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ تَقْتَضِي الْجَمْعَ بِصِفَةِ الْمَعِيَّةِ كما في قَوْلِهِمْ جاء الْبَرْدُ وَالطَّيَالِسَةُ وقال بَعْضُهُمْ في الْوَاوِ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ لَا تُوجَدُ في سَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ وَهِيَ أَنَّ دَلَالَتَهَا على الْجَمْعِ أَعَمُّ من دَلَالَتِهَا على الْعَطْفِ بَيَانُهُ أنها لَا تَخْلُو عن الْجَمْعِ وَتَخْلُو عن الْعَطْفِ كَوَاوِ الْمَفْعُولِ معه وَوَاوِ الْقَسَمِ لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عن الْبَاءِ وَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ وَالشَّيْءُ إذَا لَاصَقَ الشَّيْءَ بَعْدُ جَامَعَهُ وَوَاوُ الْحَالِ لَا فيها من مَعْنَى الْمُصَاحَبَةِ وَكَذَا قَوْلُهُمْ لَا تَأْكُلْ السَّمَكَ وَتَشْرَبْ اللَّبَنَ لِلْجَمْعِ دُونَ الْعَطْفِ

قِيلَ وَقَوْلُهُمْ الْوَاوُ حَرْفُ عَطْفٍ فيه تَجَوُّزٌ لِأَنَّ الْوَاوَ اسْمٌ لَيْسَتْ حَرْفًا وَإِنَّمَا الْعَطْفُ ووحده وقال ابن عُصْفُورٍ في شَرْحِ الْإِيضَاحِ إنَّ الْخِلَافَ في أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ مَحَلُّهُ ما إذَا كان الْفِعْلُ صُدُورُهُ من وَاحِدٍ فَأَمَّا نَحْوُ اخْتَصَمَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَلَا خِلَافَ في أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَذَكَرَ في شَرْحِ الْجُمَلِ مُحْتَجًّا على الْقَائِلِينَ بِالتَّرْتِيبِ بِأَنَّ هذه الْأَفْعَالَ لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ فَكَذَلِكَ غَيْرُهَا فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا قال الْإِمَامُ في الْبُرْهَانِ إنَّ الْوَاوَ إذَا دَخَلَتْ في الْجُمَلِ فَلَيْسَ لها فَائِدَةٌ إلَّا التَّحْسِينُ اللَّفْظِيُّ وَرَدَّ عليه ابن الْحَاجِبِ في أَمَالِيهِ بِالْفَاءِ وَثُمَّ فَإِنَّك لو قُلْت قام زَيْدٌ فَخَرَجَ أو ثُمَّ خَرَجَ عَمْرٌو فإنه يُفْهَمُ من الْمُفْرَدِ وهو أَنَّ هذا يُشْعِرُ بِالتَّعْقِيبِ وَلَا مُهْلَةَ وَهَذَا يُشْعِرُ بِالتَّعْقِيبِ وَالْمُهْلَةِ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا في الْمُفْرَدَاتِ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا في إعْرَابٍ بِعَامِلٍ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ الثَّانِيَةُ قال ابن أبي الرَّبِيعِ جَالِسْ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ لِأَنَّك أُمِرْت بِمُجَالَسَتِهِمَا مَعًا وَتَقُولُ أَيْضًا هذا وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنَّهُمَا جميعا أَهْلُ الْمُجَالَسَةِ فَإِنْ أَرَدْت وَجَالِسْ أَحَدَهُمَا لم تَكُنْ عَاصِيًا وَعَلَى هذا أَخَذَ مَالِكٌ قَوْله تَعَالَى إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وهو أَظْهَرُ وَقَوْلُ مَالِكٍ مُمْكِنٌ إنْ عُضِّدَ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ

الفاء
وَمِنْهَا الْفَاءُ وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ وَزِيَادَةٍ وَهِيَ التَّعْقِيبُ أَيْ أَنَّ الْمَعْطُوفَ بَعْدَ الْمَعْطُوفِ عليه بِحَسَبِ ما يُمْكِنُ وهو مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهَا تَدُلُّ على التَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ أَيْ في عَقِبِهِ وَلِهَذَا قال الْمُحَقِّقُونَ منهم إنَّ مَعْنَاهَا التَّفَرُّقُ على مُوَاصَلَةٍ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُحْكَى عن الزَّجَّاجِ وَأَخَذَهَا ابن جِنِّي في لُمَعِهِ وَمَعْنَى التَّفَرُّقِ أنها لَيْسَتْ لِلْجَمْعِ كَالْوَاوِ وَمَعْنَى على مُوَاصَلَةٍ أَيْ أَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا كان يَلِي الْأَوَّلَ من غَيْرِ فَاصِلٍ زَمَانِيٍّ كان مُوَاصِلًا له

وَاسْتَدَلَّ الْفَارِسِيُّ في الْإِيضَاحِ على ذلك بِوُقُوعِهَا في جَوَابِ الشَّرْطِ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُرِيدُ أَنَّ الْجَوَابَ يَلِي الشَّرْطَ عَقِبَهُ بِلَا مُهْلَةٍ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى وَكَمْ من قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا قال الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ قَرُبَ هَلَاكُهَا وقال الْمُتَأَخِّرُونَ أَيْ أَرَدْنَا إهْلَاكَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ من جِهَةِ عِلْمِ الْكَلَامِ وَقِيلَ لَمَّا كان مَجِيءُ الْبَأْسِ مَجْهُولًا عِنْدَ الناس قُدِّرَ كَالْعَدَمِ وَلَمَّا حَصَلَ الْهَلَاكُ اعْتَقَدُوا وُجُودَهُ فَحَسُنَ دُخُولُ الْفَاءِ وَقِيلَ لَيْسَتْ عَاطِفَةً وَإِنَّمَا هِيَ سَبَبِيَّةٌ وَالْفَاءُ السَّبَبِيَّةُ لَا يُشْتَرَطُ فيها التَّعْقِيبُ فَإِنَّك تَقُولُ أَكْرَمْت زَيْدًا أَمْسِ فَأَكْرَمَنِي الْيَوْمَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ظَاهِرٌ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْله تَعَالَى فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ثُمَّ التَّرْتِيبُ إمَّا في الزَّمَانِ نَحْوُ خَلَقَك فَسَوَّاك وَلِهَذَا كَثُرَ كَوْنُ تَابِعِهَا مُسَبَّبًا نَحْوُ ضَرَبْته فَهَلَكَ أو في الذِّكْرِ وهو عَطْفُ مُفَصَّلٍ على مُجْمَلٍ هو نَحْوُ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فقال رَبِّ أو مُتَأَخِّرٌ عَمَّا قَبْلَهُ في الْإِخْبَارِ نَحْوُ بِسَقْطِ اللِّوَى

بين الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أنها تَأْتِي لِغَيْرِ التَّرْتِيبِ وَهَذَا مع ما نُقِلَ عنه من أَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ عَجِيبٌ وهو يُوقِعُ خَلَلًا في ذلك النَّقْلِ فإنه قد ذُكِرَ هذا في مَعَانِي الْقُرْآنِ في قَوْله تَعَالَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى الْمَعْنَى ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنَا وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كان الْمَعْنَى في الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أو كَالْوَاحِدِ قَدَّمْت أَيَّهُمَا شِئْت فَقُلْت دَنَا فَقَرُبَ أو قَرُبَ فَدَنَا وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ أو أَسَاءَ فَشَتَمَنِي لِأَنَّ الشَّتْمَ وَالْإِسَاءَةَ وَاحِدٌ وَنُوقِشَ بِأَنَّ الْقَلْبَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مُسَبَّبًا وَسَبَبًا من وَجْهَيْنِ فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ حَاصِلًا قَدَّمْت أو أَخَّرْت فَقَوْلُكَ دَنَا فَقَرُبَ الدُّنُوُّ عِلَّةُ الْقُرْبِ وَالْقُرْبُ غَايَتُهُ فإذا قُلْت دَنَا فَقَرُبَ فَمَعْنَاهُ لَمَّا دَنَا حَصَلَ الْقُرْبُ وإذا عَكَسْت فَقُلْت قَرُبَ فَدَنَا فَمَعْنَاهُ قَرُبَ فَلَزِمَ منه الدُّنُوُّ وَلَا يَصِحُّ في قَوْلِك ضَرَبْته فَبَكَى لِأَنَّ الضَّرْبَ ليس غَايَتَهُ الْبُكَاءُ بَلْ الْأَدَبُ أو شَيْءٌ آخَرُ وَكَذَلِكَ أَعْطَيْته فَشَنَّعَا وقال الْجَرْمِيُّ لَا تُفِيدُ الْفَاءُ التَّرْتِيبَ في الْبِقَاعِ وَلَا في الْأَمْطَارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بين الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ وقال الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بن عبد السَّلَامِ نَصَّ الْفَارِسِيُّ في الْإِيضَاحِ على أَنَّ ثُمَّ أَشَدُّ تَرَاخِيًا من الْفَاءِ فَدَلَّ على أَنَّ الْفَاءَ لها تَرَاخٍ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ غَيْرُهُ من الْمُتَقَدِّمِينَ ولم يَدَّعِ أنها لِلتَّعْقِيبِ إلَّا الْمُتَأَخِّرُونَ قُلْت وَهِيَ عِبَارَةُ أبي بَكْرِ بن السَّرَّاجِ في أُصُولِهِ فقال وثم مِثْلُ الْفَاءِ إلَّا أنها أَشَدُّ تَرَاخِيًا وقال ابن الْخَشَّابِ ظَاهِرُهُ أَنَّ في الْفَاءِ تَرَاخِيًا جَمًّا لِأَنَّ أَشَدَّ أَفْضَلُ لِلتَّفْضِيلِ وَلَا يَقَعُ التَّفْضِيلُ إلَّا بين مُشْتَرِكَيْنِ في مَعْنًى ثُمَّ يَزِيدُ الْمُفَضَّلُ على الْمُفَضَّلِ عليه في ذلك الْمَعْنَى وَلَا تَرَاخِيَ تَدُلُّ عليه الْفَاءُ فِيمَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أبو بَكْرٍ عَدَّ تَعْقِيبَ الْفَاءِ وَتَرْتِيبَهَا تَرَاخِيًا فَذَلِكَ تَسَاهُلٌ في الْعِبَارَةِ وَتَسَامُحٌ ثُمَّ شَرَعَ في تَأْوِيلِ عِبَارَةِ أبي بَكْرٍ على أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ قد لَا يُرَادُ بِهِ ظَاهِرُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا خَيْرَ في مُسْتَقَرِّ أَهْلِ النَّارِ قُلْت وَلَا حَاجَةَ إلَى هذا فَقَدْ صَرَّحَ عبد الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ فقال في الْفَاءِ إنَّ أَصْلَهَا الْإِتْبَاعُ وَلِذَلِكَ لَا تَعْرَى عنه مع تَعَرِّيهَا عن الْعَطْفِ في جَوَازِ الشَّرْطِ وَلَكِنْ مع ذلك لَا يُنَافِي التَّرَاخِي الْيَسِيرُ ا هـ وَكَذَا قال غَيْرُهُ مَعْنَى التَّرَاخِي فيها وَإِنْ لَطُفَ فإن من ضَرُورَةِ التَّعْقِيبِ تَرَاخِي الثَّانِي عن الْأَوَّلِ بِزَمَانٍ وَإِنْ قَلَّ بِحَيْثُ لَا يُدْرَكُ إذْ لو لم يَكُنْ كَذَلِكَ كان مُقَارَنًا وَالْقُرْآنُ ليس بِمُوجِبٍ له وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت تَفْسِيرَنَا التَّعْقِيبَ بِحَسَبِ ما يُمْكِنُ زَالَ الْإِشْكَالُ وقد جَوَّزُوا دَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ وَبَيْنَ الدُّخُولَيْنِ تَرَاخٍ وَمُهْلَةٌ وقال تَعَالَى وَاَلَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحَوَى فإن بين الْإِخْرَاجِ وَالْإِحْوَاءِ وَسَائِطَ وقال ابن أبي الرَّبِيعِ الِاتِّصَالُ يَكُونُ حَقِيقَةً وَيَكُونُ مَجَازًا فإذا كان حَقِيقَةً فَلَا تَرَاخِيَ فيه وإذا كان مَجَازًا فَفِيهِ تَرَاخٍ بِلَا شَكٍّ كَقَوْلِك دَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْفَاءُ لِأَنَّ سَبَبَ دُخُولِ الْكُوفَةِ اتَّصَلَ بِدُخُولِ الْبَصْرَةِ فلم يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ وقد يَكُونُ التَّرَاخِي بَيْنَهُمَا قَلِيلًا فَيَكُونُ كَالْمُسْتَهْلِكِ لِكَوْنِهِ غير مُفْتَقِرٍ لِعِلَّتِهِ فَتَدْخُلُ الْفَاءُ كَذَلِكَ وَمِنْ هذا يُعْلَمُ وَجْهُ التَّعْقِيبِ في قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ

مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ وَبِظَاهِرِهِ تَمَسَّكَ أَهْلُ الظَّاهِرِ في إيجَابِ عِتْقِهِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ فإنه لو أَعْتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لم يَكُنْ لِقَوْلِهِ فَيُعْتِقَهُ مَعْنًى وقال الْأَئِمَّةُ فَائِدَتُهُ التَّنْبِيهُ على أَنَّ الْإِعْتَاقَ بِذَلِكَ الشِّرَاءِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ كما يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ أَيْ بهذا الْإِطْعَامِ إذْ لو كان الْإِشْبَاعُ بِغَيْرِهِ لم يَكُنْ مُتَّصِلًا بِهِ لَا يُقَالُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ حُكْمًا لِلشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَةٌ فَكَانَ مُنَافِيًا له وَالْمُنَافِي لِحُكْمِ الشَّيْءِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ بِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا له وَلَكِنَّهُ يَصْلُحُ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَصِيرُ مُتَمَلَّكًا وَالْمِلْكُ في الْوَقْتِ إكْمَالٌ لِعِلَّةِ الْعِتْقِ فَيَصِيرُ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وإذا صَارَ مُضَافًا إلَيْهِ يَصِيرُ بِهِ مُعْتَقًا وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعْتَاقٍ آخَرَ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في كَوْنِهَا لِلتَّعْقِيبِ بين الْعَاطِفَةِ وَالْوَاقِعَةِ جَوَابًا لِلشَّرْطِ وَسَبَقَ في كَلَامِ الْفَارِسِيِّ الِاسْتِدْلَال بِجَوَابِ الشَّرْطِ فَاقْتَضَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وقال ابن الْخَشَّابِ في الْعَوْنِيِّ الْمَعْنَى الْخَاصُّ بِالْفَاءِ التَّعْقِيبُ فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً إلَّا مُعَقِّبَةً وقد تَكُونُ مُعَقِّبَةً غير عَاطِفَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا وَالْفَاءُ في هذا وَشَبَهِهِ عَاطِفَةٌ مُعَقِّبَةٌ وَنَظِيرُهُ في الْكَلَامِ جاء زَيْدٌ فَعَمْرٌو وَأَمَّا الْمُعَقِّبَةُ غَيْرُ الْعَاطِفَةِ كَالْوَاقِعَةِ في جَوَابِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَعْقُبُ الشَّرْطَ وَلَا يُعْطَفُ عليه إذْ لو عُطِفَ عليه لَكَانَ شَرْطًا أَيْضًا لَا جَوَابًا انْتَهَى وقال أبو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ هِيَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لِلتَّعْقِيبِ في الْعَطْفِ وَأَمَّا في الْجَوَابِ فَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أنها لِلتَّعْقِيبِ أَيْضًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى لَا تَفْتَرُوا على اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَلِأَنَّك تَقُولُ إذَا دَخَلْت مَكَّةَ فَاشْتَرِ لي عَبْدًا فإنه لَا يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ انْتَهَى وَلِهَذَا اخْتَارَ الْقُرْطُبِيُّ أنها رَابِطَةٌ لِلْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ لَا غَيْرُ وَأَنَّ التَّعْقِيبَ غَيْرُ لَازِمٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فَيُسْحِتَكُمْ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كُنْتُمْ على سَفَرٍ ولم تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ

مَقْبُوضَةٌ وَلَيْسَ فيها جَزَاءٌ عَقِبَ شَرْطِهِ وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُونَ على الْمَجَازِ لِأَنَّ الْإِسْحَاتَ لَمَّا تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ عَقِبَهُ وما نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ يُبَايِنُهُ مُبَايَنَةً ظَاهِرَةً ما نَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ في أُصُولِهِ فإنه قال ما نَصُّهُ إنَّ الْفَاءَ إنْ كانت لِلْجَزَاءِ فَلَا خِلَافَ أنها لِلتَّعْقِيبِ كَقَوْلِك جَاءَنِي فَضَرَبْته وَشَتَمَنِي فَحَدَدْته وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كانت لِلْعَطْفِ فَقِيلَ كَالْأَوَّلِ وَقِيلَ كَالْوَاوِ ا هـ لَكِنْ الْخِلَافُ في الْجَزَاءِ ثَابِتٌ وَجَعَلُوا من فَوَائِدِهِ الْخِلَافَ في وُجُوبِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ فإنه عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ لِلتَّعْقِيبِ كان دَلِيلًا على عَدَمِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَلَا وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ كَوْنَهَا لِلتَّعْقِيبِ إذَا وَقَعَتْ في جَوَابِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَدَافَعَ الْمُعْتَزِلَةُ عن الِاسْتِدْلَالِ على خَلْقِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى كُنْ فَيَكُونُ فإن الْفَاءَ هُنَا لِلتَّعْقِيبِ من غَيْرِ تَرَاخٍ وَلَا مُهْلَةٍ وإذا كان الْكَائِنُ الْحَادِثُ عَقِبَ قَوْلِهِ كُنْ من غَيْرِ تَرَاخٍ وَلَا مُهْلَةٍ اقْتَضَى ذلك حَدَثُ الْقَوْلِ الذي هو كُنْ وَاشْتَدَّ نَكِيرُ الْقَاضِي في كَوْنِ الْفَاءِ تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ في مِثْلِ هذا وَرَأَى أنها تَقْتَضِيهِ في الْعَطْفِ فَقَطْ وَلَيْسَ هذا منه وَعَلَى هذا فَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بها على التَّرْتِيبِ في قَوْله تَعَالَى إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وَأَنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْوَجْهِ ثَبَتَ التَّرْتِيبُ في الْبَاقِي إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ قِيلَ وَأَصْلُ الْفَاءِ أَنْ تَدْخُلَ على الْمَعْلُولِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ وَالْمَعْلُولُ يَعْقُبُ الْعِلَّةَ وقد تَدْخُلُ على الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ أنها مَعْلُولٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَزَوَّدُوا فإن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَسَيَأْتِي له مَزِيدٌ في بَابِ الْقِيَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَاءُ وَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ أَيْ إلْصَاقِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ وهو تَعْلِيقُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَاتِّصَالُهُ بِهِ وقال عبد الْقَاهِرِ قَوْلُهُمْ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ إنْ حُمِلَ على ظَاهِرِهِ أَدَّى إلَى الِاسْتِحَالَةِ لِأَنَّهَا تَجِيءُ بِمَعْنَى الْإِلْصَاقِ نَفْسِهِ كَقَوْلِنَا أَلْصَقْت بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ من تَأْوِيلِ كَلَامِهِمْ وَالْوَجْهُ فيه أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُمْ أَنْ يَقُولُوا لِلْمُتَعَلِّمِ اُنْظُرْ إلَى قَوْلِك أَلْصَقْته بِكَذَا وَتَأَمَّلْ الْمُلَابَسَةَ التي بين الْمُلْصَقِ وَالْمُلْصَقِ بِهِ تَعْلَمْ أَنَّ الْبَاءَ أَيْنَمَا كانت

الْمُلَابَسَةُ التي تَحْصُلُ بها شَبِيهَةٌ بِهَذِهِ الْمُلَابَسَةِ التي تَرَاهَا في قَوْلِك أَلْصَقْته بِهِ انْتَهَى وَتَجِيءُ لِلِاسْتِعَانَةِ نَحْوُ ضَرَبْت بِالسَّيْفِ وَكَتَبْت بِالْقَلَمِ وَبِمَعْنَى الْمُصَاحَبَةِ كَاشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِسَرْجِهِ وَجَاءَ زَيْدٌ بِسِلَاحِهِ وَبِمَعْنَى الظَّرْفِ نَحْوُ جَلَسْت بِالسُّوقِ وَتَكُونُ لِتَعْدِيَةِ الْفِعْلِ نَحْوُ مَرَرْت بِزَيْدٍ قال الْقُرْطُبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هذه الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْمُلَابَسَةِ فَيَشْتَرِكُ في مَعْنًى كُلِّيٍّ وهو أَوْلَى دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ قال وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ جِنِّي أَشَارَ إلَى هذا وَقِيلَ إنَّهَا حَيْثُ دَخَلَتْ على الْآلَةِ فَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ وَاخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّةِ الْإِلْصَاقِ فَقِيلَ تُفِيدُ التَّعْمِيمَ فيه فَعَلَى هذا لَا إجْمَالَ في قَوْله تَعَالَى وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ بَلْ تُفِيدُ تَعْمِيمَ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَقِيلَ إنَّمَا تُفِيدُ إلْصَاقَ الْفِعْلِ بِبَعْضِ الْمَفْعُولِ وَعَلَى هذا فَهِيَ مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّ مَسْحَ أَيِّ بَعْضٍ من الرَّأْسِ وَاجِبٌ وَقِيلَ تَقْتَضِي الْإِلْصَاقَ بِالْفِعْلِ مُطْلَقًا وَلَا تَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ تَعْمِيمًا وَلَا تَبْعِيضًا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ثُمَّ قال وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنْ دَخَلَتْ على فِعْلٍ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ أَفَادَتْ التَّبْعِيضَ لِأَنَّ الْإِلْصَاقَ الذي هو التَّعَدِّي مَفْهُومٌ من دُونِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِدُخُولِهَا فَائِدَةٌ وَإِنْ لم يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ فإن فَائِدَتَهُ الْإِلْصَاقُ وَالتَّعْدِيَةُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَحْصُولِ والمنهاج وَغَيْرِهِمَا أَعْنِي أنها إذَا دَخَلَتْ على فِعْلٍ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ اقْتَضَتْ التَّبْعِيضَ وَنَسَبَ ذلك بَعْضُهُمْ إلَى الشَّافِعِيِّ أَخْذًا من آيَةِ الْوُضُوءِ وهو وَهَمٌ عليه فإن مَدْرَكًا آخَرَ كما سَبَقَ في الْوَاوِ وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ بِأَنَّا نُفَرِّقُ بِالضَّرُورَةِ بين قَوْلِنَا مَسَحْتُ يَدِي بِالْمِنْدِيلِ وَبِالْحَائِطِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا مَسَحْت الْمِنْدِيلَ وَالْحَائِطَ في أَنَّ الْأَوَّلَ لِلتَّبْعِيضِ وَالثَّانِيَ لِلشُّمُولِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذلك أَمْرٌ آخَرُ يَرْجِعُ إلَى الْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ وهو أَنَّ مَسَحْت يَدِي بِالْمِنْدِيلِ سِيقَ لِإِفَادَةِ مَمْسُوحٍ وَمَمْسُوحٍ بِهِ وَالْبَاءُ إنَّمَا جِيءَ بها لِتُفِيدَ إلْصَاقَ الْمَمْسُوحِ بِهِ التي هِيَ الْآلَةُ بِمَسْحِ الْمَحَلِّ الذي هو الْيَدُ وَقَوْلُهُ مَسَحْت الْمِنْدِيلَ وَالْحَائِطَ إنَّمَا سِيقَ إلْصَاقُ الْمَسْحِ بِالْمَمْسُوحِ وإذا كان كَذَلِكَ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِعَوْدِ الْفَرْقِ إلَى التَّبْعِيضِ مع أَنَّهُ لَا تَبْعِيضَ في الْكَلَامِ وَقِيلَ إنْ دَخَلَتْ الْبَاءُ على آلَةِ الْمَسْحِ نَحْوُ مَسَحْت بِالْحَائِطِ وَبِالْمِنْدِيلِ فَهِيَ لِلْكُلِّ وَإِنْ دَخَلَتْ على

الْمَحَلِّ نَحْوُ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ لَا يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ وَاسِطَةٌ بين الْفَاعِلِ وَالْمُنْفَعِلِ في وُصُولِ أَثَرِهِ إلَيْهِ وَالْمَحَلُّ هو الْمَقْصُودُ في الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْآلَةِ بَلْ يَكْفِي فيها ما يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَأَنْكَرَ ابن جِنِّي وَصَاحِبُ الْبَسِيطِ مَجِيئَهَا لِلتَّبْعِيضِ وَقَالَا لم يَذْكُرْهُ أَحَدٌ من النُّحَاةِ قُلْت أَثْبَتَهُ جَمَاعَةٌ منهم ابن مَالِكٍ وقال ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ في التَّذْكِرَةِ وَنُقِلَ عن الْكُوفِيِّينَ وَتَبِعَهُمْ فيه الْأَصْمَعِيُّ وَالْعُتْبِيُّ انْتَهَى وَكَذَا ابن مَخْلَدٍ في شَرْحِ الْجُمَلِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ مَسَحْت بِالْحَائِطِ وَتَيَمَّمْت بِالتُّرَابِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْعَبْدَرِيُّ في شَرْحِ الْإِيضَاحِ قال وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّ الْبَاءَ الدَّالَّةَ على الْآلَةِ لَا يَلْزَمُ فيها أَنْ يُلَابِسَ الْفِعْلُ جَمِيعَهَا وَلَا يَكُونَ الْعَمَلُ بها كُلِّهَا بَلْ بِبَعْضِهَا وَالْحَقُّ أَنَّ التَّبْعِيضَ الْأَوَّلَ بِالْقَرِينَةِ لَا بِالْوَضْعِ وَلَيْسَتْ الْحُجَّةُ بَلْ هِيَ لَيْسَتْ نَصًّا في الِاسْتِيعَابِ فَهِيَ مُجْمَلَةٌ فَيُكْتَفَى فيه بِمَا يَقَعُ عليه الِاسْمُ وَلَوْ شَعْرَةً وقال أبو الْبَقَاءِ التَّبْعِيضُ لَا يُسْتَفَادُ من الْبَاءِ بَلْ من طَرِيقِ الِاتِّفَاقِ وهو يُحَصِّلُ الْغَرَضَ من الْفِعْلِ بِتَبْعِيضِ الْآلَةِ بَلْ ظَاهِرُ الْحَقِيقَةِ يُغَطِّي الْجَمِيعَ أَلَا تَرَاك إذَا قُلْت مَسَحْت رَأْسَ الْيَتِيمِ فَحَقِيقَتُهُ إنْ تَمَّ الْمَسْحُ بِجَمِيعِهِ وإذا أَمَرَّ بِبَعْضِهِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ بِبَعْضِ رَأْسِهِ فَلَوْ كانت لِلتَّبْعِيضِ لَا يَسْتَوِي ذِكْرُ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وهو خِلَافُ الْحَقِيقَةِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عنه ابن السَّمْعَانِيِّ الْبَاءُ مَوْضُوعَةٌ لِإِلْصَاقِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ كَقَوْلِك مَسَحْت يَدَيَّ بِالْمِنْدِيلِ وَكَتَبْت بِالْقَلَمِ وقد يُسْتَعْمَلُ في التَّبْعِيضِ إذَا أَمْكَنَ حَذْفُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ أَيْ بَعْضِ رُءُوسِكُمْ قال وهو حَقِيقَةٌ في قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَجَازٌ في قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ انْتَهَى وقال الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ ظَنَّ ظَانُّونَ أَنَّهُ لِلتَّبْعِيضِ مَصْدَرٌ يَسْتَقِلُّ بِدُونِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِمْ أَخَذْت زِمَامَ النَّاقَةِ إذَا أَخَذَهَا من الْأَرْضِ وَأَخَذْت بِزِمَامِهَا إذَا أَخَذْت طَرَفَهُ وَلَيْسَتْ الْبَاءُ لِلتَّبْعِيضِ أَصْلًا وَهَذَا خَطَأٌ في أَخْذِ الزِّمَامِ وَلَكِنْ من الْمَصَادِرِ ما يَقْبَلُ الصِّلَاتِ كَقَوْلِهِمْ شَكَرْت له وَنَصَحْت له وَأَمَّا التَّبْعِيضُ في مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ مَأْخُوذٌ من صِفَةِ الْمَصْدَرِ فَمَصْدَرُ الْمَسْحِ لَا يَصِيرُ إلَى الِاسْتِيعَابِ كَمَصْدَرِ الضَّرْبِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ انْتَهَى قِيلَ وَمِمَّا يَقْطَعُ النِّزَاعَ في كَوْنِهَا لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ أنها لو كانت كَذَلِكَ لِامْتِنَاعِ

دُخُولِهَا على بَعْضٍ لِلتَّكْرَارِ وَالتَّأْكِيدِ فِيمَا دَخَلَتْهُ بِكُلٍّ لِلتَّنَاقُضِ فَكَانَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ مَسَحْت بِبَعْضِ رَأْسِي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَعْضِ بَعْضِ رَأْسِي وَلَا أَنْ تَقُولَ مَسَحْت بِرَأْسِي كُلِّهِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلتَّبْعِيضِ وَكُلٌّ لِتَأْكِيدِ الْجَمْعِ وَجَمْعُهُمَا على شَيْءٍ وَاحِدٍ تَنَاقُضٌ تَنْبِيهٌ جَعَلُوهَا لِلتَّبْعِيضِ في آيَةِ الْوُضُوءِ ولم يَجْعَلُوهَا لِلتَّبْعِيضِ في آيَةِ التَّيَمُّمِ في قَوْله تَعَالَى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ في التَّيَمُّمِ بَدَلٌ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَقِيلَ لهم إنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَصْلِ في الْإِجْزَاءِ فَتُحْكَمُ وَلَا يُفِيدُكُمْ في الْفَرْقِ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ صُورَةَ الْبَدَلِ لِصُورَةِ أَصْلِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ فإن التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عن الْوُضُوءِ وهو في عُضْوَيْنِ وَالْوُضُوءُ في أَرْبَعَةٍ وَبِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ بَدَلٌ عن غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَجِبُ في ذلك الِاسْتِيعَابُ أَجَابُوا عن ذلك بِأَنَّ ذلك يُفْسِدُ الْخُفَّ وَلِأَنَّ مَبْنَاهُ على التَّخْفِيفِ حتى جَازَ مع الْقُدْرَةِ على غَسْلِ الرِّجْلِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ نُكْتَتَانِ في الْبَاءِ يَغْلَطُ الْمُصَنِّفُونَ فيها الْأُولَى أَنَّهُمْ يُدْخِلُونَهَا مع فِعْلِ الْإِبْدَالِ على الْمَتْرُوكِ فَيَقُولُونَ لو أُبْدِلَتْ ضَادًا بِطَاءٍ وَالصَّوَابُ الْعَكْسُ فإذا قُلْت أَبْدَلْت دِينَارًا بِدِرْهَمٍ فَمَعْنَاهُ اعْتَضْت دِينَارًا عِوَضَ دِرْهَمٍ فَالدِّينَارُ هو الْحَاصِلُ لَك الْمُعَوِّضُ وَالدِّرْهَمُ هو الْخَارِجُ عَنْك الْمُعَوَّضُ بِهِ وَهَذَا عَكْسُ ما فَهِمَهُ الناس وَعَلَى ما ذَكَرْنَا جاء كَلَامُ الْعَرَبِ قال الشَّاعِرُ تَضْحَكُ مِنِّي أُخْتُ ذِي النَّحْيَيْنِ أَبْدَلَهُ اللَّهُ بِلَوْنِ لَوْنَيْنِ سَوَادِ وَجْهٍ وَبَيَاضِ عَيْنَيْنِ أَلَا تَرَى كَيْفَ أَدْخَلَ الْبَاءَ على الْمُعَوَّضِ منه وهو قَوْلُهُ بِلَوْنِ وَنَصَبَ لَوْنَيْنِ وهو الْمُعَوِّضُ وقال تَعَالَى وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ وبدلناهم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هو أَدْنَى بِاَلَّذِي هو خَيْرٌ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ أَيْ يَسْتَبْدِلْ بِكُمْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وقال تَعَالَى عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا منها

فَحَذَفَ بها أَيْ بِالْجَنَّةِ التي طِيفَ بها وقال فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا أَيْ يُبْدِلَهُمَا بِهِ وقد حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ لِدَلَالَةِ فِعْلِ الْإِبْدَالِ على الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ أَيْ بِسَيِّئَاتِهِمْ وَهَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ في جُمُوعِ التَّكْسِيرِ من شَرْحِ التَّسْهِيلِ وَكَتَبَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ التَّبْرِيزِيُّ على الْحَاشِيَةِ قال تَعَالَى إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى من الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لهم الْجَنَّةَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَنَّةَ عِوَضٌ لَا مُعَوَّضٌ وَعَلَى هذا يَتَخَرَّجُ كَلَامُ الْمُصَنَّفِينَ حَيْثُ أَدْخَلُوا الْبَاءَ على الْمَأْخُوذِ وَإِنْ لم يَكُنْ في الْآيَةِ فِعْلُ الْإِبْدَالِ لَكِنْ الْأَكْثَرُ هو الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَصَحِيحٌ عَرَبِيٌّ قُلْت الدَّعْوَةُ مع فِعْلِ الْإِبْدَالِ وفي جَرَيَانِ ذلك في كل ما دَلَّ على مُعَاوَضَةٍ نَظَرٌ فإنه لم يَطَّرِدْ فيه فَقَدْ جاء اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَقَدْ دَخَلَتْ على الْمَتْرُوكِ وَجَاءَ عَكْسُهُ وهو قَوْله تَعَالَى فَلْيُقَاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْسُنُ رَدُّ التَّبْرِيزِيِّ بِالْآيَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ في هذه الْآيَةِ إنَّ الضَّمِيرَ في يُقَاتِلْ عَائِدٌ على الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّذِينَ يَشْتَرُونَ مَفْعُولٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وكان الْمَعْنَى في دُخُولِ الْبَاءِ على كُلٍّ مِنْهُمَا مع الشِّرَاءِ أَنَّ اشْتَرَيْت وبعت كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَى الْآخَرِ لَكِنَّ الْأَكْثَرَ في بِعْت الْإِخْرَاجُ عن الْمِلْكِ وفي اشْتَرَيْت الْإِدْخَالُ الثَّانِيَةُ إدْخَالُهُمْ الْبَاءَ مع فِعْلِ الِاخْتِصَاصِ على الْمُخْتَصِّ وَالصَّوَابُ إدْخَالُهَا على الْمُخْتَصِّ بِهِ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ إفْرَادُ بَعْضِ الشَّيْءِ عَمَّا لَا يُشَارِكُهُ فيه بِالْجُمْلَةِ فإذا قُلْت اخْتَصَّ زَيْدٌ بِالْمَالِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ زَيْدًا مُنْفَرِدٌ عن غَيْرِهِ بِالْمَالِ فَهُوَ الْمُخْتَصُّ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَالُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَالْمُخْتَصُّ أَبَدًا هو الْمُنْفَرِدُ الْمُحْتَوِي أَبَدًا على الشَّيْءِ فَهُوَ كَالظَّرْفِ له وَالْمُخْتَصُّ بِهِ أَبَدًا هو الْمَأْخُوذُ كَالْمَظْرُوفِ فَلَوْ قُلْت اخْتَصَّ الْمَالُ بِزَيْدٍ تُرِيدُ ما أَرَدْته بِالْمِثَالِ السَّابِقِ لم يَصِحَّ لِأَنَّك في الْمِثَالِ الْأَوَّلِ حَصَرْت الْمَالَ في زَيْدٍ وفي الثَّانِي حَصَرْت زَيْدًا في الْمَالِ فَلَا يَكُونُ له صِفَةٌ غَيْرُ الِاحْتِوَاءِ على الْمَالِ وهو غَيْرُ الْمُرَادِ فإن زَيْدًا قد يَكُونُ له صِفَاتٌ من دِينٍ وَعِلْمٍ وَغَيْرِهِمَا وَبِهَذَا يَظْهَرُ حُسْنُ عِبَارَةِ التَّسْهِيلِ وَخُصَّ الْجَرُّ بِالِاسْمِ على عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ

وَالِاسْمُ قد خُصِّصَ بِالْجَرِّ اللَّامُ حَقِيقَةٌ في الِاخْتِصَاصِ كَقَوْلِك الْمَالُ لِزَيْدٍ وَقَوْلُهُمْ لِلْمِلْكِ مَجَازٌ من وَضْعِ الْخَاصِّ مَوْضِعَ الْعَامِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ اخْتِصَاصٌ وَلَيْسَ كُلُّ اخْتِصَاصٍ مِلْكًا فإذا قِيلَ هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ دخل فيه الْمِلْكُ وَغَيْرُهُ كَقَوْلِك السَّرْجُ لِلدَّابَّةِ وَالْبَابُ لِلْمَسْجِدِ أَيْ هُمَا مُخْتَصَّانِ بِهِمَا ولم يُوجَدْ فِيهِمَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَجَعَلَهَا الْجُرْجَانِيُّ حَقِيقَةً في الْمِلْكِ وَمَتَى اُسْتُعْلِمَتْ في غَيْرِهِ فَبِقَرِينَةٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ مَعْنًى عَامٌّ لِجَمِيعِ مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِهَا وَبِأَيِّ مَعْنًى اُسْتُعْمِلَتْ لَا تَخْلُو منه قال ابن يَعِيشَ إنَّمَا قُلْنَا أَصْلُهَا الِاخْتِصَاصُ لِعُمُومِهِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَالِكٍ مُخْتَصٌّ بِمِلْكِهِ وَلِهَذَا لم يذكر في الْمُفَصَّلِ غَيْرَهُ ولم يذكر أنها لِلْمِلْكِ وقال ابن الْخَشَّابِ قال الْحُذَّاقُ اللَّامُ تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ الذي يَدْخُلُ فيه الْمِلْكُ وَلِذَلِكَ يقول الْعَبْدُ سَيِّدٌ لي قبل الْعِتْقِ وَمَوْلًى لي بَعْدَهُ كما قال السَّيِّدُ عَبِيدٌ لي التَّنْزِيلُ لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ وَفِيهِ وَلِلَّهِ على الناس حِجُّ الْبَيْتِ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ قال فما لَا يَصْلُحُ له التَّمَلُّكُ قِيلَ اللَّامُ معه لَامُ الِاسْتِحْقَاقِ وما صَحَّ أَنْ يَقَعَ فيه التَّمَلُّكُ وَأُضِيفَ إلَيْهِ ما ليس بِمَمْلُوكٍ له قِيلَ اللَّامُ معه لَامُ الِاسْتِحْقَاقِ وما عَدَا ذلك فَاللَّامُ فيه عِنْدَهُمْ لَامُ الْمِلْكِ وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بين الْمِلْكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالِاخْتِصَاصِ فقال الْمَالُ إنْ أُضِيفَ إلَى من يَعْقِلُ كانت لِلْمِلْكِ وَإِلَّا فَإِنْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ له بِهِ فَلِلِاسْتِحْقَاقِ كَالسَّرْجِ لِلدَّابَّةِ وَإِنْ لم تَشْهَدْ بِهِ بَلْ كانت من شَهَادَةِ الْعَادَةِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ لِلِاخْتِصَاصِ فَالْمِلْكُ أَخَصُّ من الِاسْتِحْقَاقِ وَالِاسْتِحْقَاقُ أَخَصُّ من الِاخْتِصَاصِ وما قَالَهُ ابن الْخَشَّابِ في الْفَرْقِ أَحْسَنُ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ اللَّامَ في قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ لِلِاخْتِصَاصِ

إذْ لو كانت لِلْمِلْكِ لَتَنَافَى مع قَوْلِهِ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْإِفْرَادِ عن الْأَصْحَابِ أَنَّ اللَّامَ تَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِالْمِلْكِ أو غَيْرِهِ فَإِنْ تَجَرَّدَتْ وَأَمْكَنَ الْحَمْلُ على الْمِلْكِ حُمِلَ عليه لِأَنَّهُ أَظْهَرُ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ وَإِنْ وَصَلَ بها وَذَكَرَ وَجْهًا آخَرَ من الِاخْتِصَاصِ أو لم يُمْكِنْ الْحَمْلُ على الْمِلْكِ كَقَوْلِنَا الْحَبْلُ لِلْفَرَسِ حُمِلَ عليه وَتَأْتِي لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ على اللَّهِ حُجَّةٌ وَلِلْعَاقِبَةِ نَحْوُ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لهم عَدُوًّا وَحَزَنًا قال ابن السَّمْعَانِيِّ وَعِنْدِي أَنَّهُ مَجَازٌ وقال الزَّمَخْشَرِيُّ التَّحْقِيقُ أنها لَامُ الْعِلَّةِ وَالتَّعْلِيلُ فيها وَارِدٌ على طَرِيقِ الْمَجَازِ لَا الْحَقِيقَةِ وقال الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بن هِشَامٍ في الْمُغْنِي أَنْكَرَ الْبَصْرِيُّونَ لَامَ الْعَاقِبَةِ قُلْت في كِتَابِ الْمُبْتَدِئِ في النَّحْوِ لِابْنِ خَالَوَيْهِ فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لهم عَدُوًّا فَهِيَ لَامُ كَيْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَلَامُ الصَّيْرُورَةِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ انْتَهَى وَنَقَلَ ابن بَرْهَانٍ في الْغُرَّةِ عن الْكُوفِيِّينَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ وفي أَمَالِي الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ الْمُفَرِّقُ بين لَامِ الصَّيْرُورَةِ كما في قَوْله تَعَالَى لِيَكُونَ لهم عَدُوًّا وَلَامُ التَّعْلِيلِ كما في قَوْله تَعَالَى لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا أَنَّ لَامَ التَّعْلِيلِ تَدْخُلُ على ما هو غَرَضٌ لِفَاعِلِ الْفِعْلِ وَيَكُونُ مُرَتَّبًا على الْفِعْلِ وَلَيْسَ في لَامِ الصَّيْرُورَةِ إلَّا التَّرْتِيبُ فَقَطْ قال ابن فُورَكٍ عن الْأَشْعَرِيِّ كُلُّ لَامٍ نَسَبَهَا اللَّهُ عز وجل لِنَفْسِهِ فَهِيَ لَامُ الصَّيْرُورَةِ لِاسْتِحَالَةِ الْغَرَضِ مَكَانَ الْمُخْبِرِ في لَامِ الصَّيْرُورَةِ قال فَعَلْت هذا بَعْدَ هذا لِأَنَّهُ غَرَضٌ لي

وَمِنْ الثَّانِي أَنْ الْمَفْتُوحَةُ السَّاكِنَةُ تَدْخُلُ على الْمُضَارِعِ لِتَخَلُّصِهِ لِلِاسْتِقْبَالِ وَتَلِي الْمَاضِيَ فَلَا تُغَيِّرُهُ عن مَعْنَاهُ نَحْوُ سَرَّنِي أَنْ ذَهَبَ زَيْدٌ وَاخْتُلِفَ هل هِيَ الدَّاخِلَةُ على الْمُضَارِعِ لِأَنَّهَا في الْمَوْضِعَيْنِ مُؤَوَّلَةٌ بِالْمَصْدَرِ وَالصَّرِيحُ أنها غَيْرُهَا وَإِلَّا لَزِمَ انْصِرَافُ الْمَاضِي مَعَهَا إلَى الِاسْتِقْبَالِ كما أَنَّ إنْ الشَّرْطِيَّةَ الدَّاخِلَةَ على الْمَاضِي لَمَّا كانت بِمَعْنَى الدَّاخِلَةِ على الْمُضَارِع قَلَبَتْ الْمَاضِيَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ وما ذَكَرْنَاهُ من تَخْلِيصِهَا الْمُضَارِعَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ مُجْمَعٌ عليه بين النُّحَاةِ وَزَعَمَ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَتَبِعَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أنها تَكُونُ غير مُخَلِّصَةٍ لِلِاسْتِقْبَالِ بَلْ تَكُونُ لِلْحَالِ وَاحْتَجُّوا بِذَلِكَ على الْمُعْتَزِلَةِ في قَوْله تَعَالَى إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ له كُنْ فَيَكُونُ فَقَوْلُهُ أَنْ نَقُولَ حَالٌّ لِأَنَّهُ لو كان مُسْتَقْبَلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ مَخْلُوقًا تَعَالَى اللَّهُ عز وجل عن ذلك وَتَابَعَهُمْ أبو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ وقال في كِتَابِ التَّسْدِيدِ إنَّ الْقَوْلَ بِتَخْلِيصِهَا لِلِاسْتِقْبَالِ قَوْلٌ ضَعَّفَهُ النُّحَاةُ وَهَذَا عَجِيبٌ وَاحْتَجَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ أَنْ مَفْتُوحَةٌ على أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ أَنْ وما تَعْمَلُ فيه من الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ مَصَادِرِهَا فَكَمَا أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَخُصُّ زَمَانًا بِعَيْنِهِ فَكَذَلِكَ ما كان بِمَنْزِلَتِهِ وَتَضَمَّنَ مَعْنَاهُ قال ابن خَرُوفٍ وَكَلَامُ سِيبَوَيْهِ في هذا قَوْلُهُ أَنْ الْمَفْتُوحَةُ تَكُونُ على وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ أَنْ وما تَعْمَلُ فيه من الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ مَصَادِرِهَا وَبَاقِي الْكَلَامِ لِأَبِي الْمَعَالِي وَلَيْسَ في كَلَامِ سِيبَوَيْهِ أَكْثَرُ من أَنَّ أَنْ مع الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ مَصْدَرٍ وَلَا يَلْزَمُ من جَعْلِ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ في حُكْمٍ ما أَنْ يُشْبِهَهُ من جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَغَرَضُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ أَنْ مع الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ اسْمٍ يَجْرِي بِوُجُوهِ الْإِعْرَابِ كَقَوْلِك أَعْجَبَنِي أَنْ قُمْت وَيُعْجِبُنِي أَنْ تَقُومَ فَالْأَوَّلُ مَاضٍ وَالثَّانِي مُسْتَقْبَلٌ فَإِنْ أَرَدْت الْحَالَ قُلْت يُعْجِبُنِي أَنَّك تَقُومُ فَجِئْت بها مُثْقَلَةً وإذا قُلْت يُعْجِبُنِي قِيَامُك احْتَمَلَ الْأَزْمِنَةَ الثَّلَاثَةَ وَلِأَجْلِ الدَّلَالَةِ على الزَّمَانِ جِيءَ بِأَنْ وَالْفِعْلِ

وَأَمَّا الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ التي تَمَسَّكَ بها الْقَاضِي وَمُتَابِعُوهُ فَأَجَابَ ابن عُصْفُورٍ فِيمَا حَكَاهُ عن الصَّفَّارِ أَنَّ الْقَوْلَ قد يَكُونُ خِلَافَ الْكَلَامِ لُغَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ امْتَلَأَ الْحَوْضُ وقال الْقُرْطُبِيُّ فَجَعَلَ ما يُفْهَمُ منه كَلَامًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ هُنَا مُتَجَوَّزًا فيه فَكَأَنَّهُ قال إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا عَلَّقَ إرَادَتَهُ على الشَّيْءِ أَنْ يُعَلِّقَهَا عليه فَيَكُونُ فَجَعَلَ تَعْلِيقَ الْإِرَادَةِ على الشَّيْءِ قَوْلًا لِأَنَّهَا يَكُونُ عنها الشَّيْءُ كما يَكُونُ عن الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ في ذلك إثْبَاتُ خَلْقِ الْقُرْآنِ وَهَذَا بِنَاءً على أَنَّ التَّعْلِيقَ حَادِثٌ وَفِيهِ كَلَامٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا لِلْحَالِ وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ كما في مَرَرْت بِرَجُلٍ معه صَقْرٌ صَائِدٌ بِهِ غَدًا فإن مَعْنَاهُ مُقَدَّرٌ إلَّا أَنَّ الصَّيْدَ بِهِ غَدًا وَذَلِكَ لَا يُنَافِي قَوْلَ النُّحَاةِ أنها تُخَلِّصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ وَاحْتَجُّوا على أنها تَكُونُ لِلْمَاضِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى وما نَقَمُوا منهم إلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا قالوا فَوُقُوعُ الْمَاضِي قَبْلَهَا دَلِيلٌ على أنها تَكُونُ لِغَيْرِ الِاسْتِقْبَالِ وَلَيْسَ كما زَعَمُوا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لم يُقْتَلُوا على ما سَلَفَ منهم من الْإِيمَانِ وَبِذَلِكَ وَرَدَ خَبَرُهُمْ في حديث الْفَتَى وَالرَّاهِبِ وَالْمَلِكِ فَذُكِرَا بِفِعْلٍ قَبْلَهَا بِلَفْظِ الْمَاضِي وَالثَّانِي بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ لِيَعُمَّ الْأَزْمِنَةَ الثَّلَاثَةَ على حَدِّ قَوْلِهِ وَنَدْمَانَ يَزِيدُ الْكَأْسَ طِيبًا سَقَيْت إذَا تَغَوَّرَتْ النُّجُومُ وَتَجِيءُ أَنْ لِلتَّعْلِيلِ وَلِهَذَا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحِ أَنْ وَقَعَ في الْحَالِ إنْ كان نَحْوِيًّا لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ وقد نَاظَرَ فيه الْكِسَائِيُّ مُحَمَّدَ بن الْحَسَنِ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ فَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أنها بِمَعْنَى إذْ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسْلَمُوا وَقَوْلُهُ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وهو مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ وَخَالَفَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ وَأَوَّلُوا على أنها مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ إسْلَامُهُمْ وَلَكِنْ قَبْلَهَا لَامُ الْعِلَّةِ مَقْدِرَةٌ وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ انْتِصَارُ السُّرُوجِيِّ في الْغَايَةِ لِمُحَمَّدٍ فإن التَّعْلِيلَ مَلْحُوظٌ وَإِنْ لم يَجْعَلْهَا لِلتَّعْلِيلِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِيقَاعَ في الْحَالِ

تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ في الْفَرْقِ بين أَنْ وَالْفِعْلِ وَالْمَصْدَرِ وَذَلِكَ من أَوْجُهٍ أَحَدُهَا دَلَالَةُ الْفِعْلِ على الْمُضِيِّ أو الِاسْتِقْبَالِ بِخِلَافِ الْمَصْدَرِ الثَّانِي دَلَالَةُ أَنْ وَالْفِعْلِ على إمْكَانِ الْفِعْلِ دُونَ وُجُوبِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ بِخِلَافِ الْمَصْدَرِ الثَّالِثُ تَحْصِيرُ أَنْ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ دُونَ احْتِمَالِ مَعْنًى زَائِدٍ عليه فإن قَوْلَك كَرِهْت قِيَامَك قد يَكُونُ لِصِفَةٍ في ذلك الْقِيَامِ وَقَوْلُك كَرِهْت أَنْ قُمْت يَقْتَضِي أَنَّك كَرِهْت نَفْسَ الْقِيَامِ الرَّابِعُ امْتِنَاعُ الْإِخْبَارِ عن أَنْ وَالْفِعْلِ في نَحْوِ قَوْلِك أَنْ قُمْت خَيْرٌ من أَنْ قَعَدْت بِخِلَافِ الْمَصْدَرِ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ الْخَامِسُ أَنْ وَالْفِعْلُ يَدُلُّ على الْوُقُوعِ بِخِلَافِ الْمَصْدَرِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ من النُّحَاةِ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنَّمَا قال صَاحِبُ الْبَسِيطِ ذلك في أَنَّ الْمُشَدَّدَةَ لَا الْمُخَفَّفَةَ فَفُرِّقَ بين عَجِبْت من انْطِلَاقِك وَعَجِبْت من أَنَّك مُنْطَلِقٌ بِمَا ذُكِرَ ثُمَّ ما قَالَهُ في الْمَصْدَرِ يُخَالِفُ قَوْلَ أَصْحَابِنَا في كِتَابِ الظِّهَارِ في مَسْأَلَةِ إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ عن ظِهَارِي ولم يَكُنْ ظِهَارٌ فإنه يُحْكَمُ بِهِ ظِهَارٌ لِإِقْرَارِهِ وقال ابن عَطِيَّةَ أَنْ مع الْفِعْلِ تُعْطِي اسْتِئْنَافًا ليس في الْمَصْدَرِ في أَغْلَبِ أَمْرِهَا وقد تَجِيءُ في مَوَاضِعَ لَا يُلَاحَظُ فيها الزَّمَانُ وَتَفْتَرِقَانِ في الْأَحْكَامِ في أُمُورٍ منها أَنَّهُ لَا يُؤَكَّدُ بِأَنْ وَالْفِعْلِ بِخِلَافِ الْمَصْدَرِ لِأَنَّهُ مُبْهَمٌ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ الْمَصْدَرُ الْمُصَرَّحُ بِهِ أَشْيَاءَ بِمَا أَكَّدَ فقال ضَرَبْت زَيْدًا ضَرْبًا وَلَا تَقُولُ ضَرَبْت زَيْدًا أَنْ ضَرَبْت وَمِنْهَا أَنَّ الْمَصْدَرَ الصَّرِيحَ قد يَقَعُ حَالًا وقد لَا يَقَعُ وأن وَالْفِعْلُ الْمُنْسَبِكُ مِنْهُمَا الْمَصْدَرُ لَا يَقَعُ حَالًا أَلْبَتَّةَ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ مَنَابَ الْمَفْعُولَيْنِ في بَابِ ظَنَنْت وَيَنُوبُ أَنْ مع الْفِعْلِ مَنَابَهُمَا فَلَا تَقُولُ ظَنَنْت قِيَامَك وَتَقُولُ ظَنَنْت أَنْ يَقُومَ زَيْدٌ

قَالَهُ الصَّفَّارُ وَإِنَّمَا جَازَ مع أَنْ لِلطُّولِ قال وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ ظَنَنْت قِيَامَ زَيْدٍ على حَذْفِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي أَيْ وَاقِفًا وَمِنْهَا أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُحْذَفُ معه حَرْفُ الْجَرِّ فَلَا تَقُولُ عَجِبْت ضَرْبَك تُرِيدُ من ضَرْبِك وَيُحْذَفُ مع أَنْ ذَكَرَهُ الصَّفَّارُ أَيْضًا وَمِنْهَا أَنَّ الْمَصْدَرَ يَقَعُ قَبْلَهُ كُلُّ فِعْلٍ وَلَا يَقَعُ قبل أَنْ إلَّا أَفْعَالُ الظَّنِّ وَالشَّكِّ وَنَحْوِهَا دُونَ أَفْعَالِ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا تُخَلِّصُ الْفِعْلَ لِلِاسْتِقْبَالِ وَلَيْسَ فيها تَأْكِيدٌ كما في أَنْ فلم يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فِعْلِ التَّحْقِيقِ نِسْبَةٌ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَصْدَرَ يُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ جِئْت مَخَافَةَ ضَرْبِك وَلَا يُضَافُ إلَى أَنْ فَلَا يُقَالُ مَخَافَةَ أَنْ تَضْرِبَ وما سُمِعَ منه فإنه على حَذْفِ التَّنْوِينِ تَخْفِيفًا وَالْمَصْدَرُ عِنْدَهُ مَنْصُوبٌ قَالَهُ ابن طَاهِرٍ وَزَيَّفَهُ الصَّفَّارُ بِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ في كَلَامِهِمْ حَذْفُ التَّنْوِينِ تَخْفِيفًا وَإِنَّمَا حُذِفَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ في أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ حتى لَا يُعِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ حتى إنَّهُ يُؤَجِّرُ يَقْتَضِي فَرْقًا آخَرَ إنْ تَجِيءُ لِلشَّرْطِ نَحْوُ إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سَلَفَ وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ نَحْوُ إنْ قام زَيْدٌ وَنَقَلَ في الْمُحَقَّقِ نحو إنْ مَاتَ زَيْدٌ زُرْتُك وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى أَفَإِنْ مَاتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ على أَعْقَابِكُمْ وَقَوْلُهُ كَمْ شَامِتٍ بِي إنْ هَلَكْت وَقَائِلٍ لِلَّهِ دَرُّهُ إلَّا أنها إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا لَا بُدَّ من وُقُوعِهِ فَلَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا كان زَمَنَ وُقُوعِهِ مُبْهَمًا وَلِهَذَا دَخَلَتْ في قَوْله تَعَالَى وَلَئِنْ مُتُّمْ فَإِنْ عُلِمَ زَمَنُ وُقُوعِهِ فَلَا تُسْتَعْمَلُ فيه فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ إنْ احْمَرَّ الْبُسْرُ فَأْتِنِي ف

إن
احْمِرَارَهُ لَا بُدَّ منه وَوَقْتُهُ مَعْلُومٌ بِالتَّقْرِيبِ وَالْمُتَلَخِّصُ من كَلَامِهِمْ أَنَّ إنْ وإذا يَشْتَرِكَانِ في عَدَمِ الدُّخُولِ على الْمُسْتَحِيلِ إلَّا لِنُكْتَةٍ نَحْوُ قُلْ إنْ كان لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ وَتَنْفَرِدُ إنْ بِالْمَشْكُوكِ فيه وَالْمَوْهُومِ وَتَنْفَرِدُ إذَا بِالْمَجْزُومِ بِهِ وَهَلْ تَدْخُلُ على الْمَظْنُونِ

خِلَافٌ وَتَجِيءُ لِلنَّفْيِ إنْ تَلَاهَا إلَّا نَحْوُ إنْ الْكَافِرُونَ إلَّا في غُرُورٍ

أو
لَمَّا نَحْوُ إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عليها حَافِظٌ أو غَيْرُهُمَا نَحْوُ إنْ عِنْدَكُمْ من سُلْطَانٍ بهذا وَفِيهِ رَدٌّ على من ادَّعَى مُلَازَمَتَهُ لِ إلَّا ولما أو لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أو الْأَشْيَاءِ شَاكًّا كان أو إبْهَامًا تَخْيِيرًا كان أو إبَاحَةً فَإِنْ كَانَا مُفْرَدَيْنِ أَفَادَا ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَا جُمْلَتَيْنِ أَفَادَ حُصُولَ مَضْمُونِ أَحَدِهِمَا وَلِذَلِكَ يُفْرَدُ ضَمِيرُهُمَا نَحْوُ زَيْدٍ أو عَمْرٍو قام وَلَا تَقُلْ قَامَا بِخِلَافِ الْوَاوِ فَتَقُولُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو قَامَا وَلَا تَقُلْ قام وَحَقِيقَتُهَا أنها تُفْرِدُ شيئا من شَيْءٍ وَوُجُوهُ الْإِفْرَادِ تَخْتَلِفُ فَتَتَقَارَبُ تَارَةً وَتَتَبَاعَدُ أُخْرَى حتى تُوهِمَ أنها قد تَضَادَّتْ وَهِيَ في ذلك تَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ الذي وُضِعَتْ له وقد وُضِعَتْ لِلْخَبَرِ وَالطَّلَبِ فَأَمَّا في الْخَبَرِ فَمَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ قِيَامُ الشَّكِّ فَقَوْلُك زَيْدٌ أو عَمْرٌو قام أَصْلُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا قام ثُمَّ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ شَاكًّا لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا الْقَائِمُ فَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنْ يَحْمِلَهُ السَّامِعُ على جَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ غير شَاكٍّ وَلَكِنَّهُ أُبْهِمَ على السَّامِعِ لِغَرَضٍ وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ الشَّكَّ وَالثَّانِي التَّشْكِيكَ وَالْإِبْهَامَ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَإِنَّا أو إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أو في ضَلَالٍ مُبِينٍ وَكَذَلِكَ جَاءَتْ في خَبَرِ اللَّهِ نَحْوُ وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أو يَزِيدُونَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أو أَشَدُّ قَسْوَةً وما أَمْرُ السَّاعَةِ إلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أو هو أَقْرَبُ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أو أَدْنَى فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَقَعُ الْإِبْهَامُ من اللَّهِ وَإِنَّمَا الْقَصْدُ منه الْبَيَانُ قُلْت إنَّمَا خُوطِبُوا على قَدْرِ ما يَجْرِي في كَلَامِهِمْ وَلَعَلَّ الْإِبْهَامَ على السَّامِعِ لِعَجْزِهِ عن بُلُوغِ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ الْقَصْدُ من الْإِبْهَامِ في الْخَبَرِ تَهْوِيلُ الْأَمْرِ على الْمُخَاطَبِ من إطْلَاقِهِ على حَقِيقَتِهِ وَحَمْلُهَا على ذلك الْمَعْنَى هو من صِنَاعَةِ الْحُذَّاقِ وَذَلِكَ أَوْلَى من إخْرَاجِهَا إلَى مَعْنَى الْوَاوِ

وَبِالْجُمْلَةِ الْإِخْبَارُ بِالْمُبْهَمِ لَا يَخْلُو عن غَرَضٍ إلَّا أَنَّ الْمُتَبَادَرَ منه الشَّكُّ فَمِنْ هُنَا ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ أو لِلشَّكِّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ لِأَنَّهُمْ لم يُرِيدُوا إلَّا تَبَادُرَ الذِّهْنِ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وما ذَكَرُوهُ من أَنَّ وَضْعَ الْكَلَامِ لِلْإِبْهَامِ على تَقْدِيرِ تَمَامِهِ إنَّمَا يَدُلُّ على أَنَّ أو لم تُوضَعْ لِلتَّشْكِيكِ وَإِلَّا فَالشَّكُّ أَيْضًا مَبْنِيٌّ يُقْصَدُ إبْهَامُهُ بِأَنْ يَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمُ إخْبَارَ الْمُخَاطَبِ بِأَنَّهُ شَاكٌّ في تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ فإنه لَا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ وَلَا التَّشْكِيكَ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْكَلَامِ ابْتِدَاءً وقد يَحْسُنُ دُخُولُ أو بين أَشْيَاءَ يَتَنَاوَلُهَا الْفِعْلُ في أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُرَادُ بِالْخَبَرِ إفْرَادُ كل وَاحِدَةٍ منها في وَقْتِهِ كَقَوْلِك إذَا قِيلَ لَك ما كُنْت تَأْكُلُ من الْفَاكِهَةِ قُلْت آكُلُ التِّينَ أو الْعِنَبَ أو الرُّمَّانَ أَيْ إفْرَادُ هذا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً ولم تُرِدْ الشَّكَّ وَلَا الْإِبْهَامَ هذا شَأْنُهَا في الْخَبَرِ وَأَمَّا في الطَّلَبِ أَعْنِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فَتَقَعُ على وَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا لِلْإِفْرَادِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ له أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إذَا اخْتَارَهُ وَلَا يَتَجَاوَزُهُ وَالْآخَرُ مَحْظُورٌ عليه وَالثَّانِي يَكُونُ اخْتِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا غير مَحْظُورٍ عليه الْآخَرُ وَسَمَّوْا الْأَوَّلَ تَخْيِيرًا وَالثَّانِيَ إبَاحَةً وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إنْ كان بين شَيْئَيْنِ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ فَالْأَوَّلُ نَحْوُ خُذْ من مَالِي دِرْهَمًا أو دِينَارًا حَيْثُ يَكُونُ مَقْصُودُهُ أَنْ يَأْخُذُوا وَاحِدًا فَقَطْ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا أو لِمَا يَقْتَضِيهِ حَظْرُ مَالِ غَيْرِهِ عنه إلَّا بِسَبَبٍ تُصَحَّحُ بِهِ إبَاحَتُهُ له وَالسَّبَبُ هُنَا تَخْيِيرُ الْمَأْمُورِ بِاجْتِنَابِهِ فَقَدْ أَبَاحَهُ بِالتَّخْيِيرِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ كان هو الْمُبَاحَ وَيَبْقَى الْآخَرُ على حَظْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلْ سَمَكًا أو لَبَنًا لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ على الْمَنْعِ من الْجَمْعِ وَالثَّانِي نَحْوُ جَالِسْ الْحَسَنَ أو ابْنَ سِيرِينَ أَيْ جَالِسْ هذا الْجِنْسَ من الْعُلَمَاءِ فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ تَعَلَّمْ فِقْهًا أو نَحْوًا قال سِيبَوَيْهِ تَقُولُ جَالِسْ الْحَسَنَ أو ابْنَ سِيرِينَ أو زَيْدًا كَأَنَّك قُلْت جَالِسْ أَحَدَ هَؤُلَاءِ ولم تُرِدْ إنْسَانًا بِعَيْنِهِ فَفِي هذا دَلِيلٌ على أَنَّ كُلَّهُمْ أَهْلٌ أَنْ يُجَالَسَ كَأَنَّك قُلْت جَالِسْ هذا الضَّرْبَ من الناس وَتَقُولُ كُلْ خُبْزًا أو لَحْمًا أو تَمْرًا فَكَأَنَّك قُلْت كُلْ أَحَدَ هذه الْأَشْيَاءِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الذي قَبْلَهُ انْتَهَى

وَاعْلَمْ أَنَّ أو من حَيْثُ هِيَ تَدُلُّ على الشَّيْئَيْنِ أو الْأَشْيَاءِ مِثْلُ إمَّا وَيَنْفَصِلُ التَّخْيِيرُ عن الْإِبَاحَةِ بِالْقَرِينَةِ وَسِيَاقِ الْكَلَامِ وَهِيَ تُسَاوِي إمَّا في التَّخْيِيرِ التي يُسَمِّيهَا الْمَنْطِقِيُّونَ مُنْفَصِلَةً مَانِعَةَ الْجَمْعِ وفي الْإِبَاحَةِ مُنْفَصِلَةً مَانِعَةَ الْخُلُوِّ وما ذَكَرُوهُ من أَنَّ الشَّيْئَيْنِ إنْ كَانَا أَصْلُهُمَا على الْمَنْعِ فَلِلتَّخْيِيرِ وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ إنَّمَا أَخَذُوهُ من أَمْثِلَتِهِمْ حتى مَثَّلُوا الْأَوَّلَ بِ خُذْ دِرْهَمًا أو دِينَارًا وَالثَّانِي يُجَالِسُ الْحَسَنَ أو ابْنَ سِيرِينَ وَلَيْسَ هذا بِمُطَّرِدٍ فَقَدْ تَقُولُ له جَالِسْ أَحَدَهُمَا وَتَقْصِدُ الْمَنْعَ من الْجَمْعِ وقد يَأْذَنُ له في أَخْذِ شَيْءٍ من مَالِهِ وَيَرْضَى بِالْجَمْعِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَمَدُ في الْفَرْقِ الْقَرَائِنُ كما ذَكَرْنَا وَلِذَلِكَ أَجْمَعُوا على أَنَّ أو في آيَةِ الْكَفَّارَةِ لِلتَّخْيِيرِ وَيُسَمُّونَهَا الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ مع أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ بِالْآيَةِ عِنْدَهُمْ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّكَلُّفِ عن ذلك وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالْإِبَاحَةَ قِسْمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِبَاحَةِ هِيَ التَّخْيِيرُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ في الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ لِلْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ لَا لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ كما أَنَّ الْجَمْعَ بين صُحْبَةِ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ وَصْفُ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فيه قال ابن الْخَشَّابِ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ في الطَّلَبِ التَّخْيِيرُ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَطَارِئَةٌ عليه وَلَيْسَتْ فيه خَارِجَةً عن وَضْعِهَا لِأَنَّهُ إذَا أَفْرَدَ أَحَدَهُمَا بِالْمُجَالَسَةِ كان مُمْتَثِلًا وَلَمَّا كانت مُجَالَسَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا في مُجَالَسَةِ الْآخَرِ سَاغَ له الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَكَأَنَّهُ قال أَبَحْت لَك مُجَالَسَةَ هذا الضَّرْبِ وَكَذَلِكَ لو أتى بِالْوَاوِ فقال جَالِسْ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ لم يَتَمَثَّلْ إلَّا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَاعْرِفْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا أَوْلَى من قَوْلِ السِّيرَافِيِّ أو التي لِلْإِبَاحَةِ مَعْنَاهَا مَعْنَى وَاوِ الْعَطْفِ وَالتَّسْوِيَة نُسِبَتْ لِلْإِبَاحَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا من الْمُضَارَعَةِ وَلِهَذَا قالوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا قِيَامُك وَقُعُودُك وَسَوَاءٌ عَلَيَّ قِيَامُك أو قُعُودُك وما أَحْسَنَ قَوْلَ الْجُرْجَانِيِّ في كِتَابِ الْعَوَامِلِ أو تُوجِبُ الشَّرِكَةَ على سَبِيلِ الْجَوَازِ وَالْوَاوُ على سَبِيلِ الْوُجُوبِ قال وَحَيْثُ أُرِيدَ بها الْإِبَاحَةُ فَلَا بُدَّ من أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جِنْسًا مَخْصُوصًا فَلَا يَصِحُّ كُلْ السَّمَكَ أو اشْرَبْ اللَّبَنَ أو اضْرِبْ زَيْدًا أو عَمْرًا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِمَا أَنَّهُمَا مَثَلَانِ في الشُّرْبِ وَاسْتِحْقَاقِ الضَّرْبِ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ كُلْ صَيْحَانِيًّا أو بَرْنِيًّا قال وإذا أَمْعَنْت النَّظَرَ لم تَجِدْ أو زَائِلَةً عن مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ وهو كَوْنُهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أو الْأَشْيَاءِ انْتَهَى

وَلَا بُدَّ هَاهُنَا من اسْتِحْضَارِ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا بين مُبَاحَيْنِ لَا مُبَاحٍ وَمَحْظُورٍ إذَا عَلِمْت مَعْنَى الْإِبَاحَةِ في قَوْلِهِمْ جَالِسْ الْحَسَنَ أو ابْنَ سِيرِينَ وكان ذلك في الْأَمْرِ وَفِيمَا خُيِّرَ فيه بين مُبَاحَيْنِ أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى الْآخَرِ فَبِإِزَاءِ ذلك النَّهْيِ التَّضَمُّنِيِّ التَّخْيِيرُ بين الْإِيقَاعِ من كل وَاحِدٍ من مَحْظُورَيْنِ أَحَدُهُمَا في مَعْنَى الْآخَرِ في الْحَظْرِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ لَا تَأْتِ زِنًى أو قَتْلِ نَفْسٍ وقَوْله تَعَالَى وَلَا تُطِعْ منهم آثِمًا أو كَفُورًا لِأَنَّهُ يَجِبُ تَرْكُ طَاعَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُفْرَدَيْنِ وَمُجْتَمِعَيْنِ وَكَأَنَّهُ قال حَظَرْت عَلَيْك طَاعَةَ هذا الضَّرْبِ من الناس إذْ كان تَرْكُ كُلٍّ مِنْهُمَا في الْمَعْنَى تَرْكَ طَاعَةِ الْآخَرِ كما كانت الْإِبَاحَةُ في مُجَالَسَةِ الْحَسَنِ أو ابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ لو قال أو لَا تُطِعْ كَفُورًا لَانْقَلَبَ الْمَعْنَى فَصَحِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ أو التَّخْيِيرِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ في قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فإذا قال أو لَا تُطِعْ كَفُورًا صَارَتْ في أَثْنَاءِ قَضِيَّتَيْنِ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا التي تَلِي أو غَيْرُ الْأُولَى التي قَبْلَهَا فَتَخْرُجُ بِذَلِكَ إلَى مَعْنَى بَلْ إذَا كانت بَلْ لَا تَرِدُ في أَثْنَاءِ قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَصَارَتْ أو بِمَعْنَى الْإِضْرَابِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَضْرَبَ عن النَّهْيِ عن طَاعَةِ الْآثِمِ وَانْتَقَلَ إلَى النَّهْيِ عن طَاعَةِ الْكَفُورِ وَهَذَا قَلْبٌ لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ من الْآيَةِ من تَرْكِ طَاعَتِهِمَا أو مُنْفَرِدَيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّهْيَ إذَا دخل على أو التي لِلْإِبَاحَةِ حُظِرَ الْكُلُّ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا كما في لَا تَتَعَلَّمْ الشِّعْرَ أو أَحْكَامَ النُّجُومِ فَهِيَ نَهْيٌ جَمْعًا وَإِفْرَادًا كما كان له في الْأَمْرِ في الْإِبَاحَةِ فِعْلُهُمَا جَمْعًا وَإِفْرَادًا وإذا دخل على أو التي لِلتَّخْيِيرِ كَقَوْلِك لَا تَأْخُذْ دِرْهَمًا أو دِينَارًا فَالْأَشْبَهُ في أَنَّهُ يَجِبُ عليه الِامْتِنَاعُ من أَحَدِهِمَا قالوا فَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَفِيهِ نَظَرٌ هل يَكُونُ مُطِيعًا أو عَاصِيًا قال ابن الْخَشَّابِ وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ التَّخْيِيرَ الذي كان في الْأَمْرِ هل هو بَاقٍ في النَّهْيِ أَمْ لَا لِأَنَّ النَّهْيَ في الْأَمْرِ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ من الْإِيجَابِ في الْخَبَرِ وقد يَتَنَاوَلُ النَّفْيُ الْكَلَامَ الْمُوجِبَ فَيَنْفِيهِ بِمَعْنَاهُ وقد لَا يَكُونُ كَذَلِكَ في مَوَاضِعَ تَنَازَعَهَا الْعُلَمَاءُ وَقَصَدْت فيها رَأْيَ الْمُحَقِّقِينَ منهم وَكَذَلِكَ النَّهْيُ حُكْمُهُ في تَنَاوُلِ الْمَأْمُورِ بِهِ حُكْمُ تَنَاوُلِ النَّفْيِ الْمُوجِبِ فَإِنْ كان التَّخْيِيرُ الذي كان في الْأَمْرِ بَاقِيًا مع النَّهْيِ بِحَالِهِ لم يَكُنْ الْمَنْهِيُّ الْجَمْعَ بين الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ لم يَكُنْ بَاقِيًا فَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذلك وقال أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ في أُصُولِهِ أو تَتَنَاوَلُ وَاحِدًا مِمَّا دَخَلَتْ عليه لَا جَمِيعَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أو كِسْوَتُهُمْ أو تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَهَذَا في

الْإِثْبَاتِ وَأَمَّا في النَّفْيِ فَهِيَ تَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ على حِيَالِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُطِعْ منهم آثِمًا أو كَفُورًا وَقَوْلُهُ أو الْحَوَايَا أو ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ فَفِي كل وَاحِدٍ على حِيَالِهِ لَا على تَعَيُّنِ الْجَمْعِ وَلِهَذَا قال أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمَنَّ زَيْدًا أو عَمْرًا إنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَيِّهِمَا وَقَعَ وَحَكَى السِّيرَافِيُّ في شَرْحِ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْمُزَنِيّ من أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ سُئِلَ عن رَجُلٍ حَلَفَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت أَحَدًا إلَّا كُوفِيًّا أو بَصْرِيًّا فقال ما أَرَاهُ إلَّا حَانِثًا فذكر ذلك لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فقال خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا إلَى قَوْلِهِ إلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أو الْحَوَايَا أو ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وَكُلُّ ذلك ما كان مُبَاحًا خَارِجًا بِالِاسْتِثْنَاءِ من التَّحْرِيمِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لقد هَمَمْت أَنْ لَا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إلَّا من قُرَشِيٍّ أو ثَقَفِيٍّ فَالْقُرَشِيُّ وَالثَّقَفِيُّ جميعا مُسْتَثْنَيَانِ فَرَجَعَ الْمُزَنِيّ إلَى قَوْلِهِ وَيَرِدُ على ما قَرَّرَهُ في النَّفْيِ ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في قَوْله تَعَالَى يوم يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لم تَكُنْ آمَنَتْ من قَبْلُ أو كَسَبَتْ في إيمَانِهَا خَيْرًا يَعْنِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِيمَانِ بِدُونِ الْعَمَلِ لَا يَنْفَعُ وَلَا يُحْمَلُ على عُمُومِ النَّفْيِ أَيْ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْإِيمَانُ حِينَئِذٍ النَّفْسَ التي لم تُقَدِّمْ الْإِيمَانَ وَلَا كَسَبَتْ الْخَيْرَ في الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ إذَا نُفِيَ الْإِيمَانُ كان نَفْيُ كَسْبِ الْخَيْرِ في الْإِيمَانِ تَكْرَارًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ على نَفْيِ الْعُمُومِ أَيْ النَّفْسُ التي لم تَجْمَعْ بين الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ تَنْبِيهٌ أو لها اسْتِعْمَالَانِ في التَّخْيِيرِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَوِيَ طَرَفَاهُ عِنْدَ الْمَأْمُورِ وَلَا يُؤْمَرُ فيه بِاجْتِهَادٍ كَآيَةِ الْكَفَّارَةِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا فيه بِالِاجْتِهَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً فإن الْإِمَامَ يَتَخَيَّرُ في الْأَسِيرِ تَخَيُّرَ اجْتِهَادٍ وَمَصْلَحَةٍ لَا تَشَهٍّ وقد تَدْخُلُ أو لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّفْصِيلِ وهو أَنْ يَذْكُرَ عن جَمَاعَةٍ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ على أَنَّ بَعْضَهُمْ قال أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ وَبَعْضُهُمْ قال الْقَوْلَ الْآخَرَ كَقَوْلِك أَجْمَعَ

الْقَوْمُ فَقَالُوا حَارِبُوا أو صَالِحُوا أَيْ قال بَعْضُهُمْ حَارِبُوا وقال بَعْضُهُمْ صَالِحُوا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أو نَصَارَى تَهْتَدُوا وقد عُلِمَ أَنَّهُ ليس في الْفِرَقِ فِرْقَةٌ تُخَيِّرُ بين الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَإِنَّمَا هو إخْبَارٌ عن جُمْلَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ قالوا ثُمَّ فَصَّلَ ما قَالَهُ كُلٌّ منهم وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ في تَخْيِيرِ الْإِمَامِ في عُقُوبَةِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْآيَةَ وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ التَّخْيِيرَ في الْآيَةِ وَاخْتَارَ السِّيرَافِيُّ أَنَّ أو فيها من هذا الْبَابِ لِلتَّفْصِيلِ وَتَرْتِيبِ اخْتِيَارِ هذه الْعُقُوبَاتِ على أَصْنَافِ الْمُحَارَبِينَ كَالْآيَةِ السَّابِقَةِ على أَنَّ بَعْضًا وَهُمْ الَّذِينَ قَتَلُوا يُقَتَّلُونَ وَبَعْضًا وَهُمْ الَّذِينَ أَخَذُوا تُقَطَّعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وقد تُسْتَعَارُ أو إذَا وَقَعَ بَعْدَهَا مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ نَحْوُ لَأَلْزَمَنَّكَ حتى تُعْطِيَنِي وَلِهَذَا قال النُّحَاةُ إنَّهَا بِمَعْنَى إلَى لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ يَمْتَدُّ إلَى وُقُوعِ الثَّانِي أو يَمْتَدُّ في جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَى وَقْتِ وُقُوعِ الثَّانِي بَعْدَهُ فَيَنْقَطِعُ امْتِدَادُهُ وقد مَثَّلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ليس لَك من الْأَمْرِ شَيْءٌ أو يَتُوبَ عليهم أَيْ حتى تَقَعَ تَوْبَتُهُمْ أو تَعْذِيبُهُمْ وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلَى أَنَّهُ عَطْفٌ على ما سَبَقَ وليس لك من الْأَمْرِ شَيْءٌ اعْتِرَاضٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَالِكُ أَمْرِهِمْ فَإِمَّا أَنْ يُهْلِكَهُمْ أو يَهْزِمَهُمْ أو يَتُوبَ عليهم أو يُعَذِّبَهُمْ فَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هذه الدَّارَ أو أَدْخُلَ تِلْكَ بِالنَّصْبِ كان بِمَعْنَى حتى وما يُقَالُ من أَنَّ تَقْدِيرَ الْعَطْفِ من جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَنْفِيٌّ ليس بِمُسْتَقِيمٍ إذْ لَا امْتِنَاعَ في الْعَطْفِ الْمُثْبَتِ على الْمَنْفِيِّ وَبِالْعَكْسِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ أو في قَوْله تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً عَاطِفَةٌ مُقَيِّدَةٌ لِلْعُمُومِ أَيْ عَدَمُ الْجُنَاحِ مُقَيَّدٌ بِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الْمُجَامَعَةَ وَتَقْرِيرَ الْمَهْرِ حتى لو وُجِدَ أَحَدُهُمَا كان الْجُنَاحُ أَيْ وَجَبَ الْمَهْرُ فَيَكُونُ تَفْرِضُوا مَجْزُومًا عَطْفًا على تَمَسُّوهُنَّ وَلَا حَاجَةَ إلَى ما ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ من أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَنْ على مَعْنَى إلَى أَنْ تَفْرِضُوا أو حتى تَفْرِضُوا أَيْ إذَا لم تُوجَدْ الْمُجَامَعَةُ فَعَدَمُ الْجُنَاحِ يَمْتَدُّ إلَى تَقْرِيرِ الْمَهْرِ

لو
لو حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ هذه عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ وَاخْتَلَفُوا في الْمُرَادِ بها على قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ولم يذكر الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ أَنَّهُ امْتَنَعَ الثَّانِي لِامْتِنَاعِ الْأَوَّلِ نَحْوُ لو جِئْتنِي لَأَكْرَمْتُك انْتَفَى الْإِكْرَامُ لِانْتِفَاءِ الْمَجِيءِ فَلَا يَكُونُ فيها تَعَرُّضٌ لِلْوُقُوعِ إلَّا بِالْمَفْهُومِ وَالثَّانِي عَكْسُهُ أَيْ أَنَّهُ امْتَنَعَ الْأَوَّلُ لِامْتِنَاعِ الثَّانِي وهو ما صَارَ إلَيْهِ ابن الْحَاجِبِ وَصَاحِبُهُ ابن الزَّمْلَكَانِيِّ في الْبُرْهَانِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبٌ لِلثَّانِي وَانْتِفَاءُ السَّبَبِ لَا يَدُلُّ على انْتِفَاءِ الْمُسَبَّبِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْلُفَهُ سَبَبٌ آخَرُ يَتَوَقَّفُ عليه الْمُسَبَّبُ إلَّا إذَا لم يَكُنْ لِلْمُسَبَّبِ سَبَبٌ سِوَاهُ وَيَلْزَمُ من انْتِفَاءِ الْمُسَبَّبِ انْتِفَاءُ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ حُكْمٍ بِدُونِ سَبَبٍ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ امْتَنَعَ الْأَوَّلُ لِامْتِنَاعِ الثَّانِي أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى لو كان فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا كَيْفَ سِيقَ لِلدَّلَالَةِ على انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ لِانْتِقَاءِ الْفَسَادِ لَا لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْفَسَادِ لِامْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَفْهُومَ وَلِأَنَّ نَفْيَ الْآلِهَةِ غَيْرِ اللَّهِ لَا يَلْزَمُ منه فَسَادُ الْعَالَمِ قِيلَ وقد خَرَقَ إجْمَاعَ النَّحْوِيِّينَ وَبَنَاهُ على رَأْيِهِ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ وَالسَّبَبُ يَقْتَضِي الْمُسَبَّبَ لِذَاتِهِ فَيَلْزَمُ من عَدَمِ السَّبَبِ عَدَمُ الْمُسَبَّبِ وهو ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ على تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذلك فَقَدْ يَتَخَلَّفُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أو وُجُودِ مَانِعٍ وَعَدَمُ مَانِعٍ وَعَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ شَرْطٌ في انْتِفَاءِ الْمُسَبَّبِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ لَكِنَّ السَّبَبَ الْآخَرَ مَوْجُودٌ ثُمَّ كَيْفَ يُصْنَعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ فإن الْمُرَادَ نَفْيُ السَّمَاعِ وَعَدَمُ الْخَيْرِ فيه لَا الْعَكْسُ وَالتَّحْقِيقُ أنها تُسْتَعْمَلُ في كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ وَالتَّعْلِيلِ وَبِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَتَقُولُ لَمَّا كان الْمَجِيءُ عِلَّةً لِلْإِكْرَامِ بِحَسَبِ الْوُجُودِ فَانْتِفَاءُ الْإِكْرَامِ لِانْتِفَاءِ الْمَجِيءِ انْتِفَاءُ الْمَعْلُولِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَأَيْضًا لَمَّا لم يُعْلَمْ انْتِفَاءُ الْإِكْرَامِ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ منه على انْتِفَاءِ الْمَجِيءِ اسْتِدْلَالًا بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ على انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ وَكَذَا في الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ تَقُولُ في مَقَامِ التَّعْلِيلِ انْتِفَاءُ الْفَسَادِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ أَيْ التَّعَدُّدُ في مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ يُعْلَمُ من انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ انْتِفَاءُ الْفَسَادِ فَمَنْ قال بِالْأَوَّلِ نَظَرَ إلَى اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ وَمَنْ قال بِالثَّانِي نَظَرَ إلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي

وَعَلَى عِبَارَةِ الْأَكْثَرِينَ فَالْجُمْلَتَانِ بَعْدَهَا لَهُمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ إمَّا أَنْ تَكُونَا مُوجِبَتَيْنِ نَحْوُ لو زُرْتنِي لَأَكْرَمْتُك فَيَقْتَضِي امْتِنَاعَهُمَا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَا مَنْفِيَّتَيْنِ نَحْوُ لو لم تَزُرْنِي لم أُكْرِمْك فَيَقْتَضِي وُجُودَهَا وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ لو لَمَّا كان مَعْنَاهَا الِامْتِنَاعَ لِامْتِنَاعٍ وقد دخل الِامْتِنَاعُ على النَّفْيِ فِيهِمَا فَامْتَنَعَ النَّفْيُ وإذا امْتَنَعَ النَّفْيُ صَارَ إثْبَاتًا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مُوجَبَةً وَالْأُخْرَى مَنْفِيَّةٌ وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ يُعْلَمُ حُكْمُهُمَا من التي قَبْلَهُمَا وقد أَوْرَدَ على ذلك مَوَاضِعَ ظَنَّ أَنَّ جَوَابَهَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عليهم كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ وَلَوْ أَنَّمَا في الْأَرْضِ من شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَقَوْلُ عُمَرَ نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لو لم يَخَفْ اللَّهَ لم يَعْصِهِ وَغَيْرُ ذلك أَمَّا لو جَرَيْنَا على ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ لَلَزِمَ منه عَكْسُ الْمُرَادِ ثُمَّ تَفَرَّقَ الْمُعْتَرِضُونَ الَّذِينَ رَأَوْا لُزُومَ هذا السُّؤَالِ فَمِنْهُمْ من صَارَ إلَى أنها لَا تُفِيدُ الِامْتِنَاعَ بِوَجْهٍ بَلْ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ وَالتَّعَلُّقِ في الْمَاضِي كما دَلَّتْ على أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ في الْمُسْتَقْبَلِ وهو قَوْلُ الشَّلَوْبِينَ وَابْنِ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيِّ وَابْنِ عُصْفُورٍ وَغَيْرِهِمْ وَتَابَعَهُمْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا قال فَلَوْ أَفَادَتْ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ لِأَنَّ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّهُ ما عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا وما أَسْمَعَهُمْ وَالثَّانِيَةَ أَنَّهُ تَعَالَى ما أَسْمَعَهُمْ وَلَا تَوَلَّوْا لَكِنْ عَدَمُ التَّوَلِّي خَيْرٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قد عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا وما عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرًا قال فَعَلِمْنَا أَنَّ كَلِمَةَ لو لَا تُفِيدُ إلَّا الرَّبْطَ وَمِنْهُمْ من تَوَسَّطَ بين الْمَقَالَيْنِ وقال إنَّهَا تُفِيدُ امْتِنَاعَ الشَّرْطِ خَاصَّةً وَلَا دَلَالَةَ لها على امْتِنَاعِ الْجَوَابِ وَلَا على ثُبُوتِهِ إلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ عَدَمُهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ مَالِكٍ وَسَلَكَ الْقَرَافِيُّ طَرِيقًا عَجِيبًا فقال لو كما تَأْتِي لِلرَّبْطِ تَأْتِي لِقَطْعِ الرَّبْطِ فَتَكُونُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُحَقَّقٍ أو مُتَوَهَّمٍ وَقَعَ فيه قَطْعُ الرَّبْطِ فَتَقْطَعُهُ أنت لِاعْتِقَادِك بُطْلَانَ ذلك كما لو قال الْقَائِلُ لو لم يَكُنْ هذا زَوْجًا لم يَرِثْ فَتَقُولُ أنت لو لم يَكُنْ زَوْجًا لم يَحْرُمْ الْإِرْثُ أَيْ لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ وَادَّعَى أَنَّ هذا يُتَخَلَّصُ بِهِ عن الْإِشْكَالِ وَأَنَّهُ خَيْرٌ من ادِّعَاءِ أَنَّ لو بِمَعْنَى أَنْ لِسَلَامَتِهِ من ادِّعَاءِ النَّقْلِ وَمِنْ حَذْفِ الْجَوَابِ وَلَيْسَ كما قال فإن كَوْنَ لو مُسْتَعْمَلًا لِقَطْعِ الرَّبْطِ لَا دَلِيلَ عليه ولم يَصِرْ

إلَيْهِ أَحَدٌ مع مُخَالَفَتِهِ الْأَصْلَ بِخِلَافِ ادِّعَاءِ أنها بِمَعْنَى أَنَّ أو أَنْ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ فَقَدْ صَارَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَالظَّاهِرُ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ لِمُوَافَقَتِهَا غَالِبَ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ التي نَقَضُوا بها عليهم فَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عنها وَرُجُوعُهَا إلَى قَاعِدَتِهِمْ أَمَّا الْآيَةُ الْأُولَى فَالْمَعْنَى ما كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَامْتِنَاعُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ صَادِقٌ بِعَدَمِ وِجْدَانِ هذه الْأُمُورِ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ إذْ الْمُرَادُ لَامْتَنَعَ إيجَابُهُمْ لِهَذَا التَّقْدِيرِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَوْلُهُمْ يَلْزَمُ نَفَادُ الْكَلِمَاتِ عِنْدَ انْتِفَاءِ كَوْنِ ما في الْأَرْضِ من شَجَرَةٍ أَقْلَامًا وهو الْوَاقِعُ فَيَلْزَمُ النَّفَادُ وهو مُسْتَحِيلٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ النَّفَادَ إنَّمَا يَلْزَمُ انْتِفَاؤُهُ لو كان الْمُتَقَدِّمُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ في الْعَقْلِ أَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلِانْتِفَاءِ أَمَّا إذَا كان مِمَّا يَتَصَوَّرُهُ الْعَقْلُ مُقْتَضِيًا فإنه لَا يَلْزَمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَمَعْنَى لو في الْآيَةِ أَنَّهُ لو وُجِدَ الْمُقْتَضَى لَمَا وُجِدَ الْحُكْمُ لَكِنْ لم يُوجَدْ فَكَيْفَ يُوجَدُ وَلَيْسَ الْمَعْنَى لَكِنْ لم يُوجَدْ فَوُجِدَ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحُكْمِ بِلَا مُقْتَضٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لو كان الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَاسْتَقَرَّ في الْعِبَادِ ولم يَحْصُلْ النَّفَادُ لَكِنَّهُ لم يَمْتَنِعْ ذلك لِأَنَّهُمْ ما اعْتَمَدُوا الْبِحَارَ لِعَدَمِ وُجُودِهَا وَأَمَّا الْأَثَرُ فَلِمَا سَبَقَ في الذي قَبْلَهُ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ عَارَضَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ وَبِأَنَّ الْمَنْفِيَّ وهو مَعْصِيَتُهُ لَا يَنْشَأُ عن خَوْفٍ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِصْيَانِ له سَبَبَانِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ وقد اجْتَمَعَا في صُهَيْبٍ فَلَوْ قُدِّرَ فيه عَدَمُ الْخَوْفِ لم يَعْصِهِ فَكَيْفَ وَعِنْدَهُ مَانِعٌ آخَرُ وهو الْإِجْلَالُ فَالْقَصْدُ نَفْيُ الْمَعْصِيَةِ بِكُلِّ حَالٍ كما يُقَالُ لو كان فُلَانٌ جَاهِلًا لم يَقُلْ هذا فَكَيْفَ وهو عَالِمٌ أو يُقَالُ لو لم يَخَفْ اللَّهَ لم يَعْصِهِ فَكَيْفَ يَعْصِي اللَّهَ وهو يَخَافُهُ وإذا لم يَعْصِهِ مع عَدَمِ الْخَوْفِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَعْصِيَهُ مع وُجُودِهِ وَيُحْكَى أَنَّ الشَّلَوْبِينَ سُئِلَ عن مَعْنَاهُ فَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ فَلَوْ أَصْبَحَتْ لَيْلَى تَدِبُّ على الْعَصَا لَكَانَ هَوَى لَيْلَى جَدِيدًا أَوَائِلُهْ يُرِيدُ أَنَّ حُبَّهَا مَطْبُوعٌ في جِبِلَّتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ كَتَغَيُّرِ الْمُحِبِّينَ فَكَذَلِكَ جِبِلَّةُ صُهَيْبٍ مَطْبُوعَةٌ على الْخَيْرِ فَلَوْ لم يَخَفْ لم يَعْصِ لِجِبِلَّتِهِ الْفَاضِلَةِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَعْدَ هذا اسْتِعْمَالُ مِثْلِ هذه الْأَجْوِبَةِ في بَقِيَّةِ الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَرَضِ بها وَالضَّابِطُ أَنْ تَقُولَ يُؤْتَى بها لِثُبُوتِ الْحُكْمِ على تَقْدِيرٍ لَا يُنَاسِبُ الْحُكْمَ لِتُفِيدَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ على خِلَافِهِ الذي يُنَاسِبُهُ وَيَكُونُ ذلك من طَرِيقِ الْأَوْلَى فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ مُطْلَقًا

ثُمَّ يُرَدُّ على الْقَائِلِ بِالرَّبْطِ وَأَنَّهَا لَا تَدُلُّ على امْتِنَاعٍ أَلْبَتَّةَ غَالِبُ الِاسْتِعْمَالَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي فإن الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي فلم أَشَأْ أو لم أَشَأْ حَقَّ الْقَوْلِ وقَوْله تَعَالَى وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ في الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ أَيْ فلم يُرِكَهُمْ لِذَلِكَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بها وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الْأَرْضِ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ ما اقْتَتَلَ الَّذِينَ من بَعْدِهِمْ من بَعْدِ ما جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ من آمَنَ وَمِنْهُمْ من كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ ما اقْتَتَلُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيِّ وما أُنْزِلَ إلَيْهِ ما اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ في الْمِيعَادِ لو أَنْفَقْت ما في الْأَرْضِ جميعا ما أَلَّفْت بين قُلُوبِهِمْ لو كان عَرَضًا قَرِيبًا وَغَيْرِهَا من الْآيَاتِ وَمِنْ الحديث لو كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاِتَّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَوْ يُعْطَى الناس بِدَعْوَاهُمْ إلَى غَيْرِ ذلك لَوْلَا لَوْلَا من حَقِّ وَضْعِهَا أَنْ تُدْرَجَ في صِنْفِ الثُّلَاثِيِّ وَلَكِنْ الْمُشَاكَلَةُ أَوْجَبَتْ ذِكْرَهَا هُنَا وَيَمْتَنِعُ بها الشَّيْءُ لِوُجُودِ غَيْرِهِ وَأَصْلُهَا لو ولا فلما رُكِّبَا حَدَثَ لَهُمَا مَعْنًى ثَالِثٌ غَيْرُ الِامْتِنَاعِ الْمُفْرَدِ وَغَيْرُ النَّفْيِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ لو يَمْتَنِعُ بها الشَّيْءُ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ فَفِيهَا امْتِنَاعَانِ ولا نَافِيَةٌ وَالنَّفْيُ إذَا دخل على الْمَنْفِيِّ صَارَ إثْبَاتًا وفي تَفْسِيرِ ابْنِ بُرْجَانَ عن الْخَلِيلِ كُلُّ ما في الْقُرْآنِ فَهِيَ بِمَعْنَى هَلَّا إلَّا في قَوْلِهِ فَلَوْلَا أَنَّهُ كان من الْمُسَبِّحِينَ من من لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَهِيَ مُنَاظِرَةٌ لِ إلَى في الِانْتِهَاءِ وَالْغَايَةُ إمَّا مَكَانًا نَحْوُ من أَوَّلِ يَوْمٍ وَعَلَامَتُهَا أَنْ تَصْلُحَ أَنْ تُقَارِنَهَا إلَى لَفْظًا نَحْوُ من الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أو مَعْنًى نَحْوُ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَزَيْدٌ أَفْضَلُ من عَمْرٍو

وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ على كَوْنِهَا لِابْتِدَاءِ غَايَةِ الْمَكَانِ وَاخْتَلَفُوا في الزَّمَانِ فقال سِيبَوَيْهِ إنَّهَا لَا تَكُونُ له فقال وَأَمَّا من فَتَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ في الْأَمَاكِنِ وَأَمَّا مُنْذُ فَتَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ في الْأَزْمَانِ وَالْأَحْيَانِ وَلَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا على صَاحِبَتِهَا وَاخْتَارَهُ جُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ وَكَلَامُ سِيبَوَيْهِ في مَوْضِعٍ آخَرَ يَقْتَضِي أنها تَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ في الزَّمَانِ فإنه قال في بَابِ ما يُضْمَرُ فيه الْفِعْلُ الْمُسْتَعْمَلُ إظْهَارُهُ بَعْدَ حَرْفٍ وَمِنْ ذلك قَوْلُ بَعْضِ الْعَرَبِ من لَدٌّ شَوْلًا فَإِلَى إتْلَائِهَا نَصَبَ لِأَنَّهُ أَرَادَ زَمَانًا وَالشَّوْلُ لَا يَكُونُ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا فَيَجُوزُ فيها الْجَرُّ نَحْوُ من لَدُنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ كَذَا فلما أَرَادَ الزَّمَانَ حُمِلَ الشَّوْلُ على ما يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ زَمَانًا إذَا عَمِلَ في الشَّوْلِ كَأَنَّك قُلْت من لَدُنْ كانت شَوْلًا هذا نَصُّهُ وهو يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ لِابْتِدَاءِ غَايَةِ الزَّمَانِ وَبِهِ قال الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ وَالْمُبَرِّدُ وابن دُرُسْتَوَيْهِ وابن مَالِكٍ وَجَعَلُوا منه قَوْله تَعَالَى لِلَّهِ الْأَمْرُ من قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ وَلَمَّا كَثُرَتْ ارْتَابَ الْفَارِسِيُّ وقال يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِيمَا جاء من هذا فَإِنْ كَثُرَ قِيسَ عليه وَإِلَّا تُؤَوَّلُ قال ابن عُصْفُورٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لم يَكْثُرْ كَثْرَةً تُوجِبُ الْقِيَاسَ بَلْ لم يَجُزْ إلَّا هذا فَلِذَلِكَ تُؤَوَّلُ جَمِيعُهُ على حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ من تَأْسِيسِ أَوَّلِ يَوْمٍ انْتَهَى وهو مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ من يَوْمِ الْجُمُعَةِ وفي الحديث من الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وفي حديث عَائِشَةَ في قِصَّةِ الْإِفْكِ ولم يَجْلِسْ عِنْدِي من يَوْمِ قِيلَ لي ما قِيلَ وهو كَثِيرٌ وَمَعَ الْكَثْرَةِ فَلَا

حَاجَةَ إلَى الْإِضْمَارِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَالْقِيَاسُ على إلَى فَإِنَّهَا لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ زَمَانًا وَمَكَانًا ومن مُقَابَلَتِهَا فَتَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أنها حَقِيقَةٌ في ابْتِدَاءِ غَايَةِ الْأَمْكِنَةِ وَيَتَجَوَّزُ بها عن ابْتِدَاءِ غَايَةِ الْأَزْمِنَةِ وهو حَسَنٌ يُجْمَعُ بِهِ بين الْقَوْلَيْنِ وَذَكَرَ السَّكَّاكِيُّ في الْمِفْتَاحِ في الْكَلَامِ على الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ في من لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ مُتَعَلِّقَ مَعْنَاهَا ابْتِدَاءً الْغَايَةُ لَا أَنَّ مَعْنَاهَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ إذْ لو كانت كَذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ اسْمًا لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ على الِاسْمِ إلَّا اسْمٌ وهو عَجِيبٌ تَبْيِينُ الْجِنْسِ وَتَكُونُ لِتَبْيِينِ الْجِنْسِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَتَقَدَّمَهَا عَامٌّ وَيَتَأَخَّرَ عنها خَاصٌّ كَقَوْلِك ثَوْبٌ من صُوفٍ وَخَاتَمٌ من حَدِيدٍ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ هذا بَابُ عِلْمِ ما الْكَلِمُ من الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ الْكَلِمَ كما تَكُونُ عَرَبِيَّةً تَكُونُ غير عَرَبِيَّةٍ وَمِنْهُمْ من رَدَّ هذا الْقِسْمَ إلَى التَّبْعِيضِ التَّبْعِيضُ وَتَجِيءُ لِلتَّبْعِيضِ نَحْوُ منهم من كَلَّمَ اللَّهُ منهم من قَصَصْنَا عَلَيْك حتى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَضَابِطُهَا أَنْ يَصْلُحَ فيه بَعْضٌ مُضَافًا إلَى الْبَعْضِ وَمِثْلُهُ شَرِبْت من الْمَاءِ وَحَكَى ابن الدَّهَّانِ عن بَعْضِهِمْ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْبَعْضِ أَكْثَرَ من النِّصْفِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى منهم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى منهم من قَصَصْنَا عَلَيْك وَمِنْهُمْ من لم نَقْصُصْ عَلَيْك فَإِنْ كان أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ أَكْثَرَ من الْآخَرِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَإِنْ تَسَاوَيَا فَكَذَلِكَ وَمِنْهُ زَيْدٌ أَفْضَلُ من عَمْرٍو لِأَنَّك تُرِيدُ تَفْضِيلَهُ على بَعْضٍ وَلَا يَعُمُّ وَلَوْ كانت هُنَا لِلِابْتِدَاءِ لَاقْتَضَى ذلك انْتِهَاءَ ما بَيْنَهُمَا وقال الْمُبَرِّدُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْ غَايَةِ التَّفْضِيلِ لِأَنَّ عَمْرًا هو الْمَوْضِعُ الذي اُبْتُدِئَ منه فَضْلُ زَيْدٍ في الزِّيَادَةِ وَكَذَا قال في التَّبْعِيضِ وَتَبِعَهُ الْجُرْجَانِيُّ وقال اخْتَلَفُوا في أنها حَقِيقَةٌ في مَاذَا من هذه الِاسْتِعْمَالَاتِ على أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ أَصْلَهَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ وَالْبَاقِي رَاجِعٌ إلَيْهَا وَحَكَاهُ أبو الْبَقَاءِ في شَرْحِ الْإِيضَاحِ عن الْمُبَرِّدِ

وَمَعْنَاهُ في التَّبْعِيضِ أَنَّ ابْتِدَاءَ أَخْذِك كان من الْمَالِ وَقَطَعَ بِهِ عبد الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ وقال لَا تَنْفَكُّ من عن ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ التَّبْعِيضُ وَبَيَانُ الْجِنْسِ بِقَرِينَةٍ وَهَذَا أَوْلَى من الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَمِنْ الْمَجَازِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُفَصَّلِ أَيْضًا وَحَكَاهُ ابن الْعَرَبِيِّ في الْمَحْصُولِ عن شَرْحِ سِيبَوَيْهِ لِابْنِ السَّرَّاجِ ثُمَّ قال وهو صَحِيحٌ فإن كُلَّ تَبْعِيضٍ ابْتِدَاءُ غَايَةٍ وَلَيْسَ كُلُّ ابْتِدَاءِ غَايَةٍ تَبْعِيضًا وَجَرَى عليه إلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ وَأَنْكَرَ مَجِيئَهَا لِلتَّبْعِيضِ قال وَإِنَّمَا وُضِعَتْ لِلِابْتِدَاءِ عَكْسُ إلَى وَرَدَّ بَعْضُهُمْ التَّبْيِينَ إلَى ذلك فقال في قَوْله تَعَالَى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ من الْأَوْثَانِ إنَّ الْمُرَادَ ابْتِدَاءُ اجْتِنَابِهِمْ الرِّجْسَ من الْأَوْثَانِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ مَغْمُورٌ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَغَيْرُ مَقْصُودٍ وفي بَعْضِهَا لَا يَجِيءُ إلَّا بِتَمَحُّلٍ وَالثَّانِي أنها حَقِيقَةٌ في التَّبْيِينِ وَرُدَّ الْبَاقِي إلَيْهِ فإنه قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بين الْجَمِيعِ فإن قَوْلَك سِرْت من الدَّارِ إلَى السُّوقِ بَيَّنَتْ مَبْدَأَ السَّيْرِ وَكَذَا الْبَاقِي وقال في الْمَحْصُولِ إنَّهُ الْحَقُّ الثَّالِثُ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِهَا لِلتَّبْعِيضِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وهو ضَعِيفٌ لِإِطْبَاقِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ على أنها لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَالرَّابِعُ وَنَقَلَهُ ابن السَّمْعَانِيِّ عن الْفُقَهَاءِ أنها لِلتَّبْعِيضِ وَالْغَايَةِ جميعا وَكُلُّ وَاحِدٍ في مَوْضِعِهِ حَقِيقَةٌ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ منه فقالت الْحَنَفِيَّةُ من لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ حتى لَا يَجِبَ أَنْ يَعْلَقَ التُّرَابُ بِالْيَدِ بَلْ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ من الْأَرْضِ وَلَا يَجِبُ عليه نَقْلُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حتى لو مَسَحَ بيده على الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ وَالْحَجَرِ الصَّلْدِ يَكْفِيهِ ذلك لِأَنَّهُ قد ابْتَدَأَ بِالْأَرْضِ وَلَوْ مَسَحَ على حَيَوَانٍ أو الثِّيَابِ لَا يَكْفِيهِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لِلتَّبْعِيضِ حتى يَجِبَ أَنْ يَعْلَقَ التُّرَابُ بِالْيَدَيْنِ وَحَمْلُهُ على ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ من شَأْنِهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفِعْلُ كَقَوْلِك هذا الْمَكَانُ من فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ وَهَاهُنَا الْفِعْلُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ قال تَعَالَى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ منه وَمَنْ جَعَلَ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ وَالْمَسْحُ من الْآيَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّعِيدِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ قَوْلِهِ منه على أَنَّهُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ في هذه الْآيَةِ هَكَذَا صَاحِبُ الْمَصَادِرِ وابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ

وَمِنْهُمْ من أَضَافَ إلَيْهَا مَعْنًى آخَرَ وهو انْتِهَاءُ الْغَايَةِ وَمُثِّلَ بِقَوْلِهِمْ رأيت من دَارِي الْهِلَالَ من ذلك السَّحَابِ قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ انْتَهَى وقال سِيبَوَيْهِ تَقُولُ رَأَيْته من ذلك الْمَوْضِعِ فَجُعِلَتْ غَايَتُهُ لِرُؤْيَتِك أَيْ مَحَلًّا لِلِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ

ال
تَكُونُ حَرْفًا إذَا دَخَلَتْ على الْجَامِدِ وَتَكُونُ اسْمًا إذَا دَخَلَتْ على الْمُشْتَقِّ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الذي كَالضَّارِبِ وَاحْتُجَّ على أنها اسْمٌ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ عليها وَخَالَفَ الْمَازِنِيُّ وقال حَرْفٌ بِدَلِيلِ تَخَطِّي الْعَامِلِ في قَوْلِك مَرَرْت بِالْقَائِمِ وَلَوْ كانت اسْمًا لَكَانَتْ فَاصِلَةً بين حَرْفِ الْجَرِّ وَمَعْمُولِهِ وَالِاسْمُ لَا يَتَخَطَّاهُ الْعَامِلُ وَتَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَهُ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِعَوْدِ الضَّمِيرِ فَلَا حُجَّةَ فيه لِأَنَّ أَبَا عَلِيٍّ قال في الْإِيضَاحِ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى ما يَدُلُّ عليه الْأَلِفُ وَاللَّامُ من الذي ثُمَّ اللَّامُ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقْصَدَ بها تَعْرِيفُ مُعَيَّنٍ وهو الْعَهْدُ وَيَنْقَسِمُ إلَى ذِكْرِيٍّ وهو تَقْدِيمُهُ في اللَّفْظِ نَحْوُ فَأَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ وَإِلَى ذِهْنِيٍّ نَحْوُ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَقَوْلُهُ إذْ هُمَا في الْغَارِ وقد اجْتَمَعَا في قَوْله تَعَالَى وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى فَالْأُولَى لِلذِّهْنِيِّ وَالثَّانِيَةُ لِلذِّكْرِيِّ وَالثَّانِي أَنْ يُقْصَدَ بها تَعْرِيفُ ما كان مَنْكُورًا بِاعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ وَهِيَ على ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يُرَادَ بها الْحَقِيقَةُ من حَيْثُ هِيَ مع قَطْعِ النَّظَرِ عن الشَّخْصِ وَالْعُمُومِ كَقَوْلِك الرَّجُلُ خَيْرٌ من الْمَرْأَةِ وَجَعَلَ منه ابن دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلَ عبد اللَّهِ بن أبي أَوْفَى غَزَوْنَا مع رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ الثَّانِي أَنْ يُرَادَ بها الْحَقِيقَةُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهَا بِوَاحِدٍ وَتُعْرَفُ بِأَنَّهَا إذَا نُزِعَتْ لَا يَحْسُنُ مَوْضِعَهَا كُلٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَعَلْنَا من الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَيْ جَعَلْنَا مَبْدَأَ كل حَيٍّ هذا الْجِنْسَ الذي هو الْمَاءُ فَهَذَا النَّوْعُ التَّعْرِيفُ قَرِيبٌ في الْمَعْنَى من النَّكِرَةِ وَلِهَذَا وُصِفَ بِهِ في الْجُمْلَةِ في قَوْلِهِ

وَلَقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي وهو يَدُلُّ على حَقِيقَةٍ مَعْقُولَةٍ مُتَّحِدَةٍ في الذِّهْنِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ فَإِنْ دَلَّ على تَعَدُّدٍ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ لَا بِاعْتِبَارِ مَوْضُوعِهِ وإذا أُطْلِقَ على الْوُجُودِ أُطْلِقَ على غَيْرِ ما وُضِعَ له وَيَتَعَيَّنُ في بَعْضِ الْمُحَالِ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ مِثْلُ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَالْحَدُّ لِلذِّهْنِيِّ لَكِنْ صِحَّتُهُ على الْوُجُودِ شَرْطٌ فيه وهو في بَعْضِهَا اسْتِعْمَالٌ مَجَازِيٌّ نَحْوُ أَكَلْت الْخُبْزَ وَشَرِبْت الْمَاءَ لِبُطْلَانِ إرَادَةِ الْجِنْسِ وَالثَّالِثُ أَنْ يُرَادَ بها الْحَقِيقَةُ بِاعْتِبَارِ كُلِّيَّةِ ذلك الْمَعْنَى وَتُعْرَفُ بِأَنَّهَا إذَا نُزِعَتْ حَسُنَ أَنْ يَخْلُفَهَا في مَوْضِعِهَا لَفْظُ كُلٍّ على سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ من مَصْحُوبِهَا مع كَوْنِهِ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فإنه يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ وقد اسْتَثْنَى منه الَّذِينَ آمَنُوا وَذَكَرَ ابن مَالِكٍ عَلَامَةً ثَالِثَةً وَهِيَ جَوَازُ وَصْفِ مَصْحُوبِهَا بِالْجَمْعِ مع كَوْنِهِ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ كَقَوْلِهِمْ أَهْلَكَ الناس الدِّينَارُ الْحُمْرُ وَالدِّرْهَمُ الْبِيضُ وقَوْله تَعَالَى أو الطِّفْلِ الَّذِينَ لم يَظْهَرُوا على وَرَدَّهُ شَيْخُنَا ابن هِشَامٍ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَلْ فِيهِمَا لَيْسَتْ لِعُمُومِ الْإِفْرَادِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَامُ كُلٍّ مَقَامَهَا بَلْ هِيَ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ من حَيْثُ هو هو أَيْ تَعْرِيفُ الْمَاهِيَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الطِّفْلَ من الْأَلْفَاظِ التي تُسْتَعْمَلُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَجُنُبٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا وَلَيْسَ فيه أَلِفٌ وَلَامٌ قُلْت وَمِنْ أَمْثِلَةِ هذا الْقِسْمِ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَسَوَاءٌ كان الشُّمُولُ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِ كَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أو بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ كَالسَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ عِنْدَ الْكَلَامِ في لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَارَةً تَكُونُ لِلْجِنْسِ وَتَارَةً لِلْعَهْدِ وَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِمَا وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْبَيَانِ وَالنَّحْوِ أنها حَقِيقَةٌ في الْعَهْدِ وَلِهَذَا يَحْمِلُونَهَا على

ذلك لِأَنَّ الْمَعْهُودَ أَقْرَبُ إلَى التَّحَقُّقِ من الْجِنْسِ وَمَتَى كان هُنَاكَ عَهْدٌ ذِكْرَى فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا على الْخَارِجِيِّ بِشَخْصِهِ وَلَا على الْجِنْسِ من حَيْثُ هو هو فإنه الْحَقِيقَةُ إذَا أُرِيدَ بها شَيْءٌ بِعَيْنِهِ مَجَازًا حُمِلَ على الْمُبَالَغَةِ وَالْكَمَالِ فيها وَالْمَقَامُ لَا يَقْتَضِي ذلك وقال صَاحِبُ الْبَسِيطِ أَقْوَى تَعْرِيفٍ لِ لَامِ الْحُضُورُ ثُمَّ الْعَهْدُ ثُمَّ الْجِنْسُ وَزَعَمَ السَّكَّاكِيُّ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ تَكُونُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا غَيْرُ وَرَدَّ الْبَاقِيَ إلَيْهِ وَبَنَاهُ على قَوْلِ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ اللَّامَ مَوْضُوعَةٌ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا غَيْرُ وَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ الْفَرْقُ بين لَامِ الْجِنْسِ وَلَامِ الْعُمُومِ وَفَرَّقَ ابن عُصْفُورٍ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا إنْ أَحْدَثَتْ في الِاسْمِ مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ كانت لِلْجِنْسِ نَحْوُ دِينَارٍ يَنْطَلِقُ على كل دِينَارٍ على سَبِيلِ الْبَدَلِ فإذا عَرَّفْته دَلَّ على الشُّمُولِ بِخِلَافِ قَوْلِك لَبَنٌ فإنه وَاقِعٌ على جِنْسِ اللَّبَنِ فإذا قُلْت اللَّبَنُ بِ أَلْ عَرَفْت الْجِنْسَ ولم تُصَيِّرْهُ جِنْسًا بَلْ دَخَلَتْ لِتُعَرِّفَ الْجِنْسَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَلْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ في الدِّينَارِ وَاللَّبَنِ على السَّوَاءِ فَإِنَّهَا إنْ دَخَلَتْ على كُلِّيٍّ فَلِلْجِنْسِ أو على جُزْئِيٍّ فَلِلْعَهْدِ أو على كُلٍّ فَلِلْعُمُومِ ولم يَقُلْ أَحَدٌ في الِاسْمِ إنَّهُ يَدُلُّ على الْكُلِّيِّ لِصِدْقِهِ على الْآحَادِ على الْبَدَلِ وَذَكَرَ ابن مَالِكٍ من أَقْسَامِهَا تَعْرِيفَ الْحُضُورِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ ليس قَسِيمًا بَلْ هو قِسْمٌ من الْأَوَّلِ

فى
في لِلْوِعَاءِ إمَّا حَقِيقَةً وَهِيَ اشْتِمَالُ الظَّرْفِ على ما يَحْوِيهِ كَقَوْلِك الْمَالُ في الْكِيسِ وَإِمَّا مَجَازًا كَقَوْلِك فُلَانٌ يَنْظُرُ في الْعِلْمِ وَالدَّارُ في يَدِهِ فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى وَلِأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ فقال الْمُبَرِّدُ بِمَعْنَى على وقال الْحُذَّاقُ على حَقِيقَتِهَا لِأَنَّ الْجِذْعَ يَصِيرُ مُسْتَقَرًّا لِهَذَا الْفِعْلِ وقال الْأَصْفَهَانِيُّ الذي يَظْهَرُ من كَلَامِ الْأُدَبَاءِ أنها حَقِيقَةٌ في الظَّرْفِيَّةِ الْمُحَقَّقَةِ مَجَازٌ في غَيْرِهَا سِوَى الزَّمَخْشَرِيِّ فإنه قال في قَوْله تَعَالَى وَلِأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ ما يَدُلُّ على أنها على بَابِهَا قال وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ كان بين الْمُحَقَّقِ وَالْمُقَدَّرِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرَكِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَإِلَّا فَهِيَ حَقِيقَةٌ في الْمُحَقَّقِ مَجَازٌ في الْمُقَدَّرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَضْعُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ

الْمُحَقَّقِ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ في حُكْمِ الْمَقْرُورِ بِهِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا فِيمَنْ قال لِزَيْدٍ عَلَيَّ أو عِنْدِي ثَوْبٌ في مِنْدِيلٍ إنَّ إقْرَارَهُ يَتَنَاوَلُ الثَّوْبَ دُونَ الْمِنْدِيلِ وَزَعَمَ الْعِرَاقِيُّ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِمَا وَأَجْمَعَ الْفَرِيقَانِ على أَنَّهُ لو أَقَرَّ بِعَبْدٍ لي في دَارٍ أو فَرَسٍ في إصْطَبْلٍ أو سَرْجٍ على دَابَّةٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالظَّرْفِ وَأَنْكَرَ قَوْمٌ مَجِيئَهَا لِلسَّبَبِيَّةِ وَأَثْبَتَهُ آخَرُونَ منهم ابن مَالِكٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ وَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم في النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ من الْإِبِلِ أَيْ قَتْلُ النَّفْسِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ هذا الْمِقْدَارِ وَقِيلَ بِرُجُوعِهَا إلَى الظَّرْفِ مَجَازًا وَمِنْهُمْ من تَأَوَّلَهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْأَمْرُ فيه قَرِيبٌ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ مَعْنَى الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فَمَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَهَا مَجَازًا وَعُنِيَ الْمَجَازُ في ظَرْفِيَّةِ الْمَعْنَى مَثَلًا فَهُوَ مَجَازٌ رَجَّحَهُ على مَجَازٍ آخَرَ وهو مَجَازُ السَّبَبِيَّةِ فَإِنْ وُجِدَ له مُرَجِّحٌ عُمِلَ بِهِ وقال الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ لَمَّا كان الْمُسَبَّبُ مُتَعَلِّقًا بِالسَّبَبِ جُعِلَ السَّبَبُ ظَرْفًا لِمُتَعَلِّقِ الْمُسَبَّبِ لَا لِنَفْسِ الْمُسَبَّبِ فَلِذَلِكَ يُفِيدُ الظَّرْفُ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ وقال من لَا يَفْهَمُ الْقَاعِدَةَ يَجْهَلُ كَوْنَ في دَالًّا على السَّبَبِيَّةِ

عن
عن مَعْنَاهَا الْمُجَاوَزَةُ لِلشَّيْءِ وَالِانْصِرَافُ إلَى غَيْرِهِ نَحْوُ عَدَلْت عن زَيْدٍ أَيْ انْصَرَفْت عنه وقال صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ تَكُونُ بِمَعْنَى من إلَّا في مَوَاضِعَ خَاصَّةٍ قالوا من تَكُونُ لِلِانْفِصَالِ وَالتَّبْعِيضِ وعن لَا تَقْتَضِي الْفَصْلَ فَيُقَالُ أَخَذْت من مَالِ فُلَانٍ وَيُقَالُ أَخَذْت عن عَمَلِ فُلَانٍ وقد اخْتَصَّتْ الْأَسَانِيدُ بِالْعَنْعَنَةِ وَكَلِمَةُ من لَا تُسْتَعْمَلُ في مَوْضِعِهَا وَقَالُوا من لَا تَكُونُ إلَّا حَرْفًا وعن تَكُونُ اسْمًا وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ

لَنْ تَنْصِبُ الْمُضَارِعَ وَتُخَلِّصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ نَحْوُ لَنْ يَقُومَ زَيْدٌ وَهِيَ تُفِيدُ تَأْكِيدَ مُطْلَقِ ا

لن
َّفْيِ وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الْكَشَّافِ أنها تُفِيدُ تَأْكِيدَ النَّفْيِ وَوَافَقَهُ ابن الْخَبَّازِ وفي الْأُنْمُوذَجِ تَأْبِيدَهُ وَوَافَقَهُ أبو جَعْفَرٍ الطُّرْسِيُّ وقال ابن مَالِكٍ حَمَلَهُ عليه اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى وهو بَاطِلٌ وَيَظُنُّ كَثِيرٌ تَفَرُّدَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ لَكِنْ جَزَمَ بِهِ ابن الْخَشَّابِ في كِتَابِهِ الْعَوْنِيِّ بِأَنَّهُ لم يَجْعَلْ التَّأْبِيدَ عِبَارَةً عن الذي لَا يَنْقَطِعُ بَلْ عن الزَّمَنِ الطَّوِيلِ وَاقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةَ مُوَافَقَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ أَيْضًا وَأَنَّ ذلك مَوْضُوعُ اللُّغَةِ وَلَوْ على هذا الْمَنْفِيِّ بِمُجَرَّدِهِ لِتَضَمُّنِ أَنَّ مُوسَى لَا يَرَاهُ أَبَدًا وَلَا في الْآخِرَةِ لَكِنْ قام الدَّلِيلُ من خَارِجٍ على ثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ في الْآخِرَةِ وقد رُدَّ على الزَّمَخْشَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِأَنَّهَا لو كانت لِلتَّأْبِيدِ لم يُقَيَّدْ مَنْفِيُّهَا بِالْيَوْمِ في قَوْله تَعَالَى فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا وَلَكِنْ ذَكَرَ التَّأْبِيدَ في قَوْله تَعَالَى وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا تَكْرَارٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ لَا تَأْتِي مَزِيدَةً وَغَيْرَ مَزِيدَةٍ فَالْمَزِيدَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ما مَنَعَك أَلَّا تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُك لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَشَرَطَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ في زِيَادَتِهَا قَصْدَ تَأْكِيدِ مَعْنَى النَّفْيِ الذي انْطَوَى عليه سِيَاقُ الْكَلَامِ كما في قَوْله تَعَالَى ما مَنَعَك أَلَّا تَسْجُدَ بِدَلِيلِ حَذْفِهَا في الْآيَةِ الْأُخْرَى يَعْنِي أنها تَوْكِيدٌ لِلنَّفْيِ الْمَعْنَوِيِّ الذي تَضَمَّنَهُ مَنَعَك وَلِهَذَا قال بَعْضُهُمْ تُزَادُ في الْكَلَامِ الْمُوجِبِ الْمَعْنَى إذَا تَوَجَّهَ عليه فِعْلٌ مَنْفِيٌّ في الْمَعْنَى قال الْمَازِرِيُّ وَيُطَالَبُ بِإِبْرَازِ مِثْلِ هذا الْمَعْنَى في قَوْلِهِ لِئَلَّا يَعْلَمَ قال وَلَهُ أَنْ يَقُولَ اسْتَقَرَّ الْكَلَامُ أَيْضًا بِمَعْنَى النَّفْيِ لِأَنَّهُ إذَا كان الْقَصْدُ إكْرَامَ الْمُؤْمِنِ لِيَعْلَمَ الْكُفَّارُ هَوَانَهُمْ فَهُمْ الْآنَ غَيْرُ عَالِمِينَ بِهَوَانِهِمْ فَقَدْ تَضَمَّنَ سِيَاقُ الْخِطَابِ الْإِشْعَارَ بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ عَنْهُمْ وَحَرْفُ لَا لِلنَّفْيِ قُلْت أَمَّا الْأُولَى في لِئَلَّا يَعْلَمَ فَزَائِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَنَصَّ عليها سِيبَوَيْهِ في كِتَابِهِ وَيَدُلُّ لها قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَقَرَأَ سَعِيدُ بن

جُبَيْرٍ لَأَنْ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ تَفْسِيرٌ لِزِيَادَتِهَا وَأَمَّا لَا الثَّانِيَةُ في قَوْلِهِ أَنْ لَا يَقْدِرُونَ فَكَذَلِكَ زِيدَتْ تَوْكِيدًا لِلنَّفْيِ الْمَوْجُودِ بِمَا تَوَجَّهَ عليه الْعِلْمُ وَغَيْرُ الْمَزِيدَةِ إمَّا نَاهِيَةٌ في عَوَامِلِ الْأَفْعَالِ الْجَازِمَةِ وَإِمَّا نَافِيَةٌ قال صَاحِبُ الْبُرْهَانِ وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ في الْمَظْنُونِ حُصُولُهُ بِخِلَافِ لَنْ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ في الْمَشْكُوكِ حُصُولُهُ وَمِنْ ثَمَّ كان النَّفْيُ بِ لَنْ آكَدُ قال ابن مَالِكٍ لَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَإِنَّ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ وَجَعَلَ ذلك عُمْدَتَهُ في إعْمَالِ لَا عَمَلَ إنَّ وَأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ النَّقِيضَ على النَّقِيضِ وقد اُسْتُنْكِرَ ذلك منه من جِهَةِ أَنَّ إنَّ دَاخِلَةٌ على الْإِثْبَاتِ فَأَكَّدَتْهُ ولا لم تَدْخُلُ على نَفْيٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ مُرَادَهُ أنها لِنَفْيٍ مُؤَكَّدٍ أو بِمَعْنَى أنها تُرَجِّحُ ظَرْفَ النَّفْيِ الْمُحْتَمِلِ في أَصْلِ الْقَضِيَّةِ رُجْحَانًا قَوِيًّا أَكْثَرَ من تَرْجِيحِ ما وَيَدُلُّ عليه بِنَاءُ الِاسْمِ مَعَهَا لِيُفِيدَ نِسْبَةَ الْعُمُومِ وَهِيَ إمَّا تَتَنَاوَلُ الْأَفْعَالَ وَتَكُونُ عَاطِفَةً وَفِيهَا مَعْنَى النَّفْيِ نَحْوُ قام زَيْدٌ لَا عَمْرٌو فَلَا تَعْمَلُ في لَفْظِهَا شيئا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ فَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صلى فَقَالُوا الْمَعْنَى لم يُصَدِّقْ ولم يُصَلِّ وَإِمَّا أَنْ تَتَنَاوَلَ الْأَسْمَاءَ فَإِمَّا أَنْ تَلِيَ الْمَعَارِفَ أو النَّكِرَاتِ فَاَلَّتِي تَلِي النَّكِرَاتِ إنْ أُرِيدَ بِنَفْيِهَا نَفْيُ الْجِنْسِ بُنِيَتْ مع اسْمِهَا وَإِنْ أُرِيدَ نَفْيُ الْوِحْدَةِ فَهِيَ الْعَامِلَةُ عَمَلَ ليس وَبِهَذَا تَقُولُ لَا رَجُلَ فيها بَلْ رَجُلَانِ وَاَلَّتِي تَلِي الْمَعَارِفَ لَا تَعْمَلُ فيها شيئا وَيَلْزَمُهَا التَّكْرَارُ نَحْوُ لَا زَيْدٌ فيها وَلَا عَمْرٌو وقال ابن الْخَشَّابِ وَهِيَ عَكْسٌ بَلْ لِأَنَّ بَلْ أَضْرَبْت بها عن الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي فَثَبَتَ الْمَعْنَى الذي كان لِلْأَوَّلِ لِلثَّانِيَّ ولا بَدَّلَتْ مَعَهَا بِإِثْبَاتِ الْمَعْنَى لِلْأَوَّلِ فَانْتَفَى بها عن الثَّانِي وَلِهَذَا لم يُعْطَفْ بها بَعْدَ النَّفْيِ فَتَقُولُ ما جَاءَنِي زَيْدٌ لَا عَمْرٌو لِأَنَّك لم تُثْبِتْ لِلْأَوَّلِ شيئا فَتَنْفِيه بها عن الثَّانِي

مع
لِلْمُقَارَنَةِ وَالضَّمِّ فَلَوْ قال لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بها أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مع طَلْقَةٍ أو مَعَهَا طَلْقَةٌ تَقَعُ ثِنْتَانِ كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَلَوْ قال له عَلَيَّ دِرْهَمٌ مع دِرْهَمٍ أو معه دِرْهَمٌ فَمَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ دِرْهَمٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مع دِرْهَمٍ لي أو معه دِرْهَمٌ لي وقال الدَّارَكِيُّ مع الْهَاءِ دِرْهَمَانِ وَمَعَ حَذْفِهَا دِرْهَمٌ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ هِيَ لِلْجَمْعِ بين شَيْئَيْنِ فَقَوْلُهُ رَأَيْت زَيْدًا مع عَمْرٍو اقْتَضَى ذلك اجْتِمَاعَهُمَا في رُؤْيَتِهِ وقال ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ هِيَ لِلِاشْتِرَاكِ مع الِاقْتِرَانِ في الزَّمَانِ تَقُولُ جاء زَيْدٌ وَعَمْرٌو مَعًا أَيْ في زَمَانٍ وَاحِدٍ انْتَهَى وما ذَكَرَاهُ من دَلَالَتِهِمَا على الِاتِّحَادِ في الْوَقْتِ نَقَلُوهُ عن ثَعْلَبٍ أَيْضًا لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْأُمِّ على أنها لَا تَقْتَضِي الِاتِّحَادَ في الزَّمَانِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مَالِكٍ فإنه قال إنَّهَا إذَا قُطِعَتْ عن الْإِضَافَةِ نُوِّنَتْ وَتَسَاوَيَا جميعا في الْمَعْنَى وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ قِيلَ مَعْنَى مع الْمُصَاحَبَةُ بين أَمْرَيْنِ وَكُلُّ أَمْرَيْنِ لَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مُصَاحَبَةٌ وَاشْتِرَاكٌ إلَّا في حُكْمٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْوَاوُ التي بِمَعْنَى مع إلَّا بَعْدَ فِعْلٍ لَفْظًا أو تَقْدِيرًا لِتَصِحَّ الْمَعِيَّةُ وَكَمَالُ مَعْنَى الْمَعِيَّةِ في الْأَمْرِ الذي بِهِ الِاشْتِرَاكُ في زَمَانِ ذلك الِاشْتِرَاكِ وَتُسْتَعْمَلُ أَيْضًا لِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ الذي بِهِ الِاشْتِرَاكُ وَالِاجْتِمَاعُ دُونَ زَمَانِ ذلك فَالْأَوَّلُ في أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَالْعِلَاجِ نحو دَخَلْت مع زَيْدٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَدَخَلَ معه السِّجْنَ فَتَيَانِ وَقَوْلُهُ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ وَالثَّانِي يَكْثُرُ في الْأَفْعَالِ الْمَعْنَوِيَّةِ نحو آمَنْت مع الْمُؤْمِنِينَ وَتُبْت مع التَّائِبِينَ وَفَهِمَتْ الْمَسْأَلَةَ مع من فَهِمَهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَارْكَعِي مع الرَّاكِعِينَ وَقِيلَ اُدْخُلَا النَّارَ مع الدَّاخِلِينَ إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى إنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ أَيْ بِالْعِنَايَةِ وَالْحِفْظِ يوم لَا يُخْزِي اللَّهُ النبي وَاَلَّذِينَ آمَنُوا معه يَعْنِي الَّذِينَ

شَارَكُوهُ في الْإِيمَانِ وَاَلَّذِي وَقَعَ بِهِ الِاجْتِمَاعُ وَالِاشْتِرَاكُ في الْأَحْوَالِ وقد ذَكَرَ الِاحْتِمَالَاتِ في قَوْله تَعَالَى وَاتَّبَعُوا النُّورَ الذي أُنْزِلَ معه فَقِيلَ إنَّهُ من بَابِ الْمَعِيَّةِ

بل
بَلْ حَرْفُ إضْرَابٍ عن الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتٌ لِلثَّانِي وَتُسْتَعْمَلُ بَعْدَ النَّفْيِ وَالْإِيجَابِ وَيَأْتِي بَعْدَهَا الْمَنْفِيُّ كما يَأْتِي الْمُوجَبُ قالوا وَهِيَ أَعَمُّ في الِاسْتِدْرَاكِ بها من لَكِنْ تَقُولُ في الْمُوجَبِ قام زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وفي الْمَنْفِيِّ ما قام زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وقال تَعَالَى إنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ في غَمْرَةٍ وَمِثَالُ الْمَنْفِيِّ بَعْدَهَا أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ قالوا بَلْ لم تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَقِيلَ هِيَ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا قَبْلَهَا أَيْ جَعْلُهُ في حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عنه فإذا انْضَمَّ إلَيْهَا لَا صَارَ نَصًّا في نَفْيِ الْأَوَّلِ

نحو جاء زَيْدٌ لَا بَلْ عَمْرٌو ثُمَّ إنْ تَلَاهَا جُمْلَةٌ كانت بِمَعْنَى الْإِضْرَابِ إمَّا الْإِبْطَالِيُّ نَحْوُ قالوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ أَيْ بَلْ هُمْ وَإِمَّا الِانْتِقَالِيُّ أَيْ الِانْتِقَالُ بها من غَرَضٍ إلَى غَرَضٍ آخَرَ وَزَعَمَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ وابن مَالِكٍ أنها لَا تَقَعُ في التَّنْزِيلِ إلَّا على هذا الْوَجْهِ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ من أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ فَاسْتَدْرَكَ بِبَيَانِ عُدْوَانِهِ وَخَرَجَ من قِصَّةٍ إلَى أُخْرَى وَهِيَ في ذلك كُلِّهِ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ لَا عَاطِفَةٌ على الصَّحِيحِ وقال ابن الْخَشَّابِ إذَا قُلْت جاء زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لم يَجُزْ لَك أَنْ تُقَدِّرَ لَكِنْ حَرْفًا عَاطِفًا جُمْلَةً على جُمْلَةٍ وَإِنْ شِئْت اعْتَقَدْتهَا حَرْفَ ابْتِدَاءٍ يُسْتَأْنَفُ عِنْدَهَا الْكَلَامُ وَهَكَذَا إذَا جَاءَتْ في الْقُرْآنِ فَإِنْ اعْتَقَدْتهَا عَاطِفَةً فَلَا وَقْفَ على ما قَبْلَهَا دُونَهَا إذْ لَا تَقِفُ على الْمَعْطُوفِ عليه وَتَبْتَدِئُ بِالْمَعْطُوفِ وَإِنْ اعْتَقَدْتهَا حَرْفَ ابْتِدَاءٍ فَلَكَ الْخِيَارُ في الْوَقْفِ على ما قَبْلَهَا وَوَصْلِهِ انْتَهَى وَإِنْ تَلَاهَا مُفْرَدٌ فَهِيَ عَاطِفَةٌ ثُمَّ إنْ تَقَدَّمَهَا أَمْرٌ أو إيجَابٌ كَاضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عُمْرًا أو قام زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو فَهِيَ تَجْعَلُ ما قَبْلَهَا كَالْمَسْكُوتِ عنه وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ لِمَا بَعْدَهَا وَإِنْ تَقَدَّمَهَا نَفْيٌ أو نَهْيٌ لِتَقْرِيرِ ما قَبْلَهَا على حَالَتِهِ وَجَعْلِ ضِدِّهِ لِمَا بَعْدَهَا نحو ما قام زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَلَا يَقُومُ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَأَجَازَ الْمُبَرِّدُ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنْ يَكُونَ ما قَبْلَهُ مَعْنَى النَّفْيِ وَالنَّهْيِ لَا بَعْدَهَا فإذا قُلْت ما رَأَيْت زَيْدًا بَلْ عَمْرًا بَلْ ما رَأَيْت عَمْرًا لِأَنَّك إذَا أَضْرَبْت عن مُوجَبٍ في رَأَيْت زَيْدًا بَلْ عَمْرًا أَضْرَبْت إلَى مُوجَبٍ فَكَذَلِكَ تُضْرِبُ عن مَنْفِيٍّ إلَى مَنْفِيٍّ وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلِاسْتِعْمَالِ وهو مُقَدَّمٌ على الْقِيَاسِ وإذا تَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِضْرَابِ بِطَلَبِ شَبَهِهِ وَحَقِيقَتُهُ تَرْكُ الشَّيْءِ وَالْأَخْذُ في غَيْرِهِ وهو الثَّانِي

من وما
قال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ الْعَرَبَ خَصَّتْ من بِأَهْلِ التَّمْيِيزِ أو من يَصِحُّ منه وما بِمَنْ سِوَاهُمْ قال وقد تَقُومُ إحْدَاهُمَا مَقَامَ الْأُخْرَى في مَعْنَاهَا وَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالسَّمَاءِ وما بَنَاهَا وقال النَّحْوِيُّونَ ما تَقَعُ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَعَلَى صِفَاتِ من يَعْقِلُ وقد تَقَعُ على مُبْهَمِ من يَعْقِلُ وَيَتَفَاوَتُ ذلك بِحَسَبِ ظُهُورِ الْإِبْهَامِ أو صِفَاتِهِ قال تَعَالَى فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ وقال لَا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَتَصَوُّرُ الْإِبْهَامِ في الْآيَةِ الْأُولَى أَظْهَرُ وَإِنَّمَا التَّحْقِيقُ في هذا على الصِّفَةِ فَأَمَّا قَوْلُهُ وَالسَّمَاءِ وما بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وما طَحَاهَا فَهِيَ وَاقِعَةٌ على الصِّفَةِ فإن لِلَّهِ أَسْمَاءً وَصِفَاتٍ فإذا كَنَّيْت عن الِاسْمِ فَبِمَنْ وإذا كَنَّيْت عن الصِّفَةِ فَبِمَا فَكَأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا وَالسَّمَاءِ وَخَالِقِهَا وَبَانِيهَا فَأُوقِعَتْ ما مَكَانَ الْخَالِقِ وَالْبَارِئِ من الصِّفَاتِ وَلَوْ قِيلَ السَّمَاءُ وَمَنْ بَنَاهَا لَقُلْنَا كان الْأَصْلُ وَالسَّمَاءُ وَاَلَّذِي بَنَاهَا فَأَوْقَعَ من في مَكَانِ اسْمِهِ تَعَالَى وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ قال إنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ فَإِنَّهَا حَرْفٌ وَالْحَرْفُ لَا يَعُودُ عليه ضَمِيرٌ وقد عَادَ هُنَا الضَّمِيرُ على ما من قَوْلِهِ بَنَاهَا وَمِنْ الثُّلَاثِيِّ فَأَكْثَرَ بَلَى وَهِيَ جَوَابٌ لِلنَّفْيِ سَوَاءٌ كان النَّفْيُ عَارِيًّا من حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ نحو بَلَى لِمَنْ قال ما قام زَيْدٌ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَجَاءَ الرَّدُّ عليهم بِإِيجَابِ النَّارِ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا فقال بَلَى من كَسَبَ سَيِّئَةً

وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ الْآيَةَ أو مَقْرُونَةً بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالوا بَلَى لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ رَبُّهُمْ فَرَدُّوا النَّفْيَ الذي بَعْدَ أَلْفِ الِاسْتِفْهَامِ وإذا رَدُّوا نَفْيَ الشَّيْءِ ثَبَتَ إيجَابُهُ وقال ابن عَطِيَّةَ حَقُّ بَلَى أَنْ تَجِيءَ بَعْدَ نَفْيِ غَلَبَةِ تَقْرِيرٍ وَهَذَا الْقَيْدُ الذي ذَكَرَهُ من كَوْنِ النَّفْيِ غَلَبَةَ تَقْرِيرٍ لم يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ بَلْ الْكُلُّ أَطْلَقُوا بِأَنَّهَا جَوَابُ النَّفْيِ وقال الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ إنَّهَا حَقُّهَا أَنْ تَدْخُلَ على النَّفْيِ ثُمَّ حُمِلَ التَّقْرِيرُ على النَّفْيِ وَلِذَلِكَ لم يَحْمِلْهُ عليه بَعْضُ الْعَرَبِ وَأَجَابَهُ بِ نعم وَوَقَعَ ذلك في كَلَامِ سِيبَوَيْهِ نَفْسِهِ أَجَابَ التَّقْرِيرَ بِ نعم اتِّبَاعًا لِبَعْضِ الْعَرَبِ وَأَنْكَرَهُ عليه ابن الطَّرَاوَةِ وقال الْجَوْهَرِيُّ رُبَّمَا نَاقَضَتْهَا نعم وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أنها تُنَاقِضُهَا قَلِيلًا بَلْ هِيَ مُنَاقِضَةٌ لها دَائِمًا لِأَنَّ نعم تَصْدِيقٌ لِمَا قَبْلَهَا وَبَلَى رَدٌّ له وَلِهَذَا قِيلَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّهُمْ لو قالوا نعم كَفَرُوا وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عن سِيبَوَيْهِ فَأَنْكَرَهُ عليه ابن خَرُوفٍ وَإِنَّمَا قال دُخُولُ نعم هُنَا لَا وَجْهَ له وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ الْجَوْهَرِيُّ بِذَلِكَ أَنَّهُ قد يقول الْقَائِلُ في جَوَابِ من قال أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ لم يَقُمْ زَيْدٌ نعم وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قام زَيْدٌ وَيُرِيدُ أَنَّهُ في هذا الْوَجْهِ تَكُونُ نعم مُنَاقِضَةً لِ بَلَى وَكَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةِ يَقْتَضِي جَوَازَ وُقُوعِ نعم في الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فإنه قال في سُورَةِ الْأَنْعَامِ وبلى هِيَ التي تَقْتَضِي الْإِقْرَارَ بِمَا اُسْتُفْهِمَ عنه مَنْفِيًّا وَلَا تَقْتَضِي نَفْيَهُ وَجَحْدَهُ وَنَعَمْ تَصْلُحُ لِلْإِقْرَارِ بِهِ كما وَرَدَ ذلك في قَوْلِ الْأَنْصَارِ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم حَيْثُ عَاتَبَهُمْ في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَتَصْلُحُ أَيْضًا لِجَحْدِهِ فَلِذَلِكَ لَا تُسْتَعْمَلُ وَأَمَّا قَوْلُ الزَّجَّاجِ وَغَيْرِهِ إنَّهَا إنَّمَا تَقْتَضِي جَحْدَهُ وَأَنَّهُمْ لو قالوا بِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ لَكَفَرُوا فَقَوْلُهُ خَطَأٌ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ انْتَهَى وقال الشَّلَوْبِينُ لَا يَمْتَنِعُ في الْآيَةِ أَنْ يَقُولُونَ نعم لَا على جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَكِنْ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ في قَوْلِهِ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ تَقْرِيرٌ وَالتَّقْرِيرُ خَبَرٌ مُنَجَّزٌ فَجَازَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ نعم كما يَأْتِي بَعْدَ الْخَبَرِ الْمُوجَبِ وَتَكُونُ نعم لَيْسَتْ جَوَابًا على جَوَابِ التَّصْدِيقِ وَعَلَى هذا فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بين هذا وَبَيْنَ ما قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ لِأَنَّهُمَا لم يَتَوَارَدَا على مَحَلٍّ وَاحِدٍ فإن الذي مَنَعُوهُ إنَّمَا هو على أَنَّهُ جَوَابٌ وإذا كانت جَوَابًا فَإِنَّمَا يَكُونُ تَصْدِيقًا لِمَا بَعْدَ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ وَاَلَّذِي جَوَّزَهُ إنَّمَا هو على التَّصْدِيقِ لَا الْجَوَابِ كما في قَوْلِك نعم لِمَنْ قال قام زَيْدٌ

قال بَعْضُهُمْ وَصَارَتْ الْأَجْوِبَةُ ثَلَاثَةً نعم تَصْدِيقٌ لِلْكَلِمِ السَّابِقِ من الْإِثْبَاتِ ولا لِرَدِّ الْإِثْبَاتِ وبلى لِرَدِّ النَّفْيِ وَلَا يُجَابُ بَعْدَ النَّفْيِ بِنَعَمْ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ على ضِدِّهِ فَإِنْ وَرَدَتْ بَعْدَ نَفْيٍ فَلَيْسَتْ جَوَابًا وَلَكِنَّهَا تَصْدِيقٌ لِلَفْظِهِ الذي جاء على النَّفْيِ

لكن
لَكِنْ مُخَفَّفَةُ النُّونِ حَرْفٌ عَاطِفٌ مَعْنَاهُ الِاسْتِدْرَاكُ أَيْ التَّدَرُّكُ وَفَسَّرَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِرَفْعِ التَّوَهُّمِ النَّاشِئِ من الْكَلَامِ السَّابِقِ مِثْلُ ما جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو إذَا تَوَهَّمَ الْمُخَاطَبُ عَدَمَ مَجِيءِ عَمْرٍ أَيْضًا بِنَاءً على مُخَالَطَتِهِ وَمُلَابَسَتِهِ بَيْنَهُمَا وفي الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ زَيْدًا جَاءَك دُونَ عَمْرٍو وَبِالْجُمْلَةِ وَضَعَهَا لِلِاسْتِدْرَاكِ وَمُغَايَرَةِ ما بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا فإذا عُطِفَ بها مُفْرَدٌ وهو لَا يَحْتَمِلُ النَّفْيَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ما قَبْلَهَا مَنْفِيًّا لِتَحْصِيلِ الْمُغَايَرَةِ وإذا عُطِفَ بها جُمْلَةٌ فَهِيَ تَحْتَمِلُ الْإِثْبَاتَ فَيَكُونُ ما قَبْلَهَا مَنْفِيًّا وَتَحْتَمِلُ النَّفْيَ فَيَكُونُ ما قَبْلَهَا مُثْبَتًا فَحَصَلَ اخْتِلَافُ الْكَلَامَيْنِ سَوَاءٌ كان الْمَنْفِيُّ هو الْأَوَّلَ أَمْ الثَّانِيَ قال النَّحْوِيُّونَ وَهِيَ في عَطْفِ الْجُمَلِ نَظِيرُ بَلْ أَيْ في الْوُقُوعِ بَعْدَ النَّفْيِ وَالْإِيجَابِ كما أنها في عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ نَقِيضُ لَا حَيْثُ تَخْتَصُّ لَا بِمَا بَعْدَ الْإِيجَابِ و
لكن
بِمَا بَعْدَ النَّفْيِ وَإِنَّمَا تَعْطِفُ بَعْدَ النَّفْيِ نحو ما جاء زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو فَإِنْ جَاءَتْ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ كانت عِنْدَهُمْ لِتَرْكِ قَضِيَّةٍ تَامَّةٍ إلَى قَضِيَّةٍ أُخْرَى تَامَّةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْأُولَى كَقَوْلِك جاء زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لم يَأْتِ وَهِيَ في النَّفْيِ بِمَنْزِلَةِ بَلْ لَكِنْ بَلْ أَعَمُّ منها في الِاسْتِدْرَاكِ وَمَوْضُوعُهَا مُخَالَفَةُ ما قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا من الْإِيجَابِ وَالنَّفْيِ لَكِنَّ وَأَمَّا مُشَدَّدَةُ النُّونِ النَّاصِبَةُ لِلِاسْمِ الرَّافِعَةُ لِلْخَبَرِ فَمَعْنَاهَا الِاسْتِدْرَاكُ أَيْضًا وَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ إنَّ لَكِنَّ لَا تَدَارُكَ فيها وَإِنَّمَا جِيءَ بها لِيَثْبُتَ ما بَعْدَ النَّفْيِ فَإِنَّمَا ذُكِرَ ذلك في أَثَرٍ ذَكَرَهُ بَلْ وَرَأَى أَنَّ بَلْ كَأَنَّهَا يُتَدَارَكُ بها نِسْيَانٌ أو غَلَطٌ فَفَرَّقَ بين لَكِنَّ وَبَيْنَ بَلْ بِنَفْيِ ما أَثْبَتَهُ دَلِيلٌ عنها لَا أَنَّ لَكِنَّ لَيْسَتْ لِلِاسْتِدْرَاكِ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ فإنه من دَقَائِقِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ

على
لِلِاسْتِعْلَاءِ حِسًّا نَحْوُ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ أو مَعْنًى نَحْوُ وَلِلَّهِ على الناس حِجُّ الْبَيْتِ وَنَحْوُ لِزَيْدٍ عَلَيَّ كَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ وَالدَّيْنَ يَعْلُوهُ وَيَرْكَبُ في الْمَعْنَى وَلِهَذَا قالوا إنَّهَا لَتُسْتَعْمَلُ لِلْإِيجَابِ قال ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ نَحْوُ له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِنَّمَا قَبِلْنَا تَفْسِيرَهَا الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ عليه تَسْلِيمَهَا وَحِفْظَهَا وَتُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى يُبَايِعْنَك على أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شيئا قِيلَ وهو في الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ بِمَعْنَى الْبَاءِ إجْمَاعًا مَجَازٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وهو الشَّرْطُ لَا يُمْكِنُ في الْمُعَاوَضَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الشَّرْطَ فإذا قُلْت بِعْتُك هذا الْعَبْدَ على أَلْفٍ فَالْمَعْنَى بِأَلْفٍ وَكَذَا في الطَّلَاقِ وقال أبو حَنِيفَةَ على في الطَّلَاقِ لِلشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الشَّرْطَ فَيُحْمَلُ على مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ فإذا قالت طَلِّقْنِي ثَلَاثًا على أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا يَجِبُ ثُلُثُ الْأَلْفِ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا لِلشَّرْطِ وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ لَا تَنْقَسِمُ على أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ وَيَجِبُ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ عِنْدَهُمَا فَتَكُونُ الْأَلْفُ عِوَضًا لَا شَرْطًا
عند
عِنْدَ لِلْحَضْرَةِ وَلِلْإِقْرَارِ بِالْعَيْنِ فَلَهُ عِنْدِي أَلْفٌ إقْرَارٌ بِالْعَيْنِ وَلَيْسَ فيه إشْعَارٌ بِالضَّمَانِ بَلْ قال النَّوَوِيُّ هو مُشْعِرٌ بِالْأَمَانَةِ حتى لو ادَّعَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ أنها كانت وَدِيعَةً تَلِفَتْ أو رَدَدْتهَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ
إذا
إذَا ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ غَالِبًا نَحْوُ قُمْت إذَا قام زَيْدٌ قال ابن خَرُوفٍ وَزَعَمَ أبو الْمَعَالِي أنها تَكُونُ لِلْمَاضِي كَ إذْ وَخَالَفَ الْجَمَاعَةُ وَهَذَا منه عَجِيبٌ فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ من النَّحْوِيِّينَ إلَى ذلك وَجَعَلُوا منه قَوْله تَعَالَى وَلَا على الَّذِينَ إذَا ما أَتَوْك لِتَحْمِلَهُمْ قُلْت لَا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عليه وإذا رَأَوْا تِجَارَةً أو لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَقَوْلُهُ

وَنَدْمَانَ يَزِيدُ الْكَأْسَ طِيبًا سَقَيْت إذَا تَغَوَّرَتْ النُّجُومُ بَلْ صَارَ جَمَاعَةٌ إلَى مَجِيئِهَا لِلْحَالِ بَعْدَ الْقَسَمِ نحو وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى فإذا هُنَا مُجَرَّدَةٌ عن الشَّرْطِ لِأَنَّ الْجَوَابَ في الشَّرْطِ لَا بُدَّ من ذِكْرِهِ أو من شَيْءٍ مُتَقَدِّمٍ يَدُلُّ عليه فَلَوْ دَلَّ عليه الْمُتَقَدِّمُ لَصَارَ الْمَعْنَى إذَا يَغْشَى اللَّيْلُ اقْسِمْ وكان الْقَسَمُ مُعَلَّقًا على شَرْطٍ وهو ظَاهِرُ الْفَسَادِ لَكِنَّ الْأَقْوَى أنها بَدَلٌ من اللَّيْلِ أَيْ وَقْتَ غَشَيَانِهِ وما مَنَعُوا بِهِ تَعْلِيقَ الْقَسَمِ بِغَشَيَانِ اللَّيْلِ وَتَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ هو بِعَيْنِهِ يَقْتَضِي مَنْعَ كَوْنِهِ حَالًا من اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَيْضًا يُفِيدُ تَقْيِيدَ الْقَسَمِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَلَى هذا بَنِي أَصْحَابُنَا ما لو قال إذَا لم أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى زَمَنٌ فلم يُطَلِّقْ وَقَعَ وَبَنَوْهُ على أَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ وَأَنَّهَا تَنْفَكُّ عن الشَّرْطِ وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ على أنها لِلْوَقْتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قالوا وَلِهَذَا دَخَلَتْ على الِاسْمِ وَهَذَا ضَعِيفٌ بَلْ هِيَ في الْآيَةِ لِلشَّرْطِ وَلِهَذَا أتى فيها بِالْجَوَابِ وهو قَوْلُهُ عَلِمَتْ نَفْسٌ وَالشَّمْسُ مَرْفُوعَةٌ بِالْفَاعِلِيَّةِ وَرَافِعُهَا تَفْسِيرُهُ فِعْلٌ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ كُوِّرَتْ لِأَنَّ إذَا تَطْلُبُ الْفِعْلَ لِمَا فيها من مَعْنَى الشَّرْطِ وقال شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ في أُصُولِهِ إذَا عِنْدَ نُحَاةِ الْكُوفَةِ تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ تَارَةً وَلِلشَّرْطِ أُخْرَى فَتُجَازِي إنْ أُرِيدَ بها الشَّرْطُ وَلَا يُجَازَى بها إنْ أُرِيدَ بها الْوَقْتُ وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ لِلْوَقْتِ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ لِلشَّرْطِ لَا تَخْلُو عن الْوَقْتِ وقال الْبَزْدَوِيُّ عِنْدَ نُحَاةِ الْكُوفَةِ تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ وَالشَّرْطِ على السَّوَاءِ فَيُجَازَى بها على اعْتِبَارِ سُقُوطِ الْوَقْتِ عنها كَأَنَّهَا حَرْفُ شَرْطٍ وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ كما قال سِيبَوَيْهِ في إذْ ما يُجَازَى بها فَتَكُونُ حَرْفًا وقال السَّرَخْسِيُّ وَتَصِيرُ مِثْلَ إنْ وقال ابن عَمْرُونٍ في شَرْحِ الْمُفَصَّلِ إذَا دَخَلَتْهَا ما يُجَازَى بها في الْأَخْبَارِ بِدُونِ ما لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تُزِيلُ إبْهَامَهَا فإذا كَفَّتْهَا ما عن الْإِضَافَةِ بَقِيَ إبْهَامُهَا فَجُوزِيَ بها وقال أبو الْبَقَاءِ في اللُّبَابِ إنَّمَا لم يُجَازَ بها في الْأَخْبَارِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا بُدَّ من وُقُوعِهِ مِثْلُ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ وإذا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَوَقْتُهُ مُتَعَيِّنٌ لِمَا يُضَافُ وَبَابُ الشَّرْطِ الْإِبْهَامُ وَالْفَرْقُ بين إذَا ومتى أَنَّ الْوَقْتَ في مَتَى لَازِمٌ لِلْمَجَازَاتِ دُونَ إذَا

عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَالْمُبَرِّدِ من الْبَصْرِيِّينَ وَالْخِلَافُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَلَوْ نَوَى بها آخِرَ عُمُرِهِ فإنه يَصْدُقُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ قالوا وَلَوْ لم يَكُنْ حَقِيقَةً في الشَّرْطِ لَمَا صُدِّقَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَوَى بها مَجَازَ كَلَامِهِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ على نَفْسِهِ وفي مِثْلِهِ لَا يُصَدَّقُ وقال أَصْحَابُنَا في كِتَابِ الْخُلْعِ لو قال إذَا أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ اُشْتُرِطَ إعْطَاؤُهَا على الْفَوْرِ وَلَيْسَ ذلك من جِهَةِ الصِّيغَةِ وَلِهَذَا أَلْحَقُوا بها إنْ في ذلك قال الشَّيْخُ في الْمُهَذَّبِ كَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ وَعِنْدِي أَنَّ إذَا حُكْمُهَا حُكْمُ مَتَى وَأَيّ وَقْتٍ في اقْتِضَاءِ التَّرَاخِي وَلِهَذَا لو قال مَتَى الْقِتَالُ جَازَ أَنْ يَقُولَ إذَا شِئْت كما يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ مَتَى شِئْت بِخِلَافِ إنْ فإنه لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنْ شِئْت انْتَهَى وما ذَكَرَهُ الشَّيْخُ من دَلَالَةِ إذَا على الزَّمَانِ صَحِيحٌ لَكِنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَتَى فَرْقٌ لِأَنَّ مَتَى عَامَّةً تَقْتَضِي الدَّلَالَةَ على كل زَمَانٍ بِخِلَافِ إذَا وَاخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ في عُمُومِهَا قِيلَ إذَا قُلْت إذَا قام زَيْدٌ قام عَمْرٌو كانت بِمَنْزِلَةِ كُلَّمَا وَقِيلَ إنَّمَا يَلْزَمُ قِيَامَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا تَقْتَضِي تَكْرَارًا قال ابن عُصْفُورٍ وَالْأَصَحُّ هو الْأَوَّلُ كَسَائِرِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ وَيَدُلُّ عليه قَوْلُ الشَّاعِرِ إذَا وَجَدْت أُوَارَ الْحُبِّ في كَبِدِي أَقْبَلْت نحو سِقَاءِ الْقَوْمِ أَنْبَرِدُ فإن الْمَعْنَى على الْعُمُومِ كَأَنَّهُ قال مَتَى وَجَدْت

غير
غَيْرُ اسْمٌ لَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ في الْمَعْنَى وَيَجُوزُ قَطْعُهُ عنها إنْ فُهِمَ مَعْنَاهَا وَتَقَدَّمَتْ عليها كَلِمَةُ ليس قال الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ في الْمُغْنِي وَقَوْلُهُمْ لَا غير لَحْنٍ وَلَيْسَ كما قال فإنه مَسْمُوحٌ في قَوْلِ الشَّاعِرِ جَوَابًا بِهِ تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنَا لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لَا غير تُسْأَلُ وقد احْتَجَّ بِهِ ابن مَالِكٍ في بَابِ الْقَسَمِ من شَرْحِ التَّسْهِيلِ وَكَأَنَّ الشَّيْخَ تَابَعَ السِّيرَافِيَّ فإنه قال الْحَذْفُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ إذَا كانت إلَّا وغير بَعْدَ ليس وَلَوْ كان مَكَانَ ليس غَيْرُهَا من أَلْفَاظِ الْجَحْدِ لم يَجُزْ الْحَذْفُ وَلَا يَتَجَاوَزُ بِذَلِكَ مَوْرِدَ السَّمَاعِ انْتَهَى وقد سُمِعَ كما ذَكَرْنَا وَهِيَ عَكْسُ لَا فإن شَرْطَ غير أَنْ يَكُونَ ما قَبْلَهَا صَادِقًا على ما بَعْدَهَا تَقُولُ مَرَرْت بِرَجُلٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَلَا يَجُوزُ غَيْرِ امْرَأَةٍ بِخِلَافِ لَا

النَّافِيَةِ فَإِنَّهَا بِالْعَكْسِ وَالْأَصْلُ في غير أَنْ تَكُونَ صِفَةً وقد يُسْتَثْنَى بها قال الرُّمَّانِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا في الْحَالَتَيْنِ أنها إذَا كانت صِفَةً لم تُوجِبْ شيئا لِلِاسْمِ الذي بَعْدَهَا ولم تَنْفِ عنه نحو جَاءَنِي رَجُلٌ رَشِيدٌ غَيْرُ زَيْدٍ فَوَصَفْتَ بها ولم تَنْفِ عن زَيْدٍ الْمَجِيءَ وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مَجِيئُهُ وَأَنْ لَا يَقَعَ وإذا كانت اسْتِثْنَاءً فإذا كان ما قَبْلَهَا إيجَابًا كان ما بَعْدَهَا نَفْيًا أو نَفْيًا فَإِيجَابًا وإذا كانت صِفَةً وُصِفَ بها الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وإذا كانت اسْتِثْنَاءً فَلَا تَأْتِي إلَّا بَعْدَ جَمْعٍ أو مَعْنَاهُ وَكَذَا قال الشَّلَوْبِينُ إنَّهَا إذَا كانت صِفَةً لم تُوجِبْ شيئا لِلِاسْمِ الذي بَعْدَهَا ولم تَنْفِ عنه وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ وفي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ خِلَافُهُ وقد أَجَازَ في قَوْلِك مَرَرْت بِرَجُلٍ غَيْرِك ثَلَاثَةَ مَعَانٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَاحِدًا خِلَافَك الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ صِفَتُهُ مُخَالِفَةٌ لِصِفَتِك فَالْإِبْهَامُ فيه أَقَلُّ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أنت مع غَيْرِك وَهَذَا الثَّالِثُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْرِيرٍ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا لو قال لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَيْرُ طَلْقَةٍ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا كُلُّ امْرَأَةٍ غَيْرِك طَالِقٌ يَقَعُ على الْمُخَاطَبَةِ إلَّا أَنْ يَعْزِلَهَا بِالنِّيَّةِ وقال صَاحِبُ الْبُرْهَانِ إذَا قُلْت ما جَاءَنِي غَيْرُ زَيْدٍ احْتَمَلَ أَنْ تُرِيدَ نَفْيَ أَنْ يَكُونَ قد جاء معه إنْسَانٌ آخَرُ وَأَنْ تُرِيدَ نَفْيَ أَنْ يَكُونَ قد جاء غَيْرُهُ لَا هو وَلَا يَصِحُّ ما جَاءَنِي غَيْرُ زَيْدٍ لَا عَمْرٍو كما لم يَجُزْ ما جَاءَنِي إلَّا زَيْدٌ لَا عَمْرٌو لِأَنَّ غير فيها مَعْنَى النَّفْيِ وَمِنْ ثَمَّ جاء حَرْفُ النَّفْيِ مع الْمَعْطُوفِ عليها في قَوْله تَعَالَى غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم وَلَا الضَّالِّينَ

كيف
كَيْفَ إنْ وَقَعَ بَعْدَهَا مُفْرَدٌ كانت في مَوْضِعِ الْخَبَرِ نَحْوُ كَيْفَ زَيْدٌ فَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ اُخْتُلِفَ في إعْرَابِهَا فَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إلَى أنها في مَوْضِعِ نَصْبٍ على الظَّرْفِ لِأَنَّهَا في تَقْدِيرِ الظَّرْفِ وَلِذَلِكَ يُقَدَّرُ بِ على أَيِّ حَالٍ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ زَيْدٌ قَائِمٌ فَتَقْدِيرُهُ عِنْدَهُ على أَيِّ حَالٍ زَيْدٌ قَائِمٌ وَمَذْهَبُ الْأَخْفَشِ وَالسِّيرَافِيِّ وَابْنِ جِنِّي أنها في مَوْضِعِ نَصْبٍ على الْحَالِ وَضَعَّفَهُ ابن عُصْفُورٍ بِأَنَّ الْحَالَ خَبَرٌ وكيف اسْتِفْهَامٌ فَلَا يَصِحُّ وُقُوعُهَا خَبَرًا قال ابن الصَّائِغِ وهو غَلَطٌ فَاحِشٌ فَلَيْسَ مَعْنَى

قَوْلِهِمْ في الْحَالِ أنها خَبَرٌ قَسِيمُ الْإِنْشَاءِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وقال ابن مَالِكٍ لم يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ كَيْفَ ظَرْفٌ إذْ لَيْسَتْ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا وَلَكِنَّهَا لَمَّا كانت تُفَسَّرُ بِقَوْلِك على أَيِّ حَالٍ لِكَوْنِهَا سُؤَالًا عن الْأَحْوَالِ سُمِّيَتْ ظَرْفًا وَلِأَنَّهَا في تَأْوِيلِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَاسْمُ الظَّرْفِ يُطْلَقُ عليها مَجَازًا ثُمَّ هِيَ لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ لِلسُّؤَالِ عن الْحَالِ خَاصَّةً وَهَلْ يُلْحَظُ فيها مَعْنَى الْأَصْلِ لِأَنَّ الْحَالَ يَسْتَدْعِي وُجُودَ ذلك وَلِهَذَا قِيلَ يَقُول خَلِيلِي كَيْفَ صَبْرُك بَعْدَنَا فَقُلْت وَهَلْ صَبْرٌ فَيُسْأَلُ عن كَيْفَ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت أنها تَطْلُقُ إنْ شَاءَتْ أَمْ لَا تَطْلُقُ حتى تَشَاءَ على وَجْهَيْنِ قال الْبَغَوِيّ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ على أَيِّ وَجْهٍ شِئْت قُلْت وَهَذَا منه تَفْرِيعٌ على أنها في مَوْضِعِ النَّصْبِ على الظَّرْفِ لِأَنَّهُ سَوَّى بين هذا وَبَيْنَ كَيْفَ قِيلَ إنَّهَا في الْأَصْلِ بِمَنْزِلَةِ أَيِّ الِاسْتِفْهَامِيَّة وَلِهَذَا يُفَسِّرُونَ كَيْفَ شِئْت بِأَيِّ حَالَةٍ شِئْت فَاسْتُعِيرَتْ لِأَيِّ الْمَوْصُولَةِ بِجَامِعِ الْإِبْهَامِ على مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ شِئْتهَا من الْكَيْفِيَّاتِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ سَلَبَ عنها مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَاسْتُعْمِلَتْ اسْمًا لِلْحَالِ كما حَكَى قُطْرُبٌ اُنْظُرْ إلَى كَيْفَ تَصْنَعُ أَيْ إلَى حَالِ صُنْعِهِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَكُونُ كَيْفَ مَنْصُوبَةً بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَذَكَرَ كَثِيرٌ من النَّحْوِيِّينَ أنها تَأْتِي شَرْطًا بِنَاءً على أنها لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ وَمُرَادُهُمْ الشَّرْطُ في الْمَعْنَى لَا الْعَمَلِ وهو الْجَزْمُ فإنه إنَّمَا يُجْزَمُ بها إلَّا إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهَا ما نحو كَيْفَ تَصْنَعْ أَصْنَعْ

كل
كُلٌّ تُلَازِمُ الْإِضَافَةَ مَعْنًى وَلَا يَلْزَمُ إضَافَتُهَا لَفْظًا إذَا وَقَعَ تَوْكِيدًا وَنَعْتًا وَإِضَافَتُهَا مَنْوِيَّةٌ عِنْدَ تَجَرُّدِهَا عنها وإذا كان الْمُضَافُ إلَيْهِ الْمَحْذُوفُ مَعْرِفَةً بَقِيَ كُلٌّ على تَعْرِيفِهِ فَلَا تُبَاشِرُهُ اللَّامُ وَنَصْبُهُ على الْحَالِ في قِرَاءَةِ إنَّا كُلًّا فيها شَاذٌّ وَإِنْ أُضِيفَ إلَى نَكِرَةٍ رُوعِيَ في عَوْدِ الضَّمِيرِ وَغَيْرِهِ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَإِنْ أُضِيفَ إلَى مَعْرِفَةٍ جَازَ مُرَاعَاةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمُرَاعَاةُ لَفْظِ كُلٍّ

كلما
أَمَّا كُلَّمَا فَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى ما وَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ لَكِنَّهَا نَائِبَةٌ بِصِلَتِهَا عن ظَرْفِ زَمَانٍ كما يَنُوبُ عن الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَالْمَعْنَى كُلُّ وَقْتٍ وَلِذَا تُسَمَّى ما هذه الْمَصْدَرِيَّةَ الظَّرْفِيَّةَ أَيْ النَّائِبَةَ عن الظَّرْفِ لَا أنها ظَرْفٌ في نَفْسِهَا فَكُلٌّ من كُلَّمَا مَنْصُوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ لِإِضَافَتِهِ إلَى شَيْءٍ هو قَائِمٌ مَقَامَ الظَّرْفِ ثُمَّ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ أَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ قال الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ وَإِنَّمَا ذلك من عُمُومِ ما لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ يُرَادُ بها الْعُمُومُ فإذا قُلْت أَصْحَبُك ما ذَرَّ لِلَّهِ شَارِقٌ فَإِنَّمَا تُرِيدُ الْعُمُومَ فَكُلٌّ أَكَّدَتْ الْعُمُومَ الذي أَفَادَتْهُ ما الظَّرْفِيَّةُ لَا أَنَّ لَفْظَ كُلَّمَا وُضِعَ لِلتَّكْرَارِ كما يَدُلُّ عليه كَلَامُهُمْ وَإِنَّمَا جَاءَتْ كُلٌّ تَوْكِيدًا لِلْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ من ما الظَّرْفِيَّةِ فإذا قُلْت كُلَّمَا جِئْتنِي أَكْرَمَتْك فَالْمَعْنَى أُكْرِمُك في كل فَرْدٍ فَرْدٍ من جِيئَاتِك إلَيَّ انْتَهَى وَقَوْلُهُ إنَّ التَّكْرَارَ من عُمُومِ ما مَمْنُوعٌ فإن ما الْمَصْدَرِيَّةَ لَا عُمُومَ لها وَلَا يَلْزَمُ من نِيَابَتِهَا عن الْعُمُومِ دَلَالَتُهَا على الْعُمُومِ وَإِنْ اُسْتُفِيدَ عُمُومٌ في مِثْلِ هذا الْكَلَامِ من ما إنَّمَا هو من التَّرْكِيبِ بِجُمْلَتِهِ
بعد
بَعْدُ تَقَعُ لِلتَّرْتِيبِ وَتَحْتَمِلُ الْفَوْرَ وَالتَّرَاخِيَ قَالَهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ
إلى
إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ زَمَانًا وَمَكَانًا وَلَا يَأْتِي فيها خِلَافُ من في الزَّمَانِ وَعِبَارَةُ الرَّاغِبِ حَرْفٌ يُحَدُّ بِهِ النِّهَايَةُ من الْجَوَانِبِ السِّتَّةِ وَهَلْ يَدْخُلُ ما بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا أَمْ لَا أَمْ يُفَرَّقُ بين أَنْ يَكُونَ من جِنْسٍ لِلْغَايَةِ فَيَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا خِلَافٌ وَنُسِبَ الثَّالِثُ إلَى سِيبَوَيْهِ كما قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قُلْت وَرَأَيْته مَجْزُومًا بِهِ لِابْنِ سُرَيْجٍ في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْوَدَائِعِ بِمَنْصُوصِ الشَّرَائِعِ في بَابِ الْوُضُوءِ قال وَمَنْ أَوْجَبَ إدْخَالَ الْمِرْفَقَيْنِ في الْغُسْلِ لِأَنَّهُ من جِنْسِهِ لِأَنَّ الْيَدَ من أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ وَقِيلَ يَدْخُلُ أَوَّلُ جُزْءٍ من الْمُنْتَهَى إلَيْهِ كما يَدْخُلُ آخِرُ جُزْءٍ من الْمُبْتَدَأِ منه حَكَاهُ النِّيلِيُّ وقال ابن الْحَاجِبِ في شَرْحِ الْمُفَصَّلِ جَاءَتْ وما بَعْدَهَا دَاخِلٌ وَجَاءَتْ وما بَعْدَهَا خَارِجٌ فَمِنْهُمْ من حَكَمَ بِالِاشْتِرَاكِ وَمِنْهُمْ من حَكَمَ بِظُهُورِ الدُّخُولِ وَمِنْهُمْ من

حَكَمَ بِظُهُورِ انْتِفَاءِ الدُّخُولِ وَعَلَيْهِ النَّحْوِيُّونَ انْتَهَى وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا عن سِيبَوَيْهِ التَّفْصِيلَ بين أَنْ تَقْتَرِنَ بِمَنْ فَتَقْتَضِيَ التَّحْدِيدَ وَلَا يَدْخُلُ الْحَدُّ في الْمَحْدُودِ نَحْوُ بِعْتُك من هذه الشَّجَرَةِ إلَى تِلْكَ فَلَا يَدْخُلَانِ في الْبَيْعِ وَإِنْ لم تَقْتَرِنْ جَازَ أَنْ تَكُونَ تَحْدِيدًا وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مع كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ وَأَنْكَرَ ابن خَرُوفٍ هذا على إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وقال لم يذكر سِيبَوَيْهِ في كِتَابِهِ من هذا وَلَا حَرْفًا وَلَا هو مَذْهَبُهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ في بَابِ عِدَّةِ الْكَلِمِ وَأَمَّا إلَى فَمُنْتَهَى الِابْتِدَاءِ تَقُولُ من مَكَانِ كَذَا إلَى كَذَا وَكَذَلِكَ حتى وقد بَيَّنَ ذلك في بَابِهَا بِمَعْنَى حتى وَلَهَا في الْفِعْلِ حَالٌ ليس لِ إلَى تَقُولُ لِلرَّجُلِ إنَّمَا أنا إلَيْك أَيْ إنَّمَا أنت مَطْلُوبِي وَغَايَتِي وَلَا تَكُونُ حتى هُنَا فَهَذَا أَمْرُ إلَى وَأَصْلُهَا وَإِنْ اتَّسَعَتْ وَهِيَ أَعَمُّ في الْكَلَامِ من حتى تَقُولَ قُمْت إلَيْهِ بِجَعْلِهِ مُنْتَهَاك من مَكَانِك وَلَا تَقُولُ حَتَّاهُ انْتَهَى وَلَيْسَ فيه إلَّا أنها لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ وَإِنْ اتَّسَعَ فيها وقال الزَّمَخْشَرِيُّ الْغَايَةُ لَا تُدْخِلُ شيئا وَلَا تُخْرِجُهُ بَلْ إنْ كان صَدْرُ الْكَلَامِ مُتَنَاوَلًا قبل دُخُولِ حَرْفِ الْغَايَةِ يَكُونُ دَاخِلًا وَإِلَّا فَلَا وقال إلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ وما ذَكَرُوهُ من دُخُولِهِ في الْمَحْدُودِ ليس مَأْخُوذًا من مَعْنَى إلَى وَإِنَّمَا فَائِدَةُ إلَى التَّنْبِيهُ عن أنها ما اُبْتُدِئَ بِهِ فَبِمِنْ وَأَمَّا دُخُولُ ما يَنْتَهِي إلَيْهِ فيه وَعَدَمُهُ فَبِدَلِيلٍ من خَارِجٍ وقال بَعْضُ النُّحَاةِ لَا تُفِيدُ إلَّا انْتِهَاءَ الْغَايَةِ من غَيْرِ دَلَالَةٍ على الدُّخُولِ أو عَدَمِهِ بَلْ هو رَاجِعٌ إلَى الدَّلِيلِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ إلَى لِلنِّهَايَةِ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ على أَوَّلِ الْحَدِّ وَأَنْ يَتَوَغَّلَ في الْمَكَانِ لَكِنْ تَمْتَنِعُ الْمُجَاوَزَةُ لِأَنَّ النِّهَايَةَ غَايَةٌ وما كان بَعْدَهُ شَيْءٌ لم يُسَمَّ غَايَةً قُلْت وَهَذَا هو ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الرِّسَالَةِ حَيْثُ قال وَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ الْكَعْبَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ مِمَّا يُغْسَلُ لِأَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا حَدَّيْنِ لِلْغَسْلِ وَأَنْ يَكُونَا دَاخِلَيْنِ في الْغَسْلِ فلما قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّارِ دَلَّ ع

لى أَنَّهُ غَسْلٌ انْتَهَى وَتَجِيءُ بِمَعْنَى مع في قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَالْمُحَقِّقُونَ أنها على بَابِهَا وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عليه الْكَلَامُ وَالتَّقْدِيرُ في قَوْله تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ أَيْ لَا تُضِيفُوهَا إلَى أَمْوَالِكُمْ فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى وَأَيْدِيكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ فَمَنْ أَوْجَبَ غَسْلَهَا قال بِمَعْنَى مع وَعَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ هِيَ على بَابِهَا وَلَا تُفِيدُ انْتِهَاءَ الْغَسْلِ إلَى الْمَرَافِقِ قال الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ لَفْظَ الْيَدِ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ من رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَالْمَرَافِقُ دَاخِلَةٌ في حَقِيقَةِ الْيَدِ وإذا جَاءَتْ إلَى التَّحْدِيدِ بِبَعْضِ الشَّيْءِ دخل الْمَحْدُودُ إلَيْهِ في الْحَدِّ كَقَوْلِك بِعْتُك من هذا الْحَائِطِ إلَى هذه الشَّجَرَةِ فإن الشَّجَرَةَ تَدْخُلُ فَعَلَى هذا لَا يُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهَا بِمَعْنَى مع وَقِيلَ دَخَلَتْ الْمَرَافِقُ في الْغَسْلِ لِأَنَّ الْمَرَافِقَ مُنْتَهَى الذِّرَاعِ فَلَزِمَ من وُجُوبِ غَسْلِ الذِّرَاعِ وُجُوبُ غَسْلِ الْمَرَافِقِ وَقِيلَ إنَّهَا غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ لَا لِمَدِّ الْحُكْمِ وَذَكَرُوا لِهَذَا الْكَلَامِ تَفْسِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إذَا كان مُتَنَاوِلًا لِلْغَايَةِ كَالْيَدِ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ إلَى الْإِبْطِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْغَايَةِ لِإِسْقَاطِ ما وَرَاءَهَا لَا لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا لِأَنَّ الِامْتِدَادَ حَاصِلٌ فَيَكُونُ قَوْلُهُ إلَى الْمَرَافِقِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ اغْسِلُوا وَغَايَةُ لَكِنْ لِأَجْلِ إسْقَاطِ ما وَرَاءَ الْمِرْفَقِ عن حُكْمِ الْغَسْلِ الثَّانِي أَنَّهُ غَايَةٌ لِلْإِسْقَاطِ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ مُسْقِطِينَ إلَى الْمَرَافِقِ فَتَخْرُجُ عن الْإِسْقَاطِ فَتَبْقَى دَاخِلَةً تَحْتَ الْغَسْلِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِظُهُورِ أَنَّ الْجَارَ وَالْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ وَأَثَارَ بَعْضُهُمْ هُنَا بَحْثًا وهو أَنَّهُ إذَا قَرَنَ بِالْكَلَامِ غَايَةً أو اسْتِثْنَاءً أو شَرْطًا لَا يُعْتَبَرُ بِالْمُطْلَقِ لم يَخْرُجْ بِالْقَيْدِ عن الْإِطْلَاقِ بَلْ يُعْتَبَرُ مع الْقَيْدِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَالْفِعْلُ مع الْغَايَةِ كَلَامٌ وَاحِدٌ لِلْإِيجَابِ إلَيْهَا لَا لِلْإِيجَابِ وَالْإِسْقَاطِ لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ فَلَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ مع الْغَايَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ مَجِيئُهَا بِمَعْنَى مع لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا قال بِعْتُك بِشَرْطِ الْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ إنَّ اللَّيْلَ لَا يَدْخُلُ في زَمَنِ الْخِيَارِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ قال الشَّيْخُ في الْمُهَذَّبِ وَتَرِدُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ نَحْو فُلَانٌ خَارِجٌ إلَى شَهْرٍ أَيْ أَنَّ

ابْتِدَاءَ خُرُوجِهِ إلَى شَهْرٍ وَفُرِّعَ عليه أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عن الْمُتَوَلِّي

حتى
حتى لِلْغَايَةِ كَ إلَى وَهِيَ عَاطِفَةٌ وَجَارَةٌ وَفِيهَا مَذَاهِبُ أَحَدُهَا أَنْ ما بَعْدَهَا غَيْرُ دَاخِلٍ في حُكْمِ ما قَبْلَهَا في جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَعُزِيَ لِأَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ منهم ابن جِنِّي قال أبو جَعْفَرِ بن النَّحَّاسِ في كِتَابِ الْكَافِي اعْلَمْ أَنَّ حتى فيها مَعْنَى الْغَايَةِ وَإِنْ عَطَفْت بها وَلِهَذَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ لِإِخْرَاجِ شَيْءٍ من شَيْءٍ انْتَهَى يُرِيدُ أَنَّ الْعَاطِفَةَ لَا تَخْرُجُ عن مَعْنَى الْغَايَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا من الْمَعْطُوفِ عليه وَهَذَا الْحُكْمُ تَقْتَضِيهِ حتى من جِهَةِ كَوْنِهَا لِلْغَايَةِ لَا من جِهَةِ كَوْنِهَا لِلْعَطْفِ فإن الْأَصْلَ في الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَاخِلٌ سَوَاءٌ الْجَارَّةُ وَالْعَاطِفَةُ وَبِهِ جَزَمَ الْجُرْجَانِيُّ في الْمُقْتَصَدِ وَغَيْرِهِ وَسَنَذْكُرُ عِبَارَتَهُ وَتَابَعَهُ صَاحِبُ الْمُفَصَّلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنْ يَقْتَضِيَ الشَّيْءُ الذي يَتَعَلَّقُ بِهِ شيئا فَشَيْئًا حتى يَأْتِيَ الْفِعْلُ على ذلك الشَّيْءِ كُلِّهِ فَلَوْ انْقَطَعَ الْأَكْلُ عِنْدَ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ فِعْلُ الْآكِلِ آتِيًا على السَّمَكَةِ كُلِّهَا وَلِهَذَا امْتَنَعَ أَكَلْت السَّمَكَةَ حتى نِصْفِهَا وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْقَائِلِينَ بهذا ما إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ على خُرُوجِهِ كَصُمْتُ الْأَيَّامَ حتى يوم الْفِطْرِ بِنَصَبِ الْيَوْمِ وَجَرِّهِ وَالثَّالِثُ إنْ كان ما بَعْدَهَا بَعْضًا لِمَا قَبْلَهَا دخل نحو سَبَقَنِي الناس حتى الْعَبِيدِ وَإِلَّا فَلَا نَحْوُ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ حتى الصَّبَاحِ وهو قَوْلُ الْمُبَرِّدِ في الْمُقْتَضَبِ وَالْفَرَّاءِ في الْمَعَانِي وَابْنِ الْوَرَّاقِ في الْفُصُولِ وقال بَعْضُهُمْ الْجَارَّةُ يَأْتِي فيها الْخِلَافُ الذي في إلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى حتى مَطْلَعِ الْفَجْرِ وإذا لم يَكُنْ مَعَهَا قَرِينَةٌ تَقْتَضِي دُخُولَ ما بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا أو عَدَمَ دُخُولِهِ حُمِلَتْ على الدُّخُولِ بِخِلَافِ إلَى فَإِنَّهَا تُحْمَلُ على عَدَمِ الدُّخُولِ حَمْلًا على الْغَالِبِ في الْبَابَيْنِ وَأَمَّا إذَا كانت عَاطِفَةً فما بَعْدَهَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهَا قَطْعًا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِمَّا قَبْلَهَا جِيءَ بِهِ لِتَعْظِيمِهِ أو لِتَحْقِيرِهِ وَزَعَمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ في وُجُوبِ دُخُولِ ما بَعْدَ حتى وهو مَحْمُولٌ على الْعَاطِفَةِ كما قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ في أُصُولِهِ لَا الْخَافِضَةِ فإن الْخِلَافَ فيها مَشْهُورٌ وقال الْكِسَائِيُّ

حتى مع الْجُثَثِ بِمَعْنَى مع وَمَعَ الْمَصَادِرِ وَظُرُوفِ الزَّمَانِ بِمَعْنَى إلَى تَقُولُ انْتَظَرْتُك حتى اللَّيْلِ وَحَتَّى قُدُومِ عَمْرٍو بِمَعْنَى إلَى فِيهِمَا وَنَحْوُ بِعْتُك الدَّارَ حتى بَابِهَا أَيْ مع وَكَلَّمْت الْقَوْمَ حتى زَيْدٍ أَيْ مع مَسْأَلَةٌ حتى الْعَاطِفَةُ هل تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ اُخْتُلِفَ في الْعَاطِفَةِ هل تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فَأَثْبَتَهُ ابن الْحَاجِبِ وابن مُعْطٍ حَيْثُ قَالَا إنَّهَا كَالْفَاءِ بَلْ هذه الْعِبَارَةُ تُوهِمُ أنها لِلتَّعْقِيبِ وهو بَعِيدٌ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أنها بِمَعْنَى الْفَاءِ لِلْمُنَاسَبَةِ الظَّاهِرَةِ بين التَّعْقِيبِ وَالْغَايَةِ وقال صَاحِبُ الْبَسِيطِ هِيَ مِثْلُ ثُمَّ في التَّرْتِيبِ وَالْمُهْلَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ مَعْطُوفِهَا جُزْءًا من الْمَعْطُوفِ عليه وَيَصِحُّ جَعْلُهُ غَايَةً له فَعُلِمَ مِنْهُمَا مُخَالَفَتُهُ لِلْأَوَّلِ فِيمَا أَوْجَبَ الْمُهْلَةَ من ضَعْفٍ أو قُوَّةٍ كَ قَدِمَ الْحَجَّاجُ حتى الْمُشَاةُ وقال الْجُمْهُورُ إنَّهَا كَالْوَاوِ وقال ابن مَالِكٍ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ هِيَ في عَدَمِ التَّرْتِيبِ كَالْوَاوِ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أنها تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ حَفِظْت حتى سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَإِنْ كانت الْبَقَرَةُ أَوَّلَ مَحْفُوظِك أو مُتَوَسِّطَهُ وفي الحديث كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ حتى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ وَلَا فَرْقَ في تَعَلُّقِ الْقَضَاءِ بِالْمَقْضِيَّاتِ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ في كَوْنِهَا أَيْ وُجُودِهَا وقال ابن مَالِكٍ في شَرْحِ الْعُمْدَةِ هِيَ في عَدَمِ التَّرْتِيبِ كَالْوَاوِ وقال ابن أَيَازٍ التَّرْتِيبُ الذي تَقْتَضِيهِ حتى ليس على تَرْتِيبِ الْفَاءِ وَثُمَّ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يُرَتِّبَانِ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ على الْآخَرِ في الْوُجُودِ وَهِيَ تُرَتِّبُ تَرْتِيبَ الْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ما بَعْدَهَا من جِنْسِ ما قَبْلَهَا وَلَا يَحْصُلُ ذلك إلَّا بِذَكَرِ الْكُلِّ قبل الْجُزْءِ قال الْجُرْجَانِيُّ الذي أَوْجَبَ ذلك أنها لِلْغَايَةِ وَالدَّلَالَةِ على أَحَدِ طَرَفَيْ الشَّيْءِ وَطَرَفُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ من غَيْرِهِ وَلِهَذَا كان فيه مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّحْقِيرِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ إذْ أَخَذْته من أَعْلَاهُ فَأَدْنَاهُ غَايَتُهُ وهو الْمُحَقَّرُ وَإِنْ أَخَذْته من أَدْنَاهُ فَأَعْلَاهُ غَايَتُهُ وهو الْمُعَظَّمُ وَلِهَذَا أَيْضًا لم يَكُنْ ما بَعْدَ حتى وَإِنْ كان من جِنْسِ ما قَبْلَهَا إلَّا بَعْضًا وَجُزْءًا منه تَقُولُ جاء الْقَوْمُ حتى زَيْدٌ وَلَا تَقُولُ حِمَارٌ وَكَذَلِكَ لَا تَقُولُ جاء زَيْدٌ حتى الْقَوْمُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ بِضْعًا لِشَيْءٍ وَجُزْءًا منه وَلَا جاء زَيْدٌ حتى عَمْرٌو

كَذَلِكَ أَيْضًا وَلِلْمُسَاوَاةِ وَكُلُّ هذا لَا يَمْتَنِعُ في الْوَاوِ وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ حتى لِلْغَايَةِ إمَّا في نَقْصٍ أو زِيَادَةٍ نَحْوُ عَلَيْك الناس حتى النِّسَاءُ وَاخْتُطِفَتْ الْأَشْيَاءُ حتى مَثَاقِيلُ الدُّرِّ ثُمَّ قالوا إنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ بَلْ تَكُونُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ وَالْجَمْعُ بين الْكَلَامَيْنِ مُشْكِلٌ فَإِنْ قُلْت الْغَايَةُ في نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْوَاقِعُ ليس هو هذا بَلْ من الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ هو الْأَوَّلَ وما بَعْدَهُ أو الْأَخِيرُ وَمَعَ هذا الِاحْتِمَالِ لَا تَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ قُلْت لو لم تَكُنْ لِلتَّرْتِيبِ لم يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْقُوَّةِ أو الضَّعْفِ فَائِدَةٌ وَلَوْ لم تَقْتَضِ التَّأْخِيرَ عَقْلًا وَعَادَةً لم يَحْسُنْ ذلك فَإِنْ قُلْت فَائِدَتُهُ إفَادَةُ الْعُمُومِ قُلْت الْعُمُومُ مَأْخُوذٌ من الْمَفْهُومِ وَفِيهِ نَظَرٌ التَّنْبِيهُ الثَّانِي حتى الدَّاخِلَةُ على الْأَفْعَالِ قد تَكُونُ لِلْغَايَةِ وَلِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ وَالْمُجَازَاةِ وَلِلْعَطْفِ الْمَحْضِ أَيْ التَّشْرِيكِ من غَيْرِ اعْتِبَارِ غَايَتِهِ وَسَبَبِيَّتِهِ فَالْأَوَّلُ هو الْأَصْلُ فَيُحْمَلُ عليه ما أَمْكَنَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فإن الْقَتْلَ يَصْلُحُ لِلِامْتِدَادِ وَقَبُولُ الْجِزْيَةِ يَصْلُحُ مُنْتَهًى له وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى حتى تَسْتَأْنِسُوا أَيْ تَسْتَأْذِنُوا فإن الْمَنْعَ من دُخُولِ بَيْتِ الْغَيْرِ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ وَالِاسْتِئْذَانُ يَصْلُحُ مُنْتَهًى له وَجَعَلَ حتى هذه دَاخِلَةً على الْفِعْلِ نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَإِلَّا فَالْفِعْلُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَنْ فَهِيَ في الْحَقِيقَةِ إنَّمَا دَخَلَتْ على الِاسْمِ هذا إذَا احْتَمَلَ صَدْرُ الْكَلَامِ الِامْتِدَادَ وَالْآخَرُ الِانْتِهَاءَ إلَيْهِ فَإِنْ لم يَحْتَمِلْ ذلك فَإِنْ صَلَحَ الصَّدْرُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلثَّانِي كانت بِمَعْنَى كَيْ فَتُفِيدُ السَّبَبِيَّةَ وَالْمُجَازَاةَ نَحْوُ أَسْلَمْت حتى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ لم يَصْلُحْ لِذَلِكَ فَهِيَ لِلْعَطْفِ الْمَحْضِ من غَيْرِ دَلَالَةٍ على غَايَةٍ أو مُجَازَاةٍ

إذن
إذَنْ لِلْجَوَابِ وَالْجَزَاءِ تَقُولُ لِمَنْ قال أنا أَزُورُك إذَنْ أُكْرِمَك وَتَأْتِي صِلَةً إذَا كانت مُتَوَسِّطَةً

قال الْبَاجِيُّ وَلِهَذَا قال أَصْحَابُنَا في قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنِّي إذَنْ صَائِمٌ خَبَرٌ عن صِيَامٍ مُتَقَدِّمٍ لَا عن صِيَامٍ ابْتَدَأَهُ لِوَقْتِهِ وَحَاوَلُوا بهذا الرَّدَّ على من حَاوَلَ إنْشَاءَ الصَّوْمِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَدَافَعُوا بهذا التَّأْوِيلِ عن الِاسْتِدْلَالِ بهذا اللَّفْظِ وَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عن ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ ثُمَّ قال وَلَا أَرَى لِمَا قَالُوهُ وَجْهًا أَمَّا كَوْنُهَا هَاهُنَا مُلْغَاةً فَصَحِيحٌ لِأَنَّهَا حَالَتْ بين حَرْفِ أَنْ وَاسْمِهَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ وهو صَائِمٌ وَلَكِنْ ليس في ذلك ما يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بهذا الْقَوْلِ أَنَّهُ عَقَدَ الصَّوْمَ الْآنَ أو سَبَقَ بَلْ قَوْلُهُ صَائِمٌ اسْمُ فَاعِلٍ يَحْتَمِلُ الْحَالَ

متى
مَتَى شَرْطٌ يُجْزَمُ بِهِ الْمُضَارِعُ مِثْلُ مَتَى تَخْرُجْ أَخْرُجْ وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلظَّرْفِيَّةِ لَا تَتَجَرَّدُ عنها بِخِلَافِ إذَا في قَوْلِهِ وإذا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا إذَا مُتَمَحِّضًا لِلشَّرْطِ بِوَاسِطَةِ وُقُوعِهِ في بَيْتٍ شَاذٍّ جَازِمًا لِلْمُضَارِعِ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا على خَطَرِ الْوُجُودِ ولم يَجْعَلُوا مَتَى مُتَمَحِّضًا لِلشَّرْطِ مع دَوَامِ ذلك فيه وَحَقُّهُ في اللُّغَةِ التَّكْرَارُ وَاصْطَلَحَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ على أنها لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ كَقَوْلِك إذَا فَعَلَتْ قَالَهُ في الْقَوَاطِعِ قال وَمَذْهَبُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إذَا قال لِامْرَأَتِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ على مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا إذَا فَعَلَتْ بِخِلَافِ كُلَّمَا فَإِنَّهَا لِلتَّكْرَارِ قال الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ لو قال مَتَى خَرَجْت أو مَتَى ما أو مَهْمَا كَكُلَّمَا في اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ وهو خِلَافُ قَضِيَّتِهِ في الْأُمِّ انْتَهَى وَحَكَى أبو الْبَقَاءِ عن ابْنِ جِنِّي أَنَّ مَهْمَا لِلتَّكْرَارِ بِخِلَافِ مَتَى
إلا
إلَّا لِلِاسْتِثْنَاءِ قال الْفَرَّاءُ وَيَأْتِي بِمَعْنَى سِوَى وَذَلِكَ في اسْتِثْنَاءٍ زَائِدٍ من نَاقِصٍ قال تَعَالَى خَالِدِينَ فيها ما دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إلَّا ما شَاءَ رَبُّك

يَعْنِي سِوَى ما شَاءَ رَبُّك من زِيَادَةِ الْمُضَاعَفَةِ لَا إلَى نِهَايَةٍ فَعَلَى هذا لو قال لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفَيْنِ فَقَدْ أَقَرَّ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ قال في الْقَوَاطِعِ وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ الْفُقَهَاءُ قُلْت لَكِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ يَكُونُ من عُمُومِ الْمَفْهُومِ فلما قال عَلَيَّ أَلْفٌ كَأَنَّهُ قال لَا غَيْرُهَا وَهَذَا عَامٌّ فَاسْتَثْنَى منه أَلْفَيْنِ وَتَجِيءُ بِمَعْنَى غير كَقَوْلِهِ تَعَالَى لو كان فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا وَجَعَلَ الْخَطَّابِيُّ منه قَوْلَنَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قال فَإِلَّا هُنَا بِمَعْنَى غير لَا بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إمَّا من جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى منه أو من غَيْرِ جِنْسِهِ وَمَنْ تَوَهَّمَ في صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدًا من الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ أَبْطَلَ قال عبد الْقَاهِرِ وَهَذَا تَوَهُّمٌ منه من غَيْرِ أَصْلٍ وَيَلْزَمُ عليه أَنْ لَا تَكُونَ إلَّا في قَوْله تَعَالَى فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلُهُ ضَلَّ من تَدْعُونَ إلَّا إيَّاهُ اسْتِثْنَاءٌ وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى غير وَلَا يَقُولهُ أَحَدٌ لِأَنَّ إلَّا إذَا كانت صِفَةً كان الِاسْمُ الْوَاقِعُ بَعْدَهَا إعْرَابَ الْمَوْصُوفِ بِهِ أو كان تَابِعًا له في الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ قال وَالِاسْمُ بَعْدَ إلَّا في الْآيَتَيْنِ مَنْصُوبٌ كما تَرَى وَلَيْسَ قبل إلَّا في وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَنْصُوبٌ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَوْصُوفٌ بِإِلَّا

ثم
ثُمَّ يَتَعَلَّقُ الْكَلَامُ فيها بِمَبَاحِثَ الْأَوَّلُ في التَّرْتِيبِ وهو يَقْتَضِي على الصَّحِيحِ وَنَقَلَ ابن أبي الدَّمِ عن ابْنِ عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ من أَصْحَابِنَا أنها كَالْوَاوِ في اقْتِضَاءِ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ وَقَفْت إنْشَاءٌ فَلَا يَدْخُلُ فيه التَّرْتِيبُ كَقَوْلِك بِعْتُك هذا ثُمَّ هذا وَهَذَا غَلَطٌ وَإِنَّمَا قال الْعَبَّادِيُّ ذلك إذَا قال وَقَفْت على أَوْلَادِي ثُمَّ على أَوْلَادِ أَوْلَادِي بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أنها لِلْجَمِيعِ وَوَجْهُهُ أَنَّ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عِنْدَهُ لِلْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ وَالْكَلَامُ بِآخِرِهِ فَالْجَمْعُ من هذه الْحَيْثِيَّةِ لَا من جِهَةِ ثُمَّ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ من النَّحْوِيِّينَ عن ابْنِ الدَّهَّانِ أَنَّ الْمُهْلَةَ وَالتَّرْتِيبَ في الْمُفْرَدَاتِ وَأَمَّا الْجُمَلُ فَلَا يَلْزَمُ ذلك فيها بَلْ قد يَدُلُّ على تَقْدِيمِ ما بَعْدَهَا على ما قَبْلَهَا قال وَالْأَصَحُّ الْمُحَافَظَةُ على مَعْنَاهَا أَيْنَمَا وَقَعَتْ وَتَأْوِيلُ ما خَالَفَ مَعْنَاهَا

وَنَقَلَ ابن الْخَبَّازِ عن شَيْخِهِ أَنَّ ثُمَّ إذَا دَخَلَتْ على الْجُمَلِ لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَكُّ رَقَبَةٍ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ كان من الَّذِينَ آمَنُوا فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَمَّا في الزَّمَانِ نَحْوُ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ من سُلَالَةٍ من طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ أو في الْمَرْتَبَةِ نَحْوُ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى أو لِلتَّرْتِيبِ في الْأَخْبَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ في يَوْمَيْنِ ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَالسَّمَاءُ مَخْلُوقَةٌ قبل الْأَرْضِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلك دَحَاهَا وقال الرَّاغِبُ تَقْتَضِي تَأَخُّرَ ما بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهُ إمَّا تَأَخُّرًا بِالذَّاتِ أو بِالْمَرْتَبَةِ أو بِالْوَضْعِ وَنَقَلَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ فَصْلًا عن الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بن بَرِّيٍّ في التَّرْتِيبِ بِ ثُمَّ ضَعَّفَ فيه الْقَوْلَ بِالتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ قال بَعْدَ أَنْ قَرَرْت أَنَّ ثُمَّ لِتَرْتِيبِ الثَّانِي على الْأَوَّلِ في الْوُجُودِ بِمُهْلَةٍ بَيْنَهُمَا في الزَّمَانِ أَنَّ ثُمَّ تَأْتِي أَيْضًا لِتَفَاوُتِ الرُّتْبَةِ ثُمَّ قال وَيَجِيءُ هذا الْمَعْنَى مَقْصُودًا بِالْفَاءِ الْعَاطِفَةِ نحو خُذْ الْأَفْضَلَ فَالْأَكْمَلَ وَاعْمَلْ الْأَحْسَنَ فَالْأَجْمَلَ وَنَحْوُ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ فَالْمُقَصِّرِينَ فَالْفَاءُ في الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ الْفَضْلِ من الْكَمَالِ وَالْحُسْنِ في الْحَالِ وفي الثَّانِي لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ الْمُحَلِّقِينَ من الْمُقَصِّرِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَلْقِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ وقَوْله تَعَالَى وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا تَحْتَمِلُ الْفَاءُ فيه الْمَعْنَيَيْنِ مَجَازًا فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ تَفَاوُتُ رُتْبَةِ الصَّفِّ من الزَّجْرِ وَرُتْبَةِ الزَّجْرِ من التِّلَاوَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بها تَفَاوُتُ رُتْبَةِ الْجِنْسِ الصَّافِّ من الْجِنْسِ الزَّاجِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَفِّهِمْ وَزَجْرِهِمْ وَرُتْبَةُ الْجِنْسِ الزَّاجِرِ من الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَى زَجْرِهِ وَتِلَاوَتِهِ ثُمَّ قال وَهَذَا أَوْلَى من قَوْلِ من يقول هِيَ لِتَرْتِيبِ الْجُمَلِ في الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْخَبَرِيَّةِ في الْوُجُودِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ في الْمَعْنَى لِبُعْدِ الْمُهْلَةِ فيه حَقِيقَةً وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِهِ بِقَوْلِ إنَّ من سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ الِابْنِ من أبيه أو لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ سِيَادَتِهِ من سِيَادَةِ

أبيه وَمَجَازُ اسْتِعْمَالِهَا لِتَفَاوُتِ أنها مَوْضُوعَةٌ لِلْمُهْلَةِ وَالتَّفَاوُتُ بِمُهْلَةٍ في الْمَعْنَى وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرَكًا وهو الِانْفِصَالُ قُلْت وَهَذَا طَرِيقٌ آخَرُ لِلتَّرْتِيبِ وهو التَّرْتِيبُ بِالرُّتَبِ أَعْنِي تَفَاوُتَ رُتَبِ الْفِعْلِ أو رُتَبِ الْفَاعِلِينَ ثُمَّ قال وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ في الْفَاءِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ من نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَالْفَاءُ في قَوْله تَعَالَى فَإِنْ فَاءُوا إنَّمَا دَخَلَتْ لِتُبَيِّنَ حُكْمَ الْمَوْلَى في زَمَنِ التَّرَبُّصِ بِجُمْلَتَيْ الشَّرْطِ بَعْدَهَا لَا لِتَعْقِيبِهَا زَمَنَ التَّرَبُّصِ وَهَكَذَا قال أبو حَنِيفَةَ قال وَلَا يُفْصَلُ بِ ثُمَّ وَالْفَاءُ في هذا الْمَعْنَى تَرْتِيبٌ وُجُودِيٌّ بَلْ تَفْصِيلٌ مَعْنَوِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَك اغْتَسَلَ فَأَفَاضَ الْمَاءَ على شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ على شِقِّهِ الْأَيْسَرِ ليس الْقَصْدُ بِهِ إلَّا الْبَيَانَ لَا التَّرْتِيبَ فَلَوْ قَدَّمْتَ أو أَخَّرْتَ جَازَ وَكَذَا لو أَتَيْتَ بِالْفَاءِ مَوْضِعَ ثُمَّ فَإِنْ كان الْمَوْضِعُ يَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ جَازَ أَنْ يُقْصَدَ التَّرْتِيبُ وَجَازَ أَنْ يُقْصَدَ التَّفْصِيلُ نَحْوُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ فَإِنْ أَرَدْتَ التَّرْتِيبَ لَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَإِنْ أَرَدْتَ التَّفْصِيلَ جَازَ وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ ثُمَّ وَالْفَاءُ لِلتَّفْصِيلِ حَمْلًا على أو في نَحْوِ قَوْلِك الْجِسْمُ إمَّا سَاكِنٌ أو مُتَحَرِّكٌ الْإِنْسَانُ ذَكَرٌ أو أُنْثَى قال الشَّيْخُ وما حَكَيْنَاهُ عن ابْنِ بَرِّيٍّ من أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُبْهَمَ لَا يُوجِبُ التَّرْتِيبَ قد وَافَقَهُ عليه بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَبْحَثُ الثَّانِي في اقْتِضَائِهَا التَّرَاخِيَ وَكَمَا يُوجِبُ التَّرْتِيبَ يُوجِبُ تَرَاخِيَ الثَّانِي عن الْأَوَّلِ وَالْمُهْلَةَ بَيْنَهُمَا وَعَدَمَ الْفَوْرِيَّةِ وَالْمُهْلَةِ وَاحْتَجَّ عليه ابن الْخَشَّابِ بِامْتِنَاعِ وُقُوعِ ما بَعْدَهَا جَوَابًا لِلشَّرْطِ كما جَازَ ذلك في الْفَاءِ فَلَا تَقُولُ إنْ تَقُمْ ثُمَّ أنا أَقُومُ كما قُلْت إنْ تَقُمْ فَأَنَا أَقُومُ وقال ابن يَعِيشَ وَلَمَّا تَرَاخَى لَفْظُهَا بِكَثْرَةِ حُرُوفِهَا تَرَاخَى مَعْنَاهَا لِأَنَّ قُوَّةَ اللَّفْظِ مُؤْذِنَةٌ بِقُوَّةِ الْمَعْنَى قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ تَرَاخِيَ مَعْنَاهَا يَقَعُ كَتَرَاخِي لَفْظِهَا وهو مَعْلُولٌ له قال وهو عَكْسُ ما وَجَدْتُهُ عن أبي الْحَسَنِ بن عُصْفُورٍ فإنه لَمَّا تَعَرَّضَ لِبَيَانِ قَوْلِ أبي عَلِيٍّ إنَّ ثُمَّ مِثْلُ الْفَاءِ إلَّا أَنَّ فيها مُهْلَةً قال فَإِنَّمَا يَعْنِي أنها مِثْلُهَا في التَّرْتِيبِ إلَّا أَنَّهُ تَرْتِيبٌ فيه مُهْلَةٌ وَتَرَاخٍ وَكَأَنَّهُ لَمَّا اخْتَصَّتْ بِمَعْنًى يَزِيدُ على مَعْنَى الْفَاءِ خُصَّ لَفْظُهَا بِلَفْظٍ أَزْيَدَ من لَفْظِ الْفَاءِ وَكَانَتْ على أَكْثَرَ من حَرْفٍ وَالْفَاءُ على حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ زِيَادَةُ اللَّفْظِ تَبَعًا لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى وَيَكُونُ اللَّفْظُ مُوَافِقًا لِمَا

ذُكِرَ عن ابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ أَنَّ الْوَاوَ وَهِيَ الْأَصْلُ في هذه الثَّلَاثَةِ الْوَاوُ وَالْمِيمُ مُتَقَارِبَانِ في الْمَخْرَجِ إذْ الْفَاءُ من بَاطِنِ الشَّفَةِ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ من نَفْسِ الشَّفَةِ فَلِذَلِكَ جُعِلَتْ هذه الْحُرُوفُ الثَّلَاثَةُ تَجْمَعُ ما بين الشَّيْئَيْنِ في اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَخُصَّتْ بِالِاسْتِعْمَالِ دُونَ غَيْرِهَا وَلَمَّا اخْتَصَّتْ ثُمَّ بِمَعْنًى زَائِدٍ على الْفَاءِ اخْتَصَّتْ بِالثَّاءِ الْمُقَارِبَةِ لِمَخْرَجِ الْفَاءِ لِتَدُلَّ على مَعْنًى ثَالِثٍ ثُمَّ لَا خِلَافَ في اقْتِضَائِهَا التَّرَاخِيَ وَكَلَامُ ابْنِ الْخَشَّابِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْمُفْرَدَاتِ وَأَنَّهُ في عَطْفِ الْجُمَلِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ كما سَبَقَ مِثْلُهُ في التَّرْتِيبِ قال وقد يَتَجَرَّدُ عن التَّرَاخِي إذَا كُرِّرَتْ على التَّعْظِيمِ وَالتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وما أَدْرَاك ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْرَاك ما يَوْمُ الدِّينِ وَالْمَعْطُوفُ هُنَا هو لَفْظُ الْمَعْطُوفِ عليه وَكَقَوْلِهِ كَلًّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلًّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ وَالْمَعْطُوفَاتُ كُلُّهَا جُمَلٌ فيها مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا فقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ التَّرَاخِي ظَاهِرٌ فيه لِأَنَّهُ لَا بُدَّ من تَأَخُّرِ الْعَوْدِ عن الظِّهَارِ بِفَصْلٍ وهو زَمَنُ إمْكَانِ الطَّلَاقِ وقد اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ في أَثَرِ التَّرَاخِي فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ هو رَاجِعٌ إلَى التَّكَلُّمِ بِمَعْنَى الِانْقِطَاعِ الْمُطْلَقِ بِمَنْزِلَةِ ما لو سَكَتَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلًا بَعْدَ الْأَوَّلِ وقال صَاحِبَاهُ رَاجِعٌ إلَى الْحُكْمِ مع الْوَصْلِ في الْمُتَكَلِّمِ لِمُرَاعَاةِ مَعْنَى الْعَطْفِ فيه لِأَنَّ الْكَلَامَ مُنْفَصِلٌ حَقِيقَةً أو حِسًّا فَيَكُونُ في الْحُكْمِ كَذَلِكَ فإذا قال لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بها أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لَمَّا كان في الْحُكْمِ مُنْقَطِعًا وَقَعَ وَاحِدَةٌ في الْحَالِ وَيُلْغَى الْبَاقِي لِعَدَمِ الْمَحَلِّ كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ وَلَوْ كان كَذَلِكَ لم يَتَعَلَّقْ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فَكَذَا هُنَا وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كان الْمُتَكَلِّمُ مُتَّصِلًا حُكْمًا تَعَلَّقَتْ جميعا بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عَمَلًا بِالتَّرَاخِي الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ إذَا ثَبَتَ أنها لِلتَّرَاخِي فَلَا دَلِيلَ على مِقْدَارِهِ من جِهَةِ اللَّفْظِ قَالَهُ ابن السَّمْعَانِيِّ وَقَالَهُ غَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالتَّرَاخِي الزَّمَانِيُّ فإنه حَقِيقَةٌ فيه فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ في تَرَاخِي الرُّتْبَةِ أو في تَرَاخِي الْأَخْبَارِ كان مَجَازًا وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا حَقِيقَةٌ في أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بين هذه الْأَنْوَاعِ أَعْنِي التَّرَاخِيَ في الزَّمَانِ وَالرُّتْبَةِ وَالْأَخْبَارِ

الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ أَنَّ التَّرَاخِيَ قد يَتَزَايَدُ في عَطْفِ الْجُمَلِ بَعْضِهَا على بَعْضٍ فإذا قُلْت جاء زَيْدٌ ثُمَّ جاء عَمْرٌو كان أَدَلَّ على التَّرَاخِي من قام زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو فَإِنْ تَغَايَرَ الْفِعْلَانِ فَقُلْت قام زَيْدٌ ثُمَّ انْطَلَقَ كان كَالثَّانِي وقد قال تَعَالَى كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ فَعَطَفَ أَوَّلًا بِالْفَاءِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا نُطَفًا فَجَعَلَ فِيهِمْ حَيَاةً عَقِبَ حَالَةِ كَوْنِهِمْ أَمْوَاتًا ثُمَّ تَرَاخَى حَالَةَ إمَاتَتِهِمْ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِمْ وَآجَالِهِمْ الْمَقْسُومَةِ فَعَطَفَ الْإِمَاتَةَ ثُمَّ تَرَاخَى الْإِحْيَاءُ الْمُتَعَقِّبُ عن الْإِمَاتَةِ بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ في الْبَرْزَخِ فَعَطَفَ يُحْيِيكُمْ بِ ثُمَّ ثُمَّ تَرَاخَى الْإِحْيَاءُ لِلْبَعْثِ عن الْإِمَاتَةِ بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ في الْبَرْزَخِ فَعَطَفَ عليهم بِ ثُمَّ ثُمَّ إلَيْهِ الرُّجُوعُ بَعْدَ هذا كُلِّهِ قِيلَ وَيَجِيءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ ثُمَّ اسْتَوَى على الْعَرْشِ ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ قالوا هِيَ فيها بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ صِفَةُ ذَاتٍ وَهِيَ قَدِيمَةٌ وَالتَّعْقِيبُ بِالتَّرَاخِي لَا يُوصَفُ بِهِ الْقَدِيمُ وَأَمَّا من ذَهَبَ إلَى أنها صِفَةُ فِعْلٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وقد تَأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِوَاءِ هُنَا الِاسْتِعَارَةُ فإنه تَعَالَى فَرَغَ من إكْمَالِ الْخَلِيقَةِ وَأَمَرَ وَنَهَى وَكَلَّفَ ثُمَّ اسْتَوَى على الْعَرْشِ وَالْمُرَادُ الْإِشَارَةُ إلَى ما قُلْنَاهُ من إكْمَالِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ هذا الْمَعْنَى فَيَصِحُّ فيه التَّعْقِيبُ

إنما
إنَّمَا وَالْكَلَامُ فيها في مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ هل هِيَ تُفِيدُ الْحَصْرَ أو لَا قَوْلَانِ وإذا قُلْنَا تُفِيدُهُ فَهَلْ هو بِالْمَنْطُوقِ يَعْنِي أنها وُضِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ مَعًا أَيْ لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ ما عَدَاهُ أو لِلْإِثْبَاتِ خَاصَّةً وَلِلنَّفْيِ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ قَوْلَانِ وَبِالْأَوَّلِ قال الْقَاضِي أبو حَامِدٍ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في التَّبْصِرَةِ قال مع نَفْيِهِ الْقَوْلَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ في أَقْضِيَةِ الْحَاوِي نَقَلَ عن أبي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ حُكْمَ ما عَدَا الْإِثْبَاتَ مَوْقُوفٌ على الدَّلِيلِ من الِاحْتِمَالِ وَبِالثَّانِي قال الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَذَكَرَاهُ في بَحْثِ الْمَفَاهِيمِ وقال سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ إنَّهُ الصَّحِيحُ وقال ابن الْخُوبِيِّ هذا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ على أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ من النَّفْيِ إثْبَاتٌ أَمْ

لَا فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إثْبَاتٌ فَالْحَصْرُ ثَابِتٌ بِالْمَنْطُوقِ وَإِلَّا فَهُوَ من طَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي جَرَيَانَ هذا الْخِلَافِ في ما وإلا وهو بَعِيدٌ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا لَا تُفِيدُهُ أَصْلًا هو رَأْيُ الْآمِدِيَّ وَإِنَّمَا يُفِيدُ تَأْكِيدَ الْإِثْبَاتِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ حَيْثُ قال فَأَمَّا ما ليس له مَعْنًى فما الْكَافَّةُ تَعْمَلُ ما يَعْمَلُ دُونَهَا تَقُولُ إنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ وَإِنَّمَا زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ وَحَكَاهُ ابن الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيُّ في النُّكَتِ عن أبي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَابْنِهِ أبي هَاشِمٍ قال وهو يُحْكَى عن أَهْلِ اللُّغَةِ وَنَصَرَهُ ابن بَرْهَانٍ النَّحْوِيُّ في شَرْحِ اللُّمَعِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ وَاشْتَدَّ نَكِيرُهُ على من خَالَفَهُ وَنَقَلَهُ عن الْبَصْرِيِّينَ وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ عن الْقَاضِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ في الْحَصْرِ وَيَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ ثُمَّ قال وهو الْمُخْتَارُ وَوَافَقَهُ إلْكِيَا وَاَلَّذِي في التَّقْرِيبِ لِلْقَاضِي أنها مُحْتَمِلَةٌ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ وَمُحْتَمِلَةٌ لِلْحَصْرِ وَزَعَمَ أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتْهَا لِكُلٍّ من الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ قال وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا ظَاهِرَةٌ في الْحَصْرِ وَأَنْكَرَ ابن الْحَاجِّ في تَعْلِيقِهِ على الْمُسْتَصْفَى وَالْعَبْدَرِيُّ في شَرْحِهِ إفَادَتَهَا الْحَصْرَ وَقَالَا إنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ في اللُّغَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الِاقْتِصَارُ على الشَّيْءِ قال ابن السَّيِّدِ قال نُحَاةُ الْبَصْرَةِ مَعْنَاهَا الِاقْتِصَارُ كَقَوْلِك إنَّمَا زَيْدٌ شُجَاعٌ لِمَنْ ادَّعَى له غير ذلك من الصِّفَاتِ وَالتَّحْقِيرُ كَقَوْلِك إنَّمَا وَهَبَتْ دِرْهَمًا لِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ وَهَبَ أَكْثَرَ من ذلك وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى الِاقْتِصَارِ وقد يُسْتَعْمَلُ في رَدِّ النَّفْيِ إلَى حَقِيقَتِهِ إذَا وُصِفَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وهو رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ قَالَا فَإِنْ أَرَادَ الْقَاضِي بِالْحَصْرِ الِاقْتِصَارَ فَقَدْ أَصَابَ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ وَتَابَعَهُمَا الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ في إنْكَارِ إفَادَتِهَا الْحَصْرَ وقال إنَّهُ مَعْرُوفٌ في اللُّغَةِ وهو عَجِيبٌ فَقَدْ حَكَاهُ ابن السَّيِّدِ في الِاقْتِضَابِ عن الْكُوفِيِّينَ فقال وَذَكَر الْكُوفِيُّونَ أنها تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى النَّفْيِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ وَإِنَّمَا يُدَافِعُ عن أَحْسَابِهِمْ أنا أو مِثْلِي وَمَعْنَاهُ ما يُدَافِعُ إلَّا أنا أو مِثْلِي هذا كَلَامُهُ وفي الزَّاهِرِ لِلْأَزْهَرِيِّ عن أَهْلِ اللُّغَةِ أنها تَقْتَضِي إيجَابَ شَيْءٍ وَنَفْيَ غَيْرِهِ وقال صَاحِبُ الْبُرْهَانِ قال أبو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ في قَوْله تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ أَنْ تَكُونَ ما هِيَ التي تَمْنَعُ إنَّ من الْعَمَلِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا الْمَيْتَةَ لِأَنَّ إنَّمَا تَأْتِي لِإِثْبَاتِ ما بَعْدَهَا وَنَفْيِ ما

عَدَاهُ وقال أبو عَلِيٍّ في الشِّيرَازِيَّاتِ يقول نَاسٌ من النَّحْوِيِّينَ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ الْمَعْنَى ما حَرَّمَ إلَّا الْفَوَاحِشَ قال وَأُجِيبَ ما يَدُلُّ على صِحَّةِ الْقَوْلِ في ذلك وهو قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ وَإِنَّمَا يُدَافِعُ عن أَحْسَابِهِمْ أنا أو مِثْلِي وَعَزَاهُ ابن السَّيِّدِ لِلْكُوفِيِّينَ ولم يَعْنُوا بِذَلِكَ أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمُتَرَادِفِينَ فإنه يَمْتَنِعُ إيقَاعُ كُلٍّ منها مَوْضِعَ الْآخَرِ على الْإِطْلَاقِ انْتَهَى وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا لِلْحَصْرِ الرُّمَّانِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى إنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ فقال إنَّمَا تُفِيدُ تَخْصِيصَ الْمَذْكُورِ بِالصِّفَةِ دُونَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ إنَّ كَقَوْلِك إنَّ الْأَنْبِيَاءَ في الْجَنَّةِ فَلَا تَمْنَعُ هذه الصِّيغَةُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ فيها كما مَنَعَ إنَّمَا هُمْ في الْجَنَّةِ انْتَهَى وَكَذَا قال الزَّمَخْشَرِيُّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَكَذَا ابن عَطِيَّةَ في غَيْرِ مَوْضِعٍ وقال ابن فَارِسٍ سَمِعَتْ عَلِيَّ بن إبْرَاهِيمَ الْقَطَّانَ يقول سَمِعْت ثَعْلَبًا يقول سَمِعْت سَلَمَةَ يقول سَمِعَتْ الْفَرَّاءَ يقول إذَا قُلْت إنَّمَا قُمْت فَقَدْ نَفَيْت عن نَفْسِك كُلَّ فِعْلٍ إلَّا الْقِيَامَ وإذا قُلْت إنَّمَا قام أنا فَقَدْ نَفَيْت الْقِيَامَ عن كل أَحَدٍ وَأَثْبَتَّهُ لِنَفْسِك قال الْفَرَّاءُ وَلَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ إلَّا رَدًّا على أَمْرٍ وَلَا يَكُونُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ قال ابن فَارِسٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْفَرَّاءُ صَحِيحٌ وَحُجَّتُهُ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ لِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ أو مُقَدَّرٍ وَإِلَّا لَوَرَدَ عليه إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَنَحْوُهُ من أَحْسَنِ ما يُسْتَدَلُّ بِهِ أنها لِلْحَصْرِ قَوْله تَعَالَى إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ من الْمُتَّقِينَ لِأَنَّهُ لم يَتَقَبَّلْ من أَخِيهِ فَلَوْ كان يَتَقَبَّلُ من غَيْرِ الْمُتَّقِينَ لم يَجُزْ الرَّدُّ على الْأَخِ بِذَلِكَ وَلَوْ كان الْمَانِعُ من عَدَمِ الْقَبُولِ فَوَاتَ مَعْنًى في الْمُتَقَرَّبِ بِهِ لَا في الْفَاعِلِ لم يَحْسُنْ ذلك فَكَأَنَّهُ قال اسْتَوَيْنَا في الْفِعْلِ وَانْحَصَرَ الْقَبُولُ في بِعِلَّةِ

التَّقْوَى وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغُ فَإِنَّهَا لو لم تَكُنْ لِلْحَصْرِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك فَإِنْ تَوَلَّوْا فَعَلَيْك الْبَلَاغُ وهو عليه الْبَلَاغُ تَوَلَّوْا أَمْ لَا وَإِنَّمَا الذي رَتَّبَ على تَوَلِّيهمْ نَفْيَ غَيْرِ الْبَلَاغِ لِيَكُونَ تَسْلِيَةً له أَنَّ تَوَلِّيَهُمْ لَا يَضُرُّهُ وَهَكَذَا أَمْثَالُ هذه الْآيَةِ مِمَّا يَقْطَعُ النَّاظِرُ بِفَهْمِ الْحَصْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ إنَّمَا أنت مُنْذِرٌ إنَّمَا أنت نَذِيرٌ إنَّمَا تَعْبُدُونَ من دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا إنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ إنَّمَا السَّبِيلُ على الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ إنَّمَا يَسْتَأْذِنُك الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ إنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ إنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وقَوْله تَعَالَى إنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ قُلْ إنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إنْ شَاءَ قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فإنه إنَّمَا يَحْصُلُ بها مُطَابَقَةُ الْجَوَابِ إذَا كانت إنَّمَا لِلْحَصْرِ لِيَكُونَ مَعْنَاهَا لَا آتِيكُمْ إنَّمَا يَأْتِي بِهِ اللَّهُ وَلَا أَعْلَمُهَا إنَّمَا يَعْلَمُهَا اللَّهُ وَقَوْلُهُ وَلَمَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عليهم من سَبِيلٍ إنَّمَا السَّبِيلُ على الَّذِينَ يَظْلِمُونَ الناس قال ابن فَارِسٍ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ مَجِيئَهَا لِلتَّحْقِيرِ تَقُولُ إنَّمَا أنا بَشَرٌ مُحَقِّرًا لِنَفْسِك وَرَدَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ وَحَكَى ابن بَابْشَاذَ عن بَعْضِ النُّحَاةِ أنها تَجِيءُ لِلتَّعْلِيلِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ إنَّمَا سِرْت حتى أَدْخُلَهَا أَنَّك إذَا بَيَّتَّ السَّيْرَ وَقِيلَ تَجِيءُ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ إنَّمَا الرَّجُلُ زَيْدٌ قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وَالْأَقْرَبُ أنها فيه لِلْحَصْرِ الْمَجَازِيِّ أو بِجَعْلِ الْمَجَازِ في الْأَلْفِ وَاللَّامِ التي في الرَّجُلِ بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ لِلْكَمَالِ وَيَحْصُرَ الْكَمَالَ فيه الثَّانِي من الْمَوَاضِعِ في سَبَبِ إفَادَتِهَا الْحَصْرَ وَيُعْرَفُ من أنها مُفْرَدَةٌ أو مَرْكَبَةٌ وَفِيهِ طُرُقٌ أَحَدُهَا أنها لَفْظَةٌ مُفْرَدَةٌ وُضِعَتْ لِلْحَصْرِ ابْتِدَاءً من غَيْرِ اعْتِبَارِ تَرْكِيبٍ وَمِنْ غَيْرِ وَضْعِهَا لِمَعْنًى ثُمَّ نَقْلُهَا لِمَعْنَى الْحَصْرِ وَدَلِيلُهُ أنها لِلْحَصْرِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّرْكِيبِ

وَالنَّقْلِ وَكَوْنُهَا على صُورَةٍ إنَّ مع ما لَا يَسْتَدْعِي التَّرْكِيبَ مِنْهُمَا بَلْ الْمَجْمُوعُ حَرْفٌ وَاحِدٌ كما أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ من لَفْظِ إنْسَانٍ على صُورَةِ حَرْفِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ مَرْكَبًا منه الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيَّ أَنَّ إنَّ لِلْإِثْبَاتِ وما لِلنَّفْيِ فإذا جُمِعَا فَقِيلَ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَعْنَاهُ بَعْدَ التَّرْكِيبِ على ما كان عليه وَلَيْسَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ مُتَوَجِّهَيْنِ إلَى الْمَذْكُورِ وَلَا إلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِ لِلتَّنَاقُضِ بَلْ أَحَدُهُمَا لِلْمَذْكُورِ وَالْآخَرُ لِغَيْرِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ إنَّ لِإِثْبَاتِ ما عَدَا الْمَذْكُورَ وما لِنَفْيِ الْمَذْكُورِ وِفَاقًا فَتَعَيَّنَ عَكْسُهُ وهو مَعْنَى الْقَصْرِ وَرُدَّ بِأَنَّ حُكْمَ الْإِفْرَادِ غَيْرُ حُكْمِ التَّرْكِيبِ وَلَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُمَا كَلِمَتَيْنِ بَلْ كَلِمَةً وَاحِدَة وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّرْكِيبِ وَالنَّقْلِ وَأَيْضًا حُكْمُ غَيْرِهِ لم يُذْكَرْ فَكَيْفَ يُنْفَى حُكْمُهُ هذا على تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ وَهُمَا أَنْ إنَّ لِلْإِثْبَاتِ وما لِلنَّفْيِ لَكِنَّهُمَا مَمْنُوعَتَانِ بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ أَمَّا إنَّ فَلَيْسَتْ لِلْإِثْبَاتِ وَلَا ما لِلنَّفْيِ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِهَا مع كُلٍّ مِنْهُمَا تَقُولُ إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ وَإِنَّ زَيْدًا لَا يَقُومُ فَلَوْ كانت لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لم تُسْتَعْمَلْ مَعَهُمَا وَأَمَّا ما فَلَيْسَتْ لِلنَّفْيِ وَإِنَّمَا هِيَ كَافَّةٌ وَأُجِيبَ عن ذلك بِأَنَّ الْكُفْرَ حُكْمٌ لَفْظِيٌّ لَا يُنَافِي أَنْ يُقَارِنَهُ حُكْمٌ مَعْنَوِيٌّ وَاسْتَدَلَّ السَّكَّاكِيُّ على أنها لَيْسَتْ بِنَافِيَةٍ بِأَنَّ النَّافِيَةَ لها صَدْرُ الْكَلَامِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ حَرْفَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِلَا فَاصِلٍ وَبِأَنَّهُ لو كانت النَّافِيَةَ لَجَازَ نَصْبُ قَائِمٍ في إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ لِأَنَّ الْحَرْفَ وَإِنْ زِيدَ يَعْمَلُ وَلَكَانَ مَعْنَى إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ تَحَقُّقَ عَدَمِ قِيَامِ زَيْدٍ لِأَنَّ ما يَلِي النَّفْيَ مَنْفِيٌّ وَالتَّوَالِي الْأَرْبَعَةُ بَاطِلَةٌ وَانْتَصَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِلْإِمَامِ وقال مُرَادُهُ أَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا هَكَذَا لِلْحَصْرِ كَسَائِرِ الْكَلِمَاتِ الْمُرَكَّبَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِمَعْنًى لَا أَنَّ لَفْظَةَ إنَّ وَلَفْظَةَ ما رُكِّبَتَا وَبَقِيَتَا على أَصْلِهِمَا حتى لَا يَرِدَ عليه الِاعْتِرَاضَاتُ وما ذَكَره الْإِمَامُ بَيَانُ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّقْلُ الذي هو خِلَافُ الْأَصْلِ لَكِنْ يَرِدُ عليه في بَيَانِ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ قَوْلَك ما لِنَفْيِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ كَنَفْيِ غَيْرِ قِيَامِ زَيْدٍ في قَوْلِك إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِنَفْيِ قِيَامِ غَيْرِ زَيْدٍ وقال الشَّيْخُ أبو حَيَّانَ كَوْنُ ما هُنَا لِلنَّفْيِ قَوْلُ من لم يَشْتَمَّ رَائِحَةَ النَّحْوِ قُلْت قد حَكَاهُ في الْمَحْصُولِ عن الْفَارِسِيِّ في الشِّيرَازِيَّاتِ أَنَّهُ حَكَاهُ عن النَّحْوِيِّينَ قال وَقَوْلُهُمْ حُجَّةٌ لَكِنْ قال الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ في الْمُغْنِي لم يَقُلْ ذلك الْفَارِسِيُّ في الشِّيرَازِيَّاتِ وَلَا قَالَهُ نَحْوِيٌّ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا الذي في الشِّيرَازِيَّاتِ أَنَّ الْعَرَبَ عَامَلُوا إنَّمَا مُعَامَلَةَ النَّفْيِ وَإِلَّا في فَصْلِ الضَّمِيرِ

قُلْت سَبَقَ من كَلَامِهِ ما يَدُلُّ على أَنَّهُ أَرَادَ إشْرَابَهَا مَعْنَى النَّفْيِ أَيْضًا وقال ابن بَرْهَانٍ من أَئِمَّةِ النَّحْوِيِّينَ في شَرْحِ اللُّمَعِ ما نَصُّهُ تَأَوَّلَ قَوْمٌ إنَّمَا على مَعْنَى ما وَإِلَّا وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ وَإِنَّمَا يُدَافِعُ عن أَحْسَابِهِمْ أنا أو مِثْلِي وَهَذَا قَوْلٌ ذَكَرَهُ أبو عَلِيٍّ عن بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ في قَوْله تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ منها أَيْ ما حَرَّمَ إلَّا الْفَوَاحِشَ وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَتَبَيَّنُ صِحَّتَهُ عِنْدَنَا وقد قال تَعَالَى إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ أَنَّهُ لم يَخْرُجْ عن الْحَصْرِ لَكِنَّهُ مَجَازِيٌّ الثَّالِثَةُ إنَّ لِلتَّأْكِيدِ وما حَرْفٌ زَائِدٌ لِلتَّأْكِيدِ وَلَا فَائِدَةَ لَهُمَا مُجْتَمَعَيْنِ إلَّا الْحَصْرَ لِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ ثَانٍ وَهَذَا حَكَاهُ السَّكَّاكِيُّ عن عَلِيِّ بن عِيسَى وَاسْتَلْطَفَهُ وَحَكَاهُ ابن بَابْشَاذَ في شَرْحِ الْجُمَلِ عن الْمُحَقِّقِينَ من أَصْحَابِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ النَّفْيَ عن غَيْرِهِ ليس تَأْكِيدًا لِثُبُوتِهِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ وَيَرُدُّهُ اجْتِمَاعُ إنَّ وما النَّافِيَتَيْنِ وَلَا يُفِيدُ إلَّا النَّفْيَ وَكَذَلِكَ يَجْتَمِعُ الْمُؤَكِّدَانِ وَلَا يُفِيدُ إلَّا التَّأْكِيدَ وَأَوْلَى لِأَنَّ النَّفْيَ قد يُنْفَى وَأَيْضًا فَإِنَّك تَقُولُ قام الْقَوْمُ كلهم أَجْمَعُونَ وَلَيْسَ بِحَصْرٍ وَنَقُولُ وَاَللَّهِ إنَّ زَيْدًا لَيَقُومَنَّ فَقَدْ حَصَلَ التَّأْكِيدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ولم يَقُلْ أَحَدٌ بِاقْتِضَائِهِ الْحَصْرَ قال الْقَاضِي الْعَضُدُ وهو الذي قَالَهُ الرَّبَعِيُّ من بَابِ إيهَامِ الْعَكْسِ فإنه لَمَّا رَأَى أَنَّ الْقَصْرَ تَأْكِيدٌ على تَأْكِيدٍ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ ما كان تَأْكِيدًا على تَأْكِيدٍ كان حَصْرًا وَأَيْضًا يَلْزَمُ تَخْصِيصُ كَوْنِهِ لِلْحَصْرِ بِمَا وَقَعَ في جَوَابِ الرَّدِّ لَكِنَّهُ لِلْحَصْرِ في جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ في الْمَعَالِمِ وَاعْتَمَدَهُ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ أَهْلَ اللِّسَانِ فَهِمُوا ذلك فإن ابْنَ عَبَّاسٍ فَهِمَ الْحَصْرَ من قَوْلِهِ عليه السَّلَامُ إنَّمَا الرِّبَا في النَّسِيئَةِ وَخَالَفَهُ الصَّحَابَةُ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ ولم يُخَالِفْ في فَهْمِهِ الْحَصْرَ فَكَانَ إجْمَاعًا انْتَهَى وهو حَسَنٌ إلَّا أَنَّ فيه نَظَرًا من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قد ثَبَتَ في الصَّحِيحِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةُ لَا رِبَا إلَّا في النَّسِيئَةِ فَلَعَلَّهُ فَهِمَ الْحَصْرَ من هذه الصِّيغَةِ لَا من إنَّمَا وَلَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمَتْهُ من

قَوْلِهِ إنَّمَا الْمَاءُ من الْمَاءِ لَكَانَ أَقْرَبَ ثَانِيهمَا أَنَّ الْمُخَالِفَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ أَوْجُهِ الِاعْتِرَاضِ بَلْ قد يَكْتَفِي بِأَحَدِهَا إذَا كان قَوِيًّا ظَاهِرًا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ من اسْتِنَادِهِمْ إلَى الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ وَاقْتِصَارِهِمْ عليه تَسْلِيمُ كَوْنِهَا لِلْحَصْرِ الْخَامِسَةُ اخْتِيَارُ السَّكَّاكِيِّ وهو أَقْرَبُهَا أَنَّا وَجَدْنَا الْعَرَبَ عَامَلَتْهَا في الْكَلَامِ مُعَامَلَةَ إلَّا الْمَسْبُوقَةِ بِالنَّفْيِ وَهِيَ مُفِيدَةٌ لِلْحَصْرِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ قُمْت ولم يَقُمْ زَيْدٌ وَلَا يَقُولُونَ قام أنا ولم يَقُمْ زَيْدٌ فإذا أَدْخَلُوهَا قالوا إنَّمَا قام أنا ولم يَقُمْ زَيْدٌ كما يَقُولُونَ ما قام إلَّا أنا فَأَجْرَوْا الضَّمِيرَ مع إنَّمَا مَجْرَى الْمُضْمَرِ مع إلَّا وَتِلْكَ تُفِيدُ الْحَصْرَ كَقَوْلِهِ ما قَطَرَ الْفَارِسَ إلَّا أنا الثَّالِثُ الْقَائِلُونَ بِالْحَصْرِ قال مُحَقِّقُوهُمْ هِيَ حَاصِرَةٌ أَبَدًا لَكِنْ يَخْتَلِفُ حَصْرُهَا فَقَدْ يَكُونُ حَقِيقِيًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ وقد يَكُونُ مَجَازِيًّا على الْمُبَالَغَةِ نَحْوُ إنَّمَا الشُّجَاعُ عَنْتَرَةُ وَحَمَلَ عليه ابن عَطِيَّةَ قَوْلَهُ إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ وَقَوْلَهُ إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ مَحْمُولٌ على مَعْنَى التَّوَاضُعِ وَالْإِخْبَاتِ أَيْ ما أنا إلَّا عَبْدٌ مُتَوَاضِعٌ وَمِنْهُمْ من يقول تَارَةً يَكُونُ مُطْلَقًا نَحْوُ إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ وَتَارَةً يَكُونُ مَخْصُوصًا بِقَرِينَةٍ نَحْوُ إنَّمَا أنت مُنْذِرٌ فإنه لَا يَنْحَصِرُ في النِّذَارَةِ إنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً في ذلك لِأَنَّهَا مَزْرَعَةٌ لِلْآخِرَةِ وَإِنَّمَا الْحَصْرُ بِالنِّسْبَةِ فَقَوْلُهُ إنَّمَا أنت مُنْذِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى خِطَابِ الْكُفَّارِ لِنَفْيِ كَوْنِهِ قَادِرًا على إنْزَالِ ما اقْتَرَحُوهُ من الْآيَاتِ كَقَوْلِهِ ما على الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ وَقَوْلُهُ إنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ آثَرَهَا ولم يَعْمَلْ فيها لِلْآخِرَةِ وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ كَلِمَةُ إنَّمَا لِلْحَصْرِ وَالْحَصْرُ فيها على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا دَخَلَتْ عليه تَخْصِيصٌ وَلَا تَقْيِيدٌ إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ إنَّمَا إلَهُكُمْ اللَّهُ إنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالثَّانِي أَنْ يَقَعَ فِيمَا دَخَلَتْ عليه إمَّا في جَانِبِ الْإِثْبَاتِ بِأَنْ يَكُونَ هو الْمَقْصُودَ

أو في جَانِبِ النَّفْيِ بِأَنْ يَكُونَ هو الْمَقْصُودَ وَالْقَرَائِنُ تَرْشُدُ إلَى الْمُرَادِ وهو في الْعُمَدِ الْكُبْرَى في فَهْمِهِ نَحْوُ إنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ إنَّمَا أنت مُنْذِرٌ فإن جَمِيعَ هذه الْأَوْصَافِ التي دَخَلَتْ عليها إنَّمَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ بَلْ تَخْتَصُّ كَوْنَهَا لَعِبًا وَلَهْوًا بِمَنْ لَا يُرِيدُ بِعَمَلِهِ فيها الْآخِرَةَ وَالتَّزَوُّدَ بها وَالرَّسُولُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَنْحَصِرُ في الْبَشَرِيَّةِ وَالنِّذَارَةِ بَلْ له أَوْصَافٌ أُخْرَى جَلِيلَةٌ زَائِدَةٌ على الْبَشَرِيَّةِ وَالنِّذَارَةِ لَكِنْ فُهِمَ منه أَنَّهُ ليس على صِفَةٍ تَقْتَضِي الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ أو أنها في قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وفي إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ في الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُفْهَمُ من أَنَّهُ ليس قَادِرًا على خَلْقِ الْإِيمَانِ قَهْرًا لِسَبْقِ قَوْله تَعَالَى وَقَالُوا قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إلَيْهِ وفي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِك حِجَابٌ فَاعْمَلْ إنَّنَا عَامِلُونَ قُلْ إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَيْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَقْدِرُ على إجْبَارِكُمْ على الْإِيمَانِ وَكَذَلِكَ أَمْرُ النِّذَارَةِ لَا يَنْحَصِرُ فيها إنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا إذَا عَرَفَتْ هذا فَإِنْ دَلَّتْ الْقَرَائِنُ وَالسِّيَاقُ على التَّخْصِيصِ فَاحْمِلْهُ على الْعُمُومِ فِيمَا دَخَلَتْ عليه إنَّمَا على هذا حَمَلَ ابن عَبَّاسٍ إنَّمَا الرِّبَا على الْعُمُومِ حتى نَفَى رِبَا الْفَضْلِ وَقِيلَ إنَّهُ رَجَعَ عنه وَحَمَلَ غَيْرُهُ إنَّمَا الْمَاءُ من الْمَاءِ على ذلك ولم يُوجِبْ الْغُسْلَ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَمَنْ خَالَفَ في الْأَمْرَيْنِ فَبِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ الرَّابِعُ زَعَمَ النَّحْوِيُّونَ أَنَّ الْأَخِيرَ هو الْمَحْصُورُ فإذا قُلْت إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ فَالْقَائِمُ هو الْمَحْصُورُ وإذا قُلْت إنَّمَا الْمَالُ لَك فَالْمَحْصُورُ أنت أَيْ لَا غَيْرُك وإذا قُلْت إنَّمَا لَك الْمَالُ فَالْمَحْصُورُ الْمَالُ أَيْ لَا غَيْرُهُ وَعَلَى هذا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ لَا يَحْسُنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ على مَشْرُوعِيَّةِ النِّيَّةِ في كل عَمَلٍ إذْ الْمَحْصُورُ النِّيَّةُ لَا الْعَمَلُ وَلَكِنْ إجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ على خِلَافِهِ وَأَجْمَعَ النُّحَاةُ على أَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ الْحَصْرُ في وَاحِدٍ من الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مع إنَّمَا

يَجِبُ تَأْخِيرُهُ وَتَقْدِيمُ الْآخَرِ فَتَقُولُ إنَّمَا ضَرَبَ عَمْرٌو هِنْدًا إذَا أَرَدْت الْحَصْرَ في الْمَفْعُولِ وَإِنَّمَا ضَرَبَ هِنْدًا عَمْرٌو إذَا أَرَدْت الْحَصْرَ في الْفَاعِلِ وَاخْتَلَفُوا فيه إذَا كان مع ما وإلا على ثَلَاثَةٍ مَذَاهِبَ فَذَهَبَ قَوْمٌ منهم الْجُزُولِيُّ وَالشَّلُوبِينَ إلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ في إنَّمَا إنْ أُرِيدَ الْحَصْرُ فيه وَجَبَ تَأْخِيرُهُ كَ إلَّا وَتَقْدِيمُ غَيْرِ الْمَحْصُورِ وَذَهَبَ الْكِسَائِيُّ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فيه من التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ما جَازَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا لم يَكُنْ معه ما وَإِلَّا وَذَهَبَ الْبَصْرِيُّونَ وَالْفَرَّاءُ وابن الْأَنْبَارِيِّ إلَى أَنَّهُ إنْ كان الْفَاعِلُ هو الْمَقْرُونَ بِإِلَّا وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ وَإِنْ كان الْمَفْعُولُ هو الْمَقْرُونَ بِإِلَّا لم يَجِبْ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ على الْمَفْعُولِ بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ على الْمَفْعُولِ وَتَأْخِيرُهُ وَحَكَاهُ عنه الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ بن النَّحَّاسِ في التَّعْلِيقَةِ الْخَامِسُ ادَّعَى الزَّمَخْشَرِيُّ في كَشَّافِهِ أَنَّ أَنَّمَا الْمَفْتُوحَةَ لِلْحَصْرِ قَالَهُ في قَوْله تَعَالَى إنَّمَا يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ وَبِهِ صَرَّحَ التَّنُوخِيُّ في الْأَقْصَى الْقَرِيبِ وَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ ابن حَيَّانَ وقال إنَّمَا يُعْرَفُ في الْمَكْسُورَةِ لَا الْمَفْتُوحَةِ وَاعْتِرَاضُهُ مَرْدُودٌ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَكْسُورَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَأَنَّ الْمَفْتُوحَةَ فَرْعُهَا على الصَّحِيحِ وإذا ثَبَتَ هذا الْحُكْمُ في الْمَكْسُورَةِ ثُمَّ عَرَضَ لها الْفَتْحُ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُفْرَدِ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي بَقَاءَ ذلك الْمَعْنَى وَثَانِيهمَا أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ بَنَاهُ على رَأْيِهِ في إنْكَارِ الصِّفَاتِ نعم رَأَيْت في كِتَابِ سِيبَوَيْهِ ما يَدُلُّ على أنها لَا تَقْتَضِي الْحَصْرَ فإنه قال في بَابِ إنَّمَا وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَقَعُ فيه أَنَّ يَقَعَ أَنَّمَا وما بَعْدَهَا صِلَتُهَا كما في الذي وَلَا تَكُونُ هِيَ عَامِلَةً فِيمَا بَعْدَهَا كما لَا يَكُونُ الذي عَامِلًا فِيمَا بَعْدُ فَمِنْ ذلك قَوْله تَعَالَى إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَإِنَّمَا وَقَعَتْ أَنَّمَا هَاهُنَا لِأَنَّك لو قُلْت أَنَّ إلَهَكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ كان حَسَنًا انْتَهَى

سقط قواعد نافعة الْأُولَى حُرُوفُ الْجَرِّ يُسَمِّيهَا الْكُوفِيُّونَ الصِّفَاتِ لِنِيَابَتِهَا عن الصِّفَاتِ وَيُجَوِّزُونَ دُخُولَ بَعْضِهَا على بَعْضٍ أَيْ أَنَّ هذا الْحَرْفَ بِمَعْنَى حَرْفِ كَذَا وَمَنَعَ الْبَصْرِيُّونَ ذلك وَعَدَلُوا عنه إلَى تَضْمِينِ الْفِعْلِ مَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ إبْقَاءً لِلَفْظِ الْحَرْفِ على حَقِيقَتِهِ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا التَّجَوُّزَ في الْفِعْلِ أَخَفَّ من التَّجَوُّزِ في الْحَرْفِ وَالْكُوفِيُّونَ عَكَسُوا ذلك وقال ابن السَّيِّدِ في الْقَوْلَيْنِ جميعا نَظَرٌ لِأَنَّ من أَجَازَ مُطْلَقًا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيزَ سِرْت إلَى زَيْدٍ يُرِيدُ مع زَيْدٍ وَمَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَسَّفَ في التَّأْوِيلِ الْكَثِيرِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ على السَّمَاعِ وَغَيْرُ جَائِزٍ في الْقِيَاسِ ثُمَّ ذَكَرَ ما حَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى التَّضْمِينِ هو تَضْمِينُ الْحَرْفِ مَعْنًى آخَرَ لِيُفِيدَ الْمَعْنَيَيْنِ كَقَوْلِهِ إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ لَعَمْرُ اللَّهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا قِيلَ إنَّمَا عُدِّيَ رضي بِعَلَيَّ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَقْبَلَتْ وقال أبو الْفَتْحِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْمَانِعُونَ إنَّمَا يَمْنَعُونَ الِاسْتِعْمَالَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا أو حَقِيقَةً فَقَطْ وَالْمُجَوِّزُونَ إمَّا أَنْ يَدَّعُوا في الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةَ فيه أو يَقُولُوا بِالْمَجَازِ فيه فَإِنْ ادَّعَى الْمَانِعُونَ الْعُمُومَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لم يَصِحَّ لِأَنَّهُمْ إذَا رَدُّوا على الْمُجِيزِينَ جَعَلُوا مَدْلُولَ اللَّفْظِ حَقِيقَةً مَعْنًى من الْمَعَانِي ثُمَّ رَدُّوا الِاسْتِعْمَالَ الذي يَذْكُرُهُ الْمُجَوِّزُونَ بِالتَّأْوِيلِ إلَى ذلك الْمَعْنَى وهو يُقَرِّبُ الْمَجَازَ فَعَلَى هذا يُؤَوَّلُ تَصَرُّفُ الْبَصْرِيِّينَ إلَى الْمَجَازِ أَيْضًا وَيَرْجِعُ الْخِلَافُ في تَرْجِيحِ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ على الْآخَرِ لَا في الْمَنْعِ من الِاسْتِعْمَالِ أو الْحَمْلِ أو الْجَوَازِ فِيهِمَا وَإِنْ كان الْكُوفِيُّونَ يَرَوْنَ الِاسْتِعْمَالَ في هذه الْمَعَانِي التي يُورِدُونَهَا حَقِيقَةً وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ مَجَازٌ فَالْمَجَازُ خَيْرٌ من الِاشْتِرَاكِ وَالِاشْتِرَاكُ لَازِمٌ على هذا الْقَوْلِ لِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ على اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ في مَعْنًى حَقِيقَةً وَالْكُوفِيُّونَ على هذا التَّقْدِيرِ يَرَوْنَ اسْتِعْمَالَهُ في مَعَانِي حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ على هذا التَّقْدِيرِ قَطْعًا قال وَلَسْت أَذْكُرُ التَّصْرِيحَ من مَذْهَبِ الْمُجَوِّزِينَ في أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ قَوْلُهُمْ وَيَكُونُ كَذَا بِمَعْنَى كَذَا وَلَيْسَ فيه دَلِيلٌ على أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فيه

الثَّانِيَةُ الْمَقْصُودُ من عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ إنَّمَا هو النُّطْقُ بِالصَّوَابِ وَذَلِكَ حُكْمٌ لَفْظِيٌّ وما عَدَاهُ من التَّقْدِيرَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَقْدَحُ في اللَّفْظِ ليس هو بِالْمَقْصُودِ فيها فَمَتَى احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِشَيْءٍ مَسْمُوعٍ من الْعَرَبِ لِمَذْهَبِهِ فَذُكِرَ فيه تَأْوِيلٌ وكان ذلك التَّأْوِيلُ مِمَّا يَطَّرِدُ في جُمْلَةِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ فَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ لِلِاخْتِلَافِ فَائِدَةٌ لَفْظِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَائِزُ الِاسْتِعْمَالِ على الصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ على كل تَقْدِيرٍ إمَّا من غَيْرِ تَأْوِيلٍ كما يَذْهَبُ إلَيْهِ الْمُسْتَدِلُّ وَإِمَّا بِتَأْوِيلٍ مُطَّرِدٍ في الْمَوَارِدِ كما ذَكَرَ الْمُجِيبُ فَلَا يَظْهَرُ لِلِاخْتِلَافِ فَائِدَةٌ في الْحُكْمِ اللَّفْظِيِّ وهو الْمَقْصُودُ من عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ مِثَالُهُ إذَا قُلْنَا فإن في أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْآخَرِ شِفَاءً فَأَوَّلَهُ مُؤَوِّلٌ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ وَأَوَّلَ قَوْلَنَا ما كُلُّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً وَلَا كُلُّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً بِحَذْفِ الْمُضَافِ فَاللَّفْظُ على الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ خَارِجٍ عن الصَّوَابِ غَايَةُ ما في الْبَابِ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ وَقَعَ في وَجْهِ جَوَازِهِ فَقَائِلٌ يقول هو على حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِلْغَاءِ عَمَلِهِ وهو جَائِزٌ وَقَائِلٌ يقول هو على تَقْدِيرِ الْعَطْفِ على عَامِلَيْنِ وهو جَائِزٌ فَالِاتِّفَاقُ وَقَعَ على الْجَوَازِ وَاخْتُلِفَ في عِلَّتِهِ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً لَفْظِيَّةً اللَّهُمَّ إلَّا إذَا بُيِّنَ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَائِدَةٌ بِأَنْ يَكُونَ الْجَوَازُ صَحِيحًا بِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ الْمُحَقَّقَةُ الْمُعْتَبَرَةُ في عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ فَانْظُرْ هذا فإنه يَقَعُ في مَوَاضِعَ من مَبَاحِثِ النَّحْوِيِّينَ الثَّالِثَةُ الْأَفْعَالُ بِاعْتِبَارِ تَعْلِيقِهَا بِمَفْعُولَاتِهَا على الِاسْتِيعَابِ وَعَدَمِهِ على أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا ما يُسْتَوْعَبُ ليس إلَّا نحو اشْتَرَيْت الدَّارَ وَأَكَلْت الرَّغِيفَ فَلَا يُحْمَلُ على الْبَعْضِ إلَّا مَجَازًا قال ابن الْمُنَيِّرِ في تَفْسِيرِهِ الْكَبِيرِ وَمِنْ ثَمَّ أَشْكَلَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَحْنِيثِ الْحَالِفِ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عليه فإنه إلْزَامٌ له بِمُقْتَضَى خِلَافِ حَقِيقَةِ لَفْظِهِ

وَحُمِلَ عليه أَنَّهُ أَرَادَ الْمَجَازَ وهو يقول ما أَرَدْته فَاحْمِلُوا لَفْظِي على الْحَقِيقَةِ أو عَسَى أَنَّ مُكَلَّفًا قَدَّرَ الْجُمْلَةَ في الْمَعْنَى بِالْأَجْزَاءِ فَكَانَ مَعْنَى لَفْظِهِ عِنْدَهُ لَا أَكَلْت جُزْءًا من الرَّغِيفِ وَأُخِذَ ذلك في أَجْوِبَةِ الدَّعَاوَى فِيمَا إذَا قال لَا تُسْتَحَقُّ عَلَيَّ الْعَشَرَةُ فإن مَحْمَلَ النَّفْيِ على الْأَجْزَاءِ أَيْ وَلَا شَيْءَ منها وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ في أَجْوِبَةِ الدَّعَاوَى وَلَا شَيْءَ منها مع قَرِينَةِ كَوْنِ الْحَالِفِ في مِثْلِهِ يُرِيدُ الِاجْتِنَابَ وَمُبَاعَدَةَ الْمَحْلُوفِ عليه فَمَتَى أُكِلَ الرَّغِيفُ إلَّا لُقْمَةً فإنه مَقْصُودُ الِاجْتِنَابِ الثَّانِي مُقَابِلُ الْأَوَّلِ لَا يَقْتَضِي الْفِعْلَ في الِاسْتِيعَابِ كَقَوْلِك شَجَّ زَيْدٌ عَمْرًا فَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ إلَّا جُرْحَهُ في رَأْسِهِ خَاصَّةً بَعْضَ الْوَجْهِ وَلَا تَكُونُ الشَّجَّةُ إلَّا كَذَلِكَ وَمِنْهُ ضَرَبْت زَيْدًا الثَّالِثُ كَالثَّانِي إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ هو الْمَانِعُ لِلِاسْتِيعَابِ كَقَوْلِك جَعَلْت الْخَيْطَ في الْإِبْرَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَقَفْته على جُمْلَةِ الْإِبْرَةِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ الرَّابِعُ يَخْتَلِفُ الْحَالُ فيه بِدُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ فيه وَعَدَمِهِ وَمِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِعْلُ الْمَسْحِ إنْ اقْتَرَنَ بِالْبَاءِ كان لِلتَّبْعِيضِ وَإِلَّا لِلِاسْتِيعَابِ وَكَذَلِكَ ما يقول أبو عَلِيٍّ في السَّيْرِ وَالْيَوْمِ لو قُلْت سِرْت الْيَوْمَ فَظَاهِرُهُ الِاسْتِيعَابُ وَإِنْ قُلْت سِرْت في الْيَوْمِ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الِاسْتِيعَابِ وَتَتَحَقَّقُ الظَّرْفِيَّةُ بِدُخُولِ في وَتَغْلِبُ الِاسْمِيَّةُ بِسُقُوطِهَا وَلِهَذَا كان الْأَوْلَى حين تَتَحَقَّقُ الظَّرْفِيَّةُ النَّصْبَ تَقُولُ سِرْت الْيَوْمَ فيه وَحِينَ تَغْلِبُ الِاسْمِيَّةُ الرَّفْعَ تَقُولُ الْيَوْمَ سِرْته وَيَنْبَنِي على هذا الْفَرْقِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ منها لو قال أَنْتِ طَالِقٌ في يَوْمِ السَّبْتِ يَقَعُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ نَوَى وُقُوعَهُ في آخِرِهِ يُدَيَّنُ ولم يُقْبَلْ ظَاهِرًا عِنْدَنَا وقال أبو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَجَعَلَ السُّرُوجِيُّ مَأْخَذَهُمَا أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْجَرِّ وَإِثْبَاتَهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ في الْحَالَيْنِ فَصَارَ كما لو قال صُمْت يوم الْجُمُعَةِ وفي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فإن الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَذْفَ لِلْحَرْفِ قد يُحْدِثُ مَعْنًى لَا يَكُونُ مع إثْبَاتِهِ لِأَنَّ في قد تُفِيدُ التَّبْعِيضَ في الظَّرْفِ الدَّاخِلِ عليه إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ وَلِهَذَا قالوا في قَوْلِهِمْ سِرْت فَرْسَخًا وَسِرْت في فَرْسَخٍ إنَّ الظَّاهِرَ في الْأَوَّلِ الِاسْتِغْرَاقُ في السَّيْرِ وفي الْآخَرِ عَدَمُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ حتى يَخْرُجَ صُمْت في يَوْمِ الْجُمُعَةِ فإن صَوْمَ بَعْضِ الْيَوْمِ لَا يُمْكِنُ وَرَدُّوا صُمْت شَهْرَ رَمَضَانَ أو شَهْرَ رَمَضَانَ إلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ صَوْمَ الشَّهْرِ يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ

الرَّابِعَةُ الْأَفْعَالُ الْمَاضِيَةُ تُفِيدُ بِالْوَضْعِ أَمْرًا أَنَّ مَعْنَى الْجُمْلَةِ التي تَلِيهَا الزَّمَنُ الْمَاضِي فَقَطْ لَا غَيْرُ وَلَا دَلَالَةَ لها نَفْسِهَا على انْقِطَاعِ ذلك الْمَعْنَى وَلَا بَقَائِهِ بَلْ إنْ أَفَادَ الْكَلَامُ شيئا من ذلك كان لِدَلِيلٍ آخَرَ هذا هو التَّحْقِيقُ وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ في دَلَالَةِ كان على التَّكْرَارِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ لم يَذْكُرْهَا النُّحَاةُ في دَلَالَتِهَا على الِانْقِطَاعِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ لم يَذْكُرْهَا الْأُصُولِيُّونَ قال ابن عُصْفُورٍ في شَرْحِ الْجُمَلِ وَأَصَحُّهَا وهو قَوْلُ الْجُمْهُورِ نعم فإذا قُلْت كان زَيْدٌ قَائِمًا دَلَّ على أَنَّهُ قام فِيمَا مَضَى وَلَيْسَ الْآنَ بِقَائِمٍ وَقِيلَ بَلْ لَا يُعْطِي الِانْقِطَاعَ بِدَلِيلِ وكان اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَأَجَابَ بِأَنَّ ذلك قد يُتَصَوَّرُ فيه الِانْقِطَاعُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كان فِيمَا مَضَى غَفُورًا رَحِيمًا كما هو الْآنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْقَصْدُ الْإِخْبَارَ بِثُبُوتِ هذا الْوَصْفِ في الْمَاضِي ولم يُتَعَرَّضْ لِخِلَافِ ذلك وَأَجَابَ السِّيرَافِيُّ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعُ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَغْفُورَ لهم وَالْمَرْحُومِينَ قد زَالُوا وَالْأَحْسَنُ في الْجَوَابِ أَنَّ في صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَسْلُوبَةَ الدَّلَالَةِ على تَعْيِينِ الزَّمَانِ وَصَارَ صَالِحًا لِلْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ بِحُدُوثِ الزَّمَانِ وَقِدَمِ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَكَذَا الْفِعْلِيَّةُ على رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ الْقَوْلَيْنِ كما سَبَقَ وَلِهَذَا قال الزَّمَخْشَرِيُّ في قَوْله تَعَالَى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ كان عِبَارَةٌ عن وُجُودِ الشَّيْءِ في زَمَنِ مَاضٍ على سَبِيلِ الْإِبْهَامِ وَلَيْسَ فيه دَلِيلٌ على عَدَمٍ سَابِقٍ وَلَا على انْقِطَاعٍ طَارِئٍ وَمِنْهُ وكان اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وقال ابن مُعْطٍ في أَلْفِيَّتِهِ وكان لِلْمَاضِي الذي ما انْقَطَعَا وَحَكَى ابن الْخَبَّازِ في شَرْحِهَا قَوْلًا أنها تُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ مُحْتَجًّا بِالْآيَةِ وَسَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا مُحَمَّدِ بن هِشَامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُنْكِرُهُ عليه وَيَقُولُ غَرَّهُ فيه عِبَارَةُ ابْنِ مُعْطٍ ولم يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ بَلْ الْخِلَافُ في أنها تُفِيدُ الِانْقِطَاعَ أو لَا تَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ وَلَا عَدَمَهُ وَأَمَّا إثْبَاتُ قَوْلِهِ بِالِاتِّصَالِ وَالدَّوَامِ فَلَا يُعْرَفُ قُلْت وقال الْأَعْلَمُ تَأْتِي لِلْأَمْرَيْنِ فَالِانْقِطَاعُ نحو كُنْت غَائِبًا وَأَمَّا الْآنَ حَاضِرٌ وَالِاتِّصَالُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وكان اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وهو في كل حَالٍ مَوْصُوفٌ بِذَلِكَ وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ من قَوَاعِدِ التَّفْسِيرِ وَهِيَ أَنَّهُ وَقَعَ في الْقُرْآنِ إخْبَارُ اللَّهِ عن

صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِلَفْظِ كان كَثِيرًا كان اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا وَاسِعًا حَكِيمًا غَفُورًا رَحِيمًا تَوَّابًا رَحِيمًا وَأَنَّهَا لم تُفَارِقْ ذَاتَهُ وَلِهَذَا يُقَدِّرُهَا بَعْضُهُمْ بِمَا زَالَ فِرَارًا مِمَّا يَسْبِقُ إلَى الْوَهْمِ من أَنَّ كان تُفِيدُ انْقِطَاعَ الْمُخْبَرِ بِهِ من الْوُجُودِ كَقَوْلِهِمْ دخل في خَبَرِ كان قالوا فَكَانَ وما زَالَ أُخْتَانِ فَجَازَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ إحْدَاهُمَا في مَعْنَى الْأُخْرَى مَجَازًا بِالْقَرِينَةِ وهو تَكَلُّفٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا ما ذَكَرْنَا من أَزَلِيَّةِ الصِّفَاتِ ثُمَّ يَسْتَفِيدُ مَعْنَاهَا من الْحَالِ وَفِيمَا لَا يَزَالُ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَحَيْثُ الْإِخْبَارُ بها عن صِفَةٍ فِعْلِيَّةٍ فَالْمُرَادُ تَارَةً الْإِخْبَارُ عن قُدْرَتِهِ عليها في الْأَزَلِ نحو كان اللَّهُ خَالِقًا وَرَزَّاقًا وَمُحْيِيًا وَمُمِيتًا وَتَارَةً تَحْقِيقُ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ نحو وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَتَارَةً ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ وَإِنْشَاؤُهُ نحو وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ فَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَالِكُ كل شَيْءٍ على الْحَقِيقَةِ من قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَحَيْثُ أُخْبِرَ بها عن صِفَاتِ الْآدَمِيِّينَ فَالْمُرَادُ بها التَّنْبِيهُ على أنها غَرِيزِيَّةٌ وَطَبِيعِيَّةٌ نحو وكان الْإِنْسَانُ عَجُولًا إنَّهُ كان ظَلُومًا جَهُولًا وَيَدُلُّ عليه إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وإذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا أَيْ خُلِقَ على هذه الصِّفَةِ وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ أو بِالْقُوَّةِ لم يَخْرُجْ إلَى الْفِعْلِ وَحَيْثُ أُخْبِرَ بها عن أَفْعَالِهِ دَلَّتْ على اقْتِرَانِ مَضْمُونِ أَمْرِ الْجُمْلَةِ بِالزَّمَانِ نحو إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ في الْخَيْرَاتِ وَمِنْ هذا الثَّانِي الْحِكَايَةُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِلَفْظِ كان نحو كان يَقُومُ وكان يَفْعَلُ وَسَنَتَكَلَّمُ عليه في بَابِ الْعُمُومِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَامِسَةُ النِّسْبَةُ الْمَنْفِيَّةُ إذَا قُيِّدَتْ بِحَالٍ تَسَلَّطَ النَّفْيُ على الْحَالِ وَلِلْعَرَبِ فيه طَرِيقَانِ أَكْثَرُهُمَا نَفْيُ الْمُقَيَّدِ وهو الْحَالُ فَتَقُولُ ما زَيْدٌ أَقْبَلَ ضَاحِكًا فَيَكُونُ الضَّحِكُ مَنْفِيًّا وَزَيْدٌ قد أَقْبَلَ غير ضَاحِكٍ وَالثَّانِي نَفْيُ الْمُقَيَّدِ وَالْقَيْدِ فَيَكُونُ زَيْدٌ لم يَضْحَكْ ولم يُقْبِلْ وَمِنْ ثَمَّ رُدَّ على أبي الْبَقَاءِ تَجْوِيزُهُ عَمَلَ بِمُؤْمِنِينَ في الْحَالِ وهو يُخَادِعُونَ إذْ ليس مَعْنَى الْآيَةِ نَفْيَ الْخِدَاعِ أَلْبَتَّةَ وَالْعَجَبُ منه كَيْفَ تَنَبَّهَ فَمَنَعَ الصِّفَةَ وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَا وَأَجَازَ الْحَالَ وَلَا فَرْقَ وَلِأَبِي الْبَقَاءِ أَنْ يَقُولَ الْفَرْقُ وَاضِحٌ فإذا قُلْت ما زَيْدٌ ضَاحِكٌ رَاكِبًا فَمَعْنَاهُ

نَفْيُ الضَّحِكِ في حَالِ الرُّكُوبِ وهو لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ حَالِ الرُّكُوبِ إذْ الْحَالُ كَالظَّرْفِ فَالْمَنْفِيُّ الْكَوْنُ الْوَاقِعُ في الْحَالِ لَا الْحَالُ كما في قَوْلِك ما زَيْدٌ ضَاحِكٌ في الدَّارِ وَهَذَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ إذْ هِيَ كَوْنٌ من الْأَكْوَانِ فَيَقْتَضِي نَفْيَهَا بِهِ وقال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَظُنُّ كَثِيرٌ من الناس مِمَّنْ لَا تَحْقِيقَ له أَنَّ في مَدْلُولِ لَا يَسْأَلُونَ الناس إلْحَافًا وَقَوْلِهِ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ وَنَظَائِرِهِ مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا نَفْيُ الْإِلْحَافِ وَحْدَهُ وَالثَّانِي نَفْيُ السُّؤَالِ وَالْإِلْحَافِ مَعًا وَيُنْشَدُ على لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ ولم يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ نَفْيَهُمَا مَعًا في الْآيَةِ من مَدْلُولِ اللَّفْظِ بَلْ هو من جُمْلَةِ مَحَامِلِهِ كما أَنَّ زَيْدًا من جُمْلَةِ مَحَامِلِ رَجُلٍ وقد تَقَرَّرَ في الْمَعْقُولِ أَنَّ الْقَضِيَّةَ السَّالِبَةَ لَا تَسْتَدْعِي وُجُودَ مَوْضُوعِهَا فَكَذَلِكَ سَلْبُ الصِّفَةِ لَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمَوْصُوفِ وَلَا نَفْيَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمَلٌ وَلَا دَلَالَةَ له على وَاحِدٍ من الطَّرَفَيْنِ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ هو مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا بَلْ مَدْلُولُهُ أَعَمُّ مِنْهُمَا وَإِنْ كان الْوَاقِعُ لَا يَخْلُو عن أَحَدِهِمَا وَالْمُتَحَقِّقُ فيه انْتِقَاءُ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ على التَّقْدِيرَيْنِ وَانْتِفَاءُ الْمَوْصُوفِ مُحْتَمَلٌ لَا دَلَالَةَ لِنَفْيِ الْمُرَكَّبِ على انْتِفَائِهِ وَلَا ثُبُوتِهِ لَكِنْ إذَا جَعَلْنَا الصِّفَةَ تُشْعِرُ بِهِ نُزِعَ إلَى الْقَوْلِ بِعُمُومِ الصِّفَةِ فَمَنْ أَنْكَرَهُ فَوَاضِحٌ وَمَنْ أَثْبَتَهُ وقال إنَّهُ من جِهَةِ الْعِلَّةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كانت الصِّفَةُ الْمَحْكُومُ عليها وَالْحُكْمُ مُعَلَّلًا بها فَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ انْتِفَائِهَا وَهُنَا الصِّفَةُ في الْحُكْمِ وَمَنْ أَثْبَتَهُ وقال إنَّهُ من جِهَةِ اللَّفْظِ فَيُنَاسِبُهُ الْقَوْلُ بِهِ هُنَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ غَرَضٌ سِوَاهُ كما هو مُبَيَّنٌ هُنَاكَ

الأمر
قدم الكلام فيه على الكلام في النهي لتقدم الإثبات على النفي أو لأنه طلب إيجاد الفعل والنهي طلب الاستمرار على عدمه فقدم الأمر تقديم الموجود على المعدوم وهو التقديم بالشرف ولو لوحظ التقديم الزماني لقدم النهي تقديم العدم على الموجود لأن العدم أقدم وجمعه الأصوليون على أوامر وقد سبق في الفرق بين الحقيقة والمجاز أنه بمعنى القول المخصوص يطلق على أوامر وبمعنى الفعل على أمور ولم يساعدهم على هذا الجمع من أهل اللغة سوى الجوهري في الصحاح وأما الأزهري فقال في التهذيب الأمر ضد النهي واحد الأمور وذكر ابن سيده في المحكم أن الأمر لا يكسر على غير أمور وأما أئمة النحو قاطبة فلم يذكر أحد منهم أن فعلا يكسر على فواعل مع ذكرهم الصيغ الشاذة والمشهورة وقد تنبه لهذا الموضع الإمام أبو الحسن الإبياري في شرح البرهان وذكر أن قول الجوهري شاذ غير معروف عند أئمة العربية قلت ذكر ابن جني في كتاب التعاقب له نظيرا وعلل هاتين اللفظتين أعني أوامر ونواه بما يسوغ إجازتهما ثم ذكر الإبياري عن بعضهم أن الأوامر جمع آمر وهذا فيه تجوز لأن الآمر حقيقة هو المتكلم ونقله إلى المصدر مجاز ثم قال إن المراد الصيغة فإنه قد تسمى الصيغة آمرة تجوزا وإذا كان المفرد فاعله صح الجمع على أوامر فواعل اسما كان المفرد كفاطمة وفواطم أو صفة ككاتبة وكواتب قال وهذا بعيد في التجوز وليس هو المقصود هاهنا إذ الكلام في الأمر الحقيقي لا في الألفاظ وحكى الأصفهاني في شرح المحصول عن بعضهم أن الأوامر جمع الجمع فالأوامر أولا جمع جمع قلة على أأمر بوزن أفعل ثم جمع هذا على أوامر نحو كلب وأكالب فإنه أفاعل وفيه نظر لأن أوامر ليس أفاعل بل هو فواعل بخلاف أكالب فإنه أفاعل ثم قال الأصفهاني وهذا لا يتم في النواهي فإن النون فاء الكلمة فيمكن أن يكون ذلك من باب التغليب كما في الغدايا والعشايا ويمكن رد النواهي أيضا إلى أنه جمع ناهية مصدر كما تقدم في الآمرة وفيه نظر لأن المصادر مسموعة ولا يدخلها

القياس إذا ثبت ذلك فاعلم أن هاهنا مباحث أحدها في لفظ الأمر والثاني في مدلوله والثالث في صيغة افعل فأما لفظ أمر فإنه يطلق لغة على ضد النهي وهو ظاهر ويطلق على الفعل بدليل قوله تعالى وما أمر فرعون برشيد أي فعله فإذن لفظ الأمر عام للقول المخصوص والفعل وكل لفظ عام لشيئين فصاعدا فلا يخلو إما أن يكون حقيقة في كل واحد أو لا والثاني مجاز والأول إما أن يتفقا في اللغة أيضا وهو المتواطئ أو لا يتفقا وهو المشترك فهذه ثلاث احتمالات قد ذهب إلى كل واحد منها صائر واتفقوا على أن إطلاقه على القول الطالب للفعل حقيقة وهو قولك افعل وما يجري مجراه واختلفوا في وقوعه على العقل ونحوه من الشأن والصفة والقصة والمقصود والغرض على مذاهب أحدها أنه حقيقة في الكل فإن القائل لو قال أمر لا يدري السامع أي الأمور أراد فإذا قال أمر بكذا فهم القول فإذا قال أمر فلان مستقيم فهم الشأن والطريقة فإذا قال زيد في أمر عظيم فهم الفعل وحكاه ابن برهان عن كافة العلماء وحكاه القاضي عبد الوهاب والباجي عن أكثر أصحابنا قال صاحب المعتمد ولهذا قالوا إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب لأنها داخلة تحت قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره والثاني أنه حقيقة في القول مجاز في الفعل ووجه العلاقة فيه المشابهة فإن الفعل يشبه القول في الافتقار إلى مصدر يصدر به وهذا يعم الأفعال والأقوال وقيل لأن جملة أفعال الإنسان لما دخل فيها الأقوال سميت الجملة باسم جزئها ونقله في المحصول عن الجمهور وحكاه القاضي عبد الوهاب في الملخص عن أكثر أصحابهم مع أنه في الإفادة حكى الأول عنهم وعن أصحاب الشافعي والثاني عن الحنفية خاصة قال الباجي وإليه ذهب أصحاب أبي حنيفة والمعتزلة ونقله صاحب الإفادة عن أحمد بن حنبل وحكاه صاحب المعتمد والمصادر عن الأكثرين وحكى صاحب المصادر عن الشريف المرتضى أنه حقيقة في القول والفعل مشترك بينهما وذكر الآمدي وتبعه ابن الحاجب قولا على جهة الإلزام أنه متواطئ بينهما واختار أبو

الحسين البصري في المعتمد أنه مشترك بين الشيء والصفة والشأن والطريق وبين جملة الشأن والطريق وبين القول المخصوص انتهى وقضيته أنه عنده مشترك بين خمسة أشياء لكنه في شرح العمدة فسر الشأن والطريق بمعنى واحد فيكون الحاصل أربعة ونقل البيضاوي عنه أنه موضوع للفعل بخصوصه حتى يكون مشتركا وهو غلط فقد صرح بأنه غير موضوع له وإنما يدخل في الشأن وحكى صاحب المصادر عن أبي القاسم البستي أنه حقيقة في القول والشأن والطريق دون آحاد الأفعال قال وهذا هو الأقرب لأن من صدر منه فعل قليل غير معتد به كتحريك أصابعه وأجفانه فإنه لا يقال إنه مشغول بأمر أو هو في أمر قال والذي أداهم إلى هذا البحث في هذه المسألة اختلافهم في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم هل هي على الوجوب أم لا وقال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم هل تتضمن أمرا فيه وجهان أصحهما لا وفرع عليه في المحصول ما لو قال إن أمرت فلانا فعبدي حر ثم أشار بما يفهم منه مدلول الصيغة فإن لا يحنث ولو كان حقيقة في غير القول لزم العتق قال ولا يعارض هذا بما إذا خرس وأشار فإنه يعتق لأنا نمنع هذه المسألة البحث الثاني في مَدْلُولِ الْأَمْرِ وقد اُخْتُلِفَ فيه بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ في إثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَنَفْيِهِ فَصَارَ النُّفَاةُ إلَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عن اللَّفْظِ اللِّسَانِيِّ فَقَطْ وَالْأَمْرُ وَسَائِرُ الْكَلَامِ لَا حَقِيقَةَ له عِنْدَهُمْ إلَّا الْعِبَارَاتِ فَقَالُوا إنَّهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ على طَلَبِ الْفِعْلِ مِمَّنْ هو دُونَهُ وَصَارَ الْمُثْبِتُونَ إلَى تَفْسِيرِهِ بِالْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وهو ما قام بِالنَّفْسِ من الطَّلَبِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَقِيقَةِ هو ذلك الطَّلَبُ وَاللَّفْظُ دَالٌّ عليه فقال الْقَاضِي هو الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي بِنَفْسِهِ طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَيُرِيدُ بِالِاقْتِضَاءِ الطَّلَبَ فَيَخْرُجُ الْخَبَرُ وَغَيْرُهُ من أَقْسَامِ الْكَلَامِ وَيُحْتَرَزُ بِقَوْلِهِ بِنَفْسِهِ عن الصِّيَغِ الدَّالَّةِ عليه فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي بِنَفْسِهَا بَلْ إنَّمَا يُشْعَرُ مَعْنَاهَا بِوَاسِطَةِ الْوَضْعِ وَالِاصْطِلَاحِ وَقَوْلُهُ طَاعَةُ الْأَمْرِ لِيَنْفَصِلَ الْأَمْرُ عن الدُّعَاءِ وَالرَّهْبَةِ وَهَذَا تَعْرِيفُ النَّفْسَانِيِّ فَإِنْ أَرَدْت اللِّسَانِيَّ أَسْقَطْت قَوْلَهُ بِنَفْسِهِ وَاعْتُرِضَ عليه بِأَنَّهُ عَرَّفَ الشَّيْءَ بِمَا يُسَاوِيهِ في الْخَفَاءِ لِأَنَّ من لَا يَعْرِفُ الْأَمْرَ لَا

يَعْرِفُ الْمَأْمُورَ فإنه تَعْرِيفٌ له بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فإن الطَّاعَةَ عِبَارَةٌ عن مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ فَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ لَا يَعْرِفُهَا ثُمَّ يَلْزَمُ الدَّوْرُ وَيُجَابُ من جِهَةِ الطَّاعَةِ أَنَّ الْمُرَادَ منها الطَّاعَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَالصَّحِيحُ فيه أَنَّهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ على طَلَبِ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ بِالْوَضْعِ فَخَرَجَ النَّهْيُ فإنه طَلَبُ فِعْلٍ أَيْضًا وَلَكِنْ هو كَفٌّ وَخَرَجَ بِالْأَمْرِ نحو أَوْجَبْت عَلَيْك كَذَا فإنه صَادِقٌ عليه مع كَوْنِهِ خَبَرًا قال الْإِمَامُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمُطْلَقِ اللَّفْظِ الدَّالِّ على الطَّلَبِ الْمَانِعِ من النَّقِيضِ لَا لِمُطْلَقِ اللَّفْظِ الدَّالِّ على مُطْلَقِ الطَّلَبِ قال وَذَلِكَ إنَّمَا يَظْهَرُ بِبَيَانِ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَهَذَا جَارٍ على قَوْلِهِ إنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ هو صِيغَةُ افْعَلْ وَالصَّوَابُ تَغَيُّرُهُمَا وَيَدُلُّ له ذَهَابُ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ الْقَاضِي إلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ مع قَوْلِهِمْ إنَّ صِيغَةَ افْعَلْ حَقِيقَةٌ في الْوُجُوبِ قال الْقَاضِي في مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ الْأَمْرُ الْحَقِيقِيُّ مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ وَحَقِيقَتُهُ اقْتِضَاءُ الطَّاعَةِ ثُمَّ ذلك يَنْقَسِمُ إلَى نَدْبٍ وَوُجُوبٍ لِيَتَحَقَّقَ الِاقْتِضَاءُ فِيهِمَا وَأَمَّا الْعِبَارَةُ الدَّالَّةُ على الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ فَمُتَرَدِّدٌ بين الدَّلَالَةِ على الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ فَيُتَوَقَّفُ فيها حتى يَثْبُتَ بِقُيُودِ الْمَآلِ أو بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ تَخْصِيصُهَا بِبَعْضِ الْمُقْتَضِيَاتِ فَهَذَا ما نَرْتَضِيهِ من الْمَذَاهِبِ قال الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْجَزَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في أَجْوِبَةِ التَّحْصِيلِ لَفْظُ أَمْرٍ يَشْتَرِكُ بين الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى هل هو طَلَبٌ أو إرَادَةٌ اخْتَلَفَ فيها أَصْحَابُنَا وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْقَدِيمُ هو الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلَكِنْ لَا نَصِيرُ مَأْمُورِينَ بِهِ إلَّا إذَا دَلَّ على ذلك الْمَعْنَى الْأَمْرُ الْقَوْلِيُّ فَائِدَةٌ قال الْإِمَامُ محمد بن يحيى تَفْسِيرُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالطَّلَبِ مُحَالٌ فإن الْمَفْهُومَ منه في حَقِّنَا مَيْلُ النَّفْسِ وهو مُنَزَّهٌ عن ذلك وَتَفْسِيرُهُ بِالْأَدَاةِ وَالصِّيغَةِ مُمْتَنِعٌ فَيَجِبُ تَفْسِيرُهُ بِالْإِخْبَارِ عن الثَّوَابِ على الْقَوْلِ لَا غَيْرُ تَارَةً وَالْعِقَابِ على التَّرْكِ أُخْرَى حَكَاهُ أبو الْمَحَاسِنِ الْمَرَاغِيُّ في كِتَابِ غُنْيَةً الْمُسْتَرْشِدِ وهل يعتبر في الأمر العلو أو الاستعلاء فيه أربعة مذاهب أحدها يعتبران وبه جزم ابن القشيري والقاضي عبد الوهاب في مختصره

الصغير والثاني وهو المختار لا يعتبران ونقله الإمام الرازي في أول المسألة الخامسة عن أصحابنا لكن احتج بقوله تعالى حكاية عن فرعون فماذا تأمرون وهو مردود لأن المراد به المشورة وأحسن منه الاحتجاج بقوله تعالى ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك وقطع به العبدري في المستوفى محتجا بإجماع النحويين على ذلك الأمر والنهي وأنه لا رتبة بينهما وذكروا أيضا الدعاء في حق الله تعالى وقسموه إلى ما يأتي بلفظ الأمر نحو ارحمنا وبلفظ النهي نحو لا تعذبنا قال سيبويه واعلم أن الدعاء بمنزلة الأمر والنهي وإنما قيل له الدعاء لأنه استعظم أن يقال أمر ونهي انتهى ولم يذكروا المقابل للدعاء اسما لأنهم لم يجدوه في كلام العرب وكان هذا أمرا طارئا على اللغة بعد استقرارها قال فالصواب أن صيغة افعل ظاهر في اقتضاء الفعل سواء كان من أعلى أو مساو أو دون لكن يتميز بالقرينة فإن كان المخاطب مخلوقا كانت قرينة دالة على حمله على الدعاء بالاصطلاح العرفي الشرعي لا اللغوي ويشهد لما قاله قول ابن فارس في كتابه فقه العربية وهو من فرسان اللغة الأمر عند العرب فإذا لم يفعله المأمور به سمي المأمور به عاصيا والثالث يعتبر العلو بأن يكون الطالب أعلى رتبة من المطلوب منه فإن تساويا فالتماس أو كان دونه فسؤال وبه قالت المعتزلة واختاره القاضي أبو الطيب الطبري وعبد الوهاب في الملخص ونقله عن أهل اللغة ونقله ابن الفارض المعتزلي عن أبي بكر بن الأنباري واختاره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وأبو نصر بن الصباغ وحكاه عن أصحابنا وابن السمعاني وسليم الرازي وابن عقيل من الحنابلة وأبو بكر الرازي من الحنفية وأبو الفضل بن عبدان في كتابه شروط الأحكام وشرط مع ذلك أن يكون الأمر ممن تجب طاعته وإلا فلا يقال له أمر والرابع وبه قال أبو الحسين من المعتزلة يعتبر الاستعلاء لا العلو وهو أن يجعل نفسه عاليا وقد لا يكون في نفس الأمر كذلك وصححه الإمام والآمدي وابن الحاجب وابن برهان في الأوسط

مسألة
اعتراض على حد الأمر
لما أخذوا الطلب في حد الأمر اعترض عليهم بأن الطلب أخفى من الأمر والتعريف بالأخفى يمتنع فقال الجمهور الطلب بديهي التصور لأن كل واحد يعرف بالبديهة تفرقة بين طلب الفعل وطلب الترك ثم قالوا معنى الطلب هو غير الصيغة لاتحاده واختلافها وتبدله وثبوتها بل هو معنى قائم بنفس المتكلم يجري مجرى العلم والقدرة وسائر الصفات وهذه الصيغ المخصوصة دالة عليها ويتفرع على هذه القاعدة مسائل الأولى أن دلالة صيغة الأمر على الطلب يكفي فيها الوضع ولا يشترط أن يكون الآمر مريدا للمأمور به هذا قول أهل السنة واختاره الكعبي وقال أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم وتبعهما القاضي عبد الجبار وأبو الحسين لا بد معه من إرادة المأمور به في دلالة الأمر عليه وحكاه أبو سفيان في العيون عن سفيان الثوري وقالوا لا ينفك الأمر عن الإرادة محتجين بأن الصيغة كما ترد للطلب ترد للتهديد مع خلوه عن الطلب فلا بد من مميز بينهما ولا مميز سوى الإرادة وأجيب بأن التمييز حاصل بدونها لأن صيغة الأمر حقيقية في القول المخصوص مجاز في غيره وهذا كاف في التمييز وقال بعضهم ذهب المعتزلة إلى أنه لا يكون أمرا إلا بالإرادة فإن لم تعلم إرادته لم يكن أمرا واختلفوا هل تعتبر إرادة الأمر أو إرادة المأمور به فاعتبر بعضهم إرادة الأمر المنطوق به واعتبر آخرون منهم إرادة الفعل المأمور به والذي عليه جمهور الفقهاء أن الأمر دليل على الإرادة وليست الإرادة شرطا في صحة الأمر وإن كانت موجودة مع الأمر فيستدل بالأمر على الإرادة ولا يستدل بالإرادة على الأمر وقد حرر ابن برهان هذه المسألة فقال في كتاب الأوسط اعتبر بعضهم لمصير الصيغة أمرا ثلاث إرادات إحداها أن يكون الآمر مريدا لإيجاد الصيغة حتى إذا لم يكن مريدا لها بأن يكون ساهيا أو ذاهلا أو نائما لا تكون الصيغة الصادرة منه أمرا والثانية أن يكون مريدا لصرف صيغة الأمر من غير جهة الأمر إلى جهة

الأمر فإن الأمر قد يطلق على جهات كالتعجيز والتكوين والوعيد والزجر وغيره فلا بد أن يكون مريدا لصرف الصيغة من هذه الجهات إلى جهة الأمر وعبر الشيخ أبو الحسن الأشعري عن هذا فقال فلا بد أن يكون مريدا بالصيغة ما هو المعنى القائم بالنفس والثالثة هي إرادة فعل المأمور والامتثال فأما الأولى وهي إرادة إيجاد الصيغة فلا خلاف في اعتبارها وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ إرَادَةُ صَرْفِ الصِّيغَةِ من غَيْرِ جِهَةِ الْأَمْرِ إلَى جِهَةِ الْأَمْرِ فَاخْتَلَفَ فيه أَصْحَابُنَا فَذَهَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَى اعْتِبَارِهَا وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ منهم إلَى أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ لَكِنْ إذَا وَرَدَتْ الصِّيغَةُ مُجَرَّدَةً عن الْقَرَائِنِ حُمِلَتْ عليه وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَهِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا على أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ وَاتَّفَقَ الْمُعْتَزِلَةُ على اعْتِبَارِهَا قال وهو يَنْبَنِي على أَصْلٍ كَبِيرٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وهو أَنَّ الْكَائِنَاتِ بِأَسْرِهَا وَحَيِّزِهَا لَا تَجْرِي عِنْدَنَا إلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَأَمَّا الْمَازِرِيُّ فَنَقَلَ عن الْمُعْتَزِلَةِ اشْتِرَاطَ الْإِرَادَاتِ الثَّلَاثِ إلَّا الْكَعْبِيَّ فإنه لم يَعْتَبِرْ الْأُولَى قال الْمُقْتَرَحُ فَمَذْهَبُ الْكَعْبِيِّ مُتَهَافِتٌ فإنه نَفْيٌ لِلْإِرَادَةِ عن الْقَدِيمِ تَعَالَى وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَارِي تَعَالَى آمِرًا وَفِيهِ رَفْضُ الشَّرَائِعِ عن آخِرِهَا وَلَمَّا قِيلَ له إنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ طَافِحٌ بِنِسْبَةِ الْإِرَادَةِ إلَيْهِ تَعَالَى فَكَيْفَ جَوَابُك قال إنْ أُرِيدَ بِأَنَّهُ مُرِيدٌ لِأَفْعَالِهِ كان مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَالِقُهَا وَمُنْشِئُهَا وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مُرِيدٌ لِأَفْعَالِ عِبَادِهِ كان مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بها وَهَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ من جِهَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في حَقِيقَةِ الْأَمْرِ الْإِرَادَةُ ثُمَّ يُجْعَلُ إطْلَاقُ الْإِرَادَةِ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْآمِرِ وَلِمَنْ يَنْتَصِرُ لِلْكَعْبِيِّ أَنْ يَقُولَ هو لم يَنْفِهَا غَايَتُهُ أَنَّهُ لم يَشْتَرِطْهَا وَلَا يَلْزَمُ من عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ النَّفْيُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ عِنْدَنَا غَيْرُ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهُ قد يَقُومُ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الطَّلَبِ مَعْنًى غَيْرُ إرَادَةِ الْفِعْلِ فَإِنَّا نَجِدُ الْآمِرَ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ وهو آمِرٌ وَإِلَّا لَمَا عُدَّ تَارِكُهُ مُخَالِفًا وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ هو إرَادَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَيَلْزَمُهُمْ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَعَاصِي الْوَاقِعَةُ مَأْمُورًا بها لِأَنَّهَا مُرَادَةٌ أو لَا يَكُونُ وُقُوعُهَا بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحَالٌ وَلِلتَّخَلُّصِ من هذه الْوَرْطَةِ صَارَ أَصْحَابُنَا إلَى التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ لهم أَنْ يَقُولُوا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِمَا لَا يُرِيدُهُ حَقِيقَةٌ غَايَةُ ما في الْبَابِ أَنَّ صِيغَتَهُ صِيغَةُ الْأَمْرِ وقد يُمْنَعُ بِمَا سَبَقَ فإنه يُعَدُّ تَارِكُهُ مُخَالِفًا وَعِنْدِي أَنَّ الْخِلَافَ لم يَتَوَارَدْ على مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّا نُرِيدُ بِالْإِرَادَةِ الطَّلَبَ النَّفْسِيَّ الذي لَا يَتَخَلَّفُ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا يُرِيدُونَ ذلك لِإِنْكَارِهِمْ كَلَامَ النَّفْسِ وَإِنَّمَا يَقُولُونَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24