كتاب : تفسير ابن عبد السلام
المؤلف : عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)
{ يَسَّرْنَاهُ } جعلناه { بِلِسَانِكَ } عربياً ، أو أطلقنا به لسانك بتيسير .
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
{ فَارْتَقِبْ } فانتظر ما وعدتك من النصر إنهم منتظرون لك الموت ، أو انتظر ما وعدتك من الثواب إنهم كالمنتظرين ما وعدتهم من العقاب .
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
{ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ } أضافه إليه تعظيماً لشأنه ، أو افتتح بأنه كتاب منه كما يفتتح الكاتب كتابه بذكر اسمه والوجهان يجريان في أمثال هذه .
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)
{ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ } بنقل الشمال جنوباً والجنوب شمالاً ، أو إرسالها حيث شاء ، أو تارة رحمة وتارة نقمة .
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)
{ أَفَّاكٍ } كذاب ، أو مكذب بربه ، أو كاهن .
يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)
{ يُصِرُّ } يقيم على الشرك مستكبراً عن الطاعة ، أو الإصرار عقد العزم على الشيء من عقد الصرة إذا شدها { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } في عدم الاتعاظ بها والقبول لها ، نزلت في النظر بن الحارث .
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
{ لا يَرْجُونَ } لا يبالون نِعم الله أو لا يخشون عقاباً ولا يطمعون في نصره في الدنيا ولا في الآخرة وأراد بالأيام أيام النعم والنقم في الدنيا إذ ليس في الآخرة ليل ولا نهار ، أو أيام ثواب الآخرة وعقابها فعبّر عن الوقت بالأيام { يَغْفِرُواْ } تقديره « قل اغفروا » يغفر بالعفو وترك المجازاة على الأذى نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه سبّه مشرك فهمَّ أن يبطش به فلما نزلت كف عنه وهي محكمة في العفو عن الأذى في غير الدين ، أو نسختها آية السيف ، أو قوله { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } [ الحج : 39 ] .
وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
{ بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ } ذكر الرسول صلى الله عليه سلم وشواهد نبوته ، أو بيان الحلال والحرام { مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ } من بعد يوشع بن نون فآمن بعضهم وكفر بعض ، أو من بعد علمهم بما في التوراة { بَغْياً } طلباً للرياسة وأنفة من ابتاع الحق ، أو بغياً على الرسول صلى الله عليه وسلم بجحد صفته في كتابهم ، أو أرادوا رخاء الدنيا فأحلوا من كتابهم ما شاءوا وحرموا ما شاءوا .
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)
{ شَرِيعَةٍ } طريقة كالشريعة التي هي طريق الماء والشارع طريق إلى المقصد { مِّنَ الأَمْرِ } الدين لأنه طريق النجاة . أو الفرائض والحدود والأمر والنهي ، أو السنة ، أو البينة لأنها طريق إلى الحق أو السنة بمن تقدمه .
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
{ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ } اكتسبوا الشرك يريد عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة { كَالَّذِينَ ءَامَنُواْ } علي وحمزة وعبيدة بن الحارث حين برزوا لهم يوم يوم بدر فقتلوهم .
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
{ إِلَهَهُ هَوَاهُ } لا يهوى شيئاً إلا ركبه « ع » ، أو يعبد ما يهواه ويستحسنه كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه رماه وعبد الآخر ، أو أرأيت من ينقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ } وجده ضالاً ، أو ضل عند الله .
قال الشاعر :
هَبُوني امْرَأ منكُمْ أضلَّ بَعيرَهُ ... له ذِمَّةُ إِنَّ الذِّمَامَ كَبِيرُ
ضل عنه بعيره .
{ عَلَى عِلْمٍ } منه أنه ضال ، أو عَلِم الله تعالى في سابق علمه أنه سيضل { وَخَتَمَ علَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } فلا يسمع الوعظ ولا يفقه الهدى وغشي بصره فلا يبصر الرشد أخبر عنهم بذلك ، أو دعا به عليهم نزلت في الحارث ابن قيس ، أو في الحارث بن نوفل .
وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
{ نَمُوتُ } نحن ويحيا أولادنا ، أو يموت بعضنا ويحيا بعضنا ، أو تقديره نحيا ونموت { إِلا الدَّهْرُ } العمر ، أو الزمان ، أو الموت .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... والدهرُ ليسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
أو وما يهلكنا إلا الله . قاله عكرمة .
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
{ كُلَّ أُمَّةٍ } كل أهل ملة { جَاثِيَةً } مستوفزة والمستوفز الذي لا يصيب الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله أو مجتمعة « ع » ، أو متميزة ، أو خاضعة بلغة قريش ، أو باركة على الركب « ح » للكفار خاصة ، أو عامة فيهم وفي المؤمنين انتظاراً للحساب . قال الرسول صلى الله عليه وسلم « كأني أراكم بالكوم جاثين دون جهنم » { كِتَابِهَا } حسابها ، أو المنزل على رسولها ، أو الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من شر أو خير .
هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
{ هَذَا كِتَابُنَا } القرآن يدلكم على ما فيه من الحق فكأنه شاهد عليكم ، أو اللوح المحفوظ يشهد بما فيه من شقاوة وسعادة أو كتاب أعمالهم يشهد عليكم بما تضمنه من صدق أعمالكم . { نَسْتَنسِخُ } يستكتب الحفظة أعمالهم في الدنيا ، أو الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدون عندها من أحوال العباد . أو ما حفظته عليكم الحفظة لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال .
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)
{ نَنسَاكُمْ } نترككم في النار كما تركتم أمري ، أو نترككم من الخير كما تركتم العمل ، أو نترككم من الرحمة كما تركتم الطاعة .
وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
{ الْكِبْرِيَآءُ } العظمة ، أو السلطان ، أو الشرف ، أو البقاء { وَهُوَ الْعَزِيزُ } في انتقامه { الْحَكِيمُ } في تدبيره .
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
{ حم} قُضِي نزول الكتاب من الله العزيز الحكيم ، أو هذا الكتاب القرآن تنزيل من الله .
مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
{ بِالْحَقِّ } الصدق ، أو العدل ، أو للحق ، أو للبعث { وَأجَلٍ مُّسَمّىً } آجال الخلق ، أو القيامة .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
{ أَثَارَةٍ } راوية ، أو بقية ، أو علم تأثرونه عن غيركم . { أَثَرةٍ } خط ، أو ميراث ، أو خاصة ، أو بينة ، أو أثره يستخرجه فيثيره .
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
{ بِدْعاً } أولاً والبدع الأول والبديع من كل شيء المبتدأ { مَا يُفْعَلُ بِى وَلا بِكُمْ } في الدنيا دون الآخرة أتخرجوني ، أو تقتلوني كما أُخرجت الأنبياء وقُتلت { وَلا بِكُمْ } في العذاب والإمهال وفي تصديقي وتكذيبي « ح » ، أو في الآخرة قبل نزول { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله } [ الفتح : 2 ] عام الحديبية فعلم ما يفعل به فلما تلاها على أصحابه قالوا هنيئاً لك . قد بيّن الله تعالى لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت { لِّيُدْخِلَ المؤمنين } [ الفتح : 5 ] أو رأى في نومه بمكة أنه يخرج إلى أرض فلما اشتد عليهم البلاء قالوا : يا رسول الله : حتى متى نلقى هذا البلاء ومتى نخرج إلى الأرض التي أُريت فقال ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أنموت بمكة أم نخرج منها ، أو لا أدري ما أؤمر به ولا ما تؤمرون به .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
{ إِن كَانَ } القرآن من عند الله ، أو محمد نبياً منه { شَاهِدٌ } عبد الله بن سلام شهد على اليهود أن محمداً صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة « ع » ، أو آمين بن يامين لما أسلم ابن سلام قال : أنا شاهد كشهادته ومؤمن كإيمانه ، أو هو موسى مثل محمد يشهد على نبوته والتوراة مثل القرآن تشهد بصحته ، أو مؤمنو بني إسرائيل بموسى والتوراة لأن محمداً مثل موسى والتوراة مثل القرآن ، أو موسى الذي هو مثل محمد شهد على التوراة التي هي مثل القرآن { فَآمَنَ } ابن سلام بالرسول والقرآن واستكبر الباقون عنه . أو آمن من آمن بموسى والتوراة واستكبرتم أنتم عن الإيمان بمحمد والقرآن . وجواب الشرط محذوف التقدير فآمن أتؤمنون ، أو أفما تهلكون ، أو فمن أضَلُّ منكم .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } لو كان ما جاء به محمد خيراً لما أسلمت غفار قالته قريش ، أو قال الكفار لو كان خيراً ما سبقنا إليه اليهود ، أو الذين كفروا عامر وأسد وغطفان وحنظلة قالوا لمن أسلم من غفار وأسلم وغطفان وجهينة وأشجع : لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا إليه رعآء البهم ، أو لما أسلمت زِنِّيرة أُصيب بصرها فقالوا أصابك اللات والعزى فرد الله بصرها فقال عظماء قريش لو كان خيراً ما سبقتنا إليه زِنِّيرة { لَمْ يَهْتَدُواْ } يؤمنوا { بِهِ } بالقرآن ، أو بمحمد صلى الله عليه وسلم .
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
{ اسْتَقَامُواْ } على أن الله ربهم ، أو على شهادة أن لا إله إلا الله « ع » ، أو على أداء الفرائض « ع » ، أو على إخلاص الدين والعمل ، أو استقاموا عليه فلم يرجعوا عنه إلى موتهم { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } في الآخرة { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } عند الموت .
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
{ إِحْسَاناً } براً { كُرْهاً } بمشقة والكره بالضم ما حمله الإنسان على نفسه وبالفتح ما حمل على غيره { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ } فطامه ثلاثونَ شهراً مدة لأكثر فصاله وأقل حمله ففصاله حولان كاملان فإن وضعته لتسعة أشهر ، أو أكثر فلا يوجب ذلك نقص الحولين قاله الجمهور ، أو الثلاثون جامعة لزمان الحمل ومدة الرضاع فإن وضعته لتسعة أشهر أرضعته إحدى وعشرين شهراً وإن وضعته لعشرة أرضعته عشرين لئلا تزيد مدتهما على الثلاثين « ع » { أَشُدَّهُ } بلوغه ، أو خمس عشرة سنة ، أو ثماني عشرة سنة ، أو عشرون ، أو خمس وعشرون ، أو ثلاثون ، أو ثلاث وثلاثون « ع » ، أو أربع وثلاثون ، أو أربعون « ح » { أَرْبَعِينَ سَنَةً } لأنها زمان الأشد ، أو زمان الاستواء ولما بلغ موسى أشده واستوى ببلوغ الأربعين ، أو لأنها عمر بعد تمام عمر { أَوْزِعْنِى } ألهمني أصله الإغراء أوزع بكذا أغرى به . { فِى ذُرِّيَّتِى } اجعلهم لي خلف صدق ولك عبيد حق وأبراراً بي مطيعين لك ، أو وفقهم لما يرضيك عنهم { تُبْتُ إِلَيْكَ } رجعت عما كنت عليه نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه خاصة أو هي عامة « ح » .
أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)
{ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ } نقبل حسناتهم ونغفر خطاياهم إذا أسلموا ، أو الجزاء بالحسنة عشراً ، أو الطاعات يثابون عليها لأنها أحسن أعمالهم وليس في المباح ثواب ولا عقاب { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } بالرحمة ، أو عن صغائرهم بالعفو ، أو عن كبائرهم بالتوبة { وَعْدَ الصِّدْقِ } الجنة { الَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } في الدنيا على ألسنة الرسل .
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)
{ أُفٍّ } كلمة تبرم يقصد بها إظهار السخط وقبح الرد وأصل الأف والتف أن الأف وسخ الأذن والتف وسخ الأنف أو الأف وسخ الأظفار والتف الذي يكون في أصول الأفخاذ ، أو الأف تقليب الأنف والتف الإبعاد { أَنْ أُخْرَجَ } أبعث { يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ } يدعوان اللهم أهده اللهم أقبل بقلبه اللهم اغفر له { وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ } فلم يبعثوا نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر كان أبوه وأمه يدعوانه إلى الإسلام فيجيبهما بذلك ثم أصاب الله تعالى فيه دعوة ابيه فأسلم ونزلت توبته في قوله { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } [ الأحقاف : 19 ] قاله السدي وقال ما رأيت بالمدينة أعبد منه أو في عبد الله بن أبي بكر قاله مجاهد ، أو في جماعة من الكفار قالوا ذلك لآبائهم ولذلك قال { أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول } [ الأحقاف : 18 ] فأراد بقوله { وَالَّذِى } جمعاً لأنهم يذكرون الواحد يريدون به الجمع .
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)
{ طَيِّبَاتِكُمْ } شبابكم وقوتكم من قولهم ذهب أطيباه أي شبابه وقوته . قاله الضحاك . { الْهُونِ } الهوان بلغة قريش .
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)
{ أَخَا عَادٍ } في النسب { بِالأَحْقَافِ } جمع حقف وهو ما استطال واعوج من الرمل العظيم ولم يبلغ أن يكون جبلاً هي رمال مشرفة على البحر في الشِّحْر باليمن ، أو أرض من حُسمى تسمى الأحقاف ، أو جبل بالشام يسمى الأحقاف ، أو ما بين عمان وحضرموت ، أو واد بين عمان ومهرة « ع » { وَقَدْ خَلَتِ النُذُرُ } الرسل { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } قبله . { وَمِنْ خَلْفِهِ } بعده .
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)
{ لِتَأْفِكَنَا } لتزيلنا عن عبادتها بالإفك ، أو لتصدنا عنها بالمنع .
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)
العارض : السحاب لأخذه في عرض السماء أو لأنه يملأ آفاقها ، أو لأنه مار فيها والعارض المار الذي لا يلبث وهذا أشبه ، وكان المطر أبطأ عنهم فظنوه سحاباً ممطراً . فقال بكر بن معاوية منهم هذا عارض ممطر فنظر إليه هود فقال { بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ } لأنهم استعجلوا العذاب استهزاء فنظر بكر بن معاوية إلى السحاب فقال إني لأرى سحاباً مرمداً لا يبقى من عاد أحداً ، والريح : الدبور كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم واعتزل هود والمؤمنون في حظيرة لا يصيبهم منها إلا ما يلين على الجلود وتلذ به الأنفس وإنها لتمر من عاد بالظُّعن بين السماء والأرض قال شاعرهم :
فدعا هود عليهم ... دعوة أضحوا همودا
عصفت ريح عليهم ... تركت عادا خمودا
سخرت سبع ليال ... لم تدع في الأرض عودا
وعُمِّر هود بعدهم في قومه مائة وخمسين سنة .
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)
فيما لم نمكنكم فيه « ع » ، أو فيما مكناكم فيه وإن صلة زائدة .
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
{ صَرَفْنَآ } صرفوا عن استراق السمع لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا ما هذا الذي حدث في الأرض ضربوا في الأرض حتى وقفوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة عامداً إلى عكاظ وهو يصلي الفجر فنظروا إلى صلاته واقتداء أصاحبه به وسمعوا القرآن فرجعوا إلى قومهم فقالوا { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } [ الجن : 1 ] « ع » ، وكانت السورة التي قرأها ببطن نخلة { سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى } [ الأعلى : 1 ] « ع » ، أو صرفوا عن بلادهم بتوفيق الله تعالى هداية لهم حتى وقفوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة وكانوا من جن نصيبين « ع » أو نينوى ، أو جزيرة الموصل ، أو حَران اثنا عشر ألفا من جزيرة الموصل ، أو تسعة أحدهم زوبعة ، أو سبعة ثلاثة من أهل نجران وأربعة نصيبين ولم يشعر بهم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أوحي إليه أمرهم وأخبر به « ع » أو أعلمه الله تعالى بهم قبل مجيئهم فأتاهم وقرأ عليهم القرآن وقضى بينهم في قتيل منهم { فَلَمَّا قُضِىَ } فرغ من الصلاة { وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } بالرسول صلى الله عليه وسلم مخوفين به ، أو فلما فرغ من القراءة ولوا إلى قومهم مؤمنين .
وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)
{ دَاعِىَ اللَّهِ } نبيه { فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ } أي سابق فلا يفوت الله هرباً .
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
{ أُوْلُواْ الْعَزْمِ } الذين أمروا بالقتال ، أو العرب من الأنبياء ، أو من لم تصبه منهم فتنة ، أو من أصابه بلاء بغير ذنب أو أولو العزم الذين صبروا على أذى قومهم فلم يجزعوا أو جميع الأنبياء أولو العزم أُمِر أن يصبر كما صبروا أو نوح وهود وأبراهيم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون رابعهم ، أو نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى ، أو إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد أو منهم إسماعيل ويعقوب أيوب وليس منهم يونس ولا سليمان لا آدم { وَلا تَسْتَعْجِل } بالدعاء عليهم ، أو بالعذاب { مَا يُوعَدُونَ } من العذاب ، أو الآخرة { لَمْ يَلْبَثُواْ } في الدنيا ، أو القبور { بَلاغٌ } هذا اللبث بلاغ أو هذا القرآن بلاغ ، أو ما وصفه من هلاك الدنيا ، أو عذاب الآخرة بلاغ { فَهَلْ يُهْلَكُ } بعد هذا البلاغ { إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } أي المشركون قيل نزلت هذه الآية بأُحد فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم .
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)
{ كَفَرُواْ } بالتوحيد { سَبِيلِ اللَّهِ } الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، أو عن بيت الله بمنع قاصديه إذا عرض عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم الدخول في الإسلام قيل نزلت في اثني عشر رجلاً من أهل مكة .
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)
{ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ } الأنصار { وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } بمواساتهم في مساكنهم وأموالهم ، أو خاصة في ناس من قريش { وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } بهجرتهم { كَفَّرَ } ستر ، أو غفر { بَالَهُمْ } حالهم ، أو شأنهم ، أو أمرهم .
ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)
{ الْبَاطِلَ } الشيطان ، أو إبليس { اتَّبَعُواْ الحَقَّ } القرآن ، أو محمداً صلى الله عليه وسلم لمجيئه بالحق { لِلنَّاسِ } محمد صلى الله عليه وسلم ، أو عام { أَمْثَالَهُمْ } صفات أعمالهم .
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
{ الَّذِينَ كَفَرُواْ } عبدة الأوثان ، أو كل كافر من كتابي أو مشرك إذا لم يكن ذمة أو عهد . { فَضَرْبَ الرِّقَابِ } بالقتل صبراً عند القدرة ، أو قتالهم بالسلاح واليدين . { أَثْخَنتُمُوهُمْ } ظفرتم بهم { فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ } بالأسر { مَنّاً } بالعفوا والإطلاق { فِدَآءً } بمال ، أو أسير ، أو بالبيع { الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أثقالها من السلاح . الوزر الثقل ، وزير الملك يحمل أثقاله ، أو يضعون السلاح بالهزيمة ، أو الموادعة ، أو أوزار كفرهم بالإسلام ، أو يظهر الإسلام على الدين كله ، أو ينزل عيسى بن مريم . وهي منسوخة بقوله { فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } [ الأنفال : 57 ] أو محكمة فتخير الإمام بين المن والفداء ، والقتل والاسترقاق { لانتَصَرَ مِنْهُمْ } بالملائكة ، أو بغير قتال { وَالَّذِينَ قُتِلُواْ } قيل قتلى أُحد .
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)
{ سَيَهْدِيهِمْ } يحقق لهم الهداية ، أو إلى محاكمة منكر ونكير في القبر أو إلى طريق الجنة .
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
{ عَرَّفَهَا } بوصفها على ما يشوق إليها ، أو عرفهم ما لهم فيها من الكرامة ، أوطَيَّبها بأنواع الملاذ من العَرْف وهو الرائحة الطيبة ، أو عرفهم مساكنهم حين لا يسألون عنها ، أو وصفها لهم في الدنيا فلما دخلوها عرفوها بصفتها .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
{ تَنصُرُواْ اللَّهَ } دينه ، أو نبيه { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } بالنصر ، أو قلوبكم بالأمن .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)
{ فَتَعْساً } خزياً ، أو شقاء ، أو شتماً من الله ، أو هلاكاً ، أو خيبة أو قبحاً ، أو بعداً ، أو غماً . والتعس الانحطاط والعثار .
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)
{ أَفَمَن كَانَ } محمد والبينة : الوحي ، أو المؤمنون والبينة معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الدين ، أو القرآن { كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ } بالشرك ، أو عبادة الأوثان عامة ، أو في الأثنى عشر رجلاً من قريش زينها الشيطان ، أو أنفسهم { وَاتَّبَعُواْ } يعني المنافقين ، أو من زين له سوء عمله .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)
{ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } عبد الله بن أُبي وجامعة من المنافقين ، كانوا يستمعون خطبة الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين أعرضوا فإذا خرجوا سألوا عنه ، أو كانوا يحضرون مع المؤمنون فيسمعون قوله فيعيه المؤمن دون المنافق { أُوتُواْ الْعِلْمَ } ابن عباس وابن مسعود ، أو أبو الدرداء ، أو الصحابة قاله ابن زيد { ءَانِفاً } قريباً ، أو مبتدئاً سألوا عن ذلك استهزاء ، أو بحثاً عما جهلوه .
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)
{ زَادَهُمْ } الاستهزاء هدى ، أو زادهم القرآن ، أو الناسخ والمنسوخ { هُدىً } علماً ، أو نصرة في الدين وتصديقاً للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو شرحاً لصدورهم ، أو عملاً بما علموا مما سمعوا { تَقْوَاهُمْ } الخشية ، أو ثواب التقوى ، أو وفقهم للعمل بما فرض عليهم ، أو بين لهم ما يتقون ، أو ترك المنسوخ والعمل بالناسخ .
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)
{ أَشْرَاطُهَا } آياتها ، أو انشقاق القمر على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه آخر الرسل وأمته آخر الأمم . « بعثت والساعة كهاتين » { فَأَنَّى لَهُمْ } كيف لهم بالنجاة { جَآءَتْهُمْ } الساعة ، أو الذكرى عند مجيء الساعة { ذِكْرَاهُمْ } تذكيرهم بما عملوا من خير ، أو شر ، أو دعاؤهم بأسمائهم تبشيراً وتخويفاً . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « أحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة يا فلان قم إلى نورك . يا فلان قم فلا نور لك » .
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
{ فَاعْلَمْ } أن الله أعلمك { أَنَّهُ لآ إِلَهَ إِلا اللَّهُ } هو ، أو ما علمته استدلالاً فاعلمه يقيناً ، أو ما ذكر عبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه .
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)
{ لَوْلا نُزِّلَتْ } كان المؤمنون إذا تأخر نزول القرآن اشتاقوا إليه وتمنوه { مُّحْكَمَةٌ } بذكر الحلال والحرام ، أو بالقتال { مَّرَضٌ } شك لأن القلب به كالمريض { فَأَوْلَى لَهُمْ } وعيد كأنه قال العقاب أولى ، أو أولى لهم . { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } من أن يجزعوا عن فرض الجهاد ، أو طاعة وقول معروف حكاية من الله تعالى عنهم قبل فرض الجهاد { مَّعْرُوفٌ } الصدق والقبول ، أو الإجابة بالسمع والطاعة { صَدَقُواْ اللَّهَ } بأعمالهم { لَكَانَ خَيْراً } من نفاقهم .
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)
{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ } يا قريش ، أو أيها الخوارج ، أو المنافقون وهو الأظهر { تَوَلَّيْتُمْ } الحكم فتفسدوا بأخذ الرشا ، أو توليتم أمر الأمة أن تفسدوا بالظلم ، أو توليتم عن القرآن فتفسدوا بسفك الدم ، أو توليتم عن الطاعة فتفسدوا بالمعاصي وقطع الأرحام .
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
{ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ } اليهود كفروا بمحمد بعد علمهم أنه نبي ، أو المنافقون قعدوا عن الجهاد بعدما علموه في القرآن . { سَوَّلَ } أعطاهم سؤالهم ، أو زين لهم خطاياهم { وَأَمْلَى لَهُمْ } أمهلهم الله بالعذاب ، أو مدَّ لهم في الأمل ، أو مدَّ الشيطان آمالهم بالتسويف .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
{ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ } قالت اليهود للمنافقين { سَنُطِيعُكُمْ } في أن لا نصدق بشيء من مقالته ، أو في كتم ما علمناه من نبوته ، أو قال المنافقون لليهود سنطيعكم في غير القتال في بغض محمد والقعود عن نصرته ، أو في الميل إليكم والمظاهرة على محمد ، أو في الارتداد بعد الإيمان .
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)
{ مَّرَضٌ } نفاق ، أو شك { أَضْغَانَهُمْ } غشهم ، أو حسدهم ، أو حقدهم ، أو عدوانهم .
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)
{ لَحْنِ الْقَوْلِ } كذبه ، أو فحواه واللحن الذهاب بالكلام في غير جهته ، واللحن في الإعراب الذهاب عن الصواب ، ألحن بحجته أذهب بها في الجهات ، فلم يتكلم بعدها منافق عند الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عرفه { يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } يميزها أو يراها .
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)
{ الْمُجَاهِدِينَ } في سبيل الله ، أو الزاهدين في الدنيا { وَالْصَّابِرِينَ } على الجهاد ، أو عن الدنيا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)
{ أَطِيعُواْ اللَّهَ } تعالى بتوحيده ، { الرَّسُولَ } صلى الله عليه وسلم بتصديقه ، أو أطيعوا الله تعالى في حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم في تعظيم الله عز وجل { أَعْمَالَكُمْ } حسناتكم بالمعاصي ، أو لا تبطلوها بالكبائر ، أو بالرياء والسمعة .
فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
{ يَتِرَكُمْ } ينقصكم أجود أعمالكم ، أو يظلمكم ، أو يستلبكم ، ومنه فقده « وُتِرِ أهله وماله » .
إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)
{ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ } لنفسه ، أو لا يسألكم جميعها في الزكاة ولكن بعضها ، أو لا يسألكم أموالكم إنما هي أمواله وهو المنعم بها .
إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)
{ فَيُحْفِكُمْ } بأخذ الجميع ، أو الإلحاح وإكثار السؤال من الحفاء وهو المشي بغير حذاء ، أو { فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ } فيجدكم تبخلوا .
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
{ تَتَوَلَّوْاْ } عن كتابي ، أو طاعتي أو الصدقة التي أمرتكم بها أو عن هذا الأمر فلا تقبلوه { قَوْماً غَيْرَكُمْ } أهل اليمن ، أو من شاء من سائر الناس ، أو الفرس . سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فضرب على منكب سلمان ، فقال : « هذا وقومه » { أَمْثَالَكُم } في البخل بالنفقة في سبيل الله ، أو في المعصية وترك الطاعة .
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)
{ فَتَحْنَا } أعلمناك بما أنزلناه من القرآن وعرفناك من الدين يعبّر عن العلم بالفتح ومنه { مَفَاتِحُ الغيب } [ الأنعام : 59 ] علم الغيب ، أو قضينا لك بفتح مكة قضاء بَيِّناً . وعده بذلك مرجعه من الحديبية ، أو قضينا في الحديبية قضاء مبيناً بالهدنة . قال جابر : ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية ، أو بيعة الرضوان قال البراء : أنتم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، أو نحره وحلقه يومئذ ، والحديبية بئر تمضمض فيها الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد غارت فجاشت بالماء .
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)
{ لِّيَغْفِرَ لَكَ } إكمالاً للنعمة عليك ، أو يَصْبرك على أذى قومك { مَا تَقَدَّمَ } قبل الفتح { وَمَا تَأَخَّرَ } بعده ، أو ما تقدم النبوة وما تأخر عنها ، أو ما وقع وما لم يقع . وعده بأنه مغفور إن وقع { نِعْمَتَهُ } بفتح مكة والطائف وخيبر ، أو بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر قال عبد الله بن أُبي للأنصار كيف تدخلون في دين رجل لا يدري ما يُفعل به ولا بمن اتبعه هذا والله هو الضلال المبين ، فقال شيحان : يا رسول الله ألا تسأل ربك يخبرك بما يفعل بك وبمن اتبعك فقال : إن له أجلاً فأبشرا بما يسركما فلما نزلت قرأها على أصحابه فقال أحدهم : هنيئاً مريئاً يا رسول الله قد بيّن الله تعالى لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت { لِّيُدْخِلَ المؤمنين } [ الفتح : 5 ] .
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)
{ السَّكِينَةَ } الصبر على أمر الله ، أو الثقة بوعده ، أو الرحمة لعباده .
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)
{ ظَنَّ السَّوْءِ } أن له شريكاً ، أو أنه لن يبعث أحداً ، أو أن يجعلهم كرسوله ، أو ينصرهم عليه . ظنت أسد وغطفان لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية أنه يقتل أو ينهزم فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سالماً ظافراً .
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)
{ شَاهِداً } على أمتك بالبلاغ ، أو بأعمالهم من طاعة ومعصية ، أو مبيناً لهم ما أرسلت به { وَمُبَشِّراً } للمؤمنين { وَنَذِيراً } للكافرين ، أو مبشراً بالجنة للطائع ونذيراً بالنار للعاصي .
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)
{ وَتُعَزِّرُوهُ } الضمائر الثلاثة لله ، فتوقيره بإثبات ربوبيته ونفي الأولاد والشركاء عنه ، أو التعزير والتوقير للرسول صلى الله عليه وسلم فتوقيره أن يدعى بالنبوة والرسالة دون الاسم والكنية ، أو تُسَوِّدوه ، والتعزير المنع وها هنا الطاعة ، أو التعظيم ، أو النصر . { وَتُسَبِّحُوهُ } بتنزيهه عن كل قبيح ، أو بالصلاة المشتملة على التسبيح { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } غودة وعشياً .
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
{ يُبَايِعُونَكَ } بيعة الرضوان { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } لأن بيعة نبيه طاعة له . سميت بيعة تشبيهاً بالبيع ، أو لأنهم باعوا أنفسهم بالجنة { يَدُ اللَّهِ } عقده في هذه البيعة فوق عقودهم ، أو قوته في نصرة النبي فوق قوتهم ، أو ملكه فوق ملكهم لأنفسهم ، أو يده بالمنة في هدايتهم فوق أيديهم في طاعتهم ، أو يده عليهم في فعل الخير بهم فوق أيديهم في بيعتهم { نَّكَثَ } نقض العهد عند الجمهور ، أو كفر { عَاهَدَ عَلَيْهُ } في البيعة ، أو الإيمان .
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)
{ بُوراً } فاسدين أو هلكى أو أشراراً .
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)
{ يُبَدِّلُواْ كَلامَ اللَّهِ } وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم بالنصر والظفر لما ظنوا ظن السوء أنه يهلك ، أو قوله { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } [ التوبة : 83 ] لما استأذنوا في الخروج لأجل الغنائم بعد امتناعهم عنه بظن السوء .
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)
{ لِّلْمُخَلَّفِينَ } المنافقون ثلاثة أحدهم : لا يؤمن { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } [ التوبة : 101 ] والثاني : تابوا { عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 102 ] فقبلت توبتهم والثالث : قوم بين الخوف والرجاء وهم المدعوون . { إِلَى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ } فارس ، أو الروم ، أو غطفان وهوازن بحنين ، أو بنو حنيفة مع مسيلمة ، أو قوم لم يأتوا بعد .
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
{ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } لما تأخر عثمان رضي الله تعالى عنه بمكة وأرجف بقتله بايع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه البيعة على الصبر والجهاد . وكانوا ألفاً وأربعمائة ، أو وخمسمائة ، أو ثلاثمائة والشجرة سَمُرة ، وسميت بيعة الرضوان لقوله تعالى : { لَّقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ } . { مَا فِى قُلُوبِهِمْ } من صدق النية ، أو كراهية البيعة على الموت . { السَّكِينَةَ } الصبر ، أو سكون النفس بصدق الوعج { فَتْحاً قَرِيباً } خيبر ، أو مكة .
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)
{ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً } خيبر ، أو كل مغنم غنمه المسلمون { لَكُمْ هَذِهِ } خيبر ، أو صلح الحديبية { أَيْدِىَ النَّاسِ } اليهود كف أيديهم عن المدينة لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية ، أو قريش بالحديبية أو الحليفان أسد وغطفان ، جاءوا لنصرة أهل خيبر فألقى في قلوبهم الرعب فانهزموا { وَلِتَكُونَ } فتح خيبر ، أو كف الأيدي { ءَايَةً } علامة لصدق وعد الله تعالى .
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)
{ وَأُخْرَى } أرض فارس والروم وكل ما فتحه المسلمون ، أو خيبر ، أو مكة { أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا } قدر عليها أو حفظها لكم لتفتحوها .
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)
{ سُنَّةَ اللَّهِ } طريقته السالفة في نصر رسله وأوليائه على أعدائه { وَلَن تَجِدَ } لن يغير سنته في نصرك على أعدائك .
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)
{ كَفَّ أَيْدِيَهُمْ } بالرعب { وَأَيْدِيَكُمْ } بالنهي ، أو أيديهم بالخذلان وأيديكم بالإبقاء لعلمه بمن يسلم منهم ، أو أيديكم وأيديهم بصلح الحديبية { بِبَطْنِ مَكَّةَ } الحديبية لأن بعضها مضاف إلى الحرم ، أو بمكة نفسها { أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } بفتح مكة فيكون نزول هذه الآية بعد الفتح ، أو بقضاء العمرة التي صدوكم عنها ، أو بالثمانين بأخذه الثمانين سلماً وأعتقهم وكانوا هبطوا من التنعيم ليقتلوا من ظفروا به .
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
{ وَصَدُّوكُمْ } عام الحديبية { مَعْكُوفاً } محبوساً ، أو واقفاً ، أو مجموعاً { مَحِلَّهُ } منحره أو الحرم المحل بالكسر غاية الشيء وبالفتح الموضع الذي يحله الناس وكان الهدى سبعين بدنة . { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } لم تعلموا إيمانهم { تَطَؤُهُمْ } بخيلكم ورجلكم فتقتلوهم ، أو لولا أن في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهن أن تطؤوا آباءهم فيهلك الأبناء { مَّعَرَّةٌ } إثم ، أو غرم الدية ، أو كفارة قتل الخطأ ، أو الشدة ، أو العيب ، أو الغم { تَزَيَّلبُواْ } تميزوا ، أو تفرقوا ، أو زايلوا حتى لا يختلطوا بمشركي مكة { لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ } بالقتل بالسيف ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار .
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
{ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } عصبيتهم لآلهتهم وأنفتهم أن يعبدوا غيرها ، أو أنفتهم من الإقرار بالرسالة والافتتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ومنعهم من دخول مكة { سَكِينَتَهُ } الصبر وإجابتهم إلى الصلح حتى عاد في قابل فقضى عمرته { كَلِمَةَ التَّقْوَى } لا إله إلا الله « ع » ، أو الإخلاص ، أو بسم الله الرحمن الرحيم ، أو قولهم سمعنا وأطعنا بعد خوضهم وسميت كلمة التقوى لأنهم يتقون بها غضب الله تعالى فكان المؤمنون أحق بكلمة التقوى ، أو أهل مكة لتقدم إنذارهم لولا سلب التوفيق .
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)
{ الرُّءْيَا } كان الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أنه يدخل مكة على الصفة المذكورة فلما صالح بالحديبية ارتاب المنافقون فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : فما رأيت في هذا العام { فَعَلِمَ } أن دخولها إلى سنة ولم تعلموه أنتم ، أو علم أن بها رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم { فَتْحاً قَرِيباً } صلح الحديبية ، أو فتح خيبر { إِن شَآءَ اللَّهُ } شرط واستثناء ، أو ليس بشرط بل خرج مخرج الحكاية معناه لتدخلنه بمشيئة الله تعالى أو إن شاء الله دخول الجميع أو البعض لأنهم علم أن بعضهم يموت .
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
{ سِيمَاهُمْ } ثرى الأرض وندى الطهور ، أو السمت الحسن ، أو الصفار من السهر ، أو تبدوا صلاتهم في وجوههم ، أو نور وجوههم يوم القيامة { مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ } بأن سيماهم في وجوههم { وَمَثَلُهُمْ فِى الإنْجِيلِ } كزرع ، أو كلا المثلين في التوراة والإنجيل { شَطْئَهُ } شوك السنبل وهو البهمي والسفا ، أو السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان ، أو فراخه التي تخرج من جوانبه . شاطىء النهر جانبه { فَآزَرَهُ } ساواه فصار مثل الأم ، أو شد فراخ الزرع أصول النبت وقواها { فَاسْتَغْلَظَ } باجتماع الفراخ مع الأصول { لِيَغِيظَ بِهِمُ } بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لأن ما أعجب المؤمنين من قوتهم كإعجاب الزراع بقوة زرعهم هو الذي غاظ الكفار منهم شبه ضعف الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره وإجابة الواحد بعد الواحد له حتى قوي أمره وكثر جمعه بالزرع يبدو ضعيفاً فيقوى حالاً بعد حال حتى يغلظ بساقه وأفراخه .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
{ لا تُقَدِّمُواْ } كان بعضهم يقول لو أنزل فِيَّ كذا لو أنزل فِيَّ كذا فنزلت ، أو نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه « ع » ، أو لا يفتاتوا على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو ذبحوا قبل الرسول صلى الله عليه سلم فأمروا بإعادة الذبح ، أو لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها المأمور به قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة عشر رجلاً من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم إلا ثلاثة فلما رجعوا إلى المدينة لقوا رجلين من بني سليم فسألوهم عن نسبهما فقالا من بين عامر فقتلوهما فأتى بنو سليم وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك عهداً وقد قتل منا رجلان فوداهما الرسول صلى الله عليه وسلم ونزلت هذه الآية في قتلهما { وَاتَّقُواْ } في التقديم { إِنَّ اللَّهُ سَمِيعٌ } لأقوالكم { عَلِيمٌ } بأفعالكم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)
{ لا تَرْفَعُواْ أصْوَاتَكُمْ } تمار عند الرسول صلى الله عليه وسلم رجلان فارتفعت أصواتهما فنزلت فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار { وَلا تَجْهَرُواْ } برفع أصواتكم ، أو لا تدعوه باسمه وكنيته كدعاء بعضكم بعضاً بالأسماء والكنى ولكن أدعوه بالنبوة والرسالة { أَن تَحْبَطَ } أي فتحبط ، أو لئلا تحبط .
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
{ امْتَحَنَ } أخلصها ، أو اختصها .
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)
{ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ } جاءه رجل فناداه من وراء الحجرة يا محمد إن مدحي زين وإن شتمي شين فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : « ويلك ذاك الله ، ذاك الله » فنزلت . أو قال قوم انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن كان نبياً فنحن أسعد الناس به وإن يكن ملكاً نعش في جنابه فأتوه ينادونه وهو في حجرته يا محمد يا محمد فنزلت قيل : كانوا تسعة من بني تميم .
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أحسن أدباً وطاعة لله ورسوله ، أو لأطلقت أسرارهم بغير فداء لأنه كان سبى قوماً من بني العنبر فجاءوا في فداء سبيهم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
{ جَآءَكُمْ فَاسِقٌ } الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقاً وأقبلوا نحوه فهابهم فرجع وأخبر الرسول صلى الله عليه سلم أنهم ارتدوا عن الإسلام فأرسل خالداً وأمره بالتثبت فأرسل خالد عيونه فرأوا أذانهم وصلاتهم فأخبروا خالداً فلما علم ذلك منهم أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت .
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
{ لَعَنِتُّمْ } لأثمتم ، أو لاتهمتم ، أو هلكتم ، أو نالتكم شدة ومشقة { حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ } حسَّنه عندكم ، أو بما وصف من الثواب عليه { وَزَيَّنَهُ } بما وعد عليه من نصر الدنيا وثواب الآخرة ، أو بدلالات صحته { وَكَرَّهَ } قبح ، أو بما وصف عليه من العقاب ، الفاسقون : الكاذبون أو كل ما خرج من الطاعة .
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
{ وَإِن طَآئِفَتَانِ } كان بين الأوس والخزرج قتال بالنعال والسعف ونحوه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت ، أو اختصم اثنان منهم في حق فقال أحدهما لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته فدعاه الآخر إلى المحاكمة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأبى لم يزل الأمر حتى نال بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال فنزلت ، أو كان لرجل منهم امرأة فأرادت زيارة أهلها فمنعها زوجها وجعلها في علية لا يدخل عليها أحد من أهلها فأرسلت إلى أهلها وجاءوا فأنزلوها لينطلقوا بها فاستعان زوجها بعصبته فجاءوا ليحولوا بينها وبين عصبتها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت ، أو مر الرسول صلى الله عليه وسلم بابن أُبي فوقف عليه فراث حماره فأمسك ابن أُبي أنفه وقال إليك حمارك فغضب ابن رواحة وقال أتقول هذا لحمار رسول الله صلى عليه وسلم فوالله لهو أطيب ريحاً منك ومن أبيك فغضب لكل واحد منهما قومه حتى اقتتلوا بالأيدي والنعال فنزلت فأصلح الرسول صلى الله عليه وسلم ما { الَّتِى تَبْغِى } بالتعدي في القتال ، أو ترك الصلح ، البغي التعدي بالقوة إلى طلب ما لا يستحق { إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو الصلح الذي أمر به { بِالْعَدْلِ } بالحق أو كتاب الله { الْمُقْسِطِينَ } ذوو العدل في أقوالهم وأفعالهم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
{ لا يَسْخَرْ } غني بفقير أو مسلم بمن أعلن بفسقه والقوم : الرجال خاصة لقيام بعضهم مع بعض ، أو لقيامهم بالأمور دون النساء { أَنفُسَكُمْ } أهل دينكم أو بعضكم بعضاً واللمز : العيب لا يطعن بعضكم على بعض ، أو لا يلعنه ، أو لا يخونه { تَنَابَزُواْ } وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به قدم وفد بني سلمة على الرسول صلى الله عليه وسلم ولأحدهم اسمان وثلاثة فكان يدعوه بالاسم فيقال إنه يكره هذا فنزلت أو التسمية بالأعمال السيئة بعد الإسلام يا سارق يا زاني ، أو يا فاسق ، أو التعيير بعد الإسلام بما سلف من الشرك أو تسميته بعد الإسلام باسم دينه السابق كاليهودي والنصراني لمن كان يهودياً أو نصرانياً ولا يأتي بالألقاب الحسنة والنبز اللقب الثابت ، أو القول بالقبيح نزلت في ثابت بن قيس نبز رجلاً بلقب كان لأمه ، أو في كعب بن مالك كان على المقسم فقال لعبد الله بن أبي حدرد يا أعرابي فقال له عبد الله يا يهودي فتشاكيا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو في الذين نادوا الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات لما عابوا أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم من الفقراء والموالي ، أو في عائشة رضي الله تعالى عنها عابت أم سلمة بالقِصَر أو بلباس تشهرت به .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
{ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ } ظن السوء { بَعْضَ الظَّنِّ } أي ظن السوء ، أو التكلم بما ظنه فإن لم يتكلم به فلا إثم عليه { تَجَسَّسُواْ } بتتبع عثرات المؤمن أو بالبحث عما خفي حتى يظهر ، والتجسس والتحسس واحد « ع » ، أو بالجيم البحث ومنه الجاسوس وبالحاء الإدراك ببعض الحواس ، أو بالحاء أن يطلبه لنفسه وبالجيم أن يكون رسولاً لغيره { وَلا يَغْتَب } الغيبة : ذكر العيب بظهر الغيب إذا كان صدقاً فإن كان كذباً فهو بهتان وإن كان من سماع فهو إفك { لَحْمَ أَخِيِهِ مَيْتاً } كما تمتنعون من أكل لحوم الموتى فكذلك يجب أن تمتنعوا من غيبة الأحياء ، أو كما يحرم الأكل يحرم الاغتياب { فَكَرِهْتُمُوهُ } كرهتم أن يغتابكم الناس فكذلك فاكرهوا غيبتهم ، أو كرهتم أكل الميتة فاكرهوا الغيبة .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
{ مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى } نهى عن التفاخر بالأحساب { شُعُوباً } النسب الأبعد والقبائل النسب الأقرب لأنها تشعبت من الشعوب ، أو الشعوب عرب اليمن من قحطان والقبائل ربيعة ومضر وسائر عدنان ، أو الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب { لِتَعَارَفُواْ } لا لتفتخروا ، وواحد الشعوب شَعب بالفتح والشِعب الطريق جمعه شِعاب .
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
{ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ } أعراب حول المدينة أظهروا الإسلام وأبطنوا الشرك ومنوا بإسلامهم على الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا : فضلنا على غيرنا لأنا أسلمنا طوعاً .
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
{ لا تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلامَكُم } لأنه إن كان حقاً فهو لخلاصكم وإن كان نفاقاً فللدفع عنكم فلا مِنَّة لكم فيه .
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{ قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } أقروا ولم يعملوا فالإسلام قول والإيمان عمل ، أو أرادوا التسمي باسم الهجرة قبل المهاجرة فأعلموا أن اسمهم أعراب ، أو منُّوا بإسلام وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم لم نقاتلك فقيل لهم [ لم ] تؤمنوا { وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } خوف السيف لأنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم وتركوا القتال فصاروا مستسلمين لا مسلمين فيكون من الاستسلام دون الإسلام قيل نزلت في أعراب بني أسد { يَلِتْكُم } لا يمنعكم ، أو لا ينقصكم من ثواب أعمالكم يألتكم ويلتكم واحد أو يألت أبلغ وأكثر من يلت .
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)
{ ق } اسم لله تعالى أقسم به ، أو اسم القرآن ، أو قضى والله كما حم : حُم والله ، أو الجبل المحيط بالدنيا { الْمَجِيدِ } الكريم أو الكثير القدر والمنزلة ، في كل الشجر نار واستمجد المرخ والعفار استكثر ، أو العظيم من مجدت الإبل عظمت بطونها من كلأ الربيع أقسم به تعظيماً لقدره وتشريفاً لخطره لأن القسم لا يكون في العرف إلا بمعظم .
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
{ عَجِيبٌ } كون الإله واحد ، أو كون المنذر منهم ، أو إنذارهم بالبعث .
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)
{ مَا تَنقُصُ الأَرْضُ } من يموت منهم ، أو ما تأكله من لحومهم وتبليه من عظامهم { كِتَابٌ } اللوح المحفوظ { حَفِيظٌ } لأعمالهم ، أو لما تأكله الأرض من لحومهم وأبدانهم .
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
{ بِالْحَقِّ } القرآن اتفاقاً { مَّرِيجٍ } مختلط ، أو مختلف ، أو ملتبس ، أو فاسد .
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)
{ فُرُوجٍ } شقوق ، أو فتوق إلا أن الملك تفتح له أبوابها .
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
{ مَدَدْنَاهَا } بسطناها { رَوَاسِىَ } جبالاً ثوابت واحدها راسية { بَهِيجٍ } حسن ، أو من أبهجني الأمر أي سرني لأن السرور يحدث حُسْن الوجه قال الشعبي : الناس نبات الأرض من دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم .
تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
{ تَبْصِرَةً } دلالة ، أو بصيرة للإنسان ، أو نعماً بصر الله تعالى بها عباده { مُّنِيبٍ } مخلص ، أو تائب ، أو راجع متذكر .
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
{ مُّبَارَكاً } لإحيائه النبات والحيوان { جَنَّاتٍ } البساتين عند الجمهور ، أو الشجر { وَحَبَّ الْحَصِيدِ } البُر والشعير وكل ما يحصد من الحبوب إذا تكامل واستحصد سمي حصيداً .
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
{ بَاسِقَاتٍ } طوالاً « ع » ، أو أثقلها حملها { نَّضِيدٌ } منضود أي متراكم « ع » ، أو منظوم ، أو قائم معتدل .
رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)
{ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ } ماء المطر ونبات الأرض { كَذَلِكَ الْخُرُوجُ } إذا كانت النشأة الأولى مقدورة من غير أصل فالثانية أولى بذلك لأن لها أصلاً ، أو مشاهدة إعادة ما مات من زرع ونبات دالة على أن إعادة الموتى أولى للتكليف والجزاء .
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)
{ الرَّسِّ } كل بئر لم تطو أو كل حفر في الأرض من بئر أو قبر وهي البئر التي قتل فيها صاحب ياسين ورسَّوه ، أو بئر بأذربيجان « ع » ، أو قوم باليمامة على آبارٍ لهم ، أو أصحاب الأخدود { وَثَمُودُ } قوم صالح وهم عرب بوادي القرى وما حوله من الثمر وهو الماء القليل .
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13)
{ وَعَادٌ } أسلم رجل من العماليق كثر ولده وصاروا قبائل بأحقاف اليمن وهم قوم هود { وَفِرْعَوْنُ } كان فارسياً من أهل اصطخر أو كان من أهل مصر وكان من لخم ، أو من تبع { وَإِخْوَانُ لُوطٍ } كانوا أربعة آلاف ألف ألف وما من نبي إلا يقوم يوم القيامة معه قوم إلا لوط فإنه يقوم وحده .
وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)
{ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ } قوم شعيب أهلكوا بيوم الظلة وأرسل إلى مدين أيضاً فأهلكوا بالصيحة والأيكة : الغيضة ذات الشجر الملتف وكان عامة شجرهم الدوم { تُبَّعٍ } لكثرة أتباعه أسلم وكفر قومه وهو حميري من ملوك العرب .
أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
{ أَفَعَيِينَا } ما عجزت عن أهلاك الأولين مع قوتهم أفيشكون في إهلاكي إياهم مع قلتهم وضعفهم ، أو ما عجزت عن الإنشاء أفتشكون في قدرتي على الإعادة . واللبس اكتساب الشك والخلق الجديد إعادة خلق بعد خلق أول .
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
{ تُوَسْوِسُ } الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل في خفاء وإسرار { الْوَرِيدِ } حبل معلق به القلب وهو الوتين ، أو عرق في الحلق عرق العنق وهو حبل العاتق وهما وريدان عن يمين وشمال سمي وريداً لأنه ينصب إليه ما يرد من الرأس { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ } من وريده الذي هو منه أو أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه .
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)
{ الْمُتَلَقِّيَانِ } ملكان يتلقيان العمل أحدهما عن يمينك يكتب الحسنات والآخر عن شمالك يكتب السيئات وهم أربعة ملكان بالليل وملكان بالنهار { قَعِيدٌ } قاعد أو رصَد حافظ من القعود .
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
{ يَلْفِظُ } يتكلم من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم { رَقِيبٌ } متبع للأمور ، أو حافظ ، أو شاهد { عَتِيدٌ } حاضر لا يغيب ، أو حافظ معد للحفظ ، أو الشهادة .
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
{ تَحِيدُ } تفر ، أو تعدل .
وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)
{ سَآئِقٌ } ملك يسوقه إلى محشره ، أو أمر الله يسوقه إلى الحسنات { وَشَهِيدٌ } ملك يشهد بعمله ، أو الإنسان يشهد على نفسه بعمله ، أو يداه ورجلاه تشهد عليه ، أو العمل يشهد عليه بنفسه ، وهي عامة في المسلمين والكافرين عند الجمهور ، أو خاصة بالكفار .
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
{ كُنتَ } أيها النبي { غَفْلَةٍ } عن الرسالة فكشفنا عنك غطاءك بالوحي قاله ابن زيد ، أو كنت أيها الكافر في غفلة من عواقب كفرك { غِطَآءَكَ } كان في بطن أمه فولد ، أو في القبر فنشر « ع » ، أو وقت العرض في القيامة { فَبَصَرُكَ } بصيرتك سريعة ، أو صحيحة لسرعة مور الحديد وصحة قطعه ، أو أبصر عينك حديد شديد ، أو بصير « ع » ، ومدرَكه معاينة الآخرة ، أو لسان الميزان ، أو ما يصير إليه من ثواب وعقاب « ع » ، أو ما أمر من طاعة وحذر من معصية وهو معنى قول ابن زيد ، أو العمل الذي كان يعمله في الدنيا .
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)
{ قَرِينُهُ } الملك الشهيد عليه ، أو الذي قيض له من الشياطين ، أو الإنس قاله ابن زيد { مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ } هذا الذي وكلت به قد أحضرته ، أو هذا الذي كان يحبني وأحبه قد حضر قاله ابن زيد .
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)
{ أَلْقِيَا } يؤمر بإلقاء كل كافر ملكان ، أو ملك ويؤمر بلفظ الاثنين قال :
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر ... وإن تَدَعَاني أحمِ عِرضاً ممنعاً
أو بمعنى تثنية القول ألق ألق . { عَنِيدٍ } معاند للحق ، أو منحرف عن الطاعة ، أو جاحد متمرد ، أو مشاق ، أو المعجب بما عنده المقيم على العمل به .
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25)
{ لِّلْخَيْرِ } المال أن ينفقه في الطاعة ، أو الزكاة المفروضة ، أو عام في الخير من قول وعمل { مُّرِيبٍ } شاك في الله تعالى ، أو في البعث ، أو متهم نزلت في الوليد بن المغيرة استشاره بنو أخيه في الإسلام فمنعهم .
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)
{ لا تَخْتَصِمُواْ } اختصامهم اعتذار كل واحد منهم فيما قدم من معاصيه « ع » ، أو تخاصم كل واحد مع قرينه الذي أغواه في الكفر وأما خصامهم في مظالم الدنيا فلا يضاع لأنه يوم التناصف { بِالْوَعِيدِ } بالرسول صلى الله عليه وسلم « ع » ، أو القرآن ، أو الأمر والنهي .
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)
{ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ } فيما أَوجبه من أمر ونهي ، أو فيما وعد به من ثواب وعقاب أو في أن الحسنة بعشر والصلوات الخمس بخمسين صلاة { بِظَلامٍ } بمعذب من لم يجترم « ع » .
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
{ نَقُولُ } بلسان حالها .
امتلأ الحوض وقال قطني ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أو يقول زبانيتها { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } هل يزاد إلى من ألقي فيَّ غيرهم كالاستخبار عمن بقي ، أو امتلأت بمن ألقي فهل أتسع لغيرهم ، أو هل يزاد في سعتي لإلقاء غير من ألقي فيَّ .
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
{ أَوَّابٍ } ذاكر ذنبه في الخلاء ، أو إذا ذكر ذنباً تاب واستغفر ، أو الذي لا يقوم من مجلس حتى يستغفر { حَفِيظٍ } لوصية الله تعالى ، أو مطيع فيما أُمِر ، أو حافظ لحق الله تعالى بالاعتراف ولنعمه بالشكر .
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
{ بِالْغَيْبِ } يدع الذنب سراً كما يدعه جهراً ، أو يتوب سراً كما أذنب سراً ، أو أطاع الله تعالى بالأدلة ولم يره { مُّنِيبٍ } تائب ، أو مقبل على الله تعالى أو مخلص .
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
{ مَزِيدٌ } مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها ، أو التزوج بالحور العين ويوم الجمعة يسمى في الآخرة يوم المزيد إما لزيادة ثواب العمل فيه أو لأن الله تعالى يقضي فيه بين خلقه يوم القيامة .
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
{ فَنَقَّبُواْ } أثَّروا ، أو ملكوا ، أو ساروا ، أو طَوَّفوا ، أو اتخذوا فيها طرقاً ومسالك { مَّحِيصٍ } منجى من الموت ، أو مهرب ، أو مانع .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
{ قَلْبٌ } عقل لأن القلب محله ، أو نفس حية مميزة عبر عنها بالقلب لأنه وظنها ومعدن حياتها { أَلْقَى السَّمْعَ } فيما غاب عنه بالأخبار { وَهُوَ شَهِيدٌ } فيما عاينه بالحضور ، أو سمع ما نزل من الكتب وهو شهيد بصحته ، أو سمع ما أُنذر به من ثواب وعقاب وهو شهيد على نفسه بما عمل من خير أو شر خاصة بأهل القرآن ، أو باليهود والنصارى ، أو عامة في جميع أهل الكتب .
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
{ لُّغُوبٍ } نصب وتعب زعم يهود المدينة أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت ولذلك جعلوه يوم راحة فنزلت تكذيباً لهم .
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
{ عَلَى مَا يَقُولُونَ } من تكذيب ، أو وعيد { وَسَبِّحْ } بقولك تنزيهاً لله تعالى ، أو فَصَلّ قبل طلوع الشمس الصبح .
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
{ فَسَبِّحْهُ } قولاْ بالليل ، أو عشاء الآخرة ، أو صلاة الليل ، أو ركعتا الفجر { وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } التسبيح أدبار الصلوات ، أو النوافل بعد الفرائض ، أو ركعتان بعد المغرب قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « ركعتين بعد المغرب إدبار السجود وركعتين قبل الفجر إدبار النجوم » .
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)
{ يُنَادِ } بالنفخة الثانية إلى أرض المحشر { مَّكَانٍ قَرِيبٍ } صخرة بيت المقدس ، أو وسط الأرض : يا أيتها العظام البالية قومي لفصل القضاء وما أعد من الجزاء وهي أقرب إلى السماء بثمانية عشرة ميلاً ، أو يسمعها كل قريب وبعيد .
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
{ بِالْحَقِّ } بقول الحق ، أو بالبعث الذي هو حق { الْخُرُوجِ } من القبور ، أو الخروج من أسماء القيامة .
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
{ بِجَبَّارٍ } برب ، أو متجبر مسلط عليهم ، كل متسلط : جبار ، أو لا تجبرهم على الإسلام من جبرته على الأمر قهرته عليه .
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)
{ وَالذَّارِيَاتِ } الرياح واحدتها ذارية لأنها تذرو التراب والتبن أي تفرقه في الهواء { ذَرْواً } مصدر ، أو مَا ذَرَتْه أقسم بها وبما ذرته .
فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)
{ فَالْحَامِلاتِ } السحاب موقرة بالمطر ، أو الرياح موقرة بالسحاب .
فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3)
{ فَالْجَارِيَاتِ } السفن ، أو السحاب { يُسْرًا } إلى حيث يسرها الله من البلاد ، أو سهولة تيسيرها .
فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)
{ فَالْمُقَسِّمَاتِ } السحاب يقسم الله بها الحظوظ بين الناس ، أو الملائكة تقسم أمره في خلقه : جبريل صاحب الوحي والغلظة ، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة ، وإسرافيل صاحب الصور واللوح ، وعزرائيل قابض الأرواح؛ أقسم الله تعالى بذلك لما فيه من الآيات والمنافع .
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)
{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ } يوم القيامة كائن ، أو الثواب والعقاب حق .
وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)
{ الدِّينَ } الحساب لواجب ، أو الجزاء لكائن .
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)
{ والسَّمَآءِ } السحاب أو السماء المعروفة على المشهور قال ابن عمر رضي الله عنهما هي السماء السابعة { الْحُبُكِ } الاستواء « ع » ، أو الشدة ، أو الصفاقة ، أو الطرائق من حباك الحمام طرائق على جناحه ، أو الحسن والزينة ، أو كحبك الماء إذا ضربته الريح ، أو الريح ، أو لأنها حبكت بالنجوم « ج » .
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)
{ قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } أمر مختلف فمؤمن وكافر ومطيع وعاصٍ ، أو مصدق بالقرآن ومكذب به ، أو أهل الشرك يختلف عليه بالباطل .
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
{ يُؤْفَكُ } يضل عنه من ضل « ع » ، أو يصرف عنه من صرف ، أو يؤفن عنه من أفن ، والأفَن فساد العقل ، أو يخدع عنه من خدع ، أو يكذب فيه من كذب ، أو يدفع عنه من دفع .
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)
{ قُتِلَ } لعن { الْخَرَّاصُونَ } المرتابون ، أو الكذابون ، أو أهل الظنون والفرية ، أو المتكهنون ، والخرص هاهنا تعمد الكذب ، أو ظن الكذب لأن الخرص حذر وظن ومنه خرص الثمار ، خرصوا للتكذيب بالرسول صلى الله عليه وسلم ، أو بالبعث .
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11)
{ غَمْرَةٍ } غفلة لاهون « ع » ، أو ضلالة يتمادون ، أو عمىً وشبهة يترددون .
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)
{ أَيَّانَ } متى يوم الجزاء قيل إنها مركبة من أي والآن .
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)
{ يُفْتَنُونَ } يعذبون ، أو يطبخون ويحرقون كما يفتن الذهب بالنار ، أو يكذبون توبيخاً وتقريعاً .
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
{ فِتْنَتَكُمْ } عذابكم أو تكذيبكم أو حريقكم .
آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
{ مَآ ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ } من الفرائض « ع » ، أو الثواب { قَبْلَ ذَلِكَ } قبل الفرائض { مُحْسِنِينَ } بالإجابة ، أو قبل القيامة محسنين بالفرائض .
كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
{ كَانُواْ قَلِيلاً } تم الكلام ثم قال { مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } الهجوع : النوم ، أو كان هجوعهم قليلاً ، أو كان القليل منهم ما يهجعون وإن كان الأكثر هجوعاً ، أو كانوا في قليل من الليل ما يهجعون حتى صلوا المغرب والعشاء ، أو قليلاً يهجعون وما صلة وهذا لما كان قيام الليل فرضاً .
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
{ يَسْتَغْفِرُونَ } يصلون ، أو يؤخرون الاستغفار إلى السَّحَر كما آخره يعقوب لبنيه ، قال ابن زيد : السحر هو السدس الأخير من الليل .
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
{ حَقٌّ } معلوم : الزكاة ، أو غيرها مما يصل به رحماً ، أو يقري به ضيفاً ، أو يحمل به كلاً ، أو يغني به محروماً « ع » { وَالْمَحْرُومِ } الذي لا يسأل ، أو الذي يجيء بعد الغنيمة ليس له فيها سهم ، أو من لا سهم له في الإسلام « ع » أو من لا يكاد يتيسر له كسب أو من يطلب الدنيا وتدبر عنه « ع » ، أو المصاب بثمره وزرعه ، أو المملوك أو الكلب .
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
{ وَفِى الأَرْضِ ءَايَاتٌ } الجبال والبحار والأنهار ، أو من أهلك من الأمم الخالية .
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)
{ وَفِى أَنفُسِكُمْ } سبيل البول والغائط ، أو تسوية مفاصل الأيدي والأرجل والجوارح دال على أنه خلقكم لعبادته ، أو خلقكم من تراب ، فإذا أنتم بشر أو حياتكم وقوتكم وما يخرج ويدخل من طعامكم وشرابكم ، أو الكبر والضعف والشيب بعد الشباب والقوة والسواد « ح » .
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)
{ وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } ، من عند الله الذي في السماء ، أو المطر والثلج ينبتان الزرع فيحيا به الخلق فهو رزق من السماء { وَمَا تُوعَدُونَ } من خير وشر ، أو جنة ونار ، أو أمر الساعة .
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
{ إِنَّهُ لَحَقٌّ } ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ما عدده في هذه السورة من آياته وذكره من عظاته .
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
{ الْمُكْرَمِينَ } عند الله تعالى ، أو خدمهم إبراهيم بنفسه .
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)
{ سَلاماً } من المسالمة ، أو دعاء بالسلامة عند الجمهور ، { مُّنكَرُونَ } لا يُعرفون أو يخافون أنكرته خفته أنكرهم لمجيئهم على غير صور البشر وعلى غير صور الملائكة التي يعرفها .
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
{ فَرَاغَ } فعدل ، أو مال خفية { بِعِجْلٍ } كان عامة ماله البقر سُمي عجلاً لعجلة بني إسرائيل بعبادته ، أو لأنه عجل في اتباع أمه .
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)
{ بِغُلامٍ } إسحاق من سارة فبشرنا بإسحاق ، أو إسماعيل من هاجر .
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
{ صَرَّةٍ } رنَّة ، أو صيحة ومنه صرير الباب ، أو جماعة ومنه صُرَّة الدراهم ، المصرَّاة جُمع لبنها في ضرعها { فَصَكَّتْ } لطمت « ع » ، أو ضربت جبينها أتلد عجوز عقيم؟
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)
{ فَتَوَلَّى } أدبر ، أو أقبل من الأضداد { بِرُكْنِهِ } جموعه وجنده ، أو قوته « ع » ، أو جانبه ، أو عناده بالكفر وميله عن الحق .
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)
{ الْعَقِيمَ } التي لا تلقح ، أو لا تنبت ، أو لا رحمة فيها ، أو لا منفعة لها وهي الجنوب ، أو الدبور ، أو الصبا قال الرسول صلى الله عليه وسلم « وأهلكت عاد بالدبور » .
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
{ كَالرَّمِيمِ } التراب ، أو الرماد ، أو الشيء البالي الهالك ، أو ما ديس من يابس النبات .
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)
{ لَمُوسِعُونَ } الرزق بالمطر ، أو السماء ، أو لا يضيق علينا شيء نريده ، أو نخلق سماء مثلها ، أو على الاتساع بأكثر من اتساع السماء .
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
{ زَوْجَيْنِ } من كل جنس نوعين ، أو أمر خلقه ضدين : صحة وسقم ، وغنى وفقر ، وموت وحياة ، وفرح وحزن ، وضحك وبكاء .
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
{ فَفِرُّواْ } فتوبوا .
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
{ وَذَكِّرْ } بالقرآن ، أو بالموعظة .
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
{ لِيَعْبُدُونِ } ليقروا بالعبودية طوعاً ، أو كرهاً « ع » ، أو لآمرهم وأنهاهم ، أو لأجبلهم على الشقاء والسعادة ، أو ليعرفون ، أو للعبادة .
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)
{ مِّن رِّزْقٍ } أن يرزقوا عبادي ولا يطعموهم ، أو يرزقوا أنفسهم ولا يطعموها ، أو معونة ولا فضلاً .
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
{ ذَنُوباً } عذاباً ، أو سبيلاً أو عني به الدلو « ع » ، أو نصيباً { أَصْحَابِهِمْ } مكذبو الرسل من الأمم السالفة .
وَالطُّورِ (1)
{ وَالطُّورِ } الجبل بالسريانية ، أو اسم لما ينبت من الجبال دون ما لا ينبت « ع » وهو هنا طور سيناء ، أو الذي كلم عليه موسى عليه الصلاة والسلام ، أو جبل مبهم .
وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)
{ وَكِتَابٍ } القرآن في اللوح المحفوظ ، أو صحائف الأعمال ، أو التوراة ، أو كتاب تقرأ فيه الملائكة ، ما كان وما يكون .
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)
{ رَقٍّ مَّنشُورٍ } صحيفة مبسوطة تخرج للناس أعمالهم كل صحيفة رق لرقة حواشيها ، أو هي رق مكتوب ، أو ما بين المشرق والمغرب .
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
{ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ } بالقصد إليه ، أو بالمقام عليه وهو البيت الحرام ، أو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة لو خرَّ لخرَّ عليها يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، أو بيت في ست سماوات دون السابعة يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس ثم لا يعودون إليه ، أو كان في الأرض زمان آدم عليه الصلاة والسلام ، فرفع زمان الطوفان إلى السماء الدنيا يعمره كل يوم سبعون ألف ملك .
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
{ وَالسَّقْفِ } السماء ، أو العرش .
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
{ وَالْبَحْرِ } جهنم ، أو بحر تحت العرش ، أو بحر الأرض { الْمَسْجُورِ } المحبوس « ع » ، أو المرسل ، أو الممتلىء ، أو الموقد ناراً ، أو المختلط ، أو الذي ذهب ماؤه ويبس ، أو الذي لا يُشرب من مائه ولا يُسقى به زرع .
يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)
{ تَمُورُ } تدور ، أو تموج ، أو تشقق « ع » ، أو تكفأ ، أو تنقلب ، أو تجري جرياً ، أو السماء هنا الفلك وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره .
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)
{ يُدَعُّونَ } يدفعون دفعاً عنيفاً ، أو يزعجون إزعاجاً .
فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)
{ فَاكِهِينَ } معجبين ، أو ناعمين ، أو فرحين ، أو متقابلين بالحديث السار المؤنس من الفكاهة ، أو ذو فاكهة كلابن وتامر أو ذو بساتين فيها فواكه .
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)
{ سُرُرٍ } وسائد { مَّصْفُوفَةٍ } بين العرش ، أو مرمولة بالذهب . أو وصل بعضها إلى بعض فصارت صفاً { بِحُورٍ } سُمِّين بذلك لأنه يَحارُ فيهن الطرف ، أو لبياضهن ومنه الخبز الحواري { عِينٍ } عيناء وهي الواسعة العين في صفائها .
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)
{ وأَتْبَعْنَاهم } يدخل الله تعالى الذرية بإيمان الآباء الجنة ، أو نعطيهم مثل أجور الآباء من غير نقص في أجور الآباء ، أو البالغون أطاعوا الله تعالى فألحقهم الله بآبائهم ، أو لما أدركوا أعمال آبائهم تابعوهم عليها فصاروا مثلهم فيها { أَلَتْنَاهُم } ظلمناهم أو نقصناهم أي لم ننقص أجور الآباء ، بما أعطيناه الأبناء فضلاً منا وإكراماً للآباء { رَهِينٌ } مؤاخذ كما يؤخذ الحق من الرهن أو محتبس كاحتباس الرهن بالحق .
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)
{ يَتَنَازَعُونَ } يتعاطون ويناول بعضهم بعضاً المؤمن وزوجاته وخدمه { كَأْساً } كل إناء مملوء من شراب أو غيره فهو كأس ، فإذا فرغ لم يسم كأساً { لا لَغْوٌ فِيهَا } لا باطل في الخمر ولا مأثم « ع » ، أو لا كذب ولا خُلْف ، أو لا يتسابون عليها ولا يؤثم بعضهم بعضاً ، أو لا لغو في الجنة ولا كذب « ع » ، واللغو هنا فحش الكلام .
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)
{ غِلْمَانٌ } أولادهم الأصاغر ، أو أولاد غيرهم { مَّكْنُونٌ } مصون بالكن والغطاء .
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)
{ السَّمُومِ } النار ، أو اسم لجهنم ، أو وهجها ، أو حر السموم في الدنيا والسموم لفح الشمس والحر وقد يستعمل في لفح البرد .
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)
{ الْبَرُّ } الصادق ، أو اللطيف ، أو فاعل البر المعروف .
فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)
{ فَذَكِّرْ } بالقرآن { بِنِعْمَتِ رَبِّكَ } برسالته { بِكَاهِنٍ } بساحر تكذيباً لشيبة بن ربيعة { وَلا مَجْنُونٍ } تكذيباً لعقبة بن أبي معيط .
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)
{ نَّتَرَبَّصُ بِهِ } قال أناس منهم تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان قيل هم بنو عبد الدار { رَيْبَ الْمَنُونِ } الموت ، أو حوادث الدهر والمنون الدهر .
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)
{ خَزَآئِنُ رَبِّكَ } مفاتيح الرحمة ، أو خزائن الرزق { المسيطرون } المسلطون ، أو الأرباب ، أو المُنزِلون ، أو الحفظة من تسطير الكتاب الذي يحفظ ما كتب فيه فالمسيطر حافظ لما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ .
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)
{ سُلَّمٌ } مرتقى إلى السماء ، أو سبب يتوصل به إلى عوالي الأشياء تفاؤلاً فيه بالسلامة { بِسُلْطَانٍ } بحجة دالة على صدقه ، أو بقوة يتسلط بها على الاستماع تدل على قوته .
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)
{ كِسْفاً } قطعاً ، أو جانباً ، أو عذاباً سمي كسفاً لتغطيته والكسف التغطية ومنه كسوف الشمس { مَّرْكُومٌ } غليظ ، أو كثير متراكب .
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)
{ يُصْعَقُونَ } يموتون ، أو النفخة الأولى ، أو يوم القيامة يغشى عليهم من هوله { وَخَرَّ موسى صَعِقاً } [ الأعراف : 143 ] .
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)
{ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أهل الصغائر من المسلمين ، أو مرتكبو الحدود منهم { دُونَ ذَلِكَ } عذاب القبر ، أو الجوع ، أو مصائب الدنيا .
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
{ بِأَعْيُنِنَا } بعلمنا ، أو بمرأى منا ، أو بحراستنا وحفظنا { حِينَ تَقُومُ } من نومك افتتاحاً لعملك بذكر ربك ، أو من مجلسك تكفيراً للغوه ، أو صلاة الظهر ، إذا قام من نوم القائلة ، أو تسبيح الصلاة إذا قام إليها في ركوعها سبحان ربي العظيم وفي سجودها سبحان ربي الأعلى ، أو في افتتاحها سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك .
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
{ وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } صلاة الليل ، أو التسبيح فيها ، أو التسبيح في الصلاة وخارج الصلاة { وإِدْبَارَ النُّجُومِ } ركعتان قبل الفجر مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ركعتا الفجر ، أو التسبيح بعد الصلاة .
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)
{ وَالنَّجْمِ } نجوم القرآن إذا نزلت ، أو الثريا ، أو الزهرة ، أو جنس النجوم ، أو النجوم المنقضة { هَوَى } رمى به الشياطين ، أو سقط ، أو غاب أو ارتفع ، أو نزل ، أو جرى ومهواها جريها لأنها لا تفتر في طلوعها ولا غروبها قاله الأكثرون .
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)
{ مَا ضَلَّ } محمد صلى الله عليه وسلم عن قصد الحق ولا غوى في اتباع الباطل ، أو ما ضل بارتكاب الضلال { وَمَا غَوَى } بخيبة سعيه والغي الخيبة قال :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... ومن يغوِ لا يَعْدَم على الغي لائماً
قيل : هي أو سورة أعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة .
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
{ وَمَا يَنطِقُ } عن هواه { إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ } يوحيه الله تعالى إلى جبرائيل عليه السلام ويوحيه جبريل إليه أو وما ينطق عن شهوة وهوى { إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ يُوحَى } بأمر ونهي من الله تعالى وطاعة له .
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)
{ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ } جبريل عليه السلام اتفاقاً ، مِرَّة : منظر حسن ، أو غنى ، أو قوة ، أو صحة في الجسم ، وسلامة من الآفات أو عمل { فَاسْتَوَى } جبريل عليه السلام في مكانه ، أو على صورته التي خلق عليها ، ولم يره عليها إلا مرتين ، مرة ساداً للأفق ومرة حيث صعد معه وذلك قوله { وَهُوَ بالأفق الأعلى } [ النجم : 7 ] ، أو فاستوى القرآن في صدر محمد صلى الله عليه وسلم ، أو صدر جبريل ، أو فاعتدل محمد صلى الله عليه وسلم في قوته ، أو برسالته ، أو فارتفع محمد صلى الله عليه سلم بالمعراج ، أو ارتفع جبريل عليه السلام إلى مكانه .
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)
{ وَهُوَ بِالأُفُقِ } الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى جبريل ، أو جبريل لما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأفق مطلع الشمس ، أو مطلع النهار أي الفجر ، أو كانت من جوانب السماء .
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)
{ دَنَا } جبريل عليه السلام ، أو الرب عز وجل « ع » { فَتَدَلَّى } قرب { وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام } [ البقرة : 188 ] تقربوها إليهم ، أو تعلق بين العلو والسفل لأنه رأه منتصباً مرتفعاً ثم رآه متدلياً قيل فيه تقديم معناه تدلى فدنا .
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)
{ فَكَانَ } جبريل من ربه ، أو محمد صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل « ع » ، أو جبريل عليه السلام من محمد صلى الله عليه وسلم { قَابَ قَوْسَيْنِ } قيد قوسين ، أو بحيث الوتر من القوس ، أو من مقبضها إلى طرفها ، أو قدر ذراعين عبّر عن القدر بالقاب وعن الذراع بالقوس .
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)
{ عَبْدِهِ } جبريل عليه السلام أوحى الله تعالى إليه ما يوحيه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو محمد صلى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى إليه على لسان جبريل عليه السلام .
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)
{ الْفُؤَادُ } نفسه ، أو عبّر به عن صاحبه لأنه قطب جسده وقوام حياته { مَا كَذَبَ } مخففاً ما أوهمه فؤاده خلاف الأمر كرائي السراب فيصير بتوهمه المحال كالكاذب به { ما كذَّب } ما أنكر قلبه ما رأته عينه { مَا رَأَى } رأى ربه بعينه « ع » ، أو في المنام ، أو بقلبه سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : « رأيته بقلبي مرتين » أو رأى جلاله وعظمته سئل هل رأيت ربك فقال : « رأيت نهراً ووراء النهر حجاباً ورأيت وراء الحجاب نوراً فلم أَرَ غير ذلك » ، أو رأى جبريل عليه السلام على صورته مرتين .
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)
{ أَفَتُمَارُونَهُ } أفتجحدونه ، أو تجادلونه ، أو تشككونه .
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)
{ نَزْلَةً } رأى ما رأه ثانية بعد أولى قال كعب سمع موسى عليه الصلاة والسلام كلام الله تعالى كرتين ورآه محمد صلى الله عليه وسلم مرتين .
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)
{ الْمُنتَهَى } لانتهاء علم الأنبياء عليهم والصلاة والسلام إليها وعزوبه عما وراءها « ع » ، أو لانتهاء الأعمال إليها وقبضها منها ، أو لانتهاء الملائكة والبشر إليه ووقوفهم عندها ، أو لانتهاء كل من كان على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاجه إليها ، أو لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها .
عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)
{ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } قصد بذلك تعريف موضع الجنة أنها عند السدرة قاله الجمهور المأوى : المبيت ، أو منزل الشهداء . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهي عن يمين العرش .
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)
{ يَغْشَى السِّدْرَةَ } فراش من ذهب ، أو الملائكة « ع » ، أو نور الله .
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)
{ زَاغَ } انحرف ، أو ذهب ، أو نقص { طَغَى } ارتفع عن الحق ، أو تجاوزه « ع » ، أو زاد عليه بالتخيل . رآه على ما هو به بغير نقص عجز عن إدراكه ولا زيادة توهمها في تخليه .
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
{ الْكُبْرَى } ما غشي السدرة من الفراش ، أو جبريل ساداً الأفق بأجنحته ، أو ما رآه في النوم ونظره بفؤاده .
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)
{ الَّلاتَ } صنم بالطائف كان صاحبه يلت عليه السويق لأصحابه ، أو صخرة يُلَت عليها السويق بين مكة والطائف { وَالْعُزَّى } صنم كانوا يعبدونه عند الجمهور ، أو سَمُرة يعلق عليها ألوان العهن يعبدها سليم وغطفان وجشم فبعث إليها الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها ، أو كانت نخلة يعلق عليها الستور والعهن ، أو اللات والعزى رجل وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين ، أو اللات بيت بنخلة تعبده قريش والعزى بيت بالطائف يعبده أهل مكة والطائف ، واللاتَّ بالتشديد رجل كان يلت السويق على صخرة فلا يشرب منه أحد إلا سمن فعبدوه ثم مات فعكفوا على قبره ، أو كان رجلاً يقوم على آلهتهم ويلت لهم السويق بالطائف فاتخدوا قبره وثناً معبوداً .
وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
{ وَمَنَاةَ } صنم بقُدَيْد بين مكة والمدينة ، أو بيت بالمشلل يعبده بنو كعب ، أو أصنام حجارة في الكعبة يعبدونها ، أو وثن كانوا يريقون عليه الدماء تقرباً إليه وبذلك سميت مناة لكثرة ما يراق عليها من الدماء { الثَّالِثَةَ الأُخْرَى } لأنها كانت مرتبة عندهم في التعظيم بعد اللات والعزى ولما جعلوا الملائكة بنات الله قال : { أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى } .
تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
{ ضِيزَى } عوجاء ، أو جائرة ، أو منقوصة عند الأكثر ، أو مخالفة .
أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24)
{ مَا تَمَنَّى } البنوة تكون له دون غيره ، أو البنين دون البنات .
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)
{ فَلِلَّهِ الأَخِرَةُ } هو أقدر من خلقه فلو جاز عليه الولد لكان أحق بالبنين دون البنات منهم ، أو لا يعطي النبوة إلا لمن شاء لأنه ملك الدنيا والآخرة .
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
{ كَبَآئِرَ الإِثْمِ } الشرك ، أو ما زجر عنه بالحد ، أو ما لا يكفر إلا بالتوبة ، أو ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أن تدعو لله نداً أو تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك وأن تزاني حليلة جارك ، أو كبائر الإثم ما لم يستغفر منه { وَالْفَوَاحِشَ } الربا ، أو جميع المعاصي { اللَّمَمَ } ما ألموا به في الجاهلية من إثم وفاحشة عفي عنه في الإسلام ، أو أن يلم بها ويفعلها ثم يتوب ، أو يعزم على المواقعة ثم يقلع عنها قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
إن تغفر اللهم تغفر جمَّا ... وأي عبد لك لا ألمَّا
أو ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة ، أو صغائر الذنوب ، أو ما لا حد عليه في الدنيا ولا عذاب في الآخرة « ع » ، أو النظرة الأولى فإن عاد فليس بلمم جعله ما لم يتكرر من الذنوب ، أو النكاح قيل : نزلت في نبهان التمار أتته امرأة تشتري تمراً فقال إن داخل الدكان ما هو خير من هذا فلما دخلت راودها عن نفسها فأبت وندم نبهان وأتى الرسول صلى الله عليه سلم فقال : ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع فقال : لعل زوجها غازٍ فنزلت { أَنشَأكُمْ مِّنَ الأَرْضِ } آدم عليه الصلاة والسلام { فَلا تُزَكُّواْ } لا تمادحوا ، أو لا تعملوا بالمعاصي وتقولون نعمل بالطاعة ، أو إذا عملت خيراً فلا تقل عملت كذا أو كذا .
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33)
{ الَّذِى تَوَلَّى } العاص بن وائل ، أو الوليد بن المغيرة كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه فيسمع ما يقولان ثم يتولى عنهما ، أو النضر بن الحارث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد وضمن له أن يتحمل عنه إثم ارتداده .
وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)
{ وَأَعْطَى قَلِيلاً } من نفسه بالاستماع ثم أكدى بالانقطاع ، أو أطاع قليلاً ثم عصى « ع » ، أو قليلاً من ماله ثم منع ، أو بلسانه وأكدى بقلبه { وَأَكْدَى } قطع ، أو منع .
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)
{ أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ } أعلم الغيب فرأى أن الذي سمعه باطل ، أو نزل عليه القرآن فرأى ما صنعه حقاً .
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)
{ وَفَّى } ما أمر به من الطاعة ، أو أبلغ ما حمله من الرسالة « ع » ، أو عمل يومه بأربع ركعات في أوله ، أو بقوله كلما أصبح وأمسى { فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } الآية [ الروم : 17 ] وكلاهما مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ما أمر بأمر إلا أداه ولا نذر نذراً إلا وفاه ، أو ما امتحن به من ذبح ولده وإلقائه في النار وتكذيبه ، أو وَفَّى { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } [ النجم : 38 ] لأن الرجل كان يؤخذ بجريرة أبيه وابنه فيما بين نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام .
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)
{ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } قضى أسباب الضحك والبكاء ، أو سّرَّ وأحزن ، أو خلق قوتي الضحك والبكاء للإنسان فلا يضحك من الحيوان إلا القرد ولا يبكي إلا الإبل واجتمعا في الإنسان .
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)
{ أَمَاتَ } بالجدب { وَأَحْيَا } بالخصب ، أو أمات بالمعصية وأحيا بالطاعة ، أو أمات الآباء وأحيا الأبناء ، أو خلق الموت والحياة ، أو خلق أسبابهما .
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
{ أَغْنَى } بالكفاية { وَأَقْنَى } بالزيادة ، أو أغنى بالمعيشة وأقنى بالمال أو أغنى بالمال وأقنى بان جعل لهم القنية وهي أصول الأموال ، أو أغنى بأن موّل وأقنى بأن حرم ، أو أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه ، أو أغنى من شاء وأفقر من شاء ، أو أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا ، أو أغنى عن أن يخدم وأقنى عن أن يستخدم .
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)
{ رَبُّ الشِّعْرَى } وهي كوكب يضيء وراء الجوزاء يسمى مرزم الجوزاء خصه بالذكر لأنهم عبدوه فأخبر أنه مربوب فلا يصلح للربوبية وكان يعبده حِمْير وخُزَاعة وقيل : أول من عبده أبو كبشة .
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)
{ عَاداً الأُولَى } عاد بن إرم أهلكوا بريح صرصر وعاد الآخرة قوم هود ، أو عاد الأولى قوم هود والآخرة كانوا بحضرموت .
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)
{ وَالْمُؤْتَفِكَةَ } المنقلبة بالخسف وهي مدائن قوم لوط رفعها جبريل إلى السماء ثم قلبها .
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)
{ فَغَشَّاهَا } جبريل حين قلبها ، أو الحجارة حتى أهلكها فغشاها : ألقاها ، أو غطاها .
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)
{ فَبِأَىِّ ءَالآءِ رَبِّكَ } فبأي نعمة أيها المكذب تشك فيما أولاك أو فيما أكفاك .
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)
{ نَذِيرٌ } محمد صلى الله عليه وسلم أنذر بالحق الذي أنذر به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله ، أو القرآن نذير بما أنذرت به الكتب الأولى .
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)
{ أَزِفَتِ } دنت وقربت القيامة سماها آزفة لقربها عنده .
لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)
{ كَاشِفَةٌ } من يؤخرها ، أو يقدمها ، أو من يعلم وقتها ويكشف عن مجيئها ، أو من يكشف ضررها .
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
{ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } من نزوله .
وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)
{ وَتَضْحَكُونَ } استهزاء { وَلا تَبْكُونَ } انزجاراً ، أو تفرحون ولا تحزنون .
وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)
{ سَامِدُونَ } شامخون كما يخطر البعير شامخاً « ع » ، أو غافلون ، أو معرضون ، أو مستكبرون ، أو لاعبون لاهون ، أو تغنون بلغة حمير كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ، أو أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين ، أو واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام « ح » . وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم والناس ينتظرونه قياماً فقال « ما لي أراكم سامدين » ، أو خامدون .
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
{ فَاسْجُدُواْ } سجود الصلاة ، أو سجود التلاوة .
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
{ اقْتَرَبَتِ } دنت سميت ساعة لقرب الأمر فيها ، أو لمجيئها في ساعة من يومها { وَانشَقَّ الْقَمَرُ } اتضح الأمر وظهر يضربون المثل بالقمر فيما وضع وظهر ، أو انشقاقه انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما سمي الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه ، أو ينشق حقيقة بعد النفخة الثانية « ح » ، أو انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه سلم عند الجمهور ، قال ابن مسعود رضي الله عنه رأيت القمر منشقاً شقتين مرتين بمكة قبل مخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فقالوا سحر القمر .
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
{ ءَايَةً } انشقاق القمر أو أي آية رأوها أعرضوا عنها { مُّسْتَمِرٌّ } ذاهب ، أو شديد من إمرار الحبل وهو شدة فتله ، أو دائم ، أو استمر من الأرض إلى السماء أو يشبه بعضه بعضاً .
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
{ مُّسْتَقِرٌّ } يوم القيامة ، أو الخير لأهل الخير والشر لأهل الشر ، أو يستقر حقه من باطله ، أو لكل شيء غاية في حلوله ووقوعه .
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
{ الأَنبَآءِ } القرآن ، أو أحاديث من سلف { مُزْدَجَرٌ } مانع من المعصية .
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)
{ حِكْمَةٌ } بَالِغَةٌ الكتاب والسنة .
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
{ مُّهْطِعِينَ } مسرعين ، أو مقبلين ، أو عامدين ، أو ناظرين ، أو فاتحين آذانهم إلى الصوت ، أو قابضين ما بين أعينهم .
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
{ مُّنْهَمِرٍ } كثير ، أو منصب متدفق { فَفَتَحْنَآ } رتاج السماء ، أو ووسعنا مسالكها ، أو المجرة وهي شرج السماء فتحت بماء منهمر قاله علي رضي الله تعالى عنه .
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
{ قُدِرَ } قُضي عليهم إذا كفروا أن يغرقوا ، أو التقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر .
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
{ وَدُسُرٍ } المعاريض التي تُشد بها السفينة ، أو المسامير التي يدسر بها أي يشد ، أو صدر السفينة الذي يدسر به الموج أي يدفعه ، أو طرفها وأصلها .
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)
{ بِأَعْيُنِنَا } بمرأى منا ، أو بأمرنا ، أو بأعين ملائكتنا الموكلين بحفظها ، أو بأعيننا التي فجرناها من الأرض وقيل كانت تجري ما بين السماء والأرض { لِّمَن كَانَ كُفِرَ } لكفرهم بالله تعالى ، أو لتكذيبهم ، أو مكافأة لنوح عليه الصلاة والسلام حين كفره قومه أن حمل على ذات ألواح .
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)
{ تَّرَكْنَاهَآ } الغرق ، أو السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة { مُّدَّكِرٍ } متذكر ، أو طالب خير فيعان عليه ، أو مزدجر عن المعاصي .
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
{ صَرْصَراً } باردة ، أو شديدة ، أو لهبوبها صرير كالصوت { نَحْسٍ } عذاب وهلاك ، أو برد أو يوم الأربعاء { مُّسْتَمِرٍّ } ذاهب ، أو دائم .
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)
{ يَسَّرْنَا } سهلنا تلاوته على أهل كل لسان ، أو سهلنا علم ما فيه واستنباط معانيه ، أو هونا حفظه فلا يحفظ من كتب الله سواه .
فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)
{ وَسُعُرٍ } جنون ، أو عناء ، أو تيه ، أو افتراق ، أو جمع سعير وهو الوقود . استعظموا اتباعهم لواحد منهم كاستعظام النار كقول من ناله خطب عظيم : أنا في النار ، أو لما وعد بالنار على تكذيبه ، ردوا مثل ما قيل لهم فقالوا إن اتبعناه كنا إذاً في النار .
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)
{ أَشِرٌ } بطر ، أو عظيم الكذب ، أو متعد إلى منزلة لا يستحقها .
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)
{ الْمَآءَ قِسْمَةٌ } لما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : « أيها الناس لا تسألوا الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله تعالى لهم آية فبعث لهم ناقة فكانت ترد من ذلك الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون يوم غبها » فهذا معنى قوله { أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } . { مُّحْتَضَرٌ } : تحضر الناقة الماء يوم وردها وتغيب يوم وردهم ، أو تحضر ثمود الماء يوم غبها فيشربون ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون .
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)
{ صَاحِبَهُمْ } أحمر ثمود وشَقِيِّها ، أو قُدَار بن سالف . { فَتَعَاطَى } بطش بيده ، « ع » أو تناولها وأخذها . { فَعَقَرَ } كَمَنَ في أصل شجرة بطريقها فرماها بسهم انتظم به أصل ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدَّر سقبها ثم نحرت وانطلق سقبها إلى صخرة في رأس جبل فرغى ثم نادى بها فأتاهم صالح فلما رآها عقرت بكى وقال : انتهكتم حرمة الله تعالى فأبشروا بعذاب الله عز وجل ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان عاقرها أشقر أزرق أحمر أكشف أقفى .
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
{ كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ } العظام المحترقة « ع » ، أو التراب يتناثر من الحائط فتصيبه الريح فيتحظر مستديراً ، أو الحضار البالية من الخشب إذا صارت هشيماً ، أو حشيش حضرته الغنم فأكلته ، أو يابس الشجر الذي فيه شوك والمحتضر الذي تحتضر به العرب حول مواشيها من السباع .
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
{ حَاصِباً } الحجارة التي رُموا بها والحصباء : صغار الأحجار ، أو السحاب الذي حصبهم ، أو الملائكة الذين حصبوهم ، أو الريح التي حملت عليهم الحصباء ، أو الحاصب الرمي بالأحجار ، أو غيرها { بِسَحَرٍ } السحر : ما بين آخر الليل وطلوع الفجر وهو اختلاط سواد آخر الليل ببياض أول النهار لأن في هذا الوقت مخاييل الليل ومخاييل النهار .
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
{ فَطَمَسْنَآ } أخفيناهم فلم يروهم مع بقاء أعينهم ، أو ذهب أعينهم ، الطمس : محو الأثر ، ومنه طمس الكتاب ، { فَذُوقُواْ } وعيد بالعذاب الأدنى ، أو تقريع بما أصابهم في الحال من العمى .
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
{ مُّسْتَقِرٌّ } إلى الموت ، أو دائم إلى نار جهنم .
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
{ أَكُفَّارُكُمْ } ليس كفاركم خيراً ممن أهلك من القرون { بَرَآءَةٌ فِى الزُّبُرِ } الكتب السالفة أنكم لا تهلكون .
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
{ مُّنتَصِرٌ } لآلهتهم بالعبادة ، أو لأنفسهم بالظهور .
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ } يوم بدر .
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)
{ أَدْهَى } أعظم ، { وَأَمَرُّ } أشد مرارة أو أنفذ من نفوذ المرارة فيما خالطته .
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
{ بِقَدَرٍ } على قدر ما أردنا من غير زيادة ولا نقصان ، أو بحكم سابق وقضاء محتوم .
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)
{ كَلَمْحٍ } إذا أردنا شيئاً أمرنا به مرة واحدة من غير مثنوية فيكون ذلك الشيء مع أمرنا كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير .
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
{ مُّسْتَطَرٌ } مكتوب ، أو محفوظ .
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
{ وَنَهَرٍ } أنهار الماء والخمر واللبن والعسل ، أو النهر الضياء والنور ، أو سعة العيش ومنه اشتق نهر الماء .
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
{ مَقْعَدِ صِدْقٍ } حق لا لغو فيه ولا تأثيم ، أو صدق الله تعالى وعده لأوليائه فيه .
الرَّحْمَنُ (1)
{ الرَّحْمَنُ } اسم ممنوع لا يستطيع الناس أن ينتحلوه ، أو جمع من فواتح ثلاث سور ألر وحم ون وقاله سعيد بن جبير وعامر .
عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)
{ عَلَّمَ الْقُرْءَانَ } لمحمد صلى الله عليه وسلم فأداه إلى جميع الخلق ، أو سهل تعلمه على جميع الناس .
خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)
{ الإِنسَانَ } جنس عند الأكثر ، أو آدم عليه الصلاة والسلام .
عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
{ الْبَيَانَ } تفضيلاً على جميع الحيوان الحلال والحرام ، أو الخير والشر ، أو المنطق والكلام ، أو الخط أو الهداية ، أو العقل لأن بيان اللسان مترجم عنه .
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)
{ بِحُسْبَانٍ } بحساب ، والحسبان : مصدر الحساب ، أو جمعه أو حسبانهما : أجلهما إذا انقضى قامت القيامة ، أو تقديرهما الزمان لامتياز النهار بالشمس والليل بالقمر ولو استمر أحدهما لكان الزمان ليلاً أو نهاراً ، أو يجريان بقدر ، أو يدوران في مثل قطب الرحا .
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
{ وَالنَّجْمُ } جنس لنجوم السماء ، أو النبات الذي نجم في الأرض وانبسط فيها وليس له ساق { وَالشَّجَرُ } ما كان على ساق « ع » { يَسْجُدَانِ } سجود ظلهما ، أو ظهور قدرته فيهما توجب السجود له ، أو دوران الظل معهما { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلالُهُ } [ النحل : 48 ] ، أو استقبالهما الشمس إذا أشرقت ثم يميلان إذا انكسر الفيء ، أو سجود النجم أفوله وسجود الشجر إمكان اجتناء ثماره .
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)
{ الْمِيزَانَ } ذو اللسان ، أو الحكم ، أو العدل .
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)
{ أَلا تَطْغَوْاْ } في العدل بالجور ، أو في ذي اللسان بالبخس ، أو بالتحريف في الحكم .
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)
{ بِالْقِسْطِ } العدل بالرومية { وَلا تُخْسِرُواْ } لا تنقصوه بالجور ، أو البخس ، أو التحريف ، أو ميزان حسناتكم .
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)
{ وَضَعَهَا } بسطها ووطأها { لِلأَنَامِ } الناس ، أو الإنس والجن ، أو كل ذي روح لأنه ينام .
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)
{ الأَكْمَامِ } ليفها الذي في أعناقها ، أو رقبة النخلة التي يتكمم فيه طلعها ، أو كمام الثمرة ، أو ذوات فصول عن كل شيء « ع » .
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)
{ الْعَصْفِ } من الرزع وورقه الذي تعصفه الرياح « ع » ، أو الزرع المصفر اليابس ، أو الحب المأكول منه كقوله { كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ } [ الفيل : 5 ] { وَالرَّيْحَانُ } الرزق وقالوا : خرجنا نطلب ريحان الله سبحانك وريحانك أي رزقك ، أو الرزع الأخضر الذي لم يسنبل « ع » ، أو الريحان المشموم ، أو الريحان الحب الذي لا يؤكل والعصف الحب المأكول ، أو الريحان الحب المأكول والعصف الورق الذي لا يؤكل .
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
{ ءَالآءِ } الآلاء : النعم « ع » ، أو القدرة قاله ابن زيد والكلبي ، { تُكَذِّبَانِ } للثقلين اتفاقاً وكررها تقريراً لهم بما عدده عليهم في هذه السورة من النعم ، يقررهم عند كل نعمة منها كقول القائل : أما أحسنت إليك أعطيتك مالاً أما أحسنت إليك بنيت لك داراً أما أحسنت إليك ومثله قول مهلهل [ بن ربيعة ]
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا طرد اليتيم عن الجزور
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا ماضيم جيران المجير
على أن ليس عدلاً من كليب ... إذا خرجت مخبأة الخدور
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
{ صَلْصَال } ٍ طين مختلطة برمل « ع » ، أو طين إذا عصرته بيدك خرج الماء من بين أصابعك ، أو طين يابس يسمع له صلصلة ، أو أجوف إذا ضرب صَلَّ : أي سمع له صوت ، أو طين منتن من صلَّ اللحم إذا أنتن يريد آدم تركه طيناً لازباً أربعين سنة ثم صلصله كالفخار أربعين ثم صورة جسداً لا روح فيه أربعين فذلك مائة وعشرون سنة كل ذلك تمر به الملائكة فتقول سبحان الذي خلقك لأمَرٍ مَّا خلقك .
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)
{ الْجَآنَّ } ، أبو الجن ، أو إبليس { مَّارِجٍ } لهب النار « ع » ، أو خلطها ، أو الأخضر والأصفر اللذان يعلوانها ويكونان بينها وبين الدخان ، أو النار المرسلة التي لا تمتنع ، أو النار المضطربة التي تذهب وتجيء ، سمي مارجاً : لاضطرابه وسرعة حركته { مِّن نَّارٍ } الظاهرة التي بين الخلق عند الأكثر ، أو نار تكون بين الجبال دون السماء كالكلة الرقيقة ، أو نار دون الحجاب منها هذه الصواعق ويرى خلف السماء منها .
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
{ الْمَشْرِقَيْنِ } مشرقي الشمس في الشتاء والصيف ومغربيها فيهما « ع » ، أو مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما ، أو مشرقي الفجر والشمس ومغربي الشمس والشفق .
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)
{ الْبَحْرَيْنِ } بحر السماء وبحر الأرض « ع » ، أو بحر فارس والروم « ح » ، أو البحر الملح والأنهار العذبة ، أو بحر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما ، أو بحر اللؤلؤ وبحر المرجان ، ومرجهما طريقهما ، أو إرسالهما « ع » ، أو استواؤهما ، أصل المرج : الإهمال كما تمرج الدابة في المرج .
بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)
{ بَرْزَخٌ } حاجز « ع » ، أو عرض الأرض ، أو ما بين السماء والأرض ، أو الجزيرة التي نحن عليها وهي جزيرة العرب { لا يَبْغِيَانِ } لا يختلطان فيسيل أحدهما على الآخر ، أو لا يغلب أحدهما الآخر ، أو لا يبغيان أن يلتقيا .
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)
{ وَالْمَرْجَانُ } كبار اللؤلؤ « ع » ، أو صغاره ، أو الخرز الأحمر كالقضبان قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، أو الجوهر المختلط من مرجت الشيء خلطته { مِنْهُمَا } من أحدهما ، أو من كليهما لأن ماء بحر السماء إذا وقع في صدف البحر انعقد لؤلؤاً فصار خارجاً منهما ، وقيل : لا يخرج اللؤلؤ إلا من موضع يلتقي في العذب والملح فيكون العذب كاللقاح للملح فلذلك نسب اليهما كما نسب الولد إلى الذكر والأنثى .
وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)
{ الجواري } السفن واحدتها جارية لجريها في الماء والشابة جارية لجريان ماء الشباب فيها { الْمُنشَئَآتُ } المخلوقات من الإنشاء ، أو المحملات ، أو المرسلات ، أو المجريات ، أو ما رفع قِلعه فهو منشأة وما لا فلا وبكسر الشين البادئات ، أو التي تنشىء لجريها كالأعلام في البحر { كَالأَعْلامِ } القصود ، أو الجبال سميت بذلك لارتفاعها كارتفاع الأعلام .
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
{ يَسْئَلُهُ } من في الأرض الرزق والمغفرة أو النجاة عند البلوى ، ويسأله من في السماء الرزق لأهل الأرض أو القوة على العبادة ، أو الرحمة لأنفسهم ، أو المغفرة لأنفسهم { كُلَّ يَوْمٍ } الدنيا يوم والآخرة يوم ، فشأنه في الدنيا الابتلاء والاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع ، وشأنه في يوم الآخرة الجزاء والحساب والثواب والعقاب فالدهر كله يومان ، أو أراد كل يوم من أيام الدنيا فشأنه بعثه الرسل بالشرائع فعبر عن اليوم بالمدة ، أو ما يحدثه في خلقه من تنقل الأحوال فعبّر عن الوقت باليوم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين » ، وأكثروا من ذكر عطائه ومنعه وغفرانه ومؤاخذته وتيسيره وتعسيره .
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)
{ سَنَفْرُغُ } سنتوفر عليكم على وجه التهديد ، أو سنقصد إلى حسابكم ، أو جزائكم توعداً ، فالله تعالى لا يشغله شأن عن شأن { الثَّقَلانِ } الإنس والجن لأنهم ثقل على وجه الأرض .
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)
{ تَنفُذُواْ } تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا ، أو تخرجوا من جوانبها فراراً من الموت فاخرجوا ، { بِسُلْطَانٍ } بحجة وهي الإيمان ، أو بمُلك وليس لكم ملك ، أو لا تنفذون إلا في سلطانه وملكه لأنه مالكهما وما بينهما « ع » .
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)
{ شُوَاظٌ } لهب النار « ع » ، أو قطعة من النار فيها خضرة ، أو الدخان ، أو طائفة من العذاب . { وَنُحَاسٌ } صفر مذاب على رؤوسهم ، أو دخان النار « ع » ، أو نَحْسٌ لأعمالهم ، أو القتل .
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)
{ وَرْدَةً } وردة النبات الحمراء مثل لون السماء أحمر إلا أنها ترى زرقاء لكثرة الحوائل وبعد المسافة كعروق البدن حمرة لحمرة الدم وترى زرقاء للحوائل ، فإذا زالت الحواجز ، وقربت يوم القيامة من الأبصار يرى لونها الأصلي الأحمر ، أو أراد بالوردة الفرس الورد يحمر في الشتاء ويصفر في الربيع ويغبر في شدة البرد شبهاً لاختلاف ألوانها يوم القيامة به لاختلاف ألوانه ، { كَالدِّهَانِ } خالصة ، أو صافية أو ذوات ألوان ، أو أصفر كلون الدهن ، أو الدهان الأديم الأحمر « ع » .
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)
{ لا يُسْئَلُ } استفهاماً هل عملت بل توبيخاً لم عملت « ع » ، أو لا تُسأل الملائكة عنهم لأنهم رفعوا أعمالهم في الدنيا ، أو لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله لشغل كل واحد بنفسه « ع » ، أو لأنهم معروفون بسواد الوجوه وبياضها فلا يسأل عنهم أو كانت مسألة ثم ختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم .
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
{ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ } مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم ، { ءَانٍ } انتهى حره ، أو حاضر ، أو آن شربه وبلغ غايته .
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } بعد أداء الفرائض « ع » ، أو الذي يذنب فيذكر مقام ربه فيدعه ، أو نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه خاصة حين ذكرت الجنة والنار يوماً ، أو شرب لبناً على ظمأ فأعجبه فسأل عنه فأخبر أنه من غير حل فاستقاءه والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فقال : « رحمك الله لقد أنزلت فيك آية » وتلا هذه الآية ، { مَقَامَ رَبِّهِ } : وقوفه بين يديه للعرض والحساب ، أو قيام الله تعالى على نفس بما كسبت ، { جَنَّتَانِ } أحدهما للإنس والأخرى للجان ، أو جنة عدن وجنة النعيم ، أو بستانان من بساتين الجنة ، أو إحداهما منزله والأخرى منزل أزواجه وخدمه كعادة رؤساء الدنيا .
ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)
{ أَفْنَانٍ } ألوان « ع » ، أو أنواع من الفاكهة أو أفناء واسعة أو أغصان واحدها فَنَنٌ .
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)
{ بَطَآئِنُهَا } ظواهرها والعرب يجعلون البطن ظهراً فيقولون هذا بطن السماء وظهر السماء ، أو نبه بذكر البطانة على شرف الظهارة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله تعالى ، وجناهما : ثمرهما ، { دَانٍ } لا يبعد على قائم ولا قاعد أو لا يرد أيديهم عنه بعد ولا شوك .
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)
{ فِيهِنَّ } في الفرش المذكورة ، { قَاصِرَاتُ } قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم ولا يبغين بهم بدلاً ، { يَطْمِثْهُنَّ } يمسهن أو يذللهن ، والطمث : التذليل ، أو يدمهن بالنكاح والحيض طمث من ذلك .
هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)
{ الإِحْسَانُ } هل جزاء الطاعة إلا الثواب أو إحسان الدنيا إلا الإحسان في الآخرة ، أو هل جزاء من شهد أن لا إله إلا الله إلا الجنة ، أو جزاء التوبة إلا المغفرة .
وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)
{ دُونِهِمَا } أقرب منهما ، أو دون صفتهما { جَنَّتَانِ } الأربع لمن خاف مقام ربه « ع » ، أو الأوليان مِنْ ذَهَبٍ للمقربين والأخريان من وَرِق لأصحاب اليمين ، أو الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين « ح » ، أو الأوليان جنة عدن وجنة النعيم والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى .
مُدْهَامَّتَانِ (64)
{ مُدْهَآمَّتَانِ } خضروان « ع » ، أو مسودتان من الدهمة وهي السواد ، أو مرتويتان ناعمتان .
فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)
{ نَضَّاخَتَانِ } ممتلئتان لا تنقطعان ، أو جاريتان ، أو فوارتان ، والجري أكثر من النضخ تنضخان بالماء « ع » ، أو بالمسك والعنبر ، أو بالخير والبركة ، أو بأنواع الفاكهة فهي في الجنان الأربع .
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)
{ خَيْرَاتٌ } الخير والنعيم : المستحسن ، أو خيرات الفواكه والثمار ، { حِسَانٌ } في الألوان والمناظر وخيِّرات مختارات ، أو ذوات الخير وهن الحور المنشآت في الجنة ، أو الفاضلات من أهل الدنيا سمين به لأنهن خيرات الأخلاق حسان الوجوه ، أو عذارى أبكار ، أو مختارات ، أو صالحات .
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)
{ مَّقْصُورَاتٌ } محبوسات في الحجال لَسْنَ بالطوافات في الطرق « ع » ، أو مخدرات مصونات لا متطلعات ولا صياحات ، أو مسكنات في القصور وقصرن بطرفهن على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلاً ، { الْخِيَامِ } البيوت ، أو خيام تضرب خارج الجنة فرجة كهيئة البداوة قاله ابن جبير ، أو خيام في الجنة تضاف إلى القصور قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « هي خيم الدر المجوف » قال الكلبي فهن محبوسات لأزواجهن في خيام الدر المجوف .
مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)
{ رَفْرَفٍ } المجلس المطبق ببسطه ، أو فضل الفرش والبسط ، أو الوسائد ، أو الفرش المرتفعة مأخوذ من الرف ، أو المجالس يتكئون على فضولها ، أو رياض الجنة ، { وَعَبْقَرِىٍّ } طنافس مخملية « ح » ، أو الديباج ، أو ثياب في الجنة لا يعرفها أحد ، أو كثياب في الدنيا تنسب إلى عبقر وهي أرض كثيرة الجن ، أو كثيرة الرمل ، والعبقري : السيد ينسب إلى أرفع الثياب لاختصاصه بها .
تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
{ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ } ثبت ودام ، أو ذكر اسمه يُمْن وبركة ترغيباً في الإكثار منه ، { ذِى الْجَلالِ } الجليل ، أو المستحق للإجلال والإعظام ، { وَالإِكْرَامِ } الكريم ، أو المكرم لمن أطاعه .
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)
{ الْوَاقِعَةُ } الصيحة أو الساعة وقعت بحق فلم تكذب ، أو القيامة « ع » ، سميت به لكثرة ما وقع فيها من الشدائد .
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)
{ كَاذِبَةٌ } ليس لها رد « ع » ، أو لا رجعة فيها ولا مثنوية ، أو إذ ليس لها مكذب من مؤمن وكافر ، أو ليس الخبر عن وقوعها كذباً .
خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)
{ خَافِضَةٌ } أعداء الله تعالى في النار { رَّافِعَةٌ } أولياءه في الجة ، أو خفضت رجالاً كانوا مرتفعين في الدنيا ورفعت رجالاً كانوا مخفوضين ، أو خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى .
إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
{ رُجَّتِ } رجفت وزلزت « ع » ، أو ترج بما فيها كما يرج الغربال بما فيه .
وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)
{ وَبُسَّتِ } سالت ، أو هدت ، أو سيرت ، أو قطعت « ح » ، أو بُست كما يُبس السويق أي يلت .
فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
{ هَبَآءً } رهج الغبار يسطع ثم يذهب ، أو شعاع الشمس يدخل من الكوة ، أو ما يطير من النار إذا اضطرمت فإذا وقع لم يكن شيئاً « ع » ، أو ما يبس من ورق الشجر تذروه الرياح ، { مُّنبَثاً } متفرقاً ، أو منتشراً ، أو منثوراً .
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
{ أَزْوَاجاً } أصنافاً وفرقاً { ثَلاثةً } اثنان في الجنة وواحدة في النار قاله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هم المذكورون في قوله { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب } [ فاطر : 32 ] ، أو المذكورون في هذه الآية .
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)
{ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } الذي أخذوا من شق آدم الأيمن يومئذ { وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ } الذين أخذوا من شقة الأيسر يومئذ ، أو من أوتي كتابه بيمينه ومن أوتيه بشماله ، أو أهل الحسنات وأهل السيئات ، أو الميامين على أنفسهم والمشائيم عليها « ح » ، أو أهل الجنة وأهل النار ، { مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } تكثير لثوابهم ، { مَآ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ } تكثير لعقابهم .
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)
{ وَالسَّابِقُونَ } إلى الإيمان من كل أمة « ح » أو الأنبياء ، أو الذين صلوا إلى القبلتين ، أو أول الناس رواحاً إلى المسجد وأسرعهم إلى الجهاد ، أو أربعة سابق أمة موسى مؤمن آل فرعون وسابق أمة عيسى حبيب النجار صاحب أنطاكية وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما سابقا هذه الأمة ، { السَّابِقُونَ } بالإيمان هم السابقون إلى الجنان .
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)
{ ثُلَّةٌ } جماعة ، أو شطر ، أو بقية ، { الأَوَّلِينَ } أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أو قوم نوح « ح » .
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
{ الأَخِرِينَ } أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم « ح » أو الذين تقدم إسلامهم قبل أن يتكاملوا .
عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)
{ مَّوْضُونَةٍ } موصولة بالذهب « ع » ، أو مشبكة بالدر منسوجة بالذهب التوضين : التشبيك والنسج ، أو مسند بعضها إلى بعض ، أو مضفورة وضين الناقة بطانها العريض المضفور من السيور .
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
{ مُّخَلَّدُونَ } باقون على صغرهم لا يتغيرون « ح » ، أو محلون بالأسورة والأقراط ، أو باقون معهم لا يتغيرون عليهم ولا ينصرفون عنه بخلاف الدنيا .
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)
{ بِأَكْوَابٍ } الأكواب : ما لا عروة له ، والأباريق : ما لها عرى ، أو الأكواب : مدورة الأفواه ، والأباريق : لها أعناق ، أو الأكواب أصغر من الأباريق ، { مَّعِينٍ } خمر جارٍ ، والمعين : الجاري من عينه بغير عصر كالماء المعين وهو ألذ الخمر .
لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)
{ يُصَدَّعُونَ } يمنعون منها ، أو يتفرقون ، أو يأخذهم صداع في رؤوسهم ، { يُنزِفُونَ } ، يملون ، أو يتقيئون ، أو لا تنزف عقولهم فيسكرون { يُنزِفون } يفنى خمرهم وفي خمر الدنيا السكر والصداع والقيء والبول فنزهت خمر الجنة عن ذلك كله .
وَحُورٌ عِينٌ (22)
{ وَحُورٌ } بيض ، { عِينٌ } الكبار الأعين ، أو سواد أعينهن حالك وبياض أعينهم نقي .
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)
{ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ } في نضارتهن وصفاء ألوانهن ، أو في تشابه أجسادهن في الحسن من جميع الجوانب .
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25)
{ لا يَسْمَعُونَ } في الجنة باطلاً ولا كذباً « ع » ، أو لا يتخالفون عليها كما في الدنيا ولا يأثمون بشربها كما في الدنيا ، أو لا يسمعون شتماً ولا مأثماً .
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
{ سَلاماً } لكن يسمعون قولاً ساراً وكلاماً حسناً ، أو يتداعون بالسلام على حُسن الآداب وكرم الأخلاق ، أو قولاً يؤدي إلى السلامة .
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)
{ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ } دون منزلة المقربين ، أو أصحاب الحق ، أو من كتابه بيمنيه ، أو التابعون بإحسان ممن لم يدرك الأنبياء من الأمم « ح » ، أو الذين أخرجوا من صفحة ظهر آدم اليمنى ، أو الذين خلطوا عملاً صالحاً وسيئاً ثم تابوا بعد ذلك وأصلحوا مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)
السدر : النبق ، { مَّخْضُودٍ } لين لا شوك فيه ، خضدت الشجرة حذفت شوكها ، أو لا عجم لنبقه ، أو المدلى الأغصان .
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)
{ وَطَلْحٍ } الموز « ع » ، أو شجرة تكون باليمن والحجاز تسمى طلحة ، أو الطلع قاله علي رضي الله تعالى عنه { مَّنضُودٍ } مصفوف ، أو متراكم .
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)
{ مَّمْدُودٍ } دائم .
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)
{ مَّسْكُوبٍ } منصب في غير أخدود ، قال الضحاك : من جنة عدن إلى أهل الجنان .
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)
{ وَفُرُشٍ } زوجات والمرأة تسمى فرشاً ومنه الولد للفراش ، أو الفرش الحقيقة مرفوعة بكثر حشوها .
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)
{ أَنشَأْنَاهُنَّ } نساء أهل الدنيا أنشأهن من القبور « ع » ، أو أعادهن بعد المشط والكبر صغاراً أبكاراً .
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36)
{ أَبْكَاراً } عذارى بعد أن لم يكنَّ كذلك ، أو لا يأتيها إلا وجدها بكراً .
عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
{ عُرُباً } متحببات إلى أزواجهن منحبسات عليهم ، أو متحاببات بخلاف الضرائر ، أو الشَّكِلة بلغة مكة والمغنوجة بلغة أهل المدينة ، أو حسان الكلام ، أو العاشقة لزوجها ، أو الحسنة التبعل ، أو كلامهن عربي ، { أَتْرَاباً } أقراناً قيل على سن ثلاث وثلاثين سنة ، أو أمثالاً وأشكالاً ، أو أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد .
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)
{ يَحْمُومٍ } دخان ، أو نار سوداء .
لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)
{ لا بَارِدٍ } المخرج ، { وَلا كَرِيمٍ } المخرج ، أو لا كرامة لأهله فيه .
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)
{ مُتْرَفِينَ } منعمين « ع » ، أو مشركين .
وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)
{ الْحِنثِ } الشرك ، أو الذنب العظيم لا يتوبون منه ، أو اليمين الغموس .
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
{ الْهِيمِ } الأرض الرملة التي لا تروى بالماء وهي هيام الأرض « ع » ، أو الإبل الهيم ، والهيام : داء يأخذ الإبل فيعطشها فلا تزال تشرب الماء حتى تموت ، أو الإبل الهائمة في الأرض الضالة لا تجد ماء فإذا وجدته فلا شيء أعظم منها شرباً ، أو شرب الهيم أن تمد الشرب مرة واحدة إلى أن تتنفس فيه ثلاث نفسات .
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
{ تُمْنُونَ } منى يَمني وأمنى يُمْنِي واحد سمي بذلك لإمنائه وهي إراقته ، أو لأنه مقدار لتصوير الخلقة كالمَنَا الذي يوزن به .
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
{ قَدَّرْنَا } قضينا به للفناء والجزاء ، أو ليخلف الأبناء الآباء ، أو كتبنا مقداره فلا يزيد ولا ينقص ، أو وقته فلا يتقدم ولا يتأخر ، أو سوينا فيه بين المطيع والعاصي ، أو بين أهل السماء والأرض ، { بِمَسْبُوقِينَ } على تقديرنا موتكم حتى لا تموتوا ، أو على أن تزيدوا في قدره ، أو تؤخروا في وقته ، أو { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } على تبديل أمثالكم معناه لما لم نسبق إلى خلق غيركم لم نعجز عن إعادتكم ، أو لما لم نعجز عن تغير أحوالكم بعد خلقكم لم نعجز عن تغييرها بعد موتكم .
لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)
{ تَفَكَّهُونَ } تحزنون ، أو تلاومون ، أو تعجبون « ع » ، أو تندمون بلغة عكل وتميم .
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)
{ لَمُغْرَمُونَ } معذبون ، أو مولع بنا ، أو مردُودُون عن حظنا .
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
{ تُورُونَ } تستخرجون بالزند .
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)
{ تَذْكِرَةً } للنار الكبرى ، أو تبصرة للناس من الظلام ، { لِّلْمُقْوِينَ } المسافرين قال الفراء : إنما يقال لهم ذلك إذ نزلوا بالقِيِّ وهي القفر التي لا شيء فيها ، أو المستمتعين من حاضر ومسافر ، أو الجائعين في إصلاح طعامهم ، أو الضعفاء المساكين من أقوت الدار إذا خلت وأقوى الرجل ذهب ماله ، أو المقوي الكثير المال من القوة .
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)
{ فَلا أُقْسِمُ } نفي للقسم لأنه لا يقسم بشيء من خلقه ولكنه افتتاح يفتتح به كلامه قال الضحاك ، أو للرب أن يقسم بخلقه تعظيماً منه لما أقسم به وليس ذلك للخلق فتكون لا صلة ، أو نافية لما تقدم من تكذيبهم وجحدهم ثم استأنف القسم { بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } مطالعها ومساقطها ، أو انتشارها يوم القيامة ، أو مواقعها في السماء ، أو أنواؤها نفي للقسم بها ، أو نجوم القرآن تنزل على الاحداث في الأمة « ع » ، أو محكم القرآن .
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
{ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ } وإن الشرك بالله محرم عظيم ، أو القرآن قسم عظيم .
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)
{ كَرِيمٌ } عند الله تعالى ، أو عظيم النفع للناس ، أو لما فيه من كرائم الأخلاق ومعالي الأمور .
فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)
{ فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } اللوح المحفوظ « ع » ، أو التوراة والإنجيل فيهما ذكره وذكر من ينزل عليه ، أو الزبور ، أو المصحف الذي بأيدينا { مَّكْنُونٍ } مصون ، أو مكنون من الباطل .
لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
{ الْمُطَهَّرُونَ } إن جعلناه اللوح المحفوظ فلا يمسه إلا الملائكة المطهرون « ع » ، أو لا ينزله إلا رسل الملائكة على رسل الأنبياء وإن جعلناه المصحف الذي بأيدينا فلا يمسه بيده إلا المطهرون من الشرك ، أو من الذنوب والخطايا ، أو من الأحداث والأنجاس ، أو لا يجد طعم نفعه إلا المطهرون بالإيمان ، أو لا يمس ثوابه إلا المؤمنون مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا يلتمسه إلا المؤمنون .
أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
{ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ } القرآن { مُّدْهِنُونَ } مكذبون « ع » ، أو معرضون ، أو ممالئون الكفار على الكفر به ، أو منافقون في تصديقه .
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
{ رِزْقَكُمْ } الاستسقاء بالأنواء مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الاكتساب بالسحر ، أو أن يجعل شكر الله على رزقه تكذيب رسله والكفر به فيكون الرزق الشكر .
فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
{ مَدِينِينَ } محاسبين « ع » ، أو مبعوثين ، أو مصدقين أو مقهورين ، أو موقنين ، أو مجزيين بأعمالكم ، أو مملوكين قاله الفرّاء .
تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)
{ تَرْجِعُونَهَآ } النفس إلى الجسد بعد الموت { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنكم غير مذنبين .
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88)
{ الْمُقَرَّبِينَ } أهل الجنة ، أو السابقون .
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)
{ فَرَوْحٌ } راحة « ع » ، أو فرح ، أو رحمة ، أو رجاء ، أو روح من الغم وراحة من العمل إذ لا غم فيها ولا عمل ، أو مغفرة أو نسيم . قيل قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم فروح بالضم أي تبقى روحه باقية بلا موت يناله { وَرَيْحَانٌ } استراحة عند الموت « ع » ، أو رحمة ، أو رزق ، أو ريحان مشموم يتلقى به عند الموت أو تخرج روحه في ريحانه ، أو الجنة والروح والريحان عند الموت أو في البرزخ إلى البعث ، أو في الجنة ، أو الروح في القبر ، والريحان في الجنة ، أو الروح لقلوبهم والريحان لنفوسهم والجنة لأبدانهم .
فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
{ فَسَلامٌ } بشارة بالسلامة من الخوف ، أو يحييهم ملك الموت بالسلام عند قبض أرواحهم ، أو منكر ونكير في القبور يسلمان عليهم ، أو الملائكة عند بعثه إلى الآخرة تسلمان عليه .
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
{ سَبِّحِ } التسبيح هنا دلالة المخلوقات على وجوب تسبيحه عن الأمثال ، أو التنزيه قولاً مما نسبه الملحدون إليه عند الجمهور ، أو الصلاة سميت تسبيحياً لاشتمالها عليه { الْعَزِيزُ } في انتصاره { الْحَكِيمُ } في تدبيره .
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
{ وَالْظَّاهِرُ } العال على كل شيء { وَالْبَاطِنُ } المحيط بكل شيء أو القاهر لما ظهر وبطن ، أو العالم بما ظهر وبطن .
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
{ يَلِجُ فِى الأَرْضِ } من مطر ، أو مطر وغيره { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من نبات ، أو نبات وغيره { وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } من ملائكة ، أو ملائكة وغيرها { مَعَكُمْ } بعلمه فلا تخفى عليه أعمالكم ، أو بقدرته فلا يعجزه شيء من أموركم .
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
{ مُّسْتَخْلَفِينَ } بوارثته عمن قبلكم ، أو معمَّرين فيه .
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)
{ لا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ } أي أسلم ، أو أنفق ماله في الجهاد { الْفَتْحِ } فتح مكة ، أو الحديبية قال قتادة كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل منهما بعد فتحها { الْحُسْنَى } الجنة أو الحسنة .
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)
{ قَرْضاً } النفقة في سبيل الله ، أو على الأهل أو تطوع العبادات « ح » ، أو عمل الخير ، أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سمي قرضاً لاستحقاق ثوابه { حَسَناً } طيبة بها نفسه ، أو محتسباً لها عند الله سمي حسناً لصرفه في وجوه حسنة ، أو لأنه لا منَّ فيه ولا أذى فيضاعف القرض الحسنة بعشر ، أو الثواب تفضلاً بما لا نهاية له { كَرِيمٌ } « على من يناله » ، أو لأنه لم يبتذل في طلبه ، أو لأنه كريم الحظ ، أو لكرم صاحبه .
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
{ نُورُهُم } ضياء يثابون به ، أو هداهم ، أو نور أعمالهم { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ليدلهم على الجنة ، أو ليستضيئوا به على الصراط { وَبِأَيْمَانِهِم } كتبهم ، أو نورهم ، أو ما أخرجوه بأيمانهم في الصدقات والزكوات وسبل الخير ، أو بإيمانهم في الدنيا وتصديقهم بالجزاء { بُشْرَاكُمُ } نورهم بشراهم أو بشارة تلقاهم الملائكة بها في القيامة .
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)
{ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } يغشى الناس ظلمة يوم القيامة فيعطى المؤمن نوراً بقدر إيمانه ولا يعطاه الكافر ولا المنافق ، أو يعطاه المنافق ثم يسلبه « ع » ، فيقول المنافق لما غشيته الظلمة للمؤمن لما أعطي النور الذي يمشي به انظرو أي انتظرونا { فَضُرِبَ بَيْنَهُم } وبين المؤمنين بسور أو بينهم وبين النور فلم يقدروا على التماسه { بِسُورٍ } حائط بين الجنة والنار ، أو بسور المسجد الشرقي ، أو حجاب من الأعراف { بَاطِنُهُ } فيه الجنة { وَظَاهِرُهُ } فيه جهنم ، أو في باطنه المسجد وما يليه . والعذاب الذي في ظاهره وادي جهنم يعني بيت المقدس قاله عبد الله بن عمرو بن العاص .
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
{ مَّعَكُمْ } نصلي ونغزو ونفعل كما تفعلون { فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } بالنفاق أو المعاصي ، أو الشهوات { وَتَرَبَّصْتُمْ } بالحق وأهله ، أو بالتوبة { الأَمَانِىُّ } خدع الشيطان ، أو الدنيا ، أو قولهم سيغفر لنا ، أو قولهم اليوم وغداً { الْغَرُورُ } الشيطان ، أو الدنيا قاله الضحاك .
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)
{ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } بألسنتهم دون قلوبهم ، أو قوم موسى قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو مؤمنو هذه الأمة « ع » ، استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن « ع » قال ابن مسعود ما كان بين إسلامنا ومعاتبتنا بها إلا أربع سنين فنظر بعضنا إلى بعض يقول ما أحدثنا قال الحسن يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه ، أو ملوا مثله فقالوا : حدثنا يا رسول الله فنزل { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص } [ يوسف : 3 ] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا فنزل { الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث } [ الزمر : 23 ] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا فنزلت { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } بإنِ : يحن يخشع يلين ، أو يذل ، أو يخرج { لِذِكْرِ اللَّهِ } القرآن { وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } القرآن ، أو الحلال والحرام .
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)
{ يُحْىِ الأَرْضَ } يلين القلوب بعد قسوتها أو مثل ضربه لإحياء الموتى .
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
{ المُصَدِّقين } لله ورسوله أو { الْمُصَّدِّقِينَ } بأموالهم .
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
{ الصِّدِّيقُونَ } هم الصديقون وهم الشهداء ، أو الشهداء مبتدأ الرسل تشهد على أمتها بالتصديق والتكذيب ، أو الأمم تشهد لرسلها بتبليغ الرسالة ، أو تشهد على أنفسهم بما عملوا ، أو القتلى في سبيل الله تعالى { وَنُورُهُمْ } على الصراط ، أو إيمانهم في الدنيا .
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
{ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } على ظاهره أو أكل وشرب .
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
{ إِلَى مَغْفِرَةٍ } التوبة ، أو الصف الأول ، أو التكبيرة الأولى مع الإمام ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم { كَعَرْضِ السَّمَآءِ } نبّه بذكر العرض على الطول ويعبرون عن سعة الشيء بعرضه دون طوله { فَضْلُ اللَّهِ } الجنة أو الدين « ع » .
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
{ مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ } بالجوائح في الثمار والزرع ، أو القحط والغلاء { أَنفُسِكُمْ } الدَّين ، أو الأمراض والأوصاب ، أو إقامة الحدود ، أو ضيق المعاش { كِتَابٍ } اللوح المحفوظ { نَّبْرَأَهَآ } نخلق الأنفس والأرض .
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)
{ فَاتَكُمْ } من الدنيا « ع » ، أو العافية والخصب قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { لِّكَيْلا تَأْسَوْاْ } ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن من جعل المصيبة صبراً والخير شكراً .
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بالعلم { وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ } بأن لا يعلموا شيئاً ، أو بما في التوراة من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بحقوق الله في أموالهم ، أو بالصدقة والحقوق ، أو بما في يديه .
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
{ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ } نزل مع آدم : الحجر الأسود أشد بياضاً من الثلج ، وعصا موسى من آس الجنة طولها عشرة أذرع كطول موسى ، والسندان والكلبتان والميقعة وهي المطرقة ، أو ما ينزل من السماء وإنزاله إظهاره وإثارته ، أو لأن ما ينعقد من جوهره في الأرض أصله من ماء السماء { بَأْسٌ شَدِيدٌ } الحرب تكون بآلته وسلاحه ، أو خوف شديد من خشية القتل به { وَمَنَافِعُ } الآلة .
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
{ وَرَهْبَانِيَّةً } من الرَّهب وهو الخوف { ابْتَدَعُوهَا } لم يفعلها من تقدمهم فأحسنوا بفعلها ولم تكتب عليهم وهي رفض النساء واتخاذ الصوامع ، أو لحوقهم بالجبال ولزوم البراري ، أو الانقطاع عن الناس تفرداً بالعبادة { رَأْفَةً } في قلوبهم بالأمر بها والترغيب فيها ، أو بخلقها في قلوبهم { إِلا ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ } ابتدعوها طلباً لمرضاة الله ولم تفرض عليهم قبل ذلك ولا بعده ، أو تطوعوا بها ثم كتبت بعد ذلك عليهم « ح » { فَمَا رَعَوْهَا } بتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو بتبديلهم دينهم وتغييرهم له قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، ارتكبت الملوك المحارم بعد عيسى ثلاثمائة سنة فأنكرها عليهم أهل الاستقامة فقتلوهم فقال من بقي منهم لا يسعنا المقام بينهم فاعتزلوا الناس واتخذوا الصوامع .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
{ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ } بموسى وعيسى أمِنوا بمحمد { كِفْلَيْنِ } ضعفين بلغة الحبشة ، أو أجرين أحدهما لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء ، والآخر لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم « ع » ، أو أجر الدنيا وأجر الآخرة { نُوراً } القرآن ، أو الهدى .
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
{ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ } ليعلم و « لا » صلة { فَضْلِ اللَّهِ } الإسلام ، أو الرزق .
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
{ الَّتِى تُجَادِلُكَ } خولة بن خويلد ، أو بنت ثعلبة أحدهما أبوها والآخر جدها ، زوجها أوس بن الصامت كان به لمم فأصابه بعض لممه فظاهر منها فأتت الرسول صلى الله عليه سلم تستفتيه فقالت : يا رسول الله إن الله قد نسخ سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني فقال : « ما أوحي إليَّ في هذا شيء » فقالت : أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا فقال : « هو ما قلت » فقالت أشكو إلى الله لا إلى رسوله فنزلت وكانت تقول يا رسول الله أكل شبابي وانقطع ولدي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني ظاهر مني اللهم حتى إليك أشكو فما برحت حتى نزلت { وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ } تستغيث به ، أو تسترحمه { تَحَاوُرَكُمَآ } المحاورة : مراجعة الكلام .
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
{ يظَّهَّرُون } سمي ظهاراً لأنه حرم ظهرها عليه ، أو شبهها بظهر أمه وكان في الجاهلية طلاقاً لا رجعة فيه ولا إباحة بعده فنسخ بوجوب الكفارة بالعود .
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)
{ يُحَآدُّونَ } يعادون ، أو يخالفون ، من الحديد المعد للمحاربة ، أو أن تكون في حد يخالف حد صاحبك { كُبِتُواْ } أخزوا ، أو أهلكوا ، أو لعنوا ، بلغة مذحج ، أو ردوا مقهورين .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
{ الَّذِينَ نُهُواْ } المسلمون ، أو المنافقون ، أو اليهود يتناجون بما يسوء المسلمين { النَّجْوَى } السرار من النجوة وهي ما ارتفع وبعد لبعد الحاضرين عنه وكل سرار نجوى ، أو السرار ما كان بين اثنين والنجوى ما كان بين ثلاثة { حَيَّوْكَ } كان اليهود إذا دخلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا السام عليك فيقول وعليكم ، والسام : الموت ، أو السيف ، أو ستسأمون دينكم « ح » ولما رد ذلك عليهم قالوا لو كان نبياً لاستجيب له فينا وليس بنا سأمة وليس في أجسادنا فترة فنزلت { وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ } الآية .
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
{ إِنَّمَا النَّجْوَى } أحلام النوم المحزنة أو تناجي اليهود والمنافقين بالإرجاف بالمسلمين .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
{ المجلس } مجالس الذكر ، أو صلاة الجمعة ، أو في الحرب ، أو مجلس الرسول خاصة كانوا يشحون أن يؤثروا به ، أو يتفسحوا فأمروا بذلك { تَفَسَّحُواْ } وسعوا { انشُزُواْ } إلى القتال ، أو الصلاة ، بالنداء ، أو الخير أو كانوا يطيلون الجلوس في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون كل واحد منهم آخر عهد به فأمروا أن ينشزوا إذا قيل لهم انشزوا { فَانشُزُواْ } قوموا أو ارتفعوا من النشز إلى الصلاة ، أو الغزو ، أو إلى كل خير { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } بإيمانهم على من ليس بمنزلتهم في الإيمان { وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ } على من ليس بعالم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{ فَقَدِّمُواْ } كان المنافقون يناجون الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا حاجة لهم به فقطعوا عنه بالأمر بالصدقة ، أو كان يخلو به طائفة من المسلمين يناجونه فظن قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في نجواهم فقطعوا عن استخلائه « ح » ، أو أكثر المسلمون المسائل عليه فخفف الله عنه بذلك فظنوا فكفوا « ع » ، ولم يناجه إلا علي رضي الله تعالى عنه سأله عن عشر خصال وقدم ديناراً تصدق به ولم يعمل بها غيره حتى نسخت بعد عشر ليال ، أو ناجاه رجل من الأنصار بكلمات وتصدق بآصع ثم نسخت بما بعدها .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
{ الَّذِينَ تَوَلَّوْا } المنافقون تولوا اليهود { مَّا هُم مِّنكُمْ } على دينكم { وَلا مِنْهُمْ } على يهوديتهم { وَيَحْلِفُونَ } على نفي النفاق { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } نفاقهم .
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
{ اسْتَحْوَذَ } قوي ، أو أحاط ، أو غلب واستولى .
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
{ لا تجد } نهي بلفظ الخبر ، أو مدحهم باتصافهم بذلك { حَآدَّ } حارب ، أو خالف ، أو عادى { كَتَبَ فِى قُلُوبِهمُ } أثبت ، أو حكم ، أو كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان ، أو جعل على قلوبهم سمة للإيمان تدل على إيمانهم { بِرُوحٍ } برحمة ، أو نصر وظفر ، أو نور الهدى ، أو رغبهم في القرآن حتى أمنوا ، أو بجبريل يوم بدر { رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ } في الدنيا بطاعتهم { وَرَضُواْ عَنْهُ } في الآخرة بالثواب ، أو في الدنيا بما قضاه عليهم فلم يكرهوه { حِزْبَ } يغضبون له ولا تأخذهم فيه لومة لائم نزلت في أبي عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر ، أو في أبي بكر رضي الله تعالى عنه سمع أباه يسب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه فسقط على وجهه فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : « أفعلت يا أبا بكر » فقال : والله لو كان السيف قريباً مني لضربته به فنزلت ، أو في حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى قريش عام الفتح يخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم .
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
{ لأَوَّلِ الْحَشْرِ } لأنهم أول من أُجلي من اليهود ، أو لأنه أول حشرهم لأنه يحشرون بعده إلى أرض المحشر في القيامة ، أو حشرهم الثاني بنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتأكل من تخلف { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } لقوتهم وامتناعهم { حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ } من أمره { لَمْ يَحْتَسِبُواْ } بأمر الله ، أو بقتل ابن الأشرف { الرُّعْبَ } بقتل ابن الأشرف ، أو بخوفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم { بِأَيْدِيهِمْ } بنقض الموادعة { وَأيْدِى الْمؤْمِنِينَ } بالمقاتلة ، أو بأيديهم في تركها ، وأيدي المؤمنين في إجلائهم عنها ، أو كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها فخربوا بواطنها بأيديهم وخرب المسلمون ظواهرها ليصلوا إليه أو كما هدم المؤمنون من حصونهم شيئاً نقضوا من بيوتهم ما يبنون بهم ما خرب من حصونهم أو لما صولحوا على حمل ما أقلته الإبل نقضوا ما أعجبهم من بيوتهم حتى الأوتاد ليحملوها معهم { يخرِّبون } ويخربون واحد أو بالتخفيف خرابها بفعل غيرهم وبالتشديد خرابها بفعلهم أو بالتخفيف فراغها لخروجهم عنها وبالتشديد هَدْمُها .
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
{ الْجَلاءَ } القتل لعذبهم في الدنيا بالسَّبى أو الإخراج من المنازل لعذبهم بالقتل أو الجلاء ما كان مع الأهل والولد بخلاف الإخراج فقد يكون مع بقائهما والجلاء لا يكون إلا لجماعة والإخراج قد يكون لواحد .
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
{ لِّينَةٍ } النخلة من أي صنف كانت أو كرام النخل أو العجوة وكانت العجوة والعتيق مع نوح في السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصول الإناث كلها ولذلك شق على اليهود قطعها أو اللينة الفسيلة لأنها ألين من النخلة أو جميع الأشجار للينها بالحياة وقال الأخفش اللينة من اللون لا من اللين قطعوا وأحرقوا ست نخلات أو قطعوا نخلة وحرقوا أخرى توسيعاً للمكان أو إضعافاً لهم فقالوا ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وعقر الشجر . وقال شاعرهم سماك اليهودي :
ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم ... على عهد موسى ولم نصدف
وأنتم رعاء لشاء عجاف ... بسهل تهامة والأخيف
ترون الرعاية مجداً لكم ... لدى كل دهر لكم مجحف
فيا أيها الشاهدون انتهوا عن ... الظلم والمنطق الموكف
لعل الليالي وصرف الدهور ... يديل من العادل المنصف
بقتل النضير وأجلائها ... وعقر النخيل ولم يقطف
فأجابه حسان بن ثابت :
هم أوتوا الكتاب فضيعوه ... وهم عمي عنا لتوراة بور
كفرتم بالقرآن وقد أبيتم ... بمصداق الذي قال النذير
فهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
وحز في صدور بعض المسلمين ما فعلوه فقالوا هذا فساد ، وقال آخرون : هذا مما تحدى الله به أعداءه وينصر به أولياءه ، فقالوا : يا رسول الله هل لنا فيما قطعنا من أجر وفيما تركنا من وزر فشق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت .
وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
{ أَوْجَفْتُمْ } الإيجاف الإسراع ، والركاب : الإبل فكانت أموالهم للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة فقسهما في المهاجرين إلاَّ سهل بن حنيف وأبا دجانة فإنهما ذكرا فقراً فأعطاهما .
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
{ دُولَةً } ودَولة واحد أو بالفتح الظفر في الحرب وبالضم الغنى عن الفقر ، أو بالفتح في الأيام ، وبالضم في الأموال ، أو بالفتح ما كان كالمستقر ، وبالضم ما كان كالمستعار ، أو بالفتح الظفر في الحرب ، وبالضم أيام الملك وأيام السنين التي تتغير . { وَمَآ ءَاتَاكُمْ الرَّسُولُ } من الفيء فقبلوه وما منعكم فلا تطلبوه ، أو من الغنيمة فخذوه وما نهاكم عنه من الغلول فلا تفعلوه « ح » ، أو من طاعتي فافعلوه وما نهاكم عنه من معصيتي فاتركوه ، أو هو عام من أوامره ونواهيه . قيل نزلت في رؤساء المسلمين قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما ظهر عليه من أموال المشركين يا رسول الله خذ صَفِيِّك والربع ودعنا والباقي فهكذا كنا نفعل في الجاهلية وأنشدوه :
لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول
فنزلت .
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)
{ الْمُهَاجِرِينَ } إلى المدينة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وخوفاً من قومهم { فَضْلاً } من عطاء الدنيا { وَرِضْوَاناً } ثواب الآخرة . كان أحدهم يعصب الحجر على بطنه ليقم به صلبه من الجوع ويتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها .
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
{ تَبَوَّءُو الدَّارَ } من قبل المهاجرين { وَالإيمَانَ } من بعدهم ، أو تبوءوا الدار والإيمان قبل الهجرة إليه وهم الأنصار والدار المدينة . { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ } بالفضول والمواساة بالأموال والمساكين { حَاجَةً } حسداً على ما خصوا به من مال الفيء وغيره { وَيُؤْثِرُونَ } يقدمونهم على أنفسهم { خَصَاصَةٌ } فاقة وحاجة آثروهم بالفيء والغنيمة حتى قسم في المهاجرين دونهم لما قسم الرسول صلى الله عليه سلم للمهاجرين أموال النضير أو قريظة على أن يردوا على الأنصار ما كانوا أعطوهم من أموالهم ، قالت الأنصار : بل نقسم لهم من أموالنا ونؤثرهم بالفيء فنزلت أو آثروهم بأموالهم وواسوهم بها قال الرسول صلى الل عليه وسلم : « إخوانكم تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم » فقالوا : يا رسول الله أموالنا بينهم قطائع فقال : « أو غير ذلك هم قوم لا يعرفون العمل فتكفوهم وتقاسمونهم الثمر » يعني ما صار لهم من نخيل بني النضير قالوا : نعم يا رسول الله . { شُحَّ نَفْسِهِ } الشح أن يشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له أو منع الزكاة ، أو هوى نفسه « ع » ، أو اكتساب الحرام ، أو إمساك النفقة ، أو الظلم ، أو العمل بالمعاصي ، أو ترك الفرائض وانتهاك المحارم ، والبخل والشح واحد ، أو الشح أخذ المال بغير حق والبخل منع المال المستحق ، أو الشح بما في يدي غيره والبخل بما في يديه .
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
{ وَالَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ } المهاجرون بعد ذلك أو التابعون ومن يأتي إلى يوم القيامة { الَّذِينَ سَبَقُونَا } السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، أو سابقو هذه الأمة ومؤمنو أهل الكتاب قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : أمروا أن يستغفروا لهم فسبّوهم { غِلاًّ } غشاً أو عداوة .
لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
{ بَأْسُهُم } « حرب بعضهم لبعض » أو اختلافهم واختلاف قلوبهم فلا يتفقون على أمر واحد ووعيدهم للمسلمين لنفعلن كذا وكذا { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً } اليهود ، أو المنافقون واليهود { شَتَّى } مختلفة لأنهم على باطل والباطل مختلف أو على نفاق والنفاق اختلاف « وتركه ائتلاف » .
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)
{ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } كفار قريش ببدر أو قتلى بدر أو بنو النضير الذين أجلوا إلى الشام ، أو بنو قريظة كانوا بعد إجلاء النضير بسنة { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } نزولهم على حكم سعد أن يقتل المقاتلة وسبي الذرية مثَّلهم بهم في تخاذلهم أو في نزول العذاب بهم .
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)
{ لِلإِنسَانِ } ضرب مثلاً للكافر في طاعة الشيطان وهو عام في كل إنسان أو عني راهباً حسن العبادة من بني إسرائيل فافتتن إلى أن زنا وقتل النفس وسجد لإبليس وقصته مشهورة فكذلك المنافقون وبنو النضير مصيرهم إلى النار .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{ اتَّقُواْ اللَّهَ } باجتناب المنافقين ، أو اتقاء الشبهات { لِغَدٍ } يوم القيامة ، قربه حتى جعله كالغد { وَاتَّقُواْ اللَّهَ } تأكيد للأولى أو الأولى التوبة فيما مضى والثانية ترك المعصية في المستقبل ، أو الأولى فيما تقدم لغد والثانية فيما يكون منكم { بِمَا تَعْمَلُونَ } بعملكم ، أو بما يكون منكم .
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
{ نَسُواْ اللَّهَ } تركوا أمره { فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } أن يعملوا لها خيراً ، أو نسوا حقه فأنساهم حق أنفسهم ، أو نسوا شكره وتعظيمه فأنساهم بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضاً ، أو نسوه عند الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة { الْفَاسِقُونَ } العاصون أو الكاذبون .
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
{ الْفَآئِزُونَ } الناجون من النار ، أو المقربون المكرمون .
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)
{ هُوَ اللَّهُ } قال جابر بن زيد اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية . { الْغَيْبِ وَالْشَّهَادَةِ } السر والعلانية « ع » ، أو ما كان وما يكون ، أو الدنيا والآخرة ، أو ما يدرك وما لا يدرك من الحياة والموت والأجل والرزق .
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
{ الْمَلِكُ } « المالك ، أو الواسع القدرة » { الْقُدُّوسُ } المبارك ، أو الطاهر ، أو المنزه عن القبائح { السَّلامُ } مأخوذ من سلامته وبقائه وإذا وصف بمثله المخلوق قيل سالم ، أو من سلامة عباده من ظلمه . { الْمُؤْمِنُ } خَلْقه من ظلمه ، أو يصدقهم وعده ، أو دعاهم إلى الإيمان { الْمُهَيْمِنُ } الشاهد على خلقه بأعمالهم وعلى نفسه بثوابهم ، أو الأمين ، أو المصدق ، أو الحافظ قال عمر رضي الله تعالى عنه : إني داع فهيمنوا أي قولوا آمين حفظاً للدعاء لما يرجى من الإجابة أو الرحيم { الْعَزِيزُ } في امتناعه ، أو انتقامه { الْجَبَّارُ } العظيم الشأن في القدرة والسلطان ، أو الذي جبر خلقه على ما يشاء ، أو جبر فاقة عباده ، أو أذل له من دونه . { الْمُتَكَبِّرُ } عن النسيان [ أو ] عن ظلم عباده ، أو المستحق لصفات الكبر والتعظيم .
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
{ الْخَالِقُ } محدث الأشياء على إرادته ، أو مقدرها بحكمته { الْبَارِئُ } المنشىء للخلق ، أو المميز له برئت منه تميزت { الْمُصَوِّرُ } للخلق على مشيئته ، أو كل جنس على صورته ، { الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى } جميع أسمائه حسنى لاشتقاقها من صفاته الحسنى ، أو الأمثال العليا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم التوجه إلى مكة ورَّى لخيبر فأرسل حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بذلك ليحفظ ماله عندهم فاطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على كتابه فاسترده ثم سأله فاعتذر بأنه فعل ذلك ليحموا ماله فقدره الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه ونزلت هذه الآية والتي بعدها { تُسِرُّونَ } تعلمونهم في السر أن بينكم وبينهم مودة ، أو تعلمونهم سراً بأحوال الرسول لمودة بينكم وبينهم .
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ } يا حاطب أسوة حسنة أو عبرة حسنة فهلا تبرأت يا حاطب من كفار مكة كما تبرأ إبراهيم والمؤمنون معه { إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ } إلا استغفاره فلا تقتدوا به فيه ، أو إلا إبراهيم فإنه استثنى أباه من قومه في الاستغفار له .
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)
{ فِتْنَةً } لا تسلطهم علينا فيفتنونا « ع » ، أو لا تعذبنا بعذاب منك ولا بأيديهم فيفتنوا بنا يقولون لو كانوا على حق لما عذبوا دعا بذلك إبراهيم .
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
{ مَّوَدَّةً } بإسلامهم عام الفتح ، أو نزلت في أبي سفيان والمودة تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته أم حبيبة أو ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن ، فلما قبض الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتداً فقاتله فكان أو من قاتل في الردة وجاهد عن الدين .
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
{ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ } كان هذا في الابتداء عند موادعة المشركين ثم صارت منسوخة بالأمر بالقتال أو كان لخزاعة والحارث بن عبد مناة عهد فأمروا أن يبروهم بالوفاء به ، أو أراد النساء والصبيان أمروا ببرهم ، أو نزلت في قُتَيْلَة امرأة أبي بكر كان قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه في الهدنة فأهدت لها قرطاً وأشياء فكرهت قبوله حتى ذكرته للرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت . { وَتُقْسِطُواْ } تعطوهم قطساً من أموالكم أو تعدلوا فيهم فلا تغلوا في مقاربتهم ولا تسرفوا في مباعدتهم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
{ إذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ } لما هادن الرسول صلى الله عليه وسلم قريشاً على أن يرد إليهم من جاء منهم جاءت أميمة بنت بشر مسلمة أو سعيدة زوجة صيفي أو أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أو سُبَيْعَة الأسلمية فلما طلب المشركون الرد منع الله من ذلك نسخاً منه للرد عند من قال دخلن في العموم أو بياناً لخروجهن من العموم ، وإنهن لم يشترط ردهن لسرعة انخداعهن إلى الكفر وحفظاً لفروجهن عند من قال لم يدخلن في العموم وإن كان ظاهراً في شمولهن { فَامْتَحِنُوهُنَّ } بالشهادتين أو بما في قوله { يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ } الآية [ الممتحنة : 12 ] أو تحلف بالله تعالى ما خرجت من بغض زوج ، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، بالله ما خرجت التماس دنيا ، بالله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله { وَءَاتُوهُم } آتوا الأزواج ما أنفقوا من المهور وهل يدفع إلى غير الأزواج من أهلن فيه اختلاف { بِعِصَمِ } العصمة : الحبل أو العقد فإذا أسلم الكافر على وثنية فلا يجوز له التمسك بعصمتها إلا أن تسلم قبل انقضاء عدتها . ولما نزلت طلق جماعة من الصحابة أزواجهم من المشركات { وَسْئَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ } من المهور إذا ارتد أزواجكم المسلمات ولحقن بالكفار من ذوي العهد المذكور ولا يجوز لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشترط رد النساء المسلمات لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له وعد من الله بفتح بلادهم ودخولهم في الإسلام طوعاً وكرهاً فجاز له ما لم يجز لغيره .
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
{ وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ } إذا فاتت المسلم زوجته بارتدادها إلى أهل العهد المذكور فلم يصل إلى مهرها منهم ثم غنمها المسلمون ردوا عليه مهرها مما غنموه « ع » ، أو من مال الفيء أو من صداق من أسلمت منهن عن زوج كافر { فَعَاقَبْتُمْ } فغنمتم مأخوذ من معاقبة الغزو أو فأصبتم منهم عاقبة من قَتْل أو سَبْي أو عاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها المهر من الغنائم وهذا منسوخ لنسخ الشرط الذي شرطه الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أو محكم .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{ يُبَايِعْنَكَ } لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح بايعه الرجال ثم جاءت النساء بعدهم للبيعة فبايعهن فجلس على الصفا وعمر رضي الله تعالى عنه دون الصفا فأمره أن يبايع النساء أو أمر أميمة أخت خديجة بنت خويلد بعدما أسلمت أن تبايع عنه النساء أو بايعهن بنفسه وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه أو وضع ماء في قِعب وغمس يده فيه وأمرهن فغمسن أيديهن { وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ } كانوا يئدون الأولاد في الجاهلية { بِبُهْتَانٍ } بسحر أو المشي بالنميمة والسعي بالفساد أو أن يُلحقن بأزواجهن غير أولادهم كانت أحداهن تلتقط الولد وتلحقه بزوجها قاله الجمهور . { يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ } ما أخذته لقيطاً { وَأَرْجُلِهِنَّ } ما ولدنه من زنا { مَعْرُوفٍ } طاعة الله ورسوله أو ترك النوح أو خمش الوجه ونشر الشعر وشق الجيب والدعاء بالويل أو عام في كل معروف مأمور به .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
{ قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } اليهود أو اليهود والنصارى أو جميع الكفار { يَئِسُواْ } من ثواب الآخرة كما يئس الكفار من بعث من في القبور « ع » أو كما يئس الكفار المقبورون من ثوابها لمعاينة عقابها أو يئسوا من خير الآخرة كما يئسوا من خير أهل القبور أو يئسوا من البعث والرحمة كما يئس منها من مات منهم وقبر .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)
قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه فلما فرض الجهاد تثاقلوا عنه فنزلت { يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقَولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ } « ع » أو نزلت في قوم كان أحدهم يقول قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وصبرت ولم يصبر وضربت ولم يضرب ، أو في المنافقين قالوا إن خرجتم وقاتلتم خرجنا وقاتلنا فلما خرجوا نكص المنافقون وتخلفوا أو أراد لم تقولون نفعل فيما ليس أمره إليكم فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون .
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
{ صَفّاً } كصف الصلاة لأنه بالتلاصق يكون أثبت لهم وأمنع لعددهم { مَّرْصُوصٌ } ملصق بعضه إلى بعض أو مبني بالرصاص .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)
{ زَاغُواْ } عدلوا أو مالوا ولا يستعمل إلا في الميل عن الحق يريد بذلك الخوارج أو المنافقين أو عام .
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
{ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ } بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيئه أو ليكون مجيئه معجزة مصدقة لعيسى { أَحْمَدُ } اسم للرسول صلى الله عليه وسلم كمحمد أو اشتق من اسم الله تعالى المحمود قال حسان :
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)
{ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } اليهود والمنافقون أو النضر من بني عبد الدار قال إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فنزلت .
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
{ نُورَ اللَّهِ } القرآن يريدون إبطاله أو الإسلام يريدون دفعه بالكلام أو محمد يريدون هلاكه بالأراجيف أو حجج الله ودلائله يريدون إبطالها بتكذيبهم وإنكارهم أو مثل من أراد إبطال الحق بمن أراد إطفاء نور الشمس بفمه ، قال كعب بن الأشرف : لما أبطأ الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً يا معشر اليهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه وما كان الله ليتم أمره فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت ثم اتصل الوحي .
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
{ لِيُظْهِرَهُ } بالغلبة لأهل الأديان كلها ، أو بالعلو على الأديان أو بعلمه بالأديان كلها ظهرت على سره : علمت به .
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
{ الأُمِّيِّينَ } لأنهم لم ينزل فيهم كتاب أو لم يكونوا يكتبون ، قريش خاصة لم يكونوا يكتبون حتى تعلم بعضهم في آخر الجاهلية من أهل الحيرة أو جميع العرب لأنه لم يكن لهم كتاب ولا كتب منهم إلا القليل ومنَّ عليهم بكونه أمياً لموافقة ذلك بشارة الأنبياء قبله أو لمشاكلته لهم ليكون أقرب إلى الموافقه أو لئلا يتهم بقراءة كتب الأولين . { وَيُزَكِّيهِمْ } يجعل قلوبهم زكية بالإيمان أو يطهرهم من الكفر والذنوب أو يأخذ زكاة أموالهم . { الْكِتَابَ } القرآن أو الخط بالقلم « ع » لأنه شاع فيهم لما أمروا بتقييد الشرع بالخط أو معرفة الخير والشر كما يعرف بالكتاب { وَالْحِكْمَةَ } السنة أو الفقه في الدين أو الفهم والاتعاظ .
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
{ وَءَاخَرِينَ } ويعلِّم آخرين ويزكيهم وهم المسلمون بعد الصحابة أو العجم بعد العرب أو الملوك أبناء الأعاجم أو الأطفال بعد الرجال .
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
{ فَضْلُ اللَّهِ } النبوة أو الإسلام أو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله للفقراء في أهل الدثور { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
{ فَاسْعَوْاْ } بالمشي على الأقدام من غير إسراع أو بنية القلوب أو بالعمل لها أو بإجابة الداعي { ذِكْرِ اللَّهِ } موعظة الخطبة أو الصلاة عند الجمهور أو الوقت ، وكانوا يسمون الأيام في الجاهلية غير هذه الأسماء الأحد أول والأثنين أهون والثلاثاء جبار والأربعاء دبار والخميس مؤنس والجمعة عروبة والسبت شيار .
أؤمل أن أعيش وإن يومي ... بأول أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار « فإن أفُته » ... فمؤنس أو عروبة أو شيار
وأول من سماه الجمعة كعب بن لؤي لاجتماع قريش فيه إلى كعب أو في الإسلام لاجتماعهم فيه إلى الصلاة . { وَذَرُواْ الْبَيْعَ } فحرم البيع على المخاطب بالجمعة من بعد الزوال إلى الفراغ منها ، أو من وقت آذان الخطبة إلى الفراغ من الصلاة والآذان الأول أحدثه عثمان رضي الله تعالى عنه ليتأهبوا لحضور الخطبة لما اتسعت المدينة وكثر أهلها وكان عمر رضي الله تعالى عنه أمر بآذان في السوق قِبَل المسجد ليقوموا عن البيع فإذا اجتمعوا أذَّن في المسجد فجعله عثمان آذانين في المسجد { ذَلِكُمْ } الصلاة خير من البيع الشراء .
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
{ فَضْلِ اللَّهِ } قال الرسول صلى الله عليه وسلم « ليس بطلب دنيا ولكن من عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله تعالى أو البيع والشراء أو العمل يوم السبت » .
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
{ تِجَارَةَ أَوْ لَهْواً } قَدِمَ دِحْيَة بعير عند مجاعة وغلاء سعر وكان معه جميع ما يحتاجون إليه من برود ودقيق وغيره فنزل عند أحجار الزيت وضرب بطبل ليؤذن بقدومه فانفضوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الخطبة فلم يبق معه إلا ثمانية أو اثنا عشر فقال : « والذي نفسي بيده لو ابتدرتموها حتى لم يبق معي منك أحد لسال بكم الوادي ناراً » . { لَهْواً } لعباً « ع » أو الطبل أو المزمار أو الغناء { قَآئِماً } في الخطبة { إِلَيْهَا } لأن غالب انفضاضهم كان إلى التجارة دون اللهو فاقتصر على ذكرها أو تقديره تجارة انفضوا إليها أو لهواً . { انفَضُّواْ } ذهبوا أو تفرقوا .
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
{ نَشْهَدُ } نحلف عبر عن الحلف بالشهادة لأن كل واحد منهما إثبات لأمر غائب { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } فلا يضرك نفاق من نافق .
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)
{ جُنَّةً } من القتل والسبي فعصموا بها دماءهم وأموالهم أو من الموت أن لا تصلي عليهم فيظهر للناس نفاقهم . { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } عن الإسلام بالتنفير أو عن الجهاد بتثبيط المسلمين عنه بالإرجاف .
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
{ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } لحسن منظرهم { تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } لحسن منطقهم { خُشُبٌ } شبهوا بالنخل القائمة لحسن منظرهم أو بالخشب النخرة لسوء مخبرهم أو لأنهم لا ينتفعون بسماع الهدى فصاروا كالخشب { مُّسَنَّدَةٌ } لاستنادهم إلى الإيمان لحقن دمائهم { يَحْسبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيهِمْ } لخبثهم لا يسمعون صيحة إلا ظنوا أن العدو قد أصطلمهم وأن القتل قد حل بهم أو يظنون عند كل صيحة أن قد فطن بهم وعلم نفاقهم لأن المريب خائف ، أو يظنون عند كل صياح في المسجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتلهم فهم أبداً وجلون . { فَأحْذَرْهُمْ } أن تثق بقولهم أو احذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك { قَاتَلَهُمُ } لعنهم أو أحلهم محل من قاتله ملك قاهر لقهر الله تعالى لكل معاند { يُؤْفَكُونَ } يكذبون أو يعدلون عن الحق أو يصرفون عن الرشد أو كيف تضل عقولهم عن هذا؟
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
{ لَوَّوْاْ } لما [ كانت غزوة تبوك ] قال ابن أُبي { لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ } فارتحل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل الناس فقيل لان أُبيَّ ائت الرسول حتى يستغفر لك فلوَّى رأسه استهزاءً وامتناعاً من إتيانه ، أو لوَّاه بمعنى ماذا قلت . { يَصُدُّونَ } يمتنعون ، أو يعرضون عما دعوا إليه من استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن إخلاص الإيمان { مُّسْتَكْبِرُونَ } متكبرون أو ممتنعون .
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
{ لا تُنفِقُواْ } لما قال ابن أبي مرجع الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق وقد جرت مشاجرة بين بعض المهاجرين والأنصار يا معشر الأوس والخزرج ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك أوطأنا هذا الرجل ديارنا وقاسمناهم أموالنا ولولاها لانفظوا عنه { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ } فبلغت الرسول صلى الله عليه وسلم فاعتذر له قومه فنزلت هذه الآية والتي بعدها { خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ } المطر وخزائن { الأَرْضِ } النبات أو خزائن السماوات ما قضاه وخزائن الأرض ما أعطاه .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)
{ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } الصلاة المكتوبة أو عامة في جميع الفرائض أو الجهاد .
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
{ وَأَنفِقُواْ } زكاة المال أو صدقة التطوع ورفد المحتاج ومعونة المضطر .
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
{ فَمِنكُمْ كَافِرٌ } بأنه خلقه و { مُّؤْمِنٌ } بأنه خلقه أو كافر به وإن أقر بأنه خالقه ومؤمن به وفيه محذوف تقديره ومنكم فاسق « ح » أو لا تقدير فيه بل ذكر الطرفين .
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{ بِالْحَقِّ } للحق قاله الكلبي { وَصَوَّرَكُمْ } آدم ، أو جميع الخلق { فَأحْسَنَ صُوَرَكُمْ } في العقول أو في المنظر أو أحكم صوركم .
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
{ أَبَشَرٌ } استحقروا البشر أن يكونوا رسلاً لله إلى أمثالهم والبشر والإنسان واحد فالبشر من ظهور البشرة والإنسان من الأنس أو من النسيان . { فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ } عن الإيمان { وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ } بسلطانه عن طاعة عباده أو بما أظهر لهم من البرهان عن زيادة تدعوهم إلى الرشد { غَنِىٌّ } عن أعمالكم أو صدقاتكم { حَمِيدٌ } مستحمد إلى خلقه بإنعامه عليهم أو مستحق لحمدهم .
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)
{ زَعَمَ } كُنْية الكذب .
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
{ الْجَمْعِ } بين كل نبي وأمته أو بين المظلومين والظالمين { يَوْمُ التَّغَابُنِ } من أسماء القيامة أو غبن فيه أهل الجنة [ أهل النار ] أو يغبن فيه المظلوم الظالم .
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
{ بِإِذْنَ اللَّهِ } بأمره أو بحكمه { يَهْدِ قَلْبَهُ } يؤمن قلبه لله أو يعلم أنه من عند الله فيرضى به أو يسترجع أو إذا ابتلي صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظُلم غفر .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
{ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ } نزلت في قوم أسلموا بمكة فأرادوا الهجرة فمنعهم أزواجهم وأولادهم أو منهم من لا يأمر بطاعة ولا ينهى عن معصية وكبر ذلك عداوة أو منهم من يأمر بقطع الرحم ومعصية الله ولا يستطيع مع حبه إلا أن يطيعه أو منهم من يخالفك في دينك فصار بذلك عدواً أو منهم من يحملك على طلب الدنيا والاستكثار منها { وَإِن تَعْفُواْ } عن الظالم { وتَصْفَحُواْ } عن الجاهل { وَتَغْفِرُواْ } للمسيء { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } للذنب { رَّحِيمٌ } بالعباد . لما هاجر بعض من منعه أهله من الهجرة فلم يقبل منهم قال لئن رجعت إلى أهلي لأفعلن ولأفعلن ومنهم من قال لا ينالون مني خيراً أبداً فلما كان عام الفتح أمروا بالعفو والصفح عن أهاليهم ونزلت هذه الآية فيهم .
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
{ فِتْنَةٌ } بلاء أو محنة يكن بهما عن الآخرة ويتوفر لأجلهما على الدنيا أو يشح لأجل أولاده فيمنع حقوق الله من ماله الولد مبخلة مجهلة محزنة مجبنة { أَجْرٌ عَظِيمٌ } الجنة .
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
{ مَا اسْتَطَعْتُمْ } جهدكم أو أن يطاع فلا يعصى أو ما يتطوع به من نافلة أو صدقة لما نزلت { اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] اشتد عليهم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فنسخها الله تعالى بهذه الآية . { وَاسْمَعُوا } كتاب الله تعالى { وَأَنفِقُواْ } في الجهاد أو الصدقة « ع » أو نفقة المؤمن لنفسه { شُحَّ نَفْسِهِ } هواها أو ظلمها أو منع الزكاة فمن أعطاها فقد وقي شح نفسه .
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
{ قَرْضاً } نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . { حَسَناً } طيبة بها نفسه أو لا يمتن بها { يُضَاعِفْهُ } بالحسنة عشراً أو ما لا يحد من تفضله { شَكُورٌ } للقليل من أفعالنا { حَلِيمٌ } عن ذنوبنا أو { عَالِمُ } بمضاعفة الصدقة { حَلِيمٌ } بأن لا يعاجل عقوبة مانع الزكاة .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
{ يَآأَيُّهَا النَّبِىُّ } خوطب به وهو عام لأمته نزلت لما طلق الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة فأوحي إليه أن يراجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك في الجنة { لِعِدَّتِهِنَّ } في الطهر من غير جماع وجمع الثلاث بدعة أو ليس ببدعة فإن طلقها حائضاً أو في طهر جماع وقع أو لا يقع { وَاتَّقُواْ اللَّهَ } في المطلقات { لا تُخْرِجُوهُنَّ } في عدتهن { بِفَاحِشَةٍ } الزنا فتخرج لإقامة الحد أو بُذَاء على أحمائها « ع » أو كل معصية لله أو خروجها من بيتها تقديره إلا أن يأتين بفاحشة بخروجهن { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } طاعته أو شرطه أو سننه وأمره { يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ } لم يرض بها أو خالفها { ظَلَمَ نَفْسَهُ } بترك الرضا لأنه يأثم به أو بإضراره بالمرأة بإيقاع الطلاق في غير الطهر المشروع { أَمْراً } بالرجعة اتفاقاً .
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
{ بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } قاربنه { فَأَمْسِكُوهُنَّ } ارتجعوهن { بِمَعْرُوفٍ } طاعة الله في الشهادة أو أن لا يقصد إضرارها بتطويل العدة { فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أن يتركها في منزلها حتى تنقضي عدتها { وَأَشْهِدُواْ } على الرجعة فإن لم يشهد فقولان في صحتها . { مَخْرَجاً } ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة أو علمه بأنه من الله وأنه هو المعطي المانع أو قناعته برزقه أو مخرجاً من الباطل إلى الحق ومن الضيق إلى السعة أو من يتق بالطلاق في العدة يجعل له مخرجاً بالرجعة وأن يكون كأحد الخطاب بعد انقضائها ، أو بالصبر عند المصيبة يجعله له مخرجاً من النار إلى الجنة ، أو نزلت في مالك الأشجعي أُسِرَ ابنه عوف فشكا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مع ضر أصابه فأمره بالإكثار من الحوقلة فأفلت ابنه من الأسر واستاق معه سرحاً للكفار فأتى أباه فأخبر أبوه الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإبل فقال اصنع بها ما أحببت فنزلت .
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
{ بَالغُ أَمْرِهِ } قاضٍ أمره فيمن توكل ومن لم يتوكل إلا أن من توكل يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً { قَدْراً } أجلاً ووقتاً أو منتهى وغاية أو مقداراً واحداً فإن كان فعلاً للعبد فهو مقدر بأمر الله وإن كان فعلاً لله فهو مقدر بمشيئته أو بمصلحة عباده .
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
{ إِنِ ارْتَبْتُمْ } بدمها هل هو حيض أو استحاضة أو بحكم عدتها فلم تعلموا بماذا يعتدون . قالوا قد بقي من عدد النساء عِدد لم يذكرن الصغار والكبار المنقطع حيضهن وذوات الحمل فنزلت { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ } بطلاق السنة ييسر أمره بالرجعة أو باجتناب المعصية يَسَّر أمره بالتوفيق للطاعة .
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
{ وُجْدِكُمْ } سعتكم أو قوتكم أو طاقتكم أو مما تجدون { لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ } في المساكن أو النفقة { فَإِنْ أَرْضَعْنَ } أي المطلقات { فَآتُوهُنَّ } أجرة الرضاع لوجوب النفقة على الآباء { وَأْتَمِرُواْ } تشاوروا أو تراضوا في إرضاع الولد إذا وقعت بينكما الفرقة { تَعَاسَرْتُمْ } تضايقتم أو إختلفتم { فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } وإن اختلفا فطلبت الأم الإرضاع وامتنع الأب أو طلبه الأب فامتنعت الأم والولد لا يقبل ثدي غيرها أجبر الممتنع وإن أعسر الأب بالأجرة لزمها الإرضاع للولد .
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
{ مِمَّآ ءَاتَاهُ } نفقة المرضع بقدر المكنة أو لا يكلف بصدقة ولا زكاة ولا مال له أو لا يكلفه فريضة إلا بحسب قدرته .
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)
{ ذِكْراً } القرآن .
رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
{ رَّسُولاً } جبريل عليه السلام . فيكون الذكر والرسول منزلين أو محمد صلى الله عليه وسلم تقديره وبعث رسولاً نزلت في مؤمني أهل الكتاب « ع » { الظُّلُمَاتِ } الجهل و { النُّورِ } العلم أو ظلمات المنسوخ إلى ضياء الناسخ أو الباطل إلى الحق .
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
{ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } اتفقوا أن السموات بعضها فوق بعض { وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهن البحار ويظل جميعهن السماء « ع » وقال الجمهور سبع أرضين بعضها فوق بعض في كل أرض خلق تقلهم تلك الأرض وتظلهم أرض أخرى ولا تصل إلينا إلا الأرض العليا التي نحن عليها فعلى هذا إن الأرض العليا التي نحن عليها فعلى هذا إن كان منهم من يعقل فلا يلزمه دعوة الإسلام ولهم ضياء خلقه الله تعالى في أراضيهم عند من رأى الأرض كرية فلا يشاهدون السماء أو يشاهدونها من كل جوانب أرضهم فيرون منها الضياء عند من رأى الأرض منبسطة . { الأَمْرُ } الوحي { بَيْنَهُنَّ } الأرض العليا والسماء السابعة وقال الأكثر الأمر قضاؤه وقدره { بَيْنَهُنَّ } بين أقصى الأرضين والسماء العليا { لِتَعْلَمُواْ } خلق هذا الملك العظيم لتعلموا أنه قادر على كل شيء قدير وإنها على ما بينهما من الخلق أقدر .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
{ لِمَ تُحَرِّمُ } أراد المرأة التي وهبته نفسها فلم يقبلها « ع » أو سقته حفصة أو سودة أو أم سلمة عسلاً فحسدها نساؤه فقلن للرسول صلى الله عليه وسلم نجد منك ريح المغافير فقال شربت عسلاً فقلن جَرَستْ نحلُه العُرْفُط فحرمه على نفسه أو خلا الرسول صلى الله عليه وسلم بمارية في بيت حفصة لما خرجت لزيارة أبيها فلما عادت وعلمت عتبت فحرم مارية إرضاءاً لحفصة وقال لا تخبرين أحداً من نسائي فأخبرت به عائشة رضي الله تعالى عنها لمصافاة كانت بينهما وكانتا تتظاهران على نسائه فحرم مارية وطلق حفصة وجعل على نفسه أن يحرم سائر نسائه شهراً فاعتزلهن شهراً فنزلت هذه الآية فراجع حفصة واستحل مارية وعاد إلى سائر نسائه « ح » وحلف يميناً حرمها بها فعوتب على ذلك وأمر بتكفير يمينه أو حرمها بغير يمين فكان التحريم موجباً لكفارة اليمين « ع » .
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
{ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ } بَيَّن المَخْرج من أيمانكم أو قدر كفارة حنثها .
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
{ حَدِيثاً } أسر إلى حفصة تحريم مارية فلما ذكرته لعائشة وعلم الرسول ذلك عرفها بعض ما ذكرت { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } أدباً وإبقاءاً ، أو أسرَّ إليها تحريم مارية وبشرها أن أبا بكر خليفته من بعده وأن أباها الخليفة بعد أبي بكر فذكرتهما لعائشة فلما اطلع على ذلك عرَّف ذلك التحريم { وَأَعْرَضَ } عن ذكر الخلافة لئلا ينتشر و { عَرَّفَ } مخففاً غضب منه وجازى عليه .
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
{ إِن تَتُوبَآ } يا عائشة وحفصة من الإذاعة والمظاهرة أو من السرور بما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من التحريم . { صَغَتْ } زاغت أو مالت أو أثمت { تَظَاهَرَا } تتعاونا على معصيته { مَوْلاهُ } وليه { وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } الأنبياء أو الملائكة أو الصحابة أو علي أو أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم { ظَهِيرٌ } أعوان للرسول صلى الله عليه وسلم .
عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
{ خَيْراً مِّنكُنَّ } مع أنهن خير نساء ألأمة أي أطوع منكن أو أحب إليه منكن أو خيراً منكن في الدينا { مُسْلِمَاتٍ } مخلصات أو يقمن الصلاة ويؤتين الزكاة كثيراً أو مسلِّمات لأمر الله تعالى ورسوله { مُّؤْمِنَاتٍ } مصدقات بما أمرن به ونهين عنه { قَانِتَاتٍ } مطيعات أو راجعات عما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه { تَآئِبَاتٍ } من الذنوب أو راجعات إلى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم تاركات لمحابهن عابدات لله أو متذللات للرسول صلى الله عليه وسلم بالطاعة . { سَآئِحَاتٍ } صائمات لأن الصائم كالسائح في السفر بغير زاد أو مهاجرات لسفرهن للهجرة { ثَيِّبَاتٍ } كامرأة فرعون { وَأَبْكَاراً } كمريم ابنة عمران سميت الثيب لأنه راجعة إلى زوجها إن أقام معها أو إلى غيره إن فارقها أو لأنها ثابت إلى بيت أبويها وهذا أصح والبكر لأنها على أول حالتها التي خلقت عليها .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
{ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ } قال خيثمة كل ما في القرآن { يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَاَمَنُواْ } فهو في التوراة يا أيها المساكين وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا قال الله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك فإنها خير تؤمر به أو شر تنهى عنه » { قُواْ أَنفُسَكُمْ } اصرفوا عنها النار { وَأَهْلِيكُمْ } فليقوا أنفسهم أو قوا أنفسكم ومروا أهليكم حتى يقيكم الله تعالى بهم « ع » أو أنفسكم بأفعالكم وأهليكم بوصيتكم إياهم بالطاعة وترك المعصية أو بتعلم الفروض وآداب الدنيا أو بتعلم الخير والأمر به وتعلم الشر والنهي عنه { وَالْحِجَارَةُ } المعبودة أو حجارة الكبريت أو ذكر الحجارة لينبه على أن ما أحرق الحجارة فهو أبلغ في أحراق الناس { غِلاظٌ } القلوب { شِدَادٌ } الأبدان .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
{ جَاهِدَ الْكُفَّارَ } بالسيف { وَالْمُنَافِقِينَ } بالغلظة أو بالقول « ع » أو بإقامة الحدود أو بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليلقهم بوجه مكفهر « { وَاغْلُظْ } بالقول الزجر أو بالإبعاد والهجر » .
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
{ فَخَانَتَاهُمَا } بالكفر أو النفاق « ع » ما بغت امرأة نبي قط أو بالنميمة إذا أوحي إليهما أفشتاه إلى المشركين أو كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون وتخبر الجبابرة بمن آمن به . وإذا نزل بلوط ضيف دخنت امرأته لتعلم قومها به لما كانوا عليه من إتيان الرجال . { فَلَمْ يُغْنِيَا } عن امرأتهما شيئاً من عذاب الله . مَثَلٌ ضربه الله تعالى يحذرهما به لعائشة وحفصة لما تظاهرتا على رسوله ثم ضرب لهما مثلاً بمريم وامرأة فرعون لما اطلع فرعون على إيمانها خرج الملأ فقال : ما تعلمون من آسية بنت مزاحم فأثنوا عليها خيراً قال : فإنها تعبد رباً غيري قالوا اقتلها فأوتد أوتاداً وشدَّ يديها ورجليها فقالت { رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ } الآية فنظرت إلى بيتها في الجنة فضحكت فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها إنا لنعذبها وهي تضحك فقبضت روحها { وَعَمَلهِ } الشرك أو الجماع { الظَّالِمِينَ } أهل مصر أو القبط .
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
{ فَرْجَهَا } جيبها { بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا } الإنجيل { وَكُتُبِهِ } الزبور أو قول جبريل عليه السلام { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ } الآية [ مريم : 19 ] وكتبه الإنجيل أو كلمات ربها عيسى وكتبه الإنجيل { الْقَانِتِينَ } المطيعين .
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
{ تَبَارَكَ } تفاعل من البركة « ع » وهو أبلغ من المبارك لاختصاص الله تعالى به واشترك الخلق في المبارك أو بارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة أو علا وارتفع { الْمُلْكُ } ملك النبوة أو ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة .
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
{ الْمَوْتَ } خلقكم للموت في الدنيا { وَالْحَيَاةَ } في الآخرة أو خلقهما جسمين الموت في صورة كبش أملح والحياة في صورة فرس مأثور حكاه الكلبي ومقاتل { أَحْسَنُ عَمَلاً } أتم عقلاً أو أزهد في الدنيا أو أورع عن محارم الله وأسرع في طاعته مأثور أو أكثر ذكراً للموت وحذراً منه واستعداداً له .
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
{ طِبَاقاً } متشابهة هذا مطابق لهذا أي شبيه به أو بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها فوق بعض بين كل سماء وأرض خلق وأمر « ح » { تَفَاوُتٍ } اختلاف أو عيب أو تفرق « ع » أو لا يفوت بعضه بعضاً { فَأرْجِعِ الْبَصَرَ } فانظر إلى السماء { فُطُورٍ } شقوق أو خلل أو خروق أو وهن « ع » .
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
{ كَرَّتَيْنِ } انظر إليها مرة بعد أخرى قيل أراد بالمرتين قلباً وبصراً { يَنقَلِبْ } يرجع إليكم البصر خاسئاً لأنه لا يرى فطوراً فينفذ { خَاسِئاً } ذليلاً « ع » أو منقطعاً أو كليلاً أو مبعداً خسأت الكلب أبعدته { حَسِيرٌ } نادم أو كليل ضعيف عن إدراك مداه « ع » أو منقطع من الإعياء .
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
{ شَهِيقاً } سمعوه من أنفسهم أو شهيقاً تشهق إليهم شهقة البلغة للشعير ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف « ع » والشهيق في الصدر أو الصياح أو الشهيق في الصدر وهو أول نهيق الحمار ، الزفير في الحلق والشهيق في الصدر لبعده منه جبل شاهق لبعده في الهواء { تَفُورُ } تغلي .
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
{ تَمَيَّزُ } تنقطع أو تتفرق « ع » { الْغَيْظِ } الغليان أو غضباً لله تعالى عليهم وانتقاماً منهم ، النذير : الرسول والنبي أو النذير من الجن والرسل من الإنس .
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
{ فَسُحْقاً } فبعداً يعني جهنم أو اسم وادٍ فيها .
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
{ بِالْغَيْبِ } الله تعالى وملائكته أو الجنة والنار أو القرآن أو الإسلام أو القلب أو إذا خلا فذكر ذنبه استغفر { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } بالتوبة والاستغفار أو بخشية ربهم بالغيب أو حلو باجتناب الذنوب محل المغفور له { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } الجنة .
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
{ ذَلُولاً } مذللة سهلة ، { مَنَاكِبِهَا } جبالها « ع » أو أطرافها أو طرقها أو منابت أشجارها وزرعها { رِّزْقِهِ } الحلال أو مما أنبته لكم .
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)
{ مَّن فِى السَّمَآءِ } الله « ع » أو الملائكة { تَمُورُ } تتحرك أو تدور أو تسيل ويجري بعضها في بعض .
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
{ مُكِبّاً } مثل ضربه الله تعالى للمتقين [ ومعناه ] ليس الماشي مكباً لا ينظر بين يديه ولا يميناً ولا شمالاً كمن يشمي معتدلاً ناظراً بين يديه وعن يمينه وشماله فالمكب الكافر يهوي بكفره والذي يمشي سوياً المؤمن يهتدي بإيمانه « ع » أو المكب أبو جهل والذي يمشي سوياً عمار . { صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } طريق واضح لا يضل سالكه أو حق مستقيم .
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
{ ذَرَأَكُمْ } جعلكم فيها أو نشركم وفرقكم على ظهرها { تُحْشَرُونَ } تبعثون .
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
{ زُلْفَةً } قريباً أو عياناً { سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } ظهرت عليها المساءة لما شاهدوه أو ظهر عليها سمة تدل على كفرهم { وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] { تَدَّعُونَ } تمترون فيه وتختلفون أو تسألون في الدنيا وتزعمون أنه لا يكون أو تستعجلون بالعذاب أو دعاؤهم بذلك لأنفسهم افتعال من الدعاء يقول لهم ذلك خزنة جهنم .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
{ غَوْراً } ذاهباً أو لا تناله الدلاء وكان ماؤهم من بئر زمزم وبئر ميمون { مَّعِينٍ } عذب « ع » أو ظاهر أو تمده العيون فلا ينقطع أو جاري .
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
{ ن } الحوت التي عليها الأرض « ع » أو الدواة مأثور أو حرف من حروف الرحمن « ع » ، أو لوح من نور أو اسم للسورة مأثور أو قسم أقسم الله به وله أن يقسم بما شاء أو حرف حروف المعجم { وَالْقَلَمِ } الذي يكتب به الذكر على اللوح المحفوظ وهو نور طوله ما بين السماء والأرض أو القلم الذي يكتبون [ به ] لأنه نعمة عليهم ومنفعة لهم . { يَسْطُرُونَ } يعملون « ع » أو يكتبون من الذكر أو الملائكة تكتب أعمال العباد .
مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)
{ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } برحمته ويحتمل أن يكون فيما نفى عنه ما نسبوه إليه من الجنون وقال الكلبي : ما أنت بنعمة ربك بمخفق .
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
{ مَمْنُونٍ } محسوب أو أجراً بغير عمل أو غير ممنون عليك من أذى أو غير منقطع .
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
{ خُلُقٍ عَظِيمٍ } دين الإسلام « ع » أو آداب القرآن أو طبع كريم وكل ما أخذ المرء به نفسه من الآداب فهو خلق لأنه يصير كالخلقة فيه وما طبع عليه من الأدب فهو الخيم .
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
{ فَسَتُبْصِرُ } فسترى ويرون يوم القيامة إذا تبين الحق من الباطل أو ستعلم ويعلمون يوم القيامة « ع » .
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
{ الْمَفْتُونُ } المجنون أو الضال أو الشيطان أو المعذب فتنت الذهب بالنار أحميته .
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
{ تُدْهِنُ } تكفر فيكفرون أو تضعف فيضعفون أو تلين فيلينون أو تكذب فيكذبون أو ترخص لهم فيرخصون « ع » أو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك والمداهنة : مجاملة العدو وممايلته أو النفاق وترك المناصحة ، المبرد : أدهن الرجل في دينه وداهن في أمره .
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)
{ حَلافٍ مَّهِينٍ } كذاب « ع » أو ضعيف القلب أو مكثار من الشر أو الذليل بالباطل الأخنس بن شريق أو الأسود بن عبد يغوث أو الوليد بن المغيرة عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه .
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
{ هَمَّازٍ } مغتاب « ع » أو الذي يلوي شدقيه وراء الناس أو يهمزهم بيده دون لسانه ويضربهم . { مَّشَّآءٍ } ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض أو يسعى بالكذب { بِنَمِيمٍ } جمع نميمة أو النميم والنميمة واحد .
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
{ لِّلْخَيْرِ } لحقوق ماله أو يمنع الناس من الإسلام .
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)
{ عُتُلٍّ } فاحش مأثور أو قوي في كفره أو الوفير الجسم أو الجافي الشديد الخصومة بالباطل أو الشديد الأشر أو الدعي « ع » أو يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب من العتل وهو الجر أو الفاحش اللئيم أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم في العتل الزنيم : « إنه الشديد الخلق الرحيب الجوف المصح الأكول الشروب الواجد للطعام الظلوم للناس » { زَنِيمٍ } لئيم « ع » مأثور أو ظلوم « ع » أو فاجر أو ولد الزنا أو الدعي أو كان للوليد بن المغيرة زنمة كزنمة الشاة أسفل من أذنه وفيه نزلت أوفى الأخنس بن شريق فسمي زنيماً لأنه حليف مُلْحَق أو الذي يعرف بالأُبْنَة « ع » أو علامة الكفر كقوله { سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } .
أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)
{ ذَا مَالٍ } كان للوليد بن المغيرة حديقة بالطائف واثنا عشر ولداً .
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
{ سَنَسِمُهُ } سمة سوداء على أنفه يوم القيامة يتميز بها أو يضرب في النار على أنفه أو وسمه بإشهار ذكره بالقبح أو ما يبتلى به في الدنيا في نفسه وولده وماله من سوء وذل وصغار . المبرد : الخرطوم من الناس الأنف ومن البهائم الشفة .
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
{ بَلَوْنَاهُمْ } أهل مكة بالجوع كرتين كما بلونا أصحاب الجنة حتى عادت رماداً أو قريش يوم بدر . قال أبو جهل خذوهم أخذاً واربطوهم في الحبال ولا تقتلوا منهم أحداً فضرب بهم عند القدرة عليهم مثلاً بأصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها . { الْجَنَّةِ } حديقة باليمن بينها وبين صنعاء أثنا عشر ميلاً لقوم من الحبشة أو لشيخ من بني إسرائيل يمسك منها كفايته وكفاية أهله ويتصدق بالباقي فلامه بنوه فلم يطعهم فلما ورثوها عنه قالوا : نحن أحق بها من الفقراء لكثرة عيالنا فأقسموا : أي حلفوا { لَيَصْرِمُنَّهَا } ليقطعن ثمرها صباحاً .
وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)
{ وَلا يَسْتَثْنُونَ } حق المساكين أو قول سبحان الله أو إن شاء الله .
فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
{ طَآئِفٌ } أمر من ربك « ع » أو عذاب منه أو عنق من نار جهنم خرج من وادي جهنم { وَهُمْ نَآئِمُونَ } ليلاً .
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
{ كَالصَّرِيمِ } الرماد الأسود « ع » أو الليل المظلم أو كالمصروم الذي لم يبق فيه ثمر .
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21)
{ فَتَنَادَوْاْ } صاح بعضهم ببعض عند الصباح وكان حرثهم كرماً .
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)
{ يَتَخَافَتُونَ } يتكلمون أو يسرون كلامهم حتى لا يعلم بهم أحد أو يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يرونهم أو يتشاورون بينهم .
وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)
{ حَرْدٍ } غيظ أو جد أو منع أو قصد أو فقر أو حرص أو قدرة « ع » أو غضب أو القرية تسمى حرداً . { قَادِرِينَ } على المساكين أو على جنتهم عند أنفسهم أو موافاتهم إلى الجنة في الوقت الذي قدروه .
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
{ لَضَآلُّونَ } لما رأوا ما أصابها قالوا قد ضللنا الطريق أو أخطأنا مكان جنتنا .
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
{ مَحْرُومُونَ } خير جنتنا .
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)
{ أَوْسَطُهُمْ } أعدلهم « ع » أو خيرهم أو أعقلهم { تُسَبِّحُونَ } تستثنون لما قلتم لنصرمنَّها مصبحين سماه تسبيحاً لاشتماله على ذكر الله تعالى أو تذكروا نعمة الله عليكم فتؤدوا حقه من أموالكم .
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)
{ بَالِغَةٌ } أي مؤكدة بالله { لَمَا تَحْكُمُونَ } « أن يديم النعمة عليكم إلى يوم القيامة » أو ألاَّ يعذبكم إلى يوم القيامة .
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)
{ زَعِيمٌ } كفيل « ع » أو رسول « ح » .
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)
{ عَن سَاقٍ } الآخرة أو غطاء أو كرب وشدة « ع » .
كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح
أو إقبال الآخرة وإدبار الدنيا لأنه أول الشدائد وروي أن الله تعالى يكشف عن ساقه أي عظم أمره أو نوره وهذا اليوم يوم الموت والمعاينة أو يوم الكبر والهرم والعجز عن العمل أو يوم القيامة . { وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ } توبيخاً لا تكليفاً عند من رآه يوم القيامة ومن رآه من أيام الدنيا فالأمر بالسجود تكليف أو تنديم وتوبيخ للعجز عنه .
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
{ بِهَذَا الْحَدِيثِ } القرآن { سَنَسْتَدْرِجُهُم } نأخذهم في غفلة أو نتبع السيئة السيئة وننسيهم التوبة « ح » أو أخذهم حيث درجوا ودبوا أو تدريجهم بإدنائهم من العذاب قليلاً بعد قليل حتى يلاقيهم من حيث لا يعلمون لأنهم لو علموا وقت العذاب لارتكبوا المعاصي واثقين بإمهالهم أو يستدرجون بالإحسان والاستدراج النقل من حال إلى حال ومنه الدرجة لأنها منزلة بعد منزلة .
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
{ لِحُكْمِ رَبِّكَ } لقضائه أو نصره . { كَصَاحِبِ الْحُوتِ } في عجلته نادى ب { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ } الآية [ الأنبياء : 87 ] { مَكْظُومٌ } مغموم « ع » أو مكروب ، الغم في القلب والكرب في الأنفاس أو محبوس ، كظم غيظه حبسه أو مأخوذ بكظمه وهو مجرى النفَس .
لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
{ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ } نبوته أو عبادته السالفة أو نداؤه ب { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ } الآية [ الأنبياء : 87 ] أو إخراجه من بطن الحوت { بِالْعَرَآءِ } الأرض الفضاء وهي أرض باليمن أو عراء يوم القيامة وأرض المحشر { مَذْمُومٌ } مليم « ع » أو مذنب معناه أنه نبذ غير مذموم .
وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
{ لَيُزْلِقُونَكَ } يصرعونك أو يرمقونك أو يرهقونك أو ينفذونك أو يمسونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك أو يصيبونك بالعين قالوا ما رأينا مثل حججه ونظروا إليه ليعينوه كان أحدهم إذا أراد العين يجوع ثلاثاً ثم يقول : تالله ما رأيت أقوى ولا أشجع ولا أكثر منه مالاً فيصيبه بعينه فيهلك . { الذِّكْرَ } القرآن أو ذكر محمد صلى الله عليه وسلم .
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
{ ذِكْرٌ } شرف أو يذكرهم وعد الجنة والنار . { لِّلْعَالَمِينَ } الجن والإنس أو كل أمة من أمم الخلق ممن يعرف أو لا يعرف .
الْحَاقَّةُ (1)
{ الْحَآقَّةُ } ما حق من الوعد والوعيد بحلوله أو القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد عن الجمهور أو لأنه حق على العاقل أن يخافها أو فيها حقائق الأمور .
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
كل ما في القرآن { وَمَآ أَدْرَاكَ } فقد أعلمه به « وما يدريك » فهو مما لم يعلمه به { مَا الْحَآقَّةُ } تفخيماً لقدرها وشأنها { وَمَآ أَدْرَاكَ } ما هذا الأسم لأنه لم يكن من كلام قومه أو { وَمَآ أَدْرَاكَ } ما يكون في الحاقة .
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)
{ بِالْقَارِعَةِ } كل ما قرع بصوت كالصيحة أو بضرب كالعذاب ويجوز أن يكون في الدنيا ويجوز أن يكون في الآخرة . أو القارعة القيامة لأنها تقرع بهولها وشدائدها أو من القرعة في رفع قوم وحط آخرين قاله المبرد .
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)
{ بِالطَّاغِيَةِ } الصيحة أو الصاعقة أو الذنوب أو بطغيانهم « ح » أو الطاغية : عاقر الناقة .
وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)
{ صَرْصَرٍ } بارد من الصر وهو البرد أو شديدة الصوت . { عَاتِيَةٍ } قاهرة أو متجاوزة لحدها أو لا تبقي ولا تذر عتت على خزانها بإذن ربها أو على عاد بلا رحمة ولا رأفة « ع » .
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)
{ سَبْعَ لَيَالٍ } أولها غداة الأحد أو الأربعاء أو الجمعة { حُسُوماً } متتابعات « ع » أو مشائيم أو حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها بدأت طلوع الشمس وانقطعت مع غروبها آخر يوم أو حسمتهم فلم تبق منهم أحداً { خَاوِيَةٍ } بالية أو خالية الأجواف أو ساقطة الأبدان خاوية الأصول شبهوا بها لأن أبدانهم خلت من أرواحهم كالنخل الخاوية أو لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم أو كانت تدخل من أفواههم فتخرج حشوتهم من أدبارهم فصاروا كالنخل الخاوية .
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)
{ قِبَله } من معه و { قَبْلَهُ } من تقدمه { وَالْمُؤْتَفِكَاتُ } الأمم الآفكة من الإفك وهو الكذب أو المقلوبات بالخسف قوم لوط أو قارون وقومه لأنه خسف بهم . { بِالْخَاطِئَةِ } الذنوب والخطايا .
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)
{ رَسُولَ رَبِّهِمْ } على ظاهره أو رسالة ربهم { رَّابِيَةً } شديدة أو مهلكة أو تربو بهم في العذاب أبداً أو مرتفعة أو رابية الشر أي زائدة .
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)
{ طَغَا الْمَآءُ } على خُزَّانه غضباً لربه فلم يقدروا على منعه فزاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً أو زاد وكثر أو ظهر . { حَمَلْنَاكُمْ } في ظهور آبائكم أو آباءكم { الْجَارِيَةِ } سفينة نوح .
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
{ لِنَجْعَلَهَا } سفينة نوح تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم أو كانت ألواحها على الجودي { وَاعِيَةٌ } سامعة « ع » أو مؤمنة أو حافظة أو أذن عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتابه ، وعيت الشيء حفظته في نفسك وأوعيته حفظته في غيرك .
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)
{ الْوَاقِعَةُ } القيامة أو الصيحة أو ساعة فناء الخلق .
وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)
{ وَانشَقَّتِ } عن المجرة أو فتحت أبواباً { وَاهِيَةٌ } ضعيفة أو متخرقة وَهَى السقاء : انخرق ، وقال :
خَلِّ سبيل من وهَى سقاؤه ... ومن هُريق بالفلاة ماؤه
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه .
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
{ أَرْجَآئِهَا } أرجاء السماء أو الدنيا حافَّاتها أو نواحيها أو أبوابها أو ما استدق منها . { فَوْقَهُمْ } يحملونه فوق رؤوسهم أو حملة العرش فوق الملائكة الذين على أرجائها أو فوق أهل القيامة { ثَمَانِيَةٌ } أملاك أو ثمانية صفوف من الملائكة أو ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون « ع » قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية » .
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)
{ لا يخفى } المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر أو لا يستتر منكم عورة . حفاة عراة . أو ما كانوا يخفونه من أعمالهم .
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
{ هَآؤُمُ } أصله هاكم فأبدل أو يا هؤلاء أقرءوا تقول العرب للواحد ها وللأثنين هاؤما وللثلاثة هاؤم أو كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح . نادى أعرابي الرسول صلى الله عليه وسلم بصوت عالٍ فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم هاؤم بطول صوته .
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)
{ ظَنَنتُ } علمت أو أحسن الظن بربه فأحسن العمل { حِسَابِيَهْ } البعث أو الجزاء .
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)
{ رَّاضِيَةٍ } مرضية .
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
{ الْقَاضِيَةَ } موتة لا حياة بعدها أو تمنى أن يموت في الحال .
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
{ سُلْطَانِيَهْ } ضلت عني حجتي أو سلطانه الذي تسلط به على بدنه حتى أقدم به على المعصية أو ما كان به في الدنيا مطاعاً في أتباعه عزيزاً بامتناعه قيل : نزلت في أبي جهل أو في الأسود بن عبد الأشد أخي أبي سلمة ينظر فيه .
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35)
{ حَمِيمٌ } قريب ينفعه أو يرد عنه كما كان في الدنيا .
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)
{ غِسْلِينٍ } غسالة أجوافهم فعلين من الغسل أو صديد أهل النار أو شجرة في النار هي أخبث طعامهم أو الماء الحار أشتد نضجه بلغة أزد شنوءة .
فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)
{ فَلآ أُقْسِمُ } لا صلة لما قال الوليد إن محمداً ساحر ، وقال أبو جهل شاعر ، وقال عقبة كاهن ، أقسم الله تعالى على كذبهم { تُبْصِرُونَ } الأرض والسماء { وَمَا لا تُبْصِرُونَ } الملائكة أو تبصرون من الخلق وما لا تبصرون الخالق .
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ } إن القرآن لقول جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم .
لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)
{ بِالْيَمِينِ } لأخذنا قوته كلها أو بالحق أو بالقدرة أو قطعنا يده اليمنى « ح » أو أخذنا يمينه إذلالاً له واستخفافاً به كما يقال لمن يراد هوانه خذوا بيده .
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
{ الْوَتِينَ } حبل القلب ونياطه الذي القلب معلق به أو القلب ومراقِّه وما يليه أو الحبل الذي في الظهر أو عرق بين العلباء والحلقوم إرادة لقتله بقطع وتينه وإتلافه أو لأن الوتين إذا قطع لا إن جاع عرف ولا إن شبع عرف .
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
{ لَتَذْكِرَةٌ } وإن القرآن لبيان أو رحمة أو موعظة أو نجاة .
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
{ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ } وإن القرآن لندامة على الكافر يوم القيامة .
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
{ لَحَقُّ الْيَقِينَ } حقاً يقيناً ليكونن القرآن حسرة على الكافر أو إن القرآن يقين عند جميع الخلق أيقن به المؤمن في الدنيا فنفعه وأيقن به الكافر في الآخرة فلم ينفعه .
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)
استخبر مستخبر متى يقع العذاب تكذيباً أو دعا داع بوقوع العذاب استهزاء أو طلب طالب { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } وهو النضر بن الحارث قال : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق } الآية [ الأنفال : 32 ] وكان حامل لوائهم يوم بدر « ع » أو أبو جهل هو قائل ذلك أو جماعة من كفار قريش { بِعَذَابٍ } الآخرة أو يوم بدر بالقتل والأسر . { سال } بغير همز ، سائل اسم وادٍ في جهنم لأن يسيل بالعذاب .
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)
{ ذِى الْمَعَارِجِ } الدرجات « ع » أو الفواضل والنعم أو العظمة والعلاء أو الملائكة لعروجهم إليه أو معارج السماء .
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
{ تَعْرُجُ الْملآئِكَةُ } تصعد { وَالرُّوحُ } أرواح الموتى عند القبض أو جبريل عليه السلام أو خلق كهيئة الناس وليسوا بناس { خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } يوم القيامة « ح » أو مدة الدنيا لا يعلم كم مضى ولا كم بقي إلا الله أو لو تولى بعض الخلق حساب بعض كان مدته خمسين ألفاً ويفرغ الله تعالى منه في أسرع مدة قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « يحاسبهم بمقدار ما بين الصلاتين ولذلك سمى نفسه سريع الحساب وأسرع الحاسبين » .
فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)
{ فَاصْبِرْ } على كفرهم قبل فرض الجهاد أو على قولهم مثل ساحر وشاعر وكاهن ومجنون « ح » .
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)
{ يَرَوْنَهُ بَعِيداً } البعث أو عذاب النار بعيداً مستحيلاً غير كائن أو استبعدوا الآخرة .
وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)
{ وَنَرَاهُ قَرِيباً } لأن كل آت قريب .
يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)
{ كَالْمُهْلِ } كدردي الزيت « ع » أو كذوب النحاس والرصاص والفضة أو كقيح ودم .
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)
{ كَالْعِهْنِ } الصوف المصبوغ تلين بعد شدتها وتتفرق بعد اجتماعها .
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)
{ يُبَصَّرُونَهُمْ } يبصر بعضهم بعضاً فيتعارفون أو يبصر المؤمنون الكافرين أو يبصر الكافرون الذين أضلوهم في النار أو يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله { يَوَدُّ } يحب أو يتمنى { الْمُجْرِمُ } الكافر { لَوْ يَفْتَدِى } بأعز أقاربه في الدنيا .
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)
{ وَفَصِيلَتِهِ } عشيرته التي تنصره . وقال أبو عبيدة الفصيلة دون القبيلة . { تُئْوِيهِ } يأوي إليها في نسبه أو من خوفه أو فصيلته أمه التي تربيه .
كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)
{ لَظَى } اسم لجهنم لتلظيها وهو اشتداد حرها أو للدرك الثاني منها .
نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)
{ لِّلشَّوَى } أطراف اليدين والرجلين أو جلدة الرأس أو العصب والعقب أو مكارم وجهه « ح » أو اللحم أو الجلد الذي على العظم لأن النار تشويه .
تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)
تدعوهم بأسمائهم يا كافر يا منافق أو عُبِّر عن مصيرهم إليها بدعائها لهم أو يدعوا خزنتها فأضيف الدعاء إليها { أَدْبَرَ } عن الإيمان { وَتَوَلَّى } إلى الكفر أو عن الطاعة وتولى عن الحق أو عن أمر الله وتولى عن كتاب الله أو أدبر عن القول وتولى عن العمل .
وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)
{ وَجَمَعَ } المال فجعله في وعاء حفظاً له ومنعاً من أداء حق الله تعالى فيه فكان جموعاً منوعاً .
إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)
{ الإِنسَانَ } الكافر عند الضحاك { هَلُوعاً } بخيلاً أو حريصاً أو ضجوراً أو ضعيفاً أو شديد الجزع أو معناه ما بعده « إذا مسه » الآية « ع » .
إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
{ مَسَّهُ } الخير لم يشكر والشر لم يصبر وإذا استغنى منع حق الله تعالى وشح وإذا افتقر سأل وألح .
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
{ دَآئِمُونَ } يحافظون على مواقيت فروضها أو يكثرون نوافلها أو لا يلتفتون فيها .
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)
{ لأَمَانَاتِهِمْ } ما ائتمنه الناس عليه { وَعَهْدِهِمْ } ما عاهدوه عليه أن يقوم بموجبهما أو الأمانة الزكاة أن يؤديها والعهد الجنابة أن يغتسل منها .
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
{ بِشَهَادَتِهِمْ } على أنبيائهم بالبلاغ وعلى الأمم بالقبول أو الامتناع أو بحفظ الحقوق تحملاً لها وأداء .
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)
{ مُهْطِعِينَ } مسرعين أو معرضين أو ناظرين إليك تعجباً .
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
{ عِزِينَ } متفرقين أو مجتنبين أو الرفقاء الحلفاء ، أو الجماعة القليلة أو الحلق والفرق . خرج الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم حلق فقال : « ما لي أراكم عزين » .
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
{ نَصْبٍ } الغاية التي ينصب إليها بصرك و { نُصُبٍ } واحد الأنصاب وهي الأصنام أو النَّصْب والنُّصُب واحد . إلى عَلَم يستبقون أو غايات يستبقون أو إلى أصنامهم يسرعون . وقيل إنها أحجار طوال كانوا يعبدونها أو إلى صخرة بيت المقدس يسرعون { يُوفِضُونَ } يسرعون .
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)
{ عَذَابٌ أَلِيمٌ } بنار الآخرة « ع » أو عذاب الدنيا بالطوفان فأنذرهم فلم ير مجيباً وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
{ مِّن ذُنُوبِكُمْ } من صلة أو بمعنى يخرجكم من ذنوبكم أو يغفر لكم منها ما استغفرتموه { وَيُؤَخِّرْكُمْ } إلى أجل موتكم فلا تهلكوا بالعذاب { أَجَلَ اللَّهِ } للبعث أو العذاب أو الموت { لَوْ كُنتُمْ } بمعنى إن كنتم أو لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجله إذا جاء لا يؤخر « ح » .
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)
{ دَعَوْتُ } دعوتهم ليلاً ونهاراً إلى عبادتك أو دعوتهم أن يعبدوك ليلاً ونهاراً .
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)
{ فِرَاراً } بلغنا أن أحدهم كان يذهب بابنه إليه فيقول : احذر هذا لا يغرنك فإن أبي ذهب إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك .
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
{ كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ } إلى الإيمان { لِتَغْفِرَ لَهُمْ } ما تقدم من الشرك سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ليوئسوه من إجابة ما لم يسمعوه وكان حليماً صبوراً { وَأَصَرُّواْ } أقاموا على الكفر أو الإصرار تعمد الذنب « ح » أو سكتوا على ذنوبهم فلم يستغفروا { وَاسْتَكْبَرُواْ } بترك التوبة « ع » أو بكفرهم بالله تعالى وتكذيبهم نوحاً عليه الصلاة والسلام .
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)
{ جِهَاراً } مجاهرة يرى بعضهم بعضاً .
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
{ أَعْلَنتُ } الدعاء صحت به { وَأَسْرَرْتُ } الدعاء عن بعضهم من بعض دعاهم في وقت سراً وفي وقت جَهَر أو دعا بعضهم سراً وبعضهم جهراً مبالغة منه وتلطفاً .
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
{ اسْتَغْفِرُواْ } ترغيباً منه في التوبة .
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
{ مِّدْرَاراً } غيثاً متتابعاً قيل أجدبوا أربعين سنة فأذهب الجدب أموالهم وانقطع الولد عن نسائهم فلما علم حرصهم على الدنيا قال : هلموا إلى طاعة الله تعالى فإن فيها درك الدنيا والآخرة ترغيباً لهم في الإيمان .
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)
{ لا تَرْجُونَ } لا تعرفون له عظمه ولا تخشون عقابه ولا ترجون ثوابه « ع » أو لا تعرفون حقه ولا تشكرون نعمه أو لا تؤدون طاعته أو الوقار : الثبات منه { وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ } [ الأحزاب : 33 ] أي لا تثبتون وحدانيته .
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)
{ أطْوَاراً } طوراً نطفه وطوراً علقة وطوراً مضغة وطوراً عظماً ثم كسا العظام اللحم ثم أنشأه خلقاً آخر أنبت له الشعر وكمل له الصورة أو الأطوار اختلافهم طولاً وقصراً ، وقوة وضعفاً وهماً وتصرفاً وغنى وفقراً .
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15)
{ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً } على سبع أرضين بين كل سماء وأرض خلق وأمر « ح » أو سبع سماوات طباقاً بعضهن فوق بعض كالقباب .
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
{ الْقَمَرَ فِيهِنَّ } معهن نوراً لأهل الأرض أو لأهل السماء والأرض . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه وجهه يضيء لأهل الأرض وظهره يضيء لأهل السماء { سِرَاجاً } مصباحاً يضيء لأهل الأرض أو لأهل الأرض والسماء .
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)
{ أَنبَتَكُم } آدم خلقه من أديم الأرض كلها أو أنبتهم في الأرض بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر .
لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)
{ سُبُلاً فِجَاجاً } طرقاً مختلفة « ع » أو واسعة أو أعلاماً .
قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)
{ عَصَوْنِى } لبث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهم على كفرهم وعصيانهم ورجا الأبناء بعد الآباء فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم وعاش بعد الطوفان ستين عاماً حتى كثر الناس وفشوا . قال الحسن : وكانوا يزرعون في الشهر مرتين { ووَلده } واحد الأولاد وبالضم جماعة الأولاد « أو بالضم العشيرة وبالفتح الأولاد » .
وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)
{ كُبَّاراً } أبلغ من كبير جعلوا لله تعالى صاحبة وولداً أو قول الكبراء للأتباع { لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ } .
وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
{ وَدّاً وَلا سُوَاعاً } كانت هذه الأصنام للعرب ولم يعبدها غيرهم . فخرج من قصة نوح إلى قول العرب ثم رجع إلى قصتهم أو كانت آلهة لقوم نوح وهم أول من عبد الأصنام ثم عبدها العرب بعدهم قاله الأكثر . قال ابن الزبير اشتكى آدم وعنده بنوه ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر . وكان ود أكبرهم وأبرهم به أو كانت أسماء رجال قبل نوح حزن عليهم آباؤهم بعد موتهم فصوروا صورهم ليتسلوا بالنظر إليها ثم عبدها أبناؤهم بعدهم أو كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام فخلفهم من أخذ في العبادة مأخذهم فصوروا صورهم ليذكروا بها اجتهادهم فعبدها قوم نوح بعدهم ثم انتقلت إلى العرب فعبدها ولد إسماعيل فكان ود لكلب بدومة الجندل « ع » وهو أول صنم معبود سمي بذلك لودهم له وسواع لهذيل بساحل البحر ويغوث لغطيف من مراد أو حي في نجران قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أحرد ويسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك قالوا : قد رضي لكم المنزل فيضربون عليه بناء وينزلون حوله ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع من حمير .
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)
{ وَقَدْ أَضَلُّواْ } أضل أكابرهم أصاغرهم أو ضل بالأصنام كثير منهم { ضَلالاً } عذاباً ويحتمل فتنة بالمال والولد .
وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)
{ دَيَّاراً } أحداً أو من يسكن الديار دعا بذلك لما قيل له { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ } الآية [ هود : 36 ] أو مر به رجل يحمل ولداً له صغيراً فقال : يا بني احذر هذا فإنه يضلك فقال : يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجه فغضب نوح عليه الصلاة السلام ودعا عليهم .
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
{ وَلِوَالِدَىَّ } أراد أباه لمكا وأمه هنجل وكانا مؤمنين « ح » أو أباه وجَدَّه . { دَخَلَ بَيْتِىَ } دخل مسجدي أو في ديني أو صديقي الداخل إلى منزلي « ع » { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } من قومه أو جميع الخلق إلى قيام الساعة { تَبَاراً } هلاكاً أو خساراً .
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
{ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ } القرآن صرفهم الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن أو منعوا من استراق السمع ورموا بالشهب ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين له ظاهر فأتوا إبليس فأخبروه فقال ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوه فشمها فقال صاحبكم بمكة أو رجعوا إلى قومهم فقالوا ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا حدث في الأرض فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ففعلوا حتى أتوا تهامة فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ « ع » . فمن قال صرفوا إليه ذكر أنه رآهم ودعاهم وقرأ عليهم ومن قال ضربوا مشارق الأرض ومغاربها قال لم يرهم ولم يقرأ عليهم بل أتوه بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بنفرٍ من أصحابه الصبح فلما سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حالَ بيننا وبين خبر السماء « ع » وكانت قراءته { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } وكانوا تسعة أحدهم زوبعة أو سبعة ثلاثة من حرَّان وأربعة من نصيبين أو تسعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق فَصَلَّوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الصبح ثم ولَّوْا إلى قومهم منذرين . قيل الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامه قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الجن من ولد الجان منهم المؤمن والكافر وليسوا شياطين والشياطين من ولد إبليس ولا يموتون إلا مع إبليس ويدخل مؤمنو الجن الجنة وقال الحسن رضي الله تعالى عنه هم ولد الجان والإنس ولد آدم عليه الصلاة السلام فمن الجن الإنس المؤمن والكافر يثابون ويعاقبون فمؤمن الطائفتين ولي الله تعالى وكافرهما شيطان ويدخلون الجنة بإيمانهم « ح » أو لا يدخلها الجان وإن صرفوا عن النار قاله مجاهد { عَجَباً } في فصاحته أو في بلاغة مواعظه أو في عظم بركته .
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)
{ الرُّشْدِ } مراشد الأمور أو معرفة الله تعالى .
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)
{ جَدُّ رَبِّنَا } أمره أو فعله « ع » أو ذكره أو غناه أو بلاغه أو ملكه وسلطانه أو جلاله وعظمته أو نعمه على خلقه أو { تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا } أي ربنا أو الجد أب الأب لأن هذا من قول الجن .
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)
{ سَفِيهُنَا } إبليس أو جاهلنا وعاصينا . { شَطَطاً } جوراً أو كاذباً أصله البعد فعبّر به عن الجور والكذب لعبدهما من العدل والصدق .
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)
{ يَعُوذُونَ } كانوا في الجاهلية إذا نزل أحدهم بواد قال أعوذ بكبير هذا الوادي من سفهاء قومه فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم { رَهَقاً } طغياناً أو إثماً « ع » أو خوفاً أو كفراً أو أذى أو غياً أو عظمة أو سفهاً .
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)
{ لَمَسْنَا } طلبنا التمست الرزق ولمسته أو قاربناها لأن الملموس مقارب فوجدنا أبوابها أو طرقها { حَرَساً شَدِيداً } الملائكة الغلاظ الشداد { وَشُهُباً } جمع شهاب وهو انقضاض الكواكب المحترقة وكان انقضاضها قبل البعث وإنما زيد بالبعث إنذاراً بحال الرسول صلى الله عليه وسلم قاله الأكثر وقال الجاحظ لم يكن الانقضاض إلا بعد المبعث .
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)
{ مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ } كانوا يسمعون من الملائكة الأخبار فيلقونها إلى الكهنة فلما حرست بالشهب قالوا ذلك ، ولم يكن لهم طريق إلى استماع [ الوحي ] قبل الحراسة ولا بعدها .
وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)
{ لا نَدْرِى } هل بعث محمد ليؤمنوا به فيرشدوا أم يكفروا به فيعاقبوا وهل حراسة السماء لرشد وثواب أم لشر وعقاب .
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)
{ الصَّالِحُونَ } المؤمنون { دُونَ ذَلِكَ } المشركون { طَرَآئِقَ قِدَداً } فرقاً شتى أو أدياناً مختلفة أو أهواء متباينة .
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)
{ لَمَّا سَمِعْنَا } القرآن من الرسول صدقنا به وكان مبعوثاً إلى الإنس والجن قال الحسن لم يبعث الله تعالى رسولاً قط من الجن ولا من أهل البادية ولا من النساء لقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى } [ يوسف : 109 ] . { بَخْساً } نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيئاته البخس : النقصان والرهق : العدوان وهذا من قول الجن .
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
{ الْقَاسِطُونَ } الخاسرون أو الفاجرون أو الناكثون القاسط : الجائر لعدوله عن الحق والمقسط العادل لعدوله إلى الحق .
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ } لو أقاموا على طريق الكفر والضلال { لأَسْقَيْنَاهُم } لأغرقناهم كآل فرعون أو كثرنا الماء لإنبات زروعهم وكثرة أموالهم . { لِّنَفْتِنَهُمْ } بزينة الدنيا أو بالاختلاف بينهم بكثرة المال أو بالعذاب كقولهم { هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] . { وَمَن يُعْرِضْ } عن قبول القرآن يسلطه عذاباً قاله جماعة . أو لو استقاموا على الهدى والطاعة « ع » { لأَسْقَيْنَاهُم } لهديناهم الصراط المستقيم « ع » أو لأوسعنا عليهم الدنيا أو لأعطيناهم عيشاً رغداً أو مالاً واسعاً { غَدَقاً } عذباً معيناً « ع » أو كثيراً واسعاً قال عمر رضي الله تعالى عنه : حيثما كان الماء كان المال وحيثما كان المال كانت الفتنة { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } في الدنيا بالاختبار أو بتطهيرهم من الكفر أو بأخراجهم من الشدّة والجدب إلى الرخاء والخصب أو لنفتنهم فيه في الآخرة بتخليصهم وإنجائهم من فتنت الذهب إذا خلصت غشه بالنار { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } [ طه : 40 ] خلصناك من فرعون أو نصرفهم عن النار { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } [ الإسراء : 73 ] ليصرفونك { وَمَن يُعْرِضْ } منهم عن العمل بالقرآن . { عَذَاباً صَعَداً } جب في النار أو جبل فيها إذا وضع عليه يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت . مأثور أو مشقة من العذاب « أو عذاب لا راحة فيه أو صخرة في النار يكلفون صعودها على وجوههم فإذا رقوها حدروا فذلك دأبهم أبداً » .
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
{ الْمَسَاجِدَ } الصلوات أو أعضاء السجود أو بيوت الله « ع » أو كل موضع صلّى فيه الإنسان فهو بسجوده فيه مسجد { فَلا تَدْعُواْ } فلا تعبدوا معه غيره قالت الجن للرسول صلى الله عليه وسلم : ائذن لنا نصلّ معك في مسجدك فنزلت « أو نزلت في اليهود والنصارى أضافوا إلى الله غيره في بيعهم وكنائسهم » أو في قول المشركين في تلبيتهم حول البيت إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك .
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
{ عَبْدُ اللَّهِ } محمد صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة يدعو الله فيها وائتمّ به أصحابه عجبت الجن من ذلك أو قام إليهم داعياً لهم إلى الله { لِبَداً } أعواناً أو جماعات بعضها فوق بعض واللبد لاجتماع الصوف بعضه فوق بعض وهم المسلمون في اجتماعهم على الرسول صلى الله عليه وسلم أو الجن في استماع قراءته أو الجن والإنس لتعاونهم عليه في الشرك .
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)
{ لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً } لمن آمن { وَلا أُشْرِكُ بِهِ } لمن كفر [ وفيه ثلاثة أوجه ] عذاباً ولا نعيماً أو موتاً ولا حياة أو ضلالة ولا هدى .
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)
{ لَن يُجِيرَنِى } كان الجن الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم سبعين ألفاً وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر قاله مكحول وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لما تقدّم إليهم ازدحموا عليه فقال سيدهم وردان أنا أزجلهم عنك فقال : إني لن يجيرني من الله أحدٌ { مُلْتَحَداً } ملجأ وحرزاً أو ولياً ومولى أو مذهباً ومسلكاً .
إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)
{ إِلا بَلاغاً } لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً إلا أن أبلغكم رسالات ربي أو لن يجيرني منهم إن أحدٌ لم أبلغ رسالته .
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)
{ الْغَيْبِ } السر « ع » أو ما لم تروه مما غاب عنكم أو القرآن أو القيامة وما يكون فيها .
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)
{ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ } جبريل عليه السلام أو نبي فيما يطلعه عليه من غيب أو « نبي فيما أنزله عليه من كتاب » ع « { رَصَداً } يجعل له طريقاً إلى علم بعض ما كان قبله وما يكون بعده أو ملائكة يحفظون النبي من الجن والشياطين من ورائه وأمامه » ع « وهم أربعة . أو يحفظون الوحي فما كان من ألله تعالى قالوا هو من عند الله وما ألقاه الشيطان قالوا هو من الشيطان أو يحفظون جبريل عليه السلام إذا نزل بالوحي من السماء أن يسمعه مسترقو السمع من الشياطين فيلقوه إلى الكهنة قبل أن يبلغه الرسول إلى أمّته .
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
{ لِّيَعْلَمَ } محمد صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام قد بلغ إليه رسالة ربه وما نزل جبريل عليه السلام إلا ومعه ملائكة حفظة أو ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أنّ الرسل قبله قد بلغت الرسالات وحفظت أو ليعلم مكذب الرسل أنّ الرسل قد بلغت أو لعلم الجن أنّ الرسل بلغوا الوحي ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع أو ليعلم الله تعالى أنّ رسله قد بلغوا رسالاته .
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)
{ الْمُزَّمِّلُ } المتحمل زمل الشيء حمله ومنه الزاملة أو المتلفف المزمل بالنبوّة أو القرآن أو بثيابه قيل نزلت وهو في قطيفة .
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)
{ إِلا قَلِيلاً } من أعداد الليالي فلا تقمها أو إلاّ قليلاً من زمان كل ليلة وكان قيامه فرضاً عليه خاصة أو عليه وعلى أمّته فقاموا حتى ورمت أقدامهم ثم نسخ عنهم بعد سنة بآخر السورة أو بعد ستة عشر شهراً بالصلوات الخمس ولم ينسخ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو نسخ عنه كما نسخ عن أمته بعد سنة أو ستة عشر شهراً أو بعد عشر سنين تمييزاً له بالفضل عليهم .
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
{ قَلِيلاً } الثلث وما دون العشار والسدس والقليل من الشيء دون نصفه .
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
{ وَرَتِّلِ } بينه « ع » أو فسره أو اقرأه على نظمه وتواليه من غير تغيير لفظ ولا تقديم ولا تأخير من ترتل الأسنان إذا استوى نبتها وحسن انتظامها .
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)
{ ثَقِيلاً } عليه إذا أوحي إليه فلا يقدر على الحركة أو العمل به ثقيل « ح » أو في الميزان يوم القيامة أو كريم من قولهم فلان ثقيل عليَّ : أي كريم .
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)
{ نَاشِئَةَ الَّيْلِ } قيامه بالحبشية أو ما بين المغرب والعشاء أو ما بعد العشاء أو بدو الليل أو ساعاته لأها تنشأ ساعة بعد ساعة أو الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار . { أَشَدُّ وَطْئاً } مواطأة قلبك وسمعك وبصرك أو مواطأة قولك بعملك أو نشاطاً لأنه في زمان راحتك أو أشدّ وأثبت وأحفظ للقراءة { وَأَقْوَمُ قِيلاً } أبلغ في الخير وأمنع من العدو أو أصوب للقراءة وأثبت للقول لأنه زمان التفهم أو أعجل إجابة للدعاء .
إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)
{ سَبْحاً } فراغاً لنومك وراحتك فاجعل ناشئة الليل لعبادتك « ع » أو دعاءاً كثيراً أو عملاً وتقلباً يشغلك عن فراغ ليلك والسبح : الذهاب ومنه السبح في الماء .
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)
{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ } واقصد بعملك وجه ربك أو ابدأ القراءة بالبسملة { وَتَبَتَلْ } أخلص أو تعبد أو انقطع مريم البتول : لانقطاعها إلى الله تعالى « نهى الرسول صلى الله عليه سلم عن التبتل » : الانقطاع عن الناس والجماعات أو تضرّع إليه تضرعاً .
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)
{ رَّبُّ الْمَشْرِقِ } أي رب العالم لأنهم بين المشرق المغرب أو مشرق الشمس ومغربها يريد استواء الليل والنهار أو وجه الليل ووجه النهار أو أول النهار وآخره أضاف نصفه الأول إلى المشرق ونصفه الآخر إلى المغرب { وَكِيلاً } معيناً أو كفيلا أو حافظاً .
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
{ هَجْراً جَمِيلاً } اصفح وقل سلاماً أو أعرض عن سفههم وأرهم صغر عداوتهم أو هجراً لا جزع فيه .
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)
{ وَالْمُكَذِّبِينَ } قيل بنو المغيرة أو اثنا عشر رجلاً من قريش { وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } إلى السيف .
إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)
{ أَنكَالاً } أغلالاً أو قيوداً أو أنواع العذاب الشديد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « إنّ الله يحب النكل على النكل » فسئل عن ذلك فقال : « الرجل القوي المجرب على الفرس القوي المجرب » وبه سمي القيد والغل لقوتهما .
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)
{ ذَا غُصَّةٍ } الزقوم أو شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج .
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
{ مَّهِيلاً } رملاً سائلاً « ع » أو الذي نزل تحت القدم فإذا وطئت أسفله انها أعلاه .
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)
{ وَبِيلاً } شديداً « ع » أو متتابعاً أو مقبلاً غليظاً ومنه الوابل للمطر العظيم أو مهلكاً .
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
{ شِيباً } جمع أشيب والأشيب والأشمط الذي اختلط سواد شعره ببياضه .
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)
{ مُنفَطِرٌ بِهِ } ممتلئة به « ع » أو مثقلة أو مخزونة به « ح » أو منشقة من عظمته وشدّته . { كَانَ وَعْدُهُ } بالثواب والعقاب أو بإظهار دينه على الدين كله أو بانفطار السماء وشيب الولدان وكون الجبال كثيباً مهيلاً ، { بِهِ } الضمير لليوم يعني أشاب الولدان وجعل السماء منفطرة بما ينزل منها أي يوم القيامة يجعل الولدان شيباً ، وانفطارها انفتاحها لنزول هذا القضاء منها .
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
{ لَّن تُحْصُوه } لن تطيقوا قيام الليل أو تقدير نصفه وثلثه وربعه { فَاقْرَءُاْ } فصلوا عبر عن الصلاة بالقراءة { مَا تَيَسَّرَ } من النوافل إذ لا يؤمر في الفرض بما تيسر أو الصلوات الخمس ما تيسر من أفعالها وأركانها على قدر القوّة والضعف والصحة والمرض دون العدد لأنّ الناس انتقلوا من قيام الليل إلى الصلوات الخمس أو بحمل القرآن على حقيقته يُقْراْ به في الصلاة وما تيسر : الفاتحة عند من أوجبها أو قدر آية واحدة من القرآن أو أراد القراءة خارج الصلاة وهي مستحبة أو واجبة ليقف بها على إعجازه ودلائله فإذا قرأه وعرف إعجازه ودلائل التوحيد منه فلا يلزمه حفظه . لأنّ حفظه متسحب فعلى هذا المراد به جميع القرآن لأنّ الله تعالى يسره على العباد أو ثلثه أو مائتا آية منه أو ثلاث آيات كأقصر سورة { يَضْرِبُونَ فِى الأَرْضِ } بالمسافرة ، أو بالتقلب للتجارة . { فاقْرَءُاْ مَا تَيَسَّرَ } قيل أعادة لنسخ ما فرضه من قيام الليل وجعل ما تيسر منه تطوعاً ونفلاً فأقيموا الصلوات الخمس { الزَّكَاةَ } الطاعة والإخلاص « ع » أو صدقة الفطر أو زكوات الأموال كلها . { قَرْضاً حَسَناً } النوافل بعد الفروض أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو جميع الطاعات « وسماه قرضاً لأنه أوجب جزاءه على نفسه فصار كالقرض المردود » { تَجِدُوهُ } أي ثوابه { هُوَ خَيْراً } مما أعطيتم أو فعلتم { وَأَعْظَمَ أَجْراً } الجنة { غَفُورٌ } لما كان قبل التوبة { رَّحِيمٌ } لكم بعدها .
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
{ الْمُدَّثِّرُ } بثيابه أو بالنبوّة وأثقالها .
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
{ قُمْ } من نومك { فَأَنذِرْ } قومك العذاب وهي أول سورة نزلت « ع » .
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } وعملك فأصلح قال الرسول صلى الله عليه وسلم « يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات فيهما » يعني عمله الصالح والطالح أو نفسك طهرها من الخطايا أو مما نسبوه إليك من السحر والشعر والكهانة والجنون أو مما كنت تفكر فيه وتحذره من قول الوليد بن المغيرة أو قلبك طهره من الإثم والمعاصي « ع » أو الغدر .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي
أو نساءك فطهّر باختيارهم مؤمنات عفيفات أو بالإتيان في القبل والطهر دون الدبر والحيض { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 187 ] أو ثياب اللبس فقصّر وشمّر أو انقها أو طهرها من النجاسة بالماء أو لا تلبسها إلاّ من كسب حلال لتكون مطهرّة من الحرام .
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
{ وَالرُّجْزَ } الأوثان والأصنام « ع » أو الشرك أو الذنب أو الإثم أو العذاب أو الظلم .
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
{ وَلا تَمْنُن } لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها « ع » قال الضحاك : حرمه على رسوله صلى الله عليه وسلم وأباحه لأمّته أو لا تمنن بعملك تستكثره على ربك أو لا تمنن بالنبوّة على الناس تأخذ عليها أجراً أو لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه .
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
{ وَلِرَبِّكَ } لأمر ربك أو لوعده أو لوجهه { فَاصْبِرْ } على ما لقيت من الأذى والمكروه أو على محاربة العرب ثم العجم أو على الحق فلا يكن أحدٌ أبرد عندك فيه من أحد أو على عطيتك لله أو على الوعظ لوجه الله أو على انتظار ثواب عملك من الله تعالى أو على ما أُمِرت به من أداء الرسالة وتعليم الدين .
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
{ النَّاقُورِ } الصور « ع » النفخة الأولى أو الثانية أو القلب يجيب إذا دعي للحساب حكاه ابن كامل .
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)
{ وَحِيداً } منفرداً بخلقه أو وحيداً في بطن أمه لا مال له ولا ولد أعلمه بذلك قدر نعمه عليه بالمال والولد أو ليدلّه على أنّه يبعث وحيداً كما خلق وحيداً نزلت في الوليد بن المغيرة .
وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)
{ مَّمْدُوداً } ألف دينار « ع » أو أربعة آلاف دينار أو ستّة ألاف دينار أو مائة ألف دينار أو أرض يقال لها الميثاق أو غلة شهر بشهر أو الذي لا ينقطع شتاء ولا صيفاً أو الأنعام التي يمتد سيرها من أقطار الأرض للرعي والسفر .
وَبَنِينَ شُهُودًا (13)
{ وَبَنِينَ } عشرة أو أثنا عشر أو ثلاثة عشر رجالاً قال الضحاك : ولد له سبعة بمكة وخمسة بالطائف { شُهُوداً } حضور معه لا يغيبون عنه أو يذكرون معه إذا ذكر « ع » أو كلهم ربّ بيت .
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)
{ وَمَهَّدتُّ لَهُ } من المال والولد أو الرئاسة في قومه .
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
{ أَنْ أَزِيدَ } من المال والولد أو أدخله الجنة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فلم يزل يرى النقص في ماله وولده .
كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)
{ لأَيَاتِنَا } القرآن أو الحق أو محمد صلى الله عليه وسلم . { عَنِيداً } معانداً أو مباعداً أو جاحداً أو معرضاً .
سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
{ صَعُوداً } مشقة من العذاب أو عذاب لا راحة فيه « ح » أو صخرة في النار ملساء كلف صعودها فإذا صعدها زلق منها أو جبل في جهنم من نار كلف صعوده فإذا وضع يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت مأثور .
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)
{ إِنَّهُ فَكَّرَ } قال لقد نظرت فيما قال هذا الرجل فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليعلو وما يعلى وما أشك أنه سحر ففكر في القرآن وقدر في قوله إنه سحر وليس بشعر .
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)
{ فَقُتِلَ } ثم قتل فعوقب ثم عوقب فتكرر عليه العذاب مرة بعد أخرى أو لعن ثم لعن { كَيْفَ قَدَّرَ } إنه ليس بشعر ولا كهانة وإنه سحر .
ثُمَّ نَظَرَ (21)
{ ثُمَّ نَظَرَ } في القرآن أو إلى بني هاشم لما قال إنه ساحر ليعلم ما عندهم .
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)
{ ثُمَّ عَبَسَ } قبض ما بين عينيه { وَبَسَرَ } كلح وجهه أو تغير قيل ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة وظهور البسور فيه قيل المحاورة .
فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)
{ إِنْ هَذَآ } القرآن { إِلا سِحْرٌ } يأثره محمد عن غيره .
إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
{ قَوْلُ الْبَشَرِ } وليس من قول الله تعالى نسبوه إلى أبي اليسر عبدٍ لبني الحضرمي كان يجالس الرسول صلى الله عليه وسلم فنسبوه إلى أنه تعلّم ذلك منه .
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)
{ سَقَرَ } اسم لجهنم من سقرته الشمس إذا آلمت دماغه لشدّة إيلامها .
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)
{ لا تُبْقِى } من فيها حيّاْ ولا تذره ميتاً أو لا تبقي أحداً منهم أن تتناوله ولا تذره من العذاب .
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)
{ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } مغيرة للألوان تلفح وجوههم لفحة تدعها أشدّ سواداً من الليل أو تحرق البشر حتى تُلَوِّح العظم أو تلوِّح بشرة أجسادهم على النار أو معطشة للبشر واللَّوْح شدّة العطش قال :
سقتني على لوح من الماء شربة ... سقاها به الله الرهام الغواديا
{ لِّلْبَشَرِ } الإنس عند الأكثر أو جمع بشرة وهي الجلدة الظاهرة .
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
{ تِسْعَةَ عَشَرَ } خزنة جهنم من الزبانية وكذلك عددهم في التوراة والإنجيل ولما نزلت قال أبو جهل يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم أن يأخذوا واحداً منهم وأنتم أكثر منهم وقال أبو الأشد بن الجمحي لا يهولنكم التسعة عشر أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة وبمنكبي الأيسر التسعة ثم تمرون إلى الجنة يقولها مستهزئاً فنزلت .
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)
{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّارِ } ولما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم قال : « كأن أعينهم البرق وكأنّ أفواههم الصياصي يجرون شعورهم لأحدهم مثل قوّة الثقلين يسوق أحدهم الأمّة على رقبته [ جبل ] فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم » { لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم أو عدد الخزنة لموافقة ذلك لما في التوراة والإنجيل { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } بذلك إيماناً { وَمَا هِىَ } وما نار جهنم إلاّ ذكر ، أو ما نار الدنيا إلاّ تذكرة لنار الآخرة أو ما هذه السورة إلاّ تذكرة للناس .
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)
{ دَبَر } ولى « ع » أو أقبل عن إدبار النهار دبر وأدبر واحد أو دبر إذا خلفته خلفك وأدبر إذا ولّى أمامك أو دبر جاء بعد غيره على دبره وأدبره ولّى مدبراً .
وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)
{ أَسْفَرَ } أضاء .
إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)
{ إِنَّهَا } إن سقر لإحدى الكبر أو قيام الساعة أو هذه الآية و { الْكُبَرِ } العظائم من العقوبات والشدائد .
نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)
{ نَذِيراً } يعني النار أو محمد صلى الله عليه وسلم حين قال { قُمْ فَأَنذِرْ } [ المدثر : 2 ] .
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
{ يَتَقَدَّمَ } في الطاعة أو { يَتَأَخَّرَ } في المعصية أو يتقدّم في الخير أو يتأخر في الشر أو يتقدّم إلى النار أو يتأخر عن الجنة تهديد ووعيد .
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)
{ كُلُّ نَفْسٍ } بالغة محتبسة بعملها { إِلآ أَصْحَابَ الْيَمِينِ } أطفال المسلمين أو كل نفسٍ من أهل النار مرتهنة في النار إلاّ المسلمين أو كل نفسٍ محاسبة بعملها إلا أهل الجنة فلا يحاسبون .
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)
{ نَخُوضُ } نكذب أو كلما غوى غاوٍ غوينا معه أو قولهم محمد ساحر محمد شاعر محمد كاهن .
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)
{ الدِّينِ } الجزاء .
حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)
{ الْيَقِينُ } الموت .
فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
{ التَّذْكِرَةِ } القرآن .
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
{ مستنفَرة } مذعورة وبكسر الفاء هاربة .
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)
{ قَسْوَرَةٍ } الرماة « ع » أو القناص أو الأسد بلسان الحبشة « ع » أو عصب من الرجال وجماعة « ع » أو أصوات الناس « ع » أو النبل .
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)
{ صُحُفاً } أن يؤتى كتاباً من الله تعالى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم أو براءة من النار أنه لا يعذب بها أو كتاباً من الله بما أحلّ وحرّم أو قال كفار قريش كان الرجل [ من بني إسرائيل ] إذا أذنب وجده [ مكتوباً ] في رقعة فما لنا لا نرى ذلك فنزلت .
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
{ أَهْلُ } أن تُتقى محارمه وأن يغفر الذنوب أو يُتقى أن يجعل معه إلهاً آخر وأهل أن يغفر لمن اتقاه مأثور أو يتقى عذابه وأن يعمل بما يؤدي إلى مغفرته .
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
{ لآ } إذا بدىء بها في أول الكلام فهي صلة تقديره أقسم « ع » أو تأكيد للكلام كقولك لا والله أو رَدٌّ لما مضى من إنكارهم البعث ثم ابتدأ بأقسم و { لآ أُقْسِمُ } أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس « ع » أو أقسم بهما جميعا { اللَّوَّامَةِ } مدح عند من رآها قسماً وهي النادمة اللائمة على ما فات لِمَ فعلت الشرّ وهلاَّ استكثرت من الخير أو تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها أو ذات اللوم أو اللوم صفة ذم عند من رآها غير مقسم بها وهي المذمومة « ع » أو الملومة على سوء صنعها أو التي لا تصبر على محن الدنيا وشدائدها فهي كثيرة اللوم فيها فعلى هذه الأوجه الثلاثة تكون اللوامة يعني الملومة .
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)
{ بَلَى } نجمعها تمام للأول أو استئناف بعد تمام الأول بالتعجب { نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ } نعيد مفاصله بالبعث أو نجعل كفه التي يأكل بها ويعمل حافر حمار أو خف بعير فلا يأكل إلا بفمه ولا يعمل شيئاً بيده « ع » .
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)
{ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } يقدم الذنب ويؤخر التوبة أو يمضي أمامه قدماً لا ينزع عن فجور « ح » أو يرتكب الآثام في طلب الدنيا ولا يذكر الموت أو يريد أن يكذب بالقيامة ولا يعاقب بالنار أو يكذب بما في الآخرة كما كذب بما في الدنيا .
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)
{ بَرِقَ } خفت أو انكسر عند الموت أو شخص لما عاين ملك الموت فزعاً وبالكسر شق بصره أو غشى عينه البرق يوم القيامة .
وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
{ وَخَسَفَ الْقَمَرُ } ذهب نوره فكأنه دخل في خسف من الأرض .
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
{ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } جمعا في طلوعهما من المغرب كالبعيرين القرينين أو في ذهاب ضوئهما بالخسوف ليتكامل ظلام الأرض على أهلها « أو في تكويرهما يوم القيامة » أو البحر فصارا نار الله الكبرى .
يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
{ الْمَفَرُّ } المهرب .
كَلَّا لَا وَزَرَ (11)
{ لا وَزَرَ } لا ملجأ أو منجى أو حرز أو محيص .
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
{ الْمُسْتَقَرُّ } المنتهى أو استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار .
يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
{ بِمَا قَدَّمَ } قبل موته من خير أو شر وبما سنّ فعُمل به بعد موته من خير أو شرّ « ع » أو بما قدّم من معصية وما أخر من طاعة أو بأول عمله وآخره أو بما قدّم من الشر وأخّر من الخير أو ما قدّم من فرض وأخّر من فرض .
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
{ بَصِيرَةٌ } هاء المبالغة شاهد على نفسه بما تقوم الحجة به عليه { كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] أو جوارحه تشهد عليه بعمله { وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ } [ يس : 65 ] أو بصير بعيوب الناس غافل عن عيوب نفسه .
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
{ مَعَاذِيرَهُ } لو اعتذر يومئذٍ لهم يقبل منه أو لو تجرد من ثيابه « ع » أو لو أظهر حجته أو لو أرخى ستوره والستر : معذار بلغة اليمن .
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
{ لا تُحَرِّكْ } كان إذا نزل عليه القرآن حرّك به لسانه يستذكره فيناله من ذلك شدّة فنهي عن ذلك « ع » أو كان يعجل بذكره حُبّاً له لحلاوته عنده فنهي عن ذلك حتى يجتمع لأنّ بعضه مرتبط ببعض .
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)
{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } في قلبك لتقرأه بلسانك أو حفظه وتأليفه أو نجمعه لك حتى نثبته في قلبك .
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)
{ قَرَأْنَاهُ } بيناه فاعمل بما فيه أو أنزلناه فاستمع قرآنه « ع » أو إذا تلي عليك فاتبع شرائعه وأحكامه .
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
{ بَيَانَهُ } بيان أحكامه وحلاله وحرامه أو بيانه بلسانك إذا نزل به جبريل عليه السلام حتى تقرأه كما أقرأك أو علينا أن نجزي يوم القيامة بما فيه من وعد ووعيد .
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)
{ الْعَاجِلَةَ } ثواب الدنيا أو العمل لها .
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)
{ وَتَذَرُونَ } ثواب الآخرة أو العمل لها .
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)
{ نَّاضِرَةٌ } حسنة أو مستبشرة أو ناعمة أو مسرورة .
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
{ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } تنظر إليه في القيامة أو إلى ثوابه قال ابن عمر ومجاهد أو تنظر أمر ربها .
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)
{ بَاسِرَةٌ } كالحة أو متغيرة .
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
{ فَاقِرَةٌ } داهية أو شر أو هلاك أو دخول النار .
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)
{ بَلَغَتِ } الروح { التَّرَاقِىَ } وهي أعلى الصدر جمع ترقوة .
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)
{ رَاقٍ } يرقيه بالرُّقى وأسماء الله تعالى الحسنى أو من طبيب شاف أو يقول من يرقى بروحه أَمَلائكة الرحمة أم ملائكة العذاب « ع » .
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)
{ وَظَنَّ } تيقن أنه مفارق للدنيا « ع » .
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)
{ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } اتصل الآخرة بالدنيا « ع » أو الشدّة بالشدّة والبلاء بالبلاء شدّة كرب الموت بشدّة هول المطلع أو التفت ساقه عند الموت أو التفاف الساق بالساق عند المساق قال الحسن رضي الله تعالى عنه « ماتت رِجْلاه فلم يحملاه وقد كان عليهما جوالاً ، أو اجتمع عليه أمران شديدان الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه » .
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)
{ الْمَسَاقُ } المنطلق أو المستقر .
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)
{ فَلا صَدَّقَ } كتاب الله تعالى { وَلا صَلَّى } لله عزّ وجلّ أو فلا صدق بالرسالة ولا آمن بالمرسل كذب الرسول صلى الله عليه وسلم وتولى عن المرسل أو كذب بالقرآن وتولى عن الطاعة نزلت في أبي جهل .
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)
{ يَتَمَطَّى } يختال في نفسه « ع » أو يتبختر في مشيته أو يلوي مطاه وهو ظهره .
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)
{ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } وليك الشرّ وعيد على وعيد أو لك الويل ، لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم ببطحاء مكة متبختراً في مشيه فدفع في صدره وهزّه بيده وقال { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } فقال أبو جهل إليكم عني أتوعدني يا ابن أبي كبشة وما تستيطع أنت ولا ربك الذي تزعم أنه أرسلك شيئاً فنزلت هذه الآيات .
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
{ سُدىً } مهملاً لا يعترض عليه أو باطِلاً لا يبعث أو ملغى لا يؤمر ولا ينهى أو عبثاً لا يحاسب ولا يعاقب .
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)
{ تُمْنَى } تراق ومنى لإراقة الدم بها أو تنشأ وتخلق أو تشترك لاشتراك ماء الرجل بماء المرأة .
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)
{ هَلْ أَتَى } قد أتى أو أأتى { الإِنسَانِ } آدم عليه الصلاة والسلام خلق كخلق السماوات والأرض وما بينهما في آخر يوم الجمعة أو عام في كل إنسان « ع » { حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ } أربعين سنة بقي آدم عليه الصلاة والسلام فيها مصوراً من طين لازب وحمأ مسنون ثم نفخ فيه الروح بعد ذلك أو تسعة أشهر في بطن أمه أو زمان غير محدود « ع » { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } في الخلق وإن كان عند الله تعالى شيئاً مذكوراً أو كان شيئاً غير مذكور لأنه كان مصوراً ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً .
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
{ خَلَقْنَا الإِنسَانَ } كل بني آدم اتفاقاً { نُّطْفَةٍ } إذا اختلط ماء الرجل وماء المرأة فهما نطفة أو النطفة ماء الرجل فإذا اختلط في الرحم بماء المرأة صار أمشاجاً { أَمْشَاجٍ } اختلاط المائين أو ألوان « ع » قال الرسول صلى الله عليه وسلم « ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر » وقيل نطفة الرجل حمراء وبيضاء ونطفة المرأة صفراء وخضراء أو الأمشاج العروق التي في النطفة أو الأطوار نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم كسوتها باللحم { نَّبْتَلِيهِ } نختبره بالخير والشرّ أو نختبره بشكره في السرّاء وصبره في الضرّاء أو نكلفه العمل بعد خلقه أو نأمره بالطاعة وننهاه عن المعصية أو فيه تقديم تقديره فجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه بالاختبار أو التكليف أو بالسمع والبصر .
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
{ السَّبِيلَ } الخير والشر أو الهدى والضلالة أو سبيل الشقاوة والسعادة أو خروجه من الرحم . { شَاكِراً } مؤمناً أو كافراً أو شاكراً للنعمة أو كفوراً بها ولما كان شكر الله تعالى لا يؤدى لم يأت فيه بلفظ المبالغة ولما عظم كفره مع الإحسان إليه جاء بلفظ المبالغة .
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)
{ الأَبْرَارَ } الصادقون أو المطيعون لأنه بَرُّوا الآباء والأبناء أو لكفهم الأذى « حتى عن الذر » « ح » أو لأدائهم حقوق الله تعالى ويوفون بالنذر { كَأْسٍ } كل كأس في القرآن فإنما يعنى بها الخمر { كَافُوراً } عين في الجنة اسمها كافور أو كافور الطيب تمزج به لبرده فيكون برد الكافور وطعم الزنجبيل أو لريحه ويختم بالمسك أو لطعمه فيكون طعمها طعم الكافور .
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)
{ يَشْرَبُ بِهَا } ينتفع بها أو يشربها وهي التسنيم أشرف شراب أهل الجنة يشربها المقربون صرفاً وتمزج لسائر أهل الجنة بالخمر واللبن والعسل { يُفَجِّرُونَهَا } يقودونها حيث شاءوا من الجنة ويمزجونها بماء شاءوا { تَفْجِيراً } مصدر للتكثير أو يفجرون من تلك العين عيوناً لتكون أوسع .
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
{ بِالنَّذْرِ } بما فرض من العبادات أو بما عقدوه على أنفسهم من حقّ الله تعالى أو بعهد من عاهدهم أو بالأيمان إذا حلفوا { مُسْتَطِيراً } فاشياً أو ممتداً .
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
{ عَلَى حُبِّهِ } على حب الطعام أو على شهوته أو على عزّته { وَأَسِيراً } المسجون المسلم أو العبد أو أسرى المشركين ثم نسخ بالسيف أو لم ينسخ .
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ } لم يقولوا ذلك ولكن علمه الله تعالى منهم فأثنى به عليهم { جَزَآءَ } بالفعال { وَلا شُكُوراً } بالمقال قيل نزلت في السبعة الذين تكفلوا أسرى بدر أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وأبو عبيدة رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
{ عَبُوساً } تعبس الوجوه من شرّه ، والقمطرير : الشديد أو العبوس الضيق والقمطرير الطويل أو العبوس بالشفتين والقمطرير بالجبهة والحاجبين فذلك صفة الوجه المتغيّر من شدائد ذلك اليوم .
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)
{ نَضْرَةً } بياضاً ونقاءً أو حسناً وبهاءً أو أثر النعمة نضرة وجوههم وسروراً في قلوبهم .
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)
{ جَنَّةً } يسكنونها { وَحَرِيراً } يلبسونه أو الحرير أثر العيش في الجنة ومنه لبس الحرير ليأثر في لذّة العيش نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفاه أو في علي وفاطمة نذر صوماً ودخل فيه وخبزت فاطمة رضي الله تعالى عنها ثلاثة أقراص شعير ليفطر علي رضي الله تعالى عنه على قرص وتفطر هي على آخر ويأكل الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما الثالث فسألها مسكين فأعطته أحدها ثم سألها يتيم فأعطته الثاني ثم سألها أسير فأعطته الثالث وباتوا طاوين .
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)
{ الأَرَآئِكِ } الأسرّة « ع » أو كل ما يتكأ عليه { لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً } أي لا يحتاجون إلى ضيائها لأنهم في ضوء دائم أو لا يتأذون بحرّها { زَمْهَرِيراً } برداً شديداً أي لا يرون حراً ولا برداً أو لون من العذاب أو الزمهرير هنا القمر لا يحتاجون إليه لأنهم في ضوء دائم .
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
{ وَذُلِّلَتْ } لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد وإذا قام ارتفعت وإذا قعد نزلت .
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)
{ قَوَارِيرَاْ } هي من فضة في صفاء القوارير . أو قوارير في بياض الفضة ، قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنّة فضة « ع » { قَدَّرُوهَا } في أنفسهم فجاءت على ما قدروا « ح » أو على قدر أكفْ الخدم أو على مقدار لا تزيد فتفيض ولا تنقص فتغيض أو على قدريهم وكفايتهم لأنه ألذ وأشهى أو قدرت لهم وقدروا لها سواء .
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)
{ زَنجَبِيلاً } اسم التي فيها مزاج شراب الأبرار أو يمزج بالزنجبيل والعرب تستطيبه لحذوه اللسان وهضمه المأكول أو الزنجبيل طعم من طعوم الخمر تصف العرب به .
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)
{ سَلْسَبِيلاً } اسم لها أو سَلْ سبيلاً إليها قاله علي رضي الله تعالى عنه أو سلسلة السبيل يصرفونها حيث شاءوا تسيل في حلوقهم انسلالاً أو حديدة الجرية أو لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقهم .
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)
{ مُّخَلَّدُونَ } لا يموتون أو صغاراً لا يكبرون وشباباً لا يهرمون « ح » أو مسوَّرون « ع » { مَّنثُوراً } لكثرتهم أو لصفاء ألوانهم وحسن مناظرهم .
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
{ نَعِيماً } كثرة النعمة أو كثرة التنعم { كَبِيراً } لسعته أو لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)
{ طَهُوراً } لا يبولون منه ولا يحدثون عنه بل عرق يفيض من أعراضهم كريح المسك أو لأنها طاهرة بخلاف خمر الدنيا أو ليس في أنهار الجنة نجاسة خلاف أنهار الدنيا .
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
{ ءَاثِماً } بالمعاصي { أَوْ كَفُوراً } بالنعم قيل أراد أبا جهل .
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
{ بُكْرَةً } صلاة الصبح { وَأَصِيلاً } الظهر والعصر .
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)
{ فَاسْجُدْ لَهُ } المغرب والعشاء { وَسَبِّحْهُ } بتطوع الليل وكل تسبيح في القرآن فهو صلاة « ع » وسفيان الثوري .
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)
{ أَسْرَهُمْ } مفاصلهم أو خلقهم « ع » أو قوتهم .
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)
{ وَالْمُرْسَلاتِ } الملائكة ترسل بالمعروف أو الرسل ترسل بما يعرفون به من المعجزات أو الرياح ترسل بما عرفها الله تعالى { عُرْفاً } متتابعات كعرف الفرس أو جاريات « ح » في القلوب أو معروفات في العقول .
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2)
{ فَالْعَاصِفَاتِ } الرياح أو الملائكة { عَصْفاً } ما تذروه في جريها أو ما تهلكه بشدّتها .
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3)
{ وَالنَّاشِرَاتِ } الرياح تنشر السحاب أو الملائكة تنشر الكتب أو المطر ينشر النبات أو البعث ينشر الأرواح أو الصحف تنشر بأعمال العباد .
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4)
{ فَالْفَارِقَاتِ } الملائكة تفرق بين الحق والباطل « ع » أو الرسل تفرق بين الحلال والحرام أو الرياح أو القرآن فرق آية آية أو لفرقه بين الحق والباطل .
فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5)
{ فَالْمُلْقِيَاتِ } الملائكة يلقون الوحي إلى الرسل أو الأنبياء أو الرسل يلقون ما أنزل إلى أممهم .
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)
{ عُذْراً } من الله تعالى إلى العباد أو إنذاراً بالعذاب وهو الملائكة أو الرسل أو القرآن .