كتاب : تفسير ابن عبد السلام
المؤلف : عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)
{ بَعْضَهُمْ } القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد ، أو الكفار يوم القيامة ، أو الجن والإنس عند فتح السد { يَمُوجُ } يختلط ، أو يدفع بعضهم بعضاً من موج البحر .
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)
{ سَمْعاً } على ظاهره ، أو عقلاً فلا يستطيعون سمعه استثقالاً ، أو مقتاً .
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)
{ نُزُلاً } طعاماً ، أو منزلاً .
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)
{ بِالأَخْسَرِينَ } القسيسون والرهبان ، أو اليهود والنصارى ، أو الحرورية الخوارج ، أو أهل الأهواء ، أون من يصنع المعروف ويمن به .
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)
{ وَزْناً } أي لا قدر لهم ، أو لخفتهم بالسفه والجهل صاروا ممن لا وزن له . أو ذهبت المعاصي بوزنهم فلا يوازنون لخفتهم [ شيئاً ] أو لما حبط أعمالهم بالكفر صار الوزن عليهم لا لهم .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
{ الْفِرْدَوْسِ } وسط الجنة وأطيب موضع فيها ، أو أعلاها وأحسنها ، أو بستانها ، أو البستان الجامع لمحاسن كل بستان ، أو كل بستان محوط فردوس ، وهو عربي أو رومي ، أو سرياني وبالنبطية فرداساً .
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
{ حِوَلاً } بدلاً ، أو تحويلاً ، أو حيلة منزل غيرها .
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
{ كَلِمَاتُ رَبِّى } وعده بالثواب والعقاب ، أو ذكر ما خلق وما هو خالق ، أو علم القرآن ، عجز الخلق عن إحصاء معلوماته ومقدوراته .
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
{ يَرْجُواْ } يخاف ، أو يأمل ، أو يصدق به { لِقَآءَ رَبِّهِ } لقاء ثواب ربه ، أو لقاءه بالبعث والوقوف بين يديه { صَالِحاً } خالصاً من الرياء ، إو إذا لقي الله تعالى به لم يستحي منه ، أو عمل الطاعة وترك المعصية { بِعِبَادَةِ رَبِّهِ } يريد بالرياء ، أو الشرك بالأصنام ، قيل نزلت في جندب بن زهير أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نعمل العمل نريد به وجه الله تعالى فيثنى به علينا فيعجبنا ، وإني لأصلي الصلاة فأطولها رجاء أن يثنى بها عليَّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله تعالى يقول : أنا خير شريك فمن شاركني في عمل يعمله لي أحداً من خلقي تركته وذلك الشريك » ونزلت هذه الآية فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل إنها آخر آية نزلت من القرآن والله تعالى أعلم . والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلامه ، وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل .
كهيعص (1)
{ كهيعص } اسم للسورة أو للقرآن أو لله تعالى أو استفتاح للسورة أو تفسير « لا إله إلا الله » من حروف الجُمَّل ، الكاف عشرون ، والهاء خمسة والياء عشرة ، والعين سبعون ، والصاد تسعون ، كذلك عدد حروف لا إله إلا الله ، أو حروف من حروف أسماء الرب ، الكاف من كبير أو كافٍ أو كريم ، والهاء من هادٍ ، والياء من حكيم أو يمين أو أمين أو يا من يجيب من دعاه ولا يخيب من رجاه ، أو يا من يجير ولا يجار عليه ، قاله الربيع بن أنس ، والعين من عزيز أو عالم أو عدل ، والصاد من صادق .
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)
{ خَفِيّاً } لا رياء فيه ، أو أخفاه لئلا يستهزأ به لبعد ما طلبه .
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
{ وَهَنَ } ضعف وإذا وهن العظم مع قوته فوهن اللحم والجلد أولى ، أو شكا ضعف البطش الذي يقع بالعظم دون اللحم { وَاشْتَعَلَ } شبه انتشار الشيب في الرأس بانتشار النار في الحطب . { شَقِيّاً } خائباً ، كنت لا تخيبني إذا دعوتك .
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)
{ خِفْتُ الْمَوَالِىَ } العصبة ، أو الكلالة ، أو بنو العم وكانوا شرار بني إسرائيل ، سموا موالي لأنهم يلونه في النسب بعد الصلب ، أو الأولياء أن يرثوا علمي دون نسلي ، وخافهم على الفساد في الأرض ، أو على نفسه في حياته ، وعلى أسبابه بعد موته { وَرَآءِى } قدامي ، أو بعد موتي .
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)
{ يَرِثُنِى } مالي { وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ } النبوة ، أو يرثهما العلم والنبوة ، أو منه النبوة ومن آل يعقوب الأخلاق ، أو يرث مني العلم ومن آل يعقوب الملك ، فأجيب إلى وراثة العلم دون الملك ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما روي عن الرسول صلى الله عليه سلم قال : « يرحم الله زكريا ما كان عليه من ورثة » { رَضِيّاً } مرضي الأخلاق والأفعال ، أو راضياً بقضائك وقدرك .
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)
{ نُبَشِّرُكَ } بإجابة الدعوة ، وإعطاء الولد ، وتفرد الرب عز وجل بتسميته اختصاصاً له واصطفاء ، سمي يحيى ، لأنه حَيَ بين شيخ وعجوز . { سَمِيّاً } لم تلد العواقر مثله فلا مثل له ولا نظير ، أو لم نجعل لزكريا قبل يحيى ولداً ، أو لم نُسمِّ أحداً قبله باسمه .
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)
{ عَاقِراً } لا تلد؛ لأنها تعقر النسل أي تقطعه ، أو لعقر رحمها للمني وإفساده وسأل عن أن الولد يأتيهما شابين أو شيخين . { عِتِيّاً } يسباً وجفافاً ، أو نحول العظم ، أو سناً .
قال :
إنما يُعذر الوليد ولا يُع ... ذر من كان في الزمان عتيا
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)
{ ءَايَةً } دالة على الحمل ، أو على أن البُشرى من الله دون إبليس لأن الشيطان أوهمه ذلك ، قاله الضحاك { ثَلاثَ لَيَالٍ } اعتقل لسانه ثلاثاً من غير مرض ولا خرس عن كلام الناس دون ذكر الله تعالى { سَوِيّاً } صحيحاً من غير خرس ، أو يرجع إلى الليالي أي متتابعات .
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
{ فَخَرَجَ } أشرف على قومه . { مِنَ الْمِحْرَابِ } المصلى ، أو ما ينصب ليصلى بإزائه لأن المصلي كالمحارب للشيطان ، أو من مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذباً عنه .
{ فَأَوْحَى } أومى ، أو أشار ، أو كتب على الأرض ، والوحي الكتابة قال :
كأن أخا اليهود يخط وحياً ... بكاف من منازلها ولام
{ سَبِّحُواْ } صلوا سميت به لاشتمالها على التسبيح .
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
{ خُذِ الْكِتَابَ } قاله زكريا عليه الصلاة والسلام ليحيى حين نشأ ، أو قاله الله تعالى حين بلغ ، والكتاب : التوراة ، أو صحف إبراهيم . { بِقُوَّةٍ } بجد واجتهاد ، أو بامتثال الأمر واجتناب المناهي . { الْحُكْمَ } اللب ، أو الفهم ، أو العلم أو الحكمة ، قال له الصبيان : اذهب بنا نلعب فقال : ما للعب خُلقت قيل كان ابن ثلاث سنين .
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)
{ وَحَنَاناً } رحمة . قال :
أبا منذر فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض
أو تعطفاً ، أو محبة ، أو بركة أو تعظيماً ، أو آتيناه تحنناً على العباد . { وَزَكَاةً } عملاً زاكياً ، أو صدقة به على والديه ، أو زكيناه بثنائنا عليه . { تَقِيّاً } مطيعاً ، أو براً بوالديه .
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)
{ انتّبَذَتْ } انفردت ، أو اتخذت ، { شَرْقِيّاً } جهة المشرق فاتخذتها النصارى قبلة أو مشرقة الدار التي تظلها الشمس ، أو مكاناً بعيداً .
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)
{ حِجَاباً } من الجدران ، أو من الشمس جعله الله تعالى لها ساتراً قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو حجاباً من الناس ، انفردت في ذلك المكان للعبادة ، أو كانت تعتزل فيه أيام حيضها . { رُوحَنَا } الروح الذي خُلق منها المسيح حتى تمثل بشراً ، أو جبريل عليه السلام لأنه روحاني لا يشوبه غير الروح ، أو لحياة الأرواح به ، فنفخ جبريل عليه السلام في جيب درعها وكمها فحملت ، أو ما كان إلا أن حملته فولدته ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكان حملها تسعة أشهر ، أو ستة أشهر ، أو يوماً واحداً ، أو ثمانية أشهر ، ولم يعش لثمانية سواه آية له .
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)
{ تَقِيّاً } اسم رجل إسرائيلي مشهور بالعهر ، لما دنا منها جبريل عليه السلام خافت فاستعاذت من ذلك العاهر ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو إن كنت تقياً لله امتنعت خوفاً من استعاذتي به .
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)
{ فَأَجَآءَهَا } ألجأها ، أو جاء بها . { يَالَيْتَنِى مِتُّ } تمنت الموت حياء من التهمة ، أو لئلا يأثم الناس بقذفها ، أو لأنها لم تر في قومها رشيداً ذا فراسة يبرئها من السوء . { نسياً منسياً } لم أخلق ، أو لا يدري من أنا ، أو سقطاً ، أو إذا ذكرت لم أُطلب ، والنسي ما أُغفل من شيء حقير .
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
{ فَنَادَاهَا } ، جبريل ، أو عيسى { مِن تَحْتِهَآ } من مكان أسفل من مكانها ، أو من بطنها بالقبطية { سَرِيّاً } عيسى ، السروات : الأشراف ، أو السري النهر بالنبطية أو العربية من السراية لأن الماء يسري فيه ، قيل يطلق السري على ما يعبره الناس من الأنهار وثباً .
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)
{ النَّخْلَةِ } برنية ، أو عجوة ، أو صرفانة أو قريناً ولم يكن لها رأس وكان الشتاء فجعلت آية ، قيل اخضرت وحملت ونضجت وهي تنظر { جَنِيّاً } مترطب البسر ، أو الذي لم يتغير ، أو الطري بغبار .
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
{ فَكُلِى } الجني { وَاشْرَبِى } من السري { وَقَرِّى عَيْناً } بالولد ، طيبي نفساً ، أو لتسكن عينك سروراً أو لتبرد عينك سروراً ، دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة { صَوْماً } صمتاً أو صوماً عن الطعام والشراب وصمتاً عن الكلام ، تركت الكلام ليتكلم عنها ولدها ببراءتها ، أو كان من صام لا يكلم الناس فأُذن لها في هذا القدر من الكلام .
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27)
{ فَرِيّاً } قبيحاً من الافتراء ، أو عجيباً ، أو عظيماً ، أو باطلاً ، أو متصنعاً من الفرية وهي الكذب .
يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
{ يَا أُخْتَ هَارُونَ } لأبويه أو نسبت إلى رجل صالح كان أسمه هارون تنسب إليه من تعرف بالصلاح مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو نسبت إلى هارون أخي موسى لأنها من ولده كما يقال : يا أخا بني فلان أو كان رجلاً معلناً بالفسق فنسبت إليه .
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
{ فَأَشَارَتْ } إلى الله تعالى فلم يفهموا إشارتها ، أو إلى عيسى على الأظهر ألهمها الله تعالى ذلك بأنه سيبرئها ، أو أمرها به { مَن كَانَ } صلة ، أو بمعنى يكون { الْمَهْدِ } سرير الطفل ، أوة حجرها غضبوا لما أشارت إليه وقالوا : لسخريتها بنا أعظم من زناها ، فلما تكلم قالوا : إنَّ هذا لأمر عظيم .
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)
{ ءَاتَانِىَ } سيؤتيني { وَجَعَلَنِى } سيجلعني ، أو كان وقت كلامه في المهد نبياً كامل العقل ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه وكلمهم وهو ابن أربعين يوماً .
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)
{ مُبَارَكاً } نفّاعاً ، أو معلماً للخير ، أو عارفاً بالله تعالى داعياً إليه ، أو آمراً بالعُرْف ناهياً عن المنكر . { بِالْصَّلاةِ } ذات الركوع والسجود ، أو الدعاء { وَالزَّكَاةِ } للمال ، أو التطهير من الذنوب .
وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)
{ جَبَّاراً } جاهلاً بأحكامه { شَقِيّاً } متكبراً عن عبادته ، أو الجبار الذي لا ينصح والشقي الذي لا يقبل النصح .
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
{ وَالْسَّلامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ } السلامة لي في الدنيا وفي القبر وفي البعث ، لأن له أحوالاً ثلاثة : حياة الدنيا والموت مقبوراً والبعث فسلم في هذه من الأحزان ، أو سلم في الولادة من همزة الشيطان إذ لا مولود إلا يهمزه { وَيَوْمَ أَمُوتُ } سلامته من ضغطة القبر لأنه غير مدفون في الأرض ، ويوم البعث : يحتمل سلامته من العرض والحساب . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه ثم انقطع كلامه حتى بلغ مبلغ الغلمان .
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
{ الْحَقِّ } الله ، أو عيسى سماه حقاً ، لأنه جاء بالحق ، أو القول الذي قاله عيسى من قبل { يَمْتَرُونَ } يشكون ، أو يختلفون فتقول فرقة هو الله وأخرى هو ابن الله وأخرى هو ثالث ثلاثة هذا قول النصارى ، وقال المسلمون : عبد الله ورسوله ، وقالت اليهود : لغير رشدة عند من قرأ تمترون .
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)
{ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } اليوم كيف يصنع بهم يوم القيامة ، أو عجبه من سماعهم وإبصارهم في الآخرة .
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)
{ قَضَى أَمْراً } بعذابهم يوم البعث ، أو قضي بانقطاع توبتهم وتحقق الوعيد يوم الموت .
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
{ لأَرْجُمَنَّكَ } بالذم والسب ، أو بالأحجار لتبعد عني . { مَلِيّاً } دهراً طويلاً مؤبداً ، أو سوياً سليماً من عقوبتي ، أو غنياً .
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)
{ سَلامٌ } توديع وهجر ، أو سلام : إكرام وبر ، قابل جفوته بالإحسان رعاية لحق الأبوة وهو أظهر { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ } إن تركت عبادة الأوثان ، أو أدعو لك بالهُدى المقتضي للغفران { حَفِيّاً } مقرباً ، أو مكرماً ، أو رحيماً ، أو عليماً ، أو متعهداً .
وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)
{ لِسَانَ صِدْقٍ } ثناء جميلاً ، أو جعلناهم كراماً على الله تعالى اللسان بمعنى الرسالة . قال :
أتتني لسان بني عامر ... أحاديثها بعد قول نكر
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)
{ الطُّورِ الأَيْمَنِ } جبل بالشام نودي من يمين الجبل ، أو من يمين موسى { وَقَرِّبْنَاهُ نَجِيّاً } قرب من المكان الذي شرفه فيه وعظمه ليسمع كلامه ، أو قربه من أعلى الحجب حتى سمع صريف القلم ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه وقال غيره سمع صريف القلم الذي كتبت به التوراة ، أو قربه باصطفائه واجتبائه { نَجِيّاً } ناجاه من النجوى التي لا يكون إلا في خلوة ، أو رفعه بعد التقريب من النجوة وهي الارتفاع ، أو نجاه بصدقه مأخوذ من النجاة ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يبلِّغ موسى من الكلام الذي ناجاه به شيئاً .
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)
{ صَادِقَ الْوَعْدِ } وعد رجلاً أن ينتظره فانتظره ثلاثة أيام أو اثنين وعشرين يوماً أو حولاً كاملاً قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
{ أَهْلَهُ } ، قومه ، أو أهله يبدأ بهم ، وهو إسماعيل بن إبراهيم عند الجمهور ، أو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله تعالى إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه وعقوبته لأن إسماعيل مات قبل أبيه إبراهيم .
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)
{ إِدْرِيسَ } أو من أعطي النبوة وأول من خط بالقلم .
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
{ وَرَفَعْنَاهُ } إلى السماء الرابعة ، أو السادسة وهو في السماء حي لم يمت كعيسى ، أو مات في السماء وهو فيها ميت ، أو مات بين الرابعة والخامسة وهو أول من اتخذ السلاح ، وجاهد في سبيل الله تعالى وقتل بني قابيل وأول من وضع الوزن والكيل وأثار علم النجوم ، وأول من لبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود .
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)
{ وَبُكِيّاً } سجودهم رغبة وبكاؤهم رهبة .
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
{ خَلْفٌ } بالسكون إذا خلفه من ليس من أهله وبالفتح إذا كان من أهله ، أو بالسكون في الذم وبالفتح في الحمد { مِن بَعْدِهِمْ } اليهود بعد متقدمي الأنبياء ، أو المسلمون بعد النبي صلى الله عليه وسلم من عصر الصحابة إلى قيام الساعة ، أو من بعد عصر الصحابة قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « يكون بعد الستين خلف أضاعوا الصلاة » الآية { أَضَاعُواْ الصَّلاةَ } بتركها ، أو تأخيرها عن وقتها { غَيّاً } وادٍ في جهنم أو خسراناً ، أو ضلالاً عن الجنة ، أو شراً أو خيبة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... ومن يغوِ لا يعدم . . . . . . . .
أي يخب .
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)
{ لَغْواً } كلاماً فاسداً ، أو خُلفاً { سَلاماً } سلامة ، أو تسليم الملائكة عليهم { بُكْرَةً وَعَشِيّاً } كان يعجبهم إصابة الغذاء والعشاء فأُخبروا أن ذلك في الجنة ، أو أراد مقدار البكرة والعشي من أيام الدنيا ، قيل : يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وغلق الأبواب ، ومقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب .
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
{ وَمَا نَتَنَزَّلُ } موضعاً من الجنة إلا بأمر الله تعالى من كلام أهل الجنة ، أو نزلت لما أبطأ جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة ليلة فلما أتاه قال : « لقد غبت حتى ظن المشركون كل ظن » ، { مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } الدنيا { وَمَا خَلْفَنَا } الآخرة { وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } ما بين النفختين ، أو ما مضى من الدنيا { وَمَا خَلْفَنَا } ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة { وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } ما بين ما مضى من قبل وما يكون من بعد { نَسِيّاً } ذا نسيان ، أو ما نسيك .
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
{ سَمِيّاً } مثلاً من المساماة ، أو من يُسمى الله أو لا يستحق اسم الإله غيره ، أو ولداً .
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)
{ جَهَنَّمَ } اسم للنار أو لأعمق موضع فيها كالفردوس اسم لأعلى الجنة { جِثِيّاً } جماعات ، أو بروكاً على الركب .
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)
{ شِيعَةٍ } الشيعة : الجماعة المتعاونون ، الأمة شيعة لاجتماعهم وتعانهم . { لَنَنزِعَنَّ } لنبدأن أو لنستخرجن { عِتِيّاً } افتراء بلغة تميم ، أو جرأة أو كفراً ، أو تمرداً ، أو معصية .
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)
{ صِلِيّاً } دخولاً أو لزوماً .
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)
{ وَارِدُهَا } الحمى والأمراض ، عاد الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً ثم قال : « إن الله تعالى يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة » ، أو جهنم يردها الكفار خاصة ، انتقل من معاتبتهم إلى خطابهم ، أو عامة في المؤمن والكفار يردانها فتمس الكافر دون البر ، أو يردها المؤمن بمروره عليها ونظره إليها سروراً بما أنجاه الله تعالى منه { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } [ القصص : 23 ] { حَتْماً } قضاء مقضياً ، أو قسماً واجباً .
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)
{ مَّقَاماً } منزل إقامة في الجنة أو النار ، أو كلاماً قائماً بحجة معناه ، من فلجت حجته خير أم من دحضت حجته . { نَدِيّاً } أفضل مجلساً أو أوسع عيشاً .
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)
{ أَثَاثَاً } متاعاً { وَرِءْياً } منظراً « ع » أو الجديد من ثياب البيت ، والريّ الارتواء من النعمة ، أو ما لا يراه الناس والرئي ما يرونه ، أو أكثر أموالاً وأحسن صوراً .
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)
{ وَيَزِيدُ اللَّهُ } يزيدهم هدى بالمعونة على الطاعة والتوفيق لمرضاته ، أو الإيمان بالناسخ والمنسوخ .
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)
{ لأُوتَيَنَّ مَالاً } نزلت في العاص بن وائل ، أو في الوليد بن المغيرة ، { لأُوتَيَنَّ } في الدنيا على قول الجمهور ، أو في الجنة استهزاء منه { وَوَلَداً } وُوْلدا واحد كعُدْم وَعَدم ، أو بالضم جمع وبالفتح واحد لغة قيس .
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)
{ عَهْداً } عملاً صالحاً ، أو قولاً عهد به الله إليه .
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)
{ وَنَرِثُهُ } نسلبه ما أعطيناه في الدنيا من مال وولد ، أو نحرمه ما تمناه منهما في الآخرة { فَرْداً } بلا مال ولا ولد ، أو بلا ولي ولا ناصر .
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
{ سَيَكْفُرُونَ } سيجحد العابدون عبادتهما لما رأوا من سوء عاقبتها ، أو يكفر المعبود بالعابد ويكذبه { ضِدّاً } عوناً في الخصومة ، أو بلاء أو أعداء أو قرناء في النار يلعنونهم ، أو على ضد ما أمَّلوه فيهم « ح » .
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
{ تَؤُزُّهُمْ } تزعجهم إلى المعاصي ، أو تغويهم أو تغريهم بالشر .
فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
{ نَعُدُّ لَهُمْ } أعمالهم ، أو أيام حياتهم ، أو مدة انتظارهم إلى الانتقام منهم بالسيف والجهاد .
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)
{ وَفْداً } ركباناً ، أو جماعة ، أو زواراً .
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)
{ وِرْداً } مشاة ، أو عطاشاً من ورود الإبل عطاشاً ، أو أفراداً .
لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)
{ عَهْداً } وعداً من الله تعالى ، أو إيماناً به .
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
{ إِدّاً } منكراً ، أو عظيماً .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)
{ وُدّاً } محبة في الدنيا من الأبرار وهيبة عند الفجار ، أو يحبهم الله تعالى ويحببهم إلى الناس ، قال « ع » نزلت في علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه .
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)
{ لُّدّاً } فجاراً ، أو أهل لجاج وخصام من اللدود للزومهم الخصام كما يحصل اللدود في الأفواه أو الجدل في الباطل من اللدد وهو شدة الخصومة .
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)
{ رِكْزاً } صوتاً ، أو حساً ، أو ما لا يفهم من صوت أو حركة .
طه (1)
{ طه } اسم لله تعالى أقسم به . أو اسم للسورة أو اختصار كلام خص الرسول صلى الله عليه وسلم بعلمه ، أو حروف يدل كل حرف منها على معنى ، أو طوبى لمن اهتدى ، أوطأ الأرض بقدميك ولا تقم على أحدهما في الصلاة ، أو يا رجل بلغة عك ، أوطيء ، أو بالنبطية .
إن السفاهة طه من خليقتكم ... لا قدس الله أرواح الملاعين
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)
{ لِتَشْقَى } بالتعب والسهر في قيام الليل ، أو بالأسف والحزن على كفرهم ، أو جواب لهم لما قالوا : إنه بالقرآن شقي .
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)
{ تَذْكِرَةً } إنذرراً لمن يخشى الله ، أو زجراً لمن يتقي الذنوب والخوف ما ظهرت أسبابه ، والخشية ما لم تظهر أسبابه .
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)
{ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ } ملكهما ، أو تدبيرهما ، أو علم ما فيهما { الثَّرَى } كل شيء مبتل ، أو التراب عند الجمهور ، والذي تحته : ما واراه التراب في بطن الأرض أو الصخرة الخضراء التي تحت الأرض السابعة وهي سجين التي فيها كتاب الفجار .
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
{ السِّرَّ } ما ساررت به غيرك ، { وَأَخْفَى } ما أضمرته ولم تحدث به « ع » أو ما أضمرته في نفسك وأخفى ما لم يكن ولا أضمره أحد في نفسه ، أو أسرار عباده وأخفى سر نفسه عن خلقه ، أو ما أسره الناس وأخفى الوسوسة أو ما أسره من علمه [ و ] عمله السالف ، وأخفى : ما يعمله في المستأنف ، أو العزيمة ، وأخفى الهم دون العزيمة .
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)
{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } باصطفائه للنبوة وتحميله للرسالة .
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)
{ رَءَا نَاراً } في ظنه وهي نور عند الله ، وكانت ليلة الجمعة في الشتاء { امْكُثُواْ } أقيموا ، أو الإقامة تدوم والمكث لا يدوم { ءَانَسْتُ } أبصرت ، أو آنست بنار { هُدىً } هادياً يهديني على الطريق ، أو علامة استدل بها على الطريق ، وكانوا قد ضلوا عن الطريق ، فأقاموا بمكانهم [ بعد ذهاب موسى ] ثلاثة أيام فمر بهم راعي القرية فأخبرهم بمسير موسى عليه الصلاة والسلام فعادوا مع الراعي إلى قريتهم وأقاموا بها أربعين سنة حتى أنجز موسى أمر ربه .
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)
{ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } لتباشر بقدميك بركة الوادي ، أو لأنهما من جلد حمار ميت فخلعهما ورمى بهما وراء الوادي { الْمُقَدَّسِ } المبارك ن أو المطهر { طُوىً } اسم للوادي ، أو لأنه مَرَّ به ليلاً فطواه « ع » ، أو لأنه نودي به مرتين ، طوى في كلامهم بمعنى مرتين ، لأن الثانية كالمطوية على الأولى ، أو لأن الوادي قدس مرتين ، أوطأ الوادي بقدميك .
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
{ لِذِكْرِى } لتذكرني فيها ، أو لا تدخل فيها إلا بذكر ، أو حين تذكرها .
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
{ أُخْفِيهَا } لا أظهر عليها أحداً فيكون « أكاد » بمعنى أريد ، أو أُخفيها من نفسي « ع » مبالغة في تبعيد إعلامه بها ، أو أخفيها أظهرها أخفيته كتمته وأظهرته من الأضداد ، وأسررته كتمته وأظهرته أيضاً ، أو المعنى آتية : أكاد آتي بها فحذف للعلم به ثم استأنف { أُخْفِيهَا لِتُجْزَىَ كُلُّ نَفْسٍ } قال :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
أي وكدت أقتله . { بِمَا تَسْعَى } من خير أو شر ، أقسم أنه يأتي بها للجزاء ، أو أخبر بذلك .
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)
{ فَتَرْدَى } فتشقى ، أو تزل .
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
{ وَمَا تِلْكَ } سؤال تقرير وجوابه { هِىَ عَصَاىَ } ولكنه أضافها إلى ملكه ليكفي الجواب إن سئل عنها ثم ذكر احتياجه إليها لئلا يكون عابثاً بحملها { وَأَهُشُ } أخبط ورق الشجر ، والهش والهس واحد ، أو المعجم خبط الشجر ، وغير المعجم زجر الغنم { مَآرِبُ } حاجات نص على لوازم الحاجات وكنى عن عارضها من طرد السباع ، أو قدح النار واستخراج الماء أو كانت تضيء له بالليل .
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
{ جَنَاحِكَ } عضدك ، أو جنبك ، أو جيبك عبّر عنه بالجناح لأنه مائل في جهته .
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)
{ عُقْدَةً } من الجمرة التي ألقاها في فمه صغيراً ، أو حدثت عند مناجاته ربه فلا يكلم غيره إلا بإذنه ، أو استحياؤه من الله تعالى أن يكلم غيره بعد مناجاته .
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
{ أَزْرِى } الظهر من موضع الحقوين ، أو يكون عوناً يستقيم به أمري وكان هارون أكبر منه بثلاث سنين ، « وأكثر لحماً وأتم طولاً وأبيض جسماً وأفصح لساناً ومات قبل موسى بثلاث سنين » وكان بجبهته شامة وعلى أرنبة أنف موسى شامة ، وعلى طرف لسانه شامة « لم تكن على أحد من قبله ولا تكون على أحد بعده قيل إنها سبب العقلة في لسانه » .
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)
{ مَحَبَّةً مِّنِّى } حببتك إلى عبادي ، أو حسناً وملاحة ، أو رحمتي ، أو من رآك أحبك حتى أحبك فرعون فخلصت منه ، وأحبتك آسية بن مزاحم فتبنتك { وَلِتُصْنَعَ } لتغذى على اختياري ، أو تصنع بك أمك ما صنعت في اليم بعيني ومشاهدتي .
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)
{ فُتُوناً } اختباراً حتى صلحت للرسالة ، أو بلاء بعد بلاء خلصناك من محنة بعد محنة ، أولها حملته أمه في سنة الذبح ، ثم أُلقي في اليم ثم مُنع الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جر بلحية فرعون فهم بقتله فتناول الجمرة بدل الدرة فتركه ، ثم جاءه رجل يسعى بما عزموا عليه من قتله « ع » أو أخلصناك إخلاصاً { عَلَى قَدَرٍ } موعد ، أو قدر من النبوة والرسالة .
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)
{ لِنَفْسِى } لمحبتي ، أو لرسالتي .
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)
{ وَلا تَنِيَا } تفترا في أمري ، أو تضعفا في رسالتي ، أو تبطئا « ع » ، أو لا تزالا .
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
{ لَّيِّناً } لطيفاً رفيقاً ، أو كنياه وكنيته أبو مرة أو أبو الوليد قيل كان لحسن تربية موسى فجعل الله تعالى رفقه به مكافأة له لما عجز موسى عنه مكافأته .
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)
{ يَفْرُطَ } يعجل ، أو يعذبنا عذاب الفارط في الذنب وهو المتقدم فيه ، أفرط إذا أكثر من الشيء وَفَرطَ إذا نقص منه { أَوْ أَن يَطْغَى } يقتلنا .
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
{ كُلَّ شَىْءٍ } زوجه من جنسه ثم هداه لنكاحه ، أو صورته ثم هداه إلى معيشته وطعامه وشرابه ، أو ما يصلحه ثم هداه له .
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)
{ الْقُرُونِ } « القرن : أهل كل عصر لاقترانهم فيه ، أو أهل كل عصر فيه نبي ، أو طبقة عالية من العلم لاقترانهم بأهل العلم » ، قاله الزجاج ، سأله عنهم هل كانوا على مثل ما يدعوا إليه ، أو بخلافه ، أو ذكره دفعاً للجواب وقطعاً لما دعا إليه وعنتاً ، أو سأل عن بغيهم للجزاء ، أو لما دعاه إلى الإيمان بالبعث قال : فما بال القرون لم يبعثوا .
قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)
{ فِى كِتَابٍ } اللوح المحفوظ { لا يَضِلُّ رَبِّى } لا يخطىء فيه ولا يتركه أو لا يضل الكتاب عن ربي ولا ينسى ربي ما في الكتاب « ع » ولم يكن موسى يعلم علم القرون لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون .
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)
{ النُّهَى } الحكم أو العقل ، أو الورع لأنه يُنتهى إلى رأيهم ، أو لأنهم ينهون النفس عن القبيح .
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)
{ ءَايَاتِنَا } الدالة على التوحيد ، أو على نبوة موسى صلى الله عليه وسلم . { فَكَذَّبَ } الخبر { وَأَبَى } الطاعة .
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)
{ سُوىً } منصفاً بينهم ، أو عدلاً وسطاً ، أو مستوياً يتبين للناس ما بيننا فيه ، وسوى بالضم والكسر واحد ، أو بالضم المنصف وبالكسر العدل .
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)
{ يَوْمُ الزِّينَةِ } عيد كان لهم ، أو يوم السبت ، أو عاشوراء ، أو يوم سوق كانوا يتزينون فيه .
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)
{ لا تَفْتَرُواْ } بسحركم ، أو بقولكم إني ساحر { فَيُسْحِتَكُم } يستأصلكم بالهلاك .
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)
{ أَمْرَهُم } فما هيؤوه من الحبال والعصي ، أو أيهم يبدأ بالإلقاء . { النَّجْوَى } قولهم : إن كان ساحراً فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمره ، أو لما قال : { وَيْلَكُمْ } الآية ، قالوا ما هذا كلام ساحر ، أو أسروها دون موسى وهارون { إِنَّ هذان لساحران } الآيات ، أو قالوا : إن غلبنا موسى اتبعناه .
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
{ إِنَّ هذان } رفع الاثنين ونصبهما وخفضهما بالألف على لغة بلحارث بن كعب وكنانة وزبيد ، قال :
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغاً لناباه الشجاع لصمما
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
أو تقديره « إنه هذان » فحذف الهاء وإن لم تكن هذه اللغة فصحى فيجوز ورود القرآن بالأفصح وبما عداه قاله متقدمو النحاة أو هذان مبني كبناء الذين لا يتغير في أحوال الإعراب ، أو إن بمعنى نعم .
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه
وهو قول السحرة ، أو قول فرعون أشير به إلى جماعة ، أو قول قومه . { بِطَرِيقَتِكُمُ } أهل العقل والشرف والأسنان ، أو بنو إسرائيل كانوا ذوي عدد ويسار ، أو بسيرتكم ، أو بدينكم وعبادتكم لفرعون ، أو بأهل طريقتكم المثلى ، والمثلى تأنيث الأمثل وهو الأفضل .
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)
{ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } أجمعوا جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون ، أو أحكموا أمركم .
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)
{ بَلْ أَلْقُواْ } إنما أمر بذلك لإظهار حجته وبطلان كيدهم وإلا فهو كفر لا يجوز الأمر به ، أو هو خبر بصيغة الأمر تقديره « إن كان إلقاؤكم حجة فألقوا » . وكانوا سبعين ألف ساحر أو تسعمائة ثلاثمائة من العريش وثلاثمائة من الفيوم ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية ، أو اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل ، كانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء .
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)
{ فَأَوْجَسَ } فأسر { خِيفَةً } أن يلتبس الأمر على الناس فيظنوا أن الذي فعلوه مثل فعله ، أو وجد ما هو مركوز في الطباع من الحذر .
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
{ تَلْقَفْ } تبتلع بسرعة فابتلعت حمل ثلاثمائة بعير من الحبال والعصي ثم أخذها موسى فرجعت كما كانت وكانت من عوسج ، أو من آس الجنة « ع » وبها قتل موسى عليه الصلاة والسلام عوج بن عناق .
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)
{ سُجَّداً } طاعة لله تعالى وتصديقاً بموسى فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما ، فلذلك { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ } ، وسألت امرأة فرعون عن الغالب فقيل : موسى وهارون ، فقالت : آمنت برب موسى وهارون ، فأمر فرعون بأن يُلقى عليها أعظم صخرة توجد إن أقامت على قولها فلما أتوها رفعت رأسها إلى السماء فرأت منزلها في الجنة ، فمضت على قولها فانتزعت روحها فأُلقيت الصخرة على جسد لا روح فيه .
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
{ وَالَّذِى فَطَرَنَا } قسم ، أو معطوف { فَاقْضِ } فاصنع ما أنت صانع أو احكم ما أنت حاكم .
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)
{ وَاللَّهُ خَيْرٌ } منك { وَأَبْقَى } ثواباً إن أُطيع وعقاباً إن عُصي ، أو { خَيْرٌ } ثواباً منك إن أطيع و [ { وَأَبْقَى } ] عقاباً إن عُصى .
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)
{ لا تَخَافُ دَرَكاً } من فرعون { وَلا تَخْشَى } غرقاً من البحر .
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)
{ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ } لا تكفروا به ، ولا تستعينوا برزقي على معصيتي أو لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة فادخروه فدوُّد ولولا ذلك لما دوَّد طعام أبداً « ع » { فَيَحِلَّ } بالضم ينزل وبالكسر يجب . { هَوَى } في النار ، أو هلك في الدنيا .
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)
{ لِّمَن تَابَ } من الشرك { وَءَامَنَ } بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم { ثُمَّ اهْتَدَى } لم يَشُك في إيمانه « ع » أو لزم الإيمان حتى يموت ، أو أخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو أصاب العمل ، أو عرف جزاء عمله من ثواب ، أو عقاب ، أو اهتدى في ولائه أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)
{ أَسِفاً } شديد الغضب ، أو الحزين ، أو الجزع ، أو المتندم ، أو المتحسر { وَعْداً حَسَناً } النصر والظفر ، أو قوله تعالى { وَإِنِّى لَغَفَّارٌ } الآية أو ثواب الآخرة ، أو التوراة يعملون بما فيها فيستحقون ثوابه { مَّوْعِدِى } « وعدهم أن يقيموا على أمره فاختلفوا ، أو بالميسر » على أثره للميقات فتوقفوا .
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)
{ بِمَلْكِنَا } بطاقتنا ، أو بملك أنفسنا عند البلية التي وقعت بنا ، أو لم يملك المؤمنون منع السفهاء من ذلك ، وعدهم أربعين ليلة فعدوا عشرين يوماً وظنوا أنهم أكملوا الميعاد بالليالي وأوهمهم السامري ذلك . { أَوْزَاراً } أثقالاً من زينة { الْقَوْمِ } قوم فرعون لأن موسى أمرهم أن يستعيروا حليهم .
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)
{ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً } لما استبطؤوا موسى قال السامري : إنما احتبس عنكم من أجل ما عندكم من الحلي ، فجمعوه ودفعوه للسامري فصاغ منه عِجلاً ، وألقى عليه قبضة من أثر فرس جبريل عليه السلام ، وهو الحياة فصار له خوار { خُوَارٌ } لما ألقى قبضة أثر الرسول حَيَ العجل وخار « ح » أو لم يصر فيه حياة ولكن جعل فيه خروقاً إذا دخلتها [ الريح ] سمع لها صوت كالخوار { فَنَسِى } السامري إسلامه وإيمانه ، أو قال السامري قد نَسِي موسى إلاهه عندكم ، أو نَسِي السامري أن قومه لا يصدقونه في عبادة عجل لا يضر ولا ينفع ، أو نَسِي موسى أن قومه عبدوا العجل بعده .
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)
{ أَفَلا يَرَوْنَ } أفلا يرى بنو إسرائيل أن العجل لا يرد إليهم جواباً ، قيل : لما مضى من الموعد خمس وثلاثون أمر السامري بجمع الحلي وصاغه عجلاً في السادس والثلاثين والسابع والثامن ودعاهم إلى عبادته في التاسع فأجابوه وجاء موسى بعد كمال الأربعين .
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)
{ ضَلُّواْ } بعبادة العجل .
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)
{ تتبعني } في الخروج من بينهم ، أو في منعهم والإنكار عليهم { أَمْرِى } قول { اخلفنى فِي قَوْمِى } الآية [ 142من الأعراف ] .
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)
{ يَبْنَؤُمَّ } كان أخاه لأبويه ، أو لأبيه دون أُمه ، وقاله استرقاقاً واستعطافاً . { بِلِحْيَتِى } أخذ شعره بيمينه ولحيته بيساره « ع » ، أو بلحيته وأذنه ، فعبّر عن الأذن بالرأس ، فعل ذلك لِيُسر إليه نزول الألواح عليه في تلك المناجاة إرادة إخفائها على بني إسرائيل قبل التوبة ، أو وقع عنده أن هارون ما يلهم في أمر العجل ، قلت : وهذا فجور من قائله لأن ذلك لا يجوز على الأنبياء ، أو فعل ذلك لتركه الإنكار على بني إسرائيل ومقامه بينهم وهو الأشبه . { فَرَّقْتَ } بينهم بما وقع من اختلاف معتقدهم ، أو بقتال من عبد العجل منهم ، قيل : عبدوه كلهم إلا اثني عشر ألفاً بقوا مع هارون لم يعبدوه { وَلَمْ تَرْقُبْ } لم تعمل بوصيتي ، أو لم تنتظر عهدي .
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)
{ فَمَا خَطْبُكَ } الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها ، وكان السامري كرمانياً تبع موسى ، « أو من عظماء بني إسرائيل » اسمه موسى بن ظفر من قبيلة يقال لها سامرة ، أو قرية يقال لها : سامرة .
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)
{ بَصُرْتُ } نظرت ، أو فطنت ، بصرت وأبصرت واحد ، أو أبصرت نظرت ، وبصرت فطنت والقبضة بجميع الكف وبغير إعجام بأطراف الأصابع { الرَّسُولِ } جبريل عليه السلام عرفه لأنه رآه يوم فلق البحر حين قبض القبضة من أثره ، أو عرفه لأنه كان يغذوه صغيراً لما ألقته أمه خوفاً أن يقتله فرعون لما كان يقتل بني إسرائيل فعرفه في كبره فأخذ التراب من تحت حافر فرسه { فَنَبَذْتُهَا } ألقاها فيما سكه من الحلي فخار بعد صياغته ، أو ألقاها في جوفه بعد صياغته فظهر خواره ، أو الرسول موسى وأثره شريعته ، قبض قبضة من شريعته نبذها وراء ظهره ثم اتخذ العجل إِلهاً ، ونبذُها ترك العمل بها . { سَوَّلَتْ } حدثت ، أو زينت .
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
{ فَاذْهَبْ } وعيد من موسى ، فخاف فهرب يهيم في البرية مع الوحش لا يجد أحداً من الناس يمسه ، فصار كالقائل لا مساس لبعده عن الناس وبعدهم عنه أو حرمه موسى بهذا القول ، فكان بنو إسرائيل لا يخالطونه ولا يؤاكلونه فكان لا يَمس ولا يُمس .
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)
{ وَسِعَ } أحاط علمه بكل شيء فلم يخرج عن علمه شيء ، أو لم يخل شيء من علمه به .
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)
{ زُرْقاً } عمياً ، أو عطاشاً ، ازرقت أعينهم من العطش أو شوه خلقهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه ، أو الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة وهو نوع من العذاب ، أو شخوص البصر من شدة الخوف ، « أو الزرق الأعداء يعادي بعضهم بعضاً من قولهم : عدو أزرق » .
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)
{ يَتَخَافَتُونَ } يتسارون { إِن لَّبِثْتُمْ } في الدنيا ، أو القبور { إِلا عَشْراً } على التقريب دون التحديد .
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)
{ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أكثرهم سداداً ، أو أوفرهم عقلاً { إِن لَّبِثْتُمْ } في الدنيا ، أو القبور { إِلا يَوْماً } لأنه كان عنده أقصر زماناً وأقل لبثاً .
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)
{ يَنسِفُهَا } يجعلها كالرمل تنسفه الرياح ، أو تصير كالهباء .
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)
{ قَاعاً } موضعاً مستوياً لا نبات فيه ، أو أرضاً ملساء ، أو مستنقع الماء قاله الفراء . { صَفْصَفاً } موضعاً لا نبات فيه ولا مستوياً كأنه على وصف واحد في استوائه .
لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
{ عِوَجاً } وادياً { أَمْتاً } رابية « ع » ، أو عوجاً : صدعاً ، أمتاً : أكمة ، أو عوجاً : ميلاً ، أمتاً : أثراً ، أو الأمت الحدب والانثناء ، أو الصعود والارتفاع من الأمت في العصا والحبل وهو أن يغلظ في مكان منه ويدق في مكان .
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)
{ وَخَشَعَتِ } خضعت بالسكون { هَمْساً } صوتاً خفياً ، أو تحريك الشفة واللسان ، أو نقل الأقدام .
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)
{ وَعَنَتِ } ذلت ، أو خشعت ، الذليل أن يكون ذليل النفس والخشوع أن يتذلل لذي طاعة أو عملت أو استسلمت ، أو وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود { الْقَيُّومِ } القائم على كل نفس بما كسبت ، أو بتدبير الخلق ، أو الدائم الذي لا يزول ولا يبيد { حَمَلَ ظُلْماً } شركاً .
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
{ فَلا يَخَافُ ظُلْماً } بالزيادة في سيئاته { وَلا هَضْماً } بالنقصان من حسناته « ع » .
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)
{ لَهُمْ ذِكْراً } جداً ، أو شرفاً لإيمانهم به أو ذكراً يعتبرون به .
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
{ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرءَانِ } لا تسأل إنزاله قبل أن يأتيك وحيه ، أو لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله ، أو لا تعجل بتلاوته قبل فراغ جبريل من إبلاغه خوف نسيانه { زِدْنِى عِلْماً } علماً : قرآناً .
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)
{ فَنَسِىَ } ترك أَوْ سَهَا { عَزْماً } صبراً ، أو حفظاً ، أو ثباتاً قال أبو أمامة لو وزنت أحلام بني آدم لرجح حلمه على حلمهم وقد قال الله تعالى { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } أو عزماً في العود إلى الذنب ثانياً .
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)
{ فَتَشْقَى } « بأن تأكل من كد يدك وما تكسبه بنفسك وتصنعه بيدك » أراد فيشقيا لاستوائهما في العلة ، وخصه بالذكر لأنه المخاطب دونها ، أو لأنه الكاد عليها الكاسب لها .
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)
{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ } ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة « ع » .
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)
{ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ } بجعل الجزاء يوم القيامة ، أو بتأخيرهم إلى يوم بدر { لِزَاماً } عذاباً لازماً ، أو فصلاً { وَأَجَلٌ مُّسَمّىً } يوم بدر ، أو يوم القيامة . تقديره « ولولا كلمة وأجل لكان لِزاماً » .
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)
{ مَا يَقُولُونَ } من الأذى والافتراء { قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } صلاة الفجر { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } صلاة العصر { ءَانَآىءِ الَّيْلِ } ساعاته واحدها إني صلاة الليل كله ، أو المغرب والعشاء { وَأَطْرَافَ النَّهَارِ } صلاة الظهر لأنها آخر النصف الأول وأول النصف الثاني ، أو صلاة التطوع { تَرْضَى } تُعطى و « تُرضى » بالكرامة ، أو الشفاعة .
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)
{ تَمُدَّنَّ } لا تأسفن ، أو لا تنظرن . { أَزْوَاجاً } أشكالاً من المزاوجة { زَهْرَةَ الْحَيَاةِ } زينتها { لِنَفْتِنَهُمْ } لنعذبهم { وَرِزْقُ رَبِّكَ } القناعة بما تملكه والزهد فيما لا تملكه ، أو ثواب الآخرة { خَيْرٌ وَأَبْقَى } مما مُتِّعوا به ، نزلت لما أبى اليهودي أن يُسلف الرسول صلى الله عليه وسلم الطعام إلا برهن فشق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم .
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)
{ أَهْلَكَ } نسباؤك ، أو من أطاعك لتنزلهم منزلة الأهل في الطاعة { وَالْعَاقِبةُ } حسن العاقبة لذوي التقوى .
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)
{ حِسَابُهُمْ } عذاب بدر ، أو حساب القيامة لأن كل آتٍ قريب ، أو لقلة ما بقي من الزمان وكثرة ما مضى .
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
{ مُّحْدَثٍ } تنزله سورة بعد سورة وآية بعد آية .
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
{ لاهِيَةً } غافلة باللهو عن الذكر أو مشتغلة بالباطل عن الحق { وَأَسَرُّواْ } أخفوا ، أو أظهروا .
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)
{ أَضْغَاثُ } أهاويل أحلام ، أو تخاليط ، أو ما لا تأويل له { أَحْلامٍ } ما لا تأويل له ولا تفسير ، أو الرؤيا الكاذبة .
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)
{ أَهْلَ الذِّكْرِ } التوراة والإنجيل ، أو مؤمنو أهل الكتاب ، أو المسلمون .
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)
{ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ } ولا يموتون فنجعلك كذلك ردٌ لقولهم { هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ } الآية [ الأنبياء : 3 ] أو ما جعلناهم جسداً إلا ليأكلوا للطعام فلذلك خلقناك جسداً مثلهم ، جسداً : هو المُجَسدُ الذي فيه روح ويأكل ويشرب ، أو ما لا يأكل ولا يشرب .
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
{ ذِكْرُكُمْ } شرفكم إن عملتم به ، أو حديثكم ، أو ما تحتاجون إليه من أمر دينكم ، أو مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم .
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
{ أَحَسَّواْ } عاينوا عذابنا { مِّنْهَا } من القرية ، أو العذاب { يَرْكُضُونَ } يسرعون .
لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)
{ وَارْجِعُواْ } استهزاء بهم وتوبيخ { أُتْرِفْتُمْ } نعمتم { تُسْئَلُونَ } شيئاً من دنياكم استهزاء بهم ، أو عما عملتم ، أو تفيقون بالمسئلة .
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
{ حَصِيداً } قطعاً بالاستئصال كحصاد الزرع { خَامِدِينَ } بالعذاب ، أو بالسيف لما قتلهم بختنصر ، والخمود : الهمود تشبيهاً لخمود الحياة بخمود النار إذا طُفِئت كما يقال لمن مات طُفىء تشبيهاً بانطفاء النار .
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)
{ لَهْواً } ولداً [ ردٌ ] لقولهم في عيسى ، أو المرأة بلغة أهل اليمن [ ردٌ ] لقولهم في مريم ، أو داعي الهوى ونازع الشهوة { مِن لَّدُنَّآ } لاتخذنا نساءً وولداً من أهل السماء لا من أهل الأرض { إِن كُنَّا } نفي ، أو شرط تقديره لاتخذناه عندنا بحيث لا يصل علمه إليكم .
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
{ بِالْحَقِ } المتبوع على الباطل المدفوع ، أو بالقرآن ، والباطل إبليس { زَاهِقٌ } ذاهب ، أو هالك .
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
{ يَسْتَحْسِرُونَ } يملون ، أو يعيون ، أو يستنكفون ، أو ينقطعون والبعير المنقطع بالإعياء حسيرٌ .
بها جيف الحسرى . . . . . . . . . . . . ...
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)
{ مِّنَ الأَرْضِ } مما خلق في الأرض { يُنشِرُونَ } يخلقون ، أو يحيون الموتى من النشر بعد الطي .
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
{ إِلا اللَّهُ } سوى الله ، أو « إلا » بمعنى الواو { لَفَسَدَتَا } هلكتا بالفساد .
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
{ لا يُسْئَلُ } عن قضائه وهو يَسأل الخلق عن أعمالهم أو لا يُحاسب على أفعاله وهم يُحاسبون ، أو لا يُسأل عن أفعاله لانها صواب ولا يريد بها الثواب { وَهُمْ يُسْئَلُونَ } لأن في أعمالهم غيرَ الصواب وقد لا يَريدون بها الثواب ، وإن كانت صواباً .
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
{ ذِكْرُ مَن مَّعِىَ } يما يلزمهم من حلال وحرام { وَذِكْرُ مَن قَبْلِى } ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك ، أو ذِكرُ من معي بإخلاص التوحيد في القرآن وذِكرُ من قبلي في التوراة والإنجيل .
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
{ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من أمر الآخرة { وَمَا خَلْفَهُمْ } من الدنيا ، أو ما قدموا وأخروا من أعمالهم ، أو ما عملوا وما لم يعملوا { وَلا يَشْفَعُونَ } في الدنيا أو الآخرة في القيامة { ارْتَضَى } عمله ، أو رضي عنه .
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
{ رَتْقاً } ملتصقتين ففتق الله تعالى عنهما بالهواء « ع » أو كانت السموات مرتتقة مُطبقة ففتقها سبعاً وكذلك الأرض ، أو السماءَ رتقاً لا تُمطر ففتقها بالمطر ، والأرض لا تنبت ففقتها بالنبات ، الرَتقُ : السد ، والفتقُ : الشق . { كُلَّ شَىْءٍ } خلق كل شيء من الماء ، أو حفظ حياة كل حي بالماء ، أو أراد ماء الصلب .
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
{ رَوَاسِىَ } لأنها رست في الأرض وثبتت أو لأن الأرض رست بها فالرواسي الثوابت ، أو الثقال { تَمِيدَ } تزول ، أو تضطرب { فِجَاجاً } أعلاماً يُهتدي بها ، أو جمع فج وهو الطريق الواسع بين الجبلين { سُبُلاً } للاعتبار ، أو مسالك للسابلة { يَهْتَدُونَ } بالاعتبار بها إلى دينهم ، أو ليهتدوا طُرق بلادهم .
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)
{ مَّحْفُوظاً } أن يقع على الأرض ، أو مرفوعاً ، أو من الشياطين .
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
{ فَلَكٍ } الفلك السماء ، أو القطب المستدير الدائر بما فيه من القمرين والنجوم ومنه فَلكة المغزل لاستدارتها ودورانها . واستدارة الفلك كدور الكرة ، أو كدور الرحى والفلك السماء تدور بالقمرين والنجوم ، أو استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء ، أو استدارة بين السماء والأرض تدور فيها النجوم . { يَسْبَحُونَ } يجرون ، أو يدورون « ع » .
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
{ بِالشَّرِّ } الشدة والرخاء ، أو بالفقر والمرض { وَالْخَيْرِ } الغنى والصحة أو الشر : غلبة الهوى ، والخير : العصمة من المعاصي ، أو ما تحبون وما تكرهون لنعلم شكركم عى ما تحبون وصبركم على ما تكرهون { فِتْنَةً } ابتلاء واختباراً .
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
{ الإِنسَانُ } آدم خلق بعجل يوم الجمعة آخر الأيام الستة قبل غروب الشمس أو لما نفخ الروح في عينيه ولسانه بعد إكمال صورته سأل ربه أن يعجل تمام خلقه وإجراء الروح في جسده قبل الغروب ، أو العجل الطين . قال :
والنبع في الصخرة الصماء منبتهُ ... والنخل ينبت بين الماء والعجل
أو الإِنسان الناس كلهم فخلق الإنسان عجولاً ، أو خلق على حب العجلة ، أو خلقت العجلة فيه ، والعجلة تقديم الشيء قبل وقته ، والسرعة تقديمه في أول أوقاته .
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)
{ يَكْلَؤُكُم } يحفظكم استفهام نفي .
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)
{ يُصْحَبُونَ } يُجارون ، إن لك من فلان صاحباً أي مجيراً ، أو يُحفظون ، أو ينصرون أو لا يُصحبون من الله بخير .
بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)
{ نَنقُصُهَا } بالظهور عليها وفتحها بلداً بعد بلد « ح » أو بنقصان أهلها وقلة بركتها ، أو بالقتل والسبي أو بموت فقهائها وعلمائها .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)
{ الْفُرْقَانَ } التوراة الفارقة بين الحق والباطل ، أو البرهان الفارق بين حق موسى وباطل فرعون ، أو النصر والنجاة الفارقان بين موسى وفرعون .
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)
{ رُشْدَهُ } النبوة ، أو هدايته في الصغر { مِن قَبْلُ } إرساله نبياً ، أو من قبل : موسى وهارون { عَالِمِينَ } بأهليته للرشد ، أو للنبوة .
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
{ جُذَاذاً } حُطاماً « ع » ، جِذاذاً : قِطعاً مقطوعة ، قال الضحاك : هو أن يأخذ من كل عضوين عضواً ويدع عضواْ . من الجذ وهو القطع .
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)
{ أَعْيُنِ النَّاسِ } بمرأى منهم { يَشْهَدونَ } عقابه « ع » أو يشهدون عليه بما فعل كرهوا عقابه بغير بينة « ح » أو بما يقول من حجة وما يقال له من جواب .
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)
{ فَسْئَلُوهُمْ } جعل سؤالهم مشروطاً بنطقهم ، أو أخرجه مخرج الخبر يريد من اعتقدها آلهة لزمه السؤال فلعلها تجيبه إن كانت ناطقة ، وقوله { يَنطِقُونَ } أي يخبرون .
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
{ إِلَى أَنفُسِهِمْ } رجع بعضهم إلى بعض ، أو رجع كل واحد إلى نفسه مفكراً فيما قاله إبراهيم . { أَنتُمُ الظَّالِمُونَ } بسؤاله لأنها لو كانت آلهة لم يصل إليها ، حادوا عما أرادوه من الجواب وأنطقهم الله بالحق .
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)
{ نُكِسُواْ } رجعوا إلى الشرك بعد اعترافهم بالحق ، أو رجعوا احتجاجهم على إبراهيم بقولهم { لَقَدْ عَلِمْتَ } « الآية » أو خفضوا رؤوسهم .
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)
{ قَالُواْ حَرِّقُوهُ } أشار عليهم بذلك رجل من أكراد فارس ، أو هيزون فخسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، ولما أوثق ليلقى فيها قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك ولا شريك لك ، فلما أُلقي فيها قال : « حسبي الله ونعم الوكيل » فلم يحرق منه إلا وثاقه ، وكان ابن ست وعشرين سنة « ولم يبق يومئذ في الأرض دابة إلا كانت تطفىء النار عنه إلا الوزغ كان ينفخها فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله » ، قال الكلبي : بنوا له أتوناً ألقوه فيه وأوقدوا عليه النار سبعة أيام ثم أطبقوه عليه وفتحوه من الغد فإذا هو عرق أبيض لم يحترق ، وبردت نار الأرض فما أنضجت يومئذ كراعاً .
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
{ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً } كان ابن أخي إبراهيم فآمن به فنجا معه { إِلَى الأَرْضِ } مكة ، أو أرض القدس ، أو الشام { بَارَكْنَا } ببعث أكثر الأنبياء منها أو بكثرة خصبها ونمو نباتها ، أو بعذوبة مائها وتفرقه في الأرض منها فتهبط المياه العذبة من السماء إلى صخرة بيت المقدس ثم تتفرق في الأرض .
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)
{ نَافِلَةً } غنيمة ، أو النافلة ابن الأبن ، أو زيادة العطاء فالنافلة يعقوب لأنه دعا بالولد فزاده الله تعالى ولد الولد « ع » أو النافلة إسحاق ويعقوب لأنهما زيادة على ما تقدم من الإنعام عليه .
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)
{ وَلُوطاً ءَاتَيْنَاهُ حُكْماً } نبوة أو قضاء بين الناس « ع » { وَعِلْماً } فقهاً { الْخَبَآئِثَ } اللواط ، أو الضراط والقرية : سدوم .
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
{ نَادَى } دعانا على قومه من قبل إبراهيم { الْكَرْبِ الْعَظِيمِ } الغرق بالطوفان .
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
{ الْحَرْثِ } زرع ، أو كرم نبتت عناقيده { نَفَشَتْ } النفش رعي الليل والهمل رعي النهار ، قال بعض المتكلمين كان حكمهما صواباً متفقاً إذ لا يجوز الخطأ على الأنبياء فقوله : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } لأنه أوتي الحكم في صغره وأوتيه داود في كبره ، وهذا شاذ ، أو أخطأ داود وأصاب سليمان على قول الجمهور فحكم داود لصاحب الحرث الغنم ، وحكم سليمان بأن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بدرها ونسلها ويدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليعمره فإذا عاد في القابل رُدت الغنم إلى صاحبها والحرث إلى مالكه فرجع داود إلى حكمه ، ويجوز أن يكون ذلك اجتهاداً من سليمان ويكون داود فُتْيا عبّر عنها بالحكم لئلا تكون نقضاً للأجتهاد بالاجتهاد ، ويجوز أن يكون حكم سليمان عن وحي فيجب على داود نقض الحكم عملاً بالنص ، قلت : ويمكن أن يجوز في شرعهم نقض الاجتهاد بالاجتهاد والخطأ جائز على جميع الأنبياء ، أو يُستثنى منهم محمد صلى الله عليه وسلم إذ لا نبي بعده يستدرك غلطه ، وهذا مبني على جواز اجتهاد الأنبياء ، وشرعنا موافق لشرعهما في ضمان ما أتلفته البهائم ليلاً وإن اختلف الشرعان في صفة الضمان وكيفيته { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ } ذللنا ، أو ألهمنا { يُسَبِّحْنَ } يسرن من السبح ، أو يصلين ، أو يسبحن تسبيحاً كان مسموعاً كان يفهمه .
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)
{ لَبُوسٍ } الدروع ، أو جمع السلاح لبوس عند العرب { بَأَسِكُمْ } سلاحكم ، أو حرب أعدائكم .
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)
{ عَاصِفَةً } العصوف شدة حركتها ، والتِّبْن عصف لأنها تعصفه بشدة تطييرها له { الأَرْضِ } الشام بورك فيها بمن بُعث فيها من الأنبياء ، أو بأن مياه أنهار الأرض تجري منها ، أو بما أودعها من الخيرات فما نقص من الأرض زيد في الشام وما نقص من الشام زيد في فلسطين .
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)
{ وَأَيُّوبَ } كان ذا مال وولده فهلك ماله ، ومات أولاده ، ثم بُلي في بدنه فقرح وسعى فيه الدود واشتد بلاؤه فطرح على مزبلة بني إسرائيل ولم يبقَ أحدٌ يدنو منه إلا امرأته . { الضُّرُّ } المرض ، أو البلاء الذي بجسده حتى كانت الدود تسقط منه فيردها ويقول كُلي مما رزقك الله ، أو الشيطان لقوله { مَسَّنِىَ الشيطان بِنُصْبٍ } [ ص : 41 ] ، أو وثب ليصلي فلم يقدر فقال : { مَسَّنِىَ الضُّرُّ } إخباراً عن حاله لا شكوى لبلائه ، أو انقطع عنه الوحي أربعين يوماً فخاف هجران ربه فقال : { مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ } تقديره أيمسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، أو أنت أرحم بي أن يمسني الضر ، أو قاله استقالة من ذنبه ورغباً إلى ربه ، أو شكا ضره استعطافاً لرحمته وكشف بلائه .
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)
{ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم } رد إليه أهله الذين أهلكهم بأعيانهم وأعطاه مثلهم معهم قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، أو كان له سبع بنين وسبع بنات فماتوا في بلائه ، فلما كُشف بلاؤه رُد عليه بنوه وبناته ، وولد له بعد ذلك مثلهم ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه ماتوا قبل آجالهم فأحياهم الله تعالى فوفاهم آجالهم وأبقاه حتى أعطاه من نسلهم مثلهم .
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)
{ وَذَا الْكِفْلِ } عبد صالح كَفَل لليسع بصوم النهار وقيام الليل وأن لا يغضب ويقضي بالحق فوفى بذلك ، أو كان نبياً كفل بأمر فوفى به « ح » سُمي ذا الكفل لوفائه بما كفل به ، أو لغير سبب ، أو لأن ثوابه ضعف ثواب غيره من أهل زمانه .
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
{ النُّونِ } الحوت { مُغَاضِباً } مراغماً للملك حزقيا ولم يكن به بأس ، أو لقومه ، أو لربه من غير مراغمة لانها كفر ، بل مغاضبته خروجه بغير إذنه . وذهب لأن خلقه كان ضيقاً فلما أثقلته أعباء النبوة ضاق بهم فلم يصبر ، أو كان من عادة قومه قتبل الكاذب فلما أخبرهم بنزول العذاب ثم رفعه الله تعالى عنهم قال : لا أرجع إليهم كاذباً وخاف القتل فخرج هارباً { فَظَنَّ أَن لَّن [ نَّقْدِرَ ] } نضيق { عَلَيْهِ } طرقه « ع » { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] ضُيق ، أو ظن أن لن نحكم عليه بما حكمنا ، أو ظن أن لن نُقَدِّر عليه من العقوبة ما قدرنا من القدر وهو الحكم دون القدرة ، ولذلك قرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما « نُقدِر عليه » ، أو تقديره أفظن أن لن نقدر عليه ، ولا يجوز أن يحمل على ظن العجز لأنه كفر . { الظُّلُمَاتِ } ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت « ع » ، أو الحوت في بطن الحوت { مِنَ الظَّالِمِينَ } لنفسي بخروجي بغير إذنك ولم يكن ذلك عقوبة له لأن الأنبياء لا يعاقبون بل كان تأديباً وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان .
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
{ فَاسْتَجَبْنَا } إجابة الدعاء ثواب من الله تعالى للداعي ولا تجوز أن تكون غير ثواب ، أو هي استصلاح قد يكون ثواباً وقد يكون غير ثواب أوحى الله تعالى إلى الحوت لا تكسري له عظماً ولا تخدشي له جلداً فلما صار في بطنها قال : يا رب اتخذت لي مسجداً في موضع ما اتخذه أحد ، ولبث في بطنه أربعين يوماً ، أو ثلاثة أيام ، أو من ارتفاع النهار إلى آخره ، أو أربع ساعات ، ثم فتح الحوت فاه فرأى يونس ضوء الشمس ، فقال : { سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فلفظه الحوت .
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)
{ فَرْداً } خلياً من عصمتك ، أو عادلاً عن طاعتك ، أو وحيداً بغير ولد عند الجمهور .
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
{ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } كانت عاقراً فصارت ولوداً فولدت له وهو ابن اثنتين وسبعين سنة وهي قريبة من سنه ، أو كان في لسانها طول فَحَسَّنا خلقها { يُسَارِعُونَ } يبادرون بالأعمال الصالحة ، { رَغَباً } في ثوابنا { وَرَهَباً } من عقابنا أو رغباً في الطاعات ورهباً من المعاصي ، أو رهباً بظهور الأكف ورغباً ببطونها ، أو طمعاً وخوفاً { خَاشِعِينَ } متواضعين ، أو راغبين راهبين ، أو وضع اليمنى على اليسرى والنظر إلى موضع السجود في الصلاة .
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
{ أحْصَنَتْ فَرْجَهَا } بالعفاف من الفاحشة ، أو جيب درعها منعت منه جبريل عليه السلام قبل أن تعلم أنه رسول الله { مِن رُّوحِنَا } أجرينا فيها روح المسيح عليه الصلاة والسلام كما يجري الهواء بالنفخ ، أو أمر جبريل عليه السلام فمد جيب درعها بإصبعه ثم نفخ فيه فحبلت من وقتها وولدته يوم عاشوراء { ءَايَةً } خلقه من غير ذكر ، وكلامه ببراءتها .
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
{ أُمَّتُكُمْ } دينكم دين واحد .
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)
{ وَتَقَطَّعُواْ } اختلفوا في الدين ، أو تفرقوا فيه .
وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
{ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ } وجدناها هالكة بالذنوب { أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } إلى التوبة ، أو أهلكناها بالعذاب { أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } إلى الدنيا « { وحِرْمٌ } وجب على قرية » { أَهْلَكْنَاهَآ } أنهم لم يكونوا ليؤمنوا .
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)
{ فُتِحَتْ } فُتح لها السد ، ويأجوج ومأجوج : أخوان لأب من ولد يافث بن نوح ، من أجة النار ، أو من الماء الأجاج { حَدَبٍ } الفجاج والطرق أو الجوانب ، أو التلاع والآكام من حَدَبة الظهر { يَنسِلُونَ } يخرجون .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . من ثيابك تَنْسُلي
أو يسرعون وهم يأجوج ومأجوج أو الناس يحشرون إلى الموقف .
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)
{ حَصَبُ جَهَنَّمَ } وقودها ، أو حطبها ، أو يرمون فيها كما ترمى الحصباء فكأنها تحصب بهم ، « وحضب جهنم » بالإعجام يقال : حضبت النار إذا خبت وألقيت فيها ما يشعلها من الحطب .
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)
{ الْحُسْنَى } طاعة الله تعالى أو السعادة منه ، أو الجنة ، يريد به عيسى والعُزير والملائكة الذين عُبدوا وهم كارهون ، أو عثمان وطلحة والزبير ، أو عامة في كل من سبقت له الحسنى ، لما نزلت { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } الآية قال المشركون : إن المسيح والعُزير والملائكة قد عُبدوا فنزلت { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ } الآية .
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
{ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ } النفخة الأخيرة « ح » أو ذبح الموت ، أو حين تطبق جهنم على أهلها .
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
{ السِّجِلِّ } الصحيفة تُطوى على ما فيها من الكتابة ، أو ملك يكتب أعمال العباد ، أو اسم رجل كان يكتب للرسول صلى الله عليه وسلم « ع » .
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
{ الزَّبُورِ } الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه والذكر : الكتاب الذي في السماء ، أو الزبور الكتب المنزلة بعد التوراة « والذكر التوارة » ع « ، أو زبور داود عليه الصلاة والسلام ، والذكر : التوراة » { الأَرْضَ } أرض الجنة { يَرِثُهَا } أهل الطاعة ، أو أرض الشام يرثها بنو إسرائيل ، أو أرض الدنيا يرثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح « ع » .
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)
{ إِنَّ فِى هَذَا } القرآن أو السورة { لَبَلاغاً } إليهم يكفهم عن المعصية ويبعثهم على الطاعة أو يبلغهم إلى رضوان الله تعالى وثوابه . { عَابِدِينَ } مطيعين ، أو عاملين .
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
{ رَحْمَةً } هداية { لِّلْعَالَمِينَ } المؤمنين ، أو رفعاً لعذاب الاستئصال عن كافة الخلق .
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)
{ تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عنك ، أو عن القرآن { ءَاذَنتُكُمْ عَلَى سَوَآءٍ } أمر سوي ، أو مهل ، أو عدل ، أو بيان علانية غير سر ، أو على سواء في الإعلام فلا يظهر لبعضهم ما كتمه عن بعض ، أو لتستووا في الإيمان به ، أو من كفر به فهم سواء في قتالهم وجهادهم « ح » .
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)
{ لَعَلَّهُ } رفع الاستئصال ، أو تأخير العذاب . { فِتْنَةٌ } هلاك ، أو ابتلاء ، أو اختبار { إِلَى حِينٍ } القيامة ، أو الموت ، أو أن يأتي قضاء الله تعالى فيهم .
قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
{ احْكُم بِالْحَقِّ } عجل الحكم بالحق ، أو افصل بيننا وبين المشركين بما يظهر به الحق للجميع { تَصِفُونَ } تكذبوبن ، أو تكتمون ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا شهد قتالاً قرأ هذه الآية .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)
{ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ } زلزلة من أشراط الساعة تكون في الدنيا أو نفخة البعث أو عند القضاء بين الخلق .
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
{ تَذْهَلُ } تسلو كل والدة عن ولدها ، أو تشتغل ، أو تلهى أو تنساه .
{ سُكَارَى } من الخوف { وَمَا هُم بِسُكَارَى } من الشرب .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)
{ يُجَادِلُ } يرد النص بالقياس أو يخاصم في الدين بالهوى ، نزلت في النضر بن الحارث « ع » .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
{ مِّن تُرَابٍ } يريد آدم { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } يريد ذريته فتصير النطفة علقة ثم تصير العلقة مضغة بقدر ما يمضغ من اللحم { مُّخَلَّقَةٍ } صارت خلقاً { وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } دفعتها الأرحام فلم تصر خلقاً ، أو تامة الخلق وغير تامة أو مصورة وغير مصورة ، أو لتمام شهوره وغير تمام { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } في القرآن بدو خلقكم وتنقل أحوالكم { يُتَوَفَّى } قبل الأشد ، أو قبل أرذل العمر ، { أَرْذَلِ الْعُمُرِ } الهرم ، أو حالة ضعف كحال خروجه من بطن أمه ، أو ذهاب العقل { لِكَيْلا يَعْلَمَ } شيئاً وينسى ما كان يعلمه ، أو لا يعقل بعد عقله الاول شيئاَ . { هَامِدَةً } غبراء متهشمة ، أو يابسة لا تنبت شيئاً ، أو دراسة والهمود : الدروس { اهْتَزَّتْ } استبشرت ، أو اهتز نباتها لشدة حركته { وَرَبَتْ } أضعف نباتها ، أو انتفخت لظهور نباتها على التقديم والتأخير ربت واهتزت . { زَوْجٍ } نوع ، أو لون أصفر وأحمر وأخضر وغير ذلك { بَهيجٍ } حسن الصورة .
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)
{ ثَانِىَ عِطْفِهِ } لاوي عنقه إعراضاً عن الله ورسوله ، « أو عادلاً جانبه » كبراً عن الإجابة « ع » والعِطف الجانب ، ومنه نظر في أعطافه ، نزلت في النضر بن الحارث . { لِيُضِلَّ } بتكذيبه الرسول صلى الله عليه وسلم « واعتراضه على القرآن » ، أو كان إذا رأى راغباً في الإسلام أحضره « طعامه وشرابه وغناء قينة له » وقال هذا خير لك مما يدعوكَ إليه محمد صلى الله عليه وسلم .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)
{ حَرْفٍ } ميل ، أو متحرفاً بين الإيمان والكفر ، أو على ضعف في العبادة كقائم على حرف ، نزلت في المنافق يعبد الله تعالى بلسانه ويعصيه بقبله « ح » ، أو في ناس من القبائل وفيمن حول المدينة كانوا يقولون نأتي محمد فإن صادفنا عنده خيراً اتبعناه وإلا لحقنا بأهالينا { الْخُسْرَانُ } لذهاب الدنيا والآخرة .
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)
{ لَبِئْسَ الْمَوْلَى } الناصر والعشير المخالط ، أو المولى : المعبود والعشير : الخليط والزوج لمخالطته من المعاشرة .
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
{ يَنصُرَهُ } من ظن أن الله تعالى لا ينصر محمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائه في الدنيا بالغلبة وفي الآخرة بظهور الحجة { فَلْيَمْدُدْ } بحبل إلى سماء الدنيا { لْيَقْطَعْ } عنه الوحي ثم لينظر هل يُذهب هذا الكيد منه ما يعطيه من نزول الوحي ، أو ينصره الله تعالى يرزقه والنصر : الرزق ، أو أن لن يمطر الله تعالى أرضه ، يقال للأرض الممطورة منصورة { فَلْيَمْدُدْ } بحبل إلى سقف بيته ، ثم ليختنق به فلينظر هل يذهب ما يغطيه من أن الله تعالى لا يرزقه .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)
{ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ } بإدخال النار { فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } يدخله الجنة { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } من ثواب وعقاب ، أو من يهنه بالشقاء فلا مُكرم له بالسعادة { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } من شقاوة وسعادة .
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
{ خَصْمَانِ } المسلمون المشركون لما اقتتلوا ببدر ، أو نزلت في ثلاثة مسلمين بارزوا ثلاثة من المشركين فقتلوهم ، أو أهل الكتاب قالوا : نبينا وكتابنا قد تقدما نبيكم وكتابكم ونحن خير منكم وقال المسلمون : نبينا خاتم الأنبياء ونحن أولى بالله منكم ، أو المؤمنون والمشركون اختلفوا في البعث والجزاء ، أو الجنة والنار اختصمتا فقالت النار خلقني الله تعالى لنقمته وقالت الجنة : خلقني الله تعالى لرحمته قاله عكرمة { قُطِّعَتْ } عبّر بتقطيع الثياب عن إحاطة النار بهم إحاطة الثوب بلابسه { الْحَمِيمُ } الماء الحار لأنه ينضج لحومهم والنار تحرقها ، قيل نزلت في مبارزي بدر فقتل حمزة عتبة بن ربيعة ، وقتل علي الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وقتل عبيدة بن الحارث شيبة بن ربيعة .
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
{ يُصْهَرُ } يذاب صهرت الألية أذبتها ، أو يحرق ، أو يقطع به ، أو ينضج .
وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)
{ مَّقَامِعُ } جمع مقمعة ، والقمع : ضرب الرأس حتى يقعي فينكب ، أو ينحط .
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)
{ الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } لا إله إلا الله ، أو الإيمان ، أو القرآن ، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . { صِرَاطِ الْحَمِيدِ } الإسلام ، أو الجنة .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
{ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } المسجد نفسه { جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } قبلة ومنسكاً للحج فحاضره والبادي سواء في حكم المسجد ، أو في حكم النسك ، أو أراد جميع الحرم فالحاضر والبادي سواء في الأمن فيه وأن لا يقتلا به صيداً ولا يعضدا شجراً ، أو سواء في دروه ومنازله فليس العاكف أولى بها من البادي { بِإِلْحَادٍ } الإلحاد : الميل عن الحق ، الباء زائدة . قال الشاعر :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
{ بِظُلْمٍ } بشرك ، أو باستحلال الحرام ، أو باستحلال الحرم تعمداً « ع » أو احتكار الطعام بمكة ، أو نزلت في أبي سفيان وأصحابه لما صدوا الرسول صلى الله عليه وسلم عام الحديبية « ع » .
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
{ بَوَّأْنَا } وطأنا ، أو عرفناه بعلامة سحابة تطوقت حيال الكعبة فبنى على ظلها ، أو ريح هبت فكنست حول البيت يقال لها : الخجوج { وَطَهِّرْ بَيْتِىَ } من الشرك وعبادة الأوثان . أو من الأنجاس كالفرث والدم الذي كان يطرح حول البيت ، أو قول الزور { لِلطَّآئِفِينَ } بالبيت { وَالْقَآئِمِينَ } في الصلاة ، أو المقيمين بمكة { وَالْرُّكَّعِ السُّجُودِ } في الصلاة .
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
{ وَأَذِّن فِى النَّاسِ } أعلمهم ونادِ فيهم ، خوطب به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقام إبراهيم على أبي قُبَيْس فقال : عباد الله إن الله تعالى قد بنى بيتاً ، وأمركم بحجة فحجوا فأجابوه من أصلاب الرجال وأرحام النساء . لبيك داعي ربنا فلا يحجه إلى يوم القيامة إلا من أجاب إبراهيم ، قيل أول من أجابه به أهل اليمن فهم أكثر الناس حَجاً { رِجَالاً } جمع راجل { ضَامِرٍ } جمع مهزول { عَمِيقٍ } بعيد .
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
{ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ } شهود المواقف وقضاء المناسك ، أو المغفرة ، أو التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة ، { مَّعْلُومَاتٍ } عشر ذي الحجة أخرها يوم النحر « ع » ، أو أيام التشريق ، أو يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر { عَلَى مَا رَزَقَهُم } على نحر ما رزقهم من الأزواج الثمانية من الضحايا والهدايا { فَكُلُواْ } الأكل والإطعام واجبان ، أو مستحبان ، أو يجب الإطعام دون الأكل ، { الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ } الذي جمع الفقر والزمانة ، أو الفقر وضر الجوع أو الفقر الطلب ، أو الذي ظهر عليه أثر البؤس ، أو الذي يُؤنف من مجالسته .
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
{ تَفَثَهُمْ } مناسك الحج « ع » ، أو حلق الرأس ، أو إزالة قشف الإحرام بالتقليم والطيب وأخذ الشعر وتقليم الأظفار والغسل « ح » { نُذُورَهُمْ } من نحر ، أو غيره { وَلْيَطَّوَّفُواْ } طواف الإفاضة { الْعَتِيقِ } عتقه الله تعالى من الجبابرة « ع » ، أو عتيق لم يملكه أحد من الناس ، أو من الغرق زمن الطوفان ، أو قديم أول بيت وضع للناس بناه آدم عليه الصلاة والسلام ، وأعاده بعد الطوفان إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)
{ حُرُمَاتِ اللَّهِ } فعل المناسك ، أو منهيات الإحرام { مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } من { والمنخنقة } [ المائدة : 3 ] إلى قوله { عَلَى النصب } [ المائدة : 3 ] أو { غَيْرَ مُحِلِّى الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [ المائدة : 1 ] { الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ } من للجنس ، أو اجتنبوا منها رجسها وهو عبادتها { قَوْلَ الزُّورِ } الشرك ، أو الكذب ، أو شهادة الزور ، أو أعياد المشركين .
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
{ حُنَفَآءَ } مسلمين ، أو مخلصين أو مستقيمين ، أو حُجَّاجاً ، { غَيْرَ مُشْرِكينَ } مرائين بعبادته ، أو شهادة الزور ، أو قولهم في التلبية : « إلا شريكاً هو لك » .
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
{ شَعَائِرَ اللَّهِ } فروضه ، أو معالم دينه يريد مناسك الحج تعظيمها : بإتمامها .
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
{ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } بالتجارة ، والأجل المسمى : العود ، ومحلها : محل المناسك هي الحج والعمرة الطواف بالبيت العتيق ، أو يريد بالشعائر البدن المشعرة تعظيمها باستسمانها واستحسانها ، والمنافع الركوب والدر والنسل ، والأجل المسمى : « إيجابها » « ع » ، أو نحرها ، ومَحِلُّها : مكة ، أو الحرم كله ، أو يريد بالشعائر دين الله كله نعظمه بالتزامه « ح » ، والمنافع : الأجر والأجل المسمى : القيامة ومحلها إلى البيت : « يحتمل إلى رب البيت » ، أو ما اختص منها بالبيت « كالصلاة إليه وقصده بالحج والعمرة » . { تَقْوَى القلوب } [ الحج : 32 ] إخلاصها .
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
{ مَنَسَكاً } حجاً ، أو ذبحاً ، أو وعيداً ، والمنسك في كلامهم الموضع المعتاد ، مناسك الحج لاعتياد مواضعها { بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } الهدى إن جعلنا المنسك الحج ، أو الأضاحي إن جعلناه العيد { الْمُخْبِتِينَ } المطمئنين إلى ذكر الله تعالى أو المتواضعين ، أو الخاشعين ، الخشوع في الأبدان والتواضع في الأخلاق ، أو الخائفين ، أو المخلصين ، أو الرقيقة قلوبهم ، أو المجتهدون في العبادة ، أو الصالحون المقلون ، أو الذين لا يظلمون وإذا ظُلموا لم ينتصروا قاله الخليل .
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
{ وَالْبُدْنَ } الإبل عند الجمهور ، أو الإبل والبقر ، وأو ذوات الخف من الإبل والبقر والغنم حكاه ابن شجرة سميت بدناً لأنها مُبدنة بالسمن { شَعَائِرِ اللَّهِ } معالم دينه ، أو فروضه { فِيهَا خَيْرٌ } أجر ، أو ركوبها عند الحاجة وشرب لبنها عند الحلب { صَوَآفَّ } مصطفة ، أو قائمة تصفُّ بين أيديها بالقيود ، أو معقولة ، قرأ الحسن « صوافي » أي خالصة لله تعالى من الصفوة ، ابن مسعود « صوافن » معقولة إحدى يديها فتقوم على ثلاث ، صفن الفرس ثنى إحدى يديه وقام على ثلاث وقال :
ألف الصفون فما يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا
{ وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } سقطت إلى الإرض ، وجب الحائط سقط ، وجبت الشمس غربت { فَكُلُواْ } يجب الأكل من المتطوع به ، أو يستحب عند الجمهور ولا يجب ، كانوا في الجاهلية يحرمون أكلها على أنفسهم . { الْقَانِعَ } السائل و { وَالْمُعْتَرَّ } المعترض بغير سؤال « ح » أو القانع الذي لا يسأل والمعتر يعتري فيسأل ، أو القانع المسكين الطَّوَّاف والمعتر الصديق الزائر ، أو القانع : الطامع ، والمعتر الذي يعتري بالبدن ويتعرض للحم لأنه ليس عنده لحم .
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
{ لَن يَنَالَ اللَّهَ } لن يتقبل الدماء وإنما يتقبل التقوى ، أو لن يصعد إلى الله تعالى اللحم والدم وإنما يصعد إليه التقوى والعمل الصالح ، كانوا في الجاهلية إذا نحروا البدن استقبلوا الكعبة بدمائها فنضحوها نحو البيت فأراد المسلمون فعل ذلك فنزلت « ع » { هَدَاكُمْ } أرشدكم إليه من حجكم .
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
{ يَدْفع } بالكفار عن المؤمنين وبالعصاة عن المطيعين ، وبالجهال عن العلماء ، « أو يدفع عنهم هواجس النفس ووسواس الشيطان » ، أو يدفع بنور السنة ظلمات البدعة .
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
{ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } دفع المشركين بالمسلمين ، أو عن الدين بالمجاهدين ، أو بالنبيين عن المؤمنين ، أو بالصحابة عن التابعين ، أو دفعه عن الحقوق بالشهود قاله مجاهد ، أو عن النفوس بالقصاص { صَوَامِعُ } الرهبان ، أو مصلى الصابئة سُميت بذلك لانصمام طرفيها ، المتصمع المنصم ومنه أذن صمعاء ، { وَبِيَعٌ } النصارى ، أو كنائس اليهود ، { وَصَلَوَاتٌ } كنائس اليهود يسمونها صلوتاً فعرب ، أو تركت صلوات { وَمَسَاجِدُ } المسلمين ، لَهَدَمها المشركون الآن لولا دفع الله بالمسلمين ، أو لهدمت صوامع أيام شرع موسى ، وبيع أيام شرع عيسى ومساجد أيام شرع محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين يعني لهدم في كل شريعة الموضع الذي يعبد الله تعالى فيه .
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
{ مُّعَطَّلَةٍ } خالية من أهلها ، أو من دلائها وأرشيتها ، أو غائرة الماء { مَّشِيدٍ } حصين ، أو رفيع أو مجصص ، الشِّيد : الجص أصحاب القصور أهل الحضر وأصحاب الآبار أهل البدو ، أهلك الطائفتين .
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
{ يَعْقِلُونَ بِهَآ } يُعَبرون ، أو يعلمون ، يدل على أن العقل علم وأن محله القلب { يَسْمَعُونَ } يفهمون { لا تَعْمَى الأَبْصَارُ } قيل نزلت في ابن أم مكتوم .
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)
{ وَإِنَّ يَوْماً } من الأيام التي خلقت فيها السماوات والأرض ، أو طول يوم من أيام الآخرة كطول ألف سنة من أيام الدنيا ، أو ألم العذاب في يوم من أيام الآخرة كألم ألف سنة من أيام الدنيا في الشدة وكذلك النعيم .
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
{ سَعَوْاْ فِى ءَايَاتِنَا } تكذيبهم بالقرآن ، أو عنادهم في الدين { معجِّزين } مثبطين من اراد اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أو مثبطين في اتباعه ، أو مكذبين ، أو مظهرين لمن آمن به تعجيزه في إيمانه { مُعَاجِزِينَ } مشاقين « ع » ، أو متسارعين ، أو معاندين ، أو يظنون أنهم يعجزون الله هرباً .
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
{ تَمَنَّى } حدّث نفسه فألقى الشيطان في نفسه ، أو قرأ فألقى الشيطان في قراءته ، لما نزلت النجم قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قوله { وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى } [ النجم : 20 ] ألقى الشيطان على لسانه « تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترجى » ، ثم ختم السورة وسجد [ وسجد معه ] المسلمون والمشركون ورضي بذلك كفار قريش فأنكر جبريل عليه السلام ما قرأه وشق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت . وألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهياً ، أو كان ناعساً فقرأه في نعاسه ، أو تلاه بعض المنافقين عن إغواء الشيطان فتخيل لهم أنه من تلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو عني بقوله : « الغرانيق العلا » الملائكة « وإن شفاعتهم لترتجى » في قولكم « ح » { رَّسُولٍ } الرسول والنبي واحد ، أو الرسول من يُوحى إليه مع الملك والنبي من يوحي إليه في نومه ، أو الرسول هو المبعوث إلى أمة والنبي مُحَدَّثٌ لا يبعث إلى أمة ، أو الرسول هو المبتدىء بوضع الشريعة والأحكام والنبي هو الذي يحفظ شريعة غيره قاله الجاحظ .
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)
{ فِتْنَةً } محنة ، أو اختباراً { مَّرَضٌ } نفاق ، أو شك { وَالْقَاسِيَةِ قُلُوُبُهُمْ } المشركون { شِقَاقٍ بَعِيدٍ } ضلال طويل ، أو فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة .
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
{ مِرْيَةٍ مِّنْهُ } شك من القرآن { السَّاعَةُ } القيامة على من تقوم عليه من المشركين « ح » أو ساعة موتهم { يَوْمٍ عَقِيمٍ } القيامة ، أو يوم بدر والعقيم : الشديد ، أو الذي لا مثل له لقتال الملائكة فيه .
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)
{ وَمَنْ عَاقَبَ } لقي قوم من المسلمين قوماً من المشركين لليلتين بقيتا من المحرم فحملوا عليهم فناشدوهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر الله تعالى المسلمين بهم فنزلت ، أو لما مَثَّلُوا بالمسلمين بأُحُد عاقبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمثله فنزلت { لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ } تعالى في الدنيا بالقهر والغلبة وفي الآخرة بالحجة والبرهان .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)
{ هُوَ الْحَقَّ } اسم من أسماء الله تعالى أو ذو الحق ، أو عبادته حق { مَا يَدْعُونَ } الأوثان ، أو إبليس .
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)
{ مَنسَكاً } عيداً ، أو موضعاً معتاداً لمناسك الحج والعمرة ، أو مذبحاً ، أو متعبداً ، النسك : العبادة ، والناسك العابد « ح » .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
{ ضُرِبَ مَثَلٌ } مثلهم في عبادة غير الله كمن عبد من لا يخلق ذباباً أو لا مثل ها هنا والمعنى ضربوا الله مثلاً بعبادة غيره ، وسُمي ذباباً ، لأنه يُذب استقذاراً له واحتقاراً ، وخصه بالذكر لمهانته وضعفه واستقذاره وكثرته .
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
{ مَا قَدَرُواْ اللَّهَ } نزلت في اليهود لما قالوا : استراح الله في السبت ما عظموه حق تعظيمه ، أو ما عرفوه حق معرفته ، أو ما وصفوه حق صفته .
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)
{ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء { وَمَا خَلْفَهُمْ } ما يكون بعد خلقهم ، أو أول أعمالهم وما خلفهم آخرها ، أو أمر الآخرة وما خلفهم أمر الدنيا .
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
{ حَقَّ جِهَادِهِ } اعملوا له حق عمله ، أو أن يُطاع فلا يُعصى ويُذكر فلا يُنسى ويُشكر فلا يُكفر نسخها { فاتقوا الله مَا استطعتم } [ التغابن : 16 ] أو هي محكمة لأن حق جهاده ما لا حرج فيه . { اجْتَبَاكُمْ } اختاركم { حَرَجٍ } ضيق فخلصكم من المعاصي بالتوبة ، أو من الأيمان بالكَفَّارة ، أو بتقديم الأهلة وتأخيرها في الصوم والفطر والأضحى « ع » أو رُخص السفر القصر والفطر ، أو عام إذ ليس في الإسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من الإثم فيه { مِّلَّة أَبِيكُمْ } وسع دينكم كما وسع ملة إبراهيم ، أو افعلوا الخير كفعل إبراهيم ، أو ملة إبراهيم وهي دينه لازمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم داخلة في دينه ، أو عليكم ولاية إبراهيم ولا يلزمكم حكم دينه { هُوَ سَمَّاكُمُ } الله سماكم المسلمين قبل القرآن ، أو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقوله { أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [ البقرة : 128 ] { شَهِيداً } ليشهد الرسول عليكم أنه بلغكم وتشهدوا على من بعدكم أنكم بلغتموهم ما بلغكم ، أو يشهد الرسول عليكم بأعمالكم ، وتشهدوا على الناس أن رسلهم بلغوهم { فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ } المكتوبة { وَءَاتُواْ الزَّكَاةَ } المفروضة { وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ } امتنعوا به ، أو تمسكوا بدينه { مَوْلاكُمْ } مالككم ، أو المتولي لأموركم { فَنِعْمَ الْمَوْلَى } لما لم يمنعكم الرزق إذ عصيتموه { وَنِعْمَ النَّصِيرُ } لما أعانكم حين أطعتموه .
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
{ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } سعدوا ، أو بقيت لهم أعمالهم ، أو بقوا في الجنة ، الفلاح : البقاء ، أو أدركوا ما طلبوا ، ونجوا من شر ما منه هربوا « ع » .
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
{ خَاشِعُونَ } خائفون ، أو خاضعون ، أو ساكنون ، أو غض البصر وخفض الجناح ، أو النظر إلى موضع السجود ، وأن لا يجاوز بصره مصلاه .
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
{ اللَّغْوِ } الباطل « ع » أو الكذب ، أو الحلف ، أو الشتم شتمهم كفار مكة فنهوا عن إجابتهم ، أو المعاصي كلها .
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
{ الْوَارِثُونَ } قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « ما منكم من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار ، فإن دخل النار ورث أهل الجنة منزله ، وإن دخل الجنة ورث أهل النار منزله فذلك قوله { أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } » .
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
{ الْفِرْدَوْسَ } اسم للجنة « ح » أو أعلى الجنان ، أو جبل الجنة الذي تنفجر منه أنهارها ، أو البستان رومي عُرِّب ، قاله الزجاج . أو عربي وهو الكرم .
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
{ الإِنسَانَ } آدم عليه الصلاة والسلام أُستل من الطين ، أو بنوه لرجوعهم إليه . { سُلالَةٍ } سلالة كل شيء صفوته التي تُستل منه ، أو القليل مما يُستل وتُسمى النطفة والولد سلالة لأنهما صفوتان ، أو ينسلان ، أو السلالة الطين الذي إذا عصرته بين أصابعك خرج منه شيء ، أو التراب .
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
{ قَرَارٍ } الرحم { مَّكِينٍ } متمكن هيء لاستقراره .
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
{ عَلَقَةً } الدم الطري سمي به لأنه أول أحوال العلوق { الْمُضْغَةَ } قدر ما يمضغ من اللحم ، ذكر ذلك ليعلم الخلق أن الإعادة أهون من النشأة { خَلْقاً ءَاخَرَ } بأن نفخ فيه الروح « ع » ، أو بنبات الشعر ، أو بأنه ذكر ، أو أنثى « ح » ، أو استوى شبابه { فَتَبَارَكَ } تعظيم { أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } أصنع الصانعين « .
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
{ طَرَآئِقَ } سماوات لأن كل طبقة طريقة للملائكة أو طباقاً بعضها فوق بعض ومنه طراق النعل إذا أطبق عليها ما يمسكها ، أو كل طبقة منها على طريقة من الصنعة والهيئة . { غَافِلِينَ } من نزول المطر عليهم من السماء أو من سقوطها عليهم ، أو عاجزين عن رزقهم .
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
{ وَشَجَرَةً } الزيتون خصت بالذكر لكثرة نفعها وقلة تعاهدها { سَيْنَآءَ } البركة كأنه قال : جبل البركة « ع » ، أو الحسن المنظر أو الكثير [ الشجر ] ، أو الجبل الذي كلم عليه موسى عليه الصلاة والسلام أو المرتفع من السناء وهو الارتفاع فيكون عربياً وعلى ما سبق سريانياً « ع » أو نبطياً ، أو حبشياً { تَنبُتُ بِالدُّهْنِ } بالمطر ليصح دخول الباء . أو الزيت أي تثمر الدهن فالباء صلة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... ونرجوا بالفرج
أو معناه تنبت وفيها الدهن ، وهذه عبرة تشرب الماء وتنبت الدهن { وَصِبْغٍ } أدم يصطبغ به ، وقيل الصبغ كل ما يؤتدم به سوى اللحم .
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)
{ مَّا سَمِعْنَا } بمثل دعوته ، أو ببشرٍ أتى برسالة ربه { الأَوَّلِينَ } أول أب ولدك أو أقرب آبائك إليك .
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)
[ { حَتَّى حِينٍ } ] الحين : موته ، أو ظهور جنونه .
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)
{ التَّنُّورُ } تنور الخبز ، أو أحر مكان في دارك ، أو طلوع الفجر أو عَبَّر به عن شدة الأمر كقولهم : حمى الوطيس .
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)
{ أَنزِلْنِى } في السفينة { مُنزَلاً مُّبَارَكاً } بالنجاة ، أو أنزلني منها منزلاً مباركاً بالماء والشجر .
إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)
{ نَمُوتُ } يموت قوم ويولد آخرون ، أو يموت قوم ويحيا آخرون ، أو فيه تقديم وتأخير ، أو يموت الآباء ويحيا الأبناء .
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)
{ غُثَآءً } البالي من الشجر « ع » ، أو ورق الشجر إذا وقع في الماء ثم جف ، أو ما حمله الماء من الزبد والقذى { فَبُعْداً } لهم من الرحمة باللعنة ، أو بُعْدًا لهم في العذاب زيادة في هلاكهم
ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)
{ تَتْرَا } منون متواترين يتبع بعضهم بعضاً « ع » ، أو متقطعين بين كل اثنين دهر طويل ، تتراً : اشتُق من وتر القوس لاتصاله بمكانه منه أو من الوتر لأن كل واحد يبعث فرداً بعد صاحبه ، أو من التواتر .
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46)
{ عَالِينَ } متكبرين ، أو مشركين ، أو قاهرين ، أو ظالمين .
فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47)
{ عَابِدُونَ } مطيعون ، أو خاضعون ، أو مستعبدون ، أو كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون ، وفرعون يعبد الأصنام .
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)
{ ءَايَةً } بخلقه من غير والد وكلامه في المهد ببراءة أمه { رَبْوَةٍ } المكان المرتفع إذا اخضر بالنبات فإن لم يكن فيه فهو نشز ، أو ربوة وإن لم يكن به نبات والمراد بها الرملة ، أو دمشق ، أو مصر ، أو بيت المقدس ، قال كعب : هي أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلاً . { قَرَارٍ } استواء ، أو ثمار ، أو معيشة تقوتهم « ح » ، أو منازل يستقرون فيها { وَمَعِينٍ } الماء الجاري ، أو الظاهر ، أشتق من العيون لجريانه منها فهو مفعول من العيون ، أو من المعونة ، أو الماعون .
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)
{ أُمَّتُكُمْ } دينكم ، أو جماعتكم ، أو خقلكم .
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
{ فَتَقَطَّعُواْ } فتفرقوا أمر دينهم { زُبُراً } فرقاً وجماعات ، أو كتباً أخذ كل فريق كتاباً آمن به وكفر بما سواه { بِمَا لَدَيْهِمْ } من دين وكتاب أو أموال وأولاد { فَرِحُونَ } معجبون ، أو مسرورون .
فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)
{ غَمْرَتِهِمْ } ضلالتهم ، أوجهلهم ، أو غفلتهم ، أو حيرتهم { حَتَّى حِينٍ } الموت ، أو يوم بدر ، أو تهديد كقول القائل « لك يوم » قاله الكلبي .
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55)
{ نُمِدُّهُم } نعطيهم ونزيدهم .
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)
{ نُسَارِعُ } بجعله خيراً لهم عاجلاً ، أو نريد لهم به خيراً { لا يَشْعُرُونَ } أنه استدراج ، أو اختبار .
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)
{ يُؤْتُونَ } الزكاة ، أو أعمال البر كلها { وَجِلَةٌ } خائفة ، قيل وجل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته ، لأن التوبة تمحو المخالفة والطاعة تطلب بتصحيح الغرض { أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ } يخافون أن لا ينجوا من عذابه إذا قدموا عليه ، أو أن لا يقبل عملهم إذا عرضوا عليه .
أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)
{ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } لمن تقدمهم من الأمم .
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)
{ غَمْرَةٍ } غطاء ، أو غفلة من هذا القرآن ، أو الحق { أَعْمَالٌ } خطايا من دون الحق ، أو أعمال أُخر سبق في اللوح المحفوظ أنهم يعلمونها .
حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)
{ مُتْرَفِيهِم } الموسع عليهم بالخصب ، أو الأموال والأولاد { يَجْئَرُونَ } يجزعون ، أو يستغيثون « ع » ، أو يضجون ، أو يصرخون إلى الله تعالى بالتوبة فلا تُقبل منهم « ح » قيل نزلت في قتلى بدر { إِذَا هُمْ يَجْئَرُونَ } الذين بمكة .
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)
{ تَنكِصُونَ } تستأخرون ، أو تكذبون ، أو رجوع القهقرى عَبَّر به عن ترك القبول .
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } بحرم الله أن يظهر عليهم فيه أحد { سَامِراً } فاعل من السمر وهو الحديث ليلاً ، أو ظل القمر يقولون حلف بالسمر والقمر ، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر ويقولون : لا أكلمك السمر والقمر أي الليل والنهار ، قال الزجاج : أخذت سمرة اللون من السمر . { تَهْجُرُونَ } تعرضون عن الحق أو « تُهِجرون » القول بالقبيح من الكلام وبالضم من هُجر القول ، أنكر تسامرهم بالإزراء على الحق مع ظهوره لهم ، أو أنكر تسامرهم آمنين والخوف أحق بهم .
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)
{ اتَّبَعَ الْحَقُّ } الله عند الأكثرين ، أو التنزيل { أَهْوَآءَهُمْ } فيما يشتهون ، أو يعبدون . { وَمَن فِيهِنَّ } الثقلان والملائكة ، أو ما بينهما من خلق { بِذِكْرِهِم } بيان الحق لهم ، أو شرفهم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منهم والقرآن بلسانهم ، فهم عن شرفهم ، أو عن القرآن { مُّعْرِضُونَ } .
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)
{ فَخَرَاجُ رَبِّكَ } فرزق ربك في الدنيا والآخرة ، أو أجره في الآخرة ، الخَرْج : ما يؤخذ عن الرقاب ، والخراج ما يؤخذ عن الأرض قاله أبو عمرو بن العلاء .
وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)
{ لَنَاكِبُونَ } عادلون ، أو حائدون ، أو تاركون ، أو معرضون .
حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)
{ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ } السبع التي دعا بها الرسول صلى الله عليه وسلم فقحطوا سبع سنين حتى أكلوا العلهز من الجوع وهو الوبر بالدم ، أو قتلهم يوم بدر « ع » أو باباً من عذاب جهنم .
وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)
{ ذَرَأَكُمْ } خلقكم ، أو نشركم .
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)
{ اخْتِلافُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ } بالزيادة والنقصان ، أو تعاقبهما .
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)
{ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ } خزائن كل شيء ، أو ملك كل شيء وهو مبالغة كالجبروت والرهبوت ، { يُجِيرُ } يمنع ولا يمنع منه .
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)
{ تُسْحَرُونَ } تُصرفون عن التصديق بالبعث ، أو تكذبون فيخيل إليكم أن الكذب حق .
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)
{ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } ادفع بالإغضاء والصفح إساءة المسيء ، أو الفحش بالسلام ، أو المنكر بالموعظة ، أو أمح بالحسنة السيئة ، أو قابل أعداءك بالنصح وأولياءك بالموعظة .
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)
{ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ } نزغاتهم ، أو إغوائهم ، أو أذاهم ، أو الجنون .
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)
{ يَحْضُرُونِ } يشهدون ، أو يقاربون .
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)
{ وَرَآئِهِم } أمامهم { بَرْزَخٌ } حاجز بين الموت والبعث ، أو بين الدنيا والآخرة ، أو بين الموت والرجوع إلى الدنيا ، أو الإمهال إلى يوم القيامة ، أو ما بين النفختين وهو أربعون سنة .
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)
{ فَلا أَنسَابَ } يتواصلون بها ، أو لا يتعارفون للهول { وَلا يَتَسَآءَلُونَ } أن يحمل بعضهم عن بعض ولا أن يعين بعضهم بعضاً ، أو لا يتساءلون لانشغال كل منهم بنفسه .
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)
{ شِقْوَتُنَا } الهوى ، أو حسن الظن بالنفس ، وسوء الظن بالخلق .
قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)
{ اخْسَئُواْ } اصغروا ، الخاسىء : الصاغر « ح » ، أو الساكت الذي لا يتكلم ، أو ابعدوا بُعد الكلب { وَلا تُكَلِّمُونِ } في دفع العذاب ، أو زجرهم عن الكلام غضباً عليهم « ح » ، فهو آخر كلام يُكلمون به .
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
{ سِخْرِيّاً } هزواً بالضم والكسر ، أو بالضم من السخرة والاستعباد وبالكسر الاستهزاء « ح » .
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)
{ لَبِثْتُمْ } في الدنيا ، أو القبور ، استقلوا ذلك لما صاروا إليه من العذاب الطويل .
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)
{ الْعَآدِّينَ } الملائكة ، أو الحُسَّاب .
وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)
{ لا بُرْهَانَ لَهُ } أن مع الله إلهاً آخر ، أو صفة الإله المعبود [ من دون الله ] أنه لا برهان له { حِسَابُهُ } محاسبته عند الله يوم القيامة ، أو مكافأته ، والحساب المكافأة « حسبي الله » أي كافيني الله .
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
هذه { سُورَةٌ } { وَفَرَضْنَاهاَ } مخففاً قَدَّرنا فيها الحدود ، أو فرضنا فيها إباحة الحلال وحظر الحرام ، وبالتشديد بَيَّناها « ع » أو كثَّرنا ما فرض من الحلال والحرام { ءَايَاتٍ بَيْنَاتٍ } حججاً دالة على التوحيد ووجوب الطاعة ، أو الحدود والأحكام .
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
{ الزَّانِيَةُ } بدأ بها لأن شهوتها أغلب وزناها أعرُّ ولأجل الحبل أضر { فَاجْلِدُواْ } أخذ الجلد من وصول الضرب إلى الجلد ، وهو أكبر حدود الجلد؛ لأن الزنا أعظم من القذف ، وزادت السنة التغريب وحد المحصن بالسنة بياناً لقوله { أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً } [ النساء : 15 ] أو ابتداء فرض { فِى دِينِ اللَّهِ } في طاعته { رَأْفَةٌ } رحمة نهى عن آثارها من تخفيف الضرب إذ لا صنع للمخلوق في الرحمة . { تُؤْمِنُونَ } تطيعونه طاعة المؤمنين { عَذَابَهُمَا } حدهما { طَآئِفَةٌ } أربعة فما زاد أو ثلاثة ، أو اثنان ، أو واحد ، وذلك للزيادة في نكاله .
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
{ الزَّانِى لا يَنكِحُ } خاصة برجل استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول كانت بغيّاً في الجاهلية من ذوات الرايات وشرطت له أن تنفق عليه فنزلت فيهما ، قاله ابن عمرو ومجاهد رحمهما اللَّهُ تعالى ، أو في أهل الصُّفَّة من المهاجرين ، كان في المدينة بغايا معلنات بالفجور فهموا بنكاحهن ليأووا إلى مساكنهن وينالوا من طعامهن وكسوتهن وكن مخاصيب الرحال بالكسوة والطعام ، أو الزانية لا يزني بها إلا زانٍ والزاني لا يزني إلا بزانية « ع » ، أو الزانية محرمة على العفيف والعفيف محرم على الزانية ثم نسخ بقوله تعالى : { فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء } [ النساء : 3 ] ، أو خاص بالزاني المحدود لا ينكح إلا زانية محدودة ولا ينكح غير محدودة ، ولا عفيفة ، والزانية المحدودة لا ينكحها غير محدود ولا عفيف « خ » { وَحُرِّمَ } الزنا ، أو نكاح الزواني { عَلَى الْمؤْمِنِينَ } .
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)
{ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } حد القذف حق الآدمي لوجوبه بطلبه وسقوطه بغفوه ، أو حق الله ، أو مشترك بينهما . ويتعلق به الحق والفسق ورد الشهادة .
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ } فيزول فسقهم ولا يسقط الحد عنهم وتقبل شهادتهم قبل الحد وبعده لارتفاع فسقه قاله الجمهور ، أو لا تقبل بحال ، أو تقبل قبل الحد ولا تقبل بعده ، أو عكسه وتوبته بإكذابه نفسه ، أو بالندم والاستغفار وترك العود إلى مثله .
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ } أي هلال بن أمية جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقال : يا رسول الله جئت عشياً فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وثقل عليه فنزلت ، أو أتاه عويمر فقال : يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه به أم كيف يصنع فنزلت فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : قد نزل القرآن فيك وفي صاحبتك ولاعن بينهما ، { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ } عبر عن اليمين بالشهادة .
قال قيس :
وأشهد عند الله أني أحبها ... فهذا لها عندي فما عندها ليا
أو هو شهادة فلا يلاعن الكفار والرقيق .
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)
{ وَيَدْرَؤُاْ } يدفع { الْعَذَابَ } الحد ، أو الحبس ، وإذا تم اللعان وقعت الفرقة بلعان الزوج ، أو بلعانهما ، أو بلعانهما وتفريق الحاكم ، أو بطلاق يوقعه الزوج . ثم تحرم أبداً ، فإن أكذب نفسه ففي حِلَّها مذهبان .
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
{ فَضْلُ اللَّهِ } الإسلام { وَرَحْمَتُهُ } القرآن ، أو فضله : منته ، ورحمته : نعمته تقديره ورحمته بإمهالكم حتى تتوبوا لهلكتم ، أو لولا فضله ورحمته لنال الكاذب منكم عذابٌ عظيم .
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
{ الِّذِينَ جَآءُو بِالإِفْكِ } : عبد الله بن أُبي ، ومسطح بن أُثاثة ، وحسان بن ثابت وزيد بن رفاعة وحمنة بن جحش ، والإفك : الكذب أو الإثم { خَيْرٌ لَّكُمْ } لأن الله تعالى برَّاْ منه وأثاب عليه ، يريد عائشة وصفوان ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعائشة رضي الله تعالى عنهما { مَّا اكْتَسَبَ } عقاب ما اكتسب { وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ } عبد الله بن أُبي ، أو حسان ومسطح والعذاب العظيم : العمى .
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)
{ لَّوْلآ } هَلاَّ { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } أي الإفك { بِأَنفُسِهِمْ } ظن بعضهم ببعض ، أو ظنوا بعائشة رضي الله تعالى عنهما كظنهم بأنفسهم { إِفْكٌ مُّبِينٌ } كذب بيِّنٌ ، ولم يحد الرسول صلى الله عليه وسلم أحداً من أهل الإفك؛ لأن الحد لا يُقام إلا ببينة أو إقرار ولم ينفذ بإقامته بإخبار الله تعالى كما لا يقتل المنافق بإخباره بنفاقه ، أو حدَّ حسان وابن أُبي ومسطحاً وحمنة فيكون العذاب العظيم الحدُّ .
وقال فيهم بعض المسلمين :
لقد ذاق حسان الذي كان أهله ... وحمنة إذ قالوا هجيراً ومسطحُ
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم ... وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا
وآذوا رسول الله فيها فَجُلِّلُوا ... مَخازي تبقى عُمِّمُوها وفُضِّحوا
كما ابن سلول ذاق في الحد خِزية ... كما خاض في قول من الإفك يفصح
فصبت عليهم مُحصدات كأنها ... شآبِيبُ مزن من ذُرى المزن تسفحُ
وقال حسان يعتذر من إفكه :
حصانٌ رزَانٌ ما تُزَنُّ برِيَبةٍ ... وتُصبحُ غَرثَى من لُحوم الغَوَافِلِ
مطهرة قد طيب الله خلقها ... وطهرها من مكل سوء وباطل
عقيلة حي من لؤي بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل
فإن كنت قد قلت الذي قد أتاكم ... فَلا رَفَعتْ سوطِي إليَّ أَنامِلِي
وكيف وَوُدِّي ما حَييتُ ونُصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل
وإن الذي قد قيل ليس بلائط ... ولكنه قول امرىءٍ غير ماحل
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
{ تَلَقَّوْنَهُ } بالقبول من غير إنكار ، أو تتحدثُون به وتُلْقونه حتى ينتشر .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)
{ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } خطاياه ، أو أثره ، أو تخطيه من الطاعة والحلال إلى المعصية والحرام ، أو النذر في المعاصي .
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
{ يَأْتَلِ } ويتألَّ واحد أي لا يقسم أو لا يقصر ، ما ألوت جهداً أي ما قصرت ، أو يأتلِ : يقصر ، ويتألَّ : يقسم ، كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه ينفق على مسطح وكان ابن خالته فلما تكلم في الإفك أقسم أبو بكر رضي الله تعالى عنه أن لا ينفق عليه ، فنزلت . { وَلْيَعْفُواْ } عن الأفعال { وَلْيَصْفَحُواْ } عن الأقوال ، أو العفو : ستر الذنوب من غير مؤاخذة والصفح : الإغضاء عن المكروه { أَلا تُحِبُّونَ } كما تحبون أن تُغفر ذنوبكم فاغفروا لمن أساء إليكم فلما سمِعَها أبو بكر رضي الله تعالى عنه رَدَّ إليه النفقة .
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)
{ الْخَبِيثَاتُ } خبيثات النساء لخبيثي الرجال ، وخبيثوا الرجال لخبيثات النساء ، وطيبات النساء لطيبي الرجال ، وطيبو الرجال لطيبات النساء ، أو أراد بالخبيثات والطيبات : الأعمال الخبيثة والطيبة لخبيثي الناس وطيبيهم . أو أراد الكلمات الخبيثات والطيبات لخبيثي الناس وطيبهم { أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ } أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم مُبَرآت من الفواحش ، أو عائشة ، وصفوان مبرآن من الإفك ، أو الطيبون والطيبات مبرؤون من الخبيثين والخبيثات .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
{ تَسْتَأْنِسُواْ } تَستأذنوا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخطأ الكاتب فكتب « تستأنسوا » ، أو عَبَّر عن الاستئذان بالاستئناس لأنه مؤنس ، أو تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح ليعلموا بالدخول عليهم ، أو تعلموا فيها من يأذن لكم؛ لقوله { فَإِنْ آنَسْتُمْ } [ النساء : 6 ] أو الاستئناس : الاستخبار والإيناس : اليقين { وَتُسَلِّمُواْ } السلام مسنون بعد الاستئذان على ظاهر الآية ، ولأنه تحية للقاء واللقاء بعد الإذن ، أو السلام قبل الاستئذان على ما تضمنته السنة ، وإن كان قريباً فإن لم يكن مَحْرَماً لزم الاستئذان عليه كالأجانب ، وإن كانوا محارم فإن كان ساكناً معهم في المنزل لزمه إنذارهم بدخوله بوطىء أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العورة بينهما وإن لم يكن ساكناً معهم في المنزل لزم الاستئذان بوطىء أو نحنحة ، أو هم كالأجانب .
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)
{ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة ، أو حوانيت التجار ، أو منازل الأسفار ومناخات الرحال التي يرتفق بها المسافرون ، أو الخرابات العاطلة ، أو بيوت مكة { مَتَاعٌ لَّكُمْ } عروض الأموال ومتاع التجارة ، أو الخلاء والبول؛ لأنه متاع لهم ، أو المنافع كلها . فلا يلزم الاستئذان فيها .
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
{ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } من صلة ، أو يغضوها عما لا يحل ، أو هي للتبعيض؛ لأن البصر إنما يجب غضه عن الحرام { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } بالعفاف عن الزنا ، أو بسترها عن الأبصار ، وكل موضع فيه حفظ فالمراد به عن الزنا ، إلا في هذا الموضع قاله أبو العالية ، وسميت فروجاً؛ لأنها منافذ للبدن .
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
{ زِينَتَهُنَّ } الزينة ما أدخلته على بدنها حتى زانها وحسَّنها في العيون كالحلي والثيابن والكحل والخضاب ، وهي ظاهرة وباطنة فالظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها { إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } الثياب ، أو الكحل والخاتم « ع » ، أو الوجه والكفان ، والباطنة : القرط والقلادة ، والدملج والخلخال وفي السوار مذهبان وخضاب القدمين باطن ، وخضاب الكفين ظاهر ، والباطنة يجب سترها عن الأجانب ولا يجوز لهم النظر إليها . { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ } بمقانعهن على صدروهن تغطية لنحورهن وكن يلقينها على ظهروهن بادية نحورهن ، أو كانت قمصهن مفرجة الجيوب كالدارعة يبدو منها صُدُورهن فأُمِرن بإلقاء الخُمُرُ عليها لسترها وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبُوسة عليها { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } الباطنة { إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ } ، { أَوْ نِسَآئِهنَّ } المسلمات ، أو عام فيهن وفي الكافرات { مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } من العبيد والإماء ، أو خاص بالإماء قاله ابن المسيب ومجاهد وعطاء { غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ } الصغير لا إرب له فيهن لصغره ، أو العِنِّين لا إرب له لعجزه ، أو المعتوه الأبله لا إرب له لجهله ، أو المجبوبُ لفقد إربه مأثور ، أو الشيخ الهرم لذهاب إربه ، أو الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل ، أو المستطعم الذي لا يهمه إلا بطنه ، أو تابع القوم يخدمهم لطعام بطنه فهو مصروف الشهوة لذله « ح » ، وأخذت الإربة من الحاجة ، أو من العقل من قولهم رجل أديب { لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ } لم يكشفوها لعدم شهوتهم ، أو لم يعرفوها لعدم تمييزهم ، أو لم يطيقوا الجماع ، وسميت العورة عورة لقبح ظُهورها وغض البصر عنها أخذاً من عور العين { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } كن إذا مشين ضربن بأرجلهن لتسمع قعقعة خلاخلهن فنهين عن ذلك .
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)
{ وَأَنكِحُواْ } خطاب للأولياء ، أو للأزواج أن يتزوجوا ندباً عند الجمهور أو إيجاباً { الأَيَامَى } المتوفى عنها زوجها ، أو من لا زوج لها من الثيب والأبكار ، رجل أيم وامرأة أيم { وَالصَّالِحِينَ } أنكحوا الأيامى بالصالحين من رجالكم ، أو أمر بإنكاح العبيد والإماء كما أمر بإنكاح الأيامى { فُقَرَآءَ } إلى النكاح يغنهم الله به عن السفاح ، أو فقراء من المال يغنهم الله تعالى بقناعة الصالحين ، أو باجتماع الرزقين { وَاسِعٌ } الغنى { عَلِيمٌ } بالمصالح ، أو واسع الرزق عليم بالخلق .
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
{ فَكَاتِبُوهُمْ } ندباً ، أو وجوباً إذا طلب العبد { خَيْراً } قدرة على الاحتراف والكسب « ع » أو مالاً ، أو ديناً وأمانة ، أو وفاءً وصدقاً أو الكسب والأمانة . { وَءَاتُوهُم } من الزكاة من سهم الرقاب أو بحط بعض نجومه ندباً ، أو إيجاباً فيحط ربعها ، أو سهماً غير مقدر « ع » ، كان لحويطب بن عبد العزى عبد سأله الكتابة فامتنع فنزلت ، { فَتَيَاتِكُمْ } الإماء { الْبِغَآءِ } الزنا { تَحَصُّناً } عفة { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } لا يتحقق الإكراه إلا عند إرادة التحصن لأن من لا تبغي التحصن تسارع إلى الزنا بغير إكراه ، أو ورد على سبب فخرج على صفة السبب وليس بشرط فيه كان ابن أُبَيِّ يُكره أمته على الزنا فزنت ببرد فأخذه وقال : ارجعني فازني على آخر فقالت : لا والله وأخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت . وكان ذلك مستفيضاً من عادتهم طلباً للولد والكسب { لِّتَبْتَغُواْ } لتأخذوا أجورهن على الزنا { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } للمُكْرَهات دون المُكْرِهين .
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
{ نُورُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ } : هاديهما أو مدبرهما ، أو ضياؤهما أو مُنَوِّرهما؛ نَوَّر السماء بالملائكة والأرض بالأنبياء ، أو السماء بالهيبة والأرض بالقدرة ، أو نَوَّرهما بالشمس والقمر والنجوم { مَثَلُ نُورِهِ } نور المؤمن في قلبه ، أو نور محمد صلى الله عليه وسلم في قلب المؤمن ، أو نور القرآن في قلب محمد صلى الله عليه وسلم أو نور الله تعالى في قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، أو قلب المؤمن { كَمِشْكَاةٍ } كُوَّة لا تنفذ و { الْمِصْبَاحُ } السراج ، أو قنديل [ و ] المصباح : الفتيلة ، أو موضع الفتيلة من القنديل وهو الأنبوب والمصباح : الضوء « ع » ، أو السلسلة والمصباح : القنديل ، أو صدر المؤمن والمصباح : القرآن الذي فيه والزجاجة قلبه والمشكاة ، حبشي معرَّبٌ ، { الْمِصْبَاحٌ فِي زُجَاجَةٍ } القنديل؛ لأنه فيها أضوأ قاله الأكثرون ، أو المصباح القرآن والإيمان والزجاجة قلب المؤمن { كَوْكَبٌ } الزهرة ، أو كوكب غير معين عن الأكثر { دُرِّيء } يشبه الدر في صفاته ، دُرِّيٌ : مضيء ، دِرِّيءٌ : متدافع قوي الضوء من درأ دفع ، دِرِّيٌّ : جارٍ درأ الوادي إذا جرى ، والنجوم الدراري الجواري { شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ } إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والزجاجة : محمد صلى الله عليه وسلم ، أو صفة لضياء دهن المصباح { مُّبارَكَةٍ } ؛ لأنها من زيتون الشام وهو أبرك من غيره ، أو لأن الزيتون يورق غصنه من أوله إلى آخره { لا شَرْقِيَّةٍ } ليست من شجر الشرق ولا من شجر الغرب لقلة زيت الجهتين وضعف نوره ولكنها من شجر ما بينهما كالشام لاجتماع القوتين فيه ، أو لا شرقية تستتر عن الشمس عند الغروب ولا غربية تستتر عنها وقت الطلوع بل هي بارزة من الطلوع إلى الغروب فإنه أقوى لزيتها وأضوأ ، أو هي وسط الشجر لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت وذلك أجود لزيتها ، أو ليس في شجر الشرق ولا في شجر الغرب مثلها ، أو ليست من شجر الدنيا التي تكون شرقية ، أو غربية ، وإنما هي من شجر الجنة « ح » أو مؤمنة ليست بنصرانية تصلي إلى الشرق ولا يهودية تصلي إلى الغرب ، أو الإيمان ليس بشديد ولا لين؛ لأن من أهل الشرق شدة وفي أهل الغرب لين { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ } صفاؤه كضوء النهار { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } أو يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يُبين له ، أو يكاد العلم يفيض من فم المؤمن العالم قبل أن يتكلم به « ح » أو تكاد أعلام النبوة تشهد للرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يدعو إليه { نُّورٌ عَلَى نُورِ } ضوء النار على ضوء الزيت على ضوء الزجاجة ، أو نور النبوة على نور الحكمة ، أو نور الرجاء على نور الخوف ، أو نور الإيمان على نور العمل ، أو نور المؤمن هو حجة لله يتلوه مؤمن هو حجة لله حتى لا تخلو الأرض منهم ، أو نور نبي من نسل نبي { لِنُورِهِ } نبوته ، أو دينه ، أو دلائل هدايته { وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ } هذا مثل ضربه للمؤمن في وضوح الحق له وفيه ، أو ضربه لطاعته وسماهما نوراً لتجاوزهما عن محلهما ، أو قالت اليهود يا محمد كيف يخلص نور الله من دون السماء فضرب الله تعالى ذلك مثلاْ لنوره « ع » .
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
{ بُيُوتٍ } المساجد « ع » ، أو سائر البيوت { تُرْفَعَ } تُبْنَى ، أو تطهر من الأنجاس والمعاصي ، أو تعظم ، أو ترفع فيها الحوائج إلى الله تعالى { وَيُذْكَرَ فِيهَا أسْمُهُ } يتلى كتابه « ع » ، أو تذكر أسماؤه الحسنى ، أو توحيده بأن لا إله غيره ، { فِى بُيُوتٍ } متعلق بقوله كمشكاة ، أو بقوله تعالى « يسبح » { يُسَبِّحُ } يصلي له « ع » أو ينزهه { وَالأَصَالِ } العشايا .
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)
{ تِجَارَةٌ } التجار : الجلاب المسافرون ، والباعة : المقيمون . { عَن ذِكْرِ اللَّهِ } بأسمائه الحسنى ، أو عن الآذان { تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } على جمر جهنم ، أو تتقلب أحوالها بأن تلحقها النار ثم تنضجها ثم تحرقها ، أو تقلب القلوب : وجيبها وتقلب الأبصار نظرها إلى نواحي الأهوال ، أو تقلب القلوب : بلوغها الحناجر وتقلب الأبصار الزُّرق بعد الكُحْل والعمى بعد الإبصار ، أو يتقلب قلب الكافر عن الكفر إلى الإيمان ويتقلب بصره عما كان يراه غيَّاً فيراه رشداً .
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
{ بِغَيْرِ حِسَابٍ } بغير جزاء بل يبتديه تفضلاً ، أو غير مقدر بالكفاية حتى لا يزيد عليها ، أو غير قليل ولا مضيق ، أو غير ممنون به .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
{ كَسَرَابٍ } : هو الذي يتخيل لرائيه أنه ماء جارٍ والآل مثله إلا أنه يرتفع عن الأرض ضُحى حتى يصير كأنه بين السماء والأرض ، وقيل السراب بعد الزوال والآل قبل الزوال ، والرقراق بعد العصر { بِقِيعَةٍ } جمع قاع كجيرة وجار وهو ما انبسط من الأرض واستوى . مثل مضروب لاعتماد الكافر على ثواب عمله فإذا قدم على الله تعالى وجد ثوابه حابطاً بكفره ووجد أمر الله عند حشره ، أو وجد الله تعالى عند عرضه ، نزلت في شيبة بن ربيعة ترهّب في الجاهلية ولبس الصوف وطلب الدين وكفر في الإسلام .
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)
{ كَظُلُمَاتٍ } ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل { لُّجِّىٍّ } واسع لا يرى ساحله ، أو كثير الموج ، أو عميق ، ولجة البحر : وسطه { لَمْ يَكَدْ } لم يَرَهَا ولم يكد قاله الزجاجَ ، أو رآها بعد أن كادَ لا يراها ، أو لم يطمع أن يراها ، أو يكاد صلة { وَمَن لًّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً } سبيلاً إلى النجاة فلا سبيل له إليها ، أو من لم يهده الله إلى الإسلام لم يهتدِ إليه . مثل للكافر والظلمات ظلمة الشرك وظلمة الشك وظلمة المعاصي ، والبحر اللجي قلبه يغشاه موج عذاب الدنيا من فوقه موج عذاب الآخرة .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)
{ صَآفَّاتٍ } مُصْطفة الأجنحة في الهواء { صَلاتَهُ } الصلاة : للإنسان والتسبيح : لسائر الخلق ، أو هذا في الطير؛ ضرب أجنحتها صلاة وأصواتها تسبيح ، أو للطير صلاة لا ركوع فيها ولا سجود ، قاله سفيان ، علم الله صلاته وتسبيحه ، أو علمها هو .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
{ يُزْجِى } يسوق { رُكَاماً } يركب بعضه بعضاً { الْوَدْقَ } البرق يخرج من خلال السحاب ، أو المطر عند الجمهور { مِن جِبَالٍ } أي في السماء جبال بَرَد فينزل من السماء من تلك الجبال ما يشاء من البرد ، أو ينزل من السماء بَرَداً يكون كالجبال ، أو السماء : السحاب والسماء صفة للسحاب سُمي جبالاً لعظمته فينزل منه برداً { سَنَا بَرْقِهِ } صوت برقه ، أو ضوؤه ، أو لمعانه .
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
{ يُقَلِّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ } بتعاقبهما ، أو بنقص كل واحد منهما وزيادة الآخر ، أو يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى ويغير الليل بظلمة السحاب تارة وبضوء القمر أخرى .
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
{ مِّن مَّآءٍ } النطفة ، أو أصل الخلق كله الماء ثم قلب إلى النار فخلق منها الجن وإلى الريح فخلق منها الملائكة وإلى الطين فخلق منه ما خلق { عَلَى بَطْنِهِ } كالحوت والحية { عَلَىَ رِجْلَيْنِ } كالإنسان والطير { عَلَى أَرْبَعٍ } كالأنعام ولم يذكر ما زاد لأنه كالماشي على أربع لأنه يعتمد في مشيته على أربع .
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)
{ مُّعْرِضُونَ } كان بين بِشْر المنافق وبين يهودي خصومة فدعاه اليهودي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا بشر إلى كعب بن الأشرف؛ لأن الحق إذا توجه على المنافق دعا إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم [ ليسقط عنه ] وإن كان الحق له حاكم إليه ليستوفيه له فنزلت { وَإِذَا دُعُواْ } .
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
{ مُذْعِنِينَ } طائعين ، أو خاضعين ، أو مسرعين ، أو مقرين .
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)
{ مَّرَضٌ } شرك ، أو نفاق .
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
{ مَا حُمِّلَ } من إبلاغكم { مَّا حُمِّلْتُمْ } من طاعته { تَهْتَدُواْ } إلى الحق { الْبَلاغُ } بالقول للطائع وبالسيف للعاصي .
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)
{ الأَرْضِ } بلاد العرب والعجم ، أو أرض مكة؛ لأن المهاجرين سألوا الله تعالى ذلك { الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } بنو إسرائيل في أرض الشام ، أو داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ } بإظهاره على كل دين { لا يُشْرِكُونَ } لا يعبدون إلهاً غيري ، أو لا يراؤون بعبادتي ، أو لا يخافون غيري « ع » ، أو لا يحبون غيري . قيل هي في الخلفاء الأربعة . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « الخلافة بعدي ثلاثون » .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
{ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } النساء يستأذن في الأوقات الثلاث خاصة ويستأذن الرجال في جميع الأوقات ، أو العبيد والإماء فيستأذن العبد دون الأمة على سيده في هذه الأوقات ، أو الأمة وحدها؛ لأن العبد يلزمه الاستئذان في كل وقت « ع » ، أو العبد والأمة جميعاً { وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ } الصغار الأحرار فإن كان لا يصف ما رأى فليس من أهل الاستئذان وإن كان يصفه فيستأذن في الأوقات الثلاث ولا يلزمهم الاستئذان فيما وراء الثلاث . وخُصَّت هذه الأوقات لخلوة الرجل فيها بأهله وربما ظهر منه فيها ما يكره أون يرى من جسده . وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عمر رضي الله تعالى عنه وقت القائلة غلاماً من الأنصار فدخل بغير إذن فاستيقظ عمر رضي الله تعالى عنه بسرعة فانكشف منه شيء فرآه الغلام فحزن عمر رضي الله تعالى عنه لذلك وقال : وددت أن الله تعالى بفضله نهى أن يدخل علنيا في هذه الساعات إلا بإذننا فانطلق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآيات قد نزلت فخر ساجداً . { ثَلاثُ عَوْرَاتٍ } لما اشتملت الساعات الثلاث على العورات سماهن عورات إجراءً لعورات الزمان مجرى عورات الأبدان فلذلك خصها بالإذن { لَيْسَ عَلَيْكُمْ } جناح في تبذلكم في هذه الأوقات ، أو في منعهم فيها { وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ } في ترك الاستئذان فيما سواهن . { طَوَّافُونَ عَلَيْكُم } بالخدمة فلم يُحرَّج عليهم في دخول منازلكم ، والطوَّاف : الذي يكثر الدخول والخروج .
وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
{ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } الرجال أوجب الاستئذان على من بلغ؛ لأنه صار رجلاً .
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
{ وَالْقَوَاعِدُ } جمع قاعد قعدت بالكبر عن الحيض والحمل ، أو لأنها تكثر القعود بعد الكبر ، أو لأنها لا تراد فتقعد عن الاستمتاع { لا يَرْجُونَ } لا يردن لأجل كبرهن الرجال ولا يردهن الرجال { ثِيَابَهُنَّ } رداؤها الذي فوق خمارها تضعه إذا سترها باقي ثيابها ، أو خمارها ورداءها { مُتَبَرِّجَاتٍ } مظهرات من زينتهن ما يستدعى النظر إليهن فإنه حرام على القواعد وغيرهن ، وجاز لهن وضع الجلباب لانصراف النفوس عنهن ، وتمنع الشواب من وضع الجلباب ويُؤمرن بلباس أكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ } تعفف القاعدة من وضع الجلابيب أفضل لها وأولى بها من وضعه وإن كان جائزاً .
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
{ لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى } . . . . . إلى { الْمَرِيضِ } كان الأنصار يتحرجون من الأكل مع هولاء إذا دعوا إلى طعام ويقولون الأعمى لا يبصر أطيب الطعام ، والأعرج لا يقدر على الزحام عند الطعام ، والمريض عن مشاركة الصحيح في الطعام ، فكانوا يعزلون طعامهم ، ويرون أنه أفضل من مشاركتهم فنزلت الآية رافعة للحرج في مؤاكلتهم « ع » ، أو كان الأنصار يستخلفون أهل الزَّمانة المذكورين في منازلهم إذا خرجوا للجهاد فكانوا يتحرجون أن يأكلوا منها فرخص لهم أن يأكلوا من بيوت من استخلفهم ، أو نزلت في سقوط الجهاد عنهم « ح » ، أو لا جناح على من دُعي منهم إلى وليمة أن يأخذ معه قائده { بُيُوتِكُمْ } أموال عيالكم وزوجاتكم لأنهم في بيته ، أو أولادكم فنسبت بيوت الأولاد إليهم كقوله : « أنت ومالك لأبيك » ولذلك لم تذكر بيوت الأبناء ، أو البيوت التي أنتم ساكنوها خدمة لأهلها واتصالاً بأربابها كالأهل والخدم { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ } . . . إلى { خَالاتِكُمْ } أباح الأكل من بيوت هؤلاء إذا كان الطعام مبذولاً غير مُحرز ، فإن مكان مُحرزاً فلا يجوز هتك الحرز ، ولا يتعدى إلى غير المأكول ولا يتجاوز الأكل إلى الادخار { مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ } وكيل الرجل وقَيِّمُه في ضيعته يجوز أن يأكل مما يقوم [ عليه ] من ثمار الضيعة « ع » ، أو يأكل من منزل نفسه ما ادخره ، أو أكله من مال عبده { صَدِيقِكُمْ } في الوليمة خاصة ، أو في الوليمة وغيرها وإذا كان الطعام غير محرز ، والصديق واحد يعبّر به عن الجمع ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « قد جعل الله في الصديق البار عوضاً من الرحم المذمومة » ، والصديق : من صدقك عن مودته ، أو من وافق باطنه باطنك كما يوافق ظاهره ظاهرك ، وما تقدم ذكره محكم لم ينسخ منه شيء ، قاله قتادة : أو نسخ بوقوله تعالى : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى } [ الأحزاب : 53 ] وبقوله : « لا يحل مال أمرىء مسلم » الحديث { أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً } كان بنو كنانة في الجاهلية يرى أحدهم أنه يحرم عليه الأكل وحده حتى أن أحدهم ليسوق الذود الحُفَّل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه فنزلت فيهم ، أو في قوم من العرب كانوا يتحرجون إذا نزل بهم ضيف أن يتركوه يأكل وحده حتى يأكلوا معه ، أو في قوم تحرجوا من الاجتماع على الأكل ورأوا ذلك دِيناً ، أو في قوم مسافرين اشتركوا في أزوادهم فكان إذا تأخر أحدهم أمسك الباقون حتى يحضر فرخص لهم في الأكل جماعة وفرادى { بُيُوتاً } المساجد ، أو جميع البيوت { عَلَى أَنفُسِكُمْ } إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلكم وعيالكم ، أو المساجد ، فسلموا على من فيها « ع » ، أو بيوت غيركم فسلموا عليهم « ح » ، أو بيوتاً فسلموا على أهل دينكم ، أو بيوتاً فارغة فسلموا على أنفسكم : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أو سلام علينا من ربنا تحية من الله { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ } السلام اسم من أسماء الله تعالى ، أو التحية بالسلام أمر من أوامره ، أو الرد عليه إذا سلم دعاء له عند الله ، أو الملائكة ترد عليه إذا سلم فيكون ثواباً من عند الله { مُبَارَكَةً } بما فيها من الثواب الجزيل ، أو لما يرجى من قبول دعاء المجيب .
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)
{ أَمْرٍ جَامِعٍ } الجهاد ، أو طاعة الله ، أو الجمعة ، أو الاستسقاء والعيدان وكل شيء تكون فيه الخطبة { لِّمَن شِئْتَ } على حسب ما ترى من أعذارهم ونياتهم . قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أن يرجع إلى أهله ، فأذن له وكان المنافقون إذا استأذنوه نظر إليهم ولم يأذن ، فيقول بعضهم لبعض إن محمداً يزعم أنه بُعث بالعدل وهكذا يصنع بنا { وَاسْتَغْفِرْ } لمن أذنت له لتزول عنه مذمة الانصراف .
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
{ لا تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ } نهى عن التعرض لدعائه بإسخاطه فإن دعاءه يوجب العقوبة وليس كدعاء غيره « ع » ، أو لا تدعونه بالغلظة والجفاء ولكن بالخضوع والتذلل؛ يا رسول الله ، يا نبي الله ، أو لا تتأخروا عن أمره ولا تقعدوا عن استدعائه إلى الجهاد كما يتأخر بعضهم عن أجابة بعض { الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ } المنافقون يتسللون عن صلاة الجمعة يلوذ بعضهم ببعض استتاراً من الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن أثقل عليهم من الجمعة وحضور الخطبة ، أو كانوا يتسللون في الجهاد برجوعهم عنه يلوذ بعضهم ببعض { لِوَاذاً } فراراً من الجهاد « ح » { يُخَالِفُونَ } يعرضون ، أو « عن » صلة { عَنْ أَمْرِهِ } أمر الله تعالى ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم { فِتْنَةٌ } كفر ، أو عقوبة ، أو بلية تظهر نفاقهم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } جهنم ، أو القتل في الدُنيا .
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
{ تَبَارَكَ } تفاعل من البركة « ع » ، أو خالق البركة ، أو الذي تجيء منه البركة وهو العلو ، أو الزيادة ، أو العظمة { الْفُرْقَانَ } القرآن؛ لأن فيه بيان الحلال والحرام ، أو الفرقة بين الحق والباطل ، وقيل الفرقان اسم لكل مُنزل { لِيَكُونَ } محمداً صلى الله عليه وسلم أو الفرقان { لِلْعَالَمِينَ } الجن والإنس؛ لأنه أرسل إليهم { نَذِيراً } محذراً من الهلاك ، ولم تعم رسالة نبي قبله إلا نوح عليه الصلاة والسلام فإنه عم الإنس برسالته بَعد الطوفان وقبل الطوفان مذهبان .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } مشركو مكة ، أو النضر بن الحارث « ع » { إِفْكٌ } كذب اختلقه وأعانه { قَوْمٌ } من اليهود ، أو عبد الله بن الحضرمي ، أو عداس مولى عتبة « وجبر مولى عامر بن الحضرمي » ، أو أبو فكيهة الرومي .
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)
{ يَأْكُلُ الطَّعَامَ } أنكروا أن يكون الرسول مثلهم محتاجاً إلى الطعام متبذلاً في الأسواق ، أو ينبغي كما اختص بالرسالة فكذلك يجب أن لا يحتاج إلى الطعام كالملائكة ولا يتبذل في الأسواق كالملوك { أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } دليلاً على صدقه ، أو وزيراً يرجع إلى رأيه .
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)
{ كَنزٌ } ينفق منه على نفسه وأتباعه كأنهم استقلوه لفقره { وَقَالَ الظَّالِمُونَ } مشركو مكة ، أو عبد الله بن الزَّبَعْرَى { مَّسْحُوراً } سُحر فزال عقلُه ، أو سحركم فيما يقوله .
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)
{ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ } بما تقدم من قولهم { فَضَلُّواْ } عن الحق في ضربها ، أو فناقضوا في ذلك لأنهم قالوا : افتراه ثم قالوا يُملى عليه { سَبِيلاً } مخرجاً من الأمثال التي ضربوها ، أو سبيلاً لطاعة الله تعالى أو سبيلاً إلى الخير .
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)
{ ضَيِّقاً } تضيق جهنم على الكافر كمضيق الزُّج على الرمح { مُّقَرَّنِينَ } مُكَتَّفين ، أو قرن كل واحد منهم إلى شيطانه . { ثُبُوراً } ويلاً أو هلاكاً ، أو وانصرافاه عن طاعة الله كقول الرجل واحسرتاه وانداماه .
لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)
{ مَا يَشَآءُونَ } من النعيم وتُصرف المعاصي عن شهواتهم { وَعْداً مَّسْئُولاً } وعدهم الله الجزاء فسألوه الوفاء فوفى « ع » ، أو يسأله لهم الملائكة فيجابون إلى مَسْألتهم ، أو سألوه في الدنيا أن يرزقهم الجنة فأجابهم .
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
{ يَحْشُرُهُمْ } حشر الموت ، أو البعث « ع » { وَمَا يَعْبُدُونَ } عيسى وعُزير والملائكة { فَيَقُولُ } للملائكة ، أو لعيسى وعُزير والملائكة { ءَأَنتُمْ } تقريرٌ لإكذاب المدعين عليهم ذلك .
قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)
{ مِنْ أَوْلِيَآءَ } نواليهم على عبادتنا ، أو نتخذهم لنا أولياء { مَّتَّعْتَهُمْ } بتأخير العذاب ، أو بطول العمر ، أو بالأموال والأولاد { بُوراً } هلكى ، البوار : الهلاك « ع » ، أو لا خير فيهم ، بارت الأرض : تعطلت من الرزع فلم يكن فيها خير ، أو البوار : الفساد بارت السلعة : كسدت كساداً فاسداً .
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)
{ فَقَدْ } كذبكم الكفار أيها المؤمنون { بِمَا تَقُولُونَ } من بنوة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كذب الملائكة والرسل الكفار بقولهم إنهم اتخذوهم أولياء من دونه { صَرْفاً } للعذاب عنهم ولا ينصرون أنفسهم ، أو صرف الحجة { وَلا نَصْراً } على آلهتهم في تكذيبهم ، أو صرفك يا محمد عن الحق ولا نصر أنفسهم من عذاب التكذيب ، أو الصرف : الحلية من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال ، وفي الحديث : « لا يقبل منه صرف أي نافلة ولا عدل أي فريضة » ، أو الصرف : الدية والعدل : القود .
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
{ فِتْنَةً } اختباراً يقول الفقير لو شاء لجعلني غنياً مثل فلان وكذلك يقول الأعمى والسقيم للبصير ، والسليم ، أو العداوات في الدين ، أو صبر الأنبياء على تكذيب قومهم ، أو لما أسلم بلال وعمار وصهيب وأبو ذر وعامر بن فهيرة وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم من الفقراء والموالي قال : المستهزئون من قريش انظروا إلى أتباع محمد من فقرائنا وموالينا فنزلت ، والفتنة : البلاء ، أو الاختبار { أَتَصْبِرُونَ } على ما امتُحنتم به من الفتنة تقديره أم لا تَصْبرون . { بَصِيراً } بمن يجزع .
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)
{ لا يَرْجُونَ } لا يخافون ، أو لا يأملون ، أو لا يبالون { الْمَلائِكَةُ } ليخبرونا بنبوة محمد ، أو رسلاً بدلاً من رسالته { اسْتَكْبَرُواْ } باقتراحهم رؤية ربهم ونزول الملائكة ، أو بإنكارهم إرسالَ محمد صلى الله عليه وسلم إليهم { عُتُوّاً } تجبراً ، أو عصياناً ، أو سرفاً في الظلم ، أو غلواً في القول ، أو شدة الكفر « ع » ، نزلت في عبد الله بن أبي أمية ومكرز بن حفص في جماعة من قريش قالوا : لولا أنزل علينا الملائكة ، أو نرى ربنا .
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)
{ يَوْمَ يَرَوْنَ } يوم الموت ، أو القيامة { لا بُشْرَى } للمجرمين بالجنة { وَيَقُولُونَ } الملائكة للكفار ، أو الكفار لأنفسهم { حِجْراً مَّحْجُوراً } معاذ الله أن تكون لكم البشرى ، أو حراماً محرماً أن تكون لكم البشرى ، أو منعنا أن يصل إلينا شيء من الخير .
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
{ وَقَدِمْنَآ } عمدنا { مِنْ عَمَلٍ } خير فأحبطناه بالكفر ، أو عمل صالح لا يراد به وجه الله . { هَبَآءً } رَهَج الدواب « غبار يسطع من تحت حوافرها » ، أو كالغبار يكون في شعاع الشمس إذا طلعت في كوة ، أو ما ذرته الريح من أرواق الشجر ، أو الماء المهراق « ع » أو الرماد .
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)
{ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } المستقر في الجنة ، والمقيل دونها ، أو عبّر به عن الدعة وإن لم يقيلوا ، أو مقيلهم الجنة على الأسرة مع الحور ، ومقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين « ع » ، أو يفرغ من حسابهم وقت القائلة وهو نصف النهار .
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
{ بِالْغَمَامِ } المعهُود لأنه لا يبقى بعد انشقاق السماء ، أو غمام أبيض يكون في السماء ينزله الله تعالى على الأنبياء فيشقق السماء فيخرج منها { وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ } ليبشروا المؤمن بالجنة والكافر بالنار ، أو ليكون مع كل نفس سائق وشهيد .
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
{ الظَّالِمُ } قيل عقبة بن أبي مُعيط { سَبِيلاً } طريقاً إلى النجاة أو بطاعة الله ، أو وسيلة عند الرسول صلى الله عليه وسلم تكون صلة إليه .
يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)
{ فُلاناً } لا يثنى ولا يجمع . وهو هنا الشيطان ، أو أُبي بن خلف ، أو أمية بن خلف كان خليلاً لعقبة وكان عقبة يغشى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : أمية بلغني أنك صبوت إلى دين محمد ، فقال : ما صبوت فقال : وجهي من وجهك حرام حتى تأتيه فتتفل في وجهه وتبرأ منه ، فأتاه عقبة وتفل في وجهه وتبرأ منه فاشتد ذلك على الرسول صلى الله عليه سلم فنزلت .
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
{ مَهْجُوراً } أعرضوا عنه ، أو قالوا : فيه هُجراً وقبيحاً ، أو جعلوه هجراً من الكلام وهو ما لا فائدة فيه كالبعث والهذيان .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } قريش ، أو اليهود : هلا نُزل القرآن جملة واحدة كالتوراة { لِنُثَبِّتَ } لنشجع به قلبك؛ لأنه معجزة تدل على صدقك ، أو أنزلناه متفرقاً لنثبت به فؤادك؛ لأنه أُمي لا يقرأ فنزل مفرقاً ليكون أثبت في فؤاده وأعلق بقلبه ، أو ليثبت فؤاده باتصال الوحي فلا يصير بانقطاعه مستوحشاً { وَرَتَّلْنَاهُ } رسلناه شيئاً بعد شيء « ع » ، أو فرقناه ، أو فصلناه ، أو فسرناه ، أو بيناه « ع » .
وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)
{ الرَّسِّ } المعدن ، أو قرية من قرى اليمامة يقال : لها الفلج من ثمود ، أو ما بين نجران واليمن إلى حضرموت ، أو بئر بأذربيجان « ع » ، أو بأنطاكية الشام قتل بها صاحب ياسين ، أو كل بئر لم تُطْو فهي رس . وأصحابها قوم شعيب ، أو قوم رسو نبيهم في بئر ، أو قوم نزلوا على بئر وكانوا يعبدون الأوثان فلا يظفرون بأحد يخالف دينهم إلا قتلوه وَرَسُّوه فيها وكان الرسل بالشام ، أو قوم أكلوا نبيهم .
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)
{ الْقَرْيَةِ } سدوم . و { مَطَرَ السَّوْءِ } الحجارة . { يَرَوْنَهَا } يعتبرون بها { لا يَرْجُونَ } لا يخافون بعثاً .
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
{ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } قوم كانوا يعبدون ما يستحسنونه من الحجارة فإذا رأوا أحسن منه عبدوه وتركوا الأول « ع » ، أو الحارث بن قيس كان إذا هوى شيئاً عبده ، أو التابع هواه في كل ما دعاه إليه « ح » .
{ وَكِيلاً } ناصراً ، أو حفيظاً ، أو كفيلاً أو مسيطراً .
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)
{ مَدَّ } بسط { الظِّلَّ } الليل يظل الأرض يدْبر بطلوع الشمس ويقْبل بغروبها ، أو ظلال النهار بما حجب عن شعاع الشمس ، والظل ما قبل الزوال والفيء بعده ، أو الظل : قبل طلوع الشمس والفيء بعد طلوعها . { سَاكِناً } دائماً . { دَلِيلاً } برهاناً على الظل ، أو تالياً يتبعه حتى يأتي عليه كله « .
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)
{ قَبَضْنَاهُ } قبضنا الظل بطلوع الشمس ، أو بغروبها . { يَسِيراً } سريعاً « ع » ، أو سهلاً ، أو خفياً .
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
{ لِبَاساً } غطاء كاللباس . { سُبَاتاً } راحة لقطع العمل فيه ، أو لأنه مسبوت فيه كالميت لا يعقل . { نُشُوراً } باليقظة كالنشور بالبعث ، أو ينتشر فيه للمعاش .
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)
{ الرِّيَاحَ } قال أُبي بن كعب : كل شيء من ذكر الرياح في القرآن فهو رحمة وكل شيء من الريح فهو عذاب ، قيل لأن الرياح جمع وهي الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح ، والعذاب ريح واحدة ، وهي الدَّبور؛ لأنها لا تُلقح . { نشراً } تنشر السحاب ليمطر ، أو تحيي الخلق كما يحيون بالنشور . { بشراً } لتبشيرها بالمطر ، أو لأنهم يستبشرون بالمطر . { رَحْمَتِهِ } بالمطر .
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
{ بَلْدَةً مَّيْتاً } لا عمارة بها ولا زرع وإحياؤها إنبات زرعها وشجرها { وَأَنَاسِىَّ } جمع إنسان ، أو جمع إنسي .
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)
{ صَرَّفْنَاهُ } الفرقان ، أو المطر . قسمة بينهم فلا يدوم على مكان فيهلك ، ولا ينقطع عن آخر فيفسد ، أو يصرفه في كل عام من مكان إلى مكان ، قال ابن عباس . رضي الله تعالى عنهما : ليس عام بأمطر من عام ولكن الله تعالى يصرفه بين عباده { كُفُوراً } قولهم : مطرنا بالأنواء .
فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
{ فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ } في تعظيم آلهتهم ، أو موادعتهم { وَجَاهِدْهُمْ بِهِ } بالقرآن أو الإسلام . { كَبِيراً } بالسيف ، أو الغلظة .
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)
{ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } أرسل أحدهما في الآخر ، أو خلاهما مرجت الشيء خليته ، ومرج الوالي الناس تركهم ، ومرجت الدابة تركتها ترعى ، فهما بحر السماء وبحر الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو بحر العذب وبحر الملح . { فُرَاتٌ } عذب أو أعذب العذب { أُجَاجٌ } ملح ، أو أملح الملح ، أو مر ، أو حار متوهج من تأجج النار { بَرْزَخاً } حاجزاً من اليبس « ح » أو التخوم ، أو الأجل ما بين الدنيا والآخرة . { وَحِجْراً } مانعاً أن يختلط العذب بالمالح .
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)
{ نَسَباً } كل من ناسب بولد أو والد وكل شيء أضيف إلى آخر ليعرف به فهو يناسبه . { وَصِهْراً } الرضاع ، أو المناكح ، أو النسب ما لا يحل نكاحه من قريب وغيره والصهر ما يحل نكاحه من قريب وغيره ، أصل الصهر الملاصقة ، أو الاختلاط لاختلاط الناس بها .
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
{ عَلَى رَبِّهِ } أولياء ربه . { ظَهِيراً } عوناً ، أو الكافر هين على الله ، ظهر فلان بحاجتي استهان بها ، منه { وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } [ هود : 92 ] قيل نزلت : في أبي جهل .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)
{ قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ } لم تكن العرب تعرف هذا الاسم لله تعالى فلما دعوا إلى السجود له بهذا الاسم سألوا عنه مسألة الجاهل ، أو لأن مسيلمة يُسمى بالرحمن فلما سمعوه في القرآن ظنوه مسيلمة فأنكروا السجود له ، أو ورد في قوم لا يعرفون الصانع ولا يقرون فلما دعوا إلى السجود أزدادوا نفوراً على نفورهم وإلا فالعرب كانت تعرف الرحمن قبل ذلك .
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)
{ بُرُوجاً } نجوماً عظاماً أو قصوراً فيها الحرس ، أو مواضع الكواكب ، أو منازل الشمس . { سِرَاجاً } الشمس . سُرُجاً : النجوم ، وسمى الشمس سراجاً لاقتران نورها بالحرارة كالسراج ، وسمى القمر بالنور لعدم ذلك فيه .
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
{ خِلْفَةً } ما فات في أحدهما قضي في الآخر ، أو يختلفان ببياض أحدهما وسواد الآخر ، أو يخلف كل واحد منهما الآخر بالتعاقب . { يَذَّكَّرَ } يصلي بالليل صلاة النهار ، وبالنهار صلاة الليل . { شُكُوراً } النافلة بعد الفرض قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه .
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
{ هَوْناً } علماء حلماء « ع » ، أو أعفاء أتقياء ، أو بالسكينة والوقار ، أو متواضعين غير متكبرين { الْجَاهِلُونَ } الكفار ، أو السفهاء ، { سَلاماً } سداداً ، أو طلباً للمسالمة ، أو وعليك السلام .
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)
{ غَرَاماً } غراماً ملازماً ، والغريم لملازمته ، أو شديداً وشدة المحنة غرام ، أو ثقيلاً . مغرمون : مثقلون ، أو أغرموا بنعيم الدنيا عذاب النار .
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
{ يُسْرِفُواْ } النفقة في المعاصي « ع » ، أو لم يكثروا حتى يقول الناس قد أسرفوا ، أو لا يأكلون الطعام لإرادة النعيم ولا يلبسون الثياب للجمال وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . كانت قلوبهم كقلب رجل واحد ، أو لم ينفقوا نفقة في غ ير حقها . { يَقْتُرُواْ } يمنعوا حق الله « ع » ، أو لا يجيعهم ولا يعريهم ، أو لم يمسكوا عن طاعة الله تعالى ، أو لم يقتصروا في الحق . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « من منع في حق فقد أقتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف » { قَوَاماً } عدلاً ، أو إخراج شطر الأموال في الطاعة ، أو ينفق في الطاعة ويكف عن محارم الله تعالى . والقوام بالفتح الاستقامة والعدل ، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر .
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
{ إِلا بالْحَقِّ } كفر بعد الإيمان ، أو زنا بعد أحصان ، أو قتل نفس بغير نفس . { أَثَاماً } عقوبة ، أو جزاء ، أو اسم وادٍ في جهنم .
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
{ يُضَاعَفْ } عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو يجمع له بين عقوبات الكبائر التي فعلها ، أو استدامة العذاب بالخلود .
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)
{ مَن تَابَ } من الزنا { وَءَامَنَ } من الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات . { حَسَنَاتٍ } يبدلون في الدنيا بالشرك إيماناً وبالزنا إحصاناً ، وذكر الله تعالى بعد نسيانه وطاعته بعد عصيانه ، أو في الآخرة من غلبت سيئاتُه حسناتِه بُدلت سيئاته حسنات ، أو يبدل عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته التي انتقل إليها . { غَفُوراً } لما سبق على التوبة . { رَّحِيماً } بعدها . لما قتل وحشي حمزة كتب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . هل لي من توبة فإن الله تعالى أنزل بمكة إياسي من كل خير . { والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله } الآية [ الفرقان : 68 ] وأن وحشياً قد زنا وأشرك وقتل النفس فأنزل الله تعالى : { إلا مَن تَابَ } من الزنا وآمن بعد الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات الآية . فكتب بها الرسول صلى الله عليه وسلم إليه فقال : هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحاً . فكتب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هل من شيء أوسع من هذا . فنزلت { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } الآية [ النساء : 48 ] فكتب بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وحشي فقال : إني أخاف أن لا أكون من مشيئة الله فنزل في وحشي وأصحابه { قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ } الآية [ الزمر : 53 ] فبعث بها إلى وحشي فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم .
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
{ الزُّورَ } الشرك بالله ، أو أعياد أهل الذمة وهو الشعانين ، أو الغناء ، أو مجالس الخنا ، أو لعب كان الجاهلية ، أو الكذب ، أو مجلس كان النبي صلى الله عليه وسلم يُشتم فيه . { بِاللَّغْوِ } كان المشركون إذا سبوهم وأذوهم أعرضوا عنهم وإذا ذكروا النكاح كفوا عنه ، ويكنون عن الفروج إذا ذكروها ، أو إذا مروا بإفك المشركين أنكروه ، أو المعاصي كلها ومرورهم بها { كِرَاماً } تركها والإعراض عنها .
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)
{ لَمْ يَخِرُّواْ } لم يقيموا ، أو لم يتغافلوا . { صُمّاً وَعُمْيَاناً } لكنهم سمعوا الوعظ وأبصروا الرشد .
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
{ مَنْ أَزْوَاجِنَا } اجعل أزواجنا وذريتنا قرة أعين أو ارزقنا من أزواجنا أولاداً ومن ذريتنا أعقاباً ، وقرة العين : أن تصادف العين ما يرضيها فتقر على النظر إليه دون غيره ، أو القر البرد معناه بَرَّدَ الله دمعها ، دمع السرور بارد ، ودمع الحزن حار ، وضد قرة العين سخنة العين . { قُرَّةَ [ أَعْيُنٍ ] } أهل طاعة تقر أعيننا في الدنيا بصلاحهم وفي الآخرة بالجنة { إِمَاماً } أئمة هدى يهتدى بنا « ع » ، أو نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا ، أو أمثالاً ، أو قادة إلى الجنة ، أو رضاً .
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)
{ الْغُرْفَةَ } الجنةٍ ، أو أعلى منازل الجنة { صَبَرُواْ } على الطاعة ، أو عن شهوات الدنيا . { تَحِيَّةً } بقاء دائماً ، أو ملكاً عظيماً . { وَسَلاماً } جميع السلامة والخير ، أو يحيي بعضهم بعضاً بالسلام .
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
{ مَا يَعْبَؤُاْ } ما يصنع ، أو ما يبالي بكم . { دُعَآؤُكُمْ } عبادتكم له وإيمانكم به ، أو لولا دعاؤه لكم إلى الطاعة . { لِزَاماً } القتل ببدر أو عذاب القيامة ، أو الموت ، أو لزوم الحجة لهم في الآخرة على تكذيبهم في الدنيا . وأظهر الوجوه أن اللزام الجزاء للزومه .
طسم (1)
{ طسم } اسم الله تعالى أقسم به جوابه { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ } [ الشعراء : 4 ] « ع » ، أو اسم للقرآن ، أو من الفواتح التي افتتح بها كتابه ، أو حروف من أسماء الله تعالى وصفاته مقطعة الطاء من طَوْل ، أو طاهر ، والسين من قدوس أو سميع ، أو سلام . والميم من مجيد ، أو رحيم أو ملك .
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
{ بَاخِعٌ } قاتل أو مخرج ، والبخع القتل .
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)
{ ءَايَةً } مَا عَظُم من الأمور القاهرة ، أو ما ظهر من الدلائل الواضحة { أَعْنَاقُهُمْ } لا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية ، أو أراد أصحاب الأعناق ، أو الأعناق الرؤساء ، أو العنق الجماعة من الناس ، أتاني عنق من الناس أي جماعة .
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)
{ زَوْجٍ } نوع معه قرينه من أبيض وأحمر وحلو وحامض { كَرِيمٍ } حسن ، أو مما يأكل الناس والأنعام ، أو النافع المحمود ، أو الناس نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم قاله الشعبي ، { والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] .
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)
{ وَيَضِيقُ صَدْرِى } لتكذيبهم ، أو للضعف عن إبلاغ الرسالة . { وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِى } من مهابته ، أو للعقدة التي كانت به .
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
{ وَلَهُمْ عَلَىَّ } عندي ذنب ، أو عقوبة ذنب هو قتل النفس .
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)
{ رَسُولُ } بمعنى رَسُولاً ، أو كل واحد منا رسول ، أو إنا رسالة ومنه :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وما أرسلتهم برسول
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)
{ وَلَبِثْتَ فِينَا } لأنه كان لقيطاً في داره « لبث فيهم ثلاثين سنة » وغاب عنهم عشر سنين ، ثم دعاه ثلاثين سنة ، وعاش بعد غرقه خمسين سنة . ذكر ذلك امتناناً عليه .
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)
{ فَعْلَتَكَ } قتل النفس { مِنَ الْكَافِرِينَ } أي على ديننا الذي تقول أنه كفر ، أو من الكافرين لإحساني إليك .
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)
{ الضَّآلِّينَ } الجاهلين لأنه لم يعلم أنها تبلغ النفس ، أو من الضالين عن النبوة ، أو من الناسين كقوله { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] .
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ } اتخاذك بني إسرائيل عبيداً قد أحبط نعمتك التي تمن عليَّ بها ، أو لما ظلمت بني إسرائيل ولم تظلمني اعتددت بذلك نعمة تمن بها عليَّ ، أو لم يكن لفرعون على موسى نعمة وإنما رباه بنو إسرائيل بأمر فرعون لاستبعاده لهم فأبطل موسى نعمته لبطلان استرقاقه ، أو أنفق فرعون على تربية موسى من أموال بني إسرائيل التي أخذها منهم لما استعبدهم فأبطل موسى نعمته وأبطل منته لأنها أموال بني إسرائيل لا أموال فرعون « ح » والتعبيد الحبس والإذلال والاسترقاق لما فيه من الذل .
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)
{ ثُعْبَانٌ } الحية الذكر ، أو أعظم الحيات ، أو أعظم الحيات الصفر شعر العنق . { مُّبِينٌ } أنها ثعبان ، أو أنها آية وبرهان ، قيل كان اجتماعهم بالإسكندرية . قيل كان السحرة أثني عشر ألفاً ، أو ستعة عشر ألفاً .
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)
{ تَأْمُرُونَ } تشيرون .
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)
{ أَرْجِهْ } أخره ، أو أحبسه . ولم يأمروا بقتله لأنهم رأوا منه ما بهر عقولهم فخافوا الهلاك من قِبله ، أو صرفوا عن ذلك تأييداً للدين وعصمة لموسى عليه الصلاة والسلام ، أو خافوا أن يفتن الناس بما شاهدوا منه ورجوا أن يغلبه السحرة .
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)
{ لَشِرْذِمَةٌ } : سفلة الناس ، أو العصبة الباقية من « عصب كبيرة »؛ شرذمة كل شيء بقيته القليلة ، والقميص إذا أخلق شراذم ، وما قطع من فضول النعال حتى تحذي شراذم . وكان عدد بني إسرائيل لما قال ذلك ستمائة ألف وتسعين ألفاً ، أو ستمائة وعشرين ألفاً لا يعدون ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره ، أو ستمائة ألف مقاتل ، أو خمسمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل واستقل هذا العدد لكثرة من قَتَل منهم ، أو لكثرة من معه ، كان على مقدمته هامان في ألف ألف وتسعمائة ألف حصان أشهب ليس فيها أنثى ، أو كانوا سبعة ألاف ألف .
وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)
{ لَغَآئِظُونَ } لأنهم استعاروا حُلِي القبط وذهبوا به مغايظة لهم ، أو لقتلهم أبكارهم وهربهم منهم ، أو بخلاصهم من رقهم واستخدامهم .
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)
{ حَاذِرُونَ } وحاذرون واحد ، أو الحَذِر الخائف والحاذر المستعد أو الحذر المطبوع على الحذر والحاذر فاعل الحذر ، أو الحذر المتيقظ والحاذر آخِذُ السلاح لأن السلاح حذر .
وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)
{ وَكُنُوزٍ } الخزائن ، أو الدفائن ، أو الأنهار { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } المنابر « ع » أو مجالس الأمراء ، أو المنازل الحسان ، أو مرابط الخيل لتفرد الزعماء بارتباطها عدة وزينة .
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
{ مًّشْرِقينَ } حين أشرقت الشمس بالشعاع ، أو أشرقت الأرض بالضياء ، أو ناحية الشرق شرقت الشمس : طلعت وأشرقت : أضاءت . وتأخر فرعون وقومه عنهم لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء تلك الليلة وقع فيهم ، أو لأن سحابة أظلتهم فخافوها حتى أصبحوا فانقشعت عنهم .
فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
{ لَمُدْرَكُونَ } ملحوقون لأنهم رأوا فرعون وراءهم والبحر أمامهم .
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
{ كَلآ } زجر وردع { سَيَهْدِينِ } إلى الطريق ، أو سيكفيني .
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
{ فَانفَلَقَ } أثني عشر طريقاً لكل سبط طريق عرض كل طريق فرسخان وكان ذلك ضحوة النهار يوم الأثنين عاشر المحرم بعد أربع ساعات من النهار . والبحر بحر النيل ما بين أيلة ومصر ، وقطعوه في ساعتين فصار ست ساعات { كَالطَّوْدِ } كالجبل .
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)
{ وَأَزْلَفْنَا } قربنا فرعون وقومه إلى البحر « ع » ، أو جمعنا فرعون وقومه في البحر .
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
{ خَلَقَنِى } بنعمته { فَهْوَ يَهْدِينِ } لطاعته ، أو خلقني لطاعته فهو يهدين لجنته .
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)
{ حُكْماً } لُبّاً ، أو علماً ، أو نبوة ، أو القرآن { بِالصَّالِحِينَ } الأنبياء والمؤمنين .
وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)
{ لِسَانَ صِدْقٍ } ثناء حسناً من الأمم كلها ، أو أن يؤمن به أهل كل ملة ، أو يجعل من ولده من يقوم بالحق بعده .
وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)
{ لأَبِى } كان يُسِِر الإيمان ويظهر الكفر فيصح اسغفاره له . والأظهر أنه كان كافراً في الباطن أيضاً فسأل أن يغفر له في الدنيا ولا يعاقبه فيها أو يغفر له جنايته عليه التي تسقط بعفوه .
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
{ سَلِيمٍ } من الشك ، أو الشرك « ح » أو المعاصي ، أو مخلص ، أو ناصح لله تعالى في خلقه .
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)
{ فَكُبْكِبُواْ } جمعوا في النار ، أو طرحوا فيها على وجوههم ، أو نكسوا فيها على رؤوسهم ، أو قلب بعضهم على بعض ، { هُمْ } يعني الآلهه .
{ وَالْغَاوُنَ } المشركون ، أو الشياطين .
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
{ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } أعوانه من الجن أو أتباعه من الإنس .
فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)
{ شَافِعِينَ } من الملائكة ، أو الناس .
وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)
{ حَمِيمٍ } شفيق ، أو قريب نسيب ، حُم الشيء قرب والحمى لتقريبها من الأجل . قال الشاعر :
لعل لبنى اليوم حُم لقاؤها ... ببعض بلاد إنَّ ما حُم واقع
أو سمي القريب حميماً من الحمية لأنه يحمى لغضب صاحبه ، ذهبت يومئذ مودة الصديق ورقة الحميم .
قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)
{ الأَرْذَلُونَ } الذي يسألون ولا يقنعون ، أو المتكبرون ، أو السفلة ، أو الحاكة ، أو الأساكفة .
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)
{ الْمَرْجُومِينَ } بالحجارة ، أو بالشتم ، أو القتل .
فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)
{ فَافْتَحْ } فاقض ولم يدع عليهم إلا بعد ما قيل له { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] .
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)
{ رِيعٍ } طريق ، أو الثنية الصغيرة ، أو السوق ، أو الفج بين الجبلين ، أو الجبال ، أو المكان المشرف من الأرض « ع » { ءَايَةً } بنياناً ، أو أعلاماً « ع » أو أبراج الحمام . { تَعْبَثُونَ } باللهو واللعب ، أو عبث العشارين بأموال من يمرُّ بهم .
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)
{ مَصَانِعَ } قصوراً مشيدة ، أو مآخذ الماء تحت الأرض ، أو أبراج الحمام . { لَعَلَّكُمْ } كأنكم تخلدون وهي كذلك في بعض القراءات .
وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)
{ جَبَّارِينَ } أقوياء « ع » أو بضرب السياط ، أو القتل بالسيف في غير حق ، أو القتل على الغضب .
إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)
{ خُلُقُ الأَوَّلِينَ } دينهم أو كذبهم ، أو عادتهم ، أو كان الأولون يموتون فلا يبعثون ولا يحاسبون .
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)
{ هَضِيمٌ } رطب لين « ع » ، أو المذنَّب من الرطب ، أو ما لا نوى له « ح » أو المتهشم المتفتت ، أو الملاصق بعضه ببعض ، أو الطلع حين يتفرق ويخضر أو اليانع النضيج « ع » أو المكتنز قبل أن ينشق عنه القشر ، أو الرخو ، أو اللطيف ، والطلع من الطلوع وهو الظهور ، ومنه طلعت الشمس والقمر .
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
{ فَرهين } شرهين أو معجبين ، أو آمنين ، أو فرحين ، أو بطرين أشرين « ع » ، أو متخيرين { فَارِهينَ } كيسين ، أو حاذقين من فراهة الصنعة « ع » ، أو قادرين ، أو جمع فاره وهو المرح .
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)
{ الْمُسَحَّرِينَ } المسحورين ، أو الساحرين ، أو المخلوقين « ع » ، أو المخدوعين ، أو الذي ليس له شيء ولا ملك ، أو ممن له سَحَر وهو الرئة ، أو ممن يأكل ويشرب .
وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)
{ بِالْقِسْطَاسِ } القبان « ح » ، أو الحديد ، أو المعيار ، أو الميزان ، أو العدل بالرومية ، أو بالعربية من القسط وهو العدل .
وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
{ وَلا تَعْثَوْا } لا تمشوا فيها بالمعاصي ، أو بالظلم .
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
{ وَالْجِبِلَّةَ } الخليقة . قال امرؤ القيس :
والموت أكبر حادث ... مما يمر على الجبلة
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)
{ كِسَفاً } جانباً ، أو قطعاً ، أو عذباً .
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)
{ الرُّوحُ الأَمِينُ } جبريل عليه السلام .
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
{ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ } لسان جُرْهم ، أو قريش .
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)
{ وَإِنَّهُ } ذكر القرآن ، أو ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ، أو ذكر دينه وصفته أمته . { لَفِى زُبُرِ الأَوَّلِينَ } التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب .
كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)
{ سَلَكْنَاهُ } أدخلنا الشرك ، أو التكذيب ، أو القسوة في قلوب المجرمين .
إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)
{ عَنِ السَّمْعِ } عن سمع القرآن لمصروفون ، أو عن فهمه وإن سمعوه ، أو عن العمل به وإن فهموه .
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)
{ حِينَ تَقُومُ } في الصلاة « ع » ، أو من فراشك ومجلسك ، أو قائماً وجالساً وعلى حالتك ، أو حين تخلو عبّر بالقيام عن الخلوة لوصوله إليها بالقيام عن ضدها .
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)
{ فِى السَّاجِدِينَ } من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبياً « ع » ، أو تقلبك في سجود صلاتك وركوعها ، أو ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك ، أو تصرفك في الناس ، أو تقلب ذكرك وصفتك على ألسنة الأنبياء قبلك ، أو حين تقوم إلى الصلاة منفرداً وتقلبك في الساجدين إذا صليت جماعة ، قاله قتادة .
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
{ وَالشُّعَرَآءُ } يعني الذين إذا غضبوا سَبُّوا ، وإذا قالوا كذبوا { يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُنَ } الشياطين ، أو المشركون ، أو السفهاء ، أو الرواة « ع » .
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)
{ وَادٍ يَهِيمُونَ } في كل فن من الكلام يأخذون « ع » ، أو في كل لغو يخوضون ، أو يمدحون قوماً بباطل ، ويذمون قوماً بباطل ، والهائم المخالف في القصد ، أو المجاوز للحد .
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)
{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ } من كذب في شعرهم بمدح ، أو ذم ، أو تشبيه ، أو تشبيب .
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
{ إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } فإنه لا يتبعهم الغاوون ، ولا يقولون ما لا يفعلون . ولما نزلت { وَالشُّعَرَآءُ } جاء عبد الله بن رواحة وكعب من مالك وكنا عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقالا هلكنا يا رسول الله فنزلت { إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ } . فقرأها عليهم ، وقال : أنتم هم { وَذَكَرُواْ اللَّهَ } في شعرهم ، أو في كلامهم ، { وَانتَصَرُواْ } بردهم على المشركين ما هجوا به المسلمين { مُنقَلَبٍ } مصير يصيرون إليه من النار والعذاب ، والمنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه ، والمرجع العود من حال هو عليها إلى حال كان فيها .
طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)
{ تِلْكَ } أي هذه آيات القرآن وآيات الكتاب والإشارة بتلك عائد إلى السورة ، أو إلى الحروف التي هي { طس } . المبين حلاله وحرامه وأمره ونهيه ووعده ووعيده .
هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
{ هُدىً } إلى الجنة { وَبُشْرى } بالثواب ، أو هدى من الضلالة وبشرى بالجنة .
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)
{ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ } المفروضة باستيفاء فروضها وسننها « ع » ، أو بالمحافظة على مواقيتها . { الزَّكَاةَ } زكاة المال ، أو زكاة الفطر ، أو طاعة الله تعالى والإخلاص ، أو تطهير أجسادهم من دنس المعاصي « ع » .
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
{ يَعْمَهُونَ } يترددون « ع » ، أو يتمادون ، أو يلعبون ، أو يتحيرون « ح » .
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
{ لَتُلَقَّى } لتأخذ ، أو لتؤتى ، أو لتلقن ، أو لتلقف . { حَكِيمٍ } في أمره . { عَلِيمٍ } بخلقه .
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
{ ءَانَسْتُ } رأيتُ ، أو أحْسَسْتُ ، الإيناس : الإحساس من جهة يؤنس بها . { بِخَبْرٍ } بخبر الطريق لأنه كان ضلها « ع » ، أو سأخبركم عنها بعلم . { بِشهَابٍ } الشعاع المضيء ومنه شهب السماء . { قَبَسٍ } قطعة من نار ، اقتبس النار أخذ قطعة منها ، واقتبس العلم لاستضاءته به كما يستضيء بالنار { لَّعَلَّكُمْ } لكي تصطلوا من البرد وكان شتاء .
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
{ جَآءَهَا } جاء النور الذي ظنه ناراً وقف قريباً منها فوجدها تخرج من شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق ، لا تزداد النار إلا تضرماً ولا تزاد الشجرة إلا خضرة وحسناً { بُورِكَ } قُدِس « ع » ، أو تبارك ، أو البركة في النار . { النَّارِ } نار فيها نور ، أو نور لا نار فيه عند الجمهور { مَن فِى النَّارِ } مَنْ : صلة تقديره بوركت النار ، أو بورك النور الذي في النار ، أو بورك الله الذي في النور أو الملائكة ، أو الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق . { وَمَنْ حَوْلَهَا } الملائكة ، أو موسى عليه الصلاة والسلام . { وَسُبْحَانَ اللَّهِ } من كلام الله تعالى لموسى ، أو قاله موسى لما سمع الكلام وفزع استعانة بالله تعالى وتنزيهاً له ، وسمع موسى كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وحكى النقاش أن الله تعالى خلق في الشجرة كلاماً حتى خرج منه فسمعه موسى عليه الصلاة والسلام ولا خبر فيما ذكره من ذلك . قال وهب لم يمس موسى عليه الصلاة والسلام امرأة بعد ما كلمه ربه .
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)
{ جَآنٌّ } الحية الصغيرة سميت بذلك لاختفائها واستتارها ، أو الشيطان لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشياطين لقوله : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين } [ الصافات : 65 ] وقد كان انقلابها إلى أعظم الحيات وهي الثعبان .
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ولما توجه إلى مدين أعطاه العصا ملك من الملائكة . { وَلَمْ يُعَقِّبْ } لم يرجع ، أو لم ينتظر ، أو لم يلتفت . { لا يَخَافُ لَدَىَّ } أي لا يخافون في الموضع الذي يوحى إليهم فيه وإلا فهم أخوف الخلق لله تعالى .
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)
{ إِلا مَن ظَلَمَ } من غير المرسلين فيكون الاستثناء منقطعاً ، أو أراد آدم ظَلَم نفسه بأكل الشجرة ، أو يخافون مما كان منهم قبل النبوة كقتل موسى للقبطي ، أو يخافون من الصغائر بعد النبوة لأنهم غير معصومين منها .
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
{ عِلْماً } فهماً ، أو قضاء ، أو علم الدين ، أو منطق الطير ، أو بسم الله الرحمن الرحيم ، أو صنعة الكيمياء . وهو شاذ { فَضَّلَنَا } بالنبوة ، أو الملك ، أو العلم .
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
{ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ } نبوة داود وملكه ، أو سخر له الشياطين والرياح ، أو استخلفه في حياته على بني إسرائيل فسمي ذلك وراثة ، وكان لداود تسعة عشر أبناً .
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
{ يُوزَعُونَ } يساقون ، أو يدفعون ، أو يدفع أخراهم ويوقف أولاهم ، أو يسحبون ، أو يجمعون ، أو يحبسون ، أو يُمْنعون ، وَزَعه عن الظلم : منعه منه ، وقالوا لا بد للسلطان من وَزْعه : أي من يمنع الناس عنه ، وقال عثمان : ما وزع الله بالسلطان أكثر مما وزع بالقرآن ، والمراد بهذا المنع أن يرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا .
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
{ وَادِ النَّمْلِ } بالشام ، وكان للنملة جناحان فعلم منطقها لأنها من الطير ولولا ذلك لما علمه ، قاله الشعبي . { يَحْطِمَنًّكُمْ } يهلكنكم { وَهُمْ } والنمل { لا يَشْعُرُونَ } بسليمان وجنوده ، أو وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل ، قيل سمع كلامها من ثلاثة أميال حملته الريح إليه . وسميت نملة لتنملها ، وهو كثرة حركتها وقلة قرارها .
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
{ فَتَبَسَّمَ } من حذرها بالمبادرة أو من ثنائها عليه ، أو من إستبقائها النمل قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما! فوقف سليمان وجنوده حتى دخل النمل مساكنه . { أَوْزِعْنِى } ألهمني ، أو اجعلني « ع » ، أو حرضني { أّنْ أَشْكُرَ } سبب شكره علمه بمنطق الطير حتى فهم قولها أو حمل الريح صوتها إليه حتى سمعه من ثلاثة أميال فأمكنه الكف . { صَالِحاً } شكر ما أنعم عليه به . { بِرَحْمَتِكَ } بنبوتك ، أو بمعونتك التي أنعمت بها عليّ . { فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } . الأنبياء ، أو الجنة التي هي دار الأولياء .
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ } كان إذا سافر أظله الطير من الشمس ، فلما غاب الهدهد أتت الشمس من مكانه وكانت الأرض للهدهد كالزجاج يرى ما تحتها فيدل على مواضع الماء حتى تحفر { أمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ } أي انتقل عن مكانه ، أو غاب .
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
{ لأُعَذِّبَنَّهُ } بنتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء « ع » ، أو بإحواجه إلى جنسه ، أو بجعله مع أضداده . { بِسُلْطَانٍ } حجة بَيِّنة أو عذر ظاهر .
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
{ أَحَطتُ } بلغت ، أو علمت ، أو اطلعت « ع » ، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته . { سَبَإٍ } مدينة بالمين يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء ثلاث ليالي ، أو حَيُّ من اليمن سموا بأسم أمهم ، أو سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبأ فقال : « هو رجل وُلِدَ له عشرة أولاد باليمن منه ستة وبالشام أربعة فأما اليمانيون؛ فمذحج وحمير وكندة وأنمار والأزد والأشعريون . وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان » وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان سمي سبأ لأنه أو من سبى .
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
{ امْرَأَةً } بلقيس بنت شراحيل أو شرحبيل بن مالك بن الريان وأمها جنية . { مِن كُلِّ شَىْءٍ } في أرضها ، أو من أنواع الدنيا كلها . { عَرْشٌ } سرير ، أو كرسي ، أو مجلس ، أو ملك . { عَظِيمٌ } كريم ، أو حسن الصنعة ، أو كان ذهباً مستراً بالديباج والحرير قوائمه لؤلؤ وجوهر . وكان يخدمها ستمائة امرأة ، وأهل مشورتها ثلاثمائة واثنا عشر رجلاً؛ كل رجل على عشرة آلاف رجل .
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
{ الْخَبْءَ } غيب السماوات والأرض ، أو خبء السماوات المطر وخبء الأرض : النبات ، والخبء المخبوء وصفه بالمصدر ، والخبء في اللغة ما غاب واستتر . { أَلا يَسْجُدُواْ } من قول الله ، أمر خلقه بالسجود أو من قول الهدهد تقديره يا هؤلاء اسجدوا .
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
{ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } كن قريباً منهم « ع » أو تقديره « فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم » أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره وجعل يدور في بهوها ، فقالت : ما رأيت خيراً منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها ، أو ألقاه على صدرها وهي نائمة .
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)
{ كَرِيمٌ } لحسن ما فيه ، أو مختوم ، أو لكرم صاحبه وأنه ملك ، أو لتسخيره الهدهد لحمله .
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب باسمك اللهم فلما نزلت { بِسْمِ الله مَجْرَاهَا } [ هود : 41 ] كتب بسم الله فلما نزلت { أَوِ ادعوا الرحمن } [ الأسراء : 110 ] كتب بسم الله الرحمن فلما نزلت { أَوِ ادعوا الرحمن } الآية كتب بسم الله الرحمن الرحيم .
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
لا تَعْلُوا : لا تخافوا ، أو لا تتكبروا ، أو لا تمتنعوا { مُسْلِمِينَ } مستسلمين ، أو موحدين « ع » ، أو مخلصين ، أو طائعين .
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)
{ أَفْتُونِى } أشيروا عَلَيَّ . { قَاطِعَةً } ممضية { تَشْهَدُونِ } تشيروا ، أو تحضروا .
قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)
{ قُوَّةٍ } عدد وعدة . { بَأْسٍ } شجاعة وآلة تفويضاً منهم الأمر إليها ، أو إجابة منهم إلى قتاله .
قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)
{ دَخَلُواْ قَرْيَةً } أخذوها عنوة « ع » . { أَفْسَدُوهَا } أخربوها . { أَذِلَّةً } بالسيف ، أو الاستعباد . { وَكّذَلِكَ يَفْعَلُونَ } . من قول الله إنهم يفسدون القرى « ع » ، أو قالت بلقيس وكذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا .
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)
{ بِهَدِيَّةٍ } لبنة من ذهب « ع » ، أو صحائف الذهب في أوعية الديباج ، أو جوهر ، أو غلمان ولباسهم لباس الجواري وجواري لباسهم لباس الغلمان ، ثمانون غلاماً وجارية أو ثمانون غلاماً وثمانون جارية وقصدت بالهدية استعطافه لعلمها بموقع الهدايا من الناس ، أو اختبرته فإن قبل هديتها فهو مَلِك فتقاتله وإن لم يقبلها فهو نبي فلا طاقة لها به ، أو اختبرته بأن يميز الجواري من الغلمان فأمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يدها فميزهم بذلك ، أو يغسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها ، وبدأ الغلمان بغسل المرافق إلى الأكف وبدأ الجواري من الأكف إلى المرافق .
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
{ فَلَمَّا جَآَءَ } رسلها ، أو هداياها { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } أمر الشياطين فموهوا لبِن المدينة وحيطانها بالذهب والفضة وبعثت إليه بعصا كان يتوارثها ملوك حمير ، وطلبت أن يميز أعلاها من أسفلها ، ويقدح التمست أن يملأه ماء فريداً لا من الأرض ولا من السماء وبخرزتين ليثقب أحدهما وليدخل في ثقب الأخرى خيطاً وكان ثقبها أعوج فلما جاء رسلها وكانوا رجالاً أو نساء قال { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَانِ اللَّهُ } من النبوة والملك { خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَاكُم } من المال . ثم ميز الجواري من الغلمان وأرسل العصا إلى الهواء وقال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أسفلها وأجريت الخيل حتى عرقت فملأ القدح من عرقها ، وثقب إحدى الخرزتين وأدخل الخيط في الأخرى فهال الرسل ما شاهدوه منه .
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)
{ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ } أيها الرسول بما جئت به من الهدايا ، أو أمر الهدهد بالرجوع وأن يقول : { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ } لا طاقة ، وصدق لأن من جنوده الجن والإنس والطير والريح . { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ } أخبرهم بما يصنع بهم ليبادروا إلى الإسلام . فلما رجعت إليها الهدايا قالت : قد والله علمت ما هذا بملك ولا طاقة لنا به ثم أرسلت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي وأمرت بعرشها فجُعِل في سبعة أبيات بعضها في بعض وأغلقت عليه الأبواب وشخصت إليه في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن فلما علم بقدومها .
قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
{ قَالَ يَآ أيُّهَا الْمَلَؤُاْ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا } أراد أن يعلم بذلك صدق الهدهد « ع » أو أعجبه لما وصفه الهدهد فأراد أخذه قبل أن يَحْرُمَ عليه بإسلامها ، أو أراد أن يعايها ، وكانت الملوك يتعايون بالملك والقدرة ، قاله ابن زيد ، أو أراد اختبار فطنها هل تعرفه أو تنكره ، أو أراد أن يعرفها بذلك صحة نبوته قاله وهب بن منبه . { مُسْلِمِينَ } طائعين أو على دين الحق .
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
{ عِفْرِيتٌ } ، وهو المارد القوي والعفريت البالغ من كل شيء أُخِذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور ، أو من العفر وهو الشديد فزيدت فيه الهاء فقيل عفريه وعفريت . { مَّقَامِكَ } مجلسك ، أو يوماً كان يوم فيه سليمان عليه الصلاة والسلام خطيباً يعظهم ويذكرهم وكان مجيء ذلك اليوم قريباً أو أراد قبل أن تسير إليهم من ملكك محارباً ، { لَقَوِىٌ } على حمله { أَمِينٌ } على ما فيه من جوهر ولؤلؤ أو لا آتيك بغيره بدلاً منه أو أمين على فرج المرأة .
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
{ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ } مَلَك أُيَّد به سليمان عليه الصلاة والسلام والعلم الذي عنده هو ما كتب الله تعالى لبني آدم وقد أعلم الله تعالى الملائكة كثيراً منه فأذن الله له أن يعلم سليمان ذلك وأن يأتيه بالعرش أو بعض جنوده من الإنس أو الجن ، وعلم الكتاب : علمه بكتاب سليمان إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فوثق بذلك وأخبره أن يأيته به قبل ارتداد طرفه ، أو هو سليمان قال ذلك للعفريت ، أو هو بعض الإنس : مليخا أو أسطوم أو آصف بن برخيا وكان صدِّيقاً ، أو ذو النون مصر ، أو الخضر { عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ } هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب . { يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } يأتيك أقصى من تنظر إليه أو : قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك أو يعود طرفك إلى مجلسك أو قبل الوقت الذي يتنظر وروده فيه من قولهم أنا ممتد الطرف إليك أي منتظر أو قبل أن يرجع إليك طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصره ، أو قبل أن يقبض طرفك بالموت أخبره أنه سيأتيه به قبل موته ودعا بالاسم الأعظم وعاد طرف سليمان عليه الصلاة والسلام إليه فإذا العرش بين يديه ولم يكن سليمان عليه الصلاة والسلام يعلم ذلك الإسم { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى } وصول العرش قبل ارتداد طرفي ، { ءَأَشْكُرُ } على وصوله { أَمْ أَكْفُرُ } فلا أشكر إذا رأيت من هو أعلم مني في الدنيا وكان ذلك معجزة لسليمان عليه الصلاة والسلام أجراها الله تعالى على يد بعض أوليائه وكان العرش باليمن وسليمان بالشام قيل خرق الله تعالى به الأرض حتى صار بين يديه .
قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)
{ نَكِّرُواْ } غيروه بانتزاع ما عليه من فصوص وجواهر ومرافق « ع » أو بجعل ما كان أحمر أخضر وما كان أخضر أحمر ، أو بالزيادة فيه والنقصان منه ، أو بجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره أو جعل فيه تمثال السمك . { أَتَهْتَدِى } إلى الحق بعقلها أم تكون من الذين لا يعقلون ، أو تعرف العرش بفطنتها أم تكون ممن لا يفطن ولا يعرف .
فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)
{ كَأَنَّهُ هُوَ } لما خلفته وراءها فوجدته أمامها منعها معرفتها به من إنكاره وتركها له خلفها من إثباته ، أو لأنها رأت فيه ما تعرفه فلم تنكره وما غيِّر وبدل فلم تثبته ، أو شبهوا عليه بقولهم { أَهَكَذَا عَرْشُكِ } فشبهت عليهم بقولها : { كَأَنَّهُ هُوَ } ولو قالوا هذا عرشك لقالت نعم . { وَأُوِتينَا } قاله سليمان عليه الصلاة والسلام ، أو بعض قومه . { الْعِلْمَ } بمعرفة الله تعالى وتوحيده ، أو النبوة ، أو علمنا أنه عرشها قبل أن نسألها . { مُسْلِمِينَ } طائعين لله تعالى بالاستسلام له ، أو مخصلين له بالتوحيد .
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)
{ وَصَدَّهَا } عبادة الشمس أن تعبد الله تعالى ، أو صدها كفرها أن تهتدي للحق ، أو صدها سليمان عما كانت تعبد في كفرها ، أو صدها الله تعالى عن الكفر بتوفيقها للإيمان .
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
{ الصَّرْحَ } بكرة بنيت من قوارير ، أو صحن الدار ، وصرحه الدار وساحتها وباحتها وقاعتها كلها واحد من التصريح وهو الإظهار ، أو القصر . { حَسِبَتْهُ لُجَّةً } لأنه أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول إليه لأنها وصفت له فأحب أن يراها وكانت هلباء الشعر وقدماها كحافر حمار وأمها جنية وخافت الجن إن تزوجها أن تطلعه على أشياء كانت الجن تخفيها ويبعد أن يتولد بين الإنس والجن ولد لأن الجن لطيف والإنس كثيف . { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } فرأهما شعراوين فصنعت له الجن النورة وقصد بدخولها الصرح . وكشف ساقيها اختبار عقلها ، أو أُخبر أن ساقيها ساق حمار فأراد أن يعلم ذلك ، أو أراد تزوجها فأحب مشاهدتها . { مُّمَرَّدٌ } مملس ، أو واسع في طوله وعرضه . { ظَلَمْتُ نَفْسِى } بالشرك ، أو ظنت أن سليمان أراد تغريقها لما أمرها بدخول الصرح فلما بان أنه صرح علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن ، قاله سفيان . { وَأَسْلَمْتُ } استسلمت طاعة لله قبل تزوجها سليمان عليه الصلاة والسلام ، واتخذ لها بالشام حماماً ونورة ، وكان أول من اتخذ ذلك .
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
{ فَرِيقَانِ } مؤمن وكافر ، أو مصدق ومكذب . { يَخْتَصِمُونَ } بقولهم { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ } [ الأعراف : 75 ] ، أو يقول كل فريق : نحن على الحق دونكم .
قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)
{ بِالسَّيِّئَةِ } بالعذاب قبل الرحمة؛ لقولهم : { ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ المرسلين } [ الأعراف : 77 ] ، أو بالبلاء قبل العافية . { تَسْتَغْفِرُونَ } بالتوبة ، أو بالدعاء . { تُرْحَمُونَ } بالكفاية أو الإجابة .
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)
{ اطَّيَّرْنَا } تشاءموا به لافتراق كلمتهم ، أو للشر الذي نزل بهم . { طَآئِرُكُمْ } مصائبكم « ع » ، أو عملكم . { تُفْتَنُونَ } بالطاعة والمعصية ، أو تصرفون عن الإسلام الذي أمرتم به .
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)
{ رَهْطٍ } الرهط : جمع لا واحد له وهم عاقرو الناقة : فُسَّاق من أشراف قومهم . { يُفْسِدُونَ } بالكفر ولا يصلحون بالإيمان ، أو بالمنكر ولا يصلحون بالمعروف ، أو بالمعاصي ولا يصلحون بالطاعة ، أو بقطع الدنانير والدراهم ولا يصلحون بتركها صحاحاً ، أو يتبعون عورات الناس ولا يسترون عليهم .
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
{ تَقَاسَمُواْ } تحالفوا . { لَنُبَيِّتَنَّهُ } لنقتلنه ليلاً . البيات قتل الليل . { لِوَلِيِّهِ } لرهط صالح { مَهْلِكَ أَهْلِهِ } قتلهم { لَصَادِقُونَ } في إنكار القتل .
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
{ وَمَكَرُواْ } عزموا على بياته { ومكر الله } بهم فرماهم بصخرة فهلكوا أو أظهروا أنهم خرجوا مسافرين فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوه فألقى الله تعالى صخرة فسدت عليهم فم الغار { لا يَشْعُرُونَ } بمكرنا أو بالملائكة الذي أرسلوا لحفظ صالح من قومه لما دخلوا عليه ليقتلوه فرموا كل رجل منهم بحجر فقتلوهم جميعاً .
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
{ تُبْصِرُونَ } أنها فاحشة ، أو يبصر بعضكم بعضاً .
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)
{ حَدَآئِقَ } النخل ، أو الحائط من الشجر والنخل . { بَهْجَةٍ } غضاضة ، أو حُسْن . { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ } لا تقدرون على خلق مثلها { أَءِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ } يفعل هذا ، أو نفي للآلهة . { يَعْدِلُونَ } عن الحق ، أو يشركون فيجعلون له عِدْلاً .
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
{ قَرَاراً } مستقراً . { خِلالَهَآ } في مسالكها ونواحيها . { الْبَحْرَيْنِ } بحر السماء وبحر الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو بحر الشام والعراق ، أو العذب والمالح . { حَاجِزاً } مانعاً من الله تعالى لا يبغي أحدهما على صاحبه ، أو حاجزاً من الأرض أن يختلطا . { لا يَعْلَمُونَ } التوحيد ، أو لا يعقلون ، أو لا يتفكرون .
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)
{ السُّوءَ } الضر ، أو الجور . { خُلَفَآءَ } خلفاً بعد خلف ، أولادكم خلفاً منكم ، أو خلفاً من الكفار ينزلون أرضهم بطاعة الله تعالى بعد كفرهم . { مَّا تَذَكَّرُونَ } النعم .
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
{ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ } هذا ذم أي غاب علمهم « ع » ، أو لم يدرك علمهم ، أو اضمحل أو ضل ، أو هو مدح لعلمهم وإن كانوا مذمومين أي أدرك علمهم ، أو أجمع ، أو تلاحق .
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
{ رَدِفَ لَكُم } قرب منكم « ع » ، أو أعجل لكم ، أو تبعكم ، ورِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها . { بَعْضُ الَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ } يوم بدر ، أو عذاب القبر .
وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)
{ غَآئِبَةٍ } جمع ما خفي عن الخلق ، أو القيامة ، أو ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض . { كِتَابٍ مُّبِينٍ } اللوح المحفوظ ، أو القضاء المحتوم .
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
{ وَقَعَ الْقَوْلُ } حق عليهم القول أنهم لا يؤمنون ، أو وجب الغضب ، أو وجب السخط عليهم إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ، أو نزل العذاب . { دَآبَّةً } سئل عنها علي رضي الله تعالى عنه فقال : « أما والله ما لها ذَنَبْ وإن لها للحية » إشارة إلى أنها من الإنس ، أو هي من دواب الأرض عند الجمهور ذات زغب وريش لها أربع قوائم « ع » ، أو ذات وَبَر تناغي السماء ، أو لها رأس ثور وعينا خنزير وأذنا فيل وقرن أيل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هر وذنب كبش وقوائم بعير بين كل مفصلين أثنا عشر ذراعاً رأسها في السحاب . معها عصا موسى وخاتم سليمان فتنكت في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فتبيض وجهه . وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان فتسود وجهه . قاله ابن الزبير . { مِّنَ الأَرْضِ } بعض أودية تهامة « ع » ، أو صخرة من شِعْب أجياد ، أو الصفا ، أو بحر سدوم . { تَكْلِمُهم } مخففاً تَسِمُ وجوههم بالبياض والسواد حتى يتنادون في الأسواق يا مؤمن يا كافر ، قال : الرسول صلى الله عليه وسلم : « تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ، أو تجرحهم فيختص هذا بالكافر والمنافق » ، وجرحهما بإظهار الكفر والنفاق كجرح الشهود بالتفسيق { تُكَلِّمُهُمْ } عبّر عن ظهور الآيات منها بالكلام من غير نطق ، أو تنطق فتول هذا مؤمن وهذا كافر ، أو تقول { أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ } قاله ابن مسعود وعطاء ، قال ابن عمر : رضي الله تعالى عنه تخرج ليلة النحر والناس يسيرون إلى منى .
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
{ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً } وهم كفارها . { بِآيَاتِنَا } محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بالرسل عند الأكثرين . { يُوزَعُونَ } يجمعون ، أو يدفعون ، أو يساقون ، أو يرد أولاهم على أخراهم .
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
{ وَيَوْمَ يُنفَخُ } يوم النشور من القبور . { الصُّورِ } جمع صورة ينفخ فيها أرواحها ، أو شيء كالبوق يخرج منه صوت يحيى به الموتى ، أو مثل ضُرب لخروج الموتى في وقت واحد كخروج الجيش عند نفخ البوق . { فَفَزِعَ } أسرع إلى إجابة النداء فزعت إليك في كذا أسرعت إلى ندائك في معونتك . { إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ } استثناء من الإسراع والإجابة إلى النار ، أو الفزع الخوف والحذر لأنهم أزعجوا من أجداثهم فخافوا { إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ } فلا يفزعون وهم الملائكة أو الشهداء ، وقيل إن إسرافيل هو النافخ في الصور . { دَاخِرِينَ } راغمين ، أو صاغرين « ع » فالفزع في النفخة الأولى وإتيانهم صاغرين في النفخة الثانية .
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
{ جَامِدَةً } واقفة { تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } لا يرى سيرها لبعد أطرافها ، مثل ضُرب للدنيا تظن أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال ، أو للإيمان تحسبه ثابتاً في القلب وعلمه صاعد إلى السماء . { أَتْقَنَ } أحكم ، أو أحصى ، أو أحسن ، أو أوثق سريانية ، أو عربية من إتقان الشيء إذا أُوثق وأحكم ، وأصله التقن وهو ما ثقل في الحوض من طينة .
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
{ بِالْحَسَنَةِ } أداء الفرائض كلها ، أو التوحيد والإخلاص . { خَيْرٌ مِّنْهَا } الجنة ، أو أفضل : بالحسنة عشر ، أو فله منها خير الثواب العائد عليه « ع » { مِّن فَزَعٍ } القيامة . { ءَامِنُونَ } في الجنة ، أو من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة .
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
{ بِالسَّيِّئَةِ } الشرك « ع » .
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
{ الْبَلْدَةِ } مكة ، أو منى { حَرَّمَهَا } بتعظيم حرمتها والكف عن صيدها وشجرها { وَلَهُ كُلُّ شَىْءٍ } ملكه فيحل منه ما يشاء ويحرم ما يشاء .
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
{ سَيُرِكُمْ ءَايَاتِهِ } في الآخرة { فَتَعْرِفُونَهَا } على ما قال في الدنيا « ح » أو يريكم في الدنيا آيات السموات والأرض فتعرفون أنها حق .
{ تَعْمَلُونَ } من خير وشر فيجازي عليه .
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
{ عَلا } بملكه وسلطانه ، أو بقتله أبناء بني إسرائيل واستعبادهم ، أو بإدعائه الربوبية وكفره . { الأَرْضِ } مصر . لأنه لم يملك الأرض كلها . وعلوِّه لغلبته وقهره ، أو لكبره وتجبره . { شِيَعاً } فرقاً؛ فرق بني إسرائيل والقبط ، استضعف طائفة بني إسرائيل بالاستعباد والأعمال القذرة { يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ } رأى في نومه ناراً أقبلت من القبلة واشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل عن تأويلها ، فقيل يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر . فأمر بذبح أبنائهم وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل . فقيل له قد فني شيوخ بني إسرائيل بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا فأمر أن يقتلوا عاماً ويتركوا عاماً فولد هارون عام الاستحياء وموسى عام القتل ، وعاش فرعون أربعمائة سنة وهو أو من خضب بالسواد . وكان قصيراً دميماً . وعاش موسى عليه الصلاة والسلام مائة وعشرين سنة .
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)
{ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ } بنو إسرائيل ، أو يوسف وولده : قاله قتادة . { أَئِمَّةً } ولادة الأمر ، أو قادة متبوعين ، أو أنبياء لأن الأنبياء بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل وكان بينهما ألف ألف نبي . قاله الضحاك . { الْوَارِثِينَ } للملك ، أو لأرض فرعون .
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
{ وَأَوْحَيْنَآ } ألهمنا ، أو رؤيا نوم أو وحي مع الملك كوحي الأنبياء . أوحى إليها برضاعه قبل الولادة ، أو بعدها . { خِفْتِ عَلَيْهِ } القتل ، أو أن يسمع جيرانك صوته . { الْيَمِّ } البحر وهو النيل . { وَلا تَخَافِى } عليه الغرق ، أو الضيعة . { وَلا تَحْزَنِى } لفراقه ، أو أن يقتل . فجعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه مثلها . وجلعت المفتاح مع التابوت وألقته في اليم بعد أن أرضعته أربعة أشهر ، أو ثلاثة أشهر ، أو ثمانية أشهر . ولما فرغ النجار منه أخبر فرعون به ، فبعث معه من يأخذه فطمس الله تعالى على عينيه وقلبه فلم يعرف الطريق . فعلم أنه المولود الذي خافه فرعون فآمن ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فلما غاب عنها ندَّمها الشيطان فقالت . لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من إلقائه في دواب البحر وحيتانه . فقال الله تعالى : { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكَ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } .
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)
{ فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ } خرجت جواري امرأة فرعون لاستقاء الماء فوجدن تابوته فحلمنه إليها « ع » ، أو خرجت امرأة فرعون إلى البحر وكانت برصاء فوجدته فأخذته فبرئت من برصها فقالت هذا صبي مبارك .
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
{ قُرَّتُ عَيْنٍ } لما علم أصحاب فرعون بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعتهم وأتت فرعون وقالت قرة عين لي ولك . فقال فرعون لها : قرة عينٌ لَكِ أما لي فلا . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لو أقر بأنه يكون قرة عين له لهداه الله تعالى به كما هداه به » وقرة العين بردها بالسرور من القر وهو البرد ، أو قر دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من القرار . { لا يَشْعُرُونَ } أن هلاكهم على يديه .
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)
{ فَارِغاً } من كل شيء إلا من ذكر موسى « ع » ، أو من الوحي بنيسانه « ح » أو من الحزن لعلهما أنه لم يغرق ، أو نافراً ، أو ناسياً ، أو والهاً ، أو فازعاً من الفزع . { وَأَصْبَحَ } لأنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها فارغاً ، أو ألقته نهاراً فيكون أصبح يعني صار . { لَتُبْدِى بِهِ } لتصبح عند إلقائه وابناه « ع » ، أو تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني لأنه ضاق صدرها لما قيل هو ابن فرعون ، أو لتبدي بالوحي . { رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } بالإيمان ، أو العصمة ، { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } بِردِّه وجعله من المرسلين .
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
{ قُصِّيهِ } تتبعي أثره واستعلمي خبره . { جُنُبٍ } جانب « ع » أو بعد ، أو شوق بلغة جذام جنبت إليك اشتقت إليك . { لا يَشْعُرُونَ } أنها أخته .
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
{ وَحَرَّمْنَا } منعناه { الْمَرَاضِعَ } فلا يؤتى بمرضع فيقبلها . { مِن قَبْلُ } مجيء أخته أو قبل رده إلى أمه .
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
{ فَرَدَدْنَاهُ } انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فوضعته في حجرها فترامى إلى ثديها فامتصه حتى امتلأ جنباه رياً « ع » . فقيل لها : كيف ارتضع منك دون غيرك . قالت لأني طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني فَسَخَّر الله تعالى فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق لأجله وكان إلقاءه في البحر وهو سبب لهلاكه سبباً لنجاته . { أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ } في رده إليها وجعله من المرسلين حق . { لا يَعْلَمُونَ } ما يراد بهم ، أو مِثْل علمها به .
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
{ أَشُدَّهُ } أربعون سنة ، أو أربع وثلاثون ، أو ثلاث وثلاثون « ع » أو ثلاثون أو خمس وعشرون ، أو عشرون ، أو ثماني عشرة ، أو خمس عشرة ، أو الحلم ، أو الأشد جمع لا واحد له ، أو واحد شُدَّ . { وَاسْتَوَى } باعتدال القوة ، أو نبات اللحية ، أو انتهاء شبابه ، أو بأربعين سنة « ع » . { حُكْماً } عقلاً ، أو نبوة ، أو القرآن ، أو الفقه { وَعِلْماً } بما في دينه وحدوده وشرائعه ، أو فهماً ، أو فقهاً .
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
{ الْمَدِينَةَ } مصر ، أو منف ، أو عين شمس . { حِينِ غَفْلَةٍ } نصف النهار وهم قائلون ، أو بين المغرب والعشاء « ع » ، أو يوم عيد لهم وهم في لهوهم ، أو لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به . { مِن شِيعَتِهِ } إسرائيلي ومن عدوه قبطي « ع » أو من شيعته مسلم ومن عدوه كافر . سخر القبطي الإسرائيلي ليحمل حطباً إلى مطبخ فرعون فامتنع ، واستغاث بموسى وكان خبازاً لفرعون { فَوَكَزَهُ } ولكزه واحد إلا أن الوكز الدفع في الصدر واللكز الدفع في الظهر . ولم يرد موسى بذلك قتله . { فَقَضَى عَلَيْهِ } أي قتله ولم يكن مباحاً حينئذ لأنها حال كف عن القتال « ع » { عَمِلِ الشَّيْطَانِ } إغوائه .
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)
{ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ } من المغفرة ، أو الهداية .
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)
{ خَآئِفاً } من الله تعالى ، أو من قومه ، أو أن يؤخذ بقتل النفس ، { يَتَرَقَّبُ } يتلفت من الخوف ، أو ينتظر عقوبة الله تعالى إن جعلنا خوفه منه ، أو أن يسلمه قومه للقتل إن كان خوفه منهم . أو أن يطلب بقتل النفس إن كان خوفه من الأخذ بها . { يَسْتَصْرِخُهُ } على قبطي آخر خاصمه . { لَغَوِىٌّ } قاله للإسرائيلي لأنه أغواه حتى قتل النفس ، أو قاله للقبطي فظن الإسرائيلي أنه عناه فخافه « ع » .
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
{ أَن يَبْطِشَ } أخذت موسى الرقة على الإسرائيلي فهم بالقبطي فظن الإسرائيلي أنه يريد قتله لما رأى من غضبه وسمع من قوله { إِنَّكَ لَغَوِىٌّ } الآية فقال الإسرائيلي : أتريد أن تقتلني ، أو ظن الإسرائيلي أن موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عنه . قيل هذا الإسرائيلي هو السامري ، فتركه القبطي وذهب فأشاع أن المقتول بالأمس إنما قتله موسى . { جَبَّاراً } قَتَّالاً . قال عكرمة : ولا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين .
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
{ وَجَآءَ رَجُلٌ } هو مؤمن آل فرعون قيل ابن عم فرعون أخي أبيه . { يَأَتَمِرُونَ } يتشاورون ، أو يأمر بعضهم بعضاً .
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)
{ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } عرض له أربع طرق فلم يدر أيها يسلك فقال { عَسَى رَبِّى } الآية ، أو قال ذلك بعد أخذه طريق مدين . { سَوَاءَ السَّبِيلِ } قصد الطريق إلى مدين قاله قتادة . ومدين ماء كان عليه قوم شعيب قال « ع » وكان بينه وبينها ثمان مراحل ولم يكن لهم طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه .
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
{ أُمَّةً } جماعة قال ابن عباس : الأمة أربعون . { تَذُودَانِ } تحبسان أو تطردان غنمهما عن الماء لضعفهما عن الزحام ، أو يمنعان الغنم أن تختلط بغنم الناس ، أو يذودان الناس عن غنمهما . { مَا خَطْبُكُمَا } ما شأنكما . والخطب تفخيم للشيء والخُطبة لأنها من الأمر المعظم { يُصْدِرَ } ينصرف ومنه الصدر لأن التدبير يصدر عنه فعلتا ذلك تَصوُّناً عن مزاحمة الرجال ، أو لضعفهما عن الزحام { الرِّعَآءُ } جمع راعٍ { وَأَبُونَا شَيْخٌ } قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعينهما أو اعتذاراً من معاناتهما السقي بأنفسهما .
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
{ فَسَقَى لَهُمَا } بأن زحم القوم فأخرجهم عن الماء ثم سقى لهما ، أو أتى بئراً فاقتلع عنها صخرة لا يقلها إلا عشرة من أهل مدين وسقى لهما ولم يستق إلا ذَنُوباً واحداً حتى رويت الغنم { ثمَّ تَوَلَّى } إلى ظل سَمُرة . { فَقَالَ رَبِّ } قال ذلك وقد لصق بطنه بظهره جوعاً وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من الجوع « ع » ، أو مكث سبعة أيام لا يذوق إلا بقل الأرض . فعرَّض لهم بحاله { مِنْ خَيْرٍ } شبعة من طعام « ع » ، أو شبعة يومين .
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)
{ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا } استكثر أبوهما سرعة صدورهما بالغنم حُفَّلاً بِطاناً فقال إن لكما لشأناً فأخبرتاه بصنع موسى فأمر أحداهما أن تدعوه . { عَلَى اسْتِحْيَآءٍ } مستترة بكم درعها ، أو لبعدها من النداء له ، واستحيت لأنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير إعناء ، أو لأنها كانت رسول أبيها ، أو ما قاله عمر ليست بسلفع من النساء خراجة ولا ولاجة . أراد تمشي مشي من لم تتعود الخروج حياء وخَفَرَاً وكان أبوهما شعيباً ، أو يثرون ابن أخي شعيب . قاله الكلبي وأبو عبيدة . { لِيَجْزِيَكَ } ليكافئك فمشت أمامه فوصفت الريح عجيزتها فقال : امشي خلفي ودليني للطريق إن أخطأت . { الْقَصَصَ } خبره مع آل فرعون { نَجَوْتَ } إذ لسنا من مملكة فرعون .
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
{ قَالَتْ إِحْداهُمَا } الصغرى التي دعته استأجره لرعي الغنم { الْقَوِىُّ } فيما ولي { الأَمِينُ } فيما استودع . « ع » أو القوى في بدنه الأمين في عفافه .
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
{ ثَمَانِى حِجَجٍ } أي رعي الغنم ثماني حجج كانت هي الصداق أو شرطاً للأب في الإنكاح وليست بصداق . { عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } كانت الثمان واجبة والعشر عدة فوفى بالعشر « ع » . { مِنَ الصَّالِحِينَ } في حسن الصحبة ، أو فيما وعده به . وكان جعل له كل سخلة تُوضَع على خلاف شبه أمها . فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن الق عصاك في الماء فولدن كلهن خلاف شبههن ، أو جعل له كل بلقاء تولد فولدن كلهن بلقاً .
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
{ فَلا عُدْوَانَ } فلا سبيل . { وَكِيلٌ } شهيد ، أو حفيظ ، أو رقيب .
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
{ قَضَى مُوسَى الأَجَلَ } وَفَّى العمل . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « أَجَّر موسى نفسه لعفة فرجه وطعمة بطنه » فقيل : أي الأجلين قضى . قال : « أبرهما وأوفاهما » { ءَانَسَ } رأى . { امْكُثُواْ } اقيموا مكانكم { جَذْوَةٍ } أصل شجرة فيها نار ، أو عود في بعضه نار وليست في بعضه ، أو عود في بعضه نار ليس له لهب ، أو شهاب من نار ذو لهب « ع » . { تَصْطَلُونَ } تستدفئون .
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)
{ أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } عَرَّفه وحدانيته ولم يَصِرْ بذلك رسولاً . لأنه لم يأمره بالرسالة وإنما صار بذلك من أصفيائه { الشَّجَرَةِ } العليق وهو العوسج « ع » .
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
{ أَلْقِ عَصَاكَ } ليعلم بذلك أن الذي سمعه كلام الله تعالى . { وَلَمْ يُعَقِّبْ } لم يثبت مأخوذ من العقب الذي يثبت به القدم أو لم يتأخر لسرعة مبادرته . { الأَمِنِينَ } من الخوف فلا يصير رسولاً إلا بقوله { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ } ، أو الآمنين المرسلين لقوله : { لاَ تَخَفْ إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ المرسلون } [ النمل : 10 ] فيصير بذلك رسولاً . { بُرْهَانَانِ } اليد والعصا { الرَّهْبِ } الكُمْ ، أو الخوف .
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)
{ رِدْءاً } عوناً ، أو زيادة والردء الزيادة .
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
{ مَا عَلِمْتُ لَكُم } كان بينها وبين قوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى } [ النازعات : 24 ] أربعون سنة « ع » { عَلَى الطِّينِ } هو أول من طبخ الآجُر . { صَرْحاً } قصراً عالياً وهو أول من صنع الصرح فصعده ورمى نُشَّابة نحو السماء فعادت ملتطخة دماً فقال قتلت إله موسى .
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)
{ الْيَمِّ } بحر يقال له أساف من وراء مصر غرقوا فيه .
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)
{ أَئِمَّةً } يقتدى بهم في الكفر ، أو يأتم بهم المعتبرون وتيعظ بهم ذوو البصائر { إِلَى النَّارِ } إلى عملها ، أو إلى ما يوجب دخولها .
وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)
{ لَعْنَةً } خزياً وغضباً ، أو طرداً منها بالهلاك فيما . { الْمَقْبُوحِينَ } بسواد الوجوه وزرقة الأعين ، أو المشوهين بالعذاب ، أو المهلكين ، أو الملعونين .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)
{ الْكِتَابَ } ست من المثاني السبع المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم ، أو التوراة وهي أول كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام . { مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى } قال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه « لم تهلك قرية ولا أمة ولا قرن بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد نزول التوراة ، إلا الذين مسخوا قردة » . { بَصَآئِرَ } بينات { وَهُدىً } دلالة { وَرَحْمَةً } نعمة . { يَتَذَكَّرُونَ } هذه النعم فيثبتون على إيمانهم .
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)
{ وَمَا كُنتَ } يا محمد { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، أو نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت . { وَلَكِن رَّحْمَةً } ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك ، أو إرسالك إلى قومك نعمة مني .
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)
{ قَالُواْ } موسى ومحمد { ساحران } . قاله مشركوا العرب ، أو موسى وهارون قالته اليهود من ابتداء الرسالة ، أو عيسى ومحمد وهو قول اليهود اليوم { سِحْرَانِ } . التوراة والقرآن ، أو التوراة والإنجيل ، أو القرآن والإنجيل وقائل ذلك اليهود ، أو قريش .
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)
{ وَصَّلْنَا } بَيَّنا ، أو أتممنا كصلتك الشيء بالشيء ، أو أتبعنا بعضه بعضاً . { الْقَوْلَ } الخبر عن أمر الدنيا والآخرة ، أو الخبر عمن أهلكناهم بماذا أهلكناهم من أنواع العذاب { يَتَذَكَّرُونَ } محمداً فيؤمنون به « ع » ، أو يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم ، أو يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان .
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)
{ الْكِتَابَ } التوراة ، والإنجيل { قَبْلِهِ } من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون ، أو من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون . نزلت والتي بعدها في تميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي ، أو في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل . آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه . اثنان وثلاثون من الحبشة قدموا مع جعفر بن أبي طالب على الرسول صلى الله عليه وسلم وثمانية قدموا من الشام منهم بحيرا أو أبرهة .
أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
{ أَجْرَهُمْ مَّرَّتَيْنِ } لإيمانهم بالكتاب الأول ، والكتاب الآخر ، { بِمَا صَبَرُواْ } على الإيمان ، أو الأذى ، أو الطاعة وعن المعصية . { بِالْحَسَنَةِ } يدفعون بالعمل الصالح ما سلف من الذنب ، أو بالحلم جهل الجاهل ، أو بالسلام قبح اللقاء ، أو بالمعروف المنكر ، أو بالخير الشر . { يُنفِقُونَ } الزكاة « ع » ، أو نفقة الأهل وهذا قبل نزول الزكاة ، أو يتصدقون من أكسابهم .
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
{ وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ } قوم أسلموا من اليهود فكان اليهود يلقونهم بالسب والأذى . فيعرضون ، أو أسلم منهم قوم فكانوا إذا سمعوا ما غُيِّر من التوراة . من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم كرهوه وأعرضوا عنه ، أو المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه ، أو ناس من أهل الكتاب ليسوا يهود ولا نصارى وكانوا على دين الأنبياء ينتظرون مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا بظهوره بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا فكان أبو جهل ومن معه يلقونهم فيقولون لهم : « أُفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم » فإذا قالوا ذلك أعرضوا عنهم . { أَعْمَالُنَا } لنا ديننا ولكم دينكم ، أو لنا حلمنا ولكم سفهكم . { لا نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ } لا نتبعهم أو لا نجازيهم .
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
{ مَنْ أَحْبَبْتَ } هدايته ، أو أحببته لقرابته نزلت في أبي طالب . { يَهْدِى مَن يَشَآءُ } قال قتادة : يعني العباس . { بِالْمُهْتَدِينَ } بمن قَدَّر له الهدى .
وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)
{ وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى } نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال للرسول صلى الله عليه سلم إنا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب في أرضنا يعني مكة وإنما نحن أكلة رأس للعرب ولا طاقة لنا بهم . { ءَامِناً } بما طبعت عليه النفوس من السكون إليه حتى لا يفر الغزال من الذئب والحمام من الحدأ ، أو أمر بأن يكون آمناً لمن دخله ولاذ به يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري . أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي . { يُجْبَى } يجمع { ثَمَرَاتُ كُلِّ } أرض وبلد { لا يَعْلَمُونَ } لا يعقلون ، أو لا يتدبرون .
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)
{ بَطِرَتْ } البطر : الطغيان بالنعمة { مَعِيشَتَهَا } في معيشتها قاله الزجاج أو أبطرتها معيشتها .
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
{ أُمِّهَا } أوائلها « ح » ، أو معظم القرى من سائر الدنيا ، أو مكة .
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
{ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ } الرسول صلى الله عليه وسلم . { وَعْداً حَسَناً } النصر في الدنيا والجنة في الآخرة أو حمزة بن عبد المطلب ، والوعد الحسن الجنة وملاقاتها دخولها . { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ } أبو جهل { الْمُحْضَرِينَ } للجزاء ، أو في النار ، أو المجهولين .
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)
{ الأَنبَآءُ } الحجج ، أو الأخبار . { لا يَتَسَآءَلُونَ } بالأنساب ، أو لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله ، أو أن يحمل من ذنوبه شيئاً .
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)
{ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } كان قوم في الجاهلية يجعلون خير أموالهم لآلهتهم . فقال { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } من خلقه { وَيَخْتَارُ } منهم ما يشاء لطاعته ، أو يخلق ما يشاء من الخلق ويختار من يشاء للنبوة ، أو يخلق ما يشاء النبي ويختار الأنصار لدينه { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أي يختار للمؤمنين الذي فيه خيرتهم ، أو « ما » نافية أن يكون للخلق على الله تعالى خيرة نزلت في الذين { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] ، أو في الوليد بن المغيرة قال { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] يعني نفسه وأبا مسعود الثقفي فقال الله تعالى ما كان لهم أن يتخيروا على الله الأنبياء .
وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)
{ وَنَزَعْنَا } أخرجنا { مِن كُلِّ أُمَّةٍ } رسولاً مبعوثاً إليها ، أو أحضرناه ليشهد عليهم أن قد بلغها الرسالة . { بُرْهَانَكُمْ } حجتكم ، أو بينتكم . { الْحَقَّ لِلَّهِ } التوحيد ، أو العدل ، أو الحجة .
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
{ قَارُونَ } كان ابن عم موسى أخي أبيه وقطع البحر مع بني إسرائيل ونافق كما نافق السامري . { فَبَغَى } كفر بالله ، أو زاد في طول ثيابه شبراً ، أو علا بكثرة ماله وولده ، أو كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم ، أو نسب ما أتاه الله تعالى من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته ، أو لما أمر موسى برجم الزاني دفع قارون إلى بَغِيٍّ مالاً قيل ألفي درهم وأمرها أن تدعي على موسى أنه زنا بها ففعلت فعظم ذلك على موسى فأحلفها بالله تعالى الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت . فقالت : أشهد أنك برىء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على ذلك « ع » . { مِنَ الْكُنُوزِ } أصاب كنزاً ، أو كان يعمل الكيمياء . { مَفَاتِحَهُ } خزائنه ، أو أوعيته ، أو مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً ، أو مفاتيحها : إحاطة علمه بها . { لَتَنواْ } لتثقل العصبة « ع » ، أو لتمر بالعصبة من النأي وهو البعد ، أو ينهض بها العُصبة { بِالْعُصْبَةِ } الجماعة يتعصب بعضهم لبعض وهم سبعون رجلاً ، أو ما بين العشرة إلى الأربعين ، أو ما بين العشرة إلى الخمسة عشر ، أو ستة أو سبعة ، أو ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر ، أو عشرة قال أبو عبيدة : هذا من المقلوب تأويله أن العصبة لتنوء بالمفاتيح { الْقُوَّةِ } الشدة { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } مؤمنو قومه ، أو موسى . { لا تَفْرَحْ } لا تبغ ، أو لا تبخل ، أو لا تبطر .
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
{ وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ } بطلب الحلال في الكسب « ح » ، أو بالصدقة وصلة الرحم { وَلا تَنسَ } حظك من الدنيا أن تعمل فيه لآخرتك « ع » ، أو لا تنس الغَناء بالحلال عن الحرام أو لا تنس ما أنعم الله عليك فيها أن تشكر الله بطاعته . { وَأَحْسِن } فيما فرض عليك كما أحسن الله تعالى في نعمه عليك ، أو في طلب الحلال . كما أحسن إليك بالإحلال ، أو أعط فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك . { لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } لا يقربهم ، أو لا يحب أعمالهم .
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
{ عِلْمٍ عِندِى } بقوتي وعملي ، أو خير عندي ، أو لرضا الله عني وعلمه باستحقاقي ، أو علم بوجه المكاسب ، أو صنعه الكيمياء علمه موسى ثلث الصنعة ويوشع الثلث وهارون الثلث . فخدعهما قارون وكان على إيمانه فعلم ما عندهما فعلم الكيمياء وكثرت أمواله . { وَلا يُسْئَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } سؤال استعتاب ، أو لا تسأل عنهم الملائكة لأنهم يعرفونهم بسيماهم ، أو يعذبون ولا يحاسبون ، أو لا يسألون عن إحصاء أعمالهم ويعطون الصحائف فيعرفونها ويعترفون بها .
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)
{ فِى زِينَتِهِ } حشمه ، أو تَبَعِه سبعين ألفاً عليهم المعصفرات وهو أول يوم رؤيت فيه المعصفرات وكان أول من خضب بالسواد ، أو جَوارٍ بيض على بغال بيض بسروج من ذهب على قُطُف أرجوان { حَظٍّ } درجة ، أو جد .
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)
{ فَخَسَفْنَا } قيل شكاه موسى عليه الصلاة والسلام إلى الله تعالى فأمر الأرض أن تطيع موسى فأقبل قارون وشيعته فقال موسى عليه الصلاة والسلام « يا أرض خذيهم » فأخذتهم إلى أوساطهم ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فخسف بهم وبدار قارون وكنوزه ، أو قال بنو إسرائيل : إنما أمر الأرض بابتلاعه ليرث ماله لأنه كان ابن عمه فخسف بداره وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام .
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
{ وَيْكَأَنَّ } أو لا يعلم أن الله ، أو لا يرى أن الله ، أو ولكن الله بلغة حمير ، والياء صلة تقديره كأن الله ، أو الياء والكاف صلتان تقديره وأن الله ، أو الكاف صلة والياء للتنبيه ، أو ويك مفصولة بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً ، أو ويلك فحذف اللام ، أو وي منفصلة على جهة التعجب ثم استأنف كأن الله . قاله الخليل . { وَيَقْدِرُ } يختار له . « ع » ، أو ينظر له إن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقر خيراً له أفقره . « ح » أو يضيق .
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)
{ عُلُوّاً } بغياً ، أو تكبراً ، أو شرفاً وعزاً ، أو ظلماً ، أو شركاً أو لا يجزعون من ذلها ولا يتنافسون في عزها . { فَسَاداً } أخذها بغير حق ، أو المعاصي ، أو قتل الأنبياء والمؤمنين . { وَالْعَاقِبَةُ } الثواب ، أو الجنة .
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)
{ فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ } أنزله ، أو أعطاكه ، أو ألزمك العمل به ، أو حَمَّلك تأديته وتبليغه ، أو بينه على لسانك . { مَعَادٍ } مكة ، أو بيت المقدس ، أو الموت . « ع » ، أو يوم القيامة ، أو الجنة .
وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
{ إِلا وَجْهَهُ } إلا هو ، أو ملكه ، أو ما أريد به وجهه ، أو إلا موت العلماء فإن علمهم باق ، أو إلا جاهه ، لفلان جاه ووجه بمعنى ، أو العمل ، { لَهُ الْحُكْمُ } القضاء في خلقه بما شاء ، أو ليس للعباد أن يحكموا إلا بأمره { تُرْجَعُونَ } في القيامة فتجزون بأعمالكم .
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
{ أَحَسِبَ } أَظَنَّ قائلوا لا إله إلا الله { أَن يُتْرَكُواْ } فلا يختبر صدقهم وكذبهم ، أو أَظَنَّ المؤمنون أن لا يؤمروا ولا ينهوا ، أو أن لا يؤذوا ولا يقتلوا أو خرج قوم للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت فيهم فلما سمعوها خرجوا فقتل بعضهم وخلص آخرون فنزلت { والذين جَاهَدُواْ فِينَا } الآية [ العنكبوت : 69 ] . أو نزلت في عمار ومن كان يعذب في الله تعالى بمكة ، أو في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه عذبه أبو جهل على إسلامه حتى تلفظ بالشرك مُكرَهاً ، أو في قوم أسلموا قبل فرض الزكاة والجهاد فلما فرضا شق عليهم { لا يُفْتَنُونَ } لا يهلكون ، أو لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله تعالى وعن نواهيه .
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
{ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } بما فرض عليهم ، أو بما بلاهم به . { فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ } فليميزن الصادق من الكاذب ، أو ليظهرن لرسوله صدق الصادق . قيل نزلت في مهجع مولى عمر أو قتيل بين الصفين من المسلمين ببدر . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم « سيد الشهداء مهجع » وقيل هو أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين .
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)
{ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ } اليهود . والسيئات الشرك { يَسْبِقُونَا } يعجزونا فلا نقدر عليهم ، أو يسبقوا ما كتب عليهم من محتوم القضاء . { يَحْكُمُونَ } يظنون ، أو يقضون لأنفسهم على أعدائهم .
مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
{ يَرْجُواْ } يخاف ، أو يأمل . { لِقَآءَ اللَّهِ } لقاء ثوابه ، أو البعث إليه { أَجَلَ اللَّهِ } بالجزاء في القيامة . { السَّمِيعُ } لأقوالكم { الْعَلِيمُ } باعتقادكم .
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
{ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ } ألزمناه أن يبرهما ، أو ما أوصيناه به من برهما { حُسْناً } { لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } حجة ، أو لا يعلم أحد أن الله تعالى شريكاً . نزلت في سعد بن أبي وقاص حلفت أمه أن لا تأكل طعاماً حتى يرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ، أو في عياش بن أبي ربيعة حلفت أمه كذلك وخدعه أخوه لأمه أبو جهل حتى أوثقه وعاقبه .
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ } أعوان الظلمة ، أو المبتدعة إذا تُبعوا على بِدَعهم ، أو محدثو السنن الجائرة إذا عمل بها بعدهم .
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)
{ نُوحاً } هو أول رسول بعث وبعث من الجزيرة . { أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَاماً } وهي مبلغ عمره لبث قبل دعائهم ثلاثمائة ودعاهم ثلاثمائة وبقي بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين ، أو بعث لأربعين ودعاهم ألفاً إلا خمسين وبقي بعد الطوفان ستين فذلك ألف وخمسون « ع » ، أو لبث فيهم ألفاً إلا خمسين وعاش بعد ذلك سبعين فذلك ألف وعشرون ، أو بعث على ثلاثمائة وخمسين ودعاهم ألفاً إلى خمسين وبقي بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين فذلك ألف وستمائة وخمسون { الطُّوفانُ } المطر « ع » ، أو الغرق ، أو الموت مأثور قيل كان الطوفان في نيسان .
يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)
{ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } بالانقطاع إلى الدنيا { وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ } بالإعراض عنها ، أو يعذب بسوء الخلق ويرحم بحسنه ، أو يعذب بالحرص ويرحم بالقناعة ، أو يعذب ببغض الناس له ويرحم بحبهم ، أو يعذب بمتابعة البدعة ويرحم بملازمة السنة .
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)
{ لُوطٌ } كان ابن أخيه وآمنت به سارة وكانت بنت عمه ، أو كانت سارة أخت لوط . { مُهَاجِرٌ } للظالمين . فهاجر من الجزيرة إلى حَرَّان ، أو من كوثى وهي سواد الكوفة إلى الشام .
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
{ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا } الذكر الحسن « ع » ، أو رضا أهل الأديان به ، أو النية الصالحة التي اكتسب بها آجر الآخرة « ح » ، أو لسان صدق ، أو ما أوتي في الدنيا من الأجر ، أو الولد الصالح حتى إن أكثر الأنبياء من ولده .
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)
{ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ } لأن الناس انقطعوا عن الأسفار حذراً من فعلهم الخبيث ، أو قطعوا الطريق على المسافرين ، أو قطعوا سبيل النسل بترك النساء إلى الرجال . { نَادِيكُمُ } مجلسكم { الْمُنكَرَ } كانوا يتضارطون أو يحذفون من يمر بهم ويسخرون منه مأثور ، أو يأتي بعضهم بعضاً ، أو الصفير ولعب الحمام والجلاهق ومضغ العِلْك وبصاق بعضهم على بعض والسؤال وحل أزرار القباء في المجلس .
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
{ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ } كما لا يغني عنها بيتها كذلك لا تغني عبادة الأصنام شيئاً وقيل العنكبوت شيطان مسخها الله عز وجل .
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
{ اتْلُ } يا محمد على أمتك القرآن . { وَأَقِمِ الصَّلاةَ } المفروضة « ع » أو القرآن ، أو الدعاء إلى أمر الله تعالى . { الْفَحْشَآءِ } الزنا { وَالْمُنكَرِ } الشرك « ع » ، تنهى الصلاة عنهما ما دام المصلي فيها ، أو تنهى عنهما قبلها وبعدها « ع » قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله تعالى إلا بعداً » ، أو ما تدعوهم إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نهاهم عن الفحشاء والمنكر { وَلَذِكْرُ اللَّهِ } إياكم أكبر من ذكركم إياه « ع » ، أو ذكره أفضل من كل شيء ، أو ذكره في الصلاة أفضل مما نهت عنه من الفحشاء والمنكر ، أو ذكره في الصلاة أكبر من الصلاة ، أو ذكره أكبر أن تحويه عقولكم ، أو ذكره أكبر من قيامكم بطاعته ، أو أكبر من أن يُبقي على صاحبه عقاب الفحشاء والمنكر .
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
{ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } قول لا إله إلا الله « ع » ، أو الكف عند بذل الجزية والقتال عند منعها ، أو إن قالوا شراً قلنا لهم خيراً . { الَّذِينَ ظَلَمُواْ } أهل الحرب ، أو من منع الجزية ، أو من ظلم بالإقامة على اكفر بعد ظهور الحجة ، أو الذين ظلموا في جدلهم فأغلظوا لهم ، منسوخة ، أو محكمة . { وَقُولُواْ ءَامَنَّا } كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية للمسلمين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم { وَقُولُواْ ءَامَنَّا } » الآية . { مُسْلِمُونَ } بقوله لأهل الكتاب ، أو لمن آمن .
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
{ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ } قبل القرآن كتاباً من الكتب المنزلة ولا تكتبه بيمينك فتعلم ما فيه حتى يشكوا في إخبارك عنه أنه من وحي الله إليك ، أو كان نعته في الكتب المنزلة أن لا يكتب ولا يقرأ فكان ذلك دليلاً على صحة نبوته . { الْمُبْطِلُونَ } مكذبو اليهود ، أو مشركو العرب ، أو قريش لأنه لو كتب وقرأ قالوا تعلمه من غيره .
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)
{ بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ } يعني النبي صلى الله عليه وسلم في كونه لا يقرأ ولا يكتب آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب لأنه في كتبهم بهذه الصفة ، أو القرآن آيات بينات في صدور النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به خُصوا لحفظه في صدورهم بخلاف من قبلهم فإنهم كانوا لا يحفظون كتبهم عن ظهر قلب إلا الأنبياء . { الظَّالِمُونَ } المشركون .
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)
{ لَوْلآ أُنزِلَ } اقترحوا عليه الآيات ليجعل الصفا ذهباً وتفجير الأنهار ، أو سألوه مثل آيات الأنبياء كالناقة والعصا واليد وإحياء الموتى . { الأَيَاتُ } عند الله تعالى يخص بها من شاء من الأنبياء { وَإِنَّمَآ أَنَأْ نَذِيرٌ } لا يلزمني الإتيان بالمقترح من الآيات وإنما يلزمني أنه يشهد على تصديقي وقد فعل الله تعالى ذلك وأجابهم بقوله : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } دلالة على نبوتك القرآن بإعجازه واشتماله على الغيوب والوعود الصادقة ، أو أراد بذلك ما رُويَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُتِي بكتاب في كتف فقال : « كَفَى بقوم حمقاً أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى غير نبيهم ، أو كتاب غير كتابهم » فنزلت { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } . { لَرَحْمَةً } إستنقاذاً من الضلال . { وَذِكْرَى } إرشاداً إلى الحق { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يقصدون الإيمان دون العناد .
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
{ شَهِيداً } لي بالصدق « ع » والإبلاغ وعليكم بالكذب والعناد . { بِالْبَاطِلِ } إبليس ، أو عبادة الأصنام . { الْخَاسِرُونَ } لأنفسهم بإهلاكها ، أو لنعيم الجنة بعذاب النار .
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)
{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ } عناداً ، أو استهزاءً كقول النضر { إِن كَانَ هذا هُوَ الحق } الآية : [ الأنفال : 32 ] { أَجَلٌ مُّسَمّىً } القيامة ، أو أجل الحياة إلى الموت وأجل الموت إلى البعث ، أو النفخة الأولى أو الوقت الموقت لعذابهم . { بَغْتَةً } فجأة . { لا يَشْعُرُونَ } بنزوله قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « تقوم الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فِيه فما تصل إلى فِيه حتى تقوم الساعة » .
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
{ أَرْضِى وَاسِعَةٌ } فجانبوا العصاة بالخروج من أرضهم ، أو اطلبوا أولياء الله تعالى ، أو رحمتي واسعة ، أو رزقي واسع . { فَاعْبُدُونِ } بالهجرة إلى المدينة ، أو بأن لا تطيعوا أحداً في معصيتي ، أو فارهبون .
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)
{ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ } كل حي ميت ، أو تجد كرب الموت وشدته إرهاباً لهم لِيدَعوا المعاصي ، أو إعلاماً أن الرسل يموتون فلا تضلوا بموت من مات منهم .
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)
{ لَنُبَوِّئَنَّهُم } من الثواء وهو طول المقام والباء لنسكننهم { غُرَفاً } الغرف أعالي البيوت وهي أنزه وأطيب من البيوت .
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
{ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا } بل ما تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاً ، أو تأكل لوقتها ولا تدخر لغدها « ح » ، أو يأتيها بغير طلب وذكر النقاش شيئاً لا يحل ذكره ولبئس ما قال وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الحيوان كل ما دب لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر . { يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } يسوي بين القادر والعاجز والحريص والقانع ليعلم أن ذلك يقدره الله تعالى دون حول وقوة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة خافوا الضيعة والجوع وقال بعضهم نهاجر إلى بلدة ليس فيها معاش فنزلت هذه الآية فهاجَرُوا .
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
{ الْحَيَاةُ } الحياة الدائمة . قال أبو عبيدة : الحيوان والحياة واحد .
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)
{ وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ } بالقتل والسبي . { أَفَبِالْبَاطِلِ } الشرك ، أو إبليس { وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ } بعافيته « ع » ، أو عطائه وإحسانه أو بالهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو بإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف .
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)
{ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } جعل له شريكاً وولداً { بِالْحَقِّ } التوحيد أو القرآن ، أو محمد صلى الله عليه وسلم . { مَثْوىً } مستقر .
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
{ جَاهَدُواْ } أنفسهم في هواها ، أو العدو بالقتال ، أو اجتهدوا في الطاعة وترك المعصية ، أو تابوا من ذنوبهم جهاداً لأنفسهم . { سُبُلَنَا } طريق الجنة ، أو دين الحق ، أو نعلمهم ما لا يعلمون ، أو نخلص نياتهم في الصوم والصلاة والصدقة . { لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } بالنصر والمعونة .
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)
كان المسلمون يؤثرون ظهور الروم على فارس لأنهم أهل كتاب ، وآثر المشركون ظهور فارس على الروم لأنهم أهل أوثان فلما غلبت فارس سُرَّ المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تغلبونا لأنكم أهل كتاب وقد غلبت فارس الروم وهم أهل كتاب وكان آخر فتوح كسرى فتح فيه القسطنطينية بنى فيها بيت النار فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم فساءه ذلك فنزلت هاتان الآيتان فبادر أبو بكر رضي الله عنه فأخبر المشركين بذلك فاقتمر المسلمون والكفار على أنهم يغلبون إلى ثلاث سنين ، أو خمس سنين ، أو سبع سنين . قامر عن المسلمين أبو بكر رضي الله تعالى عنه . وعن المشركين أبو سفيان بن حرب ، أو أُبي بن خلف وذلك قبل تحريم القمار وكان العوض خمس قلائص ، أو سبع قلائص فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر قدر المدة أمره أن يزيد في الخطر فزاد قلوصين وازداد سنتين وكانت الزيادة بعد انقضاء الأجل الأول قبل الغلبة ، أو قبل انقضاء الأجل الأول . وغلبت الروم فارس عام بدر في يوم بدر ، أو قبل الهجرة بسنتين ، أو عام الحديبية . { أدنى الأرض } أدنى أرض فارس ، أو أدنى أرض الروم عند الجمهور بأطراف الشام « ع » ، أو أذرعات الشام كانت بها الوقعة ، أو الجزيرة أقرب أرض الروم إلى فارس ، أو الأردن وفلسطين .
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
{ بِضْعِ } ما بين الثلاث إلى العشر . مأثور ، أو ما بين العقدين من الواحد إلى العشرة . قاله بعض أهل اللغة ، فيكون من الثاني إلى التاسع ، أو ما بين الثلاث والتسع . والنَّيف ما بين الواحد إلى التسعة ، أو ما بين الواحد والثلاثة عند الجمهور . { مِن قَبْلُ } ما غُلِبتْ الروم { وَمِن بَعْدُ } ما غُلِبت ، أو قبل دولة فارس على الروم وبعد دولة الروم على فارس . { يَفْرَحُ الْمؤْمِنُونَ } جاءهم الخبر بهلاك كسرى يوم الحديبية ففرحوا { بِنَصْرِ اللَّهِ } لضعف فارس وقوة العرب ، أو فرحوا بنصر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب مثلهم ، أو لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين ، أو لما فيه من تصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك . { يَنصُرُ مَن يَشَآءُ } من أوليائه ونصره مختص بهم وغلبة الكفار ليست بنصر منه وإنما هي بلاء ومحنة { الْعَزِيزُ } في نقمته من أعدائه { الرَّحِيمُ } بأوليائه .
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
{ ظَاهِراً } أمر معاشهم متى يزرعون ويحصدون وكيف ينبتون ويغرسون « ع » وكبنيان قصورها وشق أنهارها وغرس أشجارها ، أو يعلمون ما ألقته الشياطين إليهم باستراق السمع من أمور الدنيا .
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)
{ بِالْحَقِّ } بالعدل ، أو الحكمة ، أو بأن استحق عليهم الطاعة والشكر ، أو للثواب والعقاب . { وَأَجَلٍ مُّسَمّىً } القيامة « ع » أو أجل كل مخلوق .
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)
{ أَسَآءُواْ } كفروا . { السُّوأَى } جهنم ، أو عقاب الدارين « ح » . { أَن كَذَّبُواْ } لأن كذبوا { بِآيَاتِ اللَّهِ } محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، أو معجزات الرسل ، أو نزول العذاب بهم .
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)
{ يُبْلِسُ } يفتضح ، أو يكتئب ، أو ييأس ، أو يهلك ، أو يندم ، أو يتحير .
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)
{ يَتَفَرَّقُونَ } في المكان بالجنة والنار ، أو بالجزاء بالثواب والعقاب .
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
{ رَوْضَةٍ } البستان المتناهي منظراً وطيباً . { يُحْبَرُونَ } يكرمون « ع » ، أو ينعمون ، أو يلتذون بالسماع والغناء ، أو يفرحون . والحبرة : السرور والفرح .
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)
{ مُحْضَرُونَ } نازلون ، أو مقيمون ، أو يدخلون ، أو مجموعون .
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)
{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ } سبحوه ، أو صلّوا له سميت الصلاة تسبيحاً لاشتمالها عليه في الركوع والسجود ، أو من السبحة وهي الصلاة . { تُمْسُونَ } المغرب والعشاء المساء بدو الظلام بعد المغيب { تُصْبِحُونَ } صلاة الصبح .
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)
{ وَلَهُ الْحَمْدُ } على نعمه ، أو الصلاة لاختصاصها بقراءة حمده بالفاتحة وخص صلاة النهار باسم الحمد لأن تقلب النهار يكثر فيه الإنعام الموجب للحمد والليل وقت فراغ وخَلوة يوجب تنزيه الله تعالى من الأسواء فيها . { وَعَشِيّاً } العصر العشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب لنقص نورها أخذ من عشا العين وهو نقص نورها { تُظْهِرُونَ } صلاة الظهر . نزلت هذه الآية بعد الإسراء به قبل الهجرة وكل آية نزلت تذكر الصلاة قبل الإسراء فليست من الصلوات الخمس لأنهن إنما فرضن ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة .
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
{ يُخْرِجُ } الإنسان الحي من النطفة الميتة والنطفة الميتة من الإنسان الحي « ع » ، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، أو الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة ، أو النخلة من النواة والنواة من النخلة والسنبلة من الحبة والحبة من السنبلة . { تُخْرَجُونَ } كما أحيى الموات وأخرج النبات فكذلك تبعثون .
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
{ أَزْوَاجاً } حواء من ضلع آدم ، أو سائر الأزواج من أمثالهم من الرجال . { لِّتَسْكُنُواْ } لتأنسوا . { مَّوَدَّةً } محبة { وَرَحْمَةً } شفقة ، أو المودة الجماع والرحمة الولد « ح » ، أو المودة حب الكبير والرحمة الحُنو على الصغير ، أو الرحمة بين الزوجين .
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)
{ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } بما فيهما من العبر ، أو لعجز الخلق عن إيجاد مثلهما . { أَلْسِنَتِكُمْ } لغاتكم كالعربية والرومية والفارسية { وَأَلْوَانِكُمْ } أبيض وأحمر وأسود ، أو اختلاف النغمات والأصوات وألوانكم صوركم فلا يشتبه صورتان ولا صوتان . كيلا يشتبهوا في المناكح والحقوق . { لِّلْعَالِمِينَ } الإنس والجن وبالكسر العلماء .
وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)
{ مَنَامُكُم بالَّيْلِ } { وَابْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ } بالنهار ، أو منامكم وابتغاؤكم فيهما جميعاً لأن منهم من يتصرف في المعاش ليلاً وينام نهاراً وابتغاء الفضل بالتجارة ، أو بالتصرف في العمل . فالنوم كالموت والتصرف نهاراً كالبعث { يَسْمَعُونَ } الحق فيتعبونه ، أو الوعظ فيخافونه ، أو القرآن فيصدقونه .
وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)
{ خَوْفاً } للمسافر { وَطَمَعاً } للمقيم ، أو خوفاً من الصواعق وطمعاً في الغيث ، أو خوفاً من البرد أن يهلك الزرع وطمعاً في الغيث أن يحييه ، أو خوفاً أن يكون خُلباً لا يمطر وطمعاً أن يمطر .
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)
{ قَانِتُونَ } مطيعون . مأثور ، أو مصلون « ع » ، أو مقرون بالعبودية ، أو قائمون له يوم القيامة ، أو قائمون بالشهادة أنهم عباده « ع » أو مخلصون .
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
{ يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ } بعلوقه في الرحم ثم يعيده بالبعث استدلالاً بالنشأة على الإعادة . { أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أعادة الخلق أهون على الله تعالى من ابتدائه لأن الإعادة أهون من البُدأة عُرفاً وإن كانا هينين على الله تعالى ، أو الإعادة أهون على المخلوق لأنه يقلب نطفة ثم علقه ثم مضغة ثم عظماً ثم رضيعاً ثم فطيماً وفي الإعادة يُصاح به فيعود سوياً « ع » أو أهون بمعنى هين . قال :
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول
وأهون أيسر وأسهل { الْمَثَلُ الأَعْلَى } الصفة العليا ليس كمثله شيء « ع » أو شهادة أن لا إله إلا الله ، أو يحيي ويميت { الْعَزِيزُ } المنيع في قدرته أو القوي في انتقامه { الْحَكِيمُ } في تدبيره ، أو في إعذاره وحجته إلى عباده .
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
{ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً } سبب ضربه إشراكهم في عبادته ، أو قولهم في التلبية إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، أو كانوا يورثون آلهتهم أي لما لم يشرككم عبيدكم في أموالكم لملككم إياهم فالله تعالى أولى أن لا يشاركه أحد في العبادة لأنه مالك كل شيء { تَخَافُونَهُمْ } أن يشاركوكم في أموالكم كما تخافون ذلك من شركائكم ، أو تخافون أن يرثوكم كما تخافون ورثتكم ، أو تخافون لأئمتهم كما يخاف بعضكم بعضاً .
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
{ وَجْهَكَ } قصدك ، أو دينك ، أو عملك . { حَنِيفاً } مسلماً ، أو مخلصاً ، أو متبعاً ، أو مستقيماً ، أو حاجاً « ع » ، أو مؤمناً بجميع الرسل . { فِطْرَتَ اللَّهِ } صنعة الله ، أو دينه الإسلام « ع » الذي خلق الناس عليه { لِخَلْقِ اللَّهِ } لدين الله ، أو لا يُتَغير بخلقه من البهائم أن يخصى فحولها « ع » أو لا خالق غير الله يخلق كخلقه { الدِّينُ الْقَيِّمُ } الحساب البين ، أو القضاء المستقيم « ع » .
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
{ مُنِيبِينَ } مقبلين ، أو داعين ، أو مطيعين ، أو تائبين من الذنوب والإنابة من القطع فهي الانقطاع إلى الله تعالى بالطاعة ومنه الناب لقطعه ، أو من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة .
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
{ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } بالاختلاف فصاروا فرقاً و { فارقوا دينهم } وهم اليهود ، أو اليهود والنصارى ، أو خوارج هذه الأمة مأثور ، أو أهل الأهواء والبدع مأثور . { شِيَعاً } فرقاً ، أو أدياناً { بِمَا لَدَيْهِمْ } من الضلالة { فَرِحُونَ } مسرورون عند الجمهور ، أو معجبون أو متمسكون .
أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)
{ سُلْطَاناً } كتاباً ، أو عذراً ، أو برهاناً ، أو رسولاً .
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
{ رَحْمَةً } عافية وسعة ، أو نعمة ومطر { سَيِّئَةٌ } بلاء وعقوبة ، أو قحط المطر . { يَقْنَطُونَ } القنوط اليأس من الرحمة والفرج عند الجمهور أو ترك فرائض الله تعالى في السر « ح » .
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)
{ ذَا الْقُرْبَى } قرابة الرجل يصلهم بماله ونفسه ، أو قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب يعطون حقهم من الفيء والغنيمة . { وَابْنَ السَّبِيلِ } المسافر ، أو الضيف « ع » .
وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
{ مِّن رِّباً } هو أن يهدي الهدية ليكافأ بأفضل منها « ع » ، أو رجل خدم في السفر فجعل له جزء من الربح لخدمته لا لوجه الله تعالى ، أو رجل وهب قريبه ليصير غنياً ذا مال ولا يفعله طلباً للثواب . { فَلا يَرْبُواْ } لا يكون له ثواب عند الله { زكَاةٍ } مفروضة ، أو صدقة . { وَجْهَ اللَّهِ } ثوابه . { الْمُضْعِفُونَ } الحسنة بعشر ، أو يضاعف أموالهم في الدنيا بالنمو والبركة .
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)
{ الْفَسَادُ } الشرك ، أو المعاصي ، أو قحط المطر ، أو فساد البر قتل ابن آدم أخاه وفساد البحر أخذ السفينة غصباً { الْبَرِّ } الفيافي { وَالْبَحْرِ } القرى . العرب تسمى الأمصار البحر ، أو البر أهل العمود والبحر أهل القرى والريف ، أو البر بادية الأعراب والبحر الجزائر ، أو البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر والبحر ما كان منها على شاطىء نهر « ع » { بَعْضَ الِّذِى عَمِلُواْ } لأن للمعصية جزاء عاجلاً وجزاء آجلاً . { يَرْجِعُونَ } عن المعاصي ، أو إلى الحق ، أو يرجع من بعدهم « ح » .