كتاب : تفسير ابن عبد السلام
المؤلف : عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ } للتوحيد ، أو استقم للدين المستقيم بصاحبه إلى الجنة . { يَصَّدَّعُونَ } يتفرقون في عرصة القيامة ، إلى النار والجنة ، أو يتفرق المشركون وآلهتهم في النار .
مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)
{ يَمْهَدُونَ } يُسَوُّون المضاجع في القبور ، أو يوطئون في الدنيا بالقرآن وفي الآخرة بالعمل الصالح .
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)
{ مُبَشِّرَاتٍ } بالمطر رياح الرحمة أربعة المبشرات والذاريات والناشرات والمرسلات ، ورياح العذاب أربعة العقيم والصرصر في البر والعاصف والقاصف في البحر . { مِّن رَّحْمَتِهِ } بردها وطيبها ، أو المطر .
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
{ نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } الأنبياء بإجابة دعائهم على مكذبيهم ، أو نصرهم بإيجاب الذَّب عن أعراضهم .
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)
{ كِسَفاً } قطعاً ، أو متراكباً بعضه على بعض ، أو في سماء دون سماء . { الْوَدْقَ } البرق ، أو المطر .
فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)
{ رَحْمَتِ اللَّهِ } المطر .
وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)
{ فَرَأَؤهُ } رأوا السحاب { مُصْفَرّاً } بأنه لا يمطر ، أو الزرع مصفراً بعد خضرته « ع » . { لَّضَلُّواْ } أظل إذا فعل أول النهار ووقت الظل وكذلك أضحى فتوسعوا في استعمال ظَلَّ في أول النهار وآخره وقل ما يستعمل أضحى إلا في صدر النهار .
فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)
{ الْمَوْتَى } الذين ماتوا كفاراً و { الصُّمَّ } الذين تولوا عن الهدى فلم يسمعوه ، أو مَثَّل الكافر في أنه لا يسمع بالميت والأصم لأن كفره قد أماته وضلاله قد أصمه { مُدْبرِينَ } لأن المدبر لا يفهم بالإشارة وإن كان الأصم لا يسمع مقبلاً ولا مدبراً قيل نزلت في بني عبد الدار .
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
{ ضَعْفٍ } نطفة . { قُوَّةً } شباباً . { ضَعْفٍ } هرماً { وَشَيْبَةً } شمطاً .
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
{ الْمُجْرِمُونَ } الكفار . { مَا لَبِثُواْ } في الدنيا ، أو في القبور { كَذَلِكَ } هكذا . { يُؤْفَكُونَ } يكذبون في الدنيا ، أو يصرفون عن الإيمان بالبعث .
فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)
{ مَعْذِرَتُهُمْ } في تكذيبهم . { يُسْتَعْتَبُونَ } يستتابون ، أو يعاتبون على سيئاتهم أو لا يطلب منهم العتبى وهو أن يردوا إلى الدنيا ليؤمنوا .
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
{ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ } لا يستعجلنك ، أو لا يستفزنك ، أو لا يستنزلنك . { لا يُوقِنُونَ } لا يؤمنون ، أو لا يصدقون بالبعث والجزاء .
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)
{ الْحَكِيمِ } المحكم آياته بالحلال والحرام والأحكام ، أو المتقن { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 42 ] أو البين أنه من عند الله ، أو المظهر للحكمة بنفسه كما يظهرها الحكيم بقوله .
هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
{ هُدىً } من الضلالة ، أو إلى الجنة . { وَرَحْمَةً } من العذاب لما فيه من الزواجر عن استحقاقه ، أو بالثواب لما فيه من البواعث على استيجابه ، نعته بذلك أو مدحه به { لِّلْمُحْسِنِينَ } الإحسان الإيمان الذي يحسن به إلى نفسه ، أو الصلة والصلاة ، أو أن تخشى الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وتحب للناس ما تحب لنفسك .
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
{ هُدىً مِّن رَّبِّهِمْ } نور ، أو بينة ، أو بيان . { الْمُفْلِحُونَ } السعداء ، أو المنجحون ، أو الناجون ، أو الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا « ع » .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
{ يَشْتَرى لَهْوَ الْحَدِيثِ } شراء المغنيات ، أو الغناء « ع » ، أو الزمر والطبل ، أو الباطل ، أو الشرك ، أو ما ألهى عن الله تعالى ، أو الجدال في الدين والخوض في الباطل نزلت في النضر بن الحارث كان يجلس فإذا قيل له : قال محمد كذا ضحك وحدثهم بحديث رستم واسفنديار وقال : إن حديثي أحسن حديثاً من محمد . أو في قرشي اشترى مغنية شغل بها الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم . { لِيُضِلَّ } ليصد عن دين الله تعالى ، أو ليمنع من قراءة القرآن .
{ وَيَتَّخِذَهَا } يتخذ سبيل الله { هُزُؤاً } يكذب بها ، أو يستهزىء بها .
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
{ بِغَيْرِ عَمَدٍ } وأنتم ترونها ، أو بعمد لا ترونها . { أَن تَمِيدَ } تزول ، أو تتحرك . { وَبَثَّ } بسط ، أو فرق { دَآبَّةٍ } سمي به الحيوان لدبيبه والدبيب الحركة . { فَأَنبَتْنَا } الناس نبات الأرض فالكريم من دخل الجنة واللئيم من دخل النار ، أو الأشجار والزروع { زَوْجٍ } نوع { كَرِيمٍ } حسن أو الثمر الطيب ، أو النافع .
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
{ لُقْمَانَ } نبي قاله عكرمة ، أو من سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوة ، أو كان عبداً حبشياً ، أو نوبياً قصيراً أفطس خياطاً بمصر ، أو راعياً ، أو نجاراً وكان فيما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، أو ولد لعشر سنين من ملك داود وبقي إلى زمان يونس { الْحِكْمَةَ } الفهم والعقل ، أو الفقه والعقل والإصابة في القول ، أو الأمانة . { أَنِ اشْكُرْ } أتيناه الحكمة والشكر ، أو آتيناه الحكمة لأن يشكر قاله الزجاج { اشْكُرْ لِلَّهِ } أحمده على نعمه ، أو أطعه ولا تشرك به ، أو لا تعصه على نعمه . { يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لأنه تزداد نعمه كلما ازداد شكراً . { وَمَن كَفَرَ } بالنعمة ، أو بالله واليوم الآخر . { غَنِىٌّ } عن خلقه { حَمِيدٌ } في فعله ، أو غني عن فعله مستحمد إلى خلقه .
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
{ يَعِظُهُ } يذكره ويؤدبه . { لَظُلْمٌ } يظلم به نفسه { عَظِيمٌ } عند الله قيل : كان ابنه مشركاً .
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
{ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ } عامة ، أو نزلت في سعد بن أبي وقاص . { وَهْناً عَلَى وَهْنٍ } شدة على شدة « ع » ، أو جهداً على جهد ، أو ضعفاً على ضعف ، ضعف الولد على ضعف الوالدة ، أو ضعف نطفة الأب على ضعف نطفة الأم ، أو ضعف الولد أطوار خلقه ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم سوياً ثم وليداً ثم رضيعاً ثم فطيماً . { اشْكُرْ لِى } النعمة بالحمد والطاعة { وَلِوَالِدَيْكَ } التربية بالبر والصلة .
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
{ مَعْرُوفاً } إحساناً تعودهما إذا مرضا وتشيعهما إذا ماتا وتواسيهما إذا افتقرا . { مَنْ أَنَابَ } أقبل بقلبه { إِلَىَّ } مخلصاً وهو الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون .
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
{ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } من الخير ، أو الشر . { صَخْرَةٍ } خضراء تحت الأرض السابعة على ظهر الحوت ، خضرة السماء منها وقيل : إنها في سجين التي يكتب فيها أعمال الكفار ، أو في صخرة في جبل . { يَأَتِ بِهَا اللَّهُ } أي بجزاء ما وازنها من خير ، أو شر ، أو يعلمها ويأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من الخير والشر ويعلمه الله تعالى فيجازي عليه . { لَطِيفٌ } في إخراجها . { خَبِيرٌ } بمكانها قيل لما وعظ ابنه ألقى حبة خردل في عرض البحر ثم مكث ما شاء الله ثم ذكرها وبسط يده فبعث الله تعالى ذبابة فأخذتها فوضعتها في يده .
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
{ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } مما أمر الله تعالى به من الأمور ، أو من ضبط الأمور ، أو من قطع الأموُر . العزم والحزم واحد ، أو الحزم الحذر والعزم القوة وفي المثل لا خير في عزم بغير حزم ، أو الحزم التأهب للأمر والعزم النفاذ فيه وفي المثل رَوِّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم .
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
{ تُصَعِّرْ } الصعر الكبر « ع » ، أو الميل ، أو التشدق في الكلام ، يقول لا تعرض بوجهك عن الناس تكبراً ، أو بالتشدق ، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو يلوي شدقه عن ذكر الإنسان احتقاراً ، أو الإعراض عمن بينه وبينه إحنة هجراً له فكأنه أمر بالصفح والعفو ، أو أن يكون الغني والفقير عنده في العلم سواء . { مَرَحاً } بالمعصية ، أو بالخيلاء والعظمة ، أو البطر والأشر . { مُخْتَالٍ } منان ، أو متكبر ، أو بطر . { فَخُورٍ } متطاول على الناس بنفسه ، أو مفتخر عليهم بما يصفه من مناقبه « ع » ، أو الذي يعدد ما أعطى ولا يشكر الله تعالى فيما أعطاه .
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
{ وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ } تواضع فيه ، أو انظر في مشيك إلى موضع قدمك ، أو أسرع فيه أو لا تسرع فيه ، أو لا تختل فيه . { وَأَغْضُضْ } اخفض . { أَنكَرَ الأَصْوَاتِ } أقبحها ، أو شرها ، أو أشدها ، أو أبعدها . خص الحمار لأن صوته مستقبح في النفوس مستنكر في السمع ، أو لأن صياح كل شيء تسبيحه إلاَّ الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان .
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
{ سَخَّرَ } سهل ، أو الانتفاع به . { نعمهُ } جنس أو أراد الإسلام . { ظَاهِرَةً } على اللسان { وَبَاطِنَةً } في القلب ، أو الظاهرة الإسلام والباطنة ما ستره من المعاصي ، أو الظاهرة الخلق والرزق والباطنة ما أخفاه من العيوب والذنوب ، أو ما أعطاهم من الزي والثياب والباطنة متاع المنازل ، أو الظاهرة الولد والباطنة الجماع { مَن يُجَادِلُ } نزلت في يهودي قال للرسول صلى الله عليه وسلم ، أخبرني عن ربك من أي شيء هو ، فجاءت صاعقة فأحرقته ، أو في النظر بن الحارث كان يقول الملائكة بنات الله .
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)
{ يُسْلِمْ وَجْهَهُ } يخلص دينه ، أو يقصد بوجهه طاعة الله تعالى { وَهُوَ مُحْسِنٌ } في عمله { بِالْعُرْوَةِ } قول لا إله إلا الله ، أو القرآن ، أو الإسلام ، أو الحب في الله تعالى والبغض فيه { الْوثْقَى } للاستيثاق بالتمسك بها كما يتوثق من الشيء بإمساك عراه أو تشبيهاً بالبناء الوثيق لأنه لا ينحل { عَاقِبَةُ الأُمُورِ } ثواب ما صنعوا .
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
{ وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأَرْضِ } نزلت لما قال المشركون إنما القرآن كلام يوشك أن ينفد ، أو نزلت لما قال اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم أرأيت قولك { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] إيانا تريد أم قومك فقال : كل لم يؤت من العلم إلا قليلاً أنتم وهم . قالوا : فإنك تتلو ما جاءك من الله أَنَّا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء . فقال : إنها في علم الله تعالى قليلة . والمعنى لو أن الأشجار أقلام والبحار مداد لتكسرت الأقلام ، ونفدت مياه البحار قبل أن تنفد عجائب ربي وعلمه وحكمته . { يَمُدُّهُ } يزيد فيه شيئاً بعد شيء يقال في الزيادة مدَدته وفي المعونة أمددته { كَلِمَاتُ اللَّهِ } نعمه على أهل الجنة ، أو على أصناف الخلق ، أو جميع ما قضاه في اللوح المحفوظ من أمور خلقه ، أو عبّر بالكلمات عن العلم .
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
{ مَّا خَلْقُكُمْ } نزلت في أُبَي بن خلف وأبي الأشدين ونبيه ومنبه ابني الحجاج . قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى خلقنا أطواراً نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم تقول إنا نبعث جميعاً في ساعة فنزلت { مَّا خَلْقُكُمْ } أي لا يصعب على الله تعالى ما يصعب على الناس .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
{ يُولِجُ الَّيْلَ } يأخذ الصيف من الشتاء والشتاء من الصيف . أو ما ينقص من النهار يجعله في الليل وما ينقص من الليل يجعله في النهار ، أو يسلك الظلمة مسلك الضياء والضياء مسلك الظلمة فيصير كل واحد منهما مكان الآخر { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } ذللهما بالطلوع والأفول تقديراً للآجال وإتماماً للمنافع . { أَجَلٍ مُّسَمّىً } القيامة ، أو وقت طلوعه وأفوله .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
{ هُوَ الْحَقُّ } لا إله غيره ، أو الحق اسم من أسمائه ، أو القاضي بالحق . { مَا يَدْعُونَ } الشيطان ، أو الأصنام . { الْعَلِىُّ } في أحكامه { الْكَبِيرُ } في سلطانه .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
{ مِّنْ ءَايَاتِهِ } يجري السفن فيه ، أو ما تشاهدون من قدرة الله فيه ، أو ما يرزقكم الله تعالى منه . { صَبَّارٍ } على البلوى { شَكُورٍ } على النعماء ، أو صبار على الطاعة شكور على الجزاء .
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
{ كَالظُّلَلِ } السحاب ، أو الجبال شبهه بها لسواده ، أو لعظمه { مُخْلِصِينَ } موحدين لا يدعون سواه { مُّقْتَصِدٌ } عدل يوفي بعهده الذي التزمه في البحر ، أو مؤمن متمسك بالطاعة ، أو مقتصد في قوله وهو كافر . { خَتَّارٍ } جاحد ، أو غدار عند الجمهور . جحد الآيات : إنكار أعيانها والجحد بها إنكار دلائلها .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
{ لا يَجْزِى } لا يغني ، أو لا يقضي ، أو لا يحمل { الْغَرُورُ } الشيطان ، أو الأمل .
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
{ عِلْمُ السَّاعَةِ } وقت مجيئها . { وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } يعلم نزوله في زمانه ومكانه ، أو منزله فيما يشاء من زمان ومكان { مَا فِى الأَرْحَامِ } من ذكر وأنثى وصحيح وسقيم ، أو مؤمن وكافر وشقي وسعيد { تَكْسِبُ غَداً } من خير وشر ، أو إيمان وكفر . { بِأَىِّ أَرْضٍ } على أي حكم تموت من سعادة وشقاوة ، أو في أي أرض تموت وتدفن .
قيل نزلت في الوارث بن عمرو بدوي قال : للرسول صلى الله عليه وسلم إن امرأتي حُبلى فأخبرني ماذا تلد وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت « فأخبرني متى أموت وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ، ما أعمل غداً » وأخبرني متى تقوم الساعة .
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
{ لا رَيْبَ } الرَّيْب الشك الذي يميل إلى السوء والخوف .
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ } يقضيه ، أو يدبره بنزول الوحي من السماء الدنيا إلى الأرض العليا ويدبر أمر الدنيا أربعة : جبريل موكل بالرياح والجنود وميكائيل بالقطر والماء وملك الموت بقبض الأرواح وإسرافيل ينزل عليهم بالأمر { يَعْرُجُ } يصعد جبريل إلى السماء بعد نزوله بالوحي ، أو الملك الذي يدبر من السماء إلى الأرض ، أو أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع الملائكة . { مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى الملائكة فإذا مضت قضى لألف لأخرى ثم كذلك أبداً أو يصعد الملك في يوم مسيرة ألف سنة « ع » فيكون بين السماء والأرض ألف سنة ، أو يننزل الملك ويصعد في يوم مقداره ألف سنة ينزل في خمسمائة ويصعد في مثلها فيكون بين السماء والأرض خمسمائة . { تَعُدُّونَ } تحسبون من أيام الدنيا وعَبَّر عن الزمان باليوم ولا يريد ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس .
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
{ أَحْسَنَ كُلِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ } في خَلْقِه حسن حتى الكلب حسن في خَلْقه « ع » ، أو أحكمه حتى أتقنه ، أو أحسن إلى كل شيء خلقه فكان خلقه إحساناً إليه ، أو ألهم الخلق ما يحتاجون إليه فعلموه من قولهم فلان يحسن كذا أن يعلمه ، أو أعطى خلقه ما يحتاجون إليه ثم هداهم إليه .
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)
{ سُلالَةٍ } سمى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه والسلالة الصفوة التي تنسل من غيرها . { مَّهِينٍ } ضعيف .
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)
{ سَوَّاهُ } سوى خلقه في الرحم ، أو سوى خلقه كيف شاء { مِن رُّوحِهِ } قدرته ، أو ذريته ، إذ المراد بالإنسان آدم ، أو من أمره أن يقول كن فيكون ، أو روحاً من روحه أي خَلْقِه أضافه إلى نفسه لأنه من فعله وعبر عنه بالنفخ لأن الروح من جنس الريح . { والأَفْئِدَةَ } سمي القلب فؤاداً لأنه منبع الحرارة الغريزية من المفتأد وهو موضع النار .
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
{ ضَلَلْنَا } هلكنا ، أو صرنا رفاتاً وتراباً ، وكل شيء غلب على غيره مخفى فيه أثره فقد ضل ، أو غُيِّبْنا ، وبالصاد أنْتَنَّا من صَلَّ اللحم ، أو صرنا بالصَلَّةِ وهي الأرض اليابسة ومنه الصلصال قيل : قاله أُبي بن خلف .
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
{ يَتَوَفَّاكُمْ } بأعوانه ، أو بنفسه رأه الرسول صلى الله عليه وسلم عند رأس أنصاري . فقال أرفق بصاحبي فإنه مؤمن . فقال طِبْ نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق . { ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ } إلى جزائه ، أو إلى أن لا يملك لكم أحد ضراً ولا نفعاً سواه .
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)
{ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ } من الغم ، أو الذل ، أو الحياء ، أو الندم ، { عِندَ رَبِّهِمْ } عند محاسبته { أَبْصَرْنَا } صِدقَ وعيدك { وَسَمِعْنَا } صدق رسلك ، أو أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا . { مُوقِنُونَ } مصدقون بالبعث أو بما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم .
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
{ هُدَاهَا } إلى الإيمان ، أو الجنة ، أو هدايتها في الرجوع إلى الدنيا لأنهم سألوا الرجعة . { حَقَّ الْقَوْلُ } سبق ، أو وجب { مِنَ الْجِنَّةِ } الملائكة قاله عكرمة . سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار ، أو عصاة الجن .
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
{ فَذُوقُواْ } عذابي بما تركتم أمري ، أو بترك الإيمان بالبعث في هذا اليوم . { نَسِيَناكُمْ } تركناكم من الخير ، أو في العذاب ، ويعبر بالذوق عما يطرأ على النفس لأحساسها به . قال :
فذق هجرها إن كنت تزعم أنه ... رشاد ألا يا ربما كذب الزعم
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
{ بِآيَاتِنَا } بحججنا ، أو القرآن . { ذُكِّرُواْ بِهَا } عدوا إلى الصلوات الخمس بالآذان والإقامة أجابوا إليها وإذا قرئت آيات القرآن خروا سجوداً على الأرض طاعة وتصديقاً وكل من سقط على شيء فقد خَرَّ عليه . { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } صلّوا حمداً له ، أو سبحوه بمعرفته وطاعته { لا يَسْتَكْبِرُونَ } عن العبادة ، أو السجود كما استكبر أهل مكة .
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
{ تَتَجَافَى } ترتفع لذكر الله في الصلاة ، أو في غيرها « ع » ، أو الصلاة : العشاء ، أو الصبح والعشاء في جماعة ، أو للنفل بين المغرب والعشاء ، أو قيام الليل . والمضاجع مواضع الاضطجاع خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته ، أو خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه . { يُنفِقُونَ } الزكاة ، أو صدقة التطوع ، أو نفقة الأهل ، أو النفقة في الطاعة .
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
{ مَّآ أُخْفِىَ } للذين تتجافى جنوبهم ، أو للمجاهدين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . مأثور ، أو هو جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله تعالى ما أعده لهم ، أو زيادة تَحَفِّ من الله ليست في جناتهم يكرمون بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات ، أو زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم .
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)
{ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً } علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والفاسق عقبة بن أبي معيط تَسَابَّا فقال عقبة : أنا أَحَدُّ منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ منك حَشوًا . فقال : علي رضي الله تعالى عنه ليس كما قلت يا فاسق . فنزلت فيهما « ع » .
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
{ الْعَذَابِ الأَدْنَى } مصائب الدنيا في النفس والمال ، أو القتل بالسيف ، أو الحدود « ع » ، أو القحط والجدب ، أو عذاب القبر قاله البراء بن عازب ومجاهد ، أو عذاب الدنيا ، أو غلاء السعر . { الْعَذَابِ الأَكْبَرِ } جهنم ، أو خروج المهدي بالسيف ، { يَرْجِعُونَ } إلى الحق ، أو يتوبون من الكفر « ع » .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)
{ فَلا تَكُن فِى } شك من لقاء موسى فقد لقيته ليلة الإسراء « ع » . وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رأه ليلته . قال أبو العالية : قد بينه الله تعالى بقوله { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ } [ الزخرف : 45 ] أو لا تكن في شك من لقاء موسى فستلقاه في القيامة ، أو لا تشك في لقاء موسى للكتاب ، أو لا تشك في لقاء الأذى كما لقيه موسى « ح » ، أو لا تشك في لقاء موسى لربه . { وَجَعَلْنَاهُ هُدىً } موسى ، أو الكتاب .
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
{ أَئِمَّةً } رؤساء في الخير تبعوا الأنبياء ، أو الأنبياء مأثور { لَمَّا صَبَرُواْ } عن الدنيا ، أو على الحق ، أو على الأذى بمصر لما كلفوا ما لا يطيقون . { بِآيَاتِنَا } التسع ، « أنها من عند الله » { يُوقِنُونَ } .
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)
{ يَفْصِلُ } يقضي بين الأنبياء وقومهم ، أو بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر .
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
{ نَسُوقُ الْمَآءَ } بالمطر والثلج أو بالأنهار والعيون . { الأَرْضِ الْجُرُزِ } اليابسة ، أو التي أكلت ما فيها من زرع وشجر ، أو التي لا يأتيها الماء إلا من السيول « ع » ، أو التي لا تنبت ، أو هي قرى بين اليمن والشام وأصله الانقطاع . سيف جزار أي قاطع ، وناقة جرازة إذا كانت تأكل كل شيء لأنها لا تبقي شيئاً إلا قطعته رجل جروز : أكول .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)
{ الْفَتْحُ } فتح مكة ، أو القضاء بعذاب الدنيا ، أو بالثواب والعقاب في الآخرة .
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)
{ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } الذين قتلهم خالد يوم الفتح من بني كنانة ، أو يوم القيامة ، أو اليوم الذي يأتيهم في العذاب .
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
{ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } نزلت قبل الأمر بقتالهم .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
{ أتَّقِ اللَّهَ } أكثِر من تقواه في جهاد عدوه ، أو دُم على تقواك ، أو الخطاب له والمراد أمته ، أو نزلت لما قدم أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبو الأعور السُّلمي المدينة ليجددوا خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم في عهد بينهم وبينه فنزلوا على ابن أُبي والجد بن قيس ومتعب بن قشير فتآمروا بينهم وأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم فعرضوا عليه أموراً كرهها فَهمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بقتلهم فنزلت { أتَّقِ اللَّهَ } في عهدهم { وَلا تُطِعِ } كفار مكة ومنافقي أهل المدينة فيما دعوا إليه .
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
{ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ } كان الرسول صلى الله عليه وسلم قائماً يوماً يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه : إن له قلبين قلباً معكم وقلباً معهم فنزلت إكذاباً لهم فالمراد بالقلبين جسدين ، أو قال قرشي من بني فهر : إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فنزلت إكذاباً له فيكون المراد بالقلبين عقلين ، أو قال رجل : إن لي نفسين نفساً تأمرني ونفساً تنهاني فنزلت فيه « ح » ، أو كان جميل بن معمر الجمحي أحفظ الناس لما يسمع ذا فهم ودهاء فقالت قريش : ما يحفظ ما يسمعه بقلب واحد وإن له قلبين فانهزم يوم بدر بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله فلقي أبا سفيان بشاطىء البحر فأخبره بمن قتل من أشرافهم . فقال : إنه قد ذهب عقلك فما بال أحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك . فقال : ما كنت أظنها إلا في يدي فظهر لهم حاله ونزلت فيه ، أو ضرب ذلك مثلاً لزيد لما تبناه الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يكون لرجل أبوان حتى يكون زيد بن محمد وابن حارثة ، أو لا يكون لرجل قلب مؤمن معنا وقلب كافر علينا لأنه لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب واحد فيكون معناه ما جعل الله لرجل من دينين { أَدْعِيَآءَكُمْ } كان الذليل في الجاهلية يأتي القوي الشريف فيقول أنا ابنك فيقول نعم فإذا قبله واتخذه ابناً أصبح أعز أهله وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيد بن حارثة على تلك العادة فنزلت { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ } في الجاهلية { أَبْنَآءَكُمْ } في الإسلام . { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم } في المُظَاهر عنها وابن التبني { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ } في أنها ليست بأم ولا الدعي بابن .
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
{ أَقْسَطُ } أعدل قولاً وحكماً . { فَإِخْوَانُكُمْ } فانسبوهم إلى أسماء إخوانكم كعبد الله وعبد الرحمن وغيرهما ، أو قولوا أخونا فلان ومولانا فلان ، أو إن لم يعرف نسبهم كانوا إخوانا في الدين إن كانوا أحراراً وموالي إن كانوا عتقاء { أَخْطَأْتُمْ بِهِ } قبل النهي و { مَّا تَعَمَّدَتَ قُلُوبُكُمْ } بعد النهي في هذا وغيره ، أو ما سهوتم به وما تعمدته قلوبكم قصدته ، أو ما أخطأتم أن تدعوه إلى غير أبيه « ظاناً أنه أبوه وما تعمدت قلوبكم أن تدعوه إلى غير أبيه عالماً بذلك » { غَفُوراً } لما كان في الشرك { رَّحِيماً } بقبول التوبة في الإسلام .
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
{ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ } من بعضهم ببعض لإرساله إليهم وفرض طاعته ، أو أولى بهم فيما رأه لهم منهم بأنفسهم ، أو لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بالخروج إلى تبوك قال قوم : نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت ، أو أولى بهم في قضاء ديونهم وإسعافهم في نوائبهم قال : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة فمن ترك مالاً فليرثه عصبته وإن ترك ديْناً ، أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه » . { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } في حرمة نكاحهن وتعظيم حقوقهن دون النفقة والميراث ، وفي إباحة النظر إليهن مذهبان هذا في اللائي مات عنهن ، وفي إلحاقه مطلقاته بمن مات عنهن ثلاثة مذاهب يفرق في الثالث بين من دخل بهن ومن لم يدخل بهن وهل هن أمهات المؤمنات كالرجال فيه مذهبان ، قالت امرأة لعائشة رضي الله تعالى عنها : يا أمَّه فقالت : لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم . { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } الأنصار { وَالْمُهَاجرِينَ } قريش . نسخت التوارث بالهجرة لما نزل في الأنفال { والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يُهَاجِرُواْ } الآية [ الأنفال : 72 ] . توارثوا بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئاً فنسخ ذلك بقوله هل هنا { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } ، أو نسخت التوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين ، قال الزبير : نزلت فينا خاصة قريش والأنصار قدمنا المدينة فآخينا الأنصار فأورثونا وأورثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخيت كعب بن مالك فقُتِل يوم أُحد فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه أحد غيري حتى أنزل الله هذه الآية فرجعنا إلى مواريثنا . { فِى كِتَابِ اللَّهِ } القرآن ، أو اللوح المحفوظ . { مِنَ الْمؤْمِنِينَ والْمُهَاجِرِينَ } أي التوارث بالأنساب أولى من التوارث بالمؤاخاة في الهجرة { تَفْعَلُوأْ إِلَى أَوْلِيَآئِكُم مَّعْرُوفًا } بالوصية للمشرك من ذوي الأرحام ، أو الوصية للحلفاء والذين آخى بينهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ، أو الذين آخيتم فآتوا إليهم معروفاً في الحياة ، أو وصية الرجل لإخوانه في الدين { مَسْطُوراً } كان التوارث بالهجرة والمؤاخاة في الكتاب مسطوراً قبل النسخ ، أو كان نسخه بميراث ذوي الأرحام مسطوراً قبل التوارث ، أو كان لا يرث مسلم كافراً في الكتاب مسطوراً . و { الْكِتَابِ } اللوح المحفوظ ، أو القرآن ، أو الذكر ، أو التوراة ، أمر بني إسرائيل أن يصنعوا مثله في بني لاوي بن يعقوب .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)
{ مِيثَاقَهُمْ } على قومهم أن يؤمنوا بهم « ع » ، أو ميثاق الأمم على الأنبياء أن يبلغوهم ، أو ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً { وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ } سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : « كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث » وخص هؤلاء بالذكر تفضيلاً ، أو لأنهم أصحاب الشرائع . { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } تبليغ الرسالة ، أو أن يصدق بعضهم بعضاً ، أو أن يعلنوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول ويعلن محمداً أن لا رسول بعده .
لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
{ لِّيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ } الأنبياء عن تبليغ الرسالة ، أو عما أجابهم به قومهم أو عن الوفاء بالميثاق الذي أخذ عليهم ، أو يسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
{ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } بالنصر والصبر { جُنوُدٌ } أبو سفيان وعيينة بن حسن وطلحة بن خويلد وأبو الأعور والسُلمي وبنو قريظة . { رِيحاً } الصّبا أكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم . { وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } الملائكة . تقوية لقلوب المؤمنين من غير قتال ، أو بإيقاع الرعب في قلوب المشركين ، أو بتفريق كلمتهم وإقعاد بعضهم عن بعض ، أو نصروهم بالزجر حتى جأوت بهم مسيرة ثلاثة أيام فقال طلحة بن خويلد : إن محمداً قد بدأكم بالسحر فالنجاة النجاة .
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
{ مِّن فَوْقِكُمْ } من فوق الوادي وهو أعلاه جاء منه عوف بن مالك في بني نصر وعيينة بن حصن في أهل نجد وطلحة بن خوليد الأسدي في بني أسد { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } بطن الوادي من قبل المغرب جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ويزيد بن جحش على قريش وجاء أبو الأعور وحيي بن أخطب في بني قريظة وعامر بن الطفيل من وجه الخندق . { زَاغَتِ الأَبْصَارُ } شخصت ، أو مالت . { وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ } زالت عن أماكنها من الرعب فبلغت الحناجر وهي الحلاقم وإحدها حنجرة ويعبّر بذلك عن شدة الخوف وإن لم تُزل عن أماكنها مع بقاء الحياة { الظنون } فيما وعدهم به من النصر ، أو اختلاف ظنونهم ظن المنافقون أن الرسول صلى الله عليه سلم وأصحابه يُستأصلون وأيقن المؤمنون أن وعده في إظهاره على الدين كله حق « ح » .
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)
{ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ } بالحصار ، أو الجوع أصابهم بالخندق جوع شديد ، أو امتحنوا بالصبر على إيمانهم . هنالك للمكان البعيد وهنا للقريب وهناك للمتوسط { وَزُلْزِلُواْ } حركوا بالخوف ، أو اضطربوا عما كانوا عليه ، منهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه ، أو راحوا عن أماكنهم فلم يكن لهم إلا موضع الخندق .
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
{ مَّرَضٌ } نفاق ، أو شرك لما أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم يومئذ بما يفتح عليهم من بيض المدائن وقصور الروم ومدائن اليمن . قال رجل من الأوس أيعدنا ذلك واحد لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل . هذا والله الغرور فنزلت .
وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
{ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } ابن أُبي وأصحابه ، أو أوس بن قيظى ، أو من بني سليم { يَثْرِبَ } المدينة ويثرب من المدينة ، أو المدينة في ناحية من يثرب قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة ثلاث مرات » { لا مُقَامَ لَكُمْ } على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب « ح » ، أو لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان ، أو لا مقام لكم في أماكنكم فارجعوا إلى مساكنكم . والمقام بالفتح الثبات على الأمر وبالضم الثبات على المكان ، أو بالفتح النزل وبالضم الإقامة . { عَوْرَةٌ } قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي ، أو خالية ليس فيها إلا العورة من النساء من قولهم أعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب ، أو مكشوفة الحيطان نخاف عليها السَّرْق والطلب . أعور المنزل إذا ذهب ستره وسقط جداره ، وكل ما كره كشفه فهو عورة .
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)
{ وَلَوْ دُخِلَتْ } المدينة على المنافقين من نواحيها { الْفِتْنَةَ } القتال في المعصية ، أو الشرك . { وَمَا تَلَبَّثُواْ } بالإجابة إلى الفتنة . أو بالمدينة { إِلا يَسِيراً } حتى يعذبوا .
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)
{ عَاهَدُواْ } قبل الخندق وبعد بدر ، أو قبل نظرهم إلى الأحزاب ، أو قبل قولهم : يا أهل يثرب .
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)
{ سُوءًا } هزيمة والرحمة النصر ، أو عذاباً والرحمة الخير ، أو قتلاً والرحمة التوبة .
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)
{ الْمُعَوِّقِينَ } المثبطين : ابن أُبي وأصحابه { وَالْقَآئِلِينَ } المنافقون قالوا لإخوانهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، وهو هالك ومن تبعه فهَلُم إلينا ، أو قريظة قالوا لإخوانهم المنافقين : هَلُم إلينا فإن محمداً هالك وإن ظفر بكم أبو سفيان لم يُبق منكم أحداً ، أو انصرف يومئذ صحابي فوجد بين يدي أخيه لأبويه رغيفاً وشواء ، فقال : أنت هكذا والرسول صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف فقال : هَلُم إليَّ فقد أحيط بك وبصاحبك . فقال : كذبت ، وأتى الرسول صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجدها قد نزلت { وَلا يَأْتُونَ } القتال إلا كارهين ، أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين ، أو لا يشهدونه إلا رياء وسمعة .
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
{ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } بالخير ، أو بالقتال معكم ، أو بالغنائم إذا أصابوها ، أو بالنفقة في سبيل الله { فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ } من النبي إذا غلب ، أو من العدو إذا أقبل { سَلَقُوكُم } رفعوا أصواتهم عليكم ، أو آذوكم بالكلام الشديد والسَّلْق : الأذى ، قال الخليل : سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره { حِدَادٍ } شديدة ذربة ، جدالاً في أنفسهم ، أو نزاعاً في الغنيمة { أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } على قسمة الغنيمة ، أو الغنيمة في سبيل الله ، أو على الرسول صلى الله عليه وسلم لظفره { لَمْ يُؤْمِنُواْ } بقلوبهم { فَأَحْبَطَ اللَّهُ } ثواب حسناتهم .
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
{ يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ } لخوفهم وشدة جزعهم ، أو تصنعاً للرياء واستدامة للتخوف { إِلاَّ قَلِيلاً } كرهاً ، أو رياء .
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
{ أُسْوَةٌ } مواساة عند القتال ، أو قدوة حسنة يُتبع فيها ، والأُسوة : المشاركة في الأمر ، واساه في ماله جعل له فيه نصيباً . حثَّهم بذلك على الصبر معه في الحروب ، أو تسلية فيما أصابهم ، فإن الرسول صلى الله عليه سلم شُج وكُسرت رباعيته وقُتل عمه . { يَرْجُواْ } ثواب الله في اليوم الآخر ، أو يرجوا لقاءه بالإيمان ويصدق بالبعث . خطاب للمنافقين ، أو المؤمنين ، وهذه الأُسوة واجبة ، أو مستحبة .
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
{ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ } بقوله في البقرة { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم } الآية [ البقرة : 214 ] ، أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة في قصور الحيرة ومدائن كسرى فأبشروا بالنصر فاستبشروا وقالوا : الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر فطلعت الأحزاب فقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله . { إِيمَاناً } بالرب { وَتَسْلِيماً } لقضائه ، أو إيماناً بوعده وتسليماً لأمره .
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
{ عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ } بايعوا على أن لا يفروا فصدقوا في اللقاء يوم أُحد ، أو قوم لم يشهدوا بدراً فعاهدوا الله أن لا يتأخروا عن رسوله في حرب حضرها أو أمر بها ، فوفوا بما عاهدوا { قَضَى نَحْبَهُ } مات { وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ } الموت « ع » ، أو قضى عهده قتلاً ، أو عاش { وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ } أن يقضيه بقتال ، أو صدق لقاء ، أو النحب : النذر ، وعلى الأول الأجل وعلى الثاني العهد { وَمَا بَدَّلُواْ } ما غيروا كما غير المنافقون ، أو { وَمَا بَدَّلُواْ } عهدهم بالصبر ولا نكثوا بالفرار « ح » .
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)
{ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِنَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } بإخراجهم من النفاق ، أو يعذبهم في الدنيا ، أو في الآخرة بالموت على النفاق { أو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } بإخراجهم من النفاق حتى يموتوا تائبين .
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
{ بِغَيْظِهِمْ } بحقدهم ، أو غمهم { لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } لم يصيبوا ظفراً ولا مغنماً { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } بالريح الملائكة ، أو بعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه { قَوِيّاً } في سلطانه { عَزِيزاً } في انتقامه .
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)
{ الِّذِينَ ظَاهَرُوهُم } بنو قريظة وكان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوه ، والمظاهرة : المعاونة ، فغزاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ستة عشر يوماً من الخندق فحصرهم إحدى وعشرين ليلة فنزلوا على التحكيم في أنفسهم وأموالهم فحكموا سعداً فحكم بقتل مقاتلتهم وبسبي ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فكبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : « قضى فيهم بحكم الله » ، أو نزلوا على حكم الرسول ولم يحكم فيه سعد وإنما أرسل إليه يستشيره فقال : لو وُليت أمرهم لقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده لقد أشرت فيهم بالذي أمرني الله تعالى به فيهم » { صَيَاصِيهِمْ } حصونهم لامتناعهم بها كما تمتنع البقر بصياصيها وهي قرونها ومنه صيصية الديك شوكة في ساقه . { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } بصنيع جبريل بهم { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } قتل أربعمائة وخمسين وسبى سبعمائة وخمسين ، وقيل : عرضوا عليه فأمر بقتل من احتلم ، أو أنبت .
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
{ أَرْضَهُمْ } المزارع والنخيل { وَدِيَارَهُمْ } منازلهم وأموالهم المنقولة { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُهَا } مكة ، أو خيبر ، أو فارس والروم « ح » ، أو ما ظهر المسلمون عليه إلى يوم القيامة { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ } أراد فتحه من القرى والحصون { قَدِيراً } وعلى ما أراده من نقمة أو عفو .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
{ قُل لأَزْوَاجِكَ } لم يخيرهن في الطلاق بل خيرهن من اختيار الدنيا فيفارقهن ، أو اختيار الآخرة فيمسكهن « ح » ، أو خيرهن في الطلاق ، أو المقام معه فاخترن كلهن إلا الحميرية فإنها اختارت نفسها . وسبب تخييرهن أن الرسول صلى الله عليه سلم خُير بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة فأمره بتخييرهن ليكنَّ على مثل حاله أو لأنهن تغايرن عليه فآلى منهن شهراً ، وأُمر بتخييرهن ، أو اجتمعن يوماً وقلن : نريد ما تريده النساء من الحلي والثياب ، حتى قال بعضهن : لو كنا عند غير الرسول صلى الله عليه وسلم لكان لنا شأن وحلي وثياب فنزلت ، أو لأن الله تعالى صان خلوة نبيه صلى الله عليه وسلم فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فأجبن إلى ذلك فأمسكهن ، أو سألته أم سلمة سِتراً معلماً وميمونة حلة يمانية وزينب ثوباً مخططاً وهو البرد اليماني وأم حبيبة ثوباً سحولياً وحفصة ثوباً من ثياب مصر وجويرية مِعجراً وسودة قطيفة فدكية فلم تطلب عائشة رضي الله تعالى عنها شيئاً فأمره الله تعالى بتخييرهن ، وكان تحته يومئذٍ تسع سوى الحميرية خمس قريشات عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وسودة وصفية بنت حُيي الخيبرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية . فلما اخترن الصبر معه على الرخاء والشدة عُوضن بأن جُعلن أمهات المؤمنين تعظيماً لحقوقهن وتأكيداً لحرمتهن ، وحُظر عليه طلاقهن أبداً وحُرم النكاح عليهن ما دام معسراً فإن أيسر ففيه مذهبان ، قالت عائشة رضى الله عنها ما مات الرسول صلى الله عليه وسلم حتى حل له النساء ، يعني اللآتي حظرن عليه ، وقَيل الناسخ لتحريمهن قوله : { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ } الآية : [ الأحزاب : 50 ] .
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
{ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } الزنا ، أو النشوز وسوء الخلق « ع » { ضِعْفَيْنِ } عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو عذابان الدنيا ، لأذاهن للرسول صلى الله عليه وسلم حدان في الدينا غير السرقة . قال أبو عبيدة الضعفان أن تجعل الواحد ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف الواحد اثنان فكان ضعفي الواحد ثلاثة ، أو المراد بالضعف المثل والضعفان المثلان قاله ابن قتيبة قال آخرون إذا كان ضعف الشيء مثليه وجب أن يكون ضعفان أربعة أمثاله . قال ابن جبير : فجعل عذابهن ضعفين وجعل على من قذفهن الحد ضعفين .
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)
{ يَقْنُتْ } تطع { وَتَعْمَلْ صَالِحاً } بينها وبين ربها { مَرَّتَيْنِ } كلاهما في الآخرة ، أو أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة { رِزْقاً كَرِيماً } في الجنة ، أو في الدنيا وسعاً حلالاً .
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
{ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ } من نساء هذه الأمة { فَلا تَخْضَعْنَ } فلا ترققن بالقول ، أو لا ترخصن به « ع » أو تلن القول أو لا تكلمن بالرفث أو بالكلام الذي فيه ما يهوي المريب أو ما يدخل من كلام النساء في قلوب الرجال . { مَرَيضٌ } شهوة الزنا والفجور ، أو النفاق ، وكان أكثر من تصيبه الحدود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم المنافقون { مَّعْرُوفاً } صحيحاً ، أو عفيفاً ، أو جميلاً .
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
{ وَقَرْنَ } من القرار في المكان وبالكسر من السكينة والوقار { تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ } التبختر ، أو كانت لهن مشية وتكسر وتغنج . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « المائلات المميلات لا يدخلن الجنة » المائلات في مشيهن والمميلات قلوب الرجال إليهن ، أو كانت المرأة تمشي بين يدي الرجال ، أو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وعنقها وقرطها فيبدوا ذلك كله منها ، أو تُبدي من محاسنها ما يلزمها ستره ، أصله من تبرج العين وهو سعتها . { الْجَاهِليَّةِ الأُولَى } بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، أو زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان أحداهن تمشي في الطريق لابسة درعاً مفرجاً ليس عليها غيره ، أو ما بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام ثمانمائة سنة فكن النساء يردن الرجال على أنفسهن لحسن رجالهن وقبح نسائهن ، أو بين نوح وإدريس عليهما الصلاة والسلام ألف سنة كانت إحداهن تجمع زوجاً وخِلماً أي صاحباً فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخِلمها النصف الأعلى ، أو كان بطنان من بني آدم يسكن أحدهما الجبل رجالهم صِبَاح وفي نسائهم دمامة « وأهل السهل عكس ذلك » فاتخد لهم إبليس عيداً اختلط فيه أهل السهل بأهل الجبل فظهرت فيهم الفاحشة فذلك تبرج الجاهلية الأولى . { الرِّجْسَ } الإثم ، أو الشرك « ح » ، أو الشيطان ، أو المعاصي ، أو الشك ، أو الأقذار { أَهْلَ الْبَيْتِ } علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أجمعين قاله أربعة من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أو الأزواج خاصة ، أو الأهل والأزواج . { وَيُطَهِّرَكُمْ } من الإثم ، أو السوء ، أو الذنوب .
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
{ ءَايَاتِ اللَّهِ } القرآن { وَالْحِكْمَةِ } السنة ، أو الحلال والحرام والحدود { لَطِيفاً } باستخراجها { خَبِيراً } بمواضعها .
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ } قالت أم سلمة للرسول صلى الله عليه وسلم : ما للرجال يُذكَرون في القرآن ولا تذكر النساء فنزلت { الْمُسْلِمِينَ } المتذللين { وَالْمُؤْمِنِينَ } المصدقين ، أو المسلمين في أديانهم ، والمسلم والمؤمن واحد ، أو الإسلام الإقرار باللسان والإيمان التصديق بالقلب ، أو الإسلام اسم الدين والإيمان التصديق به والعمل عليه . { وَالْقَانِتِينَ } المطيعين ، أو الداعين « ع » { وَالْصَّادِقِينَ } في أيمانهم أو عهودهم { وَالْصَّابِرينَ } على أمر الله ونهيه ، أو في البأساء والضراء { وَالْخَاشعِينَ } المتواضعين لله ، أو الخائفين منه ، أو المصلين { وَالْمُتَصَدِّقِينَ } بأنفسهم في طاعة الله ، أو بأموالهم في الزكاة المفروضة أو بأعطاء النوافل بعد الفرض { وَالْصًّآئِمِينَ } عن المعاصي والقبائح أو الصوم الشرعي المفروض ، أو رمضان وثلاثة أيام من كل شهر { فُرُوجَهُمْ } عن الحرام والفواحش ، أو منافذ الجسد كلها يحفظون السمع عن اللغو والخنا « والأعين عن النظر إلى ما لا يحل » والفروج عن الفواحش والأفواه عن قول الزور وأكل الحرام { وَالْذَّاكِرِينَ اللَّهَ } باللسان أو التالين لكتابه ، أو المصلين { مَّغْفِرَةً } لذنوبهم { وَأَجْراً عَظِيماً } لأعمالهم .
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } لما خطب الرسول صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة امتنعت هي وأخوها لأنهما ولدا عمة الرسول صلى الله عليه وسلم أُميمة بنت عبد المطلب ، وأنهما من قريش وأن زيداً مولى فنزلت فقالت زينت : أمري بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد « ع » أو نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أول من هاجر من النساء فوهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم فقال : قد قبلت فزوجها زيد بن حارثه فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها عبده { ضَلالاً مُّبِيناً } جار جوراً مبيناً ، أو أخطأ خطأ طويلاً .
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
{ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ } بمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالتبني ، أو بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة أتى الرسول صلى الله عليه وسلم منزله فرأى زوجته زينب بنت جحش فأعجبته فقال : سبحان مقلب القلوب ، فسمعت ذلك فجلست فجاء زيد فذكرت له ذلك فعرف أنها وقعت في نفسه فأتاه فقال : يا رسول الله إئذن لي في طلاقها فإن فيها كِبراً إنها لتؤذيني بلسانها ، فقال : اتق الله تعالى وأمسك عليك زوجك وفي نفسه صلى الله عليه وسلم غير ذلك { وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ } إيثار طلاقها ، أو الميل إليها ، أو أنه إن طلقها تزوجتها ، أو أعلمه الله بغيب أنها تكون من زوجاته قبل أن يتزوجها « ح » { وَتَخْشَى } مقالة الناس ، أو أن تبديه لهم { وَطَراً } حاجة ، أو طلاقاً والوَطَر الأرب المشتهى { زَوَّجْنَاكَهَا } فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم زيداً ، وأمره أن يخبرها أن الله تعالى زوجه إياها فجاءها فاستفتح فقالت : من هذا قال : زيد فقالت : وما حاجة زيد إليَّ وقد طلقني فقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسلني فقالت : مرحباً برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتحت فدخل وهي تبكي فقال : لا يبكي الله عينيك قد كنت نعمت المرأة إن كنت لتبري قسمي وتطيعي أمري وتشبعي مسرتي فقد أبدلك الله تعالى خيراً مني قالت : من لا أباً لك قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرت ساجدة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في عُسرة فأصدقها قربة وعباءة ورحى يد ووسادة أُدم حشوها ليف وأُؤلِمَ عليها تمر وسويق ودخل عليها بغير إذن وكانت تفخر على نسائه وتقول زوجكن أولياؤكن وآباؤكن وأما أنا فزوجني رب العرش { لِكَىْ لا يَكُونَ } قال المشركون للرسول صلى الله عليه وسلم : زعمت أن زوجة الابن لا تحل وقد تزوجت حليلة أبنك زيد . فقال الله تعالى { لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } الآية أي لا تحرم زوجة ابن الدعي { أَمْرُ اللَّهِ } تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله تعالى عنها . { مَفْعُولاً } حكماً لازماً وقضاء واجباً .
مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)
{ فَرَضَ اللَّهُ لَهُ } أحله له من تزويج زينب أو من التي وهبته نفسها أن زوجه الله إياه بغير صداق ولكن أعطاها الصداق فضولاً « ح » أو أن ينكح ما شاء من عدد النساء وإن حرم على أمته أكثر من أربعة لأن اليهود عابوه بذلك . قال الطبري نكح الرسول صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ودخل بثلاث عشرة ومات عن تسع وكان القسم لثمان { سُنَّةَ اللَّهِ } السنة الطريقة المعتادة { فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ } أي لا حرج على الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه فيما أحل لهم كما أحل لداود عليه الصلاة والسلام مثل هذا في نكاح ما شاء وفي المرأة التي نظر إليها وتزويجها ونكح مائة امرأة ، وأحل لسليمان عليه الصلاة السلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سُرّية { قَدَراً مَّقْدُوراً } فعلاً مفعولاً ، أو قضاء مقضياً عند الجمهور .
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } لما قال المشركون قد تزوج محمد امرأة ابنه أكذبهم الله تعالى بهذه الآية { وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ } آخرهم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
{ اذْكُرُواْ اللَّهَ } تعالى بقلوبكم ذكراً دائماً مؤدياً إلى طاعته ، أو بألسنتكم ذكراً كثيراً بالدعاء والرغبة ، أو بالإقرار لهم بالربوبية والاعتراف بالعبودية .
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)
{ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأًصِيلاً } صلاة الصبح والعصر والأصيل ما بين العصر والليل ، أو الأصيل الظهر والعصر والمغرب والعشاء . { وَسَبِّحُوهُ } بالتنزيه ، أو الصلاة ، أو الدعاء .
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
{ يُصَلِّى عَلَيْكُمْ } صلاته ثناؤه ، أو إكرامه ، أو رحمته ، أو مغفرته وصلاة الملائكة دعاؤهم واستغفارهم { مِّنَ الظُّلُمَاتِ } من الكفر إلى الإيمان أو من الضلالة إلى الهدى ، أو من النار إلى الجنة .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
{ شَاهِداً } على أمتك بالبلاغ { وَمُبَشِّراً } بالجنة { وَنَذِيراً } من النار « ع » .
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
{ وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ } إلى طاعته ، أو الإسلام ، أو شهادة أن لا إله إلا الله { بِإِذْنِهِ } بأمره « ع » أو علمه « ح » ، أو القرآن . { وَسِراجاً } القرآن ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم { مُّنِيراً } يُهتدى به كالسراج .
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)
{ فَضْلاً كَبِيراً } ثواباً عظيماً ، أو الجنة لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزل عليه { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ } الآيات [ الفتح : 1 ] الفتح قال المسلمون هنيئاً لك يا رسول الله قد غُفر لك ما تقدم وما تأخر فماذا لنا فنزلت { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } .
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
{ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ } أبو سفيان وعكرمة وأبو الأعور والمنافقين عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق قالوا : يا محمد اذكر أن لآلهتنا شفاعة { وَدَعْ أَذَاهُمْ } دع ذكر آلهتهم أن لها شفاعة ، أو كف عن أذاهم وقتالهم قبل الأمر بالقتال ، أو اصبر على أذاهم ، أو قولهم زيد بن محمد وما تكلموا به حين نكح زينب .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
{ فَمَتِّعُوهُنَّ } متعة الطلاق إذا لم تُسموا لهن صداقاً فتقوم المتعة مقام نصف المسمى وقدرها نصف مهر المثل ، أو أعلاها خادم وأوسطها ثوب وأقلها ماله ثمن { سَرَاحاً جَمِيلاً } تدفع المتعة بحسب اليسار والإعسار ، أو طلاقها طاهراً من غير جماع قاله قتادة ، قلت : هذه غفلة منه لأن الآية فيمن لم يدخل بهن .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
{ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ } اللاتي تزوجتهن قبل هذه الآية ولا يحل غيرهن لقوله { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء } الآية : [ الأحزاب : 52 ] . أو أحل له بهذه الآية سائر النساء قالته عائشة رضي الله تعالى عنها وينسخ بها قوله { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ } الآية : [ الأحزاب : 52 ] إذ أحل له فيها من سماه من النساء دون من لم يُسمَّ { مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } فكان من الإماء مارية { مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ } من الغنيمةَ صفية وجويرية أعتقهما وتزوجهما وبنات عمه وعماته وبنات خاله وخالاته . قاله أُبي بن كعب { هَاجَرْنَ } أسلمن ، أو هاجرن إلى المدينة قالت أم هانىء نزلت هذه الآية فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني فَنُهي عني لاني لم أهاجر وهذه الهجرة شرط في نكاحه لبنات عمه وعماته المذكورات في الآية خاصة بهن ، أو شرط في نكاح القريبات والأجنبيات فلا يجوز له أن ينكح غير مهاجرة . { وَهَبَتْ نَفْسَهَا } لم يكن عنده امرأة وهبته نفسها « ع » وهو تأويل من كسر « إِنْ » ، أو كانت عنده على قول الجمهور ، وهو تأويل من فتحها ، أو من فتح أراد امرأة يعينها من وهبت نفسها حل له نكاحها ومن كسر أراد كل امرأة تهب نفسها فإنه يحل نكاحها . والواهبة التي كانت عنده . أم شريك بنت جابر بن ضباب ، أو خولة بن حكم أو ميمونة بنت الحارث « ع » ، أو زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة الأنصار { خَالِصَةً لَّكَ } تزوج الواهبة بغير ولي ولا مهر ولا يلزمك لها صداق ، أو يصح نكاحك لها بلفظ الهبة { مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ } من ولي وشاهدين وصداق ، أو أن لا يجاوزوا الأربع ، أو النفقة والقسمة . { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي حللناهن من غير عدد محصور ولا قسم مستحق . { لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } متعلق بقوله { أَحْلَلْنَا لَكَ } ، أو بقوله { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةَ إِن وَهَبَتْ } .
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
{ تُرْجى } تطلق { وَتُئْوِى } تمسك « ع » ، أو تترك نكاح من تشاء وتنكح من تشاء « ح » ، أو تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها وتأتي من شئت منهن فلا تعزلها وهذا يدل على سقوط القسم عنه ، أو تعزل من تشاء من أزواجك وتضم إليك من تشاء من أزواجك ولما بلغ بعضهن أنه يريد أن يخلي سبيلهن أتينه فقلن : لا تخل سبيلنا وأنت في حل مما بيننا وبينك فأرجى سودة وميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء وآوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكان قسمه من ماله ونفسه فيهن سواء . { وَمَنِ ابْتَغَيْتَ } فأويته إليك { مِمَّنْ عَزَلْتَ } أن تئويه إليك { فَلآ جُنَاحَ عَلَيْكَ } فيمن ابتغيت وفيمن عزلت ، أو فيمن عزلت أن تئويه إليك { ذّلِكَ أَدْنَى } إذا علمن أنه لا يطلقهن قرت أعينهن ولم يحزنّ أو إذا علمن أنه لا يتزوج عليهن قَرَّت أعينهن ولم يحزنَّ ، أو إذا علمن هذا حكم الله قَرَّت أعينهن ، أو إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرت أعينهن .
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
{ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءَ مِن بَعْدُ } نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة « ع » فقصر على التسع ومنع من غيرهن أو لا يحل لك النساء بعد اللاتي حللن لك بقوله { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزوَاجَكَ } إلى قوله { إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا } [ الأحزاب : 50 ] فقصر الإباحة على بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات والمهاجرات معه . قاله أُبي بن كعب ، أو لا يحل لك النساء من بعد المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات ويحل ما سواهن من المسلمات . { وَلآ أَن تَبَدَّلَ } بالمسلمات مشركات ، أو ولا أن تطلق زوجاتك لتستبدل بهن من أعجبك حسنهن قيل التي أعجبه حسنها أسماء بن عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب ، أو ولا أن تبدل بأزواجك زوجات غيرك ، كانوا في الجاهلية يتبادلون بالأزواج فيعطي أحدهم زوجته لرجل ويأخذ زوجته بدلاً منها . قاله ابن زيد .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
{ لا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىِّ } مر الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه وعندهن رجال يتحدثون وكان حديث عهد بزينب بنت جحش فهنينه وهنأه الناس فأتى عائشة رضي الله عنها فإذا عندها رجال يتحدثون فكره ذلك وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه فلما كان العشي صعد المنبر وتلا هذه الآية . { نَاظرِينَ إِنَاهُ } منتظرين نضجه ، أو متوقعين بحينه ووقته { وَلا مُسْتَئْنِسِينَ } لما أهديت زينب للرسول صلى الله عليه وسلم صنع طعاماً ودعا قوماً فدخلوا وزينب مع الرسول صلى الله عليه وسلم فجعلوا يتحدثون وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود : فنزلت { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُواْ } { فَيَسْتَحْىِ مِنكُمْ } أن يخبركم به { وَاللَّهُ لا يَسْتَحْىِ مِنَ الْحَقِّ } أن يأمركم بهم { مَتَاعاً } حاجة ، أو صحف القرآن أو عارية أُمرن وسائر النساء وبالحجاب كان الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله تعالى عنها يأكلان حيساً في قعب فَمَرَّ عمر رضي الله تعالى عنه فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبع عائشة فقال حسبي لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ، أو كن يخرجن للتبرز إلى المناصع وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : أحجب نساءك فلم يكن يفعل فنزل الحجاب ، أو أمرهن عمر بالحجاب فقالت زينب : يا عمر إنك لتغار علينا وإن الوحي ينزل في بيوتنا فنزل الحجاب { وَلا أَن تَنكِحُواْ } لما نزل الحجاب قال قرشي من بني تميم حجبنا الرسول عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده فنزلت ولتحريمهن بعده وجبت نفقاتهن من بيت المال وفي وجوب العدة عليهن مذهبان لأن العدة تربص للإباحة ولا إباحة في حقهن .
لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
{ لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ } في ترك الحجاب ، أو في وضع الجلباب . لما نزلت { فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } قال الآباء والأبناء فقالوا : يا رسول الله نحن لا نكلمهن أيضاً إلا من وراء حجاب فنزلت قال الشعبي : لم يذكر العم لأنها تحل لابنه فيصفها له . { نِسَآئِهِنَّ } عام ، أو المسلمات دون المشركات { مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } الإماء خاصة ، أو الإماء والعبيد فيحل للعبيد ما يحل للمحرم ، أو ما لا يواريه الدرع من ظاهر يديها .
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
{ يُصَلُّونَ } صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء ، أو صلاة الملائكة أن يباركوا عليه « ع » وقولنا اللهم صل على محمد أي زده بركة ورحمة قيل : لما نزلت قال المسلمون : فما لنا يا رسول الله فنزلت { هُوَ الذى يُصَلِّي عَلَيْكُمْ } الآية [ الأحزاب : 43 ] .
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أصحاب التصاوير ، أو الذين طعنوا على الرسول صلى الله عليه وسلم لما اتخذ صفية بنت حيي أو قوم من المنافقين كانوا يكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم ويبهتونه { يُؤذُونَ اللَّهَ } أي أولياءه ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، جَعْله أذاه أذى له تشريفاً لمنزلته ، أو ما روى من قوله سبحانه وتعالى « شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني أما شتمه إياي فقوله إن لي صاحبة وولداً وأما تكذيبه إياي بقوله لن يعيدني كما بدأني » لعنوا في الدنيا بالقتل والجلاء وفي الآخرة بالنار .
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)
{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ } نزلت في الزناة كانوا يرون المرأة فيغمزونها ، أو في قوم كانوا يؤذون علياً رضي الله تعالى عنه ويكذبون عليه ، أو في أهل الإفك .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)
{ جَلابِيبِهِنَّ } الجلباب : الرداء ، أو القناع أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها وإدناؤه أن تشد به رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها ، أو تغطي به وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى { يُعْرَفْنَ } من الإماء بالحرية أو من المتبرجات بالصيانة . قال قتادة : كانت الأَمَةَ إِذا مرَّت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله تعالى الحرائر أن يتشبهن بهن .
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)
{ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ } عن أذية نساء المسلمين ، أو عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق « ح » { وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } الزناة ، أو أصحاب الفواحش والقبائح { وَالْمُرْجِفُونَ } الذي يكايدون النساء ويتعرضون لهن ، أو ذاكرو الأخبار المضعّفة لقلوب المؤمنين المقوية لقلوب المشركين ، أو الإرجاف التماس الفتنة « ع » وسميت الأراجيف لاضطراب الأصوات فيها وإفاضة الناس فيها { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } لنسلطنك عليهم ، أو لنعلمنك بهم ، أو لنحملنك على مؤاخذتهم { إِلاَّ قَلِيلاً } بالنفي عن المدينة والقليل ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم .
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)
{ سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ } بأن من أظهر الشرك قُتل ، أو من زنا حُدَّ أو من أظهر النفاق أُبعد { تَبْدِيلاً } تحويلاً وتغييراً ، أو من قتل بحق فلا دِية على قاتله .
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)
{ سَادَتَنَا } الرؤساء ، أو الأمراء ، أو الأشراف { وَكُبَرَآءَنَا } العلماء أو ذوو الأسنان مأثور { السَّبِيلاْ } طريق الإيمان و { الرَّسُولاْ } و { السَّبِيلاْ } مخاطبة يجوز ذلك فيها عند العرب ، أو لفواصل الآي . قيل نزلت في المطعمين يوم بدر وهم اثنا عشر رجلاً من قريش .
رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)
{ ضِعْفَيْنِ } من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو عذاب الكفر وعذاب الإضلال . { لَعْناً كَبِيراً } عظيماً وبالثاء لعناً على إثر لعن .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
{ لا تَكُونُواْ } في أذية محمد صلى الله عليه وسلم بقولكم زيد بن محمد ، أو بقول الأنصاري إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله تعالى { ءَاذَوْاْ مُوسَى } رموه بالسحر والجنون ، أو بالأُدرة والبرص في حديث اغتساله خلوا ، أو صعد مع هارون الجبل فمات هارون فقالوا لموسى أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حباً فأمر الله الملائكة فحملته ومرت به على مجالسهم وتكلمت الملائكة بموته ثم دفنته قال علي رضي الله عنه : ومات هارون في التيه ومات موسى بعد انقضاء مدة التيه بشهرين { وَجِيهاً } مقبولاً ، أو مستجاب الدعوة « ح » ن أو ما سأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إلا النظر . والوجيه : مشتق من الوجه لأنه أرفع الجسد .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
{ سَدِيداً } عدلاً ، أو صدقاً ، أو صواباً أو قول لا إله إلا الله ، أو يوافق باطنه ظاهره ، أو ما أريد به وجه الله تعالى دون غيره .
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)
{ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } بالقبول ، أو بالتوفيق لها .
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
{ الأَمَانَةَ } ما أُمروا به ونهوا عنه ، أو الفرائض والأحكام الواجبة على العباد « ع » أو ائتمان النساء والرجال على الفروج ، أو الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضاً عليها ، أو ما أودعه في هذه المخلوقات من الدلائل على الربوبية أن يظهروها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها ، وعرضها إظهار ما يجب من حفظها وعظم المأثم في تضييعها ، أو عورضت بالسماوات والأرض والجبال فكانت أثقل منها لتغليظ حكمها فلم تستقل بها وضعفت عن حملها ، أو عرض الله تعالى حلمها ليكون الدخول فيها بعد العلم بها فعرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال « ع » ، أو على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة « ح » { وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } حذراً { وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ } تقصيراً ، أو أبَيْنَ حملها عجزاً وأشفقن منها خوفاً { وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ } الجنس ، أو آدم عليه الصلاة والسلام ثم انتقلت إلى ولده « ح » لما عرضت عليهن قلن وما فيها قيل إن أحسنت جُوزيتِ وإن أسأت عُوقبتِ قالت لا ، فلما خلق آدم عليه الصلاة والسلام عرضها عليه فقال وما هي قال إن أحسنت أجرتك وأن أسأت عذبتك قال فقد حملتها يا رب ، فما كان بين أن حملها إلى أن خرج من الجنة إلا كما بين الظهر والعصر { ظَلُوماً } لنفسه { جَهُولاً } بربه « ح » ، أو ظلوماً في خطيئته جهولاً بما حَمَّل ولده من بعده ، أو ظلوماً بحقها جهولاً بعاقبة أمره .
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
{ لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ والْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ } بالشرك والنفاق ، أو لخيانتهما الأمانة { وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } يتجاوز عنهم بأداء الأمانة { غَفُوراً } لمن تاب من الشرك { رَّحِيماً } بالهداية .
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)
{ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ } خلقاًن ، أو ملكاً { الْحَمْدُ فِى الأَخِرَةِ } حمد أهل الجنة { الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن } [ فاطر : 34 ] { الحمد للَّهِ الذى صَدَقَنَا وَعْدَهُ } [ الزمر : 74 ] ، أو له الحمد في السماء والأرض لأنه خلق السموات قبل الأرض فصارت هي الأولى والأرض الآخرة ، أو له « الحمد في الأولى على الهداية » وفي الآخرة على الثواب والعقاب . { الْحَكِيمُ } في أمره { الْخَبِيرُ } بخلقه .
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)
{ يَلِجُ فِى الأَرْضِ } المطر و { يَخْرُجُ مِنْهَا } النبات ، أو الوالج الأموات والخارج الذهب الفضة والمعادن ، أو الوالج البذور الخارج الزرع . { وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ } من الملائكة { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } منهم ، أو النازل القضاء والعارج العمل ، أو النازل المطر والعارج الدعاء .
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)
{ سَعَوْ فِى ءَايَاتِنَا } بالجحد ، أو التكذيب { مُعَاجِزِينَ } مسابقين أو مجاهدين ، أو مراغمين مشاقين « ع » ، أو لا يعجزونني هرباً ولا يفوتونني طلباً { معجّزين } مثبطين الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو مضعفين الله أن يقدر عليهم ، أو معجزين من آمن بإضافة العجز إليه { مِّن رِّجْزٍ } من عذاب أليم .
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)
{ الَّذِينَ أُوتُواْ العِلْمَ } أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أو مؤمنو أهل الكتاب { الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ } القرآن { صِرَاطِ الْعَزِيزِ } دين الإسلام مأثور ، أو طاعة الله تعالى وسبيل مرضاته .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } بالبعث . قيل : قاله أبو سفيان لأهل مكة فأجاب بعضهم بعضاً . { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ } يعنون قائل هذا إما مجنون ، أو كذاب . فرد الله تعالى عليهم بقوله : { بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } بالبعث { فِى الْعَذَابِ } في الأخرة { وَالْضَّلالِ الْبَعِيدِ } في الدنيا .
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
{ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من السماء والأرض كيف أحاطت بهم لأنهم كيف ما نظروا عن يمين وشمال ووراء وأمام رأوهما محيطتين بهم ، أو ما بين أيديهم : من هلك من الأمم الماضية في أرضه { وَمَا خَلْفَهُم } من أمر الآخرة في سمائه { كِسَفاً } عذاباً ، أو قِطعاً إن شاء عذب بسمائه ، أو بأرضه . فكل خلقه له جند { مُّنِيبٍ } مجيب ، أو مقبل بتوبته ، أو مستقيم إلى ربه ، أو مخلص بالتوحيد .
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
{ فَضْلاً } نبوة ، أو زبوراً ، أو قضاء بالعذاب ، أو فطنة وذكاء ، أو رحمة الضعفاء ، أو حسن الصوت ، أو تسخير الجبال والطير { أَوِّبِى } سبحي معه « ع » أو سيري « ح » ، والتأويب سير النهار كله ، أو سير الليل كله ، أو سير النهار كله دون الليل . أو رجِّعي معه إذا رجع { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } فكان يعمل به كالعمل بالطين لا يدخله النار ولا يعمل بمطرقة .
أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
{ سَابِغَاتٍ } دروعاً تامة . إسباغ النعمة تمامها { وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ } عدل المسامير في الحِلَق فلا تصغرها فتسلس ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فتنقصم الحقلة ، أو لا تجعل الحلق واسعة فلا تقي صاحبها . والسرد المسامير التي في الحلق من سرد الكلام سرداً إذا تابع بينه ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة سرد وواحد فرد ، أو النقب الذي في الحلق « ع » فكان يرفع كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم ألفان لأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبز حواري { وَاعْمَلُواْ صَالِحاً } قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر « ع » ، أو جميع الطاعات .
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
{ غُدُوُّهَا } إلى نصف النهار شهر { وَرَوَاحُهَا } إلى آخره شهر في كل يوم شهران . قال الحسن : كانت تغدوا من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع وتروح فيبيت بكابل وبينهما شهر للمسرع { عَيْنَ الْقِطْرِ } سال له القِطر من صنعاء اليمن ثلاثة أيام . كما يسيل الماء ، أو هي عين الشام والقطر النحاس « ع » ، أو الصفر { بِإِذْنِ رَبِّهِ } بأمر ربه . { يَزِغْ } يمل { عَنْ أَمْرِنَا } طاعة الله تعالى ، أو ما يأمر به سليمان عليه الصلاة والسلام لأن أمره كأمر الله { نُذِقْهُ } في الآخرة ، أو الدنيا ولم يُسخِّر منهم إلا الكفار فإذا آمنوا تركهم وكان مع المسخرين ملك بيده سوط من عذاب السعير فإذا خالف سليمان ضربه بذلك السوط { السَّعِيرِ } النار المسعورة .
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
{ مَّحَارِيبَ } القصور ، أو المساجد ، أو المساكن ومحراب الدار أشرف موضع فيها . { وَتَمَاثِيلَ } الصور ولم تكن محرمة وكانت من نحاس ، أو من رخام وشِبْه ، صور الأنبياء الذين كانوا قبله ، أو طواويس وعقباناً ونسوراً على كرسيه ودرجات سريره ليهاب من شاهدها أن يتقدم . { كَالْجَوَابِ } كالحياض ، أو الجوبة من الأرض ، أو كالحائط . { رَّاسِيَاتٍ } عظام ، أو أثافيها منها « ع » ، أو ثابتات لا يزلن عن مكانهن وذكر أنها باقية باليمن آية وعبرة { شُكْراً } توحيداً ، أو تقوى وطاعة ، أو صوم النهار وقيام الليل . فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها منهم قائم ، أو اعملوا عملاً تستوجبون عليه الشكر أو اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية ، أو قال لما أمر بالشكر : إلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك عليّ فقال : الآن شكرتني حين علمت أن النعم مني { الشَّكُورُ } المؤمن الموحد « ع » ، أو المطيع ، أو ذاكر النعمة . والشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره ، أو الشاكر على النعم والشكور على البلوى ، أو الشاكر من غلب خوفه والشكور من غلب رجاؤه .
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ } وقف في المحراب يصلي متوكئاً على عصاهُ فمات وبقي قائماً على العصا سنة وكان سأل ربه أن لا يعلم الجن موته إلا بعد سنة لأنه كان قد بقي من إتمام عمارة بيت المقدس سنة ، أو لأن الجن ذكرت للإنس أنها تعلم الغيب فطلب ذلك ليلعلم للإنس أن الجن لا يعلمون الغيب مأثور ، أو لم يمت إلا على فراشه وكان الباب مغلقاً عليه كعادته في عبادته فأكلت الأرَضَة العتبة بعد سنة فخر الباب ساقطاً وكان سليمان يعتمد على العبتة إذا جلس « ع » { دَآبَّةُ الأَرْضِ } الأرضة « ع » أو دابة تأكل العيدان يقال لها القادح { مِنسَأَتَهُ } العصا بلغة الحبشة ، أو مأخوذ من نسأت الغنم إذا سقتها { تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ } المسخرين أنهم لو علموا الغيب { مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ } أو تبينت الإنس أن الجن لو علموا الغيب { مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ } سنة ، أو أوهمهم الجن أنهم يعلمون الغيب فدخل عليهم شُبْهة فلما خَرَّ عرفوا كذبهم وزالت الشُّبهة .
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
{ لِسَبَإٍ } أرض باليمن يقال لها مأرب ، أو قبيلة سموا بأسم أبيهم ، أو أمهم وبعث إليهم ثلاثة عشر نبياً { جَنَّتَانِ } أحدهما عن يمين الوادي والأخرى عن شماله { ءَايَةٌ } كانت المرأة تمشي ومكتلها على رأسها فيمتلىء وما مسته بيدها ، أو لم يكن في قريتهم ذباب ولا بعوض ولا برغوث ولا بق ولا حية ولا عقرب ويأتيهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فتموت تلك الدواب { كُلُواْ مِن رِّزْقِ } الجنتين { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } قيل هي صناء .
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)
{ فَأَعْرَضُواْ } عن اتباع الرسل { الْعَرِمِ } المطر الشديد « ع » أو المسناة بالحبشية ، أو العربية ، أو اسم واد تجتمع فيه المياه من أودية سبأ فسدوه بين جبلين بالحجارة والقار وجعلوا له أبواباً يأخذون منه ما شاءوا فلما تركوا أمر الله تعالى بعث عليه جرذاً يقال له الخلد فخرقه فأغرق بساتينهم وأفسد أرضهم ، أو ماء أحمر أرسل في السد فخرقه وهدمه ، أو الجرذ الذي نقب السد . { جَنَّتَيْنِ } ليزدوج الكلام كقوله { فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ } لأنهما لم يتبدلا بجنتين { أُكُلٍ } البرير ثمر الخمط ، أو اسم لثمر كل شجرة { خَمْطٍ } الآراك « ع » ، أو كل شجر ذي شوك ، أو كل نبت مُرٍّ لا يمكن أكله . { وَأَثْلٍ } الطرفاء « ع » ، أو شيء يشبه الطرفاء ، أو شجر النضار ، أو شجرة حطب لا يأكلها شيء ، أو السَّمُر .
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)
{ الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } بيت المقدس « ع » ، أو الشام بورك فيها بالمياه والثمار والأشجار . قيل : إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية { قُرىً ظَاهِرَةً } متصلة ينظر بعضهم إلى بعض « ح » ، أو عامرة ، أو كثيرة الماء ، أو قريبة وهي السَّرْوات ، أو قرى بصنعاء ، أو قرى ما بين مأرب والشام { وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أي المبيت والمقيل ، أو كانوا يصبحون في قرية ويمسون في آخرى « ح » ، أو جعل ما بين القرية والقرية مقداراً واحداً . { ءَامِنِينَ } من الجوع والضمأ أو من الخوف كانوا يسيرون أربعة أشهر آمنين لا يحرك بعضهم بعضاً ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه .
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
{ بَاعِدْ بَيْنَ أًسْفَارِنَا } قالوا ذلك ملالاً للنعم كما مَلَّ بنوا إسرائيل المن والسلوى « ح » ، أو قالوا لو كانت ثمارنا أبعد مما هي كانت أشهى وأحلى ، أو طلبوا الزيادة في عمارتهم حتى تبعد أسفارهم فيها . فيكون ذلك طلباً للكثرة والزيادة { وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بقولهم : { بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } ، أو بالتغيير والتبديل بعد أن كانوا مسلمين « ح » أو بتكذيب ثلاثة عشر نبياً وقالوا لرسلهم لما ابتلوا قد كنا نأبى عليكم وأرضنا عامرة خير أرض فكيف اليوم وأرضنا خراب شر أرض { أَحَادِيثَ } يتحدث بما كانوا فيه من نعم وما صاروا إليه من هلاك حتى ضرب بهم المثل فقيل : تفرقوا أيادي سبأ . { وَمَزَّقْنَاهُمْ } بالهلاك فصاروا تراباً تذروه الريح ، أو مزقوا بالتفرق فلحقت غسان بالشام وخزاعة بمكة والأوس والخزرج بالمدينة والأزد بِعُمان .
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)
{ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } لما أُهبط آدم وحواء قال إبليس : أَما إذْ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف ظناً منه فصدق ظنه « ح » ، أو قال : خلقت من نار وآدم من طين والنار تحرق كل شيء { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } [ الإسراء : 62 ] فصدق ظنه « ع » ، أو قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم عليَّ إنك لا تجد أكثرهم شاكرين ظناً منه فصدق ظنه ، أو ظن أنه أن أغواهم وأضلهم أجابوه وأطاعوه فصدق ظنه { فَاتَّبَعُوهُ } الضمير للظن ، أو لإبليس « ح » .
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
{ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } في الشفاعة ، أو فيمن يشفع له { فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } جُلي عنها الفزع ، أو كُشف عنها الغطاء يوم القيامة ، أو دعوا فأجابوا من قبورهم من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ فسمي الداعي فزعاً والمجيب فزعاً ، أو فزع من قلوب الشياطين ففارقوا ما كانوا عليه من إضلال أوليائهم ، أو الملائكة فزعوا لسماع الوحي من الله لانقطاعه ما بين عيسى ومحمد فخروا سجداً خوف القيامة ف { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ } أي الوحي وفُرِّغ بالمعجمة من شك وشرك يوم القيامة فقالت لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا قالوا : الحق .
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
{ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَات } المطر ومن الأرض النبات ، أو رزق السموات ما قضاه من أرزاق عباده ورزق الأرض ما مكنهم فيه من مباح . { وَإِنَّآ } نحن على هدى ، وإياكم في ضلال ، فتكون أو بمعنى الواو ، أو معناه أحدنا على هدى والآخر على ضلال كقول القائل بل أحدنا كاذب دفعاً للكذب عن نفسه وإن أحدنا لصادق إضافة للصدق إلى نفسه ودفعاً له عن صاحبه ، أو معناه الله يرزقنا وإياكم كنا على هدى ، أو في ضلال مبين .
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
{ يَفْتَحُ } يقضي لأنه بالقضاء يفتح وجه الحكم { بِالْحَقِّ } بالعدل { الْعَلِيمُ } بالحكم ، أو بما يخفون ، أو بخلقه .
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)
{ كَآفَّةً لِّلْنَّاسِ } كافاً لهم عن الشرك والهاء للمبالغة أو أرسلناك إلى الجميع تضمهم ومنه كف الثوب لضم طرفيه ، أو ما أرسلناك إلا كافتهم أي جميعهم « ع » .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } مشركو العرب ، أو أبو جهل { بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } التوراة والإنجيل ، أو الأنبياء والكتب ، أو أمر الآخرة .
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
{ بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ } بل عملكم في الليل والنهار ، أو معصية الليل والنهار ، أو غركم اختلافهما ، أو مَرُّهما ، أو مكركم فيهما . { أَندَاداً } أشباهاً ، أو شركاء .
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)
{ مُتْرَفُوهَآ } جبّاروها ، أو أغنياؤها ، أو ذوو التنعم والبطر .
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)
{ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً } قالوه للأنبياء والفقراء .
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
{ يَبْسُطُ الرِّزْقَ } يوسعه { وَيَقْدِرُ } يقتر عليه يبسط على هذا مكراً به ويقتر على الآخر نظراً له أو لخير له أو ينظر له { لا يَعْلَمُونَ } أن البسط والإقتار بيده .
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
{ زُلْفَى } قربى ، والزلفة القربة { جَزَآءُ الضِّعْفِ } الحسنة بعشر والدرهم بسبعمائة ، أو الغني التقي يؤتى أجره مرتين بهذه الآية { ءَامِنُونَ } من النار ، أو من انقطاع النعم ، أو الموت ، أو الأحزان والأسقام .
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
{ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } إذا شاء ورآه صلاحاً كإجابة الدعاء ، أو يخلفه بالأجر في الآخرة إذا أنفق في الطاعة ، أو معناه فهو أخلفه لأن نفقته من خلف الله تعالى ورزقه .
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)
{ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } المشركون ومن عبدوه من الملائكة { أَهَؤُلآءِ } استفهام تقرير .
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)
{ أَنتَ وَلِيُّنَا } الذي نواليه بالطاعة ، أو ناصرنا { يَعْبُدُونَ الْجِنَّ } يطيعونهم في عبادتنا .
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
{ وَمَآ ءَاتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ } ما نُزِّل على مشركي قريش كتاباً قط { يَدْرُسُونَهَا } فيعلمون أن الذي جئت به حق ، أو باطل ، أو فيعلمون أن لله شركاء كما زعموا { مِن نَّذِيرٍ } ما جاءهم رسول قط غيرك .
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
{ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ } ما عملوا معشار ما أمروا به « ع » ، أو ما أُعطي من كذب محمداً صلى الله عليه وسلم معشار ما أُعطي من قبلهم من القوة والمال ، أو ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما آتيناهم ، أو ما أعطي من قبلهم معشار ما أعطي هؤلاء من البيان والعلم والبرهان « ع » فلا أمة أعلم من أمته ولا كتاب أبين من كتابه . والمعشار والعشر واحد ، أو المعشار عشر العشر وهو العشير ، أو عشر العشير والعشير عشر العشر فيكون جزءاً من ألف . { نكيري } : عقابي تقديره فأهلكتهم فكيف كان نكيري .
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
{ بِوَاحِدَةٍ } طاعة الله تعالى ، أو قول لا إله إلا الله { أَن تَقُومُواْ } بالحق كقوله { وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط } [ النساء : 127 ] { مَثْنَى وَفُرَادَى } جماعة وفرادى أو منفرداً برأيه ومشاوراً لغيره مأثور ، أو مناظراً لغيره ومفكراً في نفسه .
قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
{ مِّنْ أَجْرٍ } من مودة لأنه سأل قريشاً أن يكفوا عن أذاه حتى يبلغ الرسالة « ع » ، أو جُعْل { شَهِيدٌ } أن ليس بي جنون ، أو أني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)
{ يَقْذِفُ } يتكلم ، أو يوحي ، أو يلقي { بِالْحَقِّ } الوحي أو القرآن و { الْغُيُوبِ } الخفيّات .
قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)
{ جَآءَ الْحَقُّ } بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو القرآن ، أو الجهاد بالسيف { الْبَاطِلُ } الشيطان ، أو إبليس ، أو دين الشرك { وَمَا يُبْدِئُ } لا يخلق ولا يبعث ، أو لا يحيي ولا يميت ، أو لا يثبت إذا بدا ولا يعود إذ زال .
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)
{ فَزِعُواْ } في القيامة أو في الدنيا عند رؤية بأس الله ، أو يُخسف بجيش في البيداء فيبقى منهم حل فيُخبر بما لقي أصحابه فيفزع الناس ، أو فزعهم ببدر لما ضُربت أعناقهم فلم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة ، أو فزعهم في القبور من الصيحة « ح » { فَلا فَوْتَ } فلا نجاة « ع » ، أو لا مهرب ، أو لا سبق . { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } من تحت أقدامهم ، أو يوم بدر ، أو جيش السفياني « ع » ، أو عذاب الدنيا ، أو حين خرجوا من القبور « ح » أو يوم القيامة .
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
{ ءَامَنَّا بِهِ } بالله تعالى أو البعث ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم { التَّنَاوُشُ } الرجعة « ع » .
تمنى أن تؤوب إليَّ ميّ ... وليس إلى تناوشها سبيل
أو التوبة ، أو التناول نشته أنوشه نوشاً إذا تناوله من قريب ، تناوش القوم تناول بعضهم بعضاً والتحم بينهم القتال { مَّكَانٍ بَعِيدٍ } من الآخرة إلى الدنيا أو ما بين الآخرة والدنيا ، أو عُبِّر به عن طلبهم للأمر من حيث لا ينال « ح » .
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)
{ كَفَرُواْ بِهِ } بالله تعالى ، أو البعث أو الرسول صلى الله عليه وسلم { مِن قَبْلُ } في الدنيا ، أو قبل العذاب . { وَيَقْذِفُونَ } يرجمون بالظن في الدنيا فيقولون لا بعث ولا جنة ولا نار « ح » ، أو يطعنون في القرآن ، أو في الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر ، أو شاعر . سماه قذفاً لخروجه في غير حقه .
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ } وبين الدنيا ، أو بينهم وبين الإيمان « ح » ، أو التوبة أو طاعة الله تعالى أو بين المؤمن وبين العمل وبين الكافر وبين الإيمان . قاله ابن زيد { بِأَشْيَاعِهِم } أوائلهم من الأمم الخالية أو أصحاب الفيل لما أرادوا هدم الكعبة ، أو أمثالهم من الكفار لم يقبل لهم توبة عند المعاينة { فِى شَكٍّ } من نبيهم فلا يعرفونه أو من نزول العذاب بهم .
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
الفطر : الشق عن الشيء بإظهاره للحسِّ . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال : أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ففاطر السموات والأرض خالقهما ، أو شقها بما ينزل فيها وما يعرج منها . { رُسُلاً } إلى الأنبياء ، أو إلى العباد برحمة ، أو نقمة { مَّثْنَى } لبعض جناحان ولبعض ثلاثة ولآخرين أربعة { يَزِيدُ فِى } أجنحة الملائكة ما يشاء ، أو حسن الصوت ، أو الشعر الجعهد .
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
{ مِن رَّحْمَةٍ } من خير ، أو مطر ، أو توبة « ع » ، أو وحي « ح » ، أو دعاء ، أو رزق مأثور .
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
{ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ } اليهود والنصارى والمجوس ، أو الخوارج ، أو الشيطان أو قريش . نزلت في أبي جهل ، أو العاص بن وائل . وفيه محذوف تقديره فهو يتحسر عليه يوم القيامة ، أو كمن آمن وعمل صالحاً ، أو كمن علم الحسن من القبيح .
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
{ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } وهي المنعة فليتعزَّز بطاعة الله تعالى ، أو من يرد علم العزة لمن هي { فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ } لما اتخذوا آلهة ليكونوا لهم عِزًا أخبرهم الله تعالى أن العزة له جميعاً { الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } التوحيد ، أو الثناء على الله تعالى يصعد به الملائكة المقربون { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } يرفعه الكلم الطيب ، أو العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، أو يرفع الله تعالى العمل الصالح لصاحبه { السَّيِّئَاتِ } الشرك { يَبُورُ } يفسد عند الله تعالى ، أو يهلك البوار : الهلاك ، أو يبطل .
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
{ مِّن تُرَابٍ } آدم { مِن نُّطْفَةٍ } نسله { أَزْوَاجاً } زَوَّج بعضكم ببعض أو ذكوراً وإناثاً وكل واحد معه آخر من شكله فهو زوج { وَمَا يُعَمَّرُ } ما يمد عمر أحد حتى يهرم ولا ينقص من عمر آخر فيموت طفلاً ، أو ما يعمر معمر قدر الله تعالى أجله إلاَّ كان ما نقص منه من الأيام الماضية في كتاب الله تعالى . قال ابن جبير : كتب الله تعالى الأجل في أول الصحيفة ثم يكتب في أسفلها ذهب يوم كذا ذهب يوم كذا حتى يأتي على أجله ، وعمر المعمر ستون سنة ، أو أربعون ، أو ثماني عشرة { إِنَّ ذَلِكَ } إن حفظه بغير كتاب هين على الله تعالى .
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
{ فُرَاتٌ } أي عذب كقولهم حسن جميل { أُجَاجٌ } مُرّ من أجة النار كأنه يحرق لمرارته { لَحْماً طَرِيّاً } الحيتان منهما { وَتَسْتَخْرِجُونَ } الحلية من الملح دون العذب ، أو في البحر الملح عيون عذبة يخرج اللؤلؤ فيما بينهما عند التمازج ، أو من مطر السماء و { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } بالتجارة في الفلك .
{ وَلا تَزِرُ } لا تحمل نفس ذنوب أخرى ومنه الوزير لتحمله أثقال الملك بتدبيره { وَإِن تَدْعُ } نفس مثقلة بالذنوب إلى تحمل ذنوبها لم تجد من يحمل عنها شيئاً وإن كان المدعو للتحمل قريباً مناسباً ولو تحمل ما قبل تحمله لقوله تعالى { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ } { بِالْغَيْبِ } في السر حيث لا يراه أحد أو في التصديق بالآخرة .
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
{ وَمَا يَسْتَوِى الأَعْمَى } [ فيه قولان أحدهما : أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر كما لا يستوي الأعمى والبصير ولا تستوي الظلمات ولا النور ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر . قاله قتادة . الثاني : أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا يستوي ] ظل الجنة وحرور النار ، والحرور : الريح الحارة كالسموم قال الفراء : الحرور بالليل والنهار والسموم [ لا يكون إلا بالنهار ] وقال : لا يكون الحرور إلا مع شمس النهار والسموم يكون بالليل والنهار وقيل : الحرور الحر والظل البرد .
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)
{ وَمَا يَسْتَوِى الأَحْيَآءَ } كما لا يستوي الحي والميت فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر أو الأحياء المؤمنون أحياهم إيمانهم والأموات الكفار أماتهم كفرهم أو العقلاء والجهال « ولا » صلة مؤكدة أو نافية . { يُسْمِعُ } يهدي { مَّن فِى الْقُبُورِ } كما لا تسمع الموتى كذلك لا تسمع الكافر أو لا تسمع الكافر الذي أماته الكفر حتى أقبره في كفره .
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
{ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا } سلف فيها نبي قيل : إلا العرب .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
{ جُدَدٌ } جمع جُدة وهي الخطط و { وَغَرَابِيبُ } الغريب الشديد السواد . كلون الغراب قيل تقديره سودٌ غرابيب .
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
{ كَذَلِكَ } أي مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود ، أو كما اختلف ألوان ما ذكرت فكذلك تختلف أحوال العباد من الخشية ثم استأنف فقال : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَآؤُاْ } به .
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
{ تِجَارَةً } الجنة { تَبُورَ } تكسد ، أو تفسد .
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
{ أُجُورَهُمْ } ثواب أعمالهم { وَيَزِيدَهُم } يفسح لهم في قبورهم ، أو يشفعهم فيمن أحسن إليهم في الدنيا ، أو تضاعف حسناتهم مأثور ، أو يغفر لهم الكثير ويشكر اليسير { غَفُورٌ } للذنب { شَكُورٌ } للإحسان لأنه يقابله مقابلة الشاكر .
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
{ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ } القرآن . ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم ، أو إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقة الإرث الانتقال من قوم إلى آخرين { الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا } الأنبياء . فيكون قوله { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ } كلاماً مستأنفاً لا يرجع إلى المصطفين أو الذين اصطفينا أمة محمد صلى الله عليه وسلم . والظالم لنفسه أهل الصغائر . قال عمر رضي الله تعالى عنه : وظالمنا مغفور له ، أو أهل الكبائر وأصحاب المشأمة ، أو المنافقون ، أو أهل الكتاب ، أو الجاحد { مُّقْتَصِدٌ } متوسط في الطاعات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما السابق فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً وأما الظالم فيحبس طول الحبس ثم يتجاوزر الله تعالى عنه » ، أو أصحاب اليمين ، أو أهل الصغائر ، أو متبعو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعده « ح » { سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } المقربون ، أو أهل المنزلة العليا في الطاعة ، أو من كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة وسأل عقبة بن صهبان عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه الآية فقالت : كلهم في الجنة السابق من مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا .
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
{ الْحَزَنَ } خوف النار « ع » ، أو حزن الموت ، أو تعب الدنيا وهمومها أو حزن الخبز ، أو حزن الظالم يوم القيامة لما يشاهد من سوء حاله ، أو الجوع ، أو خوف السلطان ، أو طلب المعاش ، أو حزن الطعام مأثور .
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
{ الْمُقَامَةِ } الإقامة { نَصَبٌ } تعب ، أو وجع { لُغُوبٌ } عناء ، أو إعياء .
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
{ يَصْطَرِخُونَ } يستغيثون { مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ } البلوغ ، أو ثماني عشرة سنة ، أو أربعون « ع » ، أو ستون ، أو سبعون { وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ } محمد صلى الله عليه وسلم ، أو الشيب ، أو الحمى ، أو موت الأهل والأقارب .
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
{ خَلآئِفَ } يخلف بعضكم بعضاً خلفاً بعد خلف وقرناً بعد قرن والخلف هو التالي للمتقدم ولما قيل لأبي بكر رضي الله تعالى عنه خليفة الله قال : لست خليفة الله ولكني خليفة رسوله وأنا راضي بذلك ، قال بعض السلف : إنما يُستخلف من يغيب ، أو يموت والله تعالى لا يغيب ولا يموت { فَعَلَيْهِ } عقاب كفره .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)
{ شُرَكَآءَكُمُ } في الأموال الذين جعلتم لهم قسطاً منها وهي الأوثان أو الذين أشركتموهم في العبادة . { مِنَ الأَرْضِ } أي في الأرض { شِرْكٌ } في خلق السموات { كتاباً } بما هم عليه من الشرك فهم على احتجاج منه ، أو بأن لله شركاء من الأصنام والملائكة فهم متمسكون به ، أو بألا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به { إِلا غُرُوراً } وعدوهم أن الملائكة تشفع لهم ، أو أنهم [ ينصرون عليهم ] أو بالمعصية .
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
{ وَمَكْرَ السَّيِِّىءِ } الشرك ، أو مكرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم { يَحِيقُ } يحيط ، أو ينزل ، فعاد ذلك عليهم فقُتلوا ببدر { سُنَّتَ الأَوَّلِينَ } وجوب العذاب عند الإصرار على الكفر ، أو لا تقبل توبتهم عند نزول العذاب .
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
{ بِمَا كَسَبُواْ } من الذنوب { مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } قيل : بحبس المطر عنهم . عام في كل ما دَبَّ ودرج وقد فعل ذلك زمن الطوفان ، أو من الجن والإنس دون غيرهم لأنهما أهل تكليف أو من الناس وحدهم { أَجَلٍ مُّسَمّىً } وعدوا به في اللوح المحفوظ ، أو القيامة { جَآءَ أَجَلُهُمْ } نزول العذاب ، أو القيامة .
يس (1)
{ يس } اسم للقرآن ، أو لله تعالى أقسم به « ع » ، أو فواتح من كلام الله تعالى افتتح بها كلامه ، أو يا محمد وهو مأثور ، أو يا إنسان بالحبشية أو السريانية ، أو بلغة كلب ، أو طيء .
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)
{ مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ } كما أنذر آباؤهم فيكون عاماً ، أو خاص بقريش أنذروا ولم ينذر آباؤهم قبلهم .
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
{ حَقَّ الْقَوْلُ } وجب العذاب ، أو سبق في علمي { أَكْثَرِهِمْ } الذين عاندوا الرسول صلى الله عليه وسلم من قريش لم يؤمنوا ، أو ماتوا على كفرهم ، أو قتلوا عليه تحقيقاً لقوله { فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } .
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
{ أَغْلالاً } شبّه امتناعهم من الهدى بامتناع المغلول من التصرف ، أو همَّت ظائفة منهم بالرسول صلى الله عليه وسلم فغُلّت أيديهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً { فِى أَعْنَاقِهِمْ } عبّر عن الأيدي بالأعناق لأن الغل يكون في الأيدي ، أو أراد حقيقة الأعناق لأن الأيدي تجمع بالأغلال إلى الأعناق « ع » { إِلَى الأَذْقَانِ } مجتمع اللحيين والأيدي تماسها ، أو عَبَّر بها عن الوجوه لأنها منها { مُّقْمَحُونَ } المقمح الرافع رأسه الواضع يده على فيه ، أو الطامح ببصره إلى موضع قدميه « ح » أو غض الطرف ورفع [ الرأس مأخوذ ] من [ البعير ] المقمح وهو الذي يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء ، أو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه من القمح وهو رفع الشيء [ إلى الفم ] .
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
{ سَدّاً } عن الحق ، أو ضلالاً ، أو ظلمة منعتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم لما هموا به . قيل : ا لسُّد بالضم ما صنعه الله وبالفتح ما صنعه الناس . { فَأَغْشَيْنَاهُمْ } بظلمة الكفر { فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } الهدى ، أو بظلمة الليل فهم لا يبصرون الرسول صلى الله عليه وسلم لما هموا بقتله .
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
{ بِالْغَيْبِ } بما يغيب عن الناس من شر عمله ، أو بما غاب من عذاب الله تعالى .
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
{ نُحْىِ الْمَوْتَى } بالإيمان بعد الكفر ، أو بالبعث للجزاء { مَا قَدَّمُواْ } من خير ، أو شر { وَءَاثَارَهُمْ } ما ابتدءوا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم ، أو خطاهم إلى المساجد نزلت لما أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فقال الرسول صلى الله عليه وسلم « إن آثاركم تكتب » فلم يتحولوا { إِمَامٍ } اللوح المحفوظ ، أو أم الكتاب ، أو طريق مستقيم .
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
{ الْقَرْيَةِ } إنطاكية اتفاقاً .
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
{ اثْنَيْنِ } شمعون ويوحنا . أو صادق وصدوق « ع » ، أو سمعان ويحيى { فَعَزَّزْنَا } فزدنا أو قوينا ، أو شددنا « كانوا رسلاً من الله تعالى ، أو من الحواريين أرسلهم عيسى » .
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)
{ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } بالإعجاز قيل : إنهم أَحْيوا ميتاً وأبرءوا زَمِناً .
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
{ تَطَيَّرْنَا } تشاءمنا ، أو معناه إن أصابنا شر فهو من أجلكم تحذيراً من الرجوع من دينهم { لَنَرْجُمَنَّكُمْ } بالحجارة ، أو الشتم والأذى أو لنقتلنكم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } القتل ، أو التعذيب المؤلم قبل القتل .
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
{ طَآئِرُكُم مَّعَكُمْ } الشؤم إن أقمتم على الكفر إذا ذكِّرتم أو أعمالكم معكم إن ذكِّرتم بالله تطيرتم ، أو كل من ذكَّركم بالله تطيرتم . { مُّسْرِفُونَ } في تطيركم ، أو كفركم .
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
{ وَجَآءَ } رجل هو حبيب النجار « ع » ، أو كان إسكافاً أو قصاراً علم نبوتهم لأنه كان مجذوماً زَمِناً فأبرءوه « ع » ، أو لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجراً قالوا لا فآمن بهم وصدقهم .
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
{ وَمَا لِىَ لآ أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى } لما قالها وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وهو يقول يا رب أهدٍ قومي فإني لا يعلمون .
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
{ إِنِّى ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ } يا قوم ، أو خاطب به الرسل { فَاسْمَعُونِ } فاشهدوا لي .
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
{ يَالَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ } تمنى أن يعلموا حُسن عاقبته ، أو تمنى ذلك ليؤمنوا كإيمانه فيصيروا إلى ما صار إليه فنصحهم حياً وميتاً « ع » .
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)
{ مِن جُندٍ } أي رسالة لأن الله تعالى قطع عنهم الرسل لما قتلوا رسله ، أو الملائكة الذين ينزلون الوحي على الأنبياء .
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
{ صَيْحَةَ } عذاباً ، أو صاح بهم جبريل عليه السلام صحية ليس لها مثنوية .
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
{ يَاحَسْرَةً } يا حسرة العباد على أنفسهم ، أو يا حسرتهم على الرسل الثلاثة أو حلوا محل من يُتحسر عليه « ع » والحسرة بعد معاناة العذاب ، أو في القيامة « ع » .
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
{ مُحْضَرُونَ } معذبون ، أو مبعوثون .
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
{ وما عَمِلَتْ } ومما عملت ، أو وما لم تعمله أيديهم من الأنهار التي أجراها الله تعالى لهم كالفرات ودجلة والنيل ونهر بلخ ، أو وما لم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله تعالى لهم .
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
{ الأَزْوَاجَ } « ع » الأصناف ، أو الذكر والأنثى { مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ } النخل والشجر والزرع من كل صنف زوج { وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ } الأرواح .
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
{ نَسْلَخُ } نخرج من سلخ الشاة إذا أخرجت من جلدها { مُّظْلِمُونَ } داخلون في الظلمة .
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
{ لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا } انتهاء أمرها عند انتهاء الدنيا ، أو لوقت واحد لا تعدوه ، أو أبعد منازلها في الغروب وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما لا مستقر لها أي لا قرار ولا وقوف .
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
{ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } يطلع كل ليلة في منزلة { كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } قنو النخل اليابس وهو العذق أو النخل إذا انحنى حاملاً « ع » .
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
{ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ } « لكلّ حد وعلَم » لا يعدوه ولا يقصر دونه ويُذهب سلطان كل واحد منهما مجيء الآخر ، أو لا يدرك أحدهما ضوء الآخر ، أو لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، أو إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر « ع » ، أو لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالغروب قبل طلوعها { سَابِقُ النَّهَارِ } لا يتقدم الليل قبل كمال النهار ، أو لا يأتي ليلتين متصلتين من غير نهار فاصل { وَكُلٌّ } الشمس والقمر والنجوم { فِى فَلَكٍ } بين الأرض والسماء غير ملتصقة بالسماء { يَسْبَحُونَ } يعلمون ، أو يجرون « ع » ، أو يدورون كما يدور المغزل في الفلكة .
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
{ ذُرِّيَّتَهُمْ } آباءهم لأن منهم ذرى الأبناء والفلك سفينة نوح أو الأبناء والنساء لأنهم ذرءوا الآباء حملوا في الفلك : وهي السفن الكبار أو النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيهاً بالفلك قاله علي رضي الله تعالى عنه { الْمَشْحُونِ } الموقر ، أو المملوء .
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
{ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ } خلقنا مثل سفينة نوح من السفن ما يركبونه « ع » ، أو السفن الصغار خلقها كالكبار ، أو سفن الأنهار كسفن البحار ، أو الإبل تركب في البر كما تركب السفن في البحر « ح » والعرب يشبهون الإبل بالسفن .
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)
{ فَلا صَرِيخَ } فلا مغيث ، أو لا منعة { يُنقَذُونَ } من الغرق ، أو العذاب .
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)
{ إِلا رَحْمَةً } نعمة ، أو إلا برحمتنا { إِلَى حِينٍ } الموت ، أو القيامة .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
{ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } ما مضى من ذنوبكم وما خلفكم ما يأتي من الذنوب ، أو ما بين أيديكم من الدنيا وما خلفكم عذاب الآخرة ، أو مابين أيديكم عذاب [ الله لمن تقدم ] كعاد وثمود وما خلفكم أمر الساعة وجواب هذا الكلام أعرضوا .
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
{ مِّنْ ءَايَةٍ } من كتاب الله ، أو من رسوله ، أو من معجزة .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } اليهود أمروا بإطعام الفقراء فقالوا ذلك « ح » أو الزنادقة أو مشركو قريش جعلوا لأصنامهم سهماً من أموالهم فلما سألهم الفقراء أجابوهم بذلك . { إِنْ أَنتُمْ إِلا فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ } قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام ، أو قول الله للكفار لما ردوا هذا الجواب .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
{ هَذَا الْوَعْدُ } من العذاب ، أو ما وعدوا به من الظفر بهم .
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
{ صَيْحَةً } النفخة الأولى ينتظرها آخر هذه الأمة من المشركين { يَخِصِّمُونَ } يتكلمون ، أو يخصِّمون في دفع النشأة الثانية .
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
{ تَوْصِيَةً } أن يوصي بعضهم إلى بعض بما في يديه من حق . { إِلَى أَهْلِهِمْ } منازلهم .
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
{ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ } نفخة البعث يبعث بها كل ميت والأولى يموت بها كل حي وبينهما أربعون سنة والنفخة الثانية من الآخرة والأولى من الدنيا ، أو الآخرة « ح » { الأَجْدَاثِ } القبور { يَنسِلُونَ } يخرجون ، أو يسرعون .
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
{ قَالُواْ يَاويْلَنَا } يقوله المؤمنون ثم يجيبون أنفسهم فيقولون : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ } أو يقوله الكفار فيقول لهم المؤمنون ، أو الملائكة { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ } .
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
{ شُغُلٍ } عما يلقاه أهل النار ، أو افتضاض الأبكار ، أو الطرب أو النعمة { فَاكِهُونَ } وفكهون واحد كحاذر وحذر ، أو الفكه الذي يتفكه بالطعام [ أو بأعراض ] الناس والفاكه ذو الفاكهة وها هنا فرحون « ع » ، أو ناعمون ، أو معجبون ، أو ذو فاكهة كشاحم [ ولاحم ولابن ] وتامر .
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)
{ مَّا يَدَّعُونَ } يشتهون ، أو يسألون ، أو يتمنون ، أو يدعونه فيأتيهم مأخوذ من الدعاء .
سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
{ سَلامٌ } تسليم الرب عليهم إكراماً لهم ، أو تبشيره لهم بالسلامة .
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
{ جِبِلاً } جموعاً ، أو أمماً ، أو خلقاً .
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
{ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ } ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم ، أو لأن إقرار غير الناطق وشهادته أبلغ من إقرار الناطق ، أو ليعلم أن أعضاءه التي أعانته في حق نفسه من المعصية صارت شهوداً عليه في حق الله ، أو إذا قالوا { والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ختم على أفواههم حتى نطقت جوارحهم { وَتُكَلِّمُنَآ } نطقاً ، أو يظهر منها ما يقوم مقام الكلام ، أو إن الموكلين بها يشهدون عليها . وسمي كلام الأرجل شهادة لأن العمل باليد والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة وقول الفاعل على نفسه إقرار فعبّر عما صدر عن الأيدي بالكلام وعما صدر عن الأرجل بالشهادة قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « أول عظم [ من الإنسان ] يتكلم فخذه من الرجل اليسرى » .
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
{ لَطَمَسْنَا } أعمينا أبصار المشركين في الدنيا فضلوا عن الطريق فلا يبصرونه أو أعمينا قلوبهم فضلوا عن الحق فلا يهتدون إليه « ع » والمطموس الذي لا يكون بين عينيه شق مأخوذ من طمس الأثر .
وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
{ لَمَسَخْنَاهُمْ } أقعدناهم على أرجلهم فلا يستطيعون تقدماً ولا تأخراً ، أو لأهلكناهم في مساكنهم « ع » ، أو لغيرنا خلقهم فلا ينتقلون { فَمَا اسْتَطَاعُواْ } لو فعلنا ذلك تقدماً ولا تأخراً أو ما استطاعوا مضياً في الدنيا ولا رجوعاً فيها .
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
{ نُّعَمِّرْهُ } ببلوغ الهرم ، أو ثمانين سنة { نُنَكِّسْهُ } نرده إلى الضعف وحالة الصغر لا يعلم شيئاً ، أو نغير سمعه وبصره وقواه { أَفَلا يَعْقِلُونَ } أن فاعل هذا قادر على البعث .
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
{ لتنذر } يا محمد وبالياء القرآن { حَيّاً } عاقلاً ، أو مؤمناً ، أو مهتدياً ، أو حي القلب والبصر { وَيَحِقَّ الْقَوْلُ } يجب العذاب .
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)
{ مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ } من فعلنا من غير أن نكله إلى غيرنا ، أو بقوتنا { والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ } [ الذاريات : 47 ] { مَالِكُونَ } [ ضابطون ] ، أو مقتنون ، أو مطيقون .
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)
{ رَكُوبُهُمْ } الدابة التي تصلح للركوب .
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)
{ مَنَافِعُ } لباس أصوافها { وَمَشَارِبُ } ألبانها .
لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
{ جُندٌ } شيعة ، أو أعوان أي المشركون جند الأصنام { مُحْضَرُونَ } في النار ، أو عند الحساب ، أو في الدفع عن الأصنام وهي لا تدفع عنهم . قال قتادة : كانوا في الدنيا يغضبون لآلهتهم إذا ذُكرت بسوء وآلهتهم لا تنصرهم .
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)
{ أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ } أُبي بن خلف جادل في البعث ، أو العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده ثم قال يا محمد : أيحيي هذا الله بعد ما بلى . قال : نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم فنزلت « ع » { خَصِيمٌ } مجادل { مُّبِينٌ } حجة ، يجوز أن يذكِّره بذلك نعمه ، أو يدله به على قدرته على البعث .
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
{ مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ } الذي قدر على إخراج النار من الشجر مع ما بينهما من التضاد قادر على البعث . قيل تُقدح النار من كل شجر إلا العناب وقيل الشجر محمد صلى الله عليه وسلم والنار الهدى والنور الذي جاء به { تُوقِدُونَ } تقتبسون الدين .
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
{ أَن يَقُولَ لَهُ كُن } بأمره فيوجد ، أو ليس في كلامهم أخف ولا أسرع من كن فجعلها مثلاً لأمره في السرعة .
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
{ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ } خزائنه ، أو ملكه وفيه مبالغة .
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)
{ وَالصَّآفَّاتِ } الملائكة صُفُوفاً في السماء ، أو في الصلاة عند ربهم « ح » أو صافة أجنحتها في الهواء قائمة حتى يأمرها الله تعالى بما يريد ، أو هم عباد السماء أو جماعة المؤمنين صافِّين في الصلاة والقتال .
فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)
{ فَالزَّاجِرَاتِ } الملائكة لزجرها السحاب ، أو عن المعاصي ، أو آيات القرآن الزواجر الأمر والنهي التي زجر الله تعالى بهما عباده .
فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)
{ فَالتَّالِيَاتِ } الملائكة تقرأ كتب الله ، أو الأنبياء يتلون الذكر على أُممهم « ع » أو ما يُتلى في القرآن من أخبار الأُمم السالفة . أقسم بذلك ، أو برب ذلك تعظيماً له فحذف .
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
{ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ } خالقها ، أو مالكها { الْمَشَارِقِ } مشارق الشمس صيفاً وشتاء مائة وثمانون مشرقاً تطلع كل يوم في مطلع فتنتهي إلى آخرها ثم ترجع في تلك المطالع حتى تعود إلى أولها قاله السدي وهو بعيد .
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
{ وَحِفْظاً } للسماء من كل شيطان مارد ، أو جعلنا من الكواكب حفظاً من كل شيطان قاله السدي { مَّارِدٍ } متجرد من الخير .
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)
{ لا يَسَّمَّعُونَ } منعوا من السمع والتسمع ، أو يتسمعون ولا يسمعون « ع » { الْمَلإِ الأَعْلَى } السماء الدنيا ، أو الملائكة { وَيُقْذَفُونَ } يرمون من كل مكان .
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
{ دُحُوراً } قذفاً بالنار ، أو طرداً بالشهب ، أو الدحور الدفع بعنف .
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
{ خَطِفَ الْخَطْفَةَ } وثب الوثبة « ع » ، أو استرق السمع . { شِهَابٌ } نجم { ثَاقِبٌ } مضيء ، أو ماضي ، أو محرق ، أو يثقب ، أو يستوقد من قولهم أثقب زندك أي استوقد نارك .
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)
{ فَاسْتَفْتِهِمْ } فحاجهم ، أو سلهم من استفتاء المفتي { أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } السماوات والأرض والجبال ، أو السموات والملائكة ، أو الأمم الماضية هلكوا وهم أشد خلقاً من هؤلاء { طِينٍ لاَّزِبٍ } « خلق آدم من ماء وتراب ونار » ، أو لزج ، أو لاصق ، أو لازق وهو الذي لزق بما أصابه واللاصق الذي يلصق بعضه ببعض ، أو اللازب واللازم بمعنى قيل نزلت في ركانة بن عبد يزيد وأبي الأشد بن [ أسيد بن كلاب الجحمي ] .
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
{ بل عجبتُ } أنكرت ، أو حلوا محل من يتعجب منه لأن الله تعالى لا يتعجب إذ التعجب بحدوث العلم بما لم يعلم وبالفتح عجبت يا محمد من القرآن حين أُعطيته ، أو من الحق الذي جاءهم فلم يقبلوه { وَيَسْخَرُونَ } من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم ، أو من القرآن إذا تلي عليهم .
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)
{ لا يَذْكُرُونَ } لا ينتفعون ، أو لا يبصرون .
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
{ يَسْتَسْخِرُونَ } يستهزئون قيل ذلك في ركانه وأبي الأشد .
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)
« { دَاخِرُونَ } صاغرون » .
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
{ زَجْرَةٌ } صيحة أي النفخة الثانية .
وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)
{ الدِّينِ } الجزاء ، أو الحساب .
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
{ يَوْمُ الْفَصْلِ } بين الحق والباطل ، أو القضاء بين الخلق .
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)
{ وَأَزْوَاجَهُمْ } أشباههم المرابي مع المرابين والزاني مع الزناة وشارب الخمر مع شاربيه ، أو قرناءهم « ع » ، أو أشياعهم ، أو نساؤهم الموافقات على الكفر . { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } إبليس ، أو الشياطين ، أو الأصنام .
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
{ فَاهْدُوهُمْ } دلوهم ، أو وجهوهم ، أو ادعوهم و { صِرَاطِ الْجَحِيمِ } طريق النار .
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
{ مَّسْئُولُونَ } عن قول لا إله إلا الله ، أو عما دعوا إليه من بدعة مأثور أو عن جلسائهم ، أو عن ولاية علي ، أو محاسبون ، أو مسئولون بقوله { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } [ الصافات : 25 ] توبيخاً وتقريعاً .
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)
{ لا تَنَاصَرُونَ } لا ينصر بعضكم بعضاً ، أو لا يمنع بعضكم بعضاً عن دخول النار ، أو لا يتبع بضعكم بعضاً في النار يعني العابد والمعبود .
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)
{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } عام « ع » ، أو أقبل الإنس على الجن ، { يَتَسَآءَلُونَ } يتلاومون ، أو يتوانسون .
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)
{ إِنَّكُمْ كُنتُمْ } قاله الإنس والجن ، أو الضعفاء للمستكبرين « ع » { عَنِ الْيَمِينِ } تقهروننا بالقوة « ع » واليمين القوة ، أو من قبل ميامنكم ، أو من قبل الخير فتصدونا عنه « ح » ، أو من حيث نأمنكم ، أو من قبل الدين ، أو من قبل النصيحة واليُمْن ، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين ، أو من قبل الحق .
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)
{ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } الخمر الجاري ، أو الذي لم يعصر ، والماء المعين هو الظاهر للعيون ، أو الشديد الجري من قولهم أمعن في كذا إذا اشتد دخوله فيه .
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)
{ غَوْلٌ } صداع « ع » ، أو وجع البطن ، أو أدنى مكروه ، أو إثم ، أو لا تغتال عقولهم { يُنزَفُونَ } لا تنزف عقولهم ولا يذهب حلمهم بالسكر ، أو لا يبولون « ع » برأ الله خمرهم عن السكر والبول والصداع والقيء بخلاف خمر الدنيا ، أو لا تفنى خمرهم من نزف الركيَّة ، بفتح الزاي ذهاب العقل وبكسرها فناء الخمر .
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)
{ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } قصرن نظرهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى سواهم واقتصر على كذا قنع به وعدل عن غيره { عِينٌ } حسان الصور ، أو عظام الأعين .
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
{ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } لؤلؤ في صدفة « ع » ، أو بيض مصون في قشره شبهن ببيض النعام يكنه الريش من الغبار والريح فهو أبيض إلى الصفرة ، أو شبههن ببطن البيض إذا لم تناله يد أو شبههن ببياضه حين ينزع قشره أو بالحساء الذي يكون بين قشر البيضة العليا ولبابها .
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
{ يَتَسَآءَلُونَ } يسأل أهل الجنة كما يسأل أهل النار .
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)
{ قَرِينٌ } في الدنيا شيطان يغويه فلا يطيعه ، أو شريك له يدعوه إلى الكفر فلا يجيبه « ع » ، أو الأخوان المذكوران في سورة الكهف .
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
{ لَمَدِينُونَ } محاسبون ، أو مجازون « ع » .
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
{ قَالَ هَلْ } قال لأهل الجنة ، أو الملائكة هل أنتم { مُّطَّلِعُونَ } في النار .
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
{ سَوَآءِ الْجَحِيمِ } وسطها سمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب قال قتادة : فوالله لولا أن الله تعالى عَرَّفه إياه لما كان يعرفه لقد تغير حِبْره وسِبْره يعني حسنه وتخطيطه .
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)
{ قَالَ تَاللَّهِ } قاله المؤمن لقرينه الكافر { لَتُرْدِينِ } لتباعدني من الله تعالى ، أو لتهلكني لو أطعتك .
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
{ نِعْمَةُ رَبِّى } بالإيمان .
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
{ نُّزُلاً } النزل الرزق الواسع أصله الطعام الذي يصلح أن ينزلوا معه { شَجَرَةُ الزَّقُّومِ } قوت أهل النار مرة الثمرة خشنة اللمس منتنة الريح ، ولما نزلت قال [ كفار ] قريش ما نعرف هذه الشجرة وقال ابن الزِّبَعْرَى الزقوم رطب البربر والزبد فقال أبو جهل يا جارية أبغينا تمراً وزبداً ثم قال لأصحابه تزقموا هذا الذي يوعدنا محمد بالنار .
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
{ فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } بما ذكرنا أنهم قالوه فيها ، أو شدة عذاب لهم .
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
{ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الْجَحِيمِ } وصفها بذلك لاختلافهم فيها قال قطرب : الزقوم من خبيث النبات وهو كل طعام قتال ، أو أعلمهم بذلك جواز بقائها في النار لأنها تنبت فيها قيل تنبت في الباب السادس وتحي بلهب النار كما تحي أشجارنا بالماء .
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
{ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ } شبهها بها لاستقباحها في النفوس وإن لم تشاهد قال : امرؤ القيس :
أيقتلنِي والمَشرفيُّ مُضاجِعي ... وَمسنُونةٌ زُرْقٌ كأنيابِ أغوالِ
شبهها بالأغوال وإن لم ترها الناس ، أو شبهها بحية قبيحة الرأس يسميها العرب شيطاناً ، أو أراد شجراً بين مكة والمدينة سمي رؤوس الشياطين .
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)
{ لَشَوْباً } مزاجاً { مِّنْ حَمِيمٍ } الحار الداني من الإحراق وسمي القريب حميماً لقربه من القلب والمحموم لقرب حرارته من الإحراق .
أحم الله ذلك من لقاء ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي قَرَّبه ، فيمزج الزقوم بالحميم لتجمع حرارة الحميم ومرارة الزقوم .
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
{ مَرْجِعَهُمْ } مأواهم في النار ، أو يدل على أنهم إذا أكلوا الزقوم وشربوا الحميم ليسوا في النار بل في عذاب آخر ، أو مرجعهم بعد أكل الزقوم إلى عذاب الجحيم ، والجحيم : النار الموقدة ، أو هم في النار { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [ الرحمن : 44 ] ثم يرجعون إلى مواضعهم .
فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)
{ يُهْرَعُونَ } يُسرعون الإهراع : إسراع المشي برعدة ، أو يُستحثون من خلفهم ، أو يُزعجون إلى الإسراع .
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
{ نَادَانَا } دعانا على قومه بالهلاك لما يئس من إيمانهم ليطهر الأرض منهم ، أو ليكونوا عبرة لغيرهم ممن بعدهم .
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
{ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } كانوا ثمانية . نوح وأولاده الثلاثة وأربع نسوة { الْكَرْبِ الْعَظِيمِ } أذى قومه ، أو غرق الطوفان .
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)
{ هُمُ الْبَاقِينَ } فالناس كلهم من ذريته العرب والعجم أولاد سام والروم والترك والصقالبة أولاد يافث والسودان أولاد حام « ع » .
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأَخِرِينَ } الثناء الحسن ، أو لسان صدق للأنبياء كلهم ، أو قوله { سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين } [ الصافات : 79 ] .
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)
{ شِيعَتِهِ } من أهل دينه ، أو على سنته ومنهاجه يعني إبراهيم من شيعة نوح ، أو شيعة محمد صلى الله عليه وسلم قيل الشيعة الأعوان أخذ من الأشياع الحطب الصغار يوضع مع الكبار لتعين على وقودها .
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
{ سَلِيمٍ } من الشك « أو ناصح لله تعالى في خلقه ، أو الذي يحب للناس ما يحب لنفسه وسلم الناس من غشه وظلمه وأسلم لله تعالى بقلبه ولسانه » ، أو مخلص ، أو لا يكون لعاناً .
فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
{ فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ } استدل بها على وقت حمى كانت تأتيه ، أو سقيم فيما في عنقي من الموت ، أو بما أرى من قبح عبادتكم لغير الله تعالى ، أو سقيم لعلة عرضت له ، أو أرسل إليه ملكهم بأن يخرج معهم من الغد إلى عيدهم فنظر إلى نجم فقال إن هذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقمي فكابد نبي الله صلى الله عليه وسلم عن دينه ، سقيم : أي طعين وكانوا يفرون من المطعون وهذه خطيئته التي قال اغفر لي خطيئتي يوم الدين وعدها الرسول صلى الله عليه وسلم من كذبه في ذات الله .
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)
{ فَرَاغَ إِلَى ءَالِهَتِهِمْ } ذهب ، أو مال إليهم ، أو أقبل عليهم ، أو أحال عليهم { أَلا تأْكُلُونَ } استهزاء بهم ، أو وجدهم خرجوا إلى العيد وجعلوا لأصنامهم طعاماً كثيراً فقال لها ألا تأكلون تجهيلاً لمن عبدها وتعجيزاً لها .
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)
{ بِالْيَمِينِ } اليد اليمنى لأن ضربها أشد ، أو باليمين التي حلفها في قوله { وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } [ الأنبياء : 57 ] أو اليمين القوة وقوة النبوة أشد .
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
{ يَزِفُّونَ } يجرون « ع » ، أو يسعون ، أو يتسللون ، أو يرعدون غضباً ، أو يختالون وهو مشية الخيلاء ومنه أخذ زفاف العروس إلى زوجها ، « وقوله يتسللون حال بين المشي والعدو ومنه زفيف النعامة لأنه بين المشي والعدو » .
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)
{ الأَسْفَلِينَ } في الحجة ، أو في جهنم ، أو المهلكين لأن الله تعالى عقب ذلك بهلاكهم ، أو المقهورين لخلاصه من كيدهم فما أحرقت النار إلا وثاقه وما انتفع بها يومئذ أحد من الناس وكانت الدواب كلها تطفىء النار عنه إلا الوزغ فإنه كان ينفخها عليه فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتقله .
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
{ ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى } منقطع إليه بالعبادة ، أو ذاهب إليه بقلبي وديني وعملي ، أو مهاجر إليه بنفسي من أرض العراق وهو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة إلى حران ، أو الشام . { سَيَهْدِينِ } إلى طريق الهجرة ، أو الخلاص من النار ، أو إلى قول حسبي الله عليه توكلت .
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)
{ بِغُلامٍ } إسماعيل ، أو إسحاق { حَلِيمٍ } وقور .
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
{ السَّعْىَ } مشى معه ، أو العمل ، أو العبادة ، أو العمل الذي تقوم به الحجة وكان ابن ثلاث عشرة سنة { أَرَى فِى الْمَنَامِ } قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « رؤيا الأنبياء وحي » { مَاذَا تَرَى } من صبرك وجزعك ، أو قاله امتحاناً لصبره على أمر الله تعالى ولم يقل ذلك استشارة . { مِنَ الصَّابِرِينَ } على القضاء ، أو الذبح . فوجده صادق الطاعة سريع الإجابة قوي الدين .
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
{ أَسْلَمَا } اتفقا على أمر واحد ، أو سلما لأمر الله تعالى فسلم إسحاق نفسه لله تعالى وسلم إبراهيم أمره لله تعالى { وَتَلَّهُ } صرعه على جبينه « ع » فالجبين ما عن يمين الجبهة وشمالها ، أو أكبه لوجهه ، أو وضع جبينه على تل قال إسحق : « يا أبتِ إذبحني وأنا ساجد ولا تنظر إلى وجهي فقد ترحمني فلا تذبحني » .
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
{ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ } عملت بما رأيته في النوم وكان رأى أنه قعد منه مقعد الذابح ينتظر الأمر بإمضاء الذبح ففعل ذلك ، أو رأى أنه أمر بذبحه بشرط التمكين فلم يمكن وكان كلما اعتمد بالشفرة انقلبت وجُعل على حلقه صفيحة من نحاس ، أو رأى أنه ذبحه وفعل ذلك فوصل إلى الأوداج بلا فصل ، والذبيح « إسحاق » بن سارة كان له سبع سنين وكان مذبحه من بيت المقدس على ميلين ولدته سارة ولها تسعون سنة ولما علمت ما أراد بإسحاق بقيت يومين وماتت في الثالث ، أو إسماعيل مذبحه بمنى عند الجمار التي رُمي إبليس منها في كل جمرة بسبع حصيات فَجمر بين يديه أي أسرع فسميت جماراً ، أو ذبحه على الصخرة التي بأصل الجبل بمنى .
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
{ الْبَلآؤُاْ الْمُبِينُ } الاختبار العظيم ، أو النعمة البينة .
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
{ بِذِبْحٍ } كبش من غنم الدنيا « ح » ، أو كبش نزل من الجنة وهو الذي قربه أحد ابني آدم فتقبل منه « ع » ، أو كبش رعى في الجنة أربعين خريفاً ، أو تيس من الأروى أُهبط عليهما من ثبير « ح » والذِبح المذبوح وبالفتح فعل الذبح { عَظِيمٍ } لرعيه في الجنة « ع » ، أو لأنه ذبح بحق « ح » ، أو لأنه متقبل .
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)
{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الأَخِرِينَ } الثناء الحسن ، أو أن يقال { سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ } [ الصافات : 109 ] .
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)
{ إِلْيَاسَ } إدريس « ع » ، أو نبي من ولد هارون وجوز قوم أن يكون إلياس بن مضر .
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
{ بَعْلاً } رباً بلغة أزد شنوءة وسمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رجلاً من أهل اليمن يسوم ناقة بمنى فقال من بعل هذه؟ أي ربها ، أو صنم اسمه بعل كانوا يعبدونه وبه سميت بعل بك ، أو امرأة كانوا يعبدونها { أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ } أحسن من قيل له خالق ، أو أحسن الصانعين لأن الناس يصنعون ولا يخلقون .
سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)
{ إِلْ يَاسِينَ } جمع يدخل فيه جميع إلياسين ، أو زاد في إسم إلياس لأنهم يغيرون الأسماء الأعجمية بالزيادة كميكال وميكائيل { إل ياسين } تسليم على آله دونه وأضافهم إليه تشريفاً له ، أو هو إلياس فقيل ياسين لمؤاخاة الفواصل كطور سيناء وطور سينين ، أو دخلت للجمع فيكون داخلاً في جملتهم .
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)
{ الْغَابِرِينَ } الهلكى ، أو الباقين من الهلكى ، أو الباقين في عذاب الله ، أو الماضين في العذاب .
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)
{ يُونُسَ } بعثه الله تعالى إلى نينوى من أرض الموصل بشاطىء دجلة .
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
{ أَبَقَ } فر ، والآبق المار إلى حيث لا يعلم به وكان أنذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا وجعل علامته خروجه من بنيهم فلما خرج جاءتهم ريح سوداء فخافوا فدعوا الله تعالى بأطفالهم وبهائمهم فصرف الله تعالى عنهم العذاب فخرج مكايداً لقومه مغاضباً لدين ربه فركب في سفينة موقرة فلما استثقلت خافوا الغرق لريح عصفت بهم « ع » أو لحوت عارضهم فقالوا فينا مذنب لا ننجوا إلا بإلقائه فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فألقوه فَأَمِنوا .
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
{ فَسَاهَمَ } قارع بالسهام { الْمُدْحَضِينَ } المقروعين ، أو المغلوبين .
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
{ مُلِيمٌ } مسيء مذنب « ع » ، أو يلوم نفسه على ما صنع ، أو يلام على ما صنع .
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
{ الْمُسَبِّحِينَ } المصلين « ع » ، أو القائلين { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ } الآية [ الأنبياء : 87 ] ، أو العابدين ، أو التائبين .
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
{ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } إلى القيامة فيصير بطن الحوت قبراً له والتقمه ضُحىً ولفظه عشية ، أو بعد ثلاثة أيام ، أو سبعة ، أو أربعين .
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
{ بِالْعَرَآءِ } بالساحل « ع » أو الأرض ، أو موضع بأرض اليمن ، أو الفضاء الذي لا يواريه نبت ولا شجر { سَقِيمٌ } كهيئة الصبي ، أو الفرخ الذي ليس عليه ريش .
وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)
{ مِّن يَقْطِينٍ } القرع ، أو كل شجرة ليس لها ساق تبقى من الشتاء إلى الصيف ، أو كل شجرة لها ورق عريض ، أو كل ما ينبسط على وجه الأرض من البطيخ والقثاء ، أو شجرة سماها الله تعالى يقطيناً أظلته .
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
{ وَأَرْسَلْنَاهُ } بعد نبذ الحوت « ع » فكأنه أرسل إلى أمة بعد أمة أو أرسل إلى الأولين فآمنوا بشريعته { « أَوْ » يَزِيدُونَ } أو للإبهام كأنه قال أرسلناه إلى أحد العددين ، أو هو على شك المخاطبين ، أو معناه بل يزيدون « ع » فزادوا على ذلك عشرين ألفاً مأثور ، أو ثلاثين ألفاً « ع » أو بضعة وثلاثين ألفاً قاله الحكم ، أو بضعه وأربعين ألفاً ، أو سبعين ألفاً .
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
{ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ } عذر بين ، أو حجة واضحة ، أو كتاب مبين .
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
{ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً } إشراكهم الشياطين في عبادته ، أو قول يهود أصفهان إن الله صاهر الجن فكانت الملائكة من بينهم ، أو الزنادقة قالوا إن الله وإبليس أخوان فالخير والنور الحيوان النافع من خلق الله والظلمة والشر والحيوان الضار من خلق الشيطان ، أو قول المشركين الملائكة بنات الله فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه فمن أمهاتهم؟ فقالوا بنات سروات الجن . سموا جنة لاجتنانهم واستتارهم كالجن ، أو لأنهم على الجنان ، أو بطن من الملائكة يسمون الجنة { عَلِمَتِ الْجِنَّةُ } الملائكة ، أو الجن أن قائل هذا القول محضر ، أو علمت الجن أن أنفسهم محضرة في النار ، أو للحساب .
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)
{ فَإِنَّكُمْ } أيها المشركون { وَمَا تَعْبُدُونَ } من آلهتكم .
مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)
{ بِفَاتِنِينَ } بمضلين من تدعونه إلى عبادتها .
إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)
{ إِلا مَنْ هُوَ صَالِ } إلا من سبق في العلم الأول أنه يصلاها « ع » أو من أوجب الله أنه يصلاها « ح » .
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)
{ وَمَا مِنَّآ } ملك إلاَّ له في السماء { مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } ، أو كان يصلي الرجال والنساء جميعاً حتى نزلت فتقدم الرجال وتأخر النساء .
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)
{ لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ } الملائكة صفوف في السماء ، أو في الصلاة ، أو حول العرش ينتظرون ما يؤمرون به ، أو كان الناس يصلون متبددين فلما نزلت أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصطفوا .
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
{ الْمُسَبِّحُونَ } المصلون ، أو المنزهون الله عما أضافه إليه المشركون فكيف يعبدوننا ونحن نعبده .
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)
{ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ } بالحجج ، أو بأنهم سينصرون ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه لم يقتل من الرسل أصحاب الشرائع أحد قط نصروا بالحجج في الدنيا وبالعذاب في الآخرة أو بالظفر إما بالإيمان ، أو بالانتقام .
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)
{ حَتَّى حِينٍ } يوم بدر ، أو فتح مكة ، أو الموت أو القيامة منسوخة ، أو محكمة .
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
{ وَأَبْصِرْهُمْ } أبصر ما ضيعوا من أمري فسيبصرون ما يحل بهم من عذابي أو أبصرهم وقت النصر فسوف يبصرون ما يحل بهم ، أو أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة ، أو أعلمهم فسوف يعلمون .
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
{ ص } اسم للقرآن ، أو لله أقسم به « ع » ، أو فواتح افتتح بها القرآن ، أو حرف من هجاء أسماء الله تعالى ، أو صدق الله ، أو من المصاداة وهي المعارضة أي عارض القرآن بعملك ، أو من المصاداة وهي الاتباع أي اتبع القرآن بعملك . { ذِى الذِّكْرِ } الشرف « ع » ، أو البيان ، أو التذكير ، أو ذكر ما قبله من المكتب وجواب القسم . { بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ } [ ص : 2 ] أو { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار } [ ص : 64 ] ، أو حذف جوابه تفخيماً لتذهب النفس فيه كل مذهب ، وتقدير المحذوف « قد جاء بالحق » ، أو « ما الأمر كما قالوا » .
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
{ عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } حمية وفراق أو تعزز واختلاف أو أنفة وعداوة .
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
{ مِّن قَرْنٍ } من أمة والقرن : زمان مدته عشرون سنة ، أو أربعون ، أو ستون ، أو سبعون ، أو ثمانون ، أو مائة ، أو عشرون ومائة { وَّلاتَ } بمعنى لا ، أو ليس ولا يعمل إلا في الحين خاصة أي ليس حين ملجأ ، أو مغاث « ع » ، أو زوال ، أو فِرار ، والمناص : مصدر ناص ينوص والنوصُ والبوص التأخر وهو من الأضداد ، أو بالنون التأخر وبالباء التقدم كانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض مناص أي حلمة واحدة ينجوا فيها من ينجو ويهلك من يهلك فمعناه أنهم لما عاينوا الموت لم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة .
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
{ أَجَعَلَ الأَلِهَةَ إِلَهَاً وَاحِداً } لما أمرهم بكلمة التوحيد قالوا أيسع لحاجتنا جميعاً إله واحد { عُجَابٌ } عجيب كطوال وطويل وقال الخليل : العجيب والطويل ماله مثل والعجاب والطوال مالا مثل له .
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
{ وَانطَلَقَ الْمَلأُ } الانطلاق الذهاب بسهولة ومنه طلاقة الوجه { الْمَلأُ } عقبة بن أبي معيط أو أبو جهل أتى أبا طالب في مرضه شاكياً من الرسول صلى الله عليه سلم ثم انطلق من عنده حين يئس من كفه « ع » { أَنِ امْشُواْ } اتركوه واعبدوا آلهتكم ، أو امضوا في أمركم في المعاندة واصبروا على عبادة آلهتكم تقول العرب امش على هذا الأمر أي امض عليه والزمه . { إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ يُرَادُ } لما أسلم عمر وقوي به الإسلام قالوا : إِن إسلامه وقوة الإسلام لشيء يراد وأن مفارقة محمد لدينه ، أو خلافه إيانا إنما يريد به الرياسة علينا والتملك لنا .
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
{ الْمِلَّةِ الأَخِرَةِ } النصراينة لأنها آخر الملل « ع » ، أو فيما بين عيسى ومحمد ، أو ملة قريش ، أو ما سمعنا أنه يخرج ذلك في زماننا « ح » { اخْتِلاقٌ } كذب اختلقه محمد .
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
{ خَزَآئِنُ [ رَحْمَةِ ] رَبِّكَ } [ مفاتيح ] رحمته ، أو مفاتيح النبوة فيعطونها من أرادوها ويمنعونها ممن أرادوا .
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)
{ فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأَسْبَابِ } في السماء « ع » أو الفضل والدين ، أو طرق السماء وأبوابها ، أو فيعملوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة .
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
{ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ } يعني قريشاً ، « وما » صلة وقوله جند أي أتباع مقلدون لا عالم فيهم { مَهْزُومٌ } بَشَّره بهزيمتهم وهو بمكة فكان تأويله يوم بدر { مِّنَ الأَحْزَابِ } أحزاب إبليس وتِباعه ، أو لأنهم تحزبوا على جحود ربهم وتكذيب رسله .
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)
{ كَذَّبَتْ } أنت لأن القوم تذكر وتؤنث ، أو هو مذكر اللفظ ولا يجوز تأنيثه إلا أن يقع المعنى على القبيلة والعشيرة . { الأَوْتَادِ } أي الكثير البنيان والبنيان يعبّر عنه بالأوتاد ، أو كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها « ع » ، أو كان يعذب الناس بالأوتاد ، أو أراد أن ثبوت ملكه وشدة قوته كثبوت ما شد بالأوتاد .
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)
{ وَثَمُودَ } قيل عاد وثمود أبناء عم بعث الله إلى ثمود صالحاً فآمنوا فمات صالح فارتدوا فأحياه الله تعالى وبعثه إليهم وأعلمهم أنه صالح فأكذبوه وقالوا : قد مات صالح فأتِ بآية إن كنت من الصادقين ، فأتاهم الله تعالى بالناقة فكفروا وعقروها فأهلكوا « ع » ، أو بعث إليهم صالح شاباً فدعاهم حتى صار شيخاً فعقروا الناقة ولم يؤمنوا حتى هلكوا { وَقَوْمُ لُوطٍ } لم يؤمنوا حتى هلكوا ، وكانوا أربعمائة ألف بيت في كل بيت عشرة وما من نبي إلا يقوم معه طائفة من أمته إلا لوط فإن يقوم وحده { وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ } قوم شعيب والأيكة الغيضة « ع » ، أو الملتف من النبع والسدر فأهلكوا بعذاب يوم الظلة وأرسل إلى مدين فأخذتهم الصيحة .
وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)
{ صَيْحَةً وَاحِدَةً } النفخة الأولى { فَوَاقٍ } بالفتح من الإفاقة وبالضم فُواق الناقة وهو قدر ما بين الحلبتين من المدة ، أو كلاهما بمعنى واحد أي ما لها من ترداد « ع » ، أو حبس ، أو رجوع إلى الدنيا « ح » أو رحمة « ع » ، أو راحة ، أو تأخير لسرعتها ، أو ما لهم بعدها من إفاقة .
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
{ قِطَّنَا } نصيبنا من الجنة التي وعدتنا بها ، أو حظنا من العذاب استهزاءً منهم « ع » ، أو رزقنا ، أو أرنا منازلنا ، أو عجل لنا في الدنيا كتابنا في الآخرة المذكور في قوله { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } [ الحاقة : 19 ] قالوه استهزاء وأصل القط القطع ومنه قط القلم وما رأيته قط أي قطع الدهر بيني وبينه فأطلق على النصيب والكتاب والرزق لِقَطِّه من غيره وهو في الكتاب أظهر استعمالاً والقط كل كتاب يتوثق به ، أو مختص بما فيه عطية وصلة .
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ } فإنا نحسن إليك كما أحسنا إليه قبلك بصبره { الأَيْدِ } القوة ، « ع » ، أو النعمة في الطاعة والنصر في الحرب أو في العبادة والفقه في الدين كان يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر { أَوَّابٌ } تواب ، أو مسبح ، أو الذي يؤوب إلى الطاعة ويرجع إليها ، أو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها .
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
{ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } بالتأييد والنصر ، أو بالجنود والهيبة قال قتادة : باثنين وثلاثين ألف حرس { الْحِكْمَةَ } النبوة ، أو السنة أو العدل ، أو العلم والفهم ، أو الفضل والفطنة { وَفَصْلَ الْخِطَابِ } علم القضاء والعدل فيه « ع » ، أو تكليف المدعي البينة والمدعى عليه اليمين ، أو « أما بعد » وهو أول من تكلم بها ، أو البيان الكافي في كل غرض مقصود ، أو الفصل بين الكلام الأول والكلام الثاني .
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
{ الْخَصْمِ } يقع على الواحد والأثنين والجماعة لكونه مصدراً { تَسَوَّرُواْ } أتوه من أعلى سوره { الْمِحْرَابَ } صدر المجلس ومنه محراب المسجد ، أو مجلس الأشراف الذي يحارب عنه لشرف صاحبه ، أو الغرفة . حدث داود نفسه أنه إن ابتُلي اعتصم فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخد حذرك فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر من أحسن ما يكون فدرج بين يديه فهم بأخذه فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا ليأخذه فانقض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها وكان زوجها في الغزاة فكتب داود إلى أميرهم أن يجعل زوجها في حملة التابوت وكان حملة التابوت إما أن يفتح عليهم ، أو يقتلوا فقدمه فيهم فقتل فخطب زوجته بعد عدتها فشرطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة من بعده وكتبت عليه بذلك كتاباً فأشهدت فيه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشبَّ ، وتسور الملكان المحراب « ع » ولم يكونا خصمين ولا بغى أحدهما على الآخر وإنما قالا ذلك على الفرض والتقدير إن أتاك خصمان فقالا : كيت وكيت .
إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
{ فَفَزِعَ } لتسورهم من غير باب ، أو لإتيانهم في غير وقت جلوسه للنظر { بِالْحَقِّ } بالعدل { تُشْطِطْ } تمِل ، أو تَجُر ، أو تسرف ، مأخوذ من البعد شطت الدار بعُدت ، أو من الإفراط { سَوَآءِ الصِّرَاطِ } أرشدنا إلى قصد الحق ، أو عدل القضاء .
إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
{ أَخِى } صاحبي ، أو على ديني { نَعْجَةً } ضرب النعجة مثلاً لداود ، أو المرأة تسمى نعجة { اكْفِلْنِيهَا } ضمها إليَّ ، أو أعطنيها « ح » أو تحول عنها « ع » { وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ } قهرني في الخصومة ، أو غلبني على حقي من عزَّبَزَّ أي من غَلَبَ سَلَب ، أو إن تكلم كان أبين مني وإن بطش كان أشد مني وإن دعا كان أكثر مني .
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
{ لَقَدْ ظَلَمَكَ } حكم عليك بالظلم بعد إقراره . وحذف ذكر الإقرار اكتفاء بفهم السامعين ، أو تقديره إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } وقليل منهم من يبغي بضعهم على بعض « ع » ، أو قليل من لا يبغي بعضهم على بعض « وما » صلة مؤكدة أو بمعنى الذي تقديره : قليل الذين هم كذلك { وَظَّنَّ دَاوُدُ } علم { فَتَنَّاهُ } اختبرناه « ع » ، أو ابتليناه ، أو شددنا عليه في التعبد قال قتادة : قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك فلما تبين له الذنب استغفر { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ } من ذنبه وهو سماعه من أحد الخصمين وقضاؤه له قبل أن يسمع من الآخر ، أو أشبع نظره من امرأة أو ريا وهي تغتسل حتى علقت بقلبه ، أو نيته أنه إن قُتل بعلها تزوجها وأحسن الخلافة عليها « ح » ، أو « إغراؤه زوجها ليستشهد » قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : « لو سمعت رجلاً يذكر أن داود عليه الصلاة والسلام قارف من تلك المرأة محرماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحدود الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ستون ومائة » . { رَاكِعاً } عَبَّر بالركوع عن السجود مكث ساجداً أربعين يوماً حتى نبت المرعى من دموعه فغطى رأسه ، ثم رفع رأسه وقد تقرح جبينه ومكث حيناً لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه وكان يدعو على الخطائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بوادٍ إلا قال : « اللهم اغفر للخطائين لعلك تغفر لي و لهم » .
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
{ لَزُلْفَى } كرامة ، أو رحمة { مَئَابٍ } مرجع .
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
{ خَلِيفَةً } لله تعالى والخلافة : النبوة ، أو ملكاً ، أو خليفة لمن تقدمك { وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى } لا تمل مع من تهواه فتجور أو لا تحكم بما تهواه فتزل { سَبِيلِ اللَّهِ } دينه ، أو طاعته { بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ } تركهم العمل له ، أو بإعراضهم عنه « ح » .
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
{ الصَّافِنَاتُ } الخيل وصفونها : قيامها ، أو رفع إحدى اليدين على طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث { الْجِيَادُ } السراع لأنها تجود بالركض ، أو الطوال الأعناق من الجيد وهو العنق ، وطوله من صفة فراهتها .
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
{ حُبَّ الْخَيْرِ } حب المال ، أو حب الخيل ، أو حب الدنيا { أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ } آثرت حب الخير ، أو تقديره أحببت حباً الخير ثم أضافه فقال حب الخير { ذِكْرِ رَبِّى } ذكر الله تعالى « ع » ، أو صلاة العصر سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الوسطى فقال : هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام { تَوَارَتْ } الشمس { بِالْحِجَابِ } وهو جبل أخضر محيط بالدنيا ، أو توارت الخيل بالحجاب والحجاب : الليل لستره ما فيه .
رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
{ فَطَفِقَ } بسوقها وأعناقها من شدة حبه لها « ع » ، أو ضرب عراقيبها وأعناقها لما شغلته عن الصلاة « ح » وكانت نفلاً ولم تكن فرضاً إذ ترك الفرض عمداً فسوق . فعل ذلك تأديباً لنفسه والخيل مأكولة فلم يكن ذلك إتلافاً يأثم به قاله الكلبي وكانت ألف فرس فعرقبت منها تسعمائة وبقي مائة فما في أيدي الناس من الخيل العتاق فمن نسل تلك المائة .
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
{ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } ابتليناه ، أو عاقبناه بأنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض ، أو غيره ، أو كانت له زوجة اسمها جرادة وكان بين أهلها وبين قوم خصومة فحكم بينهم بالحق ولكنه وَدَّ أن الحق كان لأهلها فقيل له : سيصيبك بلاء فجعل لا يدري أيأتيه البلاء من الأرض أم من السماء ، أو احتجب ثلاثة أيام عن الناس فأوحى الله تعالى إليه إني لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم من ظالمهم ، أو غزا ملكاً وسبا ابنته وأحبها وهي معرضة عنه تذكراً لأبيها لا تكلمه ولا تنظر إليه إلا شزراً ثم سألته أن يصنع لها تمثال على صورة أبيها ففعل فعظمته وسجدت له هي وجواريها وعبد في داره إربعين يوماً حتى فشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره ثم حرقه ثم ذراه في الريح ، أو قال للشيطان : كيف تضلون الناس فقال : أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه خاتمه فألقاه في البحر حتى ذهب ملكه ، أو قال والله لأطوفن على نسائي في هذه الليلة كلهن سيحملن بغلام يقاتل في سبيل الله تعالى ولم يسْتثْنِ فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة فولدت له شق إنسان { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً } وجعلنا في ملكه جسداً والكرسي المُلْك ، أو ألقينا على سرير ملكه جسداً وهو جسد سليمان كان مريضاً ملقى على كرسيه ، أو وُلد له ولد فخاف عليه الجن فأودعه في السحاب يغذى في اليوم كالجمعة وفي الجمعة كالشهر فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتاً قاله الشعبي ، أو جعل الله تعالى ملكه في خاتمه وكان إذا أجنب ، أو أتى الغائط دفعه لأوثق نسائه فدفعه إليها يوماً فجاء شيطان في صورته فأخذه منها واسمها جرادة ، أو الأمينة . فجاء سليمان يطلبه فقالت : قد أخذته فأحسَّ سليمان ، أو وضع الخاتم تحت فراشه فأخذه الشيطان من تحته ، أو قال للشيطان : كيف تضلون الناس فقال : أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه الخاتم فجلس على كرسيه متشبهاً بصورته يقضي بغير الحق ويأتي نساء سليمان في الحيض أو منعه الله تعالى منهن فالجسد الشيطان الذي قعد على كرسيه واسمه صخر ، أو آصف ، أو حبقيق ، أو أسيد ثم وجد سليمان خاتمه في جوف سمكة بعد أربعين يوماً من زوال ملكه قيل : وجد الخاتم بعسقلان فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعاً لله تعالى ثم ظفر بالشيطان فجعله في تخت رخام وشدة بالنحاس وألقاه في البحر { ثُمَّ أَنَابَ } تاب من ذنبه ، أو رجع إلى ملكه ، أو برىء من مرضه .
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
{ وَهَبْ لِى مُلْكاً } سأل ذلك ليكون معجزة له ويستدل به على الرضا وقبول التوبة ، أو ليقوى به على عصاته من الجن فسخرت له حينئذ الريح ، أو { لا يَنبَغِى لأَحَدٍ مِّن بَعْدِى } في حياتي أن ينزعه مني كالجسد الذي جلس على كرسيه قيل : سأل ذلك بعد الفتنة فزاده الله تعالى الريح والشياطين بعدما ابتُلي « ح » .
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
{ فَسَخَّرْنَا } ذللنا { رُخَآءً } طيبة ، أو سريعة ، أو لينة أو مطيعة ، أو ليست بالعاصف المؤذية ولا بالعصيفة المعصرة « ح » . { أَصَابَ } أراد بلسان هجر ، أو حيثما قصد من إصابة السهم الغرض المقصود .
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)
{ كُلَّ بَنَّآءٍ } في البر { وَغَوَّاصٍ } في البحر على حليته وجواهره .
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)
{ فِى الأَصْفَادِ } السلاسل ، أو الأغلال ، أو الوثاق « ع » ، ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم .
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
{ هَذَا عَطَآؤُنَا } الملك الذي لا ينبغي لأحد والريح والشياطين { فَامْنُنْ } على الجن بالإطلاق ، أو الإمساك في عملك من غير حرج عليك في ذلك ، أو اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم { بِغَيْرِ حِسَابٍ } بغير تقدير فيما تعطي وتمنع ، أو بغير حرج ، أو لا تحاسب عليه في القيامة فما أنعم على أحد بنعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان ، أو التقدير هذا عطاؤنا بغير حساب أي جزاء ، أو قلة ، أو هذا عطاؤنا إشارة إلى غير مذكور وهو أنه كان في ظهره ماء مائة وكان له ثلاثمائة حرة وسبعمائة سُرِّية فقيل له { هَذَا عَطَآؤُنَا } يعني القوة على الجماع { فَامْنُنْ } بجماع من شئت من نسائك { أَوْ أَمْسِكْ } بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو تركت ، أو بغير عدد محصور فيمن استبحت ، أو نحكت وهذا خلاف الظاهر بغير دليل .
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
{ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ } من نسل يعقوب ، أو لم يكن من نسله كان في زمنه وتزوج ابنته ليا بن يعقوب وكانت أمه بنت لوط { مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ } بوسوسته وتذكيره ما كان فيه من نعمة وما صار إليه من بلية أو استأذن الشيطان ربه أن يسلطه على ماله فسلطه ثم على أهله وولده فلسطه ثم على جسده فسلطه ثم على قلبه فلم يسلطه فهذا مسه « ع » { بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } النصب الألم والعذاب السقم ، أو النصب في جلده والعذاب في ماله ، أو النصب العناء والعذاب البلاء .
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
{ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } هما عينان في الشام بأرض يقال لها الجابية اغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه وشرب من الأخرى فأذهب الله تعالى باطن دائه « ح » ، أو اغتسل من إحداهما فبرأ وشرب من الأخرى فروي { مُغْتَسَلٌ } موضع الغسل ، أو ما يغستل به ، ومرض سبع سنين وسبعة أشهر أو ثماني عشرة سنة مأثور .
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)
{ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ } كانوا مرضى فبرئوا ، أو غُيَّباً فردوا ، أو ماتوا عند الجمهور فرد الله تعالى عليه أهله وولده ومواشيه بأعيانهم لأنهم ماتوا قبل آجالهم ابتلاءً ووهب له من أولادهم مثلهم « ح » ، أو ردوا عليه بأعيانهم ووُهب له مثلهم من غيرهم ، أو رد عليه ثوابهم في الجنة ووهبه مثلهم في الدنيا ، أو رد عليه أهله في الجنة وأصاب امرأته فجاءت بمثلهم في الدنيا ، أو لم يرد عليه منهم أحداً وكانوا ثلاثة عشر ووهب له من أمهم مثلهم فولدت ستة وعشرين ابناً قاله الضحاك { رَحْمَةً مِّنَّا } نعمة { وَذِكْرَى } عبرة لذوي العقول .
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
{ ضِغْثاً } عثكال النخل بمشاريخه « ع » ، أو الأثل ، أو السنبل ، أو الثمام اليابس ، أو الشجر الرطب ، أو حزمة من حشيش ، أو ملء الكف من الحشيش أو الشجر ، أو الشماريخ وذلك خاص لأيوب عليه الصلاة والسلام أو يعم هذه الأمة ، لقي إبليس زوجة أيوب في صورة طبيب فدعته إلى مداواته فقال : أداويه على أنه إذا برىء قال : أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت : نعم فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها « ع » ، أو أتته بزيادة على عادتها من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها ، أو أغواها الشيطان على أن تحمل أيوب على أن يذبح له سخلاً ليبرأ بها فحلف ليجلدنها فلما برأ وعلم الله تعالى إيمانها أمره أن يضربها بالضغث رفقاً بها وبراً . وكان بلاؤه اختباراً لرفع درجته وزيادة ثوابه أو عقوبة على أنه دخل على بعض الجبابرة فرأى منكراً فكست عنه ، أو لأنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع لم يطعمه { أَوَّابٌ } راجع إلى ربه .
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)
{ الأَيْدِى } القوة على العبادة { وَالأَبْصَارِ } الفقه في الدين ، أو الأيدي القوة في أمر الله تعالى والأبصار العلم بكتابه أو الأيدي النعم والأبصار العقول ، أو الأيدي قوة أبدانهم والأبصار قوة أديانهم ، أو الأيدي العمل والأبصار العلم قيل : لم يذكر معهم إسماعيل لأنه لم يتبلَ وابتلي إبراهيم بالنار وإسحاق بالذبح ويعقوب بذهاب البصر .
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
{ أَخْلَصْنَاهُمْ } نزعنا ذكر الدنيا وحبها من قلوبهم وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها ، أو اصطفيناهم بأفضل ما في الآخرة وأعطيناهم إياه ، أو أخلصناهم بخاصلة الكتب المنزلة التي فيها ذكر الآخرة مأثور ، أو أخلصناهم بالنوبة وذكر الدار الآخرة ، أو أخلصناهم من العاهات والأفات وجعلناهم ذاكرين للدار الآخرة .
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
{ أَتْرَابٌ } أمثال ، أو أقران ، أو متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن ، أو مستويات الأسنان بنات ثلاث وثلاثين ، أو أتراب أزواجهن خلقن على مقاديرهم والترب اللذة مأخوذ من اللعب بالتراب .
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
{ فَلْيَذُوقُوهُ } منه حميم ومنه غساق ، أو تقديره هذا حميم وغساق فليذوقوه { وَغَسَّاقٌ } البارد الزمهرير « ع » ، أو قيح يسيل من جلودهم ، أو دموع تسيل من أعينهم ، أو عين تسيل في جهنم لها حُمَةُ كُلٍّ ذي حُمَةٍ من حية أو عقرب ، أو المنتن مأثور . أو السواد والظلمة ضد ما يراد من صفاء الشراب ورقته وهو بلغة الترك أو عربي من الغسق وهو الظلمة ، أو من غسقت القرحة إذا خرجت .
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
{ وأُخَرُ من } شكل العذاب أنواع ، أو من شكل عذاب الدنيا في الآخرة لم تر في الدنيا « ح » ، أو الزمهرير { أَزْوَاجٌ } أنواع ، أو ألوان أو مجموعة .
هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
{ فَوْجٌ } يدخلونها قوم بعد قوم فالفوج الأول بنو إبليس والثاني بنو آدم « ح » ، أو كلاهما بنو آدم الأول الرؤساء والثاني الأتباع أو الأول قادة المشركين ومطعموهم ببدر والثاني أتباعهم ببدر يقول الله تعالى للفوج الأول عند دخول الفوج الثاني { هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ } فيقولون { لا مَرْحَباً بِهِمْ } فيقول الفوج الثاني بل أنتم { لا مَرْحَباً بِكُمْ } أو قالت الملائكة لبني إبليس { هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ } إشارة إلى بني آدم لما أدخلوا عليهم فقال بنو إبليس لا مرحباً بهم فقال بنو آدم بل أنتم لا مرحباً بكم { قَدَّمْتُمُوهُ } شرعتموه وجعلتم لنا إليه قدماً ، أو قدمتم لنا هذا العذاب بإضلالنا على الهدى ، أو قدمتم لنا الكفر ، الموجب لعذاب النار { فَبِئْسَ الْقَرَارُ } بئس الدار النار . { مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا } من سنه وشرعه ، أو من زينه { مَرْحَباً } المرحب والرحب السعة ومنه الرحبة لسعتها معناه لا اتسعت لكم أماكنكم .
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)
{ مَا لَنَا لا نَرَى } يقوله أبو جهل وأتباعه { رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم } عماراً وصهيباً وبلالاً وابن مسعود .
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
{ سِخْرِيّاً } من الهزؤ وبالضم من التسخير { زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ } يعني أهم معنا في النار أم زاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم ولا نعلم مكانهم وإن كانوا معنا في النار وقال الحسن رضي الله تعالى عنه : كلا قد فعلوا اتخذوهم سخرياً وزاغب عنهم أبصارهم حقرية لهم .
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)
{ هُوَ نَبَؤٌاْ } القيامة لأن الله تعالى أنبأ بها في كتابه ، أو القرآن لأنه أنبأنا به فعرفناه ، أو أنبأ به عن الأولين { عَظِيمٌ } زواجره وأوامره أو عظيم قدره كثير نفعه .
مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
{ بِالْمَلإِ الأَعْلَى } الملائكة { يَخْتَصِمُونَ } قولهم { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [ البقرة : 30 ] « ع » ، أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم سألني ربي فقال يا محمد « فيم يختصم الملأ الأعلى قلت في الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات والتعقيب في المساجد انتظار الصلوات قال وما الدرجات قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام » .
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
{ بِيَدَىَّ } بقوتي ، أو قدرتي ، أو توليت خلقه بنفسي ، أو خلقته بيدي صفة ليست بجارحة { أَسْتَكْبَرْتَ } عن الطاعة أم تعاليت عن السجود .
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
{ فَالْحَقُّ } أنا وأقول الحقَّ ، أو الحقُّ مني والحقُّ قولي ، أو أقول حقاً حقاً لأملأن جهنم « ح » .
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)
{ مَآ أَسْئَلُكُمْ } على طاعة الله ، أو على القرآن أجراً { الْمُتَكَلِّفِينَ } للقرآن من تلقاء نفسي ، أو لأن آمركم بما لم أُؤمر به ، أو ما أنا بمكلفكم الأجر .
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
{ نَبَأَهُ } نبأ القرآن أنه حق ، أو محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول ، أو الوعيد أنه صدق { بَعْدَ حِينٍ } بعد الموت ، أو يوم بدر ، أو القيامة .
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
{ الْعَزِيزِ } في ملكه { الْحَكِيمِ } في أمره ، أو العزيز في نقمته الحكيم في عدله .
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
{ مُخْلِصاً } للتوحيد ، أو للنية لوجهه { الدِّينَ } الطاعة ، أو العبادة .
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
{ الدِّينَ الْخَالِصُ } شهادة أن لا إله إلا الله ، أو الإسلام « ح » ، أو ما لا رياء فيه من الطاعات . { مَا نَعْبُدُهُمْ } قالته قريش في أوثانها وقاله من عبد الملائكة وعُزيراً وعيسى { زُلْفَى } منزلة ، أو قرباً ، أو الشفاعة ها هنا .
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
{ يُكَوِّرُ الَّيْلَ } يحمل كل واحد منهما على الآخر « ع » ، أو يغشي الليل على النهار فيذهب ضوءه ويغشي النهار على الليل فتذهب ظلمته ، أو يرد نقصان كل واحد منهما في زيادة الآخرة .
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
{ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } آدم { زَوْجَهَا } حواء خلقها من ضلع آدم السفلي ، أو خلقها من مثل ما خلقه منه { وَأَنزَلَ لَكُم } جعل « ح » أو أنزلها بعد أن خلقها في الجنة { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } المذكورة في سورة الأنعام { خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم لحماً ، أو خلقاً في بطون أمهات بعد خلق في ظهر آبائكم قاله ابن زيد { ظُلُمَاتٍ ثلاثٍ } ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة « ع » ، أو ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم .
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
{ مُنِيباً } مخلصاً له ، أو مستغيثاً به ، أو مقبلاً عليه { نِعْمَةً مِّنْهُ } تَرَكَ الدعاء ، أو عافيةً نسي الضر ، والتخويل العطية من هبة ، أو منحة .
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
{ قَانِتٌ } مطيع ، أو خاشع في الصلاة ، أو قائم فيها ، أو داعٍ لربه { ءَانَآءَ الَّيْلِ } جوف الليل « ع » ، أو ساعاته « ح » ، أو ما بين المغرب والعشاء . { رَحْمَةَ رَبِّهِ } نعيم الجنة . نزلت في الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما « ع » ، أو عثمان بن عفان ، أو عمار وصهيب وأبي ذر وابن مسعود ، أو مرسلة فيمن هذا حاله { أَمَّنْ } فجوابه كمن ليس كذلك ، أو كمن جعل لله أنداداً . ومن جعل له نداء فمعناه : يا من هو قانت { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ } الذي يعلمون هذا فيعلمون له والذين لا يعلمونه ولا يعلمون به ، أو الذين يعلمون أنهم ملاقو ربهم والذين لا يعلمون المشركون الذين جعلوا لله أنداداً ، أو الذي يعلمون نحن والذين لا يعلمون هم المرتابون في هذه الدنيا .
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
{ حَسَنَةٌ } في الآخرة وهي الجنة ، أو في الدنيا زيادة على ثواب الآخرة وهو ما رزقهم من خير الدنيا ، أو العافية والصحة أو طاعة الله في الدنيا وجنته في الآخرة « ح » ، أو الظفر والغنيمة . { وَأَرْضُ اللَّهِ } أرض الجنة ، أو أرض الهجرة { بِغَيْرِ حِسَابٍ } بغير منّ ولا تباعة أو لا يحسب عليهم ثواب عملهم فقط ولكن يزادون على ذلك ، أو يعطونه جزافاً غير مقدر أو واسعاً بغير ضيق قال علي رضي الله تعالى عنه كل أجر يكال كيلاً ويوزن وزناً إلا أجر الصابرين فإنه يحثى لهم حثواً .
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
{ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ } بهلاك النار وخسروا أهليهم بأن لا يجدوا في النار أهلاً وقد كان لهم في الدنيا أهل ، أو خسروا أنفسهم بما حرموا من الجنة وأهليهم : الحور العين الذين أُعدوا لهم في الجنة « ح » .
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)
{ الطَّاغُوتَ } الشيطان ، أو الأوثان أعجمي كهاروت وماروت أو عربي من الطغيان { وَأَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ } أقبلوا عليه أو استقاموا إليه . { الْبُشْرَى } الجنة ، أو بشارة الملائكة للمؤمنين .
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
{ الْقَوْلَ } كتاب الله ، أو لم يأتيهم كتاب الله ولكنهم استمعوا أقوال الأمم . قاله ابن زيد { أَحْسَنَهُ } طاعة الله ، أو لا إله إلا الله ، أو أحسن ما أُمِروا به ، أو إذا سمعوا قول المشركين وقول المسلمين اتبعوا أحسنه وهو الإسلام ، أو يسمع حديث الرجل فيحدث بأحسنه ويمسك عن سواه فلا يحدث به « ع » قال ابن زيد نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان اجتنبوا الطاغوت في الجاهلية واتبعوا أحسن ما صار من القول إليهم .
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
{ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ } وسعه للإسلام حتى ثبت فيه أو شرحه بفرحه وطمأنينته إليه { نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } هدى ، أو كتاب الله يأخذ به وينتهي إليه نزلت في الرسول صلى الله عليه سلم ، أو في عمر ، أو في عمار بن ياسر تقديره : أفمن شرح الله صدره كمن طبع على قلبه { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم } القاسية قلوبهم قيل : أبو جهل وأتباعه من قريش .
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
{ مُّتَشَابِهًا } في نوره وصدقه وعدله ، أو متشابه الآي والحروف { مَّثَانِىَ } لأنه ثنى فيه القضاء ، أو قصص الأنبياء ، أو ذكر الجنة والنار ، أو الآية بعد الآية والسورة بعد السورة ، أو تثنى تلاوته فلا يُمل لحسنه ، أو يفسر بعضه بعضاً ويرد بعضه على بعض « ع » أو المثاني اسم لأواخر الآي والقرآن أسم جميعه والسورة اسم كل قطعة منه والآية اسم كل فصل من السورة { تَقْشَعِرُّ } من وعيده وتلين من وعده ، أو تقشعر من الخوف وتلين من الرجاء « ع » ، أو تقشعر من إعظامه وتلين القلوب عند تلاوته .
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
{ يَتَّقِى بِوجْهِهِ } تبدأ النار بوجهه إذا دخلها ، أو يسحب على وجهه إليها .
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)
{ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ } فجأة ، أو من مأمنهم .
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
{ عِوَجٍ } لبس ، أو اختلاف ، أو شك .
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
{ مُتَشَاكِسُونَ } متنازعون ، أو مختلفون ، أو متعاسرون ، أو متضايقون . رجل شكس أي ضيق الصدر ، أو متظالمون؛ شكسني مالي أي ظلمني { سالماً } مُخلِصاً مثل لمن عبد آلهة ومن عبد إلهاً واحداً لأن العبد المشترك لا يقدر على توفية حقوق سادته من الخدمة والذي سيده واحد يقدر على القيام بخدمته .
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)
{ إِنَّكَ مَيِّتٌ } ستموت ، الميَّت بالتشديد الذي سيموت وبالتخفيف من قد مات . ذكرهم الموت تحذيراً من الآخرة ، أو حثاً على الأعمال ، أو لئلا يختلفوا في موته كاختلاف الأمم في غيره وقد احتج بها أبو بكر على عمر رضي الله تعالى عنهما لما أنكر موته ، أو ليعلمه الله تعالى أنه سوّى فيه بين خلقه . وكل هذه احتمالات يجوز أن يراد كلها ، أو بعضها .
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
{ تَخْتَصِمُونَ } فيما كان بينهم في الدنيا ، أو المداينة أو الإيمان والكفر ، أو يخاصم الصادق الكاذب والمظلوم الظالم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر « ع » قال الصحابة . لما نزلت ما خصومتنا بيننا فلما قتل عثمان رضي الله تعالى عنه قالوا : هذه خصومتنا بيننا .
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
{ وَالَّذِى جَآءَ بِالصِّدْقِ } محمد ، أو الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام ، أو جبريل عليه السلام ، أو المؤمنون جاءوا بالصدق يوم القيامة ، والصدق لا إله إلا الله « ع » ، أو القرآن { وَصَدَّقَ بِهِ } الرسول صلى الله عليه وسلم أو مؤمنو هذه الأمة ، أو أتباع الأنبياء كلهم ، أو أبو بكر ، أو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما والذي ها هنا يراد به الجمع وإن كان مفرد اللفظ .
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
{ أَسْوَأَ الَّذِى عَمِلُواْ } قبل الإيمان والتوبة ، أو الصغائر لأنهم قد اتقوا الكبائر .
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
{ بِكَافٍ عَبْدَهُ } محمداً صلى الله عليه وسلم كفاه الله تعالى المشركين { بِكَافٍ عباده } الأنبياء { بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ } خوفوه بأوثانهم يقولون تعفل بك كذا وتفعل ، أو خوفوه من أنفسهم بالتهديد والوعيد .
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
{ مَكَانَتِكُمْ } ناحيتكم ، أو تمكنكم ، أو شرككم { عَامِلٌ } على ما أنا عليه من الهدى .
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
{ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ } يقبض أرواحها من أجسادها ويقبض نفس النائم عن التصرف مع بقاء الروح في الجسد { فَيُمْسِكُ } أرواح الموتى أن تعود إلى أجسادها ويرسل نفس النائم فيطلقها باليقظة للتصرف إلى أجل موتها ، أو لكل جسد نفس وروح فيقبض بالنوم النفوس دون الأرواح حتى تتقلب بها وتتنفس ويقبض بالموت الأرواح والنفوس فيمسك نفوس الموتى فلا يردها إلى أجسادها ويرد نفوس النيام إلى أجسادها حتى تجتمع مو روحها إلى أجل موتها « ع » ، أو يقبض أرواح النيام بالنوم والأموات بالموت فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت فلا يعيدها ويرسل الأخرى فيعيدها قاله علي رضي الله تعالى عنه فما رأته النفس وهي في السماء قبل إرسالها فهي الرؤيا الصادقة وما رأتته بعد الإرسال وقبل الاستقرار في الجسد يلقها الشياطين ويخيل لها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة .
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
{ اشْمَأَزَّتْ } انقبضت ، أو نفرت ، أو استكبرت .
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
{ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الهدى والضلال .
فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
{ فَإِذَا مّسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ } نزلت في أبي حذيفة بن المغيرة { عَلَى عِلْمٍ } عندي : على خبر عندي ، أو بعلمي ، أو علمت أن سوف أصيبه أو علم يرضاه عني ، أو بعلم علمنيه الله إياه « ح » { بَلْ هِىَ } النعمة ، أو مقالته : أوتيته على علم { فِتْنَةٌ } بلاء ، أو اختبار { لا يَعْلَمُونَ } البلاء من النعماء .
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
{ أَسْرَفُواْ } بالشرك { تَقْنَطُواْ } تيأسوا { يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً } بالتوبة منها « ح » ، أو بالعفو عنها إلا الشرك ، أو يغفر الصغائر باجتناب الكبائر نزلت والتي بعدها في وحشي قاتل حمزة قال علي : ما في القرآن آية أوسع منها . قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « ما أحب أن لي الدنيا وما عليها بهذه الآية » .
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)
{ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ } تأدية الفرائض ، أو طاعة الله تعالى في الحلال والحرام ، أو الناسخ دون المنسوخ ، أو الأخذ بما أمروا به والكف عما نهوا عنه أو ما أمرهم به في كتابه .
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
{ جَنبِ اللَّهِ } مجانبة أمره ، أو في طاعته ، أو في ذكره وهو القرآن ، أو في قرب الله من الجنة ، أو في الجانب المؤدي إلى رضا الله . والجنب والجانب سواء ، أو في طلب القرب من الله { والصاحب بالجنب } [ النساء : 36 ] أي بالقرب { السَّاخِرِينَ } المستهزئين بالقرآن ، أو بالنبي والمؤمنين « ع » .
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
{ بِمَفَازَتِهِمْ } بنجاتهم من النار ، أو بما فازوا به من الطاعة ، أو بما ظفروا به من الإرادة { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما فاتهم من لذات الدنيا أو لا يخافون سوء العذاب .
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
{ وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ } ما عظموه حق عظمته إذ عبدوا الأوثان دونه ، أو دعوك إلى عبادة غيره ، أو ما وصفوه حق صفته { قَبْضَتُهُ } أي هي في مقدروه كالذي يقبض القابض عليه في قبضته { بِيَمِينِهِ } بقوته لأن اليمين القوة ، أو في ملكه لقوله { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ النساء : 3 ] .
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
{ فَصَعِقَ } الصعقة : الغشية ، أو الموت عند الجمهور { إِلا مَن شَآءَ اللَّهُ } جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ثم يقبض ملك الموت أرواحهم بعد ذلك مأثور ، أو الشهداء ، أو هو الله الواحد القهار . والعجب من الحسن يقول هذا مع أن المشيئة لا تتعلق بالقديم { قِيَامٌ } على أرجلهم { يَنظُرُونَ } إلى البعث الذي أُعيدوا به .
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
{ وَأَشْرَقَتِ } أضاءت { بِنُورِ رَبِّهَا } بعدله ، أو بنور قدرته ، أو نورٌ خلَقه لإشراق أرضه ، أو اليوم الذي يقضي فيه بين الخلق لأنه نهار لا ليل معه { الْكِتَابُ } الحساب ، أو كتاب الأعمال { وَالشُّهَدَآءِ } الملائكة الذين يشهدون على أعمال العباد ، أو الذين استشهدوا في طاعة [ الله ] . { بِالْحَقِّ } بالعدل { لا يُظْلَمُونَ } بنقص الحسنات ، أو الزيادة في السيئات .
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
{ زُمَراً } أفواجاً ، أو أمماً ، أو جماعات ، أو جماعات متفرقة بعضها إثر بعض ، أو دفعاً وزجراً لصوت كصوت المزمار ومنه قولهم مزامير داود .
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
{ طِبْتُمْ } بالطاعة ، أو بالعمل الصالح ، أو على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشربون من إحداهما فتطهر أجوافهم ويشربون من الأخرى فتطيب أبشارهم فحينئذ يقول { خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } فإذا دخلوها قالوا { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ } بالجنة ثواباً على الإيمان ، أو بظهور دينه على الأديان وبالجزاء في الآخرة على الإيمان . { وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ } أرض الدنيا ، أو أرض الجنة عند الأكثرين سماها ميراثاً لأنها صارت إليهم في آخر الأمر كالميراث ، أو لأنهم ورثوها عن أهل النار { نَتَبَوَّأُ } ننزل { حَيْثُ نَشَآءُ } من قرار أو علوا ، أو من منازل ، أو مَنَازِه .
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
{ حَآفِّينَ } محدقين { يُسَبِّحُونَ } تلذذاً { بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } بمعرفة ربهم « ح » ، أو يذكرون بأمر ربهم { وَقَضِىَ } بين بعضهم لبعض ، أو بين الرسل والأمم { بِالْحَقِّ } بالعدل { وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ } يحمده الملائكة على عدله وقضائه أو يحمده المؤمنون .
حم (1)
{ حم} اسم للقرآن ، أو لله أقسم به ، أو حروف مقطعة من أسمه { الرَّحْمَنِ } و { الر } و { حم} { ن } هي الرحمن قاله ابن جبير ، أو هو محمد صلى الله عليه وسلم أو فواتح السور .
غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{ غَافِرِ الذَّنبِ } لمن استغفره ، أو ساتِره على من شاء ، أو هو موصوف بمغفرته { وَقَابِلِ التَّوْبِ } بإسقاط الذنب بها مع الإثابة عليها { ذِي الطَّوْلِ } النعم « ع » ، أو القدرة ، أو الغنى والسعة ، أو الجزاء والمن ، أو الفضل ، والمن : عفو عن ذنب ، والفضل : إحسان غير مستحق وأخُذ الطُّول من الطول كأنه طال بإنعامه على غيره ، أو لأنه طالت مدة إنعامه .
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)
{ يُجَادِلُ } يماري ، أو يجحد ولا تكون المجادلة إلا بين مبطلين أو مبطل ومحق والمناظرة بين المحقين ، أو المجادلة قتل الخصم عن مذهبه حقاً كان أو باطلاً والمناظرة التوصل إلى الحق في أي جهة كان . نزلت في الحارث بن قيس أحد المستهزئين { تَقَلُّبُهُمْ } في السعة والنعمة أو تقلبهم في الدنيا بغير عذاب والتقلب الإقبال والإدبار وتقلب الأسفار نزلت لما قال المسلمون نحن في جَهْد والكفار في سَعة .
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)
{ لِيَأخُذُوهُ } ليقتلوه ، أو ليحبسوه ويعذبوه والأسير أخيذ لأنه يؤسر للقتل وأخذهم له عند دعائه لهم ، أو عند نزول العذاب بهم { وَجَادَلُواْ } بالشرك ليبطلوا به الإيمان { فَأَخَذْتُهُمْ } فعاقبتهم { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } سؤال عن صدق العقاب ، أو عن صفته . قال قتادة : شديد والله .
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
{ وَكَذَلِكَ } أي كما حقت كلمة العذاب على أولئك حقت على هؤلاء { حَقَّتْ } وجب عذاب ربك ، أو صدق وعده أنهم أصحاب النار جعلهم لها أصحاباً لملازمتهم لها .
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
{ رَّحْمَةً } نعمة عليه { وَعِلْماً } به ، أو وسعت رحمتك وعلمك كل شيء كقولهم : طبت نفساً { تَابُواْ } من الشرك { سَبِيلَكَ } الإسلام لأنه طريق الجنة { وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } بتوفيقهم لطاعتك .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
{ يُنَادَوْنَ } في القيامة ، أو في النار { لَمَقْتُ اللَّهِ } لكم إذا دعيتم إلى الإيمان فكفرتم { أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ } أنفسكم لما عاينتم العذاب وعلمتم أنكم من أهل النار « ح » ، أو مقته إياكم إذا عصيتموه أكبر من مقت بعضكم لبعض حين علمتم أنهم أضلوكم واللام في « لمقت » لام اليمين تدخل على الحكاية ، أو ما ضارعها ، أو لام ابتداء قاله البصريون .
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
{ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } إحداهما خلقهم أمواتاً في الأصلاب والأخرى موتهم في الدنيا وحياة في الدنيا والثانية بالبعث أو أحياهم يوم الذر لأخذ الميثاق ثم أماتهم ثم أخرجهم أحياء ثم أماتهم بآجالهم ثم أحياهم للبعث فيكون حياتان وموتتان في الدنيا وحياة في الآخرة ، أو أحياهم في الدنيا ثم أماتهم فيها ثم أحياهم في القبور ثم أماتهم ثم أحياهم بالبعث { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } فاعترفوا بحياتين بعد موتتين وكانوا ينكرون البعث بعد الموت { مِّن سَبِيلٍ } هل من طريق نرجع فيها إلى الدنيا فنقر بالبعث ، أو هل عمل نخرج به من النار ونتخلص به من العذاب « ح » .
ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)
{ كَفَرْتُمْ } بتوحيده . { تُؤْمِنُواْ } بالأوثان ، أو تصدقوا من أشرك به { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ } في جزاء الكافر وعقاب العاصي { الْعَلِىِّ } شأنه ولا يوصف بأنه رفيع لأنها لا تستعمل إلا في ارتفاع المكان والعلي منقول من علو المكان إلى علو الشأن .
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)
{ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ } رفيع السموات السبع ، أو رافع درجات أوليائه ، أو عظيم الصفات { الرُّوحَ } الوحي ، أو النبوة أو القرآن « ع » ، أو الرحمة ، أو أرواح عباده لا ينزل ملك [ إلا ] ومعه منها روح أو جبريل عليه السلام يرسله بأمره { لِيُنذِرَ } الله تعالى أو الأنبياء عليه الصلاة والسلام { يَوْمَ التَّلاقِ } القيامة يلتقي فيه الخالق والخلق ، أو أهل السماء وأهل الأرض ، أو الأولون والآخرون « ع » .
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
{ بَارِزُونَ } من قبورهم { لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ } من أعمالهم شيء أو أبرزهم جميعاً لأنه لا يخفى عليه شيء من خلقه { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } يقوله الله تعالى بين النفختين إذا لم يبق سواه فيجيب نفسه فيقول { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } لأنه بقي وحده وقهر خلقه ، أو يقوله الله في القيامة والخلائق سكوت فيجيب نفسه ، أو تجيبه الخلائق كلهم مؤمنهم وكافرهم فيقولون : لله الواحد القهار . قاله ابن جريج .
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
{ يَوْمَ الأَزِفَةِ } حضور المنية ، أو القيامة لدنوها { إِذِ الْقُلُوبُ } النفوس بلغت الحناجر عند حضور المنية ، « أو القلوب تخاف في القيامة » فتبلغ الحناجر خوفاً فلا هي تخرج ولا تعود إلى أماكنها . { كَاظِمِينَ } مغمومين ، أو باكين ، أو ساكتين والكاظم الساكت على امتلائه غيظاً ، أو ممسكين بحناجرهم من كظم القربة وهو شد رأسها { حَمِيمٍ } قريب ، أو شفيق { يُطَاعُ } يجاب إلى الشفاعة سمى الإجابة طاعة لموافقتها إرادة المجاب .
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
{ خَآئِنَةَ الأَعْيُنِ } الرمز بالعين ، أو النظرة بعد النظرة أو مسارقة النظر « ع » ، أو النظر إلى ما نُهي عنه ، أو قوله رأيت وما رأى ، أو ما رأيت وقد رأى سماها خائنة لخفائها كالخيانة ، أو لأن استراق نظر المحظور خيانة . { وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ } الوسوسة ، أو ما تضمره إذا قدرت عليها تزني بها أم لا « ع » ، أو ما يُسرُّه من أمانة وخيانة وعبّر عن القلوب بالصدور لأنها مواضعها .
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)
{ قُوَّةً } بطشاً ، أو قدرة { وَءَاثَاراً فِى الأَرْضِ } بخرابها وعمارتها . أو مشيتهم فيها بأرجلهم ، أو بعد الغاية في الطلب ، أو طول الأعمار ، أو آثارهم في المدائن والأبنية .
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)
{ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى } أشيروا عَلَيَّ بقتله لأنهم كانوا أشاروا أن لا يقتله ولو قتله لمنعوه ، أو ذروني أتولى قتله لأنهم قالوا هو ساحر إن قتلته هلكت لأنه لو أمر بقتله خالفوه ، أو كان في قومه مؤمنون يمنعونه من قتله فسألهم أن يمكنوه من قتله { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } وليسأله فإنه لا يجاب ، أو يستعينه فإنه لا يعان { دِينَكُمْ } « عبادتكم » ، أو أمركم الذي أنتم عليه « { الْفَسَادَ } عنده هو الهدى » ، أو العمل بطاعة الله ، أو محاربته لفرعون بمن آمن معه ، أو أن يقتلوا أبناءكم ويستحيون نساءكم إن ظهروا عليكم كما كنتم تفعلون بهم .
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
{ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ } ابن عم فرعون ، أو من جنسه من القبط ولم يكن من أهله كان ملكاً على نصف الناس وكان له الملك بعد فرعون بمنزلة ولي العهد وهو الذي قال لموسى { إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } [ القصص : 20 ] ولم يؤمن من آل فرعون غيره وغير امرأة فرعون وكان مؤمناً قبل مجيء موسى ، أو آمن بمجيء موسى وصدق به { يَكْتُمُ إِيمَانَهُ } رفقاً بقومه ثم أظهره بعد ذلك فقال في حال كتمانه { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً } لأجل قوله { رَبِّىَ اللَّهُ } { بِالْبَيِّنَاتِ } الحلال والحرام ، أو العصا واليد . والطوفان والسنين ونقص من الثمرات وغيرها من الآيات { وَإِن يَكُ كَاذِباً } قاله تلطفاً ولم يقله شكاً { بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ } لأنه وعدهم النجاة إن آمنوا والهلاك إن كفروا فإذا كفروا أصابهم أحد الأمرين وهو بعض الذي وعدهم ، أو وعدهم على الكفر بهلاك الدنيا وعذاب الآخرة فهلاكهم في الدنيا بعض الذي وعدهم ، أو بعض الذي يعدهم هو أول العذاب لأنه يأتيهم حالاً فحالاً فحذرهم بأوله الذي شكوا فيه وما بعد الأول فهم على يقين منه ، أو البعض يستعمل في موضع الكل توسعاً . قال :
قد يُدرِك المتأنِّي بعضَ حاجتهِ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
{ ظَاهِرِينَ } غالبين في أرض مصر قاهرين لأهلها يذكرهم المؤمن بنعم الله عليهم { بَأْسِ اللَّهِ } عذابه قال ذلك تحذيراً منه وتخويفاً فعلم فرعون ظهور حجته فقال { مَآ أُرِيكُمْ } ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي و { سَبِيلَ الرَّشَادِ } عنده التكذيب بموسى .
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)
{ يَوْمَ التَّنَادِ } يوم القيامة ينادي بعضهم بعضاً يا حسرتا ويا ويليتا ويا ثبوراه ، أو ينادي { أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا } [ الآية : الأعراف : 44 ] . ويناديهم أصحاب النار { أَفِيضُواْ عَلَيْنَا } الآية [ الأعراف : 50 ] . والتنادِّ بالتشديد الفرار وفي حديث « أن للناس جولة يوم القيامة يندون يظنون أنهم يجدون مفراً ثم تلا هذه الآية » .
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
{ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } في انطلاقهم إلى النار ، أو في فرارهم منها حين يقذفوا فيها { عَاصِمٍ } نار ، أو مانع وأصل العصمة المنع . قاله موسى ، أو مؤمن آل فرعون .
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
{ يُوسُفُ } بن يعقوب أُرسل إلى القبط بعد موت الملك { بِالْبَيِّنَاتِ } وهي الرؤيا ، أو بعث الله إليهم رسولاً من الجن يقال له يوسف .
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)
{ صَرْحاً } مجلساً « ح » ، أو قصراً ، أو بناء بالآجر ، أو الآجر معناه أوقد لي على الطين حتى يصير آجراً .
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)
{ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ } طرقها ، أو أبوابها ، أو ما بينها { فَأَطَّلِعَ } قال ذلك بغلبة الجهل والغباوة عليه ، أو تمويها على قومه مع علمه باستحالته « ح » { فِى تَبَابٍ } خسران « ع » أو ضلال في الآخرة لمصيره إلى النار أو في الدنيا لما أطلعه الله عليه من أهلاكه .
لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
{ لا جَرَمَ } لا بد ، أو لقد حق واستحق ، أو لا يكون إلا جواباً كقول القائل : فعلوا كذا فيقول المجيب لا جرم أنهم سيندمون { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ } من عبادة غير الله { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ } لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة ، أو لا ينفع ولا يضر فيهما ، أو لا يشفع فيهما { مَرَدَّنَآ } رجوعنا إلى الله بعد الموت ليجزينا بأعمالنا { الْمُسْرِفِينَ } المشركون ، أو سافكوا الدماء بغير حق .
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)
{ فَسَتَذْكُرُونَ } في الآخرة ، أو عند نزول العذاب { وَأُفَوِّضُ } أسلم ، أو أتوكل على الله ، أو أشهده عليكم { بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } بمصيرهم ، أو بأعمالهم قاله موسى ، أو المؤمن فأظهر به إيمانه .
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
{ فَوَقَاهُ اللَّهُ } بإنجائه مع موسى وغرق فرعون ، أو خرج هارباً من فرعون إلى جبل يصلي فيه فأرسل فرعون في طلبه فوجدوه يصلي فذبت السباع والوحوش عنه فرجعوا فأخبروا به فرعون فقتلهم . { وَحَاقَ بِآلِ فِرعَوْنَ } الفرق ، أو قتله للذين أخبروه عن المؤمن ، أو عبّر عن فرعون بآل فرعون .
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
{ يُعْرَضُونَ } يعرض عليهم مقاعدهم غدوة وعشية ويقال يا آل فرعون هذه منازلكم ، أو أرواحهم في أجواف طير سود تغدوا على جهنم وتروح ، أو يعذبون بالنار في قبورهم غدوة وعشية وهذا خاص بهم { تَقُومُ السَّاعَةُ } قيامها وجود صفتها على استقامة قامت السوق إذا حضر أهلها على استقامة في وقت العادة { أَشَدَ الْعَذَابِ } لأن عذاب جهنم مختلف قال الفَرَّاء فيه تقديم وتأخير تقديره : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها .
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)
{ لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ } بإفلاج حججهم ، أو بالانتقام لهم فما قتل قوم نبياً أو قوماً من دعاة الحق إلا بُعث من ينتقم لهم فصاروا منصورين في الدنيا وإن قتلوا { وَيَوْمَ يَقُومُ } بنصرهم في القيامة بإعلاء كلمتهم وإجزال ثوابهم ، أو بالانتقام من أعدائهم { الأَشْهَادُ } الأنبياء شهدوا على الأنبياء بالإبلاغ وعلى أممهم بالتكذيب ، أو الأنبياء والملائكة أو الملائكة والنبيون المؤمنون جمع شهيد كشريف وأشراف ، أو جمع شاهد كصاحب وأصحاب .
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } ما وعد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بعطائه ، أو أن يعذب كفار مكة { وَاسْتَغْفِرْ } من ذنب إن كان منك { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } صلِّ بأمر ربك { بِالْعَشِىِّ وَالإِبْكَارِ } صلاة العصر والغداة ، أو العشي ميل الشمس إلى أن تغيب والإبكار أول الفجر ، أو هي صلاة مكة قبل فرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية « ح » .
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
{ سُلْطَانٍ } حجة { كِبْرٌ } العظمة التي في كفار قريش ما هم ببالغيها ، أو ما يستكبر من الاعتقاد وهو تأميل قريش أن يهلك الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه ، أو قول اليهود الدجَّال منا وتعظيمه واعتقادهم أنهم سيملكون وينتقمون منا { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } من كفرهم { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لأقوالهم { الْبَصِيرُ } بضمائرهم .
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)
{ لَخَلْقُ الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ } من خلق الدجَّال لما عظمت اليهود شأنه ، أو أكبر من إعادة خلق الناس ، أو أكبر من أفعال الناس حين أذل الكفار بالقوة وتواعدوهم بالقهر .
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
{ أدْعُونِى أَسْتَجِبْ } وحدوني بالربوبية أغفر لكم ذنوبكم « ع » أو اعبدوني أثبكم على العبادة ، أو سلوني أعطكم وإجابة الدعاء مقيدة بشروط المصلحة والحكمة .
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)
{ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } عن عمل النهار ، أو لتكفوا عن طلب الرزق أو لتحاسبوا فيه أنفسكم على ما عملتموه بالنهار { مُبْصِراً } لقدرة الله في خلقه ، أو لطلب الأرزاق .
كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)
{ يُؤْفَكُ } يصرف ، أو يكذب بالتوحيد ، أو يعدل عن الحق ، أو يقلب عن الدين .
ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)
{ تَفْرَحُونَ } الفرح : السرور والمرع : البطر ، سروا بالإمهال وبطروا بالنعم ، أو الفرح : السرور والمرح : العدوان .
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)
{ بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ } قالوا نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب ، أو كان عندهم أنه علم وهو جهل ، أو فرحت الرسل بما عندها من العلم بنجاتها وهلاك أعدائها ، أو رضوا بعلمهم واستهزءوا برسلهم . { وَحَاقَ بِهِم } أحاط وعاد عليهم .
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
{ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ } فُسِّرت ، أو فُصِّلت بالوعد والوعيد « ع » أو بالثواب والعقاب ، أو ببيان الحلال والحرام والطاعة والمعصية أو بذكر محمد صلى الله عليه وسلم فحكم ما بينه وبين [ من ] خالفه { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أنه إله واحد في التوراة والإنجيل ، أو يعلمون أن القرآن نزل من عند الله أو يعلمون العربية فيعجزون عن مثله .
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
{ أَكِنَّةٍ } أغطية ، أو أوعية كالجعبة للنبل ، أو في غلف لا تسمع منك { وَقْرٌ } صمم والوقر لغة : ثقل السمع والصمم ذهاب جميعه { حِجَابٌ } ستر مانع من الإجابة ، أو فرقة في الأديان ، أو تمثيل بالحجاب ليؤيسوه من الإجابة ، أو استغشى أبو جهل على رأسه ثوباً وقال يا محمد بيننا وبينك حجاب استهزاء منه { فَاعْمَلْ } لإلهك فإنا نعمل لآلهتنا ، أو اعمل في هلاكنا فإنا نعمل في هلاكك ، أو اعمل بما تعلم من دينك فإنا نعمل بما نعلم من ديننا .
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)
{ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء ، أو لا يزكون أعمالهم ، أو لا يأتون ما يكونون به أزكياء « ح » ، أو لا يؤمنون بالزكاة ، أو ليس هم من أهل الزكاة .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
{ مَمْنُونٍ } محسوب ، أو منقوص « ع » ، أو مقطوع مننت الحبل : قطعته أو ممنون به عليهم .
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)
{ يَوْمَيْنِ } الأحد والاثنين « ع » { أَندَاداً } أشباهاً « ع » ، أو شركاء أو أكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصيه ، أو قول الرجل لولا كلب فلان لأتاني اللص ولولا فلان لكان كذا « ع » .
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)
{ وَبَارَكَ فِيهَا } أنبت شجرها بغير غرس وزرعها بغير بذر ، أو أودعها منافع أهلها { أَقْوَاتَهَا } أرزاق أهلها « ح » ، أو مصالحها من بحارها وأشجارها وجبالها وأنهارها ودوابها ، أو المطر ، أو قدر في كل بلدة منها ما ليس في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد آخر { فِى أَرْبَعَةِ أَيَامٍ } في تتمة أربعة أيام لقولك خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً أي في تتمة خمسة عشر يوماً وفي الحديث مرفوع أنه خلق الأرض يوم الأحد والأثنين والجبال يوم الثلاثاء والشجر والماء والعمران يوم الأربعاء والسماء يوم الخميس والنجوم والشمس والقمر والملائكة وآدم يوم الجمعة وخلق ذلك شيئاً بعد شيء لتعتبر به من حضر من الملائكة ، أو لتعتبر به العباد إذا أخبروا { لِّلسِّآئِلِينَ } عن مدة الأجل الذي خلق فيها الأرض ، أو في أقواتهم وارزاقهم .
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
{ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ } عمد إليها ، أو استوى أمره إليها . { أئْتِيَا طَوْعاً } قال لهما قبل خلقهما تكَوَّنا فتكوَّنتا كقوله لكل شيء كن ، أو أمرهما بعد خلقهما عند الجمهور بأن يعطيا الطاعة في السير المقدر لهما ، أو أمرهما بالطاعة والمعرفة ، أو ائتيا بما فيكما ، أو كونا كما أردت من شدة ولين وَحَزن وسهل ومنيع وممكن { طَوْعاً } اختباراً ، { أَوْ كَرْهاً } إجباراً ، كلمهما الله تعالى بذلك ، أو ظهر من قدرته ما قام مقام الكلام في بلوغ المراد { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } أعطينا الطاعة ، أو أتينا بما فينا فأتت السماء بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وأتت الأرض بالأشجار والأنهار والثمار « ع » تكلمتا بذلك ، أو قام ظهور طاعتهما مقام قولهما .
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
{ فَقَضَاهُنَّ } خلقهن { فِى يَوْمَيْنِ } قبل الخميس والجمعة ، أو خلق السموات قبل الأرضين في يوم الأحد والأثنين والأرضين يوم الثلاثاء والجبال يوم الأربعاء وما عداهما من العالم في الخميس والجمعة ، أو خلق السماء دخانها قبل الأرض ثم فتقها سبع سماوات بعد الأرض { وَأَوْحَى فِى كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } أسكن فيها ملائكتها ، أو خلق في كل سماء خلقها وخلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها وأوحى إلى ملائكة كل سماء ما أمرهم به من العبادة { بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً } أي جعلناها زينة وحفظاً .
إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)
{ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } رسل من بين أيديهم ورسل من بعدهم « ع » ، أو ما بين أيديهم عذاب الدنيا وما خلفهم عذاب الآخرة .
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)
{ صَرْصَراً } شديدة البرد ، أو شديدة السموم ، أو شديدة الصوت من الصرير قيل إنها الدبور . { نَّحِسَاتٍ } مشؤومات وكن في آخر شهر من الشتاء من الأربعاء إلى الأربعاء قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ما عذب قوم لوط إلا في يوم الأربعاء ، أو باردات ، أو متتابعات ، أو ذات غبار .
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
{ فَهَدَيْنَاهُمْ } دعوناهم ، أو بينا لهم سبيل الخير والشر ، أو أعلمناهم الهدى من الضلالة . { فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَىَ } اختاروا الجهل على البيان أو الكفر على الإيمان ، أو المعصية على الطاعة { صَاعِقَةُ الْعَذَابِ } النار أو صيحة من السماء ، أو « الموت لكل شيء مات » ، أو كل عذاب صاعقة لأن من سمعها يصعق لهولها { الْهُونِ } الهوان ، أو العطش .
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
{ يُوزَعُونَ } يدفعون « ع » ، أو يساقون ، أو يمنعون من التفرق ، أو يحبس أولهم على آخرهم وزعته كففته .
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
{ لِجُلُودِهِمْ } حقيقة ، أو لفروجهم ، أو أيديهم وأرجلهم « ع » قيل : أول ما يتكلم الفخذ الأيسر والكف الأيمن .
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
{ تَسْتَتِرُونَ } تتقون ، أو تظنون ، أو تسخفون منها . { وَلكِن ظَنَنتُمْ } نزلت في ثلاثة نفر تماروا فقالوا ترى الله يسمع سرنا .
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
{ يَسْتَعْتِبُواْ } يطلبوا الرضا فما هم بمرضيعنهم والمعتب الذي قُبل إعتابه وأُجيب إلى سؤاله ، أو أن يستغيثوا فما هم من المغاثين . أو أن يستقيلوا ، أو أن يعتذروا فما هم من المعذورين ، أو أن يجزعوا فما هم من الآمنين قال ثعلب : يقال عتب إذا غضب وأعتب إذا رضي .
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ } هيأنا لهم شياطين ، أو خلينا بينهم وبين الشياطين . أو أغرينا الشياطين بهم { مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة ، أو ما بين أيديهم من أمر الآخرة فقالوا لا حساب ولا نار ولا بعث وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات ، أو ما بين أيديهم فعل الفساد في زمانهم وما خلفهم هو ما كان قبلهم ، أو بين أيديهم ما فعلوه وما خلفهم ما عزموا أن يفعلون .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
{ لا تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْءَانِ } لا تتعرضوا لسماعه ولا تقبلوه ولا تطيعوه من قولهم السمع والطاعة { وَالْغَوْاْ فِيهِ } قعوا فيه وعيبوه « ع » أو اجحدوه وانكروه ، أو عادوه وعاندوه ، أو الغوا فيه بالمكاء والتصفير والتخليط في المنطق حتى يصير لغواً .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
{ أَرِنَا } أعطنا ، أو أبصرنا { الَّذِيْنَ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ } إبليس { وَالإِنسِ } قابيل ، أو دعاة الضلال من الجن الإنس { مِنَ الأَسْفَلِينَ } في النار قالوه حنقاً عليهما ، أو عداوة لهما .
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
{ رَبُّنَا اللَّهُ } وَحَّدُوا « ع » { اسْتَقَامُواْ } على التوحيد أو على لزوم الطاعة وأداء الفرائض « ع » ، أو على إخلاص الدين والعمل إلى الموت ، أو استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم ، أو استقاموا سراً كما استقاموا جهراً { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةُ } عند الموت ، أو عند الخروج من قبورهم { أَلا تَخَافُواْ } أمامكم { وَلا تَحْزَنُواْ } على ما خلفكم ، أو لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم { وَأَبْشِرُواْ } يبشرون عند الموت ثم في القبر ثم في البعث .
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)
{ أَوْلِيَآؤُكُمْ } نحفظ أعمالكم في الدنيا ونتولاكم في الآخرة أو نحفظكم في الحياة ولا نفارقكم في الآخرة حتى تدخلوا الجنة { مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ } من النعم ، أو الخلود لأنهم كانوا يشتهون في الدنيا البقاء . { تَدَّعُونَ } تمنون أو ما تدعي أنه لك فهو لك بحكم بك « ع » .
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
{ نُزُلاً } ثواباً ، أو مناً ، أو منزلة ، أو عطاء مأخوذ من نُزُل الضيف وووظائف الجند .
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
{ مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ } الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى الإسلام « ح » أو المؤذنون دعوا إلى الصلاة { وَعَمِلَ صَالِحاً } أداء الفرائض ، أو صلاة ركعتين بين الآذان والإقامة كان بلال إذا قام للآذان قالت اليهود : قام غراب لا قام فإذا ركعوا في الصلاة : قالو جثوا لا جثوا فنزلت هذه الآية في بلال والمصلين .
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
{ الْحَسَنَةُ } المداراة { السَّيِّئَةُ } الغلظة ، أو الحسنة الصبر والسيئة النفور ، أو الإيمان والكفر « ع » ، أو العفو والانتصار ، أو الحلم والفحش ، أو حب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وبغضهم قاله علي رضي الله تعالى عنه { بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } ادفع بحلمك جهل الجاهل عليك « ع » أو ادفع بالسلام إساءة المسيء { وَلِىٌّ } صديق { حَمِيمٌ } قريب نزلت في أبي جهل كان يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم فأُمر بالصبر عليه والصفح عنه .
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)
{ وَمَا يُلَقَّاهَآ } ما يلقى دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على الحلم ، أو ما يلقى الجنة إلا الذين صبروا على الطاعة { حَظٍّ عَظِيمٍ } جد عظيم ، أو نصيب وافر « ع » ، أو الحظ العظيم الجنة « ح » .
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
{ نَزْغٌ } غضب ، أو الوسوسة وحديث النفس ، أو البغض ، أو الفتنة ، أو الهمزات « ع » { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } اعتصم { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } لاستعاذتك { الْعَلِيمُ } بأذيتك .
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
{ خَلَقَهُنَّ } خلق هذه الآيات والسجود عند قوله { تَعْبُدُونَ } « ح » ، أو { لا يَسْئَمُونَ } « ع » ،
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
{ خَاشِعَةً } غبراء يابسة ، أو ميتة يابسة { اهْتَزَّتْ } بالحركة للنبات { وَرَبَتْ } بالارتفاع قبل أن تنبت ، أو اهتزت بالنبات { وَرَبَتْ } بكثرة الريع .
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)
{ يُلْحِدُونَ } يكذبون بآياتنا ، أو يميلون عن أدلتنا ، أو يكفرون بنا ، أو يعاندون رسلنا ، أو المكاء والصفير عند تلاوة القرآن { لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } تهديد ووعيد { أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ } أبو جهل والآمن : عمار ، أو عمر ، أو أبو جهل وأصحابه والآمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، أو عامة في الكافرين والمؤمنين { اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } تهديد .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
{ بِالذِّكْرِ } القرآن اتفاقاً جوابه هالكون ، أو معذبون { عَزِيزٌ } على الشيطان أن يبدله ، أو على الناس أن يقولوا مثله .
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
{ الْبَاطِلُ } إبليس ، أو الشيطان ، أو التبديل ، أو التكذيب { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } من أول التنزيل ولا من آخره « ح » ، أو لا يقع الباطل فيه في الدنيا ولا في الآخرة ، أو لا يأتيه في إنبائه عما تقدم ولا في إخباره عما تأخر { حَكِيمٍ } في فعله { حَمِيدٍ } إلى خلقه .
مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
{ مَّا يُقَالُ لَكَ } من أنك ساحر ، أو شاعر ، أو مجنون ، أو ما تخبر إلا بما يخبر به الأنبياء قبلك { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ } الآية .
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
{ أَعْجَمِيّاً } غير مبين وإن كان عربياً ، أو بلسان أعجمي { فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ } بالفصيح على الوجه الأول وبالعربية على الثاني { ءَاْعْجَمِىٌّ } كيف يكون القرآن أعجمياً ومحمد صلى الله عليه وسلم عربي ، أو ونحن قوم عرب { عَمىً } حيرة { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } من قلوبهم ، أو من السماء ، أو ينادون بأبشع أسمائهم .
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
{ وَظَنُّواْ مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ } علموا ما لهم من معدل ، أو تيقنوا أن ليس لهم ملجأ من العذاب وقد يعبّر عن اليقين بالظن فيما طريقه الخبر دون العيان لأن الخبر محتمل والعيان غير محتمل .
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)
{ دُعَآءِ الْخَيْرِ } الصحة والمال والإنسان هنا الكافر و { الشَّرُّ } الفقر والمرض .
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)
{ هَذَا لِى } باجتهادي ، أو استحقاقي . قيل نزلت في المنذر بن الحارث .
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)
{ عَرِيضٍ } تام بإخلاص الرغبة ، أو كثير لدوام المواصلة واستعمل العرض لأن العريض يجمع عرضاً وطولاً فكان أعم قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الكافر يعرف ربه في البلاء ولا يعرفه في الرخاء .
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
{ فِى الأَفَاقِ } فتح أقطار الأرض { وَفِى أَنفُسِهِمْ } فتح مكة ، أو في الآفاق ما أخبروا به من حوادث الأمم وفي أنفسهم ما أنذروا به من الوعيد ، أو في الآفاق آيات السماء وفي أنفسهم حوادث الأرض في الآفاق إمساك القطر عن الأرض كلها وفي أنفسهم البلاء الذي يكون في أجسادهم ، أو في الآفاق انشقاق القمر وفي أنفسهم خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم كيف إدخال الطعام والشراب من موضع واحد وإخراجه من موضعين . { أَنَّهُ الْحَقُّ } القرآن ، أو الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
{ مِرْيَةٍ } شك من البعث { مُّحِيطٌ } بعلمه ، أو قدرته .
حم (1) عسق (2)
{ حمعاساقا } اسم للقرآن ، أو لله أقسم به « ع » ، أو فواتح السور ، أو اسم الجبل المحيط بالدنيا ، أو حروف مقطعة من أسماء ا لله تعالى الحاء والميم من الرحمن والعين من عليم والسين من قدوس والقاف من قاهر أو حروف مقطعة من حوادث آتية الحاء من حرب والميم من تحويل ملك والعين من عدو مقهور والسين من استئصال سنين كسني يوسف ، والقاف من قدرة الله في ملوك الأرض قاله عطاء ، أو نزلت في رجل يقال له عبد الإله كان بمدينة على نهر بالمشرق خسف الله تعالى به الأرض فقوله حم يعني عزيمة من الله عين عدلاً منه سين سيكون ق واقعاً بهم قاله حذيفة بن اليمان .
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
{ يَتَفَطَّرْنَ } يتشققن من عظمة الله تعالى ، أو من علم الله أو ممن فوقهن « ع » ، أو لنزول العذاب منهن { يُسَبِّحُونَ } تعجباً من تعرض الخلق لسخط الله تعالى ، أو خضوعاً لما يرون من عظمته « ع » { بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } بأمره ، أو بشكره { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأَرْضِ } من المؤمنين لما رأت ما أصاب هاروت وماروت سبحت بحمد ربها واستغفرت لبني آدم من الذنوب والخطايا ، أو بطلب الرزق لهم والسعة عليهم وهم جميع الملائكة أو حملة العرش .
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)
{ أُمَّةً وَاحِدَةً } أهل دين واحد إما ضلال ، أو هدى . { فِى رَحْمَتِهِ } الإسلام { مِّن وَلِىٍّ } ينفع { وَلا نَصِيرٍ } يدفع .
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
{ يَذْرَؤُكُمْ } يخلقكم ، أو يكثر نسلكم ، أو يعيشكم ، أو يرزقكم أو يبسطكم ، أو نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } ليس كمثل الرجل والمرأة شيء . قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والضحاك أو ليس كمثل الله شيء بزيادة الكاف للتوكيد ، أو بزيادة مثل للتوكيد .
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
{ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ } خزائنهما ، أو مفاتيحها « ع » بالفارسية ، أو العربية ، مفاتيح السماء المطر والأرض النبات ، أو مفاتيح الخير والشر ، أو مقاليد السماء الغيوب والأرض الآفات ، أو مقاليد السماء حدوث المشيئة ومقاليد الأرض ظهور القدرة ، أو قول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو الأول والآخر والظاهر والباطن يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير مأثور يبسط ويقدر : يوسع ويضيق ، أو يسهل ويعسر { إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ } من البسط والتقتير { عَلِيمٌ } .
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
{ شَرَعَ } سَنَّ ، أو بيّن أو اختار ، أو أوجب { مِّنَ الدِّينِ } من زائدة { مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً } من تحريم البنات والأمهات والأخوات لأنه أول نبي أتى بذلك ، أو من تحليل الحلال وتحريم الحرام { أَقِيمُواْ الدِّينَ } اعملوا به ، أو ادعوا إليه { وَلا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } لا تتعادوا عليه وكونوا عليه إخواناً ، أو لا تختلفوا فيه بل يصدق كل نبي من قبله { مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } من التوحيد { يَجْتَبِى إِلَيْهِ } من يولد على الإسلام و { مَن يُنِيبُ } من أسلم عن الشرك ، أو يستخلص لنفسه من يشاء ويهدي إليه من يقبل على طاعته .
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
{ وَمَا تَفَرَّقُواْ } عن محمد صلى الله عليه وسلم ، أو في القول . { مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ } بأن الفرقة ضلال ، أو العلم القرآن ، أو بعد ما تجَّرُوا في العلم . { بَغْياً } من بعضهم على بعض ، أو اتباعاً للدنيا وطلباً لملكها { كَلِمَةٌ سَبَقَتْ } رحمته للناس على ظلمهم ، أو تأخيره العذاب عنهم إلى أجل مسمى { لِّقُضِىَ بَيْنَهُمْ } بتعجيل هلاكهم { أُورِثُواْ الْكِتَابَ } اليهود والنصارى ، أو انبئوا بعد الأنبياء { لَفِى شَكٍّ } من العذاب والوعد أو الإخلاص ، أو صدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
{ فَلِذَلِكَ } فللقرآن ، أو التوحيد . { فَادْعُ } فاعمل ، أو فاستدع { وَاسْتَقِمْ } على القرآن ، أو على أمر الله ، أو على تبليغ الرسالة . { لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } في الأحكام ، أو التبليغ { لا حُجَّةَ } لا خصومة منسوخة نزلت قبل السيف والجزية ، أو معناه عدلتم بإظهار العدواة عن طلب الحجة ، أو قد أعذرنا بإقامة الحجة عليكم فلا يحتاج إلى إقامة حجة عليكم . نزلت في الوليد وشيبة سألا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى دين قريش على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته .
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
{ يُحَآجُّونَ فِى اللَّهِ } في توحيده ، أو رسوله طمعاً أن يعود إلى الجاهلية بمحاجتهم ، أو هم اليهود قالوا : كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم { مَا أسْتُجِيبَ لَهُ } من بعد ما أجابه الله إلى إظهار المعجزات على يديه ، أو من بعد ما أجاب الرسول إليه من المحاجة أو من بعد ما استجاب المسلمون لربهم وآمنوا بكتابه .
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
{ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } بالمعجز الدال على صحته ، أو بالصدق فيما أخبر به من ماضٍ ومستقبل { وَالْمِيزَانَ } العدل فيما أمر به ونهى عنه ، أو جزاء الطاعة والمعصية ، أو الميزان حقيقة نزل من السماء لئلا يتظالم الناس { قَرِيبٌ } ذُكِّر لأن الساعة بمعنى الوقت .
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
{ حَرْثَ الدُّنْيَا } الآية يعطي الله على نية الآخرة من الدينا ما شاء ولا يعطي على الدنيا إلا الدنيا ، أو من عمل للآخرة أعطي بالحسنة عشر أمثالها ومن عمل للدنيا لم يزد على ما عمل لها { مِن نَّصِيبٍ } في الجنة شبه العامل بالزارع لاشتراكهما في طلب النفع .
ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)
{ إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى } تودُّوني في نفسي لقرابتي منكم لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم قرابة « ع » أو إلا أن تودوا قرابتي ، أو إلا أن تودوني فتؤازروني كما تودون ذوي قرابتكم ، أو إلا أن تتوددوا إلى الله تعالى وتتقربوا إليه بالعمل صالح « ح » ، أو إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم { غَفُورٌ } للذنوب { شَكُورٌ } للحسنات ، أو غفور : لذنوب [ آل ] الرسول صلى الله عليه وسلم شكور : لحسناتهم .
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
{ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ } ينسيك ما أتاك من القرآن ، أو يربط على قلبك فلا يصل إليك الأذى بقولهم { افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } ، أو لو حدثت نفسك بأن تفتري على الله كذباً لطبع على قلبك .
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
{ الْغَيْثَ } المطر النافع في وقته والمطر قد يكون ضاراً أو نافعاً في وقته وغير وقته قيل لعمر رضي الله عنه : أجدبت الأرض وقنط الناس فقال : مطروا إذاً . والقنوط : اليأس . { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } بالمطر ، أو بالغيث فيما يعم به ويخص { الْوَلِىُّ } المالك { الْحَمِيدُ } مستحق الحمد ، أو الولي : المنعم الحميد : المستحمد .
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
{ وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ } الحدود لأجل المعاصي « ح » ، أو البلوى في النفوس والأموال عقوبة على المعاصي للبالغين وثواباً للأطفال أو عامة للأطفال أيضاً في غيرهم من والد ووالدة قاله العلاء بن زيد . { عَن كَثِيرٍ } من العصاة فلا يعاجلهم بالعقوبة ، أو عن كثير من المعاصي فلا حد فيها .
وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)
{ الْجَوَارِ } السفن { كَالأَعْلامِ } كالجبال .
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
{ صَبَّارٍ } على البلوى { شَكُورٍ } على النعماء .
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
{ يُوبِقْهُنَّ } يغرقهن { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } من أهلهن فلا يغرقهم معها .
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
{ مَّحِيصٍ } مهرب ، أو ملجأ فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه .
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُواْ } الأنصار استجابوا بالإيمان لما أنفذ إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أثني عشر نقيباً منهم قبل الهجرة { وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ } بالمحافظة على مواقيتها وبإتمامها بشروطها { وَأَمْرُهُمْ شُورَى } كانوا قبل قدوم الرسول صلى الله عليه سلم يتشاورون فيما عزموا عليه ، أو عبّر عن اتفاقهم بالمشاورة ، أو تشاوروا لما جاءهم النقباء فاجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به ، أو تشاورهم فيما يعرض لهم { يُنفِقُونَ } بالزكاة .
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
{ أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ } بغي المشركين عليهم في الدين انتصروا منهم بالسيف أو إذا بغى عليهم باغٍ كُرِه أن يُستذلوا لئلا يجترىء عليهم الفساق وإذا قدروا عفواً وإذا بغي عليهم تناصروا عليه وأزالوه .
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
{ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } يريد به القصاص في الجراح المتماثلة ، أو في الجراح وإذا قال أخزاه الله أو لعنه قابله بمثله ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بالكذب { وَأَصْلَحَ } العمل ، أو بينه وبين أخيه { فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } ندب إلى العفو { الظَّالِمِينَ } بالابتداء ، أو بالتعدي في الاستيفاء .
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
{ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } استوفى حقه .
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)
{ يَظْلِمُونَ النَّاسَ } بعدوانهم ، أو بالشرك المخالف لدينهم { وَيَبْغُونَ } يعملون المعاصي ، أو في النفوس والأموال ، أو ما ترجوه قريش من أن يكون بمكة غير الإسلام ديناً .
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
{ عَزْمِ الأُمُورِ } العزائم التي أمر الله تعالى بها ، أو عزائم الصواب التي وفق لها نزلت مع ثلاث آيات قبلها في أبي بكر رضي الله تعالى عنه شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم سكت عنه .
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
{ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } المشركون يعرضون على جهنم عند انطلاقهم إليها قاله الأكثر ، أو آل فرعون خاصة تحبس أرواحهم في أجواف طيور سود تغدوا على جهنم وتروح ، أو المشركون يعرضون على العذاب في قبورهم وتعرض عليهم ذنوبهم في قبورهم { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىِّ } ببصائرهم لأنهم يحشرون عمياً ، أو يسارقون النظر إلى النار حذراً ، أو بطرف ذابل ذليل « ع » .
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
{ مَّلْجَإٍ } منجى ، أو محرز { نَكِيرٍ } ناصر ، أو منكر يغير ما حل بكم .
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
{ رَحْمَةً } عافية ، أو مطراً { سَيِّئَةٌ } قحط ، أو مرض .
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
{ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً } محضة ولمن يشاء الذكور متمحضة ولشرف الذكور أدخل عليهم أداة التعريف .
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
{ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ } بأن تلد غلاماً ثم جارية ، أو تلدهما معاً والتزويج هنا الجمع زوجت الإبل جمعت بين صغارها وكبارها { عَقِيماً } عقم فرجه عن الولادة ، والعقم : المنع ، أو الآية خاصة بالأنبياء محض للوط البنات ولإبراهيم الذكور وزوجهم لإسماعيل وإسحاق وجعل يحيى وعيسى عقيمين .
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
{ إِلا وَحْياً } بالنفث في قلبه والإلهام ، أو رؤيا المنام . { مِن وَرَآىءِ حِجَابٍ } كما كلم موسى { رَسُولاً } جبريل عليه السلام { فَيُوحِىَ } هذا الوحي خطاب من الرسل إلى الأنبياء يسمعونه نطقاً ويرونهم عياناً ، أو نزل جبريل عليه السلام على كل نبي فلم يره منهم إلا محمد وإبراهيم وموسى وعيسى وزكريا عليه الصلاة والسلام وأما غيرهم فكان وحياً وإلهاماً في المنام نزلت لما قال اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً صادقاً كما كلمه موسى ونظر إليه .
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
{ رُوحاً } رحمة ، أو نبوة ، أو قرآناً { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ } لولا الرسالة ولا الإيمان لولا البلوغ { وَلا الإِيمَانُ } بالله وهذا يعرفه بعد البلوغ وقبل النبوة ، أو الإسلام وهذا لا يعرفه إلا بعد النبوة { نُوراً } القرآن ، أو الإيمان { صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الإسلام ، أو طريق مستقيم .
صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
{ صِرَاطِ اللَّهِ } القرآن ، أو الإسلام .
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
{ الْمُبِينِ } للأحرف « الستة التي سقتط من ألسنة الأعاجم » أو للهدى والرشد والبركة ، أو للأحكام والحلال والحرام ، أقسم بالكتاب أو برب الكتاب .
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
{ جَعَلْنَاهُ } أنزلناه ، أو قلناه ، أو بيّناه { عَرَبِيّاً } لأن كل نبي بعث بلسان قومه ، أو لأن لسان أهل السماء عربي { تَعْقِلُونَ } تفهمون ، أو تتفكرون .
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
{ أُمِّ الْكِتَابِ } جملة الكتاب ، أو أصله ، أو الحكمة التي نبّه الله عليها جميع خلقه { الْكِتَابِ } اللوح المحفوظ ، أو ذكر عند الله تعالى فيه ما سيكون من أعمال العباد يقابل به يوم القيامة ما ترفعه الحفظة من أعمالهم قاله ابن جريج { لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ } عليٌ عن أن ينال فيبدل { حَكِيمٌ } محفوظ من نقص ، أو تغيير عند من رآه كتاب ما يكون من أعمال الخلق ، أو عليٌّ : لنسخه ما تقدم من الكتب حكيم : محكم فلا ينسخ .
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
{ أَفَنَضْرِبُ } أحسبتم أن يصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به « ع » ، أو أنكم تكذبون بالقرآن فلا يعاقبكم فيه ، أو أن نهملكم فلا نعرفكم ما يلزمكم ، أو نقطع تذكيركم بالقرآن وإن كذبتم به { صَفْحاً } إعراضاً . صفحت عن فلان أعرضت عنه أصله أن توليه صفحت عنقك .
صفوحٌ فما تلقاكَ إلاَّ بخيلَةً ... فمن ملَّ منها ذلك الوصل ملَّتِ
أي تعرض بوجهها . { مُّسْرِفِينَ } في الرد ، أو مشركين .
فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)
{ مَثَلُ الأَوَّلِينَ } سنتهم ، أو عقوبتهم ، أو عبرتهم ، أو خبرهم أنهم هلكوا بالتكذيب .
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)
{ مهاداً } فراشاً { سُبُلاً } طرقاً { تَهْتَدُونَ } في أسفاركم أو تعرفون نعمة الله تعالى عليكم .
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
{ الأَزْوَاجَ } الأصناف كلها ، أو الذكر والأنثى من الحيوان ، أو الشتاء والصيف والليل والنهار والشمس والقمر والجنة والنار « ح » { وَالأَنْعَامِ } الإبل والبقر ، أو الإبل وحدها .
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
{ ظُهُورِهِ } أضاف الظهور إلى واحد لأن المراد الجنس { مُقْرِنِينَ } ضابطين ، أو مماثلين في القوة فلان قِرْن فلان إذا كان مثله في القوة ، أو مطيقين « ع » من أقرن إقراناً إذا أطاق أو من المقارنة وهو أن تقرن بعضها ببعض في السير .
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)
{ جُزْءاً } عدلاً ، أو نصيباً ، أو من الملائكة ولداً ، أو البنات ، الجزء : البنات أجزأت المرأة إذا ولدت البنات .
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)
{ كَظِيمٌ } حزين ، أو مكروب ، أو ساكت .
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)
{ يُنَشَّؤُاْ } يُرَبَّى يريد به الجوارى « ع » ، أو البنات ، أو الأصنام { الْخِصَامِ } الحجة ، أو الجدل { غَيْرُ مُبِينٍ } قليل البلاغة ، أو ضعيف الحجة أو ساكت عن الجواب قال [ قتادة ] ما حاجت امرأة قط إلا أوشكت أن تتكلم بغير حجتها .
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)
{ عِبَادُ الرَّحْمَنِ } جمع عابد ، أو أضافهم إليه تكريماً { إِنَاثاً } بنات الرحمن ، أو ناقصون نقص الإناث { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ } عنها إذا بعثوا .
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
{ أُمَّةٍ } دين ، أو ملة ، أو قبلة ، أو استقامة ، أو طريقة .
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
{ مُّقْتَدُونَ } متبعون قيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل وعتبة وشيبة .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)
{ بَرَآءٌ } مصدر لا يثنى ولا يجمع وصف به .
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)
{ إِلا الَّذِى فَطَرَنِى } استثناء منقطع { سَيَهْدِينِ } قاله ثقة بالله وتعريفاً أن الهداية بيده .
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)
{ كَلِمَةً بَاقِيَةً } لا إله إلا الله لم يزل في ذريته من يقولها أو أن لا يعبدوا إلا الله ، أو الإسلام { عَقِبِهِ } نسله « ع » ، أو آل محمد صلى الله عليه وسلم ، أو من خلَفه { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى الحق ، أو إلى دينك دين إبراهيم ، أو يتوبون « ع » ، أو يذَّكرون .
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
{ الْقَرْيَتَيْنِ } مكة والطائف وعظيم مكة الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة وعظيم الطائف : حبيب بن عمرو [ بن عمير الثقفي ] « ع » أو ابن عبد ياليل ، أو عروة بن مسعود ، أو كنانة بن عبد [ بن ] عمرو .
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
{ رَحْمَتَ رَبِّكَ } النبوة فيضعونها حيث شاءوا { مَّعِيشَتَهُمْ } أرزاقهم . فتلقاه قليل الحيلة ضعيف القوة عِي اللسان وهو مبسوط عليه في رزقه وتلقاه شديد الحيلة عظيم القوة بسيط اللسان وهو مقتر عليه { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ } بالفضائل ، أو الحرية والرق ، أو بالغنى والفقر ، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو بالتفضيل في الرزق فقسم رحمته بالنبوة كما قسم الزرق بالمعيشة { سُخْرِيّاً } خدماً ، أو مِلكاً { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ } النبوة خير من الغنى ، أو الجنة خير من الدنيا ، أو إتمام الفرائض خير من كثرة النوافل ، أو ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه .
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)
{ أُمَّةً وَاحِدَةً } على دين واحد كفاراً « ع » ، أو على اختيار الدنيا على الدين قاله ابن زيد { سُقُفاً } أعالي البيوت أو الأبواب { وَمَعَارِجَ } درجات فضة { يَظْهَرُونَ } يصعدون .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وإنا لنبغي فوق ذلك مظهراً
أي مصعداً قال الحسن رضي الله تعالى عنه والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل .
وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
{ وَزُخْرُفاً } الذهب « ع » ، أو النقوش « ح » أو الفرش ومتاع البيت .
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)
{ يَعْشُ } يعرض ، أو يعمى « ع » ، أو السير في الظلمة من العشا وهو البصر الضعيف { ذِكْرِ الرَّحْمَنِ } القرآن ، أو ما بينه من حلال وحرام وأمر ونهي « ع » ، أو ذكر الله { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } نلقيه شيطاناً ، أو نعوضه من المقايضة وهي المعاوضة { قَرِينٌ } في الدينا يحمله على الحرام والمعاصي ويمنعه من الحلال والطاعات ، أو إذا بعث من قبره شفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصير إلى النار .
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
{ جَآءَنَا } ابن آدم وقرينه { يَالَيْتَ } يقوله الآدمي لقرينه . { الْمَشْرِقَيْنِ } المشرق والمغرب فغلبت أحدهما كالقمرين ، أو مشرق الشتاء ومشرق الصيف . { فَبِئْسَ } الشيطان قريناً لمن قارنه لأنه يورده النار .
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)
{ نَذْهَبَنَّ بِكَ } نخرجنك من مكة من أذاهم { فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } بالسيف يوم بدر ، أو أراد قبض روحه ، فإنا منتقمون من أمتك فيما أحدثوا بعدك . أُري ما لقيت أمته بعده فما زال منقبضاً ولم ينبسط ضاحكاً حتى لقي الله تعالى .
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
{ لَذِكْرٌ } لشرف ، أو تذكرون به أمر الدين وتعملون به { وَلِقَوْمِكَ } قريش ، أو من اتبعه من أمته ، أو قول الرجل حدثني أبي عن جدي { تُسْئَلُونَ } عن الشكر ، أو عما أتاك .
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
{ مِن رُّسُلِنَآ } سبعون نبياً جُمعوا له ليلة الإسراء منهم إبراهيم وموسى وعيسى فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله تعالى منهم « ع » ، أو أهل التوراة والإنجيل تقديره واسأل أمم من أرسلنا ، أو جبريل تقديره وسل عمن أرسلنا : أمر بذلك لما قالت اليهود والمشركون إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك فأمر بسؤالهم . لا أنه كان في شك منه قال الواقدي : فسألهم فقالوا بعثنا بالتوحيد ، أو لم يسألهم ليقينه بالله تعالى حتى قال ميكائيل لجبريل هل سألك محمد عن ذلك فقال هو أشد إيماناً وأعظم يقيناً من أن يسأل عن ذلك .
وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)
{ يَآأَيُّهَ السَّاحِرُ } قالوه استهزاء « ح » ، أو جرى على ألسنتهم ما ألفوه من اسمه ، أو أرادوا بالساحر غالب السحرة ، أو الساحر عندهم العالم فعظموه بذلك { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } لئن آمنا لتكشفن عنا العذاب فدعا فأجيب فلم يفوا بالإيمان .
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
{ يَنكُثُونَ } يغدرون .
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)
{ وَنَادَى } قال : أو أمر من ينادي { مُلْكُ مِصْرَ } الإسكندرية أو ملك منها أربعين فرسخاً في مثلها { تَجْرِى مِن تَحْتِى } كانت جنات وأنهار تجري من تحت قصره ، أو من تحت سريره ، أو النيل يجري أسفل منه ، أو أراد القواد والجبابرة يسيرون تحت لوائي قاله الضحاك .
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)
{ أَمْ أَنَاْ } بل أنا { مَهِينٌ } ضعيف ، أو حقير ، أو كان يمتهن نفسه في حوائجه { يُبِينُ } يفهم لعي لسانه ، أو للثغه ، أو لثقله بجمرة كان وضعها في فيه وهو صغير .
فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)
{ أَسْوِرَةٌ } لتكون دليلاً على صدقه ، أو لأنها عادة ذلك الزمان وزي أهل الشرف والأساور جمع أسورة والأسورة جمع سوار { مُقْتَرِنِينَ } متتابعين أو يقارن بعضهم بعضاً في المعونة ، أو مقترنين يمشون معاً ليكونوا دليلاً على صدقه ، أو أعواناً له وذكر الملائكة بناء على قول موسى فإنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم .
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)
{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ } استخفهم بالقول فأطاعوه على التكذيب ، أو حركهم بالرغبة فخفوا في الإجابة ، أو استجهلهم فأظهروا طاعته جهلهم ، أو دعاهم إلى طاعته فخفوا إلى إجابته .
فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
{ ءَاسَفُونَا } أغضبونا ، أو أسخطونا والغضب إرادة الانتقام والسخط إظهار الكراهة والأسف هو الأسى على فائت فلما وضع موضع الغضب صحت إضافته إلى الله ، أو التقدير فلما آسفوا رسلنا لأن الله تعالى لا يفوته شيء .
فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
{ سُلُفاً } أهواء مختلفة « ع » ، أو جمع سلف وهم الماضون في الناس { سَلَفاً } بالفتح متقدمين إلى النار ، أو سلفاً لهذه الأمة ، أو لمن عمل مثل عملهم { وَمَثَلاً } عبرة لمن بعدهم ، أو عظة لغيرهم .
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
{ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « يا معشر قريش ليس أحد يعبد من دون الله تعالى فيه خير » فقالوا : ألست تزعم أن عيسى كان عبداً صالحاً ونبياً فقد كان يعبد من دون الله فنزلت ، أو نزلت لما قالت قريش إن محمداً يريد أن نعبده كما عُبد عيسى ، أو لما ذكر الله تعالى نزول عيسى في القرآن قالت قريش ما أردت إلى ذكر عيسى فنزلت ، أو نزلت لما ذكر أنه خلق عيسى من غير أب فأكبرته قريش فضربه مثلاً بأنه خلق من غير أب كما خلق آدم من غير أم ولا أب { يَصِدُّونَ } بالضم والكسر واحد كشد يشِد ويشُد ونم ينم وينُم يضجون « ع » ، أو يضحكون ، أو يجزعون ، أو يعرضون أو بالضم يعدلون وبالكسر يفرقون ، أو بالضم يعتزلون وبالكسر يصيحون ، أو بالضم من الصدود وبالكسر يضجون .
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
{ ءَالِهَتُنَا خَيْرٌ } أم محمد ، أو عيسى { إِلا جَدَلاً } قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم أنت تزعم أن كل معبود دون الله تعالى في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عُزير والمسيح والملائكة فإنهم قد عبدوا من دون الله { خَصِمُونَ } الخصم الحاذق الخصومة ، أو المجادل بغير حجة .
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
{ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } بسياسة نفسه وقمع شهوته { مَثَلاً لِّبَنِى إِسْرَآءِيلَ } آية ، أو لتمثيله بآدم .
وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
{ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلآئِكَةً } قلبنا بعضكم ملائكة من غير أب كما خلق عيسى ليكونوا خلفاء ممن ذهب عنكم ، أو لجعلنا بدلاً منكم ملائكة { يَخْلُفُونَ } يخلف بعضهم بعضاً ، أو يخلفونكم ، أو يعمرون الأرض بدلاً منكم ، أو يكونون رسلاً إليكم بدلاً من الرسل منكم .
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } القرآن لما فيه من البعث والجزاء « ح » أو إحياء عيسى الموتى دليل على بعث الموتى ، أو خروج عيسى علم للساعة لأنه من أشراطها « ع » { فَلا تَمْتَرُنَّ } لا تشكن في الساعة ، أو لا تكذبن بها { صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } القرآن مستقيم إلى الجنة « ح » ، أو عيسى « ع » ، أو الإسلام .
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
{ بِالْبَيِّنَاتِ } الإنجيل ، أو آياته من إحياء الموتى وإبراء الأسقام والإخبار بكثير من الغيوب « ع » { بِالْحِكْمَةِ } النبوة ، أو علم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح { بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } تبديل التوراة ، أو ما تختلفون فيه من أمر دينكم لا من أمر دنياكم ، أو يبين بعضه ويكل البعض إلى اجتهادهم ، أو بعض بمعنى كل .
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)
{ الأَحْزَابُ } اليهود والنصارى ، أو فرق النصارى اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية هو ابن الله وقالت اليعاقبة هو الله وقالت الملكية عيسى ثالث ثلاثة ألله أحدهم .
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)
{ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } في الدنيا لأن كلاً زين للآخر ما يوبقه ، أو أعداء في الآخرة مع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا قيل : نزلت في أمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط لما أمره أن يتفل في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ففعل فنذر الرسول صلى الله عليه وسلم قتله فقتله يوم بدر صبراً وقتل أمية في المعركة .
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
{ وَأَزْوَاجُكُمْ } من الحور العين ، أو المؤمنات في الدنيا ، أو قرناؤكم في الدينا { تُحْبَرُونَ } تكرمون « ع » ، أو تفرحون ، أو تنعمون ، أو تسرون ، أو تعجبون ، أو التلذذ بالسماع .
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)
{ وَأَكْوَابٍ } آنية مدورة الأفواه ، أو ليست لها آذان أو الكوب المدور القصير عنقه وعروته والإبريق الطويل المستطيل عنقه وعروته ، أو الأباريق التي لا خراطيم لها ، أو الأباريق التي لا عرى لها .
وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)
{ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } ليميتنا { مَّاكِثُونَ } مقيمون وبين دعائهم وجوابه أربعون سنة ، أو ثمانون ، أو مائة ، أو ألف سنة « ع » لأن بُعْد الجواب أخزى لهم .
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
{ أَمْ أَبْرَمُواْ } أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على التعذيب أو أحكموا كيداً فإنا محكمون كيداً ، أو قضوا فإنا قاضون عليهم بالعذاب قيل نزلت لما اجتمعوا في دار الندوة للمشورة في الرسول صلى الله عليه وسلم فاجتمع رأيهم على ما أشار به أبو جهل من قتل الرسول صلى الله عليه وسلم واشتراكهم في دمه فنزلت هذه الآية وقُتلوا ببدر .
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
{ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ } من يعبد الله تعالى بأنه ليس له ولدٌ أو { فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } له ولكن لم يكن ولا ينبغي أن يكون له ولد ، أو لم يكن له ولد وأنا أول الشاهدين بأنه ليس له ولد « ع » ، أو ما كان للرحمن ولد ثم استأنف فقال : وأنا أول العابدين أي الموحدين من أهل مكة ، أو إن قلتم له ولد فأنا أول الجاحدين أن يكون له ولد ، أو أنا أول الآنفين إن كان له ولد .
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)
{ فِى السَّمَآءِ إِلَهٌ وَفِى الأَرْضِ إِلَهٌ } مُوَحَّد فيهما ، أومعبود فيهما .
وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
{ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } الملائكة وعيسى وعُزير ، أو الملائكة . قال النضر ونفر من قريش : إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن نتولى الملائكة وهم أحق بالشفاعة لنا منه فنزلت . { إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ } أي لا تشفع الملائكة إلا لمن شهد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون أن الله ربهم ، أو الشهادة بالحق إنما هي لمن شهد في الدنيا بالحق وهم يعلمون أنه الحق فتشفع لهم الملائكة .
وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)
{ وَقِيلِهِ } بالجر تقديرها وعنده علم الساعة وعلم قيلهِ وتقديرها بالنصب إلا من شهد بالحق وقال قيلَه { إِنَّ هَؤُلآءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ } إنكار منه عليهم ، أو معطوف على سرهم ونجواهم ، أو شكا محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه قَيلَهُ ثم ابتدأ فأخبر يا رب إن هؤلاء .
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
{ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ } منسوخ بالسيف { سَلامٌ } ما تسلم به من شرهم ، أو قل خيراً بدل شرهم ، أو احلم عنهم ، أو أمره بتوديعهم بالسلام ولم يجعله تحية ، أو عرفه بذلك كيف السلام عليهم .
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)
{ أَنزَلْنَاهُ } القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا { لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } لما تنزل فيها من الرحمة ، أو لما يجاب فيها من الدعاء ليلة النصف من شعبان ، أو ليلة القدر قال الرسول صلى الله عليه وسلم « نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان والتوراة لست مضين منه والزبور لاثني عشرة مضين منه والإنجيل لثماني عشرة مضت منه والفرقان لأربع وعشرين مضت منه » { كُنَّا مُنذِرِينَ } بالقرآن من النار .
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
{ يُفْرَقُ } يُقضى ، أو يكتب « ع » ، أو ينزل ، أو يخرج { كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } الأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة من السنة إلى السنة « ع » ، أو كل ما يقضى من السنة إلى السنة إلا الحياة والموت وحكيم هنا : بمعنى محكم ، وليلة القدر في رمضان باقية ما بقي الدهر ولا وجه لقول من قال رفعت بموت الرسول صلى الله عليه وسلم أو جوز كونها في جمع السنة .
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)
{ أَمْراً مِّنْ عِندِنَآ } القرآن نزل من عنده ، أو يقضيه في الليلة المباركة من أحوال عباده { كُنَّا مُرْسِلِينَ } الرسل للإنذار ، أو منزلين ما قضيناه على العباد ، أو { مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } وهي نعمته ببعثه الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو رأفته بهداية من آمن به { السَّمِيعُ } لقولهم { الْعَلِيمُ } بفعلهم .
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)
{ فَارْتَقِبْ } فانتظر للكفار ، أو احفظ قولهم حتى تشهد عليهم يوم تأتي السماء ولذلك سمي الحافظ رقيباً { بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } لما دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف حتى صار بينهم وبين السماء كهيئة الدخان قال أبو عبيدة الدخان الجدب . قال ابن قتيبة سمي دخاناً ليبس الأرض منه حتى يرتفع منها غبار كالدخان وقيل لسنة الجدب غبراء لكثرة الغبار فيها ، أو يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة ، أو دخان يهيج بالناس في القيامة فيأخذ المؤمن منه كالزكمة وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه .
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)
{ عَنَّا الْعَذَابَ } الدخان ، أو الجوع ، أو الثلج ولا وجه له .
إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)
{ عَآئِدُونَ } إلى جهنم ، أو إلى الشرك لما كشف عنهم الجدب باستسقاء الرسول صلى الله عليه وسلم عادوا إلى تكذيبه .
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
{ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى } العقوبة الكبرى وهي القتل ببدر ، أو جهنم في القيامة « ع » ، « ح » { مُنتَقِمُونَ } من أعدائنا ، العقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة والنقمة قد تكون قبلها أو العقوبة ما تقدرت والانتقام غير مقدر ، أو العقوبة قد تكون في المعاصي والنقمة قد تكون في خلفه لأجله .
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17)
{ فَتَنَّا } ابتلينا { رَسُولٌ } موسى { كَرِيمٌ } على ربه أو في قومه ، أو كريم الأخلاق بالتجاوز والصفح .
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)
{ أَنْ أَدُّواْ } أرسلوا معي بني إسرائيل ولا تستعبدوهم ، أو أجيبوا عبادَ الله خيراً .
وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)
{ لا تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ } لا تبغوا على الله ، أو لا تفتروا عليه « ع » البغي بالفعل والافتراء بالقول ، أو لا تعظموا عليه ، أو لا تستكبروا على عبادته . التعظيم تطاول المقتدر والاستكبار ترفع المحتقَر . { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } بحجة بيّنة ، أو عذر بيّن .
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)
{ عُذْتُ } لجأت ، أو استعنت الملتجىء مستدفع والمستعين مستنصر { تَرْجُمُونِ } بالحجارة ، أو تقتلوني أو تشتموني فتقولوا ساحر وكاهن وشاعر .
وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)
{ فَاعْتَزِلُونِ } إن لم تصدقوني فخلوا سبيلي وكفوا عن أذيتي .
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)
{ رَهْواً } سمتاً « ع » ، أو يابساً ، أو سهلاً ، أو طريقاً ، أو منفرجاً ، أو فرقاً ، أو ساكناً لما نجوا من البحر أراد موسى عليه الصلاة والسلام أن يضربه بالعصا ليعود إلى حاله خوفاً أن يدركهم فرعون فقيل له : اترك البحر رهواً أي طريقاً يابساً حتى يدخلوه { إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } قال مقاتل هو النيل كان عرضه يومئذ فرسخين . قال الضحاك غرقوا بالقلزم وهو بلد بين الحجاز ومصر .
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25)
{ وَعُيُونٍ } من الماء عند الجمهور ، أو من الذهب عند ابن جبير .
وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)
{ وَزُرُوعٍ } كانوا يزرعون ما بين الجبلين من أول مصر إلى آخرها وكانت تروى من ستة عشر ذراعاً لما دبروه وقدروه من قناطر وجسور { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } المنابر « ع » ، أو المساكن ، أو مجالس الملوك { كَرِيمٍ } حسن ، أو المعطي لذته كما يعطي الرجل الكريم صلته ، أو كريم لكرم من فيه .
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)
{ وَنَعْمَةٍ } نيل مصر ، أو الفيوم ، أو أرض مصر لكثرة خيرها ، أو ما كانوا فيه من سعة ودعة { النعمة } بكسر النون في الملك وبفتحها في البدن والدين ، أو بالكسر من الأفضال والعطية وبفتحها من التنعم وهو سعة العيش والراحة { فَاكِهِينَ } فرحين ، أو ناعمين ، أو الفاكه المتمتع بأنواع اللذة كتمتع الآكل بأنواع الفاكهة .
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
{ قَوْماً ءَاخَرِينَ } بنو إسرائيل صارت إليهم كمصير الميراث .
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)
{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ } أي أهلها « ح » أو تبكي السماء والأرض على المؤمن أربعين صباحاً قاله مجاهد أو يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء قاله علي رضي الله تعالى عنه ، أو قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه » ، ثم تلا هذه الآية؛ وبكاؤهما كبكاء الحيوان المعروف ، أو حمرة أطرافهما ولما قتل الحسين رضي الله تعالى عنه احمّرت له آفاق السماء أربعة أشهر واحمرارها بكاؤها ، أو يظهر منها ما يدل على الحزن والأسف . { مُنظَرِينَ } مؤخرين بالغرق ، أو لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى أغرقوا .
وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)
{ اخْتَرْنَاهُمْ } اصطفيناهم للرسالة ، والدعاء إلى الطاعة ، أو اختارهم لدينه وتصديق رسله ، أو بإنجائهم من فرعون وقومه { عَلَى عِلْمٍ } مِنَّا بهم { الْعَالَمِينَ } عالمي زمانهم لأن لأهل كل زمان عالم ، أو جميع العالمين لما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاص بهم .
وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)
{ مِّنَ الأَيَاتِ } إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر وإنزال المن والسلوى يريد به ، بني إسرائيل ، أو العصا واليد البيضاء يريد به قوم فرعون ، أو الشر الذي كفهم عنه والخير الذي أمرهم فيتوجه إلى الفريقين { بَلآؤٌاْ مُّبِينٌ } نعمة ظاهرة ، أو عذاب شديد ، أو اختبار يتبين به المؤمن من الكافر .
فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)
{ فَأْتُواْ بِآبَآئِنَآ } قال أبو جهل : يا محمد إن كنت صادقاً في قولك إنا نُحيا فابعث لنا رجلين من آبائنا أحدهما : قصي بن كلاب فإنه كان رجلاً صادقاً لنسأله عما يكون بعد الموت .
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)
{ أَهُمْ خَيْرٌ } أي أظهر نعمة وأكثر أموالاً ، أو أعز وأشد { قَوْمُ تُبَّعٍ } قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « لا تسبّوا تُبَّعاً فإنه قد كان أسلم » ، وسمي تبعاً لأنه تبع من قبله من ملوك اليمن ، كما يقال خليفة لمن خلف من قبله ، أو لأنه أسم ملوك اليمن ، ذم الله تعالى قومه ولم يذمه وضربهم مثلاً لقريش لقربهم منهم وعظمتهم في أنفسهم .
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)
{ لاعِبِينَ } غائبين ، أو لاهين .
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)
{ إِلا بِالْحَقِّ } للحق ، أو بقول الحق .
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)
{ يَوْمَ الْفَصْلِ } يوم القيامة لأنه تفصل فيه أمور العباد ، أو لأنه يفصل بين المرء وعمله .
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)
{ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ } قد ذكرناها والزقوم في اللغة ما أكل بكره شديد ، أو شجرة الزقوم أبو جهل محكي عن مجاهد .
طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)
{ الأَثِيمِ } الآثم ، أو المشرك المكتسب للإثم .
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)
{ فَاعْتِلُوهُ } فجروه « ح » ، أو فادفعوه ، أو سوقوه أو اقصفوه كما يقصف الحطب ، أو قودوه بالعنف .
{ سَوَآءِ الْجَحِيمِ } وسطها « ع » ، أو معظمها حيث يصيبه الحر من جوابنها .
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
{ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } عند نفسك نزلت في أبي جهل ، أو يقال له ذلك استهزاء وإهانة ، أو العزيز في قومك الكريم في أهلك ، أو لست بعزيز ولا كريم لأنه قال أيوعدني محمد والله إني لأعز من مشى بين جبليها فرد الله تعالى عليه قوله .
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)
{ مَقَامٍ أَمِينٍ } من الشيطان والأحزان ، أو من العذاب ، أو من الموت .
يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)
{ سُندُسٍ } الحرير الرقيق والاستبرق : الديباج الغليظ ، أو السندس يعمل [ بسوس العراق وهو أفخر الرقم ] والإستبرق الديباج سمي إستبرقاً لبريقه ، أو السندس ما يلبسونه ، والإستبرق ما يفترشونه { مُّتَقَابِلِينَ } بالمحبة لا متدابرين بالبغضة ، أو متقابلين في المجالس لا ينظر بعضهم إلى قفا بعضه .