كتاب : شرح الزركشي على مختصر الخرقي
المؤلف : شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي
وجد من أهله في محله ، من غير مانع ، فصح كما لو اشترى غيره ، فإذا أعتقه إذاً نفذ عتقه ، لأن عتق من مالك ، ثم على المشتري أن يؤذي إلى البائع ما اشتاره به ، لزوم ذلك له بالبيع ، فإن كان قد نقذ إلى البائع ما اشتره به ، للزوم ذلك له بالبيع ، فإن كان قد نقد له المال الذي دفعه العبد وجب رده ، لأنه ملك لسيده ، والولاء للمشتري ، لأنه المعتق ، وإن كان الشراء قد وقع بعين المال الذي دفعه العبد فالشراء باطل على المذهب ، بناء على أن العقد والحال هذه لا يقف على الإحازة ، وأن النقود تتعين بالتعيين ، ولبيان هذين الأصلين موضع آخر ، أما إن قيل يوقف نحو هذا على الإجازة ، فقد يقال : إن إجازة السيد إذاً تضمنت تمليك العبد هذا المال وإذنه في سراء نفسه منه به ، وفي صحة هذا شيء ، فإن قيل بصحته فالولاء للسيد لأنه المعتق ، ولو قيل إن النقود لا تتعين بالتعيين فهو كما لو اشترى في ذمته على ما تقدم ، وهذا البناء الثاني [ بناه أبو محمد وابن حمدان ، ولم يتعرض للأول ، واللَّه سبحانه أعلم ] .
كتاب التدبير
ش : التدبير مصدر دبر تدبيراً إذا علق العتق بالموت ، سمي بذلك لأنه يعتق بعدما يدبر سيده ، والممات دبر الحياة ، قال ابن عقيل : هو مشتق من إدباره من الدنيا ، انتهى .
وهو لفظ خص به العتق ، فلا يستعمل في كل شيء بعد الموت من وصية ونحوها .
3901 والأصل في جوازه ما روي عن جابر رضي اللَّه عنه أن رجلاً أعتق غلاماً له من دبر ، فاحتاج ، فأخذه النبي فقال : ( من يشتريه مني ؟ ) ، فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه بكذا وكذا ، فدفعه إليه ، متفق عليه مع أن ذلك والحمد للَّه إجماع في الجملة حكاه ابن المنذر ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا قال السيد لعبده أو لأمته : أنت مدبر ، أو قد دبرتك ، أو أنت حر بعد موتي . فقد صار مدبراً .
ش : أما صيرورته مدبراً بلفظ التدبير نحو : أنت مدبر أو دبرتك ، فلأنه أتى بلفظه الموضوع له فصح به ، كلفظ العتق فيه ، وأما صيرورته مدبراً إذا أتى بصريح العتق معلقاً له بالموت نحو أنت حر أو محرر ، أو حررتك بعد موتي ، أو معتق أو عتيق بعد موتي فلأنه أتى بحقيقة التدبير ، إذ حقيقته تعليق العتق بالموت ، وإذا أتى بحقيقة الشيء حصل ذلك الشيء .
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يفتقر في ذلك إلى نية ، وهو كذلك ، والخرقي لم يتعرض إلا للتدبير المطلق ، ويصح أيضاً مؤقتاً نحو : أنت مدبر اليوم . نص عليه أحمد ، ومعلقاً على شرط نحو إذا قدم زيد . أو إذا جاء رأس الشهر فأنت مدبر . ونحو ذلك . واللَّه أعلم .
وقال وله بيعه في الدين .
ش : أي العبد المدبر ، بدليل ما يأتي بعد ، وهذا هو المعروف في المذهب ، حتى أن عامة الأصحاب لا يحكون فيه خلافاً ، لما تقدم من حديث جابر رضي اللَّه عنه ، وأطلق أحمد المنع في رواية حرب ، وسأله في رجل دبر عبده ثم كاتبه يجوز ، لأنه يملكه بعد ، وأما بيعه من غيره [ فلم يجوزه ، وفرق بين بيعه من غيره وكتابته ، لأنه إذا كاتبه فهو بعد في ملكه ، وإذا باعه من غيره ] فقد خرج عن ملكه ، قلت : ولو كاتب عبده ثم دبره ؟ قال : هو جائز .
3902 وروى أحمد عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه كره بيعه ، وهذا الأثر واللَّه أعلم مستنداً أحمد في المنع ، ( ومفهوم كلام الخرقي ) أنه لايجوز بيعه في غير الدين ، وهو إحدى الروايتين .
3903 لأن في لفظ في حديث جابر رضي اللَّه عنه رواه النسائي قال : أعتق رجل من الأنصار غلاماً له عن دبر ، وكان محتاجاً ، وكان عليه دين ، فباعه رسول اللَّه بثمانمائة درهم فأعطاه ، فقال : ( اقض دينك ، وأنفق على عيالك ) فالنص ورد في ذلك ، والأصل عدم غيره ، قياساً على أم الولد ، بجامع أن كلا منهما عتقه معلق بالموت .
( والرواية الثانية ) يجوز بيعه مطلقاً ، وهي المذهب عند الأصحاب ، اختارها القاضي ، والشريف وأبو الخطاب ، والشيرازي وأبو محمد وغيرهم ، لأن التدبير إما وصية أو تعليق للعتق على صفة ، وأيما كان لا يمنع البيع ، وقد أشار إلى هذا التعليل وبيع النبي للمدبر في صورة الحاجة لا يمنع من بيعه مطلقاً ، لا سيما من قاعدتنا أن الأصل في العقود والشروط الصحة ، ما لم يدل دليل على المنع ، كما هو مقرر في موضعه .
( تنبيه ) ظاهر كلام الخرقي اختصاص الجواز بالدين فقط ، وعدم ما سواه ، وهو ظاهر كلام أبي محمد في المقنع ، وأبي البركات على هذه الرواية وهو ظاهر كلام أحمد ، قال في رواية حنبل وعبد اللَّه : أرى بيع المدبر في الدين إذا كان فقيراً لا يملك شيئاً غيره ، وظاهر كلام القاضي في جامعه وروايتيه وأبي محمد في الكافي إناطة ذلك على هذا القول بالحاجة ، ولا يخفى أنه أعم من الأول ، واللَّه أعلم .
قال : ولا تباع المدبرة في إحدى الروايتين عن أبي عبد اللَّه رحمه اللَّه ، والرواية الأخرى الأمة كالعبد .
ش : توجيه الفرق بين المدبرة والمدبر على الأولى أن في جواز بيعها إباحة لفرجها ، وهو مختلف فيه ، والفروج يحتاط لها ، وقد أشار أحمد إلى هذا فقال : لا أجترىء على بيع المدبرة ، لأنه فرج يوطأ . ( وتوجيه التسوية ) وأن حكم الأمة حكم العبد ، تباع في الدين على رأيه ومطلقاً على رأي غيره .
3904 أن عائشة رضي اللَّه عنها باعت مدبرة لها سحرتها ، وما تقدم لا يصلح دليلاً للمنع ، نعم يصلح دليلاً للكراهة ، ولهذا حمل أبو محمد الرواية الأولى على الورع ، انتهى ، وحكم نقل الملك فيها بهبة أو وقف حكم بيعها ، واللَّه أعلم .
قال : فإن اشتراه بعد ذلك رجع في التدبير .
ش : إذا اشترى السيد عبده المدبر بعد أن باعه رجع العبد في التدبير ، لأن عتق معلق بصفة ، فإذا خرج عن ملكه ثم عاد إليه عادت الصفة ، كما لو قال : أنت حر إن دخلت الدار . ثم باعه ثم اشتراه كذا بناه القاضي ، قال فإن قلنا : إن التدبير وصية بطل بالبيع ، ولم يعد بالشراء ، كما إذا أوصى بشيء ثم باعه ، والصحيح عند أبي محمد رجوعه في التدبير مطلقاً ، جعل التدبير راجعاً للمعنيين ، والتعليق بصفة والوصية ، فيثبت حكمهما فيه ، وإذاً إذا كانت الوصية تقتضي عدم العود فالتعليق يقتضي العود ، فيعمل بمقتضاه إذا وجد ، واللَّه أعلم .
قال : ولو دبره وقال : قد رجعت في تدبيري . أو قال : قد أبطلته لم يبطل . لأنه علق العتق بصفة في إحدى الروايتين ، والرواية الأخرى : يبطل التدبير .
ش : الرواية الأولى هي المذهب عند الأصحاب ، اختارها القاضي قال في روايتيه : إنها أجودهما ، وصححهما ابن عقيل في التذكرة ، وأبو محمد وغيهرما لما علل به الخرقي ، من أن التدبير عتق معلق بصفة وهو الموت ، فلم يبطل بالرجوع فيه ، كما لو كان معلقاً على صفة في الحياة ( والثانية ) أومأ إليها أحمد في رواية ابن منصور ، لأن نفوذه يعتبر من الثلث ، ويتوقف على الموت ، فأشبه الوصية ، وأبو محمد يقول : لا يمتنع اجتماع الأمرين فيه كما تقدم ، فيثبت حكم التعليق ، ويحصل عتقه بالموت بالشيئين ، وقد توقف أحمد في رواية حرب .
( تنبيه ) على الرواية الثانية إذا رجع وهي حامل هل يكون رجوعاً في حملها ؟ فيه وجهان ، واللَّه أعلم .
قال : وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فولدها بمنزلتها .
3905 ش : لأنه يروى عن عمر وابنه وجابر رضي اللَّه عنهم أنهم قالوا : ولدها بمنزلتها . ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة ، فكان ذلك حجة أو إجماعاً ، ولأن الأم تعتق بموت سيدها ، فتبعها ولدها كأم الولد ، ونقل حنبل عن أحمد فيما نقله القاضي في روايتيه ، أنه قال : ولد المدبرة إذا لم يشترط يكون للمولى عبداً ، وظاهر هذا أنه لا يصير مدبراً معها ، وهذا قد يخرج على أن التدبير وصية ، ولا شك أن ولد الموصى بها لا يتبعها ، ولم يعرج أبو البركات إلى هذه الرواية ، وإنما ذكر تخريجاً تبعاً لأبي الخطاب بعدم التبعية من المعلق عتقها بصفة ، فإن تبعية ولدها الحادث بعد الوصية والتدبير لها على قولين .
وقول الخرقي : بعد تدبيرها . يخرج ما ولدته قبل ذلك فإنه لا يكون مدبراً بكونه مدبراً معها ، وكأنه أخذها وهذا المذهب بلا ريب ، لأنه لا يتبع في العتق المنجز ، ولا في الاستيلاد ، ففي التدبير أولى ، وحكى أبو الخطاب رواية من رواية حنبل قال : سمعت عمي يقول في الرجل يدبر الجارية ولها ولد قال : ولدها يكون مدبراً معها . وأبو محمد حمل هذا على الولد بعد التدبير ، توفيقاً بين جميع كلامه ، والخرقي رحمه اللَّه إنما حكم على ولد المدبرة ، أما ولد المدبر فلا يتبع أباه مطلقاً على المذهب ، لأن الولد إنما يتبع أمه في الحرية والرق لا أباه ، ( وعن أحمد رواية أخرى ) وظاهر كلامه في المغني الجزم بها في ولده من أمته المأذون له في التسري بها يكون مدبراً ، لأنه ولده من أمته ، فتبعه كالحر ، وحيث قيل : إن الولد بمنزلة والده فإنه يصير مدبراً ، حكمه حكم ما لو دبر عبداً آخر ، بحيث لو لم يخرج من الثلث إلا أحدهما أقرع بينهما ، واللَّه أعلم .
قال : وله إصابة مدبرته .
ش : لأنها مملوكته ، فتدخل في عموم قوله سبحانه : [ ب 2 ] 19 ( { أو ما ملكت أيمانكم } ) [ ب 1 ] .
3906 وقد قال الإمام أحمد : لا أعلم أحداً كره ذلك غير الزهري ، واللَّه أعلم .
قال : ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه به إلا بشاهدين عدلين ، أو شاهد ويمين العبد .
ش : أما كون السيد إذا أنكر التدبير لا يحكم عليه إلا بشاهدين فيهما شروط الشهادة فلعموم [ ب 2 ] 19 ( { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } )9 ( { واشهدوا ذوي عدل منكم } ) [ ب 1 ] وأما كونه يحكم عليه بشاهد ويمين فلما تقدم للخرقي من أن العتق فيه ذلك ، وقد تقدمت المسألة فلا حاجة إلى إعادتها ، وقد تضمن كلام الخرقي والأصحاب صحة دعوى العبد التدبير ، ولأبي محمد احتمال بعدم صحة دعوى ذلك ، بناء على أن التدبير وصية ، وأن إنكار الوصية رجوع عنها في وجه ، وأن الرجوع في التدبير يبطله ، والصحيح عنده صحة الدعوى وفاقاً للجماعة ، وهو الصواب ، لأنه بعد تسليم أن الرجوع في التدبير يبطله ، وأن الإنكار رجوع ، قد يجيب بالإقرار ، فلم يتعين الإنكار جواباً ، وهذا كله إذا كانت الدعوى بين السيد والعبد ، أما بينه وبين ورثته فالدعوى صحيحة بلا نزاع لعدم ملكهم الرجوع ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا دبر عبده ومات وله مال غائب ، أو دين في ذمة موسر أو معسر ، عتق من المدبر ثلثه ، وكلما اقتضي من دينه شيء ، أو حضر من ماله الغائب شيء ، عتق من العبد بقدر ثلث ذلك ، حتى يعتق كله من الثلث .
ش : إذا دبر عبده ومات ولا مال له سواه عتق ثلثه فقط كما تقدم وإن كان له مال حاصل بحيث يتمكن الورثة منه عتق جميعه إن خرج من الثلث ، وإلا عتق منه بقدر الثلث ، وإن كان له مال لكن الورثة غير متمكنين منه لكونه غائباً أو ديناً ، لم يعتق جميعه في الحال ، لجواز أن لا يحصل للورثة من المال شيء ، فيكون العبد كل التركة وإذا كان هو كل التركة لم يجز أن يحصل على جميعها ، ولكنه يتنجز عتق ثلثه ، إذ أسوأ الأحوال أن لا يحصل من المال شيء ، فيكون له ثلث التركة ، وللورثة ثلثاها ، ثم كلما اقتضي من الدين شيء ، أو حضر من المال الغائب شيء ، عتق منه بقدر ثلثه ، فإذا كانت قيمته مائة ، وحصل من المال مائة ، عتق ثلثه الثاني ، ثم إذا حصلت مائة أخرى عتق باقيه ، لوجود المقتضي للعتق ، وانتفاء المانع ، ولا بضر ما بقي بعد ذلك من المال ، لخروج المدبر من ثلث الموجود ، وإذا عتق تبيناً أنه كان حراً حين الموت ، فيكون كسبه له ، لأن عتقه بالموت ، وإنما أوقفناه للشك في خروجه من الثلث ، وقد زال الشك ، ومن ثم لو لم يحصل شيء من المال تبيناً رق ثلثيه ، وإن كان الحاصل لا يخرج المدبر من ثلثه عتق منه بقدر ثلثه ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا دبر قبل البلوغ كان تدبيره جائزاً إذا كان له عشر سنين فصاعداً ، وكان يعرف التدبير .
ش : التدبير بالسنة إلى التصرف في المال وصية بلا إشكال ، فيعطى حكمها ، فيصح ممن تصح منه ، ويبطل ممن تبطل في حقه ، وقد تقدم ذلك فلا حاجة إلى إعادته .
قال : وما قلته في الرجل فالمرأة مثله ، إذا صار لها تسع سنين فصاعداً .
ش : هذا منصوص أحمد ، وهو بناء على صحة وصية من لم يبلغ ، وعلى تقييد ذلك بسن ، وإنما جعل السن تسعاً لأنه الذي يتعلق به كثير من أحكامها ، كحيضها وصحة إذنها على المذهب وغير ذلك ، فكذلك في وصيتها .
( تنبيه ) حيث صحت وصية من لم يبلغ صح رجوعه كالبالغ ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره .
ش : لأنه استعجل ما أجل له ، فعوقب بنقيض قصده ، كقاتل مورثه ، ولأن التدبير وصية ، فبطل بالقتل كالوصية بالمال ، ولأن ذلك قد يتخذ وسيلة إلى القتل المحرم لأجل العتق ، فمنع العتق سداً للذريعة ولا ترد أم الولد ، لأن إبطال الاستيلاد فيها يفضي إلى جواز نقل الملك فيها ، وإنه متعذر ، بخلاف المدبر ، ولأن سبب حرية أم الولد الفعل ، والبعضية التي حصلت بينها وبين سيدها بواسطة ولدها ، وهذا آكد من القول ، ولهذا نفذ إيلاد المجنون ، دون إعتاقه وتدبيره ، ونفذ إيلاد المعسر وكان من رأس المال ، والعتق بخلاف ذلك ، واعلم أن البطلان هنا مفرع على المذهب . في أن الوصية تبطل بالقتل نظراً للعتق ، أما إن قلنا لا تبطل بالقتل فالتدبير أولى ، نظراً للعتق ، واللَّه أعلم .
كتاب المكاتب
ش : المكاتب مأخوذ من المكاتبة ، والمكاتبة في الإصطلاح عتق على مال منجم نجمين فصاعداً ، إلى أوقات معلومة ، وأصلها من الكتب وهو الجمع ، لأنها تجمع نجوماً ، ومنه سمي الخراز كاتبا ، لأنه يضم أحد الطرفين إلى الآخر بخرزة ، والرمل المجتمع كتيبة ، لانضمام بعضه إلى بعض ، وقيل لأن السيد يكتب بينه وبينه كتاباً .
وهي مشروعة بالإجماع ، وقد شهد لذلك قوله سبحانه : [ ب 2 ] 19 ( { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً } ) [ ب 1 ] الآية وقصة بريرة ، وقوله عليه السلام : ( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) وغير ذلك من الأحاديث ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا كاتب عبده أو أمته على أنجم فأديت الكتابة فقد صار حراً .
ش : عملاً بمقتضى [ موضوع ] الكتابة ، إذ مقتضاها وموضوعها الحرية عند تمام العقد ، فعمل على ذلك ، كسائر مقتضيات العقود ، ولأن رقبته بالأداء تمحضت له ، فوجب أن يعتق ، لاستحالة أن يملك الإنسان نفسه ( ومقتضى : كلام الخرقي أنه لا يشترط مع ذلك أن يقول : فإذا أديت إلي فأنت حر . ولا نيته ، وهو المذهب المجزوم به لعامة الأصحاب ، لأنه أتى بصريح لفظ العقد ، أشبه ما إذا قال : دبرتك ، ولأبي الخطاب في الهداية احتمال أنه يشترط قول ذلك أو نيته ، لأن لفظ الكتابة يحتمل المخارجة ، فاحتاج إلى مميز ككنايات الوقف ونحو ذلك ، ( ومقتضى ) كلامه أيضاً أن من شرط صحة الكتابة التأجيل ، لقوله : على أنجم ، فلا تصح الكتابة الحالة ، وهذا هو المذهب أيضاً بلا ريب ، لأنه عقد معاوضة يلحقه الفسخ ، من شرطه ذكر العوض ، فإذا وقع على صفة يتحقق فيها العجز عن العوض غالباً ما يصح ، كما لو أسلم في شيء لا يوجد في المحل إلا نادراً ، ويؤيد ذلك أن جماعة من الصحابة عقدوا الكتابة ولم ينقل عنهم أنهم عقدوها حالة ، وقيل : يصح أن تكون حالة كالقول في السلم ، والبابان باب واحد ، ومن ثم اشترطنا في الأجل أن يكون له وقع في الثمن ، حذاراً من أن يتخذ ذكره حيلة ، والعلم به كما تقدم ، وكأن الأقيس عند أبي محمد واختيار ابن أبي موسى أنها تصح على نجم واحد كالسلم ، والمذهب عند القاضي وأصحابه والأكثرين أنه لا بد من نجمين فصاعداً ، محافظة على معناها ، إذ قد تقدم أنها مشقة من الضم ، ولا يحصل الضم إلا بنجمين فصاعداً ، ونظراً للأثر .
3907 فعن علي رضي اللَّه عنه أنه قال : الكتابة على نجمين ، والإيتاء من الثاني ، ( وكلام الخرقي ) ربما أوهم اشتراط ثلاثة أنجم فصاعداً ، ولا أعرف ذك قولاً في المذهب ، ( ومقتضى كلامه ) أيضاً أنه لا يعتق إلا بأداء جميع مال الكتابة ، لا أنه يعتق منه بقدر ما أدى ، ولا بأداء بعض مال الكتابة ، ولا بملك الوفاء ، ( أما الحكم الأول ) وهو أن لا يعتق منه بقدر ما أدى فلا أعلم فيه في المذهب خلافاً .
3908 لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، عن النبي أنه قال : ( المكاتب عبد ما بقي عليه من الكتابة درهم ) رواه أبو داود وعنه أيضاً أن النبي قال : ( أيما عبد كاتب على مائة أوقية ، فأداها إلا عشر أواق فهو عبد ، وأيما عبد كاتب على مائة دينار ، فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد ) رواه الخمسة وصححه الحاكم ( وأما الحكم الثاني ) وهو أنه لا يعتق بأداء بعض مال الكتابة فهو المذهب المنصوص لما تقدم ، وذكر الدرهم والعشرة على سبيل التقليل ، لا على سبيل التحقيق ، وقيل : إذا أدى ثلاثة أرباع المال فأزيد ، وعجز عن الباقي عتق ، لأنه عجز عن حق له فلم تتوقف حريته على أدائه ، كأرش جناية سيده عليه ، وهذا القول حكاه أبو محمد في الكافي عن الأصحاب ، وفي المقنع عن القاضي وأصحابه ، وفي المغني عن أبي بكر والقاضي وأبي الخطاب ، وفي هذه الحكاية نظر ، فإن لفظ الهداية : لم يجز للسيد الفسخ ، ذكره أبو بكر ، ولا يلزم من امتناع الفسخ حصول العتق ، بل ظاهر هذا أنه لا يعتق ، ولهذا لم يحك أبو البركات هذا القول عن أحد من هؤلاء ، وحكى قول أبي الخطاب على طاهره فقال : وظاهر كلام أبي الخطاب عدم العتق ، ومنع السيد من الفسخ ، وهذا ظاهر كلام ابن البنا أيضاً ، وحكى ابن أبي موسى رواية بما يقرب من هذا ، وهو أنه إذا أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق ، واتبع بما بقي ( وأما الحكم الثالث ) وهو أنه لا يعتق بملك الوفاء فهو المشهور من الروايتين ، والمختار للقاضي وأبي محمد وغيرهما ، لما تقدم من حديثي عمرو بن شعيب ( والرواية الثانية ) أنه يعتق بملك الوفاء .
3909 لما روت أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت : قال لنا رسول اللَّه : ( إذا كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه ) رواه الخمسة ، وصححه الترمذي إلا أن بعض الحفاظ قال : إنه قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة . وعلى تقدير صحته فيحمل الأمر بالاحتجاب على الندبية ، توفيقاً بين الأحاديث ، واللَّه يعلم .
قال : وولاؤه لمكاتبه .
ش : قد تقدمت هذه المسألة في الولاء ، وإنما ذكرها هنا على سبيل التكميل لحكم المسألة استطراداً ، واللَّه أعلم .
قال : ويعطى مما كوتب عليه الربع ، لقول اللَّه تعالى : [ ب 2 ] 19 ( { وآتوهم من مال اللَّه الذي آتاكم } ) [ ب 1 ] .
ش : قد ذكر الشيخ رحمه اللَّه الحكم ودليله ، وهو الأمر ، وظاهر الوجوب .
3910 وقد روي عن علي رضي اللَّه عنه أنه قال في تفسير الآية الكريمة : ضعوا عنه الربع . وروي ذلك عن النبي ، وكلام الشيخ يشمل وإن كان العبد المكاتب ذمياً ، وهو كذلك ، صرح به القاضي ، ووقت وجوب الدفع إذا أدى ، ويجوز من أول الكتابة ، بأن يضع عنه بقدر ذلك ، لأنه السبب ، وقد شهد لذلك ما تقدم عن علي رضي اللَّه عنه ، ولأن الغرض التخفيف عنه وهو حاصل ، واللَّه أعلم .
قال : وإن عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ ، وعتق وقته في إحدى الروايتين عن أبي عبد اللَّه رحمه اللَّه .
ش : إذا عجل المكاتب مال الكتابة قبل وقت الحلول ، لزم السيد الأخذ وعتق العبد إذاً .
3911 لما روي عن أبي سعيد المقبري قال : اشترتني امرأة من بني ليث ، بسوق ذي المجاز بسبعمائة درهم ، ثم قدمت فكاتبتني على أربعين ألف درهم ، فأديت إليها عامة المال ، ثم حملت ما بقي إليها فقلت : هذا مالك فاقبضيه ، قالت : لا واللَّه حتى آخده منك شهراً بشهر ، وسنة بسنة . فخرجت به إلى عمر بن الخطاب ، فذكرت ذلك له فقال عمر رضي اللَّه عنه : ارفعه إلى بيت المال ، ثم بعث إليها فقال : هذا مالك في بيت المال ، وقد عتق أبو سعيد ، فإن شئت فخذي شهراً بشهر ، وسنة بسنة . قال : فأرسلت فأخذته ، رواه الدارقطني .
3912 وروى سعيد في سننه عن عثمان رضي اللَّه عنه نحو ذلك ، وقد احتج به أحمد ، وقد أطلق الخرقي ذل تبعاً للإمام ، وتبعهما أبو الخطاب في الهداية على ذلك ، والشيرازي ، وأبو محمد في المقنع ، وحكى أبو بكر عن أحمد ( رواية أخرى ) مطلقة أيضاً أنه لا يلزمه القبول إلا حين الحلول ، لأن بقاء المكاتب في هذه المدة حق له ، ولم يرض بزواله فلم يزل ، كما لو علق عتقه بمضي المدة ، وحمل القاضي على ما حكى عنه أبو محمد الروايتين على اختلاف حالين ( فالموضع ) الذي يلزمه القبول إذا لم يكن في القبض ضرر ، لتمحض المصلحة إذاً فهو كما لو دفع إليه في السلم أجود من الجنس ، ( والموضع ) الذي لا يلزمه القبول إذا كان في القبض ضرر ، مثل أن يكون مال الكتابة مما يفسد ، كالعنب والبطيخ ، أو يخاف تلفه كالحيوان ، أو حديثه خيرا من قديمه ، أو يحتاج إلى خزن كالقطن ، أو سلمة في بلد مخوف ،
أو طريق مخوف ونحو ذلك ، لأن فيه التزام ضرر لم يقتضه العقد ، وإنه منفي شرعاً ، بدليل قوله عليه السلام : ( لا ضرر ولا ضرار ) وبذلك قطع أبو البركات ، واختاره أبو محمد في المغني ، وابن حمدان ، واختار القاضي في روايتيه طريقة ثالثة : إن كان في القبض ضرر وإلا فروايتان ، وتبعه على ذلك أبو محمد في الكافي ، وحيث قيل : يلزمه القبول فامتنع جعله الإمام في بيت المال ، وحكم بعتق العبد كما نقل عن عمر رضي اللَّه عنه واللَّه أعلم .
قال : والرواية الأخرى إذا ملك ما يؤدي فقد صار حراً .
ش : هذه الرواية لا ترجع إلى ما سبق الكلام له ، وهو لزوم قبض ما عجل ، وإنما ترجع إلى ما تضمنه اللفظ ، وفهم من سياقه ، وهو أنه إذا أدى عتق ، ومقتضاه أنه لا يعتق قبل ذلك ، فحكى رواية أخرى أنه يعتق بمجرد ملك الوفاء ، وقد تقدم ذلك والإشارة إلى دليله ، فلا حاجة إلى إعادته ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا أدى بعض كتابته ، ومات وفي يده وفاء وفضل ، فهو لسيده في إحدى الروايتين ، والرواية الأخرى لسيدة بقية كتابته ، والباقي لورثته .
ش : ( وقد تضمنت الرواية الأولى ) أن الكتابة تنفسخ بموت العبد ، سواء خلف وفاء أم لا ، وهذا هو المشهور من الروايتين ، والمختار للقاضي وعامة أصحابه ، وأبي محمد ، لما تقدم من قوله عليه السلام : ( المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) والأصل بقاء ذلك بعد الموت ، ولأنه عتق معلق بشرط مطلق ، فانقطع بالموت ، كما لو قال : إذا أديت إلي ألفاً فأنت حر . وعلى هذا ما في يده لسيده ، ( وتضمنت الثانية ) أن الكتابة لا تنفسخ إذا خلف وفاء ، وهي اختيار أبي بكر ، لأنه عقد معاوضة ، لا ينفسخ بموت أحد المتعاقدين وهو السيد ، فلا ينفسخ بموت الآخر كالبيع ، وفرق بأن كل واحد من المتبايعين غير معقود عليه ، والمكاتب معقود عليه ، فهو كتلف البيع قبل قبضه ، فعلى هذا يؤدي عنه بعد وفاته ، وما فضل فلوارثه المناسب ، وإن لم يكن فلسيده بالولاء ، قال القاضي : ويعتق في آخر جزء من حياته ، وهذا ظاهر الرواية ، فالمسألة غير مبنية على التي قبلها ، وقال أبو محمد : يحتمل أن تبنى على التي قبلها ، فإن قيل ثَمَّ إنه لا يعتق بملك ما يؤدي فقد مات رقيقاً ، فانفسخت الكتابة بموته ، وما في يده لسيده ، وإن قيل ثَمَّ : إنه يعتق بملك ما يؤدي فقد مات حراً ، فلسيده بقية كتابته ، لأنه دين له عليه ، وما بقي فلوارثه انتهى .
ولا تختلف الرواية أنه إذا لم يخلف وفاء أن الكتابة تبطل بموته ، قال أبو محمد : إلا أن يموت بعد أداء ثلاثة أرباع الكتابة ، فإن مقتضى قول القاضي وأبي بكر ومن وافقهما أنه يموت حراً ، انتهى . وقد تقدم الطعن في هذا النقل ، ثم إن هذه المسألة غير تلك كما تقدم ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا مات السيد كان العبد على كتابته ، وما أدى فبين ورثة سيده مقسوماً كالميراث .
ش : ملخص هذا أن الكتابة لا تنفسخ بموت السيد ، وهذا واللَّه أعلم اتفاق ، وقد قال أبو محمد : لا نعلم فيه خلافاً . وذلك لأنه عقد لازم من جهته ، فلم ينفسخ بموته كالبيع والإجارة ، فعلى هذا الكتابة باقية فيؤدي الذي عليه لورثة السيد ، فيقتسمونه على حسب إرثهم كما يقتسمون ديونه واللَّه أعلم .
قال : وولاؤه لسيده .
ش : يعني أنه إذا أدى ما عليه للورثة وعتق ، فإن ولاءه لسيده ، لأنه المنعم عليه بالعتق ، لتسببه فيه ، فأشبه ما لو أدى إليه ، وهذا هو المذهب المشهور ( وعن أحمد رواية أخرى ) إن أدى جميع ما كوتب عليه للورثة فولاؤه لهم ، وإن أدى إليهم وإلى السيد فالولاء بينهما ، لأنه انتقل إلى الورثة بالموت ، فأشبه انتقاله إليهم بالشراء ، وفرق بأن السيد في الشراء رضي بنقل حقه ، وهنا الوارث يخلف الموروث ، ولا ينتقل إليه شيء أمكن بقاؤه لمورثه ، والولاء يمكن بقاؤه لمورثه ، فلم ينتقل إليه ، انتهى .
وحكم براءة الذمة له مما عليه حكم قبضه على ما تقدم ، ولأبي محمد احتمال أنهم والحال هذه يختصون بالولاء ، لإنعامهم عليه بما عتق به أشبه ما لو باشروا عتقه ، ولو باشروا كلهم عتقه كان الولاء لهم ، لأن المباشرة أقوى من التسسبب ، وقال القاضي : يكون الولاء أيضاً للسيد إن كان عتقهم له قبل عجزه ، ( فعلى قوله ) إن أعتق بعضهم لم يسر عتقهم ، ثم إن أدى إلى الباقين عتق كله والولاء للسيد ، وإن عجز فرد إلى الرق فولاء نيصيب المعتق له ، ( وعلى الذي قبله ) وهو الذي أورده أبو محمد مذهباً إن أعتق بعضهم فسرى إلى نصيب شركائه كان ولاؤه له ، وإن لم يسر لإعساره أو غير ذلك فله ولاء ما أعتق .
قال : فإن عجز فهو عبد لسائر الورثة .
ش : كما لو عجز في يد السيد ، واستعمل ( سائر ) بمعنى الجميع ، كما هو الغالب عليه في استعماله .
قال : لا يمنع المكاتب من السفر .
ش : إذ السفر من أسباب الكسب ، وإنه يملكه بمقتضى عقد الكتابة ، وعموم كلام الخرقي يشمل السفر الطويل والقصير وهو كذلك ، كالحر المدين ، وكذلك قال أبو محمد : لم يفرق أصحابنا بين السفر الطويل وغيره ، قال : ولكن المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم كتابته قبله . قلت : وهذا مراد الأصحاب من الإطلاق بلا ريب ، واللَّه أعلم ، وإنما لم يقيدوا ذلك اكتفاء بما تقدم لهم في المدين بطريق الأولى ، ومن ثم يخرج لنا ( قول آخر ) أنه له منعه مطلقاً ، كما يمنع الحر المدين على رواية ، وإن لم يحل الدين إلا بعد قدومه ، وترك الأصحاب ذلك تفريعاً على المذهب ، وقد نص أحمد في رواية المروذي على أن له أن يحج ما لم يحل عليه نجم في غيبته ، لكن يرد على هذا الإطلاق سفر الجهاد ، فإنه ينبغي أن يمنع منه مطلقاً كالحر المدين ، وقوله : لا يمنع المكاتب من السفر ، قد يقال : ظاهر إطلاقه : وإن شرط عليه تركه . وهو قول القاضي فيما حكاه عنه أبو محمد ، بناء على عدم صحة الشرط ، لأنه ينافي مقتضى العقد لما تقدم من أنه من أسباب الكسب ، فلم يصح اشتراط تركه ، كما لو شرط عليه أن لا يبيع ولا يشتري ، والذي قطع به القاضي في الجامع ، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي واختاره أبو محمد ، وابن حمدان أنه يمنع والحال هذه ، بناء على صحة الشرط ، لأن للسيد فيه فائدة ، وهي الأمن من إباقه ، ولدخوله تحت قوله عليه السلام : ( المسلمون على شروطهم ) الحديث .
( تنبيه ) هذا الخلاف روايتان ، وفاقاً لأبي الخطاب والشيرازي ، وأبي محمد في الكافي ، وأبي البركات ، وحكاه في المغني والمقنع وجهين ، واللَّه أعلم .
قال : وليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده .
ش : لأنه عبد ، بدليل ما تقدم .
3913 فيدخل في عموم ( أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فهو عاهر ) ولأن في ذلك ضرراً لاحتياجه إلى أداء النفقة والمهر من كسبه ، ولربما عجز فيرق ، ويرجع ناقص القيمة ، وفي ذلك ضرر على السيد ، والضرر منفي شرعاً ، وهذا هو المذهب عند الأصحاب ، وقد قطع به عامتهم ( وعن أحمد رواية أخرى ) للمكاتب التزويج بخلاف المكاتبة ، قال في رواية إبراهيم الحربي : لا بأس أن يتزوج ، قد اشترى نفسه بل المكاتبة لا تتزوج ، لا يؤمن أن ترجع إلى الرق وهي مشغولة الفرج ، انتهى .
ومفهوم كلام الخرقي أن له ذلك بإذن السيد ، وهو واضح ، إذ المنع لحق السيد وقد زال ، ويؤيد ذلك مفهوم الحديث ، وحكم التسري حكم التزويج ، إن أذن له السيد جاز ، وإن لم يأذن لم يجز ، واللَّه أعلم .
قال : ولا يبيعه سيده درهماً بدرهمين .
ش : ملخصه أن الربا يجري بين المكاتب وسيده ، لأن المكاتب صار بما التزمه من العوض بمنزلة الأجنبي بدليل أن لكل منهما الشفعة على صاحبه ، ولا يملك واحد منهما التصرف فيما بيد صاحبه ، وهذا هو المذهب عند الشيخين وغيرهما ، وقال أبو بكر وابن أبي موسى : لا ربا بينهما . قال أبو بكر : قد أخبر أحمد عن نفسه أنه ليس بين المكاتب وسيده ربا ، لأنه عبد ما بقي عليهم درهم . انتهى . ويستثني من ذلك إذا عجل له ليضع عنه بعض كتابته ، فإنه يجوز كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى ، واللَّه أعلم .
قال : وليس للرجل أن يطأ مكاتبته إلا أن يشترط .
ش : أما منع وطئها بدون الشرط فهو المذهب المصرح به ، لأن الكتابة أزالت ملك استخدامها ، وملك عوض بضعها ، إذا وطئت بشبهة ، فتزيل حل وطئها كالبيع ، قال في المغني : وقيل : له وطؤها في الوقت الذي لا يشغلها الوطء عما هي فيه ، وهذا القول يحتمل أنه في المذهب ، ويحتمل أنه لبعض العلماء ، وأما جوازه مع الشرط فهو المذهب المجزوم به عند عامة الأصحاب ، لعموم قوله عليه السلام : ( المسلمون على شروطهم ) ولأنه استثنى بعض ما كان له ، فصح كاستثناء الخدمة ، يحققه أن ملكه باق عليها ، وإنما منع منه لحقها ، ومع الشرط الحق عليها ، وظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب أنه يمنع من ذلك مطلقاً ، قال : لا يطأ مكاتبته ، لأنه لا يقدر أن يبيعها ولا يهبها ، وهذا اختيار ابن عقيل ، لأن الملك والحال هذه غير تام ، أشبه الواطىء في مدة الخيار .
قال : فإن وطىء ولم يشترط أدب .
ش : لفعله المحرم ، فيؤدب زجراً له عما ارتكبه ، وفي بعض نسخ : ولم يبلغ به حد الزاني . وقد تقدم ذلك في التعزيرات وافياً ، فلا حاجة إلى إعادته ، وقد علم من كلام الخرقي أنه لا حد عليه ، وهو كذلك ، لوجود الملك ، وعموم كلام الخرقي يشمل العالم بالتحريم والجاهل به ، وقيد أبو محمد ذلك بالعالم ، وهو حسن ، واللَّه أعلم .
قال : وكان لها عليه . مهر مثلها .
ش : لأن ذلك عوض منفعتها ، فكان لها كبقية منافعها ، وكلام الخرقي يشمل وإن كانت مطاوعة ، وهو أحد الوجهين ، وبه قطع أبو محمد ، بناء على أن للسيد في ذلك حقاً فلا يسقط برضاها ، كالأمة القن ( الوجه الثاني ) لا شيء لها إذاً ، وهو الذي أورده ابن حمدان مذهباً ، لأن المغلب في ذلك حقها ، فسقط بمطاوعتها الحرة .
( تنبيه ) الواجب مهر واحد ، وإن وطىء مراراً كوطء الشبهة ، نعم إن أدى مهر وطء ، ثم وطىء ثانياً وجب مهر ثان ، لأن الأداء قطع حكم الوطء الأول ، وقوله : فإن وطىء ولم يشترط أدب ، وكان عليه مهر مثلها ، مقتضاه أنه مع الشرط لا أدب ولا مهر عليه ، وهو كذلك ، لجواز ذلك على رواية واللَّه أعلم .
قال : فإن علقت منه فهي مخيرة بين العجز وأن تكون له أم ولد ، وبين المضي على الكتابة ، فإن أدت الكتابة عتقت ، وإن عجزت عتقت بموته ، وإن مات قبل عجزها انعتقت ، لأنها صارت من أمهات الأولاد ، وسقط عنها ما بقي من كتابتها ، وما في يدها لورثة سيدها .
ش : إذا علقت منه مكاتبته سواء شرط وطأها أو لم يشترط ووضعت ما تصير به الأمة أم ولد كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى ، فقد اجتمع فيها سببان ، الكتابة وصيرورتها أم ولد ، فيعمل على ذلك ، إذا لا منافاة بينهما ، فعلى هذا إن أدت عتقت بحكم الكتابة ، وما في يدها لها بلا ريب ، لأن ما في يد المكاتب بعد أدائه له ، وإن عجزت وعادت قناً بطل حكم الكتابة ، وعتقت بموته ، وما في يدها لورثة سيدها ، عملاً بحكم الإيلاد ، وإن مات سيدها قبل عجزها عتقت بموته ، عملاً بحكم الإيلاد أيضاً ، وسقط عنها ما بقي من كتابتها ، لحصول الحرية التي بذل العوض في تحصيلها ، واختلف فيما في يدها هل يكون لها ، وهو اختيار القاضي في المجرد ، وفي الظهار من التعليق ، وابن عقيل وأبي محمد ، إذ العتق إذا وقع في الكتابة لم يبطل حكمها ، كالإبراء من نجوم الكتابة ، ولأن ملكها كان ثابتاً ، والأصل بقاء ما كان على ما كان عليه ، أو لورثة سيدها وهو الذي قاله الخرقي ، وأبو الخطاب في الهداية ، وأورده ابن حمدان مذهباً ، لأنها عتقت بحكم الإيلاد ، فأشبه ما لو لم تكن مكاتبة ؟ على قولين ، وهذا شرح المسألة في الجملة ، وفاقاً للشيخين وغيرهما ، وقد يقال : إن في كلام الخرقي ما يخالف ذلك ، أو يزيد عليه من جهة قوله : إنها مخيرة بين العجز وكونها له أم ولد ، وبين المضي على الكتابة . ومقتضى هذا أن لها أن تختار العجز وإبطال حكم الكتابة ، فتصير أم ولد فقط ، وأن تمضي على الكتابة فيجتمع فيها سببان كما تقدم ، ولذلك حكى ذلك الشيرازي رواية ، وحكى رواية أخرى أنه إذا مات سيدها يلزمها أداء بقية مال الكتابة إلى الورثة .
( تنبيه ) الخرقي ذكر حكم الإيلاد إذا طرأ على الكتابة ، ولو طرأت الكتابة على التدبير فالحكم كذلك ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا كاتب نصف عبد فأدى ما كوتب عليه ومثله لسيده ، صار نصفه حراً بالكتابة ، إن كان الذي كاتبه معسراً ، وإن كان موسراً عتق كله ، وكان نصف قيمته على الذي كاتبه لشريكه .
ش : للإنسان أن يكاتب شقصاً له من عبد ، وإن لم يأذن شريكه ، في ذلك ، كما هو ظاهر إطلاق الخرقي ، إذ الكتابة عقد معاوضة ، فجازت بغير إذن الشريك كالبيع ، واختار ابن حمدان اشتراط إذنه إن كان معسراً ، انتهى ، وإذا كاتبه لم يسر إلى نصيب شريكه كما تضمنه كلام الخرقي أيضاً ، لم تقدم من أنها عقد معاوضة فهي كالبيع ، وإذا لم تسر الكتابة كان كسبه والحال هذه مشتركاً بينه وبين سيده ، كما قبل الكتابة ، فإذا أدى ما كوتب عليه ، ومثله لسيده الآخر ، عتق نصفه بالكتابة ، لوجود الشرط وهو أداء ما كوتب عليه ، وانتفاء المانع ، وهو دفع ما يستحقه الغير ، لو لم يؤد ما كوتب عليه لم يعتق ، وهو واضح ، ولو أداه من جميع كسبه ، ولم يؤد لسيده الآخر شيئاً لم يعتق ، لأن الكتابة الصحيحة إنما يعتق فيها بالبراءة من العوض ، ولا يحصل ذلك بدفع ما ليس له ، هذا إذا كان الأداء من جميع كسبه ، أما إن هايأه سيده فكسب شيئاً في يومه ، أو أعطي صدقة فلا حق لسيده فيه ، لأنه تمحض استحقاقه له بما فيه الكتابة ، لا بمجموعه ، وحكى ابن حمدان رواية أخرى أنهما يتهايآن في كسبه ، فيكون له يوماً ولسيده يوماً ، وقد نص على ذلك أحمد في رواية حرب ، وحيث عتق النصف المكاتب فإنه ينظر في الذي كاتبه ، فإن كان موسراً سرى إلى باقيه ، وغرم قيمة حصة شريكه ، لأنه تسبب في إعتاقه ، أشبه ما لو باشره في العتق ، وإن كان معسراً لم يسر كما لو واجهه بالعتق ، نعم إن قيل بالاستسعاء استسعي العبد كما تقدم ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا عتق المكاتب استقبل بما في يده من المال حولاً ، وزكاه إن كان منصباً .
ش : قد تقدمت هذه المسألة للخرقي في الزكاة ، فلا حاجة إلى إعادتها ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا لم يؤد نجما حتى حل الآخر عجزه السيد إن أحب ، وعاد عبداً غير مكاتب .
ش : منطوق كلام الخرقي أن للسيد أن يعجزه ، بمعنى أن يفسخ الكتابة ، ويرد المكاتب في الرق إذا حل عليه نجمان ولم يؤدهما ، وله الصبر عليه ، ومفهومه أنه ليس له تعجيزه إذا حل عليه نجم واحد ، وهذا إحدى الروايات ، واختيار أبي بكر ، ونصبه في المغني للخلاف ، وقال القاضي : إنه ظاهر كلام الأصحاب .
3914 لأنه يروى عن علي رضي اللَّه عنه أنه قال : لا يرد العبد في الرق حتى يتوالى عليه نجمان ، ( والرواية الثانية ) أنه له تعجيزه إذا حل عليه نجم واحد ، لأن ذلك حق له ، فكان له الفسخ بالعجز عنه ، كما لو أعسر المشتري ببعض ثمن المبيع قبل قبضه ( والرواية الثالثة ) لا يعجز حتى يقول : قد عجزت ؛ حكاها ابن أبي موسى وغيره ، لأن فوات العوض لا يتحقق إلا بذلك ( والرواية الرابعة ) وقد تقدمت إن أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق ، ويتبع بما بقي ، وظاهرها وإن حل عليه نجوم ، ( وقد تضمن ) كلام الخرقي أن الكتابة عقد لازم ، وهو كذلك ، لأنها بيع ، والبيع من العقود اللازمة ، وإذاً لا يملك السيد فسخها بغير ما تقدم ، ولا العبد مطلقاً ، صرح بذلك غير واحد من الأصحاب ، حتى قال في المغني : بغير خلاف نعلمه ، وحكى ابن المنذر ما يقتضي الإجماع ، ووقع في المقنع والكافي حكاية رواية بأن للعبد فسخها ، وعلل ذلك ابن المنجا بأن معظم المقصود له ، فإذا رضي بإسقاط حقه سقط ، والظاهر أن هذا وهم ، بدليل ما تقدم ، والذي ينبغي حمل ذلك على أن له الفسخ ، أي التسبب فيه ، بمعنى أنه يمتنع من الأداء ، فيملك السيد الفسخ ، وهذا كما أن ابن عقيل والشيرازي وابن البنا قالوا : إنها لازمة من جهة السيد ، جائزة من جهة العبد ، وفسروا ذلك بأن له الامتناع من الأداء فيملك السيد الفسخ ، انتهى . وظاهر كلام الخرقي أن الفسخ من السيد والحال ما تقدم لا يفتقر إلى حاكم ، وهو كذلك .
( تنبيه ) لو اتفق السيد والعبد على الفسخ جاز ، قاله في الكافي كالبيع ، واللَّه أعلم .
قال : وما قبض من نجوم كتابة استقبل بزكاته حولاً .
ش : ما قبض السيد من نجوم الكتابة فإنه يستقبل به حولاً ويزكيه لأنه كمال استفاده بإرث أو غيره ، ومقتضى هذا أن الحول لا ينعقد على دين الكتابة ، وهو كذلك لعدم استقرار الملك فيه ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا جنى المكاتب بدىء بجنايته قبل كتابته .
ش : إذا جنى المكاتب جناية ووجب المال بها ، بدىء بجنايته قبل كتابته فقدمت على المذهب المشهور المنصوص ، حتى أن أبا محمد في المغني قال : اتفق أصحابنا على ذلك ، إذ أرش الجناية مستقر ، ومال الكتابة غير مستقر ، [ ولا إشكال أن المستقر يقدم على غير المستقر ] ، ولأن أرش الجناية مقدم على ملك السيد في عبده ، فكذلك على عوضه بطريق الأولى ، ( وفي المذهب قويل آخر ) أنهما يتحاصان ، حكاه أبو بكر لأنهما دينان فتحاصا كبقية الديون ، وعلى هذا يقسم الحاكم المال بينهما على قدر حقيهما .
أما على الأول فإن بدأ المكاتب بأرش الجناية فأداه قبل أداء مال الكتابة فلا كلام ، وإن أدى مال الكتابة قبل أداء الأرش ولما يحجر عليه صح الأداء وعتق ، واستقر الأرش عليه ، وإن كان ذلك بعد أن حجر الحاكم عليه بأن سأله ولي الجناية ذلك لم يصح أداؤه ، ووجب أن يرتجعه الحاكم فيدفعه إلى ولي الحناية ، وللمسألة تفاريع أخر ليس هذا موضعها ، وعموم كلام الخرقي يشمل جنايته على سيده وهو كذلك ، ومقتضى كلامه أن الأرش لازم للمكاتب ، وهو كذلك .
3915 لقول النبي : ( لا يجني جان إلا على نفسه ) والذي يلزم على المذهب أن يفدي نفسه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ، وقيل وحكى رواية : أنه بالأرض كله كالحر .
( تنبيه ) قال أبو محمد : إن جناية المكاتب تتعلق برقبته ، وتؤدي من المال الذي في يده ، وقد قال هو وغيره : إنه إذا بادر فأدى الكتابة أنه يعتق ويستقر الفداء عليه ، ومقتضى هذا تعلق جنايته برقبته وبذمته ، وقال الشيرازي : جناية المكاتب مقدمة على كتابته ، وروي عن أحمد أنها في رقبته ، وظاهر هذا أنها تتعلق ابتداء بالمال الذي في يده واللَّه أعلم .
قال : فإن عجز كان السيد مخيراً بين أن يفديه بقيمته إن كانت أقل من جنايته أو يسلمه .
ش : إذا عجز المكاتب ورد في الرق فإن سيده مخير بين فدائه بقيمته إن كنت أقل من جنايته ، لانحصار الحق إذاً في الرقبة ، فلا يجب على السيد أكثر من بدلها ، وإن كانت جنايته أقل من ذلك لم يجب عليه أكثر منها ، إذ المجني عليه لا يستحق أكثر من أرش جنايته ، وبين أن يسلمه لأنه إذا سلمه فقد سلم المحل الذي تعلق به الحق ، فخرج عن العهدة ( وفي المذهب قول آخر ) أو رواية أنه إذا فداه فداه بالأرش كله ، وقول الخرقي : أو يسلمه . ظاهره ليباع ، وإذاً فلم يخير البائع إلا بين شيئين فقط ، الفداء أو التسليم للبيع ، وهو إحدى الروايات ( والرواية الثانية ) يخير بين الفداء أو دفعه بالجناية ( والرواية الثالثة ) يخير بين الثلاثة ، وإذا أراد تسليمه للبيع فهل يكتفي بمجرد ذلك ، فيبيعه الحاكم ، وهذا ظاهر كلام الخرقي ، أو يلزمه أن يتولى إن طلبه ولي الجناية ؟ على روايتين ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا كاتبه ثم دبره فإن أدى صار حراف ، وإن مات السيد قبل الأداء عتق بالتدبير إن حمل الثلث ما بقي عليه من كتابته ، وإلا عتق منه بمقدار الثلث ، وسقط من الكتابة بمقدار ما عتق ، وكان على الكتابة فيما بقي .
ش : إذا كاتب عبده ثم دبره جاز ، كما تضمنه كلام الخرقي ، إذ لامنافاة بينهما ، ولأن التدبير إما وصية بالإعتاق أو تعليق للعتق على صفة ، وكلاهما جائز في المكاتب ، مع أن أبا محمد قد قال : لا نعلم في ذلك خلافاً . ولو عكس فدبره أولاً ثم كاتبه جاز على المذهب المنصوص أيضاً ، لما تقدم أولاً .
3916 وقد روى ذلك البخاري في تأريخه عن ابن مسعود ، ورواه الأثرم عنه وعن أبي هريرة أيضاً رضي اللَّه عنهما ، ولأبي محمد في الكافي احتمال بأن كتابة المدبر رجوع في تدبيره إن قيل بصحة الرجوع فيه ، إذا ثبت هذا فإذا اجتمعت الكتابة والتدبير فقد اجتمع سببان للعتق ، فيعمل بمقتضاهما ، فعلى هذا إن أدى عتق بالكتابة ، لوجود شرطها وهو الأداء ، وبطل التدبير للغنى عنه ، وما في يده له ، وإن عجز صار مدبراً فقط ، لبطلان الكتابة ، فيعتق بموت السيد بشرطه ، وإن مات السيد قبل العجز وأداء جميع الكتابة عتق بالتدبير ، لوجود سببه وهو الموت ، وهل ما في يده له إبقاء لما كان على ما كان عليه ، وكما لو أبرىء من مال الكتابة ، وهو اختيار أبي محمد وابن حمدان ، أو لورثة سيده ، حكاه أبو محمد عن الأصحاب ، بناء على أن الكتابة تبطل إذاً ويبقى الحكم للتدبير ؟ على قولين .
وحيث عتق بالتدبير فشرطه أن يخرج من الثلث ، لما تقدم من أن التدبير معتبر من الثلث على المذهب ، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ، وسقط من عوض الكتابة بقدر ما عتق منه ، لأن مال الكتابة عوض عن جميعه ، فإذا عتق نصفه مثلاً بالتدبير سقط ما قابل ذلك ، وهو نصف العوض ، وهل ما قابل ذلك من الكسب له أو لورثة السيد ؟ على القولين السابقين ، ويبقى باقيه مكاتباً بقسطه ، ومقتضى كلام الخرقي أن المعتبر في خروجه من الثلث ما بقي عليه من الكتابة ، وتبعه على ذلك أبو محمد في الكافي والمقنع ، ومقتضى كلامه في المغني وكلام أبي البركات اعتبار قيمته مكاتباً ، وهو الذي أورده ابن حمدان في رعايتيه مذهباً ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا ادعى المكاتب وفاء كتابته ، وأتى بشاهد حلف مع شاهده وصار حراً .
ش : هذا بناء على ما تقدم من أن المال أو ما يقصد به المال يقبل فيه شاهد ويمين الطالب ، وهذا من ذلك ، لأن النزاع والحال هذه وقع في أداء المال ، والعتق يثبت تبعاً لثبوت الأداء ، وليس هو المتنازع فيه ، ولا المشهود به ، على أن الخرقي رحمه اللَّه يقبل الشاهد واليمين في العتق أيضاً ( وفي المذهب قويل آخر ) أنه لا يقبل في النجم الأخير إلا رجلان ، لترتب العتق على شهادتهما إذاً ، وبناء على أن العتق لا يقبل فيه إلا ذلك ، واللَّه أعلم .
قال : ولا يكفر المكاتب بغير الصوم .
ش : وقد تضمن قول الخرقي أن كفارة المكاتب الصوم ، وهو كذلك ، لأنه في حكم المعسر ، وكفارة المعسر ذلك ، ودليل الوصف أنه لا يلزمه زكاة ، ولا نفقة قريبة ، ويأخذ الزكاة لحاجته ، وتضمن كلامه أنه لا يكفر بغير ذلك ، على مذهبه ، من أن العبد لا يملك بالتمليك ، وهذه طريقة القاضي ، فإنه بناه على الروايتين في ملك العبد بالتمليك ، فإن قيل لا يملك لم يصح تكفيره بغير الصوم ، وإن أذن له السيد ، وإن قيل يملك صح بإذن السيد ، لأن الحق له وقد أذن فيه ، وتبعه على ذلك أبو الخطاب في الهداية ، وأبو محمد في المقنع ، وابن حمدان ، وامتنع أبو محمد في الكافي والمغني من البناء ، وجوز له التكفير بإذن السيد بلا خلاف ، وتبعه على ذلك أبو البركات ، بناء على أنه يملك المال هنا بلا خلاف . بخلاف العبد ، نعم هو يملك ملكاً ناقصاً ، لتعلق حق السيد به ، فلذلك اعتبر إذنه ، وقد يبنى كلام الخرقي على أنه يمنع من التبرع ، ولو أذن فيه السيد ، والتكفير بالمال بمنزلة التبرع ، لعدم الحاجة إليه ، لكن هذا قويل ضعيف والمذهب خلافه ، وهذه المسألة لها التفات إلى تكفير العبد بالمال وقد تقدم ذلك ، وحيث جوز له التكفير بالمال فإنه لا يلزمه ذلك ، حذاراً مما يلحقه من الضرر ، وهو احتمال تفويت حريته ، واللَّه أعلم .
قال : وولد المكاتبة الذين ولدتهم في الكتابة يعتقون بعتقها .
ش : وقد تضمن كلام الخرقي صحة مكاتبة الأمة ، كما تصح مكاتبة العبد ، وهو اتفاق وللَّه الحمد ، وقد شهد له حديث بريرة وغيره ، وإذا صحت مكاتبتها فأتت بولد من نكاح أو غيره بعد كتابتها فإنه يتبعها يعتق بأدائها أو إبرائها ، ويرق بعجزها وبموتها قبل الأداء على المذهب ، إذ الكتابة سبب لازم للعتق ، لا يجوز إبطاله ، فسرى إلى الولد كالاستيلاد ، ولا يرد التعليق بالصفة ، لجواز إبطاله بالبيع ونحوه .
وقوله : الذين ولدتهم في الكتابة ، يشمل ما كان حملاً حال الكتابة ، وما علقت به بعدها ، ويخرج منه ما ولدته قبل الكتابة ، وقد تتخرج التبعية فيه ، لرواية ضعيفة في ولد المدبرة ، ( وقوله ) : يعتقون بعتقها ، أي بسبب عتقها ، بما ثبت لها ، وهو العتق بأداء مال الكتابة أو الإبراء منه ، وهذا معنى قول الأصحاب : يتبعها ولدها . وهذا بخلاف أم الولد والمدبرة ، فإن ولدها يصير بمنزلتها .
( تنبيه ) فلو أعتق المكاتبة سيدها ، أو عتقت باستيلاد أو تدبير فإنه يبنى على أن كتابتها هل تبطل أم لا ؟ فمن قال ببطلانها قال يتبين رق ولدها ، ومن قال لا تبطل كتابتها قال يعتق بعتقها ، كما لو أبرئت من كتابتها ، ولأبي محمد احتمال بعتقه على الأول أيضاً انتهى ، وحكم ولد ابنتها التي تتبعها حكم ابنتها ، أما ولد ابنها فحكمه حكم أمه ، واعلم أن كلام الخرقي في ولد المكاتبة من غير سيدها ، أما من سيدها فقد تقدم له حكمه ، فلهذا لم يحترز عنه .
( تنبيه ) لم يتعرض الخرقي لولد المكاتب ، والحكم أنه لا يخلو إما أن يكون من أمة أو حرة ، ( فإن كان ) من حرة فهو حر كأمه ( وإن كان ) من أمة فلا تخلو الأمة إما أن تكون له أو لغيره ( فإن كانت ) له تبعه الولد ، وهل تتبعه الأمة في صيرورتها أم ولد ، فيتحقق الاستيلاد فيها بعتقه ، أو يتحقق رقها برقه وهو المذهب ، أو لا تتبع أصلاً فله بيعها مطلقاً ؟ على وجهين ، ( وإن كانت ) الأمة لغيره فلا يخلو إما أن يكون السيد أو غيره ، فغيره الولد رقيق كأمه ، والسيد كذلك إلا أن يشترط المكاتب تبعية ولده له ، فإنه يتبعه عملاً بالشرط ، واللَّه أعلم .
قال : ويجوز بيع المكاتب .
ش : هذا هو المذهب المشهور المنصوص ، نقله الجماعة عن أحمد ، واختاره الأصحاب .
3917 لما روت عائشة رضي اللَّه عنها قالت : جاءتني بريرة فقالت : كاتبت أهلي على تسع أواق ، في كل عام أوقية ، فأعينيني ، فقلت : إن أحب أهلك أن أعدها لهم ، ويكون ولاؤك لي فعلت . فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها ، فجاءت من عندهم ورسول اللَّه جالس فقالت : إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم ، فسمع النبي فأخبرت عائشة النبي فقال : ( خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق ) ففعلت عائشة رضي اللَّه عنها ، ثم قام رسول اللَّه في الناس ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال : ( أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللَّه ، ما كان من شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ، قضاء اللَّه أحق ، وشرط اللَّه أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق ) متفق عليه واللفظ للبخاري . وهذا ظاهر في أنها بيعت في كتابتها قبل أن تعجز وترق بعلم النبي ، بل وأمره لقولها : فأعينيني ، وإخبار عائشة النبي بذلك ، وقوله لها : ( خذيها ) وعند مسلم : ( اشتريها ) وفي لفظ : ( ابتاعي ) ولهذا قال ابن المنذر : بيعت بريرة بعلم النبي وهي مكاتبة ، فلم ينكر ذلك ، ولا أعلم خبراً يعارض ذلك ، ولا دليلاً من خبر على عجزها .
( وعن أحمد ) رواية أخرى : لا يجوز بيع المكاتب ، أومأ إليها في رواية أبي طالب ، وسأله : هل يطأ مكاتبته ؟ قال : لا يطؤها ، لأنه لا يقدر أن يبيعها ولا يهبها ، وذلك لأن سبب العتق قد ثبت له على وجه لا يستقل السيد برفعه ، فمنع البيع كالاستيلاد ، وأجيب بمنع القياس مع النص ، ثم إن لنا في أم الولد منعا على رواية ، وعلى المذهب الفرق أن سبب حريتها مستقر ، لا سبيل إلى فسخه بحال ، والمكاتب ليس كذلك ، لجواز عوده رقيقاً ، ( وعن أحمد ) رواية ثالثة حكاها ابن أبي موسى : يجوز بيع المكاتب بقدر مال الكتابة ، لصورة النص ، ولا يجوز بأكثر منها اعتماداً على القياس السابق .
( تنبيه ) الحكم في هبته والوصية به كالحكم في بيعه ( وعنه ) أنه منع من الهبة ، قصراً على المورد أيضاً كما تقدم ، أما وقفه فلا يجوز ، لانتفاء شرطه وهو الاستقرار ، واللَّه أعلم .
قال : ومشتريه يقوم فيه مقام المكاتب .
ش : مشتري المكاتب يقوم في أمره مقام المكاتب ، لأنه بدل عنه ، فأعطي حكمه ، فعلى هذا إن أدى إليه عتق ، وإن عجز أو اختار تعجيزه رد في الرق ، ومقتضى كلام الشيخ أن الكتابة لا تنفسخ بالبيع وهو كذلك ، إذ الكتابة عقد لازم ، فلم تنفسخ بذلك كالإجارة ، مع أن ابن المنذر قد حكى ذلك إجماعاً عن كل من يحفظ عنه من أهل العلم ، ولا يرد عليه مخالفة ابن حزم ، لأنه ليس هو من حفظ عنه العلم ، واللَّه أعلم .
قال : فإذا أدى صار حراً وولاؤه لمشتريه .
ش : قد تقدم أن مشتريه يقوم مقام البائع ، د فإذا أدى إليه صار حراً وعتق ، وكان ولاؤه له ، وقد شهد لذلك قول النبي لعائشة رضي اللَّه عنها : ( ابتاعي وأعتقي ، فإنما الولاء لمن أعتق ) وإنكار النبي على أهلها لما اشترطوا ولاءها ، واللَّه أعلم .
قال : فإن لم يبين البائع للمشتري أنه مكاتب كان مخيراً بين أن يرجع بالثمن أو يأخذ ما بينه سليماً ومكاتباً .
ش : الكتابة عيب ، لمنع المشتري من التصرف في العبد ، وانتفاء اكتسابه ومنافعه ، فعلى هذا إن بين البائع للمشتري فلا كلام ، لأنه دخل على بصيرة ، وإن لم يبين له ذلك كان مخيراً بين فسخ البيع والرجوع بالثمن ، وبين الإمضاء وأخذ الأرش ، وهو قسط مابين قيمته سليماً ومكاتباً ، منسوباً إلى الثمن ، فإذا قيل إن قيمته مكاتباً أربعون ، وغير مكاتب ستون ، والثمن تسعون ، فقد نقصته الكتابة ثلث قيمته ، فيرجع بثلث ثمنه ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا ملك المكاتب أباه أو ذا رحم من المحرم عليه نكاحه ، لم يعتقوا عليه حتى يؤدي وهم في ملكه ، فإن عجز فهم عبيد للسيد .
ش : إذا ملك المكاتب من يعتق عليه ولو ملكه وهو حر لم يعتق بمجرد ذلك ، لأنه لا يملك العتق بالقول ، فبالملك القائم مقامه أولى ، لكنه يمتنع عليه بيعه ، لأنه بمنزلة جزئه ، ثم إن أدى أو أبرىء من مال الكتابة وهو في ملكه لم يفت عتق لتمام ملكه إذاً بزوال حق السيد ، فيعمل المقتضى .
3918 وهو قوله : ( من ملك ذا رحم محرم فهو حر ) عمله ، وإن عجز ورد في الرق تحقق رقهم للسيد ، كعبيده الأجانب .
وكلام الخرقي يشمل الملك بالبيع الهبة والوصية وغير ذلك ، ثم إنه لم يشترط لذلك شرطاً ، فيدخل في كلامه الشراء بدون إذن السيد ، وهو قول القاضي ، وبه قطع الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما ، وابن عقيل وأبو محمد في المغني ، وصححه ابن حمدان في رعايتيه ، نظراً إلى أنه يصح أن يشتريه غيره ، فصح شراؤه له كالأجنبي ، وأورد أبو محمد في المقنع المذهب تبعاً لأبي الخطاب في الهداية أنه لا يجوز بدون إذن السيد ، حذاراً من أن يخرج من ماله لا يمتنع عليه التصرف فيه ، والأول أشهر ، وقد ذكر القاضي أنه نص أحمد والخرقي ، واعترضه أبو الخطاب بأن كلامهما من ملك ذا رحم محرم ، ويجوز حصول الملك بغير الشراء ، أو بالشراء بإذن . قلت : وقد اختلفت نسخ الخرقي ، ففي بعضها : وإذا اشترى . وعليها شرح أبو محمد ، والظاهر والقاضي ، وهذا وإن لم يكن نصاً فقريب منه ، وفي بعضها : وإذا ملك . وهي التي اعتمدها أبو الخطاب في الاعتراض ، وهو لفظي ، إذ يكفي الظهور في التمسك ، وهذا هو الجواب عن كلام أحمد ، إن لم يكن عنه نص بذلك . انتهى
ويدخل في كلامه على النسخة المشروحة الهبة والوصية ، وإن أضر ذلك بماله ، كما إذا لم يكن لذي الرحم المحرم كسب فيلزمه نفقته ، وكذلك أطلق أبو الخطاب وأبو البركات ، وأبو محمد في الكافي والمغني ، وقيد ذلك في المقنع بما إذا لم يضر ذلك بماله ، وتبعه على ذلك ابن حمدان ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا كان العبد لثلاثة فجاءهم بثلاثمائة درهم فقال : بيعوني نفسي بها ، فأجابوه ، فلما عاد إليهم ليكتبوا له كتاباً أنكر أحدهم أن يكون أخذ شيئاً ، وشهد الرجلان إذا كانا عدلين ، ويشاركهما فيما أخذا من المال ، وليس على العبد شيء .
ش : ملخص هذا أن الشريكين اللذين فيهما شروط الشهادة إذا شهدا على شريكهما الثالث بأخذ ما يستحقه والحال ما تقدم ، فقد صار العبد حراً ، لأن بشهادتهما كمل أداؤه لجميع ما اشترى به نفسه من مالكيه ، وإذاً يعتق لوجود الشرط وهو الأداء ، ولا شيء عليه لذلك ، ويشاركهما المشهود عليه فيما أخذا من المال ، لاعترافهما بأخذه من ثمن العبد المشترك بينهم ، ولأن ما في يد العبد كان لهم ، وما أخذاه كان في يده ، ولا تقبل شهادتهما المتقدمة في أنه لا يستحق عليهما ذلك ، لأنهما يدفعان بها ضرراً عن أنفسهما وهو المشاركة ، وإنه غير مقبول ، وإنما قبلت شهادتهما للعبد لأنها شهادة للغير وصار هذا بمنزلة الإقرار بشيء له وشيء عليه ، يقبل في الذي عليه دون الذي له ، هذا منصوص أحمد ، وقال الشيخان : قياس المذهب رد شهادتهما ، نظراً إلى أن الشهادة إذا بطل بعضها بطلت كلها ، ويفارق الإقرار من حيث إن الشهادة والحال هذه فيها تهمة ، والتهمة مانعة للشهادة ، بخلاف الإقرار فإن التهمة لا تمنعه .
وقول الخرقي : إذا كان العبد لثلاثة فجاءهم بثلاثمائة درهم ، فقال : بيعوني نفسي بها فأجابوه ، وقد استشكل عليه من حيث أن ظاهره إجازة شراء نفسه بعين ما في يده ، وقد تقدم له في العتق أن العبد إذا قال لرجل : اشترني بهذا المال وأعتقني فاشتراه بعين المال أن البيع والعتق باطلان ، وقد أجاب القاضي على ذلك بوجوه ( أحدها ) أن هذا مكاتب عجل لهم الثلاثمائة ليضعوا عنه شيئاً ، وقرينة هذا ذكره في الكتابة ، ويحتمل هذا كلام أبي البركات ، لأنه ذكر المسألة فيما إذا كاتب ثلاثة عبداً ، فادعى الأداء إليهم ، وحكى المنصوص في ذلك ( الوجه الثاني ) أن يكون المال في يد العبد الأجنبي ، أذن له أن يشتري نفسه به ولم يملكه له ، قلت : وهذا جيد أيضاً ( الثالث ) أن يكون عتقاً بصفة ، تقديره : إذا قبضنا منك هذه الدراهم فأنت حر . قلت : وفيه بعد ( الرابع ) إن رضى سادته ببيعه نفسه بما في يده ، وفعلهم صورة البيع ، ومعناه العتق بشرط الأداء ، ويصير هذا كما لو قال : بعتك نفسك بخدمتي سنة . فإن منافعه مملوكة للسيد ويصح ذلك ، وهذا أظهر الوجوه عند أبي محمد ، لعدم احتياجه إلى تأويل ، بخلاف غيره ، قلت : ولا يخفى ما فيه من التكلف ، والصورة المشبهة بها لا تشبه ذلك ، لأن السيد لا يملك المنافع المستقبلة ، وإنما تحدث والحا هذه على ملك العبد ، وغايته أن السيد في هذه الصورة رضي بإعتاقه بشيء يثبت له في ذمته ، انتهى . وقوله : ليكتبوا له كتاباً ، فيه دليل على مشروعية كتابة الوثائق خوف التجاحد ، وهو كذلك ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا قال السيد : كاتبتك على ألفين ، وقال العبد : على ألف . فالقول قول السيد مع يمينه .
ش : إذا اختلف السيد ومكاتبه في قدر مال الكتابة ، فقال السيد مثلاً ، كاتبتك على ألفين ، وقال المكاتب : بل على ألف . فالقول قول السيد مع يمينه ، في إحدى الروايات ، اختارها أبو محمد ، في المغني ، وقال القاضي : إنها المذهب . لأنه اختلاف في الكتابة ، فكان القول قول السيد ، كما لو اختلفا في أصلها ( والرواية الثانية ) القول قول المكاتب ، نصبها الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، وصححها ابن عقيل في التذكرة ، لأنه منكر ، والقول قول المنكر ، ومدعى عليه ، فيدخل في قوله عليه السلام : ( ولكن اليمين على المدعى عليه ) وأجاب أبو محمد بأن المنكر إنما قدم قوله لأن الأصل معه ، والأصل هنا مع السيد ، إذ الأصل في المكاتب وكسبه أنه لسيده ، وفيه نظر ، إذ الاختلاف لم يقع في المكاتب ولا في كسبه ، إنما وقع فيما حصل العقد عليه ( والرواية الثالثة ) يتحالفان ويتفاسخان الكتابة ، اختارها أبو بكر ، لأنهما اختلفا في عوض العقد القائم بينهما ، فوجب التحالف إذا لم تكن بينة كالمتابعين ، وفرق أبو محمد بأن الأصل في البيع عدم ملك كل واحد منهما لما صار اليه ، والأصل في المكاتب وكسبه انه لسيده ، فلذلك قبل قوله فيه ، وقد تقدم الاعتراض على ذلك ، قال : ولأن التحالف في البيع مقيد ، بخلاف الكتابة ، إذ الحاصل بالتحالف فسخ الكتابة ، ورد العبد إلى الرق ، وهذا يحصل من جعل القول قول [ السيد مع يمينه ، قلت : وهذا بعينه في البيع لو جعل القول قول ] البائع ، وعلى هذه الرواية إن تحالفا قبل العتق فسخ العقد ، إلا أن يرضى أحدهما بما قال صاحبه ، وإن تحالفا بعد العتق رجع السيد بقيمته ، ورجع العبد بما أداه ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا أعتق الأمة أو كاتبها وشرط ما في بطنها له دونها ، أو أعتق ما في بطنها دونها فله شرطه .
ش : إذا أعتق أمته أو كاتبها ، وشرط ما في بطنها له دونها ، فإنه يصح شرطه ، ولا يعتق الحمل ، ولا يتبع أمه في الكتابة ، لعموم قوله عليه السلام : ( المسلمون على شروطهم ) .
3919 وروى الأثرم بسنده عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه أعتق أمة واستثنى ما في بطنها . وقد احتج به أحمد فقال : أذهب إلى حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما في العتق ، ولا أذهب إليه في البيع .
3920 ويروى ذلك أيضاً عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، ولا يعرف لهما مخالف ، ويفارق البيع ، إذ البيع عقد معاوضة ، فاعتبر فيه صفات المعوض ، ليعلم هل هو قائم مقام العوض أم لا ، والعتق تبرع ، لا تتوقف صحته على معرفة صفات المعتق ولهذا لم تنافه الجهالة ، وقد حكى أبو محمد عن القاضي أنه خرج صحة استثناء ذلك في العتق ، على الروايتين في صحة الاستثناء في البيع ، والمشهور والمنصوص وهي طريقة القاضي في الجامع والروايتين وجماعة عدم التخريج ، والقطع بالصحة هنا ، وأما إذا أعتق ما في بطنها دونها فيعتق ، لأنه أعتق نسمة ، فيدخل في قوله عليه السلام : ( من أعتق نسمة ) ولا تعتق الأم ، لأنها ليست تابعة له ، فلم تعتق بعتقه ، كما بعد الولادة ، وهذا هو المذهب ( وعن أحمد رواية أخرى ) لا يعتق حتى يولد في ملكه حياً ، ولعل مدركها أن الحمل لا حكم له ، والأول أن الحمل له حكم ، فعلى هذه الرواية يكون كمن علق عتقه بشرط ، فيجوز بيعه قبل وضعه تبعاً لأمه ، واللَّه أعلم .
قال : ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ، ويضع عنه بعض كتابته .
ش : وذلك كأن يصالحه على مائة مؤجلة بخمسين حالة ، ونحو ذلك ، لأن دين الكتابة غير مستقر ، ولذلك لا يصح ضمانه ، وليس بدين في الحقيقة ، فكأن السيد أخذ بعضاً وأسقط بعضاً ، وعكس هذا صورة لو اتفقا على الزيادة في الدين ليزيده في الأجل ، كأن يحل عليه نجم ، فيقول : أخرني به إلى كذا وأزيدك ، فهل يصح ذلك ؟ فيه احتمالان ، ذكرهما في المغني ، فالصحة لما تقدم ، وعدمها لشبهه بربا الجاهلية المحرم ، وهو الزيادة في الدين للزيادة في الأجل .
وقول الخرقي : ولا بأس . يشعر بأن الأولى ترك ذلك ، وقد سئل أحمد عن ذلك في رواية حرب فقال : فيه خلاف ، وأرجو . وقد ذكر في رواية أبو البركات في باب حكم الدين أن في جواز بيع دين الكتابة من الغريم وجهين ، ثم جزم هنا في الصلح بالصحة ، وذكر ذلك بلفظ المصالحة ، فيحتمل أن يقال : لما كان بلفظ المصالحة كان بمعنى الإبراء من البعض ، وسومح في ذلك للمكاتب ، لتشوف الشارع إلى العتق .
قال : وإذا كان العبد بين اثنين ، فكاتب أحدهما فلم يؤد كل كتابته حتى أعتق الآخر نصيبه وهو موسر ، فقد صار العبد كله حراً ، ويرجع الشريك على المعتق بنصف قيمته .
ش : قد تقدم أن للشريك مكاتبة حصته من العبد المشترك بدون إذن شريكه ، فإذا فعل فأعتق الذي لم يكاتبه حصته قبل أن يؤدي كتابته وهو موسر ، فهل يسري إلى نصيب شريكه المكاتب فيصير حراً ؟ على وجهين ( أحدهما ) وهو الذي قاله الخرقي ، ونص عليه أحمد في رواية بكر بن محمد ، وحكاه القاضي في روايتيه عن أبي بكر ، وأورده الشيخان وابن حمدان مذهباً يسري والحال ما تقدم ، لأن المكاتب عبد كما تقدم ، فيدخل تحت قوله عليه السلام ( من أعتق شركاً له في عبد ) الحديث ( والثاني ) وهو قول القاضي ، وحكاه أبو محمد عن أبي بكر لا يسري ، حذاراً من إضرار الشريك بإبطال سبيل الولاء المنعقد له بالكتابة ، والضرر منفي شرعاً ، نعم إن عجز المكاتب ورد في الرق سرى إذاً ، لانتفاء المانع وأجيب عن هذا بأن العتق إذا أثر في الملك الثابت الذي الولاء من بعض آثاره ، ففي الولاء أولى . انتهى . ( فعلى الأول ) يرجع الشريك على المعتق بنصف قيمة المكاتب ، لإتلافه له بالعتق .
وظاهر كلام الخرقي أنه يرجع بنصف قيمته مكاتباً ، وهو إحدى الروايتين ، وبه قطع أبو محمد ، لأن الذي أتلفه هو منكاتب ( والرواية الثانية ) يضمنه بما بقي عليه ، لأنه لم يفوت على السيد أكثر من ذلك ، وعلى هذه قال السامري يكون الولاء بينهما ، لكل واحد منهما بقدر ما عتق منه ، قال ابن أبي موسى . انتهى . وقال أحمد في رواية بكر بن محمد في عبد بين شريكين ، كاتباه على ألف درهم ، فأدى إليهما تسعمائة درهم ، لهذا أربعمائة وخمسين ، ولهذا أربعمائة وخمسين ، ثم إن أحدهما أعتق نصيبه ، قال إن كان للمعتق مال أدى إلى شريكه نصف قيمة العبد ، لا يحاسبه بما أخذ ، لأنه عبد ما بقي عليه درهم . وهذا يحتمل أو هو الظاهر منه أنه يضمنه بقيمته عبداً ، ويجري هذا على ما تقدم من أن العتق إذا وقع في الكتابة أبطلها ، لكن ثم العتق من المكاتب ، وهنا من غيره واللَّه أعلم .
قال : وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وقد كان تصدق عليه بشيء فهو لسيده .
ش : كلام الخرقي يشمل جميع الصدقات ، وهو كذلك في صدقة التطوع والوصية ككسبه ، أما الزكاة ففيها روايات ( إحداها ) وهي ظاهر كلام الخرقي ، واختيار أبي محمد الحكم كذلك ، لأنه يأخذ لحاجته ، فأشبه الفقير والمسكين ( والرواية الثانية ) وهي اختيار أبي بكر والقاضي يرد إلى أربابه ، لأنه أخذه ليصرفه في العتق ، فإذا لم يصرف فيه رد ، كالغازي إذا لم يغزُ ( والرواية الثالثة ) يؤخذ ما في يده فيجعل في المكاتبين ، نقلها حنبل ، لأنه جعل ذلك للَّه ، فلا يرجع له ، بل يجعل في تلك الجهة ، والحكم في موت المكاتب وعتقه كالحكم في عجزه ، أما ما أداه إلى السيد قبل العجز فلا يرجع بحال ، لصرفه للجهة التي أخذه لها ، ولا فرق فيما تقدم بين أن يكون عين ما تصدق عليه به باقياً ، أو قد اشترى به عوضاً ثم عجز وهو في يده ، لأنه بدله ، فأعطي حكمه ، وأما غير الزكاة من الصدقات المفروضات ، فكلام أبي محمد في المغني يقتضي جريان الخلاف فيها ، وأبو البركات خص الخلاف في الزكاة ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا اشترى المكاتبان كل واحد منهما الآخر صح شراء الأول ، وبطل شراء الثاني .
ش : أما صحة شراء الأول فلأن تصرفه صحيح ، وبيع السيد مكاتبه جائز ، فالمقتضي موجود ، والمانع منتفٍ ، وأما بطلان شراء الثاني فلقيام المانع ، وهو أنه قد صار عبداً للذي اشتراه أولاً ، فلو صححنا شراءه لكان سيداً له ، فيكون مملوكاً سيداً وإنه ممنوع ، حذاراً من تناقض الأحكام ، ولو لم يعلم الأول منهما فقال أبو بكر وأبو الخطاب وأبو محمد وغيرهم : يبطل البيعان ، إذ كل منهما مشكوك في صحته ، فرجع إلى الأصل فيهما ، وأجراه القاضي مجرى الوليين ، فعلى هذا يفسخ الحاكم البيعن في رواية ، وفي أخرى يقرع بينهما ، وعلى الأول لا فسخ ولا قرعة ، واللَّه أعلم .
قال : وإن شرط في كتابته أن يوالي من شاء فالولاء لمن أعتق ، والشرط باطل .
ش : أما كون الولاء لمن أعتق والحال هذه فلحديث بريرة المتقدم ( الولاء لمن أعتق ) ( إنما الولاء لمن أعتق ) وأما بطلان الشرط فلحديث بريرة أيضاً ( كل شرط ليس في كتاب الَّله فهو باطل ) ولأن ذلك نقل لولاء عن محله ، وقد ورد النهي عن نقل الولاء .
3921 فصح أنه عليه السلام نهى عن بيع الولاء وهبته ، ومقتضى كلام الخرقي أن العقد لا يبطل بذلك ، وأن البطلان يختص بالشرط ، وهو منصوص أحمد ، لحديث بريرة ، فإن أهلها اشترطوا لهم الولاء ، مع أن النبي قد صحح الببيع ، وخرج الفساد من الشرط الفاسد في البيع ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل ، فأخرجه إلى سيده ، وأحب أخذه أخذه بما اشتري به وهو على كتابته ، وإن لم يحب أخذه فهو على ملك مشتريه ، مبقى على ما بقي من كتابته ، ويعتق بالأداء ، وولاؤه لمن يؤدي إليه .
ش : هذا مبني على قواعد ثلاث ( إحداها ) أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر ، وهو المذهب ( الثانية ) أن المكاتب يصح نقل الملك فيه ، وهو المذهب أيضاً ( الثالثة ) أن من وجد ماله من مسلم أو معاهد بيد من اشتراه منهم فهو أحق بثمنه ، وهو المشهور .
إذا عرف هذا فإذا أسر الكفار المكاتب ، فاشتراه رجل فوجده سيده ، فهو مخير إن شاء أخذه بما اشتري به ، وإن شاء تركه ، لما تقدم في الجهاد ، فإن أخذه فهو على كتابته ، إذ الكتابة عقد لازم ، لا تبطل بالبيع فبالأسر أولى ، وإن لم يأخذه فقد استقر الملك فيه لمشتريه ، فيكون مبقى على ما بقي من كتابته ، لما تقدم من بقاء الكتابة مع ذلك ، وإذاً يعتق بالأداء كغيره من المكاتبين ، وولاؤه لمن أدى إليه ، من مكاتبه الأول أو مشتريه ، لأنه المعتق له ، فيدخل في قوله عليه السلام : ( الولاء لمن أعتق ) .
( تنبيه ) قد تقدم أن الكتابة لا تبطل بالأسر ، لكن هل يحتسب عليه بالمدة التي كان فيها مع الكفار ؟ على وجهين ، فإن قيل لا يحتسب لغت مدة الأسر ، وبنى على ما مضى ، وإن قيل بالاحتساب فحل عليه ما يجوز تعجيزه بترك أدائه فلسيده تعجيزه ، وهل له ذلك بنفسه أو بحكم الحاكم ؟ فيه وجهان ، وعلى كليهما متى خلص فأقام بينة بوجود مال له وقت الفسخ يفي بما عليه ، فهل يبطل الفسخ أو لا بد مع ذلك من ثبوت أنه كان يمكنه أداؤه ؟ فيه قولان ، واللَّه أعلم .
كتاب عتق أمهات الأولاد
ش : ( أمهات ) واحدتها ، أم ، وأصلها أمهة ، فلذلك جمعت على أمهات باعتبار الأصل ، وأمات باعتبار الواحدة ، وقيل : الأمهات : للناس ، والأمات للبهائم ، وقد أشعر كلام المصنف في الباب بجواز التسري ووطء الإماء ، وهو إجماع لا ريب فيه ، وقد شهد له قوله تعالى : [ ب 2 ] 19 ( { والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم وما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } ) [ ب 1 ] واستفاض أن النبي استولد مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام ، وعملت الصحابة على ذلك ، فاتخذ عمر وعلي وكثير من الصحابة رضوان اللَّه عليهم أمهات الأولاد واللَّه أعلم .
قال : وأحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء في جميع أمورهن ، إلا أنهن لا يبعن .
ش : أما كون أحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء في جميع أمورهن ، عدا ما استثناه فلأنها مملوكة ، فأشبهت القن .
3922 ودليل الوصف ما روى ابن عباس رضي اللَّه عنه قال : من وطىء أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه ، أو قال من بعده . رواه أحمد وابن ماجه ، وفي لفظ : ( أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه ، أو قال : من بعده ) رواه أحمد فدل على أنها قبل ذلك باقية على الرق ، فعلى هذا لسيدها كسبها وإجارتها ، وتزويجها وعتقها ، ووطؤها ونحو ذلك من أحكام الإماء ، ولا يرد عليه كونها لا تورث ، بل تعتق بموت سيدها ، ويحد قاذفها ، وتستتر سترة الحرة على رواية فيهما ، لذكر المصنف عقب هذا ، نعم يرد عليه تدبيرها فإنه لا يصح ، لانتفاء فائدته ، ولهذا لو طرأ الاستيلاد على التدبير أبطله ، قاله ابن حمدان .
قلت : يصح إن جاز بيعها ، وقلنا : التدبير عتق بصفة ، وقد يرد عليه ما أشعر به كلام أحمد في رواية أبي طالب ، وسأله : هل يطأ مكاتبته قال : لا يطؤها لأنه لا يقدر أن يبيعها ولا يهبها ، فجعل العلة في امتناع الوطء منع [ البيع ، والبيع هنا ممنوع كما سيأتي ، لكن المعروف في المذهب خلاف هذا ، وأنه يجوز الوطء ، وقد يرد عليه أيضاً ما ينقل الملك غير ] البيع كالهبة ونحوها ، أو يراد للنقل كالرهن ، فإنه لا يجوز ، مع أنه لم يستثن إلا البيع ، وقد يقال : إنه استثنى البيع وهذه في معناه .
3923 وأما كون أمهات الأولاد لا يبعن فلما روى ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد ، وقال : ( لا يبعن ولا يوهبن ، ولا يورثن ، يستمتع مهنا السيد ما دام حياً ، فإذا مات فهي حرة ) رواه الدارقطني وهو نص ، ورواه مالك في الموطأ ، والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر رضي اللَّه عنهما من قوله ، قال أبو البركات : وهو أصح .
3924 وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال : ذكرت أم إبراهيم عند رسول اللَّه فقال : ( أعتقها ولدها ) رواه ابن ماجه والدارقطني .
3925 ويؤيد هذا ما روى أبو سعيد الخدري رضي اللَّه عنه قال جاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول اللَّه إنا نصيب سبيا فنحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل ؟ فقال النبي : ( وإنكم لتفعلون ذلك ؟ لا عليكم أن لا تفعلوا ذلك ، فإنها ليست نسمة كتب اللَّه عز وجل أن تخرج إلا وهي خارجة ) رواه أحمد والبخاري .
3926 وروى البخاري عن عمرو بن الحارث ، أخي جويرية بنت الحارث قال : ما ترك رسول اللَّه عند موته درهماً ولا ديناراً ، ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً ، إلا بغلته البيضاء ، وسلاحه ، وأرضاً جعلها صدقة .
3927 وروى سعيد في سننه : حدثنا أبو عوانة ، عن مغيرة عن الشعبي ، عن عبيدة قال : خطب علي رضي اللَّه عنه الناس فقال : شاورني عمر رضي اللَّه عنه في أمهات الأولاد ، فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن ، فقضى به عمر حياته ، وعثمان حياته ، فلما وليت رأيت أن أرقهن . قال عبيدة : فرأي علي وعمر رضي اللَّه عنهما في الجماعة ، أحب إلينا من رأي علي وحده . وهذا دليل الإجماع .
وحكى حماعة عن أحمد رواية أخرى : يجوز بيعهن مع الكراهة ، أخذاً من قول أحمد في رواية ابنه صالح وسأله : إلى أي شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد ؟ قال : أكرهه ، وقد باع علي بن أبي طالب . وفي رواية ابن منصور وقال : لا يعجبني بيعهن .
3928 لما روى أبو الزبير عن جابر رضي اللَّه عنه أنه سمعه يقول : كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي فينا حي ، لا يرى بذلك بأساً . رواه أحمد وابن ماجه .
3929 وعن عطاء عن جابر رضي اللَّه عنه قال : بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول اللَّه وأبي بكر ، فلما كان عمر رضي اللَّه عنه نهانا فانتهينا ، رواه أبو داود ، وإنما كره ذلك أحمد للاختلاف فيه ، كما أشعر به كلامه ، ولا ريب أن المذهب هو الأول ، وقد امتنع أبو محمد من حكاية ما تقدم رواية ، وقال : إن السلف يطلقون الكراهة على التحريم . وقال إن قول جابر ليس بصريح في أن ذلك كان بعلم النبي ولا بعلم أبي بكر ، بل وقع ذلك من فعلهم على انفرادهم ، توفيقاً بين الأدلة ، وإذاً لا حجة فيه ، وأجاب غيره بأنه كان مباحاً ثم نهي عنه ، ولم يظهر النهي لمن باعها ، ولا علم أبو بكر رضي اللَّه عنه بمن باع لقصر مدته ، واشتغاله بأهم أمور الدين ، ثم ظهر ذلك زمن عمر رضي اللَّه عنه ، فأظهر النهي والمنع اعتماداً على النهي ، لامتناع النسخ بعد وفاة رسول اللَّه . اانتهى . وتقدم الإشعار بأن حكم الهبة والرهن ونحو ذلك حكم البيع ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا أصاب الأمة وهي في ملك غيره بنكاح فحملت منه ثم ملكها حاملاً عتق الجنين ، وكان له أن يبيعها .
ش : ( أما عتق الجنين ) فلأنه من ذي رحمه المحرم ، فيدخل في قوله عليه السلام : ( من ملك ذا رحم محرم فهو حر ) الحديث ، والخرقي صور المسألة في النكاح ، وكذلك حكم وطء الشبهة ، نظراً للحقو النسب ، بخلاف الزنا فإن النسب لا يلحق به ، فلا يعتق الولد على المذهب المنصوص ، ( وأما كون له بيعها ) فمبني على أن من شروط صيرورة الأمة أم ولد أن تحمل في ملكه ، وهذا إحدى الروايات ، نص عليه أحمد في رواية ابن منصور ، وبه قطع القاضي في الجامع ، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما ، وابن عقيل في التذكرة ، والشيرازي وغيرهم ، واختاره أبو محمد ، لما تقدم من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما : ( من وطىء أمته فولدت له ) وهذا لم يطأ أمته ، فلم يدخل في الحديث ، ولأن الأصل الرق ، خولف فيما إذا حملت منه في ملكه ، فيبقى فيما عداه على الأصل ( والرواية الثانية : لا يشترط ذلك ، بل متى وطئها ثم ملكها ولو بعد وضعها صارت أم ولد حكاها ابن أبي موس ، لأنه يصدق عليها إذاً أنها أم ولدله ، وهو مالك لها ، فأشبهت التي حملت في ملكه ، قال أبو محمد : ولم أجد ذلك عن أحمد فيما إذا ملكها بعد ولادتها ، إنما نقل عنه منها التوقف ، فقال : لا أقول فيها شيئاً ( والرواية الثالثة ) إن ملكها حاملاً [ صارت أم ولد ، وإلا فلا ، اعتباراً بأن الإيلاد في الملك ( والرواية الرابعة ) إن ملكها حاملاً ووطئها ، وكان الوطء يزيد في الولد ] صارت أم ولد ، وإلا فلا ، نقلها صالح .
3930 لأنه مروي عن عمر رضي اللَّه عنه أنه قال : أبعد ما اختلطت دماؤكم ودماؤهن ، ولحومكم ولحومهن بعتموهن . فعلل بالمخالطة ، والمخالطة هنا حاصلة ، إذ الماء يزيد في الولد ، وهذه اختيار القاضي على ما حكاه عنه أبو محمد ، وابن حامد ، إلا أن ابن حامد جعل الزيادة بأن يطأها في ابتداء الحمل أو توسطه ، والقاضي قيد ذلك بأن يطأها قبل تمام خمسة أشهر .
( تنبيه ) قد تقدم أنه هل من شرط صيرورة الأمة أم ولد أن تحمل في ملكه أم لا ؟ وهذا يدخل فيه ولو وطئها بزنا ، صرح به أبو الخطاب في الهداية ، وابن حمدان ، وأبو محمد في الكافي ، وكلامه في المغني يقتضي نفي الخلاف من هذه الصورة ، لأنه جعل ذلك أصلاف ، وقاس عليه المنع ، وكذلك قاس عليه الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا علقت منه في ملكه ، ثم وضعت منه ما تبين فيه بعض خلق الإنسان كانت له بذلك أم ولد .
ش : أي وإذا علقت الأمة منه ، وهذا يعطي أنه يشترط في صيرورة الأمة أم ولد شروط ثلاثة أحدها أن تعلق بحر ، لأنه الذي حكم له النبي بحريتها به ، وقال في أم إبراهيم عليه السلام : ( أعتقها ولدها ) ونحو ذلك ، ويخرج من ذلك ما إذا علقت أمته بمملوك [ وذلك في موضعين ( أحدهما ) العبد إذا ملكه السيد أمة ، وقلنا يملك ، فإن ولده مملوك ] ولا يثبت لأمه حكم المستولدات ( الثاني ) المكاتب إذا استولد أمته فإن الولد يتبعه ، فيصير حكمه حكمه كما تقدم ، وهل تتبعه الأمة ، فتصير أم ولد إن أدى أم لا ؟ فيه وجهان تقدما . ( الشرط الثاني ) أن يكون العلوق وهي في ملكه ، فيخرج منه ما إذا علقت منه وليست في ملكه ، وقد تقدم هذا الشرط قبل ، فلا حاجة إلى إعادته ، وقد يورد عليه الأمة المشتركة إذا أولدها الشريك ، إذ مقتضى كلامه هنا كون جميعها في ملكه ، لكن قد تقدم هذا له فلا يرد عليه ، وقد يورد عليه أيضاً الوالد إذا وطىء أمة ولده فحملت منه ، فإن الملك ينتقل له إذاً وتصير أم ولد ، فحال العلوق لم تكن مملوكة له ، وقد يقال : إن بالعلوق تبينا الملك سابقاً قبله ، ويدخل في عموم كلام الشيخ كل مملوكة له ، إن حرم وطؤها ، كالمكاتبة غير المشترط وطئها ، وقد تقدم له ذلك ، وكالمجوسية والوثنية ، والمحرمة لرضاع ، أو حيض ، أو ظهار ، ونحو ذلك ، كالمزوجة ، صرح بدلك أبو محمد هنا ، لكن اختلف كلامه في أنه هل يلحقه نسب الولد ؟ فقطع في النكاح بعدم لحوق النكاح بعدم لحوق النسب له ، وهو منصوص أحمد في رواية حرب ومحمد بن حرب ، ومقتضى كلام أبي محمد هنا لحوق النسب له ، لأنه حكم بحرية الولد ، وهو الذي قاله القاضي في المجرد ، معتمداً على ما إذا وطىء أحد الشريكين الجارية المشتركة ، وإذاً يمنع صيرورتها أم ولد ، لانتفاء لحوق النسب ، كما تقدم في المزني بها إذا ملكها بعد ( الشرط الثالث ) أن تضع ما يبين فيه بعض خلق الإنسان ، كأن تضع رأساً أو رجلاً أو أصبعاً أو تخطيطاً له ، أو بطريق الأولى إذا وضعت إنساناً ، لأن بذلك يعلم أنه ولد ، فيتحقق صيرورتها أم ولد .
3931 وقد ورى أبو القاسم البغوي عن علي بن الجعد ، عن سفيان ، عن أبيه عن عكرمة ، عن عمر رضي اللَّه عنهم قال : أم الولد أعتقها ولدها ، وإن كان سقطاً ، فيه إرسال ، وروي عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر رضي اللَّه عهنم ، وروي عن ابن عباس مرفوعاً .
3932 وكذلك روى الأثرم عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما : أعتقها ولدها وإن كان سقطاً . وكلام الخرقي يشمل وإن كان ميتاً ، وهو كذلك لما تقدم ، ويشمل ما إذا وضعت جسماً لا تخطيط فيه ، فشهدت القوابل أن فيه صورة حقيقة ، وهو كذلك ، لأنه قد تبين فيه خلق الإنسان بشهادتهن ، ويخرج منه ما إذا وضعت مضغة لا تخطيط فيها لا ظاهراً ولا بالبينة ، وله حالتان ( إحداهما ) ولم يعلم كونه مبتدأ خلق آدمي ، فلا تصير به أم ولد ، اعتماداً على الأصل ( الثانية ) علم أن مبتدأ خلق آدمي ، بشهادة القوابل أو غير ذلك ، ففيه روايتان ( إحداهما ) وهي ظاهر كلام الخرقي وجماعة لا تصير بذلك أم ولد ؛ قال في رواية جماعة : تعتق الأمة إذا تبين وجهه أو يده ، أو شيء من خلق الإنسان ، لأن ذلك يسمى ولداً ، وعتقها مشروط بصيرورتها أم ولد ( والثانية ) تصير بذلك أم ولد ، لأنه مبدأ خلق آدمي ، أشبه ما لو تبين ، ونقل حنبل عن أحمد : إذا أسقطت أم الولد فإن كان خلقه بائناً عتقت ، وانقضت به العدة ، إذا دخل في الخلق الرابع ، بنفخ الروح ، فظاهر هذا أنه يشترط مع التبيين تمام أربعة أشهر ، ولا نزاع أنها إذا ألقت نطفة لا تصير بها أم ولد ، وكذلك عند جماعة إذا ألقت علقة ؛ حتى إن أبا البركات وأبا محمد في الكافي قطعا بذلك ، ونص أحمد في رواية مهنا ، ويوسف ين موسى أنها تصير بها أم ولد ، قال : إذا ألقت مضغة أو علقة تعتق ، وإن لم تتم أربعة أشهر ، بعد أن يرى خلقه ، ويعلم أنه ولد ( تنبيه ) قول أحمد رحمه اللَّه ، تعتق الأمة إذا تبين وجهه . مجاز باعتبار ما يؤول إليه ، وهو كقوله عليه السلام في أم إبراهيم : ( أعتقها ولدها ) أي أنه كان السبب في عتقها ، إذ لا نعلم أحداً قال يتنجز العتق فيها في الحمل ، واللَّه أعلم .
قال : فإذا مات فقد صارت حرة وإن لم يملك غيرها .
ش : أما صيرورتها حرة بموت سيدها فلما تقدم من قوله عليه السلام : ( من وطىء أمته فلودت له فهي معتقة عن دبر منه ) وقوله عليه السلام في أم إبراهيم : ( أعتقها ولدها ) ونحو ذلك ، وأما عتقها من رأس المال فلظاهر ما تقدم ، وهذا كله إن لم يجز بيعها على المذهب ، إما إن جاز بيعها فقطع أبو محمد بأنها لا تعتق بموته ، وظاهر إطلاق غيره يقتضي العتق ، ولهذا قدمه ابن حمدان ، قال : وقيل إن جاز له بيعها لم تعتق عليه بموته ، وكلام الخرقي يشمل وإن كانت كافرة فاجرة ، أو كان السيد كذلك ، وهو كذلك ، نظراً للعموم السابق ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا صارت الأمة أم ولد بما ذكرنا ، ثم ولدت من غيره ، كان له حكمها في العتق بموت سيدها .
ش : نص أحمد على ذلك ، اقتداء بالصحابة رضي اللَّه عنهم
3933 فقال : قال ابن عمر وابن عباس رضي اللَّه عنهما وغيرهما : ولدها بمنزلتها . وكلام الخرقي يشمل وإن ماتت الأم ، وهو كذلك ، لأن سبب الحرية قد انعقد ، وهو سبب بنفس العتق ، فكما لا يرتفع العتق بعد وقوعه ، كذلك سببه وأورد على هذا المكاتبة يتبعها ولدها في الكتابة ، فإذا بطلت الكتابة في الأم بطلت في الولد ، وأجيب بأن سبب العتق فيها إما الأداء في العقد ، أو وجود الصفة ، وببطلان الكتابة يتعذر كل واحد منهما ، والسبب في أم الولد موت سيدها ، ولا يتعذر ذلك بموتها ، ويورد على هذا الفرق المعلق عتقها بصفة ، فإن موت الأم ونحوه لا يتعذر معه وجود الصفة ، ومع هذا لا يعتق الولد .
وقول الخرقي : ثم ولدت ، يخرج منه ما ولدته قبل الاستيلاد ، وهو كذلك ، لأنه لا يتبع في العتق المنجز ، ففيما هو سبب له أولى ، ويتخرج رواية بالتبعية من الرواية الضعيفة في ولد المدبرة .
قال : وإذا أسلمت أم ولد النصراني منع من وطئها والتلذذ بها .
ش : حذاراً من أن يطأ مشرك مسلمة ، وإنه ممنوع بلا ريب ، قال سبحانه : [ ب 2 ] 19 ( { فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ) [ ب 1 ] .
ومقتضى كلام الخرقي أن ملكه يقر عليها والحال هذه ، وهو المذهب المختار لأبي بكر ، والقاضي ، وأبي الخطاب والشريف ، الشيرازي وأبي محمد وغيرهم ، لأن عتقها مجاناً فيه إضرار بالسيد ، وبالسعاية فيه إضرار بها ، لإلزامها الكسب بغير رضاها ، والضرر منفي شرعاً ، ونقل الملك فيها ممتنع لما تقدم ( وعن أحمد ) رواية أخرى قال القاضي : نقلها مهنا تستسعى في قيمتها ثم تعتق ، لأن بيعها وعتقها مجاناً منتفيان لما تقدم ، وكذلك إقرار الملك عليها ، لما فيه من إقرار ملك الكافر على المسلم ، فسلك بها طريقة وسطى ، وهي الاستسعاء ، وحكى في الكافي ( رواية ثالثة ) أنها تعتق بإسلامها من غير استسعاء ، وقال : نقلها مهنا . ولا أعلم له سلفاً في ذلك ، على أن أبا بكر لم يثبت الثانية ، فقال : أظن أن أبا عبد اللَّه أطلق ذلك لمهنا على سبيل المناظرة للوقت .
ومقتضى كلامه أيضاً أنه يصح إيلاد الذمي ، وهو كذلك ، بل والحربي ، كما يصح عتقهم ، ومن ثم قال المجد : إذا أسلمت أم ولد الكافر .
( تنبيه ) الخرقي رحمه اللَّه منع من الوطء ونحوه ، وظاهره أنه إن أمكن ذلك من غير إحالة بينهما لا يحال بينهما ، وقال الشيخان وغيرهما : يحال بينه وبينها ، واللَّه أعلم .
قال : وأجبر على نفقتها .
ش : لأنه مالك لها ، ونفقة المملوك على سيده ، وهذا هو المذهب المعروف ، والمنصوص من الروايتين ( والثانية ) لا تجب عليه نفقتها ، قال في رواية الميموني سئل : من أين تنفق ؟ قال : من أين كانت تنفق لو مات عنها . وبنى أبو البركات هذه الرواية على القول بوجوب الاستسعاء وهو حسن ، وتبعه على ذلك ابن حمدان ، ثم إن القاضي جعل وجوب النفقة على السيد منوطاً بما إذا لم يكن لها سكب ، أما إن كان لها كسب فإن النفقة تجب فيه ، حذاراً منأن يبقى له عليها ولاية بأخذ كسبها ، وتبعه على ذلك جماعة من الأصحاب ، وعلى هذا إن فضل منه شيء فهو للسيد ، واختار أبو محمد في مغنيه أن نفقتها على سيدها ، وكسبها له ، يصنع به ما شاء ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، وكلام أحمد في رواية ابن منصور ، قال : يمنع من غشيانها ، ونفقتها عليه ، واللَّه أعلم .
قال : فإن أسلم حلت له .
ش : لزوال المانع من الحل وهو الكفر واللَّه أعلم .
قال : وإن مات قبل ذلك عتقت .
ش : إذا مات قبل الإسلام عتقت ، لأنها أم ولد ، وشأن أم الولد العتق بموت سيدها لما تقدم ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا عتقت أم الولد بموت سيدها فما كان في يدها من شيء فهو لورثة سيدها .
ش : لأن أم الولد كما تقدم حكمها حكم الإماء ، إلا ما استثني ، فما في يدها من كسب أو غيره فهو لسيدها ، فإذا مات وعتقت انتقل ما في يدها لورثة سيدها ، كما في يد المدبرة ، واللَّه أعلم .
قال : وإذا أوصى لها بما في يدها كان لها إذا احتمله الثلث .
3934 ش : لما روى الإمام أحمد وسعيد ، عن هشيم : حدثنا حميد ، عن الحسن ، أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أوصى لأمهات أولاده بأربعة ألاف درهم ، ولأنها في حال نفوذ الوصية لها حرة ، وهو المعتبر مع أن أبا محمد قال : لا نعلم فيه خلافاً ، وقوله : إذا احتمله الثلث ، مبني على ما تقدم ، من أن الوصايا كلها تعتبر من الثلث ، فإن لم يحتمله وقف الزائد على إجازة الورثة كما تقدم .
قال : وإذا ما عن أم ولده فعدتها حيضة .
ش : قد تقدمت هذه المسألة في العدد ، فلا حاجة إلى إعادتها ، والخرقي سمى ذلك عدة ، وغيره يقول استبراء ، ولا نزاع في المعنى ، إذ هما يشتركان في منع النكاح بدونهما ، ومعرفة براءة الرحم بهما .
قال : وإذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو بدونها .
ش : إذا جنت أم الولد وجب على سيدها فداؤها ، لأنها مملوكة له ، يملك كسبها لم يسلمها ، فلزمه أرش جنايتها كالقن ، وفي ما يفديها به روايتان ( إحداهما ) وهي المذهب هو الأقل من قيمتها أو دونها ، إن كان ذلك قد أرش جنايتها ، لأن الأقل إن كان القيمة فالمجني عليه لا يستحق أكثر منها ، لأن حقه متعلق بالرقبة ، والقيمة بدل عنها ، وإن كان الأرش فهو لا يستحق أكثر منه ، لأن الإنسان لا يستحق أكثر مما جني عليه ( والثانية ) يفديها بأرش الجناية بالغة ما بلغت ، لمنعه من تسليمها بسبب من جهته ، وقول الخرقي : فداها . [ فيه ] إشعار بأن جنايتها تتعلق برقبتها ، وهو كذلك ، كالأمة القن ، ومن ثلم لو ماتت قبل فدائها سقط الفداء ، لتلف متعلقه اعتبرت قيمتها يوم الفداء ، وتجب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد .
قال : فإن عادت وجنت فداها وليها كما وصفت .
ش : إذا عادت أم الولد فجنت لزم سيدها فداؤها أيضاً ، على المشهور من الروايتين ، والمختار لعامة الأصحاب ، القاضي وأصحابه ، وأبي محمد وأبي بكر ، حتى قال : ولو ألف مرة . وذلك لأنها أم ولد جانية ، فلزمه فداؤها كالأول ، وإذاً يفديها كما فداها أولاً ، وهو الأقل من قيمتها أو دونها على المذهب ، وعلى الرواية الضعيفة بالأرش كله ( والرواية الثانية ) لا يلزمه فداؤها بعد أن فداها أولاف ، ويتعلق بذلك بذمتها ، تتبع به إذا عتقت ، حذاراً من إضرار السيد بتكرار الفداء عليه ، مع منعه من بيعها ، ولأنها جانية ، فلم يلزم السيد أكثر من قيمتها كما لو لم يكن فداها ، وعلى هذه قال ابن حمدان قلت : يرجع الثاني على الأول بما يخصه ، مما أخذه ، وهذا مذهب الشافعي ثم إن أبا الخطاب في هدايته ، وأبا محمد في مقنعه وكافيه ، وأبا البركات أطلقوا هذه الرواية ، وقيدها القاضي في روايتيه ، وأبو محمد في مغنيه ، حاكياً له عن أبي الخطاب ، وابن حمدان في رعايتيه ، بما إذا فداها أولاً بقيمتها ، ومقتضى هذا أنه لو فداها أولاً بأقل من قميتها ، لزمه فداؤها بما بقي من القيمة بلا خلاف .
( تنبيه ) لو لم يفدها أولا حتى جنت ثانياً تعلق الجميع برقبتها ، ولم يكن على السيد في الكل إلا الأقل من قيمتها أو أرشها ، يشترك المجني عليهم فيه ، واللَّه أعلم .
قال : ووصية الرجل لأم ولده جائزة ، وله تزويجها وإن كرهت .
ش : هذا أفاد مسألتين ( إحداهما ) أن لسيد أم الولد تزويجها ( والثانية ) أن له إجبارها ، وذلك لأنها أمة كما تقدم ، يملك الاستمتاع بها واستخدامها ، فملك ذلك ، كالأمة القن .
3935 مع أن أحمد رحمه اللَّه نقل ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي اللَّه عنهم ، ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ، وهذه المسألة داخلة في عموم قوله : أحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء ، وإنما نص على ذلك لخلاف العلماء في ذلك ، إن منهم من منع مطلقاً ، ومنهم من أجازه ومنع الإجبار ، وكلا القولين للشافعي رحمه اللَّه . و اللَّه أعلم .
قال : ولا حد على من قذفها .
3936 ش : هذا منصوص أحمد قال : ابن عمر رضي اللَّه عنهما يقول : عليه الحد ، وأنا لا أجترىء على ذلك ، إنما هي أمة ، أحكامه أحكام الإماء ، وقد أشار أحمد في النص إلى التعليل ، وهو أن حكمها حكم الإماء ، فكذلك في القذف ، بل أولى ، لأن الحد يحتاط لإسقاطه ، ويدرأ بالشبهة ، وهذا هو المذهب عند الأصحاب ( وعن أحمد ) رواية أخرى : عليه الحد ، نقلها أبو طالب ، فقال : إذا كان لها ابن يحد ، إنما أراد ابنها ، واحتج بحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما ، وهذه الرواية أيضاً معللة من أحمد ، ثم إن كثيراً من الأصحاب يطلق هذه الرواية ، وظاهرها أنها مقيدة بما إذا كان لها ولد ، وهو ظاهر كلام القاضي في التعليق ، قال بعد أن حكاها : فأوجب الحد لا لأجلها ، لكن لأجل ما يقدح في نسب ولدها ، وعلى هذا ينتفي الخلاف إذا لم يكن لها ولد ، فيكون المذهب رواية واحدة أنه لا يحد قاذفها ، ويكون ملح الخلاف فيما إذا كان لها ابن حر ، واشترط حرية الابن ، وإن لم يكن في نص أحمد ، لكنه معلوم قطعاً ، إذ صيرورتها أم ولد مشترط بذلك كما تقدم . وينبغي إجراء الروايتين فيما إذا كان لها زوج حر ، وكذلك ينبغي إجراؤها في الأمة القن ، والحال ما تقدم ، ونظير ذلك لو قذف أمة أو ذمية لها ابن أو زوج مسلمان ، فهل يحد ؟ وعلى الروايتين ، ذكرهما أبو البركات ، وغيره ، وينبغي أن يقيد الابن والزوج بأن يكونا حرين واللَّه أعلم .
قال : وإن صلت أم الولد مكشوفة الرأس كره لها ذلك وأجزأها .
ش : قد تقدم ذلك في الصلاة ، فلا حاجة إلى إعادته ، إلا أنه ثم قال : يستحب أن تغطي رأسها . ونص هنا على أن تركها المستحب يكون مكروهاً ، فقد يؤخذ من كلامه أنه حيث نص على الاستحباب يكون تاركه فاعلاً لمكروه ، وإن لم يكن في كلامه ما يخالف ذلك ، واللَّه أعلم .
قال : وإن قتلت أم الولد لسيدها فعليها قيمة نفسها واللَّه أعلم .
ش : لأن الجناية وجدت منها وهي مملوكة ، وجناية المملوك لا يجب فيها أكثر من قيمته ، ولم تستقر وهي حرة ، وإنما وجد الاستقرار والحرية وفي حال واحدة ، فلم يتقدم شرط وجوب دية حر وهو حريتها ، وقد أطلق الخرقي والقاضي وجماعة من أصحابه ، وأبو محمد في كتبه ، أن عليها قيمة نفسها ، وقال أبو الخطاب في كتابيه ، وأبو البركات ، وابن حمدان : عليها الأقل من قيمتها أو أرش جنايتها ، ولعل إطلاق الأولين محمول على الغالب ، إذ الغالب أن قيمة الأمة لا تزيد على دية الحر ، وقد حكى ابن المنجا عن أبي محمد في المغني أنه قال فيه : يجب أن يقال الواجب الأقل . ولم أر ذلك في المغني الذي بأيدينا ، وهذا كله فيما إذا اختار الولي المال ، أو كانت الجناية خطأ ، أما إن كانت عمداً واختار الولي القصاص فله ذلك ، لأن سيدها أكفى منها بلا ريب ، نعم يستثنى من ذلك ما إذا كان ولدها موجوداً ، فإنه إن كان الوارث وحده فلا قصاص ، لانتفاء وجوب القصاص للابن على والده ، وكذلك إن كان معه غيره ، لأنه يرث بعض الدم ، وإذاً يسقط القصاص لعدم تبعيضه ، هذا هو المذهب ، وقد توقف أحمد عن هذه المسألة في رواية مهنا ، ونقل عنه في موضع آخر أنه يقتلها أولاده من غيرها .
ومقتضى كلام الخرقي أنها تعتق والحال ما تقدم ، وهو كذلك ، لأن المقتضي لعتقها زوال ملك سيدها بالموت ، وقد زال ، فإن قيل : ينبغي أن لا تعتق ، كما منع القاتل الميراث ، لاستعجالها ما أجل لها ؟ قيل : إذا لم تعتق يلزم نقل الملك فيها ، وإنه ممتنع ، وفيه نظر ، لأن الاستيلاد كما هو سبب للعتق بعد الموت ، كذلك النسب سبب للإرث ، فكما جاز تخلف الإرث مع قيام السبب بالنص ، فكذلك ينبغي أن يتخلف العتق مع قيام سببه ، لأنه مثله ، وقد قيل في وجه الفرق أن الحق وهو الحرية لغيرها ، فلا تسقط بفعلها ، بخلاف الإرث فإنه تمحض حقها ، وأورد عليه المدبرة ، يبطل تدبيرها إذا قتلت سيدها ، وإن كان الحق لغيرها ، وأجيب بضعف السبب في المدبرة ، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور ، وله الحمد والمنة على ما أنعم به من خزائن فضله التي لا نفاذ لها ولا يطلب لها أجور ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الخلق محمد الذي شريعته باقية على ممر الدهور ، وعلى آله وصحابته نجوم الهدى ولهم النصيب الأعلى من الأجور ، كلما ذكره الذاكرون ، وسهى عنه الغافلون ورضي اللَّه عن كل الصحابة أجمعين وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل .