كتاب : شرح الزركشي على مختصر الخرقي
المؤلف : شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي
في النفل فكذلك موقفه ( ولا فرق ) أيضاً بين صلاة الجنازة وغيرها ، واستثنى ابن عقيل صلاة الجنازة إذا كانوا خمسة ، نظراً لتحصيل ثلاثة صفوف ، ومراد الخرقي بهذه المسألة إذا صلى جميع الصلاة خلف الصف [ أما لو أحرم خلف الصف ] ثم دخل في الصف ، فتأتي المسألة إن شاء الله تعالى .
وأما كون من صلى بجنب الإِمام عن يساره يعيد الصلاة .
738 فلما روى جابر بن عبد الله قال : قام النبي يصلي المغرب ، فجئت فقمت عن يساره ، فنهاني فجعلني عن يمينه ، ثم جاء صاحب لي فصففنا خلفه . رواه أحمد وغيره ، والنهي دليل الفساد .
739 وثبت أن ابن عباس رضي الله عنهما لما قام عن يسار النبي [ يصلي ] أخذ برأسه فجعله عن يمينه . وهو بيان لمجمل { أقيموا الصلاة } ونحوه فيحمل على الوجوب ، لا سيما وقد لزم منه مشياً وعملًا لغيره حاجة ، ومثل هذا [ لا ] يرتكب لمخالفة فضيلة . ( وعن بعض ) الأصحاب صحة الصلاة ، استدلالًا بقصة ابن عباس ، فإن النبي لم يبطل تحريمته ، وأجيب بأنه لم يكن ركع ، ومثل ذلك يعفى عنه ، كما في إحرام الفذ ، ولأبي محمد احتمال بأنه تجوز الصلاة عن يساره إذا كان وراءه صف ، اعتماداً على [ أن ] النبي وقف في مرضه عن يسار أبي بكر ، وكان أبو بكر [ وهو ] الإِمام وأجيب بالمنع ، بل كان رسول الله هو الإِمام .
ومراد الخرقي إذا لم يكن عن يمين الإِمام أحد ، أما إن كان عن يمينه أحد فتصح الصلاة على يساره بلا نزاع .
740 لما روى عن علقمة والأسود أنهما استأذنا على ابن مسعود قال الأسود : 16 ( وقد كنا أطلنا القعود على بابه ، فخرجت الجارية فاستأذنت لهما ، ثم قام فصلى بيني وبينه ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله : فعل ) . رواه أبو داود وغيره والله أعلم .
قال : وإذا صلى إمام الحي جالساً صلى من وراءه جلوساً ، فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً .
ش : أما إذا ابتدأ إمام الحي [ الصلاة ] جالساً يعني لمرض به فإن من وراءه يصلون جلوساً .
741 لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : صلى رسول الله في بيته وهو شاك ، فصلى جالساً ، وصلى وراءه قوم قياماً ، فأشار إليهم أن اجلسوا ، فلما انصرف قال : ( إنما جعل الإِمام ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً ) متفق عليه .
742 وروى نحو ذلك جابر ، وأنس ، وأبو هريرة رضي الله عنهم ، وأحاديثهم في الصحيح . وصورة المسألة أن يكون الإِمام إمام الحي كما ذكر الخرقي ، وأن يكون المرض مرجو الزوال ، لأن النبي كان [ هو ] إمام الحي ، وكان مرضه مرجو الزوال ، أما لو لم يكن كذلك فإنه لا تصح إمامته عندنا بالقادر على القيام على المذهب ، كما لو كان [ عاجزاً ] عن الركوع والسجود فإنه لا تصح إمامته بقادر عليه ( وعن أحمد ) أن إمامته تصح وإن لم يكن إمام حي ، أو كان آيساً من زوال مرضه ، لكن والحال هذه يصلون وراءه قياماً .
وظاهر كلام الخرقي أن جلوس المأمومين والحال ما تقدم على سبيل الوجوب ، فلو صلوا قياماً لم تصح صلاتهم ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، قال ابن الزاغوني : واختارها أكثر المشايخ ، لأمر النبي بالجلوس ، فإذا قام فقد خالف الأمر ، بل وارتكب النهي .
743 فإن في مسلم وغيره [ عن جابر رضي الله عنه ] قال : اشتكى رسول الله ، فصلينا وراءه وهو قاعد ، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره ، فالتفت إلينا فرآنا قياماً ، فأشار إلينا فقعدنا ، فصلينا بصلاته قعوداً ، فلما سلم قال : ( إن كدتم آنفاً تفعلون فعل فارس والروم ، يقومون على ملوكهم وهو قعود ، فلا تفعلوا ، ائتموا بأئمتكم ، إن صلى قائماً فصلوا قياماً ، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً ) .
( والرواية الثانية ) : أن الجلوس على سبيل الرخصة ، فلو أتوا بالعزيمة ، وصلوا قياماً صحت صلاتهم ، اختارها عمر بن بدر المغازلي ، وهو الذي أورده أبو الخطاب مذهباً ، وصححه أبو البركات ، وجزم به القاضي في التعليق فيما أظن ، لأن النبي [ ] لم يأمر من صلى خلفه وهو قائم بالاستئناف .
744 ففي البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صرع من فرسه ، فجحش شقه أو كتفه ، فأتاه أصحابه يعودونه ، فصلى بهم جالساً وهم قيام ، فلما سلم قال : ( إنما جعل الإِمام ليؤتم به ، فإن صلى قائماً فصلوا قياماً ، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً ) ولأن سقوط القيام عن إمامهم رخصة [ له ] فليكن عنهم مثله ، وحكى أبو محمد احتمالًا بالصحة مع الجهل [ دون العلم ] .
وأما إذا ابتدأ [ بهم ] الصلاة قائماً ثم اعتل فإنهم يصلون وراءه قياماً .
745 لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما ثقل رسول الله ، قال : ( مروا أبا بكر أن يصلي بالناس ) فلما دخل في الصلاة وجد النبي في نفسه خفة ، فقام يهادى بين رجلين ، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر ، فأومأ إليه ، فجاء فجلس عن يسار أبي بكر ، فكان أبو بكر يصلي قائماً ، ورسول الله [ ] يصلي جالساً ، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله [ ] ، والناس بصلاة أبي بكر . فلما ابتدؤا الصلاة قياماً وراء إمام قائم أتموا قياماً ، بخلاف ما تقدم ، فإن النبي ابتدأ بهم الصلاة جالساً ، فلذلك أمرهم بالجلوس ، فالنصان وردا على حالين مختلفين ، فيستعملان على ما وردا عليه .
ونظير ذلك لو افتتح مسافر الصلاة خلف مسافر ، فإنه يقصر ، ولو افتتحها خلف مقيم ثم استخلف المقيم مسافراً لم يدخل معه ، فدخل في الصلاة بنية القصر ، فإنه لا يجوز للمأموم القصر وإن جاز لإِمامه ، حيث افتتحها خلف مقيم ، وهذا أولى من دعوى النسخ ، لأنه خلاف الأصل ، ويعضد ذلك ويعينه أن الصحابة فعلت ما قلناه من صلاتهم جلوساً خلف إمام جالس حيث ابتدأ بهم [ الصلاة ] كذلك .
746 قال أحمد و إسحاق : فعل ذلك أربعة من الصحابة . والأربعة أبو هريرة ، وجابر ، وأسيد بن حضير ، وقيس بن فهد ، وفعلهم ذلك يدل على ثبوت الحكم ، لا سيما وفيهم [ اثنان ] من رواة الحديث .
( فائدة ) قال أبو البركات : لا تختلف الرواية عن أحمد أن النبي لما خرج من مرض موته بعد دخول أبي بكر في الصلاة أنه صار إماماً لأبي بكر ، وأبو بكر بقي على إمامته لجماعة المسلمين [ والله أعلم ] .
قال : ومن أدرك الإِمام راكعاً فركع دون الصف ، ثم مشى حتى دخل في الصف ، وهو لا يعلم بقول النبي لأبي بكرة ( زادك الله حرصاً ولا تعد ) قيل له : لا تعد . وقد أجزأته صلاته [ فإن عاد بعد النهي لم تجزئه صلاته ] .
ش : إذا أدرك الإِمام راكعاً ، فخشي إن دخل مع الإِمام في الصف أن تفوته الركعة ، فركع دونه ، أو لم يجد فرجة في الصف فأحرم دونه ونحو ذلك ، ثم دخل في الصف قبل رفع الإِمام من الركوع ، أو وقف معه آخر ، فإن صلاته تصح على المنصوص المشهور ، المجزوم به .
747 لما يروى عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : أتيت رسول الله من آخر الليل فصليت خلفه ، فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه . رواه أحمد . ولحديث أبي بكرة فإنه أحرم خلف رسول الله فذاد ، ولم يأمره بالإِعادة .
748 [ وكان ابن مسعود إذا أعجل ] يدب إلى الصف راكعاً ، وزيد ابن ثابت مثله ، أخرجه مالك في الموطأ ، وعن ابن الزبير أنه قال : ذلك من السنة . ولإِدراكه في الصف ما تدرك به الركعة ، وحصوله فذا في القيام لا أثر له ، بدليل إحرام الإِمام وحده ، أو المأموم الواحد خلفه ، ومن عادة الجماعة التلاحق .
وظاهر كلام الخرقي أنه متى أخذ في الركوع فذا وهو عالم بالنهي أن صلاته لا تصح ، لظاهر حديث أبي بكرة الآتي إن شاء الله تعالى ، وحكى ذلك أبو البركات في محرره رواية ، وهو ظاهر نقل أبي حفص ولم يذكر أبو البركات في شرحه بذلك نصاً ، وإنما حكى الظاهر من كلام الخرقي ، وأما أبو محمد فصرف كلام الخرقي عن ظاهره ، وحمله على ما بعد الركوع ، ليوافق المنصوص ، وجمهور الأصحاب .
وإن لم يدخل مع الإِمام في الصف حتى رفع من الركوع ففيه ثلاث روايات ( إحداها ) يصح مطلقاً ، لأنه [ زمن ] يسير ، فعفي عن الفذوذية فيه [ كما قبل الركوع ] .
749 وروى سعيد في سننه عن زيد بن ثابت أنه كان يركع قبل أن يدخل في الصف [ ثم ] يمشي راكعاً ويعتد بها ، وصل إلى الصف أو لم يصل . ( والثانية ) : إن علم بالنهي عن ذلك لم يصح .
750 لما روى أبو بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله راكع ، قال : فركعت دون الصف ومشيت إلى الصف ، فلما قضى رسول الله قال : ( أيكم الذي ركع دون الصف ، ثم مشى إلى الصف ؟ ) قلت : أنا . قال : ( زادك الله حرصاً ولا تعد ) رواه أحمد والبخاري والنسائي ، وأبو داود وهذا لفظه وهذا نهي فيقتضي الفساد ، لكن ترك في الجهل لمكان العذر ، ولذلك لم يأمره النبي بالإِعادة . ( والرواية الثالثة ) لا يصح مطلقاً ، نص عليه أحمد ، مفرقاً بينه وبين ما إذا أدرك الركوع في الصف ، واختارها أبو البركات ، لأنه [ لم يدرك ] في [ الصف ] ما يدرك به الركعة ، أشبه ما لو أدركه في السجود ، وحديث أبي بكرة واقعة عين ، والظاهر منها أنه أدرك الركوع مع النبي في الصف ، وقوله : [ له ] ( لا تعد ] نهى تنزيه عن العجلة ، كذا حمله أبو حفص ، وأبو البركات .
751 ويدل على ذلك ما روي عن ابن مسعود وزيد من فعل ذلك ، وقول ابن الزبير : إنه من السنة .
752 وروى البخاري في كتاب القراءة خلف الإِمام عن أبي بكرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى صلاة الصبح فسمع نفساً شديداً من خلفه أو بهراً . فلما قضى الصلاة قال لأبي بكرة : ( أنت صاحب النفس ؟ ) قال : نعم ، خشيت أن تفوتني ركعة معك ، فأسرعت المشي . فقال [ له ] : ( زادك الله حرصاً ولا تعد ، صل ما أدركت ، واقض ما سبقت ) قلت : وعلى هذا فالرواية ( ولا تعد ) بسكون العين ، وضم الدال ، من العدو ، وعلى الأولى الرواية ( ولا تعد ) بضم العين وسكون الدال ، من العدو ، ورأيت في بعض كتب الحنفية أظنه النسفي أن فيه رواية ثالثة ( ولا تعد ) بضم التاء وكسر العين وسكون الدال ، من الإِعادة ، أي لا تعد الصلاة انتهى .
وإن لم يدخل مع الإِمام في الصف حتى سجد لم تصح تلك الركعة بلا نزاع ، لكن [ هل ] يختص البطلان بها حتى أنه لو دخل في الصف بعد الركوع أو انضاف إليه آخر فإنه يصح له ما بلقي من صلاته ، ويقضي [ تلك ] الركعة ، أو لا تصح الصلاة رأساً ؟ فيه روايتان منصوصتان ، حكاهما أبو حقص ، واختار هو أنه يعيد ما صلى خلف الصف فقط ، لأنه صلى [ بعض ] الصلاة منفرداً فلم تبطل جميعها ، كالتكبيرة ، والركوع من غير سجود ، والمشهور بطلان جميع الصلاة ، لأن القياس البطلان مطلقاً ، كالمتقدم في الصف وإنما عفي عن التحريمة ونحوها لقصة أبي بكرة .
وقد تبين لك بهذا أن صور المسألة أربع ( إحداها ) إذا أحرم فذا ثم زالت فذوذيته قبل الركوع ، فإن الصلاة تصح بلا نزاع . ( الثانية ) : زالت بعد الركوع ، فكذلك على المعروف ، خلافاً لظاهر قول الخرقي . ( والثالثة ) : زالت بعد الرفع ، ففيها الخلاف المشهور . ( والرابعة ) : زالت بعد السجود ، لم تصح تلك الركعة ، وفي البقية الخلاف السابق .
هذا كله إذا [ كان ] قد فعل ذلك لغرض كما تقدم ، أما إن فعله لغير غرض ، كما إذا أدرك الإِمام في أول الصلاة ، ووجد فرجة ونحو ذلك ، وركع فذا ، فإن تحريمته لا تنعقد على المختار من الوجهين لأبي الخطاب والشيخين ، لأنه بمثابة من أحرم قدام الإِمام [ ثم صافه ] ، وإنما ترك هذا حال الفرض نظراً للنص . ( والثاني ) : تنعقد ، لأنه حصل فذا في زمن يسير ، فأشبه ما لو فعله لغرض ، وقيل : تنعقد صلاته وتصح إن زالت فذوذيته قبل الركوع [ وإلا فلا ] .
753 لما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي : ( إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف ) ذكره الطحاوي ، وابن عبد البر ، وذكره إمامنا عن أبي هريرة موقوفاً ، والله أعلم .
قال : وسترة الإِمام سترة لمن خلفه .
ش : قال الترمذي : قال العلماء : سترة الإِمام سترة لمن خلفه ، ومعنى ذلك أن المأمومين لا يستحب لهم اتخاذ سترة مع سترة الإِمام ، ومتى مر بينهم وبين الإِمام ما يقطع الصلاة لم تبطل صلاتهم ، ولو مر بين يدي الإمام بطلت صلاة الكل .
754 وذلك لأنه : [ كان ] يصلي إلى العنزة ، والبعير وغيرهما مما جاء في الأخبار ، ولم يأمر من يصلي خلفه باتخاذ سترة ، ولما أرادت البهمة أن تمر بين يديه دارأها حتى مرت من خلفه ، أمام أصحابه
755 وكذلك [ مر ] 16 ( ابن عباس رضي الله عنه بين يدي بعض الصف بالأتان ، فل يعب عليه ) . وفي كلام الخرقي [ رحمه الله ] إشارة إلى مطلوبية السترة ، ولا إشكال في ذلك .
756 لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إذا صلى أحدكم ، فليجعل تلقاء وجهه شيئاً ، فإن لم يجد فلينصب عصا ، فإن لم يجد فليخط خطا ، ثم لا يضره ما مر أمامه ) رواه أبو داود ، وأحمد وصححه هو وابن المديني .
757 وعن سبرة الجهني قال : قال رسول الله : ( إذا صلى أحدكم فليستتر لصلاته ولو بسهم ) رواه أحمد .
758 وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله كان يعرض راحلته ، ويصلي إليها . وقدر السترة مثل مؤخرة الرحل .
759 قالت عائشة رضي الله عنها : إن النبي سئل في غزوة تبوك عن سترة المصلي ، فقال : ( كمؤخرة الرحل ) رواه مسلم . فإن لم يجد فعصا أو خطا كما في الحديث ، وصفة الخط مثل الهلال نص عليه ، والعصا ينصبها ، فإن لم يمكنه ألقاها عرضاً لا طولا ، نص عليه ، والله أعلم .
قال : ومن مر بين يدي المصلي فليردده .
760 ش : لما روى ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله : ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه ، [ فإن أبى فليقاتله ، فإن معه القرين ) رواه أحمد ومسلم .
761 ولمسلم أيضاً وغيره عن أبي سعيد ، أن رسول الله قال : ( إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه ] ، وليدرأه ما استطاع ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان ) ويرد المار وإن لم يكن آدمياً ، و ( من ) يتناول ما لا يعقل بالتغليب .
762 وذلك لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، أن النبي صلى إلى جدار ، فجاءت بهيمة تمر بين يديه ، فما زال يداريها حتى ألصق بطنه بالجدار ، ومرت من ورائه ، أو كما قال مسدد ؛ [ مختصر ] رواه أبو داود .
وظاهر كلام الخرقي أنه يرد من مر بين يديه وإن لم يكن سترة ، وهو كذلك ، لما تقدم من حديث ابن عمر ، وأبي سعيد ، وقوله : ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يمر من بين يديه فليدفعه ) بعض أفراد ما تقم فلا يقتضي التخصيص .
وقد أشعر كلام الخرقي بأنه ليس لأحد أن يمر بين يدي المصلي ، ولا إشكال في ذلك مع نصب سترة ، فليس لأحد أن يمر دونها ، ويعضي بذلك .
763 لما روى أبو جهيم قال : قال رسول الله : ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه ) سقال أبو النضر : لا أدري قال : أربعين يوماً ، أو شهراً ، أو سنة . وفي مسند البزار ( أربعين خريفاً ) .
764 [ قال الترمذي ] : وقد روي عن النبي ( لأن يقف أحدكم مائة عام خير له [ من ] من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي ) وهذا اللفظ لأحمد ، وابن ماجه من حديث أبي هريرة [ والذي قاله أبو البركات أنه يعصي إدا مر دون السترة وجه ] [ ومع عدم السترة ] هو أهو ، فيكره ، كذا قال أبو البركات ولا يختص ذلك بمحل السجود ، بل وبما قرب منه ، وفي قدر القريب وجهان ( أحدهما ) تحديده بما لو مشى إليه لدفع مار ، أو فتح باب ، ونحو ذلك لم تبطل صلاته ، لأن النبي أمر بدفع المار مطلقاً ، خرج منه بالإِجماع بعيد ، تبطل الصلاة بالمشي إليه ، فيبقى ما عداه على الظاهر ، وهو اختيار أبي محمد . ( والثاني ) : أنه محدود بثلاثة أذرع ، وهو الأقوى عند أبي البركات ، نظراً إلى أن ذلك منتهى المسنون في وضع السترة والله أعلم .
قال : ولا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم [ والله أعلم ] .
ش : سهذا [ إحدى ] الروايتين عن أحمد ، وأشهرها على ما قال أبو محمد .
765 لما روى عبد الله بن الصامت قال : سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول : [ سمعت ] رسول الله يقول : ( إذا صلى الرجل وليس بين يديه كآخرة الرحل ، قطع صلاته الكلب الأسود ، والحمار ، والمرأة ) فقلت لأبي ذر : ما بال الكلب الأسود ، من الأحمر ، من الأبيض ، فقال : يابن أخي سألتني عما سألت عنه رسول الله فقال : ( الكلب الأسود شيطان ) رواه الجماعة إلا البخاري .
766 وعن أبي هريرة أن النبي : ( يقطع الصلاة المرأة ، والكلب ، والحمار ، ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل ) رواه مسلم .
767 وعن عبد الله بن مغفل مثله ، رواه أحمد ، وابن ماجه ، وهذا نص في القطع بالثلاث ترك [ العمل به ] في المرأة والحمار .
768 لأن عائشة رضي الله عنها لما قيل لها ذلك قالت : 16 ( بئس ما عدلتمونا بالكلاب والحمر ، ولقد رأيتني معه مضطجعة على سرير ، فيجيء رسول الله فيتوسط السرير فيصلي . ) وفي لفظ : كان يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة اعتراض الجنازة .
769 وعن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : 6 ( أقبلت راكباً على حمار أتان ، ورسول الله يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار ، فمررت بين يدي بعض الصف ، [ فنزلت ] وأرسلت الآتان ترتع ، فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك عليّ أحد . )
متفق عليهما . وهذان يعارضان ما روى [ من ] القطع بالمرأة والحمار ، فيجب التوقف فيهما . أما القطع بالكلب فلا معارض له ، فيجب العمل به .
770 وما روى الفضل بن عباس قال : زار النبي عباساً في بادية لنا ، ولنا كليبة وحمارة ، فصلى رسول الله [ العصر ] وهما بين يديه ، فلم يؤخرا ولم يزجرا . روغه أحمد ، والنسائي . ليس فيه بيان الكليبة ما هي ، فيحمل على أنها لم تكن سوداء ، جمعاً بين الأحاديث .
والرواية لثانية وهي اختيار أبي البركات يقطع الكلب ، والمرأة ، والحمار لما تقدم أولًا ، إذ كون المرأة والحمار يقطعان لا بد فيه من إضمار ، والمرور فيه مضمر بيقين ، فلا إَراد علينا ، إذ الأصل عدم الإِضمار ، وإذا ثبت أن المرور فيه مضمر ، فعائشة [ رضي الله عنها ] لم تمر بين يدي النبي ، إنما كانت لابثة ، فالحديث لم يتناولها .
771 يؤيد هذا أن النبي أمر بدفع المار ، ولو كان حيواناً ، وجوز جعل البعير ، وظهر الرجل سترة ، وأقر [ عائشة رضي الله عنها ] على اضطجاعها أمامه ، فبان بهذا أن المرور مفارق للبث ، وحديث ابن عباس فيه أنه مر بين يدي بعض الصف ، ولم يذكر أنه مر بين يدي الإِمام .
772 وما روى عن أبي سعيد قال : قال رسول الله : ( لا يقطع الصلاة شيء ، وادرؤا ما استطعتم ، فإنما هو شيطان ) رواه أبو داود ، وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو ضعيف ، ثم لو ثبت فهو عام فيخص بما تقدم .
وقول الخرقي : الأسود البهيم . ليس في الحديث ذكر البهيم ، لكن النبي علل القطع بكونه شيطاناً .
733 وقد قال : ( لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها [ كل ] أسود بهيم ، فإنه شيطان ) فبين أن الشيطان منها هو الأسو البهيم ، فعلم أنه المراد في نص القطع ، والبهيم هو الذي لا يخالط سواده شيء من البياض ، في إحدى الروايتين ، حتى لو كان بين عينيه بياض فليس ببهيم ، كذا قال ثعلب . ( والرواية الأخرى ) وهي الصحيحة عند أبي البركات أنه بهيم وإن كان بين عينيه بياض .
774 لما روى جابر [ رضي الله عنه ] قال : أمرنا النبي بقتل الكلاب ، ثم نهى عن قتلها ، وقال : ( عليكم بالأسود البهيم ، ذي الطفيتين ، فإنه شيطان ) مختصر رواه مسلم والطفية خوص المقل ، شبه الخطين الأبيضين منه بالخوصتين . ولو كان البياض في غير هذا الموضع فليس ببهيم رواية واحدة ، اعتماداً على قول أهل اللغة ، من غير تعارض .
وكلام الخرقي يشمل الفرض والنفل ، وهو المشهور والمعمول به ، وعنه [ ما يدل على ] أن النفل لا يبطل بذلك ، اعتماداً على حديث عائشة [ رضي الله عنها ] [ فإنه ورد فيه ، وحملا لأحاديث القطع على الفرض ، ومن قال بالأول أخذ بالعموم ] وقال : حديث عائشة لا يعارض ذلك لما تقدم ، وقول : [ الخرقي ] لا بد فيه أيضاً من إضمار المرور كما تقدم في الحديث ، وقد يحمل على إطلاقه ، وقد اختلف عن أحمد فيما يقطع الصلاة مروره ، هل يقطع إذا كان واقفاً ؟ ( فعنه ) : يقطع ، لعموم الحديث ، نظراً إلى أن المضمر له عموم ، ولأن عائشة [ رضي الله عنها ] فهمت التسوية بينهما ، وإلا لم تعارض ذلك باضطجاعها بين يديه وعلى هذا فقضية عاشة كانت خاصة بالنبي ، أو واردة على الإِباحة الأصلية ، وحديث أبي ذر ونحوه ناقل . ( وعنه ) لا يقطع . تفرقة بين للبث والمرور ، كما فرق بينهما بالدفع كما تقدم ، وقد تبين لك أن لأحمد رحمه الله في الجمع بين الأحاديث ثلاث طرق فتارة جمع بالفرق بين الفرض والنفل ، وتارة بالفرق بين اللابث والجالس ، [ وتارة بدعوى التخصيص بالنبي ، والله سبحانه وتعالى أعلم ] .
باب صلاة المسافر
ش : فعل الرباعية في السفر ركعتين في الجملة أمر مجمع عليه ، لا نزاع فيه ، حتى أن من العلماء من يوجبه ، ومستند الإِجماع قول الله تعالى : 19 ( { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ، إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ) الآية ، وما تواتر من الأخبار أن رسول الله كان يقصر حاجاً ، ومعتمراً ، وغازياً ، وكذلك أصحابه من بعده .
775 وقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : صحبت رسول الله ، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ري الله عنهم كذلك ، متفق عليه . ( فإن قيل ) : فظاهر الآية الكريمة التقييد بالخوف من الكفار ؟ ( قيل ) : قد قال أبو العباس رحمه الله : إن القصر قصران ، قصر مطلق ، وقصر مقيد ، فالمطلق ما اجتمع فيه قصر الأفعال ، وقصر العدد ، كصلاة الخوف ، حيث كان مسافراً ، فإنه يجتمع فيه القصران ، قصر العدد ، وقصر العمل ، فإنه يرتكب فيها أمور لا تجوز في صلاة الأمن ، والآية وردت على هذا ، وما عدا هذا فهو قصر مقيد ، كالمسافر فقط ، يقصر العدد ، والخائف فقط ، يقصر العمل ، وهذا توجيه حسن في الآية الكريمة .
776 لكن يرد عليه ما روى عن يعلى بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : 19 ( { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ، إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ) فقد أمن الناس ؟ فقال : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله عن ذلك ، فقال : ( صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته ) رواه الجماعة إلا البخاري . فظاهر ما فهمه عمر ويعلى تقييد قصر العدد بالخوف ، والنبي أقرهما على ذلك ، وبين لهما أن جواز القصر من غير شرط الخوف صدقة من الله عليهم ، والله أعلم .
قال : وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً ، ثمانية وأربعين ميلًا بالهاشمي ، فله القصر إذا جاوز بيوت قريته ، إذا كان سفر واجباً ، أو مباحاً .
ش : إنما يجوز القصر بشروط . ( أحدها ) أن يقصد سفراً تبلغ مدته ستة عشر فرسخاً ، بلا خلاف نعلمه عن إمامنا ، وهو اختيار عامة أصحابنا .
777 لما روى ابن خزيمة في مختصر المختصر عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي قال : ( يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد ، من مكة إلى عسفان ) .
778 ونقله أحمد عن ابن عباس ، وابن عمر قولفا وفعلًا ، وعليه اعتمد ، وقال أبو محمد : الحجة مع أن من أباح القصر لكل مسافر ، إلا أن ينعقد الإِجماع على خلافه ، نظراً لظاهر الآية الكريمة .
779 ولقول النبي : ( إن الله وضع عن المسافر الصوم ، وشطر الصلاة ) رواه أحمد .
780 وسئل أنس رضي الله عنه عن قصر الصلاة ، فقال : 16 ( كان النبي إذا خرج ثلاثة أميال ، أو ثلاثة فراسخ شعبة الشاك صلى ركعتين ) . رواه مسلم . وأقوال الصحابة قد اختلفت في ذلك .
781 فعن ابن مسعود ما يدل على أنه لا يقصر إلا إذا قصد مسيرة ثلاثة أيام .
782 وعن علي رضي الله عنه أنه 16 ( خرج من قصره بالكوفة ، حتى أتى النخيلة ، فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ، ثم رجع من يومه ، وقال : أردت أن أعلمكم سنتكم ) . رواه سعيد .
783 وقال ابن المنذر : ثبت 16 ( أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقصر الصلاة إذا خرج إلى أرض اشتراها من بني لجينة ) ، وهي ثلاثون ميلًا .
784 قال : وكان الأوزاعي يقول : كان أنس بن مالك يقصر الصلاة فيما بينه وبين خمسة فراسخ .
785 وقال الخطابي : روي عن ابن عمر أنه قال : 16 ( إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر ) وإذا اختلفت الصحابة وجب الرجوع إلى ظاهر الكتاب والسنة اه والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل اثنى عشر ألف قدم ، وتعتبر المسافة في سفر البحر بالفراسخ المعتبرة في سفر البر ، والمعتبر بنية المسافة المقدرة ، لا تحقيقها ، فلو نواها ثم بدا له في أثنائها مضى ما صلاه ، وفي العود هو كالمستأنف للسفر .
وقول الخرقي ) : وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً . ظاهره أنه لا بد من تحقق ذلك ، فلو سافر لبلد وشك هل مسافته المسافة المعتبرة لم يقصر ، [ لعدم الجزم بالنية ، ولو خرج لطلب آبق ونحوه ، على أنه متى وجده رجع لم يقصر ] على مقتضى قول الخرقي ، ونص عليه أحمد ، لعدم نيته مسافة القصر ، وقال ابن عقيل : إذا بلغ مسافة القصر قصر ، وكذلك لو سمع به في بلد بعيد ، ونوى أنه إن وجده دونه رجع ، لعدم الجزم بالنية ، ولو قصد البلد البعيد ، ثم نوى في أثناء السفر أنه متى ما وجده رجع ، قصر في قياس المذهب ، قاله أبو البركات ، لانعقاد سبب الرخصة ، وقد يتخرج الإِتمام ، بناء على ما إذا انتقل من سفر مباح إلى محرم .
ودخل في كلام الخرقي من لا تلزمه الصلاة ممن له قصد صحيح ، كالكافر ، والحائض ، والصبي المميز ، إذا قصد المسافة المعتبرة ، ثم وجبت عليه الصلاة في أثناء السفر ، فإنه يقصر وإن لم يبق من السفر المسافة المعتبرة . ( الشرط الثاني ) أن يجاوز بيوت قريته ، لقول الله تعالى : 19 ( { وإذا ضربتم في الأرض } ) الآية ، ومن لم يفارق البيوت لم يضرب في الأرض ، وحكم خيام قومه حكم بيوت قريته .
ومقتضى قول الخرقي أنه يقصر إذا فارق البيوت ، وإن كان بين المقابر والبساتين ، وهو كذلك .
وقوله : بيوت قريته . يحتمل أن مراده المعدة للسكنى ، فعلى هذا لو خرب بعض البلد ، وحيطانه قائمة ، جاز له القصر فيه ، وهو أحد الوجهين ، كما لو صار فضاء ، ويحتمل أن مراده مطلقاً ، فلا يقر ، وهو اختيار القاضي ، اعتباراً بما كان . ( الشرط الثالث ) : أن يكون سفره واجباً ، كالحج ، والجهاد ، ونحوهما ، أو مباحاً ، كالتجارة ، وزيارة صديق ، ونحو ذلك ، لعموم 19 ( { وإذا ضربتم في الأرض } ) ولما تقدم من قوله : ( إن الله وضع عن المسافر الصوم ، وشطر الصلاة ) .
786 وعن عمر رضي الله عنه قال : صلاة المسافر ركعتان ، تمام من غير قصر ، على لسان محمد . رواه أحمد ، والنسائي .
787 وعن النخعي قال : أتى رسول الله رجل فقال : إني أريد البحرين في تجارة ، فكيف تأمرني في الصلاة ؟ فقال : ( صل ركعتين ) رواه سعيد ، ( والظاهر ) أن مراد الخرقي بالمباح الجائر ، فيدخل فيه سفر النزهة والفرجة ، لعموم ما تقدم ، وعن أحمد رواية [ أخرى ] لا يقصر في هذا ، لأنه مجرد لهو ، لا مصلحة فيه . ( وخرج ) من كلامه سفر المعصية ، كالآبق ، وقاطع الطريق ، والتاجر في الخمر ، ونحو ذلك ، فإنهم لا يقصرون ، إذ الرخص شرعت تخفيفاً وإعانة على المقصد ، فشرعها في سفر المعصية إعانة عليه وأنه لا يجوز ، قال سبحانه وتعالى : 19 ( { وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان } ) ولأنه إذا لم يبح له أكل الميتة والحال هذه ، مع كونه مضطراً ، فلأن لا تخفف [ عنه ] بعض العبادة أولى ، ودليل الأصل قول الله تعالى : 19 ( { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } ) .
788 قال ابن عباس رضي الله عنهما ( غير باغ ) على المسلمين ، مخيفاً لسبيلهم ، ( ولا عاد ) بالسيف عليهم شاقاً لهم .
وقول الخرقي : إذا كان سفره واجباً . يحتمل ابتداءه ، فلو قصد سفراً مباحاً ، ثم صار محرماً قصر ، وهو أحد الوجهين ، كمن وجدت منه معصية في سفره ، ويحتمل أن مراده جميع سفره ، فلا يقصر والحال ما تقدم ، وهو مختار أبي البركات ، وقال القاضي في تعليقه : إنه ظاهر كلام أحمد . إذ المعصية تناسب قطع التخفيف ، ولهذا لو نقل سفر المعصية إلى مباح ، وبقي من المدة مسافة القصر قصر ، [ والله أعلم ] .
قال : ومن لم ينو القصر في وقت دخوله إلى الصلاة لم يقصر .
ش : هذا المجزوم به عند ابن أبي موسى ، والمذهب عند القاضي ، والشيخين وغيرهما ، لأن القصر كما سيأتي رخصة ، فإذا لم ينوها لم يأخذ بها ، فيتعين الإِتمام لأنه الأصل ، وصار كالمنفرد ، لا يحتاج أن ينوي الإِنفراد لأنه الأصل ، والإِمامة والإِئتمام لما تضمنتا تغييرا عن الأصل افتقرتا إلى النية ، وقال أبو بكر : لا يحتاج القصر إلى نية ، فيقصر وإن نوى الإِتمام . قال أبو البركات : ووجه ذلك على أصلنا أنها رخصة ، خير فيها قبل الدخول في العبادة ، فكذلك بعده كالصوم ( قلت ) : وقد ينبني على ذلك هل الأصل في صلاة السافر الأربع ، وجوز له أن يترك ركعتين منها تخفيفاً عليه ، فإذا لم ينو القصر لزمه الأصل ، ووقعت الأربع فرضاً ، أو أن الأصل في حقه ركعتان ، وجوز له أن يزيد ركعتين تطوعاً ، فإذا لم ينو القصر فله فعل الأصل ، وهو الركعتان ؟ فيه روايتان ، المشهور منهما الأول ، والثاني أظنه اختيار أبي بكر ، وينبني على ذلك إذا ائتم به مقيم ، هل يصح بلا خلاف ، أو هو كالمفترض خلف المتنفل ، [ والله أعلم ] .
قال : والصبح والمغرب لا يقصران .
ش : إذ قصر الصبح يجحف بها ، وقصر المغرب ( يل وتريتها ، مع أن هذا إجماع [ والله أعلم ] .
قال : وللمسافر أن يتم ويقصر ، [ كما له أن يصوم ويفطر ] .
ش : لا خلاف عندنا فيما أعلمه أن للمسافر أن يتم ويقصر ، لظاهر قول الله تعالى : 19 ( { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ) ورفع الجناح [ ظاهره ] يقتضي الإسقاط والتخفيف ، دون الإيجاب .
789 وقوله سبحانه : 19 ( { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ) ورد على سبب ، وهو تحرجهم الطواف بهما .
890 وعن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت مع النبي في عمرة رمضان ، فأفطر وصمت ، وقصر وأتممت ، فقلت : بأبي وأمي أفطرت وصمت ، وقصرت وأتممت . قال : ( أحسنت يا عائشة ) .
79( وعنها ) أيضاً رضي الله عنها أن النبي كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم . رواهما الدارقطني ، وحسن إسناد الأول وصحح الثاني . ( وأيضاً ) ما تقدم من قوله : ( إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ) وقوله : ( تلك صدقة تصدق الله بها عليكم ) وهذا ظاهر في أن القصر رخصة لا عزيمة .
79( وقد ثبت ) أن عثمان رضي الله عنه أتم بمنى ، بمحضر من الصحابة وغيرهم ، وفي رواية لأبي داود أنه أتم لأن الأعراب كثروا عامئذ ، فصلى بالناس أربعاً ، ليعلمهم أن الصلاة أربع ، وثبت أن ابن مسعود وابن عمر صليا خلفه أربعاً ، وفي أبي داود أنه قيل لابن مسعود : عبت على عثمان ثم صليت أربعاً ؟ قال : الخلاف شر . وهذا يدل على جواز ذلك وإنكارهما على عثمان كان على ترك الفضيلة ، لأنهم كانوا ينكرون في السنن ، قال أبو البركات : ومن تأويل إتمام عثمان على أنه أجمع الإِقامة في الحج فقد أخطأ ، لأن عثمان مهاجري ، لا يحل له أن يقيم بمكة ، والمعروف عنه أنه كان لا يطوف للإِفاضة والوداع إلا وراحلته قد رحلت . انتهى .
793 وقد روى ابن عبد البر عن أنس رضي الله عنه قال : 16 ( كنا أصحاب رسول الله نسافر ، فيتم بعضنا ، ويقصر بعضنا ، ويصوم بعضنا ، ويفطر بعضنا ، ولا يعيب أحد على أحد ) . ( وقول ) عمر رضي الله عنه : 16 ( صلاة السفر ركعتان ، تمام غير قصر ) . أي في الأجر والثواب .
794 ( وقول ) عائشة رضي الله عنها : أول ما فرضت الصلاة ركعتان ، فأقرت صلاة السفر ، وزيد في صلاة الحضر . أي : أقرت في حكم الإِجتزاء بها ، لا في منع الزيادة ، بدليل ظاهر القرآن ، وما تقدم عنها عن غيرها من الإِتمام .
وأما الأصل الذي قاص عليه الخرقي فلا نزاع فيه أيضاً ، لما تقدم .
795 ولما في الصحيح أن النبي قال لحمزة بن عمرو الأسلمي : ( إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر ) .
796 وقول أنس رضي الله عنه في الصحيح : ( فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم ) [ والله أعلم ] .
قال : والقصر والفطر أعجب إلى أبي عبد الله رحمه الله .
ش : لما تقدم من قول النبي : ( صدق تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته ) وهذا أمر .
797 وعن [ ابن عمر رضي الله عنهما ، أن ] النبي قال : ( إن الله يحب أن تؤخذ رخصه ، كما يكره أن تؤتى معصيته ) رواه أحمد .
798 وقد قال : ( ليس من البر الصوم في السفر ) .
799 وقال : ( ذهب المفطرون اليوم بالأجر كله ) ولأن هذا هو الغالب على النبي وأصحابه ، ولهذا أنكره أكابر الصحابة على عثمان لما أتم مع أنه إنما أتم والله أعلم لمعنى كما تقدم .
800 قال ابن مسعود لما قال له عن إتمام عثمان : صليت مع رسول الله بمنى ركعتين ، بكم الطرق ، فيا ليت حظي من أربع [ ركعات ] ركعتان متقبلتان . متفق عليه [ والله أعلم ] .
قال : وإذا دخل وقت الظهر على مسافر وهو يريد أن يرتحل صلى الظهر وارتحل ، فإذا دخل وقت العصر صلاها ، وكذلك المغرب وعشاء الآخرة ، وإن كان سائراً فأحب أن يؤخر الأولى فيصليها في وقت الثانية فجائز .
ش : قوله : دخل وقت الظهر على مسافر . أي مسافر له القصر ، واعلم أن الصلوات التى تجمع هي الأربع التي مثل بها الخرقي ، الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء .
ثم الجمع على ضربين [ جمع ] تقديم ، وهو أن يقدم الثانية إلى وقت المغرب ، وكل منهما على ضربين ، تارة يكون نازلًا ، وتارة يكون سائراً ، فالصور أربعة والمشهور المعمول به في المذهب جواز جميعها ، وظاهر قول الخرقي اختصاص الجواز بصورة منها ، وهو جمع التأخير إذا كان سائراً ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله .
801 لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله : إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ، ثم نزل فجمع بينهما ، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ، وفي رواية : كان إذا عجل عليه السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر ، فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء .
80( وعن ) ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله يجمع بين صلاتي الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ، ويجمع بين المغرب والعشاء .
80( وعن ) ابن عمر رضي الله عنهما : رأيت رسول الله إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء . قال سالم : وكان عبد الله يفعله إذا أعجله السير . متفق عليهن . وظاهرها اختصاص الجميع بجمع التأخير ، وبحالة السير .
804 ووجه المذهب أنه يجوز في التقديم ، وفي حالل النزول ما روى معاذ رضي الله عنه ، أن النبي كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر ، يصليهما جميعاً ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب . رواه أبو داود ، والترمذي وقال : حسن غريب .
805 وروى أبو الزبير المكي ، عن أبي الطفيل ، أن معاذاً أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله في غزوة تبوك ، فكان رسول الله يجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فأخر الصلاة يوماً ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً . رواه أحمد وأبو داود ، وصححه ابن عبد البر . وقد اشتمل هذا الحديث على جواز [ جمع ] التقديم ، في المنزل .
806 وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله في السفر ؟ قالوا : بلى . قال : كان إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر [ قبل أن يركب ، وإذا لم تزغ سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر ] ، وإذا حانت له المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء ، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما . رواه أحمد فهذا يبين أن الرسول فعل الأمرين ، وإن كان فعله للأول أكثر وأغلب ، ولهذا كان منصوص أحمد رحمه الله ، والذي عليه أصحابه أن جمع التأخير أفضل .
واعلم أن للجمع في وقت الأولى شروط ، ( أحدها ) تقديم الأولى لتكون الثانية تابعة لها ، لأنها لم يدخل وقتها .
( الثاني ) : نية الجمع على الصحيح ، ليتميز التقديم المشروع على غيره ، ثم هل يكتفى بالنية عند الفراغ ، أو لا بد من وجودها عند الإِحرام ؟ فيه وجهان ، أصحهما الثاني .
( الثالث ) : أن يوالي بينهما اتباعاً لمورد النص ، فإن فرق تفريقاً كثيراً بطل الجمع ، ومرده العرف ، لأن الشرع لم يحده ، وقد قرب تحديده بالإِقامة والوضوء ، لأنهما من مصالح الصلاة ، فإن صلى سنة الصلاة بينهما ففي بطلان جمعه روايتان ، أصحهما البطلان ، ومحل الخلاف إذا لم يطل الصلاة ، فإن أطالها بطل الجمع رواية واحدة ، وكذلك لو أطال الوضوء ، كأن كان الماء على بعد منه . ( ويخرج ( لجمع السفر شرط رابع وهو بقاء السفر إلى أن يفرغ من الثانية . .
أما الجمع في وقت الثانية فيشترط له شرطان . ( أحدهما ) نية الجمع في وقت الأولى ، ما لم يضق الوقت عن فعلها ، لأنه إذا لم ينوها عصى ، لأنه لم يأت بالعزيمة في وقتها ولم يلتزم الرخصة ، لأن قبولها بالعزم ، فيكون إذاً مؤخراً ، ووقت النية ما لم يضق الوقت عن فعل الأولى ، لزوال فائدة الجمع ، إذ فائدته التخفيف بالمقاربة بينهما ، وهو حاصل هنا ، لأنه إذا فعل الأولى دخل وقت الثانية في الحال . ( الشرط الثاني ) الترتيب ، وشرطه الذكر ، كترتيب الفوائت ، لأن الصلاتين قد استقرتا في ذمته واجبتين ، فيسقط ترتيبهما بالنسيان كالفائتتين ، بخلاف الجمع بينهما في وقت الأولى ، فإن الترتيب لا يسقط بالنسيان ، وهل يسقط الترتيب هنا بضيق الوقت ، بأن لا يبقى من وقت الثانية ما لا يتسع إلا لواحدة ؟ أسقطه القاضي في المجرد ، ولم يسقطه في تعليقه ، وهو مختار أبي البركات ، وهل يشترط للجمع في وقت الثانية الموالاة ؟ على وجهين أصحهما : لا يشترط .
وقد أشعر كلام الخرقي بأن الجمع جائز ، وليس بمندوب إليه ، بخلاف القصر والفطر على ما تقدم ، وهو المنصوص والمختار للأصحاب ، خروجاً من الخلاف ، ولأن النبي لم يداوم عليه .
807 ولهذا خفي على بعض الأكابر كابن مسعود ، وعنه : الجمع أولى . نظراً للسهولة والتخفيف ، والله أعلم .
قال : وإذا نسي صلاة حضر ، فذكرها في السفر ، أو صلاة سفر ، فذكرها في الحضر ، صلى في الحالتين صلاة حضر .
ش : أما إذا نسي صلاة حضر ، فذكرها في سفر فصلاتها صلاة حضر بالإِجماع ، حكاه ، أحمد ، وابن المنذر ، واعتباراً بما استقر في ذمته ، وأما إذا نسي صلاة سفر ، فذكرها في الحضر ، صلاها صلاة حضر ، قال أحمد : احتياطاً . وذلك لأنه اجتمع ما يقتضي القصر والإِتمام ، فغلب جانب الإِتمام ، كما لو أقام المسافر ، ولأن القصر رخصة فبزوال سببها يعود إلى الأصل كالمريض .
وقد يفهم من كلام الخرقي بأنه إذا نسي صلاة سفر ، فذكرها في السفر أيضاً أنه يقصر ، وهو كذلك ، لشملو النصوص للمؤداة والفائتة ، نعم لو ذكرها في سفر آخر فوجهان ، أصحهما يقصر أيضاً ، والله أعلم .
قال : وإذا دخل مع مقيم وهو مسافر أتم .
ش : لعموم قوله : ( إنما جعل الإِمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه ) الحديث .
808 وعن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما : إذا دخل المسافر في صلاة المقيم صلى بصلاته . حكاه أحمد ، وابن المنذر ، ولا يعرف لهما مخالف .
809 وعن نافع ، أن ابن عمر رضي الله عنه كان يصلي وراء الإِمام أربعاً ، فإذا صلى بنفسه صلى ركعتين . رواه مالك في الموطأ ، وللصحيحين معناه .
وكلام الخرقي يشمل الإِدراك القليل ، حتى لو أدركه في التشهد أتم ، وهذا إحدى الروايتين وأصحهما لما تقدم ( والثانية ) : أنه إذا لم يدرك معه ركعة قصر ، جعلا له كالمنفرد ، حيث لم يدرك ما يعتد به ، كما في الجمعة ، فعلى هذا لو أدرك المسافر تشهد الجمعة قصر ، وعلى المذهب يتم ، نص عليه أحمد [ والله أعلم ] .
قال : وإذا صلى مسافر ومقيم خلف مسافر ، أتم المقيم إذا سلم إمامه .
ش : هذا إجماع من أهل العلم .
810 وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : غزوت مع رسول الله ، وشهدت معه الفتح ، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة ، لا يصلي إلا ركعتين ، ويقول : ( يا أهل البلد صلوا ركعتين فإنا سفر ) رواه أبو داود .
قال : وإذا نوى المسافر الإِقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم .
ش : هذه إحدى الروايات ، واختيار الخرقي ، وأبي بكر ، وأبي محمد .
811 لما احتج به أحمد من حديث جابر ، وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة ، فأقام بها الرابع ، والخامس ، والسادس ، والسابع ، وصلى الصبح في اليوم الثامن ، ثم خرج إلى منى ، وكان يقصر في هذه الأيام ، وقد أجمع على إقامتها .
81( وعن ) أنس رضي الله عنه : خرجنا مع رسول الله من المدينة إلى مكة ، فصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة ، قال : وأقمنا بها عشراً . متفق عليه ، قال أحمد : إنما وجه حديث أنس عندي أنه حسب مقام النبي بمكة ومنى ، وإلا فلا وجه له غير ذها ، وإذا حسبت هذه المدة كانت إحدى وعشرين صلاة ، فمن أقام مثل هذه الإِقامة قصر ، وإن زاد أتم ، لأن القياس الإِتمام في الحضر مطلقاً ، لأنه الأصل ، وقد زال بسبب الرخصة . ( والرواية الثانية ) إن نوى إقامة أكثر من عشرين صلاة أتم ، وإلا قصر ، اختارها القاضي في تعليقه ، لأن الذي تحقق أنه نواه هو إقامة أربعة أيام ، لأنه كان حاجاً ، والحاج لا يخرج من مكة قبل يوم التروية ، فثبت أنه نوى إقامة الرابع ، والخامس ، والسادس ، والسابع ، وأما أول الثامن فيحتمل أنه لم ينوه ابتداء ، فلا يعتبر مع الشك . ( والرواية الثالثة ) : إن نوى إقامة أربعة أيام أتم ، وإلا قصر .
813 لقوله : ( يقيم المهاجر بعد قضاي نسكه ثلاثاً ) وقد كان حرم على المهاجر المقام بمكة ، فلما رخص له في هذه المدة علم أنها ليست في حكم الإِقامة .
814 وما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : أقام النبي تسع عشرة يقصر الصلاة ، فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا ، وإن زدنا أتممنا . رواه البخاري وغيره . محمول على أنه لم ينو المقام ، قال أحمد : أقام النبي ثماني عشرة زمن الفتح ، لأنه أراد حنيناً ، ولم يكن ثم إجماع على المقام ، .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق بين أن ينوي الإِقامة ببلد مسلمين أو كفار ، وهو كذلك .
( تنبيه ) : يحتسب عندنا بيوم الدخول والخروج ، والله أعلم .
قال : وإن قال : اليوم أخرج ، أو غدا أخرج . قصر وإن أقام شهراً [ والله أعلم ] .
ش : لما تقدم في حديث عمران أن النبي أقام في الفتح ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين .
815 وعن جابر رضي الله عنه : 16 ( أقام النبي بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة ) . رواه أحمد ، وأبو داود .
816 وعن علي رضي الله عنه قال : 16 ( يقصر الذي يقول : أخرج اليوم ، أخرج غداً ) . شهراً .
817 وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه 16 ( أنه أقام في بعض قرى الشام أربعين يوماً يقصر الصلاة . رواهما سعيد ) . ولا فرق إذا لم ينو الإِقامة ، أو نواها مدة لا تمنع القصر بين أن يكون البلد منتهى قصده أو لم يكن ، على ظاهر كلام الخرقي ، وهو المنصوص ، واختبار الأكثرين ، لأن النبي قصر في حجه مدة إقامته بمكة ، وكانت منتهى قصده ، وكذلك خلفاؤه بعد رضي الله عنخم ، وقال بعض أصحابنا : إذا كان منتهى قصده لم يقصر حتى يخرج منه ، لانتهاء سفره . وهذا كله إذا كان البلد غير وطنه أما فيمنع القصر بمجرد دخوله إليه ، وكذلك إذا كانت له فيه زوجة ، أو تزوج فيه ، ونقل عنه ابن المنذر : أو مر ببلد ماشية كانت له فيه ، وعنه رواية أخرى يتم إلا أنه يكون ماراً ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
باب صلاة الجمعة
ش : الجمعة مثلثة الميم حكاه ابن سيده ، والأصل الضم ، واشتقاقها قيل : من اجتماع الناس للصلاة . قاله ابن دريد ، وقيل : بل لاجتماع الخليقة فيه وكمالها .
818 ويروى عن النبي أنها سميت بذلك لاجتماع آدم فيه مع حواء في الأرض .
819 وروى الدارقطني بإسناده عن سلمان الفارسي ، أن النبي قال : ( إنما سميت الجمعة لأن آدم جمع فيها خلقه ) .
820 ولأحمد في مسنده معناه من رواية أبي هريرة . وقيل : إن أول من سماه يوم الجمعة كعب بن لؤي ، واسمه القديم يوم العروبة ، قيل : سمي بذلك لأن العرب كانت تعظمه ، قال الله تعالى : 19 ( { عرباً أتراباً } ) .
والأصل في فرضية الجمعة قول الله تعالى : 19 ( { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ، وذروا البيع } ) الآية .
82( وعن ) أبي الجعد الضمري وكانت له صحبة أن النبي قال : ( من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه ) رواه الخمسة .
822 وفي الموطأ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال مالك : لا أدري أعن النبي أم لا نحوه .
82( وعن ) الحكم بن ميناء أن عبد الله بن عمر ، وأنا هريرة حدثاه أنهما سمعاً رسول الله يقول على منبره : ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين ) .
824 ( وعن ) صفوان بن سليم أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة ( لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي : ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم ) رواهما مسلم ، والنصوص في الباب كثيرة ، سيأتي منها إن شاء الله تعالى جملة [ والله أعلم ] .
قال : وإذا زالت الشمس يوم الجمعة صعد الإِمام على المنبر .
ش : لما كان المقصود بالذات هو بيان صفة الصلاة بدأ به الخرقي رحمه الله تعالى فقال : وإذا زالت الشمس ، والمراد بهذا على طريق الأولوية ، أما الجواز فسيأتي له أنه في السادسة أو الخامسة ، وإنما كان الأولى فعلها إذا زالت الشمس .
825 لما روى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ، قال : كنا نجمع مع رسول الله إذا زالت الشمس ، ثم نرجع نتتبع الفيء . متفق عليه ، وفي رواية : نصلي مع رسول الله ، ثم ننصرف وليس للحيطان يظل يستظل به .
826 وعن أنس رضي الله عنه أن النبي كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس ، رواه البخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، ولأن فيه خروجاً من الخلاف ، فإن الإِجماع على أن ما بعد الزوال وقت للجمعة .
وفي كلام الخرقي إشعار بأنها تفعل عقب الزوال صيفاً وشتاء ، وذلك لما تقدم .
827 وقد قال سهل بن سعد : كنا نصلي مع النبي ثم تكون القائلة ، وفي رواية : ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة . متفق عليه ، ولأن الجمعة لها الناس ، فلو انتظر لها الإِبراد شق عليهم .
وقول الخرقي : صعد الإِمام على المنبر . فيه استحباب المنبر ، ولا نزاع في ذلك .
828 وقد ثبت أن رسول الله اتخذ منبراً ، وخطب عليه ولذلك توارثته الأمة بعده ، ولأن ذلك أبلغ في الإِعلام ، وهو حكمة مشروعية المنبر .
829 قال أبي بن كعب : كان رسول الله يخطب إلى جذع إذ كان المسجد عريشاً ، وكان يخطب إلى ذلك الجذع ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله هل لك أن نجعل لك شيئاً تقوم عليه يوم الجمعة ، حتى يراك الناس ، وتسمعهم خطبتك ؟ قال : ( نعم ) فصنع له ثلاث درجات ، فلما صنع المنبر وضع في موضعه الذي وضعه فيه رسول الله ، فلما أراد أن يأتي المنبر مر عليه ، فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق ، فرجع رسول الله فمسحه بيده حتى سكن ، ثم رجع إلى المنبر . رواه أحمد .
قال : فإذا استقبل الناس سلم عليهم .
830 ش : لما روى عن جابر رضي الله عنه قال : كان النبي إذا صعد المنبر سلم . رواه ابن ماجه .
831 وعن أبي بكر ، وعمر ، وابن مسعود ، وابن الزبير كذلك ، رواه عنهم الأثرم ، وكذلك روى النجاد عن عثمان ، ولا نزاع فيما نعلمه أن يسلم عليهم إذا خرج عليهم كغيره .
وقول الخرقي : إذا استقبل [ الناس ] فيه إشارة إلى استحباب استقبال الخطيب : الناس ، وهو كالإِجماع قاله ابن المنذر ، وينحرف الناس إليه .
832 قال ابن مسعود : 16 ( كان رسول الله إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا ) . رواه الترمذي ، ومنصوص أحمد أن الاستقبال وقت الخطبة ، وقال أبو بكر في التنبيه : يستقبل إذا خرج . [ والله أعلم ] .
قال : وردوا عليه [ السلام ] .
ش : الرد عليه واجب كما في غيره ، ويجزيء رد البعض .
833 قال زيد بن أسلم : إن رسول الله قال : ( يسلم الراكب على الماشي ، وإذا سلم أحد من القوم أجزأ عنهم ) رواه مالك في الموطأ .
قال : وجلس .
ش : لما سيأتي إن شاء الله تعالى من حديث السائب .
قال : وأخذ المؤذنون في الأذان .
834 ش : لما روى السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإِمام على المنبر ، على عهد رسول الله ، وأبي بكر ، وعمر ، فلما كان في خلافة عثمان وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث ، فأذن به على الزوراء ، فثبت الأمر على ذلك . رواه البخاري ، وأبو داود ، والنسائي .
قال : وهذا الأذان الذي يمنع البيع ، ويلزم السعي ، إلا لمن منزله في بعد فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون فيه مدركاً للجمعة .
ش : الأذان للجمعة في الجملة يمنع البيع ، ويلزم السعي ، لقوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ، وذروا البيع } الآية . والمؤثر في ذلك هو الأذان الذي بين يدي الإِمام على المنبر ، لأنه هو الذي كان على عهد رسول الله ، فالآية وردت عليه ، فيتعلق الحكم به . ( وعن أحمد ) رواية أخرى أن المنع من البيع ولزوم السعي يتعلق بالأذان الأول ، الذي أحدثه عثمان رضي الله عنه ، لعموم الآية .
835 مع الأمر باتباع سنة خلفائه الراشدين من بعده ، رضي الله عنهم . ( وعنه ) رواية ثالثة أن المنع يتعقل بالزوال ، لأنه أمر منضبط ، لا يختلف ، بخلاف الأذان ، ولدخول وقت الوجوب ، قال أبو البركات : وقياس هذا وجوب السعي إذاً للتمكن ، والأول المذهب .
ووجوب السعي بالأذان في حق من منزله قريب ، يدرك بذلك ، أما من منزله بعيد فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون به مدركاً للجمعة ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب ، والجمعة واجبة ، ولا تتم إلا بالسعي إليها قبل النداء ، فيجب السعي إذ ذاك ، وهذا في السعي الواجب ، أما المسنون فمن طلوع الفجر عندنا .
836 لقوله : ( من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة ، فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإِمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ) متفق عليه ، ولمالك في الموطأ ( ثم راح في الساعة الأولى ) وذكر الساعات بالألف واللام ينصرف إلى المعهودات .
837 ولقوله : ( من غسل واغتسل يوم الجمعة ، وبكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنى من الإِمام ، واستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة عمل سنة ، أجر صيامها وقيامها ) رواه الخمسة . وما قيل : من أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال مؤول بأن المراد بالرواح القصد إليها ، كما يقال للخارج للحج حاج ، والله أعلم .
وقول الخرقي : وهذا الأذان الذي يمنع البيع [ أي ] في حق من تلزمه الجمعة ، لأنه هو المأمور بالسعي ، فلا يحرم على امرأة ، وعبد ، ونحوهما ، نعم يكره ذلك [ منهما ] في الأسواق ونحوها ، حذرا من الاستخفاف بحرمة الأذان ، ولما فيه من تغرير من لا علم عنده بذلك ، وحكى ابن أبي موسى رواية في بيع من لا تلزمه الجمعة من المقيمين أنه لا يصح ، والأول المذهب .
وقوله : يمنع البيع . أي يمنعه بالكلية ، فلا يصح ، نظراً لقاعدة النهي في اقتضائه الفساد ، وقيل : يصح مع التحريم .
وقد شمل كلام الخرقي جميع أنواع البيع ، من الصرف ، والسلم ، والتولية ، والإِقالة إن قيل : إنها بيع ، ونحو ذلك ، وكذلك الإِجارة ، قاله ابن عقيل ، وشمل بيع القليل والكثير ، وهو كذلك ، حتى شرب الماء ونحوه ، [ وقوله لشخص : أعتق عبدك عني . قاله ابن عقيل ] .
واستثني من كلام الخرقي إذا اضطر إلى البيع في ذلك الوقت ، لجوع ، أو عطش شديد ، يخاف منه الهلاك ، أو التضرر في نفسه تضررا يباح [ في ] مثله استعمال الأبدال ، فإنه يجوز له الشراء ، ويجوز لمالك البيع . وكذلك يستثنى شراء كفن ، وحنوط لميت يخشى عليه الفساد ، وكذلك شراء أبيه ليعتق [ عليه ] وشراء ما يستعين به على حضور الجمعة ، كشراء أعمى عبداً يأخذ بيده ، ونحو ذلك ، على احتمال فيهما ذكره ابن عقيل .
[ ومقتضى كلامه أنه لو جاء وقت النداء ولم يناد لعذر للإِمام ، أو لفتنة ، ونحو ذلك لم يمنع البيع ، وهو كذلك ، وأن النداء لغيرها من الصلوات لا يمنع . وهو أحد احتمالي ابن عقيل ، وظاهر كلام الأصحاب . والثاني : يمنع النداء لغيرها ، كما يمنع لها ، وينبغي أن يكون المراد بهذا النداء الإِقامة ] .
وخرج منه غير البيع ، من النكاح ونحوه ، وهو أصح [ الوجهين أو ] الروايتين ، وقيل : الصحيح العكس . وكذلك خرج فسخ العقد ، وإمضاؤه ، وهو كذلك ، ، إذ ليس ببيع [ قال ابن عقيل ، وقد يتخرج فيه ما يخرج في الرجعة في حق المحرم ، وأن فيها روايتين ، وأشار بأن الخيار [ قد ] يفضي إلى المنع من الجمعة ، كما أن الرجعة قد تفضي إلى النكاح ، ثم أشار أيضاً إلى أنا إذا جعلنا الرجعة كالعقد ، فأولى أن نجعل الارتجاع كالبيع ، لأن الرجعية ملكه ، بخلاف المبيع ، ثم قال : والصحيح الأول ] .
( تنبيه ) : لو وجد أحد شقي العقد قبل النداء ، والآخر بعده ، أو كان أحد العاقدين لا جمعة عليه ، لم يصح العقد ، لأن بعض المنهي ككله ، قاله صاحب التلخيص ، وابن عقيل ، وبالغ فقال : لو نودي بالصلاة بعد ما شرع في القبول لم يتمه ، وأورد أبو محمد المذهب أنه يحرم في حق من تلزمه الجمعة ، [ ويكره في حق غيره ، ولو كان للبلد جامعان يصح إقامة الجمعة ] فيهما ، فسبق النداء في أحدهما ، فهل يحرم البيع مطلقاً ، أو لا يحرم إلا إذا كان الجامع الذي نودي فيه من جنب داره ، أما لو كان من الجانب الذي داره ليس فيه فلا يحرم ؟ فيه احتمالان ، ذكرهما ابن عقيل ، والله سبحانه أعلم .
قال : فإذا فرغوا من الأذان خطبهم قائماً .
ش : لا إشكال في مشروعية الخطبة ، إذ ذاك مما استفاضت به السنة الصحيحة ، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن الخطبة شرط لصحة الجمعة ، لأن الله أمر بالسعي إلى ذلك بقوله : { فاسعوا إلى ذكر الله } والمراد به على ما قال المفسرون الخطبة ، وظاهر الأمر الوجوب ، والسعي الواجب لا يكون إلا إلى واجب ، ولأن النبي داوم على ذلك ، مع قوله : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .
838 ولأن الخطبتين بدل عن الركعتين ، كذا روي عن عمر ، وابنه ، وعائشة ، وغيرهم رضي الله عنهم .
وقول الخرقي : قائماً . ظاهره الوجوب ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد .
839 لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان النبي يخطب قائماً ، ثم يجلس ، ثم يقوم فيخطب قائماً ، فمن قال : إنه كان يخطب جالساً . فقد كذب ، فلقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة . رواه مسلم وغيره .
840 ودخل كعب بن عجرة ، وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعداً ، فقال : انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعداً ، قال الله تعالى : 19 ( { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائماً } ) رواه مسلم والنسائي ، وبهذا استدل أحمد رحمه الله . ( والرواية الثانية ) وهي المشهورة عند الأصحاب يجوز أن يخطب جالساً ، والقيام سنة ، لظاهر الآية الكريمة ، فإن الذكر قد أطلق ولم يقيد ، والمقصود حاصل بدونه ، وفعله يحمل على الفضيلة ، والله أعلم .
قال : فحمد الله [ عز وجل ] وأثنى عليه ، وصلى على النبي [ وقرأ شيئاً من القرآن ووعظ ] .
841 ش : أما الحمد والثناء على الله تعالى ، فلما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي قال : ( كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم ) رواه أبو داود .
842 وعن جابر بن عبد الله قال : كانت خطبة النبي يوم الجمعة يحمد الله ، ويثني عليه بما هو أهله . وذكر الحديث رواه مسلم ، ( وأما الصلاة على النبي ) فلأن الخطبة اشترط فيها ذكر الله تعالى ، فيشترط فيها ذكر رسوله كالأذان .
843 وعن أبي هريرة رضي الله عنه وذكر إسراء النبي ، وذكر فيه قوله الله تعالى : 19 ( { ورفعنا لك ذكرك } ) قال : ( فلا أذكر إلا ذكرت معي ، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي ) رواه الخلال في كتاب العلم ، وكتاب السنة .
844 ( وأما قراءة شيء من القرآن ) فلمت روى جابر بن سمرة قال : كان النبي يخطب قائماً ، ويجلس بين الخطبتين ، ويقرأ آيات ، ويذكّر الناس . رواه أحمد ومسلم .
قال : ثم جلس .
ش : [ لا إشكال ] في سنية هذا الجلوس بين الخطبتين ، اقتداء بفعل رسول الله ، كما تقدم في حديث جابر بن سمرة .
845 وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول الله يخطب خطبتين وهو قائم ، يفصل بينهما بجلوس ، ولا يجب على المذهب المشهور ، لحصول المقصود بدونه .
846 وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه لم يجلس بين الخطبتين . ذكره أحمد ، وابن المنذر .
847 وروى النجاد عن أبي إسحاق قال : رأيت علياً يخطب على المنبر ، فلم يجلس حتى فرغ ، والظاهر أنه قد حضرهما جماعة من الصحابة ، ولم ينقل إنكار ، وذهب أبو بكر النجاد من أصحابنا إلى وجوبه ، لمداومته على ذلك ، والله أعلم .
قال : وقام فأتى أيضاً بالحمد لله ، والثناء عليه ، والصلاة على النبي ، وقرأ ووعظ .
ش : قوله : قام . يعني يخطب خطبة ثانية ، ولا إشكال أن المذهب وجوب الثانية كالأولى ، لأن النبي كان يخطب خطبتين ، وفعله وقع بياناً لمجمل الذكر المأمور به في الآية الكريمة ، ولأن الخطبتين بدل الركعتين ، فليكونا واجبتين كهما . ( وقيل ) : عن أحمد ما يدل على أن الواجب خطبة واحدة ، ولا عمل عليه . ( ثم ) الثانية تشتمل على ما اشتملت عليه الأولى من الحمد ، والصلاة ، والقراءة ، لما تقدم ، وزاد الخرقي في الثانية الموعظة ، لحديث جابر بن سمرة : ويذكر الناس . ولأنه المقصود من الخطبة ، والمهتم به .
واعلم أن هذه الأربع من الحمد ، والصلاة ، والقراءة ، والموعظة ، أركان للخطبتين ، لا تصح واحدة من الخطبتين إلا بهن ، [ إلا أن القراءة لا تجب إلا في خطبة واحدة ، ومن الأصحاب من يشترط الإِتيان بلفظ الحمد ] ، وقد تقدمت الإِشارة إلى دليل ذلك ، ولأبي محمد احتمال بأنه لا يجب إلا الحمد والموعظة .
وظاهر كلام الخرقي أن الموعظة لا تجيء إلا في الثانية ، وفي المذهب قويل : أن القراءة لا تجب إلا في خطبة ، ومن الأصحاب من يعين الأولى .
لما روى عن الشعبي أنه قال : كان النبي إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس ، وقال : ( السلام عليكم ) ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ، ثم يقول : فيخطب ، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه . رواه الأثرم . وظاهره أن القراءة في الأولى ، والموعظة في الثانية ، والأول المذهب ( ولا يشترط ) الإِتيان بلفظ الوصية ، بل إذا قال : أطيعوا الله . ونحو ذلك أجزأه ، ولهذا قال الخرقي : ووعظ . ( ويتشرط ) الإِتيان بلفظ الصلاة على رسول الله عند العامة ، وعند أبي البركات ، يكتفي بنحو : وأن محمداً عبده ورسوله . فالواجب عنده ذكر الرسول الله ، لا لفظ الصلاة ، اعتماداً على ظاهر حديث أبي هريرة في { ورفعنا لك ذكرك } .
والواجب في القراءة قراءة آية على المشهور ، وعنه يكتفى بقراءة بعض آية ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، ونظر أبو البركات إلى المعنى ، فاكتفى ببعض آية يحصل المقصود ، نحو { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، ولتنظر نفس ما قدمت لغد } ولم يكتف بآية لا تحصله ، نحو { والعاديات ضبحا } و { ثم عبس وبسر } ولا يعبر عن القراءة بغيرها ك { الحمد لله رب العالمين } في الصلاة ، نعم من لا يحسنها ، ولم يوجد غيره ، فهل يبدلها بفضل ذكر ، كما في الصلاة ، وكما يأتي ببقية الأركان بلغته ، أو تسقط عنه القراءة رأساً ، لحصول معناها من بقية الأركان ؟ فيه احتمالان . ويبدأ بالحمد ، ثم بذكر الرسول ، ثم بالموعظة ، ثم بالقراءة ، فإن نكس فوجهان ( ويشترط ) للخطبتين أيضاً تقديمهما على الصلاة ، اقتداء بفعل رسول الله ، وحضور العدد المعتبر للجمعة ، لسماع أركانهما ، لأنهما بدل الركعتين ، فإن فات السماع لنوم ، أو ضجة ، أو غفلة لم يؤثر ، وإن فات لبعدهم عنه ، أو لخفض صوته أثر ، وكان كما لو خطب وحده ، وإن فات لصمم بهم وهم بقربه ، ووراءه من لا يسمعه للبعد ، ولا صمم به فوجهان ، ويشترط لهما أيضاً الوقت ، لأنهما كبعض الصلاة ، ويشترط أيضاً الموالاة في الخطبة ، وبين الخطبتين ، وبينهما وبين الصلاة ، على الأصح ، بأن لا يفرق بينهما تفريقاً فاحشاً .
وهل يشترط النطق للخطبة ؟ فيه قولان ، أصحهما نعم ، فلو كانوا كلهم خرساً صلوا ظهراً ، والثاني : لا . فيخطب أحدهم بالإِشارة . ( وهل ) يشترط أن يكون المستخلف ممن شهد الخطبة ؟ فيه روايتان أصحهما لا ؛ هذا إن كان العدد تاماً بدون المستخلف الذي لم يشهد الخطبة ، أما إن لم يتم إلا به فإن التجميع لا يجوز لهم بحال .
وهل يشترط لهما الطهارة ؟ أما الطهارة الصغرى فلا تشترط ، على ما جزم به الأكثرون ، القاضي ، والشريف ، وأبو الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، وأبو البركات وغيرهم ، وحكى أبو محمد رواية بالاشتراط ، وأخذها من قول أبي الخطاب في الهداية : ومن سننهما الطهارة ، وأن يتولاهما من يتولى الصلاة ، وعنه أن ذلك من شرائطهما ، فرجع بالإِشارة إلى المسألتين وأما أبو البركات فرجع بالإِشارة إلى الثانية ، وجعل الأولى محل وفاق ، وهذا أولى ، توفيقاً بين كلام الأصحاب ، إذ لم نر أحداً حكى الخلاف في ذلك إلا صاحب التلخيص ، فإن كلامه ظاهر في حكاية قول بالاشتراط . ( وأما الطهارة الكبرى ) فمنصوص أحمد أيضاً في رواية صالح صحة الخطبة مع فقدها ، قال : إذا خطب بهم جنباً ، ثم اغتسل وصلى بهم ، أرجو أن تجزئه . وتبع إطلاق المنصوص الشريف ، وأبو الخطاب في خلافيهما ، وقيده القاضي في جامعه ، وفي تعليقه ، وصاحب التلخيص فيه : بأن يكون المنبر خارج المسجد ، لأن لبثه فيه معصية تناتفي العبادة ، وقال صاحب التلخيص ، وأبو محمد : لا تصح خطبته مطلقاً ، بناء على الصحيح في اعتبار الآية للخطبة ، ومنع الجنب منها ، وقال الشريف : إنه [ قياس ] قول الخرقي ، وكأنه أخذ ذلك من عدم اعتداده بأذان الجنب ، وأبو البركات خرج المنع من الصلاة في الدار المغصوبة ، حيث حرمت القراءة ، أما لو اغتسل ثم قرأ الآية ، أو نسي الجنابة ، فإن الخطبة تصح ، لعدم تحريم القراءة ، ولا أثر عنده للبث ، لأنه قد يتوضأ فيباح له ، وقد ينسى جنابته ، وحيث حرم عليه لا أثر له في شيء من واجبات العبادة ، فهو كما لو أذن جنباً في المسجد . والله أعلم .
قال : وإن أراد أن يدعو لإِنسان دعا .
ش : أي للسلطان ونحوه ، لأن صلاحه صلاح المسلمين ، ولأن الدعاء للمعين يجوز في الصلاة على الصحيح ، فكيف بالخطبة ، ولا يستحب ذلك ، لما فيه من مخالة السبب ، نعم دعاؤه للمسلمين مستحب .
849 لأن النبي دعى في خطبة الجمعة مستسقياً . ويستحب رفع اليد في الدعاء عند ابن عقيل ، لعموم مطلوبية رفع الأيدي في الدعاء ، وهو بدعة عند أبي البركات .
850 لما روى عمارة بن رؤيبة ، أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه ، فقال : قبح الله تينك اليدين ، لقد رأيت رسول الله ما كان يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بأصبعه المسبحة ، رواه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي .
قال : وينزل .
ش : كذلك توارثه الخلف ، عن السلف ، عن رسول الله ، والمراد بثم هنا الترتيب ، وأن الصلاة تتأخر عن الخطبة ، وليس المراد التراخي ، بل الموالاة شرط كما تقدم ، وهل ينزل عند قول المؤذن : قد قامت الصلاة . أو يبادر بحيث يصل إلى المحراب عند قولها ؟ فيه احتمالان ، حكاهما في التلخيص .
قال : فيصلي بهم الجمعة ركعتين .
ش : هذا إجماع معلوم بالضرورة ، وقد قال عمر رضي الله عنه : صلاة الجمعة ركعتان ، تمام غير قصر .
قال : يقرأ في كل ركعة منهما بالحمد ، وسورة .
ش : لا نزاع في ذلك ، وقد استفاضت السنة بذلك عن رسول الله والمستحب أن تكون السورة في الأولى الجمعة ، وفي الثانية المنافقين ، وعلى المشهور من الروايتين .
851 لما روى ابن عباس أن النبي كان يقرأ في الفجر [ يوم الجمعة ] 19 ( { آلم تنزيل } ) في الأولى ، وفي الثانية 19 ( { هل أتى على الإِنسان } ) وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين . رواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي .
852 وعن أبي هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله يقرأ بهما . مختصر ، رواه مسلم أيضاً وغيره . ( والرواية الثانية ) : يقرأ في الثانية ب 19 ( { سبح اسم ربك الأعلى } ) اختارها أبو بكر في التنبيه .
853 لما روى عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرت عن ابن مسعود قال : كان النبي في صلاة الجمعة يقرأ بسورة الجمعة ، و 19 ( { سبح اسم ربك الأعلى } ) وفي صلاة الصبح يوم الجمعة 19 ( { الم تنزيل } ) و 19 ( { تبارك الذي بيده الملك } ) .
854 وقد جاء في الصحيح أن النبي قرأ في الأولى بالجمعة ، وفي الثانية بالغاشية .
855 وأنه قرأ في الأولى بسبح ، وفي الثانية بالغاشية .
856 وجاء في سنن سعيد أنه قرأ مع سورة الجمعة { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } والله أعلم .
قال : ويجهر بالقراءة .
ش : هذا أمر متوارث من رسول الله ، وإلى زماننا هذا ، والله أعلم .
قال : ومن أدرك معه منها ركعة يسجد فيها أضاف إليها أخرى ، وكانت له جمعة .
857 ش : لعموم قوله : ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة ) .
858 ويؤيده ما روى النسائي عن ابن عمر قال : قال النبي : ( من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته ) .
859 وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي [ قال ] : ( من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك ) رواه النسائي أيضاً .
قال : ومن أدرك معه أقل من ذلك بنى على ظهر ، إذا كان قد دخل بنية الظهر .
ش : إذا أدرك مع الإِمام أقل من ركعة بسجدتيها فله صورتان ( إحداهما ) أن يدرك معه مالا يعتد له به ، كما إذا أدركهم في التشهد ، أو بعد الركوع في الثانية ، والمذهب المعروف هنا أن الجمعة لا تحل له .
860 لما روي عن النبي أنه قال : ( من أدرك من الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى ، ومن أدركهم جلوساً صلى الظهر أربعاً ) ، رواه الدارقطني وغيره من طرق فيها مقال ، إلا أن أحمد ، قال : لولا الحديث الذي يروى في الجمعة ، لكان ينبغي أن يصلي ركعتين إذا أدركهم جلوساً . وظاهر هذا أنه يعتمد عليه .
861 ولأن هذا قول الصحابة ، حكاه أبو بكر عنهم في التنبيه إجماعاً ، وقال مهنا : قلت لأحمد : إذا أدركت التشهد مع الإِمام يوم الجمعة كم أصلي ؟ قال : أربعا ، كذلك قال ابن مسعود ، وكذلك فعل أصحاب رسول الله .
وحكى بعضهم رواية عن أحمد أن الجمعة تدرك ولو بتكبيرة ، كبقية الصلوات .
862 ولعموم ( ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا ) ومنع بعض الأصحاب من صحة الصلاة مع الإِمام والحال هذه رأساً ، لأن الجمعة فاتته ، والظهر لا تصح خلف من يؤدي الجمعة لاحتلاف النيتين ، والمذهب الأول ، وعليه إذا لم تصح له جمعة فتصح له ظهراً ، ولكن برط أن ينويه بإحرامه ، على قول الخرقي ، فلو نوى جمعة لم تصح ، وهو ظاهر كلام أحمد ، لأنه قال : يصلي الظهر أربعاً ، واختيار أبي البركات ، وذلك لظاهر قوله : ( ومن أدركهم جلوساً صلى الظهر أربعاً ) ولأنه إن نوى جمعة فما هي فرضه ، فقد ترك فرضه ، ونوى غيره ، فأشبه من عليه الظهر فنوى العصر ، وقال أبو إسحاق ابن شاقلا وزعم القاضي في التعليق في موضع أنه المذهب ينوي جمعة ، ويبني على ظهر لئلا تخالف نيته نية إمامه ، وقيل : إن مبنى الوجهين أن الجمعة هل هي ظهر مقصورة ، أم صلاة على حيالها ؟ فيه وجهان ذكرهما ابن شاقلا ، وعلى الوجهين شرط صحة الظهر إحرامه بعد الزوال ، فإن كانت قبلة كانت نفلا ، ولم يجزئه جمعة لفواتها ، ولا ظهراً لفوات شرطها وهو الوقت .
والصورة الثانية أن يدرك معه ما يعتد به ، كمن أدرك الركوع في الثانية ، وزحم عن السجود ، أو أدرك القيام ، وزحم عن الركوع والسجود ، أو سبقه الحدث ففاته ذلك بالوضوء وقلنا : يبني حتى سلم الإِمام . ففيه روايات ( إحداها ) يتمها جمعة ، ( اختارها ) الخلال ، لأنه أدرك ما يعتد به ، أشبه مدرك الجمعة ( والثانية ) : لا يدرك الجمعة . وهي اختيار الخرقي ، وأبي بكر ، وابن أبي موسى ، [ والقاضي ، واظهر قول ابن أبي موسى ] وأبي الخطاب ، لما تقدم في الصورة الأولى من النص والإِجماع . ( والرواية الثالثة ) : إن أدرك الركوع ، وزحم عن السجود ، أو نسيه أتمها جمعة ، وإن فاته الركوع والسجود لم يصل جمعة ، لأنه فاته معظم الركعة .
وحيث قيل : لا يصلي جمعة . فهل يصلي ظهراً ، أو يستأنف ؟ يبنى على الخلاف ، واختيار [ الخرقي ] وأبي البركات عدم البناء ، لأن شرط البناء الدخول بنية الظهر ، وقد فات ذلك ، وعلى قول بأنه لا يدرك الجمعة لو أدرك السجدتين في التشهد قبل سلام الإِمام فقد تمت ركعته ، وأدرك بها الجمعة على رواية صححها أبو البركات ، وعلى أخرى لا ، ومبناهما الإِدراك الفعلي هل هو كالحكمي ؟ والله أعلم .
قال : ومتى دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة أتموا بركعة أخرى ، وأجزأتهم جمعة .
ش : آخر وقت الجمعة آخر وقت الظهر بالاتفاق فإذا خرج وقت الظهر وقد أحرمواب بالجمعة أتموها جمعة ، وأجزأتهم عند جمهور الأصحاب ، أبي بكر ، وابن أبي موسى ، وابن حامد ، والقاضي وأصحابه ، حتى أن أبا البركات حكاه عن ما عدى الخرقي ، لأنها صلاة مؤقتة ، فلا يمنع خروج وقتها إتمامها ، كبقية الصلوات .
وظاهر كلام الخرقى أنهم إن أدركوا ركعة أتموها جمعة ، وإن أدركوا أقل من ذلك فلا ، وبه قطع أبو محمد في المقنع ، لمفهوم قوله : ( من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك ) ( ومن أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت جمعته ) وعلى هذا إذا لم يصلوا ركعة فهل يتمون ظهراً ، أو يستأنفون ظهراً ؟ على وجهين سبقا .
وليس عن أحمد في المسألة نص إلا فيما قبل السلام ، فإنه قال في رواية صالح وعبد الله : إذا صلى الإِمام الجمعة فلما تشهد قبل أن يسلم دخل وقت العصر ، فإنه تجزئه صلاته . فأخذ أبو محمد من هذا أن ظاهر كلام أحمد أن الوقت يشترط لجميع الصلاة لا السلام وأن الوقت إن خرج قبل ذلك صلوا أن استأنفوا ، ولم يعرج أحد من الأصحاب فيما علمت على ذلك ، ودعوى أبي محمد أن هذا ظاهر النص يتنازع فيه ، فإن ظاهره أنه وقع جواب سؤال كما هو دأب أحمد ، وإذاً فلا مفهوم له اتفاقاً ، وإن لم يكن جواب سؤال فقد يسلم الظاهر بناء على المفهوم ، وقد ينازع فيه ، والله أعلم .
قال : ومن دخل والإِمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما .
863 ش : في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال : جاء رجل والنبي يخطب الناس يوم الجمعة ، فقال : ( صليت يا فلان ) ؟ قال : لا . قال : ( قم فاركع ركعتين ) وفي رواية أبي داود قال له : ( يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما ) ثم قال : ( إذا جاء أحدكم والإِمام يخطب فليركع ركعتين ، وليتجوز فيهما ) ويقتصر من عليه فائتة عليها ، وكذلك من لم يصل سنة الجمعة ، إن قيل لها سنة ، لأن الصلاة تحصل بكل صلاة يصليها ، ولو كانت الجمعة في غير مسجد كدار وصحراء لم يصل شيئاً ، على ظاهر كلام الأصحاب ، لأن الركعتين تحية المسجد ، وقد عدم سببهما .
وقد أشعر كلام الخرقي بمنع الصلاة في حال الخطبة ، وهو كذلك ، ينقطع النفل المبتدأ بجلوس الإِمام على المنبر .
864 لما روى نبيشة أن رسول الله قال : ( إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ، ثم أقبل إلى المسجد ، لا يؤذي أحداً ، فإن لم يجد الإِمام قد خرج [ صلى ما بدا له ، وإن وجد الإِمام قد خرج ] جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإِمام جمعته وكلامه ، إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن تكون كفارة للجمعة التي تليها ) رواه أحمد .
865 وعن عمر : 16 ( خروج الإِمام يقطع الصلاة ، وكلامه يقطع الكلام ) . ويستوي في المنع من النفل من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها على الصحيح لما تقدم .
866 وعن ثعلبة بن أبي مالك 16 ( القرظي أنهم كانوا في زمن عمر يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر ، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر ، وأذن المؤذنون ، جلسنا نتحدث ، حتى إذا سكت المؤذن ، وقام عمر سكتوا ، فلم يتكلم أحد ) . رواه مالك في الموطأ . وقال ابن عقيل : يتطوع الذي لا يسمع بما شاء ، معللًا بأن المنع كان لأجل السماع وقد انتفى . والله أعلم .
قال : وإذا لم يكن في القرية أربعون رجلًا عقلاء لم تجب عليهم الجمعة ، وإن صلوا أعادوها ظهراً .
ش : يشترط لصحة الجمعة وانعقادها حضور أربعين رجلًا ، حراً [ مكلفاً ] ، مستوطناً ، مقيماً ، في المشهور من الروايات ، قال ابن الزاغوني : اختاره عامة المشايخ .
867 لما روى عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره عن أبيه كعب ، 16 ( أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة ، )6 ( قال : فقال له : إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة ؟ قال : لأنه أول من جمع بنا ، في هزم النبيت من حرة بني بياضة ، في بقيع يقال له نقيع الخضمات . قلت : كم كنتم يومئذ ؟ قال : أربعون رجلًا ) رواه أبو داود .
868 وقال أحمد في رواية 16 ( الأثرم : بعث النبي مصعب بن عمير إلى أهل المدينة ، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين ، وكانت أول جمعة جمعت ) ، ويقال : إن هذه الجمعة هي المنسوبة إلى أسعد بن زرارة ، وهذا صريح في انعقاد الجمعة بأربعين ، فاقتصرنا عليه ، إذ التجمع تغيير فرض ، فلا يصار إليه إلا بنص أو اتفاق ، ولم يثبت ذلك .
869 وقد روى عن جابر قال : مضت السنة أن في كل [ أربعين ] فما فوق [ ذلك ] جمعة ، وأضحى ، وفطرا . رواه الدارقطني لكنه ضعيف ( والرواية الثانية ) لا تنعقد إلا بخمسين .
870 لما روى عن أبي أمامة أن النبي قال : ( على الخمسين جمعة ، وليس فيما دون ذلك ) رواه الدارقطني .
( والرواية الثالثة ) : تنعقد بثلاثة . لإِطلاق 19 ( { فاسعوا إلى ذكر الله } ) { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا } وهذا جمع ، وأقله ثلاثة . ( والرواية الرابعة ) تنعقد بسبعة ، حكاها ابن حامد ، وعلى جميع الروايات هل يشترط كون الإِمام زائداً على العدد المعتبر ؟ فيه روايتان ، أصحهما : لا .
إذا تقرر هذا فمتى كان في القرية دون العدد المعتبر فإن الجمعة لا تجب عليهم ، لفقد الشرط ، ومتى صلوا جمعة أعادوا ظهراً ، لأنه الواجب عليهم ، لا ما فعلوه .
وقد أشعر كلام الخرقي بجواز إقامة الجمعة في القرى ، وأنه يشترط لها المصر ، وهو كذلك لما تقدم من حديث أسعد ابن زرارة ، ولأجل هذا الحديث جوز أصحابنا إقامتها فيما قارب البنيان من الصحراء ، [ والله أعلم ] .
قال : وإذا كان البلد كبيراً يحتاج إلى جوامع ، فصلاة الجمعة في حميعها جائزة .
ش : لا خلاف في المذهب أنه لا يجوز إقامة جمعتين في بلد من غير حاجة ، لأنه خلاف فعل رسول الله ، وأصحابه من بعده ، واختلف هل يجوز مع الحاجة ، كما إذا كان البلد كبيراً ، يشق على أهله التجميع في مكان واحد ، أو لا يسعهم جامع واحد ، أو يخشى من الإِقامة بمكان واحد فتنة ونحو ذلك ، فعنه : لا يجوز لما تقدم ، قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : هل علمت أن أحداً جمع جمعتين في مصر واحد ؟ قال : لا أعلم أحداً فعله . ( وعنه ) وهو المشهور ، واختيار الأصحاب يجوز قياساً على العيد ، بجامع مشروعية الاجتماع لهما ، والخطبة .
871 ودليل الأصل ما حكاه الإِمام أحمد عن علي رضي الله عنه ، 16 ( أنه كان يأمر رجلًا يصلي بضعفة الناس في المسجد صلاة العيد ، ويخرج هو إلى الجبانة ) ولأن منع ذلك يفضي إلى منع خلق كثير من التجميع ، وهو خلاف مقصود الشارع .
872 ولأن صلاة الجمعة في الخوف جائزة على الصفة التي صلاها رسول الله بذات الرقاع ، إذا كمال العدد في كل طائفة ، والطائفة الثانية قد استفتحت الصلاة بعدما صلاها غيرهم ، وجواز ذلك كان لحاجة عارضة ، فمع الحاجة الدائمة أولى ، [ والله أعلم ] .
قال : ولا تجب الجمعة على مسافر ، ولا امرأة ، ولا عبد ، وإن حضروها أجزأتهم ، وعن أبي عبد الله رحمه الله في العبد روايتان ، إحداهما أن الجمعة واجبة عليه ، والأخرى ليست بواجبة عليه .
ش : اعلم أن لوجوب الجمعة شروطاً ، ثم من تجب عليه تارة [ تجب عليه ] بنفسه وتارة تجب عليه بغيره ، فمن تجب عليه بنفسه يشترط له شروط . ( أحدها ) أن يكون ممن يكلف بالمكتوبة ، وهو المسلم ، العاقل ، البالغ ، فلا تجب على كافر ، ولا مجنون ، ولا صبي ، وفي كلام الخرقي ما يدل على ذلك حيث قال : وإذا لم يكن في القرية أربعون رجلًا عقلاء لم تجب عليهم الجمعة . ذلك لأنها صلاة مكتوبة ، أشبهت بقية المكتوبات . وهل تلزم الجمعة ابن عشر إن قلنا : تجب عليه المكتوبة ؟ فيه وجهان ، أصحهما : لا .
873 لأن في النسائي عن حفصة أن النبي قال : ( رواح الجمعة واجب على كل محتلم ) ( الشرط الثاني ) الذكورية فلا تجب على امرأة ، وقد صرح به الخرقي هنا .
874 لما روى طارق بن شهاب أن النبي قال : ( الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة ، إلا أربعة ، عبد مملوك ، أو امرأة أو صبي أو مريض ) رواه أبو داود ، وقال : طارق رأى النبي ولم يسمع منه . وقال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لا جمعة على النساء ، ولا تجب على خنثى مشكل ، لأن ذكوريته لم تتحقق .
الشرط الثالث : الحرية فلا تجب على عبد ، في أشهر الروايات وأصحهما عند الأصحاب .
875 لما تقدم من حديث طارق ، وروي نحوه من حديث جابر ، رواه الدارقطني ( والرواية الثانية ) تجب عليه ، لدخوله في الآية الكريمة ، لأنه من الذين آمنوا ، ( والرواية الثالثة ) إن أذن له سيده وجبت عليه ، وإلا فلا تجب عليه ، لأن المنع ملحوظ فيه كونه لحق السيد ، لاشتغاله بالخدمة ، فإذا أذن له زال المانع ، والمكاتب والمدبر كالقن ، وكذلك المعتق بعضه ، لتعلق حق المالك بباقيه ، وقيل : تلزمه الجمعة في يوم نوبته إن كان ثم مهايأة ، تغليباً لجانب العبادة ، ويحتمل هذا كلام الخرقي ، لأنه إنما نفى الوجوب عن العبد .
( الشرط الرابع ) : الإِقامة ، فلا تجب على مسافر ، لأن النبي وافى عرفة يوم جمعة ، فجمع بين الظهر والعصر ، ولم يجمّع ، ومعه الخلق الكثير ، ولم يزل هو وخلفاؤه يسافرون للنسك والجهاد ، ولم يصلوا في أسفارهم جمعة ، وكما لا يلزم المسافر جمعة بنفسه ، فكذلك بغيره ، نص عليه .
876 لما روى عن جابر أن النبي قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة ، إلا مريض أو مسافر ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مملوك ) رواه الدارقطني .
( الشرط الخامس ) : الاستيطان . فلا جمعة على أهل قرية يسكنونها شتاء ، ويظعنون عنها صيفاً ، وكذلك بالعكس ، وكذلك المقيم إقامة تمنع القصر ، لتجارة ، أو علم ، لا جمعة عليه إن لم يكن أهل البلد ممن تلزمهم الجمعة ، لعدم الاستيطان ، وكذلك المسافر إلى بلد دون مسافة القصر ، وأهله ليسوا من أهل الجمعة .
877 لأن النبي كان بعرفة يوم الجمعة ومعه خلق كثير من أهل مكة ، ولم يأمرهم بجمعة ، وهذا الشرط أهمله الخرقي . ( الشرط السادس ) الوطن وهي القرية المبنية مما جرت العادة به ، من حجر ، أو قصب ، أو خشب ، فلا جمعة على أهل الحلل والخيام ، لأن المدينة كان حولها حلل [ وخيام ] وأبيات من العرب ، ولم ينقل أنهم أقاموا جمعة ، ولا أن النبي أمرهم بذلك . ( الشرط السابع ) إذا بلغوا أربعين ، وقد تقدم هذا الشرط والكلام عليه ( فالتكليف ) شرط للوجوب [ والصحة ، إلا البلوغ فإنه شرط للوجوب ] والإنعقاد ، [ ( والذكورية ) شرط للوجب والإِنعقاد ] وكذلك الحرية والإِقامة ، فالمسافر والعبد والمرأة لا تجب عليهم الجمعة ، ولا تنعقد بهم ، ولا تصح إمامتهم فيها ، وتصح منهم إجماعاً ، لأن السقوط عنهم رخصة ، وأما الاستيطان ، والوطن والعدد فشروط أيضاً للانعقاد والوجوب [ على المكلف ] بنفسه .
وقد تجب عليه بغيره ، وهو ما إذا سمع النداء كأهل الحلل ، والخيام ، والقرية التي فيها دون العدد المعتبر ، أو التي يرتحل عنها أهلها بعض السنة ، فهؤلاء إذا كانوا من البلد الذي يجمع فيه بحيث يسمعون النداء لزمهم السعي إلى الجمعة ، نص عليه أحمد رحمه الله ، ولا تنعقد بهم الجمعة ، وهل تصح إمامتهم ؟ فيه احتمالان ، فالصحة للزوم الجمعة له ، وعدمها لعدم انعقادها به ، وحكم فاقد الاستيطان كالمقيم في مصر لعلم ، أو شغل ونحو ذلك كذلك على أصح الوجهين ، وقيل : لا تجب [ عليه ] أصلًا ، لأنه عن وطنه على مسافة تمنع النداء ، أشبه المسافر ، وإنما اعتبرنا سماع النداء لعموم قوله تعالى : 19 ( { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا } ) الآية .
878 مع ما روى عبد الله بن عمرو عن النبي أنه قال : ( الجمعة على من سمع النداء ) رواه أبو داود والدارقطني ، وفي لفظ للدارقطني ( إنما الجمعة على من سمع النداء ) وإذا عدم سماع النداء انتفى وجوب الجمعة بنفسه وبغيره ، لكنهم إذا حضروها صحت منهم ، أما إن أقاموها بأنفسهم فلا تصح منهم ، وقد تقدم ذلك للخرقي في دون الأربعين ، والمعتبر في حق من تلزمه بسماع النداء أن يكون بمكان يسمع منه النداء غالباً إذا كان المؤذن صيتاً ، والرياح ساكنة ، والأصوات هادئة والموانع زائلة ، إذ اعتبار حقيقة السماع لا تمكن ، لاختلافه باختلاف حال المنادي ، والسامع ، ومكانهما ، ثم إن أحمد في رواية الأثرم اعتبر سماع النداء وأطلق ، وفي رواية صالح ، وإسحاق بن إبراهيم قيده بالفرسخ ، فاختلف أصحابه فمنهم من لم يقدر النداء بحد على ظاهر رواية الأثرم ، وجعل التحديد بالفرسخ رواية أخرى ، فتكون [ المسألة ] على روايتين ، ومنهم من حده بالفرسخ قال : لأنه الذي ينتهي إليه النداء غالباً ، وهو ظاهر كلام الإِمام [ أحمد ] في رواية صالح ، قال : تجب الجمعة على من يبلغه الصوت ، والصوت يبلغ الفرسخ ، فعلى هذا تكون المسألة رواية واحدة ، وأبو الخطاب جعل كل واحدة من سماع النداء ومسافة الفرسخ فما دونهما موجباً ، فقال : يسمع النداء أو بينه وبين موضع تقام فيه الجمعة فرسخ ، فجعل أيضاً المسألة رواية واحدة ، إعمالًا لنصيه جميعاً .
واعلم أن الجمعة إذا وجبت قد تسقط بأعذار ، كالمرض الشديد ، والمطر الذي يبل الثياب وغير ذلك مما يبلغ نحو عشرة أشياء ، وليس هذا محل بيانها ، فيسقط الوجوب إذاً ، ومتى حضرت والحال هذه وجبت ، وانعقدت بمن حضر ، وصحت إمامته فيها ، والله أعلم .
قال : ومن صلى الظهر يوم الجمعة ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإِمام ، أعادها بعد صلاته ظهراً .
ش : لأنه صلى الظهر قبل وجوبها عليه ، أشبه من صلاها قبل الزوال ، ودليل الوصف أن فرض الوقت عندنا هو الجمعة ، وإنما الظهر بدل عنه عند التعذر ، بدليل الأمر بالسعي في الآية الكريمة .
879 وقول النبي ( إن الله افترض عليكم الجمعة ) .
وقوله : ( الجمعة حق واجب على كل مسلم ) ولأنه بفعل الجمعة يكون طائعاً مثاباً ، فدل على أنها الأصل ، وبتركها إلى الظهر من غير عذر يكون عاصياً بالإِجماع .
وقول الخرقي : قبل صلاة الإِمام . أي قبل فراغ الإِمام من صلاته ، كذا صرح به غيره . وقوله : أعادها بعد صلاته ظهراً . هذا إذا تعذر عليه التجميع ، أما إن أمكنه فيلزمه ، لأن ذلك فرضه .
وقد أفهم كلام الخرقي شيئين . ( أحدهما ) أن من صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة بعد صلاة الإِمام أن صلاته تصح ، ولا إشكال في ذلك ، لتعذر التجميع ، وهذا بشرطه وهو أن يدخل وقت الظهر . ( الثاني ) : أن من لا حضور عليه كالمسافر ، والعبد والمرأة ، ومن له عذر ، ونحوهم من لا حضور عليه ، إذا صلى الظهر قبل صلاة الإِمام أن صلاتهم تصح ، ولا تلزمهم الإِعادة ، وهذا هو المذهب المنصوص ، المختار للأصحاب ، لأنه لا يلزمه الجمعة ، أشبه الخارج من المصر ، حيث لا يسمع النداء ، ودليل الوصف قول النبي ( الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة ) الحديث ، وذهب أبو بكر [ إلى ] أن صلاتهم لا تصح قبل الإِمام بحال ، كمن تجب عليه الجمعة ، لاحتمال زوال العذر ، وحكى ذلك ابن عقيل ، وابن الزاغوني رواية ، وينتقض التعليل [ بالمرأة ] وعلله ابن عقيل بخشية اعتقاد أفتياتهم على الإِمام ، أو كونهم لا يرون صلاة الجمعة ، وهو أيضاً منتف غالباً في حق المرأة ، ثم إن مثل ذلك لا يعطي المنع الجازم ، والله أعلم .
قال : ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل .
ش : لا إشكال في مطلوبية غسل الجمعة واستحبابه .
880 لما روى أبو سعيد رضي الله عنه أن النبي قال : ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ، والسواك ، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه ) .
881 وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي قال : ( حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ، يغسل رأسه وجسده ) متفق عليهما .
882 وعن حفصة أن النبي قال : ( على كل محتلم رواح الجمعة ، وعلى من راح إلى الجمعة الغسل ) رواه أبو داود وهل يجب ؟ فيه روايتان ( إحداهما ) يجب . اختارها أبو بكر ، لهذه الأحاديث ، لكن لا يشترط لصحة الصلاة اتفاقاً ، ( والثانية ) : لا يجب . وهي اختيار الخرقي ، وجمهور الأصحاب .
883 لما روى سمرة بن جندب عن النبي قال : ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل ) رواه الخمسة إلا ابن ماجه .
884 وعن ابن عمر 16 ( أن عمر بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة ، إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين ، فناداه عمر : أية ساعة هذه ؟ فقال : إني شغلت ، فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين ، فلم أزد على أن توضأت . قال : والوضوء أيضاً ) ، وقد علمت أن النبي كان يأمر بالغسل . متفق عليه .
885 وهذا الرجل هو عثمان رضي الله عنه ، كذا في مسلم وهذا كالإِجماع من الصحابة على أن الغسل غير واجب ، لأن عثمان تركه ، ولم يعدله ، وقد أقره عمر وغيره من الصحابة على ذلك ، وإنكار عمر على ترك السنة ، كما أنكر عليه عدم التبكير ، وقوله : ( غسل الجمعة واجب ) محمول على تأكيد الاستحباب ، كما يقال : حقك عليّ واجب . جمعا بين الأدلة ، ويرشحه اقترانه بالسواك والطيب ، وهما غير واجبين إجماعاً .
وقول الخرقي : يستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل . يخرج منه من لم يأتها ممن لا تجب عليه كالمسافر ، والعبد ، وغيرهما ، فإنه لا يستحب له الاغتسال ، ونص عليه أحمد ، لحديث حفصة ،
886 وفي الصحيح ( إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل ) .
ويدخل في كلامه من أتى الجمعة [ وإن ] لم تجب عليه ، كالمسافر ونحوه ، فإن الغسل مستحب [ له ] لما تقدم ، إلا المرأة على ظاهر كلام أحمد .
887 لقول النبي ( وليخرجن تفلات ) .
ومقتضى كلام الخرقي أن الغسل لأجل الجمعة ، فيختص الغسل بما قبلها ، ولا نزاع عندنا في ذلك ، وأول الوقت من طلوع الفجر يومئذ ، والمستحب عند الرواح ، والله أعلم .
قال : ويلبس ثوبين نظيفين .
888 ش : لما روى عبد الله بن سلام أنه سمع النبي يقول على المنبر في يوم الجمعة ( ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة ، سوى ثوبي مهنته ) رواه أبو داود وابن ماجه .
889 وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن النبي كان يعتم ويلبس برده الأحمر في العيدين ، والجمعة ، رواه أحمد في مسائل ابنه صالح .
قال : ويتطيب .
ش : لما تقدم من حديث أبي سعيد وغيره ، والله أعلم .
قال : وإن صلوا الجمعة قبل الززوال في الساعة السادسة أجزأتهم .
ش : المذهب المعروف المنصوص أنه يجوز فعل الجمعة قبل الزوال .
890 لما روى جابر بن عبد الله أن النبي كان يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنزيحها حين تزول الشمس ، يعني النواضح .
891 وعن سهل بن سعد الساعدي قال : 16 ( ما كنا نقيل زلا نتغدى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله ) . رواهما أحمد ومسلم قال ابن قتيبة : لا يسمى قائلة ولا غداء إلا ما كان قبل الزوال . لإِجماع الصحابة .
892 فروى عبد الله بن سيدان السلمي قال : 16 ( شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول : انتصف النهار ، ثم شهدتها مع عثمان بن عفان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول : زال النهار . فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره ) . رواه الدارقطني وأحمد محتجاً به .
893 وعن ابن مسعود 16 ( أنه كان يصلي الجمعة ضحى ويقول : إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم ) . رواه أحمد .
894 وعن معاوية نحوه ، رواه سعيد ، وقال أحمد : روي عن ابن مسعود ، وجابر ، وسعد ، ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال ، وإذا صلى هؤلاء مع من يحضرهم من الصحابة ولم ينكر فهو إجماع ، وما روي من الفعل بعد الزوال لا ينافي هذا ، لأن سائر المسلمين لا يمنعون ذلك بعد الزوال . ( وعن أحمد ) رواية أخرى حكاها أبو الحسين عن والده : لا يجوز قبل الزوال .
895 لما روى سلمة بن الأكوع قال : كنا نصلي مع رسول الله الجمعة إذا زالت الشمس ، ثم نزجع فنتتبع الفي . متفق عليه .
896 وعن أنس : كنا نصلي مع رسول الله الجمعة حين تميل الشمس . رواه البخاري وغيره ، ولأنها ظهر مقصورة ، فكان وقتها كالمقصورة في السفر . والأول المذهب ، والأحاديث قد تقدم الجواب عنها ، وكونها ظهراً مقصورة لنا فيه منع ، وإن سلم لا يمنع افتراقها هنا كما افترقا في كثير من الشروط .
وعلى هذا فهل يختص فعلها بما يقارب الزوال ، أو يجوز فعلها في وقت صلاة العيد ؟ فيه قولان ، ( والأول ) : اختيار الخرقي وأبي محمد ، لأن الثابت من فعل رسول الله الصلاة قبل الزوال قريباً [ منه ] ، فاقتصرنا عليه ، واختلفت نسخ الخرقي ، ففي بعضها : الخامسة ، وكذلك حكاه عنه أبو إسحاق بن شاقلًا ، وأبو الخطاب ، وفي أكثرها ( السادسة ) وهو الذي صححه القاضي ، وأبو البركات ، لأنه المتيقن ، وغيره مشكوك فيه ( والثاني ) : منصوص أحمد ، واختيار عامة الأصحاب ، لأن ابن مسعود ، ومعاوية صلياها ضحى كما تقدم .
897 16 ( وفعلها ابن الزبير في وقت العيد ، وصوبه ابن عباس وأبو هريرة ) ، ولأنها صلاة عيد ، فجازت قبل الزوال كبقية الأعياد .
898 ويدل على الوصف قول النبي : ( قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ) الحديث انتهى ، وهل من قبل الزوال وقت لوجوبها ؟ فيه روايتان إحداهما : نعم ، والثانية : لا ، وإنما وقت الوجوب الزوال ، وهذا اختيار الأصحاب لعموم 19 ( { أقم الصلاة لدلوك الشمس } ) والتقديم [ ثم ] ثبت رخصة بالسنة والآثار ، والله أعلم .
قال : وتجب الجمعة على من بينه وبين الجامع فرسخ والله أعلم .
ش : قد تقدمت هذه المسألة والخلاف في تحديد الوجوب هل هو بالفرسخ ، أو بسماع النداء ، وأن هؤلاء هم الذين تجب الجمعة عليهم بغيرهم ، لا بأْنفسهم ، ونزيد هنا أن ظاهر كلام الخرقي أن الفرسخ أو سماع النداء يعتبر من الجامع ، لأن السعي الذي تختلف المشقة باختلافه إليه ينتهي ، وظاهر كلام أحمد وهو الذي صححه أبو البركات أنه معتبر من طرف البلد .
899 لما يروى عن النبي أنه قال : ( هل عسى أحدكم أن يتخذ الغنم على رأس ميل ، أو ميلين ، أو ثلاثة من المدينة ، فتأتي الجمعة فلا يجمع ، فيطبع الله على قلبه ، فيكون من الغافلين ) رواه أبو بكر النجاد ، وفي ابن ماجه نحوه ولأن طرف البلد قد يكون عن الجامع أكثر من فرسخ ، أو بحيث لا يسمع النداء ، فيفضي اعتبارهما إلى سقوط الجمعة عن قرب من المصر ، وهو ممتنع ، والله أعلم .
باب صلاة العيدين
ش : سمي العيد عيداً لأنه يعود ويتكرر لأوقاته ، وقيل : لأنه يعود بالفرح والسرور ، وقيل : تفاؤلًا بعوده ، كما سميت القافلة قافلة في ابتداء خروجها ، وتفاؤلًا بقفولها سالمة أي رجوعها ، والأصل في مشروعيتها ، الإِجماع ، وما تواتر من أن النبي وخلفاءه صلوها .
900 وقد قيل في قوله الله تعالى : 19 ( { فصل لربك وانحر } ) أن المراد صلاة العيد ، واختلف عن أحمد في حكمها ، فعنه أنها فرض عين ، ( وعنه ) سنة ، ( وعنه ) وهي المذهب : فرض كفاية ، كصلاة الجنازة ، والجهاد قال : ويظهرون التكبير في ليالي العيدين ، وهو في الفطر آكد ، لقول الله تعالى : 19 ( { ولتكملوا العدة ، والتكبروا الله على ما هداكم ، ولعلكم تشكرون } ) .
ش : يسن التكبير في ليالي العيدين ، لأن ابن عمر كبر فيهما .
901 قال أحمد : كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعاً ، ويعجبنا ذلك ، وهو في الفطر آكد ، للآية الكريمة .
902 وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره : 16 ( هو تكبيرات ليلة الفطر ) ويسن إظهار التكبير ، أي رفع الصوت به ، إظهاراً للشعار وتنبيها للغافل .
903 وكان عمر 16 ( يكبر في قبته بمنى ، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ، ويكبر أهل الأسواق ، حتى ترتج منى تكبيراً ) .
وظاهر كلام الخرقي أن التكبير لا يتقيد بأوقات الصلوات ، بل يكبرون في ليالي العيدين مطلقاً ، وهو كذلك والله أعلم .
قال : فإذا أصبحوا تطهورا .
ش : دل هذا على شيئين ( أحدهما ) : أنه يسن التطهير أي الاغتسال للعيدين ، لأنه يوم عيد يجتمع الناس فيه ، فسن الغسل فيه كيوم الجمعة .
904 وقد روى الفاكه بن سعد وكانت له صحبة أن النبي كان يغتسل يوم الجمعة ، ويوم عرفة ، ويوم الفطر ، ويوم النحر ، وكان الفاكه بن سعد 16 ( يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام ) ، رواه عبد الله بن أحمد في المسند ، وابن ماجه ، ولم يذكر الجمعة ، ( الثاني ) : أو وقت الغسل بعد الفجر ، وهو قول القاضي وغيره ، وظاهر الحديث ، إذ اليوم إنما يدخل بذلك ، وجوزه ابن عقيل بعد نصف ليلته ، نظراً إلى [ أن ] المقصود التنظيف وهو حاصل بذلك ، ولأنه وقت ضيق ، فلو تقيد الاغتسال بالفجر لفات غالباً ، بخلاف الجمعة فإن وقتها متسع .
قال : وأكلوا إن كان فطراً .
ش : قد تضمن منطوق كلام المصنف الأكل في الفطر ، ومفهومه الإِمساك في الأضحى .
905 والأصل في ذلك ما روى بريدة رضي الله عنه قال : كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل ، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع . رواه الترمذي ، وابن ماجه والإِمام أحمد وزاد : فيأكل من أضحيته .
906 وعن أنس قال : كان النبي لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ، ويأكلهن وترا . رواه البخاري وليأت بالمأمور به في عيد الفطر [ حسا ] ، وإن وجد شرعاً ، وليفطر على أضحيته في الأضحى ، وقد اقتضى ما تقدم أنه لا يسن له التأخير في الأضحى إلا إذا كانت له أضحية ، ونص عليه أحمد ، والله أعلم .
قال : ثم غدوا إلى المصلى ، مظهرين التكبير .
ش : السنة فعل العيد في المصلى .
907 لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى . ولم ينقل عنه أنه صلاهما في المسجد لغير عذر ، وكذلك خلفاؤه ، من بعده ، وقد اشتهر عن علي رضي الله عنه 16 ( أنه استخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد ) .
908 وفي أبي داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه أصابهم مطر في يوم عيد ، فصلى بهم النبي صلاة العيد في المسجد .
909 وقد ذكر أحمد في رواية أبي طالب عن مخنف بن سليم رضي الله عنه أنه قال : 16 ( الخروج إلى المصلى يوم الأضحى يعد حجة ، ويم الفطر يعدل عمرة ) .
ويسن التكبير روإظهاره في الرواح إلى المصلى .
910 لما روى ابن عمر أن النبي كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى ، رواه الدراقطني .
911 وعن ابن عمر أنه 16 ( كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير ، حتى يأتي المصلى ، ثم يكبر حتى يأتي الإِمام ) ، رواه الدارقطني .
912 وروي التكبير في العيد عن علي ، وأبي قتادة رضي الله عنهما .
وينتهي التكبير بالوصول إلى المصلى في رواية ، وفي أخرى بخروج الإِمام إلى الصلاة ، وفي ثالثة وهي اختيار القاضي وأصحابه بفراغ الخطبة ، والله أعلم .
قال : وإذا حلت الصلاة تقدم الإِمام فصلى بهم ركعتين .
ش : يحتمل أن اللام في الصلاة للعهد ، و ( حلت ) من الحلول أي إذا حلت صلاة العيد ، أي جاء ودخل وقتها .
ويحتمل أن اللام للجنس ، أي جنس الصلاة النافلة ، و ( حل ) من الحل وهو الإِباحة ، كقوله تعالى : 19 ( { ويحل لهم الطيبات } ) أي إذا أبيحت صلاة النافلة ، وهو إذا ارتفعت الشمس قيد رمح كما تقدم ، وهذا أجود ، لتضمنه معرفة أول وقت الصلاة ، وهو كما قلنا إذا خرج وقت [ النهي ] .
913 لما روى يزيد بن خمير الرحبي قال : 16 ( خرج عبد الله بن بشر صاح رسول الله في يوم عيد فطر أو أضحى ، فأنكر إبطاء الإِمام ، وقال : إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه ، وذلك حين التسبيح ) ، رواه أبو داود ، وابن ماجه أي وقت صلاة النافلة ، وآخر وقتها إذا قام قائم الظهيرة ، وهي ركعتان بالإِجماع ، والسنة المستفيضة ، والله أعلم .
قال : بلا أذان ولا إقامة .
914 ش : في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال : شهدت مع النبي العيدين ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، بلا أذان ولا إقامة .
915 وصح ذلك [ أيضاً ] من حديث ابن عباس وغيره والله أعلم .
قال : ويقرأ في كل ركعة منهما بالحمد الله وسورة .
ش : أما قراءة الحمد قلما تقدم من قوله : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وأما قراءة السورة فلا نزاع في استحبابها لما سيأتي ، والمستحب أن يقرأ في الأولى بسبح ، وفي الثانية بالغاشية ، على أشهر الروايات .
916 لما روي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي كان يقرأ في العيدين ب 9 ( { سبح اسم ربك الأعلى } ) و 9 ( { هل أتاك حديث الغاشية } ) رواه الإِمام أحمد ، وهو لابن ماجه من حديث النعمان بن بشير ، وابن عباس ، ويرشح هذا عمل الصحابة .
917 فروى النجاد عن أنس وعمر 6 ( أنهما كانا يقرآن بهما ) .
( والثانية ) : يقرأ في الأولى بقاف ، وفي الثانية باقتربت .
918 لما في مسلم والسنن عن أبي واقد الليثي ، أنه كان يقرأ بقاف واقتربت . ( والثالثة ) : ليس فيهما سورة يتعين استحبابها ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، لأن النبي تارة قرأ بتين وتارة قرأ بتين ، كما تقدم ، فدل على أنه لا يتعين .
قال : ويجهر بالقراءة .
ش : هذا إجماع توارثه الخلف عن السلف ، وفي قولهم : إنه كان يقرأ في الأولى بكذا ، وفي الثانية بكذا ، دليل على ذلك ، والله أعلم .
قال : ويكبر في الأولى سبع تكبيرات ، منها تكبير الافتتاح .
919 ش : روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ، أن النبي كبر ثنت عشرة تكبيرة ، سبعا في الأولى ، وخمساً في الأخرى ، ولم يصل قبلها ولا بعدها ا ، رواه أحمد وابن ماجه . قال أحمد : أنا أذهب إلى هذا ، وكذلك ذهب إليه ابن المديني وصحح الحديث ، نقله عنه حرب ، ورواه أبو داود ولفظه : أن نبي الله قال : ( التكبير في الفطر سبع في الأولى ، وخمس في الآخرى ، والقراءة بعد كليهما ) ولحديث عمرو بن عوف المزني وسيأتي .
920 مع أنه روي عن جماعة من الصحابة ، وإنما عدت تكبيرة الافتتاح من السبع لأنها تفعل في القيام ، بخلاف تكبيرة القيام في الثانية ، فإنها لم تعد من الخمس ، لأنها تفعل مع القيام .
قال : ويرفع يديه مع كل تكبيرة ، [ كتكبيرة الإِحرام ] .
ش : يرفع [ يديه ] مع جميع التكبيرات يبتديه مع ابتدائه ، وينهيه مع انتهائه ، اتباعا .
921 لما روي عن عمر رضي الله عنه 16 ( أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة ، في الجنازة ، وفي العيد ) ، وعن زيد بن ثابت مثله رواهما الأثرم .
قال : ويستفتح في أولها .
ش : هذا المشهور من الروايتين ، لأن الاستفتاح يراد للدخول في الصلاة ، والرواية الثانية : يؤخره إلى أن يفرغ من جميع التكبيرات ، اختارها الخلال وصاحبه ، لتليه الاستعاذة ، كبقية الصلوات ، ولتوالي التكبيرات والله أعلم .
قال : ويحمد الله ، ويثني عليه ، ويصلي على النبي بين كل تكبيرتين ، وإن أحب قال : الله أكبر كبيراً ، والحمد الله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، وصلوات الله على محمد النبي الأمي ، وعليه السلام وإن أحب قال غير ذلك .
922 ش : [ ذكر ابن المنذر واحتج به أحمد عن ابن مسعود أنه [ قال ] : 16 ( بين كل تكبيرتين يحمد الله [ ويثني عليه ] ، ويصلي على النبي ويدعو ) وهذا الذي ذكره الخرقي يشتمل على هذا ، وإن أحب قال نحو ذلك ] كسبحان الله ، والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وصلى الله على محمد ، أو ما شاء من الذكر ، قال أحمد في رواية حرب : ليس بين التبكيرتين شيء مؤقت .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يقول ذلك بعد الأخيرة ، وقاله القاضيان ، أبو يعلى وأبو الحسين ، وظاهر كلام أبي الخطاب أنه يقوله بعد الأخيرة ، وهو الذي صححه أبو البكرات ، وقد اختلف النقل في ذلك عن ابن مسعود والله أعلم .
قال : ويكبر في الثانية خمس تكبيرات ، سوى التكبيرة التي يقوم بها من السجود ، ويرفع يديه مع كل تكبيرة .
ش : قد تقدم هذا فلا حاجة إلى إعادته ، وظاهر كلام الخرقي [ أن القراءة تكون ] بعد التكبير في الركعتين ، وهو المشهور من الروايتين ، واختيار القاضي وعامة أصحابه ، لما تقدم من حديث عمرو بن شعيب .
923 وعن عمرو بن عوف المزني أن النبي كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة ، وفي الثانية خمساً قبل القراءة ، رواه الترمذي [ وحسنه ] قال : هو أحسن شيء في الباب عن النبي ، وصححه البخاري هو وحديث عمر بن شعيب .
( والرواية الثانية ) : يوالي بين القراءتين ، ويكون التكبير في الثانية بعد القراءة ، اختارها أبو بكر .
924 لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( التكبير في العيدين سبعاً قبل القراءة ، وخمساً بعد القراءة ) رواه أحمد ( وعن أحمد ) رواية ثالثة بالتخبير ، قال في رواية الميموني : اختلف أصحاب رسول الله في التكبير ، وكل جائز . والله أعلم .
قال : وإذا سلم خطب بهم خطبتين ، يجلس بينهما .
ش : قد تضمن هذا الكلام أن خطبة العيد [ تكون ] بعد الصلاة ، وهذا كالإِجماع ، وقد استفاضت به الأحاديث عن صاحب الشرع ، وعن خلفائه الراشدين .
925 ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : 16 ( كان رسول الله وأبو بكر ، وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة ) .
926 [ وعن جابر رضي الله عنه : شهد رسول الله يوم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ] بلا أذان ولا إقامة .
927 16 ( وتقديم عثمان لهما في أواخر خلافته رضي الله عنه لكثرة الناس ، ) ليدرك عامتهم الصلاة ، فإنها أهم من الخطبة المتفق على كونها سنة ، والسنة أن يخطب خطبتين ، يجلس بنيهما .
928 لما روى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : 16 ( السنة أن يخطب الإِمام في العيدين خطبتين ، يفصل بينهما بجلوس ) ؛ رواه الشافعي في مسنده .
929 وقال جابر : خرج النبي يوم فطر أو أضحى ، فخطب قائماً ، ثم قعد قعدة ، ثم قام . رواه ابن ماجه [ وصفة هذه الخطبة كخطبة الجمعة ، إلا أنه يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات ، وفي الثانية بسبع ] وهل يجلس عند صعوده المنبر كالجمعة ، وهو ظاهر كلام أحمد ، أو لا يجلس ، لأن الجلوس ثم للأذان ولا أذان هنا ؟ وجهان . والقيام فيها مستحب وإن وجب في الجمعة في رواية فلو خطب قاعداً ، أو على راحلته فلا بأس ، لأنها أشبهت صلاة التطوع .
930 وقد روي عن عثمان ، وعلي والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم 16 ( أنهم خطبوا على رواحلهم ) ، وتفارق الجمعة [ أيضا في الطهارة و ] في كونها يليها من يلي الصلاة ، وفي الجلسة بين الخطبتين ، فإن ذلك وإن وجب للجمعة لا يجب لها ، ولا يعتبر لها العدد ، وإن اعتبرناه للجمعة والله أعلم .
قال : فإن كان فطراً حظهم على الصدقة ، وبين لهم ما يخرجون ، وإن كان أضحى رغبهم في الأضحية ، وبين لهم ما يضحى به .
ش : يذكر في كل خطبة ما يليق بها ، ففي عيد الفطر يرغبهم في الصدقة ، ويبين لهم حكمها ، وما اشتملت عليه من الثواب ، وقدر المخرج ، وجنسه وعلى من تجب ، ونحو ذلك وفي الأضحى يرغبهم في الأضحية ، ويبني لهم حكمها ، والمجزيء فيها ، ووقت ذبحها ، ونحو ذلك .
931 وقد ثبت أن النبي ذكر في خطبة الأضحى كثيراً من أحكام الأضحية من رواية أبي سعيد ، والبراء وغيرهما ، والله أعلم .
قال : ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها .
ش : لما تقدم من حديث عمرو بن شعيب .
932 وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خرج رسول الله يوم فطر ، فصلى ركعتين ، لم يصل قبلها ، ثم أتى النساء ومعه بلال ، فأمرهن بالصدقة ، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها .
933 وللبخاري [ عنه ] 16 ( أنه كره الصلاة قبلها ) .
934 واستخلف علي أبا مسعود على الناس ، فخرج يوم عيد فقال : 16 ( يا أيها الناس إنه ليس من السنة أن يصلي قبل الإِمام ) . رواه النسائي .
935 وعن ابن سيرين ، أن ابن مسعود وحذيفة 16 ( قاما ، أو قاما أحدهما ، فنهيا أو نهى الناس أن يصلوا يوم العيد قبل خروج الإِمام ) ، رواه سعيد .
936 وقال الزهري : 16 ( لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف هذ الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ، ولا بعدها ) . رواه الأثرم .
937 وعن مطر الوراق قال : 6 ( ما صلى في العيد قبل الإِمام بدري ) . رواه سعيد .
وكلام الخرقي يشمل المسجد وغيره ، وصرح به القاضي وغيره ، لكن كلام الخرقي مقيد بمصلى العيد ، وأما لو صلى في غيره فلا بأس ، فعله أحمد ، وذكره الأصحاب .
938 أنه كان لا يصلي قبل العيد شيئاً ، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين . رواه ابن ماجه ، وأحمد بمعناه ، والله أعلم .
ثال : وإذا غدا من طريق رجع في غيرها .
939 ش : قال جابر رضي الله عنه : كان النبي إذا كان يوم عيد خالف الطريق . رواه البخاري .
940 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان النبي إذا خرج إلى العيد يرجع من غير الطريق الذي خرج فيه . رواه مسلم وغيره .
واختلف لأي شيء فعل ذلك ، فقيل : لتشهد له الطريقان ، وقيل : ليتصدق على أهلهما . وقيل : ليغيظ المنافقين ، ويريهم كثرة المسلمين ، وقيل ليساوي بينهما في التبرك به ، والمسرة بمشاهدته والانتفاع بمساءلته . وقيل : لأن الطريق الذي كان يغدو فيه أطول ، والثواب [ يكثر ] بكثرة الخطا إلى الطاعة . وقيل غير ذلك ، وبالجملة يقتدى به ، لاحتمال وجود المعنى في حقنا ، وتستحب المخالفة في الجمعة أيضاً نص عليه ، والله أعلم .
قال : ومن فاتته صلاة العيد صلى أربع ركعات كصلاة التطوع [ يسلم في آخرها ] وإن أحب فصل بسلام بين كل ركعتين .
ش : من فاتته صلاة العيد استحب له قضاؤها .
941 لأن 6 ( ابن مسعود وأنساً قضياها ) . ويقضيها أربعاً ، على المشهور من الروايات واختارها الخرقي ، والقاضي ، والشريف ، وأبو الخطاب في خلافاتهم ، وأبو بكر فيما حكاه عنه القاضي والشريف .
942 لأن ابن مسعود رضي الله عنه قال : 6 ( من فاته العيد فليصل أربعاً ) . رواه سعيد .
943 قال أحمد : يقوي ذلك حديث علي أنه أمر رجلًا يصلي بضعفه النا أربعاً ، ولا يخطب ، وعلى هذه الرواية يصلي بلا تكبير ، وقد أشار إليه الخرقي بقوله : كصلاة التطوع . ثم إن أحب صلى الأربع بسلام واحد ، وإن شاء بسلامين ، على إحدى الروايتين ، والرواية الأخرى بسلام واحد . ( والرواية الثانية ) : يقضيها ركعتين لا غير ، اختارها الجوزجاني ، وأبو محمد في العمدة ، وأبو بكر في التنبيه ، فيما حكاه عنه أبو الحسين .
944 لأن أنساً رضي الله عنه 16 ( كان إذا لم يحضر العيد مع الناس جمع أهله وولده وصلى ركعتين ، يكبر فيهما ) ، وعلى هذه الرواية يكبر فيها . ( والثالثة ) يخير بين ركعتين بتكبير ، وأربع بلا تكبير ، لأن كليهما ثبت عن الصحابة فخيرناه بينهما .
وقول الخرقي : ومن فاتته الصلاة . ظاهره أنه فاتته جميع الصلاة ، فلو أدركهم بعد الركوع في الثانية فإنه يقضيهما ركعتين بلا نزاع ، وهذه طريقة الشيخين وغيرهما ، وفي التعليق الكبير أنه على الخلاف في القضاء ، وقاسه على الجمعة وقد نص أحمد على الفرق في رواية حنبل ، وقال : إذا أدرك التشهد في العيد يصلي ركعتين ، وإن أدرك مثله في الجمعة صلى أربعاً ، ومع تصريح الإِمام بالفرق يمتنع الإِلحاق .
قال : ويبتديء التكبير يوم عرفة من صلاة الفجر ، ثم لا يزال يكبر [ في ] دبر كل صلاة مكتوبة صلاها في جماعة ، وعن أبي عبد الله رحمه الله عليه رواية أخرى أنه يكبر لصلاة الفرض وإن كان وحده ، حتى يكبر لصلاة العصر من آخر أيام التشريق ثم يقطع . والله أعلم .
ش : قد تضمن هذا الكلام مشروعية التكبير عقب الصلوات في عيد النحر ولا نزاع في ذلك في الجملة ، وقد قال الله تعالى : 19 ( { واذكروا الله في أيام معدودات } ) .
945 وقد فسرت بأيام التشريق مع يوم النحر ، ثم الكلام في وقته ، ومحله ، وصفته .
أما وقته ففي حق المحل من صلاة الفجر يوم عرفة ، إلى العصر من آخر أيام التشريق ، لما تقدم من الآية الكريمة [ إذا ظاهرها الذي في جميع الأيام ] .
946 ويؤيده ما في صحيح مسلم وغيره عن نبيشة ، عن النبي قال : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل ) .
947 وقد روى الدارقطني من طرق عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الصبح يوم عرفة ثم أقبل علينا فقال : ( الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله [ ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق . وفي بعض الطرق أنه لا إله إلا الله ] والله أكبر ، الله أكبر والله الحمد ) .
948 وقيل للإِمام أحمد رحمه الله تعالى : بأي حديث تذهب ، إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة ، إلى آخر أيام التشريق ؟ [ قال : بإجماع عمر وعلي ، وابن عباس ، وابن مسعود رضي الله عنهم ، وفي حق المحرم من صلاة الظهر يوم النحر ، إلى آخر أيام التشريق ] العصر ، لأنه قبل ذلك مشتغل بالتلبية ، وعن أحمد : ينتهي بصلاة الفجر من آخر أيام التشريق ، والأول المذهب .
وأما محله فعقب الصلوات المفروضات في جماعة ، بالإِجماع الثابت بنقل الخلف عن السلف ، لا النوافل ، وإن صليت في جماعة ، وفي الفريضة إذا صلاها وحده روايتان ، المشهور منهما وهو اختيار أبي حفص ، والقاضي ، وعامة الأصحاب لا يكبر .
949 لأن ابن مسعود رضي الله عنه قال : 16 ( التكبير على من صلى في جماعة ) . رواه حرب وغيره .
950 وقال أحمد : أعلى شيء في الباب حديث ابن عمر أنه صلى وحده ولم يكبر ، [ وإليه نذهب ، ( والثانية ) : وهي ظاهر كلام ابن أبي موسى يكبر ] نظراً لإِطلاق الآية الكريمة والحديث ، وفي التكبير عقيب صلاة عيد الأضحى قولان ، [ أحدهما ] : وهو اختيار أبي بكر ، وظاهر كلام الخرقي يكبر ، لشبهها بفرض العين في اشتراك الجميع في الخطاب ، والثاني : لا ، لشبهها بالنافلة في سقوطها عن المكلفين في ثاني الحال .
وكلام الخرقي يشمل المقيم والمساقر ، والرجل والمرأة ، وهو المشهور ، وعن أحمد : لا تكبر المرأة كالأذان ، نعم إن صلت مع الرجال كبرت معهم تبعاً ، ويشمل المسبوق ببعض الصلاة فإنه صلى في جماعة .
وأما صفته فالله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، [ ولله الحمد .
لما تقدم في حديث جابر .
951 وعن ابن مسعود رضي الله عنه 16 ( كان يكبر أيام التشريق : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ] ولله الحمد ) ، وعليه اعتمد أحمد ، وروي ذلك أيضاً عن عمر ، وعلي رضي الله عنهما ، والله سبحانه أعلم .
كتاب صلاة الخوف
ش : الإِضافة بمعنى اللام ، أي الصلاة للخوف ، أو بمعنى ( في ) أي الصلاة في الخوف ، وهي ثابتة بنص الكتاب وبالسنة قال الله تعالى : 19 ( { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منها معك } ) الآية واستفاضت السنة أن النبي كان يصلي صلاة الخوف ، وأجمع العلماء على ذلك ، وعامتهم على ثبوت ذلك بعد النبي ، لأن ما ثبت في حقه ثبت في حقنا .
952 مع أن الصحابة رضي الله عنهم [ قد ] فعلوها بعد موته ، ومنهم علي ، وأبو موسى الأشعري ، وحذيفة ، وهو دليل على بقاء الحكم .
قال : وصلاة الخوف إذا كانت بإزاء العدو ، وهو في سفر ، صلى بطائفة ركعة [ وثبت قائماً ] وأتمت لأنفسها أخرى بالحمد لله وسورة ، ثم ذهبت تحرس وجاءت الطائفة الأخرى التي بإزاء العدو فصلت معه ركعة ، وأتمت لأنفسها أخرى بالحمد الله [ وسورة ] ويطيل التشهد حتى يتموا التشهد ويسلم بهم .
ش : ورد في صفة صلاة الخوف أحاديث صحاح جياد ، قال أحمد : ستة أو سبعة وقيل أكثر من ذلك . وأحمد رحمه الله على قاعدته ، يجوز جميع ما ورد ، إلا أن المختار عنده إذا كان العدو في غير جهة القبلة هذه الصفة التي ذكرها الخرقي واقتصر عليها .
953 وهو ما روى صالح بن خوات عمن صلى مع النبي يوم ذات الرقاع ، أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو ، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً ، وأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى ، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالساً فأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم . رواه الجماعة إلا ابن ماجه ، وفي رواية أخرى للجماعة : عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة عن النبي ، بمثل هذه الصفة ، وإنما اختار أحمد هذه الصفة على غيرها قال : لأنها أنكأ للعدو ، إذ الطائفة التي تقف تجاه العدو تقف مستيقظة للعدو ، إذ ليست في صلاة لا حساً ولا حكماً ، ولموافقتها لظاهر القرآن ، لأن الله سبحانه وتعالى قال : 19 ( { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ، وليأخذوا أسلحتهم ، فإذ سجدوا فليكونوا من ورائكم } ) فجعل سبحانه السجود لهم خاصة ، فعلم أنهم يفعلونه منفردين ، وقال سبحانه : 9 ( { ولتأت طئفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } ) [ وظاهره أن جميع صلاتهم تكون معه ] وكذا في هذه الصفة ، لأن الطائفة الأولى تصلي معه ركعة ، ثم تفارقه فتصلي الركعة الثانية وحدها ، والثانية تصلي معه الركعة الثانية ، ثم ينتظرها في التشهد حتى تأتي بالركعة فيسلم بها فأتمامها به لم يزل إلا بالسلام .
وقول الخرقي : وصلاة الخوف إذا كان بإزآء العدو ، أي بحضرة العدو ، يعني أن الصلاة للخوف لا يكون إلا بحضرة العدو ، فلا تفعل في غير ذلك ، وهو شامل لما إذا كان العدو في جهة القبلة ، أو في غير جهتها ، ونص عليه أحمد ، إلا أن هذه الصفة تختار إذا كان العدو في [ غير ] جهة القبلة ، وجعله القاضي ، وأبو الخطاب شرطاً .
954 لأنه إذا كان في جهتها فيستغني عن هذه الصلاة بصلاة عسفان ، التي هي أقل مخالفة للأصل من هذه الصلاة ، و أبو البركات في الحقيقة يختار هذا القول ، لأنه قال : عندي أن كلام أحمد رحمه الله محمول على ما إذا لم تمكن صلاة عسفان ، لاستتار العدو ، أو خوف كمين له ، وكلام القاضي وأبي الخطاب على ما إذا أمكنت صلاة عسفان ، وهو ظاهر كلام طائفة من الأصحاب .
وقوله : وهو في سفر . يحترز به عن الحضر كما سيأتي . وقوله : صلى بطائفة ركعة . ظاهره إطلاق الطائفة ، وهو اختيار أبي محمد ، نظراً إلى [ أن ] الطائفة تقع على القليل والكثير ، وقال أبو الخطاب وتبعه صاحب التلخيص ، وأبو البركات شرط الطائفة أن تكون ثلاة فصاعدا لقوله سبحانه : 9 ( { فلتقم طائفة منهم معك ، وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا } ) وهذا جمع ، وأقل الجمع ثلاثة ، لكن على القولين لا بد وأن تكون الطائفة التي بإزآء العدو ممن تحصل الثقة بكفايتها وحراستها .
وقوله : وأتمت لأنفسها [ أخرى . يعني إذا قام إلى الثانية نوت مفارقته ، وأتمت لأنفسها ] ركعة أخرى ويقف الإِمام ينتظر الطائفة الثانية وهو يقرأ ، فإذا جاءت الطائفة الثانية دخلت معه في الركعة الثانية ، فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعة أخرى ، وهم في حكم الإِئتمام به ، ويكرر هو التشهد حتى تدركه فيه فيسلم بهم .
واعلم أن من شرط صلاة الخوف بلا نزاع عندنا أن يكون العدو يحل قتاله ، ويخاف هجومه ، والله أعلم .
قال : وإن خاف وهو مقيم صلى بكل طائفة ركعتين ، وأتمت الطائفة الأولى بالحمد الله في كل ركعة ، والطائفة الأخرى تتم بالحمد لله وسورة .
ش : قد دل هذا على أن صلاة الخوف تفعل في الحضر ، كما تفعل في السفر ، وذلك لعموم 9 ( { وإذا كانت فيهم } ) الآية ، وإنما له تأثير في قصر الصفة ، وأي نقصها والسفر له تأثير في قصر العدد ، ولهذا قيل : إذا اجتمعا وجد القصر المطلق ، ولهذا قيدت الآية الكريمة بالخوف ، لأنه مع الضرب في الأرض يجتمع الأمران ، فالمراد بالآية الكريمة والله أعلم القصر المطلق ، لا المقيد ، وقيل : عن أحمد ما يدل [ على ] جواز فعلها ركعة ، والأول المشهور .
ودل كلامه أيضاً على أن ما يدركه المسبوق آخر صلاته ، وما يقضيه أولها ، لأنه جعل الطائفة الأولى تتم بالحمد لله فقط ، لأنها أدركت أول الصلاة بلا ريب ، والطائفة الثانية تتم بالحمد لله وسورة ، لأن ما أدكرته آخر صلاتها ، فالذي تقضيه أولها ، وهذا هو المشهور من الروايتين ، وعليه الأصحاب .
955 لما روى أن أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي أنه قال : ( ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا ) رواه أحمد ، والنسائي ، ولمسلم ( فصل ما أدركت ، واقض ما سبقك ) والحجة فيه من ثلاثة أوجه ( أحدهما ) : قوله : ( ما أدركتم فصلوا ) والذي أدركه مع الإِمام آخر صلاته ، فوجب أن يصليه معه ، ( والثاني ) : قوله : ( وما فاتكم ) و ( ما سبقك ) والذي فاته وسبقه به أول الصلاة ، فعلم أنه الذي يفعله بعد مفارقته ، ( والثالث ) : قوله : ( فاقضوا ) والقضاء إنما يكون لما فات وقته ، وانقضى محله ، لأن المأموم تابع ، فلا يشتغل بغير ما يفعله إمامه .
( والرواية الثانية ) : أن ما يدركه المسبوق أول صلاته ، وما يقضيه آخرها .
956 لقول النبي : ( فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا ) والإِتمام إنما يكون لما فعل أوله ، فيتم آخره ، وأجيب بأن الإِتمام إنما يستدعي النقصان ، أولًا كان أو آخراً ، فإذاً يحمل قوله : ( فأتموا ) أي فأتموا قضاء ، جمعاً بين الروايتين .
وللخلاف فوائد ( منها ) الاستفتاح ، لا يستفتح على المذهب إلا في أول ركعة يقضيها ، لحكمنا أنها أول صلاته ، وعلى الثانية إذا افتتح الصلاة ( ومنها ) التعوذ ، إذا قلنا : يختص بأول ركعة لا يتعوذ إلا إذا قام يقضي ، على المختار ، وعلى الثانية مع التحريم . ( ومنها ) الجهر والإِسرار ، إذا فاته الأولتان من المغرب جهر في قضائها إن شاء ، وعلى الثانية لا يجهر . ( ومنها ) [ قدر ] القراءة ، إذا فاتته الركعتان ، من الرباعية قرأ في قضائها بالحمد وسورة على المذهب ، وعلى الرواية الأخرى يقرأ بالحمد فقط ، وهذه مسألة الخرقي . ( ومنها ) قنوت الوتر إذا أدركه المسبوق خلف من يصلي الثلاث بسلام واحد ، فإنه إذا قضى لم يعد القنوت إلا على الرواية الضعيفة . ( ومنها ) تكبيرات العيد الزوائد ، إذا أدرك منها ركعة فإنه يكبر مع إمامه [ فيها ] فإذا قام يقضي الركعة التي فاتته فإنه يكبر فيها التكبير المشروع في الأولى ، نص عليه ، وقياس الرواية الثانية أنه لا يكبر إلا المشروع في الثانية ، ( ومنها ) محل التشهد الأول ، فإذا أدرك ركعة من المغرب ، ثم قام يقضي ، فإنه يتشهد عقب ركعة ، على الرواية المرجوحة ، وعلى المشهور ، وفيه عن أحمد روايتان ( إحداهما ) أنه يأتي بركعتين متواليتين ، ثم يتشهد عقيبهما ، لأن الذي فاته كذلك ، ( والثانية ) يتشهد عقيب ركعة منه ، وإن كان أول صلاته .
957 لأن ابن مسعود رضي الله عنه قال ذلك . ولا يعرف له مخالف من علماء الصحابة رضي الله عنهم ، وإذاً يكون ما أدركه أو صلاته حكماً لا فعلًا ، والله علم .
( تنبيه ) : هل تفارقه الطائفة الأولى إذا أنهى تشهده وينتظر الثانية وهو جالس ، أن تكون المفارقة والإِنتظار في الثالثة ؟ فيه وجهان ، والله أعلم .
قال : وإن كانت الصلاة مغرباً صلى بالطائفة الأولى ركعتين ، وأتمت لأنفسها ركعة ، تقرأ فيها ب 19 ( { الحمد لله رب العالمين } ) ويصلي بالطائفة الأخرى ركعة ، وأتمت لأنفسها ركعتين ، تقرأ فيهما بالحمد لله ، وسورة .
ش : لأنه إذا لم يكن بد من [ أن ] إحدى الطائفتين تصلي ركعة ، فالحمل لنا على الطائفة الثانية أولى ، لأن الأولى تميزت بالسبق ، والله أعلم .
قال : وإذا كان الخوف شديداً ، وهو في [ حال ] المسايفة . صلوا رجالًا وركباناً ، إلى القبلة أو إلى غيرها [ يومئون إيماء ] يبتدؤن بتكبيرة الإِحرام إلى القبلة إن قدروا ، [ وإلا إلى غيرها ] .
ش : قد تضمن هذا الكلام أن الصلاة حال المسايفة والتحام الحرب لا يسقط ، ولا نزاع في ذلك ، وأنه لا يجوز تأخيرها إن لم تكن الأولى من المجموعتين ، على المشهور في الروايتين ، لقول الله تعالى : 19 ( { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ) أي : فصلوا رجالًا أو ركبانا . وظاهر الأمر بالصلاة على هذه الصفة والحال هذه ، والأمر للوجوب والفور عندنا .
958 ( وعن ) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي وصف صلاة الخوف ، وقال : ( فإن كان خوفاً أشد من ذلك فرجالاً أو ركبانا ) رواه ابن ماجه .
( والرواية الثانية ) : حكاها ابن أبي موسى يجوز التأخير حال الإِلتحام .
959 لأن النبي أخر الصلاة يوم الخندق .
960 ( وعن ) ابن عمر رضي الله عنهما قال : نادى فينا رسول الله يوم انصرف عن الأحزاب ( أن يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة ) فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة ، وقال آخرون : لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله ، وإن فاتنا الوقت . قال : فما عنف رسول الله واحداً من الفريقين . رواه مسلم وغيره .
96( وأجيب ) بأن تأخير الصلاة يوم الأحزاب كان قبل أن ينزل قوله تعالى : 19 ( { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ) كذا رواه أحمد والنسائي ، من رواية أبي سعيد وقال ابن عبد البر : هو حديث ثابت ، ويجوز أن يكون لعذر من نسيان أو غيره .
962 يؤيد ذلك ما رواه أحمد أنه قال الأصحابة : ( هل علم أحد منكم أني صليت العصر ؟ ) قالوا : لا . فصلاها . وفي ادعاء النسخ نظر ، لأن الجمع بينهما ممكن ، بأن تحمل الآية والحديث على الجواز ، وفعله على ذلك ، وإذاً يحصل الجمع ، وهو أولى مع النسخ . وبالجملة الأول المذهب ، وعليه : يصلون كيف ما أمكنهم ، رجالًا وركباناً ، إلى القبلة وغيرها ، يومئون إيماءاً على قدر طاقتهم ، ويكون إيماؤهم بالسجود أخفض من إيمائهم بالركوع ، يضربون ، ويكرون ويفرون على حسب المصلحة ، ولا يشترط الاضطرار إلى ذلك ، ولا يلزمهم الافتتاح إلى القبلة إن عجزوا عنه ، وإن أمكنهم فروايتان ، المشهور وهو الذي قاله الخرقي اللزوم .
وظاهر كلام الخرقي وقاله الأصحاب أن لهم أن يصلوا جماعة ، ومال أبو محمد إلى المنع ، حذارا من تقدم الإِمام والله أعلم .
قال : ومن أمن وهو في الصلاة أتمها صلاة آمن ، وكذلك إن كان آمناً فاشتد خوفه أتمها صلاة خائف . والله أعلم .
ش : الحكم يوجد بوجود علته ، وينتفي بانتفائها ، والمقتضي لهذه الصلاة هو الخوف ، فإذا أمن زال الخوف ، فيصلي صلاة آمن ، بواجباتها وصفتها المعروفة ، وما صلاه وهو خائف على صفته محكوم بصحته ، وإن كان آمناً فخاف فقد وجدت العلة فيوجد الحكم ، والله أعلم .
كتاب صلاة الكسوف
ش : الكسوف والخسوف واحد ، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ، قال المنذري : روى حديث الكسوف تسعة عشر نفساً ، بعضهم بالكاف ، وبعضهم بالخاء ، وبعضهم باللفظين جميعاً . انتهى ، وقيل : الكسوف للشمس ، والخسوف للقمر ، وقيل : الخسوف في الكل ، والكسوف في البعض ، وقيل : الكسوف تغيرهما ، والخسوف تغيبهما في السواد .
والأصل في سنيتها ومطلوبيتها السنة المستفيضة الصحيحة ، ففي الصحيح في غير حديث أن النبي صلاها وأمر بها .
963 قال أبو مسعود البدري رضي الله عنه : قال رسول الله : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا ، وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) متفق عليه ، ومتفق على نحوه من حديث ابن عمر ، وعائشة وابن عباس ، وأبي موسى ، وغيرهم ، رضي الله عنهم .
قال : وإذا خسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة ، إن أحبوا جماعة ، وإن أحبوا فرادى [ بلا أذان ، ولا إقامة ] .
ش : أي فزع الناس مما وقع ، ومضوا إلى الصلاة .
964 وفي الصحيح قال : خسفت الشمس في زمان رسول الله ، فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة ، حتى أتى المسجد ، فقام فصلى بأطول قيام ، وركوع ، وسجود ، ما رأيته يفعل في صلاة قط ، ثم قال : ( إن هذه الآيات التي يرسلها الله ، لا تكون لموت أحد من الناس ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ، ودعائه واستغفاره ) .
وظاهر كلامه أنه لا يشترط لها إذن الإِمام ، وهو المذهب قال أبو بكر : في إذن الأِمام روايتان ، والله أعلم .
قال : ويقرأ في الأولى بأم الكتاب وسورة طويلة ، ويجهر بالقراءة ، ثم يركع فيطيل الركوع ، ثم يرفع فيقرأ ويطيل القيام ، وهو دون القيام الأول ثم يركع فيطيل الركعوع وهو دون الركوع الأول ثم يسجد سجدتين طويلتين ، فإذا قام فعل مثل ذلك ، فيكون أربع ركعات وأربع سجدات ، ثم يتشهد ويسلم .
ش : المستحب والمختار في صلاة الكسوف كما ذكر الخرقي رحمه الله أن يصلي ركعتين ، تشتمل كل ركعة منهما على ركوعين وسجدتين ، على الصفة المذكورة .
965 لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : خسفت الشمس على حياة رسول الله ، فخرج رسول الله إلى المسجد ، [ فقام ] فكبر وصف الناس وراءه ، فاقترأ قراءة طويلة ، ثم كبر ، فركع ركوعاً طويلًا ، هو أدنى من القراءة الأولى ، ثم رفع رأسه فقال : ( سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك [ الحمد ) ثم قام فافترأ قراءة طويلة ، هو أدنى من القراءة الأولى ، ثم كبر فركع ركوعاً طويلًا هو أدنى من الركوع الأولى ، ثم قال : ( سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ] ) ثم سجد ، ثم فعل في الركعة [ الأخرى ] مثل ذلك ، حتى استكمل أرب ركعات ، وأربع سجدات ، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ، ثم قام فخطب [ الناس ] فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة ) .
966 وفي الصحيحين أيضاً عنها أن النبي جهر في صلاة الكسوف بقراءته فصلى أربع ركعات ، في ركعتين وأربع سجدات ) وقد تبين من الحديث السابق أنه إذا قام من الركوع أنه يسمع ويحمد ، ثم يقرأ ، ونص على ذلك الأصحاب ، والخرقي أهمل ذكر ذلك .
967 واعلم أنه قد جاء في صحيح مسلم وغيره أن النبي أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات ، وأربع ركوعات .
968 وفي السنن بخمس وأحمد رحمه الله على قاعدته يجوز الجميع ، وإن كان مختاره الصفة الأولى .
969 بل وجاء أنه صلاها بركوع واحد ، ولهذا عندنا أن الركوع الثاني سنة ، يجوز تركه .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا خطبة لها ، وهو المشهور من الروايتين ، وعليه الأصحاب ، لأن النبي لم يأمر لها بخطبة ، وخطبته كان ليعلمهم حكمها .
ولم يعين الخرقي قدر القراءة ، ولا قدر الركوع ، ذلك على [ نحو ] ما تقدم من حديث عائشة وغيرها ، وقال أبو الخطاب وغيره : يقرأ في الأولى بقدر سورة البقرة ، ثم في كل قيام كمعظم قراءة الذين قبله .
970 وذلك لأن في الصحيح من حديث ابن عباس قال : خسفت الشمس ، فصلى رسول الله ، فقام قياماً طويلًا ، نحوا من سورة البقرة ، ثم ركع ركوعاً طويلًا ، ثم رفع فقام قياماً طويلًا ، وهو دون القيام الأول . الحديث .
971 وفي حديث لعائشة قالت : وأطال القيام في صلاته ، قالت : فأحسبه قرأة بسورة البقرة . رواه أحمد ، والنسائي ، ولو قرأ بدون ذلك جاز .
972 فقد جاء أنه قرأ في الركوع الأول بالعنكبوت ، وفي الثانية بالروم ، رواه الدارقطني ، وقال القاضي ، و أبو الخطاب ، وغيرهما : يسبح في الركوع الأول بقدر مائة آية ثم بعده في كل ركوع كمعظم الذي قبله . وقال ابن أبي موسى يسبح في كل ركوع بقدر معظم القراءة في القيام الذي قبله . وهذا اختيار أبي البركات ، لما تقدم من حديث عائشة ، وليس لأحمد في ذلك نص ، وظاهر كلام كثير من الأصحاب أن الجلسة بين السجدتين وقيام الرفع من الركوع لا يطيلهما ، وهو ظاهر حديث عائشة المتقدم ، وقال صاحب التلخيص : يطيل الجلسة . والله أعلم .
قال : وإذا كان الكسوف في غير وقت صلاة جعل مكان الصلاة تسبيحاً والله أعلم .
ش : إذا وجد الكسوف في غير وقت صلاة وهو الوقت المنهي عن الصلاة فيها وقد تقدمت جعل مكان الصلاة تسبيحاً ، لأن النبي أمر بالصلاة والذكر ، وإذا تعذرت الصلاة تعين الذكر ، وهذا بناء من الخرقي على أن ذوات الأسباب لا تفعل في وقت النهي ، وقد تقدم الكلام على ذلك .
وظاهر كالام الخرقي أنه لا يصلي [ لغير ] الكسوفين ، وهو صحيح ، إلا أن الأصحاب استثنوا الزلزلة الدائمة ، فإنه يصلي [ لها ] .
973 لأن ابن عباس رضي لله عنهما 16 ( صلى لها ) ، وقال ابن أبي موسى : يصلي لجمع الآيات . وهو ظاهر كلام أحمد ، والله أعلم .
كتاب صلاة الاستسقاء
ش : الاستسقاء طلب السقي ، والصلاة لذلك سنة ، لأن النبي فعلها ، وكذلك خلفاؤه من بعده .
قال : وإذا أجدبت الأرض ، واحتبس القطر ، خرجوا مع الإِمام .
ش : سبب صلاة الاستسقاء الجدب الذي [ هو ] ضد الخصب ، وقلة المطر .
974 وقد روت عائشة رضي الله عنها قالت : شكى الناس إلى رسول الله قحوط المطر ، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه ، قالت : فخرج رسول الله حين بدا حاجب الشمس ، فقعد على المنبر ، فكبر وحمد الله عز وجل ، ثم قال : ( إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ، ووعدكم أن يستجيب لكم ) ، ثم قال : ( الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت قوة وبلاغا إلى حين ) ثم رفع يديه ، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض أبطيه ، ثم حول إلى الناس ظهره ، وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ، ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله سبحانه سحابة ، فرعدت وبرقت ، ثم أمطر بإذن الله تعالى ، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول ، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه ، فقال : ( أشهد أن الله على كل شيء قدير ، وأني عبد الله ورسوله ) رواه أبو داود .
قال : وكانوا في خروجهم كما روي عن النبي أنه كان إذا أراد الاستسقاء خرج متواضعاً ، متبذلًا ، متخشعاً ، متذللًا ، متضرعاً .
ش : لا شك أن المقام يناسب الخروج على هذه الصفة .
975 وفي المسند وسنني النسائي وابن ماجه أن ابن عباس سئل عن الصلاة في الاستسقاء فقال : خرج رسول الله متواضعاً متبذلًا ، متخشعاً ، متضرعاً ، فصلى ركعتين كما يصلي العيد ، لم يخطب خطبكم هذه .
قال : فيصلي بهم ركعتين .
ش : لا نزاع في أن الصلاة للاستسقاء ركعتان ، والأحاديث صريحة في ذلك .
وظاهر كلام الخرقي [ أنه ] يصلي بلا تكبير ولا جهر ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله ، لأن كثيراً من الأحاديث ليس فيها ذكر التكبير ( والرواية الثانية ) وهي المشهورة عند الأصحاب يكبر فيها كصلاة العيد ويجهر ، لما تقدم من حديث ابن عباس .
976 وفي البخاري وغيره من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه قال : خرج النبي يستسقي ، فحول رداءه ، وصلى ركعتين ، جهر فيما بالقراءة .
قال : ثم يخطب .
ش : هذا إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله ، واختيار أبي البركات ، والقاضي ، في الروايتين ، وأبي بكر ، وزعم أن الرواة اتفقوا عن أحمد على ذلك [ وكذلك ] قال في المغني إنه المشهور ، لما تقدم من حديث عائشة .
977 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرج النبي يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين ، بلا أذان ولا إقامة ، ثم خطبنا ، ودعا الله عز وجل ، وحول وجهه نحو القبلة ، رافعاً يديه ، ثم قلب رداءه ، فحول الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن . رواه أحمد وابن ماجه ( والرواية الثانية ) لا يخطب للاستسقاء ، وهي الأشهر عن أحمد نقلًا ، واختيار القاضي في التعليق ، وغالى فحمل الرواية الأولى ، وقول الخرقي على الدعاء ، لما تقدم من حديث ابن عباس .
( فعلى الأولى ) يخطب بعد الصلاة ، كما ذكره الخرقي ، وهو المشهور ، واختيار القاضي في روايتيه وأبي محمد في المغني ، لحديث أبي هريرة . ( وعنه ) بل قبلها ، لحديث عائشة رضي الله عنها ، ( وعنه يخير بين الأمرين ، وهو اختيار أبي بكر ، وابن أبي موسى ، وأبي البركات ، لورود الأمرين عنه .
وظاهر كلام الخرقي أنه يخطب خطبة واحدة ، وهو المنصوص ، لحديث ابن عباس المتقدم : لم يخطب خطبكم . [ الحديث ] وقيل : بل ثنتين ، ويفتتحها بالتكبير كخطبة [ العيد على المشهور ، وقال القاضي في الخصال بالحمد كخطبة ] الجمعة ، وقال أبو بكر في الشافي : بالاستغفار ، لأنه في الاستسقاء أهم ، والله أعلم .
قال : ويستقبل القبلة ويحول رداءه ويجعل اليمين يساراً ، واليسار يمينا .
ش : لما تقدم من حديثي عائشة [ وعبدالله بن زيد رضي الله عنهما ] وفعله لذلك قيل : تفاؤلًا ليتحول الجدب خصباً ، وقيل : بل أمارة بينه وبين ربه عز وجل لا تفاؤلًا ، إذ شرط التفاؤل أن لا يكون بقصد ، وإنما قيل له : حول رداءك ، ليتحول حالك . والله أعلم .
قال : ويفعل الناس كذلك .
ش : أي يحولون أرديتهم ، كما يحول الإِمام رداءه .
978 لأن في حديث عبد الله بن زيد : 16 ( وتحول الناس معه ) . رواه أحمد .
قال : فيدعو ويدعون ، ويكثرون في دعائهم الاستغفار .
ش : قد تقدم حديث عائشة رضي الله عنها في الدعاء .
979 وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي في الاستسقاء قال : ( اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ) مختصر ويكثرون في دعائهم الاستغفار ، لأنه سبب نزول المطر ، قال الله سبحانه وتعالى : 19 ( { استغفروا ربكم إنه كان غفارا ، يرسل السماء عليكم مدرارا } ) .
980 وعن علي رضي الله عنه : 16 ( عجبت ممن يبطيء عنه الرزق ومعه مفاتيحه . قيل [ له ] : وما مفاتيحه ؟ قال : استغفار . )
قال : فإن سقوا وإلا عادوا في اليوم الثاني والثالث .
ش : لأن الحاجة داعية إلى ذلك ، وقد جاء ( إن الله يحب الملحين في الدعاء ) .
قال : وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا ، وأمروا أن يكونوا منفردين عن المسلمين والله أعلم .
ش : أما كون أهل الذمة لا يمنعون من الخروج ، لأنهم يطلبون رزقهم والله ضمن لهم ذلك ، قال الله سبحانه : 19 ( { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } ) الآية وقال ابن أبي موسى : لا يمنعون ، ولكن خروجهم في يوم مفرد أجود ، وأما انفرادهم عن المسلمين فلاحتمال أن ينزل عليهم عذاب فيصيب المسلمين ، قال الله سبحانه : 19 ( { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، واعلموا أن الله شديد العقاب } ) .
وظاهر كلام الخرقي أن الإِمام لا يخرجهم ، وهو كذلك ، بل يكره إخراجهم على المشهور ، وظاهر كلام أبي بكر أنه لا بأس به ، والله أعلم .
باب الحكم فيمن ترك الصلاة
قال : ومن ترك الصلاة وهو بالغ عاقل ، جاحداً لها ، أو غير جاحد ، دعي إليها في وقت كل صلاة ، ثلاثة أيام ، فإن صلى وإلا قتل والله أعلم .
ش : التارك للصلاة قسمان : ( جاحد ) لها ، كمن قال : الصلاة غير واجبة ، أو غير واجبة علي ، ( وغير جاحد ) ، فالجاحد [ لها ] لا إشكال في كفره ، ووجوب قتله ، لأنه مكذب لله تعالى ولرسوله ، وحكمه حكم غيره من المرتدين ، في أنه يستتاب ثلاثة أيام ، فإن تاب بأن أقر بالوجوب وإلا قتل .
وأما التارك لها غير جاحد بأن يتركها تهاونا أو كسلا فإنه يقتل عندنا بلا نزاع ، لظاهر قوله تعالى : 19 ( { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ) إلى قوله : 19 ( { فإن تابوا ، وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، فخلوا سبيلهم } ) فأباح سبحانه القتل إلى غاية ، فما لم توجد الغاية فهو باق على الإِباحة .
981 وفي الحديث : ( نهيت عن قتل المصلين ) .
982 وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بعث علي وهو باليمن إلى النبي بذهيبة ، فقسمها بين أربعة ، فقال رجل : يا رسول الله اتق الله . فقال : ( ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ) ثم ولى الرجل . فقال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ قال : ( لا ، لعله أن يكون يصلي ) فقال خالد : فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه . فقال رسول الله : ( إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم ) فجعل النبي العلة في منع القتل الصلاة .
983 وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ) متفق عليهما .
984 وأما قوله : ( لا يحل دم امريء مسلم ) الحديث فمخصوص بما تقدم ، على أنا نقول بموجبه ، إذ هذا تارك لدينه ، ولا يقتل حتى يدعى إليها ، لاحتمال أن يتركها [ لعذر ] أو لما يظنه عذراً . واختلف بماذا يحكم بقتله ، فروي : بترك صلاة واحدة ، وبضيق وقت الثانية ، وهو المشهور ، وظاهر كلام الخرقي .
985 لما [ روى ] معاذ بن جبل ، أن رسول الله قال : ( من ترك صلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ) رواه أحمد ، ولأنه إذا دعي إليها في وقتها فقال : لا أصلي . ولا عذر له فقد ظهر إصراره ، فإذاً تعين إهدار دمه ، زجراً له ، وإنما اعتبر ضيق وقت الثانية لأن القتل لها دون الأولى ، لأنه لما خرج وقت الأولى ، ودعي إليها صارت فائتة والفائتة وقتها موسع عند جماعة من العلماء ، والقتل لا يجب بمختلف في إباحته وحظره ، وعلى هذا لو دعي إلى صلاة في قوتها فامتنع حتى فاتت ، قتل وإن لم يضق وقت الثانية ، نص عليه .
وروي : بترك ثلاث صلوات ، وبضيق وقت الرابعة ، ليتحقق الإصرار ، لأن الصلاة والصلاتين ربما تركا كسلا وضجرا ، وقال ابن شاقلا : يقتل بترك الواحدة ، إلا إذا كانت الأولى [ من المجموعتين ، فلا يقتل حتى يخرج وقت الثانية ، لأن وقتها وقت الأولى ] في حال الجمع ، فأورث شبهة هاهنا ، وتغالى بعض الأصحاب فقال : يقتل لترتك الأولى ، ولترك كل فائتة ، إذا أمكنه من غير عذر ، بناء على أن القضاء عندنا على الفور .
وإذا حكم بقتله فلا بد وأن يستتات بعد ذلك ثلاثة أيام ويضيق عليه ، كي يرجع على المذهب ( وعنه ) تستحب الاستتابة ولا تجب .
وإذا قتل قتل بالسيف في عنقه . وهل يقتل حداً أو لكفره ؟ فيه روايتان ( إحداهما ) : وهي اختيار أبي عبد الله بن بطة ، وابن عبدوس ، وأبي محمد يقتل حداً .
986 لما روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : ( خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد ، من أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ) رواه أحمد .
987 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : ( إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة ، فإن أتمها ، وإلا قيل : انظروا هل له من تطوع ؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك ) رواه أحمد وأبو داود ، والترمذي وحسنه . ( والثانية ) : وهي ظاهر كلام الخرقي ، واختيار الأكثرين يقتل كفرا .
988 لما روى جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ) رواه أحمد ، [ ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي وصححة .
989 وعن بريدة الأسلمي قال : سمعت رسول الله يقول : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) رواه أحمد ] والنسائي ، والترمذي وصححه .
990 وقال عمر : 16 ( لاحظ في الإِسلام لمن ترك الصلاة ) . ذكره أحمد في رسالته .
991 وقال علي : 16 ( من لم يصل فهو كافر ) . رواه البخاري في تأريخه . وعلى هذه الرواية هو كالمرتد ، لا يغسل ، ولا يصلى عليه ولا يرثه ورثته من المسلمين ، إلى غير ذلك من أحكام المرتد . وعلى الأولى كالزاني والقاتل ، فتنعكس هذه الأحكام ، ويحكم بكفره حيث يحكم بقتله ، ذكره القاضي والشيرازي ، وهو مقتضى نص أحمد ، وإنما يحكم بالكفر والقتل إذا دعي إليها في وقتها ، وخوّف وهدد ، فامتنع مصراً ، من غير عذر ، أما من تركها في وقتها ولم يدع إليها ، وقضاها فيما بعد ، أو كان في نفسه قضاؤها ، فلا نزاع في عدم تكفيره وقتله ، والله أعلم .
كتاب الجنائز
ش : الجنائز جمع جنازة ، بفتح الجيم وكسرها ، وقيل : بالفتح الميت ، وبالكسر الأعواد التي يحمل عليها ، وقيل عكسه ، وحكاه صاحب المطالع ، مشتق من : جنز يجنز إذا ستر ، قاله ابن فارس .
قال : وإذا تيقن الموت وجه إلى القبلة .
992 ش : روى عبيد بن عمير [ عن أبيه ] وكانت له صحبة أن رجلًا قال : يا رسول الله ما الكبائر ؟ [ قال : سبع ] فذكر منها ( استحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا ) رواه أبو داود .
993 وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : 16 ( وجهوني ) .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يستحب توجيهه قبل تيقن موته .
994 وقد أنكر ذلك سعيد المسيب . والمشهور في المذهب أن الأولى التوجيه .
995 لأن فاطمة رضي الله عنها فعلت ذلك ولأنه الذي عليه الناس سلفاً وخلفاً والأفضل فيه الاستلقاء على ظهره ، ورجلاه إلى القبلة ، في رواية اختارها أبو الخطاب ، لأنه أسهل في خروج روحه .
وعنه وهو المشهور وصححه أبو البركات أن الأفضل أن يكون على جنبه الأيمن ، لأن فاطمة كذلك فعلت . وعنه يخير بينهما ، وبه قطع أبو البركات في محرره والله أعلم .
قال : وغمضت عيناه .
ش : إذا تيقن موته استحب تغميض عينيه ، لئلا يقبح منظره .
996 وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر ، فإن البصر يتبع الروح ، وقولوا خيراً ، فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت ) رواه ابن ماجه وأحمد ، قال أحمد : يقول إذا غمضه : بسم الله ، وعلى وفاة رسول الله .
قال : وشد لحياه ، لئلا يسترخي فكه .
997 ش : عن عمر رضي الله عنه أنه 16 ( لما حضرته الوفاة قال لابنه عبد الله : إذا رأيت روحي بلغت لهاتي ، فضع كفك اليمنى على جبهتي ، واليسري تحت ذقني ) . ولأنه إذا ترك قد تدخل الهوام في فيه .
قال : وجعل على بطنه مرآة أو غيرها ، لئلا يعلو بطنه .
998 ش : وعن أنس رضي الله عنه أنه 16 ( مات مولى له فقال : ضعوا على بطنه شيئاً من حديد ) . انتهى ، وإذا لم يكن حديد فطين مبلول والله أعلم .
قال : وإذا أخذ في غسله ستر من سرته إلى ركبته .
ش : إذا [ أريد ] غسله وجب ستر عورته ، وهو ما بين سرته وركبتيه على المذهب ، أو السوأتان فقط على رواية ، حذاراً من النظر إليها .
999 وقد قال لعلي : ( لا تبرز فخذك ، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ) واستحب تجريده على ظاهر كلام الخرقي وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، واختيار ابن أبي موسى ، والشيرازي ، وأبي الخطاب في الهداية ، وأبي محمد ، لأنه أمكن في غسله ، وأبلغ في تطهيره ، إذ يحتمل أن يخرج منه شيء فينجس الثوب به ، ثم قد ينجس الميت .
1000 وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول : 16 ( لما أرادوا غسل رسول الله قالوا : والله ما ندري أنجرد رسول الله من ثيابه كما نجرد موتانا ، أم نغسله وعليه ثيابه ؟ فلما اختلفوا أوقع الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو : أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه . فقاموا إلى النبي فغسلوه وعليه قميص ، يصبون الماء فوق القميص ، ويدلكونه بالقميص ) . رواه أحمد وأبو داود . وهذا يدل على أن عادتهم في الموتى كان هو التجريد ، ومعلوم أنه علم ذلك ، وغسله في ثوب من خصائصه ، ثم المفسدة وهي احتمال تنجس الثوب منتفية في حقه عليه الصلاة والسلام لأنه طيب حياً وميتاً ( والرواية الثانية ) الأفضل أن يغسل في ثوب ، مستدلًا بأنه غسل وعليه ثوب ، وبه قطع القاضي في الجامع الصغير ، وفي التعليق ، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما ، وابن البنا ، ونصره أبو البركات ، لأنه هو الذي اختاره الله لنبيه ، فكان أولى .
قال : والاستحباب [ أن ] لا يغسل تحت السماء .
ش : حذراً من أن يستقبل السماء بعورته .
1001 وعن عائشة رضي الله عنها : 16 ( غسلنا بعض بنات النبي ، فأمرنا أن نجعل بينها وبين السقف ثوباً . )
قال : ولا يحضره إلا من يعين في أمره ما دام يغسّل .
ش : أي والاستحباب أن لا يغسل بحضرة أحد إلا معاون في أمره ، بأن يصب الماء ، أو يناول حاجة ، ونحو ذلك ، لأن الحاجة داعية إلى المعاون دون غيره ، ولاحتمال عيب كان به وهو يستره ، أو يظهر منه ما يستنكر في الظاهر .
قال : ويلين مفاصله إن سهلت عليه وإلا تركها .
ش : ليسهل غسله وتكفينه ونحو ذلك ، ويفعل ذلك عقب موته ، قبل أن يبرد ، هذا إن سهل ذلك ، أما إن عسر التليين فإنه يترك ، لاحتمال كسر بعض أعضائه .
1002 وقد روى عنه أنه قال : ( كسر عظم الميت ككسر عظم الحي ) .
قال : ويلف على يده خرقة فينقي مابه من نجاسة .
ش : يلف على يده خرقة لئلا يمس عورته الممنوع من مسها ، كما منع من النظر إليها بطريق الأولى ، ودليل الأصل حديث علي المتقدم .
1003 وذكر المروذي عن أحمد رحمه الله أن علي بن أبي طالب 16 ( حين غسل النبي لف على يده خرقة ، حين غسل فرجه ) . وصفة ذلك أن يلف على يده خرقة ، فيغسل بها أحد الفرجين ، ثم ينحيها ويأخذ أخرى للفرج الآخر ، وفي المجرد أنه يكفي خرقة واحدة للفرجين ، وحمل على أنها غسلت وأعيدت ، لأن الأصحاب قالوا : إن كان خرقة خرج عليها شيء لا يعيدها .
قال : ويعصر بطنه عصراً رفيقاً .
ش : يعصر بطنه ليخرج ما في بطنه من فضلة ، مخافة أن يخرج بعد الغسل والتكفين .
قال : ويوضئه وضوءه للصلاة .
ش : قياساً على غسل الحي .
1004 وفي الصحيح أن النبي قال لأم عطية في غسل ابنته ( ابدأن بميامنها ، ومواضع الوضوء منها ) .
قال : ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه فإن كان فيهما ، أذى أزاله بخرقة .
ش : لما قال : إنه يوضئه [ وضؤه ] للصلاة اقتضى أن يمضمضه وينشقه ، فاستثنى ذلك ، فقال : لا يدخل الماء في فيه ولا أنفه ، وذلك لاحتمال دخوله بطنه ، ثم يخرج فيفسد وضوءه ، وربما حصل منه انفجار ، وبهذا علل أحمد ، واستحب أحمد وعامة الأصحاب أن يدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه ، فيمسح أسنانه ، وفي منخريه فينظفهما ، لأمن ما تقدم ، مع قوله : ( إذا أمرتكم بأمر ) وأوجب ذلك أبو الخطاب في خلافه للحديث ، والأولى أن يكون ذلك بخرقة نص عليه ، صيانة لليد عن الأذى ، وإكراماً للميت قال : ويصب عليه الماء ، فيبدأ بميامنه ، ويقلبه على جنبيه ، ليعم الماء سائر جسده .
ش : يصب عليه الماء بعد الوضوء ، فيبدأ برأسه ، ثم بسائر جسده ، ويبدأ بميامنه ، كما يفعل بالحي ، ولقول النبي : ( ابدأن بميامنها ) الحديث ، ويقلبه على جنبيه ليعم بقية بدنه ، المطلوب تعميمه شرعاً ، وصفة ذلك أن يغسل رأسه ولحيته أولًا ، ثم يده اليمنى من منكبه إلى كفه ، وصفحة عنقه اليمنى ، وشق صدره ، وفخذه ، وساقه يغسل الظاهر من ذلك وهو مستلق ، ثم يغسل الأيسر كذلك ، ثم يرفعه من جانبه الأيمن ولا يكبه لوجهه ، فيغسل الظهر ، وما هناك من وركه ، وفخذه ، وساقه ، ثم يغسل شقه الأيسر كذلك ، ذكره أبو محمد تبعاً للقاضي ، وإذاً يفرغ من غسله مرة في أربع دفعات ، قال أبو البركات : وظاهر كلام أحمد في رواية حرب ، وابن منصور ، وأبي الخطاب يفعل ذلك دفعتين ، فيحرفه أولًا على جنبه الأيسر ، فيغسل شقه الأيمن من جهتي ظهره وصدره كما وصفنا . ثم يحرفه على جنبه الأيمن ، ويغسل الأيسر كذلك ، قال أبو البركات : وهو أقرب إلى قوله : ( ابدأن بميامنها ) وأشبه بغسل الجنابة ، وما ذكره القاضي أبلغ في النظافة ، وكيفما فعل أجزأه ، والله أعلم .
قال : ويكون في كل الماء شيء من السدر ، ويضرب [ السدر ] فيغسل برغوته رأسه ولحيته .
1005 ش : في الصحيحين في حديث أم عطية ، في غسل ابنته ، أنه قال : ( اغسلنها ثلاثاً ، أو خمساً ، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ، بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافوراً ) .
1006 وفي حديث ابن عباس في المحرم ( اغسلوه بماء وسدر ) .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط كون السدر يسيراً ، ولا يجب الماء القراح بعد ذلك ، وهو ظاهر كلام الإِمام أحمد في الأول ، ونصه في الثاني ، قال في رواية صالح : يغسل بماء وسدر الثلاث غسلات . وقال [ له ] أبو داود : أفلا يصبون ماء قراحاً ينظفه ؟ قال : إن صبوا فلا بأس . واحتج بحديث أم عطية ، وشرط ابن حامد كون السدر يسيراً ، وقيل عنه : يكون درهماً ونحوه ، لئلا يخرجه عن الطهورية ، وقال القاضي ، و أبو الخطاب ، وطائفة ممن تبعهما : يغسل أولًا بثفل السدر ، ثم عقب ذلك بالماء القراح ، فيكون الجميع غسلة واحدة ، والاعتداد بالآخر دون الأول ، سواء زال السدر أو بقي منه شيء ، لأن أحمد شبه غسله بغسل الجنابة ، والجنب كذا يفعل ، وحذراً من زوال طهورية الماء بكثير السدر ، وعدم تأثيره بقليله ، وهذا من الأصحاب بناء على المذهب عندهم ، من أن الماء تزول طهوريته بتغيره بالطاهرات ، وأبو محمد لما كان يميل إلى عدم زوال الطهورية والحال هذه احتج لظاهر كلام أحمد لكن قد يغلب على أجزائه ، فيسلبه الطهورية بلا خلاف ، فلهذا حمل أبوالبركات كلام الخرقي على قول القاضي وغيره .
ومنصوص أحمد والخرقي أن السدر يكون في الغسلات الثلاث ، وعنه : يختص بالأولى ، والثانية ، لتكون الثالثة للكافور ، وجعله أبو الخطاب مختصاً بالأولى ، لئلا يبقى من جرمه شيء ، والله أعلم .
قال : ويستعمل في كل أموره الرفق به .
ش : من تقليبه وتليين مفاصله ، وعصر بطنه ، ونحو ذلك ، لأن حرمته كحرمة الحي ، وحذاراً من أن ينفصل بعض أعضائه ، فيفضي إلى المثلة وعنه : ( كسر عظم الميت ككسر عظم الحي ) .
قال : والماء الحار ، والأشنان ، والخلال ، يستعمل إن احتيج إليه .
ش : إذا احتيج إلى الماء الحار لبرد ، أو لإِزالة وسخ ، أو إلى الأشنان للوسخ ، [ أو إلى الخلال ، لإِزالة شيء من بين الأسنان ] ونحو ذلك استعمل نظرا للحاجة ، وإلا فالأولى ترك ذلك ، لأن الماء الحار يرخي الميت ، والأشنان لم يرد ، والخلال ربما حصل به تأذية الميت ، ولهذا استحب أن يكون من شجرة لينة ، والله أعلم .
قال : ويغسل الثالثة بماء فيه كافور وسدر ، ولا يكون فيه سدر صحيح .
ش : يجعل في الغسلة الثالثة مع السدر كافوراً ، لحديث أم عطية رضي الله عنها ( واجعلن في الأخيرة كافوراً ) والحكمة فيه أنه يصلب الجسد ويبرده ، ويمنع الهوام برائحته ، ولا يكون في الماء سدر صحيح ، لعدم الفائدة في ذلك ، إذ الحكمة في السدر التنظيف ، والتنظيف ، إنم هو بالمطحون ، قال القاضي : ويجعل الكافور في الماء ، لأنه لا يسلبه الطهورية ، واختار أبو البركات أنه يجعل مع سدر الأخيرة على ما تقدم ، لحصول المقصود ، وفراراً من أن يتغير الماء ، فيزول على وجه .
وقد اقتضى كلام الخرقي أنه يغسل ثلاثاً وهذا هو المسنون بلا ريب ، قال في ابنته ( اغسلنها ثلاثاً ) الحديث .
قال : فإن خرج منه شيء غسله إلى خمس ، فإن زاد فإلى سبع .
ش : يعني إذا خرج منه شيء بعد تغسيله ، وقبل تكفينه فإنه يغسل إلى خمس ، ثم إن خرج بعد غسل إلى سبع ، نص عليه أحمد ، وعليه جمهور الأصحاب ، لأِطلاق قوله في ابنته ( اغسلنها ثلاثاً ، أو خمساً ، أو أكثر من ذلك ) وفي رواية ( أو سبعاً ) وليكون آخر أمره الطهارة الكاملة ، واختيار أبي الخطاب في الهادية أنه لا يعاد غسله ، بل يغسل موضع النجاسة ويوضأ ، كالجنب إذا أحدث بعد غسله ، والخارج من غير السبيل كالخارج منه في إعادة الغسل له ، نص عليه في رواية الأثرم ، وقال في رواية أبي داود : هو أسهل . فيحتمل أن لا يعاد له الغسل مطلقاً ، ويحتمل أن لا يعاد إذا كان يسيراً ، كما لا ينقض الوضوء يسيره .
وقد اقتضى كلام الخرقي والمسألة التي تأتي بعد أنه لا يعاد غسله بعد السبع ، ونص عليه أحمد والأصحاب ، لما في الإِعادة من الحرج والمشقة ، ولئلا يفسد باسترخائه .
قال : فإن زاد حاشه بالقطن .
ش : أي إذا زاد الخارج بعد السبع فإنه لا يعاد غسله كما تقدم ، وإنما يحشى محل الخارج بالقطن ليمتنع الخارج ، وكالمستحاضة ، وقال أبو الخطاب في الهداية ، وصاحب النهاية فيها : يلجم المحل بالقطن ، فإن لم يمنع حشاه به ، إذالحشو فيه تتوسيع للمحل ومباشرة له ، فلا يفعل إلا عند الحاجة إليه .
ولم يذكر الخرقي الوضوء حذاراً من الحرج والمشقة ، وقال جماعة من الأصحاب : إنه يوضأ كالجنب إِذا أحدث بعد الغسل ، وهما روايتان منصوصتان .
قال : فإن لم يستمسك فبالطين الحر .
ش : إن لم يستمسك الخارج بالقطن حشاه بالطين الحر أي الخالص ، لأنه له قوة تمنع الخارج .
قال : وينشفه بثوب .
ش : لئلا يبتل الكفن فيسرع تلفه ، وربما أسرع إلى إفساد الميت .
1007 ويروى 16 ( أن النبي لما غسل جفف ) . رواه أحمد .
( تنبيه ) الفرض في الغسل غسل مرة واحدة ، بالماء القراح ، كغسل الجنابة ، والنية على الصحيح ، لأنه تطهير أشبه تطهير الحي ، وقيل : لا تشترط ، لأن المقصود التنظيف ، أشبه غسل النجاسة ، ويظهر أو يتعين إن قيل : غسله لتنجيسه بالموت . وفي التسمية وجهان ، وقيل : روايتان ، وهل يشترط الفعل ؟ فيه وجهان ، فلو وضعه تحت ميزاب ، ونوى غسله حتى غمره الماء انبنى على الخلاف ، أما الغريق فإن لم يشترط الفعل ولا النية لم يحتج إلى غسل ، وإن اشترطااحتيج إلى إخراجه وغسله ، وإن اشترط أحدهما عمل على ذلك ، كغسل الجنابة ، وشرط غاسله أن يكون ممن تصح طهارته ، فلا يصح من كافر ، لأنه عبادة وليس من أهلها ، وخرج الصحة بناء على عدم اشتراط النية ، وعلى الأول هل يصح إن حضر المسلم وأمر الكافر ؟ فيه قولان ، ولا من مجنون بل من مميز ، وخرج عدم الصحة كأذانه ، لأنه فرض وليس من أهله ، والله أعلم .
قال : وتجمر أكفانه .
ش : أي تبخر .
1008 لما روى جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إذا جمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً ) رواه أحمد .
1009 وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، أنها قالت لأهلها : 16 ( أجمروا ثيابي إذا مت ، ثم حنطوني ، ولا تذروا في كفني حنوطاً ، ولا تتبعوني بنار ) . رواه مالك في الموطأ .
قال : ويكفن من ثلاثة أثواب ، يدرج فيها إدراجاً .
1010 ش : قالت عائشة رضي لله عنها : 16 ( كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، من كرسف ، ليس فيها قميص ولا عمامة ) . متفق عليه ، وقال أحمد : إنه أثبت الأحاديث وأصحها ، لأنها أعلم من غيرها . وفي رواية : أدرج فيها إدراجاً .
( تنبيه ) سحولية نسبة إلى سحول بفتح السين قرية باليمن ، وقيل : السحولية المقصورة ، كأنها نسبت إلى السحول وهو القصار ، لأنه سحلها أي يغسلها .
قال : ويجعل الحنوط فيها بينها .
ش : يحنط كفن الميت ، لأن الحنوط مشروع ، بدليل قوله في المحرم ( ولا تحنطوه ) والمستحب في التحنيط أن يذر بين اللفائف ، حتى على اللفافة [ التي تلي جسد الميت ، قال في المجرد : التي تفرش أولًا لا يذر فوقها حنوط . وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجعل الحنوط فوق اللفافة ] . ونص عليه أحمد والأصحاب ، لما تقدم عن أسماء .
1011 وعن عمر ، وابنه وأبي هريرة 16 ( أنهم كرهوا ذلك ) .
1012 وعن الصديق رضي الله عنه أنه قال : 16 ( لا تجعلوا على أكفاني حنوطاً ) . ( تنبيه ) الحنوط ما تطيب به أكفان الميت خاصة .
قال : وإن كفن في قميص ، ومئزر ، ولفافة ، وجعل المئزر مما يلي جلده ، ولم يزر .
ش : الأولى التكفين في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص كما تقدم ، ويجوز التكفين في قميص ، ومئزر ، ولفافة ، بالإِجماع .
1013 وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : الميت يقمص ويؤزر ، ويلف بالثوب الثالث ، فإن لم يكن إلا ثوب واحد كفن فيه . رواه مالك في الموطأ .
1014 وثبت أنه أعطى قميصه لعبد الله بن أبي ليكفن فيه .
1015 وعن ابن عباس 16 ( أنه كفن في قميص وحله نجرانية ، الحلة ثوبان ) ، رواه أحمد وأبو داود ، لكن الثابتت في تكفينه هو الأول ، ويجعل المئزر مما يلي جلده كما يفعل بالحي ، وهل يزر القميص ؟ فيه [ روايتان ] إحداهما وهي اختيار الخرقي لا يزر عليه القميص ، نظراً لحال الحي في نومه ، بل وهو الأفضل له مطلقاً إلا لحاجة .
1016 لأنه كان قميصه مطلقاً ، ( والثانية ) : يزر عليه نظراً لحال الحي في زينته . والله أعلم .
قال : ويجعل الذريرة في مفاصله ، ويجعل الطيب في مواضع السجود والمغابن ، ويفعل به كما يفعل بالعروس .
ش : يجعل الطيب في مفاصل الميت ومغابنه ، وما ينثني من الإِنسان ، كطي الركبتن وتحت الإِبطين ، وأصول الفخذين .
1017 لأن أحمد روى في مسائل صالح أن ابن عمر كان يتتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك . وفي مواضع سجوده تكريماً لها .
1018 ويفعل به كما يفعل بالعروس ، كذا يروى عن النبي .
1019 ويروي أن أنساً رضي الله عنه لما ما طلي بالمسك ، من قرنه إلى قدميه .
1020 وعن ابن عمر أنه طلا ميتا [ بالذريرة ] .
قال : ولا يجعل في عينيه كافورا .
ش : لأن الكافور يفسدهما .
قال : وإن أحب أهله أن يروه لم يمنعوا .
1021 ش : قالت عائشة رضي الله عنها : رأيت رسول الله يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت ، حتى رأيت الدموع تسيل .
1022 وقبل الصديق النبي ثم بكى ، وقال : 16 ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله لن يجمع الله عليك موتتين ) .
قال : وإن خرج منه شيء يسير وهو في أكفانه لم يعد إلى الغسل . وحمل .
ش : [ إذا خرج من الميت شيء يسير بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل ] بلا خلاف نعلمه بين أصحابنا ، لما في ذلك من الحرج والمشقة ، والتأخير المخالف للسنة ، مع أن الخارج لا يبطل الغسل ، إنما ينقض الوضوء .
وفي الكثير روايتان ، أشهرهما وهي المختاره عند الأكثرين أن حكمه حكم اليسير لما تقدم ، قال الخلال : روى جماعة أنه لا يعاد ، وما رواه ابن منصور يمكن أن يكون . قاله مرة ( والثانية ) : وهي أنصهما ، وظاهر كلام الخرقي أنه يعاد ، بخلاف اليسير ، لفحشه ، ولأن مثله يؤمن في المرة الثانية ، لتحفظهم ، واحترازهم بالتلجم ، قال ابن الزاغواني : قال بعض الأصحاب : إنما يعاد إذا كان قبل السبع ، أما بعدها فلا ، وهو حسن . وإذا قلنا : لا يعاد . ففي غسل الكفن وجهان ، الغسل لعدم المشقة في ذلك ، وعدمه تبعاً للميت .
قال : والمرأة تكفن في خمسة أثواب ، قميص ومئزر ، ولفافة ، ومقنعة ، وخامسة تشد بها فخذاها .
ش : لأن الكمال في حق الحية كذلك .
1023 وقد روي عن ليلى [ بنت قانف ] الثقفية قالت : كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله ، فكان أول ما أعطانا رسول الله الحقو ثم الدرع ، ثم الخمار ، ثم الملحفة ، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر . قالت : ورسول الله عند الباب ، معه كفنها يناولنا ثوباً [ ثوباً ] . رواه أحمد وأبو داود .
ولأنها تزيد على الرجل في اللباس في الحياة ، فكذلك بعد الموت ، وتلبس المخيط في الإِحرام ، فكذلك بعد الموت .
واعلم أن ظاهر الحديث أنها تكفن في ( مئزر ) [ وهو الحقو ] ( وقميص ) وهو الدرع ( وخمار ) وهو المقنعة ، ( ولفافتين ) وهذا اختيار القاضي ، وأبي محمد وجمهور الأصحاب ، والخرقي جعل الخامسة تشد بها فخذاها ، يعني تحت المئزر ، وهو منصوص أحمد ، واختياره أبو بكر .
1024 لحديث يروى في ذلك رواه حرب ، لتنضم بذلك ، وحكى ابن الزاغوني وجهاً آخر أنها تستثفر بها ، وهو أن تشد في وسطها خرقة ، ثم يؤخذ أخرى فيشد أحد طرفيها مما يلي ظهرها ، والآخر مما يلي السرة ، ويكون لجاماً على الفرجين ، ليؤمن بذلك خروج خارج ، وقال : إنه الأشهر عند الأصحاب ، وشذ ابن حمدان ، في الصغرى فزاد على الخمسة ما يشد فخذيها ، واختيار أبي البركات أنه يشد فخذيها بالإِزار تحت الدرع ، وتلف فوق الدرع والخمار باللفافتين .
ومفهوم كلام الخرقي أن الصغيرة تخالف المرأة ، ونص أحمد على أن الصبي يكفن في خرقة ، والجارية التي لم تبلغ في لفافتين وقميص ، ثم اختلف في حد البلوغ ، فقيل عنه : إنه البلوغ المعتاد ، وقيل وهو الأكثر عنه إنه بلوغ تسع سنين ، وإذاً تساوى المرأة . والله أعلم .
قال : ويضفر شعرها ثلاثة قرون ، ويسدل من خلفها .
ش : لأن في حديث أم عطية في غسل ابنة النبي قالت : 16 ( وضفرنا شعرها ثلاثة قرون ، فألقيناها خلفها ) .
قال : المشي بالجنازة الإِسراع .
1025 لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( أسرعوا بالجنازة ، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم ) متفق عليه .
1026 وقال أبو بكرة رضي الله عنه : لقد رأيتنا مع رسول الله وإنا نكاد نرمل بالجنازة رملًا . قال القاضي : والمستحب لا يخرج عن المشي المعتاد . قال أبو البركات : يمشي أعلى درجات المشي المعتاد ، وقد منع أحمد من شدة السير ، وأمر بالرفق ، بل ونقل عنه أنه يسار مع الجنازة كيف سارت .
1027 وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : [ مرت ] برسول الله جنازة تمخض مخض الزق ، فقال رسول الله : ( عليكم القصد ) رواه أحمد .
قال : والمشي أمامها أفضل .
1028 ش : لما روى الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : رأيت النبي ، وأبا بكر ، وعمر يمشون أمام الجنازة . رواه الخمسة ، واحتج به أحمد في رواية أبي طالب ومهنا ، لكن قال في رواية الأثرم ، وإبراهيم بن الحارث : ما أراه محفوظاً ، عدة أرسلوه ، وما أراه إلا من كلام الزهري . قيل له : فتذهب إلى المشي أما الجنازة ؟ فقال : نعم .
1029 ابن المنكدر سمع ربيعة [ يقول ] : رأيت عمر يقدم الناس أمام الجنازة ؟ . وكذا قال الترمذي : إن أهل الحديث يرون أن المرسل أصح . وهذا لا يخرج الحديث عن الحجية على قاعدة أحمد في المرسل ، [ وقد ] قال ابن المنذر : [ ثبت ] أن النبي ، وأبا بكر ، وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة ولأن المصلين شفعاء للميت .
1030 قال رسول الله : ( ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين ، يبلغون مائة ، كلهم يشفعون له ، إلا شفعوا فيه ) رواه مسلم وغيره . والشفيع يتقدم المشفوع له .
ومفهوم كلام الخرقي أن الراكب الماشي ، وهو صحيح ، فإنه السنة له أن يكون خلفها ، قال الخطابي : لا أعلمهم اختلفوا في أن الراكب خلفها .
1031 وقد روى المغيرة بن شعبة أن النبي قال : ( الراكب يمشي خلف الجنازة ، والماشي كيف شاء منها ، والطفل يصلي عليه ) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه . وكذلك أحمد في رواية أحمد بن أبي عبدة .
قال : والتربيع أن توضع على كتفه اليمنى إلى الرجل ، ثم الكتف اليسرى إلى الرجل .
ش : يحتمل أن يكون معطوفاً على ما تقدم ، أي والمشي أمامها أفضل ، والتربيع أفضل ، ثم بين صفته فقال : أن توضع أي وصفته أن توضع ، وهذا هو المقصود ، وإن كان ظاهر كلامه بيان صفة التربيع فقط ، أما أفضلية التربيع .
1032 فلما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : من اتبع جنازة فليحمل من جوانب السرير كلها ، فإنه من السنة ، ثم إن شاء فليتطوع ، وإن شاء فليدع . رواه ابن ماجه . ولا بأس بالحمل بين العمودين ، نص عليه أحمد في رواية ابن منصور .
1033 لأنه يروى أن النبي حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين .
1034 وأن سعد بن أبي وقاص حمل عبد الرحمن بن عوف بين العمودين .
1035 وأن عثمان حمل سرير أمه بين العمودين ، فلم يفارقه حتى وضع ، وسأل أبو طالب أحمد عن الحمل بين العمودين فقال : لا . قال القاضي : معناه لا أختاره . وحمل ابن الزاغوني النص على ظاهره فجعل في [ الكراهة روايتين ، و [ قد ] قال [ أحمد ] : إن عمر كرهه .
وأما صفته فأن يأخذ بجوانب ] السرير الأربع ، كما ذكر الخرقي ، فيضع قائمة النعش اليسرى وهي التي تلي يمين الميت على الكتف اليمني ، ثم ينتقل إلى المؤخرة ، ثم يضع قائمة النعش اليمنى على الكتف اليسرى ، ثم ينتقل إلى المؤخرة ، هذا اختيار الخرقي وغيره ، وهو المشهور عن أحمد ، كما في الغسل يبدأ بشقه الأيمن إلى رجله ، ثم بالأيسر كذلك ، ونقل عنه حنبل : يبدأ بالرأس ، ويختم بالرأس .
1036 معتمداً على أن ابن عمر فعله والله أعلم .
قال : وأحق الناس بالصلاة عليه من أوصى أن يصلي عليه .
ش : هذا إجماع أو كالإجماع .
1037 فعن أبي بكر رضي الله عنه أنه أوصى أن يصلي عليه عمر ، قال أحمد . قال : وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب ، وأم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، وأبو بكرة أوصى أن يصلي عليه أبو برزة ، وقال غير أحمد : وعائشة أوصت أن يصلي عليها أبو هريرة ، وابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير .
1038 وأوصى أبو سريحة أنيصلي عليه زيد بن أرقم ، فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة ليتقدم فثيصلي عليه ، فقال ابنه : أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم . فقدم زيداً . وهذه قضاياً اشتهرت من غير إنكار ولا مخالف ، فكانت إجماعاً .
وشرط الوصي أن يكون مستور الحال ، فلا تصح لفاسق ، لأنه غير مؤتمن ، ولأن ذلك نوع ولاية ، والفاسق ليس أهلًا للولاية .
قال : ثم الأمير .
ش : أحق الناس بالصلاة [ عليه ] بعد الوصي غير الفاسق الأمير ، لعموم قوله : ( لا يؤمن الرجل في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه ) رواه مسلم وغيره ، وخرج منه الوصي لما تقدم ، فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم ، ولأن النبي وخلفاءه من بعده كانوا يصلون على الموتى ، ولم ينقل أنهم استأذنوا العصبة .
1039 وعن أبي حازم قال : شهدت حسيناً حين مات الحسن ، وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص ، أمير المدينة ، وهو يقول : لولا السنة ما قدمتك .
1040 وقال الحسن البصري أدكرت الناس وأحقهم بالصلاة على جنائزهم ، من رضوه لفرائضهم . ذكره البخاري في صحيحه .
قال : ثم الأب وإن علا ، ثم الابن وإن سفل ، ثم أقرب العصبة .
ش : يقدم بعد الأمير في الصلاة على الميت الأب ، ثم الجد وإن علا على الابن ، لأنه شارك [ الابن ] في العصوبة ، وزاد عليه بالحنو والشفقة ، وبهما يحصل كمال الدعاء ، الذي هو مقصود صلاة الجنازة ، فقدم كالنكاح ، ثم الابن وإن سفل ، لتقدمه في النكاح والإِرث جميعاً على الأخ ومن بعده ، ثم أقرب العصبة ، ثم ترتيب الميراث ، هذا اختيار الخرقي ، وأبي بكر ، والقاضي في التعليق ، وأبي محمد وغيرهم ، وقال صاحب التلخيص فيه ، وأبو البركات : يقدم بعد الأمير أقرب العصبة . فيحتمل أنهما أرادا أن الابن يقدم على الأب ، لأنه أقرب العصبة بدليل الميراث ، ويحتمل أنهما أرادا ما أراد الأصحاب ، وغايته أن الأقرب يختلف باختلاف الأبواب ، وهذا أولى ، توفيقاً بين كلام الأصحاب ، يؤيده أن أبا البركات في شرحه لم يحك خلافاً في تقديم الأب على الابن ، إنما حكى رواية بتقديم الابن على الجد ، والأخ وابنه أيضاً عليه ، كما في النكاح . انتهى ، وفي تقديم الأخ للأبوين على الأخ للأب أو التسوية بينهما قولان ، من الروايتين في النكاح .
وظاهر كلام الخرقي أن العصبة [ يقدم ] على الزوج ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، واختيار الخلال وأبي محمد .
1041 لأن عمر رضي الله عنه قال لقرابة امرأته : أنتم أحق بها . ذكره أحمد في رواية حنبل ، ومحمد بن جعفر ، محتجاً به ، ولأن النكاح يزول بالموت ، والقرابة باقية ، وعلى هذا إن لم يكن عصبة فالزوج أولى نص عليه ، ( وعن أحمد ) رواية أخرى اختارها القاضي في التعليق ، وأبو الخطاب في الخلاف ، وأبو البركات يقدم الزوج على العصبة .
1042 لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الرجل أحق بغسل امرأته ، وبالصلاة عليها . إلا أن أحمد قال : هذا منكر .
1043 واحتج أحمد بقضية رويت عن أبي بكرة ، تدل على أن الزوج أحق . والله أعلم .
قال : والصلاة عليه يكبر الأولى ، ثم يقرأ الحمد لله ، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي ، كما يصلي عليه في التشهد ، ويكبر الثالثة ويدعو لنفسه ، ولوالديه ، ويدعو للمسلمين ، ويدعو للميت ، وإن أحب أن يقول : اللهم اغفر لحينا ، وميتنا ، وشاهدنا ، وغائبنا ، وصغيرنا ، وكبيرنا ، وذكرنا ، وأنثانا ، إنك تعلم منقلبناً ومثوانا ، إنك على كل شيء قدير ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإِسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإِيمان ، اللهم إنه عبدك ، وابن أمتك ، نزل بك ، وأنت خير منزول به ، ولا نعلم إلا خيراً ، اللهم إن كان محسناً فجازه بإحسانه ، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله . ويكبر الرابعة .
ش : أما كونه يكبر أربع تكبيرات كما تضمنه كلامه :
1044 فلما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وجابر ، أن النبي صلى على أصحمة النجاشي ، فكبر عليه أربعاً .
1045 وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى على قبر بعد مادفن ، فكبر أربعاً . وأما كونه يقرأ الحمد في الأولى فلعموم قوله : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) .
1046 وعن ابنعباس أنه صلى على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب ، وقال : لتعلموا أنه من السنة . رواه البخاري وأبو داود ، الترمذي وصححه ، والنسائي ولفظه : قرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر ، فلما فرغ قال : سنة وحق .
1047 وقال مجاهد : سألت ثمانية عشر رجلًا من أصحاب النبي عن القراءة على الجنازة ، فكلهم قال : يقرأ . رواه الأثرم ، ونقل عنه [ البرزاطي ] : إذا صلى على القبر يقرأ ، كما يقرأ [ إذا صلى ] على الجنازة ؟ قال : لا يقرأ على القبر شيئاً من القرآن . قال القاضي : المذهب الصحيح وجوبها على القبر ، لأن الجماعة رووا عنه جواز الصلاة على القبر ، وعن غير منع القراءة . وظاهر كلام الخرقي أنه لا يستفتح ، ولا يتعوذ ، وهو إحدى الروايات ، لبناء هذه الصلاة على التخفيف ، والثانية : يستفتح ، ويتعوذ كغيرها ، والثالثة : يتعوذ ولا يستفتح ، وبها قطع أبو البركات في محرره ، وصححها في شرحه ، للأمر بالتعوذ ، والاستفتاح لم يرد فيها .
( تنبيه ) يسر بالقراءة ، نص عليه وقال : إنما جهر ابن عباس ليعلمهم . وأما كونه يصلي على النبي في الثانية :
1048 فلما روي عن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه ، أن رجلًا من أصحاب النبي أخبره أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإِمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ، سراً في نفسه ، ثم يصلي على النبي ، ويخلص الدعاء للجنازة ، والتكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ، ثم يسلم سراً في نفسه . رواه الشافعي في مسنده .
1049 وقال أبو هريرة : إذا وضعت يعني الجنازة كبرت ، وحمدت الله ، وصليت على نبيه . مختصر ، رواه مالك في الموطأ ، [ وصفة الصلاة على النبي كما في التشهد ، لأن النبي ] لما سألوه : كيف نصلي عليك ؟ علمهم ذلك ، قال أبو محمد : وإن أتى بالصلاة على غير ذلك فلا بأس ، لأن القصد مطلق الصلاة ، وقال أحمد في رواية عبد الله : يصلي على النبي ، وعلى الملاكئة المقربين . وقال القاضي : يدعو عقيب الصلاة على النبي للمؤمنين والمؤمنات فيقول : اللهم صل على ملائكتك المقربين ، وأنبيائك والمرسلين ، وأهل طاعتك أجمعين ، من أهل السموات وأهل الأرضين ، إنك على كل شيء قدير .
وأما كونه يدعو في الثالثة لنفسه ، ولوالديه ، وللمسلمين ، وللميت .
1050 فلما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : كان النبي إذا صلى على جنازة قال : ( اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإِسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإِيمان ) رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه وزاد ( اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده ) .
1051 وعن عو ف بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله وصلى على جنازة يقول : ( اللهم اغفر له ، واعف عنه وعافه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بما وثلج وبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلًا خيراً من أهله ، وزوجاً خيراً من زوجه ، وقه فتنة القبر وعذاب النار ) قال عوف : فتمنيت لو كنت أنا الميت ، لدعاء النبي لذلك الميت . رواه مسلم والنسائي ، والترمذي وصححه .
1052 وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله قال : ( إذا صليتم على الميت فأخصلوا له الدعاء ) رواه أبو داود ، وابن ماجه . وقوله : لا نعلم إلا خيراً . إنما يقوله لمن لا يعلم منه شراً ، لئلا يكون كاذبا .
1053 وقد ذكر القاضي حديثاً عن النبي وقال فيه : ( ولا نعلم إلا خيراً ) فقال بعض الصحابة : يا رسول الله وإن لم أعلم خيراً ؟ قال : ( لا تقل إلا ما تعلم ) .
1054 وروي عن النبي : ( ما من مسلم يموت فيشهد له ثلاث أبيات من جيرانه الأدنين ، إلا قال الله تعالى : قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا ، وغفرت له ما أعلم ) رواه أحمد .
قال : ويرفع يديه مع كل تكبيرة .
1055 ش : لأنه يروى عن ابن عمر ، رواه الشافعي ، وعن ابن عباس ، رواه سعيد ، وعن عمر ، وزيد بن ثابت ، رواه الأثرم .
قال : ويقف قليلًا .
ش : يقف بعد التكبيرة الرابعة قليلًا من غير دعاء ، على ظاهر كلام الخرقي ، وهو إحدى الروايتين ، قال أخمد : لا أعلم فيه شيئاً ، والثانية : يدعو فيها كالثالثة ، اختارها أبو البركات في شرحه .
1056 لما روي عن عبد الله بن أبي أوفى أنه ماتت ابنة له فكبر عليها أربعاً ، وقام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ، ثم قال : كان النبي يصنع في الجنازة هكذا . رواه أحمد ، واحتج به في رواية الأثرم ، وقال : لا أعلم شيئاً يخالفه . وفي صفة ما يدعو به وجهان ( أحدهما ) أنه يقول : 19 ( { ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار } ) اختاره ابن أبي موسى ، وأبو الخطاب ، وحكاه ابن الزاغوني عن الأكثرين .
1057 لأنه [ قد ] صح عن أنس رضي الله عنه أنه كان لا يدعو بدعاء إلا ختمه بهذا الدعاء . ( والثاني ) : يقول : اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده . اختاره أبو بكر ، والمنصوص عن أحمد أنه يخلص الدعاء في الرابعة للميت ، بل قد نص في رواية جماعة أنه يدعو في الثالثة للمسلمين والمسلمات ، وفي الرابعة للميت ، ومن هنا قال الأصحاب : لا تتعين الثالثة للدعاء ، بل لو أخرى الدعاء للميت إلى الرابعة جاز . والله أعلم .
قال : ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه .
ش : المشهور المختار المنصوص أنه يسلم تسليمة واحدة .
1058 : لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى على جنازة .
فكبر أربعاً ، وسلم تسليمة واحدة ، رواه الدارقطني ، إلا أن أحمد قال : هذا عند موضوع . والعمدة لأحمد فعل الصحابة .
1059 وقال أحمد : التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن يمينك عن ستة من أصحاب النبي ، ليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم .
وفيه رواية أخرى أنه يسلم ثنتين كبقية الصلوات ، وجعل القاضي الثنتين للاستحباب ، والواحدة للجواز ، وصفة التسليم أن يكون عن يمنيه على المذهب ، ولو سلم تلقاء وجهه جاز نص عليه ، وجعله بعض الأصحاب الأولى ، وكمالة : السلام عليكم ورحمة الله [ وإن لم يقل : ورحمة الله . أجزأة ] على المنصوص وفيه احتمال .
( تنبيه ) الواجب مما ذكره الخرقي رحمه الله القيام في فرضها ، فلاتصح من القاعد ، ولا على الراحلة إلا لعذر ، والتكبيرات ، وقراءة الحمد ، والصلاة على النبي [ إن أوجبناها في التشهد ] ، وأدنى دعاء للميت ، ويسقط بعض واجباتها عن المسبوق كما سيأتي ، وتجب لها أيضاً النية ، ولا يشترط معرفه عين الميت ، ولا ذكوريته وأنوثيته ، بل تكفي نية الصلاة على الميت الحاضر ، ومن شرطها تطهير الميت بالغسل ، أو بالتيمم عند تعذره ، مع بقية شروط الصلاة . والله أعلم .
قال : ومن فاته شيء من التكبير قضاه متتابعاً .
ش : من فاته شيء من التكبير حتى سلم الأِمام ، قضاه بعد سلام إمامه متتابعاً ، على منصوص أحمد ، واختيار الخرقي ، وابن عقيل في التذكرة ، وأورده أبو البركات مذهباً ، وقال أبو الخطاب في الهداية متابعة للقاضي ، وتبعهما أبو محمد في المقنع : يقضيه على صفته ، إلاأن ترفع الجنازة فيقضيه متوالياً ، لعموم قوله : ( وما فاتكم فاقضوا ) والقضاء يحكي الأداء ، قال أبو البركات : ومحل الخلاف فيما إذا خشي رفع الجنازة ، أما إن علم بعادة أو قرينة أنها تترك حتى يقضي فلا تردد أنه يقضي على الصفة أن يأتي بالتكبير والذكر المشروع في محله ، فإذا أدرك الإِمام في الدعاء تابعه فيه ، ثم قام فأتي بالحمد ، ثم أتى بالصلاة على النبي ، على المذهب في أن ما أدركه مع الإِمام آخر صلاته ، وما يقضيه أولها ، وعلى القول بالعكس إذا دخل المسبوق قرأ الفاتحة ، ثم بني على ذلك ، والله أعلم .
قال : فإن سلم مع الإِمام ولم يقض فلا بأس .
ش : المنصوص في أحمد وهو اختيار الخرقي ، والقاضي وأصحابة ، والشيخين أن قضاء ما فات المأموم من التكبير على سبيل الاستحباب ، فلو سلم مع الإِمام ولم يقض فلا بأس .
1060 لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إني أصلى على الجنازة ، ويخفى عليّ بعض التكبير . فقال : ( ما سمعت فكبري ، وما فاتك فلا قضاء عليك ) .
1061 واعتمد أحمد على ما رواه العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال : لا يقضي . وفي المذهب رواية أخرى ، اختارها أبو بكر ، أن القضاء على سبيل الوجوب ، فلم سلم ولم يقض بطلت صلاته ، قياساً على بقية الصلوات ، إذ التكبيرات بمنزلة الركعات ، ولعموم قوله : ( ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا ) .
قال : ويدخل القبر من عند رجليه ، إن كان أسهل عليهم .
1062 ش : لما روى أبو إسحاق قال : أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد ، فصلى عليه ، ثم أدخله القبر من عند رجلي القبر ، وقال : هذا من السنة . رواه أبو داود .
1063 وعن أنس أنه كان في جنازة ، فأمر بالميت فسل من عند رجلي القبر ، رواه أحمد .
1064 وعن قال : قال رسول الله : ( يدخل [ الميت ] من قبل رجليه ويسل سلا ) رواه ابن شاهين .
وقوله : إن سهل عليهم . احترازاً مما إذا شق ذلك ، فإنه يفعل ما هو الأسهل إذا المقصود الرفق بالميت . والله أعلم .
قال : والمرأة يخمر قبرها بثوب .
1065 لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغطي قبر المرأة .
1066 وعن علي رضي الله عنه أنه مر بقوم قد دفنوا ميتاً ، وبسطوا على قبره الثوب ، فجذبه وقال : إنما يصنع هذا بالنساء ، ولأنها عورة ، فربما ظهر منها شيء .
وخرجَ من كلام الرجل ، لما تقدم ، وليخرج عن مشابهة النساء .
قال : ويدخلها محرمها .
ش : يدخل المرأة القبر محرمها ، وهو من كان يحل له النظر إليها ، والسفر بها ، وهذا مما لاخلاف فيه والحمد لله ، ولأن امرأة عمر رضي الله عنه لما توفيت قال لأهلها : أنتم أحق بها .
وظاهر كلام الخرفي [ أن ] المحرم يقدم على الزوج ، وهو بناء على قاعدته في تقديمه عليه في الصلاة ، وإذا قلنا ثم : إن الزوج يقدم ، قدم هنا . والله أعلم .
قال : فإن لم يكن فالنساء .
ش : إذا عدمت المحارم فإن النساء يدخلنها القبر ، لأنهن أحق بغسلها ، ولهن أحق بغسلها ، ولهن النظر إليها ، فمن أحق من غيرهن ، وعلى هذا يقدم الأقر ب منهن فالأقرب ، وحملها أبو البركات على ما إذا لم يكن في دفنهن محذور ، من اتباع الجنازة ، أو التكشف بحضرة الرجال ، لأن منصوص أحمد كذلك ، قال حرب : قيل لأحمد : امرأة ماتت في طريق مكة ، فغسلها النساء ، وليس معها إلا محرم واحد ، يدفنها الرجال ؟ قال : إن دفنها النساء أعجب إلى ، وإن اضطروا إلى ذلك دفنوها . وعن أحمد : النساء لا يستطعن أن يدخلن القبر ، ولا يدفن . قال أبو محمد : وهذا أصح وأحسن .
1067 لأن النبي حين ماتت ابنته أمر أبا طلحة فنزل في قبرها .
1068 ورأى النبي نسوة في جنازة فقال : ( هل تحملن ؟ ) قلن : لا . قال : ( هل تدلين فيمن يدلي ؟ ) قلن : لا . قال : ( فارجعن مأزورات غير مأجورات ) رواه ابن ماجه . وهو استفهام إنكار ، فيدل على أنه غير مشروع لهن بحال ، وعلى كلا الروايتين لا يكره للرجال دفنها ، وإن كان محرمها حاضراً ، والله أعلم .
قال : قإن لم يكن فالمشايخ .
ش : إذا لم يكن محارم ولا نساء ، فالمشايخ والخصيان ، لأنهم أقل شهوة ، وأبعد من الفتنة ، وكذلك يليهم أهل الستر والصلاح .
( تنبيه ) أولى الناس بدفن الرجل أولاهم بالصلاة عليه من أقاربه .
قال : ولا يشق الكفن في القبر ، وتحل العقد حلًا .
ش : لا يجوز شق الكفن [ في القبر ] لأنه إتلاف مستغنى عنه ، ولم يرد الشرع به .
1069 بل ورد بتحسين الكفن ، فقال : ( إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ) وتخريفه يذهب بحسنه ، وستحب حل العقد [ إذ عقده كان ] للخوف من انتشاره ، وقد أمن ذلك بذفنه .
قال : ولا يدخل القبر آخراً ، ولا خشباً ، ولا شيئاً مسته النار .
ش : لا يدخل القبر شيئاً مسته النار ، تفاؤلًا بأن لا تمسه النار .
1070 وقد روي عن أبي بردة رضي الله عنه قال : أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال : لا تتبعوني بجمرة . فقالوا له : أو سمعت فيه شيئاً ؟ قال : نعم من رسول الله . رواه ابن ماجه ، ولا آجراً ، لأنه مما مسته النار .
1071 وعن النخعي : أنهم كانوا يكرهون الآجر ، والبناء بالآجر . رواه الأثرم .
1072 وعن زيد بن ثابت أنه منع منه ، وهذان الأثران والله أعلم اللذان حديا الخرقي على ذكر الآجر ، وإلا فهو مما مسته النار . ولا يدخله خشباً ، لأنه معد لمس النار .
1073 وعن عمرو بن العاص : لا تجعلوا في قبري خشباً ولا حجراً . رواه أحمد . ويستحب أن ينصب على اللحد اللبن .
1074 قال سعد رضي الله عنه : الحدوا لي لحدا ، وانصبوا عليه اللبن نصباً ، كما صنع برسول الله . رواه أحمد ، ومسلم ، والنسائي ، ويلحق باللبن القصب ، واختلف عن أحمد أيهما أفضل ، قال الخلال : كان أحمد رحمه الله يميل إلى اللبن ، ثم مال إلى القصب ، وهذا اختيار أبي بكر ، والأول اختيار أبي البركات ، والله أعلم .
قال : ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر .
1075 ش : في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى على قبر بعد ما دفن ، فكبر عليه أربعاً .
1076 وفي الصحيح أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاباً ، ففقدها رسول الله ، فسأله عنها أو عنه ، فقالوا : مات . فقال : ( أفلا كنت آذنتموني ؟ ) قال : فكأنهم صغروا أمرها أو أمره ، فقال : ( دلوني على قبره ) فدلوه فصلى عليه ، ثم قال : ( إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليها .
1077 وقال أحمد : يروي عن النبي من ستة أوجه ، أنه صلى على قبر [ بعد ] ما دفن .
وقد دل كلام الخرقي على أن الميت وإن صلي عليه ، يجوز لمن لم يصل عليه أن يصلي عليه ، لا وهو كذلك ، لما تقدم ، بل قد قال ابن حامد واختاره أبوالبركات : إن من صلى عليه أيضاً [ يجوز ] أن يصلي عليه تبعاً لمن لم يصل عليه ، كما في إعادة الجماعة تعاد مع الغير ، ولا تستحب ابتداء ، والمنصوص وعليه الأكثرون أن من صلى عليه مرة لا يصلي عليه مرة أخرى ، كما أن من سلم مرة ، لا يسلم ثانية ، نعم الأفضل أنها إذا صلى عليها ورفعت لا توضع لأحد ، ويصلي من فاتته على القبر ، طلباً للمبادرة إلى دفنه ، وإن وضعت وصلى عليها ولم يطل الزمان جاز ، والله أعلم .
قال : وإن كبر الإِمام خمساً كبر بتكبيره .
ش : نص كلام الخرقي رحمه الله أن الإِمام إذا كبر خمساً تابعه المأمون في الخامسة ، وظاهر كلامه أنه لا يتابعه فيما زاد على ذلك ، وهذا إحدى الروايات عن أحمد رحمه الله ، بل أشهرها .
1078 لما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : [ كان ] زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعاً ، وأنه كبر على جنازة خمساً ، فسألته فقال : كان رسول الله يكبرها ، رواه الجماعة إلا البخاري .
1079 وعن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى على جنازة فكبر خمساً . مختصر رواه أحمد . ( والرواية الثانية ) : يتابع [ يعني ] إلى سبع ولا يزيد على ذلك ، اختارها عامة الأصحاب ، الخلال ، وصاحبه أبو بكر وابن بطة وصاحبه أبو حفص ، والقاضي ، وجمهور أصحابه ، الشريف ، وأبو الخطاب ، وولده أبو الحسين ، وأبو البركات .
1080 لما روي عن علي رضي الله عنه أنه كبر على [ سهل بن حنيف يعني ستا رواه البخاري .
1081 وعنه أيضاً أنه كبر على ] أبي قتادة سبعاً ، وقال : إنه شهد بدراً . ذكره أحمد محتجاً به .
1082 وعن الحكم بن عتيبة أنه قال : كانوا يكبرون على أهل بدر خمساً ، وستاً ، وسبعاً . رواه سعيد في سننه . واعتمد أحمد على عموم قوله : ( إنماجعل الإِمام ليؤتم به ) .
1082 وعلى قول ابن مسعود : كبروا ما كبر إمامكم . هذا اللفظ رواه سعيد والأثرم وفيه : لا وقت ، ولا عدد ، ( والرواية الثالثة ) : لا يتابع في الزيادة على أربع . اختارها ابن عقيل ، لأن هذا هو الأكثر من فعله ، فالظاهر أنه آخر الأمير .
1084 يؤيده ما روى الأثرم بسنده عن ابن عباس قال : آخر جنازة صلى عليها النبي كبر أربعا .
1085 وعن جابر عن النبي قال : ( صلوا على الميت أربع تكبيرات بالليل والنهار سواء ) رواه أحمد . وهذا أمر فيتعين ، إلا أن في السند ابن لهيعة وفيه ضعف .
وعلى جميع الروايات فالمختار أربع ، نص عليه أحمد في رواية الأثر لأنه الغالب على فعله ، ولهذا اتفق الشيخان على آخراجه ، والزائد فعله ليبين الجواز ، وقصة زيد بن أرقم تدل على ذلك ، ولا خلاف أنه لا يتابع في الزائد على سبع ، قال أحمد : هو أكثر ما جاء فيه ، فلا يزاد عليه .
( تنبيه ) كل تكبيرة قلنا : يتابع الإِمام فيها . فله وللمنفرد فعلها ، وهل يدعو فيها ؟ قولان ، وكل تكبيرة قلنا : لا يتابع فيها [ الإِمام ] . فليس له ولا للمنفرد فعلها ، ومن خالف فزادها عمداً بطلت صلاته على وجه ، إذ التكبيرة هنا بمنزلة الركعة ، ولم تبطل على المنصوص ، لأنه ذكر مشروع ، أشبه تكرار الفاتحة ، وعلى هذا فالمأموم لا يسلم قبله ، بل ينتظره حتى يسلم معه ، نص عليه والله أعلم .
قال : والإِمام يقوم عند صدر الرجل ، وعند وسط المرأة .
ش : نص أحمد على هذا في رواية عشرة من أصحابه ، وعليه عامة أصحابه ، حتى أن أبا محمد في المغني قال : لا يختلف المذهب أنه يقف عند صدر الرجل أو عند منكبيه .
1086 لما روي عن أبي غالب الخياط رضي الله عنه ، قال : شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل ، فقام عند رأسه ، فلما رفعت أتي بجنازة امرأة فصلى عليها ، فقام وسطها ، وفينا العلاء بن العدوي ، فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة فقال : يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله يقوم من الرجل حيث قمت ، ومن المرأة حيث قمت ؟ قال : نعم . رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه ، وفي لفظ رواه أحمد : قال أبو غالب : صليت خلف أنس على جنازة ، فقام حيال صدره . وذكر الحديث .
1087 وفي الصحيحين عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي على امرأة ماتت في نفاسها ، فقام وسطها . ونقل عنه حرب : رأيته قام عند صدر المرأة . إلا أن الخلال قال : سهى فيما حكى عنه . والعمل على أما رواه الجماعة ، وروي عنه أنه يقف عند رأس الرجل ، وهو الذي قاله أبو محمد في المقنع ، والكافي ، وهو المشهور في حديث أنس ، قال أبو البركات : والقولان متقاربان ، فإن الواقف عند أحدهما يمكن أن يكون عند الآخر لتقاربهما ، فالظاهر أنه وقف بينهما ، وقد قال أحمد في رواية الأثرم وذكر الحديث : يقف من الرجل عند منكبيه ، ونحو هذا قال أبو محدم في المغني .
وظاهر كلام الخرقي [ أنهما ] إذا اجتمعا وقف منهما كذلك ، وهو إحدى الروايات عنه ، واختيار أبي الخطاب في خلافه ، والشيرازي قياساً على حال الإِنفراد . ( والثانية ) : وهي المنصوصة عنه ، وبها قطع القاضي في التعليق ، وفي الجامع ، والشريف أبو جعفر يسوى بين رأسيهما ، ويقف حذاء صدريهما .
1088 لما روي عن الشعبي 16 ( أن أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر توفياً جميعاً ، فأخرجنا جنازتهما ، فصلى عليهما أمير المؤمنين ، فسوى يين رؤوسهما وأرجلهما حين صلى عليهما . )
رواه سعيد في سننه ، وقيل : إن هذه الجنازة حضرها ثمانون صحابياً ، وفعله ابن عمر ، وعليه اعتمد أحمد . ( والثالثة ) : التخيير ، مع اختيار التسوية . والله أعلم .
قال : ولا يصلى على القبر بعد شهر .
ش : هذه هو المشهور في المذهب ، لأنه لا يعلم بقاء الميت أكثر من ذلك ، والذي ورد في الصحيح كان قرب الدفن ، وجعل أبو محمد ما قارب الشهر في حكم الشهر ، وكذلك قال القاضي ، وحده باليوم واليومين .
1089 لما روى سعيد بن المسيب أن أم صعد ماتت والنبي غائب ، فلما قدم صلى عليها ، وقد مضى لذلك شهر ، رواه الترمذي واحتج به أحمد .
1090 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى على قبر بعد شهر ، رواه الدارقطني ، وأول أبو بكر هذا على الشهر ، قال : لقوله تعالى : 19 ( { ولتعلمن نبأه بعد حين } ) يريد حينا .
وقيل : يجوز ما لم يبل الميت . وعن ابن عقيل الجواز مطلقاً ، لقيام الدليل على الجواز ، وما وقع من الشهر فاتفاق .
1091 ويؤيده أن النبي صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين ، رواه البخاري وغيره .
وابتداء الشهر من الدفن على المشهور ، لأنه إذاً يصير مقبوراً ، وقال ابن عقيل : من الموت . وهو ظاهر حديث أم سعد . والله أعلم .
قال : وإن تشاح الورثة في الكفن جعل بثلاثين درهما ، فإن كان موسراً . فيخمسين .
: الكفن معتبر بحال الميت ، فإن كان موسراً كان كفنه رفيعاً حسناً ، على حسب ما يلبس في الحياة ، وإن لم يكن موسراً [ فعلى حسب حاله ] قال أبو محمد : وقول الخرقي ليس على سبيل التحديد ، إذ لا نص في ذلك ولا إجماع ، ولعل الجيد والمتوسط كان يحصل في زمنه بما ذكره ، والكفن يجب في رأس المال ، مقدماً على الدين وغيره .
ولم يتعرض الخرقي رحمه الله هل الواجب ثوب واحد أو أكثر من ذلك ؟ والمشهور أن الواجب [ ثوب ] ساتر لجميع الميت ، رجلًا كان أو امرأة ، اختاره ابن عقيل ، وأبو محمد ، وقيل وعزي إلى القاضي : يجب في حقهما ثلاثة ، وجعل صاحب التلخيص محل الوجهين في نفوذ وصية الميت بإسقاط الثوبين ، قال : وعلى كليهما لا يملك الغرماء ولا الورثة المضايقة فيهما ، وقيل : تجب الثلاثة : إلا مع الدين المستغرق ، وهذا اختيار أبي البركات في الشرح ، وقيل : بل ثلاثة في حق الرجل ، وخمسة في حق المرأة ، ويتلخص خمسة أوجه ، واعلم أن أبا البركات جوز وصية الميت بالثوب الواحد بالإِجماع ، والله أعلم .
قال : والسقط إذا ولد لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلى عليه .
ش : لأنه ميت فيه روح ، أشبه المولود ، ودليل الوصف يأتي إن شاء الله تعالى .
1092 وقد روى المغيرة بن شعبة أن رسول الله قال : ( الراكب يمشي خلف الجنازة ، والماشي كيف شاء منها ، والسقط يصلي عليه ) رواه أحمد ، والنسائي ، والترمذي وصححه [ وكذلك أحمد في رواية أحمد بن أبي عبدة ] .
وشرط الخرقي الموت بعد أربعة أشهر ، وهو منصوص أحمد في رواية حرب وصالح ، وعليه الشيخان وغيرهما ، لأن من لم يستكملها فليس بميت ، [ لعدم نفخ الروح فيه ، والغسل والصلاة إنما شرعاً لميت ] .
1093 والدليل على ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه : حدثنا رسول الله [ وهو ] الصادق المصدوق ( إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات ، يكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح ) متفق عليه ، وعليه اعتمد أحمد ، وظاهر كلام أحمد في رواية صالح ، في موضع آخر تعليق الحكم بكونه تبين فيه خلق الإِنسان ، من غير نظر إلى الأربعة أشهر ، وكذلك ذكره ابن أبي موسى ، وأبو بكر في التنبيه ، وأبو الخطاب في الهداية ، وابن حمدان ، والله أعلم .
قال ؛ وإن لم يتبين أذكر هو أم أثنى سمي اسماً يصلح للذكر والأنثى .
ش : يستحب تسمية السقط باسم الذكر إن تبين أنه ذكر ، وباسم الأنثى إن تبين [ أنه أنثى ، وبما يصلح لهما كقتادة ، وطلحة ، ونحوهما إن لم يتبين ] حاله .
1094 لأنه يروى عن النبي [ أنه ] قال : ( سموا أسقاطكم فإنهم أفراطكم ) رواه أبو بكر ، وقيل : الحكمة في ذلك ليدعوا بأسمائهم يوم القيامة .
قال : وتغسل المرأة زوجها .
ش : هذا هو المشهور المنصوص ، الذي قطع به جمهور الأصحاب ، وقد حكاه الإِمام أحمد ، وابن المنذر ، وابن عبد البر إجماعاً .
1095 ويشهد له قول عائشة رضي الله عنها : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله إلا نساؤه . رواه أحمد وأبو داود ، وابن ماجه .
1096 وأوصى الصديق أن تغسله زوجته أسماء فغسلته ، وحكى أبو الخطاب في الهادية وتبعه صاحب التلخيص فيه ، وأبو محمد في المقنع رواية بالمنع ، إذ البينونة حصلت بالموت ، فتزول عصمة النكاح ، المبيحة للنظر واللمس ، وإذاً لا يجوز لها غسله كالأجنبية ، وقد حكى أبو البركات أن الرواية أثبتها ابن حامد وغيره ، آخذين لها من رواية صالح الآتية وغيرها ، ولم يثبتها هو رواية ، [ قال ] : لأن منطوق أحمد لا يدل على المنع ، ومفهومه كما يحتمل التحريم يحتمل الكراهة ، فيحمل عليه ، موافقة للإِجماع .
وقول الخرقي : وتغسل المرأة زوجها . يدخل فيه وإن لم تكن في عدة حال غسله ، كما إذا وضعت عقب موته ، وهو كذلك ، ويدخل فيه [ أيضاً ] المطلقة الرجعية ، لأنها امرأته ، وخرج المنع ، بناء على تحريمها ، ويخرج من كلامه المبتوتة في مرض موته ، لا تغسله ، لأنها ليست زوجته ، وفيه احتمال ، بناء على الإِرث .
قال : وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته فلا بأس .
ش : كذلك قال ابن أبي موسى ، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية صالح ، وقد سئل : هل يغسل الرجل زوجته ، والمرأة زوجها ؟ قال : كلاهما واحد ، إذا لم يكن من يغسلها ، فأرجو أن لا يكون به بأس . وذلك لما تقدم من أن البينونة حصلت بالموت ، وإنما جاز مع الضرورة ، لأن الضرورات تبيح المحظورات ، ولأنه ورد فيه نوع رخصة [ فحمل على الضرورة ، جمعاً بين الأدلة ، والفرق بين المرأة تغسل زوجها ، والرجل لا يغسل زوجته إلا عند الضرورة ، أن المرأة لها نوع رخصة ] في النظر للأجنبي ، بخلاف الرجل ، إذ محذور الشهوة فيها أخف من الرجل ، ( وعنه ) [ يجوز مطلقاً ] وهو المشهور عند الأصحاب ، حتى أن القاضي في الجامع الصغير ، والشريف ، وأبا الخطاب ، في خلافيهما ، [ والشيرازي ] لم يذكروا خلافاً ، قياساً له عليها .
1097 وعن عائشة رضي الله عنها قالت : رجع رسول الله من جنازة بالبقيع ، وأنا أجد صداعاً في رأسي ، وأقول : وارأساه . فقال : ( بل أنا وارأساه ، ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك ، وكفنتك ، ثم صليت عليك ودفنتك ) رواه أحمد ، وابن ماجه .
1098 وعن علي أنه غسل فاطمة ، إلا إن أحمد قال : ليس له إسناد .
ومرة قال : روي من طريق ضعيف . واحتج به في رواية حنبل .
1099 وقال في قول ابن عباس : الرجل أحق بغسل امرأته : إنه منكر . وقيل عنه رواية بالمنع مطلقاً ، والمنع مطلقاً والجواز عند الضرورة ، واعلم أن أبا محمد قد نفي هذا القول ، وحمل كلام الخرقي على التنزيه ، وحمله ابن حامد والقاضي على ظاهره ، وهو أوفق لنص أحمد . والله أعلم .
قال : والشهيد إذا مات في موضعه لم يغسل ، ولم يصل عليه ، ودفن في ثيابه .
ش : أما كون الشهيد لا يغسل :
1100 فلما روى جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثواب الواحد ، ثم يقول : ( أيهم أكثر أخذاً للقرآن ) ؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وأمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسلوا ، ولم يصل عليهم ، رواه البخاري ، والنسائي ، والترمذي وصححه .
1101 ولأحمد أن النبي قال في قتلى أحد ( لا تغسلوهم ، فإن كل جرح ، أو كل دم ، يفوح مسكاً يوم القيامة ) ولم يصل عليهم .
وقول الخرقي : لا يغسل . [ يعني ] للموت ، فلو كان به ما يقتضي الغسل من جنابة أو غير ذلك ، فإنه يغسل .
1102 لما روى ابن إسحاق في المغازي ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، أن النبي قال : ( إن صاحبكم لتغسله الملائكة ) يعني حنظلة ( فاسألوا أهله ما شأنه ؟ ) فسئلت صاحبته [ عنه ] فقالت : خرج وهو جنب ، حين سمع الهائعة .
قال رسول الله : ( لذلك غسلته الملائكة ) .
وأما كونه لا يصلى عليه وهو المشهور من الروايات ، واختيار القاضي ، وعامة أصحابه فلما تقدم .
1103 وعن أنس رضي الله عنه أن شهداء أحد لم يغسلوا ، ودفنوا بدمائهم ، ولم يصل عليهم ، رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي . والرواية الثانية : يصلى عليهم . اختارها الخلال ، وعبد العزيز في التنبيه ، وأبو الخطاب .
1104 لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه ، أن النبي خرج يوماً فصلى على قتلى أحد ، صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : ( إني فرطكم ، وأنا شهيد عليكم ، وإن والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ) متفق عليه واللفظ للبخاري .
1105 وله أنه صلى على قتلى أحد ، بعد ثمان سنين ، كالمودع للأحياء والأموات .
1106 وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى على قتلى أُحد .
1107 وعنه أنه صلى على حمزة ، وقد ضعف حديث ابن عباس من قبل رواته ، وأنكر أحمد قضية حمزة ، في رواية مهنا ، وقال : ليس له إسناد . وأما حديث عقبة فقيل : خاص بقتلى أحد ، توديعاً للأحياء والأموات ، وفيه شيء ، فإن الذي ورد أنه لم يصل عليهم هم قتلى أحد ، فإما أن يكون آخر الأمرين من فعله هو الصلاة ، أو فعل ذلك ليبين الجواز ، وهذا هو ( الرواية الثالثة ) : أنه يخير في الصلاة وتركها ، لورود الأمرين بهما ، لكن الفعل أفضل ، وعنه : الترك أفضل .
وأما كونه يدفن في ثيابه التى استشهد فيها أي يكفن فيها فلما تقدم .
1108 وعن عبد الله بن ثعلبة قال : قال رسول الله : ( زملوهم بدمائهم ، فإنه ليس أحد يكلم في سبيل الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمأ ، لونه لون الدم ، وريحه ريح المسك ) رواه النسائي ، وأحمد ولفظه ( زملوهم في ثيابهم ) .
وظاهر كلام الخرقي أن هذا على سبيل الوجوب ، وهو المنصوص ، وعليه جمهور الأصحاب ، منهم القاضي في الخلاف ، وشذ في المجرد ، فجعل ذلك مستحباً ، وتبعه على ذلك أبو محمد .
1109 محتجاً بأن صفية أرسلت إلى النبي ثوبين ، ليكفن فيهما حمزة ، فكفنه رسول الله في أحدهما ، وكفن في الآخر رجلًا . قال يعقوب بن شيبة : هو صالح الإِسناد . وأجاب القاضي في الخلاف بأنه يحتمل أن ثيابه سلبت ، أو أنهما ضماً إلى ما كان عليه .
1110 قلت : وقد روي في المسند ما يدل على ذلك .
( تنبيهان ) ( أحدهما ) : المراد بالشهيد هنا الذي قتل بأيدي الكفار ، في معركتهم ، أما المقتول ظلماً كقتيل اللصوص ونحوه فهل يلحق بالشهيد ، فلا يغسل ، ولا يصلى عليه ، وهو اختيار القاضي وعامة أصحابه ، لأنه شهيد ، أشبه شهيد المعركة ، أو لا يحلق به ، فيغسل ، ويصلي عليه ، وهو اختيار الخلال ، لأنه عمر ، وعلياً ، والحسين رضي الله عنهم قتلوا ظلماً ، وغسلوا ، وصلي عليهم ؟ فيه روايتان . واختلف في العادل إذا قتله الباغي ، فقيل : حكمه حكم قتيل اللصوص ، وهو اختيار أبي بكر ، والقاضي ، وقيل : بل حكم قتيل الكفار ، وهو المنصوص ، واختيار الشيخين .
1111 لأن علياً رضي الله عنه لم يغسل من قتل معه ، وعمار أوصى أن لا يغسل . أما الشهيد غير القتيل ، كالمبطون ، والمطعون ، والنفساء ، ونحوهم ، فحكمهم حكم بقية الموتى بلا نزاع ، وفي الصحيحين أن النبي صلى على امرألا ماتت في نفاسها ، فقام وسطها .
( الثاني ) : عدم غسل الشهيد قيل : دفعاً للحرج والمشقة ، لكثرة الشهداء في المعترك ، وقيل : لأنه لما لم يصل عليه لم يغسل ، وقيل وهو الصحيح : لئلا يزول أثر العبادة المطلوب بقاؤها ، كما دلك عليه حديث عبد الله بن ثعلبة ، وعدم الصلاة عليه قيل : لأنهم أحياء عند ربهم ، والصلاة إنما شرعت على الأموات ، وقيل : لغناهم عن الشفاعة .
1112 فإن الشهيد شفيع في سبعين من أهله . ( وفرط القوم ) المتقدم عليهم في السير ، السابق إلى الماء ، أي أني متقدم بين أيديكم ، فإذا قدمتم علي تروني وتجدوني لكم منتظراً ( والمنافسة ) المغالبة على تحصيل الشيء ، والإِنفراد به ، ( وزملوهم ) لفوهم . والله أعلم .
قال : وإن كان عليه شيء من الجلود أو السلاح [ نحي عنه .
ش : قد تقدم أن الشهيد يدفن في ثيابه ، فلو كان عليه شيء من الجلود والسلاح ] فإنه يزال عنه .
1113 لما روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : أمر رسول الله يوم أحد بالشهداء أن تنزع عنهم الحديد ، والجلود ، وقال : ( ادفنوهم بدمائهم وثيابهم ) رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه .
قال : وإن حمل وبه رمق غسل وصلي عليه .
ش : هذا الذي احترز عنه الخرقي في قوله : الشهيد إذا مات في موضعه . فلو حمل وبه رمق ، أي حياة مستقرة ، ثم مات ، فإنه يغسل ، ويصلى عليه .
1114 لأن سعد بن معاذ أصابه سهم يوم الخندق ، فحمل إلى المسجد ، ثم مات بعد ذلك ، فغسله رسول الله ، وصلى عليه .
وظاهر كلام الخرقي [ أنه ] لا يشترط لغسله والصلاة عليه طول الفصل ، بل 19 ( مات عقب الحمل ، وقد كانت فيه حياة مستقرة ، فإنه يغسل ، ويصلي عليه ، وهو الذي أورده أبو البركات مذهباً . وقيل : يشترط طول الفصل ، وهو مختار أبي محمد ، فلو لم يطل الفصل لم يغسل ، والله أعلم .
قال : والمحرم يغسل بماء وسدر ، ولا يقرب طيباً ، ويكفن في ثوبيه ، ولا يغط رأسه ولا رجلاه .
1115 ش : في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : بينما رجل واقف مع النبي ، إذ وقع عن راحلته فأوقصته ، وفي لفظ فوقصته ، فذكر ذلك لرسول الله فقال : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ، ولا تحنطوه ، ولا تخمروا رأسه ، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً ) وفي رواية ( في ثوبيه ) وفي أخرى ( لا تغظوا وجهه ، ولا تقربوه طيباً ) وفي رواية لأبي داود : أن النبي قال : ( اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما ، واغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تمسوه طيباً ، [ ولا تخروا رأسه ] فإن يبعث يوم القيامة محرماً ) وهذا يبين أن المراد ليس ذلك المحرم بعينه ، وأن حكم الإهحرام باق بعد موته .
وقول الخرقي : لا تغطى رجلاه . هو رواية حنبل عن أحمد ، [ وقد ] أنكره الخلال ، وقال : لا أعرف هذ في الأحاديث ، ولا رواه أحمد عن أبي عبد الله غير حنبل . قال : وهو عندي وهم من حنبل ، والعمل على أن يغطى جميع المحرم ، إلا رأسه ، لأن الإِحرام لا يتعلق بالرجلين ، ولهذا لا يمنع من تغظيتهما في حياته ، فكذلك بعد مماته . قلت : قد يقال : كلام الخرقي وأحمد خرج على المعتاد ، إذ في الحديث أنه يكفن في ثوبيه ، أي الرداء ، والإِزار [ والإِزار ] العادة أنه لا يغطي من سرته إلى رجليه ، فخرج كلامهما على ذلك .
وظاهر كلام الخرقي أنه يغطي وجهه . وهو المشهور من الروايتين بناء على المشهور [ من ] أنه يجوز تغطيته في حال الحياة ، ونظراً إلى أن الأكثر في الروايات وذكر الرأس فقط ، وهذا إذا كان المحرم رجلًا ، أما إن كان امرأة فحكمها بعد الموت حكمها في الحياة ، ) 19 ( لا تمنع من لبس المخيط ، وتغطي رأسها لا وجهها ، والله أعلم .
قال : وإن سقط من الميت شيء غسل وجعل معه في أكفانه .
ش : إذا سقط من الميت شيء أو كان ساقطاً كبعض أعضائه فإنه يغسل ، ويجعل في أكفانه ، لأنه بعضه جزء من أجزائه ، [ فأعطي حكم كله ، ولما فيه من جمع أجزاء الميت ] في موضع واحد ، وأنه أولى ، والله أعلم .
قال : وإن كان شاربة طويلًا أخذ وجعل معه في أكفانه .
ش : أما أخذه فلأن ذلك يراد للتنظيف ، ويسن في حياته ، من غير ضرر فيه ، فكذلك بعد وقاته ، وأما جعله معه فلما تقدم ، وفي معنى أخذ الشارب قلم الظفر ، لأنه في معناه ، وعنه يكره قلم الظفر ، لأنه من الجملة ، ولهذا ينجس بالموت ، بخلاف الشعر .
واقتصار الخرقي على ذكر أخذ الشارب يقتضي أنه لا يختن ، ونص عليه أحمد ، وحذاراً من إزالة بعض أعضائه ، ولأن المقصود من الختان التطهير من النجاسة ، وقد زال ذلك ، والجنة لا بول فيها ولا تغوط .
ويقتضي كلامه أيضاً أن عانته لا تؤخذ ، وهي اختيار أبي محمد ، حذاراً من كشف العورة ومسها ، وهتك حرمة الميت ، ونص أحمد في رواية صالح على أخذها .
1116 محتجاً بأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه غسل ميتاً ، فدعى بموسى . ولأنه من الفطرة ، أشبه قلم الظفر ، وهذا مختار الجمهور ، والقاضي في التعليق ، وأبي الخطاب وصاحب التلخيص ، وغيرهم ، ثم قال القاضي في شرح المذهب : تزال بنورة ، نظراً إلى الأسهل ، وحذاراً من المس ، وقال أحمد : تأخذ بموسى أو بمقراض ، نظراً لقصة سعد ، والنورة ربما أتلفت الجسد ، وخير أبو الخطاب في الهداية بينهما . والله أعلم .
قال : ويستحب تعزية أهل الميت .
1117 ش : عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي قال : ( من عزى مصاباً فله مثل أجره ) .
1118 وعن أبي برزة ، أن رسول الله قال : ( من عزى ثكلى كسي بردافي الجنة ) رواهما الترمذي .
( تنبيه ) ( ثكلى ) المرأة تفقد ولدها ومن يعز عليها ، والله أعلم .
قال : والبكاء [ عليه ] غير مكروه ، إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة .
ش : إذا تجرد البكاء عن الندب والنياحة لم يكره .
119 لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : شهدنا بنت رسول الله ، ورسوله الله جالس على القر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : ( هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة ؟ ) فقال أبو طلحة : أنا . فقال : ( انزل في قبرها ) البخاري . ) 19 (
1120 زهم تبم هكر قال : اشتكى سعد بن عبادة شكوى ، فأتاه النبي يعوده ، مع عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، فلما دخلوا عليه ، وجده في غشية ، فقال : ( قد قضى ؟ ) فقالوا : لا يا رسول الله . فبكى رسول الله ، فلما رأى القوم بكاءه بكوا ، فقال : ( ألا تسمعون ، إن الله لا يعذب بدمع العين ، ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم ) .
1121 وعن جابر رضي الله عنه قال : صيب أبي يوم أحد ، فجعلت أبكي ، فجعلوا ينهوني ورسول الله لا ينهاني ، فجعلت عمتي فاطمة تبكي ، فقال النبي : ( تبكين أو لا تبكين ، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه ) متفق عليهما .
1122 وعن عائشة رضي الله عنها ، أن سعد بن معاذ لما مات ، حضره رسول الله ، وأبو بكر وعمر ، قالت : فوالذي نفسي بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر ، من بكاء عمر ، وأنا في حجرتي رواه أحمد .
أما إن كان مع البكاء ندب وهو تعداد محاسن الميت ، نحو : واسيداه ، وأرجلاه ، ونحو ذلك ، أو نوح فإنه يحرم ، لما اشتمل عليه من ذلك .
1123 ففي الترمذي وغيره عن أبي موسى رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله يقول : ( ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول : واجبلاه ، واسيداه ، إلا وكل الله به ملكين يلهزانه ، ويقوللان : أهكذا كنت ؟ ) .
1124 وعن أم عطية رضي الله عنها قالت : أخذ علينا رسول الله مع البيعة أن لا ننوح . مختصر ، متفق عليه .
1125 وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لعن رسول الله النائحة ، والمستمعة . رواه أبو داود ، وقال أحمد في قوله تعالى : 19 ( { ولا يعصينك في معروف } ) إنه النياحة ، وقد ورد ذلك مرفوعاً .
1126 فعن أسماء بنت يزيد قالت : قالت امرأة من النسوة : ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه ؟ قال : ( لا تنحن ) مختصر ، رواه الترمذي .
وقيل : إذا تجرد تالندب والنياحة عن اللطم ، ونتف الشعر ، وذكر الميت بما ليس فيه ، ونحو طلك ، كره ولم يحرم ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، وقيل عن أحمد ما يحتمل الإِباحة ، واختاره الخلال وصاحبه .
1127 لأنه روي عن واثلة بن الأسقع ، وأبي وائل أنهما كانا يستمعان النوح ويبكيان ، رواه حرب ، والمذهب الأول .
1128 وعليه حمل أبو محمد ما في الصحيح عن النبي ، أنه قال : إن الميت ليعذب ببكاء أهل عليه ) وفي رواية ( ليعذب ببكاء الحي عليه ) وفي رواية ( بما نيح عليه ) فحمله على بكاء معه ندب أو نياحة ، ) 19 ( وقيل : بل ما ورد محمول على من أوصى بذلك ، وهو قول الخطابي ، وابن حامد من أصحابنا كقول طرفة :
إذا مت فانعيني بما أنا أهله
وشقي على الجيب يا ابنة معبد
وقيل : بل يحمل على من أوصى بذلك ، وقيل : محمول على من عادتهم وسنتهم النوح ، ولم يوصهم بترك ذلك . اختاره أبو البركات [ لتفريطه ، أما مع الوصية باجتناب ذلك فلا ، وهذا قول صاحب التلخيص ] وقد حمل ذلك على ظاهره راوياً الحديث عمر وابنه رضي الله عنهما ، وأنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها .
1129 ففي الصحيحين عنها أنها قالت : يرحم الله عمر وابنه ، ما حدث رسول الله أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ، ولكن قال : ( إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهل عليه ) وقالت : حسبكم القرآن ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) قال ابن أبي مليكة : فما قال ابن عمر شيئاً .
1130 وقالت أيضاً : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ، أما إنه لم يكذب ، ولكن نسي أو أخطأ . وفي رواية وهم إنما مرة رسول الله على يهودية [ يبكي عليها ] فقال : ( إنه ليبكي عليها لتعذب في قبرها ) .
1131 وعن ابن عباس نحو هذا ، وقال : والله أضحك وأبكي . انتهى .
ولا بأس باليسير من الكلام في صفة الميت ، إذا كان صدقاً ، ولم يخرجه مخرج النوح ، قال أحمد : إذا ذكرت المرأة مثل ماحكي عن فاطمة ، في مثل الدعاء لا يكون مثل النوح .
1132 والذي حكي عن فاطمة ما رواه أنس قال : لما ثقل رسول الله جعل يتغشاه الكرب ، فقالت فاطمة : واكرب أبتاه ، فقال : ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) فلما مات قالت : يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه . رواه البخاري .
( تنبيه ) ( يقارف ) .
1133 في مسند أحمد أن رقية لما ماتت ، قال النبي : ( لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله ) فلم يذخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر ، ( والوزر ) الإِثم والذنب المثقل للظهر ، والمراد : لا يحمل أحد من المذنبين ذنب أحد ، ( واللهز ) الدفع في الصدر بجميع الكف ، والله أعلم .
قال : ولا بأس أن يصلح لأهل الميت طعاميبعث به إليهم ، ولا يصلحون هم طعاماً للناس .
ش : أما إباحة ذلك لغير أهل الميت :
1134 فلما روي عن عبد الله بن جعفر قال : لما جاء نعي جعفر حين قتل ، قال النبي ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً ، فقد أتاهم ما يشغلهم ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه .
وأما عدم إباحته لهم فلما علل به ، ) 19 ( من أنهم في شغل بمصابهم .
1135 وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت ، وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة . رواه أحمد .
وظاهر كلام الخرقي أنه يباح لغير أهل الميت صنع الطعام ، ولا يباح لأهل الميت ، وقال غيره : ويسن لغير أهل الميت ، ويكره لأهله ، والله أعلم .
قال : والمرأة إذا ماتت وفي بطنها ولد يتحرك ، فلا يشق بطنها ، وتسطو القوابل عليه فيخرجنه .
ش : المذهب المنصوص والذي عليه الأصحاب أن المرأة إذاماتت وفي بطنها ولد يتحرك ، أن بطنها لا يشق ، لأن في الشق هتك حرمة متيقنة لإِبقاء حياة موهومة ، إذ الغالب والظاهر أن الولد لا يعيش ، واحتج أحمد في رواية أبي داود بما روت عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله قال : ( كسر عظم الميت ككسر عظم الحي ) رواه أبو داود ، وابن ماجه ، ورواه ابن ماجه من رواية أم سلمة ، وزاد ( في الإِثم ) وتوقف أحمد عن ذلك في رواية الأثرم ، ولميجزم بحجية [ الحديث ] بل قال : قيل : كسر عظم الميت ككسر عظم الحي . وحكى أبو الخطاب في الهداية ومن بعده احتمالًا بالشق ، إذا غلب على الظن أن الولد يعيش لأن حفظ حرمة الحي أولى ، وكما لو خرج بعضه حياً ، وتعذر إخراج باقيه من غير شق ، [ فإنه يشق ] .
فعلى الأول تسطو عليه القوابل ، أي يدخلن أيديهن في فرجها . فيخرجنه إن غلب على ظنهن حيات ، بحركته مع قرب ولادتها ، ونحو ذلك .
فإن لم تقدر عليه النساء ، أو لم يوجدن فهل يسطو عليه الرجال ؟ فيه روايتان ( إحدهما ) : لا يسطون ويترك حتى يموت ، اختاره القاضي ، وصاحب التلخيص ، وأبو محمد ، وغيرهم ، ويحتمله كلام الخرقي ، لما فيه من هتك حرمتها مع الرجال ، مع بعد احتمال الحياة ( والثانية ) : وهي المنصوصة عنه ، واختيار أبي بكر ، وأبي البركات يسطون ، لأن ذلك يحتمل في حق الأحياء ، فالأموات أولى ، ولم يقيد أحمد الرجل بالمحرم ، وقيده ابن حمدان بذلك ، وحيث تعذر إخراجه فإنها تترك حتى يتيقن موته ، قال أحمد : ينتظرنها مادام حياً ، والله أعلم .
قال : وإذا حضرت الجنازة ، وصلاة الفجر ، بديء بالجنازة .
ش : لأنا إذا قدمنا الجنازة فعلناها في غير وقت نهي ، أو في وقت اختلف فيه ، أما إن أخرناها ، فإننا نفعلها في وقت نهي بلا نزاع ، فكانت البداءة بها أولى ، وكذلك إذا حضرت [ الجنازة ] وصلاة العصر ، بدئ بالجنازة بطريق الأولى ، إذ وقت النهي إنما يدخل بفعل الصلاة على المذهب ، ) 19 ( بخلاف الفجر ، فإن وقت النهي فيها يدخل بطلوع الفجر على المذهب ، والله أعلم .
قال : وإن حضرت وصلاة المغرب بدئ بالمغرب .
ش : وإن حضرت الجنازة وصلاة المغرب ، بدئ بالمغرب ، لتأكد المغرب ، ولكراهة تأخيرها ، ولا محذور في تأخير الجنازة ، إذ لا نهي بعد الغروب ، وكذا إذا حضرت وصلاة الظهر أو العشاء ، بدئ بالعشاء والظهر ، لتأكدهما . والله أعلم .
قال : ولا يصلي الإمام على الغال ، ولا على من قتل نفسه .
ش : الغال هو الذي يكتم الغنيمة أو بعضها ، فلا يصلي الإِمام عليه ، ولا على من قتل نفسه عمداً . على المنصوص ، والمذهب بلا ريب .
1136 لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه ، أن النبي جاؤه برجل قد قتل نفسه بمشاقص ، فلم يصل عليه . رواه مسلم وغيره .
1137 وفي السنن عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال : توفي رجل من جهينة يوم خبير ، فذكر ذلك لرسول الله ، فقال : ( صلوا على صاحبكم ) فتغيرت وجوه القوم ، فلما رأى ما بهم قال : ( إن صاحبكم غل في سبيل الله ) ففتشنا متاع . ، فوجدنغا فيه خرزاً من خرز اليهود ، ما يساوي درهمين . رواه الخمسة إلا الترمذي واحتج به أحمد ، فامتنع من الصلاة عليه ، وهو الإِمام ، وأمر غيره بالصلاة عليه ، وكذلك روي عنه فيمن قتل نفسه ، قال أحمد وسئل : من قتل نفسه يصلى عليه ؟ قال : أما الإِمام فلا يصلي عليه ، وأما الناس فيصلون عليه ، هكذا فعل النبي بالذي قتل نفسه ، لم يصل عليه ، وأمرهم أن يصلوا عليه ، وإذاً يلحق به غيره من الأئمة ، إذ ما ثبت في حقه ، ثبت في حق غيره ، ما لم يقم دليل يخصه ، وجعل أبو البركات ترك صلاة الإِمام استحباباً ، من باب الردع والزجر ، وعدى ذلك إلى كل معصية ظاهرة ، مات عنها صاحبها من غير توبة .
( تنبيه ) : الإِمام هنا هو أمير المؤمنين خاصة ، قاله الخلال وغيره ، ونقل عنه حرب أن الإِمام هو الوالي ، وأن إمام كل قرية واليهم ، وخطأ الخلال حرباً ، وقال : إن الذي عليه العمل من قوله هو الأول . قاله أبو البركات : وهذا تحكم ، والصحيح تصويبه ، وجعل ذلك رواية .
قال : وإذا حضرت جنازة رجل وامرأة ، وصبي ، جعل الرجل مما يلي الإِمام ، والمرأة خلفه ، والصبي خلفهما .
ش : لا خلاف في المذهب أن الرجل الحر يلي الإِمام ، لشرفه بالذكورية ، والحرية ، والتكليف ، ثم بعده هل يقدم الصبي لشرفه بالحرية ، وهو اختيار الخلال ، أو العبد البالغ ، لشرفه بالتكليف ، ) 19 ( وهو اختيار القاضي في التعليق ، وأبي محمد ، وظاهر كلام الخرقي ؟ فيه روايتان منصوصتان ، ثم بعد الصبي المرأة ، لشرفه بالذكورية ، فيقدم عليها ، نص عليه أحمد في رواية صالح ، وأبي الحارث .
1138 ويشهد له ما روى عمار مولى بني هاشم ، قال : 16 ( شهدت جنازة صبي وامرأة ، فقدم الصبي مما يلي القوم ، ووضعت المرأة وراءه ، وفي القوم أبو سعيد الخدري ، وابن عباس ، وأبو قتادة ، وأبو هريرة رضي الله عنهم ، فقلنا لهم : فقالوا : السنة ) . وقال الخرقي : يؤخر الصبي عن المرأة ، لشرف المرأة بالتكليف ، وهذا الذي نصبه القاضي في التعليق ، ولم يذكر به نصاً ، والخنثى يقدم على المرأة لاحتمال ذكوريته ، والله أعلم .
قال : وإن دفنوا في قبر واحد جعل الرجل مما يلي القبلة ، والمرأة خلفه ، والصبي خلفهما ، ويجعل بين كل اثنين حاجز من تراب .
ش : لا إشكال أن جهة القبلة في الدفن هي الجهة الفاضلة ، فيقدم الأفضل ثم الذي يليه إليها ، على ما تقدم في تقديمهم إلى الإِمام ، ويشهد لذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وقد تضمن كلام الخرقي أنه يجوز دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد ، وهو صحيح ، نص عليه أحمد والأصحاب .
1139 لما روى هشام بن عامر قال : شكونا إلى رسول الله يوم أحد ، فقلنا ، يا رسول الله الحفر علينا لك إنسان شديد . فقال : ( احفروا ، وأعمقوا ، وأحسنوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد ) قالوا : فمن نقدم يا رسول الله ؟ قال : ( قدموا أكثرهم قرآنا ) وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد . رواه النسائي ، والترمذثي بنحوه وصححه . فإن اختلفت أنواعهم كرجال ونساء قدم إلى القبلة من [ يقدم ] إلى الإِمام عند الصلاة عليه ، هذا كله مع الضرورة ، لكثرة الموتى ونحو ذلك ، أما مع عدم ] الضرورة فالذي عليه عامة الأصحاب أنه لا يدفن في القبر إلا واحد ، لأن النبي كان يدفن كل واحد في قبر ، وعلى ذلك استمر فعل الصحابة ، ومن بعدهم من السلف والخلف ، ونقل عنه أبو طالب إذا ماتت امرأة وقد ولدت ولداً ميتاً ، فدفن معها ، جعل بينها وبينه حاجز من تراب ، أو يحفر له في ناحية منها ، وإن لم يدفن معها فلا بأس ، فظاهر هذا جواز دفن الاثنين في قبر من غير ضرورة بلا كراهة ، وهو ظاهر إطلاق الخرقي ، ويحتمل أن يختص كلام أحمد [ بما ] إذا كان أو أحدهما ممن لا حكم لعورته لصغره ، كحالة النص .
وحيث دفن في القبر اثنان فأكثر جعل بين كل اثنين حاجز من تراب ، ) 19 ( ليجعل كأن كل واحد منهما منفرد بقبر ، والله أعلم .
قال وإذا ماتت نصرانية وهي حامل من مسلم ، دفنت بين مقبرة المسلمين والنصاري .
ش : لأنها إن دفنت في مقبرة المسلمين تأذوا بعذابها ، وإن دفنت في مقبرة النصاري تأذى الولد بعذابهم ، فتدفن وحدها ، وقد حكى هذا أحمد عن واثلة بن الأسقع .
فإن قيل : فالولد على كل حال يتأذى بعذابها ؟ ( قيل ) : هذا محل ضرورة ، وهو أخف من عذاب المجموع . انتهى ، ويجعل ظهرها إلى القبلة ، على جنبها الأيسر ، لأن الولد إذاً يكون إلى القبلة ، على جنبه الأيمن ، لأن وجهه إلى ظهرها . والله أعلم .
قال : ويخلع النعال إذا دخل المقابر .
ش : يستحب خلع النعال في المقبرة ، ويكره المشي فيها إذاً .
1140 لما روى بشير مولى رسول الله [ قال : بينما أنا أماشي رسول الله ] مر بقبور المشركين ، فقال : ( لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً ) ثلاثاً ، ثم مر بقبور المسلمين فقال : ( لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيراً ) ثم حانت من رسول الله نظرة ، فإذا رجل يمشي عليه نعلان ، فقال له : ( يا صاحب السبتيتين ألقهما ) فنظر الرجل فلما عرف رسول الله خلعهما ، فرمى بهما . راه أبو داود ، والنسائي ، واحتج به أحمد في رواية حنبل وغيره ، وقال : هذا أمر من النبي ، وصححه في رواية محمد بن الحكم ، ونقل عنه ما يدل على جواز ذلك من غير كراهة .
ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يخلع ما عدا النعال من الخفاف ، والتمشكات ، وغيرهما ، ولذلك قال القاضي : لا تتعدى الكراهة إلى التمشكات ، ولا إلى غيرها ، قصراً للنص على موضعه ، وقيل بتعديه إلى التمشكات ، لأنه في معنى النعل ، لا إلى الخف ، ، لأن في الخلع مشقة ، ولهذا كان أحمد يلبس الخفاف في المقابر .
( تنبيه ) : السبتية نسبة إلى السبت ، جلود مدبوغة بالقرض ، يتخذ منها النعال ، والله أعلم .
قال : ولا بأس أن يزور الرجال المقابر .
ش : تستحب للرجال زيارة القبور ، على المنصوص ، والمشهور عند الأصحاب .
1141 لما روى بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فأمسكوا ما بدا لكم ، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء ، فاشربوا في الأسقية كلها ، ولا تشربوا مسكراً ) رواه مسلم وغيره .
وقيل : يباح ولا يستحب ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، لأن في رواية أحمد والنسائي عن بريدة ( ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ، ) 19 ( ولا تقولوا هجراً ) وهو الغالب في الأمر بعد الحظر ، لا سيما وقد قرنه بما هو مباح ، وهو ادخار لحوم الأضاحي ، والإِنتباذ في كل سقاء .
قال : ويكره للنساء . والله أعلم .
ش : هذا إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله ، قال : لا تخرج المرأة إلى المقابر ، ولا [ إلى ] غيرها .
1142 وذلك لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي لعن زوارات القبور ، رواه أحمد ، وابن ماجه ، والترمذي وصححه .
1143 وروي أيضاً من حديث حسان ، وابن عباس رضي الله عنهم وهذا النهي خاص بالنساء ، وذلك النهي والأمر يحتمل أنهما خاصان بالرجال ، ويحتمل أنهما لهما ، ويحتمل أن هذا الحديث بعد الإِذن في الزيارة ، وإذا دار الأمر بين الحظر والإِباحة ، فأقل الأحوال الكراهة ، بل لو قيل : بالحظر لم يكن بعيداً ، لا سيما والمرأة قليلة الصبر ، فالظاهر تهييج حزنها ، برؤية قبور أحبتها ، فقد يقع منها ما لا ينبغي .
1144 وقد روي عن عبد الله بن عمرو قال : بينما نحن نسير مع رسول الله ، إذ بصر بامرأة لا نظن أنه عرفها ، فلما توسط الطريق وقف ، حتى انتهت إليه ، فإذا هي فاطمة بنت رسول لله ، فقال لها : ( ما أخرجك من بيتك يا فاطمة ؟ ) فقالت : أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ، وعزيتهم بميتهم . قال : ( لعلك بلغت معهم الكدى ؟ ) قالت : معاذ الله أن أكون بلغتها ، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر . فقال : ( لو بلغتها معهم ، ما رأيت الجنة ، حتى يراها جد أبيك ) رواه أحمد ، والنسائي ، وهذا لفظه ، وقد صحح وضعف . وحسن .
والرواية الثانية : يباح لها ذلك ، قال أحمد : أرجو أن لا يكون به بأس ، وذلك لعموم حديث بريدة رضي الله عنه .
1145 وعن عبد الله بن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها 16 ( أقبلت ذات يوم من المقابر ، فقلت لها : يا أم المؤمنين من أين أقبلت ؟ قالت : من قبر أخي عبد الرحمن . فقلت لها : أليس كان نهى رسول الله عن زيارة القبور ؟ قالت نعم ، كان نهى عن زيارة القبور ، ثم أمر بزيارتها ) . رواه الأثرم في سننه ، واحتج به أحمد في رواية إبراهيم بن الحارث ، ففهمت دخولهن في العموم .
واعلم أن الخلاف السابق حكاه أبو الخطاب في الهداية ، والشيخان وغيرهم في الكراهة ، وحكاه صاحب التلخيص في التحريم ، ولعله أوفق لنص أحمد ، وجمع ابن حمدان الطريقتين ، فحكى ثلاث روايات ، الإِباحة ، والكراهة ، والتحريم . وعلى جميع الروايات متى علمت من نفسها أنها متى زارت بدا منها ما لا يجوز ، ) 19 ( لم تجز لها الزيارة قولًا واحداً .
( تنبيهان ) ( أحدهما ) يقول الزائر لها ، والمار عليها :
1146 ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله كلما كان ليلتها من رسول الله ، يخرج من آخر ليلتها إلى البقيع ، فيقول : ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون ، غدا مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ) .
1147 وعن بريدة قال : كان رسول الله يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر وكان قائلهم يقول : ( السلام على أهل الديار وفي لفظ السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية ) رواهما مسلم . ويخير في السلام بين التنكير والتعريف ، للأحياء والأموات ، لأن السنة وردت بذلك ، وقال ابن عقيل : في الأحياء التنكير ، وفي الأموات التعريف . ورد بالسنة ، وبأن أحمد نص في رواية أبي طالب في السلام على الأحياء معرفاً ، ونص في السلام على الأموات على التعريف والتنكير .
( الثاني ) : ( الهجر ) بالفتح الهذيان ، وهو النطق بما لا يفهم ، ( والكدى ) جمع كدية وهي الأرض الصلبة ، لأن مقابرهم كانت في مواضع صلبة ، والله أعلم .
كتاب الزكاة
ش : الزكاة في اللغة النماء ، والزيادة ، والتطهير ، قال الواحدي : الأظهر أنها مشتقة من : زكى الزرع يزكو زكاء بالمد إذا زاد . قال : والزكاة أيضاً الصلاح يقال : رجل زكي أي زائد الخير من قوم أزكياء : وزكى القاضي الشهود . إذا بين زيادتهم في الخير ، فسمي المال المخرج زكاة لأنه يزيد في المخرج منه ، ويقيه الآفات . وفي عرف الشرع اسم لإِخراج شيء مخصوص ، من مال مخصوص ، على وجه مخصوص .
وهي مما علم وجوبها من دين الله بالضرورة ، وقد قال عز من قائل 19 ( { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ) .
1148 وقال النبي لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن ( أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة ، تؤخذ من أغنيائهم ، فترد على فقارئهم ) مختصر متفق عليه .
[ في آي وأخبار سوى هذين ] ، وأجمع الصحابة على وجوبها ، وعلى قتال مانعيها ، والله أعلم .
قال : وليس فيما دون خمس من الإِبل سائمة صدقة
ش : إعلم أن الذي تجب فيه الزكاة في الجملة أربعة أنواع ( بهيمة الأنعام ) ، وهي الإِبل والبقر ، والغنم ( والخارج ) من الأرض ، ( والأثمان ) ، ( وعروض التجارة ) ، وأكثر هذه ، وأعمها عند العرب ، بهيمة الأنعام ، وأنفس بهيمة الأنعام عندهم الإِبل ، فلذلك بدأ بها الخرقي ، وقد انعقد الإِجماع على وجوب الزكاة في الإِبل في الجملة ، وأن أقل نصاب الإِبل خمس ، فما دون الخمس لا شيء فيها ، وقد جاءت السنة مصرحة بذلك .
1149 ففي الصحيحين أن رسول الله قال : ( ليس فيما دون خمس ذود صدقة ) مع ما يأتي إن شاء الله تعالى ، والذود ما بين الثلاث إلى العشر من الإِبل ، وقيل : ما بين الثنتين إلى التسع ، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها ، والله أعلم .
قال : فإذا ملك خمساً من الإِبل ، فأسامها أكثر السنة ففيها شاة ، وفي العشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي العشرين أربع شياه .
ش : هذا أيضاً مجمع عليه بحمد الله تعالى .
1150 والأصل في الباب ما روى أنس بن مالك رضي الله عنه ، [ أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ] لما استخلف كتب له ، جين وجهه إلى البحرين هذا الكتاب ، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر ( محمد ) سطر ، ( ورسول ) سطر ، ( والله ) سطر ، بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه فريضة الصدقة ، التي فرضها رسول الله ، والتي أمر الله بها رسوله ، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعط ، في أربع وعشرين من الإِبل فما دونها من الغنم ، في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمساً وعشرين ، إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض ، فإن لم يكن بنت مخاض فابن لبون ، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى ، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل ، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتاً لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان ، طروقتا الفحل ، فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ، وممن لم يكن عنده إلا أربع من الإِبل فليست فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، فإذا بلغت خمساً من الإِبل ففيها شاة ، وصدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ، إلى عشرين ومائة شاة شاة ، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان ، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه ، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة ، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة ، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ، ولا يخرج في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا تيس إلا أن يشاء المصدق ، وفي الرقة ربع العشر ، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة ، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، ومن بلغت عنده من الإِبل صدقة الجذعة ، وليس عنده جذعة ، وعنده حقة ، فإنها تقبل منه الحقة ، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له ، أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة ، وليست عنده الحقة ، وعنده الجذعة ، فإنها تقبل منه الجذعة ، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة ، وليست عنده إلا ابنة لبون ، فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين ، أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت لبون ، وعنده حقة ، فإنها تقبل منه الحقة ، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين ، ومن بلغت صدقته بنت لبون ، وليست عنده ، وعنده بنت مخاض ، فإنها تقبل منه بنت مخاض ، ويعطي معها عشرين درهماً أو شاتين ، ومن بلغت صدقته بنت مخاض ، وليست عنده ، وعنده بنت لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء ، وفي رواية ( ابن لبون ذكر ) رواه البخاري . قال الحميدي : في عشرة مواضع من كتابه ، بإسناد واحد مقطعاً ، والنسائي ، وأبو داود ، وأحمد ، وقال في رواية ابن مشيش وسئل أي الأحاديث أثبت عندك في الصدقات ؟ فقال : ما أصح حديث ثمامة بن أنس يرويه حماد بن سلمة وقال في رواية الميموني : لا أعلم في الصدقة أحسن منه . انتهى ، وهو أصل عظيم يعتمد ، وقد قال فيه : ( إن في أربع وعشرين من الإِبل فما دونها من الغنم ، في كل خمس شاة ( تنبيه ) وهذا الشاة . .
وقول الخرقي : فأسامها . نص ف يأن من شرط وجوب الزكاة في الإِبل أن تكون سائمة ، فلا تجب الزكاة في المعلوفة ، وهو صحيح ، لا إشكال فيه ، لأن في الحديث السابق ( وصدقة الغنم في سائمتها ) أي يجب في سائمتها ، أو الواجب في سائمتها ، فجعل الوجوب مختصاً بالسائمة ، والإِبل في معنى الغنم .
1151 مع أن في السنن عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله قال : ( في كل سائمة إبل في كل أربعين بنت لبون ) ولأن المعلوفة ما لغير معد للنماء ، أشبه ثياب البذلة ، والمشترط السوم في أكثر السنة ، إقامة للأكثر مقام الكل ، إذ اعتباره في جميع الحول يمنع الوجوب إلا نادراً .
ويستثنى من كلام الخرقي العوامل ، فإن الزكاة لا تجب فيهن وإن كن سائمة ، نص عليه أحمد في رواية جماعة ، وقال : أهل المدينة يرون فيها الصدقة ، وليس عندهم في هذا أصل .
1152 وقد روى الحارث الأعور عن علي ، قال زهير وهو ابن معاوية : أحسبه عن النبي فذكر حديثاً وفيه ( وليس على العوامل شيء ) رواه أبو داود ، لكن الحارث فيه كلام ،
1153 وقد روي أيضاً من حديث ابن عباس ، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، رواهما الدارقطني .
والمعنى في ذلك أن القصد منها الانتفاع بظهرها ، لا الدر والنسل ، أشبهت البغال والحمير .
وقوله : فأسامها . ظاهره أنه وجد منه فعل السوم ، فيكون من مذهبه اشتراط نية السوم ، وهو أحد الوجهين ، والوجه الآخر : لا يشترط ، فلو سامت بنفسها ، أو أسامها غاصب ، وقلنا بوجوب الزكاة في المغصوب ، وجبت الزكاة .
( تنبيه ) السائمة عبارة عمن رعت المباح ، والله أعلم .
قال : فإذا صارت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض ، إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ، ففيها ابنة لبون ، إلى خمس وأربعين ، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل ، إلى ستين ، [ فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة ، إلى خمس وسبعين ، فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتاً لبون ، إلى تسعين ، فإذا بلغت إحدى وتسعين ] ففيها حقتان ، طروقتا الفحل ، إلى عشرين ومائة .
ش : هذا كله مجمع عليه بحمد الله ، وما تقدم من كتاب أبي بكر نص فيه .
وقول الخرقي : فإن لم يكن فيها بنت مخاض يعني في إبله فابن لبون . يعني إن وجده في إبله ، فشرط إجزاء ابن اللبون عدم بنت المخاض في إبله ، ووجود ابن اللبون ، أما إن عدمه فإنه يلزمه شراء بنت مخاض ، وهذا ظاهر ما تقدم ( فإن لم تكن عنده بنت مخاض على وجهها ، وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه ) ولأن العدول عن بنت المخاض كان للرفق به ، ومع الشراء قد زال الرفق ، فيرجع إلى الأصل ، وحكم وجودها معيبة في إبله حكم ما لو عدمها ، إذ الممنوع منه شرعاً كالمعدوم حساً ، ولهذا قال في الحديث ( على وجهها ) أي على الوجه الشرعي ، أما إن وجدها أعلى من الواجب عليه ، فإنه لا يجزئه إخراج ابن اللبون ، بل يخير بين إخراجها ، وبين شراء بنت مخاض ، على صفة الواجب ، كما هو ظاهر الخبر وكلام الخرقي .
( تنبيه ) : بنت المخاض من الإِبل وابن المخاض ما استكمل سنة ، ثم هو كذلك إلى آخر الثانية ، سمي بذلك لأن أمه من المخاض أي الحوامل ، والمخاض اسم الحوامل ، لا واحد له من لفظه ، وليس [ كون ] أمها من المخاض شرطاً فيها ، وإنما ذكر ذلك اعتباراً بغالب حالها ، وكذلك بنت اللبون ، إذ الغالب أن من بلغت سنة تكون أمها حاملًا ، ومن بلغت سنتين تكون أمها ذات لبن .
( وبنت اللبون ) وابن اللبون ما استكمل الثانية ، ثم هو كذلك إلى تمام الثالثة سمي بذلك لأن أمه ذات لبن .
( والحقة ) والحق ما استحمل الثالثة ، ثم هو كذلك إلى آخر الرابعة ، سمي بذلك لاستحقاقه أن يحمل ، أو يركبه الفحل ، ولهذا قال : ( طروقة الفحل ) أي يطرقها ويركبها ( والجذعة ) والجذع ما استكمل الرابعة ، ثم هو كذلك إلى آخر الخامسة ، سمي بذلك لأنه يجذع إذا سقط سنه .
وقوله الخرقي : فابن لبون ذكر . تبع يه لفظ الحديث ، وإلا فابن لون هو ذكر ، وهو تأكيد ، كقوله تعالى : 19 ( { تلك عشرة كاملة } ) .
1154 وقول النبي : ( ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ) وهو كثير ، وتنبيه لرب المال والمصدق ، ليطيب رب المال نفساً بالزيادة المأخوذة منه ، إذا علم أنه كان قد أسقط عنه ما كان بإزائه من فضل الأنوثة ، وليعلم المصدق أن هذا مقبول من ربالمال . والله أعلم .
قال : فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة .
ش : ظاهر هذا أنها إذا زادت واحدة على العشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون ، وهو المشهور من الروايتين ، والمختار للأصحاب ، لظاهر كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ) وبالواحدة قد حصلت الزيادة .
1155 وفي كتاب الصدقات الذي كتبه النبي ، وكان عند آل عمر وفيه ( فإذا زادت واحدة أي على التسعين ففيها حقتان ، إلى عشرين ومائة ، فإذا كانت الإِبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين ابنة لبون ) رواه أبو داود ، والترمذي وحسنه ، ورواه أبو داود عن سالم [ مرسلًا ] . وفيه ( فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون ) .
( والرواية الثانية ) : لا يتغير الفرض إلى مائة وثلاثين ، فيجب حقة وبنتا لبون . نقلها عنه القاضي البرثي ، واحتج له بحديث ثمامة بن أنس .
1156 وبحديث عمرو بن حزم ، وقال : هو عن كتاب وهو صحيح ، وفي هذا النقل عنه نظر ، لأن حديث أنس المشهور ليس فيه ذلك ، بل أحمد قد احتج به في رواية النيسابوري على الرواية الأولى ، وأما حديث عمرو بن حزم فلعل فيه ذلك ، بل أحمد قد احتج به في رواية النيسابوري على الرواية الأولى ، وأما حديث عمرو بن حزم فلعل فيه ذلك ، لكن لم أرهم نقلوا ذلك ، وقد يستدل لهذه الرواية بأن في بعض ألفاظ حديث ابن عمرو رواه أحمد ( فإذا كثرت الإِبل ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين ابنة لبون ) والواحدة لا تكثر بها الإِبل .
1157 وفي سنن ابن بطة عن الزهري قال : هذه نسخة كتاب رسول الله لتي كتب في الصدقة ، وهي عند آل عمر وقال فيه : ( فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان ، طروقتا الفحل ، حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا كانت ثلاثين ومائة ، ففيها حقة وبنتاً لبون ) ويجاب بأن هاتين الروايتين فيهما إجمال وما تقدم يفسرهما .
وعلى كلتا الروايتين متى بلغت الفريضة مائة وثلاثين ففيا حقة وبنتاً لبون ، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبوت ، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق ، وفي مائة وستين أربع بنات لبون ، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون ، وفي مائة وثمانين حقتان وبنتا لبون ، وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون ، وفي مائتين أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون ، لأن المائتين أربع خمسينات ، وخمس أربعينات هذا ظاهر كلام الخرقي ، واختيار أبي بكر ، وابن حامد ، وأبي محمد ، والقاضي ، قالب في الروايتين : [ إنه ] الأشبه . وقال الآمدي : إنه ظاهر المذهب . ويحتمله كلام أحمد في رواية صالح وابن منصور وذلك لظاهر حديث أبي بكر ، إذ فيه ( في كل أربعين ابنة لبون ، وفي كل خمسين حقة ) وعن الزهري قال : نسخة كتاب رسول الله ، الذي كتبه في الصدقة ، أقرأنيه سالم بن عبد الله ابن عمر . وفيه ( فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون ، أي السنين وجدت أخذت ) .
ونقل علي بن سعيد عن أحمد : يأخذ من المائتين أربع حقاق . فمن الأصحاب من فسر ذلك بأن فيها أربع حقاق بصفة التخيير ، ويكون القصد أن تسعين ومائة [ فيها ] ثلاث حقاق وبنت لبون ، فإذا بلغت مائتين ففيها أربع حقاق ، ومنهم من أقره على ظاهره ، وقال : تتعين الحقاق ، إلا أن لا يكون فيها إلا بنات لبون فتجزيء بنات اللبون وهذا قول ابن عقيل .
وظاهر كلام أحمد تتعين الخقاق مطلقاً ، نظراً لحظ الفقراء ، إذ هي أنفع لهم ، لكثرة درها ونسلها .
هذا كله إذا لم يكن المال ليتيم ، فإن كان ليتيم أو مجنون تعين على الولي إخراج الأدون المجزيء من الفرضين اعتماداً على أن ذلك هو الأحظ ، وإنما يتصرف في ماله بذلك ، والله أعلم .
قال : ومن وجبت عليه حقة وليست عنده ، وعنده ابنة لبون أخذت منه ومعها شاتان أو عشرون درهماً ، ومن وجبت عليه ابنة لبون ، وليست عنده ، عنده حقة ، أخذت منه وأعطي الجبر من شاتين أو عشرين درهماً والله أعلم .
ش : قد تقدم هذا مصرحاً به في حديث أبي بكر [ الصديق ] رضي الله عنه ، وكذلك إذا وجبت عليه ابنة مخاض ، فعدمها ووجد ابنة لبون ، [ فإنه ] يدفعها ويأخذ شاتين أو عشرين درهماً ، [ وكذلك إن وجب عليه حقة وليست عنده ، وعنده جذعة ، فإنها تؤخذ منه ومعها شاتان أو عشرون درهماً ] ، وكل هذا في حديث أبي بكر رضي الله عنه ، وليس له أن ينزل عن بنت مخاض أصلًا ، إذا هي أدنى أسنان الإِبل المجزئة في الزكاة ، وللمالك أن يصعد إلى [ الثنية ] بلا جبران ، لأنها أعلى .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجبر بشاة وعشرة دراهم ، وهو أحد الوجهين حذاراً من تخيير ثالث ، والثاني يجوز ، لأن الشارع جعل العشرة في مقابلة الشاة .
وقد يقال : إن ظاهر كلامه يضاً أنه إذا عدم السن التي تلي الواجب أنه ليس له أن ينتقل إلى ما هو أدنى منها ، أو إلى ما هو أعلى منها ، وذلك كما لو وجبت عليه ابنة لبون ، فعدمها وعدم الحقة ، فليس له أن ينتقل إلى الجذعة ، ويأخذ أربع شياه ، أو أربعين درهماً ، [ أووجبت عليه حقة فعدمها ، وعدم بنت اللبون ، لم يخرج بنت مخاض ، ويدفع أربع شياه ، أو أربعين درهماً ] ، إذ النص لم يرد به ، والزكاة فيها شائبة التعبد ، وهذا اختيار أبي الخطاب ، وابن عقيل ، وقال صاحب النهاية فيها : إنه ظاهر المذهب .
وأومأ أحمد إلى جواز ذلك ، وهو اختيار القاضي ، وأورده الشيخان مذهباً ، لأن الشارع جوز الانتقال إلى الذي يليه مع الجبران ، ، إذا كان هو الفرض ، فهاهنا لو كان موجوداً أجزى ، فإذا عدمه جاز العدول عنه إلى ما يليه كما لو كان هو الفرض ، والله أعلم .
باب زكاة البقر
1158 ش : الأصل في وجوب زكاة البقر ما في الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : ( ما من صاحب إبل ، ولا بقر ، ولا غنم ، لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر ، تطؤه ذات الظلف بظلفها ، وتنطحه ذات القرن بقرنها ، ليس فيها جماء ولا مكسورة القرن ) قلنا : يا رسول الله وما حقها ؟ قال : ( إطراق فحلها ، وإعارة دلوها ، ومنحتها ، وحلبها على الماء ، وحمل عليها في سبيل الله ) مختصر ، رواه مسلم ، والنسائي ، وإذا ثبت هذا الوعيد العظيم في هذا الحق ، فالزكاة أولى ، ونسخ الأصل لا يلزم منه نسخ الفحوى على الأشهر .
1159 وعن مسروق عن معاذ بن جبل رضي الله قال : بعثه النبي إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، ومن كل حالم ديناراً ، أو عدله معافر . رواه أحمد وهذا لفظ ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين . وإنما لم يذكر زكاة البقر في حديث أبي بكر الصديق ، وفي الكتاب الذي كان عند آل عمر لقلة البقر في الحجاز ، إذ نيدر ملك نصاب منه ، بل لا يوجد ، فلما بعث النبي معاذاً إلى اليمن ، ذكر له حكم البقر ، لوجودها عندهم ، مع أن وجوب الزكاة في البقر قد حكي إجماعاً .
( تنبيه ) ( القاع ) [ المكان ] المستوى من الأرض الواسع ، وجمعه قيعة وقيعان ، كجيرة وجيران ، و ( قرقر ) بفتح القافين الأملس ، قاله أبو السعادات ، والظلف ) للبقر ، والغنم ، والظباء ، ( والقدم ) للآدمي ( والحافر ) للفرس ، والبغل ، والحمار ( وتنطحه ) بفتح الطاء وكسرها وهو أفصح ( والجماء ) الشاة التي لا قرن لها ، ( وإطراق الفحل ) إعارته للضراب : طرق الفحل الناقة . إذا ضربها ( والمنحة ) العطية ، والمنيحة الشاة أو الناقة تعار لينتفع بلبنها ثم ترد ، ( وحلبها على الماء ) بفتح اللام ، لا بسكونها على الأشهر ، وهذا كان والله أعلم قبل وجوب الزكاة ، أو في موضع تتعين فيه المواساة ، ( والحالم ) البالغ ، ( وعدل الشيء ) بفتح العين مثله في القيمة ، وهو المراد هنا ، وبكسرها مثله في الصورة ( والمعافري ) منسوب إلى ثياب باليمن ، ينسب إلى معافر ، حي من همدان ، لا ينصرف كدراهم والله أعلم .
قال : وليس فيما دون ثلاثين من البقر سائمة صدقة .
ش : أقل نصاب البقر ثلاثون ، لحديث معاذ ، فإنه أوجب في الثلاثين ، والأصل عدم الوجوب فيما دون ذلك ، فليس فيما دون ثلاثين شيء .
قال : فإذا ملك ثلاثين من البقر فأسامها أكثر السنة ففيها تبيع أو تبيعة ، إلى تسع وثلاثين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ، إلى تسع وخمسين ، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان ، إلى تسع وستين ، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة ، فإذا زادة ففي كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة .
ش : [ الأصل في هذا كله خبر معاذ ، فإنه جعل في كل ثلاثين تبيعا ، وفي كل أربعين مسنة ] ، واعتبار السوم فيها قياساً على الإِبل والغنم ، وإذا بلغت مائة وعشرين اتفق الفرضان ، فإن شاء أخرج ثلاث مسنات أو أربع تبائع ، وقد تقدم منصوص أحمد على ذلك . والله أعلم .
قال : والجواميس كغيرها من البقر والله أعلم .
ش : الجواميس أحد نوعي البقر فحكمها حكمها . والله أعلم .
باب صدقة الغنم
ش : الأصل في وجوبها الإِجماع ، وسنده ما تقدم من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه وغيره ، والله أعلم .
قال : وليس فيما دون أربعين من الغنم سائمة صدقة .
ش : أقل نصاب الغنم أربعون ، فليس فيما دونها صدقة ، لحديث أبي بكر : ( فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة ، فلا شيء فيها ، إلا أن يشصاء ربها ) والله أعلم .
قال : فإذا ملك أربعين من الغنم فأسامها أكثر السنة ففيها شاة ، إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان ، إلى مائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ، إلى ثلاثمائة .
ش : الأصل في هذه الجملة ما تقدم من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو نص في ذلك ، والله أعلم .
قال : فإذا زادت ففي كل مائة شاة شاة .
ش : ظاهر هذا أنه بعد الثلاثمائة يستأنف الفريضة ، فيجب بفي كل مائة شاة شاة ، فعلى هذا لا يجب شيء إلى أربع مائة ، فيجب أربع شياه ، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد ، واختيار القاضي وجمهور الأصحاب ، لما تقدم من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وفي الكتاب الذي كان عند آل عمر نحو ذلك .
( والرواية الثانية ) : في ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ، ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ خمسمائة ، فتكون خمس شياه ، اختارها أبو بكر ، كذا حكى الرواية أبو محمد ، وأبو العباس ، وغيرهما ، وقال القاضي في الروايتين بعد أن حكى الرواية الأولى : ونقل حرب : لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا زادت عليها شاة ففيها أربع شياه ، وعلى هذا كلما زدات على مائة شاة ففيها شاة ، قال : وهو اختيار أبي بكر . وظاهر هذا أن في أربع مائة وواحدة خمس شياه ، وفي خمس مائة وواحدة ست شياه ، وعلى هذا ، وحكى ابن حمدان هذا رواية ثالثة . والله أعلم .
قال : ولا يؤخذ في الصدقة تيس ، ولا هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا الربى ، ولا الماخض ، ولا الأكولة .
ش : قد جمع الخرقي رحمه الله في هذا بين ( ما لا يؤخذ ) لدناءته وهو التبس ، والهرمة وذات العوار ، وذلك لما تقدم من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، إذ فيه ( لا يخرج في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا تيس ، إلا أن يشاء المصدق ) وقال سبحانه : 19 ( { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } ) ( ومل لا يؤخذ ) لشرفه وهو الربى ، والماخض والأكولة ، وذلك لقوله في حديث معاذ المتفق عليه ( وإياك وكرائم أمولهم ) .
1160 وفي حديث لأبي داود فيه طول ، عنه [ أنه ] قال : ( ولكن من وسط أموالكم ، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره ) .
1161 وعن سفيان بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه مصدقاً ، فكان يعد على الناس بالسخل ، فقالوا : أتعد علينا بالسخل ولا تأخذ منه ؟ فلما قدم على عمر بن الخطاب ذكر ذلك له فقال : نعم تعد عليهم بالسخلة يحملها الراعي ، ولا تأخذها ولا تأخذ الأكولة ، ولا الربى ، ولا الماخض ، ولا فحل الغنم ، وتأخذ الجذعة والثنية ، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره ، رواه مالك في الموطأ .
( تنبيهان ) ( أحدهما ) ما لا يؤخذ لدناءته لا يدفع في الزكاة مطلقاً ، وما لا يؤخذ لشرفه إن رضي رب المال بإخراجه جاز ، لأن الحق ، له ، وإلا فلا .
( الثاني ) : ( الهرمة ) الكبيرة الطاعنة في السن ، ( والعوار ) بفتح العين على الأفصح العيب ، ويجوز الضم ، ( والمصدق ) بتخفيف الصاد ، وتشديد الدال عامل الصدقة ، وهو الساعي أيضاً ، وكان أبو عبيد يرويه ( المصدّق ) بفتح الدال ، يريد صاحب الماشية ، وخالفه عامة الرواة ، فقالوا : بكسرها . يريدون العامل فعلى قول أبي عبيد المراد بالتيس فحل الغنم ، فهو من كرائم الأموال ، فلا يؤخذ إلا أن يشاء رب المال ، فالإِستثناء راجع إليه ، فقط . وعلى قول الجمهور التيس هو الكبير ، فلا يؤخذ لدناءته ، وهذا هو المشهور عند أصحابنا فيما أظن ، وعلى هذا يخير الساعي . قيل : إما لأن الجميع على صفته ، فله أخذ ذلك ، لأن الجميع على صفة النقص ، وفيه نظر ، لأن الساعي يجب عليه إذاً الأخذ من غير تخيير . وقيل : لأنه اجتمع فيه صفتان ، صفة الإِطراق ، وهي صفة شرف ، وصفة الكبر وهي صفة دنيئة ، فخير الساعي ، لأنه إنما يختار الأصلح ، فمهما ترجح عنده فعله ، وهذا أجود من الذي قبله . والإِستثناء أيضاً راجع إلى التيس فقط ، وجوز كثير من العلماء رجوع الإِستثناء إلى الثلاثة ، ويخير الساعي ، فإن رأى الخير للفقراء أخذ ، وإلا فلا . ( والكرائم ) جمع كريمة وهي النفيسة . ( والأكولة ) المعدة لوكل ، أو التي تأكل كثيراً فتكون سمينة ، ( والربى ) قال أحمد : التي وضعت وهي تربي ولدها ، وقيل : هي التي في البيت لأجل اللبن . ( وغذاء المال ) جمع غذي وهو الحمل أو الجدي . أي لا يأخذ الساعي خيار المال ولا رديئه ، وإنما يأخذ عدلًا بين الكبير والصغير ، [ والله أعلم ] .
قال : وتعد عليهم السخلة ، ولا تؤخذ منهم .
ش : يعني أن النصاب إذا نتج في أثناء الحول فإن حوله حول الأمهات ، وإذاً يعد الساعي السخال ، لكن لا يأخذ من السخال ، وكذا قال عمر رضي الله عنه .
وظاهر كلام الخرقي أن هذا إنما هو في نصاب فيه صغار وكبار ، أما لوكان النصاب كله صغاراً كما لو أبدل الكبار بصغار في أثناء الحول ، أو ماتت الأمهات وقد كانت نتجت نصاباً فحال الحول عليها وهي صغار ، فإن المنصوص والمختار عند القاضي وأصحابه ، والشيخين جواز أخذ الصغيرة .
1162 لقول الصديق رضي الله عنه : لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليه . وبالإِجماع لا تؤخذ العناق في الكبار ، فيتعين حمله على كون النصاب كله عناقاً ، ولأن الزكاة مواساة ، والمواساة ، إنما تكون مما أنعم الله عليه . وقال أبو بكر في الخلاف : لا يؤخذ [ من ] المراض مريضة ، ولا يؤخذ إلا ما يجوز في الأضاحي ، [ معتمداً على قول أحمد في رواية أحمد بن سعيد : لا يأخذ إلا ما يجوز في الأصاحي ] قال القاضي : ويجيء على قوله لا يؤخذ من الصغار صغيرة . فعلى قوله تجب كبيرة صحيحة على قدر المال .
( تنبيه ) : ( السخلة ) من ولد المعز بفتح السين على الأشهر ، ويجوز كسرها . ( والعناق ) الجذعة من المعز التي قاربت الحمل ، وقيل : [ هي ] ما لم يتم سنة من الإِناث خاصة ، وقيل : ليس المراد في الحديث حقيقة العناق ، إنما المراد ، بالتنكير التقليل ، أي : لو منعوني شيئاً ما من الزكاة بدليل أن في الرواية الأخرى : لو منعوني عقالًا . والعقال على أحد الأقوال الحبل الذي يعقل به البعير ، وهو غير واجب في الزكاة على قول ، [ والله أعلم ] .
قال : ويؤخذ من المعز الثني ، ومن الضأن الجذع .
ش : يعني إذا كان النصاب كله كباراً ، أو فيه كبار وصغار ، والأصل في هذا ما تقدم من قول عمر رضي الله عنه .
1163 وعن سعر بن ديسم قال : 16 ( جاءنا رجلان على بعير ، فقالا : إنا رسولًا رسول الله إليك ، لتؤدي صدقة غنمك . فقلت : ما عليّ فيها ؟ قالا : شاة . فأعمد إلى شاة قد عرفت مكانها ، ممتلئة مخضاً وشحماً ، فأخرجتها إليهما ، فقالا : هذه شاة الشافع . وقد نهانا رسول الله أن نأخذ شافعاً ، فقلت : فأي شيء تأخذان ؟ قالا : عناقاً جذعة أو ثنية ) . مختصر ، رواه أبو داود ، والنسائي .
( تنبيه ) : ( الجزع ) من الضأن ما له ستة أشهر ، ( والثني ) من المعز ماله سنة ، قاله أصحابنا ، وقال ابن الأثير : الجذع من المعز ما له سنة ، والثني منه ماله سنتان ، ولنا وجه آخر أن الجذع من الضأن ماله ثمانية أشهر . انتهى . ( والمخض ) اللبن ، أي ممتلئة لبناً وشحماً . ( والشافع ) قال ابن الأثير : التي معها ولدها . وفي رواية لأبي داود : التي في بطنها ولدها . وشاة الشافع من إضافة الموصوف إلى الصفة ، كصلاة الأولى ، والله أعلم .
قال : فإن كانت عشرين ضأناً ، وعشرين معزاً أخذ من أحدهما ما يكون قيمته نصف شاة ضأن ، ونصف [ شاة ] معز .
ش : قوله أخذ . أي الساعي ، وذلك لأنه يأخذ الوسط ، وهذا هو الوسط ، وقال أبو بكر : لا تعتبر القيمة كما لو كانا نوعاً واحداً ، فإنه لا تعتبر القيمة ، كذلك هنا ، فعلى هذا يخرج وسطاً من أيهما شاء ، وعلى الأولى [ ينظر ] فإذا كانت الشاة الوسط من الضأن تساوي عشرين درهماً ، والشاة الوسط من المعز تساوي عشرة دراهم ، أخرج من أحدهما ما قيمته خمسة عشر درهماً ، وكذلك الحكم في البقر والإِبل .
وقد تضمن كلام الخرقي أنه يضم نوعاً الغنم بعضه إلى بعض في إكمال النصاب ، وقد حكاه ابن المنر إجماعاً ، وتضمن أيضاً أنه يخرج من أيهما شاء ، وأنه لا يخرج من كل [ واحد ، ولكل ] ما لحقه ، والله أعلم .
قال : وإن اختلط جماعة في خمس من الإِبل أو ثلاثين من البقر ، أو أربعين من الغنم ، وكان مرعاهم ، ومسرحهم ، ومبيتهم ، ومحلبهم ، وفحلهم واحداً أخذت منهم الصدقة ، وتراجعوا فيما بينهم بالحصص .
ش : الخلطة تؤثر في بهيمة الأنعام ، وهي الإِبل ، والبقر ، والغنم ، فتجعل المالين كالمال الواحد في الزكاة ، وفي أخذ الساعي الفرض من مال أي الخليطين شاء ، والأصل في ذلك ما تقدم في حديث أبي بكر [ الصديق رضي الله عنه ] ( لا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع ، خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ) .
وعن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر ، قال : كتب رسول الله : [ كتاب الصدقة ] فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض ، فقرنه بسيفه ، فعمل به أبو بكر رضي الله عنه حتى قبض ، ثم عمل به عمر رضي الله عنه حتى قبض ، فذكره وفيه ( ولا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع ين متفرق ، مخافة الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ) رواه أبو داود وابن ماجه ، والترمذي وحسنه ، وقال البخاري : أرجو أن يكون محفوظاً .
( وفيه دليلان ) أحدهما : قوله : ( ولا يجمع بين متفرق ) أي لا يجمع الرجلان النصابين من الغنم ، ليجب عليهما في الثمانين شاة واحدة ، ولا يجمع الساعي مالي الرجلين ليوجب عليهما الزكاة ، كما إذا كان لكل واحد عشرون من الغنم ، وقوله : ( ولا يفرق بين مجتمع ) أي لا يفرق الرجلان ماليهما ، لتقل عليهما الزكاة ، كما إذا كان لكل واحد [ منهما مثلًا ] مائة [ و ] شاة ، وخلطه فإنه يجب عليهما ثلاث شياه ، فإذا فرقاه وجب على كل واحد [ منهما ] شاة ، أو لا يفرق الساعي الثمانين مثلًا ليوجب على كل واحد شاة . ومقتضى هذا كله أن للخلطة تأثيراً .
( الدليل الثاني ) : قوله : ( وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان [ فيما ] بينهما بالسوية ) والتراجع إنما هو في خلطة الأوصاف .
إذا تقرر هذا ، فقول الخرقي : وإن اختلط جماعة . أراد بالجماعة الاثنين فصاعداً ، من الجمع وهو الضم .
وشرط الخليطين أن يكونا من أهل الزكاة ، [ فلو كان أحدهما من غير أهل الزكاة ] فوجوده كعدمه .
وقوله : [ في ] خمس من الإِبل ، أو ثلاثين من البقر ، أو أربعين من الغنم . إشارة إلى أن الخلطة [ إنما تؤثر في نصاب ، وهو واضح ، وتنبيه على مذهب مالك رحمه الله ومن وافقه ، من أن الخلطة إنما ] تؤثر إذا كان لكل واحد نصاباً ، وعندنا لا يشترط ، بل كما يؤثر إذا كان لكل واحد نصاباً ، يؤثر فيما دونه .
وقوله : وكان مرعاهم ، ومسرحهم ، ومبيتهم ، ومحلبهم ، وفحلهم واحداً . تنصيص على شروطذ الخلطة ، وأنها إنما تصير المالين بمنزلة المال الواحد بهذه الشروط .
1164 والأصل في هذه الشروط ماروي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله [ يقول ] : ( لا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، والخليطان ما اجتمعا في الحوض ، والفحل ، والراعي ) . رواه الدراقطني . وبقية الشروط في معنى هذه الثلاثة ، ولأن هذه الشروط تؤثر في الرفق بالخلطاء ، فوجب اعتبارها ، كالراعي ، والفحل ، ( والمرعي ) معروف : الشيء الذي يرعى ويلزم من اتحاده اتحاد موضعه ، ( والمسرح ) فسره أبو محمد بالموضع الذي ترعى فيه الماشية ، ويلزم من اتحاده اتحاد المرعى ، فلذلك قال أبو محمد وسبقه إلى ذلك ابن حامد : إنهما شيء واحد ، وفسره صاحب التلخيص بموضع جمعها عند خروجها للمرعى وهذا أولى ، دفعا للتكرار . ( والمبيت ) موضع مبيتها ، ( والمحلب ) بفتح الميم [ الموضع ] الذي تحلب فيه ، قال صاحب التلخيص : مع تمييز [ لبن ] كل واحد منهما ، فإن الشركة فيه ربا ، ( والفحل ) معروف ، ومعنى اتحاده أن لا يكون فحولة أحد المالين لا تطرق الآخر .
وهذه الشروط لا نزاع في المذهب في اشتراطها فيما أعلمه ، وعليها اقتصر أبو البركات ، وزاد أبو الخطاب ، وصاحب التلخيص ، وأبو محمد ، وغيرهم : اتحاد المشرب ، يعني أن يكون مضوع مشربها واحداً وزاد أبو الخطاب ، وأبو محمد ، وغيرهما : اتحاد الراعي ، ( وهو منصوص أحمد والحديث . قال أبو محمد : ويحتمل أن يفسر المرعى ] في كلام الخرقي بذلك ، ليوافق للنص ، ويندفع [ به ] التكرار .
ثم بعد هذا هل يشترط فيه الخلطة ؟ فيه وجهان مشهوران .
وقوله : أخذت منهم الصدقة ، وتراجعوا فيما بينهم بالحصص . يقتضي بعمومه أن للساعي أن يأخذ من مال [ أي ] الخليطين شاء ، مع الحاجة [ وعدمها ] وهو صحيح ، نص عليه أحمد والأصحاب ، وإطلاق الحديث يقتضيه ، فعلى هذا لو اختلط من له ثلاثون تبيعا ، مع شخص له أربعون مسنة ، فأخذ الساعي مسنة من الثلاثين وتبيعا من الأربعين ، فإن له ذلك ، ويرجع صاحب الثلاثين على صاحب الأربعين [ بقيمة أربعة أسباع مسنة ، وصاحب الأربعين على صاحب الثلاثين ] بقيمة ثلاثة أسباع مسنة .
وقوله : أخذت منهم الصدقة ، وتراجعوا فيما بينهم بالحصص . يعني [ في ] الصدقة المأخذوة ، وقد تقدم مثاله ، فلو أخذ الساعي شيئاً ظلماً لم يرجع المأخوذ منه على خليطه بحصته ، إذ من ظلم لا يظلم غيره ، نعم لو أخذ غير الفرض بتأويل كما لو أخذ القيمة ، أو أخذ الصحاح ، أو الكبار عن المراض أو الصغار فإنه يرجع على خليطه بحصته ، لأن الساعي فعل ما له فعله ، إذ مستنده الاجتهاد ، أو تقليد من يسوغ تقليده ، وإذا يصير المأخوذ هو الواجب .
واعلم أن الخرقي رحمه الله نبه بالتأثير في خلطة الأوصاف وهو أن يكون مال كل واحد [ منهما ] متميزاً بصفة ، فخلطاه واشتركا فيما تقدم على التأثير في خلطة الأعثان ، وهو أن يكون أعيان أموالهما مختلطة ، كأن ورثا نصاب ، أو اشترياه ونحو ذلك بطريق الأولى ، نعم الشروط المذكورة مختصة بشركة الأوصاف ، والله أعلم .
قال : فإن اختلطوا في غير هذا أخذ من كل واحد [ منهم ] على إنفراده ، إذا كان ما يخصه [ تجب ] فيه الزكاة .
ش : يعني [ أن ] الخلطة لا تؤثر في غير بهيمة الأنعام وإذا لم تؤثر فإن الساعي يأخذ من كل واحد منهم على انفراده ، بشرط أن يكون ما يخص كل واحد منهم نصاباً ، وهذا هو المشهور ، والمختار للأصحاب من الروايتين ، لقوله : ( لا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع ، مخافة الصدقة ، وأرباب الأموال مرادون منه بلا نزاع ، وإنما يفرقون أو يجمعون حذاراً [ من الصدقة ] في الماشية ، إذ غيرها لا وقص فيه . ثم ما روي من قوله بعد ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض ، والفحل ، والراعي ) ظاهره حصر الخليطين فيمن هذه صفتهم ، وأيضاً فالخلطة في الماشية تارة يحصل الرفق فيها لأرباب الأموال ، كرجلين لكل واحد منهما أربعون فخلطاها ، وتارة للفقراء [ كرجلين لكل واحد منهما عشرون ، أما غير الماشية فتأثير الخلطة نفع للفقراء ] دائماً ، وضرر على أرباب الأموال ، والضرر منفي شرعاً ، ولهذا قلنا : لا تخرج الصحيحة عن المراض .
( والرواية الثانية ) تؤثر الخلطة . قال أبو الخطاب في خلافه الصغير : وهو أقيس .
1165 لمفهوم قوله : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) مفهومه أنه إذا بلغهما [ أن ] فيه صدقة ، ولم يفرق بين أن يكون المال لواحد أو لاثنين . وقد يستدل له بقوله : [ ] ( لا يجمع بين متفرق ) بناء على أن الخطاب للساعي أيضاً ، فلا يجمع مائة ومائة ليأخذ زكاتهما ، وعلى هذه تؤثر [ الخلطة ] في شركة الأعيان . وهل تؤثر في شركة الأوصاف ؟ فيه وجهان ، حكاهما ابن عبدوس وغيره ( أحدهما ) لا ، اختاره أبو محمد ، وابن حمدان ( والثاني ) : نعم ، وهو ظاهر كلام الأكثرين ، لإِطلاقهم الرواية ، وعليه : يشترط في الدراهم ونحوها اتحاد الخازن والمخزن ، وفي الزورع والشجر اتحاد المشرب والفلاح ، والله أعلم .
قال : والزكاة لا تجب إلا على الأحرار المسلمين .
ش : من شرط [ وجوب ] الزكاة الحرية ، فلا تجب الزكاة على عبد ، على المذهب المعروف المقطوع به ، لأنه لا يملك ، وإن قلنا يملك فملكه غير تام ، أشبه المكاتب ، ودليل الأصل يأتي إن شاء الله تعالى . ( وعنه ) تجب عليه ، لدخوله في عموم الخطاب ، ( وعنه ) : بإذن السيد ، ونظير هذا الخلاف في وجوب الجمعة عليه ، وهو ثمّ أشهر .
ومن رط الوجوب الإِسلام أيضاً ، بلا نزاع أي وجوب الأداء ، إذ الزكاة قربة وطاعة ، والكافر ليس من أهلها ، ولافتقارها إلى نية ، وهي ممتنعة من الكافر ، أما الوجوب في الذمة بمعنى العقاب في الآخرة فنعم ، بناء على أن الكافر مخاطب بالفروع ويسقط عنه ذلك بإسلامه .
1166 لقوله : الإِسلام يجبّ ما قبله ) ( وعنه ) لا تسقط عن المرتد ، لالتزامه ذلك بإسلامه ] نعم إن زال ملكه بردته سقطت لذلك ، والله أعلم .
قال : والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما .
ش : قد تضمن هذا أن الزكاة تجب في ماليهما ، وعموم المسألة السابقة يقتضيه .
1167 والأصل في ذلك ما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي خطب الناس فقال : ( من ولي يتيماً له مال فليتجر فيه ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ) رواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً على عمر ، ورواه الدراقطني عن النبي من طرق لكنها ضعيفة ، قال أحمد في رواية مهنا وسئل عن هذا الحديث فقال : ليس بصحيح ، يرويه المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده . قال له : فرواه غير المثنى ؟ قال : نعم . ابن جريج يقول : قال عمرو بن شعيب . مرسلًا كذا ، ولم يسمعه من عمرو بن شعيب . انتهى . وهذا لا يقدح على قاعدة أحمد ، إذ المرسل عنده حجة .
واعتمد أحمد على أقوال الصحابة ، فقال في رواية الأثرم : خمس من أصحاب رسول الله يزكون مال اليتيم .
1168 وفي الموطأ : بلغه أن عمر بن الخطاب قال : اتجروا في مال اليتيم لا تأكله الصدقة .
1169 وفيه أيضاً عن القاسم بن محمد قال : كانت عائشة رضي الله عنها تليني أنا وأخا لي يتيمين في حجرها ، فكانت تخرج من أموالنا الزكاة .
1170 وروى الأثرم نحو ذلك عن علي ، وابن عمر ، وجابر رضي الله عنهم ، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة .
1171 إلا رواية عن ابن عباس ، وهي معارضة بروايته الأخرى ، ولأن الزكاة من حقوق المال ، فوجبت على الصبي والمجنون ، كنفقة قريبهما وزوجتيهما ، وبهذا فارقت الصلاة والحج ، لتعلقهما بالبدن ، ونية الصبي تضعف عنها .
117( ورفع القلم عن ثلاثة ) لا يرد ، إذ المخاطب بالإِخراج الولي ، وتعلق الوجوب [ إن قيل ] بالعين فلا كلام ، وإن قيل بالذمة فكثبوت الصلاة في ذمة النائم . إذا ثبت هذا فالمخاطب هو الولي ، لأنه المخاطب بالحقوق [ المتعلقة ] بهما ، بدليل أنه ينفق على قريبهما وزوجتيهما ، ويؤدي ما لزمهما من إتلاف ونحو ذلك ، والله أعلم .
قال : والسيد يزكي عمافي يد عبده ، لأنه مالكه .
ش : قد تضمن كلام الخرقي رحمه الله أن العبد لا يملك ، وأن ما في يد العبد ملك للسيد ، فإذا كان ملكاً له وجبت عليه الزكاة ، لدخوله في العمومات المقتضية لذلك ، أما إن قلنا [ أن ] العبد يملك فإن الزكاة لا تجب على السيد ، لانتفاء الملك ، ولا على العبد لضعف الملك ، وقد تقدم ذلك ، [ والله أعلم ]
قال : ولا زكاة على مكاتب .
ش : [ هذا المذهب بلا ريب ] .
1173 لما روي عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه عن النبي قال : ( ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق ) رواه الدارقطني ، ورواه أبو بكر موقوفاً على جابر .
1174 وعن ابن عمر : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ، وليس في ماله زكاة . ( وعنه ) يزكي بإذن سيده .
وقد دخل في كلام الخرقي . وجوب العشر عليه ، وصرح الأصحاب ، لأنه عندنا زكاة ، فيدخل فيما تقدم .
قال : فإن عجز استقبل سيده بما في يده من المال حولًا [ وزكاه إن كان نصاباً ] .
ش : إذا عجز المكاتب فقد استقر ملك سيده على ما في يده ، فيستقبل به حولًا [ كالذي ] ورثه ، أو اتهبه ، ونحو ذلك والله أعلم .
قال : وإن أدى وبقي في يده منصب للزكاة استقبل به حولًا .
ش : إذا أدى المكاتب فقد عتق ، فإن فضل في يده نصاب فإن الحول ينعقد عليه حينئذ ، لاستقرار ملكه عليه ، والله أعلم .
قال : ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول .
1175 ش : روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله يقول : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) رواه ابن ماجه .
1176 وعن الحارث عن علي رضي الله عنه ، عن النبي قال : ( إذا كانت لك مائتا درهم ، وحال عليها الحول ، ففيها خمسة دراهم ، وليس عليك في الذهب شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً ، فإذا كانت لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار ، فما زاد فبحساب ذلك ) قال الحارث : فلا أدري أعلي يقول ذلك أو رفعه إلى النبي ؟ ( وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ) رواه أبو داود .
1177 وعن القاسم أن أبا بكر [ الصديق ] رضي الله عنه لم يكن [ يأخذ ] من مال زكاة حتى يحول عليه الحول . مختصر رواه مالك في الموطأ .
واعلم أن كلام الخرقي عام في جميع الأموال ، وكذلك الحديث ، ويستثنى من ذلك الخارج من الأرض ، وما في معناه من حب ، وثمر ، ومعدن ، وركاز ، وعسل ، أما في الحب والثمر فلقوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } وإيجاب الحق يوم الحصاد ينافي اشتراط الحول ، ولأن نماءه يتناهى بجعله في الجرين ، فوجب أن تستقر الزكاة إذاً ، إذ الحكمة في اشتراط الحول [ تكامل النماء ، وهذا قد تكامل نماؤه ، ولهذا قلنا : لا يشترط الحول ] للمعدن ، والركاز ، والعسل ، لأن بوجودها حصل النماء . وقد نص الخرقي رحمه الله من ذلك على المعدن ، والبقية كلامه فيه محتمل .
ويستثنى أيضاً نتاج السائمة ، وربح التجارة ، فإن حولهما حول أصلهما إن كان نصاباً ، وإلا فمن كمال النصاب ، وقد نبه الخرقي على النتاج بقوله : وتعد عليهم السخلة . وقد تقدم ذلك ، والدليل عليه ، ولأن الماشية تختلف وقت ولادتها فإفراد كل واحدة بحول يؤدي إلى حرج ومشقة [ وهما منتفيان شرعاً ، وربح التجارة في معنى النتاج ، لعدم ضبط حولها ] ، وقد نص عليه الخرقي فيما بعد ، وشرط النتاج السوم في بقية السنة ، فإن كان بشرب اللبن فوجهان .
وقد دخل في كلام الخرقي المستفاد بإرث أو عقد ، في اشتراط الحول له ، [ من غير ضم إلى ما معه ] وهو صحيح ، لعموم ما تقدم .
1178 وفي الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله : ( من استفاد مالًا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول ) زاد في رواية ( عند ربه ) .
قال الترمذي : وقد روي موقوفاً على ابن عمر . وقال أحمد في رواية أبي طالب : الحديث ( ليس على مال [ استفيد ] زكاة حتى يحول [ عليه الحول ] ) فإن قيل : ( اللام للعهد ) ، أي حول المال الذي كان معه . قيل : [ بل ] للعهد ، العام الذي هو اثنا عشر شهراً .
( تنبيه ) : قد يقال : [ ظاهر ] كلام الخرقي أن مضي الحول على جميع النصاب شرط [ فلو نقص ] الحول نقصاً يسيراً أثر ، وهذا ظاهر كلام القاضي ، لكنه ذكر ذلك فيما إذا وجد النقص في أثناء الحول ، وقال أبو بكر : ثبت أن نقص الحول ساعة أو ساعتين معفو عنه ، وكذلك قال أبو البركات : لا يؤثر نقصه دون اليوم . قال أبو محمد : ويحتمل أن أبا بكر أراد النقص في طرف الحول ، والقاضي قال ذلك في أثنائه ، فيرتفع الخلاف ، والله أعلم .
قال : ويجوز تقدمة الزكاة .
ش : يجوز تقدمة الزكاة في الجملة .
1179 لما روى حجية عن علي أن العباس سأل النبي في تعجيل صدقته قبل أن تحل ، فرخص له في ذلك ، رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي . وفي رواية أخرى للترمذي أن النبي قال لعمر : ( إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام ) لكن حجية قال أبو حاتم : شيخ لا يحتج بحديثه شبيه بالمجهول . وقال البيهقي : اختلف في هذا الحديث ، والمرسل فيه أصح ، واختلف عن أحمد فيه ، فضعفه في رواية الأثرم ، وإبراهيم بن الحارث ، ونقل عنه أيضاً إبراهيم بن الحارث ، أنه احتج به ، وهو يدل على أن الضعف الذي فيه لم يزل الإحتجاج به .
1180 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعث رسول الله عمر بن الخطاب على الصدقة ، فمنع ابن جميل ، وخالد بن الوليد ، والعباس عم رسول الله ، فقال رسول الله : ( ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله ، وأما خالد بن الوليد فإنكم تظلمون خالداً ، وقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله ، وأما العباس عم رسول الله فهي علي ومثلها ) ثم قال : ( يا عمر أما شعرت أن الرجل صنو أبيه ؟ ) رواه الشيخان وغيرهما . والحجة في قوله : ( فهي علي ومثلها معها ) وهذا لفظ مسلم وأبي داود ، ومعناه أنه قد تسلف منه صدقة سنتين ، فصارت ديناً عليه ، وقيل : قبض منه صدقة عامين ، العام الذي شكى فيه العامل ، وتعجيل صدقة عام ثان ، وقيل : بل ضمن أداءها عنه سنتين ، وعلى هذا لا حجة فيه . ولفظ البخاري والنسائي في هذا الحديث : ( هي عليه صدقة له ومثلها معها ) قال البيهقي : يبعد أن يكون محفوظاً ، لأن العباس هاشمي ، تحرم عليه الصدقة . وقال غيره : إلا أن يكون [ قبل ] تحريم الصدقة عليهم ، ورأى إسقاط الزكاة عنه عامين . وقال أبو عبيد : أرى والله أعلم أنه أخر عنه الصدقة عامين لحاجة عرضت للعباس . إذا تقرر هذا فشرط تقدمة الزكاة عن الحول تمام النصاب ، ليوجد سبب الزكاة فتصير في سلك تقديم الحكم بعد وجود سببه ، وقبل وجود شرطه ، كالكفارة تقدم بعد اليمين ، وقبل الحنث ، وكفارة القتل ، تقدم بعد الجرح وقبل الزهوق ، وفدية الأذى تقدم بعد الأذى وقبل الحلق ، ونحو ذلك . ويشترط أيضاً وجود الحرية والإسلام . والفرق على ما قاله القاضي وغيره أن الحرية والإسلام لا يختصان بالزكاة ، بل هما شرطان للحج وغيره ، أما الحول فيختص بها ، ويرد على هذا الفرق السوم في الماشية ، فإن وجوده شرط للإخراج ، وهو مختص بالزكاة . وقد يقال : [ في الفرق ] بين الحول وهذه الشروط : أن الأصل بقاء الحياة ، والظاهر مضي الحول ، فأقمنا الظاهر مقام الحقيقة أما في هذه الشروط فإن الأصل عدمها ، فبقينا على الأصل ، ومن جهة النص أن الشارع إنما رخص في هذا الشرط ، ولم يرد الترخيص في غيره .
ثم اعلم أنه يجوز تقدمة زكاة عام واحد ، بلا خلاف عندنا ، وفي تعجيلها لأكثر من ذلك روايتان ، كذا في كتب أبي محمد ، تبعاً لأبي الخطاب في الهداية ، وقيدهما أبو البركات ، وابن الزاغوني [ بعامين ] ونص أحمد ورد على ذلك ، والله أعلم .
( تنبيه ) : نقم ، ينقم ، ونقم ينقم ، ( وأعتده ) جمع ( عتد ) بفتح العين والتاء القوس الصلب ، وقيل : المعد للركوب ، وقيل : السريع الوثب ورواه جماعة ( وأعبده ) بالباء الموحدة جمع قلة للعبد ، وروى ( عقاره ) بالقاف والعقار الأرض ، والضياع والنخل ، ومتاع البيت ، وروي ( أعتاده ) والعتاد ما أعد من سلاح وآلة ومركوب للجهاد ( والصنو ) المثل أي مثل أبيه ، وأن أصله وأصل أبيه واحد ، وأصل الصنو [ أن ] تطلع النخلتان والثلاث من عرق واحد ، والله أعلم .
قال : ومن قدم زكاة ماله ، فأعطاها لمستحقيها فمات المعطى قبل الحول أو بلغ الحول وهو غني منها أو من غيرها ، أجزأت [ عنه ] .
ش : المعتبر عندنا حال الإخراج ، فإذا دفع الزكاة المعجلة إلى مستحقها فمات قبل الحول أو ارتد ، أو وصل الحول وهو غني ، أجزأت عنه ، ولو دفعها إلى غني أو عبد ، فصار عند الحول فقيراً أو حراً لم تجزئه ، كما اقتضاه مفهوم [ كلام ] الخرقي ، وصرح به غيره ، لأن الله سبحانه جعل الصدقة للأصناف المذكورة ، فمن دفعها إليهم فقد خرج عن العهدة لظاهر الآية ، ومن دفعها إلى غيرهم لم يخرج عن العهدة ، إذ المدفوع لم يخرج عن كونه صدقة ، ولأن ما جاز تقديمه على وقت وجوبه فالمراعي فيه حال التعجيل ، دون حال الوجوب ، أصله الرقبة في الكفارة ، إذا أعتقها قبل الموت ، أو قبل الحنث ، ثم عمي العبد ، أو حدث به ما يمنع الإجزاء ، فإنه لا يؤثر ، كذلك [ ها ] هنا ، [ والله أعلم ] .
قال : ولا يجزيء إخراج الزكاة إلا بنية ، إلا أن يأخذها الإمام منه قهراً .
ش : الزكاة عبادة ، فلا بد لها من النية كالصلاة ، قال الله سبحانه وتعالى : 19 ( { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ) وقال النبي : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل أمري ما نوي ) . وقال : ( لا عمل إلا بنية ) ولا نزاع عندنا في هذا إذا كان المخرج هو المالك ، أو النائب عنه ، كولي الصبي والمجنون ، أما إن أخذها الإمام من غير نية رب المال فإنها تجزئه في الظاهر بلا نزاع ، بمعنى أنه لا يؤمر بأدائها ثانياً . وهل تجزئه في الباطن ؟ فيه ثلاثة أوجه : ( أحدها ) : تجزئه مطلقاً ، وهو قول القاضي أظنه في المجرد ، لأن للإمام ولاية عامة ، ولذلك يأخذها من الممتنع ، فأشبه ولي الصبي والمجنون ، ولأن أخذه يجري مجرى القسم بين الشركاء . ( والثاني ) : لا تجزئه مطلقاً ، وهو اختيار أبي الخطاب ، وابن عقيل ، وأبي العباس في فتاويه إذ الزكاة عبادة ، فلا تجتزي بنية الإمام إن أخذها قهراً ، لأن له [ إذاً ] ولاية على الممتنع ، فقامت نيته مقام نيته ، كولي الصبي والمجنون ، ولا يجتزى بنيته إن أخذها طوعاً ، لعدم ولايته ، وهذا اختيار الخرقي ، والله أعلم .
قال : ولا يعطي الصدقة المفروضة للوالدين وإن علوا ، ولا للولد وإن سفل .
ش : لا يعطي من الصدقة المفروضة للوالدين وإن علت درجتهم ، وكانوا من ذوي الأرحام ، كأبي أبي أمه ، ولا للولد وإن سفل ، وكان من ذوي الأرحام ، كبنت بنت بنت بنته ، نص عليه أحمد والأصحاب ، لأن ملك أحدهما في حكم ملك الآخر ، بدليل أنه لا يقطع أحدهما بسرقة مال الآخر ، ولا تقبل شهادة أحدهما لصاحبه ، وإذا كان في حكم ملكه فكأنه لم يزل ملكه عنه ، ومن شرط الزكاة زوال الملك ، ولأن الإجماع قد انعقد على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى والديه في الحال التي تجب عليه نفقتهما فنقول : قرابة أثرت [ في ] منع الزكاة ، فوجب أن تؤثر مطلقاً ، دليله قرابة النبي تؤثر في المنع وإن كان الخمس معدوماً .
ومفهوم كلامه أن يجوز دفع صدقة التطوع إليهم ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى ، ومفهومه أن يجوز دفع الصدقة المفروضة إلى سائر الأقارب ، ولا يخلو القريب [ من غير عمودي النسب ] إما أن تجب نفقته على الدافع أو لا ، فإن لم تجب نفقته [ عليه ] جاز الدفع إليه بلا نزاع ، وإن وجبت نفقته ففيه روايتان مشهورتان : ( إحداهما ) وهي اختيار الخرقي ، ذكره في باب قسم الفيء والغنيمة ، والقاضي في التعليق ، وصاحب