كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي
الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم ركب فيه وصار صلى الله عليه
وسلم في
السعي يخب ثلاثا ويمشي اربعا ويرقى الصفا ويستقبل الكعبة ويوحد الله
ويكبره ويقول لا إله إلا الله والله اكبر لا إله إلا الله وحده أنجز وعده
ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده أي من غير قتال ثم يفعل على المروة مثل ذلك
واعترض بأن كونه كان يخب ثلاثا ويمشي أربعا كان في الطوف بالبيت لا في
السعي بين الصفا والمروة وهذا السياق يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم سعى
بعد طواف القدوم
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم حج فأول شيء بدأ به
حين قدم مكة انه توضأ ثلاثا ثم طاف بالبيت ولم يذكر السعي أي وفي مسلم في
سبب نزول قوله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله } أن المهاجرين في
الجاهلية كانوا يهلون بصنمين على شط البحر يقال لهما إساف ونائلة ثم
يجيئون فيطوفون بين اصفا والمروة ثم يحلقون فلما جاءهم الإسلام كرهوا أن
يطوفوا بين الصفا والمروة يرون أن ذلك من أمر الجاهلية فأنزل الله تعالى {
إن الصفا والمروة من شعائر الله }
وقيل إن سبب نزولها أن الأنصار
كانوا في الجاهلية يهلون لمناة وكان من أحرم بمناة لا يطوف بين الصفا
والمروة وأنهما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك حين أسلموا
فأنزل الله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله } الآية ثم أمر صلى
الله عليه وسلم من لا هدى معه بالإحلال أي وإن لم يكن أحرم بالعمرة بأن لم
يكن سمع أمره صلى الله عليه وسلم بأن من لاهدى معه يحرم بالعمرة فأحرم
بالحج قارنا أو مفردا قال السهيلي رحمه الله ولم يكن ساق الهدى معه من
أصحابه رضي الله تعالى عنهم إلا طلحة ابن عبد الله وكذا علي كرم الله وجهه
جاء من اليمن وقد ساق الهدى معه ويأتي ما فيه أي وأمره صلى الله عليه وسلم
من ذكر بالإحلال كان بعد الحلق والتقصير لأنه أتى بعمل العمرة فحل له كل
ما حرم على المحرم من وطء النساء الطيب والمخيط وأن يبقى كذلك إلى يوم
التروية الذي هو اليوم الثامن من ذي الحجة فيهل أي يحرم بالحج
وقيل
له يوم التروية لأنهم كانوا يتروون فيه الماء ويحملونه معهم في ذهابهم من
مكة إلى عرفات لعدم وجدان الماء بها في ذلك الزمن وأمر صلى الله عليه وسلم
من معه الهدى أن يبقى على إحرامه أ بالحج قارنا أو مفردا حتى قال بعضهم لو
استقبلت من أمري
ما استدبرت ما سقت
الهدى قال ويروي أن قائل ذلك هو صلى الله عليه وسلم فعن جابر ابن عبدالله
رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم لما تم سعيه قال لو أني
استقبلت من أمري ما استدبرت لم اسق الهدى وجعلتها عمرة قال ذلك جوابا لقول
بلغه عن جمع من الصحابة ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر وفي لفظ وفرجه يقطر
منيا أي قد جامع النساء أي وفيه أنهم لا ينطلقون إلى منى إلا بعد الإحرام
بالحج لأنهم يحرمون من مكة إلا أن يقال مرادهم أنا كيف نجامع النساء بعد
إحرامنا بالحج وكيف نجعلها عمرة بعد الإحرام بالحج كما سيأتي في بعض
الروايات
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار
فقال أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون
وقوله صلى
الله عليه وسلم لو استقبلت الخ تأسف على فوات أمر من أمور الدين ومصالح
الشرع كذا قال الإمام احمد رضي الله تعالى عنه لأنه يرى أن التمتع أفضل
ورد بانه لم يتأسف على التمتع لكونه أفضل وإنما تأسف عليه لكونه أشق على
اصحابه في بقائه محرما على إحرامه وأمره لهم بالاحلال وقوله صلى الله عليه
وسلم في الحديث الصحيح لو تفتح عمل الشيطان محمول على التأسف على فوات حظ
من حظوظ الدنيا فلا تخالف
ويروى أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغه
تلك المقالة قام خطيبا فحمد الله تعالى فقال أما بعد فتعلمون أيها الناس
لأنا والله أعلمكم بالله وأتقاكم له ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما
سقت هدبا ولا حللت وفي رواية قالوا كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج فقال
صلى الله عليه وسلم اقبلوا ما امرتكم به واجعلوا اهلالكم بالحج عمرة فلولا
أني سقت الهدى لفعلت مثل الذي أمرتكم به ففعلوا وأهلوا ففسخوا الحج إلى
العمرة وكان من جملة من ساق الهدى ابو بكر وعمر طلحة والزبير وعلى رضي
الله تعالى عنهم فإن عليا كرم الله وجهه قدم إلى مكة من اليمن ومعه هدى
وعن جابر رضي الله تعالى عنه لم يكن أحد معه هدى غير النبي صلى الله عليه
وسلم وطلحة وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي كرم الله
وجهه انطلق وطف بالبيت وحل كما أحل أصحابك فقال يا رسول الله أهللت كما
أهللت فقال له ارجع فأحل
كما أحل
أصحابك قال يا رسول الله إني قلت حين أحرمت اللهم إني أهل بما أهل به نبيك
وعبدك ورسولك محمد فقال هل معك من هدى قال لا فأشركه رسول الله صلى الله
عليه وسلم في هديه وثبت على إحرامه وهذا صريح في أن إحرامه صلى الله عليه
وسلم كان بالحج
ويمكن الجمع بين رواية أن عليا قدم من اليمن ومعه
هدى وبين رواية أنه لم يكن معه هدى تأخر مجيئه بعده لأنه تعجل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على الجيش رجلا من اصحابه
ويؤيد
ذلك قول بعضهم كان الهدى الذي قدم به علي كرم الله وجهه من اليمن والذي
أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة أي وإلا فالذي أتى به النبي صلى
الله عليه وسلم ثلاثة وستون بدنة والذي قدم به من اليمن لعلى لعلى كان
سبعة وثلاثين بدنة ولا يخالف ذلك إشراكه له في الهدى لأنه يجوز أن يكون
صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لا حتمال تلف ذلك اشراكه له في الهدى وعدم
مجيئه والذي في البخاري لما قدم علي كرم الله وجهه من اليمن قال له النبي
صلى الله عليه وسلم بم أهللت يا علي قال بما أهل به النبي صلى الله عليه
وسلم قال فأهدوا مكث حراما كما أنت أي فإنه تقدم أنه صلى الله عليه وسلم
كان أرسل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى اليمن لهمدان يدعوهم إلى
الإسلام قال البراء رضي الله تعالى عنه فكنت ممن خرج مع خالد فأقمنا ستة
أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فأمره أن يقفل خالد بن الوليد ويكون
مكانه وقال مر اصحاب خالد من شاء منهم اين يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقفل
فكنت من أعقب مع علي كرم الله وجهه فلما دنونا من القوم خرجوا الينا وصلى
بنا علي كرم الله وجهه ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فاسلمت همدان جميعا فكتب رضي
الله تعالى عنه إلى رسول صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فلما قرأ رسول الله
صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال السلام على همدان
السلام علي همدان
وكان من جملة من لم يسق الهدى أبو موسى الاشعري
رضي الله تعالى عنه فإنه لما قدم من اليمن قال له بم أهللت قال أهللت
كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال له
هل
معك من هدى قال قلت لا فأمري فطفت بالبيت والصفاة والمروة ورواية الشيخين
عن ابي موسى رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال له بم أهللت
فقلت لبيت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال فقد أحسنت طف
بالبيت وبالصفا والمروة وأحل أي بعد الحلق أو التقصير
وفيه أنه صلى
الله عليه وسلم كان مهلا بالحج فقط أو مع العمرة إلا أن يقال جوز لابي
موسى الفسخ من الحج إلى العمرة كما فعل ذلك مع غيره من الصحابة الذين
أحرموا بالحج ولا هدى معهم ومن جملة من لم يسق الهدى أمهات المؤمنين رضي
الله تعالى عنهن فأحللن أي لانهن أحرمن إحراما مطلقا ثم صرفنه للعمرة أو
أحرمن متمتعات أي بالعمرة إلا عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها لم تحل أي
لأنها أدخلت الحج على العمرة كما تقدم
وممن أحل سيدتنا فاطمة بنت
النبي صلى الله عليه وسلم أي لانها لم يكن معها هدى وأسماء بنت أبي بكر
الصديق رضي الله تعالى عنهما وشكا علي كرم الله وجهه فاطمة رضي الله تعالى
عنها للنبي صلى الله عليه وسلم إذا احلت أي فإنه وجدها لبست صبيغا واكتحلت
فأنكر عليها فقالت رضي الله تعالى عنها أمرني أبي بذلك فذهب إلى النبي صلى
الله عليه وسلم محر شاله عليها رضي الله تعالى عنها فصدقها عليه الصلاة
والسلام في أنه أمرها بذلك أي فإنه صلى الله عليه وسلم قال له صدقت صدقت
صدقت أنا أمرتها بذلك يا علي
وسأله سراقة بن مالك رضي الله تعالى
عنه فقال يا رسول الله متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فشبك صلى الله عليه
وسلم أصابعه فقال بل لأبد لأبد دخلت العمرة في الحج هكذا إلى يوم القيامة
أي وفي رواية فشبك بين اصابعه واحدة في أخرى وقال دخلت العمرة في الحج
هكذا مرتين بل لأبد لأبد بالإضافة أي إلى آخر الدهر وهذا الجواب بقوله
دخلت العمرة في الحج يدل على أن مراد السائل بالتمتع القران لا حقيقته
الذي هو الإحرام بالحج بعد الفراغ من عمل العمرة لكن قول بعضهم لما كان
آخر سعيه صلى الله عليه وسلم على المروة قال لو أني استقبلت من أمري ما
استدبرت لم اسق الهدى وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل
وليجعلها عمرة فقام سراقة فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد الحديث
يدل على أن مراده بالتمتع حقيقته
لكن
لا يحسن الجواب بقوله دخلت العمرة في الحج إلا أن يقال المراد حلصت العمرة
مع الإحرام بالحج لقلب الإحرام بالحج إلى العمرة لان هذا كله يدل على أنه
امر من احرم بالحج ممن لا هدى معه أن يقلب احرامه عمرة
وأجاب عنه
أئمتنا بأن ذلك أي فسخ الحج إلى العمرة كان من خصائص الصحابة في تلك السنة
ليخالفواما كان عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج ويقولون إنه
من أفجر الفجور وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وإمامنا الشافعي وجماهير
العلماء من السلف والخلف رضي الله عنهم
وفي مسلم عن أبي ذر رضي الله
تعالى عنه لم يكن فسخ الحج إلى العمرة إلا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
وخالف الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وطائفة من أهل الظاهر فقالوا بل هذا
ليس خاصا بالصحابة في تلك السنة أي بل باق لكل أحد إلى يوم القيامة فيجوز
لكل من أحرم بالحج وليس معه هدى أن يقلب احرامه عمرة ويتحلل بأعمالها
وبعضهم قال إن قول سراقة رضي الله تعالى عنه معناه أن جواز العمرة في أشهر
الحج خاصة بهذه السنة أو جائزة إلى يوم القيامة وفيه أنه لا يحسن الجواب
عنه بما تقدم من قوله دخلت العمرة في الحج
ثم نهض صلى الله عليه
وسلم ونهض معه الناس يوم التروية الذي هو اليوم الثامن إلى منى وأحرم
بالحج كل من كان أحل فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بمنى والعصر
والمغرب والعشاء وبات بها تلك الليلة أي وكانت ليلة الجمعة وصلى بها الصبح
ثم نهض بعد طلوع الشمس إلى عرفة وأمر صلى الله عليه وسلم أن تضرب له قبة
من شعر بنمرة فأتى عليه الصلاة والسلام عرفة ونزل في تلك القبة حتى إذا
زالت الشمس أمر بناقته القصواء بفتح القاف والمد وقيل بضم القاف والقصر
وهو خطأ كما تقدم
وفي كلام الأصل أن القصواء والعضباء والجدعاء اسم
لناقة واحدة وفيه مالا يخفى فرحلت ثم أتى بطن الوادي فخطب على راحلته خطبة
ذكر فيها تحريم الدماء والأموال والأعراض ووضع ربا الجاهلية وأول ربا وضعه
ربا عمه العباس رضي الله تعالى عنه ووضع الدماء في الجاهلية وأول دم وضعه
دم ابن عمه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قتلته هذيل فقال هو أول دم أبدأ
به من دماء الجاهلية موضوع فلا يطالب به في الإسلام وأوصى صلى الله عليه
وسلم بالنساء خيرا وأباح ضربهن غير المبرح إن أتين بما لا يحل
وقضى
لهن بالرزق والكسوة بالمعروف على ازواجهن وأمر صلى الله عليه وسلم
بالاعتصام بكتاب الله عز وجل أي وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه
ل ايضل من اعتصم به وأشهد الله عز وجل على الناس أنه قد بلغهم ما يلزمهم
فاعترف الناس بذلك وأمر أن يبلغ ذلك الشاهد الغائب
ومن ذلك قوله صلى
الله عليه وسلم إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم
هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع وربا
الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فاتقوا الله في
النساء فإنكم اخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن
عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنكم لتسألون عني فما أنتم قائلون قالوا
نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء
وينكتها إلى الناس اللهم فاشهد ثلاث مرات
وجاء أنه صلى الله عليه
وسلم أمر مناديا صار ينادي بكل ماقاله من ذلك أي وهو ربيعة بن أمية بن خلف
أخو صفوان بن أمية وكان صيتا وصار صلى الله عليه وسلم يقول له يا ربيعة قل
ياأيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا كما تقدم فيصرخ به
وهن واقف تحت صدر ناقته صلى الله عليه وسلم
وربيعة هذا ارتد في زمن عمر رضي الله تعالى عنه فإنه شرب الخمر فهرب منه
إلى الشام ثم هرب إلى قيصر فتنصر ومات عنده
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أنه طاف ليلة هو وعمر رضي الله
تعالى عنهما للحرس بالمدينة فرأوا نورا في بيت فانطلقوا يؤمونه فإذا باب
مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط فقال عمر رضي الله تعالى عنه لعبد
الرحمن تردي بيت من هذا قال لا قال هذا بيت ربيعة بن أمية وهم الآن شرب
فما ترى قال أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه { ولا تجسسوا } فانصرف عمر
ثم إن عمر رضي الله تعالى عنه غرب ربيعة إلى خيبر فكان ما تقدم وقد رأى
ربيعة قبل ذلك في المنام كأنه في أرض معشبة مخصبة وخرج منها إلى أرض مجدبة
كالحة وراى أبا بكر رضي الله تعالى عنه في جامعة من حديد عند سرير إلى
الحشر فقص ذلك على أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال
إن صدقت رؤياك تخرج من الإيمان إلى الكفر وأما أنا فإن ذلك ديني
جمع لي في أثر الناس إلى يوم الحشر
وبعثت إليه صلى الله عليه وسلم أم الفضل زوجة العباس أم عبدالله بن عباس
رضي الله تعالى عنهم لبنا في قدح شربه أمام الناس فعلموا أنه صلى الله
عليه وسلم لم يكن صائما ذلك اليوم الذي هو التاسع أي لأنهم تماروا عندها
في صيامه صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم الذي هو يوم عرفة
وعن أبي
هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم
يوم عرفة أي وبهذا استدل أئمتنا أنه لا يستحب للحاج صوم يوم عرفة الذي هو
التاسع من ذي الحجة
فلما تم صلى الله عليه وسلم خطبته أمر بلالا
فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا فصلاهما
مجموعتين في وقت الظهر بأذان واحد وإقامتين أي لأنه صلى الله عليه وسلم لم
يقم بمكة إقامة تقطع السفر لأنه دخلها في اليوم الرابع وخرج يوم الثامن
فقد صلى بها إحدى وعشرين صلاة من أول الظهر يوم الرابع إلى عصر الثامن
يقصر تلك الصلوات فالجمع للسفر كما يقول إمامنا الشافعي رضي الله تعالى
عنه كالجمهور لا النسك كما يقول غيرهم
أقول وفيه أن فقهاء ذكروا أنه
صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة في حجة الوداع مع عزمه على الإقامة
أياما أي تقطع السفر لعدم استيطانه
ويرد بأنه من أين أنه صلى الله
عليه وسلم عزم على الإقامة بمكة المدة التي تقطع السفر هذه دعوى تحتاج إلى
دليل وأيضا عزمه على ذلك إنما هو بعد عوده إلى مكة بعد فراغه من الوقوف
والرمى ولا ينقطع سفره إلا بوصوله إلى مكة
والأولى استدلال فقهائنا
على وجوب الاستيطان في إقامة الجمعة بعد أمره صلى الله عليه وسلم لأهل مكة
باقامة الجمعة مع أنهم غير مسافرين لعدم استيطانهم للمحل فما ذهب إليه
إمامنا الشافعي رضي الله عنه من أن الجمع للسفر لا للنسك في محله
وقد رأيت أن مالكا رضي الله تعالى عنه سأل أبا يوسف وقد كان حج مع هرون
الرشيد وذلك بحضرة الرشيد فقال له ما تقول في صلاة النبي صلى الله عليه
وسلم بعرفات يوم الجمعة أصلي ظهرا مقصورة فقال أبو يوسف صلى جمعة لأنه خطب
لها قبل الصلاة فقال مالك أخطأت لأنه لو وقف يوم السبت لخطب قبل الصلاة
فقال أبو يوسف ما الذي صلى فقال مالك صلى الظهر مقصورة لأنه أسر
بالقراءة فصوبه هرون في احتجاجه على أبي يوسف والله اعلم
ثم ركب صلى الله عليه وسلم راحلته إلى أن أتى الموقف فاستقبل القبلة ولم
يزل واقفا للدعاء من الزوال إلى الغروب وفي الحديث أفضل الدعاء يوم عرفة
وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي أي في يوم عرفة كما في بعض الروايات لا
إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وجاء أن من جملة دعائه من في ذلك اليوم اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر
ومن وسوسة الشيطان ومن وسوسة الصدر ومن شتات الامر ومن شر كل ذي شر
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان فيما دعا به رسول الله صلى الله
عليه وسلم في حجة الوداع اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري
وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير
الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال
المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضريع من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته
وذل لك جسده ورغم لك أنفه اللهم لا تجعلني بدعائك ربي شقيا وكن بي رءوفا
رحيما يا خير المسئولين ويا خير المعطين واستمر كذلك صلى الله عليه وسلم
حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة
أي وخطب صلى الله عليه وسلم على ناقته
في ذلك اليوم فعن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة رضي الله تعالى عنهم قال
بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ورسول الله
صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة فبلغته ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وإن لعابها ليقع على رأسي فسمعته يقول أيها الناس إن الله
قد أدى إلى كل ذي حق حقه وإنه لا تجوز وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر
الحجر ومن دعى إلى غير أبيه أو مولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين لا يقبل الله له صرفا ولا عدلا وجاءه صلى الله عليه وسلم
جماعة من نجد فسألوه كيف الحج فأمر مناديا ينادي الحج عرفة من جاء ليلة
جمع أي المزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج وجمع بفتح الجيم وسكون
الميم أيام منى ثلاثة { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم
عليه } أي وقال صلى الله عليه وسلم وقفت ههنا وعرفة كلها موقف زاد مالك في
الموطأ وارفعوا عن بطن عرنة
وفي
كلام بعضهم نزلت { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } يوم الجمعة
بعد العصر والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء فكاد
عضد الناقة يندق من ثقل الوحي
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
اتفق في ذلك اليوم أربعة اعياد عيد للمسلمين وهو يوم الجمعة وعيد اليهود
وعيد النصارى وعيد للمجوس ولم تجتمع أعياد لأهل الملل في يوم قبله ولا
بعده
ولما نزلت بكى عمر رضي الله تعالى عنه فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم ما يبكيك يا عمر فقال رضي الله تعالى عنه أبكاني أنا كنا في
زيادة أما إذا كمل فإنه لا يكمل شيء إلا نقص فقال صدقت فكانت هذه الآية
نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يعش بعدها إلا ثلاثة أشهر
وثلاثة أيام ولم ينزل بعدها شيء من الاحكام
ثم أردف رسول الله صلى
الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه خلفه ودفع الى مزدلفه وقد
ضم زمام راحتله القصواء التي خطب عليها في نمرة حتى إن راسها ليصيب طرف
رجليه يسير العنق حتى إذا وجد فسحة سار النص وهو فوق العنق هو يأمر الناس
بالسكينة في السير فلما كان في الطريق عند الشعب الأبتر نزل فيه فبال
وتوضأ وضوءا خفيفا ثم ركب حتى أتى المزدلفة التي هي جمع أي وتقدم أن وقوفه
صلى الله عليه وسلم بعرفات وإفاضته إلى مزدلفة قبل ان يبعث كان مخالفا في
ذلك لقوله وصلى المغرب والعشاء مجموعتين في وقت العشاء أي مقصورتين بأذان
واحد وإقامتين ثم اضطجع وأذن للنساء والضعفة أي الصبيان أن يرموا ليلا أي
أن يذهبوا من مزدلفة إلى منى بعد نصف الليل بساعة ليرموا جمرة العقبة قبل
الزحمة
وعن ابن عباس رضي الله عنهما فجعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس فليتأمل ذلك فعن
عائشة رضي الله عنها أن سودة رضي الله عنها أفاضت في النصف الأخير من
مزدلفة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرها بالدم ولا النفر الذين
كانوا معها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال أنا ممن قدم النبي صلى
الله عليه وسلم في ضعفه اهله وروى ذلك الشيخان ولم يأذن صلى الله عليه
وسلم للرجال في ذلك إلا لضعفائهم ولا لغير ضعفائهم أي فالمراد بالضعفة
الصبيان
كما تقدم وبهذا استدل أئمتنا على أنه يستحب تقديم النساء والضعفة بعد نصف
الليل إلى منى أي وأن يبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح مغسلين
وفي
البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت فلأن أكون استأذنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به أي لأرمي الجمرة
قبل ان يأتي الناس وفي لفظ قبل حطمة الناس لأن سودة رضي الله عنها كانت
امرأة ضخمة ثقيلة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من
مزدلفة مع النساء والضعفة
وفي مسلم مضت أم حبيبة من جمع بليل أي في
نصف الليل وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال أرسلني صلى الله عليه وسلم مع
ضعفه أهله فصلينا الصبح بمنى ورمنيا الجمرة فلما كان وقت الفجر قام صلى
الله عليه وسلم وصلى بالناس أي بالمزدلفة الصبح مغلسا ثم أتى المشعر
الحرام فوقف به أي وهو راكب ناقته واستقبل القبلة ودعا الله وكبر وهلل
ووحد ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا وجاء أنه صلى الله عليه وسلم دعا
بالمغفرة لأمته يوم عرفة فأجيب بأنه يغفر لها ما عدا المظالم ثم دعا بذلك
أي بالمغفرة لأمته بمزدلفة فأجيب إلى ذلك أي إلى غفران المظالم فجعل إبليس
لعنه الله يحثو التراب على راسه فضحك صلى الله عليه وسلم من فعله وجاء ما
بين أن المراد بالأمة من وقف بعرفة
ثم إنه صلى الله عليه وسلم دفع
أي من المشعر الحرام قبل أن تطلع الشمس أي قال جابر رضي الله تعالى عنه
وكان المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس واردف خلفه الفضل بن العباس
وجاءته امرأة تسأله فقالت له يا رسول الله إن فريضة الله على عباده الحج
أدركت أي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم
فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل
إلى الشق الآخر وفي لفظ آخر فوضع صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل
فحول وجهه إلى الشق الآخر وفي لفظ آخر أنه صلى الله عليه وسلم لوى عنق
الفضل فقال له أبوه العباس رضي الله عنهما يا رسول الله لويت عنق ابن عمك
قال رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الشيطان فلما وصل صلى الله عليه وسلم
إلى محسر حرك ناقته قليل وسلك الطريق التي تسلك على جمرة العقبة فرمى بها
من أسلفها سبع حصيات التقطها
له عبد
الله بن عباس رضي الله عنهما من موقفه الذي رمى فيه مثل حصى الخذف بفتح
الخاء المعجمة وإسكان الذال المعجمة وهذا لا يخال ما عليه أئمتنا من أن
الأولى أن يلتقط حصى الرمى من مزدلفة
ويكره أخذه من المرمى لجواز أن يكون القتط له ذلك من مزدلفة ثم سقط منه
عند جمرة العقبة فأمر ابن عباس بالتقاطه
لكن الذي في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل محسرا أي الوادي المعروف
وهو أول منى قال عليكم بحصى الحذف الذي ترمى به الجمرة وهو يدل على أن أخذ
الحصى من ذلك أولى إلا أن يقال يجوز أن يكون قال ذلك لجماعة تركوا أخذ ذلك
من مزدلفة وأمر صلى الله عليه وسلم بمثلها ونهى عن أكبر منها وقطع صلى
الله عليه وسلم التلبية عند الرمي وصار يكبر عند رمي كل حصاة وهو راكب
ناقته وفي رواية على بغلة قال بعضهم وهو غريب جدا وبلال واسامة أحدهما آخذ
بخطامها والآخر يظله بثوبه لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك
وفي رواية
فرأيت بلالا رضي الله تعالى عنه يقود براحلته وأسامة بن زيد رضي الله عنه
رافعا عليه ثوبه يظله من الحر حتى رمى جمرة العقبة وخطب صلى الله عليه
وسلم على بغلة الشهباء وقيل على بعير بمنى خطبه قرر فيها تحريم الزنا
والأموال والأعراض وذكر حرمة يوم النحر وحرمة مكة على جميع البلاد فقال يا
أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلد حرام قال
فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام
كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا أعادها مرارا ثم رفع صلى الله
عليه وسلم رأسه وقال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت فليبلغ الشاهد منكم
الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وأمرهم صلى الله عليه
وسلم بأخذ مناسكم عنه لعله لا يحج بعد عامه ذلك وكان وقوفه صلى الله عليه
وسلم بين الجمرات والناس بين قائم وقاعد
وجاء أنه صلى الله عليه
وسلم خطب في اليوم الأول واليوم الثاني من أيام التشريق وهو أوسطها ويقال
له يوم النفر الأول لجواز النفر فيه كما يقال لليوم الثالث في أيام
التشريق يوم النفر الآخر
ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المنحر بمنى فنحر ثلاثا وستين بدنة أي
وهي التي
قدم
بها من المدينة وذلك بيده الشريفة لكل سنة بدنة قال بعضهم وفي ذلك إشارة
إلى منتهى عمره صلى الله عليه وسلم لأن عمره صلى الله عليه وسلم كان في
ذلك اليوم ثلاثا وستين سنة فنحر صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة لكل سنة
بدنة وطبخ له اللحم من لحمها وأكل منه أي أخذ من كل بدنة بضعة فجعل ذلك في
قدر وطبخ فاكل من ذلك اللحم وشرب من مرقته ثم أمر صلى الله عليه وسلم عليا
كرم الله وجهه فنحر ما بقي وهو تمام المائة أي ولعله الذي أتى به علي كرم
الله وجهه من اليمن هذا
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اهدى
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين
بدنة ثم أمر صلى الله عليه وسلم عليا فنحر ما بقي منها ويقال له اقسم
لحومها وجلودها وجلالها بين الناس ولا تعط جزارا منها شيئا وخذ لنا من كل
بيعر جذية من لحم واجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحثو من مرقها
ففعل وأخبر صلى الله عليه وسلم أن منى كلها منحر وأن فجاج مكة كلها منحر
ثم حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم راسه الشريف أي حلقه معمر بن عبد
الله وقال له هنا وأشار بيده إلى الجانب الأيمن فبدأ بشقه الأيمن فحلقه ثم
بشقه الأيسر وقسم شعره فأعطى نصفه لأبي طلحة الانصاري أي شعر نصف راسه
الأيسر بعد ان قال ههنا أبو طلحة وقيل اعطاه لأم سليم زوج أبي طلحة رضي
الله عنهما وقيل لأبي كريب وأعطى منه نصفه الثاني أي الذي هو الأيمن
الشعرة و الشعرتين للناس
وفي رواية ناول صلى الله عليه وسلم الحلاق
شقه الأيمن فحلقه ثم دعا ابا طلحة الانصاري فأعطاه اياه ثم ناول الحلاق
الشق الايسر فحلقه وأعطاه أبا طلحة وقال اقسمه بين الناس
قال في
النور والحاصل أن الروايات اختلفت في مسلم في بعضها أنه أعطاه الايسر وف
بعضها أنه أعطاه الأيمن ورجح أبن القيم أن الذي اختص به أبو طلحة هو الشق
الأيسر
اقول الذي في مسلم قال للحلاق ها وأشار بيده إلى جانبه
الأيمن فقسم شعره بين من يليه وفي رواية فوزعه الشعرة والشعرتين ثم أشار
إلى الحلاق وإلى جانبه الأيسر فحلقه فأعطاه لأم سليم وفي رواية قال ههنا
أبو طلحة وفي لفظ أين أبا طلحة فدفعه إلى أبي طلحة
وفي رواية ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه ثم
ناوله الشق الأيسر فحلقه وأعطاه أبا طلحة فقال اقسم بين الناس والجمع ممكن
بين هذه الروايات والله اعلم
وعن بعضهم قال شقت قلنسوة خالد بن
الوليد رضي الله عنه يوم اليرموك وهو في الحرب فسقطت فطلبها طلبا حثيثا
فعوتب في ذلك فقال إن فيها شيئا من شعر ناصية رسول الله صلى الله عليه
وسلم وإنها ما كانت معي في موقف إلا نصرت بها
وعن أنس رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق
يحلقه وقد طاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل
ثم تطيب صلى الله عليه وسلم طيبته عائشة رضي الله عنها بطيب فيه مسك قبل
أن يطوف طواف الإفاضة ويقال له طواف الركن ويقال له طواف الصدر والأشهر أن
طواف الصدر طواف الوداع وحلق بعض اصحابه وقصر بعض آخر وعند ذلك قال صلى
الله عليه وسلم اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين فأعاد صلى الله عليه
وسلم وأعادوا ثلاثا وقال في الرابعة والمقصرين
والصحيح المشهور أنه
قال ذلك في هذه الحجة التي هي حجة الوداع كما قال ذلك في الحديبية كما
تقدم وقيل لم يقله الا في الحديبية وبه جزم امام الحرمين في النهاية وقال
النووي ولا يبعد أن يكون وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الموضعين قال
في فتح الباري بل هو المتعين لتضافر الروايات في الموضعين أي فإن في مسلم
في حجة الوداع عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم اللهم إغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال
اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر
للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال وللمقصرين ثم نهض صلى الله
عليه وسلم راكبا إلى مكه فطاف في يومه ذلك طواف الإفاضة قبل الظهر وشرب من
نبيذ الساقية
فعن أبن عباس رضي الله عنهما مر النبي صلى الله عليه
وسلم عاى راحلته وخلفه أسامة رضي الله عنه فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ
أي من سقاية العباس رضي الله عنه فإنهم كانوا يضعون في السقاية التمر
والزبيب كما تقدم فشرب صلى الله عليه وسلم وسقى فضله لأسامة رضي الله
تعالى عنه وقال أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا ثم شرب صلى الله عليه
وسلم
من ماء زمزم بالدلو قيل وهو قائم وقيل وهو على البعير والذي نزع له الدلو
عمه العباس بن عبد المطلب أي وفعل ذلك عند فتح مكة أيضا كما تقدم وقيل لما
شرب صلى الله عليه وسلم صب منه على رأسه الشريف وعن ابن جريح أنه صلى الله
عليه وسلم نزع الدلو لنفسه
وقيل إن هذا يخالف ما تقدم من قوله لولا
أن الناس يتخذونه نسكا لنزعت ومن قوله يوم فتح مكه لولاأن تغلب بنو عبد
المطلب لنزعت منها ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى فصلى بها الظهر كما
اتفق عليه الشيخان وقيل صلاة بمكة وبه انفرد مسلم ورجع بإمور
وجمع
بينهما بأنه يجوز أن يكون صلى الظهر بمكه اول الوقت ثم رجع الى منى فصلها
مرة اخرى باصحابه أي الذين تخلفوا عنه بمنى فإنه صلى الله عليه وسلم وجدهم
ينتظرونه فهى له صلى الله عليه وسلم معادة قال بعضهم وهذا مشكل على من لا
يجوز الإعادة
وعورض هذا بأنه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم رمى
جمرة العقبة ونحر ثلاثا وستين من بدنة ونحر علي كرم الله وجهه بقية المائة
و أخذ من كل بدنة بضعة و وضعت في قدر وطبخت حتى نضجت فأكل من ذلك اللحم
وشرب من مرقه وحلق رأسه ولبس تطيب وخطب فكيف يمكن أن يكون صلى الله عليه
وسلم صلى الظهر بمكه اول الوقت ويعود الى منى في وقت الظهر
على أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم
من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع ألى منى رواه أبو داود
وأجيب بأن النهار كان طويلا فلا يضر صدور أفعال منه صلى الله عليه وسلم
كثيرة في صدر ذلك اليوم
على أن ابن كثير رحمه الله قال لست أدري أن خطبته صلى الله عليه وسلم ذلك
اليوم أكانت قبل ذهابه أو بعد رجوعه إلى منى
أما رواية عائشة رضي الله تعالى عنها المقتضية لكونه صلى الله عليه وسلم
صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت فأجاب بعضهم عنها بأنها ليست نصا في
ذلك بل تحتمل فليتامل
فإن قيل روى البخاري وأهل السنن الأربعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر
الزيارة
إلى الليل وفي لفظ زار ليلا قلنا المراد بالزيارة زيارة مجيئه لا
طواف الزيارة الذي هو طواف الإفاضة
فقد روى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة من ليالي
مني وهو قول عروة بن الزبير إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الطواف
يوم النحر إلى الليل فقد أخذه من قول عاشة المتقدم وقد علمت ما فيه
وقد قال بعضهم الصحيح من الروايات وعليه الجمهور أنه صلى الله عليه وسلم
طاف يوم النحر بالنهار والأشبه أنه كان قبل الزوال هذا كلامه
وطافت
أم سلة رضي الله عنها في ذلك اليوم على بعيرها من وراء الناس قالت وطفت
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب
مسطور
أي وعورض ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة رضي الله
عنها ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت كيف يلتئم هذا
مع طوافه قبل الظهر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ذلك الوقت بمكة
ويجاب بأنه يجوز أن يتكون ام سلمة أخرت طوافها لذلك الوقت وإن كانت قدمت
مكة قبل الفجر
وعورض بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقرأ في ركعتي الطواف بالطور ولا جهر
بالقراءة في النهار بحيث تسمعه أم سلمة من وراء الناس هذا من المحال
ويجاب بأن كونه صلى الله عليه وسلم لم يقرا في ركعتي الطواف بالطور شهادة
نفي على من يثبت وأم سلمة رضي الله عنها لم تدع أنها سمعت قراءته صلى الله
عليه وسلم ثم رأيت ابن كثير رحمه الله قال والظاهر أنه عليه الصلاة
والسلام صلى الصبح يومئذ أي رأيت ابن كثير رحمه الله قال والظاهر أنه عليه
الصلاة والسلام صلى الصبح يومئذ أي عند قدومه مكة لطواف الوداع عند الكعبة
وأصحابه وقرأ في صلاته والطور بكمالها قال ويؤيد ذلك ما روى عن أم سلمة
قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني اشتكى قال طوفي من راء
الناس وأنت راكبة ومضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى حينئذ إلى جنب
البيت وهو يقرأ { والطور وكتاب مسطور }
أي وحينئذ يكون ما قدم تقدم
من قول الرواي وطافت ام سلمة في ذلك اليوم الذي هو يوم النحر وقوله في
الرواية الأخرى ارسل أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل
النحر
ثم مضت فأفاضت أي طافت طواف الإفاضة وما جاء عن ام سلمة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمرها أن توافى معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة قال بعضهم
ذكر يوم النحر غلط من الراوي أو من الناسخ وإنما هو يوم النفر ويقال بمثل
ذلك فما قبله فليتأمل فإنه سيأي في بعض الروايات أنه طاف طواف الوداع سحرا
قبل صلاة الصبح
إلا أن يقال إنه صلى الله عليه وسلم مكث بعد الطواف
لصلاة الصبح حتى صلاها وفيه أن بعضهم ذكر أنه صلى الله عليه وسلم طاف
بالبيت أي طواف الوداع بعد صلاة الصبح والله أعلم وطافت في ذلك اليوم الذي
هو يوم النحر عائشة رضي الله عنها بعد أن طهرت من حيضها وكانت حائضا يوم
عرفة أي كما تقدم وطافت أيضا صفية رضي الله عنها في ذلك اليوم
وسئل صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم عما تقدم بعضه على بعض من الرمى
والحلق والنحر والطواف فقال لا حرج أي لا إثم
ففي مسلم عن عمرو بن العاصي رضى الله عنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه
وسلم في جة الوداع بمنى على راحلته للناس يسألونه فجاء رجل فقال يارسول
الله لم أشعر أن التحلل قبل النحر فحلقت قبل أن أنحر فقال اذبح ولا حرج ثم
جاءه رجل آخر فقال يا رسول الله لم أشعر أن الرمى قبل النحر فنحرت قبل أن
أرمي فقال ارم ولا حرج وجاءه آخر فقال إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي
فقال ارم ولا حرج قال فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أيضا في تقديم السعي بين الصفا والمروة قبل
الطواف بالبيت أي فمن شاء قدم السعي عقب طواف القدوم ومن شاء أخره عن طواف
الإفاضة وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالسعي عقب طواف القدوم
وأقام صلى الله عليه وسلم بمنى ثلاثة أيام يرمي الجمار أي ماشيا في ذهابه
وإيابه وأمر صلى الله عليه وسلم شخصا أن ينادي في الناس بمنى إنها أيام
أكل وشرب وباءة ورمى لكل جمرة من الجمرات الثلاث بعد الزوال أي قبل الصلاة
للظهر سبع حصيات يبدأ بالتي تلي مسجد منى أي الخيف ويقف عندها للدعاء ثم
التي تليها وهي الوسطى ثم يقف للدعاء ثم جمرة العقبة ولم يقف عندها للدعاء
أي وكان أزواجه صلى الله عليه وسلم
يرمين
بالليل وخطبهم أي الناس في اليوم الأول من ايام منى كما تقدم ويقال لذلك
اليوم يوم القرلأنهم يقرون فيه منى وهو يوم الرءوس لأكلهم الرءوس في ذلك
اليوم وفي اليوم الثاني من أيام منى وهو يوم النفر الأول أي ويقال له يوم
الأكارع أي لأكلهم الأكارع في ذلك اليوم
وأوصى بذي الأرحام خيرا فقد
خطب صلى الله عليه وسلم في الحج خمس خطب الأولى يوم السابع من ذي الحجة
بمكة والثانية يوم عرفة والثالثة يوم النحر بمنى والرابعة يوم القر بمنى
والخامسة يوم النفر الأول بمنى ايضا
ثم نهض صلى الله عليه وسلم من منى في اليوم الثالث الذي هو يوم النفر
الآخر ونفر معه المسلمون بعد الزوال أي وبعد الرمي
واستأذنه عمه العابس رضي الله عنه في عدم المبيت بمنى في الليالي الثلاث
من أجل السقاية فرخص له في ذلك
وضربت له صلى الله عليه وسلم قبة بالمحصب وهو الأبطح أي ضربها له أبو رافع
رضي الله عنه وكان على ثقله ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بذلك فعن أبي
رافع رضي الله عنه لما يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل
بالأبطح ولكني جئت فضربت قبة فجاء فنزل وكان صلى الله عليه وسلم قال
لأسامة رضي الله عنه غدا نننزل بالمحصب إن شاء الله وهو المحل الذي تحالف
فيه قريش وكنانة ن على منابذة بني هاشم وبني المطلب حتى يسلموا إليهم
النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أي وكان ذلك سببا لكتابة الصحيفة
وفيه أنه تقدم في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم نزل بالحجون عند شعب ابي
طالب المكان الذي حصرت فيه بنو هاشم وبنو المطلب وأنه خيف بني كنانة الذي
تقاسمت قريش فيه جملتهم
وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف حيث تقاسموا على الكفر
ولما نزل صلى الله عليه وسلم بالمحصب صلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء
ورقد رقدة ثم إن عائشة رضي الله عنها قالت له يا رسول الله أأرجع بحجة ليس
معها عمرة فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقال اخرج بأختك من
الحرم ثم افرغا من طوافكما حتى تأتياني ههنا بالمحصب قالت فقضى الله
العمرة وفي لفظ فاعتمرنا
من التنعيم
مكان عمرتي التي فاتتني وفرغنا من طوافها في جوف الليل فأتيناه صلى الله
عليه وسلم بالمحصب فقال فرغتما من طوافكما قلنا نعم فأذن في الناس بالرحيل
وفي رواية فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا
منهبطة اليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها
واعترض كيف يأتي قولها
عمرتي التي فاتتني مع قوله صلى الله عليه وسلم قد حللت من حجتك وعمرتك
وكيف اقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك
وأجيب بأنها لما رأت صواحبها
أتين بعمرة ثم بحج وهي لم تأت إلا بحج أحبت ان تأتي بعمرة أخرى زائدة على
الحج وإن كانت العمرة مندرجة فيه وأقرها صلى الله عليه وسلم تطيبا لخاطرها
لانه صلى الله عليه وسلم كان معها إذا هويت الشيء الذي لا مخالفة فيه
للشرع تابعها عليه وبهذا استدل أئمتنا على جواز الاحرام بالعمرة قبل طواف
الواداع
وأمر صلى الله عليه وسلم الناس أن ينصرفوا أي إلى بلادهم حتى يكون آخر
عهدهم الطواف بالبيت أي الذي هو طواف الوداع
ورخص صلى الله عليه وسلم في ترك المؤمنين ذلك للحائض التي قد طافت طواف
الإفاضة قبل حيضها كصفية أم المؤمنين رضي الله عنها فإناه حاضت بعد طواف
الافاضة ليلة النفر من منى أي وقالت ما أراني إلا حابستكم لانتظار طهري
وطواف الوداع فقال لها صلى الله عليه وسلم أوما كنت طفت يوم النحر أو في
لفظ ما كنت طفت طواف الافاضة يوم النمحر قالت بلى قال لا بأس انفرى معنا
وفي رواية قال يكفيك ذلك أي لأنه هو طواف الركن الذي لا بد لكل احد منه
بخلاف طواف الوداع لا يجب على الحائض ولا يلزمها الصبر التطهر وتأتي به
ولادم عليها في تركه
قال الإمام النووي رحمه الله وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكى
عن بعض السف وهو شاذ مردود
ثم إنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة في تلك الليلة وطاف طواف الوداع سحر
اقبل صلاة الصبح ثم خرج من الثنية السفلى ثنية كدى بضم الكاف والقصر وهو
عند باب شبيكة متوجها إلى المدينة أي التي خرج منا لما فتح مكة كما تقدم
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من المسجد من باب الحزورة ويقال له باب
الخناطين وجاء عن جابر رضي الله عنه أن خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة
كان
ثم إنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة في تلك الليلة وطاف طواف
الوداع سحر اقبل صلاة الصبح ثم خرج من الثنية السفلى ثنية كدى بضم الكاف
والقصر وهو عند باب شبيكة متوجها إلى المدينة أي التي خرج منا لما فتح مكة
كما تقدم
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من المسجد من باب الحزورة
ويقال له باب الخناطين وجاء عن جابر رضي الله عنه أن خروجه صلى الله عليه
وسلم من مكة كان
عند غروب الشمس فلم
يصل حتى اتى سرف قال بعضم لعل هذا كان في غير حجة الوداع فإنه صلى الله
عليه وسلم طاف بالبيت بعد الصلاة الصبح فماذا أخره الى وقف الغروب هذا
غريب جدا هذا كلامه وما روى أنه صلى الله عليه وسلم رجع بعد طواف الوداع
إلى المحصب غير محفوظ
أقول هذا جمع به الإمام النووي رحمه الله بين
الروايات المتقدمة عن عائشة حيث قال ووجه الجمع أنه صلى الله عليه وسلم
بعث عائشة مع أخيها بعد نزوله المحصب وواعدها أن تلحقه بعد اعتمارها ثم
خرج هو صلى الله عليه وسلم بعد ذهابها فقصد البيت ليطوف طواف الوداع ثم
رجع بعد فراغه من الطواف الوداع فلقيها وهو صادر وهي داخلة لطواف عمرتها
ثم لما فرغت لحقته وهو في المحصب
قال وأما قولها فأذن في أصحابه
فخرج ومر بالبيت وطاف فمتأول بأن في الكلام تقديما وتأخيرا وإلا فطوافه
صلى الله عليه وسلم كان بعد خروجها إلى العمرة وقبل رجوعها وأنه فرغ قبل
طوافها للعمرة هذا كلامه فليتأمل فكانت مدة دخوله صلى الله عليه وسلم إلى
مكة وخروجه منها عشرة أيام وهذا السياق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم
يأت بعمرة بعد حجة وهو لا يناسب القول بانه أحرم مفردا بالحج بل يدل للقول
بأنه أحرم قارنا أو نواهما بعد إطلاق الإحرام أو ادخل الحج على العمرة
وفي كلام بعضهم لم يعتمر صلى الله عليه وسلم تلك السنة عرمة مفردة لا قبل
الحج ولا بعده ولو جعل حجه منفردا لكان خلاف الأفضل أي لأنه لم يقل أحد إن
الحج وحجه من غير اعتمار في سنته أفضل من القرآن
وفي كلام بعض آخر أجمعوا على أنه لم يعتمر بعد الحج فتعين أن يكون متمتعا
تمتع قران
وقد يطلق الإفراد على الاتيان بأعمال الحج فقط وإن كان قد أحرم بهما معا
كما أن القران قد يطلق على الاتيان بطوافين وسعيين فمن روى عنه صلى الله
عليه وسلم أنه أفرد الحج أراد به أنه أتى بأعمال الحج ولم يفرد للعمرة
أعمالا
ولم أقف على أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في هذه الحجة التي هي حجة
الوداع
ولما طاف صلى الله عليه وسلم سبعا وقف في الملتزم بين ركن الحجر وبين باب
الكعبة فدعا الله وألزف جسده أي صدره الشريف ووجهه بالملتزم
أي ولما
وصل صلى الله عليه وسلم إلى محل بين مكة والمدينة يقال له غدير خم بقرب
رابغ جمع الصحابة وخطبهم خطبة بين فيها فضل علي كرم الله وجهه وبراءة عرضه
مما تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه إليهم من
المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وبخلا والصواب كان معه كرم الله وجهه في ذلك
فقال صلى الله عليه وسلم أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني
رسول ربي فأجيب أي وفي لفظ في الطبراني فقال يا أيها الناس إنه قد نبأني
اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله وإني لأظن
أن يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسئول وإنكم مسئولون فما أنتم قائلون قالوا
نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا فقال صلى الله عليه وسلم
أليس تشهدون ان لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وناره
حق وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن
الله يبعث من في القبور قالوا بلى نشهد بذلك قال اللهم اشهد الحديث ثم حض
على التمسك بكتاب الله ووصى بأهل بيته أي فقال إني تارك فيكم الثقلين كتاب
الله وعترتي أهل بيتي ولن تتفرقا حتى تردا علي الحوض وقال في حق على كرم
الله وجهه لما كرر عليهم ألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثا وهم يجيبونه صلى
الله عليه وسلم بالتصديق والاعتراف ورفع صلى الله عليه وسلم يد علي كرم
الله وجهه وقال من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره وأعن من أعانه واخذل من خذله
وأدر الحق معه حيث دار وهذا أقوى ما تمسكت به الشيعة والإمامية والرافضة
على أن عليا كرم الله وجهه أولى بالإمامة من كل احد وقالوا هذا نص صريح
على خلافته سمعه ثلاثون صحابيا وشهدوا به قالوا فلعلى عليهم من الولاء ما
كان له صلى الله عليه وسلم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ألست أولى بكم
وهذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته كأبي
دواد وأبي حاتم الرازي وقول بعضهم إن زيادة اللهم وال من والاة إلى آخره
موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها
وفد جاء أن عليا كرم الله وجهه قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أنشد الله من ينشد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول أنبئت أو بلغني
إلا رجل سمعت أذناه ووعى قلبه فقام سبعة عشر صحابيا وفي رواية ثلاثون
صحابيا وفي المعجم الكبير ستة عشر وفي رواية اثنا عشر فقال هاتوا ما سمعتم
فذكروا الحديث ومن جملته من كنت مولاه فعلى مولاه وفي رواية فهذا مولاه
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه وكنت ممن كتم فذهب الله ببصرى وكان علي كرم
الله وجهه دعا على من كتم
قال بعضهم ولما شاع قوله صلى الله عليه
وسلم من كنت مولاه فعلى مولاه في سائر الامصار وطار في جميع الاقطار بلغ
الحارث بن النعمان الفهري فقدم المدينة فأناخ راحلته عند باب المسجد فدخل
والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله أصحابه فجاء حتى جثا بين يديه ثم
قال يا محمد إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا
ذلك منك وإنك أمرتنا أن نصلي في اليوم والليلة خمس صلوات ونصوم شهر رمضان
ونزكي أموالنا ونحج البيت فقبلنا ذلك منك ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي
ابن عمك ففضلته وقلت من كنت مولاه فعلى مولاه فهذا شيء من الله أو منك
فاحمرت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله الذي لا إله إلا هو
إنه من الله وليس مني قالها ثلاثا فقام الحارث هو يقول اللهم إن كان هذا
هو الحق من عندك وفي رواية اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأرسل علينا
حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم فوالله ما بلغ باب المسجد حتى رماه
الله بحجر من السماء فوقع على رأسه فخرج من دبره فمات وأنزل الله تعالى {
سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع } الآية وكان ذلك اليوم الثامن
عشر من ذي الحجة وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيدا فكانت تضرب فيه الطبول
ببغداد في حدود الاربعمائة في دولة بني بويه وما جاء من صام يوم ثماني
عشرة من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا قال بعضهم قال الحافظ الذهبي
هذا حديث منكر جدا أي بل كذب
فقد ثبت في الصحيح ما معناه أن صيام شهر رمضان بعشرة اشهر فكيف يكون صيام
يوم واحد يعدل ستين شهرا هذا باطل هذا كلامه فليتأمل
وقد رد عليهم في ذلك بما بسطته في كتابي المسمى بالقول المطاع في الرد على
أهل
الابتداع لخصت فيه الصواعق للعلامة ابن حجر الهيتمي وذكرت أن
الرد عليهم في ذلك من وجوه
أحدهما أن هؤلاء الشيعة والرافضة اتقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلون
به على الإمامة من الاحاديث وهذا الحديث مع كونه آحادا طعن في صحته جماعة
من أئمة الحديث كأبي داود وأبي حاتم الرازي كما تقدم فهذا منهم مناقضة ومن
ثم قال بعض أهل السنة يا سبحان الله من أمر الشيعة والرافضة إذا استدللنا
عليهم بشيء من الأحاديث الصحيحة قالوا هذا خبر واحد لا يغني وإذا ارادوا
أن يستدلوا على ما زعموا أتوا بأخبار باطلة كاذبة لا تصل إلى درجة
الأحاديث الضعيفة التي هي أدنى مراتب الآحاد التي منها أنه قال لعلى أخي
ووصي وخليفتي في ديني بكسر الدال وخبر أنت سيد المرسلين وإمام المتقين
وقائد الغر المحجلين وخبر سلموا على علي بإمرة الناس فإنها أحاديث كاذبة
موضوعة مفتراة عليه أفضل الصلاة والسلام
ثانيها أن اسم المولى يطلق
على عشرين معنى منها أنه السيد الذي ينبغي محبته ويجتنب بغضه ويؤيد ارادة
ذلك أن سبب إيراد ذلك أن عليا كرم الله وجهه تكلم فيه بعض من كان معه
باليمن من الصحابة وهو بريدة قدم هو وإياه عليه صلى الله عليه وسلم في تلك
الحجة التي هي حجة الوداع وجعل يشكوه له صلى الله عليه وسلم لأنه حصل له
منه جفوة فجعل يتغير وجه رسلو الله صلى الله عليه وسلم وقال يا بريدة لا
تقع في علي فإن عليا مني وأنا منه ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال نعم
يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلى مولاه
فقال ذلك لبريدة خاصة ثم لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى غدير خم أحب أن
يقول ذلك للصحابة عموما أي فكما عليهم أن يحبوني فكذلك ينبغي ان يحبوا
عليا وعلى تسليم أن المراد أنه أولى بالإمامة فالمراد في المآل لا في
الحال قطعا وإلا لكان هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه وسلم والمآل لم
يعين له وقت فمن اين أنه عقب وفاته صلى الله عليه وسلم وجاز أن يكون بعد
أن يعقد له البيعة ويصير خليفة ويدل لذلك أنه كرم الله وجهه لم يحتج بذلك
إلا بعد أن يعقد له البيعة ويصير خليفة ويدل لذلك أنه كرم الله وجهه لم
يحتج بذلك إلا بعد أن آلت إليه الخلافة ردا على من نازعه فيه كما تقدم
فسكوته كرم الله جهه عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته قض على كل من له
أدنى عقل فضلا عن فهم بأنه لا نص في ذلك على إمامته عقب وفاته صلى الله
عليه وسلم
ثالثها أنه تواتر النقل
عن علي كرم الله وجهه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينص عند موته على خلافة
أحد لا هو ولا غيره فقد قيل له كرم الله وجهه كما يأتي حدثنا فأنت الموثوق
به والمأمون على ما سمعت فقال لا والله لئن كنت أول من صدق به لا أكون أول
من كذب عليه لو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت
القتال على ذلك ولو لم أجد إلا بردتي هذه وفي رواية ما تركت اخا بني تيم و
عدي يعني أبا بكر وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما ينوبان على منبره
صلى الله عليه وسلم ولقاتلتهما بيدي
رابعها أنه لو كان هذا الحديث
نصا على إمامته لم يسعه الامتناع من متابعة عمه العباس رضي الله عنه لما
قال له العباس اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هذا
الأمر فينا علمنا وأيضا لو كان الحديث نصا لكان لما قالت الانصار منا أمير
ومنكم أمير واحتج عليهم ابو بكر رضي الله تعالى عنه بأن الأئمة من قريش
قالوا له قد ورد النص بخلافة علي كرم الله وجهه ولم يكن بين ذكر الحديث في
غدير خم وبين ذلك إلا نحو شهرين فاحتمال النسيان على علي والعباس وعلى
جميع الانصار رضي الله تعالى عنهم من ابعد البعيد على أنه ورد أنه لما قيل
لعلي إن الأنصار قالوا منا أمير ومكم أمير قال كرم الله وجهه هلا ذكرت
الأنصار قول النبي صلى الله عليه وسلم يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم
فكيف يكون الأمر فيهم مع الوصاية بهم ودعوى الرافضة والشيعة أن الصحابة
رضوان الله عليهم علموا هذا النص ولم يعملوا به عنادا غير مسموعة إذ هي
ظاهرة البطلان لأن في ذلك تضليلا لجميع الصحابة وهم رضي الله تعالى عنهم
معصومون عن أن يجتمعوا على ضلالة
ومن العجب العجيب أن بغض غلاة الرافضة يقول بتكفير الصحبة بسبب ذلك وأن
عليا كرم الله وجهه كفر لأنه أعان الكفار على كفرهم
وأما دعواهم أنا عليا ان ترك النزاع في أمر الخلافة تقية وامتثالا لوصيته
صلى الله عليه وسلم أن لا يوقع بعده فتنة ولا يسل سيفا فكذب وافتراء إذ
كيف يجعله إماما على الأمة ويمنعه أن يسل سيفا على من امتنع من قبول الحق
وكيف منع سل السيف على أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم مع قلة
أتباعهم وكثرة أتباعه وسله على معاوية رضي الله تعالى عنه مع وجود من معه
من الألوف ولما ساغ له أن يقول كما تقدم
لو
كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم
وعدي ينوبان على منبهر صلى الله عليه وسلم ولما بين سبب تركه لمقاتلة ابي
بكر وعمر وعثمان ومقاتلته لمعاوية بأن أبا بكر اختاره صلى الله عليه وسلم
لديننا فبايعناه فولاهما عمر فبايعناه وأعطيت ميثاقى لعثمان فلما مضوا
بايعني أهل الحرمين وأهل المصرين البصرة والكوفة فوثب فيها من ليس مثلي
ولا قرابته كقرابتي ولا عمله كعلمي ولا سابقته كسابقتي وكنت أحق بها منه
يعني معاوية رضي الله تعالى عنه كما سيأتي ومن ثم لما قيل للحسن المثنى
ابن الحسن السبط إن خبر من كنت مولاه فعلى مولاه نص في إمامة علي كرم الله
وجهه قال أما والله لو يعني النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الإمارة
والسلطان لأفصح لهم ولقال لهم يا أيها الناس هذا وال بعدي والقائم عليكم
بعدي فاسمعوا له واطيعوا ووالله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد
إليه في ذلك ثم تركه كان أعظم خطيئة
وقد سئل الإمام النووي رحمه
الله هل يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلى أنه
كرم الله وجهه أولى بالإمامة من أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فأجاب
إنه لا يدل على ذلك بل معنى ذلك عند العلماء الذين هم أهل هذا الشأن
وعليهم الاعتماد في تحقيق ذلك من كنت ناصره ومواليه ومحبه ومصافيه فعلى
كذلك
وقد قيل في سبب ذلك أن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال
لعلي كرم الله وجهه لست مولاي وإنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى
ذي الحليفة بات بها أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان كره أن يدخل المدينة
ليلا
ولما رأى المدين كبر ثلاث مرات وقال لا إله إلا الله وحده لا
شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون
ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دخل
عليه الصلاة والسلام المدينة نهارا من طريق المعرس بفتح الراء المشددة
باب ذكر عمره صلى الله عليه وسلم
قد اعتمر صلى الله عليه وسلم أي بعد الهجرة أربع عمر فقد قال بعضهم لا خلاف أن عمره صلى الله عليه وسلم لم تزد على اربع أي كلهن في ذي القعدة مخالفاللمشركين فإنهم كانوا يكرهون العمر في أشهر الحج ويقولون هي من
أفجر الفجور أي كما تقدم
وأول تلك الأربعة عمرة الحديبية أي وكانت في ذي القعدة التي صده فيها
المشركون عن البيت
وثانيها عمرته صلى الله عليه وسلم من العام المقبل أي وهي عمرة القضاء
وكانت في ذي القعدة كما تقدم وعن قتادة رضي الله تعالى عنه كان المشركون
فجروا عليه صلى الله عليه وسلم حيث ردوه في الحديبية وكان في ذي القعدة
فاقتص الله منهم وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي هو ذو القعدة وأنزل الله {
الشهر الحرام بالشهر الحرام }
وثالثها عمرته صلى الله عليه وسلم حين
قسم غنائم حنين وكانت من الجعرانة وكانت في ذي القعدة ودخل صلى الله عليه
وسلم مكة ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت بها ومن
ثم خفيت على الناس كما تقدم
ورابعها عمرته صلى الله عليه وسلم مع
حجة الوداع أي التي دخلت في الحج بناء على أنه أحرم قارنا أو التي أدخلها
على الحج بناء على انه أحرم بالحج خصوصية له أو عينهما بعد أن أحرم مطلقا
على ما تقدم فإنه أحرم لخمس بقين من ذي القعدة وقد قالت عائشة رضي الله
تعالى عنها اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا سوى التي قرنها بحجة
الوداع
وأخرج البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر اربع عمر
كلها في ذي القعدة إلا التي في حجته أي فإنه لم يوقعها في ذي القعدة بل
أوقعها في ذي الحجة تبعا للحج واما إحرامه بها فكان في ذي القعدة في خمس
بقين منه كما تقدم
وأخرجا أيضا أن عروة بن الزبير رضي الله تعالى
عنهما قال كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها
وإنا لنسمع صوتها بالسواك تستن فقلت يا أبا عبد الرحمن اعتمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم في رجب قال نعم فقلت لعائشة أي أمتاه ألا تسمعين ما
يقول أبو عبد الرحمن قالت وما يقول قلت يقول اعتمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم في رجب فقالت يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما اعتمر عمره إلا وهو
شاهدها وفي رواية إلا وهو معه وما اعتمر في رجب قط أي وإنما اعتمر في ذي
القعدة
ولكن روى الدارقطني رحمه الله عنها رضي الله تعالى عنها أنها
قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأمطر وصمت وقصر
وأتممت قال
في الهدى إنه غلط عليها وهو الأظهر فإنه صلى الله عليه وسلم ما اعتمر في رمضان قط اقول وزاد بعضهم أنه اعتمر أيضا عمرتين عمرة في رجب وعمرة في شوال فيكون اعتمر ستة إلا أن يقال يجوز أن يكون مستند القائل بأنه اعتمر في رجب قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما المتقدم وقد تقدم رده وجاز أن يكون قوله اعتمر في شوال أي خرج للعمرة في شوال وهي العمرة التي كانت في ضمن حجة الوداع والله اعلم
باب ذكر نبذ من معجزاته صلى الله عليه وسلم
التي يمكن التحدي بها سواء تحدي بها بالفعل كالقرآن وتمنى اليهود الموت أولا وتلك المعجزة اصطلاحا هي الحاصلة له صلى الله عليه وسلم بعد البعثة إلى وفاته وأما الأمور الحاصلة له بين يدي أيام مولده وبعثته وقبل ذلك من الأمور الخارقة للعادة الغريبة الموهنة للكفر التي يعجز عن بلوغها قوي البشر ولا يقدر عليها إلا خالق القوى والقدر لأنها في الاصطلاح يقال لها إرهاصات وتأسيسات للرسالة لا تسمى في الاصطلاح معجزاتوهي إذا تليت على قلب المؤمن زادته إيمانا وإذا تفكر فيها ذو البصيرة واليقين زادته إيقانا فإن كل من أرسله الله عز وجل لم يخله من آية أيده بها مخالفة للعادات لكون ما يدعيه من الرسالة مخالفا لها فيستدل بتلك الآية على صدقة فيما يدعيه لأن اقترانها بدعواه الرسالة تصديق له فيها
وقد كانت للأبنياء أي الرسل معجزات مختلفه أي وهو صلى الله عليه وسلم أكثر الرسل معجزة وأعظمهم آية وأظهرهم برهانا أي فقد جاء مامن الأنبياء من نبي إلى وقد أعطى من الآيات من آمن عليه البشر أي آمنوا بسبب إظهاره وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحي الله عز وجل إلي وهو القرآن لأنه الذي تحداهم به فأرجو أن أكون أكثرهم تبعا يوم القيامة
أي فإنه لما غلب السحر في زمن موسى عليه الصلاة والسلام جاءهم بجنسه في معجزاته فألقى العصا وفلق البحر ولما غلب الطب في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام جاءهم بجنسه فأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص ولما غلبت الفصاحة وقول الشعر في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام جاءهم بالقرآن وهذا السياق يدل على أن المعجزة خاصة بالرسل عليهم الصلاة والسلام ويوافق ذلك قول صاحب المواقف وشرحه وهي أي المعجزة بحسب الاصطلاح عبارة عما قصد به إظهار صدق من ادعى بأنه رسول الله
لكنه
قال فى شروط المعجزه الرابع ان يكون اى الامر الخارق للعاده ظاهرا على يد
مدعى النبوه ليعلم انه تصديق له انتهى فيحتمل انه اراد بالنبوه الرساله
ويتحتمل انه اراد بها ما يعم الرساله للشخص نفسه لان النبى غير الرسول
مرسل لنفسه ودعواه النبوه متضمنه لدعواه الرساله لنفسه فهو رسول الى نفسه
فتكون المعجزه عانه فى حق الرسول والنبى الذى ليس برسول
ومما يؤيد هذا الثانى قول النسفى رحمه الله فى عقائده وايدهم قال السعد
رحمه الله اى الانبياء بالمعجزات الناقضات للعادات
ثم قال وقد روى بيان عددهم فى بعض الاحاديث قال السعد على ما روى ان النبى
صلى الله عليه وسلم سئل عن عدد الانبياء عليهم الصلاه والسلام فقال مائه
الف واربعه وعشرون الفا وفى روايه مائتا الف واربعه وعشرون الفا ويؤيده
ايضا قول الامام السنوسى فى شرح عقيدته الكبرى ان معجزة النبى غير الرسول
يجوز ان تتاخر بعد موته بخلاف معجزة الرسول فان فيها خلافا الى آخر ما ذكر
ومما يؤيد هذا الثانى ايضا ما نقله فى الخصائص الصغرى عن بعضهم واقره فرض
الله على الانبياء اظهار المعجزات ليؤمنوا بها وفرض على الاولياء كتمان
الكرامات لئلايفتتنوا بها انتهى فقد قابل بين المعجزه والكرامه وفيه تصريح
بانه يجب على النبى غير الرسل اظهار المعجزة
وعن القرافى المالكى
رحمه الله انه يجب على النبى انه يخبر بنبوته وذكر فى الاصل ان الغرض ذكر
نبذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم والا فمعجزاته صلى الله عليه وسلم
كالبحر المتدافق بالامواج
وفد ذكر بعض العلماء ان معجزاته صلى الله
عليه وسلم لا تنحصر وفى كلام بعض اخر انه صلى الله عليه وسلم اعطى ثلاثه
الاف معجزة أي غير القران فان فيه ستين وقيل سبعين الف معجزة تقريبا
قال فى الخصائص قال الحليمى وليس فى شىء معجزات غير هـما ينجو نحو اختراع
الاجسام فان ذلك من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم خاصه هذا كلامه
وفيه ان هذا معارض بقول الله تعالى حكايه عن عيسى عليه الصلاه والسلام {
أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير } الآيه والغرض ذكر تلك النبذه مجموعه
وان كان اكثرها قد سبق لكنه مفرق اى وانبه على ما تقدم بقولى اى كما تقدم
واسكت عن ذلك فيما لم يتقدم
فمن
معجزاته صلى الله عليه وسلم وهو اعظمها القران اى لانه تعالى اتى به
مشتملا على اخبار الامم السالفه وسير الانبياء الماضيه التى عرفها اهل
الكتاب وهو صلى الله عليه وسلم امى لا يقرا ولا يكتب ولاعرف بمجالسه
الكهان والاحبار لانه صلى الله عليه وسلم قد نشا بين اظهرهم فى بلد ليس
بها عالم يعرف اخبار القرون الماضيه والامم السالفه التى اشتمل عليها اى
ومن كان من العرب يكتب ويقرأ ويجالس الاحبار لم يدرك علم ما أخبر به
القرآن خصوصا عن المغيبات الستقبله الداله على صدقه لوقوعها على اخبر به
وقد اعجز الفحصاء البلغاء اى لحسن تاليفه والتام كلماته بهرت العقول
بلاغته وظهرت على كل قول فصاحته احكمت آياته وفصلت كلماته فحارت فيه
عقولهم وتبلدت فيه احلامهم وهم رجال النظم والنثر وفرسان السجع والشعر
وقد جاء على وصف مباين لأوصاف كلامهم النثر لان نظمه لم يكن كنظم الرسائل
والخطب ولا الاشعار واسجاع الكهان
وقد تحداهم ودعاهم إلى معارضته والإتيان بأقصر سورة منه أي وهو دليل قاطع
على أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل له ذلك إلا وهو واثق مستيقن أنهم لا
يستطيعون ذلك لكونه من عند الله إذ يستحيل أن يقول صلى الله عليه وسلم ذلك
وهو يعلم أنه الذي تولى نظمه ولم ينزل عليه من عند الله إذ لا يأمن أن
يكون في قومه من يعارضه وهم أهل فصاحة وشعر وخطابة قد بلغوا الدرجة العليا
في البلاغة وهو من جنس كلامهم فيصير كذابا ولو كان في استطاعة أحد منهم
ذلك لما عدلوا عن ذلك إلى المحاربة التي فيها قتل صناديدهم ونهب أموالهم
وسبي ذراريهم أي لأن النفوس إذا قرعت بمثل هذا استفرغت الوسع في المعارضة
فهو ممتنع في نفسه عن المعارضة خلافا لمن قال إنما لم تقع المعارضة منهم
لأن الله تعالى صرفهم عنها مع وجود قدرتهم عليها لأنه وإن كان صرفهم عنها
فيه إعجاز لكن الإعجاز في الأول أكمل وأتم وهو اللائق بعظيم فضل القرآن
ومن ثم لما جاءه الوليد بن المغيرة وكان المقدم في قريش بلاغة وفصاحة وكان
يقال له ريحانة قريش كما تقدم وقال له صلى الله عليه وسلم اقرأ علي فقرأ
صلى الله عليه وسلم { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } وقال له أعده فأعاد
ذلك قال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله
لمغدق وما يقول هذا بشر وإنه ليعلو ولا يعلى
عليه
وفي رواية قرأ عليه { حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب }
الآيات فانطلق حتى أتى منزل أهله بني مخزوم فقال والله كلام محمد ما هو من
كلام الإنس ولا من كلام الجن إلى آخر ما تقدم ثم انصرف إلى منزله فقالت
قريش قد صبأ الوليد والله لتصبأن قريش كلها فقال ابو جهل لعنه الله أنا
أكفيكموه فقعد على هيئة الحزين فمر به الوليد فقال له مالي أراك كئيبا قال
وما يمنعني ان أحزن وهذه قريش قد جمعوا لك نفقة ليعينوك على أمرك وزعمو
أنك إنما زينت قول محمد لتصيب من فضل طعامه فغضب الوليد وقال أو ليس قد
علمت قريش أني من أكثرهم مالا وولدا وهل يشبع محمد وأصحابه من الطعام
فانطلق مع أبي جهل حتى أتى مجلس بني مخزوم فقال هل تزعمون أن محمدا كذاب
فهل رأيتموه كذبكم قط قالوا اللهم لا قال فتزعمون أنه مجنون فهل رأيتموه
خرفكم قط أي أتى بالخرافات من القول قالوا لا قال تزعمون أنه كاهن فهل
سمعتموه يخبر بما تخبر به الكهنة قالوا لا فعند ذلك قالت له قريش فما هو
يا أبا المغيرة فقال إن هذا إلا سحر يؤثر
وقد سمع أعرابي رجلا يقرأ
{ فاصدع بما تؤمر } فسجد فقيل له في ذلك فقال سجدت لفصاحة هذا الكلام وسمع
آخر رجلا يقرأ { فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا } فقال أشهد أن مخلوقا لن
يقدر على مثل هذا الكلام
أي ولما سمع الاصمعي من جارية خماسية أو
سداسية فصاحة فعجب منها فقالت له أو تعد هذا فصاحة بعد قوله تعالى {
وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } الآية فجمع فيها بين أمرين ونهيين وخبرين
وبشارتين ولما اراد بعضهم معارضة بعض سوره وقد أوتى من الفصاحة والبلاغة
الحظ الأوفى فسمع صبيا في المكتب يقرأ { وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء
أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر } رجع عن المعارضة ومحا ما كتبه وقال والله
ما هذا من كلام البشر قال بعضهم ولم يتحد صلى الله عليه وسلم بشيء من
معجزاته إلا بالقرآن قال بعضهم كل جملة من القرآن معجزة وحفظ من التبديل
والتحريف على ممر الدهور وقارئه لا يمله وسامعه لا يمجه بل لا يزال مع
تكريره وترديده غضا طريا تتزايد حلاوته وتتعاظم محبته وغيره من الكلام ولو
بلغ الغاية يمل من الترداد ويعادي إذا أعيد يؤنس به في الخلوات
ويستراح بتلاوته من شدائد الأزمات واشتمل على جميع ما اشتملت
عليه جميع الكتب الإلهية وزيادة
وقد قال بعض بطارقة الروم لما أسلم لعمر رضي الله تعالى عنه إن آية { ومن
يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه } جمعت جميع ما أنزل على عيسى عليه
الصلاة والسلام من احوال الدنيا والآخرة
قال الحليمي في مناجه ومن
عظم قدر القرآن أن الله خصه بأنه دعوة وحجة ولم يكن هذا لنبي قط إنما يكون
لكل منم دعوة ثم يكون له حجة وغيرها وقد جمعهما الله تعالى لرسوله صلى
الله عليه وسلم في القرآن فهو دعوة وحجة دعوة بمعانيه حجة بألفاظه
وكفى الدعوة شرفا أن تكون حجتها معها وكفى حجتها شرفا أن لا تنفصل دعوتها
عنها وجمع كل شيء أي خصوصا الإخبار بالمغيبات وتوحد على طبق ما أخبر به
والإخبار عن القرون السالفة كقصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام وقصة
أهل الكهف وقصة ذي القرنين والأمم الماضية كقصص الأنبياء مع أممهم وتيسره
للحفظ ولا تنقضى عجائبه ولا تشبع منه العلماء ولا تزيع به الأهواء
ومنها شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم أي والتآمه من غير حصول أدنى ضرر
ولا مشقة مع تكرر ذلك أربعا أو خمسا كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم عن صفة بيت المقدس أي لما أخبر قريشا
بأنه أسرى به إلى بيت المقدس كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي يوم موته وصلاته عليه مع
أصحابه فقال المنافقون انظروا هذا يصلي على علج نصراني أي لم يره قط فأنزل
الله تعالى { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم } الآية
ومنا انشقاق القمر كما تقدم
ومنها ان الملأ من قريش لما تعاقدوا على قتله صلى الله عليه وسلم في دار
الندوة وجاءوا إلى منزله صلى الله عليه وسلم وقعدوا إلى بابه فخرج عليهم
وقد خفضوا أبصارهم وسقطت ذقونهم في صدورهم وأقبل صلى الله عليه وسلم حتى
قام على رءوسهم فقبض قبضة من تراب والقبضة بضم القاف الشيء المقبوض
وبفتحها المرة الواحدة
وقال شاهت الوجوه أي قبحت وألقاهها على رءوسهم فكل من اصابه شيء
من ذلك قتل يوم بدر كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم هزم القوم يوم حنين بقبضة من تراب رمى بها
في وجوههم كما تقدم له في بدر مثل ذلك
ومنها نسج العنكبوت عليه صلى الله عليه وسلم في الغار أي وعلى بعض أتباعه
كما تقدم
ومنها ما وقع لسراقة رضي الله تعالى عنه من غوص قوائم فرسه في الأرض الجلد
كما تقدم في خبر الهجرة
ومنها در الشاة التي لم ينز الفحل عليها كما تقدم في قصة شاة أم معبد وفي
قصة أخرى عن أبي العالية قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبياته
التسعة يطلب طعاما وعنده ناس من أصحابه فلم يجد فنظر إلى عناق في الدار ما
نتجت قط فمسح مكان ضرعها فدفقت بضرع مدلى بين رجليها فدعا بقعب فحلب فيه
فبعث إلى أبياته قعبا ثم قعبا ثم حلب فشرب وشربوا
ومنها دعوته صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه أن يعز الله به
الاسلام فكان كذلك كما تقدم
ومنها دعوته صلى الله عليه وسلم لعلي أن يذهب عنه الحر والبرد فلم يشك
واحدا منهما وكان كرم الله وجهه يلبس ثياب الشتاء في الصسف وثياب الصيف في
الشتاء ولا يتأثر كما تقدم
أي ومن ذلك ما حدث به بلال رضي الله
تعالى عنه قال أذنت في غداة باردة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير
في المسجد أحدا فقال اين الناس فقلت حبسهم البرد فقال اللهم أذهب عنهم
البرد قال فلقد رأيتهم يتروحون في الصلاة
ومنها دعاؤه صلى الله عليه
وسلم لعلي كرم الله وجهه وقد أصابه مرض واشتد به وسمعه يقول اللهم إن كان
أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرا فاشقني وإن كان بلاء فصبرني فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم كيف قلت فأعد ذلك عليه فمسح صلى الله عليه وسلم
بيده المباركة الشريفة ثم قال اللهم اشفه فما عاد ذلك المرض إليه
أي ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم لحذيفة رضي الله تعالى عنه في الخندق
ليلة انهزم الأحزاب بأن الله يذهب عنه البرد فكان كأنه يمشي في حمام كما
تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم تفل في عيني علي كرم الله وجهه وهو ارمد
فعوفي من ساعته كما تقدم في خيبر
أي ومنها أنه صلى الله عليه وسلم بصق في نحر كلثون بن الحصين وقد رمى فيه
بسهم يوم احد فبرأ كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم تفل على اثر سهم في وجه أبي قتادة في غزاة
ذي قرد فما ضرب عليه ولا قاح كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم تفل على شجة عبد الله بن أنيس فلم تؤلمه كما
تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على ضربة بساق سلمة بن الأكوع رضي الله
تعالى عنه يوم خيبر فبرئت كما تقدم
أي ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على رجل وراس زيد بن معاذ رضي الله
تعالى عنه حين أصابهما السيف عند قتل كعب بن الأشرف فبرأ كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على ساق بن علي الحكم يوم الخندق وقد
انكسرت فبرأ مكانه ولم ينزل عن فرسه كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على يد معوذ بن عفراء وقد قطعها عكرمة
بن ابي جهل يوم بدر وجاء يحملها فألصقها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالتصقت كما تقدم
ومنها أن محمد بن حاطب يحدث عن أمه أنها ولدت بأرض
الحبشة وأنها خرجت به قال حتى إذا كنت من المدينة على ليلة أو ليلتين طبخت
لك طعاما ففنى الحطب فذهب أطلب فتناولت القدر فانكفأت على ذراعك فقدمت
المدينة فأتيت بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا
محمد بن حاطب وهو أول من سمي بك أي بعد الإسلام قالت فتفل رسول الله صلى
الله عليه وسلم في فيك ومسح على ذراعك ودعا لك ثم تفل على يدك ثم قال أذهب
الباس رب الناس اشف أنت الشافعي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما
قالت فما قمت من عنده صلى الله عليه وسلم حتى برئت يدك
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على عاتق خبيب وقد أصيبت يوم بدر بضربه
على عاتقه حتى مال شقه فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه فالتصق
كما تقدم
ومنها رد عين قتادة بعد أن سالت على خده فكانت أحسن عينيه كما تقدم
ومنها أن ضريرا شكا إليه صلى الله عليه وسلم ذهاب بصره وأنه لا قائد له
فقال له صلى الله عليه وسلم توضأ وصل ركعتين ولقنه دعاء فدعا به فأبصر
لوقته
أي ومنها أن رجلا ابيضت عيناه فكان لا يبصر بهما شيئا فنفث
رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر قال بعضهم رأيته وهو ابن
ثمانين يدخل الخيط في الإبرة
ومنها أن عتبة بن فرقد السلمي كان يشم
منه رائحة الطيب ولا يمس طيبا لكونه صلى الله عليه وسلم نفث في يده
الشريفة ومر بها صلى الله عليه وسلم على جسده قال بعض نساء عتبه كنا أربع
نسوة ما منا امراة إلا وهي تجتهد في الطيب لتكون أطيب من صاحبتها وما يمس
عتبة الطيب وإذا خرج إلى الناس قالوا ما شممنا ريحا أطيب من ريح عتبة فقلن
له يوما إنا لنجهد في الطيب ولأنت أطيب ريحا منا فمم ذلك فقال أخذني الشرا
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوت إليه ذلك فأمرني أن أتجرد
فتجردت وقعدت بين يديه الشريفة ودلك بها الأخرى ثم مسح ظهري وبطني بيديه
فعبق هذا الطيب من يديه يومئذ وإلى ذلك أشار صاحب الأصل بقوله رحمه الله
ورحمنا به ** وعتبه لما مسه راح عاطرا ** يضوع الشذا منه بأعطر ما يحوى **
ومنها دعوته صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله تعالى
عنهما بأن الله يعلمه التأويل والفقه في الدين فعن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال اللهم علمه
الكتاب وفي لفظ الحكمة وعنه رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه
وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا فلما خرج قال من وضع هذا فأخبر فقال اللهم فقه
في الدين وعلمه التأويل
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال دعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس قال اللهم بارك فيه وانشر
منه فكان كما دعا
ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم لجمل جابر رضي الله عنهما فصار سابقا بعد
أن كان مسبوقا كما تقدم
ومنها
دعاءه صلى الله عليه وسلم لأنس بطول العمر وكثرة المال والولد فكان كما
دعا فقد ذكر أنه عاش فوق المائة وأخبر عنه نفسه أنه أكثر الأنصار مالا ولم
يمت حتى رأى مائة ولد من صلبه وقد كان دفن مائة وعشرين من أولاده حين قدم
الحجاج البصرة وولد له بعد ذلك
أي ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم
لأم أبي هريرة رضي الله عنهما بالإسلام فأسلمت فعن أبي هريرة رضي الله عنه
قال كنت أدعو أمي للإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي
فقلت يا رسول الله قد كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم
فاسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم اللهم اهد أم ابي هريرة للإسلام فخرجت مستبشرا بدعوة النبي
صلى الله عليه وسلم فلما جئت قصدت إلى الباب فإذا هو مجاف أي مردود فسمعت
أمي حس قدمي فقالت على رسلك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء فاغتسلت ولبست
درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت يا ابا هريرة أشهد أن لا إله
إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح فقلت يا رسول الله أبشر فقد استجاب الله
دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وقال خيرا
ومنها دعاؤه صلى الله
عليه وسلم في تمر حائط جابر رضي الله عنه بالبركة فأوفى منه ما عليه وهو
ثلاثون وسقا بسبب دين استدانه والده من يهودي وفضل بعد ذلك ثلاثة عشر وسقا
وفي رواية سبعة عشر وسقا أي مع قلة ما كان فيه من التمر حتى قال جابر رضي
الله عنه كنت أود أن يؤدي الله دين والدي ولا أرجع إلى إخوتي بتمرة واحدة
فإن النخل في ذلك العام لم يحمل إلا القليل وصار رسول الله صلى الله عليه
وسلم يكلم اليهودي في أن يصبر إلى عام قابل وهو يابى ويقول يا ابا القاسم
لا أنظره فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف في النخيل ثم قال يا
جابر جذ أي اقطع واقض فأخذت في الجذاذ ووفيته ثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر
وسقا فجئته صلى الله عليه وسلم فأخبرته فضحك وقال أخبر بذلك عمر بن الخطاب
رضي الله عنه فذهبت فأخبرته فقال لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليباركن فيها
وفي لفظ
آخر عن جابر توفي أبي وعليه دين فعرضت على غرمائه أن يأخذوا النخل بما
عليه فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له
ذلك فقال إذا جذذته ووضعته في المربد فاعلمني فجذذته فلما وضعته في المربد
آذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء ومعه أبو بكر وعمر فجلس عليه ودعا
بالبركة أي وهذا محمل رواية ودعا صلى الله عليه وسلم في تمر جابر بحذف
حائط
وقد يقال يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم طاف في النخل أولا
ودعا ثم لما قطع التمر ووضع في المربد جاء وجلس عليه ودعا فلا مخالفة ثم
قال صلى الله عليه وسلم ادع غرماءك فأوفهم فما تركت احدا له دين إلا قضيته
وفضل مثله فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشرته فقال أشهد أني رسول
الله
ومنها استسقاؤه صلى الله عليه وسلم فأمطرت السماء اسبوعا ثم شكى له من
كثرة المطر فاستصحى لهم فانجاب السحاب كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم دعا على عتيبة بالتصغير ابن ابي لهب بأن
يسلط عليه كلب فافترسه الأسد من بين القوم كما تقدم أي والأسد إنما يسمى
كلبا لأنه يشبه الكلب في انه إذا بال رفع رجله ومن ثم قيل إن كلب أهل
الكهف كان أسدا وحكى أنه كان رجلا يسمى بالكلب لملازمته للحراسة ويرده ما
جاء ليس في الجنة من الدواب إلا كلب أهل الكهف وحمار العزير وناقة صالح
وتقدم ذلك مع زيادة وأما عتبة مكبرا فقد أسلم يوم فتح مكة هو وأخوه معتب
هذا هو المشهور وبعضهم عكس فقال عتبة المكبر هو عقير الأسد وعتيبة المصغر
هو الذي أسلم يوم الفتح
ومنها شهادة الشجرة له صلى الله عليه وسلم
بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام فقال هل من شاهد على ما
تقول قال نعم هذه الشجرة ادعها فدعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال
ثلاثا ثم رجعت إلى منبتها
ومنها أمره صلى الله عليه وسلم للشجرتين
اللتن كانتا بشاطئ الوادي أن يجتمعا ليستتر بهما عند قضاء الحاجة فاجتمعتا
ثم افترقتا وذهبتا إلى محلهما كما تقدم في غزاة خيبر
ومنها أمره صلى
الله عليه وسلم أنسا أن يتلطف إلى نخلاته يقول لهن أمركن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن تجتمعن ليقضي حاجته بينكن فلما قضى حاجته أمره أن
يأمرهن بالعود إلى أماكنهن فعدن كما تقدم
ومنها مجيء الشجرة إليه صلى الله عليه وسلم لتظله وتسلم عليه فقد جاء أنه
صلى الله عليه وسلم نام أي في الشمس فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه
لما استيقظ ذكر له ذلك فقال هي شجرة استأذنت ربها عز وجل في ان تسلم علي
فأذن لها
ومنها حنين الجذع إليه صلى الله عليه وسلم كما تقدم ومنها
تسبيح الحصا في كفه صلى الله عليه وسلم كما تقدم أي ومنها تأمين أسكفة
الباب وحوائط البيت على دعائه صلى الله عليه وسلم آمين آمين آمين كما تقدم
ومنها تسبيح الطعام بين اصابعه الشريفة صلى الله عليه وسلم ومنها
إعلام الشاة المسمومة له صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة كما تقدم ومنها
شكوى البعير له صلى الله عليه وسلم قلة العلف وكثرة العمل كما تقدم
أي ومنها شكوى بعض الطيور له صلى الله عليه وسلم بسبب أخذ بيضه أو فراخه
فقد جاء أن حمرة جاءت فوق راسه فقال صلى الله عليه وسلم ايكم فجع هذه فقال
رجل من القوم أنا أخذت بيضها فقال رده رده رحمة لها وفي لفظ من فجع هذه
بفرخيها فقلنا نحن فقال صلى الله عليه وسلم ردوهما إلى موضعهما ولا مانع
من وجود البيض مع الفراخ
ومنها سجود البعير له صلى الله عليه وسلم الذي استصعب على اهله وصار
كالكلب الكلب لا يقدر أحد أن يقرب إليه كما تقدم
ومنها سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم في بعض حوائط الأنصار كما تقدم
ومنها تكليم الجمل له صلى الله عليه وسلم كما تقدم
ومنها تكليم الحمار له صلى الله عليه وسلم في خيبر وهو اليعفور كما تقدم
ومنها شهادة الجمل عنده صلى الله عليه وسلم أنه لصاحبه الأعرابي دون من
أدعاه ففي المعجم الكبير للطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصرنا بأرعابي أخذ بخطام بعيره حتى وقف على
النبي صلى الله عليه وسلم ونحن حوله فقال السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجاء رجل آخر كأنه حرسي
فقال الحرسي يا رسول الله هذا الأعرابي سرق سرب البعير فرغا البعير ساعة
وحن فأنصت له رسول الله
صلى الله عليه
وسلم ساعة فسمع رغاءه وحنينه فلما هدأ البعير اقبل على البي صلى الله عليه
وسلم فقال للرجل انصرف عنه فإن البعير شهد عليك أنك كاذب فانصرف وأقبل
النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي فقال أي شيء قلت حين جئت لي قال
قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله اللهم صل على محمد حتى لا تبقي صلاة وبارك
على محمد حتى لا تبقى بركة اللهم سلم على محمد حتى لا يبقى سلام اللهم
وارحم محمدا حتى لا يبقى رحمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله
عز وجل أبداها لي والبعير ينطق بعذرك وإن الملائكة قد سدوا الأفق
أي
ومنها سؤال الظبية له صلى الله عليه وسلم أن يخلصها لترضع ولدها وتعود
فخلصها وعادت وتلطفت بالشهادتين فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مر رسول
الله صلى الله عليه وسلم على ظبية مربوطة إلى خباء فقالت يا رسول الله
خلصني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتر بطني فقال لها صيد قم وربيطة قوم
ثم استحلفها ان ترجع فحلفت له فحلها فمكثت قليلا ثم جاءت وقد نفضت ضرعها
فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم
فوهبوها له فحلها
وعن زيد بن أرقم نحو هذا وزاد فأنا والله رأيتها
لتسبح في البرية وتقول لا إله إلا اله محمد رسول الله وذكر بعضهم أن حديث
الغزالة موضوع
أي ومنها شهادة الذئب له صلى الله عليه وسلم بالرسالة كما تقدم
ومنها شهادة الضب له صلى الله عليه وسلم بالرسالة كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم عن مصارع المشركين ببدر فلم يعد أحد منهم
من مصرعة كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من أمته يغزون البحر وأن أم
حرام بالراء المهملة بنت ملحان منهم فكان كذلك كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه بأنه تصيبه
بلوى شديدة فأصابته وقتل فيها
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى
تلقوني والأثرة بضم الهمزة وسكون الثاء المثلثة أي يستأسر عليكم غيركم
بأمور
الدنيا فكان ما وقع في زمن معاوية في وقعة الجمل وصفين وفي زمن
ولده يزيد في وقعة الحرة كما تقدم
ومنها اخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا يبقى أحد من أصحابه بعد المائة
أي من الهجرة والذي ينبغي أن تكون المائة من حين وفاته صلى الله عليه وسلم
لأن ابا الطفيل رضي الله عنه آخر من مات من الصحابة فكان موته بعد المائة
من الوفاة
وعن أب الطفيل رضي الله عنه قال وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على
رأسي وقال يعيش هذا الغلام قرنا فعاش مائة سنة
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات وهو باب واسع جدا
فمن ذلك أنه جيء إليه صلى الله عليه وسلم برجل سرق فقال اقتلوه فقيل له
إنه سرق فقال اقطعوه ثم أتى به بعد إلى أبي بكر رضي الله عنه وقد سرق فقطع
ثم ثالثة ورابعة إلى أن قطعت قوائمه ثم جيء به إلى أبي بكر وقد سرق فقال
له أبو بكر رضي الله عنه لا أجد لك شيئا إلى ما قضى به فيك رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم أمر بقتلك فإنه كان أعلم بذلك ثم أمر بقتله
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لقيس بن خرشة العبسي رضي الله عنه وقدقال
له يا رسول الله أبايعك على ما جاء من الله وعلى أن أقول الحق يا قيس عسى
أن مر بك الدهر أن يليك ولاة لا تستطيع أن تقول معهم الحق فقال قيس لا
والله لا ابايعك على شيء إلا وفيت به فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذن لا يضرك شيء وكان قيس رضي الله عنه يعيب زيادا وابنه عبيدالله بن
زياد ومن بعده فبلغ ذلك عبيدالله ابن زياد فأرسل اليه فقال له أنت الذي
تفتري على الله وعلى رسوله فقال لا والله ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفتري
على الله ورسوله قال ومن هو قال من ترك العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم قال ومن ذلك قال أنت وأبوك ومن أمركما قال وأنت الذي تزعم
أنك لا يضرك بشر قال نعم قال لتعلمن اليوم أنك كاذب ائتوني بصاحب العذاب
فمال قيس عند ذلك فمات
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لزوجاته
أيتكن تنبحها كلام الحوأب وأيتكن صاحبة الجمل الأديب بالدال المهملة والفك
لغة في الأدب بالإدغام وهو كثير الشعر يقتل حولها قتلى كثير وتنجو بعدما
كادت فكانت تلك عائشة رضي الله عنه فإنه
لما
قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه كانت عائشة بمكة لأنها خرجت إلى مكة وهو
محاصر وكلمها مروان بن الحكم في عدم الخروج وقال لها لا تخرجي يا أماه
فجاء إليها طلحة والزبير رضي الله عنهما بعد ان بايعا عليا على كره
واستأذنا عليا كرم الله وجهه في العمرة فأذن لهما فقدما مكة وخرجت بنو
أمية من المدينة ولحقت بمكة قبل المباعية لعلي فخرج مروان وغيره من أهل
المدينة وجاء إلى عائشة رضي الله عنها يعلى بن أمية رضي الله عنه وكان
عاملا لعثمان باليمن فلما بلغه حصار عثمان قدم لنصرته فسقط من على بعيره
في اثناء الطريق فكسر فخذه وبلغه قتل عثمان فلا زالوا بعائشة حتى وافقت
على الخروج إلى العراق في طلب دم عثمان رضي الله عنه ودفع لها ذلك الجمل
يعلى بن أمية أشتراه بمائتي دينار واعان الزبير بأربعمائة ألف دينار وصار
يقول من خرج في طلب دم عثمان فعلي جهازه فحمل سبعين رجلا من قريش وطلبت
عائشة رضي الله عنها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يكون معهما فقال
معاذ الله أن أدخل في الفتنة ويقال إن طلحة والزبير دعوا عبدالله بن عمر
رضي الله عنهم إلى الخروج معهم فقال لهم أما تخافون الله أيها القوم
وتدعوا هذا الأباطيل عنكم وكيف أضرب في وجه علي بن ابي طالب كرم والله
وجهه بالسيف وقد عرفت فضله وسابقته ومكانته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم وإنكما بايعتماه وسألتماه القيام بهذا الأمر ثم نكثتما بعد أن جعل
الله عليكما شهيدا وإنه ما بدل ولا غير والقاتل لعثمان رضي الله عنه أخو
زعيمتكم ورئيستكم يعني عائشة واخوها محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم فإنه
أخذ بلحيته فضربها حتى تقلقلت أضراسه وضربه بالمشقص فلما كانت عائشة رضي
الله عنها في اثناء الطريق سمعت كلابا تنبح فسألت عن ذلك المحل فقيل لها
هذا الحوأب فأرادت الرجوع لما تذكرت ما قال لها رسول الله صلى الله عليه
وسلم أي فإنها صرخت وأناخت بعيرها وقالت والله أنا صاحبة الحوأب ردوني
ردوني ردوني فعند ذلك يقال إن طلحة والزبير أحضرا خمسين رجلا شهدوا أن هذا
ليس بماء الحوأب وأن المخبر لها كذاب
قال الشعبي وهي أول شهادة زورت
في الإسلام وقال لها الزبير رضي الله عنه ولعل الله أن يصلح بك بين الناس
فلما بلغ عليا كرك الله وجهه توجه عائشة ومن ذكر معها إلى العراق بعد أن
كان أرد الذهاب إلى الشام وقام في الناس وقال ألا أن طلحة والزبير أم
المؤمنين قد تمالئوا على سخط إمارتي وإني خارج اليهم ثم
جاءه الخبر أن ستين ألف شيخ تبكى تحت قميص عثمان وهو منصوب على
منبر دمشق ومعلق فيه أصابع زوجة عثمان فقال أمني يطبون دمع عثمان
ولما أراد الخروج جاءه عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال يا أمير
المؤمنين لا تخرج منها أي المدينة فوالله لئن خرجت منها لا يرجع إليها
سلطان المسلمين فسبوه وقالوا له يا ابن اليهودية مالك ولهذا الأمر فقال
لهم علي كرم الله وجهه دعوا الرجل فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم
ثم إن طلحة والزبير أم المؤمنين وصلوا إلى البصرة ووقع بينهم
وبين أهل البصرة مقتلة كبيرة بعد أن افترقوا فرقتين إحداهما تقول صدقت
وبرت يعني عائشة وجاءت بالمعروف وقال الأخرى كذبت ثم انحازت الأخرى إلى
عسكر أم المؤمنين وقهروا أهل البصرة ونادى منادي الزبير وطلحة ألا من كان
عنده أحد ممن غزا المدينة فليأت به فجىء بهم كما يجاء بالكلاب وكانوا
ستمائة فقتلوا فما أفلت منهم من أهل البصرة إلا حرقوص بن زهير وكتب طلحة
والزبير إلى أهل الشام إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله فوافقنا
خيار أهل البصرة وخالفنا شرارهم ولم يفلت من قتله أمير المؤمنين عثمان من
أهل البصرة إلى حرقوص بن زهير والله مقيده إن شاء الله وكتبوا لأهل الكوفة
بمثله وكتبوا إلى أهل اليمامة بمثل ذلك وكتبوا إلى أهل المدينة بمثل ذلك
ثم سار علي كرم الله وجهه إلى البصرة ثم أرسل إلى أهل الكوفة يستنفرهم
إليه فنفروا إليه بعد أمور يطول ذكرها وكانوا سبعة آلاف والتقى الجيشان
جيش علي كرم الله وجهه وجيش عائشة ام المؤمنين رضي الله تعالى عنها بعد ان
كتب لطلحة والزبير أما بعد فقد علمتما أني لما ارد البيعة حتى أكرهت عليها
وأنتما ممن رضي ببيعتي وألزمني إياها فإن كنتما بايعتما طائعين فتوبا إلى
الله وارجعا عما أنتما عليه فانك يا طلحة شيخ المهاجرين وأنت يا زبير فارس
قريش لو دفعتما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه لكان أوسع لكما من خروجكما منه
والسلام
وكتب لعائشة رضي الله عنها أما بعد فإنك قد خرجت من بيتك
تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين وطلبت بزعمك دم عثمان وأنت بالأمس
تؤلبين عليه فتقولين في ملا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا
نعثلا فقد كفر قتله الله واليوم تطلبين بثأره فاتقى الله وارجعي إلى بيتك
وأسبلي عليك سترك قبل أن يفضحك الله ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي
العظيم فلما قرءوا الكتابين عرفوا انه على الحق
وعند ذلك خرج طلحة والزبير رضي الله عنهما على فرسين وخرج إليهما علي كرم
الله وجهه ودنا كل واحد من الآخر فقال لهما علي لعمري لقد أعددتما خيلا
ورجالا وسلاحا فاتقيا الله ولا تكونها { كالتي نقضت غزلها من بعد قوة
أنكاثا } ألم تكونا أخوى في الله تحرمان دمي وأحرم دمكما فقال له طلحة رضي
الله عنه ألبت الناس على عثمان فقال له علي كرم الله وجهه انتما خذلتماه
حتى قتل فسلط الله اليوم على أشرنا على عثمان ما يكره ثم توافقوا على
الصلح وقتل من كان له دخل في قتل عثمان رضي الله عنه
وبات الفريقان
على ذلك وبات الذي أثاروا أمر عثمان بشر ليلة وباتوا يتشاورون ثم اتفقوا
على انشاب الحرب فلما كان وقت الغلس ثاروا ووضعوا السلاح فثار الناس فخرج
طلحة والزبير في وجوه الناس وقالا ما هذا قالوا طرقنا جيش علي فقالا علمنا
أن عليا غير سفيه حتى يسفك الدماء ويستحل الحرمة فقام علي كرم الله وجهه
في وجوه الناس وقال ما هذا قالوا طرقنا جيش عائشة فقال لقد علمت أن طلحة
والزبير غير سفيهين حتى يستفكا الدماء ويستحلا الحرمة ونشبت الحرب فألبسوا
هودج عائشة رضي الله عنها الدروع ووقفت على الجمل وصار كل من أخذ زمامه
قتل وقتل طلحة رضي الله عنه جاءه سهم غرب يقال أرسله له مروان بن الحكم
وهو كان في جيش أم المؤمنين وفي الزربير رضي الله عنه لما قال له علي كرم
الله وجهه يا زبير أتذكر لما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك
تقاتلني وأنت ظالم لي فقال له علي كرم الله وجهه ترجع بالعار ولا ترجع
بالنار فترك وذهب وصار الهودج مثل القنفذ من كثرة النشاب فعند ذلك عقروا
الجمل ووقع الهودج على الأرض وجعلت تقول عائشة رضي الله عنها يا بني
اتبعنه ابتعنه
وعند ذلك قال علي كرم الله وجهه لمحمد بن أبي بكر رضي
الله عنهما انظر أختك هل اصابها شيء فلما جاءها وادخل بيده قالت من أنت
قال ابن الخثعمية قالت محمد قال نعم قالت بأبي أنت وأمي الحمد لله الذي
عافاك وفي رواية قال لها أخوك محمد البار فقالت بل مذمم العاق تضرب عليها
فسطاطا فلما كان من آخر الليل خرج بها وادخلها البصرة وانزلها في دار صفية
بنت الحارث أم طلحة الطلحات وبكت
عائشة
رضي الله عنها بكاء كثيرا قالت وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وقد
قال علي كرم الله وجهه مثل ذلك لما رأى من كثرة القتلى فقد قيل إن القتلى
بلغت عشرة آلاف وقيل ثلاثة عشر ألفا
ثم إن عليا كرم الله وجهه صلى
على القتلى من الفريقين ثم دخل البصرة على بغلته متوجها لعائشة رضي الله
عنها فلما دخل عليها سلم عليها وقعد عندها ثم جهزها بكل شيء ينبغي لها
واختار لها أربعين امرأه من نساء أهل البصرة المعروفات وأمرهن بلبس
العمائم وتقليد السيوف ثم قال لهن لا تعلمنها بأنكن نسوة وتلثمن مثل
الرجال وكن حولها من بعيد ولا تقربنها وقال لأخيها محمد تجهز معها وفي
رواية جهز معها أخاها عبد الرحمن في جماعة من شيوخ الصحابة فلما كان يوم
خروجها جاء إليها علي كرم الله وجهه ووقف الناس وخرجت فودعها ووودعتهم
وقالت يا بني والله ما كان بني وبن علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة
وأحمائها وإنه على معتبتي عليه عندي لمن الأخيار فقال على أيها الناس صدقت
والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها زوجة نبيكم في الدنيا
والآخرة وذهب معها نحو سبعة أميال ثم ذهبت إلى مكة حتى حجت ثم رجعت على
المدينة وعلمت عند وصولها إلى مكة أن هؤلاء الرجال حولها نساء فانهن كشفن
عن وجوههن وعرفنها الحال فشكرت وقالت والله لا يزداد ابن أبي طالب إلا
كرما
وقيل ان كعب بن سعد أتى عائشة رضي الله عنها وقال لعل الله أن
يصلح بك والأولى الصلح والسكون والنظر في قتلة عثمان بعد ذلك فوافقت وركبت
هودجها وقد ألبسوه الأدراع ثم بعثوا جملها وذهب إلى علي كرم الله وجه وقال
له مثل ذلك فقال له قد أحسنت واشرف القوم على الصلح فخافت قتلة عثمان رضي
الله عنه فاشار عليهم ابن السوداء الذي هو السبائي هو أصل الفتنة أن
يفترقوا فرقتين تكون كل فرقة في عسكر من العسكرين فإذا جاء وقت السحر ضربت
كل فرقة منهما إلى العسكر الذي فيه الفرقة الأخرى فنادت كل فرقة في
المعسكر الذي هي في غررنا ففعلوا ذلك فنشبت الحرب وحصل ما تقدم
ومن
ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن رضي الله عنه إن ابني هذا سيد ولعل
الله أن صلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فصالح معاوية رضي الله عنها
وحقن دماء الفئتين من المسلمين أي فإن الحسن رضي الله عنه لما بويع له
بالخلافة يوم مات أبوه
كان في الخلافة
سبعة اشهر وقيل ستة اشهر ولما سار إلى قتال معاوية كان معه أكثر من أربعين
ألفا فلما سار عدا عليه شخص وضربه بخنجر في فخذه ليقتله فقال الحسن قتلتم
ابي بالأمس ووثبتم علي اليوم تريدون قتلي زهدا في العادلين ورغبة في
القاسطين لتعلمن نبأ بعد حين
أي ويذكر انه بينما هو يصلي إذ وثب
عليه شخص فطعنه بخنجر وهو ساجد ثم خطب الناس فقال يا أهل العراق اتقوا
الله فينا فإنا أمراؤكم ونحن أهل البيت الذين قال الله فيهم { إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } فما زال يقولها حتى ما
بقي احمد من أهل المسجد إلا وهو يبكي
ثم كتب إلى معاوية رضي الله
عنهما بتسليم الأمر أي بعد أن أرسل إليه معاوية رضي الله عنه رجلين
يكلمانه في الإصلاح فإن عمرو بن العاص لما رأى الكتائب مع الحسن أمثال
الجبال قال لمعاوية إني لأرى هذا الكتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فخلع
الحسن رضي الله عنه نفسه وسلم الأمر إلى معاوية تورعا وزهدا وقطعا للشر
وإطفاء لثائرة الفتنة وتصديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله
المتقدم وغص منه شيعته حتى قال له بعضهم يا عار المؤمنين سودت وجوه
المؤمنين فقال العار خير من النار وقال له بعضهم السلام عليك يا مذل
المؤمنين فقال له لا تقل ذلك كرهت أن أقتلكم في طلب الملك وعند ذلك أي لما
انبرم الصلح طلب منه معاوية رضي الله عنها أن يتكلم بجمع من الناس ويعلمهم
أنه سلم الأمر إلى معاوية فأجابه إلى ذلك وصعد المنبر وحمد الله إلى أن
قال في خطبته أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا إلا إن
أكيس الكيس التقى وأعجز العجز الفجور وإن هذا الأمر الذي اختلفت أنا
ومعاوية فيه إما أن يكون أحق به مني او يكون حقي فان كان حقي فقد تركته
لله ولصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحقن دمائهم ثم التفت رضي الله
عنه إلى معاوية وقال { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } أي ثم
انتقل من الكوفة إلى المدنية وأقام بها وكان من جملة ما اشترطه على معاوية
رضي الله عنه أن يكون الأمر شورى بين المسلمين بعده ولا يعهد إلى أحد من
بعده عهدا
وقيل على أن يكون الأمر للحسن بعده فلما سم الحسن اتهم
ذلك زوجته بنت الأشعث بن قيس وأن ذلك بدسيسة من يزيد ولد معاوية ووعدها أن
يتزوجها وبذل
لها مائة ألف درهم حرصا على ان يكون الأمر له فإن معاوية عرض
بذلك في حياة الحسن ولم يكشفه إلا بعد موته
ولما جاء الخبر لمعاوية بموته رضي الله عنه قال يا عجبا من الحسن بن علي
شرب شربة من عسل بما رومة يعني بئر رومة فقضى نحبه وأتى ابن عباس رضي الله
عنهما معاوية وهو لا يعلم الخبر فقال له معاوية هل عندك خبر المدينة قال
لا فقال معاوية يا ابن عباس احتسب الحسن لا يحزنك الله ولا يسؤك فأظهر عدم
التشوش وقال أما ما أبقاك الله لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني الله ولا
يسوءني فأعطاه على تلك الكلمة ألف ألف
وذكر بعضهم قال كنا عند الحسن
رضي الله عنه ومعنا الحسين رضي الله عنه فقال الحسن لقد سقيت السم مرارا
وما سقيته مثل هذه المرة ولقد لفظت طائفة من كبدي فقال له الحسين أي أخي
ومن سقاك قال وما تريد أتريد أن تقتله قال نعم قال لئن كان الذي أظن فالله
أشد نقمة ولئن كان غير ما أحب أن يتل بي بريئا
وكان الحسن رضي الله
عنه رجلا حليما لم يسمع منه كلمة فحش وكان مروان وهو وال على المدينة يسبه
ويسب عليا كرم الله وجهه كل جمعة على المنبر فقيل له في ذلك فقال لا أمحو
شيئا بأن اسبه ولكن موعدي وموعده الله فإن كان صادقا جازاه الله بصدقه وإن
كان كاذبا فالله أشد نقمة
وأغلظ عليه رضي الله عنه مروان يوما وهو
ساكت ثم امتخط مروان بيمينه فقال له الحسن رضي الله تعالى أف لك أما علمت
أن اليمين لها شرف فخجل مروان وبكى مروان في جنازته فقال له الحسين اتبكيه
وقد كنت تجرعه ما تجرعه فقال إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا وأشار إلى
الجبل
ومن ثم وقع بين الحسن والحسين رضي الله تعالى عنه بعض الشحناء
فتهاجرا ثم أقبل الحسن على الحسين فأكب على رأسه يقبله فقال له الحسين إن
الذي منعني من ابتدائك بهذا أنك أحق بالفضل مني وكرهت أن أنازعك ما أنت
أحق به مني وقد تقدم ذلك
ومن شعره الحسن رضي الله تعالى عنه ** من ظن أن الناس يغنونه ** فليس
بالرحمن بالواثق **
ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل الأسود العنسي الكذاب أي الذي
ادعى النبوه ليله قتله بصنعاء وبمن قتله كما تقدم
أي ومنها اخباره صلى الله عليه وسلم بأن رجلا من أمته يتكلم بعد الموت
فكان كذلك وهو زيد بن حارثه و تكلم غيره أيضا فعن ابن المسيب أن رجلا من
الآنصار توفى فلما كفن أتاه القوم يحملونه تكلم فقال محمد رسول الله فلعل
المراد بالرجل جنس الرجل
ومنها اخباره صلى الله عليه وسلم بأن أمته
تتخذ الخصيان وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يستوصوا بهم خيرا فقال سيكون
قوم ينالهم الخصاء فاستوصوا بهم خيرا وهو يقتضى ان الخصاء لم يكن في غير
هذه الآمه
ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بذهاب الأمانة والعلم والخشوع وعلم
الفرائض أى قرب قيام الساعة
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس تعيش حميدا وتقتل شهيدا
فقتل رضى الله تعالى عنه يوم اليمامة فى قتال مسيلمة الكذاب لعنه الله
وإخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات باب واسع منه الإخبار بالحوادث
الكائنة بعده إلى آخر الزمان والإخبار عن أحوال يوم القيامة من القضاء
والحشر والحساب والإخبار عن الجنة والنار
فعن حذيفة رضى الله تعالى
عنه لقد حدثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوما وصعد المنبر فخطب حتى حضرت
الظهر فنزل فصلى الظهر ثم صعد المنبر فخطب حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى
العصر ثم صعد المنبر فخطب حتى غربت الشمس فأخبر بما كان وبما هو كائن
ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن فى جماعة
من المهاجرين والأنصار يا معاذ إنك عسى أن لا تلقانى بعد عامى هذا ولعلك
أن تمر بمسجدى غدا وقبرى وكان كذلك توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعاذ باليمن ولم يقدم إلا فى خلافة أبى بكر رضى الله تعالى عنه
ومن
ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ستفتح عليكم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن
لهم رحما وصهرا والمراد بالرحم أم إسمعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة
والسلام جده
صلى الله عليه وسلم فإنها كانت قبطية والمراد بالصهر أم ولده
إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنها كانت قبطية كما علمت
ومنها إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم غير ما تقدم فمن ذلك دعاؤه صلى الله
عليه وسلم لثعلبة بن حاطب الأنصاري أي غير البدري لأن ذاك قتل بأحد وهذا
تأخر إلى زمن عثمان رضي الله تعالى عنه كما سيأتي خلافا لمن وهم في ذلك
لأن من شهد بدرا لا يدخل النار وكثيرا ما يقع الاشتراك في الاسم واسم الأب
كما قال بعض الصحابة وهو طلحة ابن عبيد الله لئن مات محمد صلى الله عليه
وسلم لأتزوجن عائشة من بعده فأنزل اله تعالى { وما كان لكم أن تؤذوا رسول
الله } الآية ظن بعضهم أن المراد بطلحة هذا أحد العشرة المبشرين بالجنة
وحاشاه من ذلك وهو أجل مقاما من أن يصدر منه مثل ذلك
ولما قال ثعلبة
بن حاطب له يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال له صلى الله عليه
وسلم ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ثم أتاه مرة اخرى
فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال له صلى الله عليه وسلم
ويحك يا ثعلبة أما ترضى أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي
نفسي بيده لو سألت ربي أن يسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت فقال والذي
بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لاوتين كل ذي حق حقه فقال النبي
صلى الله عليه وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فصارت تنمى كما تنمى
الدود وضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل ودايا من أوديتها فكان يصلي
الظهر والعصر في جماعة ويترك الجماعة فيما سواهما ثم نمت وكثرت حتى ترك
الجماعة فيما سوى الجمعة فإنه كان يشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم
ترك الجمعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل ثلعبة فأخبروه بخبره
فقال صلى الله عليه وسلم يا ويح ثعلبة قالها ثلاثا فلما نزل قوله تعالى {
خذ من أموالهم صدقة } الآية بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلين على
الصدقة وكتب لهما فرائض الصدقة وأسنانها وقال لهما مرا ثبعلبة فخرجا حتى
أتيا ثعلبة فسألاه الصدق وأقرآه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال
انطلقا حتى تفرغا ثم تعودا إلي فانطلقا ثم مرا عليه أرياني كتابكما أنظر
فيه فنظر فيه فقال ما هذه إلا أخية الجزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا
حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال قبل أن يكلماه يا ويح
ثعلبة فلما
أخبراه بالذي صنع ثعلبة
أنزل الله تعالى { ومنهم من عاهد الله } الآيات وكان عند النبي صلى الله
عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فأرسل إليه بأن الله قد أنزل فيك قرآنا وهو
كذا كذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه
الصدقة فقال إن الله منعنى أن أقبل صدقتك فجعل يحثو التراب على رأسه فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم هذا عملك وقد أمرتك فلم تطعني وأبى أن يقبل
منه شيئا فأتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف فسأله قبول صدقته فقال له
لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا لا أقبلها ثم فعل كذلك مع
عمر رضي الله تعالى عنه ثم مع عثمان رضي الله تعالى عنه وكل يأبى أن يقبل
صدقته ومات في خلافة عثمان
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في رجل
ارتد ولحق بالمشركين اللهم اجعله آية فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال كان
رجل من بني النجار حفظ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه
وسلم فارتد ولحق بأهل الكتاب وكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتب له فقال
صلى الله عليه وسلم اجعله آية فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض
فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوه وألقوه فحفروا له وأعمقوا
ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا مثل الأول فحفروا واعمقوا
فلفظته الأرض في المرة الثالثة فعلموا أنه ليس من فعل الناس
ومن ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم لرجل يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع أي
قال ذلك تكبرا وعنادا فقال له صلى الله عليه وسلم لا استطعت فلم يطق أن
يرفعها إلى فيه بعد
أي ومن ذلك المرأة التي خطبها صلى الله عليه
وسلم فقال له أبوها إن بها برصا ولم يكن بها برص وإنما قال ذلك امتناعا من
خطبته صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم فلتكن كذلك فبرصت
ومن ذلك أن فاطمة رضي الله تعالى عنها جاءت اليه صلى الله عليه وسلم وسلم
فنظر اليها وقد ذهب الدم من وجهها وغلبت الصفرة على وجهها من شدة الجوع
فقال لها صلى الله عليه وسلم ادن مني يا فاطمة فدنت منه فرفع يده فوضعها
على صدرها وفرد بين اصابعه وقال اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضيعة ارفع
فاطمة بنت محمد فذهبت الصفرة عنها حالا ولم تشك بعد ذلك جوعا
ومن
ذلك ما حدث به واثلة بن الاسقع قال حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا
فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجلا من أهل الصفة فأخذه فانطلق به فعشاه
فأتت علينا ليلة فلم يأتنا أحد فأصبحنا صياما ثم أتت علينا الليلة القابلة
فلم يأتنا أحد فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بالذي
كان من أمرنا فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها هل عندها شيء فما بقيت
امرأة ألا أرسلت تقسم ما أمسي في بيتها ما يأكل ذو كبدر فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنهما بيدك لا يملكهما أحد غيرك فلم يكن
إلا مستأذن يستأذن فإذا بشاة مصلية ورطب فأمر بها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فوضعت بين أيدينا فأكلنا حتى شبعنا
ومنها تساقط الأصنام التي
حول العبة بإشارته صلى الله عليه وسلم إليها أو طعنه فيها بقضيب كان ي يده
قائلا { جاء الحق وزهق الباطل } كما تقدم
ومنها تكثير الطعام وقد وقع له ذلك في مواطن كثيرة
فمن ذلك اطعام الف من صاع شعير في حفر الخندق فشبعوا والطعام أكثر مما كان
كما تقدم
ومن ذلك إطعام اهل الخندق من تمر يسير كما تقدم
ومن ذلك جمع ما فضل من الأزواد ودعاؤه صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة
وقسمتها في العسكر فقامت بهم كما تقدم في الحديبية وتبوك
ومن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة في تمرات قد صفهن في يده
وقال ادع لي فيهن بالبركة أي فدعا له صلى الله عليه وسلم بذلك قال ابو
هريرة رضي الله تعالى عنه فأخرجت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله
وكنا نأكل منه نطعم حتى انقطع في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه أي بانقطاع
المزود الذي أمره صلى الله عليه وسلم أن يكون به التمر والمزود وعاء من
جلد يوضع فيه الزاد وقال له إذا اردت شيئا فأدخل يدك ولا تكفأ فيكفا عليك
قال ابو هريرة رضي الله تعالى عنه وكان لا يفارق حقوى فلما قتل عثمان
انقطع حقوى فسقط وفي رواية كان معلقا خلف رحلي فوقع في زمن عثمان أي في
زمن محاصرته وقتله وذهب وفي رواية فلما قتل عثمان انتهب بيتي وانتهب
المزود أي بعد سقوطه من حقوه فلا يخالف ما سبق
وقد جاء في بعض الروايات عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه أتيت النبي صلى
الله عليه وسلم بتمرات فقلت يا رسول الله ادع لي فيهن بالبركة فصفهن ثم
دعا فيهن بالبركة وقال خذهن واجعل في مزودك ما أردت منهن أي إذا أردت أخذ
شيء منهن أدخل يدك فيه فخذه ولا تنثره نثرا أي وفي لفظ غزونا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأصاب الناس مجاعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا
أبا هريرة هل من شيء قلت نعم شيء من تمر في المزود فقال ائتني به فأتيته
به فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال لي ادع لي عشرة فدعوت عشرة فأكلوا
حتى شبعوا فما زال يصنع ذلك حتى أطعم الجيش كلهم ثم قال صلى الله عليه
وسلم خذ ما جئت به أدخل يدك فاقبض ولا تكفأه قال فقبضت على أكثر ما جئت به
ثم أكلت منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر واطعمت
وحياة عمر واطعمت وحياة عثمان واطعمت فلما قتل عثمان انتهب مني
ومن
ذلك تكثير الطعام الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على اصابعه فقد
جاء أنه صلى الله عليه وسلم دعا أهل الصفة لقصعة ثريد فأكلوا حتى لم يبق
إلا اليسير في نواحيها فجمعه صلى الله عليه وسلم فصار لقمة فوضعها على
أصابعه وقال لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه أي لأنه كان من أهل الصفة كل
بسم الله قال ابو هريرة فوالذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت كما
تقدم قيل وكان أصحاب الصفة حينئذ تسعين وقيل مائة ونيفا وقيل اربعمائة
ومن ذلك تكثير الطعام الذي جاء به أنس رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله
عليه وسلم فعنه رضي الله تعالى عنه قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدخل بأهله فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا انس اذهب به
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل بعثت بهذا إليك أمي وهي تقرؤك
السلام وتقول لك إن هذا لك منا قليل قال فذهبت به إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقلت له إن أمي تقرئك السلام وتقول لك إن هذا منا لك قليل فقال
ضعه ثم قال اذهب فادع لي فلانا وفلانا وفلانا ومن لقيت فدعوت من سمي ومن
لقيت قيل لانس كم كانوا قال زهاء ثلثمائة وقال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم يا أنس هات التور ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحلق عشرة
عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه
فأكلوا حتى شبعوا كلهم ثم قال يا أنس ارفع فما أدري حين وضعت كان
أكثر أو حين رفعت
ومن ذلك تكثير الطعام الذي صنعه أبو ايوب الأنصاري فعنه رضي الله تعالى
عنه قال صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله تعالى عنه
طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب
فادع لي ثلاثين من اشراف الأنصر قال فشق ذلك علي ما عندي ما أزيده فقال
اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار قال ابو ايوب رضي الله تعالى عنه
فدعوتهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اطعموا فأكلوا حتى صدروا
ثم شهدوا أنه رسول الله قبل أن يخرجوا ثم قال اذهب فادع لي ستين من اشراف
الأنصار فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله قبل أن يخرجوا
ثم قال اذهب فادع لي تسعين من الأنصار فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ثم شهدو
أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرجوا فأكل من طعامي ذلك مائة
وثمانون رجلا كلهم من الأنصار
قال ومنها تكثير اللبن في القدح فعن
أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه اشتد به الجوع يوما قال فمر علي ابو بكر
رضي الله تعالى عنه فقمت إليه وسألته عن آية من كتاب الله ليشبغني فمر ولم
يفعل ثم مر علي عمر ففعلت معه وفعل معي كذلك ثم مر صلى الله عليه وسلم
فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي ثم قال يا أبا هريرة وفي لفظ يا أبا هر
قلت لبيك يا رسول اله قال الحق فتبعته صلى الله عليه وسلم إلى أن دخل بيته
وأذن لي فدخلت فوجدت لبنا في قدح فقال صلى الله عليه وسلم أي لأهل بيته من
أين هذا اللبن فقيل أهدى لك فقال يا أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال ادع لي أهل الصفة فساءني ذلك فقلت ما هذا اللبن في اهل
الصفة وما اظن أن ينالني من هذا اللبن شيء أي لأنهم كانوا اربعمائة على ما
تقدم فدعوتهم فاقبلوا واخذوا مجالسهم من البيت فقال يا ابا هريرة قلت لبيك
يا رسول الله خذ فأعطاهم فأخذت القدح فجلست أعطيه الرجل فيشرب حتى يروي
حتى لم يبق إلا أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي اقعد فاشرب
فشربت فقال لي اشرب فشربت فما زال يقو لي اشرب فأشرب حتى قلت لا والذي
بعثك بالحق ما اجد له مسلكا فأعطيته القدح فحمد الله
عز
وجل سمى وشرب الفضلة ا هـأي وقد تقدم ذلك وفي لفظ حتى إذا لم يبق إلا أنا
وهو فأخذ القدح على يده ونظر إلي وتبسم فقال يا ابا هريرة قلت لبيك يا
رسول الله قال بقيت أنا وانت قلت صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب الحديث
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما قال لأبي هريرة يا أبا هر قال إنما
أنا أبو هريرة فقال صلى الله عليه وسلم الذكر خير من الأنثى
ولما
وقع القتال بين على ومعاوية رضي الله تعالى عنهما كان ابو هريرة رضي الله
تعالى عنه يصلي خلف على كرم الله وجهه ويحضر طعام معاوية وعند القتال يصعد
على تل فقيل له في ذلك فقال الصلاة خلف على أقوم وطعام معاوية أدسم
والقعود على هذا التل اسلم
ومن ذلك ما حدثت به بنت خباب بن الأرت
رضي الله تعالى عنهما قالت خرج خباب في سرية فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتعهدنا وكان لنا عنز فكان يحلبها فيملأ حلابها جفنة لنا فلما جاء
خباب عاد حلابها لما كان عليه أولا فقلت لأبي كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يحلبها فتمتلئ جفنتنا فلما حلبتها رجع حلابها
ومن ذلك ما حدث
به بعض الصحابة أنه قال كنا زهاء أربعمائة رجل فنزلنا في موضع ليس فيه ماء
فشق ذلك على أصحابه صلى الله عليه وسلم فجاءت شويهة لها قرنان فقامت بين
يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبها فشرب حتى روى وسقى أصحابه حتى
رووا ثم قال لي صلى الله عليه وسلم املكها الليلة وما أراك تملكها فأخذتها
فوتدت لها وتدا ثم ربطتها بحبل ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة ورأيت
الحبل مطروحا فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ذهب بها
الذي جاء بها
ومنها أن امرأة كانت أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم
سمنا في عكة فقبله وترك في العكة قليلا ونفخ فيه ودعا بالبركة فكان ياتيها
بنوها يسألونها الأدم فتعمد إلى تلك العكة فتجد فيها سمنا فما زالت تقيم
بها أدم بيتها بقية حياته صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان حتى
كان من أمر على ومعاوية رضي الله تعالى عنهما ما كان وفي رواية أنها
عصرتها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها عصرتيها قالت نعم قال
لو تركتيها ما زال دائما ويحتمل أن الواقعة تعددت
وعن ام سليم أم انس رضي الله تعالى عنهما قالت كان لي شاة فجمعت من سمنها
ما
ملأت به عكة وأرسلت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وأمر
ففرغوها وردوها فارغة وكنت غائبة عن المنزل فلما جئت رأيت العكة مملوءة
سمنا قالت فقلت للتي أرسلتها معها كيف الخبر فأخبرتني الخبر فما صدقتها
وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته وقلت له يا رسول الله وجهت
إليك عكة سمن قال قد وصلت فقلت بالذي بعثك بالهدى ودين الحق لقد وجدتها
مملوءة سمنا تقطر قال افتعجبين أن أطعمك الله كما أطعمت نبيه صلى الله
عليه وسلم اذهبي فكلي واطعمي الحديث
أي ومنها دعاؤه صلى الله عليه
وسلم لفرس جعيل الأشجعي فعنه رضي الله تعالى عنه قال خرجت مع النبي صلى
الله عليه وسلم في بعض غزواته وأنا علي فرس عجفاء ضعيفة فكنت في آخر الناس
فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سر يا صاحب الفرس فقلت يا رسول
الله عجفاء ضعيفة فرفع محقنة كانت معه فضربها بها وقال اللهم بارك له فيها
فلقد رأيتني ما أملك رأسها قدام القوم ولقد بعت من بطنها باثني عشر الفا
ومنها أن جليبيبا على وزن قنيديل الأنصاري وكان قصيرا دميما أراد رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه فقال يا رسول الله إذا تجدني كاسدا فقال
إنك عند الله لست بكاسد فخطب له صلى الله عليه وسلم جارية من أولاد
الانصار فكره ابو الجارية وامها ذلك فسمعت الجارية بما أراد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت قبلت { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وقالت رضيت وسلمت لما رضي لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم به فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
اللهم اصبب الخير عليها صبا ولا تجعل عيشها كدا فكانت من أكثر الأنصار
نفقة ومالا مع كونها أيما فإنه رضي الله تعالى عنه قتل عنها في بعض غزواته
معه صلى الله عليه وسلم بعد أن قتل سبعة من المشركين ووقف عليه صلى الله
عليه وسلم ودعا له وقال هذا مني وأنا منه وحمله صلى الله عليه وسلم على
ساعديه ماله سرير غير ساعديه صلى الله عليه وسلم ثم حفروا له فوضعه في
قبره ولم يغسله ولم يصل اليه
ومنها نبع الماء من بين أصابعه الشريفة
صلى الله عليه وسلم حتى شرب القوم وتوضئوا وهم ألف وأربعمائة قال وفي
رواية ألف وخمسمائة وفي رواية فشربوا وسقوا وملئوا
قرابهم
وكان في المعكسر اثنا عشر ألف بعير والخيل اثنا عشر ألف فرس أي وهذه في
غزوة تبوك وقد تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم عدة مواطن عظيمة تقدمت
وتكررت الروايات بحسب تكرار الوقائع وهو أشرف المياه كما قاله السراج
البلقيني ولم يسمع بمثل هذه المعجزة التي هي خروج الماء من بين الاصابع عن
غير نبينا صلى الله عليه وسلم وهي ابلغ من نبع الماء من الحجر الذي ضربه
موسى عليه الصلاة والسلام لأن خروج الماء من الحجر معهود بخلاف خروجه من
بين اللحم والدم والعظم والعصب كما تقدم ا هـ
ومنها أن الماء فار بغرز
سهم من كنانته صلى الله عليه وسلم في محله وقع له ذلك في الحديبية وفي
تبوك فقد جاء أنه ورد في منصرفه من غزوة تبوك على ماء قليل لا يروى واحدا
وشكوا اليه صلى الله عليه وسلم العطش فأخذ سما من كنانته وأمر ان يغرز فيه
ففار الماء وارتوى القوم وكانوا ثلاثين ألفا كما تقدم
قال ومنها ما
تقدم له صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب بذي المجاز من ضربه صلى الله
عليه وسلم الأرض أو صخرة برجله حين عطش فخرج الماء كا تقدم
ومنها
ركوبه صلى الله عليه وسلم الفحل الذي قطع الطريق على من يمر لما سافر صلى
الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبد المطلب إلى اليمن كما تقدم
ومنها انقلاب الماء الملح غذبا ببركة ريقه الشريف فقد جاء أن قوما شكوا
اليه صلى الله عليه وسلم ملوحة في ماء بئرهم فجاء صلى الله عليه وسلم في
نفر من اصحابه حتى وقف على ذلك البئر فتفل فيه فتفجر بالماء العذب المعين
ومنها أنه كان باليمن ماء يقال له زعاق من شرب منه مات فلما بعث صلى الله
عليه وسلم وجه اليه أيها الماء اسلم فقد أسلم الناس فكان بعد ذلك من شرب
منه حم ولا يموت
ومنها زوال القراع بمرور يده الشريفة صلى الله عليه
وسلم فقد جاء أن امرأة أتته بصبي لها أقرع فمسح صلى الله عليه وسلم رأسه
فاستوى شعره وذهب داؤه
ومنها إحياء الموتى له صلى الله عليه وسلم
وسماع كلامهم فمن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم دعا رجلا للإسلام فقال لا
أومن بك حتى تحي لي بنتي فقال صلى الله عليه وسلم أرني قبرها فأراه قبرها
فقال صلى الله عليه وسلم يا فلانه فقالت لبيك وسعديك فقال
صلى
الله عليه وسلم أتحبين أن ترجعي إلى الدنيا فقالت لا والله يا رسول الله
إني وجدت الله خيرا لي من أبوي ووجدت الآخرة خيرا من الدنيا
ومنها
إبراء الأبرض فقد روى أن امرأة معاوية بن عفراء كان بها برص فشكت ذلك إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه بعصا فأذهبه الله
ومنها
إبراء الرئة واللقوة والقرحة والسلعة والحرارة والدبيلة والاستسقاء فإن
ابن ملاعب الأسنة أصابه استسقاء فبعث الى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ
صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة حثوة من الأرض فتفل عليها ثم اعطاها
رسوله فأخذها متعجبا يرى انه قد هزىء به فأتاه بها وهو على شفا فشربها
فشفاه الله وقد أشار الى ذلك صاحب الهمزية بقولة ** ويكف من تربة الأرض
داوى ** من تشكى من مؤلم استسقاء **
ومنها أن أخت اسحاق الغنوي
هاجرت من مكة تريد المدينة هي وأخوها اسحاق المذكور حتى إذا كانت في بعض
الطريق قال لها أخوها اجلسي حتى أرجع إلى مكة فأخذ نفقة انسيتها قالت له
إني أخشى عليك الفاسق أن يقتلك تعنى زوجها فذهب اخوها إلى مكة وتركها فمر
عليها راكب جاء من مكة فقال لها ما يقعدك ههنا قالت انتظر اخي قال لا اخ
لك قد قتله زوجك بعد ما خرج من مكة قالت فقمت وأنا استرجع وأبكي حتى دخلت
المدينة فدخلت على رسول اله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ في بيت حفصة
فأخبرته الخبر فأخذ ملء كفه ماء فضربني به فمن يومئذ لم ينزل من عيني دمعة
وكانت تصيبني المصائب العظام غايته أن ينفر الدمع على مقلتي ولا يسيل على
وجنتي
ومنها إبراء الجراحة كما تقدم
ومنها ابراء الكسر فقد مسح صلى الله عليه وسلم على رجل ابن عتيك رضي الله
تعالى عنه وقد انكسرت فكأنها لم تكسر قط كما تقدم
ومنها إبراء الجنون أي ومنها أن امرأة جاءته صلى الله عليه وسلم بابن لها
لا يتكلم وقد بلغ اوان الكلام فأتى بماء فمضمض وغسل يديه ثم اعطاها صلى
الله عليه وسلم إياه وأمرها أن تسقيه وتمسه به ففعلت ذلك فبرئ وعقل عقلا
يفضل عقول الناس
ومنا أن بعض الصحابة ثبتت في كفه سلعة تمنعه القبض
على السيف وعنان الدابة فشكا ذلك له صلى الله عليه وسلم فما زال صلى الله
عليه وسلم يطحنها بكفه الشريفة حتى زالت ولم يبق لها اثر
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أعطى جذلا من الحطب فصار سيفا وقع ذلك
لعكاشة ابن محصن رضي الله تعالى عنه يوم بدر كما تقدم ووقع ذلك لعبد
الرحمن بن جحش أيضا يوم احد كما تقدم
أي ومنها انقلاب الماء لبنا وزبدا ومنها أنه عرضت كدية بالخندق ولم يقدر
أحد على إزالة شيء منها فضربها فصارت كثيبا كما تقدم
أي ومن إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم ما روى عن النابغة الجعدي رضي الله
تعالى عنه قال أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياتا منها ** فلا خير
في حلم إذا لم يكن له ** بوادر تحمى صفوه أن يكدرا ** ** ولا خير في جهل
إذا لم يكن له ** حليم إذا ما أورد الأمر اصدرا **
فقال النبي صلى
الله عليه وسلم أجدت لا أفضض الله فاك من هذه إشارة إلى أسنانه قال
النابغة رضي الله تعالى عنه فلقد أتت على نيف ومائة سنة وما ذهب لي سن قيل
عاش مائة واثنتي عشرة سنة وقيل مائة وثمانين سنة أي كما تقدم وفي لفظ كان
من أحسن الناس ثغرا وكان إذا سقطت له سن نبت له أخرى أي وعلى هذا الأخير
فالمراد لا أخلى الله فاك من الاسنان
ومن ذلك أن امرأة جاءت بابن
لها صغير فقالت يا رسول إن يا بني هذا جنونا وإنه يأخذه عند غذائنا
وعشائنا فيفسد علينا فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا له فخرج
من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي
ومنها ابراء وجع الضرس فقد جاء ان
بعض الصحابة شكا اليه صلى الله عليه وسلم وجع ضرسه فقال له صلى الله عليه
وسلم أدن مني فوالذي بعثني بالحق لأدعون لك بدعوة لا يدعو بها مؤمن مكروب
إلا كشف الله عنه كربه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على الخد
الذي فيه الوجع وقال اللهم اذهب عنه سوء ما يجد وفحشه بدعوة نبيك المبارك
المكين عندك سبع مرات فشفاه الله تعالى قبل أن يبرح هذا ما يتعلق ببعض
معجزاته صلى الله عليه وسلم التي يمكن التحدي بها والحمد لله وحده
& باب نبذة من خصائصه صلى الله عليه وسلم
أي ما اختص به صلى الله عليه وسلم عن سائر الناس من الأنبياء وغيرهم وما
اختص به عن غير الأنبياء وفيما اختصت به امته صلى الله عليه وسلم عن سائر
الناس من الأنبياء وغيرهم وفيما اشتركت فيه مع الأنبياء دون أممهم
لا يخفى أن ذكر خصائصة صلى الله عليه وسلم مندوب قال في الروضة ولا يبعد
القول بوجوب ذلك ليعرف فلا يتأسى به جاهل في ذلك ثم لا يخفى أن الذي من
خصائصه صلى الله عليه وسلم عن سائر الناس إما أن يكون اختص بوجوبه عليه
لأن الله علم أنه صلى الله عليه وسلم أقوم به واصبر عليه من غيره ولأن
ثواب الفرض أفضل من ثواب النفل غالبا
وقد جاء ما تقرب إلي عبدي بشئ
أحب إلي مما افترضته عليه أو اختص بتحريمه عليه لأن الله علم أنه صلى الله
عليه وسلم أصبر على تركه ولمزيد فضل تركه أو اختص بإباحته له تسهيلا عليه
أو اختص باتصافه به لمزيد فضله وشرفه
فمن القسم الأول صلاة الضحى أي
بما هو أقلها وهو ركعتان وركعتا الفجر وصلاة الوتر قال صلى الله عليه وسلم
ثلاث علي وفرائض ولكم تطوع الوتر وركعتا الفجر وركعتا الضحى
أي وفي
الامتاع أن هذا الحديث ضعف من جميع طرقه ومع ذلك ففي ثبوت خصوصية هذه
الثلاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم تظر فإن الذي ينبغي ولا يعدل عنه
إلى غيره أن لا تثبت خصوصيته إلا بدليل صحيح
وفي البخاري عن عائشة
رضي الله تعالى عنها ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط
وإني لأسبحها وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال كان
النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها
ويدعها
حتى نقول لا يصليها وهذا يدل بظاهره ويقتضي عدم الوجوب إذ لو كانت واجبة
في حقه صلى الله عليه وسلم لكان مداومته عليها أشهر من أن تخفي هذا كلامه
وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى الضحى يوم الفتح في بيت ام هاني واظب
عليها إلى أن مات وأنه صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات وجاء في حديث مرسل
كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين وأربعا وستا وثمانيا وهل المراد
بالوتر أقله أو أكثره أو ادني كماله والسواك قال في الامتاع وهل هو
بالنسبة الى الصلاة المفروضة او في كل الاحوال المؤكدة في حقنا أو فميا هو
اعم من ذلك وغسل الجمعة والأضحية واستدل بوجوبهما بقوله تعالى { إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي } إلى قوله { وبذلك أمرت } قال في الإمتاع والامر على
الوجوب هذا كلامه وفيه نظر لأن أمر للوجوب والندب والذي للوجوب إنما هو
صيغة أفعل
قال في الإمتاع إن الآمدي وابن الحاجب رحمهما الله عدا
ركعتي الفجر من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا سلف لها في ذلك إلا حديث
ضعيف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
واعترض كون الوتر واجبا عليه
صلى الله عليه وسلم بأنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين صلاه على
البعير إذ لو كان واجبا لما صلاه على الراحلة وأجاب النووي رحمه الله بأن
جواز هذا الواجب على الراحلة من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأجاب القرافي
المالكي رحمه الله بأن الوتر لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم إلا في
الحضر ووافقه على ذلك من أئمتنا الحليمي والعز ابن عبد السلام
والعقيقة وأنه صلى الله عليه وسلم يجب عليه أن يؤدي فرض الصلاة كاملة لا
خلل فيها وانه يجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يصلي في كل يوم وليلة خمسين
صلاة على وفق ماكان في ليلة الاسراء كذا في الخصائص الصغرة للسيوطي
والمشاورة في أمر الدين والدنيا لذوي الأحلام من الأمور الاجتهادية وعن
ابي هريرة رضي الله تعالى عنهما ما رأيت احدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما نزلت هذه
الآية { وشاورهم في الأمر } قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله ورسوله
غنيان عنها ولكن جعلها الله رحمة في أمتي فمن شاور
منهم لم يعدم رشدا ومن ترك المشورة منهم لم يعدم غيا وقد قيل
الاستشارة حصن من الندامة ومصابرة العدو وإن كثر
وفي الحاوث للماوردي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا بارز رجلا لا ينفك
عنه قبل قتله هذا كلامه ولم أقف على أنه صلى الله عليه وسلم بارز أحدا
وقضاء دين من مات معسرا من المسلمين وأداء الجنايات والكفارات عن من لزمته
وهو معسر وتخيير نسائه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة أي بين زينة
الدنيا ومفارقته وبين اختيار الآخرة والبقاء في عصمته وأن من اختارت
الدنيا يفارقها ومن اختارات الآخرة يمسكها ولا يفارقها أي لأن الله تعالى
قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن
الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن
الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما }
قيل اختلف سلف هذه الأمة في سبب نزول هذه الآية على تسعة أقوال فقد قيل
نزلت لما طلبن منه صلى الله عليه وسلم زيادة في النفقة فاعتزلهن شهرا ثم
أمر بتخييرهن فيما ذكر كما تقدم
عن جابر رضي الله تعالى عنه قال جاء
أبو بكر رضي الله تعالى عنه يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد
الناس جلوسا ببابه ليأذن لهم قال فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن
فأذن له فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه أي قد سألنه
النفقه وهو حاجم ساكت لا يتكلم فقال عمر رضي الله تعالى عنه لأقولن شيئا
أضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لو رأيت فلانة يعني
زوجته سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه
وسلم وقال هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام ابو بكر رضي الله تعالى
عنه إلى عائشة فوجأ عنهقا وقام عمر رضي الله تعالى عنه إلى حفصة فوجأ
عنقها وكل يقول تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ثم أقسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجتمع بهن شهرا
فعن عم رضي الله
تعالى عنه أنه ذكر أن بعض اصدقائه من الانصار جاء اليه ليلا ودق عليه بابه
وناداه قال عمر فخرجت إليه فقال حدث أمر عظيم فقلت ماذا أجاءت غسان لأنا
كنا حدثنا ان غسان تنعل الخيل لغزونا فقال لا بل اعظم من
ذلك وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقلت خابت حفصة وخسرت كنت أظن هذا كائنا حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ودخلت على حفصة وهي تبكي فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري هو هذا معتزلا في هذه المشربة أي لأن نساءه صلى الله عليه وسلم لما اجتمعن عليه في طلب النفقة اقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن قال عمر رضي الله تعالى عنه لأقولن من الكلام شيئا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت غلاما له اسود فقلت استأذن لعمر فدخل الغلام ثم خرج فقال قد ذكرتك له فصمت فانطلقت حتى أتيت المسجد فجلست قليلا ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي فقال ذكرتك له فصمت فلما كان في المرة الرابعة وقال لي مثل ذلك وليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني فقال أدخل قد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول اله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على زمل حصير قد أثر في جنبه فقلت أطلقت يا رسول الله نساءك قال فرفع رأسه إلي وقال لا فقلت الله أكبر ثم قلت كنا معاشر قريش بمكة نغلب على النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطقف نساؤنا يتعلمن منهن فكلمت فلانة يعني زوجته فراجعتني فأنكرت عليها فقالت تنكر علي أن أراجعك فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها بغضب زوجها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى حفصة فقلت أتراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت نعم وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر أتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها بغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسألينه شيئا وسليني ما بدالك ولا يغرنك إن كانت جارتك احب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يعني عائشة فتبسم أخرى فقلت استأنس يا رسول الله قال نعم فجلست وقلت يا رسول الله قد أثر في جنبك زمل هذا الحصير وفارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا وقال افي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر الله يا رسول الله فلما مضى تسع وعشرون يوما أنزل الله تعالى
عليه
أن يخير نساءه في قوله تعالى { يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية فنزل
ودخل على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت له يا رسول الله أقسمت أن لا
تدخل علينا شهرا وقد دخلت وقد مضى تسع وعشرون يوما أعددهن قال إن الشهر
تسع وعشرون وفي رواية يكون هكذا وهكذا يشير بأصابع يديه وفي الثالثة حبس
إبهامه ثم قال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتى
تستأمري أبويك فقالت وما هو يا رسول الله فقرأ { يا أيها النبي قل لأزواجك
} الآية قلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وفي
رواية أفيك يا رسول الله استشيري أبوي بل أريد الله ورسوله والدار الآخرة
قالت ثم قلت له لا تخير امرأة من نسائك بالذي قلت فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني ولكن بعثني
معلما بشيرا ثم فعل أزواجه صلى الله عليه وسلم ما فعلت عائشة رضي الله
تعالى عنهن وقد ذكر الأقوال التسعة في الإمتاع وذكر فيه أن التخيير كان
بعد فتح مكة لآن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يقدم المدينة إلا بعد
الفتح مع أبيه العباس رضي الله تعالى عنهما وذكر أنه حضر الواقعة
ومن القسم الثاني تحريم أكل الصدقة واجبة أو مندوبة وكذا الكفارة
والمنذورة والموقوف عليه إلا على جهة عامة كالآبار الموقوفة على المسلمين
ويشاركه في الصدقة الواجبة آلة دون صدقة التطوع على الجهة الخاصة دون
الجهة العامة والصدقة الواجبة هي المعنية بقوله صلى الله عليه وسلم إن
الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس لما سأله عمه العباس رضي
الله تعالى عنه أن يستعمله على الصدقات قال صلى الله عليه وسلم ما كنت
لأستعملك على غسلات ذنوب الناس ولما أخذ الحسن بن علي رضي الله تعالى
عنهما تمرة من تمر الصدقة ووضعها في فيه قال له النبي صلى الله عليه وسلم
كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة وفي رواية إن آل محمد لا
يأكلون الصدقة
واختلف علماء السلف هل الانبياء عليهم الصلاة والسلام
تشارك النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فذهب الحسن رحمه اله تعالى إلى أن
الأنبياء تشاركه في ذلك وذهب سفيان بن عيينة على اختصاصه بذلك دونهم وأن
يعطى شيئا لأجل أن يأخذ شيئا أكثر منه وأن يتعلم الكتابة أو الشعر وإنشاءه
وروايته لا التمثل به وأنه إذا لبس لامته للقتال
لا
يدعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه وهذا الأخير مما شاركه فيه الانبياء
عليهم الصلاة والسلام وخائنة الأعين وهي الإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب
على خلاف ما يظهر كما تقدم وإمساك من كرهته ونكاح الكتابية قيل والتسرى
بها والراجح خلافه ونكاح الأمة المسلمة لأنه لا يخشى العنت أي الزنا
ومن القسم الثالث القبلة في الصوم مع وجود الشهوة فقد كان صلى الله عليه
وسلم يقبل عائشة رضي الله تعالى عنها وهو صائم ويمص لسانها ولعله صلى الله
عليه وسلم لم يكن يبلع ريقه المختلط بريقها والخلوة بالأجنبية وأنه صلى
الله عليه وسلم إذا رغب في امرأة خلية كان له أن يدخل بها من غير لفظ نكاح
أو هبة ومن غير ولي ولا شهود كما وقع له صلى الله عليه وسلم في زينب بنت
جحش رضي الله تعالى عنها كما تقدم ومن غير رضاها وأنه إذا رغب في امرأة
متزوجة يجب على زوجها أن يطلقها له صلى الله عليه وسلم وأنه إذا رغب في
أمة وجب على سيدها أن يهبها له وله أن يزوج المرأة لمن يشاء بغير رضاها
وله أن يتزوج في حال إحرامه ومن ذلك نكاح ميمونة على ما تقدم وأن يصطفى من
الغنيمة ما شاء قبل القسمة من جارية أو غيرها
ومن صفاياه صلى الله
عليه وسلم صفية وذو الفقار كما تقدم وأن يتزوج من غير مهر كما وقع لصفية
رضي الله تعالى عنها وقد قال المحققون معنى ما في البخاري وغيره أنه صلى
الله عليه وسلم جعل عتقها صداقها أنه صلى الله عليه وسلم أعتقها بلا عوض
وتزوجها بلا مهر فقول أنس رضي الله تعالى عنه أمهرها نفسها معناه أنه لما
لم يصدقها شيئا كان العتق كأنه المهر وإن لم يكن في الحقيقة كذلك وأن يدخل
مكة بغير إحرام إتفاقا وأن يقضى بعلمه ولو في حدود الله تعالى
قال القرطبي في تفسيره اجمع العلماء على أنه ليس لأحد أن يقضى بعلمه إلا
النبي صلى الله عليه وسلم
قال الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى وجمع له صلى الله عليه وسلم بين
الحكم بالظاهر والباطن معا وجمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء
إلى احداهما بدليل قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام وقوله إني على
علم لا ينبغي لك ان تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه هذا كلامه
وكتب عليه الشهاب القسطلاني رحمه الله هذه غفلة كبيرة وجراءة على الأنبياء
عليهم
الصلاة والسلام إذ يلزم منه خلو بعض أهل العزم عليهم الصلاة والسلام من
علم الحقيقة الذي لا يجوز خلو بعض آحاد الاولياء عنه وإخلاء الخضر بل بقية
بعض الأنبياء عليه الصلاة والسلام عن علم الشريعة وأعجب من ذلك أنه بين له
وجه الخطأ فأجاب بقوله مرادي الجمع بين الحكم والقضاء هذا كلامه
وأقول ذكر السيوطي في كتابه الباهر في حكمن النبي بالباطن والظاهر هل يقول
مسلم إن الذي خص به نبينا صلى الله عليه وسلم أي عن سائر الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام يورث نقصا في حق سائر الانبياء معاذ الله وكل مسلم يعتقد
أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء على الاطلاق وذلك لا
يورث نقصا في حق أحد منهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
وهذا
الاعتراض كان لا يحتاج إلى جواب عنه لكن خشيت أن يسمعه جاهل فيؤديه ذلك
إلى انكار خصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي فضل بها على سائر الانبياء
عليهم الصلاة والسلام توهما منه أن ذلك يورث نقصا فيهم فيقع والعياذ بالله
في الكفر والزندقة هذا كلامه
ومما حكم فيه بالظاهر والباطن معا قوله
صلى الله عليه وسلم في ولد وليدة زمعة والد سودة أم المؤمنين رضي الله
تعالى عنها لما اختصم فيه سعد بن ابي وقاص رضي الله تعالى عنه وعبد بن
زمعة فقال سعد يارسول الله هذا ابن اخي عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه به
وقال عبد بن زمعة هذا أخي ولد على فراش ابي من وليدته فنظر رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة ثم قال هو لك يا عبد الولد
للفراش واحتجى منه يا سودة بنت زمعة زاد في رواية فليس بأخ لك فقد جعله
صلى الله عليه وسلم اخا لسودة عملا بظاهر الشرع ونفى أخوته عنها بمقتضى
الباطن فقد حكم في هذه القصة بالظاهر والباطن معا
وأما حكمه صلى الله عليه وسلم بالباطن فقد جاء في أمور متكثرة
من ذلك قتله الحارث بن سويد بقتله المجذر بن زياد غيلة من غير دعوى وارث
ولا قيام بينه ولا قبل الدية كما قدم
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل مات أخوه إن أخاك محبوس بدينه
فاقض عنه فقال يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس
لها بينة قال اعطها فإنها محقة
ومن ذلك أن امرأة جاءت إلى أخرى وقالت لها فلانه تستعيرك حليك وهي كاذبة
فأعارتها إياه فبعد مدة جاءت للمراة تطلب حليها فقالت لم أطلب حليك فجاءت
للمرأة التي اخذته فأنكرت أخذه فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته
القصة فدعاها فقالت والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال صلى الله
عليه وسلم اذهبوا فخذوه من تحت فراشها فأخذ وأمر بها فقطعت
وأن يقضى
لنفسه ولولده وأن يشهد لنفسه ولولده وأن يقبل الهدية ممن يريد الحكومة
عنده وأن يقضى في حال غضبه وأن يقطع الأرض قبل أن يفتحها
ومما شاركه
فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في هذا ا لقسم ان له صلى الله عليه
وسلم أن يصلي بعد نومه غير متمكن أي في النوم الذي تنام فيه عينه وقلبه
بناء على أنه صلى الله عليه وسلم كان له نومان وحينئذ يكون قوله نحن معاشر
الأنبياء تنام أعيينا ولا تنام قلوبنا المراد به غالبا إذ يبعد أن يكون
بقية الانبياء عليهم الصلاة والسلام ليس لم إلا نوم واحد وله صلى الله
عليه وسلم نومان
وإباحة ترك إخراج زكاة المال لأنه كبقية الأنبياء
لا ملك لهم مع الله وما في أيديهم من المال وديعة لله عندهم يبذلونه في
محله ويمنعونه في غير محله ولأن الزكاة طهرة وهم مبرءون من الدنس كذا في
الخصائص الصغرى نقلا عن سيدي الشيخ تاج الدين ابن عطاء الله
وفيها
بعد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم اختص بأن ماله باق بعد موته على ملكه ينفق
منه إلى أهله في أحد الوجهين وصححه إمام الحرمين والذي صححه النووي الوجه
الآخر وهو خروجه عن ملكه لكنه صدقة على المسلمين لا يختص به الورثة وما
قاله ابن عطاء الله بناه على مذهب امامة سيدنا مالك ومذهب الشافعي رحمه
الله تعالى خلافه ففي الخصائص الصغرى قبل هذا وذكر مالك رضي الله تعالى
عنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يملك الأموال إنما كان له
التصرف وأخذ قدر كفايته وعند الشافعي رضي الله تعالى عنه وغيره أنه يملك
هذا كلام الخصائص
ومن القسم الرابع أنه صلى الله عليه وسلم أول من
أخذ عليه المثياق يوم { ألست بربكم } وأنه أول من قال بلى أي وأنه خص
بالبسملة وفيه ما تقدم أن ذلك على وجه وأن الأصح خلافه لما في القرآن في
سورة النمل وفي المرفوع أنزل علي آية لم تنزل على نبي بعد سليمان
غيري
{ بسم الله الرحمن الرحيم } وجاء بسم الله فاتحة كل كتاب وفيه أن الانجيل
من جملتها وهو كتاب عيسى ابن مريم وهو بعد سليمان عليهما السلام وقد قدمنا
ذلك عند الكلام على أوائل البعث وبفاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة { آمن
الرسول } إلى ختامها وآية الكرسي اعطيها من كنز تحت العرش وكذا الفاتحة
والكوثر
فقد جاء أربع نزلت من كنز تحت العرش لم ينزل منه شيء غيرهن أم الكتاب وآية
الكرسي وخواتم سورة البقرة والكوثر
وذكر الجلال السيوطي رحمه الله في الخصائص الصغرى أن مما خص به أنه اعطى
من كنز تحت العرش ولم يعط منه أحد غيره والسبع الطوال والمفصل
وأن
دار هجرته التي هي المدينة آخر الدنيا خرابا وان جميع ما في الكون خلق
لأجله وأنه تعالى كتب اسمه على العرش وعلى كل سماء وما فيها كما تقدم وعلى
بعض الأحجار وورق الأشجار وبعض الحيوانات كما تقدم قال بعضهم وعلى سائر
مافي الملكوت وذكر الملائكة له صلى الله عليه وسلم في كل ساعة وذكر اسمه
صلى الله عليه وسلم في الأذان في عهد آدم والملكوت الأعلى كما تقدم
ومما اختص به صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه
يحرم نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم بعد موته حتى على الأنبياء بخلاف
زوجات الأنبياء بعد موتهم لا يحرم نكاحهن على المؤمنين قال شيخنا الشمس
الرملي والأقرب عدم حرمتهن على الأتقياء من أممهم
وفيه أنه إذا لم
يحرمن على آحاد المؤمنين فعلى الأتقياء بطريق الأولى إلا أن يقال افرق
ممكن يدل عليه قوله والأقرب وإلا فهذا مما يتوقف فيه على النقل
وقيل
ومن ذلك أنه يجب على أزوجه صلى الله عليه وسلم من بعده الجلوس في بيوتهن
ويحرم عليهن الخروج منها ولو حج أو عمرة والراجح خلاف ذلك فقد حججن مع عمر
رضي الله تعالى عنه وعنهن إلا سودة وزينب فخرجن في الهوادج عليهن الطيالسة
الخضر وعثمان رضي الله تعالى عنه يسير أمامهن يقول لمن أراد أن يمر عليهن
إليك إليك وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه خلفهن يقول لمن اراد أن
يمر علين مثل ذلك ولا ترى هوادجهن إلا مد البصر ولما ولي عثمان رضي الله
تعالى عنه حج بهن أيضا إلا سودة وزينب
وأنه يحرم أيضا رؤية أشخاص زوجاته صلى الله عليه وسلم في الأرز وسؤالهن
مشافهة أي من غير حجاب
ولا يجوز كشف وجوههن لشهادة بلا خلاف وأن الله سبحانه وتعالى أخذ الميثاق
على سائر النبيين آدم فمن بعد أن يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم وينصروه إن
أدركوه وأن يأخذوا العهد على أممهم بذلك كما تقدم وأنه صلى الله عليه وسلم
يحشر على البراق فقد جاء تبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الدواب
ويبعث صالح على ناقته ويحشر ابنا فاطمة رضي الله تعالى عنهم على ناقته
العضباء والقصوى ويبعث بلال رضي الله تعالى عنه على ناقة من نوق الجنة وأن
في كل يوم ينزل على قبره الشريف صلى الله عليه وسلم سبعون ألف ملك يضربونه
بأجنحتهم ويحفون به ويستغفرون له ويصلون عليه إلى أن يمسوا عرجوا وهبط
سبعون ألف ملك كذلك حتى يصبحون لا يعودون إلى أن تقوم الساعة وأنه شق صدره
الشريف صلى الله عليه وسلم عند ابتداء الوحي وأنه تكرر له ذلك خمس مرات
على ما تقدم وأن خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه حيث يدخل الشيطان لغيره
وخاتم الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام كان في يمينهم كما تقدم وتقدم
ما فيه وأن له صلى الله عليه وسلم وعلم ألف اسم ونقل عن تفسير الفخر
الرازي أن له صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف اسم وأنه صلى الله عليه وسلم
تسمى من أسماء الله تعالى بنحو سبعين اسما وأنه صلى الله عليه وسلم رأى
جبريل عليه السلام على الصورة التي خلق عليها مرتين كما تقدم وغيره لم يره
كذلك وأنه عليه الصلاة والسلام يحكم بالظاهر والباطن كما تقدم وأنه صلى
الله عليه وسلم أحلت له مكة ساعة من نهار وأنه حرم ما بين لابتي المدينة
كما تقدم وأنه لم تر عورته قط وأن من رآها طمست عيناه كما تقدم وأنه إذا
مشى في الشمس أو في القمر لايكون له صلى الله عليه وسلم ظل لأنه كان نورا
وأنه إذا وقع شيء من شعره في النار لا يحترق وأن وطأه أثر في الصخر على ما
تقدم وأن الذباب لا يقع على ثيابه فضلا عن جسده الشريف ولا يمتص نحو
البعوض والقمل دمه كما تقدم وهذا لا ينافي كون القمل يكون في ثوبه ومن ثم
جاء كان صلى الله عليه وسلم يفلى ثوبه وأن عرقه أطيب من الريح المسك كما
تقدم
وكان صلى الله عليه وسلم إذا ركب دابة لا تبول ولا تروث وهو
راكبها ولو بنى مسجده إلى صنعاء اليمن كان مسجده أي في المضاعفة خلافا
لجمع منهم ابن حجر الهيتمي
وقد قال الحافظ السيوطي نص العلماء على أن المسجدين أي المكي والمدني ولو
وسعا لم تختلف أحكامهما الثابتة لهما
وروى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما انه قال لو مد مسجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة لكان منه فهذا الأثر مصرح بأن أحكام مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة له فالتوسعة لا تمنع استمرار الحكم
وتقدم ما في ذلك وأنه يجب على أمته صلى الله عليه وسلم أن تصلي وتسلم عليه
في التشهد الأخير وعند كلما يذكر عند بعضهم وأن القمر شق له صلى الله عليه
وسلم كما تقدم وأن الحجر والشجر سلما عليه صلى الله عليه وسلم وشهادة
الشجر له صلى الله عليه وسلم بالنبوة واجابتها دعوته وكلام الصبيان
المراضع وشهادتهم له بالنبوة كما تقدم وأن الجذع اليابس حن اليه صلى الله
عليه وسلم كما تقدم وأنه صلى الله عليه وسلم أرسل للناس كافة الإنس والجن
اجماعا معلوما من الدين بالضرورة فيكفر جاحد ذلك وقد يتوقف في كفر العامي
بجحد إرساله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم الجن وإلى الملائكة على ما هو
الراجح كما تقدم
قال بعضهم والقول بمقابلة مبنى على تفضيل الملائكة
على الأنبياء وهو قول مرجوح ذهب إليه المعتزلة والفلاسفة وجماعة من أهل
السنة الأشاعرة واستدلوا بأمور كلها مردودة وتقدم عن البارزي رحمه الله
أنه صلى الله عليه وسلم ارسل إلى الحيوانات والجمادات لكن استدل له بشهادة
الضب والشجرله بالرسالة صلى الله عليه وسلم وقد يتوقف في الاستدلال بذلك
وتقدم عن الحافظ السيوطي رحمه الله انه صلى الله عليه وسلم أرسل لنفسه
وتقدم الفرق بين عموم رسالته عليه الصلاة والسلام وعموم رسالة نوح صلى
الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للبر والفاجر ورحمة
للكفار بتأخير العذاب وعدم معاجلتهم بالعقوبة بنحو الخسف والمسخ والغرق
كسائر الامم المكذبة كما تقدم وأن الله تعالى لم يخاطبه باسمه كما خاطب
غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل خاطبه صلى الله عليه وسلم يا
أيها النبي يا أيها الرسول يا أيها المدثر يا أيها المزمل وقال يا آدم يا
نوح يا ابراهيم يا داود يا زكريا يا يحيى يا عيسى وان الله أقسم بحياته
صلى الله عليه وسلم قال تعالى { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون }
وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ما حلف الله تعالى بحياة
احد
إلا
بحياة محمد صلى الله عليه وسلم وأقسم الله على رسالته بقوله { يس والقرآن
الحكيم إنك لمن المرسلين } وأن إسرافيل عليه السلام أهبط إليه صلى الله
عليه وسلم ولم يهبط إلى نبي قبله كما تقدم وأنه صلى الله عليه وسلم أكرم
الخلق على الله وأنه يحرم نكاح موطوآته صلى الله عليه وسلم من الزوجات
والسرارى إلا من باعه او وهبه من السراري في حياته إن فرض ذلك وذهب
المارودي إلى تحريمها
وفي كلام بعضهم وتحرم زوجاته صلى الله عليه
وسلم على غيره ولو قبل الدخول ولو مختارة للفراق خلافا لما في الشرح
الصغير للرافعي من حل المختارة للفراق وأنه يحرم التزوج على بناته صلى
الله عليه وسلم وقيل على فاطمة خاصة رضي الله تعالى عنه وأما التسري عليهن
فلم أقف على حكمه وما علل به منع التزويج عليهن حاصل في التسري إلا أن
يفرق
وأوتي صلى الله عليه وسلم قوة أربعين رجلا من أهل الجنة في
الجماع وقوة الرجل من أهل الجنة كمائة من أهل الدنيا فيكون أعطى صلى الله
عليه وسلم قوة اربعة آلاف رجل وسليمان صلوات الله وسلامه عليه أعطى قوة
مائة رجل وقيل ألف رجل أي من رجال الدنيا وأن فضلاته صلى الله عليه وسلم
طاهرة كما تقدم وأنه كان له صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء من
الأحكام كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين لأن النبي صلى الله عليه وسلم
ابتاع فرسا من أعرابي فاستبقه النبي صلى الله عليه وسلم وسلم ليقضيه ثمن
فرسه فاسرع النبي صلى الله عليه وسلم وتباطأ الأعرابي والفرس معه فساومه
في الفرس رجال لا يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه بزيادة عما
اشتراه به صلى الله عليه وسلم فقال الاعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم إن
كنت مبتاعا لهذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم
وقد سمع نداء الاعرابي أو ليس قد ابتعته منك فقال الأعرابي لا فقال النبي
صلى الله عليه وسلم بلى قد ابتعته منك فقال الاعرابي شاهدان يشهدان أني
بعتك فلما سمع خزيمة رضي الله تعالى عنه ذلك قال أنا اشهد أنك بعته فقال
النبي صلى الله عليه وسلم لخزيمة كيف تشهد ولم تكن معنا فقال يا رسول الله
إنا نصدقك بخبر السماء أفلا نصدقك بما تقول فجعل صلى الله عليه وسلم
شهادته رضي الله تعالى عنه في القضايا بشهادة رجلين ومنه أخذ جواز الشهادة
له صلى الله عليه وسلم بما ادعاه
وترخيصه صلى الله عليه وسلم لأم عطية رضي الله تعالى عنها ولخولة بنت حكيم
رضي الله تعالى عنها في النياحة لجماعة مخصوصين
وترخيصه صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها في عدم
الإحداد لما قتل زوجها سيدنا جعفر بن أبي طالب حيث قال لها تسلى ثلاثا ثم
اصنعي ما شئت
وتجويز التضحية بالعناق لأبي بردة ولعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما
وزاد بعضهم ثلاث آخرين
وتزويجه صلى الله عليه وسلم لشخص امرأة على سورة من القرآن وقال لا تكون
لأحد غيرك مهرا ولعل المراد سورة مجهولة فلا يخالفه ذلك ما عند أئمتنا من
جواز ذلك على معين من السور القرآنية
وتزويجه صلى الله عليه وسلم أم
سليم أبا طلحة رضي الله تعالى عنهما على إسلامه كما تقدم وإعادة امرأة ابي
ركانة إليه بعد أن طلقها ثلاث من غير محلل
وتخصيصه صلى الله عليه
وسلم نساء المهاجرين بأن يرثن دور أزواجهن دون بقية الورثة وقد ألغز في
ذلك بعضهم بقوله ** سلم لى مفتي الأنا وقل له ** هذا سؤال في الفرائض مبهم
** ** قوم إذا ماتوا تحوز ديارهم ** زوجاتهم فلغيرها لا تقسم ** ** وبقية
المال الذي قد خلفوا ** يجرى على أهل التوارث منهم **
وأنه صلى الله
عليه وسلم أول من ينشق عنه القبر فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر
ثم عمر ثم أهل البقيع فيخرجون معي ثم أنتظر أهل مكة أي وفي رواية وأنا أول
من تنشق عنه الأرض فأكون أول من رفع رأسه فإذا أنا بموسى عليه الصلاة
والسلام آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن
استثنى الله
وفيه أن الاستثناء انما هو من نفخة الفزع التي هي
النفخة الأولى التي يفزع بسببها أهل السموات والأرض وتمر الجبال مر السحاب
وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة في البحر تضربها الأمواج المعنية
بقوله تعالى { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } والمعنية بقوله تعالى {
يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } الآية قال صلى الله
عليه وسلم والأموات يومئذ لا يعلمون بشيء من ذلك قلنا يا رسول الله
فمن
استثنى الله في قوله إلا من شاء الله قال أولئك الشهداء وانما يصل الفزع
إلى الأحياء وهم أحيا ء عند ربهم يرزقون وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمنهم
منه
وفيه أن هذا يقتضي أن الانبياء عليهم الصلاة والسلام يفزعون
لأنهم أحياء ولم يذكرهم صلى الله عليه وسلم مع الشهداء والقياس قد يمنع
لأنه يوجد في المفضول مالا يوجد في الفاضل وأنه من يكسى في الموقف أعظم
الحلل من الجنة وأنه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود على يمين العرش
وأنه الذي يشفع في فصل القضاء بين أهل الموقف وأنه له صلى الله عليه وسلم
شفاعات في ذلك اليوم وهي إحدى عشرة شفاعة ذكرها في مزيل الخفاء وأنه صلى
الله عليه وسلم صاحب لواء الحمد في ذلك اليوم آدم فمن دونه تحت لوائه صلى
الله عليه وسلم وأنه خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإمامهم في ذلك
اليوم كما تقدم
وأول من يؤذن له في السجود وأول من ينظر إلى الرب عز
وجل وأنه يسجد أولا فيقول له الرب جل جلاله ارفع رأسك يا محمد قل تسمع وسل
تعط واشفع تشفع ثم ثانيا ثم ثالثا كذلك فيشفع
وأنه أول من يفيق من
الصعقة وفيه أن نفخة الصعقة وهي النفخة الثانية التي هي نفخة الموته لأهل
السموات والأرض إلا أن يقال المراد بالصعقة هنا نفخة رابعة أثبتها ابن حزم
فقد قال الحافظ الجلال السيوطي رحمه الله وأغرب ابن حزم رحمه الله
تعالى فادعى أن النفخ في الصور يقع أربع مرات فعليه تكون هذه النفخة ليست
هي المذكورة في القرآن وأنها تكون في الموقف بعد النفخة الثالثة التي هي
نفخة البعث التي بسببها يكون القيام من القبور إلى المحشر المعنية بقوله
تعالى { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } وهذه النفخة الرابعة تسمى
نفخة الصعق أيضا الأن بها يحصل لجميع أهل السموات والأرض في ذلك الوقت غشى
وهوشبيه بالموت ويكون أول من يفيق من تلك الصعقة هو صلى الله عليه وسلم
وحينئذ يجد موسى عليه الصلاة والسلام آخذا بقائمة من قوائم العرش ويكون
قوله أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكون انا أول من رفع رأسه فإذا أنا بموسى
آخذ بقائمة من قوائم العرش من تخليط بعض الرواة وحينئذ لا يحتاج إلى
الجواب بأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بقوله لا أدري قبل أن أعلمه الله
تعالى بأنه أول من
تنشق عنه الأرض على
الإطلاق وأن موسى عليه الصلاة والسلام سبقه إلى العرش لأنه صلى الله عليه
وسلم بعد خروجه من الأرض ينتظر خروج أهل البقيع ومجئ أهل مكة فليتأمل ذلك
وأول من يمر على الصراط وأول من يدخل الجنة ومعه فقراء المسلمين وأن له
الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة
وقيل إنه في الجنة لا يصل لأحد شيئ إلى بواسطته صلى الله عليه وسلم وانه
لا يقرا في الجنة إلا كتابه ولا يتكلم في الجنة إلا بلسانه
ومما شارك فيه الأنبياء في هذا القسم أن من دعاه صلى الله عليه وسلم في
الصلاة تجب عليه الإجابة قولا وفعلا ولو كثيرا ولا تبطل صلاته بالنسبة
لنبينا صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
فإنها تبطل
ومنه أيضا العصمة من الذنب مطلقا كبيرا او صغيرا عمدا او
سهوا وعدم التثاؤب والاحتلام لان كلا من الشيطان ولم ير أثر لقضاء حاجته
صلى الله عليه وسلم بل كانت الأرض تبتلعه ويشم من مكانه رائحة المسك قال
وأنه صلى الله عليه وسلم كان ينظر بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في
الضوء
واستشكل بما جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما ابتنى بأم سلمة
رضي الله تعالى عنها دخل عليها في الظلمة فوطىء صلى الله عليه وسلم على
ابنتها زينب فبكت فلما كانت الليلة القابلة دخل صلى الله عليه وسلم في
ظلمة أيضا فقال أنظروا ربائبكم لا أطأ عليها وزينب هذه ولدتها من أبي سلمة
بالحبشة ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وهي إذا ذاك
طفلة فنضح صلى الله عليه وسلم وجهها بالماء فلم يزل ماء الشباب بوجهها حتى
عجزت وقاربت المائة سنة
وكان صلى الله عليه وسلم يظر من خلفه كما
ينظر أمامه أي وعن يمنيه وعن شماله فقد جاء إني لأنظر إلى ما وراء ظهري
كما أنظر إلى أمامي فقيل كان له صلى الله عليه وسلم بين كتفيه عينان كسم
الخياط يبصر بهما لاتحجبهما الثياب وقيل كانت تنطبع صورة المحسوسات التي
خلفه في حائط قبلته كما تنطبع في الصورة في المرآة وهذا يدل على أن ذلك
خاص بالصلاة وهو ظاهر أكثر الروايات أي وكانت تلك الصلاة إلى حائط فليتأمل
وكان صلى الله عليه وسلم يرى الثريا اثنا عشر نجما وغيره لا يزيد
على تسعة ولو امعن النظر
واختصت هذه الأمة المحمدية بأمور لم يشاركها فيه من قبلهم من الأمم وهي
أنها خير الأمم وأكرم الخلق على الله قال تعالى { كنتم خير أمة أخرجت
للناس }
وفي الحديث إن الله اختار أمتي على سائر الأمم وإن الله
ينظر إليها في أول ليلة من رمضان وأعطيت الاجتهاد في الأحكام واظهر الله
ذكرها في الكتب القديمة كالتوراة والإنجيل وأثني عليها وأعطيت الصلوات
الخمس أي جمعت لهم على ما تقدم وأعطيت صلاة العشاء
فقد أخرج ابو
داود والبيهقي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم
قال إنكم فضلتم بها أي بصلاة العشاء على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم
وفيه ما تقدم
وأعطيت افتتاح الصلاة بالتكبير وأعطيت التأمين أي قول
آمين عقب الدعاء فقد جاء أعطيت آمين ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم إلا أن
يكون الله أعطاها هرون فإن موسى كان يدعو ويؤمن هرون عليهما الصلاة
والسلام وتقدم في آمين عقب الفاتحة ليس من القرآن اتفاقا
وأعطيت
الاستنجاء بالحجر وأعطيت الأذان والإقامة والركوع في الصلاة وأما قوله
تعالى لمريم { واركعي مع الراكعين } فالمراد بالركوع الخضوع كما تقدم
ويلزمه أنها أعطيت في الرفع منه سمع الله لمن حمده وفي الاعتدال اللهم
ربنا لك الحمد إلى آخره واعطيت تحريم الكلام في الصلاة دون الصوم عكس من
قبلهم وأعطيت الجماعة في الصلاة وأعطيت الاصطفاف فيها كصفوف الملائكة
وأعطيت صلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء والوتر واعطيت قصر الصلاة في
السفر والجمع بين الصلاتين فيه على ما تقدم وفي المطر والمرض على قول
اختاره جمع من العلماء ومنهم والدي رحمه الله وأعطيت صلاة الخوف وصلاة
شدته واعطيت شهر رمضان على ما تقدم وأعطيت فيه امورا منها تصفيد الشياطين
وقد سئلت ما فائدة تصفيد الشياطين في رمضان مع وجود الفساد والشر وقتل
الأنفس فيه وقد أجبت عنه أربعة أجوبة حاصلها أن فائدة ذلك قلة الشر لا
نفيه بالكلية وقد
ذكرت ذلك في كتابي إسعاف الإخوان في شرح غاية الإحسان وهو كتاب
الفته في الصوم وما يتعلق به
ومنها صلاة الملائكة عليهم حين يفطروا ومنا أن ريح فمهم بعد الزوال أطيب
عند الله من ريح المسك وفيه أن هذا لا يختص بصوم رمضان ومنها أن الجنة
تزين فيه من رأس الحول إلى رأس الحول وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب
النيران وتفتح أبواب السماء في أول ليلة منه
ومنها أنه يغفر لهم في
آخر ليلة منه وأعطيت العقيقة عن الأنثى وأعطيت العذبة في العمامة وأعطيت
الوقف والوصية بالثلث عند الموت واعطيت غفران الذنوب بالاستغفار وجعل
الندم توبة واعطيت صلاة الجمعة وأعطيت ساعة الإجابة في يومها وأعطيت ليلة
القدر وأعطيت السحور وتعجيل الفطر وأعطيت الاسترجاع عند المصيبة وأعطيت
الحوقلة أي لا حول ولا قوة إلا بالله وأعطيت رفع الإصر عنها ومنه وجوب
القصاص في الخطأ والمؤاخذة بحديث النفس والنسيان وما وقع عليه الإكراه وأن
اجماعها حجة لأنها لا تجتمع على ضلالة أي محرم واعطيت أن اختلاف علمائها
رحمة وكان اختلاف من قبلهم عذابا والمراد بعلماء الأمة المجتهدون كما أن
المراد ذلك بما رواه البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف اصحابي رحمة أي ويقاس بأصحابه غيرهم
ممن بلغ رتبة الاجتهاد قال بعضهم وما ذكره بعض الأصوليين والفقهاء أنه صلى
الله عليه وسلم قال اختلاف امتي رحمة لا يعرف من خرجه بعد البحث الشديد
وانما يعرف عن القاسم بن محمد بلفظ اختلاف أمة محمد رحمة قال الحافظ
السيوطي ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا وأن الطاعون لهم
رحمة وكان على من قبلهم عذابا وأعطيت الإسناد للحديث قال ابو حاتم الرازي
رحمه الله لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم عليه الصلاة والسلام
من يحفظون آثار الرسل أي ويأخذها واحد عن الآخر إلا في هذه الأمة أي حتى
إن الواحد منهم يكتب الحديث الواحد من ثلاثين طريقا أو أكثر وان فيها
الاقطاب والانجاب والأوتاد ويقال لهم العمد والأبدال والأخيار العصب
فالأبدال بالشام واختلفت الروايات في عدهم فأكثر الروايات أنهم اربعون
رجلا وفي بعض الروايات أربعون
رجلا
وأربعون امرأة كلما مات رجل ابدل الله مكانه رجلا وكلما ماتت امرأة أبدل
الله مكانها امرأة فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم فعند ذلك تقوم الساعة
وعن الفضل بن فضاله قال الأبدال بالشام في حمص خمسة وعشرون رجلا وفي دمشق
ثلاثة عشر وفي نيسان اثنان وفي رواية عن حذيفة بن اليمان الأبدال بالشام
ثلاثون رجلا على منهاج ابراهيم عليه الصلاة والسلام
وعن ابن مسعود
رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال أربعون
رجلا قلوبهم على قلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدفع الله بهم عن أهل
الأرض يقال لهم الأبدال
وعن الحسن البصري رحمه الله لن تخلوا الأرض من سبعين صديقا وهم الأبدال
اربعون بالشام وثلاثون في سائر الأرض
وعن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال اللذين بهم قوام الدنيا وأهلها الرضا
بالقضاء والصبر عن محارم الله الغضب في ذات الله
وجاء في وصف
الأبدال إنهم لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة وكلن بسخاء
النفس وسلامة القلوب والنصيحة لأئمتهم وفي لفظ لجميع المسلمين
وعن
أبي سليمان الأبدال بالشام والنجباء بمصر وفي لفظ الأبدال في الشام
والنجباء من أهل مصر وفي رواية عن علي كرم الله وجهه أيضا والنجباء
بالكوفة والعصب باليمن والأخيار بالعراق وفي لفظ والعصب بالعراق
وعن
بعضهم النقباء ثلاثمائة وسبعون والبدلاء أربعون والأخيار سبعة والعمد
أربعة والغوث أي الذي هو القطب واحد فمسكن النقباء الغرب ومسكن النجباء
مصر ومسكن الأبدال الشام والأخيار سائحون من الأرض والعمد في زوايا الأرض
ومسكن الغوث مكة فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النجباء ثم
الأبدال ثم الأخيار ثم العمد فإن أجيبوا وإلا ابتهل الغوث فما تتم مسألته
حتى يجاب
وجاء عن علي كرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن
نبي
قط
إلا أعطى سبعة نجباء وزراء رفقاء وإني أعطيت خمسة عشر حمزة وجعفر وأبو بكر
وعمر وعلي والحسن والحسين وعبد الله بن مسعود وسلمان وعمار بن ياسر وحذيفة
وأبوذر والمقداد وبلال ومصعب وأسقط الترمذي حذيفة وأبا ذر والمقداد
وأنهم أي أمته صلى الله عليه وسلم يخرجون من قبورهم بلا ذنوب يمحصها الله
عنهم باستغفار المؤمنين لهم وأنها اول من تنشق عنها الأرض وأنها في الموقف
تكون على مكان عال مشرف على الأمم وأنها أول من يحاسب وأنها أول من يدخل
الجنة من الأمم وأن لكل منها نورين كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنها
تمر على الصراط كالبرق الخاطف وانها تشفع في بعضها وأن لها ما سمعت وما
سعى لها وأنها اختصت عن من الأمم ما عدا الأنبياء بوصف الاسلام على الراجح
كما تقدم لأنه لم يوصف بالإسلام أحد الأمم السالفة سوى الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام فقد شرفت بأن توصف بالوصف الذي توصف به الانبياء تشريفا
لها وتكريما فقد قال زيد بن أسلم أحد أئمة السلف العالمين بالقرآن
والتفسير لم يذكر الله بالسلام غير هذه الأمة أي وما ورد مما يوهم خلاف
ذلك مؤول
وقد خصت هذه الأمة بخصائص لم تكن لأحد سواها إلا للأنبياء
فقط فمن ذلك الوضوء فإنه لم يكن أحد يتوضأ إلا الأنيباء عليهم الصلاة
والسلام فعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا في التوراة والإنجيل وصف
هذه الأمة أنهم يوضئون أطرافهم
وفي بعض الآثار افترضت عليهم أن
يتطهروا في كل صلاة كما افترضت على الأنبياء لكن تقدم في الحديث أنه صلى
الله عليه وسلم توضا مرة مرة فقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ثم
توضا مرتين مرتين فقال هذا وضوء الأمم من قبلكم من توضأ مرة آتاه الله
أجره مرتين ثم توضأ ثلاثا ثلاثا فقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي
ووضوء خليل الله ابراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا الحديث كما
ترى يقتضى مشاركة الأمم مع هذه الأمة في أصل الوضوء والاختصاص إنما هو
بالتثليث وتقدم الكلام على ذلك أي والغسل من الجنابة
ففيما أوحى
الله إلى داود عليه الصلاة والسلام في وصف هذه الأمة وأمرتهم بالغسل من
الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم وأن منها سبعين ألفا مع كل واحد من هؤلاء
السبعين
ألفا سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب أي وباجلال الله تعالى توقير
المشايخ منهم وأنهم اذا حضرووا القتال في سبيل الله حضرتهم الملائكة لنصرة
الدين وأن الملائكة تنزل عليهم في كل سنة ليلة القدر تسلم عليهم وأكل
صدقاتهم في بطونهم وإثابتهم عليها وتعجيل الثواب في الدنيا مع ادخاره في
الآخرة كصلة الرحم فإنها تزيد في العمر ويثاب عليها في الآخرة وما دعوا به
استجيب لهم
روى الترمذي رحمه الله أعطيت هذه الأمة مالم يعط أحد
بقوله تعالى { ادعوني أستجب لكم } وإنما يقال هذا للأنبياء صلوات الله
وسلامه عليهم
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام في وصف
هذه الأمة إن دعوني استجب لهم فإما أن يكون عاجلا وإما أن يكون أن اصرف
عنهم سوءا وإما أن أدخرلهم في الآخرة ومخالطة الحائض سوى الوطء وما ألحق
به وهو مباشرة ما بين سرتها وركبتها وتقدم وصفهم في الكتب القديمة بمالا
ينبغي إعادته هنا لطوله & باب ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم
ولد له صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله تعالى عنها قبل البعثة
القاسم وهو أول أولاده صلى الله عليه وسلم وبه كان يكنى قيل عاش سنتين
وقيل سنة ونصفا وقيل حتى مشى وقيل بلغ ركوب الدابة وقيل عاش سبت ليال وهو
أول من مات من ولده قبل البعثة ثم ولدت قبل البعثة أيضا زينب ثم رقية ثم
فاطمة ثم أم كلثوم رضي الله تعالى عنهن وقيل أول بناته صلى الله عليه وسلم
رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم رضي الله تعالى عنهن وقيل أكبر بناته صلى الله
عليه وسلم رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة وقيل أول بناته صلى الله
عليه وسلم زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة وبعض الناس ذكر رقية بعد
فاطمة
وبعد البعثة ولد له صلى الله عليه وسلم عبد الله ويسمى الطيب
الطاهر وقيل الطيب والطاهر غير عبد الله المذكور ولدا في بطن واحدة قبل
البعثة
أي وقيل اللذان ولدا في بطن واحدة قبل البعثة الطاهر والمطهر
وقيل ولد له أيضا قبل البعثة في بطن واحدة الطيب والمطيب وقيل ولده له قبل
البعثة عبد مناف مات هؤلاء
قبل البعثة وهم يرضعون أما عبد الله الذي ولد له بعد بعثته صلى
الله عليه وسلم فكان آخر الأولاد من خديجة رضي الله تعالى عنها
وبهذا يظهر التوقف في قول السهيلي رحمه الله كلهم ولدوا بعد النبوة وأجاب
بعضهم بأن المراد بعد ظهور دلائل النبوة
وفيه أن دلائل النبوة وجدت قبل تزوجه بخديجة رضي الله تعالى عنها
وعند موت عبد الله هذا قال العاص بن وائل والد عمرو بن العاصي وقيل أبو
لهب قد انقطع ولده أي لا ولد له ذكر لأن ما عدا ذكر عند العرب لا يذكر فهو
أبتر فأنزل الله تعالى { إن شانئك هو الأبتر }
أقول في مسلم عن انس
رضي الله تعالى عنه قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
إغفى إغفاءه ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله فقال أنزل
على آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم { إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك
وانحر إن شانئك هو الأبتر } ولا يخفى أن هذا يقتضي ان السورة المذكورة
مدنية ثم رأيت الإمام النووي رجح ذلك لما ذكر
وقد يقال يجوز ان يكون
{ إن شانئك هو الأبتر } نزل بمكة وما عداه نزل بالمدينة وقد يعبر عن معظم
السورة بالسورة ثم رأيته في الاتقان ذكر ان مما نزل دفعة واحدة سورا منها
الفاتحة والإخلاص والكوثر ثم رأيت الإمام الرافعي رحمه الله قال فهم
فاهمون من الحديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة وقالوا من الوحي ما كان
يأتيه في النوم لأن رؤيا الأنبياء وحي وهذا غير صحيح لكن الأشبه أن يقال
القرآن كله نزل يقظة وكان صلى الله عليه وسلم خطر له في النوم سورة كوثر
المنزل عليه في اليقظة أي قبل ذلك
وفيه أن قوله آنفا لا يناسبه قال
او يحمل الإغفاء على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي ثم رأيت
الجلال السيوطي في الإتقان نظر في جواب الرافعي الأول بما ذكرته واستحسن
الجواب الثاني
وفي المواهب ان العاصي بن وائل اجتمع هو ورسول الله
صلى الله عليه وسلم في باب من أبواب المسجد فتحدثا وصناديد قريش جلوس في
المسجد فلما دخل العاص المسجد قالوا له من ذا الذي كنت تتحدث معه قال ذاك
الأبتر يعني النبي صلى الله عليه
وسلم
وقد كان توفي أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله تعالى عنها أي
الذكور فرد الله سبحانه وتعالى عليه وتولى جوابه بقوله { إن شانئك هو
الأبتر } أي عدوك ومبغضك هو الذليل الحقير أي باغضك هو الأبتر أي المقطوع
عن كل خير أو المقطوع رحمه بينه وبين ولده لأن الإسلام حجزهم عنه فلا
توارث بينهم فلا يقال العاص وأبو لهب لها اولاد ذكور فالأول له عمرو وهشام
رضي الله تعالى عنهما والثاني له عتبة ومعتب رضي الله تعالى عنهما
قيل وكان بين كل ولدين لخديجة سنة وكانت رضي الله تعالى عنها تعق عن
الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة وكانت تسترضع لهم
وذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره في قوله تعالى { يهب لمن يشاء
إناثا } كلوط عليه الصلاة والسلام كان له إناث ولم يكن له ذكور { ويهب لمن
يشاء الذكور } كإبراهيم عليه الصلاة والسلام فإنه لم يكن له بنت { أو
يزوجهم ذكرانا وإناثا } كنبينا صلى الله عليه وسلم { ويجعل من يشاء عقيما
} كيحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام فإنهما لم يولد لهما ولد
أما
زينب رضي الله تعالى عنها فتزوجها ابن خالتها هالة بنت خويلد أخت خديجة
شقيقتها وهو العاصي بن الربيع كما تقدم وذكر بعضهم بدل هالة هند قال وهالة
صحابية وهند لا أعرف لها إسلاما ويحتمل أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبا
فهما واحدة
وفي سنة ثمان من الهجرة أي من ذي الحجة ولدت له صلى الله
عليه وسلم مارية القبطية رضي الله تعالى عنها وكان صلى الله عليه وسلم
معجبا بها لأنها كانت بيضاء جميلة ولده ابراهيم وعق عنه صلى الله عليه
وسلم بكبشين يوم سابعه وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر
بشعره فدفن في الارض أي وغارت نساؤه صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن من ذلك
ولا كعائشة رضي الله تعالى عنها حتى إنه صلى الله عليه وسلم قال لها انظري
إلى شبهه فقالت ما أرى شيئا فقال ألا تري إلى بياضه ولحمه وكانت قابلتها
سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وكانت قبل ذلك مولاة عمته صلى
الله عليه وسلم صفية رضي الله تعالى عنها وهبتها له صلى الله عليه وسلم
وسلمى زوجة أبي رافع رضي الله تعالى عنه مولى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وكان لعمه العباس
رضي الله تعالى
عنه قبل ذلك وهبه له صلى الله عليه وسلم واسمه ابراهيم وكن قبطيا وقيل غير
ذلك اعتقه صلى الله عليه وسلم لما أخبره بإسلام العباس وزوجه مولاته سلمى
المذكورة وقيل كان مولى لسعيد بن العاص فورثه بنوه وهم ثمانية فأعتقوه
كلهم إلى ولده خالد فإنه لم يعتق نصيبه منه فكلمه صلى الله عليه وسلم أن
يعتق نصيبه أو يبيعه أو يهبه منه فوهبه منه صلى الله عليه وسلم فأعتقه قيل
بعد ان سأله صلى الله عليه وسلم ابو رافع في ذل كوبقى عقبة من أشارف
المدينة
وكان ولده عبد الله كاتبا وخازنا لعلي كرم الله وجهه أيام
خلافته فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته أن مارية قد ولدت غلاما فجاء أبو
رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا
وروى أبو
رافع رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه
واغتسل عند كل واحدة منهن غسلان قال ابو رافع فقلت له يا رسول الله لو
جعلته غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب وسمي صلى الله عليه وسلم ابنه يومئذ
أي يوم ولادته وقيل سماه سابع ولادته ودفعه لأم بردة خولة بنت المنذر بن
زيد الأنصاري زوجة البراء بن أوس لترضعه وأعطاها قطعة نخل فكانت ترضع في
بني مازن وترجع به الى المدينة وكان صلى الله عليه وسلم ينطلق اليها فيدخل
البيت ويأخذه فيقبله ثم يرجع
ولما احتضر جاء صلى الله عليه وسلم
فوجده في حجر أمه فأخذه صلى الله عليه وسلم في حجره وقال يا إبراهيم إنا
لن نغني عنك شيئا ثم ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال إنا بك يا
ابراهيم لمحزونون تبكى العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ونهانا عن
الصياح أي وفي لفظ تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ولولا
أنه وعد صادق وموعود جامع فإن الآخر منا يتبع الأول وجدنا عليك يا ابراهيم
وجدا شديدا ما وجدناه أي وفي لفظ ولولا أنه أمر حق ووعد صدق وأنها سبيل
مأتية لحزنا عليك حزنا شديدا اشد من هذا وإنابك يا ابراهيم لمحزونون وفي
لفظ وإنا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون
وعن سيرين لما نزل بإبراهيم
الموت صرت كلما صحت أنا واختي نهانا صلى الله عليه وسلم عن الصياح أي ولما
بكى صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر رضي الله تعالى
عنهما
أنت أحق من علم الله حقه قال تدمع العين وقال له صلى الله عليه وسلم عبد
الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أو لم تكن نهيت عن البكاء قال لا ولكني
نهيت عن صوتين أحمقين وآخرين صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان
وصوت عند نغمة لهو وهذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم وذكر أنه لما مات كان
صلى الله عليه وسلم مستقبلا للجبل فقال يا جبل لو كان بك مثل ما بي لهدك
ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون وصرخ أسامة رضي الله تعالى عنه فنهاه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال له رأيتك تبكي فقال له صلى الله عليه وسلم
البكاء من الرحمة والصراخ من الشيطان
ولما مات ولد سليمان بن عبد
الملك التفت إلى ولي عهده عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وقال له
إني اجد في كبدي جمرة لا يطفئها إلا عبرة فقال له عمر رضي الله تعالى عنه
اذكر الله يا أمير المؤمنين وعليك بالصبر والتفت إلى وزيره رجاء فقال له
رجاء اقضها يا أمير المؤمنين فما بذلك من بأس فقد دمعت عينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم فأرسل سليمان عينيه فبكى حتى قضى أربا ثم
أقبل عليهما فقال لو لم أنزف هذه العبرة لانصدعت كبدي ثم لم يبك بعده
ولذلك قيل ** في إفاضة الكئيب لدمعته ** ما يذهب من لوعته ** ** وفي
إرساله لعبرته ** ما يعينه على سلوته **
ومات سنة عشر من الهجرة
واختلف في سنه فقيل سنة وعشرة اشهر وستة أيام وقيل ثمانية عشر شهرا مات
عند ظئره أم بردة وغسلته وحملته بين يديها على سرير
وفي رواية غسله الفضل بن العابس رضي الله تعالى عنهما ورسول الله صلى الله
عليه وسلم على سرير
وفي كلام ابن الأثير رحمه الله قيل إن الفضل بن العباس رضي الله تعالى
عنهما غسل ابراهيم ونزل في قبره هو واسامه بن زيد وجلس رسول الله صلى الله
عليه وسلم على شفير القبر قال الزبر ورش على قبره ماء وعلم على قبره
بعلامة وهو أول قبر رش عليه الماء وفيه أنه رش على قبر عثمان بن مظعون
بالماء وهو سابق على سيدنا إبراهيم كما تقدم وصلى عليه صلى الله عليه وسلم
وكبر أربعا أي وقيل لم يصل عليه أي لم يقع الصلاة
عليه من أحد وفي كلام النووي رحمه الله القول بالصلاة عليه وهو
قول جمهور العلماء وهو الصحيح
وما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها انه لم يصل عليه قال ابن عبد البر
رحمه الله إنه غلط فقد أجمع جماهير العلماء على الصلاة على الأطفال إذا
استهلوا عملا مستفيضا عن السلف والخلف
وقال الإمام احمد رحمه الله
في خبر عائشة رضي الله تعالى عنها إنه خبر منكر جدا أي وقد صح عنه صلى
الله عليه وسلم الطفل يصلى عليه وجاء صلوا على أطفالكم فإنه من أفراطكم
وقد جاء في المرفوع إذا استهل المولود صلى عليه وورث وورث وجاء أحق ما
صليتم على أطفالكم ومن المقرر أنه إذا تعارض الإثبات والنفي قدم الإثبات
على النفي
ولما كسفت الشمس في ذلك اليوم قال قائل كسفت لموت إبراهيم
فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم لا تكسف لموت أحد ولا لحياته وفي لفظ إن
الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده فلا ينكسفان لموت
أحد ولا لحياته الحديث وفدن بالبقيع وقال الحق بسلفنا الصالح عثمان بن
مظعون رضي الله عنه ولقنه صلى الله عليه وسلم قال إلامام السبكي وهو غريب
وقد احتج به بعض أئمتنا على استحباب تلقين الطفل
وفي التتمة للمتولي
من أئمتنا والأصل في التلقين ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن
إبراهيم قال قل الله ربي ورسول الله ابي والإسلام ديني فقيل له يا رسول
الله أنت تلقنه فمن يلقننا فأنزل الله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } أي وفي رواية أنه صلى الله
عليه وسلم لما دفن ولده ابراهيم وقف على قبره فقال يا بني إن القلب يحزن
والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب إنا لله وإنا اليه راجعون يا بني قل
الله ربي والإسلام ديني ورسول الله الله أبي فبكت الصحابة رضوان الله
عليهم ومنهم عمر رضي الله عنه بكى حتى ارتفع صوته فالتفت اليه النبي صلى
الله عليه وسلم فقال ما يبكيك يا عمر فقال يا رسول الله هذا ولدك وما بلغ
الحلم ولا جرى عليه القلم ويحتاج إلى تلقين مثلك يلقنه التوحيد مثل هذا
الوقت فما حال عمر وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم وليس له ملقن مثلك فبكى
النبي
صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه ونزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى
{ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }
يريد بذلك وقت الموت أي عند وجود الفتانين وعند السؤال في القبر فتلا
النبي صلى الله عليه وسلم الآية فطابت الأنفس وسكنت القلوب وشكروا لله
وفيه أن هذا يقتضى أنه صلى الله عليه وسلم لم يلقن أحدا قبل ولده ابراهيم
وهذا الحديث استند اليه من يقول بأن الاطفال يسألون في القبر فيسن تلقينهم
وذهب جمع إلى أنهم لا يسألون وأن السؤال خاص بالمكلف وبه أفتى الحافظ
ابن حجر رحمه الله فقال والذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون مكلفا ويوافقه
قول النووي رحمه الله في الروضة وشرح المهذب التلقين إنما هو في حق الميت
المكلف أما الصبي ونحوه فلا يلقن قال الزركشي وهو مبني على أن غير المكلف
لا يسأل في قبره
وذكر القرطبي رحمه الله ان الذي يقتضيه ظواهر الأخبار ان الأطفال يسألون
وأن العقل يكمل لهم
وذكر أن الاحاديث مصرحة بسؤال الكافر أي من هذه الأمة ويخالفه قولهم حكمة
السؤال تمييز المؤمن من المنافق الذي كان يظهر الإسلام في الدنيا وأما
الكافر الجاحد فلا يسأل قال الفاكهاني إن الملائكة لا يسألون
قال
بعضهم ووجهه ظاهر فإن الملائكة إنما يموتون عند النفخة الأولى أي فلم يبق
منهم من يقع منه السؤال وأما عذاب القبر فعام للمسلم والكافر والمنافق
فعلم الفرق بين فتنة القبر وعذابه وهو أن الفتنة تكون بامتحان الميت
بالسؤال وأما العذاب فعام يكون ناشئا عن عدم جواب السؤال ويكون من غير ذلك
وقد اختص نبينا صلى الله عليه وسلم بسؤال أمته عنه بخلاف بقية
الأبيناء عليهم الصلاة والسلام وما ذاك إلا أن الأنبياء قبل نبينا كان
الواحد منهم إذا أتى أمته وأبوا عليه اعتزلهم وعوجلوا بالعذاب وأما نبينا
صلى الله عليه وسلم فبعث رحمة بتأخير العذاب ولما أعطاه الله السيف دخل في
دينه قوم مخافة من السيف فقيض الله تعالى فتاني القبر ليستخرجا بالسؤال ما
كان في نفس الميت فيثبت الله المسلم ويزل المنافق
وفي بعض الآثار تكرر السؤال في المجلس الواحد ثلاث مرات وفي بعضها أن
المؤمن يسأل سبعة أيام المنافق أربعين يوما أي قد يقع ذلك
وفي بعض الآثار أن فتاني القبر اربعة منكر ونكير وناكور وسيدهم رومان وفي
بعضها ثلاثة أنكر ونكير ورومان وقيل أربعة منكر ونكير يكونان للمنافق
ومبشر وبشير للمؤمن
ونقل الحافظ السيوطي عن شيخه الجلال البلقيني
رحمهما الله أن السؤال يكون بالسريانية واستغربه وقا لم اره لغيره وفي
كلام الحافظ السيوطي لم يثبت في التقلين حديث صحيح ولا حسن بل حديثه ضعيف
باتفاق جمهور المحدثين ولهذا ذهب جمهور الأمة إلى أن التلقين بدعة وآخر من
أفتى بذلك العز بن عبد السلام وإنما استحسنه ابن الصلاح وتبعه النووي نظرا
إلى أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وحينئذ فقول الإمام السبكي
حديث تلقين النبي صلى الله عليه وسلم لابنه ليس له أصل أي صحيح او حسن
وقال صلى الله عليه وسلم في حق ابراهيم إن له ظئرا تتم رضاعه وفي رواية إن
له ضئرين يكملان رضاعه في الجنة وقال لو عاش لوضعت الجزية عن كل قبطي وفي
لفظ لأعتقت القبط وما استرق قبطي قط وفي لفظ مارق له خال
قال بعضهم
معناه لو عاش فرآه أخواله القبط لأسلموا فرحا به وتكرمة له فوضعت الجزية
عنهم لأنه لا توضع على مسلم ومعنى الثاني إذا اسلموا وهم أحرار لم يجر
عليهم الرق لأن الحر المسلم لا يجري عليه الرق
وذكر ان الحسن بن علي
رضي الله تعالى عنهما كلم معاوية في أن يضع الخراج عن أهل بلد مارية وهي
حفنة بالحاء المهملة واسكان الفاء وبالنون قرية من قرى الصعيد فعل معاوية
ذلك رعاية لحرمتهم
أي وقال النووي رحمه الله وأما ما روى عن بعض
المتقدمين لو عاش ابراهيم لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام في المغيبات
ومجازفة وهجوم على بعض الزلات قال الحافظ ابن حجر رحمه الله وهو عجيب مع
وروده عن ثلاثة من الصحابة وكأنه لم يظهرله وجه تأويله وهو أن القضية
الشرطية لا تستلزم الوقوع أي وكان اللائق به أن يكون نبيا وان لم يكن ذلك
ثم رأيت الجلال السيوطي رحمه الله نقل عن الاستاذ ابي بكر بن فورك وأقره
أنه صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده ابراهيم وقف على قبره وقال يا بني إن
القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب إنا لله وإنا إليه راجعون
وكنى به صلى الله
عليه وسلم فقد جاء ان
جبريل عليه السلام قال له السلام عليك يا ابا ابراهيم إن الله قد وهب لك
غلاما من أم ولدك مارية وامرك ان تسميه ابراهيم فبارك الله لك فيه وجعله
قرة عين لك في الدنيا والآخرة زاد الحافظ الدمياطي رحمه الله فاطمأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك
اقول وسبب اطمئنانه صلى الله عليه
وسلم بذلك أن مابورا كان يأوى اليها ويأتي اليها بالماء والحطب فاتهمت به
وقال المنافقون علج يدخل على علجة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث
عليا كرم الله وجهه ليقتله فقال له علي كرم الله وجهه يا رسول الله أقتله
أو أرى فيه رأي فقال بل ترى رأيك فيه فلما رأى السيف بيد علي كرم الله
وجهه تكشف وفي لفظ فإذا هو في ركى يتبرد فقال علي كرم الله وجهه اخرج
فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب أي ممسوح فكف عنه علي كرم الله وجهه ورجع
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال أصبت إن الشاهد يرى مالا يرى
الغائب أي وتكون هذه القضية متقدمة على قول جبريل عليه الصلاة والسلام
المذكور فالمراد مزيد الاطمئنان
وفي كلام بعضهم أن النبي صلى الله
عليه وسلم دخل على مارية رضي الله تعالى عنها وهي حامل بولده ابراهيم فوجد
عندها من ذكر فوقع في نفسه شيء فخرج صلى الله عليه وسلم وهو متغير اللون
فلقيه عمر رضي الله تعالى عنه فعرف الغيظ في وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فسأله فأخبره فأخذ عمر السيف ثم دخل على مارية رضي الله عنها وهو
عندها فأهوى إليه السيف فلما رأى ذلك كشف عن نفسه فإذا هو مجبوب فلما رآه
عمر رضي الله عنه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ألا
أخبرك يا عمر إن جبريل عليه الصلاة والسلام أتاني فأخبرني أن الله برأها
ونزهها مما وقع في نفسي وبشرني أن في بطنها غلاما مني وأنه اشبه الخلق بي
وأمرني أن اسميه ابراهيم وكناني بأبي ابراهيم ولولا أني أكره أن احول
كنيتي التي تكنيت بها لتكنيت بأبي ابراهيم والله اعلم
أي وفي النور
إني لا أعرف في الصحابة خصيا إلا هذا وشخص آخر يقال له سفد رآه مولاه يقبل
جارية له فخصاه وجدعه وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه سيده
وفي
كلام بعضم عد ابن منده وأبو نعيم مابورا في الصحابة وقد غلطا في ذلك فإنه
لم يسلم وما زال نصرانيا ومنه أي بسببه فتح المسلمون مصر في خلافة عمر رضي
الله عنه & باب ذكر أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم
أعمامه
صلى الله عليه وسلم اثنا عشر وهم الحارث وهو أكبر أولاده جده عبد المطلب
وبه كان يكنى وشقيقه قثم وقد هلك صغيرا وابو طالب والزبير وعبد الكعبة
وهؤلاء الثلاثة أشقاء لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم وقيل
الحارث لا شقيق له وحمزة وشقيقاه المقوم بفتح الواو وكسرها مشددة وجحل
بتقديم الجيم على الحاء واسمه المغيرة والجحل السقاء الضخم أي وقيل بتقديم
الحاء مفتوحة على الجيم وهو في الأصل الخلخال والعباس وشقيقه ضرار وقد
تقدم أن ام العباس رضي الله عنه أول من كست الكعبة الحرير وأبو لهب واسمه
عبد العزى والغيداق واسمه مصعب قيل نوفل ولقب بالغيداق لكثرة جوده أي لأنه
كان أجود قريش وأكثرها طعاما ومالا وذكر بعضهم في أعمامه العوام
وعماته صلى الله عليه وسلم ست وهن أم حكيم وعاتكة وبرة وأروى وأميمة
وهؤلاء الخمسة أشقاء لعبد الله والده صلى الله عليه وسلم وصفية أي وهي
شقيقة حمزة ولم يسلم من أعمامه صلى الله عليه وسلم الذين ادركوا البعثة
إلا حمزة والعباس وحكى إسلام ابي طالب وقد تقدما ما فيه ولم يسلم من عماته
اللاتي ادركن البعثة من غير خلاف الا صفية أي وهي ام الزبير بن العوام
أسلمت وهاجرت أي وماتت في خلافة عمر رضي الله عنه
قيل وأسلمت عاتكة
التي هي صاحبة الرؤيا يوم بدر وقيل وأروى قال بعضهم والمشهور أن عاتكة لم
تسلم & باب ذكر ازواجه وسراريه صلى الله عليه وسلم
لا يخفى ان
ازواجه صلى الله عليه وسلم المدخول بهن اثنا عشرة امرأة خديجة رضي الله
تعالى عنها وهي أول نسائه صلى الله عليه وسلم وكانت قبله تحت أبي هالة بن
زرارة التيمي وقيل كانت تحت عتيق بن عائد المخزومي أولا ثم تحت ابي هالة
كما تقدم وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرأن يبشرها في الجنة من
قصب لا صخب
فيه ولا نصب أي ليس فيه رفع
صوت ولا تعب أي من دره مجوفة فقد جاء أنها قالت له يا رسول الله هل في
الجنة قصب فقال إن من لؤلؤ مجبي بالجيم وبالموحدة مشددة أي مجوف وجوزيت
رضي الله تعالى عنها بهذا البيت لأنها أول من بنى بيتا في الإسلام بتزوجها
برسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء من كسا مسلما على عري كساه الله من
حلل الجنة ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحقي جزاء وفاقا
وعن عائشة رضي الله عنها ما غرت على أحد ما غرت على خديجة رضي الله عنها
ولقد هلكت قبل أن يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له صلى الله
عليه وسلم وقد مدح خديجة رضي الله عنها ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد
بدلك الله خيرا منها فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله ما
أبدلني الله خيرا منها آمنت بن حين كذبني الناس وواستني بمالها حين حرمني
الناس ورزقت منها الولد وحرمته من غيرها واتفق له صلى الله عليه وسلم أنه
أرسل لحما لامرأة تناوله صلى الله عليه وسلم ودفعه لآخر يدفعه لها فقالت
له عائشة رضي الله عنها لم تحرز يدك فقال إن خديجة أوصتني بها فقالت عائشة
لكأنما ليس في الأرض امرأة إلا خديجة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
مغضبا فلبث ما شاء الله ثم رجع فإذا أم رومان أم عائشة رضي الله عنهما
فقالت يا رسول الله مالك ولعائشة إنها حديثة السن وأنت أحق من يتجاوز عنها
فأخذ بشدق عائشة رضي الله عنها وقال أليست القائلة كأنما ليس على وجه
الأرض امرأة إلا خديجة والله لقد آمنت بي إذ كفر بي قومك ورزقت منها الولد
وحرمتموه
ثم سودة بنت زمعة وأمها من بني النجار لأنها بنت أخي سلمى بن عبد المطلب
كما تقدم
ثم أم عبد الله عائشة رضي الله عنها بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنهما
اكتنت بابن اختها اسماء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم بإذن من رسول
الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فصار يقال لها ام عبد الله كما تقدم
وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة هو عبد الله وأنت أم عبدالله قالت فما زلت
أكتنى به أي وكان يدعوها أما لأنه رضي الله عنه تربى في حجرها
ويقال
إنها أتت منه صلى الله عليه وسلم بسقط أي وسمى عبد الله قال الحافظ
الدمياطي ولم يثبت كما تقدم وتزوجها صلى الله عليه وسلم بمكة في شوال وهي
بنت سبع سنين وبنى صلى الله عليه وسلم بها وهي بنت تسع سنين أي في شوال
على رأس ثمانية أشهر من الهجرة على الصحيح كما تقدم وروى البخاري عن عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها أريتك في النوم
مرتين أرى ملكا يحملك في سرقة أي شقة حرير فيقول هذه امرأتك فأكشف فأراك
فأقول إن كان من عندالله يمضه وقبض صلى الله عليه وسلم عنها وهي بنت ثمان
عشرة ولم يتزوج بكرا غيرها وقبض صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجرها ودفن
في بيتها كما سيأتي وماتت وقد قاربت سبعا وستين سنة في شهر رمضان سنة ثمان
وخمسين وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه بالبقيع وقيل سعيد بن زيد ودفنت
به ليلا وذلك في زمن ولاية مروان بن الحكم على المدينة في خلافة معاوية
وكان مروان استخلف أبا هريرة رضي الله عنه لما ذهب إلى العمرة في تلك
السنة
ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهي شقيقة عبد الله
بن عمر وأسن منه وأمها زينب اخت عثمان بن مظعون وكانت قبله صلى الله عليه
وسلم تحت خنيس ابن حذافة رضي الله عنه فتوفى عنها بجراح اصابته ببدر وقيل
بأحد وهو خطأ لما سيأتي نم أن تزوجه صلى الله عليه وسلم لها في شعبان على
رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل أحد بشهرين
أقول وكانت ولادتها قبل
النبوة بخمس سنين وقريش تبني البيت وماتت بالمدينة في شعبان سنة خمس
واربعين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذ وحمل سريرها
وحمله أيضا أبو هريرة رضي الله عنه وقد بلغت ثلاثا وستين سنة وقيل ماتت
لما بويع معاوية سنة إحدى وأربعين والله اعلم وطلقها صلى الله عليه وسلم
وقيل في سبب طلاقها أنه صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فاستأذنت في
زيارة ابيها أي وقيل في زيارة عائشة لأنهما كانتا متصادقتين أي بينهما
المصافاة فأذن لها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مارية وأدخلها
بيت حفصة وواقعها فرجعت حفصة
فأبصرت
مارية مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم
دخلت وقالت له إني رأيت من كان معك في البيت وغضبت وبكت أي وقالت يا رسول
الله لقد جئت إلي بشيء ما جئت به إلى أحد من نسائك في يومي وفي بيتي وعلى
فراشي فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهها الغيرة قال لها
اسكتي فهي حرام علي ابتغي بذلك رضاك
وفي رواية أما ترضين أن احرمها على نفسي ولا أقربها أبدا قالت بلى وحلف أن
لا يقربها أي قال إنها حرام
وفي رواية قد حرمتها علي ومع ذلك أخبرك أن أباك الخليفة من بعد ابي بكر
فاكتمي علي
وفي رواية قال لها لا تخبري بما أسررت إليك فأخبرت بذلك عائشة رضي الله
عنها فقالت قد أراحنا الله من مارية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
حرمها على نفسه وقصت عليها القصة وقيل خلا صلى الله عليه وسلم بمارية في
يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها اكتمي علي قد حرمت مارية على نفسي
فأخبرت بذلك عائشة وكانتا متصادقتين بينهما المصافاة كما تقدم فطلقها
وأنزل الله تعالى عند تحريم مارية قوله { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل
الله لك تبتغي مرضات أزواجك } إلى قوله { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم }
أي أوجب عليك كفارة ككفارة أيمانكم لأن الكفارة تحل ما عقدته اليمين لأنه
هذا ليس من الأيمان أي وأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على أن حفصة
قد نبأت عائشة بما اسره اليها من أمر مارية وأمر الخلافة فلما أخبر صلى
الله عليه وسلم عائشة ببعض ما أسرته لها وهو أمر مارية وأعرض عما أسره
إليها من أمر الخلافة خوفا أن ينتشر ذلك من الناس قالت عائشة من أنبأك هذا
قال نبأني العليم الخبير ومن ثم كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول والله
إن خلافة ابي بكر وعمر لفي كتبا الله ثم يقرا هذه الآية
ولما أفشت
حفصة رضي الله عنها سره صلى الله عليه وسلم طلقها كما تقدم فجاءه جبريل
عليه السلام يأمره بمراجعتها لانها صوامة قوامة وإنها احدى زوجاته صلى
الله عليه وسلم في الجنة
وفي رواتية تأتي راجعها رحمة لعمر وقيل هم صلى الله عليه وسلم بتطليقها ولم
يفعل
فقد جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن
يطلقها فقال له جبريل عليه السلام انها صوامة قوامة وانها زوجتك في الجنة
وعليه فيراد بالمراجعة المصالحة والرضا عنها كما سيأتي قال في الينبوع
وهذا هو المشهور فسيأتي ما يدل على صحته أي والذي سياتي قول عمر رضي الله
عنه للنبي صلى الله عليه وسلم لما اعتزل نساءه يا رسول الله أطلقتهن قال
لا
وفيه أن هذا كان عند طلبهن منه صلى الله عليه وسلم والنفقة وهذا الواقعة
غير تلك وقيل في سبب نزول الآية غير ذلك
وفي البخاري في سبب نزول الآية عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها فتواطأت أنا
وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له صلى الله عليه وسلم أكلت مغافير أي
أجد منك ريح مغافير فدخل على حفصة رضي الله عنها فقالت له ذلك فقال لها لا
ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش فلن اعود له وقد حلفت لا تخبري
بذلك أحدا أي لانه صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يظهر منه ريح كريهة لأن
المغافير صمغ العوسج من شجر الثمام كريه الريح
وعن عمر رضي الله عنه
أن امرأته راجعته في شيء فأنكر عليها مراجعتها فقالت له عجبا لك يا ابن
الخطاب ما تريد أن تراجع وان ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى يظل يومه غضبان فقام عمر رضي الله عنه فدخل على حفصة رضي الله عنها
فقال لها يا بنية إنك لتراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه
غضبان فقالت له حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أني احذرك عقوبة الله
وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم يا بنية لا تغررك هذه التي أعجبها حسنا وحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها يريد عائشة قال ثم دخلت على أم سلمة
لقرابتي منه فكلمتها فقال يا ابن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي ان تدخل
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه فأخذتني والله أخذا كسرتني عن
بعض ما كنت أحد فخرجت من عندها فأنا في منزلي فجاءني صاحب لي من الأنصار
واخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه فقلت رغم أنف حفصة
وعائشة فأخذت ثوبي وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو في
مشربة له يرقى إليها بعجلة وهو
جذع
يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشربة وينحدر منها عليه
وغلام له أسود يقال له رباح على راس العجلة فقلت له قل له هذا عمر بن
الخطاب فأذن لي أي بعد أن قال له يا رباح استأذن لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثلاث مرات وفي كل مرة ينظر رباح إلى المشربة ولا يرد له جوابا
وفي الثالثة رفع له عمر رضي الله عنه صوته فأومأ اليه أن ارق قال فدخلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه القصة فلما بلغت حديث ام
سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم ويأتى أن هذا كان عند
اجتماعهن عليه في النفقة لا لأجل معاتبة الله إياه بسبب الحديث الذي أفشته
حفصة ويحتمل أنه لاجتماع الأمرين
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال لم أزل حريصا على أن اسأل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عن
المرأتين من أزاج رسول الله صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى
فيهما { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } فقال اعجبا لك يا ابن عباس
هما عائشة وحفصة أي فإن الله خاطبهما بقوله { إن تتوبا إلى الله } أي فهو
خير لكما { فقد صغت قلوبكما } أي مالتا عما يجب عليكما من طاعة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وابتغاء مرضاته ثم استقبل الحديث قال كنا معشر قريش
نغلب النساء فلما قدمنا المدينة على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق
نساؤنا يأخذن من أدب نسائهم فصخبت علي امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني
فقالت ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
ليراجعنه فقالت وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني ذلك منهن فدخلت
على حفصة فقلت لها أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى
الليل قالت نعم فقلت قد خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله بغضب رسوله صلى
الله عليه وسلم فتهلكي لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه
في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك
وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة فاخبرت ان النبي صلى الله
عليه وسلم طلق نساءه فقلت قد خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا فدخلت على
حفصة فإذا هي تبكي فقلت ما يبكيك ألم أكن حذرتك هذا أطلقكن النبي صلى الله
عليه وسلم قالت لا أدري ها هو معتزل في المشربة أي الغرفة فانه صلى الله
عليه وسلم لما عاتبه سبحانه بسبب الحديث الذي أفشته حفصة على عائشة حلف
لا
يدخل على نسائه شهرا فصار صلى الله عليه وسلم يتغدى ويتعشى وحده في تلك
المشربة فجئت المشربة فقلت لغلام أسود استأذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي
صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال كلمته وذكرتك له فصمت فانصرفت ثم غلبني ما
أجد فجئت فقلت للغلام استأذن لعمر فدخل ثم رجع إلي فقال ذكرتك له فصمت
فرجعت ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام ثم قلت استأذن لعمر فدخل ثم رجع إلي
فقال ذكرتك له فصمت فلما وليت منصرفا إذا الغلام يدعوني فقال قد أذن لك
النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو
مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على
وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت له وأنا قائم يا رسول الله
أطلقت نساءك فرفع بصره إلي فقال لا فقلت الله اكبر كنا معاشر قريش نغلب
النساء فلما قدمنا المدينة فإذا قوم تلغبهم نساؤهم فتبسم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها لا
يغرنك ان كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى فجلست حين رأته صلى الله عليه
وسلم تبسم
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه لما بلغه ان النبي صلى
الله عليه وسلم طلق حفصة حثا على رأسه التراب وقال ما يعبأ الله بعمر
وابنته بعدها فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم من الغد وقال إن
الله يأمرك أن تراجع حفضة رحمة لعمر
وقد يراد بالمراجعة المصالحة
والرضا فلا ينافي ما تقدم أنه لم يطلقها وإنما أرادذلك ويدل له ما جاء عن
عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم اراد أن يطلقها فقال
له جبريل عليه السلام إنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة ومن هذا وما
يأتي يعلم بانه صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه وأما الظهار فلم يظاهر
ابدا خلافا لم زعمه
أي وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب
اعتزاله صلى الله عليه وسلم لنسائه في المشربة أنه شجر بين النبي صلى الله
عليه وسلم وبين حفصة أمر فقال لها اجعلي بني وبينك رجلا قالت نعم قال
فأبوك إذن فأرسلت إلى عمر فجاء فلما دخل عليها قال لها النبي صلى الله
عليه وسلم تكلمي فقالت بل أنت يا رسول الله تكلم
ولا
تقل إلا حقا فرفع عمر رضي الله عنه يده فوجأها في وجهها فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم كف يا عمر فقال عمر يا عدوة الله النبي صلى الله عليه وسلم
لا يقول إلا الحق والذي بعثه بالحق لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي فقام
النبي صلى الله عليه وسلم فصعد إلى الغرفة فمكث فيه شهرا لا يعرف شيئا من
نسائه ونزلت آية التخيير ويقال لا مانع من اجتماع هذا السبب مع ما تقدم
ويروى أن سبب نزول الآية التخيير أن نساءه صلى الله عليه وسلم اجتمعن عليه
فسألنه النفقة ولم يكن عنده شيء فآلى أن لا يجتمع بهن شهرا وصعد المشربة
الحديث
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال جاء ابو بكر
يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه ليؤذن لهم
قال فأذن لأبي بكر رضي الله عنه فدخل ثم أقبل عمر ماشيا فأذن له فدخل فوجد
النبي صلى الله عليه وسلم حوله نساؤه أي قد سأله النفقة وهو واجم ساكت لا
يتكلم فقال عمر رضي الله عنه لأقولن شيئا أضحك به النبي صلى الله عليه
وسلم فقال يا رسول الله لو رأيت فلانة يعني زوجته سألتني النفقة فقمت
إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال هن حولي كما ترى
يسألنني النفقة فقام ابو بكر رضي الله عنه إلى عائشة فوجأ عنهقا وقام عمر
رضي الله عنه إلى حفصة فوجأ عنقها كل يقول تسألن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما ليس عنده ثم أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجمع بهن
شهرا
وفي رواية أخرى عن عمر رضي الله عنه أنه كر أن بعض اصدقائه من
الأنصار جاء اليه ليلا فدق عليه بابه وناداه قال عمر فخرجت إليه فقال حدث
أمر عظيم فقلت ماذا اجاءت غسان لأنا كنا حدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا
فقال لا بل أمر أعظم من ذلك وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه
فقلت خابت حفصة وخسرت كنت أظن هذا كائنا حتى إذا صليت الصبح شددت علي
ثيابي ودخلت على حفصة وهي تبكي فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت لا أدري هو هذا معتزلا في هذه المشربة أي لأن نساءه صلى الله عليه
وسلم لما اجتمعن عليه صلى الله عليه وسلم في طلب النفقة أقسم أن لا يدخل
عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن قال عمر رضي الله عنه لأقولن من الكلام
شيئا اضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت غلاما له صلى الله عليه وسلم
أسود فقلت له استأذن لعمر فدخل الغلام ثم
خرج وقال قد ذكرتك له فصمت فانطلقت حتى أتيت المسجد فجلست قليلا ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي فقال قد ذكرتك له فصمت فلما كان في المرة الرابعة وقال لي مثل ذلك وليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني فقال ادخل قد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على رمل حصير قد أثر في جنبه فقلت أطلقت يا رسول الله نساءك قال فرفع رأسه إلي وقال لا فقلت الله اكبر ثم قلت كنا معاشر قريش بمكة نغلب على النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن منهن فكلمت فلانة يعني زوجته فراجعتني فأنكرت عليها فقالت تنكر أن راجعتك فوالله لقد رأيت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك وخسر أتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى حفصة فقلت أتراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت نعم وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر أتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسألينه شيئا وسليني ما بدا لك ولا يغرنك ان كانت جارتك احب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يعني عائشة رضي الله تعالى عنها فتبسم أخرى فقلت أستأنس يا رسول الله قال نعم فجلست وقلت يا رسول الله قد اثر في جنبك رمل هذا الحصير وفارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله فاستوى صلى الله عليه وسلم جالسا وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر الله يا رسول الله فلما مضى تسع وعشرون يوما انزل الله تعالى عليه ان يخبرنساءه في قوله تعالى { يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية فنزل ودخل على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت له يا رسول الله أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وقد دخلت وقد مضى تسع وعشرون يوما اعددهن فقال صلى الله عليه وسلم إن الشهر تسع وعشرون وفي رواية يكون هكذا وهكذا وهكذا يشير بأصابع يديه وفي الثالثة حبس إبهامه ثم قال صلى الله عليه وسلم يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي وفي رواية إني أعرض عليك أمرا وأحب أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت وما هو يا رسول الله
فقرأ علي {
يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية قلت أفي هذا استأمر أبوي فإني اريد الله
ورسوله والدار الآخرة وفي رواية أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل اريد
الله ورسوله والدار الآخرة قالت رضي الله تعالى عنها ثم قلت له لا تخبر
امرأة من نسائك بالذي قلت لك فقال صلى الله عليه وسلم لا تسألني امرأة
منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا ثم فعل
بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت عائشة رضي الله تعالى عنهن
ثم زينب بنت خزيمة رضي الله تعالى عنها وهي اخت ميمونة لأمها كانت تدعى أي
في الجاهلية أم المساكين لرأفتها واحسانها اليهم أي كما سمي صلى الله عليه
وسلم جعفر ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بأبي المساكين لحبه لهم وجلوسه
عندهم وتحدثه معهم واحسانه اليهم رضي الله تعالى عنه كانت قبله تحت الطفيل
بن الحارث فطلقها فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث فقتل يوم بدر شهيدا فخطبها
صلى الله عليه وسلم فجعلت أمرها إليه فتزوجها صلى الله عليه وسلم وأصدقها
اثنتي عشرة أوقية ونشا أي وذلك على رأس احد وثلاثين شهرا من الهجرة قبل
أحد بشهر وفي لفظ أن عبيدة بن الحارث قتل عنها يوم احد فخلف عليها رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ أنها كانت تحت عبد الله بن جحش قتل عنها
يوم احد فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المواهب وهو أصح
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال كان رسول اله صلى الله عليه وسلم عروسا
بزينب فعمدت أم سليم إلى تمر وسمن وأقط فصنعت حيسا فجعلته في تور فقالت يا
أنس إذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل بعثت بهذا إليك أمي
وهي تقرئك السلام فقال صلى الله عليه وسلم ادع لي فلانا وفلانا رجالا
سماهم وادع لي من لقيت فدعوت من سمي ومن لقيت فرجعت فإذا البيت غاص بأهله
قيل لأنس ما عددهم قال كانوا ثلثمائة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع
يده الشريفة على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله ثم جعل يدعو عنده عشرة
يأكلون منه ويقول لهم اذكروا الله وليأكل كل رجل مما يليه فأكلوا حتى
شبعوا كلهم ثم قال صلى الله عليه وسلم لي يا أنس ارفع فرفعت فما أدري حين
وضعت كانت أكثر أو حين رفعت فمكثت عنده صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر
وقيل شهران أو ثلاثة ثم توفيت وصلى عليها رسول الله
صلى
الله عليه وسلم ودفنت بالبقيع وقد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها ولم يمت من
أزواجه صلى الله عليه وسلم في حياته إلا هي وخديجة رضي الله تعالى عنهما
ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعد زينب هذه أم سلمة واسمها هند وكانت قبله
صلى الله عليه وسلم عند ابي سلمة رضي الله تعالى عنه عبد الله بن عبد
الأسد ابن عمته صلى الله عليه وسلم برة بنت عبد المطلب وأخوه صلى الله
عليه وسلم من الرضاعة وكانت هي وهو أول من هاجر إلى الحبشة على ما تقدم
فلما مات أبو سلمة رضي الله تعالى عنه قال لها رسول الله صلى الله عليه
وسلم سلي الله ان يؤجرك في مصيبتك ويخلفك خيرا فقالت ومن يكن خيرا من أبي
سلمة ولما اعتدت أم سلمة رضي الله تعالى عنها ارسل صلى الله عليه وسلم
يخطبها مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه أي وكان خطبها أبو بكر
رضي الله تعالى عنه فأبت وخطبها عمر فأبت فلما جاءها حاطب قالت مرحبا
برسول الله صلى الله عليه وسلم تقول له إني امرأة مسنة وإني ام أيتام أي
لانها رضي الله تعالى عنها كان معها أربع بنات برة وسلمة وعمرة ودرة وإني
شديدة الغيرة فأرسل صلى الله عليه وسلم يقول لها أما قولك إني امرأة مسنة
فأنا أسن منك ولا يعاب على المرأة أن تتزوج أسن منها وأما قولك إني أم
أيتام فإن كلهم على الله وعلى رسوله وأما قولك إني شديدة الغيرة فإني ادعو
الله أن يذهب ذلك عنك أي وفيه أنهم قالوا يا رسول الله ألا تتزوج من نساء
الانصار قال إن فيهن غيرة شديدة وفي لفظ أنها قالت زيادة على ماتقدم ليس
لي ههنا أحد من اوليائي فيزوجني فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
لها أما ذكرت من غيرتك فإني أدعو الله أن يذهبها عنك وأما ما ذكرت من
صبيتك فإن الله سيكفيهم وأما ما ذكرت من أوليائك فليس أحد من أوليائك
يكرهني فقالت لابنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه أي على متاع
منه رحى وجفنة وفراش حشوه ليف وقيمة ذلك المتاع عشرة دراهم وقيل أربعون
درهما قالت فتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلني بيت زينب أم
المساكين رضي الله تعالى عنها بعد أن ماتت فإذا جرة فيها شيء من شعير وإذا
رحى وبرمة وقدر وكعب أي ظرف الأدم فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته في
البرمة وأخذت الكعب فأدمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم
وطعام أهله ليلة عرسه
وماتت أم
سلمة رضي الله تعالى عنها في ولاية يزيد بن معاوية وكان عمرها أربعا
وثمانين سنة ودفنت بالبقيع وصلى عليها ابو هريرة رضي الله تعالى عنه وقيل
سعيد بن زيد وغلط قائله
وذكر بعضهم أن تزويج ولدها لها رضي الله تعالى عنهما إنما كان بالعصوبة
لان كان ابن ابن عمها
ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعد أم سلمة رضي الله تعالى عنها زينب بنت جحش
رضي الله تعالى عنها وكان اسمها برة فسماها صلى الله عليه وسلم زينب أي
خشي أن يقال خرج من عند برة وهي بنت عمته صلى الله عليه وسلم أميمة بنت
عبد المطلب وكانت قبله صلى الله عليه وسلم عند مولاه زيد بن حارثة رضي
الله تعالى عنهما ثم طلقها فلما انقضت عدتها زوجه الله إياها أي لأنه صلى
الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة يخطبها له صلى الله عليه وسلم قال زيد
فذهبت اليها فجعلت ظهري إلى الباب فقلت يا زينب بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم يذكرك فقالت ما كنت لأحدث شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل فأنزل الله
تعالى { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } فدخل عليها رسول الله صلى الله
عليه وسلم بغير إذن فكانت رضي الله تعالى عنها تفتخر بذلك على نسائه صلى
الله عليه وسلم وتقول إن الله أنكحني إياه من فوق سبع سموات وهذا يرد ما
قيل إن أخاها أبا أحمد بن جحش زوجها منه صلى الله عليه وسلم
قال في النور ويمكن تأويل تزويج أخيها إياها
أي وقد ذكر مقاتل رحمه الله أن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما لما
اراد أن يتزوج زينب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله
اخطب على قال له من قال زينب بنت جحش قال لا أراها تفعل إنها أكرم من ذلك
نفسا فقال يا رسول إذا كلمتها أنت وقلت زيد أكرم الناس علي فعلت فقال صلى
الله عليه وسلم إنها امرأة لسناء فذهب زيد رضي الله تعالى عنه إلى علي كرم
الله وجهه فحمله على أن يكلم له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق معه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال يكلم له النبي صلى الله عليه وسلم
فانطلق معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال إني فاعل ذلك ومرسلك
يا علي إلى أهلها فتكلمهم ففعل ثم عاد يخبره بكراهتها وكراهة أخيها لذلك
فأرسل اليهم النبي صلى الله عليه وسلم يقول قد رضيته لكم وأقضى ان تنكحوه
فأنكحوه وساق لهم عشرة دنانير وستين درهما ودرعا وخمارا وملحفة وإزارا
وخمسين
مدا من الطعام وعشرة أمداد من التمر أعطاه ذلك كله رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأولم عليها وأطعم المساكين خبزا ولحما أي وتزوجها صلى الله
عليه وسلم هلال ذي القعدة سنة اربع من الهجرة على الصحيح وهي بنت خمس
وثلاثين سنة وقيل نزلت في ذلك اليوم آية الحجاب فإنه صلى الله عليه وسلم
لما دعا القوم وطعموا تهيأ صلى الله عليه وسلم للقيام فلم يقوموا فلما رأى
ذلك قام وقام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل
فإذا القوم جلوس فلم يدخل فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا
تدخلوا بيوت النبي } الآية وتكلم في ذلك المنافقون وقالوا محمد حرم نساء
الأولاد وقد تزوج امرأة ابنه أي لأن زيد بن حارثة كان يقال له زيد بن محمد
أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان تبناه كما تقدم فأنزل الله تعالى { ما كان
محمد أبا أحد من رجالكم } وأنزل { ادعوهم لآبائهم } فيمن حينئذك كان يقال
له رضي الله تعالى عنه زيد بن حارثة كما تقدم
وهي أول نسائه صلى
الله عليه وسلم لحوقا به ماتت رضي الله تعالى عنها بالمدينة سنة عشرين
ودفنت بالبقيع ولها من العمر ثلاثة وخمسون سنة وصلى عليها عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه أي فإن عمر رضي الله تعالى عنه أرسل إلي زينب رضي الله
تعالى عنه بالذي لها من العطاء فسترته بثوب وأمرت بتفرقته فكان خمسة
وثمانين درهما ثم قالت اللهم لا تدركني عاما لعمر بعد عامي هذا فماتت
وهي أول من جعل على نعشها قبلة أي بعد فاطمة رضي الله تعالى عنها فلا
يخالف ما سبق مما ظاهره أنه فعل لها ذلك
وفي كلام بعضهم أن زينب هذه أول من حمل على نعش وقيل أول من حمل على نعش
فاطمة رضي الله تعالى عنها وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول في حقها
هي التي كانت تساويني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وما
رأيت امرأة قط خيرا في الدين وأتقى لله واصدق في حديث وأوصل للرحم واعظم
صدقة من زينب رضي الله تعالى عنها
وقال صلى الله عليه وسلم في حقها
إنها لأواهة فقال رجل يا رسول الله ما الأواه قال الخاشع المتضرع وهي أول
نسائه صلى الله عليه وسلم لحوقا به كما تقدم وقال له صلى الله عليه وسلم
بعض نسائه أينا أسرع بك لحوقا قال اطولكن يدا فاخذن
قصبة
يذرعنها وفي لفظ عن عائشة رضي الله تعالى عنها فكنا اذا اجتمعنا في بيت
إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد ايدينا في الجدار
نتطاول فكانت سودة رضي الله تعالى عنه اطولهن فلما ماتت زينب رضي الله
تعالى عنها أي وكانت سودة رضي الله تعالى عنه أطولهن فلما ماتت زينب رضي
الله تعالى عنها أي وكانت امرأة قصيرة علموا أن المراد بطول اليد الصدقة
لأنها كانت تعمل وتتصدق لا الجارحة وما في البخاري من أنها سودة قال ابن
الجوزي غلط من بعض الرواة
والعجب من البخاري رحمه الله كيف لم ينبه
عليه ولا علم بفساد ذلك الخطأ فإنه قال لحوق سودة به صلى الله عليه وسلم
من أعلام النبوة وكل ذلك وهم وانما هي زينب فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء
وجمع الطيبي رحمه الله بأنه يمكن أن يقال إن سودة رضي الله تعالى عنها أول
نسائه صلى الله عليه وسلم موتا التي اجتمعن عند موته وكانت زينب رضي الله
تعالى عنها غائبة
وفيه أن في رواية أن نساء النبي صلى الله عليه
وسلم اجتمعن عنده لم يغادر منهن واحدة أي فقد قال له بعضهن وفي لفظ قلن له
اينا أسرع لحوقا بك يا رسول الله وقد قال الإمام النووي أجمع اهل السير
على أن زينب رضي الله تعالى عنها أول من مات من أزواجه صلى الله عليه وسلم
بعده
ثم جويرية رضي الله تعالى عنها بنت الحارث من بني المصطلق سبيت
في غزوة بني المصطلق ووقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها على تسع أواق فأدى
عليه الصلاة والسلام عنها ذلك وتزوجها
وقيل جاء أبوها فافتداها ثم
نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم وقيل إنها كانت بملك اليمين
فاعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوجها وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى
الله عليه وسلم جويرية أي لما تقدم وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عند مسافع بن صفوان وتقدم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت
كانت جويرية عليها ملاحة وحلاوة لا يكاد يراها أحد الا وقعت بنفسه وكانت
بنت عشرين سنة أي وتوفيت في المدينة سنة ست وخمسين وصلى عليها مروان بن
الحكم وهو والي المدينة يومئذ وقد بلغت سبعين سنة وقيل خمسا وستين سنة
ثم ريحانة بنت يزيد من بني النضير وقيل من بني قريظة وكانت قبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عند رجل من بني قريظة يقال له الحكم قال الحافظ
الدمياطي
رحمه الله ولذلك ينسبها بعض
الرواة إلى بني قريظة وكانت جميلة وسيمة وقعت في سبي بني قريظة فكانت صفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
الإسلام ودينها فاختارت الإسلام فأعتقها وتزوجها واصدقها اثنتي عشرة أوقية
ونشا وقيل كان موطوءة له صلى الله عليه وسلم بملك المين
أي فقد ذكر بعضه انه صلى الله عليه وسلم خيرها بين أن يعتقها ويتزوجها
وبين ان تكون في ملكه وعليه فتكون من السراري لا من الزوجات
قال الحافظ الدمياطي والأول أي أنها زوجة أثبت عند اهل العلم وقال العراقي
ان الثاني أي كونها سرية أضبط ودخل بها صلى الله عليه وسلم بعد أن حاضت
حيضة أي وذلك في بيت أم المنذر سلمى بنت قيس النجارية سنة ست من الهجرة
وغارت عليه صلى الله عليه وسلم غيرة شديدة فطلقها فأكثرت البكاء فراجعها
صلى الله عليه وسلم وهذا مؤيد للقول بأنها كانت زوجة
قيل ماتت مرجعه صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ودفنها بالبقيع
ثم أم حبيبة رضي الله عنها وهي رملة بنت أبي سفيان بن حرب رضي الله تعالى
عنهما وهي بنت عمة عثمان بن عفان هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى ارض
الحبشة الهجرة الثاني فولدت له حبيبة وبها كانت تكنى وهي ربيبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكانت في حجره رضي الله تعالى عنها وتنصر عبيد الله بن
جحش هناك وثبتت هي على الإسلام رضي الله تعالى عنها وبعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي رحمة الله فزوجه صلى الله
عليه وسلم إياها وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أربعمائة دينار أي والذي تولى عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاصي على
الأصح وكلته في ذلك وهو ابن عم أبيها
وقيل الذي تولى عقد النكاح
عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وقيل كان الصداق أربعة آلاف درهم وجهزها
النجاشي من عنده وأرسلها مع شرحبيل بن حسنة في سنة سبع وقيل تزوجها رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وعليه يحمل ما في
كلام العامري أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد نكاح أم حبيبة رضي
الله تعالى عنها بنت ابي سفيان رضي الله تعالى عنه تطيبا لخاطره
ثم صفية رضي الله تعالى عنها بنت حي بن أخطب سيد بني النضير قتل مع بني
قريظة كما تقدم وكانت عند سلام بن مشكم ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق
وقتل عنها يوم خيبر وتقدمت قصة قتله في خيبر ولم تلد لأحد منهما واصطفاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها
لأنه لما جمع سبي خيبر جاءه دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول
الله أعطني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية رضي الله تعالى
عنها فقيل يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم خذ جارية من السبي غيرها فحجبها وجهزتها له
أم سليم رضي الله تعالى عنها واهدتها له من الليل وكان عمرها لم يبلغ سبع
عشرة سنة فأولم صلى الله عليه وسلم عليها بتمر وسويق
وفي لفظ لما
أصبح صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده شيء فليجيء به فبسط نطعا فجعل
الرجل يأتي بالأقط وجعل الرجل يأتي بالتمر وجعل الرجل يأتي بالسمن فحاسوا
حيسا فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعن أنس قال كانت
صفية عاقلة فاضلة ودخل عليها صلى الله عليه وسلم يوما وهي تبكي فقال لها
في ذلك فقالت قد بلغني أن عائشة وحفصة ينالان مني ويقولان نحن خير من صفية
نحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم قولي لهن كيف تكن خيرا مني وأبي هرون وعمي موسى عليهما الصلاة
والسلام وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم أي فهي بنت نبي وزوج نبي ورأى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أثرا في وجهها فسألها عن ذلك فقالت رأيت كأن
القمر وقع في حجري فذكرت ذلك لأبي وتقدم في رواية أنها ذكرت ذلك لزوجها
كنانة فضرب وجهي ضربة أثرت في هذا الأثر وقال إنك لتمدين عنقك إلى أن
تكوني عند ملك العرب
ولامانع من تعدد الواقعة فقد قال في النور
لعلهما فعلا بها ذلك وتقدم في رواية أنها رأت الشمس وقعت على صدرها وتقدم
أنه يجوز تعدد الرؤيا أو أنها رأت الشمس والقمر في وقت واحد
وفي
زمن خلافة عمر رضي الله عنه أتت جارية لها إلى عمر رضي الله عنه فقالت له
يا أمير المؤمنين إن صفية تحب السبت وتصل اليهود فسألها عمر رضي الله عنه
فقالت أما السبت فإني لا أحبه منذ ابدلني الله به الجمعة وأما اليهود فإن
لي فيهم رحما فأنا أصلها ثم قالت للجارية ما حملك على ما صنعت قالت
الشيطان قالت اذهبي فأنت حرة
قال الحفاظ الدمياطي رحمه الله ماتت في
رمضان سنة خمسين وقيل سنة اثنتين وخمسين ودفنت بالبقيع وخلفت ما قيمته
مائة ألف درهم من ارض وعرض وأوصت لابن اختها يثلثها وكان يهوديا
وذكر الرافعي رحمه الله عن إمامنا الشافعي رضي الله عنه أنها اوصت لأخيها
وكان يهوديا بثلاثين الفا أي وهذا لا يعارض ما ذكر لأنه يجوز أن يكون من
روى عنه إمامنا لم يعتبر ما زاد على الثلاثين الذي هو تتمة الثلث وهو
ثلاثة وثلث لأن ثلث المائة ثلاثة وثلاثون وثلث أو أن القائل أوصت بثلثها
تجوز واطلق على الثلاثين ثلثا
ثم ميمونة رضي الله عنها بنت الحارث
وكان اسمها برة فسماها صلى الله عليه وسلم ميمونة زوجها له صلى الله عليه
وسلم عمه العباس رضي الله عنه وهي خالة أبنة عبد الله ابن عباس وأختها
أسماء بنت عميس وسلمى بنت عميس وزينب بنت خزيمة أم المؤمنين وخالة خالد بن
الوليد رضي الله عنه وكانت في الجاهلية عند مسعود بن عمرو ففارقها فخلف
عليها أبو رهم فتوفى عنها فتزوجها صلى الله عليه وسلم وهو محرم أي كما
عليه جمهور علماء المدينة في عمرة القضاء
وفي الهدى يشبه أنه صلى
الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم خلافا لابن عباس ووهمه في ذلك قال
لان السفير بينهما في النكاح وهو ابو رافع أعلم بالقصة وهو رجل بالغ وابن
عباس كان سنة نحو عشر سنين قال ولا يخفى ان مثل هذا الترجيح موجب للتقديم
وكان ذلك سنة سبع
وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا وبنى بها
بسرف بعد أن أحل على ما تقدم وماتت سنة إحدى وخمسين على الأصح وبلغت
ثمانين سنة ودفنت بسرف الذي هو محل الدخول بها
والحاصل أن جملة من خطبه صلى الله عليه وسلم من النساء ثلاثون امرأة منهن
من لم
يعقد عليه ومهن من عقد عليه وهذا القسم أيضا منه من دخل به ومنه
من لم يدخل به
وفي لفظ جملة من عقد عليه ثلاثة وعشرون امرأة والذي دخل به منهن اثنا عشرة
فمن غير المدخول بها غزية وهي أم شريك العامرية وهذه قبل دخوله بها
طلقهاولم يراجعها وهناك أم شريك السلمية أخرى وهي خولة أو خويلة ولم يدخل
بها وهناك أم شريك ثالثة وهي الغفارية وأم شريك رابعة وهي الأنصارية
واختلف في الواهبة نفسها فقيل ميمونة وقيل أم شريك غزية وقيل ام شريك خولة
التي لم يدخل بها
ورجح القول الثاني الحصني حيث اقتصر عليه في كتاب المؤمنات فقال ومنهن ام
شريك واسمها غزية وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم
يقبلها على ما قاله الأكثرون فلم تتزوج حتى مات عليه الصلاة والسلام قال
ابن عباس رضي الله عنهما وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكمة فأسلمت ثم
جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن للإسلام وترغبهن فيه حتى ظهر أمرها
لأهل مكة فأخذوها وقالوا لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا ولكنا نسيرك اليهم
قالت فحملوني على بعير ليس تحتي شيء ثم تركوني ثلاثا لا يطعموني ولا
يسقوني وكانوا إذا نزلوا منزلا أوقفوني في الشمس واستظلوا فبينما هم قد
نزلوا منزلا وأوقفوني في الشمس إذا أنا بأبرد شيء على صدري فتناولته فإذا
هو دلو من ماء فشربت قليلا ثم نزع مني ورفع ثم عاد فتناولته فشربت منه ثم
رفع ثم عاد ثم رفع مرارا فشربت منه حتى رويت ثم افضت سائره على جسدي
وثيابي فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء على ثيابي فقالوا انحللت فأخذت
سقاءنا فشربت منه فقلت لا والله ولكنه كان من الامر كذا وكذا فقالوا لئن
كنت صادقة لدينك خير من ديننا فلما نظروا إلى اسقيتهم وجدوها كما تركوها
فأسلموها عند ذلك وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له
بغير مهر فقبلها ودخل عليها
قال وفي ذلك أن من صدق في حسن الاعتماد على الله وقطع طمعه عما سواه جاءته
الفتوحات من الغيب هذا كلامه
وقد كان صلى الله عليه وسلم أرجأ من نسائه خمسا سودة وصفية وجويرية وأم
حبيبة
وميمونة
وآوى إليه أربعا عائشة وزينب وأم سلمة وحفصة وهؤلاء التسعة مات عنهن صلى
الله عليه وسلم وقد نظمهن بعضهم قال ** توفي رسول الله عن تسع نسوة **
إليهن تعزى المكرمات وتنسب ** ** فعائشة ميمونة وصفية ** وحفصة تتلوهن هند
وزينب ** ** جويرية مع رملة ثم سودة ** ثلاث وست ذكرهن مهذب **
ومن
جملة اللاتي لم يدخل به النبي صلى الله عليه وسلم التي ماتت من الفرح لما
علمت أنه صلى الله عليه وسلم تزوج بها وهي عز أخت دحية الكلبي رضي الله
تعالى عنهما التي ماتت قبل دخوله بها
ومن جملتهن سودة القرشية التي خطبها صلى الله عليه وسلم فاعتذرت بينهما
وكانوا خمسة وقيل ستة فقال لها خيرا
ومن جملتهن التي تعوذت منه صلى الله عليه وسلم فقالت أعذو بالله منك فقال
لها لقد عذت بمعاذ وقد أعاذك الله مني وفي لفظ عذت بعظيم وفي لفظ عائذ
الله
وفي كلام بعضهم أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم خفن أن تغلبن
عليه لجمالها فقلن لها إنه صلى الله عليه وسلم يعجبه إذا دنا منك أن تقولي
له أعوذ بالله منك فلما دنا منها قالت أعوذ بالله منك وفي رواية قلن لها
إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه فلما دخل عليها قالت له أعوذ بالله
منك فصرف صلى الله عليه وسلم وجهه عنها وقال ما تقدم وطلقها وأمر أسامة
رضي الله تعالى عنه فمتعها بثلاثة أثواب
وفي لفظ أتى أبو اسيد إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجونية أي اسماء بنت النعمان بن ابي الجون
الكندية فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاها فقالت تعال
أنت وفي رواية فقال هبي نفسك فقالت تهب الملكة نفسها للسوقة فأهوى صلى
الله عليه وسلم بيده إليها لتسكت فقالت أعوذ بالله منك قال عذت معاذ فخرج
فقال يا أبا أسيد اكسها رازقيين وألحقها بأهلها وهذا هو المشهور
وروى هذا الخبر عن أسيد بن ابي أسيد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى امرأة يتزوجها من بلجون أي من بني الجون فجئت بها فأنزلتها
بالشعب في أجم
ثم أتيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله جئتك بأهلك فأتاها صلى الله عليه وسلم
فأهوى اليها ليقبلها فقالت أعوذ بالله منك الحديث
ومن جملتهن التي اختارت الدنيا وقيل التي كانت تلتقط البعر هي المستعيذة
منه
ومن جملتهن قتيلة بضم القاف وفتح التاء المثناة فوق بنت قيس أخت الأشعث
ابن قيس الكندي زوجة إياها أخوها وهي بحضرموت ومات صلى الله عليه وسلم قبل
قدومها عليه وأوصى صلى الله عليه وسلم بأن تخير فإن شاءت ضرب عليها الحجاب
وكانت من أمهات المؤمنين وإن شاءت الفراق فتنكح من شاءت فاختارت الفراق
فتزوجها عكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنه بحضرموت فبلغ ذلك أبا بكر
رضي الله تعالى عنه قال هممت أن أحرق عليها بيتها فقال له عمر رضي الله
تعالى عنه ما هي من أمهات المؤمنين ما دخل بها صلى الله عليه وسلم ولا ضرب
عليها الحجاب وقال صلى الله عليه وسلم ما تزوجت شيئا من نسائي ولا زوجت
شيئا من بناتي إلا بوحي جاءني به جبريل عليه الصلاة والسلام من ربي عز وجل
أي وعنه صلى الله عليه وسلم أن خديجة رضي الله تعالى عنها تزوجها قبل نزول
الوحي
أي وقد ألف في أزواجه صلى الله عليه وسلم الحافظ الدمياطي جزءا فليطلب
وكذا ألف فيهن الشمس الشامي
وأما سراريه صلى الله عليه وسلم فأربع مارية القبطية أم ولده سيدنا
ابراهيم وريحانة على ما تقدم وجارية وهبتها له صلى الله عليه وسلم زينب
بنت جحش رضي الله تعالى عنها أخرى اسمها زليخة القرظية & باب ذكر
المشاهير من خدمه صلى الله عليه وسلم
من الأحرار
فمن الرجال أنس بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه كان من أخص خدامه صلى الله عليه وسلم خدمة من حين قدم المدينة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم عشر سنين كما تقدم فعن أنس رضي الله تعالى عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة يعني زوج أمه بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول اللهإن
أنسا غلام كيس فليخدمك فخدمته صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر وتقدم
في بعض الروايات ان ابتداء خدمته صلى الله عليه وسلم كان عند خروجه صلى
الله عليه وسلم إلى خيبر ومات وقد جاوز المائة
وعبد الله بن مسعود
رضي الله تعالى عنه كان صاحب سواكه ونعله صلى الله عليه وسلم إذا قام صلى
الله عليه وسلم ألبسه إياها فإذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم وكان رضي
الله تعالى عنه يمشي بالعصا أمامه صلى الله عليه وسلم حتى يدخل الحجرة
أي ومعيقيب الرومي رضي الله تعالى عنه كان صاحب خاتمه صلى الله عليه وسلم
وعقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه كان صاحب بغلته صلى الله عليه
وسلم يقودها في الأسفار وكان عالما بكتاب الله عز وجل وبالفرائض فصيحا
شاعرا مفهما ويأتي أنه ولى مصر لمعاوية رضي الله تعالى عنهما وتوفي بها
وصرف عنها يمسلمة بن مخلد رضي الله تعالى عنه
واسقع بن شريك صاحب
راحلته صلى الله عليه وسلم كان رضي الله تعالى عنه يرحل ناقته صلى الله
عليه وسلم وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال له ذات يوم يا أسقع قم فارحل
فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فسكت صلى الله عليه وسلم وجاءه
جبريل عليه الصلاة والسلام بآية التيمم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قم يا اسقع فتيمم فأراني التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين
فقمت وتيممت ثم رحلت له صلى الله عليه وسلم ثم سار صلى الله عليه وسلم حتى
مر بماء فقال له يا اسقع امس هذا جلدك وتقدم أن سبب نزول آية التيمم ضياع
عقد عائشة رضي الله تعالى عنها في بعض الغزوات
وبلال مؤذنه صلى الله
عليه وسلم وكان رضي الله تعالى عنه على نفقاته وهو مولى أبي بكر رضي الله
تعالى عنه أي لأنه الذي اشتراه وهو يعذب في الله وأعتقه كما تقدم
ومن النساء أمة الله بنت رزينة وخولة ومارية أم الرباب ومارية وجدة المثنى
ابن صالح وقيل التي قبلها
& باب ذكر المشاهير من مواليه صلى الله عليه وسلم
الذين أعتقهم
فمن الرجال زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما كما تقدم أن خديحة رضي الله تعالى عنها وهبته له صلى الله عليه وسلم قبل النبوة فتبناه صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ابن محمد فلما نزل { ادعوهم لآبائهم } أي وقوله تعالى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } الآية قيل له زيد بن حارثة كما تقدم وكان حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنه أسامة وأخو أسامة لأمه ايمن ابن ام أيمن بركة الحبشية رضي الله تعالى عنهموأبو رافع كان قبطيا وكان العباس رضي الله تعالى عنهما فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم ولما أسلم العباس وبشر أبو رافع رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام العباس اعتقه
وشقران كان حبشيا وقيل فارسيا وكان لعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم
وثوبان وأنجشة اشتراه صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية وأعتقه وكان رضي الله تعالى عنه يحدو بالنساء قال له صلى الله عليه وسلم وقد حدا بهن رويدا رويدا يا أنجشة رفقا بالقوارير يعني النساء لأن الحداء إذا سمعته الإبل أسرعت في المشي فتزعج الراكب والنساء يضعفن من شدة الحركة وشبههن صلى الله عليه وسلم في ضعفهن بالقوراير وهي الأواني من الزجاج
ورباح كان أسود ويسار كان نوبيا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قتله العرنيون وقد تقدم أن هذا غير يسار الذي كان دليلا لسرية غالب بن عبدالله الليثي إلى الميفعة
وسفينة وكان أسود وكان لأم سلمة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه واشترطت عليه أن يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش وكان اسمه بهران وقيل رومان وقيل غير ذلك وإنما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة لأنه حمل أمتعة للصحابة رضي الله تعالى عنه ثقلت عليهم فقال له رسول الله صلى الله
عليه
وسلم أحمل فإنما أنت سفينة قال رضي الله تعالى عنه فلو حملت يومئذ وقر
بعير ابو بعيرين إلى أن عد سبعة ما ثقل علي وقيل لأنه انكسرت به السفينة
في البحر فركب لوحا من ألواحها فنجا
وذكر أن البحر ألقاه على أجمة
سبع فأقبل نحوه فقال له أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجاء إلي وضربني بمنكبيه ثم مشى أمامي حتى أقامني على الطريق ثم همهم
وضربني بذنبه فرأيت أنه يودعني وقيل إنما وقع له ذلك لما أضل الجيش الذي
كان فيه بأرض الروم
وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أي لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي
أدى عنه نجوم كتابته وفي كونه كان رقيقا ما تقدم
أي والخصى التي أهداه له المقوقس الذي هو مابور المتقدم ذكره وآخر يقال له
سندر
وفي كلام بعضهم أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه اربعين رقبة
ومن النساء أم أيمن وأميمة وسيرين التي أهديت له صلى الله عليه وسلم مع
مارية أي وتقدم أنها اختها
وذكر بعضهم أن سيرين هذه وهبا رسول الله
صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه وتقدم أن المقوقس
أهدى معهما قنسر وأنها أخت مارية وسيرين فهن الثلاث أخوات وتقدم انه اهدى
اليه صلى الله عليه وسلم رابعة & باب ذكر المشاهير من كتابه صلى
الله
عليه وسلم
فقد ذكر بعضهم أن كتابه صلى الله عليه وسلم كانوا ستة وعشرين كاتبا على ما
ثبت عن جماعة من ثقات العلماء
وفي السيرة للعراقي أنهم كانوا اثنين وأربعين منهم عبد الله بن سعد بن ابي
سرح العامري وهو اول من كتب له صلى الله عليه وسلم من قريش بمكة ثم ارتد
وصار يقول كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملي علي عزيز حكيم فأقول أو عليم
حكيم فيقول نعم كل صواب وفي لفظ كان يقول اكتب كذا فاقول أكتب كذا فيقول
اكتب كيف شئت ونزل فيه { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا }
أي ثم لما كان يوم الفتح وامر صلى الله عليه وسلم بقتله فر إلى عثمان بن
عفان رضي الله تعالى عنه لأن كان أخاه من الرضاعة ارضعت أمه عثمان فغيبه
عثمان رضي الله تعالى عنه ثم جاء بعدما اطمأن الناس واستأمن له رسول الله
صلى الله عليه وسلم فصمت له رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال
نعم فلما انصرف عثمان قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن حوله ما صمت عنه
إلا لتقتلوه إلى آخر ما تقدم ثم اسلم وحسن اسلامه ودعا الله تعالى ان يختم
عمره بالصلاة فمات ساجدا في صلاة الصبح وقيل بعد التسليمة الأولى وقيل
الثانية
وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعامر بن فهيرة رضي الله تعالى
عنهم أي وعبد الله بن الأرقم وكان يكتب الرسائل للملوك وغيرهم قال عمر في
حقه ما رأيت أخشى الله منه
وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه وهو أول
من كتب له صلى الله عليه وسلم من الأنصار بالمدينة كان في أغلب أحواله
يكتب الوحي وهو أحد الفقهاء الذين كانوا يكتبون في عهده عليه الصلاة
والسلام
وثابت بن قيس بن شماس وزيد بن ثابت ومعاوية بن ابي سفيان أي وأخوه يزيد
قال بعضهم كان معاوية وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما ملازمين للكتابة
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوحي وغيره لا عمل لهما غيرذلك
قال زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن أتعلم بالسريانية قال إني لا آمن يهود على كتابي فما مر بي نصف شهر حتى
تعلمت وحذقت فيه فكنت أكتب له صلى الله عليه وسلم إليهم وأقرأ له كتبهم
والمغيرة بن شعبة والزبير بن العوام وخالد بن الوليد والعلاء بن الحضرمي
وعمرو بن العاص وعبد الله بن رواحة أي ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن
عبدالله ابن أبي ابن سلول
& باب يذكر فيه حراسه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل
عليه قوله تعالى { والله يعصمك من الناس }
سعد بن معاذ حرسه صلى الله عليه وسلم ليلة يوم بدر أي الليلة التي صبيحتها
ذلك اليوم وفي ذلك اليوم لم يحرسه صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر الصديق
رضي الله تعالى عنه شاهرا سيفه حين نام بالعريش
وفي كلام بعضهم أن سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه كان مع أبي بكر رضي
الله تعالى عنه في العريش يحرسانه صلى الله عليه وسلم في بدر
ومحمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه حرسه صلى الله عليه وسلم يوم احد
والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه حرسه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق
والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه حرسه يوم الحديبية
وأبو ايوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه حرسه صلى الله عليه وسلم ليلة بني
بصفية ببعض طرق خيبر
وبلال وسعد بن أبي وقاص وذكوان بن عبد قيس رضي الله عنهم حرسوه صلى الله
عليه وسلم بوادي القرى
أي وحرسه صلى الله عليه وسلم ابن ابي مرثد الغنوي في الليلة التي كانت في
صبيحتها وقعة حنين حيث قال صلى الله عليه وسلم ألا رجل يحرسنا الليلة فقال
أنا يا رسول الله فدعا له صلى الله عليه وسلم وبعد نزول الآية وهي { والله
يعصمك من الناس } ترك الحرس & باب يذكر فيه من ولي السوق في زمنه
صلى
الله عليه وسلم
وتصدق هذه الولاية الآن بالحسبة ومتوليها بالمحتسب
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل سعد بن سعيد بن العاصي بعد الفتح
على سوق مكة واستعمل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على سوق المدينة
& باب يذكر فيه من كان يضحكه صلى الله عليه وسلم
منهم نعيمان كان صلى الله عليه وسلم إذا نظر إلى نعيمان لا يتمالك نفسه أن
يضحك لأنه كان مزاحا وتقدم عنه ويأتى أيضا ما وقع بينه وبين سليط او سويط
ومنهم الذي كان يحده في الخمر واسمه عبد الله ويلقب بالخمار & باب
يذكر فيه أمناء رسول الله صلى الله عليه وسلم
منهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه كان أمين رسول الله صلى الله
عليه وسلم على نسائه
وكذا أبو أسد بن أسيد الساعدي كان أمينه صلى الله عليه وسلم على نسائه وهو
آخر من مات من أهل بدر رضي الله تعالى عنهم وكان ممن ابصر الملائكة يوم
بدر وكف بصره
وبلال المؤذن رضي الله تعالى عنه كان أمينه صلى الله عليه وسلم على نفقاته
ومعيقيب كان أمينه صلى الله عليه وسلم على خاتمه الشريف & باب
يذكر فيه شعراؤه صلى الله عليه وسلم
الذين كانوا يناضلون عنه بشعرهم ويهجون كفار قريش
حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين& باب يذكر فيه من كان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله
عليه وسلم
وهم علي كرم الله وجهه والزبير والمقداد ومحمد بن مسلمة رضي الله تعالى
عنهم وعاصم بن ثابت أي والضحاك بن سفيان رضي الله تعالى عنه
ولعل المراد من كان يتكرر من ذلك فلا ينافي ما تقدم في قصة الحارث بن سويد
أنه قال لعويمر بن ساعدة رضي الله تعالى عنه اضرب عنقه & باب يذكر
فيه
مؤذنوه صلى الله عليه وسلم
وهم بلال وابن أم مكتوم رضي الله تعالى
عنهما بالمدينة وسعد القرظ مولى عمار ابن ياسر رضي الله تعالى عنهما بقباء
وقيل له القرظ لا تجارة فيه ومن قال القرظي فقد أخطأ وأبو محذورة رضي الله
تعالى عنه بمكة أي وأذن بين يديه صلى الله عليه وسلم زياد بن الحارث
الصدائي كما تقدم
وقد يقال مراد الأصل من تكرار أذانه فلا يرد هذا
وكذا لا يرد عبد العزيز بن الأصم فإنه أذن أيضا بين يديه صلى الله عليه
وسلم مرة واحدة & باب يذكر فيه العشرة المبشرون بالجنة رضي الله
تعالى
عنهم
وهم الخلفاء الأربعة ابو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير
وسعد ابن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وابو عبيدة عامر بن
الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين وقد نظم ذلك بعضهم في بيت فقال ** لقد
بشرت بعد النبي محمد ** بجنة عدن زمرة سعداء ** ** سعيد وسعد والزبير
وعامر ** وطلحة والزهري والخلفاء **
أي وربما أسقط بعضهم أبا عبيدة عامر بن الجراح وذكر بدله عبد الله بن
مسعود رضي الله تعالى عنه وهو غريب جدا & باب يذكره فيه حواريوه
صلى
الله عليه وسلم
بالحاء المهملة أي أنصاره الذين اشتهروا بهذا الوصف
وهم الخلفاء الأربعة وحمزة وجعفر وأبو عبيدة وعثمان بن مظعون وعبدالرحمن
بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير وهو أكثرهم شهرة بهذا الوصف بل هو
المراد عند اطلاق حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم & باب يذكر
فيه
سلاحه صلى الله عليه وسلم
كان له صلى الله عليه وسلم من السيوف تسعة
ومن الدروع سبعة ومن القسي ستة ومن الأتراس ثلاثة ومن الرماح اثنان ومن
الحراب ثلاثة ومن الخوداثنان فأما السيوف فسيف يقال له مأثور بهمزة ساكنة
ثم ثاء مثلثة ورثه صلى الله عليه وسلم من أبيه وقدم به المدينة أي ويقال
إنه من عمل الجن وسيف يقال له العضب أي القاطع أرسل به إليه سعد بن عبادة
رضي الله تعالى عنه عند توجهه صلى الله عليه وسلم إلى بدر وسبف يقال له ذو
الفقار كان في وسطه مثل فقرات الظهر غنمه صلى الله عليه وسلم يوم بدر كان
للعاص بن وائل قتل يوم بدر كافرا وكان قائمته وقبيعته بفتح القاف وكسر
الموحدة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم عين مهملة مفتوحة وحلقته بإسكان اللام
وفتحها وعلاقته بكسر العين فضة وكان لا يفارقه صلى الله عليه وسلم في حرب
من الحروب ويقال إن أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة وسيف يقال له
الصمصامة بفتح الصاد المهملة وإسكان الميم كان مشهورا عند العرب وهو سيف
عمرو ابن معد يكرب أهداه صلى الله عليه وسلم لخالد بن سعيد بن العاص حيث
استعمله صلى الله عليه وسلم على اليمن وسيف يقال له القلعي بفتح اللام
نسبة إلى برج القلعة موضع بالبادية وسيف يقال له الحيف بفتح الحاء المهملة
ثم مثناة تحت ساكنة وهو الموت وهذه الثلاثة من سلاح بني قينقاع مثلث النون
وسيف يقال له الرسوب بفتح الراء وضم
السين
المهملة ثم واو ساكنة موحدة أي يرسب ويستقر في الضربة وهو أحد السيوف
التسعة التي أهدتها بلقيس لسليمان عليه الصلاة والسلام وسيف يقال له
المحذم بكسر الميم ثم حاء ساكنة ثم ذال معجمة مفتوحة القاطع وهما كانا
معلقين على صنم طي الذي يقال له الغلس وسيف يقال له القضيب من قضب الشيء
قطعه فعيل بمعنى فاعل أي قاطع
وأما الدروع فدرع يقال لها ذات الفضول
بضم الفاء وبالضاد المعجمة لطولها أرسل بها اليه صلى الله عليه وسلم سعد
بن عبادة رضي الله تعالى عنه حين سار إلى بدر أي وكانت من حديد وهي التي
رهنها صلى الله عليه وسلم عند ابي الشحم اليهودي على ثلاثين صاعا من
الشعير وكان الدين إلى سنة ودرع يقال لها ذات الوشاح بكسر الواو وبالشين
المعجمة مخففة وفي آخره حاء مهملة ودرع يقال لها ذات الحواشي ودرع يقال
لها السفرية بالفاء والسفر موضع يصنع به الدروع قال في النور والذي أحفظه
في هذه الدرع السغدية بضم السين المهملة وبالغين المعجمة الساكنة ثم دال
مهملة مفتوحة ودرع يقال لها الفضة ويقال لها السعدية بالعين المهملة
مفتوحة وهما من دروع بني قينقاع يقال إنها درع داود عليه الصلاة والسلام
التي لبسها لقتال جالوت كما تقدم ودرع يقال لها البتراء بفتح الموحدة ثم
مثناة فوق ساكنة ممدودة قيل لها ذلك لقصرها ودرع يقال لها الخرنق بالخاء
المعجمة مكسورة ثم راء ساكنة ثم نون مكسورة ثم قاف قيل لها ذلك لنعومتها
وأما القسي فقوي يقال لها البيضاء من شوحط وهو من شجر الجبال يتخذ منه
القسى وهو من سلاح بني قينقاع وقوي يقال لها الروحاء وقوي يقال لها
الصفراء من نبع وهو شجر يتخذ منه القسى ومن اغصانه السهام كسرت يوم أحد
وقوس يقال لها الزوراء ويقال لها الكتوم لانخفاض صوتها إذا رمى عنها قيل
وهي التي اندقت سيتها يوم أحد أي وقوس يقال لها السداد
وأما الأتراس
فترس يقال لها الزلوق لان السلاح يزلق عنه وترس يقال لها فتق بضم الفاء
وفتح التاء المثناة فوق وبالقاف وترس يقال لها تمثال عقاب أو كبش فوضع صلى
الله عليه وسلم يده الشريفة عليه فذهب
وأما الرماح فرمح يقال له المثنى ورمح يقال لها المثوى بضم الميم واسكان
الثاء
المثلثة
وكسر الواو من الثوى وهو الإقامة لان المطعون به يقيم موضعه ولا ينتقل أي
وثلاث رماح اصابها من سلاح بني قينقاع يقال لأحدها المثنى بضم الميم
واسكان التاء المثلثة ثم نون مفتوحة وفي الأصل المنثى بتقديم النون على
الثاء
وأما الحراب فحربة يقال لها النبعة وحربة يقال لها البيضاء
وحربة صغيرة تشبه العكاز يقال لها العنزة قال جاء بها الزبير رضي الله
تعالى عنه من أرض الحبشة اعطاها له النجاشي رحمه الله وقاتل بها بين يدي
النحاشي عدوا للنجاشي وظهر النجاشي على ذلك العدو وشهد بها الزبير رضي
الله تعالى عنه بدرا وأحدا وخيبر ثم أخذها منه صلى الله عليه وسلم منصرفه
من خيبر فكانت تحمل بين يديه صلى الله عليه وسلم يوم العيد يحملها بلال
رضي الله تعالى عنه فتركز بين يديه صلى الله عليه وسلم ويصلي إليها وكذا
كان يصلي اليها في اسفاره أي وكان صلى الله عليه وسلم يمشي بها وهي في يده
ورابعة يقال لها المهر وخامسة يقال لها النمر وكان له صلى الله عليه وسلم
محجن طوله قدر ذراع أو أكثر بيسير يمشي به ويعلق بين يديه على بعيره يسمى
الذقن وكان له رأس معقفة كالصولجان
وكان له صلى الله عليه وسلم قضيب من شوحط يسمى الممشوق قيل وهذا القضيب هو
الذي كانت تتداوله الخلفاء ا هـ
أي وكان له صلى الله عليه وسلم مخصرة بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة
وفتح الصاد وهي ما يمسكه بيده من عصا أو مقرعة تسمعرجون ويقال لها العسيب
وأما الخود جمع خودة وهي ما يجعل على الرأس من الزرد مثل القلنسوة فخودة
يقال لها الموشح بالميم وبالشين المعجمة مشددة مفتوحة والحاء المهملة
وخودة يقال لها السبوغ بالسين المهملة وبالغين المعجمة أو ذات السبوغ
& باب يذكر فيه خيله وبغاله وحمره صلى الله عليه وسلم
كان له صلى الله عليه وسلم سبعة أفراس وكان له بغال ست وكان له من الحمر
اثنان وكان له من الإبل المعدة للركوب ثلاثة
فأما أفراسه صلى الله عليه وسلم ففرس يقال له السكب شبه بسكب الماء
وانصبابه
لشدة
جريه وهي اول فرس ملكه صلى الله عليه وسلم اشتراه من أعرابي بعشرة أواق
وكان اسمه عند الأعرابي الضرس أي بفتح الضاد وكسر الراء وبالسين المهملة
الصعب السيء الخلق وكان أغر أي له غرة وهي بياض في وجهه محجلا طلق اليمين
كميتا أي بين السواد والحمرة وقال ابن الأثير كان أسود أدهم وفرس يقال له
المرتجز أي سمى به لحسن صهيله مأخوذ من الرجز الذي هو ضرب من الشعر وكان
ابيض وهو الذي شهد له فيه خزيمة بأنه صلى الله عليه وسلم اشتراه من صاحبه
بعد أن أنكر بيعه له وقال له ائت بمن يشهد لك فجعل شهادة خزيمة بشهادتين
بعد ان قال له صلى الله عليه وسلم كيف شهدت ولم تحضر فقال لتصديقي إياك يا
رسول الله وإن قولك كالمعاينة فقال له صلى الله عليه وسلم أنت ذو
الشهادتين فسمى ذا الشهادتين ثم قال صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة
أو شهد عليه فهو حسيبه لكن جاء أنه صلى الله عليه وسلم رد الفرس على
الأعرابي وقال لا بارك الله لك فيها فأصبحت من العد شائلة برجلها وفرس
يقال له اللحيف بالحاء المهملة واللام المضمومة فعيل بمعنى فاعل لأنه كان
يلحف الأرض بذنبه لطوله أي يغطيها وقيل لانه كان يلتحف معرفته وقيل هو بضم
اللام مصغرا وقيل بالخاء المعجمة مع فتح اللام وهو الأكثر وهذا الفرس
أهداه له صلى الله عليه وسلم فروة بن عمرو من أرض البلقاء بالشام وفرس
يقال له اللزاز أي أهداه له المقوقس كما تقدم مأخوذ من قولهم لاززته أي
لاصقته فكان يحلق بالمطلوب لسرعته وقيل غير ذلك وفرس يقال له الطرف أي
بكسر الطاء المهملة وسكون الراء وبالفاء الكريم الجيد من الخيل وفرس يقال
له الورد وهو بين الكميت والأشقر أهداه له صلى الله عليه وسلم تميم الداري
رضي الله تعالى عنه وأهداه صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه
وفرس يقال له سبحة أي بفتح السين وإسكان الموحدة وفتح الحاء المهملة أي
سريع الجري هذا هو المشهور وعد بعضهم في خيله صلى الله عليه وسلم غير ذلك
فأوصل جملتها إلى خمسة عشر بل إلى العشرين وقد ذكر الحافظ الدمياطي أسماء
الخمسة عشر في سيرته وقال فيها وقد ذكرناها وشرحناها في كتابنا كتاب الخيل
وكان سرجه صلى الله عليه وسلم دفتين من ليف قال ولم يكن شيء أحب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم مسح وجه فرسه ومنخريه وعينيه بكم قميصه فقيل
له يا رسول الله تمسح بكم قميصك فقال صلى الله عليه وسلم إن جبريل عليه
السلام عاتبني في الخيل وفي رواية في الفرس أي في أمتهانها وفي رواية في
سياستها وقال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون
عليها فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة أ هـ
أي وقد ذكر أنه صلى الله
عليه وسلم في غزوة تبوك قام إلى فرسه الطرف فعلق عليه شعيره وجعل صلى الله
عليه وسلم يمسح بردائه فقيل له يا رسول الله تمسح ظهره بردئك فقال نعم وما
يدريك لعل جبريل عليه الصلاة والسلام أمرني بذلك
وعن بعضهم قال دخلت
على تميم الداري رضي الله تعالى عنه وهو أمير بيت المقدس فوجدته ينقى
لفرسه شعيرا فقلت أيها الأمير ما كان لهذا غيرك فقال إني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول من نقى لفرسه شعيرا ثم جاء به حتى يعلقه عليه كتب
الله له بكل شعيرة حسنة وكان صلى الله عليه وسلم يضمر الخيل للسباق فيأمر
باضمارها بالحشيش اليابس شيئا بعد شيء ويأمر بسقيها غدوة وعشيا ويأمر أن
يقودها كل يوم مرتين ويؤخذ منها من الجري الشوط والشوطان
وأما بغاله
صلى الله عليه وسلم فبغلة شهباء يقال لها دلدل أهداها له المقوقس كما تقدم
والدلدل في الأصل القنفذ وقيل ذكر القنافذ وقيل عظيمها وهذه أول بغلة ركبت
في الإسلام وفي لفظ رؤيت في الإسلام وكان صلى الله عليه وسلم يركبها في
المدينة وفي الاسفار وعاشت حتى ذهبت أسنانها فكان يدق لها الشعير وعميت
وقاتل عليها علي كرم الله وجهه الخوارج بعد أن ركبها عثمان رضي الله تعالى
عنه وركبها بعد علي ابنه الحسن ثم الحسين رضي الله تعالى عنهما ثم محمدا
بن الحنفية رحمه الله
وسئل أبن الصلاح رحمه الله هل كانت انثى أو
ذكرا والتاء للوحدة فأجاب بالأول قال بعضهم واجماع اهل الحديث على أنها
كانت ذكرا ورماها رجل بسهم فقتلها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى زوجته ام سلمة فأتيته بصوف وليف
ثم فتلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لدلدل رسنا
وعذارا
ثم دخل البيت فأخرج عباءة فثناها ثم ربعها على ظهرها ثم سمى وركب ثم
اردفني خلفه وبغلة يقال لها فضة أهداها له عمرو بن عمرو الجذامي كما تقدم
ووهبها صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله تعالى عنه أي وأوصلها بعضهم
إلى سبعة
وفى مزيل الخفاء وفى سيرة مغلطاى كان له صلى الله عليه
وسلم من البغال دلدل وفضه والتى اهداها له ابن العلماء أى بفتح العين
المهمله واسكان اللام وبالمد فى غزوة تبوك والآيليه وبغله أهداها له كسرى
واخرى من دومة الجندل واخرى من عند النجاشى هذا كلامه
وعقبه بن عامر
رضى الله تعالى عنه كان صاحب بغله رسول الله صلى الله عليه وسلم يقود به
فى الأسفار وتوفى بمصر ودفن بقرافتها وقبره معروف بها وكان واليها من قبل
معاوية بن عتبة بن أبي سفيان ثم صرف عنها بمسلمة بن مخلد
وعن عقبة
بن عامر رضى الله تعال عنه قال قدت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على
راحلته مدة من الليل فقال أنخ فأنخت فنزل عن راحلته ثم قال اركب فقلت
سبحان الله أعلى مركبك يا رسول الله وعلى راحلتك فأمرنى فقال اركب فقلت له
مثل ذلك ورددت ذلك مرارا حتى خفت أن أعصى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فركبت راحلته ذكره فى الامتاع
وأم حمره صلى الله عليه وسلم فحمار
يقال له يعفور وحمار يقال له عفير العين المهملة وقيل بالمعجمة وغلط قائله
وكان اشهب ومات في حجة الوداع والأول أهداه له فروة بن عمرو الجذامي وقيل
المقوقس والثاني أهداه له المقوقس وقيل فروة بن عمرو كذا في سيرة الحافظ
الدمياطي رحمه الله والعفرة هي الغبرة أي وأوصل بعضهم حمره صلى الله عليه
وسلم إلى أربعة
وتقدم أن يعفورا وجده صلى الله عليه وسلم في خيبر
وأنه يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم طرح نفسه في بئر جزعا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فمات وتقدمت قصته وما فيها
وأما إبله صلى
الله عليه وسلم التي كان يركبها فناقة يقال لها القصواء وناقة يقال لها
الجدعاء وناقة يقال لها العضباء وهي التي كانت لا تسبق فسبقت فشق ذلك على
المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حقا على الله أن
لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه
وفي رواية إن الناس لم يرفعوا شيئا من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل ويقال
إن هذه العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تشرب
حتى ماتت وقيل إن التي كانت لا تسبق ثم سبقت هي القصواء وكانت العضباء
يسبق بها صاحبها الذي كانت عنده الحاج ومن ثم قيل لها سابقة الحاج وقيل إن
هذه الثلاثة اسم لناقة واحدة وهو المفهوم من الأصل وهو موافق في ذلك لابن
الجوزي رحمه الله حيث قال إن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء وقيل القصواء
واحدة والعضباء والجدعاء واحدة
وفي كلام بعضهم وأما البقر فلم ينقل أنه صلبى ملك شيئا منها أي للقنية فلا
ينافي انه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر
وأما غنمه صلى الله عليه وسلم فقيل مائة وقيل سبعة أعنز كانت ترعاها أم
أيمن رضي الله تعالى عنها وجاء اتخذوا الغنم فإنها بركة وكان له صلى الله
عليه وسلم شياه يختص بشرب لبنها وماتت له صلى الله عليه وسلم شاة فقال ما
فعلتم بإهابها قالوا إنها ميتة قال دباغها طهورها واقتنى صلى الله عليه
وسلم الديك الأبيض وكان يبيت معه في البيت وقال الديك الأبيض صديقي وصديق
صديقي وعدو عدوي والله يحرس دار صاحبه وعشرا عن يمينها وعشرا عن يسارها
وعشرا من بين يديها وعشرا من خلفها وقد جاء اتخذوا الديك الأبيض فإن دارا
فيها ديك أبيض لا يقربها شيطان ولا ساحر ولا الدويرات حولها واتخذوا هذا
الحمام المقاصيص في بيوتكم فإنها تلهي الجن عن صبيانكم
وفي العرائس
أن آدم قال يا رب شغلت بطلب الرزق لا أعرف ساعات التسبيح من أيام الدنيا
فأهبط الله ديكا وأسمعه أصوات الملائكة بالتسبيح فهو أول داجن اتخذه آدم
عليه السلام من الخلق فكان الديك إذا سمع التسبيح ممن في السماء سبح في
الأرض فيسبح آدم بتسبيحه
& باب يذكر فيه صفته صلى الله عليه وسلم الظاهرة وإن
شاركه فيها غيره
قال قد خلق الله تعالى أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام سليمة من
العيب حتى صلحت لحلول الأنفس الكاملة وهم في ذلك متفاوتون ونبينا صلى الله
عليه وسلم أصخ الأنبياء مزاجا وأكملهم جسدا
وعن أنس رضي الله عنه ما
بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبينا صلى الله عليه وسلم
أحسنهم وجها وصوتا انتهى وكانت صفاته صلى الله عليه وسلم الظاهرة لا تدرك
حقائقها وإلى هذا يشير صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** إنما مثلوا
صفاتك للنا ** سب من كما مثل النجوم الماء **
وتقدم بعض صفته صلى الله عليه وسلم في خبر أم معبد رضي الله عنها
ووصف صلى الله عليه وسلم بأنه كان ضخم الهامة أي الرأس ووصف صلى الله عليه
وسلم بأنه كان فخما مفخما أي عظيما في الصدور والعيون يتلأللأ وجهه كالقمر
ليلة البدر قال كان في وجهه تدوير ليس بالمطهم ولا المكلثم
وعن أبي
هريرة رضي الله عنه ما رأيت أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن
الشمس تجري في وجهه وفي رواية تجري من وجهه وعن ابن عباس رضي الله عنهما
لم يقم صلى الله عليه وسلم مع شمس قط إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس ولم يقم مع
سراج قط إلا غلب ضوؤه السراج انتهى أقصر من المشذب بضم الميم وفتح الشين
والذال المعجمتين مشددة ثم موحدة على وزن معظم البائن الطويل في نحافة
وأطول من المربوع قال وعن علي كرم الله وجهه لم يكن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد وكان ربعة القوم والممغط
المتناهي في الطول والمتردد المجتمع الخلق أي القصير جدا لم يكن يماشيه
أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا
فارقه رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب للربعة أي لا طويل ولا قصير عظيم
الهامة أي وفي رواية ضخم الرأس رجل الشعر إذا انفرقت عقيصته وفي لفظ
عقيقته وهي الشعر المعقوص فرق أي إذا انفرقت من
ذات
نفسها فرقها أي أبقاها مفروقة وإلا تركها معقوصة أي تركها على حالها لم
يفرقها لم يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره قال أي جعله وقرة
وحاصل الأحاديث أن شعره صلى الله عليه وسلم وصف بانه جمة ووصف بأنه وفرة
ووصف بأنه لمة وفسرت اللمة بالشعر الذي ينزل على شحمة الأذن والجمة بالذي
ينزل على المنكبين قال بعضهم كان شعره صلى الله عليه وسلم يقصر ويطول بحسب
الأوقات فإذا غفل عن تقصيره وصل إلى منكبيه وإذا قصره تارة ينزل عن شحمة
أذنه وتارة لا ينزل عنها
وجاء في وصف شعره صلى الله عليه وسلم ليس
بجعد قطط أي بالغ في الجعودة ولا رجل سبط أي بالغ في السبوطة فلا ينافي ما
جاء عن علي كرم الله وجهه كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبطا
وعم أم هانىء رضي الله عنها كان له صلى الله عليه وسلم أربع غدائر أي
ضفائر تخرج أذنه اليمنى من بين ضفيرتين وأذنه اليسرى كذلك قال ابن القيم
رحمه الله لم يحلق صلى الله عليه وسلم رأسه الشريف إلا أربع مرات انتهى
أزهر اللون أي أبيض مشرب بحمرة أي وهي المراد بالسمرة وفي رواية كان أسمر
ومن ثم جاءه في رواية كان بياضه صلى الله عليه وسلم إلى سمرة لأن العرب قد
تطلق على من كان كذلك أي بياضه إلى حمرة أسمر ومن ثم جاء ليس بالأبيض
الأمهق أي شديد البياض الذي لا يخالطه حمرة كلون الجص
وعن علي كرم
الله وجهه ليس أبيض شديد الوضح وفي رواية شديد البياض ولا معارضة لأن
محمول على ما كان من جسده تحت الثياب ومن ثم جاء أنور المتجرد وهو ما كشف
عنه الثوب من البدن
وقيل المراد بالأمهق الأخضر فقد قيل إن المهق
خضرة الماء ولا بالآدم أي شديد الأدمة واسع الجبين أي وفي رواية مفاض
الجبين أي واسعة وفي رواية كان جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم صلتا أي
أملس وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى الجبين كأنه السراج
المتوقد يتلألأ أزج الحاجبين سوابغ من غير قرن أي بين حاجبيه فرجة وهو
البلج أي والقرن بالتحريك اتصال شعر الحاجبين وورد مقرون الحاجبين أي
شعرهما متصل بالآخر لا حاجز بينهما
ولا
منافاة لأن ذلك يجوز أن يكون بحسب الرائي لأن الفرجة التي كانت بين حاجبيه
يسيرة لا تبين إلا لمن دقق النظر بينهما عرق يدره الغضب أي إذا غضب امتلأ
ذلك العرق دما فيظهر ويرتفع أقنى العرنين أي سائله مرتفع وسطه أي وفي وسطه
احديداب وفي رواية دقيق العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم أي
مرتفعا أدعج العينين أي شديد سواد العينين وفي كلام بعضهم الدعج سواد
العين ويقابله الأشهل وهو من في سواد عينيه حمرة وقد جاء أشهل العينين
واشكل العينين أي في بياض عينيه صلى الله عليه وسلم حمرة وكانت يف الكتب
القديمة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم كما تقدم أي وفي رواية أنجل
العينين أي واسعهما أهدب الأشفار أي طويل هدب شعر العينين
أي وعن أبي هريرة رضي الله عنه أكحلب العينين والكحل سواد هدب العين خلقة
وعن جابر رضي الله عنه إذا نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت
أكحل أي في عينيه كحل وليس بالكحل سهل الخدين أي وفي رواية أسيل الخدين أي
ليس في خديه نتوء وارتفاع ضليع الفم أي واسعه أشنب أي وفي ريقه برد وعذوبة
مفلج الاسنان أي مفرق ما بين الثنايا كما في رواية أفلج الثنيتين لأن
الفلج تباعد ما بين الثنايا والرباعيات وفي رواية براق الثنايا كان إذا
تكلم رؤى كالنور يخرج من بين ثناياه يفتر عن مثل حب الغمام أي إذا ضحك
بانت أسنانه كالبرد
وعن أبي هريرة رضي الله عنه حسن الثغر وعن أنس
رضي الله عنه شممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته صلى الله عليه
وسلم كث اللحية أي كثير شعرها وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
كثيف اللحية وكان يسرحها بالماء وكان له صلى الله عليه وسلم مشط من العاج
وهو الدبل وقيل شيء يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية ويقال لعظم الفيل عاج
أيضا أي وليس مرادا هنا أي وكان له مقراض أي مقص يقض به أطراف شاربه
وفي المشكاة عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال من لم يأخذ من شاربه فليس منا
أي وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ بالمقراض من عرض لحيته وطولها
وقد لا ينافي ذلك ما جاء أمرني ربي باعفاء لحيتي وقص شاربي وقال من الفطرة
قص الأظفار والشارب وحلق العانة
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه حتى كأن ثيابه ثياب زيات أو دهان
أي وفي لفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر التقنع حتى يرى حاشية
ثوبه كأنه ثوب زيات أو دهان وليس في شعر رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء
وعن أنس رضي الله عنه أن شيب لحيته صلى الله عليه وسلم كان في عنفقته
وصدغيه متفرقا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عرف من مجموع الروايات أن
الذي شاب في عنفقته صلى الله عليه وسلم أكثر مما شاب في غيرها
وقال
صلى الله عليه وسلم شيبتني هود وأخواتها فقال له ابو بكر رضي الله عنه ما
أخواتها يا رسول الله قال الواقعة والقارعة وسأل سائل وإذا الشمس كورت
واقتربت الساعة
وفي روانية شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم
يستاءلون وإذا الشمس كورت واقتربت الساعة وقال صلى الله عليه وسلم من شاب
شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ولعل شيبه صلى الله عليه وسلم
لم يخضب وقيل كان يخضب بالحناء والكتم
وقال صلى الله عليه وسلم أحسن
ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم ونهى صلى الله عليه وسلم عن الخضاب
بالسواد وقد تقدم ضليع الفم أي واسعه وهو مما تمدح به العرب وتذم بصغر
الفم غاض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة
دقيق المسربة بفتح الميم وإسكان السين ثم راء مضمومة وهو الخيط الشعر الذي
بين الصدر والسرة كأن عنقه جيد دمية هي صورة تتخذ من العاج في صفاء الفضة
اي عن علي كرم الله وجهه كأن عنقه إبريق فضة معتدل الخلق بادنا متماسكا أي
ذو لحم متماسك يمسك بعضه بعضا ليس مسترخي اللحم سواء البطن والصدر أي
مستويهما عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس وهي رءوس العظام
أي ملتقى كل عظمين كالمرفقين والمنكبين والركبتين موصول ما بين اللبة بفتح
اللام وتشديد الموحدة المفتوحة هو المنحر والسرة بشعر يجري كالخيط وهو
المعبر عنه فيما سبق بدقيق المسربة
عاري الثديين والبطن وما سوى ذلك اشعر الذراعين والمناكب وأعالي
الصدر طويل الزندين أي عظيم الذراعين رحب الراحة أي واسعها
قال أنس رضي الله عنه ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله صلى
الله عليه وسلم سائل الأصابع أي طويلها شئن الكفين والقدمين أي يميلان إلى
الغلظ وذلك ممدوح في الرجال مذموم في النساء أي وكانت سبابة يديه صلى الله
عليه وسلم اطول من الوسطى قال ابن دحية رحمه الله وهذا باطل بيقين ولم
يقله أحد من ثقات المسلمين أي وإنما كان ذلك في أصابع قدميه صلى الله عليه
وسلم وهو في ذلك كغيره من الناس وفي رواية منهوس بالمهملة والمعجمة العقب
أي قليل لحم القدمين سبط العظام أي ممتدها لا نتوء فيها
وفي رواية
سبط العصب وهو كل عظم فيه مخ خمصان الأخمصين ينبو عنهما الماء أي يتجافى
أخمص القدم وهو وسطه أي شديد التجافي عن الأرض مسيح القدمين أي أملسهما
وهذا يوافق ما جاء في رواية إذا وطىء بقدمه وطىء بكلها ليس له أخمص إذا
زال زال تقلعا أي يرفع رجله بقوة ويخطو تكفيا أي يتمايل إلى قدامه وقيل
يمينا وشمالا كالمختال ولا يذم إلا من تكلفه لا من كان ذلك جبلة له ويمشي
هونا أي برفق ووقار دون عجلة ذريع المشية أي واسعها إذا امشى كأنما ينحط
من صبب أي وذكر في سفر السعادة أن هذه المشية مشية أصحاب الهمم العلية ومن
قلبه حي وإن هذا النوع من المشي يسمى مشي الهوينا المذكور في قوله تعالى {
وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } وهو أعدل أنواع المشي لأن
الماشي إما مهاون بالمشي كالخشبة أوطائي ينزعج وهذان النوعان في غاية
القبح لأن الأول يدل على الخمول وموت القلب والثاني يدل على خفة الدماغ
وقلة العقل ثم قال وأنواع المشي عشرة هذه الثلاثة منها وذكر باقيها
وكان صلى الله عليه وسلم إذا التفت التفت جميعا أي بسائر جده ولا يلوى
عنقه كما يفعله أهل الخفة والطيش يفتح الكلام ويختمه بأشداقه
لا يقال قد ذم صلى الله عليه وسلم المتشدقين لأنا نقول المراد بهم من يكثر
الكلام من غير احتياط ولا احتراز ومن يلوى أشداقه استهزاء بالناس
وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بجوامع الكلم أي بالكلام القليل الألفاظ
الكثير
المعانثي فصلا لا فضول فيه ولا تقصير قال صلى الله عليه وسلم
أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا
قال ومن تلك الكلمات لا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له ما هلك
امرؤ عرف قدر نفسه رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم ذو الوجهين لا
يكون عند الله وجيها خير الأمور أوساطها السعيد من وعظ بغيره إذا اشار
بكفه كلها أ هـوإذا تعجب قلبها وإذا تحدث قارب يده اليمنى من اليسرى فضرب
بإبهام اليمنى راجة اليسرى أي وربما يسبح عند التعجب وربما حرك برأسه وعض
شفته وربما ضرب بيده على فخذه وربما نكت الأرض بعود وإذا غضب أعرض بوجهه
أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا غضب احمر وجهه الشريف وكان إذا اشتد وجده
أكثر من مس لحيته وفي رواية إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته وتنفس
الصعداء أي تنفس طويلا وقال حسبي الله ونعم الوكيل جل أي معظم ضحكه التبسم
وكون معظم ضحكه ذلك لا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم ضحك غير ما مرة حتى
بدت نواجذه
وكان صلى الله عليه وسلم إذا جرى به الضحك وضع يدع على
فيه قال وكان أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم يمشي منتعلا وربما مشى صلى
الله عليه وسلم حافيا
وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل من هدية أهديت إليه حتى يأكل منها صاحبها
أي بعد أن أهديت اليه صلى الله عليه وسلم الشاة المسمومة
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعقهن إذا فرغ يلعق الوسطى ثم
التي يليها الإبهام وقال إن لعق الأصبع بركة
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بلعق الصحفة ويقول إنكم لا تدرون في
أي طعامكم البركة ا هـ
ونحن نوضح بعض هذه الصفات الظاهرة بعبارة واضحة قريبة للافهام فنقول
كان صلى الله عليه وسلم عظيما معظما في الصدور والعيون كبير الرأس لأن كبر
الرأس يدل على كثرة العقل غالبا ووجهه كالقمر ليلة البدر لون جسده الذي
ليس تحت الثياب أبيض مشرب بحمرة طويل الحاجبين مع دقة ما بينهما خال من
الشعر وهو البلج وضده القرن وهو أن يتصل شعر احدهما بالآخر
بين حاجبيه عرق إذا غضب انتفح طويل الأنف مع حدب في وسطه ودقة في طرفه ليس
في حدبه ارتفاع لأن العرب تذم به
في عينيه شكلة وهي بياض وحمرة شديدة سواد العين مع اتساعها واسع الفم لان
سعة الفم تدل على الفصاحة بين ثناياه والرباعيات فرجة ويقال لها الفلج
كثير شعر اللحية شيبه قليل عنقه كالإبريق الفضة إذا مشى مال إلى أمامه
& باب يذكر فيه صفته صلى الله عليه وسلم الباطنة
وإن شاركه فيها غيره
كان صلى الله عليه وسلم سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح أي كثير المزاح فلا ينافي ما روى كان صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه قال وقد جاء إني لأمزح ولا أقول إلا حقا لكن جاء عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مزاحا وكان يقول إن الله تعالى لا يؤاخذ المزاح الصادق في مزاحهوجاء عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما رأيت أحدا أكثر مزاحا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانت في النبي صلى الله عليه وسلم دعابة وعن بعض السلف كان للنبي صلى الله عليه وسلم مهابة فكان يبسط الناس بالدعابة قال صلى الله عليه وسلم لعمته صفية لا تدخل الجنة عجوز فبكت فقال لها وهو يضحك الله تعالى يقول { إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا } وهن العجائز الرمص أي والعروب المتحببة لزوجها التي تقول وتفعل ما تهيج به شهوته إياها وأترابا كأنهن ولدن في يوم واحد لأنهن يكن بنات ثلاث وثلاثين سنة
وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل وطلب أن يحمله على بعير فقال له إني حاملك علي ولد الناقة فقال يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تلد الإبل إلا النوق
وقد أتى أزيهر وفي لفظ زاهر وكان يهدى للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية
فكان كلما قدم من البادية يأتي معه بطرف وهدية لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد ان يخرج
وكان صلى الله عليه وسلم يقول زاهر باديتنا ونحن حاضروه وفي لفظ لكل حاضر
بادية وبادية آل محمد زاهر وكان صلى الله عليه وسلم يحبه جاءه يوما وهو
يبيع متاعه في السوق وكان رجلا دميما فاحتضنه من خلفه فقال أرسلني من هذا
فلما عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم صار يمكن ظهره من صدره الشريف
عليه الصلاة والسلام وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري
العبد فقال يا رسول الله تجدني كاسدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولكن عند الله ليست بكاسد أو قال انت عند الله غال ويجوز أن يكون صلى الله
عليه وسلم جمع بين هذين اللفظين وكل روى ما سمع منهما
وعن عائشة رضي
الله عنها قالت خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبض أسفاره وأنا
جارية لم أحمل اللحم فقال صلى الله عليه وسلم تقدموا فتقدموا ثم قال لي
تعالى حتى اسبقك فسابقته فسبقته فسكت حتى إذا حملت اللحم وكنا في سفرة
أخرى قال صلى الله عليه وسلم للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي تعالى حتى
اسابقك فسابقته فسبقني فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول هذه بتلك
وعن أنس رضي الله عنه قال دخل صلى الله عليه وسلم على أمي فوجد أخي أبا
عمير حزينا فقال يا أم سليم ما بال أبي عمير حزينا فقالت يا رسول الله مات
نغيره تعنى طيرا كان يلعب به فقال صلى الله عليه وسلم أبا عمير ما فعل
النغير وكان كلما رآه قال له ذلك
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم بحريرة طبختها فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه
وسلم بيني وبينها كلى فأبت فقلت لها كلي كلي أولألطخن وجهك فأبت فوضعت يدي
فيها فطليت وجهها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرخى فخذه لسودة
وقال الطخي وجهها فلطخت وجهي فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقال
صلى الله عليه وسلم يوما لعائشة ما أكثر بياض عينيك انتهى
وكان صلى
الله عليه وسلم يتغافل عما لا يشتهى وقد ترك نفسه من ثلاث الرياء والإكبار
وما لا يعنيه وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب
عورته
وكان صلى الله عليه وسلم يقابل السيئة بالحسنة ولا يذم ذواقا ولا يمدحه
والذواق الشيء يقال ما ذقت ذواقا أي شيئا من طعام أو شراب
وعن عبد
الله بن أبي بكر رضي الله عنهما عن رجل من العرب قال زحمت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم حنين وفي رجلي نعل كثيفة فوطئت بها على رجل رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبعجني بعجة بسوط في يده وقال بسم الله أوجعتني قال
فبت لنفسي لائما أقول أوجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحنا إذا
رجل يقول أين فلان فانطلقت وأنا متخوف فقال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم إنك وطئت بنعلك على رجلي بالأمس فأوجعتني فبعجتك بالسوط فهذه ثمانون
نعجة فخذها بها ولما نزل قوله تعالى { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن
الجاهلين } قال له جبريل عليه السلام أي بعد أن سأله صلى الله عليه وسلم
في ذلك إن ربك عز وجل يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك
وفي الحديث لا ينال عبد صريح الإيمان حتى يكون كذلك وفي الحديث إن ذلك
أفضل أهل الدنيا والآخرة
وكان صلى الله عليه وسلم لايتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ويصبر للغريب على
الجفوة في المنطق والمسألة لا يقطع على أحد حديثه ولا يتكلم في غير حاجة
يعظم النعمة إن دقت لا يغضب ولا ينتصر لها وإنما يغضب إذا تعرض للحق بشيء
وعند غضبه لذلك لا يثنيه شيء عن الانتصار له ويكرم كريم كل قوم ويوليه
عليهم ويتفقد أصحابه ويسأل عنهم فإن كان غائبا دعا له وإن كان شاهدا زاره
وإن كان مريضا عاده ويسأل الناس عما الناس فيه أفضل الناس عنده أعمهم
نصحية وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة لا يجلس ولا يقوم إلا عن ذكر وإذا
انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويأمر بذلك ويعطى كل واحد من
جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه
من جالسه أو نادمه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه من سأله حاجة لم
يرده إلا بها أبو بميسور من القول
عنده الناس في الحق سواء مجلسه مجلس حلم وحياء لا ترفع فيه الأصوات ولا
يتنازعون عنده الحديث
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير أي على غاية من السكون والوقار لأن الطير لا تكاد تقع إلا على ساكن وإذا تكلم عنده أحد أنصتوا له حتى يفرغ من حديثه أي لا يقطع بعضهم على بعض حديثه يضحك مما يضحكون ويعجب مما يعجبون
فقد ذكر أن ابا بكر رضي الله عنه خرج تاجرا إلى بصرى ومعه نعيمان بن عمرو الأنصاري وسويط بن حرملة وكلاهما بدري وكان سويط على زاد أبي بكر فجاءه نعيمان وقال له اطعمني فقال لا حتى يأتي أبو بكر وكان نعيمان رجلا مضحاكا مزاحا فيه دعابة وله أخبار ظريفة في دعابته فقال لسويط لأغيظنك فذهب إلى ناس وفي رواية فمروا بقوم فقال لهم نعيمان تشترون مني عبدا لي قالوا نعم قال إنه عبد له كلام وهو قائل لكم لست بعبده أنا رجل حر فإن كان إذا قال لكم هذه تركتموه فلا تشتروه ولا تفسدوا علي عبدي قالوا لا بل نشتريه ولا ننظر في قوله فاشتروه منه بعشرة قلائص فاقبل بها يسوقها وأقبل بالقوم حتى عقلها ثم قال دونكم هو هذا فجاء القوم له وقالوا له قد اشتريناك فقال هو كاذب أنا رجل حر وفي رواية أنهم وضعوا عمامته في عنقه وذهبوا به ولم يسمعوا كلامه فجاء ابو بكر رضي الله عنه فأخبره خبره فذهب هو وأصحابه واتبعوا القوم وأخبروهم أنه يمزح وردوا عليهم القلائص وردوا سليطا منهم فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حولا كاملا لأن سفر أبي بكر رضي الله عنه كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بعام
ووقع لنعيمان هذا أنه مر بمخرمة بن نوفل رضي الله عنه وقد كف بصره وهو يقول الا رجل يقودني حتى أبول فأخذ بيده نعيمان فلما بلغ مؤخر المسجد قال له ههنا فبال فصاح الناس به فقال من قادني قيل نعيمان فقال لله علي أن أضربه بعصاي هذه فبلغ نعيمان فأتاه فقال له هل لك في نعيمان قال نعم قال فقم فقام معه فأتى به عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو إذ ذاك أمير المؤمنين وهو يصلي فقال دونك الرجل فجمع يديه في العصا ثم ضربه فقال الناس أمير المؤمنين فقال من قادني فقيل نعيمان قال لا أعود إلى نعيان أبدا