كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي
وللمسافر أي الذي يباح له قصر الصلاة وان لم يحصل له مشقة
بالكلية مع
وجوب القضاء اذا زال المرض والسفر بقوله تعالى { ومن كان مريضا أو على سفر
فعدة من أيام أخر } أي فافطر فعليه صيام عدة ما افطر من ايام اخر وكانوا
ياكلون ويشربون وياتون النساء مالم يناموا بعد الغروب او يدخل وقت العشاء
الاخرة فاذا ناموا او دخل وقت العشاء الاخرة امتنع عليهم ذلك الى اللية
القابلة ثم نسخ الله ذلك واحل الاكل والشرب واتيان النساء الى طلوع الفجر
ولو بعد النوم ودخول وقت العشاء بقوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث
إلى نسائكم } ثم قال تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من
الخيط الأسود } ولما فهم بعض الصحابة ان المراد الخيط حقيقة حتى صار يجعل
عند وسادته حبلا ابيض وحبلا اسود انزل الله تعالى من الفجر اشارة الى ان
المراد بياض النهار وسواد الليل
وذكر في التفسير في سبب نزول هذه
الاية ان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه واقع اهله بعد ما صلى العشاء
فلما اغتسل اخذ يبكي ويلوم نفسه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا
رسول الله اعتذر الى الله واليك من نفسي هذه الخاطئة اني رجعت الى اهلي
فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت اهلي فقال النبي صلى الله عليه
وسلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر فقام رجال فاعترفوا بمثله فنزلت وذكر له
صلى الله عليه وسلم ان بعض اصحابه سقط مغشيا عليه بسبب الصوم فساله صلى
الله عليه وسلم عن ذلك فاخبر انه اهل حرث وانه جاء لينظر ما تعمله له
زوجته ليتعشى به فغلبته عينه فنام فلم يستيقظ الا بعد الغروب فلم يتناول
شيئا فانزل الله تعالى { وكلوا واشربوا } الاية وقوله تعالى { كما كتب على
الذين من قبلكم } جاء في بعض الروايات ان المراد بهم اهل الكتاب أي اليهود
والنصارى وجاء في بعضها ان المراد بهم النصارى خاصة وجاء في بعض الروايات
ان المراد بهم جميع الامم السابقة فقد جاء ما من امة الا وجب عليها صوم
رمضان الا انهم اخطئوه ولم يهتدوا له وهذه الرواية تدل على انه لم يصمه
احد من الامم السابقة فصومه من خصوصيات هذه الامة
وفي الانساب لابن
قتيبة اول من صام رمضان نوح عليه الصلاة والسلام هذا كلامه وفي بعض
الروايات ما يفيد ان النصارى صامته واتفق انه وقع في بعض السنين في شدة
الحر فاقتضى رايهم تاخيره بين الصيف والشتاء وان يزيدوا في مقابلة تاخيره
عشرين
يوما وعلى هذا فصومه ليس من خصائص هذه الامة وقيل التشبيه انما هو في مطلق
الصوم لافي خصوص صوم رمضان لانه كان الواجب على جميع ما تقدم من الامم صوم
ثلاثة ايام من كل شهر صام ذلك نوح فمن دونه حتى صامه النبي صلى الله عليه
وسلم كما تقدم وتقدم ان تلك الايام التي صامها صلى الله عليه وسلم كانت
البيض التي هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وتقدم انه قيل ان صوم
ذلك كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى امته
وقيل كان الواجب
عليه وعلى اصحابه قبل صوم رمضان عاشوراء وتقدم رده وكان فرض زكاة الفطر
قبل العيد بيومين وكان صلى الله عليه وسلم يخطب قبل العيد بيومين يعلم
الناس زكاة الفطر فيامر باخراج تلك الزكاة قبل الخروج إلى صلاة العيد أي
بعد ان شرعت لان مشروعيتها تاخرت عن مشروعية صلاة عيد الاضحى وكان فرض
زكاة الفطر قبل فرض زكاة الاموال وكان فرض زكاة الاموال في تلك السنة التي
هي الثانية ولم اقف على خصوص الشهر الذي وجبت فيه قال بعضهم ولعل هذا محمل
قول بعض المتاخرين المطلعين على الفقه والحديث لم يتحرر لي وقت فرض الزكاة
أي زكاة المال ولعله عنى ببعض المتاخرين الامام سراج الدين البلقيني رحمه
الله لان الامام سراج الدين البلقيني سئل هل علمت السنة التي فرضت فيها
زكاة المال فاجاب بقوله لم يتعرض الحفاظ ولا اصحاب السير للسنة التي فرض
فيها زكاة المال ووقع لي حديثان ظهر منهما تقريب ذلك ولم اسبق اليه ثم قال
فقد ظهر ان زكاة المال بعد زكاة الفطر وقيل قدوم ضمام بن ثعلبة وقدومه كان
في السنة الخامسة هذا كلامه
وقيل فرضت زكاة الفطر قبل الهجرة وعليه
يحمل ظاهر مافي سفر السعادة كان صلى الله عليه وسلم يرسل مناديا ينادي في
الاسواق والمحلات والازقة من مكة ألا ان صدقة الفطر واجبه على كل مسلم
ومسلمة الحديث
ورد بانه لم يفرض قبل الهجرة بعد الايمان الا الصلوات
الخمس وكل الفروض فرضت بعد الهجرة وفيه انه فرض قيام الليل كما تقدم وصلاة
الركعتين بالغداة والركعتين بالعشى على ما تقدم الا ان يقال المراد الفروض
الموجودة الان المستمر فرضها وما تقدم عن سفر السعادة يجوز ان يكون صلى
الله عليه وسلم يرسل المنادي الذي ينادي في مكة بوجود زكاة الفطر وهو
بالمدينة بعد وجوبها بالمدينة وامر صلى الله عليه وسلم ان
تخرج
زكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والانثى صاع من تمر او
صاع من شعير او صاع من زبيب او صاع من بر فكان يصلى العيدين قبل الخطبة
بلا اذان ولا اقامه أي بل يقال الصلاة جامعة لكن في سفر السعادة وكان صلى
الله عليه وسلم اذا بلغ المصلى شرع في الصلاة من وقته بلا اذان ولا اقامه
ولا الصلاة جامعة والسنة ان لا يكون شىء من هذا كله هذا كلامه وكانت تحمل
العنزة بين يديه فاذا وصل المصلى نصبت تجاهه وهي عصا قدر نصف الرمح في
اسفلها زج من حديد وكانت تلك العنزة للزبير بن العوام قدم بها من ارض
الحبشة فاخذها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يصلى اليها أي اخذها
منه بعد وقعة بدر وقد قتل بها الزبير عبيدة بفتح العين المهملة وبضمها ابن
سعيد بن العاص الذي كان يقال له ابو ذات الكرش قال الزبير لقيته لا يرى
منه الا عيناه فقال لي انا ابو ذات الكرش فحملت عليه بالعنزة فطعنته في
عينه فمات واردت اخراجها فوضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد ان نزعتها
وقد انثنى طرفها ولما قبض صلى الله عليه وسلم اخذها الزبير ثم طلبها أبو
بكر رضي الله تعالى عنه فأعطاه إياها فلما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه
أخذها الزبير ثم سألها عمر رضى الله تعالى عنه فاعطاه اياها فلما قبض عمر
اخذها ثم طلبها عثمان فاعطاه اياها فلما قتل دفعت الى على ثم اخذها
عبدالله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل
وكان صلى الله عليه وسلم اذا
رجع من صلاة عيد الفطر وخطبته يقسم زكاة الفطر بين المساكين ولعل المراد
الزكاة المتعلقة به لانه تقدم انه صلى الله عليه وسلم كان يامر الناس
باخراجها قبل الصلاة الا ان يقال المراد باخراجها جمعها له صلى الله عليه
وسلم ليفرقها
واذا فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاة الاضحى وخطبته
يؤتى له بكبشين وهو قائم في مصلاه فيذبح احدهما بيده ويقول هذا عن امتي
جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ
وعند الحاكم عن ابي سعيد
الخدري رضى الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا اقرن
بالمصلى أي بعد ان قال بسم الله والله اكبر وقال اللهم هذا عني وعمن لم
يضح من امتي
استدل بذلك على ان من خصائصه صلى الله عليه وسلم ان يضحى عن غيره بغير
اذنه
ويذبح الاخر ويقول هذا عن محمد وال محمد فياكل هو واهله منهما ويطعم
المساكين ولم يترك الاضحيه قط وهل كانت الانبياء من بعد ابراهيم تضحي هم
وأممهم او هم خاصة وكان في مسجده صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قبل ان
يوضع له المنبر يخطب ويسند ظهره الى اسطوانة من جذوع النخل او من الدوم
وهو شجر المقل
وعبارة بعضهم كان يخطب الناس وهو مستند الى جذع عند
مصلاه في الحائط القبلي فلما كثر الناس أي وقالوا له صلى الله عليه وسلم
لو اتخذت شيئا تقوم عليه اذا خطبت يراك الناس وتسمعهم خطبتك فقال ابنوا لي
منبرا فلما بنى له المنبر عتبتين اى ومحل الجلوس فكان ثلاث درجات وقام
عليه في يوم جمعة أي وخطب وفي لفظ لما عدل إلى المنبر ليخطب عليه وجاوز
ذلك الجذع سمع لتلك الاسطوانة حنين كحنين الوالة بصوت هائل سمعه اهل
المسجد حتى ارتج اى اضطرب المسجد وكثر بكاء الناس لذلك ولا زالت تحن حتى
تصدعت وانشقت اى وفي رواية سمع له صوت كصوت العشار اى النوق التي اتى
لحملها عشرة اشهر وقيل التي اخذ ولدها وفي بعض الروايات كحنين الناقة
الحاوج وهي التي انتزع ولدها منها وفي رواية جأر بفتح الجيم وبعدها همزة
مفتوحة اى صوت او بالحاء المعجمة بلا همزة وهو بمعناه كخوار الثور فنزل
صلى الله عليه وسلم فالتزمها وحضنها أي فجعلت تئن انين الصبي الذي يسكت
فيسكت
أي وفي كلام بعضهم وذكر الاسفراينى ان النبي صلى الله عليه
وسلم دعاه الى نفسه فجاءه يخرق الارض فالتزمه فعاد الى مكانه وفى رواية
ووضع يده عليها وقال لها اسكني واسكتي فسكتت وفي رواية ان هذا اى الجذع
يبكي لما فقد من الذكر والذي نفسي بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا أي يحن
الى يوم القيامة زاد في رواية حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقوله لما فقد من الذكر هو واضح على الرواية الاولى واما على الثانية
فالمراد لما يفقده من الذكر والى حنين الجذع اشار الامام السبكى رحمه الله
تعالى في تائيته بقوله ** وحن اليك الجذع حين تركته ** حنين الثكالى عند
فقد الاحبة **
وعن بعضهم قال قال لي الامام الشافعي رضى الله تعالى
عنه ما اعطى الله نبيا ما اعطى محمدا صلى الله عليه وسلم فقلت اعطى عيسى
احياء الموتى فقال اعطى
محمدا صلى الله
عليه وسلم حنين الجذع فهذا اكبر من ذاك وفي رواية لا تلوموه أي الجذع على
حنينه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارق شيئا الا وجد عليه أي
حزن وفي رواية انه قال له ان شئت اردك الى الحائط أي البستان الذي كنت فيه
تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد لك خوص وثمرة وان شئت اغرسك في الجنة
فيأكل اولياء الله من ثمرك ثم اصغى له صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقول
فقال بصوت سمعه من يليه بل تغرسني في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد فعلت قد فعلت وفي رواية لما اصغى اليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم الله سئل فقال اختار ان اغرسه في الجنة أي وفي رواية اختار دار
البقاء على دار الفناء ولا يخالف ما قبله لانه يجوز ان يكون السائل من غير
من سمع جوابه وامر به فدفن تحت المنبر وقيل جعل في السقف واخذ عنده ابى
رضى الله عنه بعد ان هدم المسجد وازيل سقفه فكان عنده الى ان اكلته الارضة
وعاد رفاتا أي متكسرا من شدة اليبس
اقول في سيرة الحافظ الدمياطى
قالوا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب الى جذع في
المسجد قائما فقال ان القيام شق علي فقال له تميم الدارى الا اعمل لك
منبرا كما رأيت يصنع بالشام أي تصنعه النصارى في كنائسهم لاساقفتهم تسمى
المرقاة يصعدون اليها عند تذكيرهم فتشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع
المسلمين في ذلك فراوا ان يتخذوه فقال العباس بن عبد المطلب رضى الله
عنهما ان لي غلاما يقال له كلاب اعلم الناس أي بالنجارة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم مره ن يعمله فارسله الى اثلة بالغابة فقطعها ثم عمل
منها درجتين ومقعدا ثم جاء به فوضعه في موضعه اليوم فجاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقام عليه أي وقال ان اتخذ منبرا فقد اتخده ابى ابراهيم أي
ولعله صلى الله عليه وسلم عنى به المقام الذي كان يقوم عليه عند بناء
البيت وهو الحجر الا ان ثبت ان ابراهيم كان له منبر يحدث عليه الناس
وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو
عند المنبر يقول ياخذ الجبار بسمواته وارضه بيده ثم يقول انا الجبار انا
الجبار اين الجبارون اين المتكبرون ويميل يعني النبي صلى الله عليه وسلم
عن يمينه وشماله حتى نظرت الى المنبر يتحرك حتى اني اقول اساقط هو برسول
الله صلى الله عليه وسلم وفي
رواية عنه
فقال المنبر هكذا وهكذا فجاء وذهب ثلاث مرات وفي رواية عن عائشة رضى الله
تعالى عنها فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم منبره حتى قلن ليحزن وقال
منبري هذا على ترعه بضم المثناة فوق واسكان الراء وبالعين المهملة من ترع
الجنة أي افواه جداول الجنة وقوائم منبري رواتب أي ثوابت في الجنة وقال
صلى الله عليه وسلم منبري على حوضي وقال ان حوضي كما بين عدن الى عمان اشد
بياضا من اللبن واحلى من العسل واطيب رائحة من المسك اباريقه عدد نجوم
السما من شرب منه شربة لم يظما بعدها ابدا واكثر الناس ورودا عليه يوم
القيامة فقراء المهاجرين قلنا من هم يا رسول الله قال الشعثة رؤسهم الدنسة
ثيابهم الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم السدد أي الابواب الذين
يعطون الذي عليهم ولا ياخذون الذي لهم وقال صلى الله عليه وسلم مابين قبري
ومنبري وفي رواية يدل قبري بيتي وفي لفظ حجرتي والمراد قبره الشريف فانه
في حجرته وحجرته هي بيته صلى الله عليه وسلم روضة من رياض الجنة أي يكون
بعينه في الجنة بقعة من بقاعها أي ينقلها الله تعالى فتكون في الجنة
بعينها
وقيل ان الصلاة والدعاء فيها يستحق بذلك من الثواب ما يكون
موجبا لدخول الجنة كما قيل بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم الجنة تحت
ظلال السيوف مع ان تلك السيوف كانت بارض الكفر وقيل انها لبركتها اضيفت
الى الجنة كما قيل في الضان انها من دواب الجنة
وقال ابن حزم ليس
على ما يظنه اهل الجهل من ان تلك الروضة قطعة مقتطعة من الجنة وقال صلى
الله عليه وسلم من حلف على منبري كاذبا ولو على سواك اراك فيتبوأ مقعده من
النار وفي رواية الا وجبت له النار
اقول وجاء انه صلى الله عليه
وسلم كان على المنبر يعتمد على عصا من شوحط وفي الهدى لم يعتمد صلى الله
عليه وسلم في خطبته على سيف ابدا وقبل ان يتخذ له المنبر كان يعتمد على
قوس او عصا أي وقيل كان يعتمد على قوس ان خطب في الحرب على عصا ان خطب في
غيره
واختلف فيها يعني تلك العصا هل هي العنزة لتي كان يصلي اليها
او غيرها وما يظنه بعض الناس من انه كان يعتمد على سيف وان ذلك اشارة الى
ان الدين قام
بالسيف فمن فرط جهله هذا كلامه وفيه ان بعض فقهائنا ذكر ان
اعتماده في خطبته كان على سيف روى ولم يثبت
وذكر فقهاؤنا تلك الحكمة حيث قالوا وحكمة اعتماده على العصا او القوس او
السيف الاشارة إلى ان هذا الدين قام بالسلاح وقول صاحب الهدى وكان قبل ان
يتخذ المنبر يعتمد على قوس او عصا يقتضى ان بعد اتخاذ المنبر لم يعتمد على
شىء من ذلك أي وصرح به صاحب القاموس في سفر السعادة حيث قال لم يكن ياخذ
السيف والحربة بيده بل كان يعتمد على القوس او العصا وذا قبل اتخاذ المنبر
واما بعد اتخاذ المنبر فلم يحفظ انه اعتمد على العصا ولا على القوس ولا
على غير ذلك هذا كلامه فيكون الاعتماد على ذلك فوق المنبر بدعة وهو خلاف
ما عليه ائمتنا من انه يسن ان يشغل يمناه بحرف المنبر ويسراه بما يعتمد
عليه من نحو العصا لكن قالوا كعادة من يريد الضرب بالسيف والرمي بالقوس
وهو لا ياتي في العصا ولا ياتي في السيف اذا كان في غمده
ووجود
المرقى الذى يقرأ الاية والخبر المشهور بدعة لانه حدث بعد الصدر الاول ولم
اقف على اول زمان فعل فيه ذلك لكن ذكر بعضهم انه صلى الله عليه وسلم في
حجة الوداع امر من يستنصت له الناس عند ارادة خطبته وعليه ان كان استنصتهم
بالحديث فذكر المرقى للخبر ليس من البدعة الا ان يقال هو بالنسبة لخطبة
الجمعة بدعة لانه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الحديث على المنبر فالسنة
ان يذكره الخطيب كذلك
ففي سفر السعادة وكان صلى الله عليه وسلم في
اثناء الخطبة يامر الناس بالانصات ويقول ان الرجل اذا قال لصاحبه انصت فقد
لغا ومن لغا فلا جمعة له وكان صلى الله عليه وسلم يقول من تكلم يوم الجمعة
والامام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل اسفارا والذي يقول انصت ليس له جمعة
وقول الحافظ الدمياطي كان صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع قائما وانه قال
ان القيام شق على يقتضى ان حنين الجذع كان عند قيامه على ذلك المنبر من
الخشب وانه لم يتخذ قبل ذلك المنبر من الطين الذي قدمناه وفيه نظر وكذا في
قوله وقال له تميم الدارى الى اخره لان تميما الدارى انما اسلم في السنة
التاسعة وهذا المنبر الذي من الخشب انما فعل في السابعة او الثامنة وعلى
هذا اقتصر الاصل حيث قال في الحوادث
وفيها
أي السنة الثامنة اتخاذ المنبر والخطبة عليه وحنين الجذع وهو اول منبر عمل
في الاسلام وهو في ذلك موافق لما قدمه هو أي الاصل من اتخاذ المنبر له من
الطين قبل ذلك وانه كان عنده حنين الجذع
وعلى كون المنبر عمل في
الثامنة لا يشكل كون العباس رضى الله تعالى عنه امر غلامه بعمله لان
العباس رضى الله عنه قدم المدينة في السنة الثامنة لكن في بعض الروايات
انه صلى الله عليه وسلم دعا رجلا فقال اتصنع لي المنبر قال نعم قال ما
اسمك قال فلان قال لست بصاحبه ثم دعا اخر فقال له مثل ذلك ثم دعا الثالث
فقال له ما اسمك قال ابراهيم قال خذ في صنعته فصنعه وفي رواية عمله رجل
رومى اسمه باقوم غلام سعيد بن العاص أي ولعله هو الذي تقدم ذكره عند بناء
قريش للكعبة
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم ارسل الى امراه فقال
لها مرى غلامك يعمل لي اعوادا اكلم الناس عليها فعمل له صلى الله عليه
وسلم درجات من طرفاء الغابة ويجوز ان يكون غلام العباس رضى الله تعالى عنه
انتقل الى ملك تلك المرأه وانه كان غلاما لسعيد بن العاص وانه اشترك في
عمله مع ابراهيم المتقدم ذكره فنسب لكل منهما
فعلم من كلام الاصل في
غير الحوادث انه كان صلى الله عليه وسلم يخطب اولا على الجذع ثم على
المنبر من الطين وان حنين الجذع كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على ذلك
المنبر من الطين وهو مخالف لكلامه في الحوادث ان حنين الجذع كان عند
اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر من الخشب ويكون ذكر حنين الجذع عند
القيام عليه من تصرف بعض الرواة لان حنين الجذع لم يتكرر حتى يقال جاز ان
يكون كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على المنبر من الطين ثم عند قيامه
على المنبر من الخشب
ثم رأيته في النور رجع كلام الاصل في غير
الحوادث الى كلام الاصل في الحوادث من انه صلى الله عليه وسلم لم يكن له
منبر من طين حيث قال قوله أي الاصل فبنوا له منبرا وهذا الكلام فيه تجوز
يعنى اتخذوا له منبرا وذلك لان المنبر كان من طرفاء الغابة وهو شجر معروف
هذا كلامه وليته عكس لان هذا منه يقتضى حينئذ ان يكون صلى الله عليه وسلم
استمر من حين خطب في المسجد الى السنة الثامنة يخطب الى الجذع لان المنبر
من الخشب اتخذ في السنة الثامنة كما تقدم عن الاصل
ويشكل
عليه قول عائشة رضى الله تعالى عنها في قصة الافك فثار الحيان الاوس
والخزرج حتى كادوا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر
لان قصة الافك كانت في سنة خمس
ثم رايت في كتاب الشريعة للاجرى عن
انس بن مالك رضى الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم يخطب مسندا ظهره
الى خشبة فلما كثر الناس قال ابنوا لي منبرا فبنوا له عتبتين أي غير
المستراح فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة الحديث
وعن سهل بن
سعد رضى الله تعالى عنه لما كثر الناس وصار يجىء القوم ولا يكادون يسمعون
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطبة قال الناس يا رسول الله قد كثر
الناس وكثير منهم لا يكاد يسمع كلامك فلو انك اتخذت شيئا تخطب عليه مرتفعا
من الارض ويسمع الناس كلامك فارسل صلى الله عليه وسلم الى غلام نجار
لامرأة من الانصار فاتخذ له مرقاتين من طرفاء الغابة فلما قام حنت الخشبة
التي كان يخطب اليها هذا كلامه وهو موافق لما تقدم عن الاصل في الحوادث
والذي ينبغي الجمع بين الروايتين لان ما علم من ان اتخاذ المنبر من طرفاء
الغابة كان بعد اتخاذه من الطين لانه اقوى في الارتفاع من منبر الطين وكون
حنين الجذع عند اتخاذ المنبر من الطرفاء من تصرف بعض الرواة لان حنينه
انما كان عند اتخاذ المنبر من الطين ولم يتكرر حنينه كما تقدم
ولما
ولى معاوية الخلافة كسا ذلك المنبر قبطية ثم كتب الى عاملة بالمدينة وهو
مروان ابن الحكم ان يرفع ذلك المنبر عن الارض فدعا بالنجارين وفعل ست درج
ورفع ذلك المنبر عليها فصارت تسع درجات وهذا يدل على ان قوله فاتخذ له
مرقاتين أي غير المستراح ومن ثم تقدم فعمل له درجات
وقيل امره بحمله
الى الشام فلما ارادوا قلعة اظلمت المدينة وكسفت الشمس حتى بدت النجوم
وثارت ريح شديدة فخرج مروان الى الناس فخطبهم وقال يا اهل المدينة انكم
تزعمون ان امير المؤمينن بعث الى ان ابعث اليه بمنبر رسول الله صلى الله
عليه وسلم وامير المؤمنين اعلم بالله من ان يغير منبر رسول الله صلى الله
عليه وسلم انما امرني ان اكرمه وارفعه ففعل ما تقدم
وقيل ان معاوية لما حج اراد ان ينقل المنبر الى الشام فحصل ما تقدم من كسوف
الشمس الخ فاعتذر معاوية للناس وقال اردت ان انظر الى ما تحته
وخشيت عليه من الارضة وكساه يومئذ قبطية
ولا مانع من تعدد الواقعة وان واقعة معاوية سابقة على واقعة مروان لقوله
لانظر ما تحته والا فمروان رفعه عن الارض
ثم ان هذا المنبر احرق بسبب الحريق الواقع في المسجد اول مرة فارسل صاحب
اليمن منبرا فوضع موضعه مكث عشر سنين
وفي الامتاع ثم تهافت المنبر النبوى على طول الزمان فعمل بعض خلفاء بني
العباس منبرا واتخذ من اعواد المنبر النبوى امشاطا يتبرك بها فاحترق هذا
المنبر المجدد في حريق المسجد فبعث المظفر ملك اليمن منبر هذا كلامه ثم
ارسل الملك الظاهر بيبرس من مصر منبرا فرفع منبر صاحب اليمن ووضع منبر
الملك الظاهر فمكث مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة فبدأفيه اكل الارضة فارسل
الظاهر برقوق منبرا فرفع منبر الملك الظاهر بيبرس ووضع منبر الملك الظاهر
برقوق ومكث ثلاثا أو اربعا وعشرين سنة
ثم ان السلطان المؤيد شيخ لما
بنى مدرسته بالقاهرة التي يقال لها المؤيدية عمل اهل الشام له منبرا
وارسلوا به اليه ليجعله في مدرسته فوجد اهل مصر قد صنعوا لها منبرا فسير
المؤيد منبر اهل الشام إلى المدينة فمكث سبعا وستين سنة ثم احرق في الحريق
الواقع في المسجد ثاني مرة ثم جعل موضعه منبر مبنى بالاجر مطلى بالنورة
فمكث احدى وعشرين سنة ثم جعل موضعة المنبر الرخام الموجود الان
قيل
واعجب منبر في الدنيا منبر جامع قرطبة قاعدة بلاد الاندلس بالمغرب ذكر ان
خشبه من ساج وابنوس وعود قاقلى احكم عمله ونقشه في سبع سنين وكان يعمل فيه
سبع صناع لكل صانع في كل يوم نصف مثقال ذهب فكان جملة ما صرف على اجرته
عشرة الاف مثقال وخمسين مثقالا وبالجامع المذكور مصحف فيه اربع ورقات من
مصحف عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه بخط يده وفيه نقط من دمه وفي هذا
المسجد ثلاثة اعمدة حمر مكتوب على احدها اسم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى
الثاني صفة عيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام واهل الكهف وعلى الثالث صورة
غراب نوح الجميع خلقة ربانية ولا بدع
فقد ذكر بعضهم رايت بحمام القاهرة رخامة عليها مكتوب بسم الله
الرحمن الرحيم مفسرا يقرؤه كل احد خلقه
وعن سهل قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم اول يوم جلس على المنبر أي
من الخشب كبر فكبر الناس خلفه ثم ركع وهو على المنبر ثم رجع فنزل القهقرى
ثم سجد في اصل المنبر ثم عاد حتى اذا فرغ من الصلاة يصنع فيها كما يصنع في
الركعة الاولى فلما فرغ اقبل على الناس وقال ايها الناس انما صنعت هذا
لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي وقوله لتأتموا بي أي تقتدوا بي في مثل هذا
الفعل من الاحرام والركوع على المحل المرتفع ثم النزول عنه والسجود تحته
ثم الصعود اليه وهكذا الى ان تتم الصلا وهذا عند أئمتنا مخصوص جوازه بما
اذا لم يلزم عليه استدبار القبلة او توالى حركات ثلاث وقوله ولتعلموا
صلاتي هو واضح لو كان ذلك اول صلاة الا ان يقال المراد ولتعلموا جواز
صلاتي هذه
وفي كلام فقهائنا انه صلى الله عليه وسلم كان ينزل من
المنبر ويسجد للتلاوة اسفل المنبر واخر الأمرين ترك ذلك فعلم ان منبره صلى
الله عليه وسلم كان ثلاث درجات بالمستراح وحينئذ يشكل ان صح ما روى ان ابا
بكرنزل درجة عن موقفه صلى الله عليه وسلم وعمر نزل درجة اخرى وعثمان درجة
اخرى ومن ثم قال في النور وهذا يدل على انه كان اكثر من ثلاث درجات أي
اربعة غير المستراح والا يلزم ان يكون عمر وعثمان كانا يخطبان على الارض
قال ويمكن تأويله هذا كلامه ولينظر ما تأويله فانه يلزم على كونه درجتين
غير المستراح ان يكون الصديق كان يخطب على الدرجة الثانية وعمر يخطب على
الارض وان عثمان فعل كفعل عمر وحينئذ لا يحسن قولهم وعثمان نزل درجة اخرى
اذ لا درجة بعد الدرجة الثانية ينزل عنها وحينئذ يشكل مافي الامتاع وهو
كان منبره صلى الله عليه وسلم درجتين ومجلسا وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يجلس على المجلس ويضع رجليه اذا قعد على الدرجة الثانية فلما ولى ابو
بكر رضى الله تعالى عنه قام على الدرجة الثانية ووضع رجليه على الدرجة
السفلى فلما ولى عمر رضى الله تعالى عنه قام على الدرجة السفلى ووضع رجليه
على الارض اذا قعد فلما ولى عثمان رضى الله تعالى عنه فعل كذلك أي كفعل
عمر ست سنين من خلافته ثم علا الى موضع وقوفه صلى الله عليه وسلم هذا كلامه
وكان
ينبغي ان يقول بدل قوله فلما ولى ابو بكر قام على الدرجة الثانية جلس على
الدرجة الثانية وكذا قوله فلما ولى عمر قام على الدرجة السفلى جلس على
الدرجة السفلى أي فقد خطب على الارض وكذا عثمان
وذكر فقهاؤنا أن
منبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير الدرجة التي تسمى المستراح
وتسمى بالمقعد والمجلس فكان صلى الله عليه وسلم يقف على الثالثة أي
بالنسبة للسفلى وإذا جلس يجلس على المستراح ويجعل رجليه محل وقوفه إذا قام
للخطبة وكذا الخلفاء الثلاثة كل يجعل رجليه محل وقوفه
ويذكر أن
المتوكل قال يوما لجلسائه وفيهم عبادة أتدرون ما الذي نقم على عثمان نقم
عليه أشياء منها أنه قام أبو بكر رضي الله تعالى عنه دون مقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمرقاة ثم قام عمر رضي الله تعالى عنه عنه دونه بمرقاة
فصعد عثمان رضي الله تعالى عنه ذروة المنبر فقال له عبادة ما أحد أعظم منه
عليك يا أمير المؤمنين من عثمان قال وكيف ذاك قال لأنه صعد ذروة المنبر
وإنه لو كان كلما قام خليفة نزل عمن تقدمه كنت أنت تخطبنا في بئر عميق
فضحك المتوكل ومن حوله وكون عثمان صعد ذروة المنبر إنما هو في آخر الأمر
كما علمت
وفي كلام بعضهم أول من اتخذ المنبر خمس عشرة درجة معاوية
رضي الله تعالى عنه وأنه أول من اتخذ الخصيان في الإسلام وأول من قيدت بين
يديه الجنائب وعثمان أول من كسا المنبر قبطية
وعن الواقدي أن امرأة
سرقت كسوة عثمان للمنبر فأتى بها إليه فقال لها عثمان هل سرقت قولي لا
فاعترفت فقطعها ثم كساه معاوية كما تقدم ثم كساه عبد الله ابن الزبير
فسرقتها امرأة فقطعها كما قطع عثمان ثم كساه الخلفاء من بعده &
باب
غزوة بدر الكبرى
ويقال لها بدر العظمى ويقال لها بدر القتال ويقال بدر الفرقان أي لأن الله
تعالى فرق فيها بين الحق والباطل
ثم إن العير التي خرج صلى الله عليه وسلم في طلبها حتى بلغ العشيرة ووجدها
سبقته بأيام لم يزل مترقبا قفولها أي رجوعها من الشأم فلما سمع بقفولها من
الشأم ندب المسلمين
أي دعاهم وقال هذه
عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا اليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب ناس أي
أجابوا وثقل آخرون أي لم يجيبوا لظنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يلق حربا ولم يحتفل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يهتم بها بل
قال من كان ظهره أي ما يركبه حاضرا فليركب معنا ولم ينتظر من كان ظهره
غائبا عنه
ولما خرج صلى الله عليه وسلم إلى بدر قالت له أم ورقة بنت
نوفل يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله يرزقني
الشهادة فقال لها قرى في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة وكانت قد قرأت
القرآن فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة فكان
الناس يقولون لها الشهيدة فلما كان زمن خلافة سيدنا عمر عدا عليها غلام
وجارية كان دبرتهما فغمياها بقطيفة إلى أن ماتت فجيء بهما إلى سيدنا عمر
فأمر بصلبهما فكانا أول مصلوب بالمدينة وقال صدق رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يقول انطلقوا بنا نزور الشهيدة
فكان أبو سفيان حين دنا
بالعير من أرض الحجاز يتجسس الأخبار أي يبحث عنها ويسأل من لقي من الركبان
تخوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد استنفر أصحابه للعير أي ويقال إنه لقي رجلا فأخبره أنه صلى الله
عليه وسلم قد كان عرض لغيره في بدايته وأنه تركه مقيما ينتظر رجوع العير
فخاف خوفا شديدا فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري أي استأجره بعشرين مثقالا
ولا يعرف له إسلام والذي من الصحابة ضمضم بن عمر الخزاعي ليأتي مكة أي وأن
يجدع بعيره وأن يحول رحله ويشق قميصه من قبله ومن دبره إذا دخل مكة
ويستنقر قريشا ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم هو وأصحابه فخرج ضمضم سريعا
إلى مكة وقبل أن يقدم بثلاث ليال رأت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى
الله عليه وسلم اختلف في إسلامه رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن
عبد المطلب فقالت له يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني أي اشتدت
على وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك
قال وفي رواية أنها قالت له لن أحدثك حنى تعاهدني أن لا تذكرها فإنهم إن
سمعوها
تعني كفار قريش آذونا واسمعونا ما لا نحب فعاهدها العباس اه فقال لها ما
رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح أي وهو ما بين
المحصب ومكة ثم صرخ بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر أي يا أصحاب الغدر
وعدم الوفاء إلى مصارعكم في ثلاث أي بعد ثلاثة أيام
وفي كلام
السهيلي يا آل غدر بضم الغين والدال جمع غدور أي إن تخلفتم فأنتم غدر
لقومكم قالت فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما
هم حوله مثل به بعيره أي انتصب به على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ثم مثل به
بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى حتى
إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت أي تكسرت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا
دخلها منه فلقة فقال لها العباس والله إن هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا
تذكريها لأحد ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة أي وكان صديقا له فذكرها
له أي واستكتمه فذكرها الوليد لأبيه عتبة فتحدث بها ففشا الحديث قال
العباس فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون
برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل
إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال أبو جهل لعنه الله يا بني عبد
المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال ذاك الرؤيا التي رأت
عاتكة فقلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تستنبأ رجالكم حتى
تستنبأ نساؤكم
وفي رواية ما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى
جئتمونا بكذب النساء اه قال أبو جهل قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال
انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقا ما تقول فسيكون وإن تمض
الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب
قال العباس فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون
رأت شيئا وفي رواية أن العباس قال لأبي جهل هل أنت منته يا مصفر استه أي
يا مابون أو يا جبان أو الذي يغير لون البرص الذي بمقعدته الزعفران فإن
الكذب فيك وفي أهل بيتك فقال من حضرهما ما كنت يا أبا الفضل جهولا ولا
خرقا ولقي العباس رضي الله تعالى عنه من أخته عاتكة أذى شديدا حين أفشى من
حديثها قال العباس فلم أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب
إلا
أتتني أقررتم أي قائلة أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد
تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت
ثم قلت
لهن وايم الله لأتعرضن له وإن عاد قاتلته وغدوت في اليوم الثالث من رؤيا
عاتكة وأنا مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه فدخلت المسجد
فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود إلى بعض ما قال فأوقع به إذ هو
قد خرج نحو باب المسجد يشتد أي يعدو فقلت في نفسي ماله لعنه الله أكل هذا
فرق أي خوف مني فإذا هو يسمع ما لم أسمع سمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو
يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره أي قطع أنفسه وأذناه وحول
رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطمة اللطيمة أي أدركوا اللطيمة
وهي العير التي تحمل الطيب والبز أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في
أصحابه لا أرى أن تدركوها وفي لفظ إن أصابها محمد لم تفلحوا أبدا الغوث
الغوث قال العباس فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر فتجهز الناس سراعا
أي وفزعوا أشد الفزع وأشفقوا أي خافوا من رؤيا عاتكة
ويروى أنه
قالوا أيظن محمد واصحابه ان تكون كعير ابن الحضرمي والله ليعلمن غير ذلك
فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا أي وأعان قويهم ضعيفهم
وقام أشراف قريش يحضون الناس على الخروج وقال سهيل بن عمرو يا آل غالب
أتاركون أنتم محمدا والصباة من أهل يثرب يأخذون أموالكم من أراد مالا فهذا
مالي ومن أراد قوتا فهذا قوتي ولم يتخلف من أشراف قريش إلا أبو لهب أي
خوفا من رؤيا عاتكة فإنه كان يقول رؤيا عاتكة كأخذ بيد أي صادقة لا تتخلف
وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة أي استأجره بأربعة آلاف درهم كانت له
عليه دينا أفلس بها أي قال له أخرج وديني لك أي ويقال إن ذلك الدين كان
ربا ومن ثم جاء في لفظ وكان لاطه بأربعة آلاف درهم قال أبو عبيد وسمى
الربا لياطا لأنه ملصق بالبيع وليس ببيع
وفي كلام البلاذري أنه قامر
أبا لهب على أن يطيعه فيما أراد فقمره أبو لهب فأسلمه إلى ضيق أي ضيق عليه
بالطلب ثم قامره فقمره أبو لهب أيضا فأرسله مكانه إلى بدر
وهشام
هذا قتله عمر بن الخطاب في هذه الغزوة حتى إن أمية بن خلف أراد القعود
وكان شيخا جسيما ثقيلا فجاء إليه وهو جالس مع قومه عقبة بن أبي معيط
بمجمرة فيها مجمر أي بخور يحملها حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا علي
استجمر فإنما أنت من النساء فقال له قبحك الله وقبح ما جئت به أي وكان
عقبة كما في فتح الباري سفيها وكان أبو جهل سلط عقبة على ذلك وفي لفظ أتاه
أبو جهل فقال له يا ابا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل
الوادي وفي لفظ وأنت من أشراف الوادي تخلفوا معك فسر يوما أو يومين أي ولا
مانع من وجود ذلك كله فتجهز مع الناس
أي وسبب تخلفه أن سعد بن معاذ
قدم مكة معتمرا فنزل عليه لأن أمية كان ينزل على سعد بالمدينة إذا ذهب إلى
الشام في تجارته فقال سعد لأمية أنظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت
فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفلت الناس انطلقت فطفت وفي
لفظ فخرج أمية به قريبا من نصف النهار فبينما سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل
فقال من هذا الذي يطوف فقال له سعد أنا سعد بن معاذ فقال له أبو جهل أتطوف
بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا واصحابه وفي لفظ آويتم الصباة وزعمتم أنكم
تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك
سالما فتلاحيا أي تخاصم وسعد يرفع صوته بقوله أما والله لئن منعتني هذا
لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة فصار أمية يقول لسعد لا
ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي وجعل يسكت سعدا فقال سعد
لأمية إليك عني فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك قال
إياي قال نعم قال بمكة قال لا أدري قال والله ما كذب محمد فكاد يحدث أي
يبول في ثيابه فزعا فرجع إلى امرأته فقال ما تعلمين ما قال أخي اليثربي
يعني سعد بن معاذ قالت وما ذاك قال زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي قالت
فوالله ما يكذب محمد قال فلما جاء الصريخ واراد الخروج قالت له امرأته أما
علمت ما قال لك أخوك اليثربي قال فإني إذن لا أخرج فلما صمم على عدم
الخروج بل أقسم بالله لا يخرج من مكة قيل له ما تقدم فخرج ناويا أن يرجع
عنهم
أي ومعنى كونه صلى الله عليه وسلم قاتله أنه كان سببا في قتله وإلا فهو
صلى الله عليه
وسلم
لم يباشر إلا قتل أخيه وهو أبي بن خلف في أحد كما سيأتي ومن ثم جاء في
رواية قال لأمية إن أصحابه يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقتلونك
ويحتمل أن سعد بن معاذ رضي الله عنه سمعه صلى الله عليه وسلم يقول أنا
اقتل أبي ابن خلف ففهم رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم يريد أمية لا
أبيا
أي وفي الإمتاع أن أمية بن خلف وعتبة وشيبة ابني ربيعة وزمعة
بن الأسود وحكيم ابن حزام استقسموا بالأزلام فخرج لهم القدح الناهي أي
المكتوب عليه لا تفعل فأجمعوا على المقام فجاءهم أبو جهل لعنه الله
وأزعجهم وأعانه على ذلك عقبة ابن أبي معيط والنضر بن الحارث
ويقال
إن عداسا قال لسيده عتبة وشيبة ابني ربيعة بأبي وأمي أنتما والله ما
تساقان إلا لمصارعكما فأراد عدم الخروج فلم يزل بهما أبو جهل حتى خرجا
عازمين على العود عن الجيش
ولما فرغوا من جهازهم أي وكان ذلك في
ثلاثة أيام وقيل في يومين وأجمعوا السير أي عزموا عليه وكانوا خمسين
وتسعمائة وقيل كانوا ألفا وقادوا مائة فرس أي عليها مائة درع سوى دروع
المشاة قال ابن إسحاق وخرجوا على الصعب والذلول أي لشدة إسراعهم والصعب
الذي لا ينقاد والذلول الذي ينقاد معهم القيان أي بفتح القاف وتخفيف
المثناة تحت وفي آخره نون جمع قينة وهي الأمة مطلقا وقيل المغنية والمراد
هنا الثاني لقوله في الإمتاع ومعهم القينات يضربن بالدفوف يغنين أي بهجاء
المسلمين
وسيأتي في أحد خروج جماعة من نساء قريش معهن الدفوف وعند
خروجهم ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب أي والدماء وقالوا نخشى أن
يأتونا من خلفنا أي لأن قريشا كان قتلت شخصا من كنانة وأن شخصا من قريش
كان شابا وضيئا له ذؤابة وعليه حلة خرج في طلب ضالة له فمر ببني كنانة
وفيهم سيدهم وهو عامر بن الخلوج فرآه فأعجبه فقال له من أنت يا غلام فذكر
أنه من قريش فلما ولى الغلام قال عامر لقومه أمالكم في قريش من آدم قالوا
بلى فأغراهم به فقتلوه ثم قال بنو كنانة لقريش رجل برجل فقالت قريش نعم
رجل برجل ثم إن أخا المقتول ظفر بعامر بمر الظهران فعلاه بالسيف حتى قتله
ثم خاط بطنه بسيفه ثم جاء وعلقه بأستار الكعبة من الليل
فلما
أصبحت قريش رأوا سيف عامر عرفوه وعرفوا قاتله أي وكاد ذلك يثنيهم أي
يصرفهم عن الخروج فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي وكان من
أشراف بني كنانة وقال لهم أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء
تكرهونه فخرجوا سراعا وخرج معهم إبليس بعدهم أن بني كنانة وراءهم قد
اقبلوا لنصرهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
ولما
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ضرب رسول الله صلى الله عليه
وسلم عسكره ببئر أبي عتبة أي وأمر أصحابه أن يستقوا منها وشرب من مائها
وفي الإمتاع عسكر ببيوت السقيا وهي عين بينها وبين المدينة يومان كان
يستقى له صلى الله عليه وسلم الماء منها وقد جاء أن عبده صلى الله عليه
وسلم رباحا كان يستقي له من بئر غرس مرة ومن بيوت السقيا مرة وقال صلى
الله عليه وسلم بئر غرس من عيون الجنة ومن ثم غسل منها صلى الله عليه وسلم
كما سيأتي وغرس اسم عبد كان يقوم عليها وقيل غير ذلك
وأمر صلى الله
عليه وسلم حين فصل من بيوت السقيا أن تعد المسلمون فوقف لهم عند بئر ابي
عتبة فعدوا وهي على ميل من المدينة فعرض اصحابه ورد من استصغر أي وكان ممن
رده أسامة بن زيد ورافع بن خديج والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وزيد بن
أرقم وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ورد عمير بن أبي وقاص فبكى فأجازه وقتل
وعمره ستة عشر عاما وحينئذ يتوقف في رده لأن الخمسة عشر بلوغ بالسن على ما
عليه أئمتنا
وخرج صلى الله عليه وسلم في خمسة وثلثمائة رجل من
المهاجرين أربعة وستون وباقيهم من الأنصار وقيل كان المهاجرون نيفا
وثمانين وكانت الأنصار نيفا وأربعين ومائتين
وذكر الإمام الدواني
أنه سمع من مشايخ الحديث أن الدعاء عند ذكرهم يعني أصحاب بدر مستجاب وقد
جرب ذلك وخلف عثمان على ابنته صلى الله عليه وسلم رقية وكانت مريضة أ ي
وقيل لأنه كان مريضا بالجدري أي ولا مانع من وجود الأمرين وقد قال صلى
الله عليه وسلم إن لك لأجر رجل وسهمه أي وكان أبو أمامة بن ثعلبة الأنصاري
أجمع
الخروج إلى بدر وكانت أمه مريضة فأمره صلى الله عليه وسلم بالمقام على أمه
فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر وقد توفيت فصلى على قبرها
واستعمل صلى الله عليه وسلم أبا لبابة رضي الله عنه واليا على المدينة ة
ورده من المحل المذكور أي من بئر أبي عتبة كذا في الأصل وقيل رده من
الروحاء وهو المشهور وهي قرية على ليلتين من المدينة كما تقدم
واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس في المدينة وخلف عاصم بن عدي على
أهل قباء وأهل العالية أي لشيء بلغه عن أهل مسجد الضرار لينظر في ذلك وكسر
بالروحاء خوات بن جبير أي وفي كلام ابن عبد البر وقال موسى بن عقبة خرج
خوات بن جبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ الصفراء أصاب ساقه
حجر ودميت رجله واعتلت فرجع وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه
وأهل الأخبار يقولون إنه شهد بدرا
وله في الجاهلية قصة مشهورة مع
ذات النحيين التي تضرب العرب بها المثل فتقول أشغل من ذات النحيين وهي
خولة يروي أنه صلى الله عليه وسلم سأله عنها وتبسم فقال يا رسول الله قد
رزقني الله خيرا منها وأعوذ بالله من الحور بعد الكور وروى أنه صلى الله
عليه وسلم قال له ما فعل بعيرك الشارد يعرض بهذه القصة فقال قيده الإسلام
يا رسول الله وقيل لم يعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القول لتلك
القضية وإنما هو لقضية أخرى هي أن خواتا مر بنسوة في الجاهلية أعجبه حسنهن
فسألهن أن يفتلن له قيدا لبعيره وزعم أنه شارد وجلس إليهن بهذه العلة فمر
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث إليهن فأعرض عنه وعنهن فلما
أسلم سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك البعير وهو يتبسم وكسر
أيضا الحارث بن الصمة
وبعث له صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله
وسعيد بن زيد رضي الله عنهم يتحسسان خبر العير والتحسس للأخبار بالحاء
المهملة أن يفحص الشخص عن الأخبار بنفسه وبالجيم أي يفحص عنها بغيره وجاء
تحسسوا ولا تجسسوا ولم يحضرا لهذا القتال بل رجعا بخبر العير إلى المدينة
على ظن أنه صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلما علما أنه ببدر خرجا إليه
فلقياه منصرفا من بدر واسهم لكل وصار كل من أسهم له يقول وأجري
يا
رسول الله فيقول وأجرك ودفع صلى الله عليه وسلم اللواء وكان أبيض إلى مصعب
ابن عمير وكان أمامه صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوتان إحداهما مع علي
بن أبي طالب كرم الله وجهه أي ويقال لها العقاب وكانت من مرط لعائشة
وفي كلام بعضهم كان أبو سفيان بن حرب من أشراف قريش وكانت إليه راية
الرؤساء المعروفة بالعقاب وكان لا يحملها في الحرب إلا هو أو رئيس مثله
وسيأتي أنه حملها في هذه الغزوة الأب الخامس لإمامنا الشافعي وهو السائب
بن يزيد والأخرى مع بعض الأنصار وابن قتيبة اقتصر على الأولى وذكر بعضهم
أن بعض الأنصار هذا قيل هو سعد بن معاذ وقيل الحباب بن المنذر وهذا يرد ما
تقدم في غزوة بواط عن ابن إسحاق وما سيأتي في غزوة بني قينقاع عن ابن سعد
أن الرايات لم تكن وجدت وإنما حدثت يوم خبير
ومما يؤيد الرد ما جاء
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعطى عليا
كرم الله وجهه الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة وفي الهدى أن لواء
المهاجرين كان مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء
الأوس مع سعد بن معاذ ولم يذكر الرايتين
وفي الإمتاع أنه صلى الله
عليه وسلم عقد الألوية وهي ثلاثة لواء يحمله مصعب ابن عمير ورايتان
سوداوتان إحداهما مع علي والأخرى مع رجل من الأنصار وفيه إطلاق اللواء على
الراية وقد تقدم أن جماعة من أهل اللغة صرحوا بترادف اللواء والراية
وكان صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة على غير لواء معقود وقال في الأصل
والمعروف أن سعد بن معاذ كان على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في
العريش أي كما سيأتي قال أي جوابا عما تقدم عن الأصل العريش كان ببدر أي
وهذا كان عند خروجهم وفي الطريق فلا منافاة أي لأنه يجوز أن يكون في بدر
دفع الراية لغيره بإذنه صلى الله عليه وسلم ليكون معه في العريش ولبس صلى
الله عليه وسلم درعه ذات الفضول وتقلد صلى الله عليه وسلم سيفه العضب
وحين فصل صلى الله عليه وسلم من بيوت السقيا قال اللهم إنهم حفاة فاحملهم
وعراة فاكسهم وجياع فأشبعهم وعالة فأغنهم من فضلك فما رجع أحد منهم يريد
أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل البعير والبعيران واكتسى من كان
عاريا وأصابوا طعاما من أزوادهم وأصابوا فداء الأسارى فاغتنى به كل عائل
وكان حبيب بن يساف ذا بأس ونجدة ولم يكن اسلم ولكنه خرج نجدة لقومه من
الخزرج طالبا للغنيمة ففرح المسلمون بخروجه معهم فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يصحبنا إلا من كان على ديننا أي وفي رواية ارجع فإنا لا
نستعين بمشرك أي وسيأتي في أحداثه صلى الله عليه وسلم قال لا ننتصر بأهل
الشرك على أهل الشرك لما رد حلفاء عبد الله بن أبي ابن سلول من يهود
وتكررت من حبيب المراجعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الثالثة قال
له تؤمن بالله ورسوله قال نعم فأسلم وقاتل قتالا شديد
وفي الإمتاع وقدم حبيب بن يساف بالروحاء مسلما ولا مخالفة لجواز أن يكون
أسلم قبل الروحاء
ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما أو يومين ثم نادى مناديه
يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا
وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان قال لهم قبل ذلك أفطروا فلم يفطروا انتهى
وسيأتي في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم بالفطر فلم يفعل جماعة منهم ذلك
فقال أولئك العصاة وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي التي
معهم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها كل ثلاثة يعتقبون بعيرا أي إلا ما كان
من حمزة وزيد بن حارثة وأبي كبشة وأنيسة مولى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإن هؤلاء الأربعة كانوا يعتقبون بعيرا
أي وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل يوم بدر
وفي الإمتاع فكانوا يتعاقبون الإبل الاثنين والثلاثة والأربعة هذا كلامه
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومرثد
يعتقبون بعيرا وفي لفظ كان أبو لبابة وعلي والنبي صلى الله عليه وسلم
يعتقبون بعيرا أي وذلك قبل أن يرد أبا لبابة للمدينة من الروحاء وبعد أن
رده قام مقامه مرثد وقيل زيد بن حارثة وقيل زيد كان مع حمزة أي كما تقدم
ويجوز
انه كان مع حمزة تارة ومع النبي صلى الله عليه وسلم اخرى فكان اذا كانت
عقبة النبي صلى الله عليه وسلم قالا له أي رفيقاه اركب حتى نمشى معك فيقول
ما انتما باقوى مني على المشي وما انا باغنى عن الاجر منكما
وكان
ابو بكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف رضى الله عنهم يعتقبون بعيرا أي ورفاعة
وخلاد ابنا رافع وعبيد بن يزيد الانصارى يعتقبون بعيرا حتى اذا كانوا
بالروحاء برك بعيرهم عيا فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا
رسول الله برك علينا بكرنا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتمضمض
والقاه في اناء أي وفي الامتاع فتمضمض وتوضا في اناء ثم قال افتح فاه فصب
منه في فيه ثم صب باقي ذلك عليه ثم قال اركبا ومضى فلحقاه وانه لينفر بهم
أي وامر صلى الله عليه وسلم باحصاء من معه وهو محتمل لان يكون امر بذلك
ثانيا بعد الروحاء بعد ان رد ابا لبابة وبعد عدهم في بئر ابي عتبة فاذا هم
ثلثمائة وثلاثة عشر ففرح بذلك وقال عدة اصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر
وهذا قول عامة السلف كما قاله ابن جرير رحمه الله ومن زاد على ذلك عد منهم
من رده صلى الله عليه وسلم من الروحاء ومن اسهم له ولم يحضر ومن نقص عن
ذلك وعدهم ثلثمائة وخمس رجال أو ست رجال أو سبعة رجال فالجواب عنه لا يخفى
وكان في الجيش خمسة افراس فرسان له صلى الله عليه وسلم وفرس لمرثد
ويقال له السيل وفرس للمقداد بن الاسود نسب اليه لانه تبناه في الجاهلية
كما تقدم ويقال لها سبحة وفرس للزبير ويقال له اليعسوب وقيل لم يكن في
الجيش الا فرسان فرس المقداد وفرس الزبير
وعن علي رضى الله تعالى
عنه ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد اقول يجوز ان يكون المراد لم
يقاتل يوم بدر فارسا الا المقداد وغيره ممن له فرس قاتل راجلا ويؤيده ما
يأتي انه صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنيمة لم يميز احدا عن احد الراجل
مع الراجل والفارس مع الفارس لكن قد يخالفه قول الزمخشري في خصائص العشرة
كان الزبير رضى الله عنه صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر
وليس على الميمنة يومئذ فارس غيره هذا كلامه الا ان يقال كون الزبير فارسا
على الميمنة
لا يخالف كون المقداد
فارسا في محل اخر مع الجماعة الذين فيهم سيدنا علي كرم الله وجهه فقول
سيدنا علي لم يكن فينا أي في الجماعة الملازمين لنا تأمل والله اعلم
وفي اثناء الطريق بعرق الظبية لقوا رجلا من الاعراب فسالوه عن الناس فلم
يجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
افيكم رسول الله قالوا نعم فسلم عليه ثم قال ان كنت رسول الله فاخبرني بما
في بطن ناقتي هذه فقال له سلامه بن سلامة بن وقش لا تسل رسول الله صلى
الله عليه وسلم اقبل علي انا اخبرك عن ذلك نزوت عليها ففي بطنها منك سخلة
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افحست على الرجل ثم اعرض عن سلامة
فلما نزلوا بواد يقال له ذفران بكسر الفاء أي وهو واد قريب من الصفراء
اتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار النبي صلى الله عليه
وسلم اصحابه واخبرهم الخبر أي قال لهم ان القوم قد خرجوا من مكة على كل
صعب وذلول أي مسرعين فما تقولون العير احب اليكم من النفير فقالوا بلى أي
قالت ذلك طائفة منهم العير احب الينا من لقاء العدو وفي رواية هلا ذكرت
لنا القتال حتى نتأهب له انا خرجنا للعير وفي رواية يا رسول الله عليك
بالعير ودع العدو فعند ذلك تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى
ذلك عن ابي ايوب رضى الله عنه في سبب نزول قوله تعالى { كما أخرجك ربك من
بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } وعند ذلك قام ابو بكر فقال
واحسن ثم قام عمر فقال واحسن ثم قام المقداد فقال يا رسول الله امض لما
امرك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل أي لموسى {
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } اذهب انت وربك فقاتلا انا معكم
مقاتلون ما دامت منا عين تطرف فوالله الذي بعثك بالحق نبيا لو سرت بنا الى
برك الغماد وهي مدينة بالحبشة لجالدنا أي ضربنا بالسيوف معك من دونه حتى
نبلغه وفي لفظ نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك قال ابن
مسعود فرايت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك
وفي الكشاف فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم خيرا ثم دعا له بخير
هذا وفي العرائس روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يوم الحديبية
حين صد عن البيت اني ذاهب بالهدى فتأخر عند البيت واستشار اصحابه في ذلك فقال المقداد بن الاسود اما والله لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى فاذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكنا نقول انا معكم مقاتلون والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك ومن بين يديك ولو خضت بحرا لخضناه معك ولو علوت جبلا لعلوناه معك ولو ذهبت بنا برك الغماد لتابعناك فلما سمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك تابعوه فاشرق عند ذلك وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعدد ممكن لكنه بعيد ثم قال اشيروا علي فقال عمر يا رسول الله انها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا امنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتاهب لذلك اهبته واعدد لذلك عدته أي ثم استشارهم ثالثا فقال اشيروا على ايها الناس ففهمت الانصار انه يعنيهم وذلك لانهم عدد الناس أي اكثرهم عددا ومن ثم قيل وانما كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة أي في ذلك المجلس ليعرف حال الانصار فانه تخوف ان لا تكون الانصار ترى عليها نصرته الا ممن دهمه أي جاءه على حين غفلة بالمدينة من عدوه وان ليس عليهم ان يسير بهم الى عدو من بلادهم عملا بظاهر قولهم له صلى الله عليه وسلم حين بايعوه عند العقبة يا رسول الله اناء براء من ذمامك حتى تصل الى دارنا فاذا وصلت اليها فانت في ذمتنا نمنعك بما نمنع به ابناءنا ونساءنا ومن ثم قال له سعد بن معاذ سيد الاوس وقيل سعد ابن عبادة سيد الخزرج وانما حكى بصيفة التمريض لانه قد اختلف في عده في البدريين والصحيح انه لم يشهد بدرا فانه كان تهيأ للخروج فنهش بالمهملة أي لدغته الحيه قبل ان يخرج فاقام أي وضرب له بسهم فقال لعلك تريدنا معاشر الانصار يا رسول الله فقا أجل قال قد امنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة زاد في رواية ولعلك يا رسول الله تخشى ان تكون الانصار ترى عليها ان لا ينصروك الا في ديارهم واني اقول عن الانصار واجيب عنهم فاظعن حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وفي لفظ وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من اموالنا ما شئت وما اخذت منا اكان احب الينا مما تركت وما امرت فيه من امر فامرنا تبع لامرك فامض يا رسول الله لما اردت فنحن معك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان تلقى بنا عدونا
وانا لصبر في الحرب صدق
اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك وفي لفظ بعض ما تقر به عينك فسر
بنا على بركة الله تعالى فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك ومن خلفك فسر
النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أي واشرق وجهه بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال
صلى الله عليه وسلم سيروا وابشروا فان الله تعالى قد وعدني احدى الطائفتين
أي وهما عير قريش ومن خرج من مكة من قريش يريد حماية ذلك العير فوالله
لكأني الان انظر الى مصارع القوم أي فقد اعلمه الله تعالى بعد وعده بذلك
بالظفر بالطائفة الثانية واراه مصارعهم فعلم القوم انهم ملاقون القتال وان
العير لا تحصل لهم
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران
حتى نزل قريبا من بدر فركب صلى الله عليه وسلم هو وابو بكر رضى الله عنه
أي وقيل بدل ابي بكر قتادة بن النعمان وقيل معاذ بن جبل حتى وقفا على شيخ
من العرب أي يقال له سفيان قال في النور لا اعلم له اسلاما فساله صلى الله
عليه وسلم عن قريش وعن محمد واصحابه وما بلغه عنهم فقا الشيخ لا اخبركما
حتى تخبراني من انتما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اخبرتنا
اخبرناك فقال الشيخ ذاك بذاك قال نعم قال فانه قد بلغني ان محمدا واصحابه
خرجوا يوم كذا وكذا فان كان صدق الذي اخبرني به فهم اليوم بمكان كذا وكذا
للمكان الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه وبلغني ان قريشا
خرجوا يوم كذا وكذا فان كان الذي اخبرني به صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا
للمكان الذي نزلت به قريش فلما فرغ من خبره قال من انتما فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم نحن من ماء أي من ماء دافق وهو المنى ثم انصرفا عنه
فقال الشيخ من ماء من ماء العراق فهم ان المراد بالماء حقيقته
أي
لكن في الامتاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن من ماء واشار بيده الى
العراق فقال من ماء العراق أي واضيف الماء إلى العراق لكثرته به وفيه ان
هذا من التورية وقد تقدم في اوائل الهجرة انه لا ينبغي لنبي ان يكذب ولو
صورة ومنه التورية
لكن في كلام القاضي البيضاوى وما روى انه عليه
الصلاة والسلام قال لابراهيم عليه الصلاة والسلام ثلاث كذبات تسمية
للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته ثم رجع رسول الله صلى الله عليه
وسلم الى اصحابه ودعا لهم فقال اللهم انهم حفاة فاحملهم
اللهم
انهم عراة فاكسهم اللهم انهم جياع فاشبعهم ففتح الله لهم يوم بدر فانقلبوا
حين انقلبوا وما منهم رجل الا وقد رجع بجمل او جملين واكتسوا وشبعوا اخرجه
ابو داود عن عمرو ابن العاص رضى الله تعالى عنه أي شبعوا واكتسوا بما
اصابوه من كسوة وأزواد قريش
وفي الامتاع ان دعاءه صلى الله عليه
وسلم المذكور كان عند مفارقته محل معسكره بالمدينة وهو بيوت السقيا كما
تقدم وتقدم فيه زيادة وعالة فأغنهم فأصابوا الاسرى فاغتنى بهم كل عائل ولا
مانع ان يكون دعاؤه صلى الله عليه وسلم بذلك تكرر
فلما امسى صلى
الله عليه وسلم بعث علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص
في نفر من اصحابه رضى الله تعالى عنهم إلى بدر يلتمسون الخبر فاصابوا
راوية لقريش معها غلام لبني الحجاج وغلام لبني العاص فأتوا بهما ورسول
الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فقالوا لمن أنتما وظنوا انهما لابي
سفيان فقالا نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم من الماء فضربوهما فلما
أوجعوهما ضربا قالا نحن لابي سفيان فتركوهما فلما فرغ رسول الله صلى الله
عليه وسلم من صلاته قال إذا صدقاكم ضربتوهما واذا كذبا كم تركتموهما صدقا
والله انهما لقريش اخبراني عن قريش قالا هم وراء هذا الكثيب أي التل من
الرمل الذي يرى بالعدوة القصوى أي جانب الوادي المرتفع فقال لهما رسول
الله صلى الله عليه وسلم كم القوم قالا كثير أي وفي لفظ هم والله كثير
عددهم شديد بأسهم قال ما عدتهم قالا لا ندري أي وجهد النبي صلى الله عليه
وسلم ان يخبراه كم هم فأبيا قال صلى الله عليه وسلم كم تنحرون أي من الجزر
كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا فقال صلى الله عليه وسلم القوم ما بين
التسعمائة والالف أي لكل جزور مائة ثم قال لهما فمن فيهم من اشراف قريش
قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وابو البحتري بن هشام وحكيم بن حزام
ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن
الحارث وزمعة بن الاسود وابو جهل بن هشام وامية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا
الحجاج وسهيل بن عمرو العامري أي رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك
يوم الفتح وهو من اشراف قريش وخطبائهم وسيأتي انه ممن اسر في هذه الغزاة
وعمرو بن عبدود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه
مكة قد ألقت اليكم افلاذ أي قطع كبدها أي اشرافها وعظماءها وذكر ان مسيرهم
واقامتهم كانت عشر
ليال حتى بلغوا الجحفة أي وهي قرية بقرب رابغ كما تقدم نزلوا بها
عشاء أي وفي الامتاع انهم ردوا القيان من الجحفة
اقول هذا والذي في مسلم وابي داود عن انس رضي الله تعالى عنه فاذا هم
بروايا قريش فيها رجل اسود لبني الحجاج فجاءوا به فكانوا يسالونه عن ابي
سفيان فيقول مالي بأبي سفيان علم فاذا قال ذلك ضربوه واذا قال هذا ابو
سفيان تركوه الحديث
أي وفي الامتاع واخذ تلك الليلة يسار غلام عبيدة
بن سعيد بن العاص واسلم علام منبه بن الحجاج وابو رافع غلام اميه بن خلف
فاتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الحديث
وقد يقال لا منافاة لان بعض الرواة ذكر الثلاثة وبعضهم اقتصر على اثنين
وبعضهم اقتصر على واحد والله اعلم
وكان مع قريش رجل من بني المطلب بن عبد مناف يقال له جهم بن الصلت رضي
الله تعالى عنه فانه اسلم في عام خيبر واعطاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم من خيبر ثلاثين وسقا وقيل اسلم بعد الفتح فوضع راسه فأغفى ثم قام
فزعا فقال لاصحابه هل رأيتم الفارس الذي وقف على فقالوا لا قال قد وقف على
فارس فقال قتل ابو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وابو البحتري وامية بن خلف وفلان
وفلان وعد رجالا من اشراف قريش ممن قتل يوم بدر أي وقال اسر سهيل بن عمرو
وفلان وفلان وعد رجالا ممن اسر قال ثم رايت ذلك الفارس ضرب في لبه بعيره
ثم ارسله في العسكر فما من خباء من أخيه العسكر إلا أصابه من دمه فقال له
أصحابه إنه لعب بك الشيطان ولما شاعت هذه الرؤيا في العسكر وبلغت ابا جهل
قال قد جئتم بكذب بني عبد المطلب مع كذب بني هاشم سيرون غدا من يقتل وفي
لفظ قال ابو جهل هذا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا من المقتول نحن أو
محمد وأصحابه وأول من نحر لهم حين خرجوا من مكة ابو جهل بن هشام عشر جزائر
أي بم الظهران وكانت جزور منها بعد ان نحرت بها حياة فجالت في العسكر فما
بقي خباء من اخبية العسكر الا اصابه من دمها كذا في الامتاع
ومن هذا
المحل رجع بنو عدي أي تفاؤلا بذلك ثم نحر لهم سفيان بن امية بعسفان تسع
جزائر ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشر جزائر وساروا من قديد فضلوا بهائم
ثم
اصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر فلما اصبحوا بالابواء
نحر لهم مقيس بن عمرو الجمحى تسع جزائر أي ويقال ان الذي نحر لهم بالابواء
نبيه ومنبه ابنا الحجاج عشرا ونحر لهم العباس بن عبد المطلب عشر جزائر
ونحر لهم الحارث بن عامر ابن نوفل تسعا ونحر لهم ابو البحترى على ماء بدر
عشر جزائر ونحر لهم مقيس الجمحى على ماء بدر تسعا أي ثم شغلهم الحرب
فأكلوا من ازوادهم ثم مضى رجلان من الصحابة أي قبل وصوله صلى الله عليه
وسلم الى بدر وكذا قبل وصول قريش الى بدر كما يدل عليه الكلام الاتي خلاف
ما يدل عليه هذا السياق الى ما ء بدر فنزلا قريبا منه عند تل هناك ثم اخذا
شنا لهما يستقيان فيه وشخص على الماء واذا جاريتان يتلازمان أي يتخاصمان
تمسك احداهما الاخرى على الماء والملزومة تقول لصاحبتها انما يأتي العير
غدا او بعد غد فاعمل لهم واقضيك الذي لك فقال ذلك الرجل الذي على الماء
صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك الرجلان فجلسا على بعيرهما ثم انطلقا حتى
اتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه بما سمعا ثم ان ابا سفيان تقدم
العير حذرا حتى ورد الماء فلقى ذلك الرجل فقال له هل احسست احدا قال ما
رايت احدا انكره الا اني قد رايت راكبين قد اناخا الى هذا التل ثم استقيا
في شن لهما ثم انطلقا
فأتى ابو سفيان مناخهما فاخذ من ابعار بعيرهما
ففتته فاذا فيه النوى فقال والله علائف يثرب فرجع الى اصحابه سريعا فصوب
عيره عن الطريق وترك بدرا بيسار وانطلق حتى اسرع فلما علم انه قد احرز
عيره ارسل الى قريش أي وقد كان بلغه مجيئهم ليحرزوا العير وكانوا حينئذ
بالجحفة انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم واموالكم وقد نجاها الله
تعالى فارجعوا فقال ابو جهل والله لا نرجع حتى نحضر بدرا فنقيم عليه ثلاثة
ايام فلا بد ان ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان
أي تضرب بالمعازف أي الملاهي وقيل الدفوف وقيل ل الطنابير وقيل نوع منها
يتخذه اهل اليمن وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا
ابدا بعدها وسيأتى في غزاة بدر الموعد ان موسم بدر يكون عند هلال ذى
القعدة في كل عام يمكث ثمانية ايام ويبعد ارادة ذلك لابي جهل أي اقامتهم
ببدر بقية رمضان وتمام شوال
قال ولما ارسل ابو سفيان يقول لقريش ما تقدم أي ورد عليه ابو جهل بما ذكر
قال هذا بغي والبغي منقصة وشؤم وعند ذلك رجع منهم بنو زهرة
وكانوا نحو المائة انتهى أي وقيل ثلثمائة وقائدهم كان الأخنس بن شريق
وفي كلام ابن الاثير فلم يقتل منهم أي من بني زهرة أحدا ببدر وفي كلام
غيره ولم يشهد بدرا احد من بني زهرة الا رجلان قتلا كافرين فان الاخنس قال
لبني زهرة يا بني زهرة قد نجى الله اموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل
انما نفرتم لتمنعوه وماله واجعلوا بي حميتها وارجعوا فانه لا حاجة لكم بان
تخرجوا في غير منفعة لاما يقول هذا يعني ابا جهل وقال لابي جهل أي وقد خلا
به اترى محمدا يكذب فقال ما كذب قط كنا نسميه الامين لكن اذا كانت في بني
عبد المطلب السقاية والرفادة والمشورة ثم تكون فيهم النبوة فاي شيء يكون
لنا فانخنس الاخنس ورجع ببني زهرة أي واسمه ابي وانما لقب بالاخنس من حين
رجع ببني زهرة فقيل خنس بهم فسمى الاخنس كان حليفا لبني زهرة مقدما فيهم
رضى الله تعالى عنه فانه اسلم يوم الفتح واعطاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم مع المؤلفة قلوبهم
ورأيت عن السهيلي انه قتل يوم بدر كافرا
وتبعه على ذلك التلمساني في حاشية الشفاء واستدل له بقول القاضي البيضاوي
ان قوله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الاية نزلت
في الاخنس بن شريق وفي الاصابة انه كان من المؤلفة ومات في خلافة عمر
وعن السدى ان الاخنس جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فاظهر اسلامه وقال
الله يعلم اني لصادق ثم هرب بعد ذلك فمر بقوم مسلمين فحرق زرعهم فنزلت {
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الى قوله { وبئس المهاد }
قال ابن عطيه ما ثبت قط ان الاخنس اسلم قلت قد اثبته في الصحابة جماعة ولا
مانع ان يكون اسلم ثم ارتد ثم رجع إلى الاسلام هذا كلام الاصابة
وفي كلام ابن قتيبة ولم يسلم الاخنس وفي كلام بعضهم ثلاثة ابن وابوه وجده
شهدوا بدرا الاخنس وابنه يزيد وابنه معن فليتأمل ذلك
قال واراد بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم ابو جهل وقال لا تفارقنا هذه
العصابة حتى نرجع انتهى
ثم لم يزالوا سائرين حتى نزلوا بالعدوة القصوى قريبا من الماء ونزل رسول
الله
صلى
الله عليه وسلم والمسلمون بعيدا من الماء بينهم وبين الماء رحلة فظمىء
المسلمون وأصابهم ضيق شديد واجنب غالبهم والقى الشيطان في قلوبهم الغيظ
فوسوس إليهم تزعمون انكم اولياء الله تعالى وانكم على الحق وفيكم رسوله
وقد غلبكم المشركون على الماء وانتم عطاش وتصلون مجنبين أي وما ينتظر
اعداؤكم الا ان يقطع العطش رقابكم ويذهب قواكم فيحكموا فيكم كيف شاؤوا
وفي الكشاف فاذا قطع العطش اعناقكم مشوا اليكم فقتلوا من احبوا وساقوا
بقيتكم الى مكة فحزنوا حزنا شديدا وأشفقوا وكان الوادي دهسا بالسين
المهملة أي لينا كثير التراب تسيخ فيه الاقدام فبعث الله السماء أي المطر
فأطفأت الغبار ولبدت الارض أي شدتها للنبي صلى الله عليه وسلم ولاصحابه أي
وطهرهم به واذهب عنه رجز الشيطان أي وسوسته وشربوا منه وملئوا الاسقية
وسقوا الركائب واغتسلوا من الجنابة أي وطابت نفوسهم فذلك قوله تعالى {
وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } أي من الاحداث { ويذهب عنكم رجز
الشيطان } أي وسوسته { وليربط على قلوبكم } أي يشدها ويقويها { ويثبت به
الأقدام } أي بتلبيد الارض حتى لا تسوخ في الرمل واصاب قريشا منها مالم
يقدروا على ان يرتحلوا منه أي ويصلوا الى الماء أي فكان المطر نعمة وقوة
للمؤمنين وبلاء ونقمة للمشركين
وعن علي رضى الله تعالى عنه اصابنا
من الليل طس من مطر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر وبات
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه
وعن علي رضى الله تعالى عنه
ما كان فينا أي تلك الليلة قائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي
تحت شجرة ويكثر في سجوده أي يقول يا حي ياقيوم يكرر ذلك حتى اصبح أي لا ن
المسلمين اصابهم تلك الليلة نعاس شديد يلقى الشخص على جنبه
أي وعن
قتادة كان النعاس امنة من الله وكان النعاس نعاسين نعاس يوم بدر ونعاس يوم
احد لان النعاس هنا كان ليلا قبل القتال وفي احد كان وقت القتال وكون
النعاس امنة وقت القتال أو وقت التأهب له وهو وقت المصافة واضح لاقبله
هذا وذكر الشمس الشامى انه لما نزلت الملائكة والناس بعد على مصافهم لم
يحملوا على عدوهم وبشرهم صلى الله عليه وسلم بنزول الملائكة حصل لهم
الطمأنينة والسكينة وقد حصل لهم النعاس الذي هو دليل على الطمأنينة وربما
يقتضي انه حصل لهم النعاس
عند المصافة والا فقد يقال ان قوله وقد حصل لهم النعاس جملة
حالية أي والحال انه حصل لهم قبل ذلك في تلك الليلة لا في وقت المصافة
ولا يبعد ذلك قوله بعد ذلك ولهذا قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه النعاس
في المصاف من الايمان والنعاس في الصلاة من النفاق أي لانه في الاول يدل
على ثبات الجنان وفي الثاني يدل على عدم الاهتمام بامر الصلاة
فلما
ان طلع الفجر نادى صلى الله عليه وسلم الصلاة عباد الله فجاء الناس من تحت
الشجر الحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرض على القتال أي في
خطبة خطبها افقال بعد ان حمد الله واثنى عليه اما بعد فاني احثكم على ما
حثكم الله عليه الى ان قال وان الصبر في مواطن الباس مما يفرج الله تعالى
به الهم وينجى به من الغم الحديث
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم يبادرهم أي يسابق قريشا الى الماء فسبقهم عليه حتى جاء ادنى ماء من
بدر أي اقرب ماء الى بدر من بقية مياهها فنزل به صلى الله عليه وسلم فقال
له الحباب بن المنذر يا رسول الله ارأيت هذا المنزل امنزل انزلكه الله
تعالى ليس لنا ان نتقدمه ولا نتأخر عنه ام هو الراي والحرب والمكيدة قال
بل هو الرأي والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض
بالناس حتى تاتي ادنى ماء من القوم أي اذا نزل القوم يعني قريشا كان ذلك
الماء اقرب المياه أي محله اقرب المياه إليهم قال الحباب فاني اعرف غزارة
مائه وكثرته بحيث لا ينزح فننزله ثم نغور ما عداه من القلب أي وهي الابار
غير المبنية ثم نبني عليه حوضا فتملآه ماء فنشرب ولا يشربون لان القلب
كلها حينئذ تصير خلف ذلك القليب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد
اشرت بالرأي ونزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال
الرأي ما اشار اليه الحباب فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من
الناس فسار حتى اتى ادنى ماء من القوم أي من المحل الذي ينزل به القوم
فنزل عليه ثم امر بالقلب فغورت بسكون الواو
وقال السهيلي لما كانت
القلب عينا جعلها كعين الانسان ويقال في عين الانسان غرتها فغارت ولا يقال
غورتها أي بالتشديد وبنى صلى الله عليه وسلم حوضا على القليب
الذى نزل به فملاه ماء ثم قذفوا فيه الانية ومن يومئذ قيل للحباب
ذو الرأي وظاهر كلام بعضهم انه كان معروفا بذلك قبل هذه الغزاة
وفيه ان ذلك القليب اذا كان خلف ظهورهم وسائر القلب خلفه ما المعنى في
تغويرها لانها اذا لم تغورهم يشربون ولا يشرب القوم الا ان يقال المعنى
لئلا ياتوا اليها من خلفهم فالغرض قطع اطماعهم من الماء فليتأمل واستدل
بقوله صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي على جواز الاجتهاد له صلى الله عليه
وسلم في الحرب نظرا لصورة السبب أو مطلقا لان صورة السبب لا تخصص وجواز
الاجتهاد له مطلقا هو الراجح
ومما استدل به على وقوع الاجتهاد له
صلى الله عليه وسلم في الاحكام قوله الا الاذخر عقب ما قيل له الا الاذخر
قال السبكى وليس قاطعا لاحتمال ان يكون اوحى إليه في تلك اللحظة
هذا وفي كلام بعضهم انهم نزلوا على ذلك القليب نصف الليل فصنعوا الحوض
وملئوه وقذفوا فيه الانية بعد ان استقوا منه وسيأتى ما يؤيده
وقال سعد بن معاذ يا نبي الله الا نبني عريشا أي وهو شيء كالخيمة من جريد
يستظل به تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فان اعزنا الله تعالى
واظهرنا على عدونا كان ذلك ما احببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك
فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك اقوام يا نبي الله ما نحن باشد لك حبا منهم
ولا اطوع لك منهم لهم رغبة في الجهاد ونية ولو ظنو انك تلقى حربا ما
تخلفوا عنك انما ظنوا انها العير يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك
فاثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير أي وقال او
يقضى الله خيرا من ذلك يا سعد أي وهو نصرهم وظهورهم على عدوهم ثم بنى أي
ذلك العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي فوق تل مشرف على المعركة كان
فيه
أي وعن علي رضي الله تعالى عنه انه قال لجمع من الصحابه اخبروني
عن اشجع الناس قالوا انت قال اشجع الناس ابو بكر لما كان يوم بدر جعلنا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فقلنا من مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم أي من يكون معه لئلا يهوى اليه احد من المشركين فوالله مادنا منا احد
الا ابو بكر شاهرا بالسيف على راس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوى
اليه احد الا اهوى اليه أي
ولذلك حكم
علي انه اشجع الناس وبه يرد قول الشيعة والرافضة ان الخلافة لا يستحقها
الا علي لانه اشجع الناس أي وهذا كان قبل ان يلتحم القتال والا فبعد
التحامه كان علي على باب العريش الذي به صلى الله عليه وسلم وابو بكر وسعد
بن معاذ قائمان على باب العريش في نفر من الانصار كما سيأتي
ومما
استدل على ان ابا بكر اشجع من علي ان عليا اخبره النبي صلى الله عليه وسلم
انه لا يقتله الا ابن ملجم فكان اذا دخل الحرب ولاقى الخصم علم انه لا
قدرة له على قتله فهو معه كالنائم على فراشه واما ابو بكر فلم يخبر بقاتله
فكان اذا دخل الحرب لا يدري هل يقتل اولا ومن هذه حاله يقاسي من التعب
مالا يقاسيه غيره
ومم يدل على ذلك ما وقع له في قتال اهل الردة وتصميمه العزم على مقاتلة
مانعي الزكاة مع تثبيط سيدنا عمر له عن ذلك
فلما كان الصباح اقبلت قريش من الكثيب هذا يؤيد القول بانه صلى الله عليه
وسلم سار باصحابه ليلا يبادرهم الى الماء لان ذلك بعد طلوع الفجر وصلاة
الصبح كما تقدم لان الظاهر من قول الراوي اقبلت أي عليهم هم ماكثون
ويؤيده ايضا ما في مسلم عن انس رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال ليلة بدر أي بعد ان وصل الى محل الوقعة هذا مصرع فلان ان شاء
الله غدا ووضع يده على الارض وهذا مصرع فلان ههنا وهذا مصرع فلان ههنا قال
انس ما ماط احدهم عن موضع يده صلى الله عليه وسلم أي ما تنحى فليتأمل
الجمع
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا وقد اقبلت
بالدروع الساترة والجموع الوافرة والاسلحة الشاكية أي التامة قال اللهم
هذه قريش قد اقبلت بخيلائها أي كبرها وعجبها وفخرها تجادلك أي تعايك
وتخالف امرك وتكذب رسولك فنصرك أي انجز نصرك الذي وعدتني أي وفي لفظ اللهم
انك انزلت على الكتاب وامرتني بالثبات ووعدتني احدى الطائفتين أي وقد فاتت
احداهما وهي العير وانك لا تخلف الميعاد اللهم احبهم أي اهلكهم الغداة وفي
رواية اللهم لا تفلتن ابا جهل فرعون هذه الامة اللهم لا تفلتن زمعة بن
الاسود اللهم واسحق عين ابي زمعة واعم بصر ابي زمعة اللهم لا تفلتن سهيلا
الحديث
ولما اطمأنت قريش ارسلوا عمير بن وهب الجمحى أي رضى الله تعالى عنه
فانه
اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه وشهد احدا معه صلى الله عليه وسلم فقالوا احزر
لنا اصحاب محمد أي انظر لنا عدتهم فاستجال بفرسه حول عسكر النبي صلى الله
عليه وسلم ثم رجع اليهم فقال ثلثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون قليلا
ولكن امهلوني حتى انظر للقوم كمينا او مددا فذهب في الوادى حتى ابعد فلم
ير شيئا ثم رجع إليهم وقال ما رأيت شيئا ولكني قد رايت يا معشر قريش
البلايا أي وهي في الاصل النوق تبرك على قبر صاحبها فلا تعلف لا تسقى حتى
تموت تحمل المنايا أي الموت أي نواضح يثرب تحمل الموت الناقع أي البالغ
زاد بعضهم الا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الافاعى لا يريدون ان
ينقلبوا الى اهلهم زرق العيون كأنهم الحصا تحت الحجف يعنى الانصار قوم ليس
لهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم والله ما نرى ان نقتل منهم رجلا حتى يقتل
رجل منكم فاذا اصابوا منكم اعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم فلما
سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فاتى عتبة بن ربيعة فقال يا ابا الوليد
انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك الى ان لا تزال تذكر فيها بخير
الى اخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس فقام عتبة خطيبا فقال
يا معشر قريش انكم والله ما تصنعون بان تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله
لئن اصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه
وابن خاله ورجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فان
اصابوه فذاك الذي اردتم وان كان غير ذلك اكفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون
أي يا قوم اعصبوها اليوم براسي أي اجعلوا عارها متعلقا بي وقولوا جبن عتبة
وانتم تعلمون اني لست بأجبنكم
أي وفي لفظ اخر ان حكيم بن حزام قال
لعتبة بن ربيعة تجير بين الناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمى أي الذي
قتله واقد بن عبدالله في سرية عبدالله ابن جحش الى نخلة وهو اول قتيل قتله
المسلمون وتحمل ما اصاب محمد من تلك العير أي الذي غنمه عبدالله بن جحش
كما سيأتى في السرايا فانهم لا يطلبون من محمد الا ذلك فقال عتبة نعم قد
فعلت أي هو حليفى فعلى عقله وما اصيب من المال ونعم ما قلت ونعم مادعوت
اليه وركب عتبة جملا له وصار يجيله في صفوف قريش
يقول يا قوم اطيعوني فانكم لا تطلبون غير دم ابن الحضرمي وما اخذ
من العير وقد تحملت ذلك
زاد بعضهم انه قال يا معشر قريش انشدكم الله في هذه الوجوه التي تضىء ضياء
المصابيح يعنى قريشا ان تجعلوها اندادا لهذه الوجوه التي كأنها عيون
الحيات يعنى الانصار وهذا كما ترى وما يأتى ايضا يضعف قول من قال انه صلى
الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمى أي اعطى ديته
وقد كان صلى الله عليه
وسلم لما رأى قريشا اقبلت من الكثيب وعتبة على جمل احمر قال ان يكن في احد
من القوم خير فعند صاحب الجمل الاحمر
أي وفي رواية ان يكن احد يامر
بخير فعسى ان يكون صاحب الجمل الاحمر ان يطيعوه يرشدوا ولما راى رسول الله
صلى الله عليه وسلم راكب الجمل الاحمر يجيله في صفوف قريش قال يا علي ناد
حمزه وكان اقربهم إلى المشركين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من
صاحب الجمل الاحمر وماذا يقول لهم فقال هو عتبة بن ربيعة ينهى عن القتال
وحينئذ يكون قوله صلى الله عليه وسلم ان يكن في احد من القوم خير الخ من
اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم
ثم قال عتبة لحكيم بن حزام انطلق
لابن الحنظلية يعنى ابا جهل قال حكيم فانطلقت حتى جئت ابا جهل فوجدته قد
سل درعا له من جرابها أي اخرجها منه فقلت له يا ابا الحكم ان عتبة ارسلني
اليك بكذا وكذا للذي قال فقال انتفخ والله سحره أي رئته كلمه تقال للجبان
وفي لفظ انه قال لعتبة وقد جاء الله اليه انت تقول هذا والله لو غيرك يقول
هذا لاعضضته أي قلت له اغضض على بظر امك ان قد ملأت رئتك جوفك رعبا كلا
والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وقال لحكيم ما بعتبة ما قال
ولكنه قد راى ان محمدا واصحابه اكلة جزور أي في قلة بحيث يكفيهم الجزور
وفيهم ابنه أي وهو ابو حذيفة رضى الله تعالى عنه فانه كان ممن اسلم قديما
فقد تخوفكم عليه
أي وفي رواية انه قال يا معشر قريش انما يشير عليكم
عتبة بهذا لان ابنه مع محمد ومحمد ابن عمه فهو كره ان تقتلوا ابنه وابن
عمه فغضب عتبة وسب ابا جهل وقال سيعلم اينا افسد لقومه
أي
ومن غريب الاتفاق ان ام ابان بنت عتبة بن ربيعة المذكور كان لها اربعة
اخوة وعمان كل منهم حضر بدرا اثنان من اخوتها مسلمان واثنان مشركان وواحد
من عميها مسلم ولاخر كافر فالاخوان المسلمان ابو حذيفة ومصعب بن عمير
ولعله كان اخاها لامها والكافران الوليد بن عتبة وابو عزيز العم المسلم
معمر بن الحارث ولعله كان اخا لعتبة لأمه والعم الكافر شيبة بن ربيعة وكان
من حكمة الله تعالى ان الله جعل المسلمين قبل ان يلتحم القتال في اعين
المشركين قليلا استدراجا لهم ليقدموا ولما التحم القتال جعلهم الله في
اعين المشركين كثيرا ليحصل لهم الرعب والوهن وجعل الله المشركين عند
التحام القتال في اعين المسلمين قليلا ليقوى جأشهم على مقاتلتهم
ومن
ثم جاء عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه انه قال لقد قللوا في اعيننا يوم
بدر حتى قلت لرجل اتراهم سبعين قال اراهم مائة وانزل الله تعالى { وإذ
يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم } ومن ثم قال الله
تعالى { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى
كافرة يرونهم } أي يرى اولئك الكفار المؤمنين مثليهم راى العين
أي
وقد ذكر ان قباث بن اشيم رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك قال في
نفسه يوم بدر لو خرجت نساء قريش باكمتها لردت محمدا واصحابه وعنه انه قال
لما كان بعد الخندق قدمت المدينة سالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا هو ذاك في محل المسجد مع ملأ من اصحابه فاتيته وانا لا اعرفه من
بينهم فسلمت عليه فقال صلى الله عليه وسلم يا قباث انت القائل يوم بدر لو
خرجت نساء قريش بأكمتها ردت محمدا واصحابه فقال قباث والذى بعثك بالحق ما
تحدث به لساني ولا ترفرفت به شفتاى ولا سمعه مني احد وما هو الا شىء هجس
في قلبي وحينئذ يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم له انت القائل أي في
نفسك اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله
وان ما جئت به الحق
ولما بلغ عتبة ما قاله ابو جهل قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره انا ام
هو وقد تقدم معنى مصفر استه
وذكر السهيلى هنا ان هذه الكمة لم يخترعها عتبة ولا هو ابو عذرتها فقد
قيلت لبعض الملوك وكان مترفها لا يغزو في الحروب يريدون صفرة الخلوق
والطيب وسادة
العرب لا تستعمل الخلوق
والطيب الا في الدعة وتعيبه في الحرب اشد العيب واظن ان ابا جهل لما علم
بسلامة العير استعمل الطيب والخلوق فلذلك قال له عتبة هذه الكلمة وانما
اراد مصفر بدنه ولكنه قصد المبالغة في الذم فخص منه بالذكر ما يسوؤه ان
يذكر هذا كلامه
وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الخطاب
رضى الله تعالى عنه اليهم يقول ارجعوا فانه ان يل هذا الامر منى غيركم احب
الي من ان تلوه مني فقال حكيم ابن حزام قد عرض نصفا فاقبلوه فوالله لا
تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف فقال ابو جهل والله لا نرجع بعد ان مكننا
الله منهم ثم ان ابا جهل بعث الى عامر ابن الحضرمي أي اخو المقتول الذي هو
عمرو وقال هذا حليفك يعني عتبة يريد ان يرجع بالناس وفي لفظ يخذل الناس عن
القتال وقد تحمل دية اخيك من ماله يزعم انك قابلها الا تستحي ان تقبل
الدية من مال عتبة وقد رايت ثأرك بعينك فقم فاذكر مقتل اخيك وكان عامر
كأخيه المقتول من حلفاء عتبة وسياتي ذلك فقام عامر بن الحضرمى فاكتشف أي
كشف استه أي وحثا عليه التراب ثم صرخ واعمراه واعمراه فثارت النفوس أي
وعامر هذا لا يعرف له اسلام
أي وفي الاستيعاب عامر بن الحضرمى قبل
يوم بدر كافرا واما اخوهما العلاء فمن فضلاء الصحابة رضى الله تعالى عنهم
أي وقد كان يقال انه مجاب الدعوة وانه خاض البحر هو وسريته التي كان اميرا
عليها وذلك في زمن خلافة عمر رضى الله تعالى عنه ويقال يبس حتى رىء الغبار
من حوافر الخيل بكلمات قالها ودعا بها وهى يا علي يا حكيم يا علي يا عظيم
انا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم فاجعل لنا اليهم سبيلا
وقد
وقع نظير ذلك أي دخول البحر لأبي مسلم الخولاني التابعي فانه لما غزا
الروم مع جيشه مروا بنهر عظيم بينهم وبين العدو فقال ابو مسلم اللهم اجزت
بني اسرائيل البحر وانا عبادك وفي سبيلك فأجزنا هذا النهر اليوم ثم قال
اعبروا بسم الله فعبروا فلم يبلغ الماء بطون الخيل
وكذا وقع نظير
ذلك لابي عبيد الثقفي التابعى امير الجيوش في ايام سيدنا عمر رضى الله
تعالى عنه فان دجلة حالت بينه وبين العدو فتلا قوله تعالى { وما كان لنفس
أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا }
ثم
سمى الله تعالى واقتحم بفرسه الماء واقتحم الجيش وراءه ولما نظر اليهم
الاعاجم صاروا يقولون ديوانا ديوانا أي مجانين ثم ولوا مدبرين فقتلهم
المسلمون وغنموا اموالهم وله اخ يقال له ميمون وهو الذي حفر البئر التي
بأعلى مكة التي يقال لها بئر ميمون ولم اقف على اسلامه
واما اختهم
التي هي الصعبة وهي ام طلحة بن عبيد الله فصحابية رضى الله تعالى عنها
كانت اولا تحت ابي سفيان بن حرب فطلقها فخلف عليها عبيدالله فولدت له طلحة
الذي قال في حقه صلى الله عليه وسلم من اراد ان ينظر الى شهيد يمشى على
وجه الارض فلينظر الى طلحة بن عبيدالله
ثم ان الاسود بن عبد الاسد
المخزومي وهو اخو ابي سلمة عبدالله بن عبد الاسد وكان رجلا شرسا سيء الخلق
شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء انه اول من يعطى كتابه
بشماله كما ان اخاه ابا سلمة اول من يعطى كتابه بيمينه كما تقدم قال اعاهد
الله لاشربن من حوضهم او لاهدمنه او لاموتن دونه فلما خرج خرج اليه حمزة
بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطل قدمه بنصف ساقه أي اسرع قطعها
فطارت وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى
اقتحم فيه أي وشرب منه وهدمه برجله الصحيحه يريد ان تبر يمينه فاتبعه حمزة
فضربه حتى قتله في الحوض واقبل نفر من قريش حتى وردوا ذلك الحوض منهم حكيم
بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ
الا قتل كافرا الا ما كان من حكيم بن حزام فانه لم يقتل ثم اسلم بعد ذلك
وحسن اسلامه فكان اذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجاني يوم بدر
وعلى ان هذا الحوض كان وراء ظهره صلى الله عليه وسلم يكون مجىء هؤلاء
للحوض من خلفه صلى الله عليه وسلم فليتأمل
ثم ان عتبة بن ربيعة التمس بيضة أي خودة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش
بيضة تسع راسه لعظمها فاعتجر على راسه ببردله أي تعمم به ولم يجعل تحت
لحيته من العمامة شيئا وخرج بين اخيه شيبة وابنه الوليد حتى فصل من الصف
ودعا للمبارزة فخرج اليه فتية من الانصار ثلاثة اخوة اشقاء هم معوذ ومعاذ
وعوف بنو عفراء وقيل بدل عوف عبدالله بن رواحة فقالوا من انتم قالوا رهط
من الانصار
قالوا ما لنا بكم من حاجة
وفي رواية اكفاء كرام انما نريد قومنا أي وفي لفظ ولكن اخرجوا الينا من
بني عمنا أي وفي لفظ انه صلى الله عليه وسلم امرهم بالرجوع فرجعوا الى
مصافهم وقال لهم خيرا لانه كره ان تكون الشوكة لغير بني عمه وقومه في اول
قتال وعند ذلك نادى مناديهم يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قومنا فقال
النبي صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي
وفي لفظ قوموا يا بني هاشم فقاتلوا بحقكم الذي بعث به نبيكم اذ جاءوا
ببطلانهم ليطفئوا نور الله قم يا عبيدة بن الحرث قم يا حمزة قم يا علي
فلما قاموا ودنوا قالوا لهم من انتم أي لانهم كانوا ملبسين لا يعرفون من
السلاح قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علي علي قالوا نعم اكفاء كرام
فبارز عبيدة بن الحارث وكان اسن القوم كان اسن من النبي صلى الله عليه
وسلم بعشر سنين عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة وبارز على الوليد فأما حمزة
فلم يمهل ان قتل شيبة واما علي فلم يمهل ان قتل الوليد واختلف عبيدة وعتبة
بينهما بضربتين كلاهما اثبت صاحبه وكر حمزة وعلي باسيافهما على عتبة
فذفناه بالمهملة والمعجمة واحتملا صاحبهما فجراه الى اصحابه أي واضجعوه
الى جانب موقفه صلى الله عليه وسلم فافرشه رسول الله صلى الله عليه وسلم
قدمه الشريفه فوضع خده عليها وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهد
انك شهيد أي بعد ان قال له عبيدة الست شهيدا يا رسول الله فتوفى في
الصفراء ودفن بها عند مرجع المسلمين الى المدينة
وقيل برز حمزة
لعتبة وعبيدة لشيبة وعلي للوليد واختلف عبيدة وشيبة بينهما بضربتين كلاهما
اثبت صاحبه وقعت الضربة في ركبة عبيدة فاطاحت رجله وصار مخ ساقه يسيل ثم
مال حمزة وعلي على شيبة فذففا عليه
أي ويقال ان شيبة لما صرع من
ضربة عبيدة قام فقام إليه حمزة فاختلفا ضربتين فلم يصنع سيفهما شيئا
فاعتنق كل واحد منهما صاحبه فاهوى عبيدة وهو صريع فضرب شيبة فقطع ساقه
فذفف عليه حمزة
وقيل بارز علي شيبة وبارز عبيدة الوليد فقد روى
الطبراني باسناد حسن عن علي انه قال اعنت انا وحمزة عبيدة بن الحارث على
الوليد فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم علينا ذلك
وقال
الحافظ ابن حجر وهذا اصح الروايات ولكن المشهور ان عليا كرم الله وجهه
انما بارز الوليد وهذا هو اللائق بالمقام لان عتبة وشيبة كانا شيخين
كعبيدة وحمزة بخلاف علي والوليد فكانا شابين وقتل حمزة طعيمة بن عدي اخا
المطعم بن عدي وتقدم ان المطعم مات قبل هذه الغزاة بستة اشهر كافرا
قيل وهذه المبارزة اول مبارزة وقعت في الاسلام
وفي الصحيحين عن ابي ذر انه كان يقسم قسما ان هذه الاية { هذان خصمان
اختصموا في ربهم } نزلت في حمزة وصاحبه وعتبة وصاحبه يوم بدر
وفي البخارى عن علي رضى الله تعالى عنه انه اول من يجثو بين يدي الرحمن
للخصومة يوم القيامة
وقيل اول من يقف بين يدي الله تعالى للخصومة علي ومعاوية ثم تزاحم الناس
ودنا بعضهم من بعض وقد كان عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف اصحابه
بقدح في يده أي بسهم لا نصل له ولا ريش فمر بسواد بتخفيف الواو لا
بتشديدها كما زعمه ابن هشام بن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد
الياء أي حليف بني النجار وهو خارج من الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم في
بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله اوجعتني وقد بعثك الله
بالحق والعدل فأقدني أي مكني من القود أي القصاص من نفسك فكشف رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد أي خذ القود أي القصاص فاعتنقه
فقبل بطنه الشريف فقال ما حملك على هذا يا سواد فقال يا رسول الله حضر ما
ترى فاردت ان يكون اخر العهدبك ان يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى
الله عليه وسلم بخير
وفيه ان هذا لا قود فيه ولا قصاص عندنا فليتأمل وسواد هذا جعله صلى الله
عليه وسلم بعد فتح خيبر عاملا على خيبر كما سيأتي
أي وفي حديث حسن عن عبدالرحمن بن عوف قال صفنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم بدر فبدرت منا بادرة امام الصف فنظر اليهم النبي صلى الله عليه
وسلم فقال معي معي
اقول وقع له صلى الله عليه وسلم بعض الانصار أي وهو سواد بن عمرو مثل هذا
الذي وقع له مع سواد بن غزية
ففي
ابي داود ان رجلا من الانصار كان فيه مزاح فبينما هو يحدث القوم يضحكهم اذ
طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود كان في يده وفي لفظ
بعرجون وفي اخر بعصا فقال اصبرني يا رسول الله أي اقدني ومكني من نفسك
لاقتص منك فقال اصبر أي اقتص قال ان عليك قميصا وليس على قميص فرفع رسول
الله صلى الله عليه وسلم قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه
أي ومن
خصائصه صلى الله عليه وسلم انه ما التصق ببدنه مسلم وتمسه النار كذا في
الخصائص الصغرى وفيها في محل اخر ولا تاكل النار شيئا مس جسده وكذلك
الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم
ثم لما عدل الصفوف قال لهم ان دنا
القوم منكم فانصحوهم أي ادفعوهم عنكم بالنبل واستبقوا نبلكم أي لا ترموهم
على بعد فان الرمى مع البعد غالبا يخطىء فيضيع النبل بلا فائدة أي وقال
لهم لا تسلوا السيوف حتى يغشوكم وخطبهم خطبة حثهم فيها على الجهاد وعلى
المصابرة فيه منها وان الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله عز وجل به الهم
وينجى به من الغم وهذا السياق يدل على تكرر هذه الخطبة أي وقوعها قبل
مجيئهم الى محل القتال وبعد مجيئهم اليه ولا مانع منه
ثم رجع صلى
الله عليه وسلم الى العريش فدخله ومعه ابو بكر ليس معه فيه غيره وسعد بن
معاذ قائم على باب العريش متوشح بسيفه مع نفر من الانصار يخافون على رسول
الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو أي والجنائب مهيأة لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ان احتاج اليها ركبها ولما اصطف الناس للقتال رمى قطبه بن عامر
حجرا بين الصفين وقال لا افر الا ان فر هذا الحجر وكان اول من خرج من
المسلمين مهجع بكسر الميم واسكان الهاء فجيم مفتوحة فعين مهملة مولى عمر
بن الخطاب فقتله عامر ابن الحضرمى بسهم ارسله اليه ونقل بعض المشايخ انه
اول من يدعى من شهداء هذه الامة وانه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ مهجع
سيد الشهداء أي من هذه الامة فلا ينافى ما جاء ان سيد الشهداء يوم القيامة
يحيى بن زكريا وقائدهم الى الجنة وذابح الموت يوم القيامة يضجعه ويذبحه
بشفرة في يده والناس ينظرون إليه لكن جاء سيد الشهداء هابيل الا ان تجعل
الاولية اضافية فيراد اول اولاد آدم لصلبه
قيل وكون مهجع اول قتيل من المسلمين لا ينافى كون اول قتيل من المسلمين
عمير بن
الحمام
لان ذاك اول قتيل من المهاجرين وعمير اول قتيل من الانصار ولا ينافى ذلك
ان اول قتيل من الانصار حارثة بن قيس أي قتل بسهم لم يدر راميه
ففى
البخارى عن حميد قال سمعت انسا يقول اصيب حارثة يوم بدر وهو غلام قتل
بارسال سهم اليه أي فانه اصابه سهم غرب أي لا يعرف راميه وهو يشرب من
الحوض
وفي كلام ابن اسحاق اول من قتل من المسلمين مهجع مولى عمر بن
الخطاب ومن بعده حارثة بن سراقة وقد جاءت ام حارثة وهي عمة انس بن مالك
الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله حدثني عن حارثة فان يكن
في الجنة لم ابك عليه ولكن احزن وان يكن في النار بكيت ما عشت في دار
الدنيا وفي رواية ان يكن في الجنة صبرت وان يكن غير ذلك اجتهدت عليه في
البكاء فقال يا ام حارثة انها ليست بجنة ولكنها جنات وحارثة في الفردوس
الاعلى فرجعت وهي تضحك وتقول بخ بخ لك يا حارثة وهذا قد يخالف قول ابن
القيم كالزمخشري ان الجنة التي هي دار الثواب واحدة بالذات كثيرة بالاسماء
والصفات وهذا الاسم الذي هو الجنة يجمعها من اسمائها جنة عدن والفردوس
والمأوى ودار السلام ودار الخلد ودار المقامة ودار النعيم ومقعد صدق وغير
ذلك مما يزيد على عشرين اسما
أي وعن الواقدى انه بلغ امه واخته وهما
بالمدينة مقتله فقالت امه والله لا ابكى عليه حتى يقدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأساله فان كان في الجنة لم ابك عليه وفي رواية اصبر واحتسب وان
كان ابني في النار بكيته
وفي رواية ترى ما اصنع فلما قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم من بدر جاءت امه فقالت يا رسول الله قد عرفت موقع
حارثة من قلبي فأردت ان ابكي عليه ثم قلت لا افعل حتى اسأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم فان كان في الجنة لم ابك عليه وان كان في النار بكيته فقال
النبي صلى الله عليه وسلم هبلت وفي رواية ويحك أو هبلت اجنة واحدة انها
جنان كثيرة والذي نفسي بيده انه لفي الفردوس لاعلى ودعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم بإناء من ماء فغمس يده فيه ومضمض فاه ثم ناوله ام حارثة
فشربت ثم ناولت ابنتها فشربت ثم امرهما ينضحان في جيوبهما ففعلتا فرجعتا
من عند النبي صلى الله عليه وسلم وما بالمدينة امرأتان اقر عينا منهما ولا
اسر
وقد كان حارثة سال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان يدعو له بالشهادة فقد جاء انه صلى الله عليه وسلم قال
لحارثة يوما وقد استقبله كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا بالله حقا
قال انظر ما تقول فان لكل قول حقيقة قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا
فأسهرت ليلى وأظمأت نهاري فكأني بعرش ربى بارزا وكاني انظر الى اهل الجنة
يتزاورون فيها وكاني انظر الى اهل النار يتعاوون فيها قال ابصرت فالزم عبد
أي انت عبد بذر الله الايمان في قلبه قال فقلت ادع الله لي بالشهادة فدعا
له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال ابو جهل واصحابه حين قتل عتبة
وشيبة والوليد تصبرا لنا لعزى ولا عزى لكم ونادى منادى رسول الله صلى الله
عليه وسلم الله مولانا ولا مولى لكم قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار
اقول سياتي وقوع مثل ما قال ابو جهل واصحابه من ابي سفيان وانه اجيب بمثل
هذا الجواب في يوم وأحد والله اعلم
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر أي وهذا
العريش هو المراد بالقبة في قول البخاري عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة يوم بدر اللهم انشدك عهدك
الحديث ويقول اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم فلا تعبد أي وفي مسلم انه
صلى الله عليه وسلم قال اللهم انك ان تشأ لا تعبد في الارض قال ذلك في هذا
اليوم وفي يوم احد
قال العلماء فيه التسليم لقدر الله تعالى والرد على غلاة القدرية الذين
يزعمون ان الشر غير مراد لله ولا مقدور له
وذكر الامام النوي ان كونه قال ما ذكر يوم بدر هو المشهور وفي كتب التفسير
والمغازي انه يوم احد ولا معارضة بينهما فقاله في اليومين هذا كلامه
أي يجوز ان يكون قال ذلك في يوم بدر وفي يوم احد وفي رواية اللهم ان ظهروا
على هذه العصابة ظهر الشرك ولا يقوم لك دين أي لانه صلى الله عليه وسلم
علم انه اخر النبيين فاذا هلك هو ومن معه لا يبقى من يتعبد بهذه الشريعة
وفي لفظ اخر اللهم لا تودع مني ولا تخذلني انشدك ما وعدتني لانه كان وعده
النصر وفي رواية ما زال يدعو ربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه
عن منكبه فاخذ ابو بكر رداءه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه وقال يا
نبي الله كفاك تناشدك ربك فانه سينجز
لك
ما وعدك أي وفي رواية والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك أي وفي لفظ قد
الححت على ربك وكون وعد الله لا يتخلف لا ينافى الالحاح في الدعاء لان
الله يحب الملحين في الدعاء وانما قال ابو بكر ما ذكر لانه شق عليه تعب
النبي صلى الله عليه وسلم في الحاحه بالدعاء لانه رضى الله تعالى عنه رقيق
القلب شديد الاشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل لان
الصديق كان في تلك الساعة في مقام الرجاء والنبي صلى الله عليه وسلم كان
في مقام الخوف لان الله يفعل ما يشاء وكلا المقامين سواء في الفضل ذكره
السهيلي
وحين راى المسلمون القتال قد نشب عجوا بالدعاء الى الله
تعالى فانزل الله تعالى عند ذلك { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم
بألف من الملائكة مردفين } أي متتابعين وقيل ردفا لكم ومددا لكم وقيل وراء
كل ملك ملك اخر
ويوافق ذلك ما جاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما
امد الله نبيه يوم بدر بالف من الملائكة فكان جبريل في خمسمائة وميكائيل
في خمسمائة فأمده الله تعالى بالملائكة الف مع جبريل والف مع ميكائيل وجاء
امده الله بثلاثة الاف الف مع جبريل والف مع ميكائيل والف مع اسرافيل وهذا
رواه البيهقي في الدلائل عن على باسناد فيه ضعف
وقيل وعدهم الله تعالى ان يمدهم بالف ثم زيدوا في الوعد بالفين ثم زيدوا
في الوعد بالفين ايضا
وقيل امدهم الله تعالى بثلاثة الاف من الملائكة ثم اكملهم بخمسة الاف قال
الله تعالى { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من
الملائكة منزلين } أي الف مع جبريل والف مع ميكائيل والف مع اسرافيل { بلى
إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من
الملائكة مسومين } فان ذلك كان يوم بدر على ما عليه الاكثر وقيل يوم احد
كان الامداد فيه بذلك أي بثلاثة الاف ثم وقع الوعد بإكمالهم خمسة الاف
معلقا على شرط وهو التقوى والصبر عن حوز الغنائم فلم يصبروا ففات الامداد
بما زاد على الثلاثة الاف
وهذا الثاني هو الذي في النهر لابي حيان
كان المدد يوم بدر بالف من الملائكة ويوم احد بثلاثة الاف ثم بخمسة لو
صبروا عن اخذ العنائم فلم يصبروا فلم تنزل هذا
كلامه وهو واضح لان عدم صبرهم عن اخذ الغنائم وعدم امتثال امره
انما كان في احد لا في بدر
وروى البيهقى عن حكيم بن حزام رضى الله عنه ان يوم بدر وقع نمل من السماء
قد سد الافق فاذا الوادي يسيل نملا أي نازلا من السماء فوقع في نفسي ان
هذا شىء ايد به صلى الله عليه وسلم وهي الملائكة
أي وروى بسند حسن
عن جبير بن مطعم قال رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد
الاسود مبثوث حتى امتلآ الوادى فلم اشك انها الملائكة فلم يكن الا هزيمة
القوم والبجاد كساء مخطط من اكسية الاعراب وسيأتي وقوع مثل ذلك في حنين
قال وانما كانت الملائكة شركاء لهم في بعض الفعل ليكون الفعل منسوبا للنبي
صلى الله عليه وسلم ولاصحابه والا فجبريل قادر على ان يدفع الكفار بريشة
من جناحه كما فعل بمدائن قوم لوط واهلك قوم صالح وثمود بصيحة واحدة
وليهابهم العدو بعد ذلك حيث يعلمون ان الملائكة تقاتل معهم
وبهذا يرد ما قيل لم تقاتل الملائكة يوم بدر وانما كانوا يكثرون السواد
والا فملك واحد كاف في اهلاك اهل الدنيا كلهم
وجاء لولا ان الله تعالى حال بيننا وبين الملائكة التي نزلت يوم بدر لمات
اهل الارض خوفا من شدة صعقاتهم وارتفاع اصواتهم
وجاء في حديث مرسل ما رؤ ى الشيطان ا حقر ولا ادحر ولا اصغر من يوم عرفة
الا ما رىء يوم بدر أي وكذا سائر مواسم المغفرة والعتق من النار كأيام
رمضان سيما ليلة القدر
وجاء ان ابليس جاء في صورة سراقة بن مالك
المدلجي الكناني في جند من الشياطين أي مشركي الجن في صور رجال من بني
مدلج من بني كنانة معه رايته وقال للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس
واني جار لكم اه أي كما قال لهم ذ لك عند ابتداء خروجهم وقد خافوا من بني
كنانة قوم سراقة وقد تقدم انه كان وحده ولا منافاة لجواز ان يكون جنده
لحقوا به بعد قال فلما رأى جبريل والملائكة وفي رواية اقبل جبريل الى
ابليس فلما راه وكانت يده في يد رجل من المشركين أي وهو الحارث بن هشام
اخو ابي جهل
انتزع يده من يد الرجل ثم
نكص على عقبه وتبعه جنده فقال له الرجل يا سراقة اتزعم انك لنا جار فقال
اني برىء منكم اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب وتشبث
به الحارث بن هشام رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك وقال له والله لا
ارى الا خفافيش يثرب فضربه ابليس في صدره فسقط وعند ذلك قال ابو جهل يا
معشر الناس لا يهمنكم خذلان سراقة فانه كان على ميعاد من محمد ولا يهمنكم
قتل عتبة وشيبة أي والوليد فانهم قد عجلوا واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن
محمدا واصحابه بالجبال وصار يقول لا تقتلوهم خذوهم باليد
وذكر
السهيلي انه يروى ان من بقى من قريش وهرب الى مكة وجد سراقة بمكة فقالوا
له يا سراقة خرقت الصف واوقعت فينا الهزيمة فقال والله ما علمت بشىء من
امركم وما شهدت وما علمت فما صدقوه حتى اسلموا وسمعوا ما انزل الله فعلموا
انه ابليس هذا كلامه
قال قتادة صدق ابليس في قوله اني ارى مالا ترون وكذب في قوله اني اخاف
الله والله ما به مخافة من الله
قال في ينبوع الحياة ولا يعجبني هذا فان ابليس عارف بالله ومن عرف الله
خافه أي وان لم يكن ابليس خافه حق الخوف
قيل وانما خاف ان يكون هذا اليوم هو اليوم الموعود الذي قال فيه سبحانه
وتعالى { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين }
ورايت عن سيدي على الخواص انه لا يلزم من قول ابليس ذلك ان يكون معتقدا له
بالباطن كما هو شان المنافقين
ورايت عن وهب ان اليوم المعلوم الذي انظر فيه ابليس هو يوم بدر قتلته
الملائكة في ذلك اليوم والمشهور انه منظر الى يوم القيامة ويدل لذلك ما
روى ان ابليس لما ضرب الحارث في صدره لم يزل ذاهبا حتى سقط في البحر ورفع
يديه وقال يا رب موعدك الذي وعدتني اللهم اني اسألك نظرتك إياي وخاف ان
يخلص اليه القتل
هذا وفي زوائد الجامع الصغير عن مسلم ان سيدنا عيسى
عليه السلام يقتل ابليس بيده بعد نزوله وفراغه من صلاته ويرى المسلمين دمه
في حربته
وفي كلام بعضهم ولعل المراد بيوم القيامة الذي انظر اليه ابليس ليس نفخة
البعث
بل
نفخة الصعق التي بها يكون موت من لم يمت من اهل السموات واهل الارض قيل
الا حملة العرش وجبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت وهؤلاء ممن استثنى
الله تعالى في قوله { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا
من شاء الله } ثم يموت جبريل وميكائيل ثم حملة العرش ثم اسرافيل ثم ملك
الموت فهو اخر من يموت
وفي كلام بعضهم الصعق اعم من الموت أي
فالمراد ما يشمل الغشى وذهاب الشعور أي فمن مات قبل ذلك وصار حيا في
البرزخ كالأنبياء والشهداء لا يموت وانما يحصل له غشى وذهاب شعور ويكون
المستثنى من القسم الاول من تقدم ذكره من الملائكة ومن القسم الثاني موسى
صلوات الله وسلامه عليه فانه جوزى بذلك أي بعدم الغشى وذهاب الشعور بما
حصل له من ذلك بسبب صعقة الطور
وفيه انه صلى الله عليه وسلم لم يجزم
بذلك بل تردد في ذلك حيث قال فاكون اول من رفع راسه أي افاق من الغشى فاذ
انا بموسى اخذ بقائمة من قوائم العرش فلا ادرى ارفع راسه أي افاق من الغشى
قبلي او كان ممن استثنى الله فلم يصعق وفي رواية فاذا موسى متعلق بقائمة
العرش فلا ادرى اكان فيمن صعق فأفاق قبلي ام كان ممن استثنى الله ولعل بعض
الرواه ضم هذا الخبر لخبر الشيخين انا اول من تنشق عنه الارض يوم القيامة
فاذا موسى الخ وفيه نظر لان المراد بيوم القيامة عند نفخة البعث ونفخة
الصعق سابقة عليها كما علمت
ويلزم على هذا التردد مع كون الخبرين خبرا واحدا اشكال جزمه صلى الله عليه
وسلم بانه اول من تنشق عنه الارض
واجاب شيخ الاسلام بما يفيد انهما خبران لاخبر واحد حيث قال التردد كان
قبل ان يعلم انه اول من تنشق عنه الارض أي فهما حديثان لا حديث واحد
فان قيل قوله صلى الله عليه وسلم لا تخيروني على موسى فان الناس يصعقون
يوم القيامة فأصعق معهم فأكون اول من يفيق فاذا موسى الحديث يقتضى انه صلى
الله عليه وسلم ليس افضل من موسى
قلنا هو كقوله صلى الله عليه وسلم
من قال انا خير من يونس بن متى فقد كذب وذلك منه صلى الله عليه وسلم تواضع
او كان قبل ان يعلم انه افضل الخلق اجمعين وقيل الوقت المعلوم خروج الدابة
واذا خرجت قتلته بوطئها
0 وعن ابن عباس
رضى الله تعالى عنهما ان ابليس اذا مرت عليه الدهور وحصل له الهرم عاد ابن
ثلاثين سنة وهذه النفخة التي هي نفخة الصعق مسبوقة بنفخة الفزع التي تفزع
بها اهل السموات والأرض فتكون الارض كالسفينة في البحر تضر بها الامواج
وتسير الجبال كسير السحاب وتنشق السماء وتكسف الشمس ويخسف القمر وهي
المعنية بقوله تعالى { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } وبقوله تعالى {
إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات
حمل حملها } الاية وقال تعالى { ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من
شاء الله } قيل وهم الشهداء
فقد جاء ان الاموات يومئذ لا يعلمون
بشىء من ذلك قلنا يا رسول الله فمن استثنى الله تعالى في قوله { إلا من
شاء الله } قال اولئك الشهداء وانما يصل الفزع الى الاحياء وهم احياء عند
ربهم يرزقون وقاهم الله فزع ذلك اليوم وامنهم منه
واقتصاره صلى الله
عليه وسلم على ذكر الشهداء وسكوته عن الانبياء لما هو معلوم من الاصل ان
مقام الانبياء ارقى من مقام الشهداء وان كان قد يوجد في المفضول مالا يوجد
في الفاضل ومن ثم قيل الرزق خاص بالشهداء ومن ثم اختصوا بحرمة الصلاة
عليهم
ويقال انه كان مع المسلمين يوم بدر من مؤمني الجن سبعون أي لكن لم يثبت
انهم قاتلوا فكانوا مجرد مدد
ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خفق خفقة أي مالت راسه من النعاس ثم
انتبه فقال ابشر يا ابا بكر اتاك نصر الله هذا جبريل اخذ بعنا فرسه وفي
لفظ اخذ براس فرسه يقوده على ثناياه النقع أي الغبار وهو يقول اتاك نصر
الله اذ دعوته أي وفي رواية ان جبريل عليه الصلاة والسلام اتى النبي صلى
الله عليه وسلم بعد ما فرغ من بدر على فرس حمراء معقودة الناصية قد خضب
الغبار ثنيته عليه درعه وقال يا محمد ان الله بعثنى إليك وامرني ان لا
افارقك حتى ترضى ارضيت
أي ولا مانع من تعدد رؤيته صلى الله عليه
وسلم لجبريل عليه الصلاة والسلام وان هذه بعد تلك وان المرة الاولى مساقها
يقتضى انها كانت مناما وان الغبار في المرة الثانية كان اكثر منه في المرة
الاولى بحيث علا على ثناياه
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش الى الناس فحرضهم وقال
والذي
نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر الا ادخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم وبيده تمرات يأكلهن بخ بخ كلمة تقال لتعظيم الامر والتعجب منه ما بيني وبين ان ادخل الجنة الا ان يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده واخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل أي وفى رواية انه صلى الله عليه وسلم قال قوموا الى جنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين فقال عمير ابن الحمام بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبخبخ أي م تتعجب فقال رجاء ان اكون من اهلها أي وفي رواية ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله الا رجاء ان اكون من اهلها فاخذ تمرات فجعل بلوكهن ثم قال والله ان بقيت حتى الوكهن وفي لفظ ان حييت حتى اكل تمراتي هذه انها لحياة طويلة فنبذهن وقاتل أي وهو يقول ** ركضنا الى الله بغير زاد ** الا التقى وعمل المعاد ** **
والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضه النفاد
** ** غير التقى والبر والرشاد **ولا زال يقاتل حتى قتل رضى الله تعالى عنه وسيأتى في غزاة احد مثل هذا لبعض الصحابة ابهمه جابر رضى الله تعالى عنه في القاء التمرات من يده ومقاتلته حتى قتل فعن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم احد أرأيت إن قتلت فأين أنا قال
في الجنة قال فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل اخرجه البخارى ومسلم والنسائي وسيأتي ما في ذلكوقال عوف بن الحارث بن عفراء يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده أي ما يرضيه غاية الرضا قال غمسه يده في العدو حاسرا أي لا درع له ولا مغفر فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم اخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رضى الله تعالى عنه فالضحك في حق الله كناية عن غاية رضاه
وقد جاء انه صلى الله عليه وسلم قال في طلحة بن الغمر اللهم الق طلحة يضحك اليك وتضحك اليه أي القه لقاء كلقاء المتحابين المظهرين لما في انفسهما من غاية الرضا والمحبة فهي كلمة وجيزة تتضمن الرضا مع المحبة واظهار البشر فهى من جوامع كلمه التي اوتيها صلى الله عليه وسلم
وقاتل في
ذلك اليوم معبد بن وهب زوج هريرة بنت زمعة اخت سودة بنت زمعة ام المؤمنين
رضى الله تعالى عنها بسيفين ثم اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من
الحصباء بالمد امره بذلك جبريل عليه الصلاة والسلام كما جاء في بعض
الروايات أي قال خذ قبضة من تراب وارمهم بها فتناولها صلى الله عليه وسلم
وفي رواية انه قال لعلي كرم الله وجهه ناولني فاستقبل بها قريشا ثم قال
شاهت الوجوه أي قبحت الوجوه أي وزاد بعضهم اللهم ارعب قلوبهم وزلزل
اقدامهم ثم نفخهم أي ضربهم بها فلم يبق من المشركين رجل الا ملأت عينه وفي
رواية وانفه وفمه لا يدري اين يتوجه يعالج التراب لينزعه من عينيه أي
فانهزموا وردفهم المسلمون يقتلون ويأسرون
هذا والمحفوظ المشهور أن
تلك إنما كان في حنين لكن يوافق الأول ما نقله بعضهم أن قوله تعالى { وما
رميت إذ رميت ولكن الله رمى } نزل يوم بدر هكذا قال عروة وعكرمة ومجاهد
وقتادة قال هذا البعض وقد فعل عليه الصلاة والسلام مثل ذلك في غزوة أحد
هذا كلامه
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم اخذ ثلاث حصيات فرمى
بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين ايديهم فقال شاهت
الوجوه فانهزم القوم وهذه الحصيات الثلاث قال جابر بن عبدالله رضى الله
تعالى عنهما وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست فأخذهن رسول اله
صلى الله عليه وسلم فرمى بهن في وجوه المشركين أي يمنة ويسرة وبين ايديهم
وحين رمى صلى الله عليه وسلم بذلك قال لاصحابه شدوا فكانت الهزيمة وانزل
الله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }
وقد يقال لا مانع من
اجتماع الامرين وكل منهما مراد من الاية قال وقاتل رسول الله صلى الله
عليه وسلم يومئذ بنفسه قتالا شديدا وكذلك ابو بكر رضى الله تعالى عنه كما
كانا في العريش يجاهدان بالدعاء قاتلا بأبدانهما جمعا بين المقامين انتهى
اقول كذا نقل بعضهم عن الاموى ويتأمل ذلك فاني لم اقف عليه في كلام احد
غيره وكان قائل ذلك فهم مباشرته صلى الله عليه وسلم للقتال مما تقدم عن
على رضى الله تعالى عنه لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى
الله عليه وسلم وكان اشد الناس بأسا ولا دلالة في ذلك والله اعلم
نعم
ذكر ابن سعد انه لما انهزم المشركون رؤى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
اثرهم مصلتا السيف يتلو هذه الاية { سيهزم الجمع ويولون الدبر } وهذه
الاية ذكر في الاتقان انها مما تأخر حكمه عن نزوله فانها نزلت بمكة وكان
ذلك يوم بدر
فعن عمر رضى الله تعالى عنه قلت أي جمع فلما كان يوم
بدر وانهزمت قريش نظرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثارهم مصلتا
السيف يقول { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فكانت ليوم بدر اخرجه الطبراني
في الاوسط ولو قاتل صلى الله عليه وسلم لجرح او قتل من قاتله ولو وقع ذلك
لنقل لانه مما تتوفر الدواعي على نقله
وسيأتي في احد عن النور انه
صلى الله عليه وسلم لم يقتل بيده الشريفة قط احد الا ابي بن خلف لا قبله
ولا بعده والى رميه بالحصا أشار صاحب الهمزية بقوله ** ورمى بالحصا فاقصد
جيشا ** ما العصا عنده ما الالقاء **
ي ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصا جيشا فأصابهم كلهم بها أي شىء القاء عصا موسى عليه الصلاة والسلام على حبال سحرة فرعون وعصيهم عند ذلك الحصى المرمى به لا يقاربه ذلك الالقاء ولا يدانيه لان ذاك وجد له نظير وهو القاء السحرة الحبال والعصى والرمى بالحصا لم
يوجد له نظيرأي وقال صلى الله عليه وسلم حينئذ من قتل قتيلا فله سلبه ومن اسر اسيرا فهو له كما في الامتاع فلما وضع القوم ايديهم يأسرون نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سعد فوجد في وجهه الكراهية لما يصنع القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال اجل والله يا رسول الله كانت اول وقعة اوقعها الله بأهل الشرك فكان الاثخان في القتل أي الاكثار منه والمبالغة فيه احب الى من استبقاء الرجال
وذكر بعضهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه انكم قد عرفتم ان رجالا من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا اكراها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم احدا من بني هاشم فلا يقتله أي بل يأسره وذكر ابا البحتري بن هشام أي فقال من لقى ابا البحتري فلا يقتله أي لانه كان ممن قام في نقض الصحيفة ونص على العباس بن عبدالمطلب فقال ابو حذيفة رضى الله تعالى عنه ايقتل اباؤنا وابناؤنا واخواننا و عشيرتنا ويترك العباس أي لانه تقدم ان اباه عتبة وعمه شيبة واخاه الوليد اول من قتل من الكفار
مبارزة
وعشيرته وهي بنو عبد شمس قدقتل منها جماعة لئن لقيته يعنى العباس لألجمنه
السيف هو بالمهملة والمعجمة فبلغت أي تلك المقالة رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر يا أبا حفص ايضرب وجه عم
رسول الله السيف فقال عمر والله انه لاول يوم كناني فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بابي حفص يا رسول الله دعني اضرب عنقه يعني ابا حذيفة
بالسيف فوالله لقد نافق فكان ابو حذيفة يقول ما انا بآمن من تلك الكلمة
التي قلتها يومئذ ولا ازال منها خائفا الا ان تكفرها عني الشهادة فقتل يوم
اليمامة شهيدا في جملة من قتل فيها من الصحابة هم اربعمائة وخمسون وقيل
ستمائة رضى الله تعالى عنهم
ولقى المجذر رضى الله تعالى عنه ابا
البحترى فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك فقال
وزميلي أي ورفيقي وكان معه زميل له خرج معه من مكة أي يقال له جنادة بن
مليحة فقال له المجذر لا والله ما نحن بتاركي زميلك ما امرنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم الا بك وحدك قال لا والله اذا لاموتن انا وهو جميعا لا
تتحدث عني نساء مكة اني تركت زميلي أي يقتل حرصا على الحياة فقتله المجذر
أي بعد ان قاتله ثم اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذي بعثك
بالحق لقد جهدت عليه ان يستأسر فآتيك به فابى الا ان يقاتلني فقتلته
اقول لعل المجذر فهم ان ما عدا من نهى عن قتله يقتل وان استأسر حتى قال ما
نحن بتاركى زميلك أي ولا بد من قتله وان استاسر فكان ذلك حاملا لأبي
البحترى على ان لا يستأسر ويترك زميله فيقتل خوف السبه والله اعلم
أي وكان من جملة من خرج مع المشركين يوم بدر عبدالرحمن بن ابي بكر رضى
الله تعالى عنهما وكان اسمه قبل الاسلام عبد الكعبة وقيل عبد العزى فسماه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن وكان من اشجع قريش واشدهم رماية
وكان اسن ولد ابيه وكان صالحا وفيه دعابة فلما اسلم قال لابيه لقد اهدفت
لي أي ارتفعت لي يوم بدر مرارا فصدفت عنك أي اعرضت عنك فقال ابو بكر لو
هدفت لي لم اصدف أي اعرض عنك فالمراد بكونه اهدف له ارتفع وهو لا يشعر
بذلك فلا ينافى ماقيل ان عبدالرحمن ابن ابي بكر يوم بدر دعا الى البراز
فقام اليه ابوه ابو بكر ليبارزه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
متعنا بنفسك يا ابا بكر اما علمت انك عندى بمنزلة سمعى وبصرى
5
أي وفي بعض السير ان الصديق قال لولده عبدالرحمن يوم بدر وهو مع المشركين
لم يسلم أين مالي يا خبيث فقال له عبدالرحمن كلاما معناه لم يبق الا عدة
الحرب التي هي السلاح وفرس سريعة الجرى وجنان يقاتل عليه شيوخ الضلال أي
وهذا يدل على ان الصديق رضى الله تعالى عنه ترك مالا عند اهله لما هاجر
وهو قد يخالف ماتقدم عن ابنته اسماء من قولها ان ابا بكر ارسل ابنه
عبدالله فحمل ماله وكان خمسة الاف درهم الى الغار فدخل علينا جدي ابو
قحافة الحديث ولعل ماله الذي عناه الصديق ما كان من نحو امتعة وبعض مواشي
لا النقد فلا مخالفة
ويروى عن ابن مسعود ان الصديق رضى الله تعالى
عنه دعا ابنه يعنى عبدالرحمن يوم احد الى البزار فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم متعنا بنفسك اما علمت انك مني بمنزلة سمعي وبصري فانزل الله
تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }
ولا مانع من التعدد حتى في نزول الاية لكن يبعد نزولها في احد ايضا كون
ابي بكر يدعو للمبارزة بعد نزولها اولا في بدر
ثم رأيت ابن ظفر قال
في الينبوع انه لم يثبت ان ابا بكر دعا ابنه للمبارزة وانما هو شىء ذكر في
كتب التفسير فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول
إذا دعاكم لما يحييكم } فالاية مدنية لا مكية وبه يرد ما ذكر ان سببها ان
ابا بكر سمع والده ابا قحافة يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بشر فلطمه
لطمة سقط منها فأخبر ابو بكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لا تعد
لمثلها فقال والله لو حضرني السيف لقتلته به
وفي كلام الزمخشري ان
عبدالرحمن اسلم في هدنة الحديبية وهاجر الى المدينة ومات سنة ثلاث وخمسين
بمحل بينه وبين مكة ستة اميال وحمل على اعناق الرجال الى مكة وقدمت اخته
عائشة رضى الله تعالى عنها من المدينة فأتت قبره فصلت عليه
أي وفي
هذا اليوم الذي هو يوم بدر قتل ابو عبيدة بن الجراح اباه وكان مشركا فان
اباه قصده ليقتله فولى عنه ابو عبيدة لينكف عنه فلم ينكف عنه فرجع عليه
وقتله وانزل الله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون
من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم }
الاية
وعن عبدالرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه لقد لقيت اميه بن خلف وكان
صديقا
لي في الجاهلية ومعه أي مع امية ابنه علي أي اخذ بيده وكان علي ممن اسلم
والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر رففتنهم اقاربهم عن الاسلام
ورجعوا عنه وماتوا على كفرهم وانزل الله تعالى فيهم { إن الذين توفاهم
الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم } الاية أي وهم الحرث بن ربيعة وابو
قيس بن الفاكه وابو قيس بن الوليد والعاص ابن منبه وعلي بن اميه المذكور
وفي السيرة الهشامية وذلك انهم كانوا اسلموا ورسول الله صلى الله عليه
وسلم بمكة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة حبستهم
اباؤهم وعشيرتهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا أي رجعوا عن الاسلام ثم ساروا مع
قومهم الى بدر فأصيبوا جميعا وسياقه كما ترى يقتضى انهم لم يرجعوا الى
الكفر الا بعد الهجرة وسياق ما قبله ربما يقتضى انهم رجعوا الى الكفر قبل
ان يهاجر صلى الله عليه وسلم
قال عبدالرحمن بن عوف وكان معي ادراع
استلبتها أي فانا احملها فلما رآني اميه ناداني باسمي الاول يا عبد عمرو
فلم اجبه لانه كان قال لي لما سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم
عبدالرحمن اترغب عن اسم سماك به ابوك فقلت نعم قال الرحمن لا اعرفه ولكني
اسميك بعبد الاله كما تقدم فلما ناداني بعبدالاله قلت نعم
أي وظاهر
السياق يقتضى انه عرف انه المراد بذلك وانه ترك اجابته قصدا حيث جعله عبدا
للصنم ويحتمل وهو الاقرب أنه لم يجبه لعدم معرفته انه المراد بذلك الاسم
لكونه هجر بالمرة فلما ناداه اميه بما ذكر عرفه وعرف انه المراد بذلك لما
ذكر وعند ذلك قال له اميه هل لك في فأنا خير لك من هذه الادراع التي معك
قلت نعم فطرحت الادراع من يدي واخذت بيده وبيد ابنه علي وهو يقول ما رأيت
كاليوم قط ثم قال لي يا عبدالاله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في
صدره أي كانت في درعه بحيال صدره قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب قال ذاك الذي
فعل بنا الافاعيل وقيل قائل ذلك ابنه ثم خرجت امشي بهما فو الله اني
لاقودهما اذ رآه بلال معي وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على ان يترك
الاسلام أي كما تقدم فقال بلال راس الكفر اميه بن خلف لا نجوت ان نجا فقلت
أي بلال أفبأسيرى أي تفعل ذلك بهما قال لا نجوت ان نجا وكررت وكر ذلك ثم
صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله راس الكفر اميه بن خلف لا نجوت ان نجا وكرر
ذلك فأحاطوا بنا
فأصلت رجل السيف أي سله من غمده وذلك الرجل هو بلال فضرب رجل
ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط فضربوهما بأسيافهم فهبروهما
اقول الذي في البخاري عن عبدالرحمن بن عوف ان بلالا لما استصرخ الانصار
قال خشيت ان يلحقونا فخلفت لهم ابنه لاشغلهم به فقتلوه ثم اتونا حتى لحقوا
بنا وكان امية رجلا ثقيلا أي كما تقدم فقلت ابرك فألقيت نفسي عليه لامنعه
فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه فأصاب احدهم رجلي بسيفه أي ظهر قدمه
وفي كلام ابن عبد البر قال ابن هشام قتل امية بن خلف معاذ بن عفراء وخارجه
ابن زيد وحبيب بن اساف اشتركوا فيه
قال ابن اسحاق وابنه على قتله عمار بن ياسر وحبيب بن اساف هذا شهد المشاهد
كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج بنت خارجة بد ان توفى عنها
ابو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه وهو جد حبيب شيخ مالك رضى الله تعالى
عنه والله اعلم
وكان عبدالرحمن بن عوف يقول يرحم الله بلالا ذهبت
ادراعى وفجعني بأسيرى أي وفي رواية لما كان يوم بدر خصل لي درعان ولقيني
امية فقال خذني وابني فأنا خير لك من الدرعين فالقيت الدرعين فاخذتهما
فلما قتلا صار يقول يرحم الله بلالا فلا درعي ولا اسيرى أي لانه صلى الله
عليه وسلم جعل في هذه الغزاة ان كل من اسر اسيرا فهو له كما تقدم وسياتي
أي فله فداؤه وهو يخالف ما عليه ائمتنا ان مال فداء الاسرى ورقابهم اذا
استرقوا كسائر اموال الغنيمة الا ان يقال ذاك كان في صدر الاسلام ترغيبا
في الجهاد ثم استقر الامر على ما قاله فقهاؤنا أي وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من له علم بنوفل ابن خويلد فقال علي كرم الله وجهه انا قتلته
فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحمد لله الذي اجاب دعوتي فيه أي
فانه لما التقى الصفان نادى نوفل بصوت رفيع يا معاشر قريش اليوم يوم
الرفعة والعلاء فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اكفني نوفل بن خويلد وفي
كلام بعضهم ما يفيد ان قتل علي كرم الله وجهه له كان بعد ان اسره جبار بن
صخر فقد جاء ان جبارا بينما هو يسوقه اذ رأى عليا فقال يا اخا الانصار من
هذا واللات والعزى انه ليريدني فقال هذا علي بن ابي طالب فعمد له علي كرم
الله وجهه فقتله ثم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي جهل ان يلتمس
في القتلى وقال ان خفى عليكم أي بان قطع
رأسه
وازيل عن جثته انظروا الى اثر جرح في ركبته فاني ازدحمت يوما انا وهو على
مائدة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت اسن منه أي اكبر منه بيسير
فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش أي خدش على أحديهما جحشا لم يزل اثره به
أي ولعل هذا هو محمل قول بعضهم انه صلى الله عليه وسلم صارع ابا جهل فانه
لم يصح انه صارعه ولعل هذا الاثر هو الذي عناه ابن مسعود رضى الله تعالى
عنه بقوله لما قتلت ابا جهل لعنه الله وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قتلت ابا جهل فقال لي عقيل وهو اسير عند النبي صلى الله عليه وسلم كذبت ما
قتلته فقلت له بل انت الكذاب الآثم يا عدو الله قد والله قتلته قال فما
علامته قلت ان بفخذه حلقة كحلقة الجمل المحلق قال صدقت وكان ابو جهل قد
استفتح أي طلب الحكم على نفسه لانه لما دنا القوم بعضهم من بعض قال اللهم
اقطعنا للرحم اتيانا بما لا نعرف فأحنه أي اهلكه العداة أي زاد بعضهم
اللهم من كان احب اليك وارضى عندك وفي لفظ اللهم اولانا بالحق فانصره
اليوم فانزل الله تعالى { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح }
اقول كون ابي جهل طلب الحكم على نفسه واضح لو سكت عن قوله واتيانا بما لا
نعرف اذ هو نص فيه صلى الله عليه وسلم
وفي تفسير سهل ان ابا جهل قال يوم بدر اللهم انصر افضل الدينين عندك
وارضاهما لك أي وفي رواية اللهم انصر خير الدينين اللهم ديننا القديم ودين
محمد الحادث فنزل { إن تستفتحوا } يعنى تستنصروا { فقد جاءكم الفتح }
وفي اسباب النزول للواحدى ان المشركين حين ارادوا الخروج من مكة اخذوا
بأستار الكعبة وقالوا اللهم انصر اعلى الجندين واهدى الفئتين واكرم
الحزبين وافضل الدينين فانزل الله تعالى الاية
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين
والله اعلم
قال معاذ بن عمرو بن الجموح رأيت ابا جهل وقد احاطوا به وهم يقولون ابو
الحكم لا يخلص اليه فلما سمعتها عمدت نحوه وحملت عليه فضربته ضربة اطنت
قدمه بنصف ساقه أي اسرعت قطعه فو الله ما شبهتها حين طاحت الا بالنواة
تطيح من تحت مرضخة النوى والمرضخة بالخاء المعجمة وبالمهملة وقيل الرضخ
بالمعجمة كسر الرطب وبالمهملة كسر اليابس وضربني ابنه أي عكرمه رضى الله
تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جسمي
واجهضني القتال أي
شغلني عنه فلقد
قاتلت عامة يومي واني لاستحسها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمى ثم تمطيت
عليها حتى طرحتها في رواية انه جاء بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فبصق عليها أي ولصقها فلصقت والى ذلك يشير الامام السبكى في تائيته لكن
قال ابن عفراء ولا منافاة لجواز ان يكون معاذ بن عمرو بن الجموح بن عفراء
وسيأتي ما يدل على ذلك بقوله ** وبانت بهاكف بن عفرا فاشتكى ** اليك فعادت
بعد احسن عودة **
الا ان قوله بها يرجع لغزاة احد وقد علمت ان ذلك
انما هو ببدر واحتمال تكرر ذلك في احد وفي بدر لشخص واحد بعيد الا ان يثبت
النقل بذلك ثم مر بابي جهل وهو عقير معوذ بضم الميم وتشديد الواو مفتوحة
ومكسورة ابن عفراء فضربه حتى اثبته وتركه وبه رمق أي وما جاء في بعض
الروايات ضربه حتى برد بفتح الموحدة والراء والدال المهملة أي مات لا
ينافيه لانه يجو ان يكون المراد صار في حالة من مات بان صار الى حركة
المذبوح ومن ثم جاء في بعض الروايات حتى برك بالكاف بدل الدال أي سقط الى
الارض أي الى جنبه والا فقطع قدمه مع نصف ساقه لا يفضى غالبا ان يسقط الى
جنبه ومعوذ هذا لا زال يقاتل حتى قتل قال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه
ورايت ابا جهل بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه ثم قلت له هل اخزاك
الله يا عدو الله قال وبم اخزاني اعار على رجل قتلتموه أي ليس بعار على
رجل قتلتموه وفي رواية اعمدمن رجل قتلتموه أي انا سيد رجل قتلتموه لان
عميد القوم سيدهم أي فلا عار على في قتلكم اياي
وجاء انه قال لو غير
أكار قتلني والاكار الزراع يعني الانصار لانهم كانو اصحاب زرع أي لو كان
الذي قتلني غير فلاح لكان احب الي واعظم لشاني لم يكن على في ذلك نقص لقد
ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا اخبرني لمن الدبرة أي النصرة والظفر
اليوم زاد في رواية لنا او علينا قلت لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي الصحاح في دبر بالباء الموحدة والدبرة الهزيمة في القتال
ومما
يدل للاول ما تقدم من قول ابي جهل اخبرني على من كانت الدبر لنا او علينا
وفي مغازي ابن عقبة التي قال فيها مالك رضى الله تعالى عنه مغازي موسى بن
عقبة اصح المغازي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على القتلى والتمس
ابا جهل فلم يجده حتى عرف ذلك في وجهه ثم قال اللهم لا تعجزني فرعون هذه
الامة فسعى له الرجال حتى
وجده ابن
مسعود الحديث وفي الصحيحين عن انس رضى الله تعالى عنه لما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم من ينظر لنا ما صنع ابو جهل فانطلق ابن مسعود رضى الله
تعالى عنه فوجده قد ضربه ابن عفراء حتى برد ولمسلم برك أي وهو المراد من
الاول كما تقدم فاخذ بلحيته فقال انت ابو جهل الحديث واخذه بلحيته لا
ينافى وضع رجله على رقبته لجواز ان يكون جمع بينهما قال ابن مسعود ثم
احتزرت راسه
وفي رواية رويت عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال
لما ضربته بسيفى لم يغن شيئا فبصق في وجهى وقال خذ سيفي فاحتز به راسي من
عرشي ليكون انهى للرقبة والعرش عرق في اصل الرقبة ففعلت كذلك ثم جئت به
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله ابي
جهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الذي لا اله غيره أي ورددها
ثلاثا وروى الطبراني آلله قتلت ابا جهل بنصب الجلالة وهو بهذا اللفظ عندنا
كناية يمين ومثل النصب الرفع والجر قال قلت نعم والله الذي لا اله غيره ثم
القيت راسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى أي
ويقال انه صلى الله عليه وسلم سجد خمس سجدات شكرا ويقال انه قال الله اكبر
الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب حده وكون ابي جهل بصق في
وجه ابن مسعود رضى الله تعالى عنه وقال له خذ سيفي الخ ينافى كونه وصل الى
حركة المذبوح الا ان يقال يجوز ان يكون في اول الامر كان كذلك ثم تراجعت
اليه روحه حتى قدر على ماذكر فليتأمل مع ما ياتي
قيل وبهذا أي بحمل
راس ابي جهل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد على الزهى ي قوله لم
يحمل الى النبي صلى الله عليه وسلم راس قط ولا يوم بدر وحمل راس لأبي بكر
رضى الله عنه فانكره ويجاب بان البيهقي رحمه الله قال ما روى من حمل راس
ابي جهل قد تكلم في ثبوته وبتقدير صحته فهو من محل الى محل لا من بلد الى
بلد أي من بلد الكفر إلى دار الاسلام أي الذي انكره ابو بكر رضى الله عنه
فانه انكر نقل الراس من بلد الكفر الى بلد الاسلام
وقد جوزه من
ائمتنا الماوردى والغزالي اذا كان في ذلك مكايدة للكفار وفي النور تحصلنا
على جماعة حملت رؤوسهم اليه صلى الله عليه وسلم ابو جهل وسفيان بن خالد
وكعب بن الاشرف ومرحب اليهودي والاسود العنسى على ما روى و عصماء بنت
مروان
ورفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة أي ورأس عتبة بن أبي وقاص الذي كسر رباعيته
صلى الله عليه وسلم وشق شفته السفلى يوم أحد كما سيأتي
وفي وضع ابن
مسعود رضي الله تعالى عنه رجله على عنق أبي جهل وقطع رأسه تصديق لتعبيره
للرؤيا التي رآها لأبي جهل وقال له إن صدقت رؤياي لأطأن رقبتك ولأذبحنك
ذبح الشاة
وفي رواية أن ابن مسعود رضي الله عنه وجده مقنعا في
الحديد وهو منكب لا يتحرك فرفع سابغة البيضة أي الخودة عن قفاه لأن سابغة
البيضة ما يغطى بها العنق ومن ثم يقال بيضة لها سابغ فضربه فوقع رأسه بين
يديه
وعن ابن مسعود كما في المعجم الكبير للطبراني انتهيت إلى أبي
جهل وهو صريع وعليه بيضة ومعه سيف جيد ومعي سيف ردىء فجعلت ألقف رأسه
وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال على من كانت
الدبرة ألست برويعينا بمكة فقتله ثم سلبه فلما نظر إليه إذ هو ليس به جراح
وإنما هي أحدار أي أورام في عنقه ويديه وكتفيه كهيئة آثار السياط أي آثار
سود كسمة النار أي ليس به جراح من جراح الآدميين داخل بدنه فلا ينافي ما
تقدم من قطع ابن الجموح لرجله
ويجوز أن يكون ضرب ابن عفراء له حتى
أثبته لم ينشأ عنه جراحة داخل بدنه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره
به فقال ذاك ضرب الملائكة أي فإن الملائكة عليهم السلام كانت لا تعلم كيف
قتل الآدميين فعلمهم الله تعالى ذلك بقوله تعالى { فاضربوا فوق الأعناق
واضربوا منهم كل بنان } أي مفصل فكانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم
بآثار سود كسمه النار ولا ينافي ذلك وصفه بالخضرة في بعض الروايات لأن
الأخضر لشدة خضرته ربما قيل فيه أسود وتلك الآثار في الأعناق والبنان
الظاهر أن ذلك يكون موجودا حتى بعد مفارقة الرأس أو اليد ليستدل به على أن
مفارقة الرأس أو اليد من فعل الملائكة وينبغي أن يكون هذا أي ضربهم فوق
الأعناق والبنان أكثر أحوالهم فلا ينافي وجود أثر ضربهم في الكتفين كما
تقدم وفي الوجه والأنف
فعن بعض الصحابة رضي الله عنهم كنا ننظر إلى
المشرك أمامنا مستلقيا فننظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق في وجهه كضربة
السوط فاخضر ذلك الموضع وفسر بعضهم الأعناق بالرءوس وهو غير مناسب لما ذكر
هنا
وروى عن سهل بن حنيف عن أبيه رضي الله عنه قال لقد رأيتنا يوم بدر وإن
أحدنا
ليشير
بسيفه إلى المشرك أي يرفعه عليه فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف
ويمكن الجمع بين هذا وما قبله بأن ضرب الملائكة في الأعناق تارة يفصلها
وتارة لا وفي الحالتين يرى أثر ذلك أسود في العنق ليستدل به على أنه من
فعل الملائكة كما تقدم
وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد قطعت رجله وهو صريع وهو يذب الناس عنه
بسيف له فقلت الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله قال هل هو إلا رجل قتله
قومه قال فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فبدر أي سقط سيفه
فأخذته فضربته حتى قتلته ثم خرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنما
أقل من الأرض أي أحمل من شدة الفرح فأخبرته فقال الله الذي لا إله إلا هو
وفي لفظ تقدم لا إله غيره ردده ثلاثا وفي رواية عن ابن مسعود فاستحلفني
صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ثم قال الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله
ثلاث مرات وخر ساجدا أي خمس سجدات شكرا كما تقدم
وفي رواية صلى
ركعتين قال ابن مسعود رضي الله عنه ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج يمشي
معي حتى قام عليه فقال الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله هذا كان فرعون
هذه الأمة زاد في لفظ ورأس قاعدة الكفر ونفلني سيفه أي وكان قصيرا عريضا
فيه قبائع فضة وحلق فضة ومع قصره كان أقصر من سيف ابن مسعود فلا منافاة
أقول يجوز أن يكون المضي إليه بعد إلقاء الرأس بين يديه صلى الله عليه
وسلم استعظاما لقتله أي وأن ابن مسعود في هذه الرواية سكت عن قطع رأسه
والمجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مخالفة وقد قال له
النبي صلى الله عليه وسلم يوما وقد أخذ بمجامع ثوبه أولى لك فأولى ثم أولى
لك فأولى أي وعيد على وعيد فقال ما تستطيع أنت ولا ربك بي شيئا وإني لأعز
من مشى بين جبليها فأنزل الله تعالى { فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم
ذهب إلى أهله يتمطى } وقيل نزلت كالتي قبلها في عدي بين ربيعة لما سأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر القيامة فأخبره به فقال لو عاينت هذا
اليوم لم أصدقك أو يجمع الله هذه العظام فأنزل الله تعالى { أيحسب الإنسان
ألن نجمع عظامه } الآيات والله أعلم
وعن قتادة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل أمة فرعونا وإن فرعون هذه الأمة أبو
جهل قتله الله شر قتله بكسر القاف الهيئة قتلته الملائكة وفي لفظ قتله ابن
عفراء وقتلته الملائكة وقد ذففه أي أجهز عليه ابن مسعود
وابن عفراء هذا يجوز أن يكون هو معاذ بن عمرو بن الجموح ويجوز أن
يكون أخاه معاذ بن الحارث وكونه قتله لأنه أزال منعته كما تقدم
وفي مسلم عن عبدالرحمن بن عوف أنه قال إني لواقف يوم بدر في الصف نظرت عن
يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فغمزني
أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل بن هشام قلت نعم وما حاجتك به قال
بلغني أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو رأيته
لم يفارق سوادي سواده أي شخص شخصه حتى يموت الأعجل منا أي الأقرب أجلا
فغمزني الآخر فقال مثلها فعجبت لذلك أي لحرص كل منهما على ذلك وإخفائه عن
صاحبه ليكون المختص به فلم أنشب أي ألبث أن نظرت إلى أبي جهل يزول في
الناس أي بالزاي يتحول من محل إلى محل آخر فقلت لهما ألا تريان هذا
صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه أي أشرفا به
على القتل فصيراه إلى حركة مذبوح ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته قال هل مسحتما
سيفيكما قال لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال كلاكما
قتله وقضى بسلبه أي ما عدا سيفه لهما فلا ينافي ما سبق من إعطائه لابن
مسعود رضي الله عنه وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء بن الحارث
فهما أي معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن الحرث ابنا عفراء غاية الأمر أن
الأول اشتهر بأبيه عمرو بن الجموح والثاني اشتهر بأمه التي هي عفراء
وقول الحافظ ابن حجر إن معاذ بن عمرو بن الجموح ليس اسم أمه عفراء يجوز أن
يكون مستنده في ذلك مقابلة ابن الجموح بابن عفراء في كلامهم المقتضى ذلك
لأن يكون ابن الجموح ليس ابن عفراء
ولا يشكل على ذلك ما في النور
نقلا عن الإمام النووي أن عمرو بن الجموح وابني عفراء أي معاذ ومعوذ
اشتركوا في قتل أبي جهل لأن معاذا الثاني ابن الحرث فكل من عمرو بن الجموح
والحرث تزوج عفراء وكل سمى ولده منها بمعاذ ويدل لذلك ما يأتي عن الإمتاع
أنه صلى الله عليه وسلم قال رحم الله ابني عفراء اشتركا في قتل فرعون هذه
الأمة ولما قيل له يا رسول الله من قتله معهما قال الملائكة ولم يقل عمرو
بن الجموح لكن رأيت بعضهم ذكر أن عفراء شهد لها بدرا سبع بنين ثلاثة من
الحارث بن رفاعة
وهم معوذ ومعاذ وعامر
وأربعة من بكر بن عبد ياليل وهم خالد وأساس وعاقل وعامر واستشهد منهم ببدر
معاذ ومعوذ وعاقل هذا كلامه وذكر عامر في الأول تقدم بدله ذكر عوف وهو
واضح فقد تقدم أن عوف بن الحارث بن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب
الخ ولم يذكر هذا البعض أن من أولادها معاذ بن عمرو بن الجموح وهو يؤيد ما
تقدم عن الحافظ وعن الإمام النووي فعليك بالتأمل وقيل قضى بسلبه لمعاذ بن
عمرو بن الجموح
أقول أي لكونه هو الذي أزال منعته فاستحق سلبه ولا
ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لهما كلاكما قتله لجواز أن يكون أتى
بذلك ملاطفة للثاني وترغيبا له في الجهاد لأن له مشاركة ما في قتله لأنه
زاد في إثخانه إلى أن صيره إلى آخر رمق
ويرده كونه صلى الله عليه
وسلم أشركهما في سلبه ومن ثم قال فقهاؤنا يعطي السلب لمن أثخن دون من قتل
أي بعد ذلك فقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلب أبي جهل لمثخنيه
ابني عفراء دون قاتله ابن مسعود لكن هذا القيل قال به بعض آخر من فقهائنا
وهو الموافق لما في البخاري في كتاب فرض الخمس معاذ بن عمرو بن الجموح
ومعاذ بن عفراء قتلا أبا جهل ثم تنازعا فيه وذلك لأن النبي صلى الله عليه
وسلم نظر إلى السيفين فرأى فيهما أثر الدم فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه
لمعاذ بن الجموح قال الأصحاب لأنه أثخنه والآخر جرحه بعده وقوله كلاكما
قتله تطييب لقلب الآخر هذا كلامه فليتأمل فإن الذي أظنه أن كونه رأى أثر
الدم في سيفيهما خلط من الراوي لأن ذلك كان في قتل بن الأشرف ويؤيد الخلط
ما تقدم عن ابن مسعود أنه لم ير فيه أثر جراح داخل بدنه
وفي الإمتاع
أنه صلى الله عليه وسلم قال يرحم الله ابني عفراء فإنهما قد اشتركا في قتل
فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر فقيل يا رسول الله من قتله معهما قال
الملائكة وذففه ابن مسعود وهذا السؤال يقتضي أن معنى قوله صلى الله عليه
وسلم إنهما قد اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة أن غيرهما شاركهما في ذلك
فليتأمل
وفي شرح الروض وهو من أجل كتبنا أن عبدالله بن رواحة وابني
عفراء تقاتلا مع أبي جهل مبارزة وأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك واقره
وجعلوا ذلك دليلا على إباحة مبارزة القوي لكافر لم يطلب المبارزة
أي وأما ما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم لحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث
بمبارزة عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة فذاك لكافر طلب المبارزة
فقد تقدم أن عتبة خرج بين أخيه شيبة وولده الوليد حتى فصل من الصف ودعا
للمبارزة وأنه خرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة إخوة أشقاء وهم معاذ ومعوذ
وعوف بنو عفراء وقيل بدل عوف عبدالله بن رواحة فلم يرضوا بمبارزتهم فعند
ذلك أمر صلى الله عليه وسلم من ذكر بمبارزتهم وعندي أن ما ذكره في شرح
الروض من مبارزة عبدالله بن رواحة وابني عفراء لأبي جهل ذكر أبي جهل
اشتباه وإنما هو لهؤلاء الثلاثة ولم تقع منهم مقاتلة وكيف يبارز ثلاثة
واحدا فليتأمل
وجاء في الحديث إن الله قتل فرعون هذه الأمة أبا جهل فالحمد لله الذي صدق
وعده ونصر دينه والله أعلم
وكان على الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم أي إلا جبريل
فإنه كان عليه عمامة صفراء أي وقيل حمراء
قال بعضهم وكان بعضهم بعمائم خضر وبعضهم بعمائم صفر وبعضهم بعمائم حمر أي
وبعضهم بعمائم بيض وبعضهم بعمائم سود فلا منافاة
وذكر أن عمامة جبريل عليه السلام يوم أغرق فرعون كانت سوداء قال وفي رواية
سيماهم عمائم سود وعند ابن مسعود رضي الله عنه كان سيما الملائكة يوم بدر
عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر اه أي وبيض وسود
وفي كلام بعضهم نزلت الملائكة يوم بدر بعمائم صفر ورواية بيض وسود ضعيفة
وفي كلام ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كانت سيما
الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرخوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كان عليه
عمامة صفراء من نور أي وكانوا يوم أحد بعمائم حمر ويوم حنين كذلك
في
الجامع الصغير كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود ويوم أحد عمائم حمر
وما ذكر لا ينافي ما قيل سيماهم ببدر عمائم صفر قد أرخوها بين أكتافهم وما
جاء كان على الزبير رضي الله عنه ببدر عمامة صفراء معتجرا بها فقال صلى
الله عليه وسلم نزلت الملائكة علي بسيما أبي عبدالله يعني الزبير رضي الله
عنه لجواز أن يكون أكثرهم كان بعمائم صفر
وقد ذكر أن الزبير رضي الله عنه قاتل يوم بدر قتالا شديدا حتى كان الرجل
يدخل يده في الجراح في ظهره وعاتقه
وقد سئل الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى عن قوله تعالى { يمددكم ربكم
بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } ما السمة التي كانت عليهم فأجاب بأن ابن
أبي حاتم ذكر في تفسيره بأسانيد عن علي كرم الله وجهه أنها الصوف الأبيض
في نواصي خيولهم وأذنابها
وعن مكحول وغيره أنها العمائم وعن ابن
عباس رضي الله عنهما أنها كانت عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم وفي سنده
رجل ضعيف وعنه أيضا عمائم سود وفي سنده متروك ثم قال ورواية البيض والسود
ضعيفة هذا كلامه أي وعلى تقدير صحتها يجاب بما قدمنا وكان شعار الأنصار أي
علامتهم التي يتعارفون بها في ذلك إذا جاء الليل أو وقع اختلاط أحد أحد أي
وشعار المهاجرين يومئذ يا بني عبدالرحمن
أي وعن زيد بن علي قال كان
شعار النبي صلى الله عليه وسلم أي المهاجرين أو هو حتى لا يشتبه بغيره يا
منصور أمت ويقال أحد أحد وشعار الخزرج يا بني عبدالله وشعار الأوس يا بني
عبيدالله
وعن ابن سعد يقال كان شعار الجميع يومئذ يا منصور أمت
أي وقد يقال لا منافاة بين هذه الرواية وما قبلها من الروايات لأن المراد
بالجميع المجموع لكن يحتاج إلى الجمع بين تلك الروايات السابقة على تقدير
صحتها وكانت خيل الملائكة بلقا
وعن علي رضي الله تعالى عنه قال كان
سيما الملائكة أي سيما خيلهم يوم بدر الصوف الأبيض أي وفي لفظ بالعهن
الأحمر في نواصي الخيل وأذنابها
أي ولا منافاة لجواز أن يكون بعضهم
كذا وبعضهم كذا وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم سوموا خيلكم فإن الملائكة
قد سومت فهو أول يوم وضع فيه الصوف أي في نواصي الخيل وأذنابها ولم أقف
على لون الصوف الذي وضع في ذلك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال
حدثني رجل من بني غفار قال أقبلت أنا وابن عم لي حتى صعدنا في جبل يشرف
بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة أي الغلبة فننهب
مع من ينهب فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل
فسمعت قائلا يقول اقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه
أي
غشاؤه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت واقدم بضم الدال من التقدم
كلمة يزجر بها الخيل وحيزوم بالميم وربما قيل بالنون اسم فرس جبريل ولعلها
هي الحياة وأحدهما اسم لها والآخر لقب وقيل لها الحياة لأنها ما مسها شيء
إلا صار حيا وهي التي قبض من أثرها أي من تراب حافرها السامري نسبة إلى
سامر قرية أو طائفة ما ألقاه في العجل الذي صاغه من حلي القبط فكان له
خوار أي صوت فكان إذا خرا سجدوا وإذا سكت رفعوا قال في النهر الظاهر أنه
قامت به الحياة
وقيل لما صنعه السامري أجوف تحيل لتصويته بأن جعل في
تجويفه أنابيب على شكل مخصوص وجعله في مهب الرياح فتدخل في تلك الأنابيب
فيظهر له صوت يشبه الخوار وفي كلام بعضهم فرس جبريل التي هي حيزوم كان
صهيله التسبيح والتقديس وإذا نزل عليها جبريل عليه السلام علمت الملائكة
أن نزوله للرحمة وإذا نزل منشور الأجنحة علمت أن نزوله للعذاب أي وحينئذ
فنزول جبريل عليه السلام عليها يوم بدر كان لرحمة المسلمين وإن كان عذابا
على الكافرين ويكون نزوله لا عليها بل منشور الأجنحة إذا كان لمحض العذاب
ويحتمل أن يكون حيزوم غير فرس الحياة وإليه ذهب السهيلي رحمه الله فقال
والحياة أيضا فرس لجبريل عليه السلام
قال الحافظ ابن حجر ومن الأخبار الواهية أن الموت كبش لا يجد ريحه شيء إلا
مات والحياة فرس بلقاء أثنى أي خطوتها كما في العرائس مد البصر وهي التي
كان جبريل عليه السلام والأنبياء عليهم السلام يركبونها أي كلهم كما في
العرائس لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيى
هذا وفي أثر مرسل أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل من القائل يوم بدر من الملائكة
اقدم حيزوم فقال جبريل عليه السلام يا محمد ما كل أهل السماء أعرف
قال ابن كثير وهذا الأثر يرد قول من زعم أن حيزوم اسم فرس جبريل عليه
السلام أي وفيه أنه لا يبعد أن يقول أحد من الملائكة لفرس جبريل اقدم
حيزوم ولا يعرف ذلك القائل وكأن الحافظ ابن كثير رحمه الله فهم من قوله
صلى الله عليه وسلم من القائل الخ أن ذلك الفرس لذلك القائل نعم إن كان
هذا الأثر وقع بعد الرواية التي تلي هذه وهي جاءت سحابة الخ أو أن ذلك
الأثر سقط منه لفظة لفرسه والأصل من
القائل
يوم بدر من الملائكة لفرسه اتجه ما فهمه ابن كثير رحمه الله فليتأمل قال
وفي رواية جاءت سحابة فسمعنا أصوات الرجال والسلاح وسمعنا رجلا يقول لفرسه
اقدم حيزوم فنزلوا على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءت سحابة
أخرى نزل منها رجال كانوا على ميسرته فإذا هم على الضعف من قريش فمات ابن
عمي وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت ومن ثم ذكر
في الصحابة
وفي النور هذا الرجل مذكور في الصحابة وليس في الحديث أي
الرواية الأولى ما يدل على إسلامه إلا أن تحديثه لابن عباس رضي الله تعالى
عنهما بهذه المعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم يشعر بإسلامه هذا كلامه
وفيه أن قوله ونحن مشركان يدل على أنه كان مسلما عند تحديثه لابن عباس رضي
الله تعالى عنهما
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الغمام الذي ظلل بني إسرائيل في
التيه هو الذي يأتي الله تعالى فيه يوم القيامة وهو الذي جاءت فيه
الملائكة يوم بدر
أي وعن علي رضي الله تعالى عنه هبت ريح شديدة ما
رأيت مثلها قط ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك
فكانت الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة أي لعلها أمامه أخذا من قوله
وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكانت الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك سكوت عن الرابعة أي زاد في الإمتاع وكان
إسرافيل وسط الصف لا يقاتل كما يقاتل غيره من الملائكة
وظاهر هذا أن
كلا من جبريل وميكائيل قاتل وتقدم أنهم في هذه الغزاة التي هي غزاة بدر
قيل لم يمدوا إلا بألف من الملائكة ورواية ألفين ضعيفة جاءت عن علي رضي
الله تعالى عنه فتكون هذه الرواية التي جاءت عن علي أيضا كذلك ولا نظر لما
تقدم عن بعضهم أن إمدادهم يوم بدر بثلاثة آلاف أولا وأنهم وعدوا أن يمدوا
بخمسة آلاف إن ثبتوا وصبروا وهو ما عليه الأكثر لما علمت أن ذلك إنما كان
في أحد وسيأتي ذلك مع زيادة قال بعضهم ولم تقاتل الملائكة إلا في يوم بدر
أي وفي غيره يكونون مددا من غير مقاتلة وسيأتي أنهم قاتلوا يوم أحد ويوم
حنين
ففي مسلم عن سعد بن أبي وقاص
أنه رأى عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين
عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل عليهما
السلام يقاتلان كأشد القتال
قال الإمام النووي رحمه الله فيه أن
قتال الملائكة لم يختص بيوم بدر وهذا هو الصواب خلافا لمن زعم اختصاصه فإن
هذا صريح في الرد عليه
أقول يمكن الجمع بأن المختص ببدر قتال
الملائكة عنه وعن أصحابه وفي غيره كان عنه صلى الله عليه وسلم خاصة فلا
منافاة ثم رأيتني ذكرت هذا الجمع في غزوة أحد عن البيهقي وتعقبته بما جاء
أن الملائكة قاتلت في ذلك اليوم عن عبدالرحمن بن عوف وعلى تسليم ورود ذلك
فيه أنهم لو قاتلوا يوم أحد لظهر أثر قتلهم كما ظهر في يوم بدر
وقد يقال مرادهم بالمقاتلة يوم أحد المدافعة من غير أن يوقعوا فعلا وفي
يوم بدر المراد بالمقاتلة إيقاع الفعل والله أعلم
وانكسر سيف عكاشة بتشديد الكاف أكثر من تخفيفها ابن محصن وهو يقاتل به
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب أي أصلا من أصول الحطب
وقال له قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
هزه فعاد في يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديد فقاتل به رضي
الله عنه حتى فتح الله تعالى على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون
ثم لم يزل عند عكاشة وشهد به المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم لم يزل متوارثا عند آل عكاشة وعكاشة مأخوذ من عكش على القوم إذا
حمل عليهم والعكاشة العنكبوت وسيأتي مثل ذلك في أحد لعبدالله بن جحش
وانكسر سيف سلمة بن أسلم رضي الله عنه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم قضيبا كان في يده أي عرجونا من عراجين النخل وقال اضرب به فإذا هو
سيف جيد فلم يزل عنده
قال وعن خبيب بن عبدالرحمن قال ضرب خبيب جدي يوم بدر فمال شقه فتفل عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمه ورده فانطبق
وعن رفاعة بن مالك رضي الله عنه قال لما كان يوم بدر رميت بسهم ففقئت عيني
فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيء اه
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى من المشركين أن ينقلوا من
مصارعهم التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وجودها فعن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع
أهل بدر يقول هذا مصرع عتبة بن ربيعة وهذا مصرع شيبة بن ربيعة وهذا مصرع
أمية بن خلف وهذا مصرع أبي جهل بن هشام وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله
تعالى أي ويضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على الأرض فما تنحى أحدهم
عن موضع يده كما تقدم عن أنس وتقدم عنه أن ذلك كان ليلة بدر بعد أن وصل
إلى محل الواقعة إذ لا يتصور وضع يده على الأرض إلا إذا كان بمحل الوقعة
وبه يعلم ما ذكره بعضهم أن إخباره صلى الله عليه وسلم بمصارع القوم تكرر
منه مرتين قبل الوقعة بيوم أو أكثر ويوم الوقعة هذا كلامه إلا أن يقال
قوله يوم الوقعة هو بناء على أنه صلى الله عليه وسلم وصل بدرا في النهار
والقول بأن ذلك كان ليلا بناء على أنه وصل بدرا ليلا ومعلوم أنه إنما وضع
يده في محل الوقعة
ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا فطرحوا في
القليب إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأه فذهبوا
ليحركوه فتزايل أي تقطعت أوصاله فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب
والحجارة
وهذا دليل على أن الحربي لا يجب دفنه وبه قال أئمتنا بل قالوا يجوز إغراء
الكلاب على جيفته
وفي سنن الدارقطني كان من سنته صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة
إنسان أمر بدفنه لا يسأل عنه مؤمنا كان أو كافرا أي ولكثرة جيف الكفار كره
صلى الله عليه وسلم أن يشق على أصحابه أن يأمرهم بدفنهم فكان جرهم إلى
القليب أيسر وكان الحافر لهذا القليب رجل من بني النجار فكان فألا مقدما
لهم ذكره السهيلي
ولما ألقى عتبة والد أبي حذيفة رضي الله عنه في
القليب تغير وجه أبي حذيفة ففطن بفتح الطاء له رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال له لعلك دخلك من شأن أبيك شيء فقال لا والله ولكني كنت أعرف من
أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه الله للإسلام فلما رأيت ما مات
عليه أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا
أقول وذكر فقهاؤنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أبا حذيفة عن قتل أبيه
في هذه الغزاة وقد أراد ذلك والله أعلم
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على شفير القليب أي قيل بعد
ثلاثة أيام من إلقائهم في القليب وذلك ليلا أي وفي الصحيحين عن أنس رضي
الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث
ليال فلما كان اليوم الثالث أمر صلى الله عليه وسلم براحلته فشد عليها
رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه حتى قام على شفة الركى أي وهو القليب وجعل
يقول يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا
فإني وجدت ما وعدني الله حقا
وجاء في بعض الطرق نداؤهم بأسمائهم
فقال يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن
هشام وهذا يقتضي أنه في تلك الرواية نطق بلفظ يا فلان ابن فلان ولا يخفى
بعده فليتأمل
واعترض بأن أمية بن خلف لم يكن من أهل القليب لما
علمته وأجيب بأنه كان قريبا من القليب بئس عشيرة النبي كنتم كذبتموني
وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس فقال عمر
رضي الله عنه يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها وفي رواية
أجسادا قد أجيفوا وفي لفظ قد جيفوا فقال صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع
وفي رواية لأسمع لما أقول منهم وفي رواية لقد سمعوا ما قلت غير أنهم لا
يستطيعون أن يردوا شيئا
وعن قتادة رضي الله عنه أحياهم الله تعالى حتى سمعوا كلام رسول الله صلى
الله عليه وسلم توبيخا لهم وتصغيرا ونقمة وحسرة
أقول والمراد بإحيائهم شدة تعلق أرواحهم بأجسادهم حتى صاروا كالأحياء في
الدنيا للغرض المذكور لأن الروح بعد مفارقة جسدها يصير لها تعلق به أو بما
يبقى منه ولو عجب الذنب فإنه لا يفني وإن اضمحل الجسم بأكل التراب أو بأكل
السباع أو الطير أو النار وبواسطة ذلك التعلق يعرف الميت من يزوره ويأنس
به ويرد سلامه إذا سلم عليه كما ثبت في الأحاديث والغالب أن هذا التعلق لا
يصير الميت به حيا كحياته في الدنيا بل يصير كالمتوسط بين الحي والميت
الذي لا تعلق لروحه بجسده وقد يقوى حتى يصير كالحي في الدنيا ولعله مع ذلك
لا يكون فيه القدرة على الأفعال الإختيارية فلا يخالف ما حكى
عن
السعد اتفقوا على أنه تعالى لم يخلق في الميت القدرة والأفعال الإختيارية
هذا كلامه والكلام في غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء رضي
الله عنهم أي شهداء المعركة أما هما فتعلق أرواحهم بأجسادهم تصير به
أجسادهم حية كحياتها في الدنيا ويكون لهم القدرة والأفعال الإختيارية
فقد روى البيهقي رحمه الله في الجزء الذي ألفه في حياة الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام في قبورهم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون وجاء إن علمي بعد موتي
كعلمي في الحياة
وروى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
لينزلن عيسى بن مريم عليه السلام ثم إن قام على قبري وقال يا محمد لأجبته
ومن ثم قال الإمام السبكي حياة الأنبياء والشهداء كحياتهم في الدنيا ويشهد
له صلاة موسى عليه السلام في قبره فإن الصلاة تستدعي جسدا حيا وكذا الصفات
المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام
ولا يلزم من
كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الإحتياج
إلى الطعام والشراب وأما الإدراكات كالعلم والسمع فلا شك أن ذلك ثابت لهم
ولسائر الموتى هذا كلامه وسائر الموتى شامل للكفار أي وأكل الشهداء وشربهم
في البرزخ لا عن احتياج بل لمجرد الإكرام وكون الشهداء اختصوا بذلك دون
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا مانع منه لأن المفضول قد يخص بما لا
يوجد في الفاضل ألا ترى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام شرعت الصلاة
عليهم وجوبا وحرمت على الشهداء وبهذا يرد قول بعضهم في الإستدلال على حياة
الأنبياء بقوله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل
أحياء عند ربهم يرزقون } والأنبياء أولى بذلك لأنهم أجل وأعظم وما من نبي
إلا وقد جمع بين النبوة ووصف الشهادة فيدخلون في عموم لفظ الآية ولأنه صلى
الله عليه وسلم قال في مرض موته لم أزل أحد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر
فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم فثبت كونه صلى الله عليه وسلم حيا في
قبره بنص القرآن إما من عرف اللفظ أو من مفهوم الموافقة
ووجه رده أن
الأولوية قد تمنع بل أصل القياس لما علمت أنه قد يوجد في المفضول ما لا
يوجد في الفاضل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وإن جمعوا بين النبوة
والشهادة
إلا أن المراد في الآية شهداء المعركة لا مطلق الشهادة إذ شهادة
المعركة لم تحصل لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
ثم لا يخفى أن الذي ثبت حياة الأنبياء وصلاتهم في قبورهم وحجهم وأما صومهم
وأكلهم وشربهم في ذلك فلم أقف على ما يدل على ذلك في شيء من الأحاديث
والآثار وقياسهم في ذلك على الشهداء علمت أنه قد يمنع لما أنه قد يوجد في
المفضول ما لا يوجد في الفاضل
والذي يدل على أنهم يحجون ما جاء عن
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
مكة والمدينة فمررنا بواد فقال أي واد هذا فقالوا وادي الأزرق فقال صلى
الله عليه وسلم كأني أنظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام واضعا أصبعيه في
أذنيه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية مارا بهذا الوادي ثم سرنا حتى
أتينا على ثنية فقال صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى يونس عليه الصلاة
والسلام على ناقة حمراء عليه جبة صوف مارا بهذا الوادي ملبيا وقد جاء في
موسى عليه السلام أنه كان على بعير وفي رواية على ثور ولا منافاة لجواز أن
يكون تكرر حجه أو ركب البعير مرة والثور أخرى ولا يخفى أن رزق الشهداء
يصدق على الجماع لأنه مما يلتذذ به كالأكل والشرب
ثم رأيت سيدي أبا
المواهب الشاذلي رحمه الله ونفعنا ببركاته قال في كتابه المسمى بعنوان أهل
السر المصون في كشف عورات أهل المجون وأخبر سبحانه عن الشهداء أنهم أحياء
عند ربهم يرزقون وحمله أهل العلم على الحقيقة وأنهم يأكلون ويشربون
وينكحون حقيقة وقائل غير هذا أي أن الأكل والشرب عبارة عن لذة تحصل لهم
كاللذة الناشئة عن الأكل والشرب والنكاح صرف هذه الآية عن ظاهرها من غير
ضرورة تلجىء إلى ذلك ثم قاس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الشهداء في
ذلك لما تقدم من أنهم أجل وأعظم وما من نبي إلا وقد جمع بين النبوة
والشهادة وقد علمت جواب من منع القياس
ثم رأيت عن إفتاء شيخنا الشمس
الرملي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والشهداء رضي الله عنهم يأكلون
في قبورهم ويشربون ويصلون ويصومون ويحجون ووقع الخلاف هل ينكحون فقيل نعم
وقيل لا وأنهم يثابون على صلاتهم وصومهم
وحجهم
ولا تكليف عليهم في ذلك لانقطاع التكليف بالموت بل من قبيل التكرمة ووقع
الدرجات هذا كلامه ولعل مستنده في إثبات ما عدا الصلاة والحج للأنبياء
قياسهم على الشهداء وقد علمت ما فيه وإثبات الخلاف الذي ذكره شيخنا في
نكاح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا أدري هل هو خلاف أهل عصره أو من
تقدمهم
على أن إثبات النكاح للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ربما
يبعده ما ذكروه في حكمة قوله صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم النساء
والطيب حيث لم يقل من دنياي ولا من الدنيا فإنه أشار بهذه الإضافة إلى أن
النساء والطيب من دنيا الناس لأنهم يقصدونهما للإستلذاذ وحظوظ النفس وهو
عليه الصلاة والسلام منزه عن ذلك
وإنما حبب إليه النساء لينقلن عنه
محاسنه ومعجزاته الباطنة والأحكام السرية التي لا يطلع عليها غالبا غيرهن
وغير ذلك من الفوائد الدينية
وحبب إليه الطيب لملاقاته للملائكة
لأنهم يحبونه ويكرهون الريح الخبيث لأن حقيقة الإكرام أن يحصل له في
البرزخ ما كان يلتذ به في الدنيا ليكون حاله فيه كحاله في الدنيا
وفيه أن الحكمة المذكورة لا تناسب قوله صلى الله عليه وسلم فضلت على الناس
بأربع وعد منها كثرة الجماع وهم كغيرهم في هذا التعلق متفاوتون بحسب
مقاماتهم وإنه يعبر عن قوة هذا التعلق بعود الحياة ومنه ما ذكر عن قتادة
وتعود الروح ومنه قول بعضهم أرواح الأنبياء والشهداء بعد خروجها من
أجسادها تعود إلى تلك الأجسام في القبر وأذن لهم في الخروج من قبورهم
والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي
ومن ثم قال ابن العربي رحمه الله
تعالى رؤية المصطفى عليه الصلاة والسلام بصفته العلوية إدراك له على
الحقيقة وعلى غير صفته العلوية إدراك للمثال ويعبر عنه بردها
ومنه
قوله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يسلم علي إلا رد الله تعالى علي روحي
حتى أرد عليه السلام أي إلا قوى تعلق روحي وذلك إكراما لهذا المسلم حيث لا
يرد عليه سلامه إلا وقد قوى تعلق روحه الشريفة بجسده الشريف والروح بناء
على أنها غير عرض مع كونها في مقاماتها لها تعلق بجسدها وبما يبقى منه كما
تقدم كالشمس في السماء الرابعة ولها تعلق بالأرض وربما عبر عن ضعف هذا
التعلق بصعودها وطلوعها وبناء على أنها عرض تزول ويعود مثلها وقد أوضحت
ذلك في النفحة العلوية في الأجوبة
الحلبية
عن الأسئلة القروية وهي أسئلة سئلت عنها من بعض أهل القرى المصرية وذكرت
أن هذا أولى مما أطال به الجلال السيوطي من الأجوبة مع ما فيها مما لا
يخفى ورأيت في حديث عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لله ملكا أعطاه سمع العباد كلهم وإنه ما
من أحد يصلي علي صلاة إلا بلغنيها وإني سألت ربي عز وجل أن لا يصلي علي
أحد صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرة أمثالها وذكر الحافظ الذهبي أن راوي
هذا الحديث تفرد به متنا وإسنادا والله أعلم
وعن عائشة رضي الله
تعالى عنها أنها أنكرت قوله صلى الله عليه وسلم لقد سمعوا ما قلت وقالت
إنما قال لقد علموا أن الذي كنت أقول حق وقالت إنما أراد النبي صلى الله
عليه وسلم أي بقوله في حق أهل القليب ما أنتم بأسمع منهم أنهم الآن
ليعلمون أن الذي أقول لهم هو الحق أي لا أنهم يسمعون ما أقول بحاسة سمعهم
التي كانت موجودة في الدنيا ثم قرأت أي محتجة على ذلك قوله تعالى { إنك لا
تسمع الموتى } الآية وبقوله { وما أنت بمسمع من في القبور }
ويجاب
بأنه لا مانع من إبقاء السمع هنا على حقيقته لأنه إذا قوى تعلق أرواح
هؤلاء الكفار بأجسادهم بحيث صاروا أحياء كحياتهم في الدنيا للغرض المذكور
لا مانع من سماعهم بحاسة سمعهم لبقاء محل تلك الحاسة منهم كما أن الجسد
بذلك التعلق يقوى على الجلوس للسؤال في القبر والسماع المنفي في الآيتين
بمعنى السماع النافع وقد أشار إلى ذلك الجلال السيوطي رحمه الله بقوله
نظما ** سماع موتى كلام الخلق قاطبة ** جاءت عندنا الآثار في الكتب ** **
وآية النفي معناها سماع هدى ** لا يقبلون ولا يصغون للأدب **
لأنه تعالى شبه الكفار الأحياء بالأموات في القبور في أنهم لا ينتفعون
بالدعاء إلى الإسلام النافع
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة رضي الله عنه بشيرا
لأهل العالية أي وهي محل قريب من المدينة على عدة أميال وزيد بن حارثة
بشيرا لأهل السافلة بها راكبا ناقته القصوى وقيل العضباء بما فتح الله على
رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فجعل عبدالله بن رواحة ينادي في أهل
العالية يا معشر الأنصار أبشروا
بسلامة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المشركين وأسرهم ونادى زيد بن حارثة في
أهل السافلة بمثل ذلك أي ويقولان قتل فلان وفلان أي وأسر فلان وفلان من
أشراف قريش وصار عدو الله كعب بن الأشرف يكذبهما ويقول إن كان محمد قتل
هؤلاء القوم فبطن الأرض خير من ظهرها قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما
فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي ولما عزى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله دفن البنات
من المكرمات وفي رواية من المكرمات دفن البنات ويعجبني قول الباخرزي رحمه
الله تعالى ** القبر أخفى سترة للبنات ** ودفنها يروى من المكرمات ** **
أما رأيت الله عز اسمه ** قد وضع النعش بجنب البنات **
وجاء عثمان رضي الله عنه من رقية هذه بولد يقال له عبدالله فاكتنى به وكان
قبل ذلك يكنى أبا عمرو وتزوج بعدها أختها أم كلثوم بوحي
فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم رأى عثمان بن عفان مهموما بعد موت رقية
رضي الله عنها فقال له ما لي أراك لهفانا مهموما فقال له يا رسول الله وهل
دخل على أحد ما دخل علي انقطع الصهر بيني وبينك فبينا هو يحاوره إذ قال
صلى الله عليه وسلم هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن الله عز وجل أن أزوجك
أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها فزوجه إياها ولما تزوجها
دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنية أين أبو عمرو قالت
خرج لبعض حاجاته قال كيف رأيت بعلك قالت يا أبت خير بعل وأفضله فقال يا
بنية كيف لا يكون كذلك وهو أشبه الناس بجدك إبراهيم صلوات الله وسلامه
عليه وأبيك محمد وجاء عثمان من أشبه أصحابي بي خلقا وجاء عن ابن عباس رضي
الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل عليه
السلام إن أردت أن تنظر من أهل الأرض شبيه يوسف الصديق فانظر إلى عثمان بن
عفان ولتزوجه ببنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذو النورين ولم
يجمع أحد منذ آدم إلى اليوم بين بنتي نبي غيره رضي الله عنه ومن ثم لما
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عنه قال ذاك امرؤ يدعى في الملأ
الأعلى ذا النورين
ولما ماتت أم كلثوم تحته وذلك سنة تسع قال صلى
الله عليه وسلم زوجوا عثمان لو كان لي ثالثة لزوجته إياها وما زوجته إلا
بوحي من الله وجاء أنه صلى الله عليه وسلم
قال
له لو أن لي أربعين بنتا زوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة
وأم عثمان بنت عمته صلى الله عليه وسلم أروى بنت عبدالمطلب توأمة عبدالله
أبي النبي صلى الله عليه وسلم
قال وقال رجل من المنافقين لأبي لبابة
رضي الله عنه قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون بعده أبدا قد قتل محمد
وغالب أصحابه وهذه ناقته عليها زيد بن حارثة لا يدرى ما يقول من الرعب قال
أسامة فجئت حتى خلوت بأبي لبابة وسألته عما أسره له الرجل فأخبرني بما
أخبره به فقلت أحق ما تقول قال أي والله حق ما أقول يا بني فقويت نفسي
ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت أنت المرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم
لنقدمنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم فيضرب عنقك فقال إنما
هو شيء سمعته من الناس يقولونه انتهى أي وهذا كان قبل أن يجتمع أسامة
بأبيه زيد بن حارثة
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى
المدينة فلما خرج من مضيق الصفراء قسم النفل أي الغنيمة وكانت مائة وخمسين
من الإبل وعشرة أفراس ومتاعا وسلاحا وأنطاعا وثيابا وأدما كثيرا حمله
المشركون للتجارة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا
فله سلبه ومن أسر أسيرا فهو له أي كما تقدم ولعله تكرر ذلك منه صلى الله
عليه وسلم مرتين مرة للتحريض على القتال ومرة عند القسمة فالمقسوم ما بقي
بعد إخراج السلب وإخراج الأسرى قسم على المسلمين بالسوية بعد الإختلاف فيه
فادعى من قاتل العدو صده أنهم أحق به وادعى من جمعه أنهم أحق به وادعى من
كان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش أن غيرهم ليس بأحق به
منهم أي لأن سسعد بن معاذ رضي الله عنه قام على باب العريش الذي به صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في نفر من الأنصار وفي رواية عبادة
بن الصامت أن جماعة خرجت في أثر العدو عند انهزامه وجماعة أكبوا على جمع
الغنيمة فجمعوها وجماعة عند انهزام العدو أحدقوا به صلى الله عليه وسلم في
العريش خوفا أن يصيب العدو منه غرة ولعل هؤلاء كانوا زيادة عمن كان مع سعد
بن معاذ على باب العريش فادعى من أكب على جمعها أنهم أحق بها وادعى من
عداهم أن أولئك ليسوا بأحق بها منهم
أي وكون جماعة أحدثوا به صلى الله عليه وسلم بعد انهزام العدو قد يقال لا
ينافي
ذلك
ما تقدم عن ابن سعد أنه لما انهزم المشركون دنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم في أثرهم بالسيف مصلتا يتلو هذه الآية { سيهزم الجمع ويولون الدبر }
لجواز أن يكون صلى الله عليه وسلم خرج في أثرهم برهة من الزمان ثم عاد إلى
العريش فأحدق به هؤلاء مع من تقدم فأنزل الله تعالى سورة الأنفال {
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول }
فالنفل قد يطلق على
الغنيمة كما هنا كما أشرنا إليه وسماها الله تعالى أنفالا لأنها زيادة في
أموال المسلمين وكذا الفيء المذكور في سورة الحشر التي نزلت في غزوة بني
النضير يطلق على الغنيمة وسمى فيئا لأن الله تعالى أفاءه على المؤمنين أي
رده عليهم من الكفار فإن الأصل أن الله تعالى إنما خلق الأموال إعانة على
عبادته لأنه إنما خلق الخلق لعبادته فقد رد إليهم ما يستحقونه كما يعاد
ويرد على الرجل ما غصب من ميراثه وإن لم يقبضه قبل ذلك ومنه قول بعضهم كان
أهل الفيء بمعزل عن أهل الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن أهل الفيء كان يعطى
من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء أي
إلى الغنيمة وأخرج من الصدقة فنزعه الله من أيديهم فجعله إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أي يضعه حيث شاء فدلت الآية على أن الغنيمة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد من المقاتلة شيء منها ثم نسخت هذه الآية
بقوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي
القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } والأربعة أخماس الباقية للمقاتلة
أي فكان ذلك الخمس يخمس خمسة أخماس واحد له صلى الله عليه وسلم يفعل فيه
ما أحب والأربعة من ذلك الخمس لمن ذكر في الآية والأربعة الأخماس الباقية
تكون للمقاتلة
وسيأتي في سرية عبدالله بن جحش لنخلة أنه صلى الله
عليه وسلم خمس العير الذي جاء به عبدالله كذلك فجعل خمس ذلك لله وأربعة
أخماسه للجيش وقيل عبدالله هو الذي خمسها كذلك وأقره صلى الله عليه وسلم
على ذلك وهي أول غنيمة في الإسلام وأول غنيمة خمست فكان تخميسها قبل نزول
الآية لما علمت أن نزول تلك الآية كان بعد بدر فهي من الآيات التي تأخرت
تلاوتها عن حكمها قال بعضهم وكان ابتداء تحليل الغنائم لهذه الأمة في وقعة
بدر كما ثبت في الصحيحين وذلك في قوله تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا
} فأحل الغنيمة لهم
أقول وفيه أن
هذا قد يعين القول بأنه صلى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر
ويضعف ما سبق من أنه صلى الله عليه وسلم خمسها أو أن عبدالله هو الذي
خمسها قبل بدر وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد علمت أن ما أصابه من
بدر قسمه بين المسلمين سواء أي لم يتميز فيه أحد عن أحد الراجل مع الراجل
والفارس مع الفارس سواء وفيه تفضيل الفارس على الراجل في ذلك اليوم وسيأتي
التصريح بذلك وهذا يؤيد القول بأن الجيش كان فيه خمسة أفراس أو فرسان دون
القول بأنه لم يكن فيه إلا فرس واحد على ما تقدم حتى هو صلى الله عليه
وسلم كان سهمه كسهم واحد منهم أي كفارس منهم بناء على ما تقدم أنه صلى
الله عليه وسلم كان له فرسان إلا ما اصطفاه وهو سيفه ذو الفقار كما سيأتي
وحينئذ يكون قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يا رسول الله أتعطي فارس
القوم الذي يغيظهم مثل ما تعطي الضعيف أراد بالفارس فيه القوي
ففي
مسند الإمام أحمد قال سعد بن أبي وقاص قلت يا رسول الله الرجل يكون حاجته
للقوم يكون سهمه وسهم غيره سواء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثكلتك
أمك وهل تنصرون إلا بضعفائكم وما في مسند الإمام أحمد يدل على أن مراد سعد
بالفارس القوي لمقابلته في هذه الرواية بالضعيف فلا ينافي أنه أعطى الفارس
لفرسه سهمين وله سهم كالراجل
وقد أسهم لمن لم يحضر كمن أمره صلى
الله عليه وسلم بالتخلف لعذر منعه من الحضور كعثمان بن عفان رضي الله
تعالى عنه فإنه صلى الله عليه وسلم خلفه لأجل مرض زوجته رقية بنت النبي
صلى الله عليه وسلم كما تقدم أو لما كان به رضي الله تعالى عنه من الجدري
على ما تقدم ولهذا عد من البدريين وأبي لبابة لأنه صلى الله عليه وسلم
خلفه على أهل المدينة وعاصم بن عدي فإنه خلفه على أهل قباء والعالية ولمن
أرسله لكشف أمر العدو يتجسس خبره فلم يجيء إلا وقد انقضى القتال وهما طلحة
بن عبيدالله وسعيد بن زيد كما تقدم والحارث بن حاطب أمره بما مر في بني
عمرو بن عوف وخوات ابن جبير والحارث بن الصمة لأن كلا منهما كسر بالروحاء
كما تقدم
وبهذا يظهر التوقف في قول الجلال السيوطي في الخصائص
الصغرى وضرب لعثمان رضي الله تعالى عنه يوم بدر بسهم ولم يضرب لأحد غاب
غيره رواه أبو داود
عن ابن عمر قال الخطابي هذا خاص بعثمان لأنه كان يمرض ابنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم هذا كلامه
وأسهم صلى الله عليه وسلم لأربعة عشر رجلا قتلوا ببدر ولعلهم ماتوا بعد
انقضاء الحرب فلا يشكل على ما قاله فقهاؤنا أن من مات قبل انقضاء الحرب
لاحق له
وتنفل صلى الله عليه وسلم زيادة على سهمه سيفه ذا الفقار أي
وكان لمنبه بن الحجاج أي وقيل لابنه العاص قتل أيضا يوم بدر وقيل كان لعمه
نبيه وفي كلام أبي العباس بن تيمية أنه كان لأبي جهل أي ويمكن أن يكون ذلك
السيف كان في الأصل لأبي جهل ثم أعطاه لمنبه بن الحجاج أو لغيره ممن ذكر
لا يقال أو بالعكس لأن سيف أبي جهل أخذه ابن مسعود كما تقدم فلا مخالفة
وتنفل أيضا صلى الله عليه وسلم جمل أبي جهل وكان مهريا ولم يزل يغزو عليه
حتى ساقه في هدى الحديبية كما سيأتي وهذا الذي كان يأخذه زيادة على سهمه
أي قبل قسمة الغنيمة إذا كان صلى الله عليه وسلم مع الجيش يقال له الصفي
والصفية عبدا أو أمة أو دابة أو سيفا أو درعا لكن في الإمتاع عن محمد بن
أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم
صفى من المغنم حضر أو غاب قال بعضهم وهو محسوب من سهمه صلى الله عليه وسلم
وقيل يكون زائدا عليه إلا أن يقال ذاك الذي وقع فيه الخلاف كان بعد نزوله
آية التخميس وهذا كان قبل ذلك فلا يخالف ما سبق أن ما أخذه قبل القسمة كان
زائدا على سهمه المساوي لسهام القوم أي وكان في الجاهلية يقال للذي يأخذه
الرئيس إذا غزا بالجيش المرباع وهو ربع الغنيمة ولم يسمع مرباع إلا في
الربع دون غيره من الخمس وما بعده والصفايا أشياء كان يصطفيها الرئيس
لنفسه من خيار ما يغنم والنشيطة ما أصابه الجيش في طريقه قبل أن يصل إلى
مقصده وكان للرئيس النقيعة أيضا وهو بعير ينحره قبل القسمة فيطعمه الناس
كذا في شرح الحماسة للتبريزي
قال وقد سقط في الإسلام النقيعة والنشيطة وأمر صلى الله عليه وسلم عليا
كرم الله وجهه فقتل النضر بن الحارث بالصفراء
أي وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى النضر وهو أسير فقال النضر
للأسير الذي بجانه محمد والله قاتلي فإنه نظر إلي بعينين فيهما الموت فقال
له والله
ما هذا منك إلا رعب وقال
النضر لمصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه يا مصعب أنت أقرب من هذا إلي رحما
فكلم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي يعني المأسورين هو والله قاتلي فقال
مصعب إنك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا وتقول في نبيه صلى الله عليه
وسلم كذا وكذا وكنت تعذب أصحابه
وفي أسباب النزول للسيوطي وأقره
وكان المقداد رضي الله تعالى عنه أسر النضر فلما أمر صلى الله عليه وسلم
بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول وقد رثته أخته وقيل بنته رضي الله
تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك يوم الفتح فقالت من أبيات ** أمحمد يا خير
ضنء كريمة **
والذي رأيته في الحماسة ** أمحمد ولأنت ضنء نجيبة ** في قومها والفحل فحل
معرق **
أي له عرق في الكرم والضنء الولد ** ما كان ضرك لو مننت وربما ** من الفتى
وهو المغيظ المحنق **
وحين سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى أخضل أي بل لحيته وقال
لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه أي لقبول شفاعتها عندي بهذا الشعر
وليس معناه الندم لانه صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا حقا
أي وكان
للنضر هذا أخ يقال له النضير بالتصغير وكان أسن المهاجرين وقيل كان من
مسلمة الفتح وربما يدل له أنه صلى الله عليه وسلم أمر له بمائة بعير من
غنائم حنين فجاءه شخص يبشره بذلك فقال لا آخذها فإني أحسب أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم يعطني ذلك إلا تألفا على الإسلام وما أريد أن أرتشي
على الإسلام فقيل له إنها عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وأعطى
المبشر منها عشرة أبعرة
ثم قتل صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط
بعرق الظبية بضم الظاء المعجمة وهي شجرة يستظل بها قال وحين قدم للقتل من
للصبية يا محمد قال النار
وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن
عقبة لما قدم للقتل نادى يا معشر قريش مالي أقتل من بينكم صبرا فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم بكفرك وافترائك على رسول الله صلى الله عليه
وسلم أي وفي لفظ ببزاقك في وجهي أي فإن عقبة كان يكثر مجالسته صلى الله
عليه وسلم واتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأبى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل
وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال صبأت يا عقبة قال لا ولكن أبى أن يأكل
من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له الشهادة وليست في نفسي فقال
وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق في وجهه وتلطم عينه
فوجده صلى الله عليه وسلم ساجدا في دار الندوة ففعل به ذلك فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا ألقاك خارج مكة إلا علوت رأسك بالسيف كذا في
الكشاف وفي لفظ آخر بكفرك وفجورك وعتوك على الله ورسوله وأنزل الله فيه {
ويوم يعض الظالم على يديه } الآية
وذكر ابن قتيبة أنه صلى الله عليه
وسلم لما أمر بقتل عقبة أي وقد قال يا معشر قريش مالي أقتل من بينكم أي
وأنا واحد منكم قال له يا محمد ناشدتك الله والرحم فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم هل أنت إلا يهودي من أهل صفورية وفي رواية قال له إنما أنت
يهودي من أهل صفورية أي فليس هو من قريش أي لا رحم بيني وبينك أي لأن أمية
جد أبيه خرج إلى الشام لما نافر عمه هاشم كما تقدم فأقام بصفورية ووقع على
أمة يهودية ولها زوج يهودي من أهل صفورية فولدت له أبا عمرو الذي هو والد
أبى معيط على فراش اليهودي فاستلحقه بحكم الجاهلية ثم قدم به مكة وكناه
بأبي عمرو وسماه ذكوان مع أن الولد للفراش وقيل كان عبدا لأمية فتبناه
فلما مات أمية خلفه على زوجته
ويدل لهذا الثاني ما ذكره بعض
المؤرخين أن معاوية رضي الله تعالى عنه سأل رجلا من علماء النسب وفد عليه
كم عمرك قال أربعون ومائتا سنة قال كيف رأيت الزمان فقال سنيات بلاء
وسنيات رخاء يهلك والد ويخلف مولود فلولا الهالك لامتلأت الدنيا ولولا
المولود لم يبق أحد فقال له هل رأيت عبدالمطلب قال نعم أدركته شيخا وسيما
منسما جسيما يحف به عشرة من بنيه كأنهم النجوم فقال له هل رأيت أمية بن
عبد شمس يعني جده قال نعم رأيته أخفش أزرق ذميما يقوده عبده ذكوان فقال
ويحك كف فقد جاء غير ما ذكرت ذاك ابنه فقال أنتم تقولون ذلك
والقاتل لعقبة عاصم بن ثابت وقيل علي رضي الله تعالى عنهما أي وقيل صلب
على الشجرة
أقول قال محمد بن حبيب الهاشمي هو أول مصلوب في الإسلام ورده ابن ابن
الجوري بأن أول من صلب في الإسلام خبيب بن عدي
وقد يقال لا مخالفة لأن المراد بالثاني أول مصلوب من المسلمين وبالأول أول
مصلوب من الكفار
وذكر أن أول من استعمل الصلب فرعون ولعل المراد به فرعون موسى بن عمران لا
فرعون إبراهيم الخليل وهو أول الفراعنة ولا فرعون يوسف بن يعقوب وهو ثاني
الفراعنة وفي قول إن فرعون يوسف هذا هو فرعون موسى بمعنى أنه بقي إلى زمن
موسى عليه السلام وكان هلاكه على يده
وفي كلام ابن قتيبة عن سعيد بن
جبير ضم طعيمة بن عدي إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث أي لأنه ممن
قتل معهما صبرا وفيه نظر فقد تقدم أن القاتل له حمزة رضي الله عنه في
الحرب وسيأتي في أحد أن قتل حمزة كان بسبب قتله لطعيمة المذكور
ثم
سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم أي
وروى عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال لما قدمت إلى المدينة وكنت
جائعا استقبلتني امرأة يهودية على رأسها جفنة فيها جدي مشوي فقالت الحمد
لله يا محمد الذي سلمك الله كنت نذرت لله إن قدمت المدينة سالما لأذبحن
هذا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إليك لتأكل منه فأنطق الله الجدي فقال يا
محمد لا تأكلني فإني مسموم أي بخلاف ما وقع له صلى الله عليه وسلم في خيبر
فإنه لم يخبره الذراع بذلك إلا بعد أكله منه كما سيأتي وسيأتي أنه سأل
المرأة عن سبب ذلك وهنا لم يسألها ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة أي
قاربها خرج المسلمون للقائه وتهنئته بما فتح الله عليه فتلاقوا معه
بالروحاء أي وقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش ما الذي تهنونا به فوالله إن
لقينا أي ما لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقولة فنحرناها فتبسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال أولئك الملأ من قريش أي الأشراف والرؤساء
وتلقته الولائد عند دخوله المدينة والولائد جمع وليدة وهي الصبية والأمة
وتلك الولائد يقلن ** طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع ** ** وجب الشكر
علينا ** ما دعا لله داع **
وتلقاه أسيد بن الحصير فقال الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك
ولما أقبلوا من بدر فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفوا فجاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي فقالوا يا رسول الله فقدناك فقال إن أبا
الحسن وجد مغصا في بطنه فتخلفت عليه ثم لما قدمت الأسارى فرقهم بين
الصحابة وقال استوصوا بهم خيرا
وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش ابن
عبد عمرو رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فقال قتل عتبة وشيبة وأبو
الحكم وأمية وفلان وفلان من أشراف قريش أي وأسر فلان وفلان فقال صفوان بن
أمية وكان يقال له سيد البطحاء وكان من أفصح قريش لسانا وكان جالسا في
الحجر والله إن يعقل أي ما يعقل هذا سلوه عني فسألوه أي قالوا ما فعل
صفوان فقال هو ذاك الجالس في الحجر وقد رأيت أباه وأخاه حين قتلا
وعن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال أبو رافع مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس بن عبدالمطلب أي ثم وهبه العباس
له صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام عليه في السرايا وكان العباس رضي
الله تعالى عنه أسلم وأسلمت زوجته أي أم الفضل قيل إنها أول امرأة أسلمت
بعد خديجة كما تقدم وهي أم أولاده وهم عبدالله وعبيدالله وعبدالرحمن
والفضل وقثم ومعبد وأم حبيب
قيل رآها صلى الله عليه وسلم وهي تدب
بين يديه فقال إن بلغت وأنا حي تزوجتها فقبض صلى الله عليه وسلم قبل أن
تبلغ قال ابن الجوزي فليس في الصحابيات من كنيتها أم الفضل إلا زوج العباس
قال أبو رافع وأسلمت أنا وكنا نكتم الإسلام أي لأن العباس كان يكره خلاف
قومه لأنه كان ذا مال كثير وأكثره متفرق فيهم أي وسيأتي الجواب عن كونه
أسر وأخذ منه الفداء مع كونه مسلما وسيأتي أنه لم يظهر إسلامه إلا يوم
الفتح
فلما جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر سرنا ذلك فوالله إني لجالس
إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس عندنا فبينا هو جالس إذ قدم أبو
سفيان بن الحارث وكان مع قريش في بدر فقال له أبو لهب هلم إلى عندك الخبر
فقال والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا
ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله ما لمت
الناس
لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض والله ما يقوم لها شيء قال
أبو رافع فقلت والله تلك الملائكة فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة
وثاورته أي واثبته أي قام كل للآخر فاحتملني وضرب بي الأرض ثم برك علي
يضربني فقامت أم الفضل إلى عمود وضربته به ضربة في رأسه أثرت شجة منكرة
وقالت استضعفته أن غاب سيده تعني العباس فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش
إلا سبع ليال حتى رمى بالعدسة أي ما عاش صحيحا قبل أن يرمي بالعدسة إلا
سبع ليال أي وهي بثرة تشبه العدسة من جنس الطاعون فقتلته فلم يحفروا له
حفيرة ولكن أسندوه إلى الحائط وقذفوا عليه الحجارة خلف الحائط حتى واروه
أي لأن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها ويرون أنها تعدى أشد العدوى
فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه وبقي بعد موته ثلاثة أيام لا تقرب
جنازته ولا يحاول دفنه حتى أنتن فلما خافوا السبة أي سب الناس لهم في تركه
فعلوا به ما ذكر
وفي رواية حفروا له ثم دفعوه بعود في حفيرته وقذفوه
بالحجارة من بعيد حتى واروه وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت إذا
مرت بموضعه ذلك غطت وجهها
أقول قال في النور وهذا القبر الذي يرجم
خارج باب شبيكة أي الآن ليس بقبر أبي لهب وإنما هو قبر رجلين لطخا الكعبة
بالعذرة وذلك في دولة بني العباس فإن الناس أصبحوا وجدوا الكعبة ملطخة
بالعذرة فرصدوا للفاعل فمسكوهما بعد أيام فصلبا في ذلك الموضع فصارا
يرجمان إلى الآن والله أعلم
فلما ظهر الخبر ناحت قريش على قتلاهم أي
شهرا وجز النساء شعورهن وكن يأتين بفرس الرجل أو راحلته وتستر بالستور
وينحن حولها ويخرجن إلى الأزقة ثم أشير عليهم أن لا تفعلوا فيبلغ محمد
وأصحابه فيشمتوا بكم ولا نبكي قتلانا حتى نأخذ بثأرهم وتواصوا على ذلك
وكان الأسود بن زمعة بن المطلب أصيب له في بدر ثلاثة ولداه وولده ولده
وكان يحب أن يبكي عليهم وكان قد ذهب بصره أي بدعوة النبي صلى الله عليه
وسلم لانه كما تقدم كان من المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
إذا رآهم يقول قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على ملك كسرى وقيصر ويكلم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يشق عليه فدعا عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالعمى وتقدم ذلك وتقدم سبب عماه
وفي كلام بعضهم كان صلى الله عليه وسلم دعا على الأسود هذا بأن يعمي الله
تعالى بصره ويثكل ولده فاستجاب الله تعالى له سبق العمى إلى بصره أولا ثم
أصيب يوم بدر بمن نعاه من ولده أي وهو زمعة وهو أحد الثلاثة الذين كان
يقال لكل واحد منهم زاد الراكب كما تقدم وأخوه عقيل والحارث فإنهما قتلا
كافرين ببدر فتمت إجابة الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا به
قد سمع صوت باكية بالليل فقال لغلامه أنظر هل أحل النحب أي البكاء هل بكت
قريش على قتلاهم لعلي أبكي فإن جوفي قد احترق فلما رجع الغلام قال إنما هي
امرأة تبكي على بعير لها أضلته فأنشد من أبيات ** أتبكي أن يضل لها بعير
** ويمنعها من النوم السهود ** ** فلا تبكي على بكر ولكن ** على بدر
تقاصرت الجدود **
والسهود بضم السين المهملة عدم النوم والبكر الفتى
من الإبل والجودود بضم الجيم جمع جد بفتحها وهو الحظ والسعد وبعد هذين
البيتين بيت آخر وهو ** ألا قد ساد بعدهمو رجال ** ولولا يوم بدر لم
يسودوا **
يعرض بأبي سفيان فإنه رأس قريش قال وقد جاء في بعض
الروايات اختلاف الصحابة فيما يفعل بالأسرى لما قال لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما ترون في هؤلاء الأسرى إن الله قد مكنكم منهم أي وقد
يخالف هذا ما سبق من قوله إن من أسر أسيرا فهو له
وقد يقال لا
مخالفة لأن معنى كونه له أنه مخير فيه بين قتله وأخذ فدائه ولعله لا يخالف
ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل النضر قال المقداد رضي الله
تعالى عنه وكان أسره يا رسول الله أسيري فقال له إنه كان يقول في كتاب
الله ما يقول وفي رواية استشار صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا أي
وفي رواية أبا بكر وعمر وعبدالله بن جحش فيما هو الأصلح من الأمرين القتل
وأخذ الفداء فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله أهلك وقومك وفي
رواية هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان قد أعطاك الله الظفر ونصرك عليهم
أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على
الكفار وعسى الله أن يهديهم بك فيكونون لنا عضدا فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما تقول يا ابن الخطاب قال يا رسول الله قد كذبوك وأخرجوك
وقاتلوك ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكنني من فلان قريب
وفي
لفظ نسيب لعمر فأضرب عنقه وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة
من فلان أخيه أي العباس رضي الله تعالى عنه فيضرب عنقه حتى يعلم أنه ليست
في قولبنا مودة للمشركين ما أرى أن تكون لك أسرى فاضرب أعناقهم هؤلاء
صناديدهم وأئمتهم وقادتهم أي وقال ابن رواحة رضي الله تعالى عنه أنظروا
واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا فقال العباس رضي الله تعالى عنه وهو
يسمع ثكلتك رحمك فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت أي ولم يرد
عليهم فقال بعض الناس يأخذ بقول أبي بكر وقال بعض الناس يأخذ بقول ابن
رواحة ولم يقال قائل يأخذ بقول عمر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال إن الله ليلين قلوب أقوام فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله ليشدن
قلوب أقوام فيه حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل
ميكائيل ينزل بالرحمة لعله لا ينزل إلا بالرحمة فلا ينافي أن جبريل ينزل
بالرحمة في بعض الأحايين كما تقدم قريبا ومن ثم جاء في الحديث أرأف أمتي
بأمتي أبو بكر ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم حيث يقول { فمن تبعني فإنه
مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى بن مريم إذ قال
{ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }
قيل إنه قوله { فإنك أنت العزيز الحكيم } من مشكلات الفواصل إذ كان مقتضى
الظاهر فإنك أنت الغفور الرحيم
ورد بأن العزيز الذي لا يغلبه أحد ولا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس
فوقه أحد يرد عليه حكمه والحكيم هو الذي يضع الشيء محله
ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل نزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء
الله تعالى أي أغلب أحواله ذلك فلا ينافي أنه ينزل بالرحمة في بعض الأوقات
كما تقدم ومثلك في الأنبياء مثل نوح عليه الصلاة والسلام إذ قال { رب لا
تذر على الأرض من الكافرين ديارا } ومثلك في الأنبياء مثل موسى عليه
الصلاة والسلام إذ قال { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا
يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم }
قال الجلال السيوطي رحمه الله
تعالى في الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يشبه
بجبريل وبإبراهيم وبنوح وبموسى وبعيسى وبيوسف وبلقمان الحكيم وبصاحب يس
هذا كلامه
وقد علمت أن أبا بكر رضي الله عنه شبه بميكائيل ولم يذكر ميكائيل ولينظر من
شبه
من أصحابه بيوسف ثم رأيتني ذكرت فيما تقدم قريبا أنه عثمان بن عفان رضي
الله تعالى عنه ولينظر من شبه من أصحابه بلقمان الحكيم وبصاحب يس
ثم قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ولو توافقتما ما خالفتكما فلا
يفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق
وقد وقع له صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل ذلك لهما وقد اختلفا في تولية
شخصين أراد صلى الله عليه وسلم تولية أحدهما على بني تميم فقال أبو بكر يا
رسول الله استعمل فلانا وقال عمر يا رسول الله استعمل فلانا فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أما إنكما لو اجتمعتما لأخذت برأيكما ولكنكما
اختلفتما علي أحيانا فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا
بين يدي الله ورسوله } الآية واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم مثلك يا أبا
بكر الخ على جواز ضرب المثل من القرآن وهو جائز في غير المزح ولغو الحديث
وإلا كره ونسبة الإختلاف في أسارى بدر لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما
لا تخالف ما سبق من نسبته إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأنه يجوز أن
يكونا هما المرادين بالصحابة وعدم ذكر علي رضي الله تعالى عنه مع إدخاله
في الإستشارة وكذا عبدالله بن جحش على ما تقدم لأنه يجوز أن يكون وافق
أحدهما أي فقد ذكر ابن رواحة مع عدم إدخاله في الإستشارة
وفي كلام
الإمام أحمد رحمه الله استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في
الأسارى يوم بدر فقال إن الله قد مكنكم منهم قال فقام عمر رضي الله تعالى
عنه فقال يا رسول الله إضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم
ثم عاد فقال يا أيها الناس إن الله قد مكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس
فقام عمر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه
صلى الله عليه وسلم ثم عاد فقال للناس مثل ذلك فقام أبو بكر رضي الله
تعالى عنه فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء قال
فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم
وقبل الفداء فلما كان الغد غدا عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا
هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله ما يبكيكما وفي لفظ ماذا يبكيك أنت
وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن كاد لمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم لو نزل عذاب ما أفلت
منه إلا ابن الخطاب
وفي مسلم
والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنه صلى الله عليه وسلم قال
لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم
الفداء أي للعذاب الذي كاد أن يقع على أصحابك لأجل أخذهم الفداء أي إرادة
أخذه لقد عرض علي عقابهم أدنى أي أقرب من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه صلى
الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن
في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب
من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } الآيات
أقول قال بعضهم في
هذه الآيات دليل على أنه يجوز الإجتهاد للأنبياء لأن العتاب الذي في
الآيات لا يكون فيما صدر عن وحي ولا يكون فيما كان صوابا وإذا أخطئوا لا
يتركون عليه بل ينبهون على الصواب
وأجاب ابن السبكي رحمه الله بأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم أي ما
كان هذا لنبي غيرك ولا يخفى عليك ما فيه
وفي كلام بعضهم ما يقتضي أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير نبينا صلى
الله عليه وسلم يجوز أن يقروا على الخطأ لأن من بعد من يخطىء منهم يبين
خطأه بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده يبين خطأه فلا يقر على
الخطأ وفيه أن بعد نبينا عليه الصلاة والسلام عيسى عليه الصلاة والسلام
وأنه يوحي إليه
ونظر بعضهم في وقوع الخطأ من الأنبياء واستمرارهم عليه بأنه غير لائق
بمنصب النبوة لأن وجود من يستدرك الخطأ لا يدفع مقتضيه
وفيه جواز وقوع الخطأ والعمل به قبل مجيء الإستدراك وتقدم جواز الإجتهاد
له مطلقا لا في خصوص الحرب واستثناء عمر ربما يفيد أن جميع الصحابة رضي
الله تعالى عنهم وافقوا أبا بكر على أخذ الفداء وخالفوا عمر مع أنه تقدم
قريبا أن سعد بن معاذ كره ذلك قبل عمر فقد تقدم أن المسلمين لما وضعوا
أيديهم يأسرون رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فوجد في
وجهه الكراهية لما يصنع القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك
يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة
أوقعها الله تعالى بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل أحب إلي من
استبقاء
الرجال ومن ثم قال لو نزل عذاب لم يفلت منه إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ
كما سيأتي وفيه أن ابن رواحة كرهه بل أشار بإحراقهم بالنار
وفي
الأصل أن جبريل عليه الصلاة والسلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في
أسارى بدر فقال إن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد منكم سبعون بعد ذلك
فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه فجاءوا أو من جاء منهم أي
وهم المعظم فقال إن هذا جبريل يخبركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم وبين أن
تفادوهم ويستشهد قابلا منكم بعدتهم فقالوا بل نفاديهم فنتقوى به عليهم
ويدخل قابلا منا الجنة سبعون وفي لفظ ويستشهد منا عدتهم فليس في ذلك ما
نكره وهو كما ترى يدل على أن الصحابة وافقوا أبا بكر رضي الله عنهم على
أخذ الفداء ولعل هذا الإخبار بالتخيير كان بعد الإستشارة التي تكلم فيها
أبو بكر وعمر وأن بكاءه صلى الله عليه وسلم كان بعد هذه الإستشارة الثانية
وقوله صاحب الهدى بكاؤه صلى الله عليه وسلم وبكاء الصديق رحمة وخشية أن
العذاب يعم ولا يصيب من أراد ذلك خاصة يفيد أن الذي أشار بأخذ الفداء
طائفة من الصحابة لا كلهم
أقول وفيه أن هذا يشكل عليه قوله لو نزل
عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب أو إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ فإن فيه
تصريحا بأن العذاب لو وقع لا يعم وأنه لا يصيب إلا من أشار بالفداء وفيه
أن من أشار بالفداء غاية الأمر أنهم اختاروا غير الأصلح من الأمرين
واختيار غير الأصلح لا يقتضي العذاب على أن حل أخذ الفداء علم من واقعة
عبدالله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرمي فإنه أسر فيها عثمان بن المغيرة
والحكم بن كيسان ولم ينكره الله تعالى وذلك قبل بدر بأزيد من عام إلا أن
يقال أراد الله تعالى تعظيم أمر بدر لكثرة الأسارى فيها مع شدة تصلبهم في
مقاتلته صلى الله عليه وسلم وفي المواهب كلام في الآية المذكورة يتأمل فيه
ورأيت فيها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لولا أني لا أعذب من عصاني
حتى أقدم إليه الحجة لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم
وعن الأعمش سبق منه أنه لا يعذب أحدا شهد بدرا ومن ثم جاء كما يأتي أن
رجلا قال يا رسول الله إن ابن عمي نافق أي ائذن لي أن أضرب عنقه فقال له
إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم
والله أعلم ولا ينافي
قتل سبعين منهم
في قابل أي في أحد كون بعض الأسارى في بدر مات في الأسر ولم يؤخذ فداؤه
وهو ومالك بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله وكون بعضهم أطلق من غير أخذ
فداء لأن المنكر عدم قتل اولئك السبعين الذين أسروا
قال بعضهم اتفق
أهل العلم بالسير على أن المخاطبين بقوله تعالى { أو لما أصابتكم مصيبة قد
أصبتم مثليها } هم أهل أحد أي قد أصبتم يوم بدر مثلي من استشهد منكم يوم
أحد سبعين قتيلا وسبعين أسيرا والله أعلم
وتواصت قريش على أن لا
يعجلوا في طلب فداء الأسرى لئلا يتخالى محمد وأصحابه في الفداء فلم يلتفت
لذلك المطلب بن أبي وداعة السهمي بل خرج من الليل خفية وقدم المدينة فأخذ
أباه بأربعة آلاف درهم وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله
تعالى عنهم لما رأى أبا وداعة أسيرا إن له بمكة ابنا كيسا تاجر ذا مال
وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه أي فكان أول أسير فدى واسم أبي وداعة
الحارث وذكر في الصحابة قال الزبير بن بكار زعموا أنه كان شريكا للنبي صلى
الله عليه وسلم بمكة
أي والمشهور أن شريكه صلى الله عليه وسلم إنما
هو السائب بن أبي السائب الذي قال في حقه وقد أسلم يوم الفتح وقد جعل
الناس يثنون عليه أنا أعلمكم به هذا شريكي نعم الشريك كان لا يداري ولا
يماري وفي رواية أنه لما قال صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم به قال صدقت
بأبي أنت وأمي كنت شريكك فنعم الشريك لا تداري ولا تماري وعند ذلك بعثت
قريش في فداء الأسارى وكان الفداء فيهم على قدر أموالهم وكان من أربعة
آلاف إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألفين إلى ألف ومن لم يكن معه فداء أي وهو
يحسن الكتابة دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم الكتابة فإذا
تعلموا كان ذلك فداءه
وجاء جبير بن مطعم وهو كافر أي إلى المدينة
يسأل النبي صلى الله عليه وسلم في اسارى بدر فقال له صلى الله عليه وسلم
لو كان شيخك أو الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم لشفعناه وفي رواية لو كان مطعم
حيا وكلمني في هؤلاء النفر وفي رواية في هؤلاء النتنى لتركتهم له لان
المطعم كان أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من الطائف وكان ممن سعى
في نقض الصحيفة كما تقدم ذلك
وكان من جملة الأسارى عمرو بن أبي
سفيان بن حرب أخو معاوية أي أسره علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقيل
لأبي سفيان أفد عمرا ابنك قال أيجمع علي دمي
ومالي
قتلوا حنظلة يعني ابنه وهو شقيق أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها
وأفدى عمرا دعوه في أيديهم يمسكونه ما بدرا لهم فبينما أبو سفيان إذ وجد
سعد بن النعمان أخا بني عمرو بن عوف أي قد وفد من المدينة معتمرا فعدا
عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو فمضى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأخبروه خبر سعد بن النعمان وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي
سفيان فيفكون به صاحبهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا به إلى
أبي سفيان فخلى سبيل سعد أي ولم يذكر عمرو هذا فيمن أسلم من الأسارى
والظاهر أنه مات على شركه
وكان في الاسارى زوج بنت النبي صلى الله
عليه وسلم زينب رضي الله عنها وهو أبو العاص بن الربيع بكسر الموحدة
وتشديد الياء مفتوحة قال في الأصل ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي
بناء على ما تقوله العامة ان ختن الرجل زوج ابنته والمعروف لغة أن ختن
الرجل أقارب زوجته مثل أبيها وأخيها ومع ذلك لا ينبغي أن يقال في حق رسول
الله صلى الله عليه وسلم ختن أبي العاص ولا ختن علي لإيهامه النقص
وفي حفظي أن عند المالكية من قال عنه صلى الله عليه وسلم يتيم أبي طالب
وختن حيدرة كان مرتد وفي عبارة أو بدل الواو ورواية أو مبينة للمراد من
رواية الواو وأن ما أفهمته من اعتبار الجمعية ليس مرادا وحيدرة اسم علي
رضي الله تعالى عنه وأبو العاص اسلم بعد ذلك كما سيأتي وهو ابن خالتها
هالة بنت خويلد أخت خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأبو ولدها علي
الذي أردفه صلى الله عليه وسلم خلفه يوم فتح مكة ومات مراهقا وأبو بنتها
أمامة التي كان يحملها صلى الله عليه وسلم في الصلاة أي وكان يحبها حبا
شديدا
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أهديت له هدية فيها قلادة من جذع فقال لأدفعنها إلى أحب أهلي إلى
فقالت النساء ذهبت بها ابنة أبي قحافة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمامة بنت زينب فعلقها في عنقها وتزوجها علي بعد موت خالتها فاطمة رضي
الله تعالى عنها بوصية من فاطمة زوجها له الزبير بن العوام وكان أبوها
أوصى بها إلى الزبير ومات عنها فتزوجها المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد
المطلب فماتت عنده وكان تزويجها للمغيرة بوصية من علي رضي الله وتعالى عنه
فإنه لما حضرته الوفاة قال لها إني لا آمن أن يخطبك معاوية وفي لفظ هذا
الطاغية
بعد موتي فإن كان لك في الرحال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا
فلما إنقضت عدتها أرسل معاوية إلى مروان أن يخطبها عليه ويبذل لها مائة
ألف دينار فلما خطبها أرسلت إلى المغيرة بن نوفل إن هذا الرجل أرسل يخطبني
فإن كان لك حاجة في فأقبل فجاء وخطبها من الحسن بن علي أي فزوجها منه
أي ولا يخالف ما تقدم أن المزوج لها الزبير بن العوام لأنه يجوز أن يكون
الحسن كان هو السبب في تزويج الزبير لها فبعثت زينب رضي الله تعالى عنها
في فداء زوجها أبي العاص قلادة لها كانت أمها خديجة رضي الله تعالى عنها
أدخلتها بها عليه حين بنى بها أي والجائي بها أخوه عمرو بن الربيع ولا
يعلم لعمرو هذا إسلام فلما رأى تلك القلادة رسول الله صلى الله عليه وسلم
رق لها رقة شديدة وقال للصحابة إن رايتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا
عليها قلادتها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها
القلادة وشرط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيل زينب أي أن
تهاجر إلى المدينة
أي وقد كان كفار قريش مشوا إليه أن يطلق زينب بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما طلق ولدا أبي لهب بنتي النبي صلى الله
عليه وسلم قبل الدخول بهما رقية وأم كلثوم كما تقدم وقالوا له نزوجك أي
أمرأة من قريش شئت فأبى ذلك وقال والله لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بها
امرأة من قريش فشكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك واثنى عليه بذلك
خيرا فلما وصل ابو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت
وقد كان
صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار قال لهما تكونان
بمحل كذا لمحل قريب من مكة حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها أي
وذكر أن حماها كنانة بن الربيع خا زوجها قدم لها بعيرا فركبته واتخذ قوسه
وكنانته ثم خرج بها نهارا يقودها في هودج لها وكانت حاملا فتحدث بذلك رجال
من قريش فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى فكان أول من سبق إليها هبار
ابن الأسود رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ونخس البعير بالرمح
فوقعت والقت حملها
وفي رواية أنه سبق إليها هبار ورجل آخر يقال له نافع وقيل خالد بن عبد قيس
ثم
ان كنانة برك ونثر كنانته واخذ قوسه وقال والله لا يدنو مني رجل الا وضعت
فيه سهما فجاء اليه أبو سفيان في رجال من قريش وقال له كف عنا نبلك حتي
نكلمك فكف ثم قال له انك لم تصب في فعلك فانك خرجت بالمراة جهارا على رءوس
الاشهاد وقد عرفت مصيبتنا التي كانت وما دخل علينا من محمد فيظن الناس اذا
خرجت زينب علانية على رءوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك من ذل أصابنا وأن
ذلك منا من ضعف ووهن ولعمري مالنا بحبسها عن أبيها من حاجة ولكن أرجع بها
حتى اذا هدات الاصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسر بها سرا فألحقها
بأبيها ففعل وأقامت ليالى ثم خرج بها ليلا حتى أسلمها الى زيدابن حارثة
وصاحبه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن حارثة
ألاتنطلق فتجيئ بزينب قال بلى يا رسول لله قال فخذ خاتمي فأعطها فانطلق
زيد فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا فقال لمن ترعى قال لابي العاص قال فلمن
هذه الغنم قال لزينب بنت محمد فتكلم معه ثم قال له هل ان أعطيتك شيئا
تعطهااياه ولا تذكره لأحد قال نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعي الى زينب
وأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاك هذا قال رجل قالت فأين
تركته قال بمكان كذا وكذا فسكتت حتى اذا كان الليل خرجت اليه فلما جاءته
قال لها زيد اركبي بين يدي على بعيري قالت لا ولكن اركب انت بين يدي فركب
وركبت خلفه حتى أتت المدينة وذلك بعد شهرين من بدر وكان صلى الله عليه
وسلم يقول زينب أفضل بناتي أصيبت بي اي بسببي ز
ومن العجب أن هذه
العبارة ساقها الامام سراج الدين البلقيني في فتاويه في حق فاطمه رضي الله
تعالى عنها حيث قال وقد روي البزار في مسنده من طريق عائشة رضي الله تعالى
عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة هي خير بناتي لانها أصيبت في
هذا كلامه ولينظر ما الذي أصيبت فاطمة بسببه صلى الله عليه وسلم وقد يقال
اصابتها بسبب موته صلى الله عليه وسلم في حياتها ز
ثم رايت الحافظ
ابن حجر أجاب بذلك حيث قال لأنها رزئت بأبيها فكان في صحيفتها اى فهو من
أعلام نبوته او ان قوله في زينب ما ذكر كان قبل ما وهب الله لفاطمة من
الكمالات
وقد سئل الإمام البلقيني
رحمه الله تعالى هل بقية بناته صلى الله عليه وسلم أي بعد فاطمة سواء في
الفضل أو يفضل بعضهم على بعض ولم يجب عن ذلك ولا مخالفة بين خروج زينب إلى
زيد وخروج حميها بها إلى زيد وبهذا أي بتأخر هجرة زينب يظهر التوقف في قول
ابن اسحاق أما بناته صلى الله عليه وسلم فكلهن أدرن الإسلام واسلمن
وهاجرنا معه إلا ان يقال المراد اشتركن معه في الهجرة وتقدم ما في قوله
وأسلمن وكون الجائي في فداء أبي العاص أخوه عمرو يخالف ما جاء أن زينب بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها أرسلت في فداء أبي
العاص وأخيه عمرو بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة الحديث ولعلها تصحيف
وأن الأصل بعثت في فداء أبي العاص أخاه عمرو بن الربيع ويدل لذلك أنه صلى
الله عليه وسلم قال في هذه الرواية إن رايتم أن تردوا لها أسيرها فأطلقوه
ولم يقل أسيريها وكان في الأسارى سهيل بن عمرو العامري
وتقدم أنه
كان من أشراف قريش وخطبائها فقد سئل سعد بن المسيب عن خطباء قريش في
الجاهلية فقال الأسود بن المطلب وسهيل بن عمرو وسئل عن خطبائهم في الإسلام
فقال معاوية بن أبي سفيان وابنه يعني يزيد وسعيد بن العاص وابنه يعني عمرو
بن سعيد وعبد الله بن الزبير
ولعل هذا لا يخالف ما تقدم من قول
الأصمعي الخطباء من بني مروان عتبة ابن ابي سفيان أخو معاوية وعبد الملك
بن مروان ومما يؤثر عن عتبة ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم كما تقدم
وقال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعني أنزع ثنيتي
سهيل بن عمرو ويدلع أي بالدال والعين المهملتين يخرج لسانه أي لأنه كان
أعلم والأعلم إذا نزعت ثنيتاه لم يستطع الكلام فلا يقم عليك خطيبا في موطن
أبدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا امثل بي فيمثل الله تعالى
بي إن كنت نبيا وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه فكان كذلك فإنه لما مات رسول
الله صلى الله عليه وسلم أراد أكثر أهل مكة الرجوع عن الإسلام حتى خافهم
أمير مكة عتاب بن أسيد رضي الله عنه وتوارى فقام سهيل بن عمرو رضي الله
عنه خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال ايها الناس من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد
الله فإن الله حي لا يموت ألم تعلموا ان الله تعالى قال { إنك ميت وإنهم
ميتون } وقال { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآيات وتلى آيات
آخر
ثم قال والله إني أعلم أن هذا سيمتد امتداد الشمس في طلوعها وغروبها فلا
يغرنكم هذا من أنفسكم يعني ابا سفيان فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم
لكنه قد ختم على صدره حسد بني هاشم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم
وكلمته تامة إن الله ناصر من نصره ومقو دينه وقد جمعكم الله على خيركم
يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه وقال إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة فمن
رأيناه ارتد ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عما هموا به
وعند ذلك
ظهر عتاب بن أسيد رضي الله عنه وقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل فلما ذكر
قدرا أرضاهم به قالوا له هات فقال اجعلوا رجلي مكان رجله وخلوا سبيله حتى
يبعث إليكم بفدائه فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرز وكان في الأسارى الوليد
أخو خالد بن الوليد افتكه أخواه هشام وخالد فلما افتدى أسلم فعاتبوه في
ذلك فقال كرهت أن يظن بي أني جزعت من الأسر ولما أسلم وأراد الهجرة حبسه
أخواه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت كما تقدم ثم أفلت
ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء كما سيأتي أي وكان في
الأسارى السائب وهو الأب الخامس لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وكان
صاحب راية بني هاشم في ذلك اليوم أي التي يقال لها في الحرب العقاب ويقال
لها راية الرؤساء ولا يحملها في الحرب إلا رئيس القوم وكانت لأبي سفيان
أوة لرئيس مثله ولغيبة أبي سفيان في العير حملها السائب لشرفه وفدى نفسه
وأما أبوه الرابع الذي هو شافع الذي ينسب إليه أمامنا الشافعي رضي الله
تعالى عنه الذي هو ولد السائب لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع
فأسلم وكان في الأسارى وهب بن عمير رضي الله تعالى عنه فإن أسلم بعد ذلك
واسره رفاعة بن رافع وكان أبوه عمير شيطانا من شياطين قريش وكان ممن يؤذي
رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه بمكة رضي الله تعالى نه فإنه أسلم
بعد ذلك فجلس يوما مع صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك
وكان جلوسه معه في الحجر فتذاكرا أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان ما في
العيش والله خير بعدهم فقال عمير والله صدقت أما والله لولا دين على ليس
له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيع بعد كنت آتي محمد حتى أقتله فإنني
فيهم علة ابن أسير في ايديهم فاغتنمها صفوان وقال له على دينك أنا أقضيه
عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا قال عمير فاكتم عني شأني وشأنك قال افعل ثم ان عميرا أخذ سيفه وشحذه بالمعجمة أي سنه وسمه أي جعل فيه السم ثم أنطلق حتى قدم المدينه فبينا عمر بن الخطاب رضي الله تعال عنه في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر اذ نظر الى عمير حين أناخ راحلته على باب المسجد متوشحا السيف فقال هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء الابشر فدخل عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه قال صلى الله عليه وسلم فأدخله علي فأقبل عمر رضي الله عنه حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه والحمالة بكسر الحاء المهملة العلاقة فمسكه بها وقال لرجال ممن كانو معه من الانصار أدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسوا عنده فان هذا الخبيث غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه اخذ بحمالة سيفه في عنقه قال أرسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم قال عمير أنعمو صباحا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنه ما جاء بك يا عمير قال جئت لهذا الاسير الذي في أيديكم يعني ولده وهبا فأحسنوا فيه قال فما بال السيف قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئا قال صلى الله عليه وسلم أصدقني مالذي جئت له قال ما جئت الا لذلك قال صلى الله عليه وسلم بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين على وعيالي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على ان تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك قال عمير أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتي به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا امر لم يحضر الا أنا وصفوان فوالله اني لا اعلم ما أتاك به الا الله تعالى فالحمد لله الذى هدانا للاسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرأن وأطلقوا أسيره ففعلوا ذلك ثم قال يا رسول الله اني كنت جاهدا على اطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله فأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكه فأدعوهم الى الله وإلى الإسلام لعل الله يهديهم وإلا أذيتهم
في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم فأذن له رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلحق بمكة وأسلم ولده وهب رضي الله عنه
وكان صفوان حين خرج عمير يقول أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر
وكان صفوان يسأل عن الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا
يكلمه أبدا وأن لا ينفعه بنفع أبدا
أي ولما قدم عمير لم يبدا بصفوان
بل بدا ببيته واظهر الإسلام ودعا إليه فبلغ ذلك صفوان فقال قد عرفت حيث لم
يبدأ بي قبل منزله أنه قد نكس وصبأ ولا أكلمه ابدا ولا انفعه ولا عياله
بنافعة
ثم إن عميرا وقف على صفوان وناداه أنت سيد من سادتنا رايت
الذي كنا عليه من عبادة الحجر والذبح له أهذا دين أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمد عبده ورسوله فلم يجبه صفوان بكلمة وعند فتح مكة هو الذي
استأمنه صلى الله عليه وسلم لصفوان كما سيأتي
وكان في الأسارى أبو
عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه قال أبو عزيز مر بي أخي مصعب
فقال للذي أسرني شد يدك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك فقلت له يا
أخي هذه وصايتك بي فبعثت أمه في فدائه أربعة آلاف درهم ففدته بها
وكان في الأسارى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم اي وقد شدوا وثاقه
فأن فلم يأخذه صلى الله عليه وسلم نوم فقيل ما سهرك يا رسول الله قال
لأنين العباس فقام رجل وأرخى وثاقه وفعل ذلك بالأسارى كلهم والذي أسره أبو
اليسر كعب بن عمرو وكان ذميما أي بالمهملة صغير الجثة والعباس جسيما طويلا
فقيل للعباس رضي الله تعالى عنه لو أخذته بكفك لوسعته كفك فقال ما هو إن
لقيته فظهر في عيني كالخدمة أي وهو جبل من جبال مكة أي وأبو اليسر هذا هو
الذي انتزع راية المشركين وكانت بيد أبي عزيز بن عمير قال وفي رواية أن
البني صلى الله عليه وسلم سأل كعب وقال له كيف أسرت العباس قال يا رسول
الله لقد أعانني عليه ملك كريم أي وفي رواية أن العباس رضي الله تعالى عنه
لما قيل له ما تقدم قال والله إن هذا ما اسرني لقد أسرني رجل أبلج من أحسن
الناس وجها على فرس أبلق فما أراه في القوم فقال الذي جاء به والله أنا
الذي أسرته يا رسول الله فقال اسكت فقد أيدك الله بملك كريم
وفي الكشاف أن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخذ أسيرا ببدر
لم يجدوا له قميصا وكان رجلا طوالا فكساه عبد الله بن أبي ابن سلول قميصه
وجعل صلى الله عليه وسلم فداء العباس أربعمائة أوقية وفي رواية مائة أوقية
وفي رواية أربعين أوقية من ذهب وفي رواية جعل على العباس أيضا فداء عقيل
ابن أخيه ثمانين أوقية أي وجعل عليه فداء ابن أخيه نوفل بن الحارث
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له افد نفسك يا عباس وابني أخيك
عقيل ابن أبي طالب ونوفل بن الحارث ابني عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو
ففدى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية وسيأتي ما يدل على أنه إنما
فدى نفسه وابن أخيه عقيل فقط وقال للنبي صلى الله عليه وسلم تركتني فقير
قريش ما بقيت وفي لفظ تركتني أسأل الناس في كفى فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأين المال الذي دفعته لأم الفضل يعني زوجته وقلت لها إن
أصبت فهذا لبني الفضل وعبد الله وقثم وفي كلام ابن قتيبة فللفضل كذا ولعبد
الله كذا وقثم كذا فقال والله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا شيئ ما علمه
إلا انا وأم الفضل زاد في رواية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده
ورسوله
وفي رواية أن العباس قال للنبي صلى الله عليه وسلم لقد
تركتني فقير قريش ما بقيت فقال له كيف تكون فقير قريش وقد استودعت بنادق
الذهب أم الفضل وقلت لها إن قتلت فقد تركتك غنية ما بقيت
وفي رواية
أين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل فقال أشهد أن الذي تقوله قد كان وما
اطلع عليه إلا الله وتقدم عن أبي رافع مولى العباس أن العباس رضي الله
تعالى عنه وزوجته أم الفضل كانا مسلمين بل تقدم أنها أول امرأة أسلمت بعد
خديجة رضي الله تعالى عنها وكانا يكتمان إسلامهما وأن أبا رافع كان كذلك
ومما يؤيد إسلام العباس رضي الله تعالى نه أنه جاء في بعض الروايات أن
العباس رضي الله تعالى عنه قال علام يأخذ ما الفداء وكنا مسلمين أي وفي
رواية كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
الله أعلم بما تقول إن يك حق فإن الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا
وقد أنزل الله تعالى { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم
الله في قلوبكم خيرا } أي إيمانا { يؤتكم خيرا مما أخذ منكم }
أي
من الفداء الآيات فعند ذلك أي عند نزول الآيات قال العباس للنبي صلى الله
عليه وسلم لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافا فقد آتاني الله خير منها مائة
عبد وفي لفظ أربعين عبدا كل عبد في يده مال يضرب به أي يتجرفيه وإني لأرجو
من الله المغفرة أي وهذا القول من العباس رضي الله تعالى عنه يدل على تأخر
نزول هذه الآيات
وجاء أن العباس رضي الله تعالى عنه خرج لبدر ومعه
عشرون أوقية من ذهب ليطعم بها المشركين فأخذت منه في الحرب فكلم النبي صلى
الله عليه وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فداءه فأبى وقال أما شيء خرجت
تستعين به علينا فلا نتركه لك وجاء في بعض الروايات أن العباس رضي الله
تعالى عنه لما أسر تواعدت طائفة من الأنصار على قتله فبلغ ذلك النبي صلى
الله عليه وسلم فقال لعمر لم أنم الليلة من أجل عمي العباس زعمت الأنصار
أنهم قاتلوه فأتى عمر الأنصار فقال لهم أرسلوا العباس فقالوا والله لا
نرسله فقال لهم عمر فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي فقالوا إن
كان رضي فخذه فأخذه عمر فلما صار في يده قال له يا عباس أسلم فوالله لأن
تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب
أي وفي اسباب النزول للواحدي لما
أسر العباس يوم بدر أقبل المسلمون عليه يعيرونه بكفره بالله وقطيعة الرحم
وأغلظ علي له من القول فقال العباس ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون
محاسننا قال له علي ألكم محاسن قال نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحيي
الكعبة ونسقي الحاج ونفك العانى فأنزل الله تعالى { ما كان للمشركين أن
يعمروا مساجد الله } الآية
وجاء انه قال للمسلمين لئن كنتم سبقتمونا
بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج فأنزل
الله تعالى { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله }
الآية
وذكر بعضهم أن العباس رضي الله تعالى عنه كان رئيسا في قريش
وإليه عمارة المسجد الحرام فكان لا يدع أحدا يتشبب فيه ولا يقول فيه هجرا
والتشبيب ترقيق الشعر بذكر النساء والهجر الكلام الفاحش فكانت قريش اجتمعت
وتعاقدت على تسليم ذلك للعباس وكانوا عونا له على ذلك
ومن
ثم قيل في العباس هذاوالله هو الشرف يطعم الجائع ويؤدب السفيه فإن طعامه
كان لفقراء بني هاشم وقيل وسوطه معد لسفهائهم وإذا كان ذلك لسفهاء بني
هاشم فلسفهاء غيرهم بطريق الاولى
والظاهر أن ذلك لا يختص بسكونهم في
المسجد كما قد يدل عليه الروايه الاولى ولاينافي هذا أي قول عمر له أسلم
إلى أخره ما تقدم عن مولاه أبي رافع من أن العباس كان مسلما ومن قوله
للنبي صلى الله عليه وسلم إنه كان مسلما ومن إتيانه بالشهادتين عنده صلى
الله عليه وسلم لأن ذاك لم يظهره علانية بل أظهره له صلى الله عليه وسلم
فقط ولم يعلم به عمر ولا غيره ولم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم إسلام
العباس رفقا به لما تقدم أن العباس كان له ديون متفرقة في قريش وكان يخشى
إن أظهر إسلامه ضاعت عندهم
ومن ثم لما قهرهم الإسلام يوم فتح مكة
أظهر إسلامه أي فلم يظهر إسلامه إلا يوم الفتح وكان كثيرا ما يطلب الهجرة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكتب له مقامك بمكة خير لك
أي
وفي رواية استأذن العباس رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في
الهجرة فكتب إليه يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه فإن الله عز وجل يختم بك
الهجرة كما ختم بي النبوة فكان كذلك
وفي رواية أنه قال لابن عمه
نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أفد نفسك يا نوفل ما لي شيء أفدي به نفسي
قال أفد نفسك من مالك الذي يجدة وفي لفظ بارماحك التي بجدة فقال أشهد أنك
رسول الله والله ما أحد يعلم أن لي بجدة أرماحا غير الله أي وفدى نفسه ولم
يفده العباس
ويدل لذلك ما رواه البخاري عن انس أن النبي صلى الله
عليه وسلم أتى بمال من البحرين أي من خراجهما فقال انثروه في المسجد فكان
أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كان مائة ألف وكان أول
خراج حمل إليه صلى الله عليه وسلم وكان ياتي في كل سنة وحينئذ لا يعارض
هذا قوله صلى الله عليه وسلم لجابر لو قد جاء مال البحرين أعطيتك فلم يقدم
مال البحرين حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المراد أنه لم يقدم
في
تلك السنة ولما نثر ذلك المال في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى الصلاة ولم يلتفت إليه فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فكان لا يرى
احدا إلا اعطاه فجاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني إني فاديت نفسي
وفاديت عقيلا أي ولم يقل نوفلا ولا حليفه عتبة بن عمرو فقال خذ فحثى في
ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه
أنت على قال لا فنثر منه ولا زال يفعل كذلك حتى بقى ما يقدر على رفعه على
كاهله أى بين كتفيه ثم إنطلق وهو يقول إنما أخذت ما وعد الله فقد أنعلى
قتال المسلمين أنجز فما زال صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره عجبا من حرصه
حتى خفى
ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من الاسارى بغير
فداء منهم أبو عزه عمرو الجمحي الشاعر كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم
والمسلمين بشعره فقال يا رسول الله إني فقير وذو عيال وحاجه قد عرفتها فا
منن علي فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أى وفي رواية قال له إن لي
خمس بنات ليس لهن شيء فتصدق بي عليهن ففعل وأعتقه وأخذ عليه أن لا يظاهر
عليه أحدا أي ولما وصل إلى مكة قال سحرت محمدا
ولما كان يوم أحد خرج مع المشركين يحرض على قتال المسلمين بشعره فأسر وقتل
صبرا وحملت رأسه إلى المدينة كما سيأتي
أي فعلم أن أسرى بدر منهم من فدى ومنهم من خلى سبيله من غير فداء وهو أبو
العاص أبوعزة ووهب بن عمير ومنهم من مات ومنهم من قتل وهو النضر ابن
الحارث وعقبة بن أبي معيط كما تقدم
ولما بلغ النجاشي نصرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ببدر فرح فرحا شديدا فعن جعفر بن أبي طالب رضي الله
تعالى عنه أن النجاشي أرسل إليه وإلى أصحابه الذين معه بالحبشة ذات يوم
فدخلوا عليه فوجدوه جالسا على التراب لابسا أثوابا خلقة فقالوا له ما هذا
أيها الملك فقال لهم إني أبشركم بما يسركم إنه قد جاءني من نحو أرضكم عين
لي فأخبرني أن الله عز وجل قد نصر نبيه وأهلك عدوه فلانا وفلانا وعدد جمعا
التقوا بمحل يقال له بدر كثير الأراك كنت أرعى فيه غنما لسيدي من بني ضمرة
فقال له جعفر ما لك جالس على التراب عليك هذه الأخلاق قال إنا نجد فيما
أنزل الله على عيسى أن حقا على عباد الله أن يحدثوا لله عز وجل تواضعا
عندما أحدث لهم نعمة
وفي رواية
كان عيسى صلوات الله وسلامه عليه إذا حدث له من الله نعمة ازداد تواضعا
فلما أحدث الله تعالى نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثت هذا التواضع
وفي رواية إنا نجد في الإنجيل أن الله سبحانه وتعالى إذا أحدث بعبده نعمة
وجب على العبد أن يحدث لله تواضعا وإن الله قد أحدث إلينا وإليكم نعمة
عظيمة الحديث
قال ولما أوقع الله تعالى بالمشركين يوم بدر واستاصل
وجوههم قالوا إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها ليدفع إلينا من عنده
من أتباع محمد فنقتلهم بمن قتل منا فأرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن
أبي ربيعة رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك إلى النجاشي ليدفع
إليهما من عنده من المسلمين فأرسلوا معهما هدايا وتحفا للنجاشي فلما بلغ
ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمرى
بكتاب يوصيه فيه على المسلمين انتهى وفي الأصل هنا ما يوافقه
وفيه
أن عمرو بن امية الضمر لم يكن أسلم بعد أي لأنه كما في الأصل شهد بدر
وأحدا مع المشركين وأول مشهد شهده مع المسلمين بئر معونة واسر في ذلك وجزت
ناصيته واعتق وكان ذلك في سنة أربع كما سيأتي قال فلما وصل عمرو وعبد الله
إلى النجاشي ردهما خائبين
أي فعن عمرو بن العاص قال دخلت على
النجاشي فسجدت له فقال مرحبا بصديقى أهديت لي من بلادك شيئا فقلت نعم أيها
الملك أهديت لك أدما كثيرا ثم قربته إليه فأعجبه وفرق منه اشياء بين
بطارقته وأمر بسائره فأدخل في موضع وامر ان يكتب ويتحفظ به قال عمرو فلما
رأيت طيب نفسه قلت أيها الملك إني رأيت رجلا خرج من عندك يعني عمرو بن
أمية الضمرى وهو رسول عدو لنا وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فأقتله
فغضب ثم رفع يده فضرب بها أنفى ضربة ظننت أنه قد كسره فجعلت أتقي الدم
بثيابي وفي رواية ثم رفع يده فضرب بها أنف نفسه ظننت أنه قد كسر وقد يجمع
بوقوع الأمرين منه وعند ذلك قال عمرو فأصابني من الذل ما لو إنشقت لي
الأرض لدخلت فيها فرقا منه ثم قلت أيها الملك لو ظننت أنك تكره ما قلت ما
سألتكه فقال يا عمرو تسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي
كان يأتي موسى والذي كان يأتي عيسى ابن مريم لتقتله قلت وتشهد أنت ايها
الملك أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم أشهد أنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم
عليه وسلم أشهد بذلك
عند الله يا عمرو فاطعني واتبعه فوالله إنه لعلى الحق قلت له افتبايعنى له
على الإسلام قال نعم فمد يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى اصحابي وقد
كساني فلما رأوا كسوة الملك سروا بذلك وقالوا هل من صاحبك قضاء لحاجتك
يعنون قتل عمرو بن أمية الضمرى فقلت لهم كرهت أن أكلمه أول مرة وقلت أعود
إليه قالوا الراي ما رايت وفارقتهم وهذا يدل على أنه كان معه ومع عبد الله
جماعة آخرون من قريش ويحتمل أنه عنى بأصحابه عبد الله بن ربيعة ويؤيد
الأول ما يأتي فاليتأمل
وكاني أعمد إلى حاجة فعمدت إلى موضع السفن
فوجدت سفينة قد شحنت فركبت معهم ودفعوها من ساعتهم حتى إنتهوا إلى الشعبية
وهو محل معروف كان مورد لجدة أي كان ترسى به السفن قبل وجود جدة كما تقدم
فخرجت من السفينة فابتعت بعيرا وتوجهت إلى المدينة حتى إذا كنت بالهداة
اسم محل إذا رجلان وهما خالد ابن الوليد وعثمان بن أبي طلحة فرحبا بي وإذا
هما يريدان الذي اريد فتوجهنا إلى المدينة
فقد علمت ما في ارسال عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشي عقب وقعة بدر من
أنه كان في ذلك الوقت كافرا لأنه شهد مع الكفار أحدا
ومن ثم قال في الأصل هنا فلما كان شهر ربيع الأول وقيل المحرم سنة سبع أي
وقيل سنة ست حكاه ابن عبد البر عن الواقدي من هجرة رسول الله صلى الله
عليه وسلم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي كتابا يدعوه فيه
إلى الإسلام وبعث به عمرو بن أمية الضمرى فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وكتب
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة ففعل وكتب إليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه ويحملهم ففعل
وقد تقدم القول عند ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة أن توجه عمرو بكتابى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في المحرم سنة سبع يدعوه في أحدهما إلى الإسلام
والثاني في تزويجه عليه الصلاة والسلام أم حبيبة وقيل ارسال عمرو كان في
شهر ربيع الأول منها وسيأتي ذكر كتابي النبي صلى الله عليه وسلم إلى
النجاشي مع عمرو عند ذكر كتبه إلى الملوك هذا كله كلام الأصل فليتأمل ما
فيه
ثم رأيت صاحب النور قال قد
رأيت غير واحد صرح بأن النجاشي أسلم في السنة السابعة يعنون من الهجرة
وهذا يعكر على تصديقه وإسلامه عند إرسال عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة
أي عقب بدر حيث قال أنا أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما
تقدم هذا كلامه
أي فكيف يكون إرسال عمرو بن أمية إلى النجاشي ليسلم
وقد يجاب بأن المراد إظهار إسلامه اي بعث له عمرو بن أمية لأجل ان يظهر
إسلامه ويعلن به بين قومه اي لأنه كان يخفي إسلامه عن قومه ولما بلغ قومه
أنه اعترف بأن عيسى صلوات الله وسلامه عليه عبد الله ووافق جعفر بن أبي
طالب على ذلك سخطوا وقالوا له أنت فارقت ديننا وأظهروا له المخاصمة فأرسل
النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فهيأ لهم سفنا وقال اركبوا فيها
وكونوا كما أنتم فإن هربت فاذهبوا حيث شئتم وإن ظفرت فأقيموا ثم عمد إلى
كتاب فكتب وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويشهد أن
عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته القاها إلى مريم ثم جعله في ثيابه عند
منكبه الأيمن وخرج إلى الحبشة وقد صفوا له فقال يا معشر الحبشة ألست أرفق
الناس بكم قالوابلى قال فكيف رأيتم سيرتي فيكم قالوا خير سيرة قال فما لكم
قالوا فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد قال فماذا تقولون أنتم في عيسى قالوا
نقول هو ابن الله فقال لهم النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه وقال هو
يشهد أن عيسى ابن مريم ولم يزد على هذا وإنما يعني ما كتب فرضوا منه ذلك
ويذكر أن عليا رضي الله عنه وجد ابن النجاشي عند تاجر بمكة فاشتراه منه
وأعتقه مكافأة لما صنع أبوه مع المسلمين وكان يقال له نيزرمولى علي كرم
الله وجهه
ويقال أن الحبشة لما بلغهم خبره أرسلوا وفدا منهم إليه
ليملكوه ويتوجوه ولم يختلفوا عليه فأبى وقال ما كنت لأطلب الملك بعد أن من
الله علي بالإسلام
على أن ابن الجوزي رحمه الله ذكر أن ذهاب عمرو بن العاص إلى النجاشي كان
عند منصرفه مع قريش في غزوة الأحزاب أي لا عقب بدر
فعن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق
جمعت رجالا من قريش كانوا يرون مكاني ويسمعون مني فقلت لهم تعلمون والله
أني لأرى أمر محمد يعلو لأمور علوا منكرا وإني قد رأيت رايا فما ترون فيه
قالوا
وما رأيت قال أن نلحق بالنجاشي
فنكون عنده فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه
أحب إلينا أن نكون تحت يدي محمدا وإن ظهر قومنا فنحن ممن قد عرفوا فلن
يأتينا منهم إلا خير فقالوا إن هذا هو الرأي فقلت اجمعوا ما يهدي له وكان
أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا أدما كثيرا ثم خرجنا إليه فوالله
إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمرى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم
في شأن جعفر وأصحابه الحديث
وهذا لا يمنع أن يكون عمرو بن العاص وفد
على النجاشي هو وعبد الله بن ربيعة عقب بدر فيكون وصول عمرو بن العاص على
النجاشي كان ثلاث مرات مرة مع عمارة عقب مهاجرة من هاجر إلى الحبشة ومرة
مع عبد الله بن ربيعة عقب بدر وهذه المرة الثالثة التي كانت عقب الأحزاب
وإن إرسال عمرو بن أمية وإسلام عمرو بن العاص على يد النجاشي كان في هذه
المرة الثالثة
وحينئذ لا يشكل ارسال عمرو بن أمية للنجاشي لأنه كان
مسلما حينئذ فيكون ذكر مجىء عمرو بن أمية إلى النجاشي في المرة الثانية
التي كانت عقب بدر اشتباه من بعض الرواة وكذا ذكر إسلام عمرو بن العاص على
يد النجاشي في المرة الثانية من تخليط بعض الرواة
ثم رأيته في
الامتاع قال وقد رويت قصة الهجرة إلى الحبشة وإسلام النجاشي من طرق عديدة
مطولة ومختصرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل عمرو بن أمية
الضمرى في أموره لأنه كان من رجال النجدة أي ومعلوم أنه كان لا يرسله إلا
بعد إسلامه وإسلامه قد علمت أنه كان سنة أربع وفي الأصل أنه صلى الله عليه
وسلم أرسله إلى مكة بهدية لأبي سفيان بن حرب
أي ولعل المراد بذلك ما
حكاه بعض الصحابة قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن
يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح وقال لي التمس
صاحبا قال فجاءني عمرو بن أمية فقال بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة وتلتمس
صاحبا قلت أجل قال فأنا لك صاحب قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت وجدت صاحبا فقال من قلت عمرو بن أمية الضمرى فقال إذا هبط بلاد قومه
فاحذروه فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا تأمنه
وقد
أسلم عبد الله ولده قبل ابيه عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما روى أنه
صلى الله عليه وسلم قال فيهما وفي أم عبد الله نعم البيت عبد الله وأبو
عبد الله وأم عبد الله وكان صلى الله عليه وسلم يفضل عبد الله على أبيه
لانه كان من عباد الصحابة وزهادهم وفضلائهم وعلمائهم ومن أكثرهم رواية
وذكر ابن مرزوق رحمه الله أن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما مر ببدر فإذا
رجل يعذب ويئن فناداه يا عبد الله قال فالتفت إليه فقال اسقني فأردت أن
أفعل فقال الأسود الموكل بتعذيبه لا تفعل يا عبد الله فإن هذا من المشركين
الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني في الأوسط زاد
السيوطي في الخصائص فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال أوقد
رأيته قلت نعم قال ذاك عدو الله أبو جهل وذاك عذابه إلى يوم القيامة
وأخرج ابن ابي الدنيا والبيهقي عن الشعبي أن رجلا قال لنبي صلى الله عليه
وسلم إني مررت ببدر فرايت رجلا يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حديد وفي
لفظ بعمود حديد حتى يغيب في الأرض ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذاك أبو جهل يعذب إلى يوم القيامة
ومما جاء
في فضل من شهد بدرا أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال جبريل
عليه السلام وكذلك من شهد بدرا من الملائكة وفي رواية إن للملائكة الذين
شهدوا بدرا في السماء لفضلا على من تخلف منهم وجاء بعض الصحابة رضي الله
تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن ابن عمي
نافق أي وقد كان من أهل بدر أتأذن لي ان أضرب عنقه فقال صلى الله عليه
وسلم إنه شهد بدرا وعسى أن يكفر عنه وفي رواية وما يدريك لعل الله اطلع
على أهل بدرا وقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
قال وفي الطبراني
بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم اطلع الله على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أو قال
فقد وجبت لكم الجنة أي غفرت لكم ما مضى وما سيقع من الذنوب أي وهو يفيد أن
ما يقع مهم من الكبائر لا يحتاجون إلى التوبة عنه لأنه إذا وقع يقع مغفورا
وعبر
فيه بالماضي مبالغة في تحققه وهذا كما لا يخفى بالنسبة للآخرة لا بالنسبة
لأحكام الدنيا ومن ثم لما شرب قدامة بن مظعون الخمرة في أيام عمر جلده
وكان بدريا
أي وقد يقال هذا يقتضي وجوب التوبة في الدنيا فإذا لم تقع لا يؤاخذ بذلك
في الآخرة لأن وجوب التوبة من أحكام الدنيا
لا يقال إذا سلم أن الذنب إذا وقع منهم يقع مغفورا لا معنى لوجوب التوبة
وإنما حد عمر رضي الله تعالى عنه قدامة زجرا عن شرب الخمر لأنا نقول بل
لوجوب التوبة في الدنيا معنى وإن كان الذنب إذا وقع يقع مغفورا لأن المراد
بذلك عدم المؤاخذة في الآخرة وذلك لا ينافي وجوب التوبة عنه في الدنيا
لأنه لا تلازم بين وجوب التوبة في الدنيا وبين غفران الذنب في الآخرة
هذا وفي الخصائص الصغرى نقلا عن شرح جمع الجوامع أن الصحابة كلهم لا
يفسقون بارتكاب ما يفسق به غيرهم وقدامة هذا كان متزوجا أخت عمر رضي الله
تعالى عنه وكان عمر متزوجا بأخت قدامة وهي أم حفصة رضي الله تعالى عنها
فكان خالا لحفصة ولأخيها عبد الله وكان عاملا لعمر في بعض النواحي أي
البحرين فقدم الجارود سعد بن عبد القيس على عمر من البحرين وكان قدامة
واليا عليها فأخبر عمر أن قدامة سكر قال وإني رايت حدا من حدود الله حق
على ان أرفعه إليك فقال له عمر من يشهد معك قال أبو هريرة فشهد أبو هريرة
رضي الله عنه أنه رآه سكران أي قال لم أره يشرب ولكني رأيته سكران يقيء
فأحضر قدامة فقال له الجارود أقم عليه الحد فقال له عمر رضي الله عنه أخصم
أنت أم شاهد فصمت ثم عاوده فقال له عمر رضي الله عنه لتمسكن أو لأسوءنك
فقال ليس في الحق وفي لفظ أما والله ما ذلك بالحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني
فأرسل عمر رضي الله عنه إلى زوجة قدامة أي بعد أن قال له ابو هريرة رضي
الله عنه إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنه الوليد يعني زوجته فجاءت
فشهدت على زوجتها بأنه سكر فقال عمر لقدامة أريد أن أحدك فقال ليس لك ذلك
لقول الله عز وجل { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا
} فقال له عمر أخطأت التأويل فإن بقية الآية { إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا
الصالحات } فإنك إن اتقيت اجتنبت ما حرم الله تعالى عليك ثم أمر به فحد
فغاضبه قدامة ثم حجا جميعا ففي يوم استيقظ عمر رضي الله تعالى عنه من نومه
فزعا فقال عجلوا بقدامة أتاني آت فقال صالح قدامة فإنه أخوك
فاصطلحا
أي وقد احتح بهذه الآية ايضا جمع من الصاحبة شربوا الخمر وهم أبو جندل
وضرار بن الخطاب وأبو الأزور فأراد أبو عبيدة رضي الله عنه وهو وال في
الشام أن يحدهم فقال أبو جندل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طعموا إذا ما أتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات فكتب أبو عبيدة إلى عمر
بذلك وقال خصمني أبو جندل بهذه الآية فكتب عمر لأبي عبيدة إن الذي زين
لأبي جندل الخطيئة زين له الخصومة فاحددهم فلما أراد أبو عبيدة أن يحدهم
قال أبو الأزور في لأبي عبيدة دعنا نلقى العدو غدا فإن قتلنا فذاك وإن
رجعنا إليكم فحدونا فلقوا العدو فاستشهد أبو الأزور وحد الآخران
وفي
حواشي البخاري للحافظ الدمياطي أن نعيمان كان ممن شهد بدرا وسائر المشاهد
وأتى في شربه الخمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحده أربعا أو خمسا
أي من المرات فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يشرب وأكثر ما يحد
فقال عليه الصلاة والسلام لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ولعل هذا التعليل
لا ينظر لمفهومه
وعند الإمام أحمد رحمه الله عن حفصة رضي الله تعالى
عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأرجو أن لا يدخل
النار احد إن شاء الله تعالى ش شهد بدرا والحديبية ولعل الواو بمعنى أو
ويدل لذلك ما في بعض الروايات عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة
ولا ينافي ما في مسلم والترمذي عن جابر أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا إليه فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار
فقال كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية لأنه يجوز أن يكون ذلك لكونه
أي الجمع بين بدر والحديبية هو الواقع لحاطب
وفي الطبراني عن رافع
بن خديج رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر
والذي نفسي بيده لو ان مولودا ولد في فقه أربعين سنة من أهل الدين يعمل
بطاعة الله تعالى كلها ويجتنب معاصي الله كلها إلى أن يرد إلى أرذل العمر
أو يرد إلى أن لا يعلم بعد علم شيئا لم يبلغ أحدكم هذه الليلة
وكان صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر ويقدمهم على غيرهم ومن ثم جاء جماعة
من أهل بدر للنبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في صفة ضيقه ومعه جماعة من
أصحابه فوقفوا بعد أن سلموا ليفسح لهم القوم فلم يفعلوا فشق قيامهم على
النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن لم يكن من أهل بدر من الجالسين قم يا
فلان قم يا فلان بعدد الواقفين فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهة
في وجه من أقامه فقال رحم الله رجلايفسح لأخيه فنزل قوله تعال { يا أيها
الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا
قيل انشزوا فانشزوا } الأية فجعلوا يقومون لهم بعد ذلك أى ولعل المراد
يجلسونهم مكانهم
وفي الخصائص الصغرى وخص أهل بدر من أصحابه صلى الله عليه وسلم بأن يزادوا
في الجنازه على أربع تكبيرات تمييزا لهم لفضلهم
وقد ذكر أن عمر بن عبد العزيز بن مروان كان يختلف إلى عبيد الله بن عبد
الله ليسمع منه فبلغ عبيد الله أن عمر ينتقص عليا رضي الله تعال عنه فأتاه
عمر فأعرض عبيد الله عنه وقام ليصلى فجلس عمر ينتظره فلما سلم أقبل عليه
وقال له متى بلغك أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ففهمها عمر
وقال معذر إلى الله وإليك والله لا أعود فما سمع بعد ذلك يذكر عليا كرم
الله وجهه إلا بخير
غزوة بني سليم
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينه من بدر لم يقم إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتومأي وفي رواية أبي داود أن استخلاف ابن أم مكتوم إنما كان على الصلاة بالمدينة دون القضايا والاحكام فإن الضريرا لا يجوز له ان يحكم بين الناس لانه لا يدرك الاشخاص ولا يثبت الاعيان ولا يدري لمن يحكم ولا على من يحكم أى فأمر القضايا والاحكام يجوز أن يكون فرضه صلى الله عليه وسلم لسباع فلا مخالفة فلما بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر أى وقيل لهذا الماء الكدر لان به طيرا في ألوانها كدرة فأقام صلى الله عليه وسلم على ذلك ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا أي وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم أبيض حمله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
وكان
في تلك السنة تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما أي عقد عليها في رمضان وقيل
في رجب ودخل بها في ذي الحجة وقيل بعد أن تزوجها بنى بها بعد سبعة أشهر
ونصف أي فيكون عقد عليها في أول جمادى الأولى وكان عمرها خمس عشرة سنة
وكان سن علي يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر أي وأولم عليها بكبش من عند
سعد وآصع من ذرة من عند جماعة من الأنصار ولما خطبها علي قال صلى الله
عليه وسلم إن عليا يخطبك فسكتت أي وفي رواية قال لها أي بنيه إن ابن عمك
عليا قد خطبك فماذا تقولين فبكت ثم قالت كأنك يا أبت إنما ادخرتني لفقير
قريش فقال صلى الله عليه وسلم والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى اذن
لي الله فيه من السماء فقالت فاطمة رضي الله عنها رضيت بما رضي الله
ورسوله
وقد كان خطبها ابو بكر ثم عمر فسكت صلى الله عليه وسلم وفي
رواية قال لكل انتظر بها القضاء فجاءا اي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى
علي كرم الله وجهه يأمرانه أن يخطبها قال علي فنبهاني لأمر كنت عنه غافلا
فجئته صلى الله عليه وسلم فقلت تزوجني فاطمة قال وعندك شيء قلت فرسي وبدني
أي درعي قال أما فرسك فلا بد لك منها وأما بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة
وثمانين درهما فجئته صلى الله عليه وسلم بها فوضعها في حجره فقبض منها
قبضة فقال أي بلال ابتع لنا بها طيبا
وفي رواية لما خطبها قال له
صلى الله عليه وسلم ما تصدقها وفي لفظ هل عندك شيء تستحلها به قال ليس
عندي شيء قال فاين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا قال عندي فباعها
من عثمان بن عفان بأربعمائة مائة وثمانين درهما ثم أن عثمان رضي الله عنه
رد الدرع إلى علي كرم الله وجهه فجاء علي بالدرع والدراهم إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فدعا لعثمان بدعوات
وفي فتاوي الجلال السيوطي
أنه سئل هل لصحة ما قيل إن عثمان بن عفان رأى درع علي رضي الله عنها يباع
بأربع مائة درهم ليلة عرسه على فاطمة رضي الله عنها فقال عثمان هذا درع
علي فارس الإسلام لا يباع أبدا فدفع لغلام على أربعمائة درهم وأقسم أن لا
يخبره بذلك ورد الدرع معه فلما أصبح عثمان وجد في داره أربع مائة كيس في
كل كيس أربع مائة درهم مكتوب على كل درهم هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفان
فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال هنيئا لك يا عثمان
وفيها أيضا أن عليا خرج ليبيع إزار فاطمة ليأكل بثمنه فباعه بستة دراهم
فسأله سائل فاعطاه إياه فجاء جبريل في صورة أعرابي ومعه ناقة فقال يا أبا
الحسن اشتر هذه الناقة قال ما معي ثمنها قال إلى اجل فاشتراها بمائة ثم
عرض له ميكائيل في صورة رجل في طريقه فقال أتبيع هذه الناقة قال نعم بكم
اشتريتها قال بمائة قال آخذها بمائة ولك من الربح ستون فباعها له فعرض له
جبريل فقال بعت الناقة قال نعم قا ل ادفع إلي ديني فدفع له مائة ورجع
بستين فقالت له فاطمة من أين لك هذا قال ضاربت مع الله بستة فأعطاني ستين
ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ذلك فقال البائع جبريل
والمشتري ميكائيل والناقة لفاطمة تركبها يوم القيامة له أصل أم لا
فأجاب عن ذلك كله بأنه لم يصح وهي تصدق بان ذلك لم يرد فهو من الكذب
الموضوع ولما اراد صلى الله عليه وسلم أن يعقد خطب خطبة منها الحمد لله
المحمود بنعمته المعبود بقدرته الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بحكمته ثم إن
الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا وصهر وكان ربك قديرا ثم أن الله أمرني أن
أزوج فاطمة من علي على أربع مائة مثقال فضة أرضيت يا علي قال رضيت بعد أن
خطب علي كرم الله وجهه ايضا خطبة منها الحمد لله شكرا لأنعمه وأياديه
وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه اي وفي رواية أنه صلى الله
عليه وسلم قال يا علي اخطب لنفسك فقال علي الحمد لله الذي لا يموت وهذا
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنته فاطمة على صداق مبلغه أربع
مائة درهم فاسمعوا ما يقول واشهدوا قالوا ما تقول يا رسول الله قال أشهدكم
أني قد زوجته كذا رواه ابن عساكر قال الحافظ ابن كثير وهذا خبر منكر وقد
ورد في هذا الفصل أحاديث كثيرة منكرة وموضوعة أضربنا عنها
ولما تم
العقد دعا صلى الله عليه وسلم ب ط بطبق بسر فوضع بين يديه ثم قال للحاضرين
انتبهوا وقول علي كرم الله وجهه نبهاني لأمر كنت عنه غافلا لا ينافي ما
روي عن اسماء بنت عميس أنها قالت قيل لعلى ألا تتزوج بنت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال ما لي صفراء ولا بيضاء ولست بمأبور بالباء الموحدة
يعني غير الصحيح الدين ولا المتهم في الإسلام أي لا اخشى الفاحشة إذا لم
أتزوج وليلة بنى بها قال صلى الله عليه وسلم
لعلي
لا تحدث شيئا حتى تلقانى فجاءت بها أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وعلي
في جانب أخر وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لفاطمه ائتيني بماء
فقامت تعثر في ثوبها وفي لفظ في مرطها من الحياء فأتته بقعب فيه ماء فأخذه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومج فيه ثم قال لها تقدمي فتقدمت فنضح بين
ثدييها وعلى رأسها وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم
قال ائتوني بماء فقال علي كرم الله وجهه فعلمت الذي يريد فقمت وملأت القعب
فأتيته به فأخذه فمج فيه وصنع بي كما صنع بفاطمة ودعا لي بما دعا لها به
ثم قال اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شملهما أى الجماع
وتلا قل هو الله احد والمعوذتين ثم قال أدخل بأهلك باسم الله والبركه وكان
فراشها إهاب كبش أى جلده وكان لهما قطيفة إذا جعلاها بالطول انكشفت
ظهورهما وإذا جعلاها بالعرض إنكشفت رؤوسهما
ثم مكث صلى الله عليه
وسلم ثلاثة أيام لا يدخل على فاطمة وفي اليوم الرابع دخل عليهما في غداة
باردة وهما في تلك القطيفة فقال لهما كما أنتما وجلس عند رأسهما ثم أدخل
قدميه وساقيه بينهما فأخذ على كرم الله وجهه إحداهما فوضعها على صدره
وبطنه ليدفئها وأخذت فاطمة رضي الله عنها الأخرى فوضعتها كذلك
وقالت
له في بعض الأيام يا رسول الله ما لنا فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل
ونعلف عليه نا ضحنا بالنهار فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا
بنية اصبري فإن موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام أقام مع إمرأته عشر
سنين ليس لهم إلا عباءة قطوانية أى وهي نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة أى
ولعل العباءة التي كانت تجب من ذلك الموضع كانت صفيقة وعن علي رضي الله
تعالى عنه لم يكن لي خادم غيرها
وعنه رضي الله تعالى عنه لقد رأيتني
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع وإن
صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألف دينار ولعل المراد في السنة
قال الإمام أحمد بن حنبل ما ورد لأحد من الصحابة ما ورد لعلي رضي الله
تعالى عنه أى من ثنائه صلى الله عليه وسلم
وسبب ذلك أنه كثرت أعداؤه والطاعون عليه من الخوارج وغيرهم فاضطر لذلك
الصحابة أن يظهر كل منهم من فضله ما حفظه ردا على الخوارج وغيرهم
وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما ما نزل في أحد من الصحابة من
كتاب الله ما نزل في علي نزل في على ثلاثمائة آية
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل ما تكلمت به في التفسيرفإنما أخذته عن علي
كرم الله وجهه
ومن كلماته البديعة الوجيزة لا يخافن أحد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ولا
يستحي من لايعلم أن يتعلم ولا من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله
اعلم ما أبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن اقول الله أعلم
ومن ذلك العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم
لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم ويخالف علمهم عملهم يجلسون حلقا
فيبا هي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه
أولئك لا تصعد أعمالهم من مجالسهم تلك إلى الله
وقال صلى الله عليه
وسلم لعلي يهلك فيك رجلان محب مطر وكذاب مفتر مكره لك يأتي بالكذب المفترى
وقال له يا علي ستفترق أمتي فيك كما افترقت في عيسى ابن مريم وجاء أنه صلى
الله عليه وسلم قال إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا بنتهم
علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن ابي طالب أن يطلق
ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما ارابها ويؤذيني ما آذاها
غزوة بني قينقاع
بضم النون وقيل بكسرها أي وقيل بفتحها فهي مثلثة النون والضم أشهر قوم من اليهود وكانوا أشجع يهود وكانوا صاغة وكانوا حلفاء عبادة بن الصامت رضي الله عنه وعبدالله بن ابي ابن سلول فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد أى لأنه صلى الله عليه وسلم كان عاهدهم وعاهد بني قريظة وبني النضير أن لا يحاربوه وأن لا يظاهروا عليه عدوهوقيل على ان لا يكونوا معه ولا عليه وقيل على أن ينصروه صلى الله عليه وسلم على من
دهمه
من عدوه أى كما تقدم فهم أول من غدر من يهود فإنه مع ما هم عليه من
العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت إ مرأة من العرب بجلب لها أى
وهو ما يجلب ليباع من إبل وغنم وغيرها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى
صائغ منهم أى وفي الامتاع أن المرأة كانت زوجة لبعض الانصار أى ومعلوم أن
الانصار كانوا بالمدينة أى وقد يقال لا مخالفة لجواز ان تكون زوجة بعض
الانصار من الأعراب وأنها جاءت بجلب لها فجعلوا أى جماعة منهم يراودونها
عن كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها قال وفي
رواية خله بشوكة وهي لا تشعر فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها فصاحت
فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وشدت اليهود على المسلم فقتلوه
فاستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون أى وتقدم وقوع مثل
ذلك وأنه كان سببا لوقوع حرب الفجار الأول
ولما غضب المسلمون على
بني قينقاع أى وقال لهم صلى الله عليه وسلم ما على هذا أقررناهم تبرأ
عبادة بن الصامت رضي الله عنه من حلفهم أى قال يا رسول الله أتولى الله
ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وتشبث به عبدالله بن أبي أبن
سلول أى لم يتبرأمن حلفهم كما تبرأمنه عبادة الصامت أى وفيه نزلت { يا
أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض }
إلى قوله تعالى { فإن حزب الله هم الغالبون } فجمعهم صلى الله عليه وسلم
وقال لهم يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة اى
ببدر واسلموا فإنكم قد عرفتم أني مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله
تعالى إليكم قالوا يا محمد إنك ترى أنا قومك أى تظننا أنا قومك قومك ولا
يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة إنا والله لو
حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس وفي لفظ لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا أى لأنهم
كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالا وأشدهم بغيا فأنزل الله تعالى { قل
للذين كفروا ستغلبون } الأية أى وأنزل الله { وإما تخافن من قوم خيانة
فانبذ إليهم على سواء } الآية فتحصنوا في حصونهم فسار إليهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولواؤه وكان ابيض بيد عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله
تعالى عنه قال ابن سعد ولم تكن الرايات يومئذ يومئذ
وقد قدمنا أن
هذا يرده ما تقدم في ضمن غزاة بدر من أنه كان أمامه رايتان سوداوان
إحداهما مع علي ويقال لها العقاب ولعلها سميت بذلك في مقابلة الراية التي
كانت في الجاهلية
تسمى بهذا الاسم
ويقال لها راية الرؤساء لأنه كان لا يحملها في الحرب إلا رئيس وكانت في
زمنه صلى الله عليه وسلم مختصة لأبي سفيان رضي الله عنه لا يحملها في
الحرب إلا هو أو رئيس مثله إذا غاب كما في يوم بدر والأخرى مع بعض الأنصار
وسيأتي في خيبر أن العقاب كان قطعة من برد لعائشة رضي الله عنها
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة وحاصرهم خمس عشرة ليلة
اشد الحصار لأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في نصف شوال واستمر إلى هلال
ذي القعدة الحرام فقذف الله في قلوبهم الرعب وكانوا أربعمائة حاسر
وثلاثمائة دارع فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيلهم وأن
يجلو من المدينة اي يخرجوا منها وأن لهم نساءهم والذرية وله صلى الله عليه
وسلم الأموال أي ومنها الحلقة التي هي السلاح والظاهر من كلامهم أنه لم
يكن لهم نخيل ولا أرض تزرع وخمست أموالهم أي مع كونها فيئاله صلى الله
عليه وسلم ولأنها لم تحصل بقتال ولا جلوا عنها قبل التقاء الصفين فكان له
صلى الله عليه وسلم الخمس ولأصحابه الأربعة الأخماس
أقول ولا يخفى
أن من جملة اموالهم دورهم ولم أقف على نقل صريح دال على ما فعل بها وعلم
أنه صلى الله عليه وسلم جعل هذاالفيء كالغنيمة ومذهبنا معاشر الشافعية أن
الفيء المقابل للغنيمة كالواقع في هذه الغزوة وغزوة بني النضير الآتية كان
في زمنه صلى الله عليه وسلم يقسم خمسة اقسام له صلى الله عليه وسلم أربعة
منها والقسم الخامس يقسم خمسة أقسام له صلى الله عليه وسلم منها قسم فيكون
له أربعة اخماس وخمس الخمس والأربعة الأخماس الباقية من الخمس منها واحد
لذوي القربى وآخر لليتامى وآخر للمساكين وآخر لابن السبيل فجميع ما مال
الفيء مقسوم على خمسة وعشرين سهما منها أحد وعشرون سهما لرسول الله صلى
الله عليه وسلم واربعة اسهم لأربعة اصناف هم ذو القربى واليتامى والمساكين
وابن السبيل ولعل إمامنا الشافعي رضي الله عنه راى أن ذلك كان اكثر أحواله
صلى الله عليه وسلم وإلا فهو هنا وفي بني النضير كما سيأتي لم يفعل ذلك بل
خمسه هنا ثم استقل به أي لم يعط الجيش منه وقد جعل صلى الله عليه وسلم ذوي
القربى بين بني هاشم أي وبنات هاشم وبني أي وبنات المطلب دون بني أخويهما
عبد شمس ونوفل مع أن الأربعة أولاد عبد مناف كما تقدم
ولما فعل ذلك جاء إليه صلى الله عليه وسلم جبير بن مطعم من بني نوفل
وعثمان بن عفان
من
بني عبد شمس فقالا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم
لمكانك الذي وضعك الله منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا
وفي لفظ ومنعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة وفي رواية أن بني هاشم
شرفوا بمكانك منهم وبنوا المطلب ونحن ندلي إليك بنسب واحد ودرجة واحدة
فبما فضلتهم علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو هاشم وبنو
المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه زاد في رواية أنهم لم يفارقونا في
جاهلية ولا في إسلام أي لأن الصحيفة إنما كتبت على يد بني هاشم والمطلب
لأنهم هم الذين قاموا دونه صلى الله عليه وسلم ودخلوا الشعب وبعده صلى
الله عليه وسلم صار الفيء أربعة أخماس للمرتزقة المرصدة للجهاد وخمس الخمس
الخامس لمصالح المسلمين والخمس الثاني منه لذوي القربى والخمس الثالث منه
لليتامى والخمس الرابع منه للمساكين والخمس الباقي منه لابن السبيل
ثم لا يخفى أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان مع الجيش وغنم شيء بقتال أو
إيجاف خيل أو جلا عنه أهله بعد التقاء الصفين كان من خصائصه صلى الله عليه
وسلم أن يختار من ذلك قبل قسمته ويقال لهذا الذي يختاره الصفي والصفية كما
تقدم
أقول وتقدم عن الإمتاع عن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما
خلافه وتقدم هل صفيه صلى الله عليه وسلم كان محسوبا عليه من سهمه أولا قيل
نعم وقيل كان خارجا عنه وتقدم الجواب عن ذلك في غزاة بدر أن هذا الخلاف لا
ينافي الجزم ثم بأنه كان زائدا على سهمه صلى الله عليه وسلم لان ذلك قبل
نزول آية تخميس الغنيمة فكان سهمه صلى الله عليه وسلم كسهم واحد من الجيش
فصفيه يكون زائدا على ذلك
وأما سهمه صلى الله عليه وسلم بعد نزول
آية التخميس للغنيمة فهو خمس الغنيمة فيجري فيما يأخذه قبل القسمة الخلاف
هل يكون زائدا على ذلك الخمس أو يكون محسوبا منه فلا مخالفة بين إجراء
الخلاف والجزم والله أعلم
وقيل لما نزلت بنو قينقاع أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يكتفوا فكتفوا فاراد قتلهم فكلمه فيهم عبد الله بن
أبي ابن سلول وألح عليه أي فقال يا محمد أحسن في موالي فأعرض عنه صلى الله
عليه وسلم فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه أي
وتلك الدرع هي ذات الفضول فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويحك
أرسلني وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه سمرة لشدة غضبه
ثم قال ويحك أرسلني فقال والله لا ارسلك حتى تحسن في موالي فإنهم عترتي
وأنا امرؤ أخشى الدوائر فقال صلى الله عليه وسلم خلوهم لعنهم الله ولعنه
معهم وتركهم من القتل أي وقال له خذهم لا بارك الله لك فيهم وأمر صلى الله
عليه وسلم أن يجلوا من المدينة اي ووكل بإجلائهم عبادة بن الصامت رضي الله
تعالى عنه وأمهلهم ثلاثة ايام فجلو منها بعد ثلاث أي بعد أن سالوا عبادة
بن الصامت أن يمهلهم فوق الثلاث فقال لا ولا ساعة واحدة وتولى إخراجهم
وذهبوا إلى اذرعات بلدة بالشام أي ولم يدر الحول عليهم حتى هلكوا أجمعون
بدعوته صلى الله عليه وسلم في قوله لابن أبي لا بارك الله لك فيهم
ويذكر أن ابن أبي قبل خروجهم جاء إلى منزله صلى الله عليه وسلم يسأله في
إقرارهم فحجب عنه فأراد الدخول فدفعه بعض الصحابة فصدم وجهه الحائط فشجه
فانصرف مغضبا فقال بنو قينقاع لا نمكث في بلد يفعل فيه بابي الحباب هذا
ولا ننتصر له وتأهبوا للجلاء قال وقيل الذي تولى إخراجهم محمد بن مسلمة
رضي الله عنه أي ولا مانع أن يكونا أي عبادة بن الصامت ومحمد بن مسلمة
اشتركا في إخراجهم
ووجد صلى الله عليه وسلم في منازلهم سلاحا كثيرا
أي لأنهم كما تقدم أكثر يهود اموالا واشدهم بأسا واخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسى قوسا يدعى الكتوم أي لا يسمع له صوت إذا رمي
به وهو الذي رمى به صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى تشظى بالظاء المشالة
كما سيأتي ما فيه وقوسا يدعى الروحاء وقوسا يدعى البيضاء واخذ درعين درعا
يقال له السغدية أي بسين مهملة وغين معجمة ويقال إنها درع داوود التي
لبسها صلى الله عليه وسلم حين قتل جالوت والأخرى يقال لها فضة وثلاث أرماح
وثلاثة اسياف سيف يقال له قلعى وسيف يقال له بتار والآخر لم يسم إنتهى أي
وسماه بعضهم بالحيف ووهب صلى الله عليه وسلم درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا
لسعد بن معاذ رضي الله عنهما والله تعالى اعلم
غزوة السويق
لما أصاب قريشا في بدر ما أصابهم نذر أبو سفيان أن لا يمس رأسه ماء من جنابة أى لا يأتي النساء ولعل هذه العبارة وهي لا يمس رأسه من جنابة وقعت من بعض الصحابة مراده بها ما ذكر من انه لا ياتي النساء ويؤيده ما جاء في بعض الروايات لا يمس النساء والطيب حتى يغزو محمدا او أن ذلك قاله أبو سفيان بناء على أنهم كانوا يغتسلون من الجنابةومن ثم ذكر الدميري أن الحكمة في عدم بيان الغسل في آية الوضوء كون الغسل من الجنابة كان معلوما قبل الاسلام بقية من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام فهو من الشرائع القديمة
وفي كلام بعضهم كانوا في الجاهلية يغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم ويكفنونهم ويصلون عليهم وهو أن يقوم وليه بعد أن يوضع على سريره ويذكر محاسنه ويثني عليه ثم يقول عليك رحمة الله ثم يدفن
وما ذكره الدميري تبع فيه السهيلي حيث قال إن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية بقية من دين إبراهيم وإسماعيل كما بقي فيهم الحج والنكاح فكان الحدث الاكبر معروفا عندهم ولذلك قال تعال { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فلم يحتاجوا إلى تفسيره وأما الحدث الاصغر فلما لم يكن معروفا عندهم قبل الاسلام لم يقل وإن كنتم محدثين فتوضئوا بل قال فاغسلوا الآية الاية
فخرج ابو سفيان في مائتي راكب من قريش ليبر بيمينه حتى نزل بمحل بينه وبين المدينة نحو بريد ثم اتى لبني النضير أى وهم حي من يهود خيبر ينسبون إلى هارون أخي موسى بن عمران عليهما الصلاة والسلام تحت الليل فأتى حيي بن أخطب أى وهومن رؤساء بني النضير وهو أبو صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له لأنه خافه فانصرف عنه وجاء إلى سلام بن مشكم سيد بني النضير أى وصاحب كنزهم أى المال الذى كانوا يجمعونه ويدخرونه لنوائبهم وما يعرض لهم أى وكان حليا يعيرونه لأهل مكة فاستأذن عليه فأذن له واجتمع به ثم خرج إلى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية من المدينة فحرقوا فخلا منها ووجدوا رجلا
من
الانصار قال في الامتاع وهذا الانصاري هو معبد بن عمرو وحليفا لهم
فقتلوهماثم انصرفوا راجعين فعلم بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم فى طلبهم فى مائتين من المهاجرين والانصار أى واستعمل صلى الله عليه
وسلم على المدينة بشير ابن عبد المنذر وكان خروجه لخمس خلون من ذى الحجه
وجعل أبو سفيان وأصحابه يخففون للهرب أى لاجله فجعلوايلقون جرب السويق أى
وهو قمح وشعير يقلى ثم يطحن ليسف تارة بماء وتارة بسمن وتارة بعسل وسمن
وهو عامه أزوادهم فيأخذه المسلمون ولم يلحقو بهم وانصرف رسول الله صلى
الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة وكانت غيبته خمسة أيام
غزوة قرقرة الكدر
ويقال قرقرة الكدر ويقال قراقر فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من بنى سليم وغطفان بقرقرة الكدر اى لعله بلغه أنهم يريدون الإغارة على المدينة بعد أن غزاهم صلى الله عليه وسلم كما تقدم وقرقرة الكدر ارض ملساء فيها طيور في ألوانها كدرة عرف بهاذلك الموضع كما تقدم ان الماء الذي بأرضهم الذى بلغه صلى الله عليه وسلم ولم يجد به أحدامنهم يسمى الكدر لوجود ذلك الطير به فسار إليهم في مائتين من أصحابه وحمل لواء علي بن أبي طالب واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وتقدم فى تلك أنه استخلف على المدينة سباع بن عرفطة أو ابن أم مكتوم وتقدم ما فيه فلما سار إليه أى إلى ذلك الموضع لم يجد به أحدا وأرسل نفر من أصحابه إلى أعلى الوادي واستقبلهم فى بطن الوادي فوجد خمسمائة بعير مع رعاة منهم غلام يقال له يسار فحازوها وانحدروابها إلى المدينة فلما كانوا بمحل على ثلاثة أميال من المدينة خمسها صلى الله عليه وسلم فأخرج خمسة وقسم الاربعة الأخماس على أصحابه فخص كل رجل منهم بعيران ووقع يسار في سهمه صلى الله عليه وسلم فأعتقه صلى الله عليه وسلم لأنه رآه يصلى أى وقد أسلم وتعلم الصلاة من المسلمين بعد أسره أى وفى كون هذا غنيمة حيث قسمه كذلك وقفةوكانت مدة غيبته صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة فعلم أنه صلى الله عليه وسلم
غزا
بني سليم وأنه وصل الى ماء من مياههم يقال له الكدر لوجود ذلك الطير به
وأنه استعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم وهنا وقع
الجزم بالثاني وأن الأولى لم يذكر أنه وجد فيها شيئا من النعم
وظاهر
هذا يدل على التعدد وجرى عليه الأصل أي وحينئذ تكون تلك الطيور توجد في
ذلك الماء وفي تلك الأرض فعلى هذا يكون صلى الله عليه وسلم غزا بني سليم
مرتين مرة وصل فيها لذلك الماء ولم يجد شيئا من النعم ومرة وصل فيها لتلك
الأرض ووجد بها تلك النعم ولم أقف على أن محل ذلك الماء سابق على تلك
الأرض أو أن تلك الأرض سابقة على محل ذلك الماء
وفي السيرة الشامية
أن غزوة بني سليم هي غزوة قرقرة الكدر فعليه يكون إنما غزا بني سليم مرة
واحدة أي وحينئذ يكون الماء الذي كان به ذلك الطير كان في تلك الأرض
الملساء أو قريبا منها فليتأمل والحافظ الدمياطي جعل غزوة بني سليم هي
غزوة بحران الآتية وسنذكرها
غزوة ذي أمر
بتشديد الراء اسم ماء أي وسماها الحاكم غزوة أنمار ويقال أنها غزوة غطفانبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا يقال له دعثور بضم الدال وإسكان العين المهملتين ثم مثلثة مضمومة ابن الحارث أي الغطفاني من بني محارب جمع جمعا من ثعلبة ومحارب بذى أمر أي وهو موضع من ديار غطفان أي ولعل به ذلك الماء المسمى بما ذكر كما تقدم يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلا لاثنتين عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول واستخلف على المدينة عثمان بن عفان وأصاب أصحابه رجلا منهم أي يقال له جبار وقيل حباب بكسر الحاء المهملة وبالباء الموحدة من بني ثعلبة فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم أي وقال له لن يلاقوك ولو سمعوا بمسيرك إليهم هربوا في رءوس الجبال وأنا سائر معك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام فأسلم وضمه صلى الله عليه وسلم إلى بلال أي وأخذ به ذلك الرجل طريقا وهبط به عليهم فسمعوا بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهربوا في رءوس الجبال أي فبلغوا ماء
يقال له ذو أمر فعسكر به صلى الله عليه وسلم وأصابهم مطر أي كثير بل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثياب أصحابه فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه ونشرهما على شجرة ليجفا واضطجع أي بمرأى من المشركين واشتغل المسلمون في شئونهم فبعث المشركون دعثورا الذي هو سيد القوم وأشجعهم المجمع لهم أي فقالوا له قد انفرد محمد فعليك به أي وفي لفظ أنه لما رآه قال قتلني الله ان لم أقتل محمدا فجاء دعثور ومعه سيفه حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من يمنعك مني اليوم وفي رواية الآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده أي بعد وقوعه على ظهره فأخذ السيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك مني قال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وفي رواية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم أتى قومه أي بعد أن أعطاه صلى الله عليه وسلم سيفه فجعل يدعوهم الى الاسلام وأخبرهم أنه رأى رجلا طويلا دفع في صدره فوقع على ظهره فقال علمت أنه ملك فأسلمت ونزلت هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ) الآية ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق حربا وكانت مدة غيبته إحدى عشرة ليلة
غزوة بحران
بفتح الموحدة وتضم وسكون الحاء المهملة وعبر عنها الحافظ الدمياطي بغزوة بني سليم كما تقدملما بلغه صلى الله عليه وسلم أن ببحران موضع بالحجاز معروف بينه وبين المدينة ثمانية برد جمعا كثيرا من بني سليم خرج في ثلثمائة من أصحابه لست خلون من جمادى الأولى واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أي ولم يظهر وجها للسير وأحث السير حتى بلغ بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم أي وكان صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل الى ذلك بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبره أن القوم تفرقوا فحبسه مع رجل وسار إلى أن وجدهم كذلك فأطلق الرجل وأقام بذلك المحل أياما ثم رجع ولم يلق حربا وكانت غيبته عشر ليال
وعلى مقتضى هذا السياق تبعا للأصل يكون غزا بني سليم ثلاث مرات مرة عقب
بدر وهذه الغزوة وغزوة ذي أمر كانتا في السنة الثالثة من الهجرة
وفي
تلك السنة التي هي الثالثة عقد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه على أم
كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أختها رقية وتقدم وقت
موتها
وعقد صلى الله عليه وسلم على حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله
تعالى عنهما وذلك في شعبان لما انقضت عدة وفاة زوجها خنيس بن حذيفة من
شهداء بدر بعد أن عرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه لشيء وعرضها على عثمان
فلم يجبه لشيء فقال عمر يا رسول الله قد عرضت حفصة على عثمان فأعرض عني
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد زوج عثمان خيرا من ابنتك
وزوج ابنتك خيرا من عثمان فتزوج عثمان أم كلثوم وتزوج صلى الله عليه وسلم
حفصة
وتزوج أيضا صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة في رمضان وتزوج زينب بنت
جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب في تلك السنة
وقيل تزوجها في السنة الرابعة وصححها في الأصل وقيل في الخامسة وكان اسمها
برة بفتح الموحدة واسم أمها برة بضمها فغير صلى الله عليه وسلم اسمها
وسماها زينب وقال لها صلى الله عليه وسلم لو كان أبوك مسلما لسميناه باسم
رجل منا ولكن قد سميته جحشا أي والجحش في اللغة السيد
وقد كان صلى
الله عليه وسلم جاء إليها ليخطبها لمولاه زيد بن حارثة فقالت لست بناكحته
قال بل فانكحيه قالت يا رسول الله أؤامر أي أشاور نفسي فإني خير منه حسبا
فأنزل الله تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الآية فقالت عند ذلك رضيت
وفي رواية
أنها وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد فسخطت هي وأخوها
وقالا إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها عبده فنزلت الآية
أي وعن مقاتل أن زيد بن حارثة لما أراد أن يتزوج زينب جاء الى النبي صلى
الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أخطب على قال له من قال زينب بنت جحش
فقال له لا أراها تفعل إنها أكرم من ذلك نسبا فقال يا رسول الله إذا
كلمتها أنت وقلت زيد أكرم الناس على فعلت قال إنها امرأة لسناء أي فصيحة
والمراد لسانها
طويل فذهب زيد إلى علي
رضي الله تعالى عنه فحمله على أن يكلم له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق
معه علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال إني فاعل ذلك ومرسلك يا
علي إلى أهلها لتكلمهم ففعل ثم عاد فأخبره بكراهتها وكراهة أخيها لذلك
فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يقول قد رضيته لكم وأقضي أن تنكحوه
فانكحوه وساق إليهم عشرة دنانير وستين درهما ودرعا وخمارا وملحفة وإزارا
وخمسين مدا من الطعام وعشرة أمداد من التمر أعطاه ذلك كله رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم بعد ذلك جاء صلى الله عليه وسلم بيت زيد يطلبه فلم يجده
فتقدمت إليه زينب فأعرض عنها فقالت له ليس هو هنا يا رسول الله فادخل فأبى
أن يدخل وأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأن الريح رفعت الستر
فنظر إليها من غير قصد فوقعت في نفسه صلى الله عليه وسلم فرجع وهو يقول
سبحان مصرف القلوب وفي رواية مقلب القلوب وسمعته زينب يقول ذلك فلما جاء
زيد أخبرته الخبر فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله لعل
زينب أعجبتك فأفارقها لك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك
زوجك فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك اليوم أي فلم يستطع أن يغشاها من
حين رآها صلى الله عليه وسلم إلى أن طلقها
فعنها رضي الله تعالى
عنها لما وقعت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطعني زيد وما امتنعت
منه وصرف الله تعالى قلبه عني وجاءه يوما وقال له يا رسول الله إن زينب
اشتد على لسانها وأنا أريد أن أطلقها فقال له اتق الله وامسك عليك زوجك
فقال استطالت على فقال له إذن طلقها فطلقها فلما انقضت عدتها ارسل زيدا
لها فقال له اذهب فاذكرها علي فانطلق قال فلما رأيتها عظمت في صدري فقلت
يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت ما انا
بصانعه شيئا حتى أؤامر ربي أى أستخيره فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
جالس يتحدث مع عائشة إذ نزل عليه الوحي بأن الله زوجه زينب فسرى عنه وهو
يبتسم وهو يقول من يذهب الى زينب فيبشرها أن الله زوجنيها من السماء وجاء
إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن قالت دخل علي
وأنا مكشوفة الشعر فقلت يا رسول الله بلا خطبة ولا إشهاد قال الله المزوج
وجبريل الشاهد أي وأنزل الله تعالى وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت
عليه أمسك عليك زوجك الآية فهذه
وإنما توجه هذا العتب أي لأن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه صلى الله عليه وسلم فلما شكا إليه زيد قال له أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى منه في نفسه ما الله مبديه ومظهره وهو ما أعلمه الله به من أنك ستزوجها فالذي أخفاه ما كان الله أعلمه به ( وتخشى الناس ) أي اليهود والمنافقين أن يقولوا تزوج امرأة ابنه ( والله أحق أن تخشاه ) في إمضاء ما أحبه ورضيه لك وأعطاك إياه
وقد جعل الله تعالى طلاق زيد لها وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني قال تعالى { لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم } وأولم صلى الله عليه وسلم عليها بما لم يولم به على نسائه وذبح شاه وأطعم فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي البخاري فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون وفي البخاري أيضا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق الى حجرة عائشة فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته فقالت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته كيف وجدت أهلك بارك الله لك ثم دخل حجر نسائه كلهن يقول كما قال لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فوجد القوم في البيت يتحدثون قال أنس رضي الله تعالى عنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج فطلبها الى حجرة عائشة فأخبر أن القوم خرجوا فرجع حتى وضع رجله في أسكفة البيت داخله وأخرى خارجه أرخى الستر بيني وبينه فنزلت آية الحجاب قال في الكشاف وهي أدب أدب الله تعالى به الثقلاء
وفي مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرجت سودة بعد ما ضرب علينا الحجاب تقضي حاجتها أي بالمناصع محل كان أزواجه صلى الله عليه وسلم يخرجن إليه بالليل للتبرز وكانت امرأة جسيمة فرآها عمر بن الخطاب فقال يا سودة والله ما تخفين علينا فانظري علينا كيف تخرجين فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم