كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي

عبد المطلب وهذا السياق يدل على أن المائة انتهت اليه صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وهو يؤيد القول بان الذين ثبتوا معه صلى الله عليه وسلم لم يبلغوا المائة
وفي رواية لما انكشف الناس عنه يوم حنين قال لحارثة بالحاء المهملة ابن النعمان يا حارثة كم ترى الناس الذي ثبتوا فحزرتهم مائة فقلت يا رسول الله مائة فلما كان يوم من الايام مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يناجي جبريل عليه السلام عند باب المسجد فقال جبريل عليه السلام يا محمد من هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حارثة بن النعمان فقال جبريل عليه السلام هو أحد المائة الصابرة يوم حنين لو سلم لرددت عليه السلام فلما أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له ما كنت لأظنه الا دحية الكلبي واقفا معك
وفي رواية لما فر الناس يوم حنين عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق معه إلا اربعة ثلاثة من بنى هاشم ورجل من غيرهم علي بن ابي طالب والعباس وهما بين يديه وابو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان وابن مسعود من جانبه الأيسر ولا يقبل أحد من المشركين جهته صلى الله عليه وسلم إلا قتل
وذكر بعضهم أنه رأى أبا سفيان بن الحارث حينئذ آخذا بزمام بغلته صلى الله عليه وسلم ولا ينافي ما تقدم أن الآخذ بذلك العباس رضي الله عنه وأن أبا سفيان بن الحارث كان آخذا بركابه صلى الله عليه وسلم لجواز أن يكون أخذا بزمامها بعد أخذه بركابه صلى الله عليه وسلم
وعن ابي سفيان بن الحارث قال لما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف مصلتا والله يعلم أني اريد الموت دونه وهو ينظر الي فقال له العباس يا رسول الله اخوك وابن عمك ابو سفيان فارض عنه فقال غفر الله له كل عداوة عادانيها ثم التفت الي وقال يا أخي فقبلت رجله في الركاب وقال الله عليه وسلم في حقه أبو سفيان ابن الحارث من شبان أهل الجنة او من سيد فتيان أهل الجنة وليس قوله صلى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب إلى آخره من الشعر لأن شرطه كما تقدم في بناء المسجد أن يكون عن قصد وروية بناء على أن مشطور ومنهوكه شعر وهو الصحيح خلافا للأخفش حيث رد على الخليل في قوله إن الرجز شعر بأنه وقع منه صلى الله عليه وسلم في قوله المذكور وقد قال الله تعاالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له }


ورد بأن ما يقع موزونا لا عن قصد لا يقال له شعر ولا يقال لقائله انه شاعر كما تقدم مع زيادة وإنما قال صلى الله عليه وسلم انا ابن عبد المطلب ولم يقل أنا ابن عبد الله لأن العرب كانت تنسبه صلى الله عليه وسلم الى جده عبد المطلب لشهرته ولموت عبد الله في حياته كما تقدم فليس من الافتخار بالآباء الذي هو من عمل الجاهلية كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم أنا ابن العواتك والفواطم وأخذ من هذا أنه لا باس بالانتساب في موطن الحرب
وذكر الخطابي انه صلى الله عليه وسلم إنما قال أنا ابن عبد المطلب على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم صلى الله عليه وسلم بذلك رؤيا كان رآها عبد المطلب ايام حياته وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم إياها وهي إحدى دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
ثم نزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته وقيل لم ينزل بل قال يا عباس ناولني من الحصباء فانخفضت به بغلته حتى كادت بطنها تمس الأرض ثم قبض قبضة من تراب قال بعضهم كأن الله أفقه أي أفهم البغلة كلامه صلى الله عليه وسلم أي علمت مراده
وفي رواية كما تقدم أنه قال لها يا دلدل البدي فلبدت أي انخفضت وفي رواية قال اربضي دلدل فربضت وقيل ناوله العباس ذلك وقيل ناوله علي وقيل ابن مسعود رضي الله عنهم فعنه حادت به بغلته فمال السرج فقلت ارتفع رفعك الله فقال ناولني كفا من تراب فناولته ثم استقبل بها وجوههم فقال شاهت الوجوه أي وفي رواية قال حم لا ينصرون وفي رواية جمع بينهما فما خلف الله منهم إنسانا الا ملأت عينيه وفمه ترابا تلك القبضة وقال انهزموا ورب محمد فولوا مدبرين أي وقال بعضهم ما خيل الينا الا أن كل حجر او شجر فارس يطلبنا
وحدث رجل كان من المشركين يوم حنين قال لما التقينا نحن واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلبة شاة أن كشفناهم قال فبينما نحن نسوقهم ونحن في آثارهم إذ صاحب بغلة بييضاء وإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه حسان الوجوه وقالوا شاهت الوجوه ارجعوا فانهزمنا

من قولهم وركبوا أجسادنا فكانت أياها والى رميه صلى الله عليه وسلم بالحصى اشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** رومى الحصى فأقصد جيشا ** ما العصا وما الإلقاء **
أي ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصى فأهلك ذلك الجيش العظيم أي شيء عصا موسى عند ذلك الحصى وأي شيء إلقاء موسى عليه السلام لتلك العصا عند إلقاء ذلك الحصى شتان ما بينهما فلا يقاس هذه بذلك لأن هذا أعظم لأن انقلاب العصا حية كان مشابها لانقلاب حبالهم وعصيهم حيات لأن ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر العدو ولم يشتت شملهم بل زاد بعدها طغيانهم وعتوهم على موسى عليه السلام بخلاف هذه الحصى فإنه أهلك العدو وشتت شمله
أي وذكر انه عند القتال أنزل الله تعالى قوله يوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا الى قوله غفور رحيم
فقد جاء ان بعض اصحابه أي وهو ابو بكر رضي الله عنه كما في سيرة الحافظ الدمياطي قال يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءته تلك الكلمة وقيل بل قائل ذلك هو صلى الله عليه وسلم لما رأى كثرة المسلمين وقيل قال ذلك فتى من الأنصار أي وهو سلمة بن الأكوع أو سلامه بن وقش
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم رفع يومئذ يديه وقال اللهم أنشدك ما وعدتي اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا
أي واخرج البيهقي في الاسماء والصفات عن الضحاك قال دعا موسى عليه الصلاة والسلام حين توجه الى فرعون لعنه الله ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين كنت وتكون وأنت حي لا تموت تنام العيون وتنكدر النجوم وأنت حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ياحي يا قيوم
وكان أمام المشركين رجل على جمل أحمر بيده راية سوداء في راس رمح طويل وهوزان خلفه إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينما هو كذلك إذ أهوى اليه علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورجل من الانصار يريدانه فأتى على من خلفه وضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الأنصاري على الرجل فضرب ضرب أطن

قدمه بنصف ساقه واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة المسلمين من هزيمتهم حتى وجدوا الاسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولما انهزم المسلمون تكلم رجال من أهل مكة بما في نفوسهم من الضعف ومنهم ابو سفيان بن حرب رضي الله عنه قيل وكان إسلامه بعد مدخولا وكانت الأزلام في كنانته فقال لا تنتهي هزيمتهم يعني المسلمين دون البحر أي وقال والله غلبت هوزان فقال له صفوان بفيك الكثيب أي الحجارة والتراب وقد وصلت الهزيمة الى مكة وسر بذلك قوم من مكة واظهروا الشماتة وقال قائل منهم ترجع العرب الى دين آبائها أي وقال آخر أي وهو أخو صفوان لأمه ألا قد بطل السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك اسكت فض الله فاك أي أسقط أسنانك والله لأن يربني من الربوبية أي يملكني ويدبر أمري رجل من قريش أحب الي من أن يربني رجل من هوازن
وفي رواية مر رجل من قريش على صفوان بن امية فقال أبشر بهزيمة محمد وأصحابه فوالله لا يجبرونه أبدا فغضب صفوان رضي الله عنه وقال اتبشرني بظهور الاعراب فوالله لرب رجل من قريش احب الى من رجل من الأعراب وقال عكرمة بن ابي جهل رضي الله عنه وكونهم لا يجبرونها أبدا هذا ليس بيدك الامر بيد الله ليس إلى محمد منه شيء إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غدا فقال له سهيل بن عمرو والله ان عهدك بخلافة لحديث فقال له يا ابا يزيد كنا على غير شيء وعقولنا ذاهبة نعبد حجر الأيضر ولا ينفع
وعن شيبة الحجى رضي الله عنه أي حاجب البيت ويقال لبنيه بنو شيبة وهم حجبة البيت كما تقدم أنه كان يحدث عن سبب اسلامه قال ما رايت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات ولما كان عام الفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وسار الى حرب هوزان قلت اسير من قريش الى هوازن بحنين فعسى ان اختلطوا ان أصيب من محمد غرة فأقتله فأكون انا الذي قمت بثار قريش كلها أي ولفظ اليوم أدرك ثأرى من محمد أي لأن اباه وعمه قتلا يوم احد قتلهما حمزة رضي الله عنه كما تقدم
وأقول لم لم يبق من العرب والعجم أحد الا اتبع محمدا ما اتبعته لا يزداد ذلك الامر

عندي الا شدة فلما اختلط الناس ونزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته اصلت السيف ودنوت منه اريد منه ورفعت السيف حتى كدت اوقع به الفعل رفع الى شواظ من النار كالبرق كاد يهلكني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه
وفي رواية لما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من حديد فناداني صلى الله عليه وسلم يا شيبة ادن مني فدنوت منه فالتفت الى وتبسم وعرف الذي أريد منه فمسح صدري ثم قال اللهم أعذه من الشيطان قال شيبة فوالله لهو كان الساعة إذا أحب الى من سمعي وبصري ونفسي وأذهب الله ما كان في ثم قال صلى الله عليه وسلم ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله أعلم إني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء ولو كان أبي حيا ولقيته تلك الساعة لأوقعت به السيف فجعلت الزمه فيمن لزنه حتى تراجع المسلمون وكرواكرة واحدة وقربت اليه صلى الله عليه وسلم بغلته فاستوى عليها قائما وخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه أي لا يلوى أحد منهم على احد وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه واتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى قتلوا الذرية فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه وفي رواية من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه
وفي الأصل في غزوة بدر ان المشهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه إنما كان يوم حنين واما ماروى أنه قال ذلك يوم بدر ويوم احد فأكثر ما يوجد في رواية من لا يحتج به ومن ثم قال الامام مالك رضي الله عنه لم يبلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك الا يوم حنين
وتعقب ما في الاصل بأنه وقع ذلك في غزوة مؤتة كما في مسلم وهي قبل الفتح
وفي كلام بعضهم كون السلب للقاتل أمر مقرر من أول الأمر وأنما تجدد يوم حنين للإعلام العام والمناداة لا لمشروعيته
وحدث أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه أستلب وحده عشرين رجلا أي قتلهم وأخذ أسلابهم
وقال ابو قتادة رضي الله عنه رأيت يوم حنين مسلما ومشركا يقتتلان وإذا رجل من المشركين يريد إعانة المشرك على المسلم فأتيته وضربت يده فقطعتها فاعتنقني بيده

الأخرى فوالله ما ارسلني وجدت ريح الموت ولولا ان الدم نزفه لقتلني فسقط وضربته فقتلته وأجهضني القتال من استلابه فلما وضعت الحرب اوزارها قلت يا رسول الله لقد قتلت قتيلا ذا سلب واجهضني عنه القتال فما أدري من استلبه فقال رجل من اهل مكة صدق يا رسول الله فأرضه عني من سلبه فقال ابو بكر رضي الله عنه والله لا يرضيه تعمد الى أسد من أسد الله يقاتل عن دين الله تقاسمه سلب قتيله وفي لفظ قال ابو بكر رضي الله عنه أي للنبي صلى الله عليه وسلم كلا تعطيه أضييع من قريش وتدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله والأضيع تصغير ضبع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق اردد عليه سلبه قال ابو قتادة رضي الله عنه فأخذته منه فاشتريت بثمنه أي السلب الذي جمعته الذي جمعته بستانا وادرك ربيعة بن رفيع دريد ابن الصمة فأخذ بخطام جملة وهو يظن أنه أمرأة فإذا هو شيخ كبير اعمى ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ماذا تريد قال اقتلك قال ومن أنت قال انا ربيعة بن رفيع السلمي ثم ضرب بسيفه فلم يغن شيئا فقال له يسخر به بئس ما سلحتك أمك بن خذ سيفي هذا من مؤخرة الرحل ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب يوم قد منعت فيه نساءك فقتله فلما أحبر ربيعة أمه بقتله فقالت له أما والله لقد اعتق اثنين بل ثلاثا وقالت له ألا تكرمت عن قتله لما اخبرك بمنه علينا فقال ما كنت لاتكرم عن رضا الله ورسوله
أي وقيل القاتل لدريد بن الصمة الزبير بن العوام رضي الله عنه وقيل عبد الله بن قبيع وكانت أم سليم رضي الله عنها مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه وهي حازمة وسطها ببرد لها وفي حزامها خنجر وكانت حاملا بابنها عبد الله فقال لها زوجها ابو طلحة ما هذا الخنجر معك يا أم سليم قالت إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به فقال ابو طلحة الا تسمع يا رسول الله ما تقول ام سليم الرميصاء فأعادت عليه القول فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك أي وكان يقال لها العمصياء والرميصاء وهي التي يخرج القذى من عينها ومن ثم قال بعضهم قيل له لها الرميصاء لرمص كان في عينها
وعن ولدها أنس بن مالك رضي الله عنه الله عنه قال قد مات ابي مالك عنها مشركا ثم خطبها عمي ابو طلحة وهو مشرك فأبت ودعته الاسلام فأسلم فقالت له إني أتزوجك ولا

آخذ منك صداقا غيره فتزوجها قال انس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت من هذا فقالوا هذه العميصاء بنت ملحان ام انس بن مالك
وعنه رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا أزواجه وإلا أم سليم فانه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك فقال إني ارحمها قتل أخوها معي ولعل المراد أنه كان يكثر الدخول عليها كأزواجه ولا ينافي انه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على غيرها من النساء الانصار لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الاختلاء بالاجنبية فكان يدخل على أخت ام سليم وهي أم حرام بالراء رضي الله عنها وتفلى له رأسه الشريف وينام عندها ويدخل على الربيع ثم رأيته في الامتاع أشار الى ذلك
وفي مزيل الخفاء أن أم سليم واختها خالتا النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الرضاع وعليه فلا دلالة في دخوله صلى الله عليه وسلم عليهما والخلوة بهما على جواز الخلوة بالأجنبية
وعن أنس رضي الله عنه قال مات ابن لابي طلحة من ام سليم أي وهو ابو عمير الذي كان صلى الله عليه وسلم يداعبه ويقول أب عمير ما فعل النغير ذكره السيوطي في كتابه تبريد الأكباد
وفي كلام بعضهم ما يفيد أنه غيره فقالت لأهلها لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا احدثه فجاء فقال ما فعل ابني قالت هو أسكن ما كان فقربت اليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها فلما رأت أنه قد شبع واصاب منها قالت يا ابا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت وطلبوا عاريتهم ألهم ان يمنعوا قال لا قالت فاحتسب ابنك فغضب ثم انطلق حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لكما في غابر ليلتكما قال فحملت بعبد الله المذكور قالت ولما ولدته حملته وجئت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل معك تمر فقلت نعم فناولته تمرات فألقاهن في فيه الشريف فلا كهن ثم فغز فالصبى فمجه فيه فجعل الصبي يتلمظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب الانصار التمر

وسماه عبد الله أي وجاء لعبد الله هذا الذي جاء من جماع تلك الليلة تسعة أولاد كلهم قد قرءوا القرآن
ولما أخبر أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم بما تقدم عن أم سليم قال الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صابرة بني إسرائيل فقيل يا رسول الله ما كان من خبرها قال كان في بني اسرائيل امرأة وكان لها زوج وكان له منها غلامان وكان زوجها امرها بطعام تصنعه ليدعوا عليه الناس ففعل واجتمع الناس في داره فانطلق الغلامام يعلبان فوقعا في بئر كانت في الدار فكرهت ان تنغص على زوجها الضيافة فأدخلتهما اليبت وسجتهما بثوب فلما فرغوا دخل زوجها فقال أي ابناي قالت هما في البيت وإنها كانت تمسح بشيء من الطيب وتعرضت للرجل حتى وقع عليها ثم قال أين ابناي قالت هما في البيت فناداهما أبوهما فخرجا يسعيان فقالت المرأة سبحان الله والله لقد كانا ميتين ولكن الله أحياهما ثوابا لصبري
ولما أنهزم القوم عسكر بعضهم بأوطاس فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في أثارهم ابا عامر الاشعري رضي الله عنه وسيأتي في السرايا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الاشعري رضي الله عنه وسيأتي في السرايا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى معسكره قال شيبة فدخل خباءه فدخلت عليه مادخل عليه غيري حبا لرؤية وجهه وسرورا به فقال يا شيبة الي أراد الله خيرا مما اردت بنفسك ثم حدثني بكل ما اضمرته في نفسي مما لم أذكره لأحد قط فقلت إني أشهد ان لا إله الا الله وأنك رسول الله ثم قلت استغفر لي فقال غفر الله لك أي وقالت له صلى الله عليه وسلم أم سليم رضي الله عنها بابي أنت وأمي يا رسول الله اقتل هؤلاء الذين انهزموا عنك فإنهم لذلك أهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد كفى واحسن
وعن عائذ بن عمرو قال أصابتني رمية يوم حنين في جبتهي فسال الدم على وجهي وصدري فسد النبي صلى الله عليه وسلم الدم بيده عن وجهي وصدري الى ترقوتي ثم دعاني فصار اثر يده صلى الله عليه وسلم غرة سائلة كغرة الفرس
وجرح خالد بن الليد رضي الله تعالى عنه فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في جرحه فلم يضره
أي فعن بعض الصحابة رضي الله عنهم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما هزم الله الكفار ورجع المسلمون الى رحالهم يمشي في المسلمين ويقول من يدلني

على رحل خالد بن الوليد حتى دل عليه فوجده قد اسند الى مؤخرة رحله لأنه قد اثقل بالجراحة فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في جرحه فبرئ
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون شيئا اسود اقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم فنظرت فإذا نمل أسود مبثوت قد ملا الوادي لم أشك أنها الملائكة ولم تكن الا هزيمة القوم
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله أن سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر أرخوها بين اكتافهم أي فعن جمع من هوازن قالوا لقد راينا يوم حنين رجالا بيضا على خيل بلق عليها عمائم حمر قد أرخوها بين اكتافهم بين السماء والأرض وكتائب لا نستطيع ان نقاتلهم من الرعب منهم ولما وقعت الهزيمة أسلم ناس من كفار مكة وغيرهم لما رأوا نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم
وعن شيبة الحجي قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والله ما خرجت إسلاما ولكن خرجت اتقاء أن تظهر هوازن على قريش فوالله إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني لأرى خيلا بلقا قال يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر فضرب بيده صدري ثم قال اللهم أحد شيبة فعل ذلك ثلاثا فما رفع صلى الله عليه وسلم يدع عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله احب الي منه ويحتاج الى الجمع بينه وبين ما تقدم على تقدير صحتهما
وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم ان تجمع فجمع ذلك كله واحضره الى الجعرانة أي بسكون العين وتخفيف الراء وكثير من أهل الحديث يشددها وسمي المحل باسم امرأة كانت تلقب بذلك وقيل وهي التي نقضت غزلها من بعد قوة فكان بها الى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من غزوة الطائف وفي هذه الغزوة سمي طلحة بن عبيد الله طلحة الجواد لكثرة انفاقه على العسكر

غزوة الطائف
ولما علم صلى الله عليه وسلم أن مالك بن عوف وجمعا من اشراف قومه لحقوا بالطائف عند انهزامهم أي الطائف بلد كبير كثير الأعناب والنخيل والفاكهة قيل سمي بذلك لأن جبريل عليه السلام طاف بها حين نقلها من الشام الى الحجاز بدعوة ابراهيم عليه الصلاة والسلام أي أن الله يرزقهم أي أهل مكة من الثمرات
أي وقيل إنهم بنوا حواليها حائطا وطافوا به تحصينا لهم وقيل هي جنة أصحاب الصريم كانوا نواحي صنعاء نقلها جبريل عليه السلام فسار بها الى مكة وطاف بها حول البيت ثم أنزلها في ذلك المكان أي ويقال له وج سمي ذلك باسم شخص من العماليق اول من نزل به وأن اؤلئك القوم تحصنوا في حصن به وأدخلوا فيه ما يصلحهم سنة خرج صلى الله عليه وسلم من حنين وتوجه اليهم وترك السبي بالجعرانة
أي وفي الامتاع أنه صلى الله عليه وسلم بعث بالسبي والغنائم الى الجعرانة مع بديل ابن ورقاء الخزاعي وفي كلام السهيلي وكان سبي حنين ستة آلاف رأس قد ولى صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ابا سفيان بن حرب امرهم وجعله امينا عليهم هذا كلامه أي ولعل هذا بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف لأن ابا سفيان كان معه صلى الله عليه وسلم بالطائف كما سيأتي فلا معارضة
أي ومر صلى الله عليه وسلم بحصن مالك بن عوف فأمر به فهدم ومر بحائظ أي بستان لرجل من ثقيف قد تمنع فه فارسل اليه صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج وإما ان نخرب عليك حائطك فأبي أن يخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحراقه ومر صلى الله عليه وسلم بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو ابو ثفيف أي وكان من ثمود قوم صالح أي وقد أصابته النقمة التي أصبات قومه بهذا المكان ثم دفن فيه أي بعد أن كان بالحرم ولم تصبه تلك النقمة فلما خرج من الحرم الى المكان المذكور اصابته النقمة
فعن بعض الصحابة حين خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قبر أبي رغال وهو ابو ثقيف

وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه اصابته النقمة التي اصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث
وفي العرائس عن مجاهد قيل له هل بقي من قوم لوط أحد قال لا إلا رجل بقي أربعين يوما وكان بالحرم فجاءه حجر ليصيبه في الحرم فقام اليه ملائكة الحرم فقالوا للحجر ارجع من حيث جئت فإن الرجل في حرم الله تعالى فرجع فوقف خارجا من الحرم أربعين يوما بين السماء والارض حتى قضى الرجل حاجته وخرج من الحرم الى هذا المحل اصابه الحجر فقتله فدفن به
وابو رغال هذا هو الذي كان دليلا لأبرهة ليوصله الى مكة لما مر أبرهة بالطائف وتلقاه أهله واظهروا له الطاعة وقالوا له نرسل معك من يدلك على الطريق فأرسلوا أبا رغال معه دليلا كما تقدم وقال صلى الله عليه وسلم أية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه اصبتموه فابتدره الناس فنبشوه واستخرجوا منه الغصن وقدم صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه على مقدمته أي وهي خيل بني سليم مائة فرس قدمها من يوم خرج من مكة واستعمل عليهم خالد بن الوليد فلم يزل كذلك حتى وصل فلما وصل نزل قريبا من الحصن وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحات
أي وممن أصيب ابو سفيان بن حرب اصيبت عينه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وعينه في يده فقال يا رسول الله هذه عيني أصيبت في سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت دعوت فردت عينك وإن شئت فالجنة وفي لفظ فعين في الجنة قال فالجنة ورمى بها من يده أي وقلعت عينه الثانية في القتال يوم اليرموك عند مقاتلة الرم فإن ابا سفيان رضي الله عنه كان في ذلك اليوم يحرض المسلمين على قتال الروم والثبات لهم ويقول لهم الله الله عباد الله انصروا الله ينصركم اللهم هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك وذلك في آخر خلافة الصديق فإن الصديق رضي الله عنه توفي وهم في الاستعداد للقتال باليرموك وكان الامير على العسكر خالد بن الوليد رضي الله عنه
ولما ولي سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أرسل البريد بعزل خالد وولاية ابي عبيدة ابن الجراح على العسكر فجاء البريد وقد التحم القتال بين المسلمين والروم واخذته

خيول المسلمين وسألوه عن الخبر فلم يخبرهم الا بخبر وسلامة واخبرهم عن امداد يجئ اليهم واخفى موت ابي بكر رضي الله تعالى عنه وتأمير ابي عبيدة فأتوا به الى خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فأسر اليه موت ابي بكر وولاية عمر رضي الله تعالى عنهما وأخبره بما أخبر به الجند فاستحسن ذلك منه واخذ الكتاب فجعله في كنانته وخاف إن هو أظهر ذلك يتخاذل العسكر ثم لما هزم الله الروم وجمعوا الغنائم ودفنوا قتلى المسلمين وقد بلغوا ثلاثة آلاف دفع خالد رضي الله تعالى عنه الكتاب إلى أبي عبيدة رضي الله تعالى عنه فتولى ابو عبيدة ثم بعث ابو عبيدة أبا جندل رضي الله تعالى عنه بشير الى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه بالتفح على المسلمين
ولما عزل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه خالد بن الوليد وولى أبا عبيدة خطب الناس وقال إني اعتذر اليكم من خالد بن الوليد إني نزعته واثبت ابا عبيدة بن الجراح فقام اليه عمرو بن حفص وهو ابن عم خالد بن الوليد وابن عم ام سيدنا عمر فقال والله ما عدلت يا عمر لقد نزعت عاملا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وغمدت سيفا سله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد قطعت الرحم وجفوت ابن العم فقال عمر رضي الله تعالى عنه إنك قريب القرابة حديث السن غضبت لابن عمك
ومات ممن خرج بالطائف اثنا عشر رجلا فارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى موضع مسجد الطائف الآن وكان معه صلى الله عليه وسلم من نسائه ام سلمة وزينب رض 4 ي الله تعالى عنهما فضرب لهما قبتين وكان يصلي بين القبتين الصلاة مقصورة مدة حصار الطائف وكانت ثمانية عشر يوما أي غير يومي الدخول والخروج وهذا هو المراد يقول فقهائنا لأنه صلى الله عليه وسلم أقامها بمكة عام الفتح لحرب هوازن يقصر الصلاة وقيل في مدة حصاره غير ذلكودخل صلى الله عليه وسلم خيمة أم سلمة وعندها اخوها عبد الله ومخنث وإذ المخنث يقول يا عبد الله إن فتح الله عليك الطائف غدا فعليك بابنه غيلان فان تقبل باربع وتدبر بثمان فلما سمعه صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل هذا عليكن واراد المخنث بالاربع التي تقبل بهن عكنها الاربع التي في بطنها ولكل عكنة طرفان فتكون ثمانية من خلفها فهي الثمانية التي تدبر بهن
اي وفي الامتاع كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته فاخته بنت عمرو

ابن عائذ يقال له ماتع وكان يدخل بيوته صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرى انه لا يفطن لشيء من أمر النساء ولا إربة له فسمعه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخالد بن الوليد ويقال لعبد الله اخي ام سلمة ان فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف غدا فعليك ببادية أي رضي الله تعالى عنها فإنه أسلمت وبادية بالياء تحت لا بالنون بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدر بثمن إذا قامت تثنت وإذا جلست تبنت وإذا تكلمت تغنت وبين رجليها مثل الإناء المكفوء ثم نفر كأنه الاقحوان فقال صلى الله عليه وسلم لا أرى هذا الخبيث يفطن لما اسمع
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له قاتلك الله لقد أمعنت النظر ما كنت أظن هذا الخبيث يعرف شيئا من أمر النساء
وفي الأغاني أن هيتا بكسر الهاء وقيل بفتحها وإسكان التحتية بعدها مثناة والهيت الأحمق المخنث قال لعبد الله بن أمية إن فتح الله عليكم الطائف فاسأل النبي صلى الله عليه وسلم بادية بنت غيلان فإنها رداح شموع نجلاء إن تكلمت تغنت يعني من الغنة وإذا قامت تثنث موردة الخدين منحطة المانتين لقحاء الفخذين مسرولة الساقين كأنها قضيب بان وفي لفظ كأنها خوط بانه قصفت تقبل بأربع وتدبر بثمان وبين فخذيها شيء مخبوء كأنه الإناء المكفوء فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه قال لقد غلغلت النظر يا عدو الله ثم نفاه من المدينة الى الحمى وقال لا يدخل على أحد من نسائكم فقيل له صلى الله عليه وسلم إنه يموت جوعا فأذن له ان يدخل المدينة كل جمعة يسأل الناس
وقيل نفى صلى الله عليه وسلم كلا من ماتع وهيت الى الحمى فشكيا الحاجة فأذن لهما أن ينزلا كل جمعة يسألان الناس ثم يرجعان الى مكانهما فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلا المدينة فأخرجهما ابو بكر رضي الله تعالى عنه فلما توفي دخلا المدينة فأخرجهما عمر رضي الله تعالى عنه فلما مات دخلا
وغيلان أبو بادية هو الذي أسلم وعنده عشر نسوة فأمره صلى الله عليه وسلم ان يمسك أربعا ويفارق سائرهن
واختلف الفقهاء في ذلك فقال فقهاء الحجاز يختار اربعا وقال فقهاء العراق يمسك التى تزوج أولا ثم التي تليها الى الرابعة واحتج فقهاء الحجاز بترك الاستفصال


وغيلان هذا لما وفد على كسرى قال له أي ولدك أحب إليك فقال الغائب حتى يقدم والمريض حتى يعافى والصغير حتى يكبر
وكان المخنثون في زمانه صلى الله عليه وسلم ثلاثة هيت وماتع وهذم وقيل لهم ذلك لأنه كان في كلامهم لين وكانو يختضبون بالحناء كخضاب النساء لا أنهم يأتون الفاحشة الكبرى ويحتمل أن يكون كل من ماتع وهيت كان معه صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة وقد سمع منهما ما تقدم عنهما ويدل لهذا الاحتمال أنه نفاهما وفي البخاري أن القائل لعبد الله ما تقدم هو هيت ويحتمل أن الذي كان معه صلى الله عليه وسلم أحدهما وتكرر منه ذكر ما تقدم وتسميته باسم الآخر خلط من بعض الرواة فليتأمل
وقال اقبل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ونادى من يبارز فلم يطلع اليه احد ثم كرر ذلك فلم يطلع اليه أحد وناداه عبد ياليل لا ينزل إليك منا أحد ولكن نقيم في حصننا فإن به من الطعام ما يكفينا سنين فإن أقمت حتى يذهب هذا الطعام خرجنا اليك بأسيافنا جميعا حتى نموت عن آخرنا أ هـونصب عليهم المنجنيق أي ورمى به كما في كلام غير واحد من أئمتنا وهو أول منجنيق رمى به في الإسلام أي ارشده إليه سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال إنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون فنصيب من عدونا أي ويقال إن سلمان رضي الله تعالى عنه هو الذي عمله بيده وفيه أنه تقدم في خيبر أنه لما فتح حصن الصعب وجدوا فيه آلة حرب ودبابات ومنجنيقات إلا ان يقال سلمان صنع هذا المنجنيق الذي بالطائف لأنه يجوز أن يكون الذي وجدوه في خيبر لم يكن معهم في الطائف وتقدم في خيبر انه صلى الله عليه وسلم لما حاصر الوطيح وسلالم أربعة عشر يوما ولم يخرج أحد منهما هم صلى الله عليه وسلم أن يجعل عليهم المنجنيق وتقدم عن الامتاع أنه صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على حصن البراء وقد قدمنا أن ذلك لا يخالف قول بعضهم لم ينصب المنجنيق الا في غزوة الطائف لانه يجوز أن يكون مراد هذا البعض لم يرم به الا في غزوة الطائف أي كما أشرنا اليه
وأول من صنع المنجنيق إبليس فإن نمروذا لعنهما الله لما أراد ان يلقى إبراهيم عليهم الصلاة والسلام في النار بني الى جنب الجبل جدارا طوله ستون ذراعا ولما ألقوا الحطب وجعلوا فيه النار ووصلت النار الى رأس ذلك الجدار لم يدروا كيف يلقون إبراهيم فتمثل

لهم إبليس لعنه الله في صورة نجار فصنع لهم المنجنيق ونصبوه على راس الجبل ووضعوه فيه وألقوه في تلك النار
وأول من رمى به في الجاهلية جذيمة الأبرش وهو أول من أوقد الشمع ودخل نفر من الصحابة تحت دبابة وزحفوا بها الى جدار الحصن ليحرقوه وفي الإمتاع دخلوا تحت دبابتين وكانا من جلود البقر فأرسلت اليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرموهم بالنبل فقتل منهم رجال أي والدبابة بفتح الدال المهملة ثم موحدة مشددة وبعد الألف موحدة ثم تاء التأنيث وهي آلة من آلات الحرب تجعل من الجلود يدخل فيها الرجال فيدبون بها الى الاسوار لينقبوها وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم أي ونخيلهم وتحريقها فقطع المسلمون قطعا ذريعا فسألوه أن يدعها لله وللرحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أدعها لله والرحم ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد نزل من الحصن وخرج الينا فهو حر فخرج منهم بضعة عشر أي وقيل ثلاثة وعشرون رجلا ونزل منهم شخص في بكرة فقيل له ابو بكرة أي وكان عبدا للحارث بن كلدة فاعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل رجل منهم الى رجل من المسلمين يمونه فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة قال واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن في أن يأتي ثقيفا في حصنهم ليدعوهم الى الإسلام فأذن له في ذلك فأتاهم فدخل في حصنهم فقال لهم تمسكوا في حصنكم فوالله لنحن أذل من العبيد أي زاد بعضهم ولا تعطوا بأيديكم ولا تتأثروا أي لا يشق عليكم قطع هذا الشجر فرجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما قلت لهم يا عيينة قال أمرتهم بالإسلام ودعوتهم اليه وحذرتهم النار ودلتهم على الجنة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت إنما قلت لهم كذا وقص عليه القصة فقال صدقت يا رسول الله أتوب الى الله وإليك من ذلك أ هـ
ولم يؤذن لرسول الله صى في فتح الطائف أي فإن خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون قالت له يا رسول الله ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف قال لم يؤذن لنا الآن فيهم وما أظن أن نفتحها الآن وقال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ذلك فقال لم يؤذن لنا في قتالهم فقال رضي الله تعالى عنه كيف نقبل في قوم لم يأذن الله فيهم وفي لفظ إن خولة قالت يا رسول الله أعطني ان فتح الله عليك

الطائف حلى بادية بنت غيلان أو حلى الفارعة بنت عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف فقال لها صلى الله عليه وسلم وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة فذكرت خولة ذلك لعمر بن الخطاب فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلت لها قال قلته قال أو ما أذن الله فيهم يا رسول الله قال لا قال أو أذن بالرحيل قال بلى واستشار رسول الله بعض الناس أي وهو نوفل بن معاوية الديلي في الذهاب أو المقام فقال له يا رسول الله ثعلب في جحر إن أقمت اخذته وان تركته لم يضرك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأذن في الناس بالرحيل فقبح الناس ذلك وقالوا نرحل ولم يفتح علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغدوا على القتال فغدوا فأصابت الناس جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قافلون إن شاء الله فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك أي تعجبا من سرعة تغير رأيهم لأنهم رأوا أن رأيه صلى الله عليه وسلم أبرك وأنفع من رأيهم فرجعوا اليه وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده فلا ارتحلوا واستقبلوا قال قولوا آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون وقيل يا رسول الله ادع على ثقيف أهل الطائف فقال اللهم اهد ثقيفا وأئت بهم مسلمين ولعل صاحب الهمزية رحمه الله يشير إلى ذلك بقوله ** جهلت قومه عليه فأغضى ** وأخو الحلم دأبه الإغضاء ** ** وسع العالمين علما وحلما ** فهو بحر لم تعيه الأعباء **
أي آذاه صلى الله عليه وسلم قومه من قريش وغيرهم فأرخى جفنه حياء وصاحب عدم الانتقام شأنه إرخاء الجفن وسع علمه علوم العالمين من الإنس والجن والملك ووسع حلمه كل من صدر منه نقص فهو بسبب ذلك بحر واسع لم تتعبه الأحمال الثقيلة
ومن جملة من جرح سيدنا عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما رماه بسهم أبو محجن وطاوله ذلك الجرح إى أن مات به في خلافة أبيه ورثته زوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكان يحبها حبا شديدا مر عليه أبوه يوم جمعة وهو يلاعبها وقد صلى الناس فقال عبد الله او جمع الناس فسمعه أبوه فقال أشغلتك عن

الصلاة لا جرم لا تبرحن حتى تطلقها فطلقها ثم تعب عبد الله بسبب طلاقها فاطلع عليه ابوه يوما فسمعه يقول أبياتا من جملتها ** فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ** ولا مثلها في غير جرم تطلق **
فقال له يا عبد الله راجع عاتكة فقال لأبيه قف بمكانك وكان معه غلام مملوك له فقال الغلام انت حر لوجه الله اشهدا أني قد راجعت عاتكه فلما مات رضي الله تعالى عنه رثته بقولها في ابيات ** آليت لا تنفك عيني حزينة ** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا **
ثم تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فلما أعرس بها قال له علي كرم الله وجهه أتأذن لي أن أكلم عاتكة فقال لا غيرة عليك كلمها فقال لها علي كرم الله وجهه أنت القائلة البيت ** آليت لا تنفك عيني قريرة ** عليك ولا ينفك جلدي أصفرا **
قالت لما اقل هكذا وبكت وعادت الى حزنها فقال له عمر رضي الله تعالى عنه يا أبا الحسن إلا إفسادها علي فلما قتل عمر رضي الله تعالى عنه رثته بأبيات منها ** من لنفس عادها احزانها ** ولعين شفها طول السهد ** ** جسد لفف في أكفانه ** رحمة الله على ذال الجسد ** ** ثم تزوجها الزبير رضي الله تعالى عنه فلما قتل رثته بأبيات منها تخاطب قاتله ** ثكلتك امك أن قتلت لمسلما ** حلت عليك عقوبة المتعمد **
ثم خطبا سيدنا علي كرم الله وجهه فقالت له لم يبق للإسلام غيرك وأنا أنفس لك عن القتل ومن ثم قيل في حقها من أراد الشهادة فعليه بعاتكة
وعند منصرفه صلى الله عليه وسلم من ذلك أي وبينا هو يسير ليلا بواد بقربب الطائف إذ غشى سدرة في سواد الليل وهو في وسن النوم فانفرجت السدرة له نصفين فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نصفيها وبقيت منفرجة على حالها أي وعند انحداره صلى الله عليه وسلم الى الجعرانة لقيه سراقة وهو واضع الكتاب الذي كتبه له صلى الله عليه وسلم عند الهجرة بين أصبعيه وينادي أنا سراقة وهذا كتابي فقال صلى الله عليه وسلم هذا يوم وفاء ومودة أدنوه فأدنوه منه وساق اليه الصدقة

وسأله عن الضالة من الإبل ترد حوضه الذي ملأه لإبله هل له في ذلك من أجر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم في كل ذات كبد حراء أجر
وعند وصوله صلى الله عليه وسلم الى الجعرانة أحصى السبي فكان ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرين ألفا والغنم أكثر من أربعين ألفا وأربعة آلاف أوقية فضة
فأعطى صلى الله عليه وسلم للمؤلفة أي من أسلم من أهل مكة فكان أولهم أبا سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنه أعطاه اربعين أوقية ومائة من الإبل وقال ابني يزيد ويقال ويقال له يزيد الخير فأعطاه كذلك وقال ابني معاوية فأعطاه كذلك فأخذ ابو سفيان رضي الله تعالى عنه ثلثمائة من الإبل ومائة وعشرين أوقية من الفضة وقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله لأنت كريم في الحرب وفي السلم أي وفي لفظ لقد حاربتك فنعم المحارب كنت وقد سالمت فنعم المسالم أنت هذا غاية الكرم جزاك الله خيرا
وأعطى حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه مائة من الإبل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه إياها أي وفي الامتاع وسأله حكيم بن حزام مائة من الإبل فأعطاه ثم سأله مائة فأعطاه ثم سأله مائة فأعطاه وقال له يا حكيم هذا المال خضر حلو من أخذه بسخاوة نفس بورك ما فيه ومن أخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى فأخذ حكيم المائة الأولى وترك ما عداها أي وقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لا ارزا أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان ابو بكر رضي الله تعالى عنه يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم إن عمر رضي الله تعالى عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله فقال عمر يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبي أن يأخذه
وأعطى صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس مائة من الإبل واعطى عيينة مثله واعطى العباس بن مرداس أربعين من الإبل فقال في ذلك شعرا أي يعاتبه صلى الله عليه وسلم به حيث فضل الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن عليه وهو ** أتجعل نهبي ونهب العبي ** د يعني فرسه بين عيينة والأقرع ** ** وما كان حصن ولا حابس ** يفوقان مرداس في مجمع ** ** وما كنت دون امرئ منهم ** ومن تضع اليوم لا يرفع **
فأعطاه صلى الله عليه وسلم تمام المائة أي وفي رواية أنه قال اقطعوا عنى لسانه

وفي الكشاف أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أبا بكر اقطع لسانه عنى واعطه مائة من الإبل هذا كلامه وحينئذ يتوقف في قولهم فظن ناس أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يمثل به وفزع هو أيضا لذلك فأتى به الى الغنائم وقيل له خذ منها ما شئت فقال إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع لساني بالعطاء فكره أن يأخذ منها شيئا فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلة وفي رواية فأتم له رسول صلى الله عليه وسلم مائة وروى بدل فما كان حصن ولا حابس فما كان بدر ولا حابس وهو صحيح أيضا لأن بدرا جد حصن ابو ابيه فانتسب تارة الى ابيه حصن وتارة الى جد ابيه بدر فإن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ويروى بدل مرادس شيخي بالإفراد يعني والده ويروي بالتثنية يعني والده وجده
وفي كلام بعضهم كانت المؤلفة ثلاثة أصناف صنف يتألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا كصفوان بن أمية وصنف ليثبت إسلامهم كأبي سفيان بن حرب وصنف لدفع شرهم كعيينة بن حصن والعباس بن مرداس والأقرع بن حابس
لكن في رواية قيل يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة فقال أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة والأقرع ولكني تألفتهما ووكلت جعيل بن سراقة الى إسلامه وتقدم أن جعيلا هذا كان من فقراء المسلمين وكان رجلا صالحا دميما قبيحا وهو الذي تصور الشيطان بصورته يوم أحد وقال إن محمدا قد مات وجاء إني لأعطى الرجل وغيره أحب الى منه خشية أن يكب في النار على وجهه وقال صلى الله عليه وسلم إن من الناس ناسا نكلهم الى إيمانهم منهم فرات بن حبان وأعطى صفوان بن امية ما تقدم ذكره وهو جميع ما في الشعب من غنم وإبل وبقر وكان مملوءا وكان ذلك سببأ لإسلامه كما تقدم
أقول في كلام ابن الجوزي رحمه الله اعلم أن من المؤلفة قلوبهم أقواما تؤلفوا في بدء الاسلام ثم تمكن الإسلام في قلوبهم فخرجوا بذلك عن حد المؤلفة وإنما ذكرهم العلماء في المؤلفة اعتبارا ببداية أحوالهم وفيهم من لم يعلم منه حسن الإسلام والظاهر بقاؤه على حالة التأليف
ولا يمكن أن يفرق بين من حسن اسلامه وبين من لم يحسن اسلامه لجواز ان يكون

من ظننا به شر أنه على خلاف ذلك إذا الإنسان قد يتغير عن حاله ولا ينقل إلينا أمره فالواجب أن نظن بكل من نقل عنه الإسلام خيرا
وقد جاء عن انس رضي الله عنه قال كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم لشيء يعطاه من الدنيا فلا يمسى حتى يكون الإسلام أحب اليه من الدنيا وما فيها هذا كلام ابن الجوزي والعباس بن مرداس أسلم قبل الفتح بيسير وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية والله أعلم ولا زال صلى الله عليه وسلم يعطى الرجل ما بين مائة وخمسين من الإبل أي وذلك من الخمس كما سيأتي
ثم أمر صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت باحصاء الناس والغنائم أي ما بقي منها وهي الاربعة الأخماس الباقية بعد إعطاء من تقدم ما تقدم من الخمس وقسمتها عليهم أي بعد أن اجتمعوا اليه وصاروا يقولون يا رسول الله أقسم علينا حتى ألجئوه صلى الله عليه وسلم إلى شجرة فاختطفت رداءه فقال ردوا ردائي أيها الناس فو الله إن كان لي فيه شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كدودا ثم قام صلى الله عليه وسلم الى جنب بعيره فأخذ وبره من سنامه ثم رفعها ثم قال أيها الناس والله مالي من فيئكم أي غنيمتكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارا وشنارا ونارا يوم القيامة فجاء شخص من الأنصار بكبة من خيوط شعر وقال يا رسول الله أخذت هذه الكعبة أعمل بها بردعة بعير لي دبر فقال أما نصيبي منها فلك قال أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها وألقاها
ويروى أن عقيلا كان دفع لامرأته ابرة أخذها من الغنيمة أي فإنها قالت له إني قد علمت أنك قد قاتلت فماذا أصبت من الغنيمة فقال دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شيئا فليرده حتى الخيط والمخيط فرجع وأخذها منها وألقاها في الغنائم
وفي كلام السهيلي أن ابا جهم بن حذيفة العدوي كان على الأنفال يوم حنين فجاءه خالد بن البرصاء وأخذ من الأنفال زمام شعر فمانعه أبو جهم فلما تمانعا ضربه ابو جهم بالقوس فشجه منقلة فاستعدى عليه خالد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له خذ خمسين شاة ودعه فقال أقدني منه فقال خذ مائة ودعه فقال أقدني منه فقال

خذ خمسين ومائة ودعه ليس لك إلا ذلك ولا أقيدك من وال عليك فقومت المائة والخمسون بخمس عشرة فريضة من الإبل فمن هنا جعلت دية المنقلة خمس عشرة فريضة ولما قسم ما بقي خص كل رجل اربعا من الإبل واربعين شاة فإن كان فارسا أخذ ثنتي عشرة بعيرا وعشرين ومائة شاة وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم الا لفرس واحد ومن ثم لم يعط الزبير رضي الله عنه إلا فرس واحد وكان معه أفراس وبه أخذ إمامنا الشافعي رضي الله عنه فقال لا يعطي الا لفرس واحد وقال بعض المنافقين قيل وهو معتب هذه القسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغير وجهه الشريف أي حتى صار كالصرف بكسر الصاد المهملة وهو شيء أحمر يدبغ به الجلد وفي رواية فغضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا واحمر وجهه وقال من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحمة الله على أخي موسى عليه السلام لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر انتهى
ولعل من ذلك أن قارون ابن خالة موسى عليه السلام أو ابن عمه حمله البغي والشر على أن أحضر امرأة بغيا وجعل لها جعلا على أن ترمي موسى بنفسها واحضر بني اسرائيل واعلمهم بذلك ودعا موسى عليه السلام وقال له إن قومك اجتمعوا فاخرج اليهم لتأمرهم وتنهاهم فخرج عليه السلام إليهم وقال لهم يا بني اسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى محصنا رجمناه حتى يموت ومن زني وهو لم ينكح جلدناه مائة جلدة فقال له قارون وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا قال فإن بني اسرائيل زعموا أنك فجرت بفلانة فقال ادعها فإن قالت فهو كما قالت فأنت فقال موسى يا فلانة أنشدك بالذي أنزل التوراة أصدق قارون فقالت أما إذا أنشدتني فقد أشهد أنك برئ وأنك رسول الله وإن قارون جعل لي جعلا على أن أرميك بنفسي وجاءت بخريطتين فيهما دراهم عليهما ختمه وقالت للملأ إن قارون أعطاني هاتين وهذا ختمه وأعوذ بالله أن أفترى على الله فنظر القوم الى ختمه فعلموا صدقها فخر موسى ساجدا فأوحى الله اليه أن ارفع راسك فإني أمرت الأرض أن تطيعك فخسف به فهو يتجلجل في الأرض يخسف به في كل يوم مقدار قامة الى يوم القيامة
ولعل من ذلك أيضا ان بني اسرائيل قالوا لموسى عليه السلام إن طائفة تزعم أن الله لا يكلمك فخذ منا من يذهب معك ليسمعوا كلامه تعالى فيؤمنوا فأوحى الله لموسى عليه

السلام أن اختر سبعين من خيارهم واصعد بهم الجبل انت وهارون واستخلف يوشع ففعل فلما سمعوا كلامه سبحانه سالوه أن يريهم الله جهرة
ومن ذلك نسبته الى أنه قتل أخاه هرون عليهما السلام كما تقدم أي وقيل إن قائل هذه القسمة ما عدل فيها ذو الخويصرة التميمي وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد فقد جاء أن ذا الخويصرة التميمي وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد قد رايت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون فقال عمر رضي الله عنه ألا نقتله قيل وقال خالد بن الوليد رضي الله عنه ألا أضرب عنقه
قال الإمام النووي رحمه الله ولا تعارض لان كل واحد منها استأذن فيه أي ففي مسلم فقام اليه عمر رضي الله عنه فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا ثم أدبر فقام إليه خالد رضي الله عنه فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا لعله أن يكون يصلي قال خالد رضي الله عنه وكم مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله صلى ا 4 لله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم
وفي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث علي كرم الله وجهه وهو ياليمن بذهبه في تربتها أي لم تخلص من ترابها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اربعة نفر الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وعلقمة ابن علاثة وزيد الخير فغضب قريش فقالوا يعطي صناديد نجد ويدعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم فجاء رجل فقال اتق الله يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله إن عصيته يأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني وفي رواية ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء فجاء رجل فقال ما تقدم فقاله له ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله
ولعل هذه القسمة غير قسمة غنائم حنين وإن الرجل الذي قال له ما ذكر يحتمل أن يكون واحدا منهما أو من شيعة ذلك الرجل الذي قال له في أحدهما
وذكر بعضهم ان ذا الخويصرة اصل الخوراج وانه صلى الله عليه وسلم قال دعوه

فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية وفي رواية قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله دعني فأقتل هذا المنافق فقال معاذ الله أن يتحدث الناس إني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه أي جماعة يخرجون من صلبه فهو اصل الخوراج يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم وفي لفظ تراقيهم لا تفقهه قلوبهم ليس لهم حظ منه إلا تلاوة الفم وإنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود أي قتلا متأصلا لعامتهم وفي رواية إذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم اجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة وبهذا استدل من يقول بجواز قتل الخوارج وقد قاتلهم علي كرم الله وجهه وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الخوارج أهم كفار فقال من الكفر فروا فقيل أمنافقون فقال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرون الله كثيرا فقيل ما هم فقال اصابتهم فتنة فعموا وصموا فلم يجعلهم صلى الله عليه وسلم كفارا لأنهم تعلقوا بضرب من التأويل
وحنيئذ يكون المراد بالدين وفي وصفهم بالمروق من الدين الطاعة لا الملة ويبعده رواية بدل الإيمان الإسلام وكان مصداق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذا الخويصرة خرج منه حرقوص المعروف بذي الثدية وهو أول من بويع من الخوراج بالأمانة
والخوارج قوم يكفرون مرتكب الكبيرة ويحكمون بحبوط عمل مرتكبها وتخليده في النار ويحكمون بأن دار الإسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار الكفر ولا يصلون جماعة
وسبب مقاتلة سيدنا على كرم الله وجهه لهم أنهم نقموا عليه التحكيم الذي وقع بينه وبين معاوية في صفين وقالوا لا حكم الا الله وأنت كفرت حيث حكمت الحكمين فإن شهدت على نفسك أنك كفرت فيما كان من تحكميك الحكمين واستأنفت التوبة والإيمان نظرنا فيما سألتنا من الرجوع اليك وإن تكن الأخرى فإنا ننابذك على سواء إن الله لا يهدي كيد الخائنين فلما أيس من رجوعهم اليه قاتلهم وحرقوص هذا اول ما رق من الدين وكان رجلا اسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم إن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على راس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض


ولما قاتلهم علي كرم الله وجهه وقتل غالبهم التمس ذلك الرجل فأتى به فإذا هو له ثدي كثدي المرأة وفي رواية التمسوه في القتلى فلم يجدوه فقام علي كرم الله وجهه بنفسه فطاف في القتلى فأخرجوه من بينهم فكبر علي كرم الله وجهه ثم قال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول إن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض فقام اليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له
وعن ألي سعيد الخدري رضي الله عنه لما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجدوا في أنفسهم أي غضبوا حتى كثرت منهم القالة أي وهي القول الردئ أي حتى قال بعضهم إن هذا لهو العجب يعطي قريشا وفي لفظ الأفغء والمهاجرين ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم أي إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دماء قريش وإن غنائمنا ترد عليهم وفي راوية إذا كانت شديدة ندعى إليها ويعطى الغنيمة غيرنا وفي رواية سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم فإن كان من أمر الله صبرنا وإن كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبناه فدخل عليه سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم أي غضبوا لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء قال فاين أنت من ذلك يا سعد فقال يا رسول الله ما أنا إلا من قومي قال فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة أي وهي قبة من أدم أي وفي كلام بعضهم أن الحظيرة الزريبة التي تجعل للإبل والغنم من الشجر لتقيها من البرد والريح ولعل هذا باعتبار الأصل فلا مخالفة فلما اجتمعوا له أتى سعد اليه صلى الله عليه وسلم فقال اجتمع لك هذا الحي من الأنصار فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فقال لهم أفيكم احد من غيركم قالوا لا إلا ابن أخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابن أخت القوم منهم وفي رواية قال من كان ههنا من غير الأنصار فليرجع الى رحله وذكر بعضهم أن سبب إيراد ابن اخت القوم منهم أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه اجمع لي من هنا من قريش فجمعهم

له ثم قال تخرج اليهم ام يدخلون قال أخرج فخرج صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش هل فيكم من غيركم قالوا لا إلا ابن اختنا فذكره ثم قال يا معشر قريش إن أولى الناس المتقون فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي انتهى
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال يا معشر الأنصار ما مقاله بلغتني عنكم وجدة وجدتموها على في أنفسكم والمقالة كما علمت الكلام الردئ والجدة الغضب والمعروف أنه الموجودة ومن ثم قال بعضهم الجدة في المال والموجدة في الغضب ألم آتكم ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغنا كم الله بي واعداء فألف بين قلوبكم أي وفي لفظ وكنتم متفارقين فجمعكم الله وفي لفظ يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء انصار الله وانصار رسوله قالوا بلى الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال صلى الله عليه وسلم ألا تجييوني يا معشر الانصار قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله لله ولرسوله المنة والفضل أي وفي لفظ قالوا يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك الى النور ووجدتنا على شفا جرف من النار فأنقذنا الله بك ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فافعل ما شئت فأنت يا رسول الله في حل قال إذن والله لو شئتم لقلتم فصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فأويناك وعائلا فأغنيناك أي وخائفا فأمناك أوي أي إن كان متعديا كما هنا فالأفصح المد وإن كان قاصرا فالأفصح القصر قال تعالى وأويناهما الى ربوة وقال تعالى إذ أوى الفتيه الى الكهف قال فقال الانصار المن لله ورسوله والفضل علينا وعلى غيرنا فقال ما حديث بلغني عنكم فسكتوا فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم أي وفي رواية ما الذي بلغني عنكم قالوا هو الذي بلغك لأنهم لا يكذبون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعطي رجالا حديثو عهد بكفر أتألفهم أه أي وفي رواية إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة وإني اردت أن اجبرهم وأتالفهم أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لغاغة بضم اللام وغينين معجمتين أي شيء قليل من الدنيا ألفت بها

قوما ليسلموا أي ليحسن إسلامهم ويسلم غيرهم تبعالهم ووكلتكم إلى إسلامكم الثابت الذي لا يزلزل ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار أي لانتسبت الى المدينة ولو سلك الناش شعبا أي بكسر الشين المعجمة وهو ما انفرج بن جبلين وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الانصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وفي لفظ فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا أي وقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي ليس من المن المذموم في قوله صلى الله عليه وسلم آفة السماحة المن بل هو من التذكير بنعمة الله لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار ألا تجيبوني الخ فليتأميل أي وقد جاء في مدح الأنصار اللهم اغفر للأنصار وأبناء ولأزواج الأنصار ولذرارى الأنصار الأنصار كرشي وعيبتي وإن الناس يكثرون ويقلون فاقبلوا من محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم وفي لفظ آخر اللهم صل على الانصار وعلى ذرية الأنصار وعلى ذرية ذرية الأنصار وقال للأنصار أنتم شعار والناس دثار أي والشعار الثوب الذي يلي الجسد والدثار الثوب الذي يكون فوق ذلك الثوي فهم ألصق به وأقرب اليه صلى الله عليه وسلم من غيرهم وقال الأنصار حبهم إيمان وبغضهم نفاق اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار ولنساء الانصار ولنساء أبناء الانصار ولنساء أبناء أبناء الأنصار وفي لفظ اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم ولمواليهم ولجيرانهم لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وقال تؤذوا الأنصار فمن أذاهم فقد آذاني ومن نصرهم فقد نصرني ومن أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد ابغضني ومن بغى غليهم فقد بغي على ومن قضى لهم حاجة كنت في حاجته يوم القيامة أسرع إن الله اختار دارهم لإعزاز دينه واختارهم لنبيه انصارا وقال صلى الله عليه وسلم حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق وقال في الأنصار لا يحبهم الا مؤمن ولا يبغضهم الا منافق من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله وقال لهم اللهم أنتم أحب الناس إلى قالها ثلاثا وقال حسان رضي الله عنه في مدح الانصار ** سماهم الله أنصارا بنصرهم ** دين الهدى وعوان الحرب تستعر ** ** وسارعوا في سبيل الله واعترفوا ** للنائبات وما خافوا وما ضجروا **

انتهى


أي وقد وقع له صلى الله عليه وسلم نظير ذلك فعن عمرو بن ثعلبة أنه صلى الله عليه وسلم سبى فاعطى قوما ومنع قوما وقال إنا لنعطي قوما نخشى هلعهم وجزعهم ونكل قوما الى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن ثعلبة فكان عمرو رضي الله عنه يقول ما يسرني أن لي بها حمر النعم
ولما أسرت اخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة الشماء بشين معجمة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وميم بمدة ويقال الشماء بغير ياء واختلف في اسمها صارت تقول والله إني أخت صاحبكم ولا يصدقوها فأخذها طائفة من الأنصار حتى أتوابها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا محمد إني أختك قال وما علامة ذلك الحديث ثم قال لها ارجعي الى الجعرانة تكونين مع قومك فإني أمضي الى الطائف فرجعت الى الجعرانة فلما قدم صلى الله عليه وسلم الجعرانة جاءته فقالت يا رسول الله إني أختك أي وأنشدته أبياتا قال وما علامة ذلك بكسر الكاف لأنه خطاب لمؤنث قالت عضة عضضتنيها في ظهري وفي رواية ي وجهي وفي رواية في إبهامي وأنا متوركتك فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة 2 وفيرواية قال لها إن تكوني صادقة فإن بك منى أثرا لن يبلى فكشفت عن عضدها ثم قالت نعم يا رسول الله حملتك وانت صغير فعضضتني هذه العضة فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فليتأمل وعند ذلك قام صلى الله عليه وسلم لها قائما وبسط لها رداءه وأجلسها عليه أي ودمعت عيناه وسألها عن أمه وأبيه فأخبرته بموتهما أي وقال لها سلى تعطى واشفعي تشفعي فاستوهبته السبى لرجونا أن يحابينا فاتته فقالت أتعرفني قال ما أنكرك فمن أنت قالت أنا اختك بنت أبي ذؤيب وآية ذلك أني حملتك ذات يوم فعضضت كتفي عضة شديدة هذا أثرها فرحب بها ثم استوهبته السبي وهم ستة آلاف فوهبه لها فما عرفت مكة مثلها ولا امرأة هي أيمن على على قومها منها وخيرها صلى الله عليه وسلم وقال إن أحببت فعندي محببة مكرمة وإن أحبتت أمتعتك وترجعى الى قومك قالت بلى تمتعني وتردني الى قومي فأعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية وقيل بل أعطاها ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء وقيل إن القادمة عليه صلى الله عليه وسلم أمه من الرضاع التي هي حليمة وتقدم الكلام عن ذلك


قال بعضهم وهذا العطاء الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من قريش إنما كان من خمس الخمس الذي هو سهمه صلى الله عليه وسلم لا من أربعة أخماس الغنيمة وإلا لاستأذن الغانمين في ذلك لأنهم ملكوها بحوزهم لها
ثم قدم صلى الله عليه وسلم وفد هوازن وهم أربعة عشر رجلا مسلمين ورأسهم زهير ابن صرد وفي لفظ يكنى بأبي صرد وأبو برقان بالموحدة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أي فقالوا يا رسول الله إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك وفي رواية قالوا يا رسول الله إن فيمن أصبتهم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازى الأقوام ونرغب إلى الله وإليك يا رسول الله وقال زهير يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك أي لأن مرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة كانت من هوازن أي وقال له أيضا ولو ملحنا أي أرضعنا للحارث بن أبي شمر أي ملك الشام أو للنعمان بن المنذر أي ملك العراق ثم نزل منا بمثل ما نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين وأنشده أبياتا يستعطفه صلى الله عليه وسلم بها منها ** أمنن علينا رسول الله في كرم ** فإنك المرء نرجوه ونتظر ** ** أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ** إذ فوك مملوءة من مخضها الدرر **
أي الدفعات الكثيرة من اللبن إنا لنشكر للنعماء إن كفرت أي جحدت وفي لفظ ** إنا لنشكرآلاء وإن كفرت ** وعندنا بعد هذا يوم مدخر ** ** إنا نؤمل عفوا منك نلبسه ** هدى البرية أن تعفوا وتنتصر ** ** فألبس العفو من قد كنت ترضعه ** من أمهاتك إن العفو مشتهر **
فقال صلى الله عليه وسلم إن أحسن الحديث أصدقه أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم أي وفي لفظ البخاري أحب الحديث الى اصدقه فاختاروا إحدى الطائفين إما السبي وإما المال وفي رواية وقد كنت أستأنيت بكم حتى ظننت انكم لا تقدمون أي لأنه صلى الله عليه وسلم انتظرهم بعد أن قفل من الطائف بضع عشرة وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم قد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحب اليكم أطلب لكم السبي أم الاموال وإنما قال صلى الله عليه وسلم قد وقعت المقاسم أي لأنه لا يجوز للإمام ان يمن على الأسرى بعد القسم وإنما يمن عليهم

قبله كما وقع له صلى الله عليه وسلم في يهود خيبر ولا يخفى ان هذا في الرجال دون الذراري فقالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئا أردد علينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب الينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير فقال صلى الله عليه وسلم أما مالي ولبني عبد المطلب فهو لكم أي وقال لهم فإذا أنا صليت الظهر بالناس فقوموا إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم الى المسلمين وبالمسلمين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبنائنا ونسائنا أي بعد أن قال لهم صلى الله عليه وسلم أظهروا إسلامكم وقولوا نحن أخوانكم في الدين فاسأل كلم الناس فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد أن اثنى على الله بما هو أهله ثم قال اما بعد فإن اخوانكم هؤلاء جاءوا تائبين وإني قد رأيت أن ارد اليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب بذلك فليفعل ومن أحب منك أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفئ الله علينا فيلفعل كذا في البخاري
وفي لفظ انه صلى الله عليه وسلم قاله وأما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي اسبيه
وفي رواية فمن أحب منكم أن يعطي غيره مكره فيلفعل ومن كره ان يعطى ويأخذ الفداء فعلى فداؤهم ثم قال صلى الله عليه وسلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو كلم فقال المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الاقرع بن حابس أما أنا بنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بن سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس بن مرداس وهنتموني أي أضعفتموني حيث صيرتموني منفردا
وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم جاءوا مسلمين وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالابناء والنساء شيئا فمن كان عنده من النساء سبى فطابت نفسه أن يرده فليرده ومن أبى فليرد عليهم ذلك قرضا علينا بكل إنسان ست فرائض من أول ما يفئ الله علينا قالوا رضينا وسلمنا فردوا عليهم نساؤهم وابنائهم ولما فرق صلى الله عليه وسلم النساء نادى مناديه ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا غير الحبالي حتى يستبرئن بحيضة


وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال اصبنا سبايا يوم حنين فكنا نلتمس فداءهن فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال اصنعوا ما بدا لكم فما قضى الله فهو كائن وليس من كل الماء يكون الولد قال ابو سعيد الخدري رضي الله عنه وكانت اليهود تزعم أن العزل الموءودة الصغرى فقال رسول الله كذبت اليهود ولو أراد الله ان يخلقه لا يستطع أحد أن يصرفه وجاء لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا وقد جاء في الحديث ما قالت اليهود ففي مسلم وابن ماجه العزل الوأد الخفي أي لأن التحرز عن الولد بالعزل كدفته حيا فليتأمل وقد مر الكلام على ذلك مبسوطا
والفريضة البعير الذي يؤخذ في الزكاة لأنه فرض وواجب على رب المال والى عفوه صلى الله عليه وسلم عن هوازن أشار صحاب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** من فضلا على هوازن إذ ** كان له قبل ذاك فيهم رباء ** ** وأتى السبي فيه أخت الرضاع ** وضع الكفر قدرها والسباء ** ** فحباها برا توهمت النا ** س به أنما السباء هداء ** ** بسط المصطفى لها من رداء ** أي فضل حواه ذاك الرداء ** ** فغدت فيه وهي سيدة النس ** وة والسيدات فيه إماء **
أي اعتق صلى الله عليه وسلم هوازن قبيلة أمه من الرضاعة التي هي حليمة السعدية وكانوا ستة آلاف أدمي وإنما اعتقهم لأجل انه كان له وهو طفل فيهم رباء بفتح الراء والمد أي تربيته فيهم ولأجل أن أخته من الرضاعة أتت في ذلك السبي وتلك الأخت صغر كفرها وسباؤها قدرها الرفيع بأخوته صلى الله عليه وسلم فأعطاها برا وفعل معها معروفا حتى وقع في وهم الحاضرين بسبب ذلك أن سباءها هداء لها بكسر الهاء كالعروس التي تهدى لزوجها ومن بره صلى الله عليه وسلم لها أنه بسط لها رداءه لتجلس عليه أي شرف لذلك الرداء شرف عظيم لا غاية له بسبب مماسته لجسده الشريف فصارت في ذلك السبي سيدة من فيه من النساء وصار السيدات التي فيه بالنسبة اليها إماء وبمثل الجمع بين كون اخته المذكورة هي الشافعة في السبي وقبلت شفاعتها وبين كون السائل فيهم هوازن والأصل اقتصر على سؤال الوفد ورد جميع السبي ولم يتخلف عنه احد الا عجوز من عجائزهم كانت عند عيينة بن حصن أبي ان يردها وقال حين

أخذها أرى عجوزا إني لأحسب أن لها في الحي نسبا وعسى أن يعظم فداؤها ثم ردها بعد ذلك بعشر من الإبل وقيل بست أخذ ذلك من ولدها بعد أن ساومه فيها مائة من الإبل وقال له ولدها والله ماثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا فوها ببارد ولا صاحبها بواجد أي بحزين لفراقها ولا درها بناكد بالنون أي غزير وهو من الأضداد وقيل قائل ذلك له زهير
وقد يقال لا مخالفة لجواز أن زهيرا هو ولدها فقال عيينة خذاها لا بارك الله لك فيها قال وذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم دعا على من أبي أن يرد من السبى شيئا أن يبخس أي يكسد فإن ولدها دفع له فيها مائة من الإبل فابي ثم غاب عنه ثم مر عليه معرضا عنه فقال خذها بالمائة فقال لا أدفع الا خمسين فابى فغاب عنه ثم مر عليه معرضا عنه فقال خذها بخمسين فقال لا ادفع الاخمسة وعشرين فأبى فغاب عنه ثم مر عليه معرضا عنه فقال خذها بالخمس والعشرين فقال لا آخذها إلا بعشرة وفي رواية الا بسته فقال له ما تقدم ولما أخذها ولدها قال لعيينة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسا السبي قبطية قبطية فقال لا والله ما ذاك لها عندي فما فارقها حتى أخذ لها منه ثوبا والقبطية بضم القاف وهو ثوب ابيض من ثياب مصر منسوب للقبط وهم أهل مصر وضم القاف من التغيير في النسب
أي وفي كلام بعضهم وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقدم مكة فيشتري للسبي ثياب المتعة فلا يخرج الحر منهم الا كاسيا قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبس أهل مالك بن عوف النضري بمكة عند عمتهم أم عبد الله بن أبي امية وكلمة الوفد في ذلك فقالوا يا رسول الله أولئك سادتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أريد بهم الخير ولم يجز أن تجري السهمان في مال مالك بن عوف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف قالوا يا رسول الله إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل فلما بلغ مالكا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه وان ماله وأهله موفور وما وعده به نزل من الحصن مستخفيا خوفا أن تحبسه ثقيف إذا علموا الحال وركب فرسه وركضه حتى أتى الدهناء محلا معروفا ركب راحلته ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه

بالجعرانة وأسلم ورد عليه أهله وماله واستعمله صلى الله عليه وسلم عى من اسلم من هوازن فكان لا يقدر على سرح ثقيف إلا أخذه ولا رحل الا ميله وكان رضي الله عنه يرسل بالخمس مما يغنم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أ هـ
أي وجاء اعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المحل الذي هو الجعرانة وهو المراد بقول بعضهم وهو بحنين لأن المراد منصرفه من غزوة حنين وعلى ذلك الأعرابي جبه وهو متضمخ بخلوق أي مصفر لحيته ورأسه وقد أحرم بعمرة فقال أفتني يا رسول الله وفي رواية قال له كيف ترى في رجل في رجل أحرم في جبة ما تضمخ بطيب فسكت ساعة ثم نزل عليه الوحي فلما سرى عنه قال أين السائل عن العمرة أخلع عنك الجبة واغسل عنك أثر الخلوق وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجك قال كنت أنزع هذه الجبة وأغسل هذه الخلوق فقال صلى الله عليه وسلم اصنع في عمرتك ما كنت صانعا في حجك واستند لذلك من يقول بحرمة التطيب قبل الإحرام بما يبقى عند الإحرام والراجح عند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه استحباب ذلك
وجاءه رجل فوقف على رأسه الشريف فقال يا رسول الله إن لى عندك موعدا فقال له صدقت فاحتكم فقال أحتكم ثمانين ضائنة وراعيها فقال هي لك ولقد احتكمت يسيرا ولصاحبة موسى عليه الصلاة والسلام التى دلته على عظام يوسف عليه الصلاة والسلام كانت احزم حكما منك حين حكمها أن تردنى شابة وأدل معك الجنة كذا ذكره الغزالي رحمه اللله قال السخاوى وهذا أخرجه ابن حبان والحاكم وصحح إسناده وفيه نظر كما قال العراقى وهذا أصل في عدم إخلاف الوعد بالخير
ونقل الإمام النووي رحمه الله ان جماعة ذهبوا الى وجوب الوفاء بذلك ووجهه السبكي رحمه الله بأن اخلاف الوعد كذب والكذب حرام وترك الحرام واجب
وذكر الغزالي رحمه الله أن خلاف الوعد لا يكون كذبا الا إذا عزم حين الوعد على عدم الوفاء
أي ويدل لذلك ما جاء عن عبد الله بن ربيعة قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الى

بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت لألعب فقالت أمي يا عبدالله تعال أعطك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اردت أن تعطيه قالت أردت أن أعطيه تمرا قال لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة
وأحرم صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ودخل مكة ليلا واستمر يلبي حتى استلم الحجر ثم رجع من ليلته واصبح بها كبائت وفي لفظ اصبح بمكة كبائت وفيه نظر ولم يسق هديا في هذه العمرة وحلق راسه وكان الحالق رأسه الشرف ابا هند الحجام وقيل أبو خراش بن أمية الذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم في الحديبية وأتى بأعمال العمرة بعد أن أقام بالجعرانة ثلاثة عشرة ليلة وقال اعتمر منها سبعون نبيا

غزوة تبوك
بعدم الصرف للعلمية والتأنيث ووقع في البخاري صرفها نظرا للموضع أي ويقال لها غزوة العسيرة ويقال لها الفاضحة لأنها أظهرت حال كثير من المنافقين
ففي شهر رجب سنة تسع أي بلا خلاف ووقع في البخاري أنها كانت بعد حجة الوداع قيل وهو غلط من النساخ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وانهم قدموا مقدماتهم الى البلقاء المحل المعروف
أي وذكر بعضهم ان سبب ذلك ان متنصرة العرب كتبت الى هرقل إن هذا الرجل الذي قدخرج يدعى النبوة هلك واصابت اصحابه سنون أهلكت أموالهم فبعث رجلا من عظمائهم وجهز معه أربعين ألفا أي ولم يكن لذلك حقيقة أي وإنما ذلك شيء قيل لمن يبلغ ذلك للمسلمين ليرجف به وكان ذلك في عسرة في الناس وجدب في البلاد أي وشدة من نحو الحر وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم أي وكونه عند طيب الثمار يؤيد قول عروة بن الزبير إن خروجه صلى الله عليه وسلم لتبوك كان في زمن الخريف ولا ينافي ذلك وجود الحر في ذلك الزمن لأن اوائل الخريف وهو الميزان يكون فيه الحر وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها وورى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك لبعد المشقة وشدة الزمن أي وكثرة العدو وليأخذ الناس أهبتهم وأمر الناس بالجهاز أي وبعث إلى مكة وقبائل العرب ليستنفرهم وحض أهل الغنى على النفقة والحمل في سبيل الله

أي أكد عليهم في طلب ذلك وهي آخر عزواته صلى الله عليه وسلم وأنفق عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها قال فإنه جهز عشرة الآلف أنفق عليها عشرة آلاف دينار غير الإبل والخيل وهي تسعمائة بعير ومائة فرس والزاد وما يتعلق بذلك حتى ما تربط به الأسقية
أي وفي كلام بعضهم أنه أعطى ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وخمسين فرسا وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم اللهم أرض عن عثمان فإني عنه راض
أي وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل الى أن طلع الفجر رافعا يديه الكريمتين يدعو لعثمان بن عفان يقول اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال سالت ربي ان لا يدخل النار من صاهرته أو صاهرني
وجاء رضي الله تعالى عنه بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها بيديه ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم يرددها مرارا أ هـ
وفي رواية جاء بعشرة آلاف دينار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبت بين يديه فجعل صلى الله عليه وسلم يقول بيديه ويقلبها ظهرا لبطن ويقول غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن الى يوم القيامة ما يبالي ما عمل بعدها أي ولعل هذه العشرة آلالاف هي التي جهز بها العشرة آلاف إنسان وإنها أي العشرة غير الألف التي صبها في حجره صلى الله عليه وسلم
وأنفق غير عثمان أيضا من أهل الغنى قال وكان أول من جاء بالنفقة ابو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه جاء بجميع ماله أربعة الاف درهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئا قال أبقيت لهم الله ورسوله وجاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بنصف ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئا قال النصف الثاني وجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه بمائة أوقية أي ومن ثم قيل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما كانا خزنتين من خزائن الله في الأرض ينفقان في طاعة الله تعالى وجاء العباس رضي الله تعالى عنه بمال كثير وكذا طلحة رضي الله تعالى عنه وبعثت النساء رضي الله تعالى عنهن بكل

ما يقدرن عليه من خليهن وتصدق عاصم بن عدي رضي الله تعالى عنه بسبعين وسقا من تمر أ هـمعناه صلى الله عليه وسلم جمع أي سبعة أنفس من فقهاء الصحابة يتحملونه أي يسألونه أن يحملهم فقال صلى الله عليه وسلم لا أجد ما احملكم به وعند ذلك تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون أي ما يحملهم ومن ثم قيل لهم البكاءون ومنهم العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه ولم يذكره القاضي البيضاوي في السبعة وحمل العباس رضي الله تعالى عنه منهم اثنين وحمل منهم عثمان رضي الله تعالى عنه بعد الجيش الذي جهز ثلاثة أي وحمل يا ميز بن عمرو النضري اثنين دفع لهما ناضحا له وزود كل واحد منهما صاعين من تمر وعدهم مغلطاي ثمانية عشر
وفي البخاري عن أبي موسى الاشعري قال أرسلني اصحابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان لهم فقلت يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني اليك لتحملهم فقال والله لا أحملكم عى شي وفي رواية والله لا أحملكم ولا أجد ما أحملكم عليه فرجعت حزينا الى اصحابي من منع النبي ومن مخافة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه حيث حلف على أن لا يحملهم قال فرجعت الى اصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فلم ألبث الا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي اين عبد الله ابن قيس فأجبته قال أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فلما أتيته قال خذ هذه الستة أبعرة فانطلق بها الى اصحابك زاد بعضهم فعند ذلك قال بعضهم لبعض إغلقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حملناه على يمين الغلق وقد حلف أن لا يحملنا ثم حملنا فو الله لا بارك لنا في ذلك فاتوه فذكروه فقال عليه الصلاة السلام أنا ما حملتكم الله حملكم ثم قال إني لا أحلف يمينا فارى غيرها خيرا منا إلا كفرت عن يمني وأتيت الذي هو خير أي فهو صلى الله عليه وسلم إنما حلف أن لا يتكلف لهؤلاء حملا بقرض ونحوه ما دام لا يجد لهم حملا فلا حنث وفيه أن هذا لا يناسب قوله إني لا أحلف الى آخره
وأجيب بأن هذه استثبات قاعدة لا تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حنث في يمينة بل خرج الكلام على تقدير كأنه قال لو حنثت في يمني حيث كان الحنث خيرا وكفرت عنها لكان ذلك شرعا واسعا بل ندبا راجحا ويؤيده أنه لم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن هذه اليمين وحينئذ يحتاج الى الجمع بين هذا وما قبله


وقد يقال إن حمل العباس رضي الله تعالى عنه اثنين منهم الى آخره كان قبل وجود هذه الأبعرة الستة أو يدعي أن هؤلاء غير من تقدم
فلما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار بالناس وهم ثلاثون ألفا أي وقيل أربعون ألفا وقيل سبعون ألفا وكانت الخيل عشرة آلاف فرس وقيل بزيادة ألفين
وخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله تعالى عنه على ما هو المشهور وقال الحافظ الدمياطي رحمه الله وهو أثبت عندنا وقيل سباع بن عرفطة أي وقيل ابن ام مكتوم وقيل علي بن ابي طالب قال ابن عبد البر وهو الأثبت هذا كلامه
وفي كلام ابن اسحاق وخلف عليا كرم الله وجهه على أهله وأمره بالإقامة فيهم وتخلف عنه عبد الله بن أبي ابن سلول ومن كان من المنافقين بعد أن خرج بهم وعسكر عبد الله بن أبي على ثنية الوداع أي أسفل منها لأن معسكره صلى الله عليه وسلم كان على ثنية الوداع وكان عسكر بعد الله بن ابي اسفل منه قال ابن اسحق رحمه اله وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين أي والتعبير عن ذلك بالزعم واضح لأنه يبعد أن يكون عسكر عبد الله مساويا لعسكره صلى الله عليه وسلم فضلا عن كونه أكثر منه فليتأمل وقال عند تخلفه يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد أي مالا طاقة له به يحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب والله لكأني انظر الى اصحابه مقرنين في الحبال يقول ذلك إرحامأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه أي وقيل للروم بنو الاصفر لأنهم ولد روم بن العيص بن إسحاق نبي الله عليه السلام وكان يسمى الأصفر لصفرة به
فقد ذكر العلماء باخبار القدماء ان العيص تزوج بنت عمه اسماعيل فولدت له الروم وكان به صفرة فقيل له الأصفر وقيل الصفرة كانت بأبيه العيص
ولما ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثنية الوداع متوجها الى تبوك عقد الألوية والرايات فدفع لواءه الأعظم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ورايته صلى الله عليه وسلم العظمى للزبير رضي الله عنه ودفع راية الأوس لأسيد بن حضير رضي الله عنه وراية الخزرج الى الحباب بن المنذر رضي الله عنه ودفع لكل بطن من الأنصار ومن قبائل العرب لواء وراية أي لبعضهم راية ولبعضهم لواء وكان قد اجتمع جمع من المنافقين أي في بيت سويلم اليهودي فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر

أي وهم الروك كقتال العرب بعضهم بعضا والله لكانهم يعني الصحابة غدا مقرنون في الحبال يقولون ذلك ارجافا وترهيبا للمؤمنين والجلاد الضرب بالسيوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك لعمار بن ياسر رضي الله عنه أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا فإن أنكروا فقل بل قلتم كذا وكذا فانطلق اليهم عمار فقال لهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون اليه وقالوا إنما كان نخوض ونلعب فانزل الله تعالى { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } وقال صلى الله عليه وسلم للجد بن قيس يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر قال يا رسول الله أو تأذن لي أي في التخلف ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الاصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد أذنت لك فانزل الله تعالى { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني } الآية وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال اغزوا تبوك تغنموا بنات بني الأصفر نساء الروم فقال قوم من المنافقين ائذن لنا ولا تفتنا فأنزل الله تعالى الآية { ألا في الفتنة سقطوا } أي التي هي التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة عنه
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال للجد بن قيس يا أبا قيس هل لك أن تخرج معنا لعلك تحقب أي تردف خلفك من بنات بني الأصفر فقال ما تقدم وعند ذلك لامه ولده عبد الله رضي الله عنه وقال له والله ما يمنعك الا النفاق وسينزل الله فيك قرآنا فأخذ نعله وضرب به وجه ولده فلما نزلت الآية قال له ألم أقل لك فقال له اسكت يالكع فوالله لأنت أشدعلي من محمد وفي رواية أن الجد بن قيس لما امتنع واعتذر بما تقدم قال للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن أعينك بمالي فانزل الله تعالى { قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم } وتقدم أنه لم يبايع بيعة الرضوان وتقدم أنه تاب من النفاق وحسنت توبته وأنه صلى الله عليه وسلم قال لبني ساعدة من سيدكم فقالوا الجد بن قيس على بخل فيه فقال واي داء أدوأ من البخل قالوا يا رسول الله من سيدنا فقال بشر بن البراء بن معرور وفي رواية سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح وذكر ابن عبد البر ان النفس أميل الى الأول ومات الجد بن قيس في خلافة عثمان رضي الله عنه وقال بعض المنافقين لبعض لا تنفروا في الحر فأنزل الله تعالى { قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون } أي يعلمون { وجاء المعذرون } أي وهم الضعفاء والمقلون من

الاعراب ليؤذن لهم في التخلف فأذن لهم وكانوا اثنين وثمانين رجلا وقعد أخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة جراءة على الله ورسوله وقد عناهم الله تعالى بقوله وقعد الذي كذبوا الله ورسوله
قال السهيلي وأهل التفسير يقولون إن آخر براة نزل قبل أولها وإن أول ما نزل منها { انفروا خفافا وثقالا } قيل معناه شبابا وشيوخا وقيل أغنياء وفقراء وقيل أصحاب شغل وغيرذي شغل وقيل ركبانا ورجالة ثم نزل أولها في نبذ كل ذي عهد الى صاحبه كما تقدم
وتخلف جمع من المسلمين منهم كعب بن مالك وهلال بن امية ومرارة بن الربيع من غير عذر وكانوا ممن لا ينهم في إسلامه
ولما خلف صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه ارجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وحين قيل فيه ذلك أخذ علي كرم الله وجهه سلاحه ثم خرج حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون أنك ما خلفتني إلا استثقلتني وتخففت مني فقال كذبوا ولكنني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في اهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي ان تكون مني بمنزلة هرون من وموسى إلا أنه لا بنى بعدي أي فإن موسى عليه السلام حين توجه الى ميقات ربه استخلف هرون عليه السلام في قومه فرجع علي الى المدينة
وعن علي كرم الله وجهه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة وخلف جعفرا في أهله فقال جعفر والله لا أتخلف عنك فخلفني فقلت يا رسول الله اتخلفني الى شيء تقول قريش أليس يقولون ما اسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه وأخرى ابتغى الفضل من الله لأني سمعت الله يقول ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار الآية فقال اما قولك ان تقول قريش ما اسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه فقد قالوا إني سامر وإني كاهن وغي كذاب وأما قولك تبتغي الفضل من الله فلك أبي أسوة أي حيث تخلفت عن بعض مواطن القتال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى عليهما السلام أي ولم يتخلف عنه علي كرم الله وجهه في مشهد من المشاهد الا في هذه الغزوة
وادعت الرافضة والشيعة ان هذه من النص التفصيلي على خلافة علي كرم الله وجهه

قالوا لأنه جميع المنازل الثابتة لهرون من موسى سوى النبوة ثابتة لعلي كرم الله وجهه من النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لما صح الاستثناء أي استثناء النبوة بقوله إلا أنه لا نبي بعدي ومما ثبت لهرون من موسى عليه السلام استحقاقه للخلافة عنه لو عاش بعده أي دون النبوة
ورد بأن هذ الحديث غير صحيح كما قاله الآمدي وعلى تسليم صحته بل صحته هي الثابتة لأنه في الصحيحين فهو من قبيل الآحاد وكل من الرافضة والشيعة لا يراه حجة في الإمامة وعلى تسليم أنه حجة فلا عموم له بل المراد ما دل عليه ظاهر الحديث أن عليا كرم الله وجهه خليفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اهله خاصة مدة غيبته بتبوك كما أن هارون كان خليفة عن موسى في قومه مدة غيبته عنهم للمناجاة فعلى تسليم أنه عام لكنه مخصوص والعام المخصوص غير حجة في الباقي او حجة ضعيفة وقد استخلف صلى الله عليه وسلم في مرار أخرى غير علي فيلزم أن يكون مستحقا للخلافة وصار بعد مسيره صى يتخلى عنه الرجل فيقال تخلف فلان فيقول دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه
وكان ممن تخلف عن مسيره معه صلى الله عليه وسلم أبو خيثمة ولما أن سار صلى الله عليه وسلم اياما دخل ابو خيثمة على أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشيتين لهما في حائط قد رشت كل منهما عريشتها وبردتا فيها ماء وهيأتا طعاما وكان يوما شديد الحر فلما دخل نظر الى امرأيته وماصنعتا فقال رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر وابو خيثمة في ظل بارد وماء مهيأ وامرأه حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا لي زادا ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحل واخذ سيفه ورمحه كما في الكشاف أي ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل بتبوك وقد كان ابو خيثمة ادرك عمير بن وهب في طريق يطلب رسول الله فترافقا حتى دنوا من تبوك فقال خيثمة لعمير إن لي ذنبا فلا عليك ان تتخلف عن حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل فلما دنا أبو خيثمة قال الناس هذا ركب مقبل فقال رسول الله كن أبا خيثمة فقالوا يا رسول الله هو والله ابو خيثمة فلما أناخ اقبل يسلم على الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه

وسلم أولى لك يا أبا خيثمة ثم اخبر رسول صلى الله عليه وسلم الخبر فقال له رسول الله خيرا ودعا له بخير أي واولى كلمة تهديد وتوعد
ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود سجى ثوبه على رأسه واسحث راحلته وقال لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا الا وانتم باكون خوفا أن يصيبكم ما أصابهم أي لأن البكاء يتبعه التفكر والاعتبار فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله عز وجل على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته الى مثل ذلك ونهى صلى الله عليه وسلم الناس ان يشربوا من مائها شيئا وان لا يتوضئوا به للصلاة وأن لا يعجن به عجين وان لا يحاس به حيس ولا يطبخ به طعام وان العجين الذي عجن به أو الحيس الذي فعل به يعلفونه الإبل وان الطبيخ الذي طبخ به يلقى ولا يأكلوا منه شيئا
ثم ارتحل بالناس أي لا زال سائرا حتى نزل على البئر التي كانت تشرب منها الناقة واخبرهم صلى الله عليه وسلم أنها تهب عليهم الليلة ريح شديدة أي وقال من كان له بعير فليشد عقاله ونهى الناس في تلك الليلة على أن يخرج واحد منهم وحده بل معه صاحبه شخص وحده لحاجته فخنق وخرج اخر كذلك في طلب بعير له ند فاحتمله الريح حتى ألقته بجبل طيء فاخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم أنهكم ان يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه ثم دعا للذي خنق فشفي والذي القته الريح بجبل طيئ فأرسلته طيء له صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة
وفي سيرة الحافظ الدمياطي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره ابا بكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس واستعمل على حرس العسكر عباد ابن بشر فكان يطوف في اصحابه بن على العسكر ثم اصبح الناس ولا ماء معهم أي وحصل لهم من العطش ما كاد يقع رقابهم حتى حملهم ذلك على نحر إبلهم ليشقوا اكراشها ويشربوا ماءها
فعن عمر رضي الله عنه خرجنا في حر شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى إن الرجل لينحر بعير فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده وفي لفظ على صدره فشكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أي قال له ابو بكر يا رسول الله قد

عودك الله من الدعاء خيرا فادع الله لنا قال أتحب ذلك قال نعم فدعا أي ورفع يديه فلم يرجعهما حتى أرسل الله سحابة فمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون اليه قال وذكر بعضهم ان تلك السحابة لم تتجاوز العسكر وأن رجلا من الانصار قال لآخر متهم بالنفاق ويحك قد ترى فقال إنما مطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله تعالى { وتجعلون رزقكم } أي بدل شكر رزقكم { أنكم تكذبون } أي حيث تنسوبه للأنواء وقيل إنه قال له ويحك هل بعد هذه شيء قال سحابة مارة انتهى
وفي لفظ أنهم لما شكوا اليه صلى الله عليه وسلم شدة العطش قال لعلي لو استسقيت لكم فسقيتم قلتم هذه بنوء كذا وكذا فقالوا يا نبي الله ما هذا بحين أنواء فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضا ثم قام فصلى فدعا الله تعالى فهاجت ريح وثار سحاب فمطروا حتى سال كل واد فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يغرف بقدحه ويقول هذه نوء فلان فنزلت الآية
وضلت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال رجل من المنافقين الذين خرجوا معه صلى الله عليه وسلم ليس غرضهم الا الغنيمة إن محمدا يزعم أنه بني وأنه يخبركم بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال صلى الله عليه وسلم إن رجلا يقول كذا وكذا وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها أنها في شعب كذا وكذا وقد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فوجدوها كذلك فجاءوا بها أي وتقدم له صلى الله عليه وسلم نظير هذا في غزوة بني المصطلق التي هي المريسيع ولا بعد في تعدد الواقعة ويحتمل أن يكون من خلط بعض الرواة
ولما سمع بذلك بعض الصحابة جاء الى رحله فقال لمن به والله لعجب في شيء حدثناه رسول صلى الله عليه وسلم عن مقاله قائل اخبره الله عنه وذكر المقالة فقال له بعض من في رحله هذه المقالة قالها فلان يعني شخصا في رحله أيضا قالها قبل ان تاتي بيسير فقال يا عباد الله في رحلي داهية وما اشعر أي عدو الله اخرج من رحلي ولا تصحبني فيقال إنه تاب ويقال إنه لم يزل منها بشر حتى هلك
وتباطأ جمل أبي ذر رضي الله عنه لما به من الإعياء والتعب فتخلف عن الجيش فأخذ متاعه وحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشيا فأدركه نازلا في بعض المنازل أي وقبل مجيئه قالوا له يا رسول الله تخلف ابو ذر وأبطأ به بعيره

فقال صلى الله عليه وسلم دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد اراحكم الله منه
ولما اشرف على ذلك المنزل ونظره شخص يمشي فقال يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تامله القوم قالوا يا رسول الله هو والله ابو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله ابا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده وكان كما قال صلى الله عليه وسلم إنه يموت وحده فقد مات رضي الله عنه وحده بالربذة لما أخرجه عثمان رضي الله عنه اليها
اي فإنه بعد موت ابي بكر رضي الله عنه خرج من المدينة الى الشام فلما ولي عثمان رضي الله عنه شكاه معاوية رضي الله عنه اليه فإنه كان يغلظ على معاوية في بعض امور تقع منه فاستدعاه عثمان رضي الله عنه من الشام ثم أسكنه بالربذة ولم يكن معه الا امرأته وغلامه فوصاهما عند موته ان غسلاني وكفنانني ثم اجعلاني على قارعة الطريق فأول من يمر بكم قولا له هذا ابو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعينوناعلى دفنه فلما مات رضي الله عنه الله عنه فعلا به ذلك وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من اهل العراق فوجدوا الجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطؤها فقام اليهم الغلام وقال هذا ابو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعينونا على دفنه فاستهل عبد الله ابن مسعود يبكي ويقول صدق رسول الله تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك ثم نزل هو واصحابه فوارواه ثم حدثهم عبد الله بن مسعود خبره
أي وفي الحدائق عن أم ذر قالت لما حضرت ابا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك قلت ومالي لا أبكي وانت تموت بفلاة من الأرض ولا بد لنا من معين على دفنك وليس معنا ثوب يسعك كفنا فقال لا تبكي وابشري فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد الا وقد مات في قرية وإني أنا الذي أموت بالفلاة والله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبت وفي رواية ما كذبت ولا كذبت فانظري الطريق فقالت قد ذهب الحاج وتقعطت السبل فقال انظري فقالت كنت اشتد الى الكثيب فاقوم عليه ثم ارجع اليه فأمرضه فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على

روأحلهم كأنهم الرخم فألحث بثوبي فاسرعوا الى ووضعوا السياط في نحورها يستقبلوا الي فقالوا مالك يا أمة الله فقلت امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه قالوا ومن هو قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم فأسرعوا اليه حتى دخلوا عليه فسلموا عليه فرحب بهم وقال ابشروا فإنكم عصابة من المؤمنين وحدثهم الحديث وقال والله لو كان لي أو لها ما يسعني كفنا ما كفنت الا فيه وإني انشدكم الله والإسلام لا يكفنني منكم رجل كان أميرا ولا عريفا ولا بريدا او نقيبا ولم يكن منهم احد سلم من ذلك إلا فتى من الانصار فقال والله لم أصب مما ذكرت شيئاأن أكفنك في ردائي هذا وثوبين معي من غزل أمي فمات فكفنه الفتى الأنصاري ودفنه في النفر الذين معه
أقول يحتاج الى الجمع بين هذا وما تقدم وقد يقال لا ينافي ذلك ما تقدم عن ابن مسعود رضي الله عنه لجواز أن يكون قدومه بعد ان كفن بكفن الأنصاري ولا ينافي ذلك ما تقدم من قول الراوي فلما مات فعلا أي زوجته وغلامه ذلك أي غسله وتكفينه ولا ينافي ذلك قول الغلام لابن مسعود ومن معه أعينونا على دفنه ولا ينافي ذلك قول الراوي هنا ودفنه أي للفتى الأنصاري في النفر الذين معه لأن ذلك يقال إذا اشتركوا مع غيرهم في ذلك
وأبو ذر رضي الله عنه اسمه جندب وقيل اسمه سلمة بن جنادة وكان من أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع بالحق وقد قال في حقه ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر وكان رضي الله عنه من الاقدمين في الإسلام قال ابن عبد البر كان خامس رجل أسلم فليتأمل وقال صلى الله عليه وسلم أبو ذر في أمتي شبيه عيسى ابن مريم في زهده وبعضهم يرويه من ينظر الى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبى ذر وغلى وجود ما أخبر عن أبي ذر من أنه يموت وحده أشار الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** وعاش ابو ذر كما قلت وحده ** ومات وحيدا في بلاده بعيدة **
قال وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال لما كنا فيما بني الحجر وتبوك ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته بعد الفجر وتبعته بماء فأسفر الناس بصلاتهم التي هي صلاة الفجر فقدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فصلى بهم فانتهى صلى الله عليه

وسلم بعد أن توضأ ومسح خفيه بن عوف وقد صلى ركعة فصلى رسول الله مع عبد الرحمن ركعة وقام ليأتي بالركعة الثانية وقال لهم صلى الله عليه وسلم بعد فراغه أحسنتم أو اصبتم ثم قال صلى الله عليه وسلم لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من امته أ هـأي ولعل هذا لا ينافي ما تقدم
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره اباابكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس وقوله لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من أمته يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل خلف الصديق في هذه الغزوة حيث يصلي بالعسكر فليتأمل
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال عبد الرحمن سيد من سادات المسلمين ولا يخالف هذا ماروي عن ابن عباس رضي الله عنهما لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمته الا خلف ابي بكر أي في فرض موته لأن المراد صلاة كاملة أو تكرر الصلاة هذا
وفي الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم فيما حكى القاضي عياض رحمه الله انه لا يجوز لأحد أن يؤمه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا غيرها لا لعذر ولا لغيره
وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك ولا يكون أحد شافعا له وقد قال ائمتكم شفعاؤكم ولذلك قال ابو بكر رضي الله عنه ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتأمل
ولما نزلوا تبوك وجدوا عينها قليلة الماء فاعترف رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده غرفة من مائها فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلأت
قال وعن حذيفة رضي الله عنه بلغ رسول الله ان في الماء قلة أي ماء عين تبوك أي وقد قال لهم صلى الله عليه وسلم إنكم لتأتون غدا إن شاءاله تعالى عين تبوك وإنكم لن تنالوها حتى يضحا النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى وأمر مناديا ينادى بذلك فجئناها فإذا العين مثل الشراك تبض من مائها وقد سبق اليها رجلان أي من المنافقين ومسا من مائها فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك وفي رواية سبق اليها اربعة من المنافقين ثم إنهم غرفوا من تلك العين قليلا قليلا حتى اجتمع شيءفي شن فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه ومضمض ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير وفي رواية فجعلوا فيها سهاما

دفعها صلى الله عليه وسلم لهم فجاشت بالماء والى ذلك أشار الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** فيوما بوقع النيل جئت بشربهم ** ويوما بوقع الوبل جدت بسقية **
وحينئذ أي وحين إذ ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جعل السهام في عين تبوك يسقط الاعتراض بأن وقع النبل لم يكن بتبوك وإنما كان بالحديبية على أن الذي بالحديبية إنما هو غرز سهم واحد لا سهام فليتأمل
ثم قال صلى الله عليه وسلم لمعاذا يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هنا ملئ جنانا أي بستانين وذكر ابن عبد البر رحمه الله عن بعضهم قال أنا رايت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانا خضرة نضرة
وقبل قدومهم تبوك نام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستيقظ حتى كادت الشمس قيد رمح أي وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لبلال أكلأ لنا الفجر فاسند بلال ظهره الى راحلته فغلبته عيناه قال ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر وفي رواية أن بلالا رضي الله عنه قال لهم ناموا وأنا أوقظكم فاضطجعوا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال أين ما قلت قال يا رسول الله ذهب بي مثل الذي ذهب بك أي وفي لفظ أخذ بنفسي الذي اخذ بنفسك وقال صلى الله عليه وسلم للصديق إن الشيطان صار يهدئ بلالا للنوم كما يهدئ الصبي حتى ينام ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا وسأله عن سبب نومه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما أخبر به النبي الصديق فقال الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم أشهد أنك رسول الله فانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله غير بعيد ثم صلى وتقدم في خيبر أي في غزوة وادي القرى فإنها كانت عند منصرفه من خيبر الخلاف في أي غزوة كان وسار صلى الله عليه وسلم مسرعا بقية يومه وليلته فأصبح بتبوك
وفي منصرفه من تبوك قال ابو قتادة رضي الله عنه بينا نحن نسير مع رسول الله وهو قافل من تبوك وأنا معه إذ خفق خفقه هو على راحلته فمال على شقه فدنوت منه فدعمته فانتبه فقال من هذا فقلت ابو قتادة يا رسول الله خفت أن تسقط فدعمتك فقال حفظك الله كما حفظت رسوله ثم سار غير كثير ثم فعل مثلها

فدعمته فانتبه فقال يا أبا قتادة هل لك في التعريس فقلت ما شئت يا رسول الله فقال انظر من خلفك فنظرت فإذا رجلان او ثلاثة فقال ادعهم فقلت أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءوا فعرسنا
وفي رواية قال ابو قتادة رضي الله عنه بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار الليل وأنا إلى جنبه فنعمس فمال عن راحلته فأتيته فدعمته من غيرأن أوقظه حتى أعتدل على راحلته ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته فدعمته حتى اعتدل على راحلته ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين الاولتين حتى كاد يسقط فأتيته فدعمته فرفع رأسه فقال من هذا قلت أبو قتادة قال متى كان هذا مسيرك مني قلت ما زال هذا مسيري منذ الليلة قال حفظك الله نبيه وهذا تقدم في منصرفه من خيبر ولا مانع من التعدد ويحتمل أن هذا خلط وقع من بعض الرواة فليتأمل ثم قال صلى الله عليه وسلم هل ترى من أحد يعني من الجيش قلت هذا راكب ثم قلت هذا راكب آخر حتى اجتمعنا وكنا سبعة وفي رواية خمسة برسول الله صلى الله عليه وسلم فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق ثم قال احفظوا علينا صلاتنا وكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره فقمنا فزعين ثم قال اركبوا فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء فتوضأ منها وبقي فيها شيء وفي رواية جرعة من ماء ثم قال لي احفظ علينا ميضأتك وفي رواية ازدهر بها يا أبا قتادة فسيكون لها نبأ الحديث
وفي رواية ماايقظنا الاحر الشمس فقلنا إنا لله فاتنا الصبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغيظن الشيطان كما غاظنا فتوضأ من الإداوة التي هي الميضأة فضل فضل فقال يا أبا قتادة احتفظ بما في الإداو واحتفظ بالركوة فإن لهما شأنا فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر بعد طلوع الشمس وفي لفظ إن عمر رضي الله عنه هو الذي ايقظ النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير
أقول ظاهر هذه الرواية انهم صلوا بمحلهم ولم ينتقلوا وفي رواية قال لهم صلى الله عليه وسلم تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة وفي لفظ ارتحلوا فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان


وفي البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها فما أيقظنا الا حر الشمس وكان صلى الله عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له صلى الله عليه وسلم في نومه أي من الوحي فكانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي كما تقدم في غزوة بني المصطلق فلما استيقظ عمر رضي الله عنه ورأى ما أصاب الناس أي من فوات صلاة الصبح كبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم
وفي رواية إن الصديق رضي الله عنه استيقظ أولا ثم لا زال يسبح ويكبر حتى استيقظ عمر ولا زال يكبر حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ شكوا اليه الذي اصابهم أي من فوات صلاة الصبح قال لا ضير ارتحلوا فارتحلوا فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس وهذا كما نرى فيه التصريح بأن هاتين اليقظتين وقعتا في غزوة تبوك الاولى عند ذهابهم لها والثانية عند منصرفهم منها
وفي دلائل النبوة للبيهقي عن بعض الصحابة وبعد أن صلينا وركبنا جعل بعضنا يهمس الى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي تهمسون دوني فقلنا يا رسول الله بتفريطنا في صلاتنا قال أما لكم في أسوة حسنة ثم قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط علم من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الاخرى
وفي فتح الباري اختلف في تعيين هذا السفر ففي مسلم أنه كان في رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة وفي ابي داود أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزل فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا الحديث وفي مصنف عبد الرزاق أن ذلك كان بطريق تبوك
وقد اختلف العلماء هل كان ذلك أي نومهم عن صلاة الصبح مرة أو أكثر فجزم الأصيلي رحمه الله بأن القصة واحدة
وتعقبه القاضي عياض رحمه الله بأن قصة أبي قتادة مغايرة لقصة عمران بن حصين ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها


وفي الطبراني قصة شبيهة بقصة عمران وأن الذي كلأم لهم الفجر ذو مخبر قال ذو مخبر فما أيقظني الا حر الشمس فجئت أدنى القوم فايقظته وايقظ الناس بعضهم بعضا حتى اسيتقظ النبي صلى الله عليه وسلم فليتأمل وتقدم على الإمتاع قال عطاء بن يسار إن ذلك كان بتبوك وهذا لا يصح وإلا فالآثار الصحاح على خلاف مقولة مسندة ثابتة والله اعلم
واستشكل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الانبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد قالت له أتنام قبل أن توتر قال تنام عيني ولا ينام قلبي
وأجيب عنه باجوبه حسنها أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والالم لا يدرك ما يتعلق بالعين كرؤية الشمس وطلوع الفجر
ومن الأجوبة أنه صلى الله عليه وسلم كان له نومان نوم تنام فيه عينه وقلبه ونوم تنام فيه عينه فقط وينبغي أن يكون هذا الثاني اغلب أحواله وإن كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثله في ذلك ويكون قوله صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الأنبياء تنام اعيننا ولا تنام قلوبنا أي غالبا ويكون هذا حاله دائما وأبدا إذا كان متوضئا لقولهم إنه لا ينقض وضوؤه صلى الله عليه وسلم بالنوم وفي جعله العين محلا للنوم نظر لأن العين إنما هي محل السنة ومحل النعاس الراس ومحل النوم القلب
قال الحافظ السيوطي وكون القلب محلا للنوم دون العين لا يشكل عليه قوله صلى الله عليه وسلم تنام عيناي ولا ينام قلبي لأنه من باب المشاكلة وفيه بحث هذا كلامه
واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم ارتحلوا فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان وفي لفظ ارتحلوا فإن هذا واد به الشيطان بأنه يقتضى تسلط الشيطان على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الظاهر ان وجود الشيطان هو السبب في النوم عن الصلاة
وأجيب بأنه على تسليم ذلك فإن تسليطه انما كان على من كان يحفظ الفجر بلال أو غيره ففي بعض الروايات كما تقدم إن الشيطان أتى بلالا فلم يزل يهدئه كما يهدا الصبي حتى نام
ثم لحق صلى الله عليه وسلم بالجيش وقبل لحوقه صلى الله عليه وسلم بهم قال لاصحابه ما ترون الناس يعني الجيش فعلوا قالوا الله ورسوله أعلم فقال صلى الله عليه وسلم وأطاعوا ابا بكر وعمر ورشدوا وذلك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أرادا أن ينزلا

بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما فنزلا على الماء فأبوا ذلك عليهما فنزلا على غير ماء بفلاة من الأرض لاماء بها عند زوال الشمس وقد كادت أعناق الخيل والركاب تقطع عطشا فدعا رسول صلى الله عليه وسلم وقال أين صاحب الميضأة قيل هو ذايار رسول الله قال جئني بميضأتك فجاءه بها وفيها شيء من ماء وفي رواية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركوة فافرغ ما في الإدواة فيها ووضع أصابعه الشريفة عليها فنبع الماء من بين أصابعه واقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى رووا ورووا خيلهم وركابهم وكان في العسكر من الخيل أثنا عشر الف فرس أي على ما تقدم ومن الإبل خمسة عشر ألف بعير والناس ثلاثون ألفا وقيل سبعون ألفا وواضح أن هذه العطشة غير المتقدمة التي دعا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل المطر
وفي كلام بعضهم انه لما حصل للقوم العطس ارسل صلى الله عليه وسلم نفرا ويقال عليا والزبير يستعرضون الطريق وأعلمهم ان عجوزا تمر بهم في محل كذا على ناقة معها سقاء ماء فقال لهم صلى الله عليه وسلم اشتروا منها بما عز وهان وائتوا بها مع الماء فلما بلغوا المكان إذا بالمرأة ومعها السقاء وفي رواية إذا نحن بامرأة سادلة رجلها بين مزادتين فسالوها في الماء فقالت أنا وأهلي احوج اليه منكم فسألوها أن تاتي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الماء فأبت وقالت من هو رسول الله لعله الساحر وفي رواية الذى يقال له الصابئ وخير الأشياء أنى لا آتيه فشدوها وثاقا وأتوا بها إلى رسول الله فقال لهم خلوا عنها وفي رواية قلنا لها أي الماء قالت أهاه أهاه لا حالكم بينكم وبين الماء مسيرة يوم وليلة ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتأذنين لنا في الماء ولتصيبن ماءك كما جئت به فقالت شأنكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة هات الميضأة فقربت اليه فحل السقاء وتفل فيه وصب في الميضأة ماء قليلا ثم وضع يده الشريفة فيه ثم قال ادنوا فخذوا فجعل الماء يفور ويزيد والناس يأخذون حتى ما تركوا معهم إناء الا ملأوه ورووا إبلهم وخيلهم وبقي في الميضاة ثلثاها والميضأة هي الإداوة لأنها يتوضأ منها وفي الدلائل للبيهقي فجعل في إناء من زادتيها ثم قال فيه ما شاء الله ان يقول زاد في رواية ثم مضمض ثم رد الماء في المزادتين وأوكأ أفواههما وأطلق العزالي ثم أمر الناس أن يملئوا آنيتهم وأسقيتهم ثم قال لها تعلمي والله ما رزأنا من مائك شيئا ولكن الله عز وجل هو الذي سقانا

والعزالي جمع عزلاء والعزلاء هي التي تجعل في فم القربة لينزل فيها الماء من الراوية وهي المرادة بالمزادة وهذالسياق يدل على أن هذه عطشة ثالثة لأن الثانية وضع على صلى الله عليه وسلم يده في الركوة التي صب فيها من الميضأة وهذه وضع يده في الميضأة بعد ان لم يجدوا في الميضأة شيئا
وفي رواية أن تلك المرأة أخبرته أنها مؤتمة أي لها صبيان أيتام فقال هاتوا ما عندكم فجمعنا من كسر وتمروصرتها صرة ثم قال لها اذهبي فأطمعي هذا عيالك
وفي رواية أيتامك وصارت تعجب مما رأت ولما قدمت على أهلها قالوا لها لقد احتبست علينا قالت حبسني أني رأيت عجبا من العجب ارأيتم مزادتي هاتين فوالله لقد شرب منهما قريب من سبعين بعيرا وأخذوا من القرب والمزاد والمطاهر مالا احصى ثم هما الآن أوفر منهما يومئذ فلبثت شهرا عند أهلها ثم أقبلت في ثلاثين راكبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وأسلموا
وفي مسلم لما كان يوم غزوة تبوك اصاب الناس مجاعة بحيث صارت تمص التمرة الواحدة جماعة يتناوبنها فقالوا يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا وادهنا فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله فيها بالبركة لعل الله أن فعلت فتى الظهر ولكن أدعهم بفضل ازوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله ان يجعلها في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعاهم بفضل أزوادهم فجعل الرجل يأتي بكف ذره ويجئ الآخر بكف من تمر ويجئ الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا رسول الله بالبركة ثم قال لهم خذوا في أوعيتكم فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء الا ملئوه وأكلوا حتى شعبوا وفضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة وفي رواية الا وقاه الله النار وتقدم نظير ذلك في الرجوع من غزة الحديبية أي ولا مانع من التعدد أو هو من خلط بعض الرواة ولعل هذا كان بعد أن ذبح لهم طلحة بن عبيد الله جزورا فأطعمهم وأسقاهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت طلحة الفياض وسماه يوم أحد طلحة الخير ويوم حنين طلحة الجود لكثرة إنفاقة على العسكر رضي الله عنهم
وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم قال كنت في غزوة تبوك على نحي السمن

فنظرت الى النحي وقد قل مافيه وهيأت النبي صلى الله عليه وسلم طعاما ووضعت النحي في الشمس ونمت فانتبهت بخرير النحي فقمت فأخذت رأسه بيدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى لو تركته لسال الوادي سمنا
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فقال ليلة لبلال هل من عشاء فقال والذي بعثك بالحق لقد نفضنا جربنا فقال انظر عسى أن تجد شيئا فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا فتقع التمرة والتمرتان حتى رايت في يده صلى الله عليه وسلم سبع تمرات ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها ثم وضع يده الشريفة على التمرات وقال كلوا بسم الله فأكلنا ثلاثة أنفس وأحصيت أربعا وخمسين تمرة أعدها عدا ونواها في يدي الأخرى وصاحباي يصنعان كذلك فشبعنا ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي فقال يا بلال ارفعها فإنه لا يأكل منها أحد الا نهل شبعا فلما كان من الغد دعا صلى الله عليه وسلم بلالا بالتمرات فوضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة عليهن ثم قال كلوا بسم الله فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا أيدينا وإذا التمرات كما هي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن استحي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد الى المدينة من آخرنا فأعطاهن غلاما فولى وهو يلوكهن
وأتاه صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك يحنة بضم المثناة تحت وفتح الحاء المهملة ثم نون مشددة مفتوحة ثم تاء التأنيث ابن رؤبة بالموحدة صاحب أيلة وصحبته اهل جرباء تأنيث أجرب يمد ويقصر قرية بالشام واهل أذرح بالذال المعجمة والراء المهملة المضمومة والحاء المهملة مدينة تلقاء السراة وأهل ميناء وأهدي يحنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على إعطاء الجزية أي بعد أن عرض عليه الإسلام فلم يسلم
وكتب له صلى الله عليه وسلم ولأهل أيلة كتابا صورته بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله لحينه بن رؤية وأهل آيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام واهل اليمن واهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحوز ماله دون نفسه وإنه لطيبة لمن أخذه من الناس وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونه من بر او بحر

وكتب صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح وجرباء ما صورته بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح وجرباء أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة والله كفيل بالنصح والإحسان الى المسلمين وصالح صلى الله عليه وسلم أهل ميناء على ربع ثمارهم
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رأيت ونحن بتبوك شعلة من نار في ناحية العسكر أي ضوء شمعة كما صرح به الجلال السيوطي رحمه الله حيث أجاب من سأله هل الشمع كان موجودا قبل البعثة وهل وقد عنده صلى الله عليه وسلم بأنه كان موجودا قبل البعثة فقد ذكر العسكري رحمه الله في الأوائل أن أول من أوقده جزيمة الأبرش أي وقد تقدم وهو قبل البعثة بدهر وورد في حديث أنه أوقد للنبي صلى الله عليه وسلم عند دفنه عبد الله ذا البجادين قال وقد ألفت في المسألة تأليفا سميته مسامرة السموع في ضوء الشموع قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فاتبعتها أنظر اليها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه وهو يقول أدليا الى أخاكما فأدلياه اليه فلما هيأه لشقه قال اللهم قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه يقول ابن مسعود يا ليتني كنت صاحب الحفرة أي والبجاد بموحدة ككتاب الكساء المخطط الغليظ لأنه لم يكن لعبد الله المذكور الا بجاد واحد فشقه نصفين فاتزر بواحد وارتدى بالآخر وقدم المدينة وأسلم وقرأ قرآنا كثيرا وكان اسمه عبد العزي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك خرج معه وقال يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة فقال صلى الله عليه وسلم أئتني بلحاء شجرة أي بقشرها فأتاه بذلك قربطه على عضده وقال اللهم حرم دمه على الكفار قال يا رسول الله ليس هذا ما أردت قال إنك إذا أخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد فأخذته الحمى بعد الإقامة بتبوك أياما ومات بها أي وهذا هو المشهور
وروى عن الادرع الأسلمى وكان في حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جئت ليلة احرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رجل ميت فقيل هذا عبد الله ذو البجادين توفي بالمدينة وفرغوا من جهازه وحملوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم

ارفقوا به رفق الله بكم فإنه كان يحب الله ورسوله قال ابن الأثير وهذا حدث غريب لايعرف الا من هذا الوجه وتقدم
وعن الحافظ السيوطي رحمه الله لما ذكر انه أوقد للنبي صلى الله عليه وسلم الشمع عند دفنه عبد الله ذا البجادين قال وقد دل ذلك على إباحة استعماله أي الشمع ولا يعد استعماله إسرافا مع قيام غيره من الأدهان مقامه
وأقام صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة وفي سيرة الحافظ الدمياطي عشرين ليلة يصلي ولم يجاوز تبوك ويحتاج أئمتنا الى الجواب عن ذلك على تقدير صحته
قال وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في مجاوزتها فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إن كنت أمرت بالسير فسر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أمرت بالسير لم أستشركم فيه فقال يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة وليس بها أحد من أهل الاسلام وقد دنونا وقد أفزعهم دنوك فلو رجعنا هذه السنة حتى نرى أو يحدث الله أمرا هذا تصريح بأن تبوك لم يقع بها مقاتلة ولا حصل فيها غنيمة وبه يرد ما ذكره الزمخشري في فضائل العشرة أنه صلى الله عليه وسلم جلس في المسجد يقسم غنائم تبوك فدفع لكل واحد سهما ودفع لعلي كرم الله وجهه سهمين فقام زائدة بن الأكوع وقال يا رسول الله أوحي نزل من السماء أم أمر من نفسك فقال صلى الله عليه وسلم أنشدكم الله هل رأيتم في مينمتكم صاحب الفرس الأغر المحجل والعمامة الخضراء بها ذؤابتان مرخاتين على كتفيه بيده حربة قد حمل بها على الميمنة فأزالها قالوا نعم قال هو جبريل عليه الصلاة والسلام وإنه امرني أن ادفع سهمه لعلي فقال زائدة حبذا سهم مسهم وخطب صلى الله عليه وسلم خطبة فيها أما بعد فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل والنساء حبالة الشيطان والشباب شعبة من الجنون والسعيد من وعظ بغيره ومن يغفر غفر له ومن يعف يعف الله عنه ومن يصبر على الرزية يعوضه الله أستغفر الله لي ولكم
وأهدي له صلى الله عليه وسلم بعض أهل الكتاب جبنة فدعا بالسكين فسمى الله وقطع وأكل ثم انصرف صلى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة وكان في الطريق ماء يخرج من وشل قليل جدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا الى ذلك الماء فلا يسقين منه شيئا حتى نأتيه فسبق اليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله صلى الله

عليه وسلم وقف عليه فلم يجد فيه شيئا فقال من سقبنا الى هذا الماء فقيل له فلان وفلان وفلان فقال أو لم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ثم لعنهم ودعا عليهم ثم نزل صلى الله عليه وسلم فوضع يده تحت الوشل فصار يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه ومسح بيده ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء أن يدعو به فانخرق من الماء وكان له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيتم أو بقي منكم احد لتسمعن بهذا الوادي وقد اخصب ما بين يديه وما خلفه أي وهذا خلاف عين تبوك الذي تقدم له صلى الله عليه وسلم فيها ما يشبه هذا وقوله يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة ان ترى ههنا ملئ جنانا إلى آخره لأن تلك العين كانت بتبوك وهذا عند منصرفه من تبوك
قال واجتمع رأي من كان معه صلى الله عليه وسلم من المنافقين وهم اثنا عشر رجلا وقيل اربعة عشر وقيل خمسة عشر رجلا على أن ينكثوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة التي بين تبوك والمدينة فقالوا إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي فأخبر الله تعالى رسوله بذلك فلما وصل الجيش العقبة نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يسلك العقبة فلا يسلكها أحد واسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لك وأوسع فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة فلما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا وسلكوا العقبة وأمر صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه ان يأخذ بزمام الناقة يقودها وأمر صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما أن يسوق من خلفه
وفي الدلائل عن حذيفة قال كنت ليلة العقبة آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به وعمار بن ياسر يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده أي يتناوبان ذلك فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في العقبة إذ سمع حس القوم قد غشوه فنفرت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط بعض متاعه فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم فرجع حذيفة اليهم وقد رأى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه محجن فجعل يضرب به وجوه رواحلهم وقال اليكم اليكم يا اعداء الله فإذه هو بقوم ملثمين وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم صرخ بهم فولوا مدبرين فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلع على مكرهم به فانحطوا من العقبة مسرعين الى بطن

الوادي واختلطوا بالناس فرجع حذيفة يضرب الناقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم قال لا كان القوم ملثمين والليلة مظلمة
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول لما سقط متاع النبي صلى الله عليه وسلم وأردت جمعة نور لي في اصابعي الخمس فأضاءت حتى جمعت ما سقط حتى ما بقي من المناع شيء وفي لفظ أن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال لا قال إنهم مكروا ليسيروا معي في العقبة فيزحموني فيطرحوني منها ان الله اخبرني بهم وبمكرهم وسأخبركما بهم واكتماهم فلما اصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إليه اسيد بن حضير فقال يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادي فقد كان أسهل من سلوك العقبة فقال اتدري ما أراد المنافقون وذكر له القصة فقال يا رسول الله قد نزل الناس واجتمعوا فمر كل بطن أن يقتل الرجل الذي هم بهذا فإن أحببت بين بأسمائهم والذي بعثك بالحق لا ابرح حتى آتيك برءوسهم فقال صلى الله عليه وسلم إني أكره أن يقول الناس إن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم اقبل عليهم يقتلهم فقال يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس يظهرون الشهادة ثم جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بما قالوه وما أجمعوا عليه فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي ذكر فأنزل الله تعالى { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } الآية وأنزل الله تعالى { وهموا بما لم ينالوا } ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم ارمهم بالدبيلة هي سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم انتهى أي وفي لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب احدهم فيهلكه
وفي الإمتاع أن النبي صلى الله عليه وسلم هو بتبوك الى نخلة فجاء شخص فمر بينه وبين تلك النخلة بنفسه وفي رواية وهو على حمار فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فقال قطع صلاتنا قطع الله أثره فصار مقعدا وكان يقال لحذيفة رضي الله تعالى عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حذيفة نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فأوحى اليه وراحلته باركة فقامت تجر زمامها فلقيتها فأخذت بزمامها

وجئت الى قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنختها ثم جلست عندها حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بها فقال من هذا قلت حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني مسر اليك سرا فلا تذكرنه إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان وعد جماعة من المنافقين فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من خلافته إذا مات الرجل ممن يظن به أنه من أولئك الرهط أخذ بيد حذيفة رضى الله تعالى عنه فقاده الى الصلاة عليه فإن مشى معه حذيفة صلى عليه عمر رضي الله تعالى عنه وإن انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه
وقال صلى الله عليه وسلم للمسلمين عند انصرافه إن بالمدينة لاقواما ما سرتهم مسيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال نعم حبسهم العذر ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان محل بينه وبين المدينة ساعة من نهار أي وقال البكري أظن أن الراء سقطت من بين الهمزة والواو أي اروان منسوب الى البئر المشهورة
وحين ننزل صلى الله عليه وسلم أتاه خبر مسجد الضرار فأنزل الله تعالى { والذين اتخذوا مسجدا ضرارا } الآية أي لإضرار اهل قباء أي فإن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء حسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف وقالوا نصلي في مربط حمار لا لعمر الله أي لأنه كان لا مرأة كانت تربط فيه حمارها ولكننا نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله فيه ويصلى فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام فيثبت لنا الفضل والزيادة على إخواننا وكان المسلمون في تلك الناحية كلهم يصلى في مسجد قباء جماعة فلما بنى هذا المسجد فصرف عن مسجد قباء جماعة وصلوا بذلك المسجد فكان به تفريق للمؤمنين فكانوا يجتمعون فيه ويعيبون النبي صلى الله عليه وسلم ويستهزئون به أي وقال إن أبا عامر الراهب الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم فاسقا هو الآمر لهم ببنائه فقال لهم ابنوا لي مسجدا واستمدوا ما استطعتم من قوة سلاح فإني ذاهب الى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه من المدينة وانهم لما فرغوا من بنائهم ارسلوا الى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم ويصلي فيه كما صلى الله عليه وسلم في مسجد قباء فهم أن يأتيهم فأنزل الله تعالى الآية
وفي رواية أتوه صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز الى تبوك فقالوا يا رسول الله قد

بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أنا تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة قال إني على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا إن شاء الله تعالى لأتيناكم فصلينا لكم فيه فلما قفل من السفر وسألوه إتيان المسجد جاءه الخبر من السماء فأمر جماعة منهم وحشى قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه وقال لهم انطلقوا الى هذا المسجد الظالم أهله فاحرقوه واهدموه على اصحابه ففعل به ذلك قال وكان ذلك بين المغرب والعشاء ووصل الهدم الى الأرض وأعطاه صلى الله عليه وسلم لثابت بن أرقم رضي الله تعالى عنه يجعله بيت فلم يولد في ذلك البيت مولود قط وحفر فيه بقعة فخرج منها الدخان ولعل هذا أي جعله بيتا كان بعد أن أمر صلى الله عليه وسلم أن يتخذه محلا لإلقاء الكناسة والجيفة
وفي الكشاف أن مجمع بن حارثة كان إمامهم في مسجد الضرارا فكلم بنو عمرو بن عوف اصحاب مسجد قباء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في خلافته أن يأذن لمجمع بن حارثة أن يؤمهم في مسجدهم فقال لا ولانعمة أليس بامام مسجد الضرار فقال يا أمير المؤمنين لا تعجل على فو الله لقد صلت بهم والله يعلم إني لا أعلم ما أضمروا فيه ولو علمت ما صليت معهم فيه وكنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا لا يقرءون من القرآن شيئا فعذره وصدقه وأمره بالصلاة بهم
ولما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة قال هذه طابة أسكننيها ربي تنفى خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد
ولما رأى صلى الله عليه وسلم جبل أحد قال هذا أحد جبل يحبنا ونحبه وتقدم ما في ذلك في غزوة أحد وعن عائشة رضي الله تعالى عنها ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقاه النساء والصبيان يقلن ** طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع ** ** وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داع **
قال البيهقي رحمه الله وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة من مكة لا أنه عند مقدمة المدينة من تبوك هذا كلامه ولا مانع من تعدد ذلك
ولما دنا صلى الله عليه وسلم من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا تكلموا رجلا منهم ولا تجالسوهم حتى آذن لكم فأعرض

عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن الرجل ليعرض عن ابيه وأخيه أنتهى
أي وعن فضالة بن عبيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا عزوة تبوك جهد الظهر جهدا شديد حتى صارا يسوقونه فشكوا اليه صلى الله عليه وسلم ذلك ورآهم يسوقونه فوقف صلى الله عليه وسلم في مضيق والناس فيه فنفخ في الظهر وقال اللهم احمل عليها في سبيلها فانك تحمل على القوى والضعيف والرطب واليابس في البر والبحر فزال ما بها من الإعياء وما دخلنا الا وهي تنازعنا ازمتها
وجاء أن حية عارضتهم في الطريق عظيمة الخلقة فانحاز الناس عنها فأقبلت حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون اليها ثم التوت حتى اعتزلت الطريق فقامت قائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تدرون من هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا الى يستمعون القرآن أي بنخلة عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من الطائف وتقدم الكلام عليه فرأى عليه من الحق حين ألم رسول الله صلى الله عليه وسلم ببلده أن يسلم عليه وها هو يقرؤكم السلام فقال الناس وعليه السلام ورحمة الله
وقد كان تخلف عنه صلى الله عليه وسلم رهط من المنافقين وكانوا بضعة وثمانين رجلا وتخلف عنه ايضا كعب بن مالك وكان من الخزرج مرارة بن الربيع وهلال بن أمية وكانا من الأوس فأما المنافقون فجعلوا يحلفون ويعتذرون فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علانيتهم ووكل سرائرهم الى الله واستغفر لهم وأما الثلاثة فعن كعب بن مالك الخزرجي رضي الله تعالى عنه أنه قال لما جئته صلى الله عليه وسلم وسلمت عليه تبسم المغضب وقال لي تعال فجئت حتى جلست بين يديه فقال ما خلفك فصدقته وقلت والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك وفي رواية قلت يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرايت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقدعلمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله ان يسخط على فيه ولئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي فيه ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله ما كان لي من عذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك وقال الرجلان

الآخران وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية وكانا ممن شهد بدرا وهما من الأوس مثل قول كعب فقال لهما صلى الله عليه وسلم مثل ما قال لكعب ونهى صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامهم فاجتنبهم الناس فاما الرجلان فمكثا في بيوتهما يبكيان وأما كعب فكان يشهد الصلاة مع المسلمين ويطوف بالأسواق فلا يكلمه احد منهم قال ولما طال ذلك على من جفوة الناس تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس الي فسلمت عليه والله مارد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت اليه فنشدته فسكت فعدت اليه فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال بينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلني على كعب بن مالك فطفق أي جعل الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع الى كتابا من ملك غسان أي وهو الحارث بن ابي شمر أو جبلة بن الأيهم وكان الكتاب ملفوفا في قطعة من الحرير فإذا فيه أما بعد فانه بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قراته وهذا أيضا من البلاء فيممت أي قصدت به التنور فسجرته بها أي القيته فيها أي والأنباط قوم يسكنون البطائح بين العراقين قال حتى إذا مضت اربعون ليلة جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطقلها أم ماذا قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل صلى الله عليه وسلم الى صاحبي أي وهما هلال بن أمية ومرارة بن الربيع بمثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذ الأمر فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه فقال صلى الله عليه وسلم لا ولكن لا يقربك قالت والله إنه ما به حركة الى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما ما كان الى يومه هذا قال كعب فقال بعض أهلي قال في النور الظاهر أن القائل له امرأة لأن النساء لم يدخلن في النهي لأن في الحديث ونهى المسلمين وهذه الخطاب لا يدخل فيه النساء فدل على ان المراد الرجال قالت لو أستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله

عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب ثم مضى بعد ذلك عشر ليال حتى كملت خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فلما كان صلاة الفجر صبح تلك الليلة سمعت صوتا فوق جبل سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجدا وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آدن أي أعم بتوبة الله علينا فلما جاءني الرجل الذي سمعت صوته يبشرني أي وهو حمزة بن عمرو الأوسي نزعت له ثونبي فكسوته اياهما ببشراه والله لا أملك غيهما يومئذ واستعرت أي من أبي قتادة رضي الله عنه ثوبين فلبستهما وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجا فوجا أي جماعة جماعة يهنئوني بالتوبة يقولون ليهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام الي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني والله ما قام الي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان آخى بينهما حين قدم المدينة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر فلما جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم قال أبشر بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك قلت أمن عندك يا رسول الله أم عند الله عز وجل قال لا بل من عند الله فقلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة الى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك أي وكان المبشر لهلال بن أمية أسعد بن أسد وكان المبشر لمرارة بن الربيع سلطان بن سلامة أو سلامة بن وقش
أي وفي البخاري عن كعب رضي الله عنه فأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة رضي الله عنها محسنة في شأني معينة في أمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم سلمة تيب على كعب قالت أفلا أرسل اليه فأبشره قال إذن يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليل حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر أعلم بتوبة الله علينا وانزل الله تعالى قد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة الى قوله وكونوا مع الصادقين وقال في حق من اعتذر له صلى الله عليه وسلم { سيحلفون بالله لكم } الى قوله { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين }

واستشكل نزول الوحي بالقرآن في بيت ام سلمة بقوله صلى الله عليه وسلم في حق عائشة رضي الله عنها ما نزل على الوحي في فراش امرأة غيرها وأجاب بعضهم بأنه يجوز أن يكون ما تقدم في حق عائشة كان قبل هذه القصة أو أن الذي خصت به عائشة رضي الله عنها نزول الوحي في خصوص الفراش لا في البيت
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية قال كانوا عشرة أبو لبابة وأصحابه تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فلما رجع صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهما أنفسهم بسواري المسجد منهم أبو لبابة فلما مر بهم رسول الله قال من هؤلاء قالوا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك حتى تطلقهم وتغذرهم قال وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فلما بلغهم ذلك قالوا ونحن لا نطلق انفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا فأنزل الله تعالى { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية فعند ذلك أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرهم فجاءوا بأموالهم وقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال صلى الله عليه وسلم ما أمرت أن آخذ أموالكم فأنزل الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } إلى قوله { وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم } وهم الذين لم يربطوا أنفسهم بالسواري وتقدم أن أبا لبابة رضي الله عنه الله عنه ربط نفسه ببعض سواري المسجد في قصة بني قريظة وعلى هذا فقد تكرر منه ربط نفسه وقد ذكره ابن اسحاق فليتأمل ذلك
ولما قدم صلى الله عليه وسلم من تبوك وجد عويمرا العجلاني رضي الله عنه امرأته حبلى أي وهي خولة بنت عمه قيس فلا عن بينهما صلى الله عليه وسلم أي في المسجد بعد العصر وكان قد قذفها بشريك بن سحماء ابن عمه وقال وجدته على بطنها وإني ما قربتها منذ اربعة اشهر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عويرما وقال له اتق الله في زوجتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان فقال يا رسول الله أقسم بالله إني رايت شريكا على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر ودعا صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي هي خولة وقال لها اتقي الله ولا تخبريني إلا بما صنعت قالت يا رسول الله إن عويمرا رجل غيور وإنه يأتي وشريكا يطيل السهر ويتحدث حملته الغيرة على أن قال ما قال فدعا شريكا

وقال له ما تقول فقال مثل قول المرأة فأنزل الله تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادي بالصلاة جماعة فلما صلى العصر أى وقد نودى بذلك واجتمع الناس قال لعويمر قم فقام وقال أشهد الله إن خولة لزاتنية وإني لمن الصادقين ثم قال في الثانية أشهد بالله إني رأيت شريكا على بطنها وإني لمن الصادقين ثم قال في الثالثة أشهد بالله إنها حبلى من غيرى وإني لمن الصادقين ثم قال في الرابعة أشهد بالله إني ما قربتها منذ أربعة اشهر وإني لمن الصادقين ثم قال في الخامسة لعنة الله على عويمر يعني نفسه إن كان من الكاذبين ثم أمره صلى الله عليه وسلم بالقعود وقال لخولة قومي فقامت فقالت أشهد الله ما أنا زانية وإن عويمرا لمن الكاذبين ثم قالت في الثانية أشهد بالله ما رأى شريكا على بطني وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الثالثة أشهد بالله إني لحبلى منه وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الرابعة أشهد بالله إنه ما رآني قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة إن غضب الله على خولة تعني نفسها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما أي قال له لا سبيل لك عليها وهو دليل لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه القائل إن الفرقة بين الزوجين تحصل بنفس التلاعن
وما جاء في بعض الروايات أنه طلقها ثلاثا قبل أن يأمره صلى الله عليه وسلم أي بعدم الاجتماع بها فهو محمول على أنه ظن أن التلاعن لا يحرمها عليه فاراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثا ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم عقب ذلك لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك ثم قال له صلى الله عليه وسلم إن جاء الولد على صفة كذا فعويمر صادق وإن جاء على صفة كذا فعويمر كاذب فجاء على الصفة التي تصدق عويمرا فكان الولد ينسب الى أمه
وفي البخاري أن عويمرا أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان فقال كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه ام كيف يصنع سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فكره النبي صلى الله عليه وسلم تلك المسألة وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فساله عويمر فقال له عاصم لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة وعابها أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره المسألة التي لا يحتاج

إليها أي التي لم يكن وقعت لا سيما إن كان فيها هتك ستر مسلم او مسلمة قال عويمر رضي الله عنه لم يكن وقع له مثل ذلك حينئذ ثم اتفق له وقوع ذلك بعد فقال عويمر والله لا أنتهى حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فجاءه عويمر وهو وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا إن تكلم جلدتموه وإن قتله قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم لعويمر قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا فاذهب فائت بها أي وذلك بعد أن ذكر له عويمر قصته
وفي رواية وقد قضى فيك وفي امرأتك فتلاعنا وفيه أن هلال بن أمية أحد المتخلفين عن تبوك قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء أو كانت حاملا فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة زاد في رواية أوحد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا يتكلف يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول وإلا فحد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السلام أي بعد أن قال صلى الله عليه وسلم اللهم افتح أي بين لنا الحكم فأنزل الله تعالى والذين يرمون أزواجهم فأرسل صلى الله عليه وسلم الى المرأة فجاءت وتلاعنا وعند الخامسة تلكأت ونكصت حتى ظن أنها ترجع أي لأنه صلى الله عليه وسلم قال لها إنها أي اللعنة موجبة أي للعذاب في الآخرة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ثم قالت جاءت به كذا فهو لهلال وإن جاءت به كذا فهو لشريك فجاءت به على الوصف الذي ذكرأنه يكون لشريك فقال صلى الله عليه وسلم لولا ما سبق من كتاب الله تعالى لكان لي ولها شأن
وجمهور العلماء على أن سبب نزول آية اللعان قصة هلال بن امية وأنه أول لعان وقع في الإسلام
وذهب جمع الى أن سبب نزولها قصة عويمر العجلاني لقوله صلى الله عليه وسلم قد

أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا وأجيب بأن معناه لما نزل في قصة هلال لأن ذلك عام في جميع الناس
قال الإمام النووي رحمه الله ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين أي وقال صلى الله عليه وسلم في كل اللهم افتح فنزلت هذه الآية فيهما وسبق هلال باللعان فكان أول من لاعن
وفي مسلم أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم لا قال سعد بلى والذي اكرمك بالحق وفي رواية كلاوالذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله باليف وفي لفظ لضربته بالسيف من غير صفح أي بل أضربه بحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اسمعوا الى ما يقول سيدكم وليس ذلك من سعد رضي الله عنه ردا عليه صلى الله عليه وسلم وانما هو إخبار عن حاله ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم إنه لغيور وأنا اغير منه والله أغير مني فاخبر صلى الله عليه وسلم عن سعد بأنه غيور وأنه صلى الله عليه وسلم أغير منه وأن الله غير منه صلى الله عليه وسلم ومن ثم جاء في الحديث لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحب اليه العذر من الله ومن أجل ذلك أرسل مبشرين ومنذرين ولا احب اليه المدح من الله ومن أجل ذلك وعد الجنة ليكثر سؤال العباد إياها والثناء منهم عليه
وفي تفسير الفخر الرازي رحمه الله لا شخص أغير من الله وبه استدل على جواز إطلاق الشخص على الله تعالى
وفي الحلية لأبي نعيم رحمه الله عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر أرايت لو وجدت مع أم رومان رجلا ما كنت صانعا قال كنت فاعلا به شرا ثم قال صلى الله عليه وسلم يا عمر أرايت لو وجدت رجلا أي مع زوجتك ما كنت صانعا قال كنت والله قاتله فقرأ صلى الله عليه وسلم { والذين يرمون أزواجهم } الآية
وفي الأم لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أن رجلا من أهل الشام وجد مع امرأته رجلا فقتله فرفع الامر الى معاوية رضي الله تعالى عنه فأشكل على معاوية القضاء فها فكتب معاوية الى أبي موسى الأشعري رضي الله

تعالى عنه أن يسال عن ذلك علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فاستخبر علي أبا موسى عن القصة فأخبره أبو موسى ت أن معاوية كتب إليه في ذلك فقال علي كرم الله وجهه أنا أبو الحسن إن لم يأت باربعة شهداء قتلناه فليتأمل
وفي الخصائص الكبرى أن في غزوة تبوك اجتمع صلى الله عليه وسلم بإلياس فعن أنس رضي الله تعالى عنه سمعتا صوتا يقول اللهم اجعلني من أمة محمد الله عليه وسلم المرحومة المغفور لها المستجاب لها فقال النبي صل يا أنس انظر ما هذا الصوت قال أنس رضي الله تعالى عنه فدخلت الجبل فإذا رجل عليه ثياب بيض أبيض الراس واللحية طوله أكثر من ثلثمائة ذراع فلما رآني قال أنت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم قال ارجع اليه واقرأه السلام وقل له أخوك الياس يريد أن يلقاك فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فجاء صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا معه حتى إذا كنت منه قريبا تقدم النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت أنا فتحدثا طويلا فنزل عليما من السماء شيء شبه السفرة ودعاني فأكلت معهما قليلا فإذا فيها كمأة ورمان وحوت وتمر وكرفس فلما أكلت قمت فتنحيت ثم جاءت سحابة فاحتملته وأنا أنظر إلى بياض ثوبه فيها قال الحافظ ابن كثير هذا حدث موضوع مخالف للآحاديث الصحيحين وهذا مما يستدرك به على الحاكم الصحاح من وجوه وأطال في بيان ذلك والعجيب من الحاكم كيف يستدركه على الصحيحين وهذا مما يستدرك به على الحاكم
وفي النور لم يجئ في حديث صحيح اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالياس وفي الجامع الصغير إلياس أخو الخضر وفي تفسير البغوي أربعة من الأنبياء احياء الى يوم البعث أثنان في الأرض وهما الخضر وإلياس أي وإلياس في البر والخضر في البحر يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه وأكلهما الكرفس والكمأة واثنان في السماء إدريس وعيسى عليهما الصلاة السلام
وعن ابن اسحق الخضر من ولد فارس وإلياس من بني اسرائيل أي وقد يقال لا ينافي ذلك ما تقدم أنهما أخوان لجواز أن يكونا أخوين لأم
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن اليه النفس أن الخضر عليه الصلاة السلام اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام ولو

كان حيا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله اجتماعه به صلى الله عليه وسلم
وفي الخصائص الكبرى عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال خرجت ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم أحمل الطهور فسمع قائلا يقول اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس ضع الطهور وأت هذا فقل له ادع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينه على ما بعثه به وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به من الحق فأتيته فقلت له فقال مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم أنا كنت أحق أن آتيه اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل له أخوك الخضر يقرأ عليك السلام ويقول لك إن الله فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على الشهور وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام فلما وليت سمعته يقول اللهم اجلعني من هذه الأمة المرحومة المتاب عليها قال بعضهم وهذا حديث واه منكر الإسناد سقيم المتن ولم يراسل الخضر عليه الصلاة والسلام نبينا صلى الله عليه وسلم لم يلقه
قال السيوطي في اللآلئ قلت قد أخرج هذا الحديث الطبراني في الأوسط وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة قد جاء من وجهين وفي الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء عليهم الصلاة و السلام إلا أحدهما بدليل قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة و السلام والمراد بالشريعة الحكم بالظاهر وبالحقيقة الحكم بالباطن
وقد نص العلماء على أن غالب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما بعثوا ليحكموا بالظاهر دون ما اطلعوا عليه من بواطن الأمور وحقائقها ومن ثم أنكر موسى عليه الصلاة والسلام على الخضر صلى الله عليه وسلم في قتله الغلام بقوله { لقد جئت شيئا نكرا } فقال له الخضر عليه الصلاة والسلام { وما فعلته عن أمري } ومن ثم قال الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام إني على علم من عند الله لا ينبغي لك أن تعلمه أي تعمل به لأنك لست مأمورا بالعمل به وأنت على علم من عند الله لا ينبغي لي أن أعلمه أي لا ينبغي لي أن اعمل به لاني لست مأمورا بالعمل به
وفي تفسير أبي حيان والجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه معرفة بواطن أمور

أوحيت إليه أي ليعمل بها وعلم موسى عليه الصلاة والسلام الحكم بالظاهر أي دون بالحكم بالباطن
ونبينا صلى الله عليه وسلم حكم بالظاهر في أغلب أحواله وحكم بالباطن أي في بعضها بدليل قتله صلى الله عليه وسلم للسارق وللمصلي لما اطلع على باطن أمرهما وعلم منها ما يوجب القتل
وقد ذكر بعض السلف رحمه الله أن الخضر إلى الآن ينفذ الحكم بالحقيقة وأن الذين يموتون فجأة هو الذي يقتلهم فإن صح ذلك فهو في هذه الأمة بطريق النيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام صار من أتباعه صلى الله عليه وسلم كما أن عيسى عليه الصلاة والسلام لما ينزل يحكم بشريعته عنه لأنه من أتباعه
وفيه أن عيسى عليه الصلاة والسلام اجتمع به صلى الله عليه وسلم اجتماعا متعارفا ببيت المقدس فهو صحابي وجاء في حديث مطعون فيه أي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الخضر وإلياس عليهما الصلاة والسلام يجتمعان في كل عام أي في الموسم ويحلق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما يكون من نعمة فمن الله ما شاء الله لاحول ولا قوة الا بالله قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من قالها حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات عوفي من السرق والحرق والغرق ومن السلطان ومن الشيطان ومن الحية والعقرب
وعن علي كرم الله وجهه مسكن الخضر بيت المقدس فيما بين باب الرحمة الى باب الأسباط والله اعلم

باب سراياه صلى الله عليه وسلم وبعوثه
لا يخفى أن ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له غزوة وما خلا عنه صلى الله عليه وسلم يقال له سرية إن كان طائفة اثنين فأكثر فإن كان واحدا قيل له بعث وربما سمعوا بعض السرايا غزوة كما في مؤته حيث قالوا غزوة مؤته وكما في سرية الرجيع حيث عبر عنها السيوطي في الخصائص بغزوة الرجيع وعن سرية ذات السلاسل بغزوة ذات السلاسل وعن سرية سيف البحر بغزوة سيف البحر وربما سموا الواحد سرية وهو في الاصل كثير وبما سموا الاثنين فأكثر بعثا ومنه قول الأصل كالبخاري بعث الرجيع وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون إرسال ذلك لقتال أو لغير قتال كتجسس الأخبار أو لتعليمهم الشرائع كما في بئر معونة والرجيع أو للتجارة كما في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما حيث ذهب مع جمع بالتجارة للشام فلقيه بنو فزراة فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم كما سيأتي
والسرية في الأصل الطائفة من الجيش تخرج منه ثم تعود اليه خرجت ليلا أو نهارا وقيل السرية هي التي تخرج ليلا والسارية هي التي تخرج نهارا وهي من مائة الى خمسمائة وقيل الى اربعمائة أي وفي القاموس السرية من خمس أنفس الى ثلثمائة او اربعمائة وعليه فما دون ذلك لا يقال له سرية فما زاد على الثلثمائة أو أربعمائة الى ثمانمائة يقال له بنسر بالنون فإن زاد على لك الى اربعة آلاف قيل له جيش أي وقيل الجيش من ألف إلى اربعة آلاف فإن زاد على ذلك قي له جحفل وجيش جرار أي الى أثني عشر الفا
والبعث في الأصل الطائفة تخرج من السرية ثم تعود اليها وهو من عشرة الى أربعين يقال له حفيرة ومن أربعين الى ثلثمائة يقال له معتقب وما زاد على ذلك يسمى حمزة قال بعضهم والكتيبة ما اجتمع ولم ينتشر وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله خير الأصحاب أربعة وخير السريا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا أي فلا يرد أنهزام القدر المذكور يوم حنين قال في الأصل وكانت سراياه صلى الله

عليه وسلم التي بعث بها سبعا واربعين سرية وهو في ذلك موافق لما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب قال الشمس الشامي والذي وقفت عليه من السرايا والبعوث لغير الزكاة يزيد على السبعين أ هـ
أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله قاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تغدوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا والوليد الصبي أي مالم يقتل كالنساء ولا قتلوا
وفي رواية لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة وهذا عند العمد فلا ينافي أنه يجوز الإغارة على المشركين ليلا وإن لزم على ذلك قتل الصبيان والنساء والشيوخ
فقد روى الشيخان سئل صلى الله عليه وسلم عن المشركين يبيتون أي يغار عليهم ليلا فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم وكان صلى الله عليه وسلم يقول من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ولا سمع ولا طاعة في معصية الله وكان صلى الله عليه وسلم يعتذر عن تخلفه عن تلك السرايا ويقول والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب نفوسهم ان يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل
من جملة وصيته صلى الله عليه وسلم لمن يوليه على سرية وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلاث خصال فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم الى الإسلام فإن هم أبوا فاسألهم الجزية فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
ومن جملة قوله صلى الله عليه وسلم لمن يوليه على سرية وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلاث خصال فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم الى الإسلام فإن هم أبوا فسألهم الجزية فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
ومن جملة قوله صلى الله عليه وسلم للسرايا بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ولما بعث صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى رضي الله تعالى عنهما إلى اليمن قال لهما يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا

سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة في ثلاثين رجلا من المهاجرين قيل ومن الأنصار وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث من الأنصار الا بعد ان غزا بهم بدرا أي وذلك في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة وعقد له صلى الله

عليه وسلم لواء أبيض وهو أول لواء عقد في الإسلام حمله ابو مرثد بتفح الميم وإسكان الراء ثم مثلثة مفتوحة حليف حمزة رضي الله تعالى عنه ليعترض عيرا لقريش جاءت من الشام تريد مكة وفيها ابو جهل لعنه الله في ثلثمائة رجل وقيل في مائة وثلاثين فصار رضي الله تعالى عنه الى ان وصل سيف البحر أي بكسر السين المهملة واسكان المثناة تحت ثم فاء ساحله من ناحية العيص أرض من جهينة فصأدق العير هناك فلما تصافوا للقتال حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفا للفريقين فأطاعوه وانصرفوا ولم يقع بينهم قتال ولما عاد حمزة رضي الله تعالى عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر بأي بان مجديا حجز بينهم وانهم رأوا منه نصفة قال صلى الله عليه وسلم في مجدي إنه ميمون النقيبة أي مبارك النفس مبارك الأمر وقال سعيد أورشيد الأمر أي أموره ناجحة ولم يقع له إسلام أي وفي الإمتاع وقد رهط مجدي على النبي صلى الله عليه وسلم فكساهم

سرية عبيدة بن الحارث بن عبد الطلب رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس ثمانية أشهر من الهجرة عبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنه في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين منهم سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وعقد له لواء أبيض وحمله مسطح بن أثاثة رضي الله تعالى عنه ليعترض عيرا لقريش وكان رئيسهم ابا سفيان وقيل عكرمة بن ابي جهل وقيل مكرز بن حفص في مائتى رجل فوافوا العير ببطن رابغ أى ويقل له ودان هل فلم يكن بينهم الا المناوشة برمي السهام أي فلم يسلوا السيف ولم يصطفوا للقتال وكان أول من رمى من المسلمين سعد بن ابي وقاص رضي الله تعالى عنه فكان سهمه أول سهم رمى به في الإسلام أي كما أن سيف الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه أول سيف سل في الإسلام ففي كلام ابن الجوزي أول من سل سيفا في سبيل الله الزبير بن العوام
وقد ذكر أن سعدا رضي الله تعالى عنه تقدم أصحابه ونثر كنانته وكان فيها عشرون سهما مامنها سهم إلا ويجرح إنسانا أو دابة أي لو رمى به لصدق رميه وشدة ساعدة رضي الله تعالى عنه ثم انصرف الفريقان فإن المشركين ظنوا أن للمسليمن مددا فخافوا وانهزموا ولم يتبعهم المسلمون وفر من المشركين الى المسلمين المقداد بن عمرو أي الذي

يقال له ابن الأسود وعيينة بن غزوان فإنهما كانا مسلمين ولكنهما خرجا مع المشركين ليتوصلا بهم الى المسلمين فعلم أن سرية عبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنه بعد سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وقي قيل بل هي قبلها وكلام الاصل يشعر به ويؤيده قول ابن اسحاق كانت راية عبيدة بن الحارث فيما بلغنا أول راية عقدت في الإسلام قال بعضهم ومنشأ هذا الاختلاف أن بعث حمزة وبعث عبيدة رضي الله تعالى عنهما كانا معا أي في يوم واحد في محل واحد أي وشيعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا كما في ذخائر العقبي فاشتبه الأمر فمن قائل يقول إن راية حمزة رضي الله تعالى عنه أول راية عقدت في الإسلام وأن بعثه اول البمعوث ومن لكن يشكل على ذلك أن خروج حمزة كل على رأس سبعة اشهر من الهجرة كما تقدم وخروج عبيدة كان على راس ثمانية أشهر كما تقدم وبما ذكر أن بعثهما معا الى آخره يرد ما أجاب به بعضهم عن هذا الإشكال بأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم عقد رايتهما معا وتأخر خروج عبيدة الى راس الثمانية أشهر لأمر اقتضى ذلك هذا كلامه إلا أن يقال يجوز أن يكون المراد ببعثهما معا أمرهما بالخروج وأن المراد بتشيعهما جميعا أن كلا منهما وقع له التشييع منه صلى الله عليه وسلم وذلك لا يقتضي أن يكون ذلك في وقت واحد تأمل
وفي هذا إطلاق الراية على اللواء وهو الموافق لما صرح به جماعة من أهل اللغة أنهما متردافان وتقدم أنه لم يحدث له اسم الراية إلا في خبير او وكانوا لا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية وما هنا يرده
وفي كلام بعضهم كانت رايته صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض كما في حديث ابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما زاد ابو هريرة رضي الله تعالى عنه مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله

سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
إلى الخرار
بفتح الخاء المعجمة وراءين مهملتين وفي النور بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء الأولى
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على راس تسعة اشهر من الهجرة سعد بن أبي وقاص في عشرين من المهاجرين أي وقيل ثمانية وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو قال والخرار واد يتوصل منه إلى الجحفة وقد عهد إليه أن لا يجاوزه ليعترض عير لقريش تمر بهم فخرجوا يمشون على اقدامهم يكمنون النهار ويسيرون الليل حتى صبحوا المكان المذكور في صبح خمس فوجدوا العير قد مرت بالأمس فانصرفوا راجعين الى المدينة أ هـ
وقد ذكر ابن عبد البر وابن حزم هذه السرية بعد بدر الأولى وفي السيرة الشامية الباب السادس في سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه الى الخرار وساق ما تقدم وقال بعده الباب التاسع في سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
روى الإمام احمد عنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت جهينة فقالوا له إنك نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتى نأتيك وقومنا فأوثق لهم فاسلموا وبعثنا صلى الله عليه وسلم ولا نكون مائة وكان ذلك في رجب أي من السنة الثانية وامرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نغير على حي من كنانة فأغرنا عليهم فكانوا كثيرا فلجأنا الى جهينة فمنعونا وقالوا لم تقاتلون في الشهر الحرام فقال بعضنا لبعض ماترون فقال بعضنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره وقال بعض آخر لا نقيم ههنا وقلت انا في أناس معي بل نأتي عير قريش فنقتطعها فانطلقنا الى العير وانطلق بعض أصحابنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان محمرا وجه فقال جئتم متفرقين وإنما أهلك من قبلكم الفرقة لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش فبعث علينا عبد الله بن جحش أميرا فأمره علينا لنذهب الى جهة نخلة بين مكة والطائف
سرية عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه
إلى بطن نخلة
قال لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الأخيرة قال لعبد الله بن جحش واف مع الصبح معك سلاحك ابعثك وجها فوافاه الصبح ومعه قوسه وجعبته ودرقته فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح وجده واقفا عند بابه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب فدخل عليه فأمره فكتب كتابا ثم دعا عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه فدفع اليه الكتاب وقال له قد ا ستعملتك على هؤلاء النفر أ هـأي وكان قبل ذلك بعث عليهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فلما ذهب لينطلق بكى صبيانه الى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث عليهم عبد الله وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين أي فهو أول من تسمى في الإسلام بأمير المؤمنين ثم بعده عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولا ينافي ذلك قول بعضهم أول من تسمى في الإسلام بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لان المراد أول من تسمى بذلك من الخلفاء أو أن هذا أمير جميع المؤمنين وذاك أمير من معه من المؤمنين خاصة
فقد جاء أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يكتب أولا من خليفة أبي بكر فاتفق أن عمر رضي الله تعالى عنه أرسل الى عامل العراق أن يبعث اليه برجلين جلدين يسألهما عن أهل العراق فبعث اليه بعبد بن ربيعة وعدي بن حاتم الطائي فقدما المدينة ودخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه فقالا استأذن لنا على أمير المؤمنين فقال عمرو انتما والله أصبتما اسمه فدخل عليه عمرو وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال ما بدالك في هذا الاسم فأخبره الخبر وقال أنت الأمير ونحن المؤمنون فأول من سماه بذلك عبد بن ربيعة وعدي بن حاتم وقيل أول من سماه بذلك المغيرة بن شعبة وحينئذ صار يكتب من عبد الله عمر أمير المؤمنين فقد كتب رضي الله تعالى عنه بذلك الى نيل مصر فإن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لما فتح مصر ودخل شهر بؤنة من شهور العجم دخل اليه أهل مصر وقالوا له أيها الأمير إذا كان أحد عشر ليلة تخلوا من هذا الشهر عمدنا الى جارية بكر بين أبويها وجعلنا عليها من الثياب والحلي ما يكون ثم

ألقيناها في هذا النيل أي ليجري فقال لهم عمرو رضي الله تعالى عنه إن هذا لا يكون في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما كان قبله فأقاموا مدة والنيل لا يجري لا قليلا ولا كثيرا حتى هم أهل مصر بالجلاء منها فكتب عمرو بذلك إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكتب اليه كتابا وكتب بطاقة في داخل الكتاب وقال في الكتاب قد بعثت اليك بطاقة في داخل الكتاب فالقها في نيل مصر فلما قدم الكتاب أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين الى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله هو الذي يجريك فأسأل الله الواحد القهار ان يجريك فالقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم فاصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر الى اليوم
وكان أولئك النفر ثمانية أي وقيل اثني عشر من المهاجرين يعتقب كل اثنين منهم بعيرا منهم سعد بن أبي وقاص وعيينة بن غزوان وكانا يعتقبان بعيرا ومنهم واقد ابن عبد الله ومنهم عكاشة بن محصن وامر صلى الله عليه وسلم عبد الله أن لا ينظر في ذلك الكتاب حتى يسير يومين أي قبل مكة ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره أحدا من اصحابه أي على السير معه أي وقد عقد له صلى الله عليه وسلم راية
قال ابن الجوزي أول راية عقدت في الإسلام راية عبد الله بن جحش أي بناء على أن الراية غير اللواء وحينئذ تعارض القول بترادفهما والقول بأن اسم الراية إنما وجد في خبير
قال ابن الجوزي رحمه الله وهو أول أمير أمر في الإسلام وفيه أنه مخالف لما سبق إلا أن يريد أن من سمي أمير المؤمنين فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب فإذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا فأت حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ولا تكره أحدا من أصحابك على السير معك أى ولفظ الكتاب سر بسم الله وبركاته ولا تكرهن أحدا من أصحابك على السير معك وامض لأمري حتى تأتي بطن نخلة فترصد عير قريش وتعلم لنا أخبارهم فلما قرا الكتاب على اصحابه قالوا نحن سامعون مطيعون لله ولرسوله ولك فسر على بركة الله تعالى أي وجعل البخاري دفعه صلى الله عليه وسلم الكتاب لعبد الله ليقراه ويعمل به فيه دليلا على صحة الراوية بالمناولة وهي ان الشيخ يدفع لتلميذه كتابا ويأذن له أن يحدث عنه بما فيه


وممن قال بصحة المناولة مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه روى إسماعيل بن صالح عنه أنه أخرج لهم كتابا مشدودة وقال لهم هذه كتبي صححتها ورويتها فارووها عني فقال له اسماعيل بن صالح نقول حدثنا مالك قال نعم
وفي لفظ أن عيد الله رضي الله تعالى عنه لما قرأ الكتاب قال سمعا وطاعة أي بعد أن استرجع ثم أعلم اصحابه وقال لهم من كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض الى آخر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضوا لم يتخلف منهم أحد حتى إذا كانوا ببحران بفتح الموحدة وبضمها وسكون الحاء المهملة موضع اضل سعد بن أبي وقاص وعيينة بن غزوان بعيرهما فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله ومن عداهما معه حتى نزل بنلخة فمرت عير لقريش أي تحمل زبيبا وأدما أي جلودا من الطائف وأمتعة للتجارة في تلك العير عمرو بن الحضرمي وعثمان بن المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان ونزلوا قريبا من عبد الله وأصحابه وتخوفوا منهما فاشرف عليهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه أي وتراءى لهم ليظنوا أنهم عمارا فيطمئنوا أي وذلك بإرشاد عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه فإنه قال لهم إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم فحلقوا راس عكاشة ثم أشرف عليهم فلما رأوا راسه محلقوا قالوا عمار أي هؤلاء معتمرون لا باس عليكم منهم وكان ذلك آخر يوم من شهر رجب أي وقيل أول يوم منه
ويدل للأول ما جاء ان عبد اله تشاور مع اصحابه فيهم فقال بعضهم لبعض إن تركتموهم في هذه الليلة دخلوا الحرم فقد تمنعوا منكم به وان قتلتموهم في هذا اليوم تقتلوهم في الشهر الحرام أي وكان ذلك قبل أن يحل القتال في الشهر الحرام فإن تحريم القتال في الأشهر الحرم كان معمولا به من عهد ابراهيم وإسمعيل عليهم الصلاة والسلام جعل الله ذلك مصلحة لأهل مكة فإن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما دعا لذريته بمكة أن يجعل الله أفئدة من الناس تهوي اليهم لمصلحتهم ومعاشهم وجعل الأشهر الحرم أرعة ثلاثة سردا وواحدا فردا وهو رجب أما الثلاثة فليأمن فليأمن الحجاج فيها ورادين لمكة وصادرين عنها شهرا قبل شهر الحج وشهرا آخر بعده قدر ما يصل الراكب من أقصى بلاد العرب ثم يرجع وأما رجب فكان للعمار يأمنون فيه مقبلين ومدبرين وراجعين

نصف الشهر للإقبال ونصفه الآخر للإياب لان العمرة لا تكون من أقاصي بلاد العرب كالحج وأقصى منازل بلاد المعتمرين خمسة عشر يوما ذكره السهيلي
ولم يزل تحريم القتال في تلك الأشهر الحرم الى صدر الإسلام وذلك قبل نزول براءة فإن براءة كان فيها نبذ العهد العام وهو أن لا يصد أحد عن البيت جاءه ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم وأن لا يحتج مشرك وإباحة القتال في الأشهر الحرم أي مع بقاء حرمتها فإنها لم تنسخ قال تعالى { منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم } فتعظيم حرمتها باقية لم تنسخ وإنما نسخ حرمة القتال فيها خلافا لما نقل عن عطاء من أن حرمة القتال فيها باقية لم تنسخ
ويدل للثاني ما في الكشاف وكان ذلك اليوم أول يوم من رجب وهم يظنون أنه من جمادي الآخرة فتردد القوم وهابوا الإقدام ثم شجعوا أنفسهم عليهم ثم أجمع رأيهم على قتل من لم يقدروا على أسره أي وأخذ ما معهم فقتلوا عمرو بن الحضرمي رماه واقد بن عبد الله بسهم فهو أول قتيل قتله المسلمون وأسروا عثمان والحكم فهما أول أسير اسره المسلمون وأفلت بتفح الهمزة باقي القوم أي وجاء الخبر لأهل مكة فلم يمكنهم الطلب لدخول شهر رجب أي بناء على ما تقدم واستاق عبد الله واصحابه رضي الله تعالى عنهم العير حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول غنيمة غنمها المسلمون فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام وأبى أن يستلم العير والأسيرين فسقط بالبناء للمجهول في ايديهم أي ندموا وعنفهم إخوانهم من المسلمين وقالت قريش قد استحل محمد واصحابه الشهر الحرام سفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال أي وصارت قريش تعير بذلك من مكة من المسلمين يقولون لهم يا معشر الصباة قد استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه وزادوا في التشنيع والتعيير وصارت اليهود تتفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون القتيل عمرو الحضرمي والقاتل واقد فيه عمرت بفتح العين المهملة وكسر الميم الحرب أي حضرت الحرب ووقدت الحرب فكان ذلك الفأل عليه لعنهم الله وضاق الأمر على عبد الله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } أي عظيم الوزر { وصد عن سبيل الله } أي ومنع للناس عن دين الله { وكفر به } أي بالله { والمسجد الحرام } أي ومنع للناس عن مكة { وإخراج أهله منه } وهم

النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين منه من { أكبر عند الله } أعظم وزرا { والفتنة } الشرك أي الذي أنتم عليه أو حملكم من أسلم على الكفر بالتعذيب له { أكبر من القتل } لكم فيه أي صدهم لكم عن المسجد الحرام وكفرهم بالله و إخراجكم من مكة وأنتم أهلها وفتنة من أسلم بحيث يريد عن الإسلام ويرجع إلى الكفر أكبر من قتل من قتلتم منهم ففرج عن عبد الله واصحابه رضي الله تعالى عنهم أي وهذا كما ترى يدل على أنهم قتلوا مع علمهم بأن ذلك اليوم من رجب وضعف ما تقدم عن الكشاف الموافق لما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اصحاب محمد كانوا يظنون أن ذلك اليوم آخر جمادي وكان أول رجب ولم يشعروا أي لأن جمادي يجوز أن يكون ناقصا وفيه أنه لو كان الأمر كذلك لا عتذر عبد الله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم بذلك
وجاء أن المسلمين اختلفوا في ذلك اليوم فمن قائل منهم هذه غرة من عدوكم وغنم رزقمتوه ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم ام لا وقال قائل منهم لا نعلم اليوم الا من الشهر الحرام ولا نرى ان تستحلوه لطمع اشتملتم عليه ويذكر أنه صلى الله عليه وسلم عقل أبن الحضرمي أي اعطي ديته ويضعفه ما تقدم في غزوة بدر من أن أخاه طلب ثأره وكان ذلك سببا لإثارة الحرب وأن عتبة بن ربيعة أراد أن يتحمل ديته ويتحمل جميع ما أخذ من العير وأن تكف قريش عن القتال وحينئذ تسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين وطمع وطمع عبد الله واصحابه في حصول الأجر وسألوا رسول الله فأنزل الله تعالى { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } أي فقد اثبت لهم الجهاد في سبيل الله
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم ذلك العير وخمسه أي جعل خمسة لله واربعة أخماسه للجيش
وقيل تركه حتى رجع من بدر وخمسة مع غنائم بدر وقيل إن عبد الله هو الذي خمسها أي فإنه رضي الله تعالى عنه قال لأصحابه إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما غنمنا الخمس فأخرج خمس ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي عزلها له وقسم سائرها بين أصحابه رضي الله عنهم وحينئذ يكون ما تقدم من قوله وابي ان يتسلم العير الظاهر في أن العير لم تقسم المراد خمس تلك العير وهو أول غنيمة خمست في الإلام أي قبل فرضه ثم فرض على ما صنع عبد الله رضي الله عنه ويوافق ذلك قول ابن عبد الير

في الاسيتعاب وعبد الله بن جحش أول من سن الخمس من الغنيمة للنبي صلى الله عليه وسلم من قبل أن يفرض الله الخمس وأنزل الله تعالى بعد ذلك آية الخمس { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية وإنما كان قبل ذلك المرباع هذا كلامه والمرباع ربع الغنيمة وتقدم أن الفئ والغنيمة يطلق أحدهما على الآخر
وفي كلام فقهائنا أن الغنيمة كانت في صدر الإسلام له صلى الله عليه وسلم خاصة ثم نسخ ذلك بالتخميس
وبعثت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء عثمان والحكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لانفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعني سعد بن ابي وقاص وعيينة ابن غزوان فإنا نخشاكم عليهما فإن قتلتموهما نقتل صاحبيكم فإن سعدا عينية رضي الله عنهما لم يحضرا الوقعة بسبب التماسهما بعيرهما وقد مكثا في طلبه اياما ثم قدما فأفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين أي كل واحد بأربعين أوقية فأما الحكم فأسلم وحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا
أي وعن المقداد أراد أميرنا يعني عبد الله بن جحش أن يقتل الحكم فقلت دعه فقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما عثمان فلحق بمكة فمات بها كافرا بعث وفي الاصل تبعا لشيخه الحافظ الدمياطي

سرية عمير بن عدي الخطمي الضرير
إلى عصماء
أي بالمد بنت مروان اليهودية وكانت متزوجة في بني خطمة وكان زوجها مرئد ابن زيد بن حصين الأنصاري أسلم بعد ذلك رضي الله عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي وهو أ ول من أسلم من بني خطمة الى قتل عصماء بنت مروان لأنها كانت تسب الإسلام وتؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في شعر لها وتحرض عليه فجاءها عمير في جوف اليل حتى دخل عليها بيتها وحولها نفر من ولدها نيام وعلى صدرها صبي ترضعه فمسها بيده ونحى الصبي عن صدرها ووضع سيفه على صدرها وتحامل عليه حتى أنفذه من ظهرها ثم صلى الصبح مع النبي

صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلت ابنة مروان فقال نعم فهل على في ذلك من شيء فقال لا ينتطح فيها عنزان أي الأمر في قتلها هين لا يعارض فيه معارض وهذه الكلمة من جملة الكلمات التي لم تسمع إلا من النبي صلى الله عليه وسلم وقد جمع غالبها في النور في هذا المحل قال وسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم عميرا هذا بالبصير لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال انظروا الى هذا الأعمى الذي يسري في طاعة الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل الأعمى ولكن البصير
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما قال ألا رجل يكفينا هذه يعني عصماء بنت مروان فقال عمير بن عدي أنا لها فأتاها وكانت تمارة أي تبيع التمر فقال لها أعندك أجود من هذا التمر لتمر بين يديها قالت نعم فدخلت الى البيت وانكبث لتأخذ شيئا من التمر فالتفت يمينا وشمالا فلم يشسعر بأحد فضرب رأسها حتى قتلها فليتأمل هذا مع ما قبله
ثم إن عميرا أتى المسجد فصلى الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف صلى الله عليه وسلم من صلاته نظر اليه فقال له أقتلت ابنة مروان قال نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أجبتم أن تنظروا الى رجل نصر الله ورسوله فانظروا الى عمير فلما رجع عمير الى منزل بني خطمة وجد بنيها في جماعة يدفنونها فقالوا يا عمير أنت قتلتها قال نعم فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون والذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لأضربنكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة وكان يخفى إسلامه من أسلم منهم لكن جاء في رواية أنها كانت تلقى خرق الحيض في مسجد بني خطمة فليتأمل
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما أهدر دم عصماء نذر عمير إن رد الله رسوله صلى الله عليه وسلم من بدر الى المدينة سالما ليقتلنها فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر الى المدينة عدا عليها عمير رضي الله تعالى عنه فقتلها وفي كلام السهيلي رحمه الله أن الذي قتل عصماء بعلها
وقد يقال لا مخالفة لأن عميرا رضي الله عنه جاز أن يكون كان بعلالها قبل مرثد بن زياد

وذكر في الاستيعاب في ترجمة عمير رضي الله عنه أنه قتل أخته لسبها رسول الله ولم يسمها
أقول الظاهر أنها غير عصماء لأن نسب عصماء غير نسب عدي الا ان يقال انها أخته لأمه ويبعده ما تقدم من أنه كان زوجا لها والله أعلم وبعث وفي الاصل تبعا لشيخه الحافظ الدمياطي

سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك
أي والعفك بفتح العين المهملة وبالفاء وبالكاف أي الحمق أي ابي الحمق اليهودي قال صلى الله عليه وسلم يوما من لي بهذا الخبيث يعني أبا عفك أي من ينتدب الى قتله وكان شيخا كبيرا قد بلغ مائة وعشرين سنة وكان يحرض الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبه في شعر له فقال سالم بن عمير رضي الله عنه أي وهو أحد البكائين وقد شهد بدرا على نذر ان أقتل ابا عفك أو أموت دونه فطلب له غرة أي غفلة فلما كانت ليلة صائفة أي شديدة الحر نام أبو عفك بفناء بيته أي خارجه فعلم بذلك سالم رضي الله عنه فاقبل نحوه فوضع السيف على كبده ثم تحامل حتى خش السيف في فراشه وصاح عدو الله فتركه سالم رضي الله عنه وذهب فقام إلى أبي عفك ناس من أصحابه فاحتملوه وأدخلوه داخل بيته فمات عدو الله وابن إسحاق قدم هذه البعث على بعث عمير
سرية عبد الله بن مسلمة رضي الله عنه
الى كعب بن الاشرف الأوسي
أي فإن الله أصاب دما في الجاهلية فأني المدينة فحالف بني النضير فشرف منهم وتزوج عقيلة بنت ابي الحقيق فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة وكان شاعرا مجيدا وقد كان ساد يهود الحجاز بكثرة ماله وكان يعطى أحبار اليهود ويصلهم فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فجاءه أحبار يهود من بني قينقاع وبني قريظة لأخد صلته على عادتهم فقال لهم ما عندكم من أمر هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم قالوا هو الذي كنا ننتظر ما أنكرنا من نعوته شيئا فقال لهم قد حرمتم كثيرا من

الخير فارجعوا الى أهليكم فإن الحقوق في مالي كثيرة فرجعوا عنه خائبين ثم رجعوا اليه قالوا له أنا اعجلناك فيما أخبرناك به ولما استثبتنا علمنا أنا غلطنا وليس هو المنتظر فرضي عنهم ووصلهم وجعل لكل من تابعهم من الاحبار شيئا من ماله وهذا نزل فيه قوله تعالى { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما } استودعه شخص دينارا فجحده كذا في تكملة الجلال السيوطي وفي الكشاف وفروعه أنها نزلت في فنحاص بن عازوراء وقد يقال لا مانع من تعدد الواقعة
ولما انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما مبشرين لأهل المدينة بذلك وصارا يقولان قتل فلان وفلان وأسر فلان وفلان من أشراف قريش صار كعب يكذب في ذلك ويقول هؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله إن كان محمد قتل هؤلاء القوم فبطن الأرض خير من ظهرها أن كما تقدم فلما يتقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة وكان شاعرا فجعل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويمدح عدوهم ويحرضهم عليه وينشد الأشعار ويبكي من قتل ببدر من أشراف قريش فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اكفنى ابن الأشرف بما شئت ثم رجع الى المدينة أي بعد أن لم يجد من يأوى رحله بمكة أي لانه لما قدم مكة وضع رحله عند المطلب بن وادعة وأكرمته زوجة المطالب وهي عاتكة بنت أسيد فدعا رسول اله صلى الله عليه وسلم حسان وأخبره بذلك فهجا المطلب وزوجته فلما بلغهما هجاء حسان ألقت رحله وقالت مالنا ولهذا اليهودي وأسلم المطلب وزوجته بعد ذلك رضي الله عنهما وصار كلما تحول عند قوم من أهل مكة صار حسان يهجوهم فيلقون رحله أي يقال إنه خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على أبي سفيان فقال لهم أبو سفيان إنكم أهل الكتاب ومحمد صاحب الكتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما ففعلوا فأنزل الله تعالى { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } أي وحالفهم عند استار الكعبة على قتال المسلمين فخرج من مكة للمدينة فلما وصل الى المدينة وصار يشبب بنساء المسلمين أي يتغزل فيهن ويذكرهن بالسوء حتى آذاهن

أي وقيل إن كعب بن الاشرف صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أن يدعوا النبي صلى الله عليه وسلم الى الطعام فإذا حضر يفتكون به ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه فأعلمه جبريل عليه السلام بما أضمرره بعد أن جالسه فقام صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يستره بجناحه حتى خرج فلما فقدوا تفرقوا ولا مانع من تعدد الاسباب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينتدب لقتل كعب بن الأشرف وفي لفظ من لنا بابن الأشرف فقد استعلن بعدواتنا وهجائنا أي وفي رواية إنه يؤذي الله ورسوله وفي أخرى فإنه قد آذانا بشعره وقوي المشركين علينا أي فإن ابا سفيان قال لكعب فانك تقرا الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقا وأقرب الى الحق أنحن أم محمد فقال كعب اعرضوا على دينكم فقال ابو سفيان نحن ننحر للحجيج الكوماء ونقسيهم الماء ونقرى الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمر بيت ربنا ونطوف به ونحن أهل الحرم ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم وديننا قديم ودين محمد الحديث فقال كعب لعنة الله أنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه فقال صلى الله عليه وسلم من لي بقتل ابن الأشرف فقال محمد بن مسلمة الأوسي انا لك به يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خالي لأن محمد بن مسلمة ابن اخته أنا أقتله واجمع أي عزم على ذلك هو واربعة أي من الأوس عباد بن بشر وأبو نائلة وكان رضي الله عنه أخا لكعب بن الأشرف من الرضاعة والحارث بن عيسى والحارث بن أوس ومكث محمد بن مسلمة رضي الله عنه بعد قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام لا يأكل ولا يشرب إلا ما تقوم به نفسه خوفا من عدم وفائه بما ذكر ثم قال يا رسول الله لا بد لنا أن نقول أي نذكر ما نتوصل به اليه من الحيلة وحينئذ كان المناسب أن يقول لا بد لنا أن نقول أي نخترع ما نحتال به عليه فقال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك فأباح صلى الله عليه وسلم لهم الكذب لأنه من خدع الحرب كما تقدم
وقيل إنه صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه والجمع ممكن فتقدمهم الى كعب أبو نائلة رضي الله عنه وكان يقول الشعر فتحدث معه ساعة وتناشد شعرا ثم قال ويحك يا ابن الاشرف إني قد جئتك لحاجة أريد أن أذكرها لك فاكتم عني قال أفعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة فقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس أي

وسألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكل وسائر ما عندنا أنفقناه على هذا الرجل وعلى أصحابه فقال كعب لقد كنت أخبرتك يا ابن مسلمة أن الأمر سيصبر إلى ما تقول أي ثم قال له كعب أصدقني ما الذي تريدون في أمره قال خذلانه والتنحى عنه قال شر تبين بان لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل فقال ابو نائلة وقيل محمد بن مسلمة كما في رواية صحيحة
قال الحافظ ابن حجر ويحتمل ان كلا منهما قال له إني اريد ان تبيعني وأصحابي طعاما ونرهنك ونوثق لك فقال اترهنوني أبناءكم وفي رواية نساءكم قال اردت أن تفضحنا نرهنك من الحلقة أي السلاح كما تقدم وقيل الدرع خاصة ما فيه وفاء وقد أردت أن آتيك بأصحابي أراد أبو نائلة رضي الله عنه أن لا ينكر كعب السلاح إذا جاء به هو وأصحابه فقال إن في الحلقة لوفاء أي وفي البخاري قال أرهنوني نساءكم قالوا كيف نرهنك نساناء وأنت اجمل العرب زاد في رواية ولا نأمنك عليهن وأي امرأة تمتنع منك لجمالك فانك تعجب النساء قال فارهنوني ابناءكم قالوا كيف نرهنك ابناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن يوسف قالوا هذا عار علينا ولكنما نرهنك اللامة أي السلاح فرجع أبو نائلة رضي الله عنه الى أصحابه فاخبرهم الخبر وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا من عنده متوجهين الى كعب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي معهم الى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيته أي وأمر عليهم محمد بن مسلمة وكانت تلك الليلة مقمرة فأقبلوا رضي الله عنهم حتى انتهوا الى حصن كعب فهتف به ابو نائلة رضي الله عنه وكان كعب قريب عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امراته بناحيتها أي طرفها وقالت إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة قال أبو نائلة لووجدني قائما لا يوقظني فقالت والله إني لأعرف في صوته الشر أي وفي البخاري فقالت له امرأته أين تخرج هذه الساعة فإني أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم وفي مسلم كأنه صوت دم أي صوت طالب دم قال إنما هو ابن اختي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو دعي الى طعنة بليل لأجاب كذا في البخاري وفي مسلم إنما هو محمد ورضيعته قيل وصوابه إنما هو محمد ورضيعه ابو نائلة


فقد ذكر أهل العلم أن أبا نائلة رضي الله عنه كان رضيعا لمحمد فنزل أي وهو ينفح منه ريح طيب فتحدث معه هو وأصحابه ساعة ثم تماشوا ثم إن ابا نائلة رضي الله عنه وضع يده على رأس كعب ثم شم يده وقال ما رأيت طيبا أعطر من هذا الطيب أي فقال وكيف عندي أعطر نساء العرب وأكل العرب وفي لفظ وأجمل بدل أكمل وهي أشبه فقال له يا ابا سعيد أدن مني راسك أشمه وأمسح به عيني ووجهي ثم مشوا ساعة ثم عاد في ذلك أى في أن يتكلموا بما يتوصلون به إليه من الحيلة فأذن الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا أي وقع بعضها على بعض ولصق عدو الله بأبي نائلة وصاح صيحة لم يبق حصن وإلا وعليه نار قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه فوضعت سيفي في ثنيته ثم تحاملت عليه حتى بلغ عانته فوقع أي ولما صاح اللعين صاحت امرأته يا آل قريظة والنضير مرتين فخرجت اليهود فأخذوا عل غير طريق الصحابة ففاتوهم
قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه وأصيب الحارث بن أوس من بعض اسيافنا في رجله ورأسه ونزف به الدم فتخلف عنا أي وناداهم اقرءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام فعطفوا عليه واحتملوه وفي رواية تخلف عن اصحابه فافتفدوه ورجعوا اليه فاحتلموه قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا وأخبرناه بقتل عدونا وتفل على جرح صاحبنا فلم يؤلمه
قال وفي رواية أنهم حزوا رأس كعب وحملوا ذلك الراس ثم خرجوا يشتدون فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى تلك الليلة فلما سمع تكبيرهم بالبقيع كبر وعرف أنهم قد قتلوا عدو الله وخرج الى باب المسجد فجاءوا فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على باب المسجد فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلحت الوجوه قالوا أفلح وجهك يا رسول الله ورموا برأسه بين يديه فحمد الله على قتله أي وعند ذلك أصبحت يهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه من التحريض عليه وأذنيه المسلمين فازدادوا خوفا

سرية عبد الله بن عتيك رضي الله عنه
لقتل أبي رافع
سلام بالتخفيف ابن ابي الحقيق على وزن نصير بالتصغير وبالحاء المهملة الخزرجي أي وفي البخاري ابي رافع عبد الله بن ابي الحقيق ويقال له سلام بن أبي الحقيق كان بخيبر وكان تاجر أهل الحجاز
لما قتلت الأوس أي عبد الله بن مسلمة وأبو نائلة ومن تقدم معهما كعب بن الأشرف تذاكر الخزرج من يشابه كعب بن الأشرف في العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الخزرج فذكروا أبا رافع سلام بن أبي الحقيق أي لانه كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي وعن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي حزب الأحزاب يوم الخندق لأن الأوس والخزرج كانا يتنافسان فيم يقرب الى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم لا تفعل الأوس شيئا من ذلك إلا فعلت الخزرج نظيره وبالعكس ويقولون والله لا يذهبون بهذا فتيلا علينا في الإسلام فانتدب لقتله خمسة من الخزرج منهم عبد الله بن عتيك وعبد الله ابن أنيس وابو قتادة واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بن عتيك وأمرهم أن لا يقتوا وليدا ولا امرأة فخرجوا حتى أتوا خيبر فتسوردا دار ابي رافع ليلا فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله وكان ابو رافع في علية لها درجة أي سلم من الخشب من محل يصعد عليه الى تلك العلية فطلعوا في تلك الدرجة حتى قاموا على باب تلك العلية فاستأذنوا فخرجت اليهم امرأته فقالت من أنتم قالوا ناس من العرب نلتمس الميرة
وفي لفظ لما صعدوا قدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يتكلم بلسان يهود فاستفتح وقال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته وقالت ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلوا عليه أغلقوا عليهم وعليها باب الحجرة ووجدوه وهو على فراشه ما دلهم عليه في الظلمة إلا بياضة كأنه قبطية فابتدروه بأسيافهم ووضع عبد الله بن أنيس رضي الله

عنه سيفه في بطنه وتحامل عليه حتى انفذه وهو يقول قطني قطني أي يكفيني يكفيني وعند ذلك صاحت المرأة قال بعضهم ولما صاحت المرأة جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يتذكر نهى رسول صلى الله عليه وسلم فيكف يده قال وفي رواية أن المرأة لما رأت السلاح أرادت أن تصيح فاشار اليها بعضنا بالسيف فسكتت فابتدرناه باسيافنا وخرجنا من عنده وكان عبد الله بن عتيك رجلا سيء البصر فوقع من الدرجة فوثبت رجله وثبا شديدا أي جرحت جرحا شديدا وفي لفظ قد انكسرت ساقه وفي آخر فانخلعت رجله فعصبها بعمامته والجمع بين كسر ساقه وخلع رجله واضح لأن الانخلاع يكون من المفصل فقد انكسرت ساقه وانخلعت من مفصلها ومع الكسر والانخلاع حصلت فيها جراحة أيضا
وأما قول ابن اسحاق رحمه الله فوثبت يده فقيل وهم والصواب رجله كما تقدم وفي السيرة الهشامية فوثبت يده وقيل رجله
وقد يقال لا مانع من حصولهما قال فحملناه حتى أتينا محلا استخفينا فيه أى وذلك المحل من أفنيتهم التي يلقون فيها كناستهم وفي لفظ أنهم كمنوا في نهر من عيونهم حتى سكن الطلب
وقد يقال لا مخالفة لأنهم أوقدوا النيران وتفرقوا من كل وجه يلطبونهم أي وفي لفظ فخرج الحارث في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران حتى إذا أيسوا رجعوا إلى عدو الله فكتفوه وهو بينهم يجود بنفسه فقال بعضنا لبعض كيف نعلم أن عدو الله مات فقال رجل منهم أنا أذهب فانظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس قال فوجدت امرأته تنظر في وجهه وفي يدها المصباح ورجال يهود حوله وهي تحدثهم وتقول أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي
أي وعلى الرواية الآتية انه أكذبها ثم اقبلت تنظر في وجهه ثم قالت فاضت وإله يهود أي خرجت روحه فما سمعت من كلمة كان ألذ الى نفسي منها ثم جئت وأخبرت أصحابي واحتملنا عبد الله بن عتيك وقدمنا الى رسول صلى الله عليه وسلم
وفي رواية أن ابن عتيك لما عصب رجله انطلق حتى جلس على الباب وقال لا اخرج الليلة حتى اعلم أني قتلته أولا فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال

أنعى أبا رافع تاجر اهل الحجاز فانطلق يحجل الى اصحابه وقال قد قتل الله ابا رافع فاسرعوا وليتأمل هذا مع ما قبله وقوله أنعى هو بتفح العين وقيل الصواب انعوا والنعي خبر الموت والأسم الناعي ويقال له الناعية وكانت العرب إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسا وصار يذكر أوصافه ومآثره وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا منافاة بين كونه انطلق يحجل إلى اصحابه وكونهم حملوه لأنه يجوز أن يكون عند وقوعه وحصول ما تقدم له لم يحس بالألم لما هو فيه من الاهتمام وقدر على المشي يحجل ومن ثم جاء في بعض الروايات فقمت أمشي ما بي قلبة أي علة مهلكة فلما وصل الى اصحابه وعاد عليه المشي أحس بالألم فحمله أصحابه وهذا السياق يدل على أن الذي قتله عبد الله ابن عتيك وحده وهو ما في البخاري وفي رواية أن الذي كسرت رجله ابو قتادة لأنهم لما قتلوه وخرجوا نسى ابو قتادة قوسه فرجع اليها وأخذها فاصيبت رجله فشدها بعمامته ولحق بأصحابه وكانوا يتناوبون حمله حتى قدموا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فمسحها فبرئت أي وقال لما رآنا أفلحت الوجوه قلنا أفلح أفلح وجهك يا رسول الله وأخبرناه بقتل عدو الله واختلفنا عنده صلى الله عليه وسلم في قتله كل منا ادعاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا أسيافكم فجئناه بها فنظر اليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر الطعام قال والثابت في الصحيح كما علمت أن عبد الله بن عتيك هو الذي انفرد بقتله وان عدو الله كان يحصن بأرض الحجاز ولا منافاة لان خبير من الحجاز أي من قراه وريفه
فلما دنوا من خيبر وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله لاصحابه اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي ان أدخل فاقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته وقد دخل الناس فهتف به البواب يا عبد الله ناداه بذلك كما ينادي الشخص شخصا لا يعرفه وهو يظن أنه من أهل الحصن إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني اريد أن أغلق الباب فدخل وكمن فلما اغلق الباب علق المفاتيح قال ثم أخذتها وفتحت الباب وكان ابو رافع يسمر عنده فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت اليه فجعلت كلما فتحت بابا أغلقته على من داخله حتى انتهيت إليه فإذا هو في بيت ظلم وسط عياله لا أدري أين هو من البيت قلت أبا رافع قال من هذا فأهويت نحو الصوت فضربته بالسيف فما أغنت شيئا وصاح فخرجت من البيت أي وعند ذلك قالت له

امرأته يا أبا رافع هذا صوت عبد الله بن عتيك قال ثكلتك أمك واين عبد الله بن عيتك قال ابن عيتك ثم عدت وقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع قال لأمك الويل إن رجلان في البيت ضربني بالسيف فعمدت إليه فضربته أخرى فلم تغن شيئا فتواريت ثم جئته كهيئة المغيث وغيرت صوتي وإذا هو مستلق على ظهره فوضعت السيف في بطنه وتحاملت عليه حتى سمت صوت العظم ثم جئت الى الدرجة فوقعت فانكسرت رجلي فعصبتها بعمامتي فانطلقت الى اصحابي وقلت النجاة قد قتل الله ابا رافع فانتهت الى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال ابسط رجلك فمسحها فكأني لم أشتهكا قط وعادت كأحسن ما كانت انتهى أبي وهذا ما في البخاري وفيه في رواية اخرى أن ابن عتيك قال لما وضعت السيف في بطنه وتحاملت عليه حتى سمعت صوت العظم خرجت دهشا حتى اتيت السلم أي الذي صعدت فيه اريد أن أنزل فأسقطت منه فانخلعت رجلي فعصبتها فأتيت أصحابي أحجل فقلت انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغني لا ابرح حتى اسمع الناعية فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية فقال أنعى ابا رافع فقمت أمشي ما بي قلبة فادركت أصحابي قبل ان يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشرته
وفي سيرة الحافظ الدمياطي أنهم مكثوا في ذلك المحل استخفوا فيه يومين حتى سكن عنهم الطلب وينبغي النظر الى وجه الجمع بينا ما ذكر

سرية زيد بن حارثه رضي الله عنهما الى القردة
بفتح القاف والراء وقيل بالفاء مفتوحة وقيل بكسرها وسكون الراء وقدمه في الأصل على الأول اسم ماء
وسبها أن قريشا لما كانت وقعة بدر خافوا الطريق التي كانوا يسلكونها الى الشام من على بدر فسلكوا طريقا أخرى من جهة العراق فخرج عيرلهم فيه أموال كثيرة جدا من تلك الطريق يريدون الشام واستأجروا رجلا يدلهم على الطريق وكان ذلك الرجل ممن هرب من أسارى بدر وفي ذلك العير من اشراف قريش ابو سفيان وصفوان بن أمية وعبد الله بن أبي ربيعة وحويطب بن عب العزي فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم

زيد بن حارثة في مائة راكب وهي أول سرية لزيد بن حارثة خرج فيها أميرا فصادف تلك العير على ذلك الماء فأصاب العير وأفلت القوم وأسروا دليلهم
وقدم زيد رضي الله عنه بتك العير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخسمها فبلغ الخمس ما قيمته عشرون الف درهم وأتى بذلك الأسير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له إن تسلم تترك أي من القتل فأسلم فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه بعد ذلك

سرية ابي سلمة عبد الله بن عبد الأسد
وهو ابن عمته صلى الله عليه وسلم برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة كما تقدم الى قطن أي وهو جبل وقيل ماء من مياه بني أسد
وسببها انه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان طليحة وسلمة ابنى خويلد قد صار في قومهما ومن أطاعهما الى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي اخبره بذلك رجل من طيء قد المدينة لزيارة بنت اخيه بها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة المذكور وعقد له لواء وبعث معه مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وخرج الرجل المخبر له صلى الله عليه وسلم دليلا لهم وقال له صلى الله عليه وسلم سر حتى تنزل أرض بني أسد فإغر عليهم قبل أن يتلاقى عليك جموعهم فأغذ السير أي بفتح الهمزة والغين المشددة والذال المعجمتين أي أسرع ونكب أي بفتح الكاف المخففة عدل عن سيف الطريق وسار بهم ليلا ونهارا ليستبق الاخبار فانتهى الى ماء من مياههم فأغار على سرح لهم وأسروا ثلاثة من الرعاة وأفلت سائرهم ففرق ابو سلمة أصحابه ثلاث فرق فرقة بقيت معه وفرقتان أغارتا في طلب النعم والشاء والرجال فأصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا فانحدر ابو سلمة بذلك كله الى المدينة
قال وقيل إنه أخرج صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك عبدا أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يباح له أخذ الصفي وهو ما يختاره أو يختاره له أمير السرية قبل القسمة من الفئ أو الغنيمة من جارية أو غيرها كما تقدم واخرج الخمس ثم قسم ما بقي بين اصحابه فأصاب كل إنسان سبعة أبعرة أي وطليحة هذا كان يعد بألف فارس قدم عليه صلى الله عليه وسلم في بعض الوفود وأسلم ثم ارتد وادعى النبوة وتوفي رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقويت شوكته ثم أسلم بعد وفاة ابي بكر رضي الله عنه وحسن إسلامه وحج في زمن عمر رضي الله عنه ولم يعرف لأخيه سلمة إسلام بعث عبد الله ابن أنيس الى سفيان بن خالد الهذلي ثم اللحياني بكسر اللام وفتحها
وسبب ذلك أنه عليه الصلاة والسلام بلغه أن سفيان المذكورة قد جمع الجموع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه ليقتله فقال صفه لي يا رسول الله فقال إذا رايته هبته وفرقت أي خفت منه وذكرت الشيطان فقال عبد الله يا رسول الله ما فرقت من شيء قط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى إنك تجدله قشعريرة إذا رأيته فقال عبد الله فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقول أي ما أتوصل به اليه من الحيلة فأذن لي أي قال لي قل ما بدا لك أي وقال انتسب الى خزاعة قال عبد الله بن أنيس فسرت حتى إذا كنت ببطن عرنة وهو واد بقرب عرفة لقيته يمشي أي متوكئا على عصا يهد الأرض ووراءه الأحابيش أي اخلاط الناس ممن انضم إليه فعرفته بنحت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني هبته وكنت لا أهاب الرجال فقلت صدق الله ورسوله أي وكان وقت العصر فخشيت أن يكون بينى وبيه محاولة يشغلنى عن الصلاة فصليت وأنا أمشى نحوه أومىء برأسي فلما أنتهيت اليه قال لي من الرجل فقلت رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئت لأكون معك قال أجل إني لأجمع له فمشيت معه ساعة وحدثته فاستحلى حديثي أي وكان فيما حدثته به أن قلت له عجبت لما احدث محمد من هذا الدين المحدث فارق الآباء وسفه أحلامهم فقال لي إنه لم يلق أحد يشبهني ولا يحسن قتاله
فلما انتهى الى خبائة وتفرق عنه صحابه قال لي يا أخا خزاعة هلم فدنوت منه فقال اجلس فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا اغتررته فقتلته وأخذت راسه ثم دخلت غارا في الجبل وصيرت العنكبوت أى نسجت على وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فانصرفوا راجعين ثم خرجت فكنت أسير الليل أتوارى النهار حتى قدمت المدينة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فلما رآني قال قد أفلح الوجه قلت أفلح وجهك يا رسول الله فوضعت راسه بين يديه وأخبرته خبري فدفع لي عصا وقال تحضر بهذه في الجنة أي توكأ عليها فإن المتخصرين في الجنة قليل فكانت تلك العصا عنده فلما حضرته الوفاة أوصى اهله ان يدخلوها في كفنه يجعلوها بين جلده

وكفنه ففعلوا أي وفي القاموس ذو المخصرة أي كمكنسة بكسر الميم عبد الله بن أنيس
وهذه القصة وقصة كعب بن الأشرف ترد على الزهري قوله لم يحمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الى المدينة قط وحمل الى ابي بكر رضي الله تعالى عنه رأس فكره ذلك وأول من حملت اليه الرءوس عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما
وفيه أنه لما قتل الحسين وجماعة من أهل بيته بعث أبن زياد قبحه الله برءوسهم الى يزيد بن معاوية وابن الزبير رضي الله عنهما لم يبايع بالخلافة إلا بعد موت يزيد ومضى مدة خلافة ابنه معاوية رضي الله عنه الذي خلع نفسه وهي اربعون يوما ولعل إرسال راس الحسين ومن معه كان قبل راس عبد الله بن ابي الحمق فلا ينفأفي قول ابن الجوزي أول رأس حمل في الإسلام أي من المسلمين رأس عبد الله بن ابي الحمق وذلك أنه لدغ فمات فخشيت الرسل أن تتهم فقطعوا راسه فحملوه
ثم رأيت ابن الجوزي قال قال ابن حبيب نصب معاوية رضي الله عنه راس عمرو بن ابي الحمق ونصب يزيد بن معاوية رأس الحسين رضي الله عنه وقول الزهري الى المدينة لا يخالف ما في النور ما تقدم في غزوة بدر كم من رأس حمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تلك الرءوس لم تحمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة على أن فيه أنه لم يحمل إليه ذلك اليوم إلا رأس أبي جهل على ما تقدم

سرية الرجيع
وفي الاصل بعث الرجيع بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة وقيل ستة عيونا الى مكة يتجسسون أخبار قريش ليأتوه بها وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه ويقال له ابن ابي الأفلح بالفاء وقيل أمر عليم مرثد الغنوي رضي الله عنه حليف عمه صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه ومرثد بفتح الميم وإسكان الراء وبالمثلثة والغنوي بغين معجمة أي وكان مرثد هذا يحمل الأسرى ليلا من مكة حتى يأتي بهم المدينة فوعد رجلا من الأسرى بمكة أن يحمله قال فجئت به حتى انتهيت به الى حائط من حيطان مكة في ليلة مقمرة فجاءت عناق وكانت من جملة البغايا بمكة فرأت ظلي في جانب الحائط فلما أنتهت الي عرفتني قالت مرثد قلت مرثد قالت مرحبا وأهلا هلم تبت عندنا الليلة فقلت يا عناق إن الله حرم الزنا فدلت

علي فخرج في اثري ثمانية رجال فتواريت في كهف الخندمة فجاءوا حتى وقفوا على رأسي فأعماهم الله عني فلما رجعوا رجعت لصاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت الى محل فككت عنه قيده ثم جعلت أحمله حتى قدمت المدينة ثم استشرته صلى الله عليه وسلم أن أنكح عناق فأمسك عني حتى نزلت الآية { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } فدعاني صلى الله عليه وسلم فتلاها علي ثم قال لي لا تتزوجها
وفي قطعة التفسير للجلال المحلي أن الآية نزلت في بغايا المشركين لما هم فقراء المهاجرين أن يتزوجوهن وهن موسرات لينفقن عليهم فقيل التحريم خاص بهم وقيل عام ونسخ بقوله { وأنكحوا الأيامى منكم } الآية
وفيه أن عند فقهائنا يحرم على المسلم نكاح من تعبد الأوثان وإن لم تكن بغيا
ومن جملة العشرة عبد الله بن طارق وخبيب بن عدي وخبيب تصغير خب وهو الماكر من الرجال الخداع وزيد بن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وقد تسكن ثم نون مفتوحه ثم تاء تأنيث مقلوب من الندثة والندث استرخاء اللحم فخرجوا رضي الله عنهم أي يسيرون الليل ويكمنون النهار حتى إذا كانوا بالرجيع وهو ماء لهذيل لقيهم سفيان بن خالد الهذلي الذي قتله عبد الله بن أنيس وجاء براسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم وقومه وهم بنو لحيان فإنهم ذكروا لهم فنفروا اليهم فيما يقرب من مائة رام أي ولا يخالف ما في الصحيح قريبا من مائة رجل فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا نوى تمر أكلوه في منزل نزلوه أي فإن منهم امرأة كانت ترعى غنما فرأت النوى فقالت هذه تمر يثرب فصاحت في قومها أتيتم فتبعوهم الى ان وجدوهم في المحل المذكور فلما أحسوا بهم لجئوا الى موضع من جبل هناك أي صعدوا اليه فأحاطوا بهم وقالوا لهم أنزلوا ولكم العهد أن لا نقتل منكم أحدا فقال عاصم رضي الله تعالى عنه أما أنا فلا أنزل على ذمة أي أمان وعند كافر فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما أي وستة منهم وصار عاصم يرميهم بالنبل وينشد أبياتا منها ** الموت حق والحياة باطل ** وكل ما قضى الإله نازل ** ** بالمرء والمرء إليه آيل **
ولا زال يرميهم حتى فنيت نبله ثم طاعنهم حتى انكسرت رمحه ثم سل سيفه

وقال اللهم إني حميت دينك صدر النهار فاحم لحمي آخره ونزل اليهم ثلاثة على العهد وهم خبيب وزيد وعبد الله بن طارق رضي الله تعالى عنهم فلما أمسكوهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوا خبيبا وزيدا وامتنع عبد الله وقال هذا أول الغدر أي ترك الوفاء بعهد الله والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء يعني القتلى اسوة فعالجوه فابى أن يصحبهم أي فقتلوه كما في الصحيح وقيل صحبهم الى أن كانوا بمر ظهران يريدون مكة انتزع عبد الله يده منم ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه وانلطقوا بخبيب وزيد أي ودخلوا بهما مكة في شهر القعدة فباعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة أي وقيل بيع كل بخمسين من الإبل أي وقيل بيع خبيب بأمة سوداء فابتاع بنو الحارث بن عامر خبيبا قيل لأنه قتل الحارث يوم بدر كما في البخاري
وتعقب بأن المعروف عندهم قيل لأنه قاتل الحارث يوم بدر إنما هو خبيب بن إساف الخزرجي أي وقيل القاتل له علي كرم الله وجهه وخبيب بن عدي هذا اوسي لم يشهد بدرا عند أحد من أرباب المغازي أي وقيل في هذا يوم بدر كما في البخاري
وتعقب بأن المعروف عندهم أن قاتل الحارث يوم بدر إنما هو خبيب بن إساف الخزرجي أي وقيل القاتل له علي كرم الله وجهه وخبيب بن عدي هذا أوسي لم يشهد بدرا عند احد من ارباب المغازي أي وقيل في هذا تضعيف الحديث الصحيح
ثم رأيت الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر أنه لزم من هذا رد الحديث الصحيح ولو لم يقتل خبيب بن عدى الحارث بن عامر ما كان لاعتناء آل الحارث بشرائه وقتله به معنى إلا أن يقال لكونه من قبيلة قاتله وهم الأنصار وابتاع زيدا صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ليقتله بأبيه فحبسوهما إلى أن تنقضي الأشهر الحرم واستعار خبيب رضي الله تعالى عنه فإنه وهو محبوس موسى من بنت الحارث وفي الصحيح من بعض بنات الحارث ليستحد بها أي يحلق بها عانته فدرج لها ابن صغير وهي غافلة عنه حتى أتى الي خبيب رضي الله تعالى عنه فأجلسه خبيب رضي الله تعالى عنه على فخذه والموسى بيده فلما رأت ابنها على تلك الحالة فزعت فزعة عرفها خبيب رضي الله تعالى عنه فقال أتخشين أن اقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى وذلك بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث
وروى أنه رضي الله عنه أخذ بيد الغلام وقال هل أمكن الله منكم فقالت المرأة ما كان هذا ظني بك فرمى لها بالموسى وقال إنما كنت مازحا ما كنت لأغدر
وفي السيرة الشامية أن تلك المرأة قالت قال لي تعني خبيبا رضي الله تعالى عنه حين حضره القتل ابعثي الي بحديدة أتطهر بها للقتل أي وقد كان رضي الله تعالى عنه قال

لها إذا أرادوا قتل فآذنيني فلما أرداوا قتله آذنته فطلب منها تلك الحديدة قالت فأعطيت غلاما من الحي الموسى فقلت له ادخل بها على هذا الرجل البيت قالت فوالله لما دخل عليه الغلام قلت والله أصاب الرجل ثأره بقتل هذا الغلام ويكون رجل برجل فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال لعمرك ما خافت امك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ثم خلي سبيله ويقال إن الغلام ابنها أي ويرشد اليه قول خبيب رضي الله تعالى عنه ما خافت امك
وكانت بنت الحارث تقول والله ما رأيت اسيرا خيرا من خبيب قالت والله لقد وجدته يوما أي وقد طلعت عليه من شق الباب يأكل قطفا من عنب في يده أي مثل رأس الرجل وإنه لموثق بالحديد وما بمكة ثمرة وفي رواية ولا أعلم في أرض الله عنبا يؤكل
أي واستدل أئمتنا بقصة خبيب هذه على أنه يستحب لمن اشرف على الموت أن يتعهد نفسه بتقليم أظفاره وأخذ شعر شاربه وإبطه وعانته ولعل ذلك كان بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وأقره فلما انقضت الأشهر الحرم بانقضاء المحرم خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه في الحل فلما قدم للقتل قال لهم دعوني أصل ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال لم والله لولا أن تحبسوا أن ما بي من جزع لزدت ثم قال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا أي متفرقين واحدا بعد واحد ولا تبق منهم احدا أي الكفار وقد قتلوا في الخندق متفرقين
قال ذكر انهم لما خرجوا به ليقتلوه خرج النساء والصبيان والعبيد فلما انتهوا به إلى التنعيم أمروا بخشبة طويله فحفروا لها فلما انتهوا بخبيب إليها وبعد صلاته للركعتين صلبوه على تلك الخشبة أي ليراه الوارد والصادر فيذهب بخبره الى الأطراف ثم قالوا له ارجع عن الإسلام نخل سبيلك وإن لم ترجع لنقتلنك قال إن قتلي في سبيل الله لقليل اللهم إنه ليس هنا أحد يبلغ رسولك عني السلام فبلغه أنت عني السلام وبلغه ما يصنع بنا
وعن أسامه بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع اصحابه فأخذه ماكان يأخذه عند نزول الوحي فسمعناه يقول وعليه السلام

ورحمة الله وبركاته فلما سرى عنه صلى الله عليه وسلم قال هذا جبريل عليه السلام يقرئني من خبيب السلام خبيب قتلته قريش
وقد جاء أن المشركين دعوا أربعين ولدا ممن قتل آباؤهم يوم بدر فأعطوا كل واحد رمحا وقالوا هذا الذي قتل آباءكم فطعنوه بتلك الرماح حتى قتلوه ووكلوا بتلك الخشبة أربعين رجلا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم المقداد والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما في إنزال خبيب عن خشبته وفي لفظ قال صلى الله عليه وسلم أيكم ينزل خبيبا عن خشبته وله الجنة فقال له الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه أنا يا رسول الله وصاحبي المقداد بن الأسود فجاءا فوجدا عندها اربعين رجلا لكنهم سكارى نيام فأنزلاه وذلك بعد أربعين يوما من صلبه وموته
وحمله الزبير رضي الله تعالى عنه على فرسه وهو رطب لم يتغير منه شيء فشعر بهما المشركون أي وكانوا سبعين رجلا فبتعوهما فلما لحقوا بهما قذفه الزبير رضي الله تعالى عنه فابتلعته الأرض أ هـومن ثم قيل له بليع الأرض أي وكشف الزبير رضي الله تعالى عنه العمامة عن رأسه وقال لهم انا الزبير بن العوام وصاحبي المقداد بن الأسود أسدان رابضان يذبان عن شبلهما فإن شئتم ناضلتكم وإن شئتم نازلتكم وإن شئتم انصرفتم فانصرفوا عنهما
وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان عنده صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فقال له جبريل يامحمد إن الملائكة تباهي بهذين الرجلين من أصحابك فنزل فيهما { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } الآية وتقدم أنه قيل إنها نزلت في علي كرم الله وجهه لما نام على فراشة صلى الله عليه وسلم ليلة ذهابة الى الغار
وقيل إنها نزلت في حق صهيب لما أراد الهجرة ومنعه منها قريش فجعل لهم ثلث ماله أو كله كما تقدم
ورأيت بعضهم هنا قال إنها نزلت في صهيب رضي الله تعالى عنه لما أخذ المشركون ليعذبوه فقال لهم إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أو من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالي وتدعوني وديني ففعلوا
وفي كلام ابن الجوزي رحمه الله أن عمرو بن أمية هو الذي أنزل خبيبا فعنه رضي الله تعالى عنه قال جئت الى خشبة خبيب فرقيت فيها فحللته فوقع الى الأرض ثم التفت فلم

أر خبيبا ابتعلته الأرض وهذا وهو الموافق لما في السيرة الهشامية وأن ذلك كان حين أرسله صلى الله عليه وسلم والأنصار لقتل أبي سفيان بن حرب كما سيأتي إن شاء الله تعالى أي كان خبيب رضي الله تعالى عنه تحرك على الخشبة فانقلب وجهه عن القبلة أي الكعبة فقال اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك فحول الله وجهه نحوها فقال الحمد لله الذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه ولنبيه عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين ودعا عليهم خبيب رضي الله تعالى عنه فقال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فألقى ابو سفيان بنفسه الى الأرض على جنبه خوفا من دعوة خبيب رضي الله تعالى عنه لأنهم كانوا يقولون ان الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زال عنه أي لم تصبه تلك الدعوة
وقد ولي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سعد بن عامر رضي الله تعالى عنه على بعض أجناد الشام فقيل له إنه مصاب يلحقه غشى فاستدعاه فلما قدم عليه وجد معه مزودا وعكازا وقدحا فقال له عمر رضي الله تعالى عنه ليس معك الا ما أرى فقال له وما أكثر من هذا يا أمير المؤمنين مزودي أضع فيه زادي وعكازي أحمل به ذلك وقدحي آكل فيه فقال له عمر رضي الله تعالى عنه أبك لمم فقال لا فقال فما غشية بلغني أنها تصيبك فقال والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل وسمعت دعوته فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط الا غشى علي فزاده ذلك عند عمر رضي الله تعالى عنهما خيرا ووعظ عمر فقال له من يقدر على ذلك فقال أنت يا أمير المؤمنين إنما هو أن يقال فتطاع فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إرجع الى عملك فأبى وناشده الإعفاء فأعفاه
وكان خبيب رضي الله تعالى عنه هو الذي سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة أي لأنه صلى الله عليه وسلم بلغه ذلك عنه فاستحسنه فكان سنة وهذا يدل على أن واقعة زيد ابن حارثة رضي الله تعالى عنهما متأخرة عن قصة خبيب رضي الله تعالى عنه لكن في النور والمعروف أن زيد بن حارثة صلاهما قبل خبيب بزمن طويل
وفي الينبوع أن قصة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما كانت قبل الهجرة أي وكان ابن سيرين رحمه الله إذا سئل عن الركعتين قبل القتل قال صلاهما خبيب رضي الله تعالى عنه وحجروهما فاضلان ويعني حجر بن عدي رضي الله تعالى عنه فإن

زيادا والي العراق من قبل معاوية رضي الله تعالى عنه وشى به الى معاوية فأمر معاوية بإحضاره فلما قدم على معاوية قال له السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال معاوية رضي الله تعالى عنه أو أمير المؤمنين أنا أضربوا عنقه فلما قدم للقتل قال ادعوني اصلي ركعتين فصلاهما خفيفتين ثم قال رضي الله تعالى عنه لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما ثم قتل هو وخمسة من أصحابه
ولما حج معاوية رضي الله تعالى عنه وجاء المدينة زائرا استأذن على عائشة رضي الله تعالى عنها فأذنت له فلما قعد قالت له أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه قال إنما قتلهم من شهد عليهم
وقصة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما رواها الليث بن سعد قال بلغني أن زيد ابن حارثة اكترى بغلا من رجل بالطائف فمال به ذلك الرجل إلى خبربة وقال له إنزل فنزل زيد رضي الله تعالى عنه فإذا في الخربة المذكورة قتلى كثيرة فلما اراد أن يقتله قال له دعني أصلي ركعتين أي لأنه رأى أن الصلاة خير ما ختم به عمل العبد قال صل فقد صلى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا وهذا يدل على أن القتلى كلهم كانوا مسلمين قال فلما صليت أتاني ليقتلني فقلت يا أرحم الراحمين قال فسمع صوتا يقول لا تقتله فهاب ذلك فخرج يطلبه فلم ير شيئا فرجع الي فناديت يا أرحم الراحمين فعل ذلك ثلاثا فإذا بفارس على فرس في يده حربة حديد في راسها شعلة نار فطعنه بها فأنفذها من ظهره فوقع ميتا ثم قال لى لما دعوت الأولى يا أرحم الراحمين كنت في السماء السابعة فلما دعوت الثانية يا أرحم الراحمين كنت في السماء الدنيا فلما دعوت الثالثة أتيتك
أقول وقد وقع مثل ذلك لرجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار يكنى ابا معلق وكان يتجر بمال له ولغيره يسافر به في الآفاق وكان ناسكا ورعا فخرج مرة في بعض أسفاره فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له ضع ما معك فإني قاتلك فقال ما تريد من دمي فشأنك والمال فقال أما المال فلي ولست أريد إلا دمك فقال ذرني أصلي أربع ركعات فقال ما شئت فتوضأ ثم صلى اربع ركعات ثم دعا في آخر سجدة فقال يا ودود ياذا العرش المجيد يا فعال لما تريد اسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك

أن تكفيني شر هذا اللص يا ميغث أغثني وكرر ذلك ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة وضعها من أدنى فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه الفارس فقتله ثم اقبل إلي أبي معلق فقال قم من أنت بأبى أنت وأمى فلقد أغلثتى الله بك اليوم أنا ملك من اهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقة ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكرون فسألت الله تعالى أن يوليني قتله قال أنس رضي الله تعالى عنه من فعل ذلك استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب
أي وقد وقع نظير هذه المسألة أي من حيث إقراره صلى الله عليه وسلم على فعل غيره وهو أنهم كانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فكان الرجل يشر الى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصلهما وحده ثم يدخل مع القوم في صلاتهم فجاء معاذ رضي الله تعالى عنه فقال لا أجده صلى الله عليه وسلم على حال ابدا الا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فثبت معه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام ففضى ما عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد سن لكم معاذ فكذا فاصنعوا أي وكان هذا قبل قوله صلى الله عليه وسلم ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا
وأخرج صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه زيدا رضي الله تعالى عنه إلى الحل مع مولى له ليقتله به واجتمع عند قتله رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فلما قدم للقتل قال له ابو سفيان رضي الله تعالى عنه أنشدك بالله يا زيد أتحب محمدا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك والله ما أحب أ محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني لخالص في أهلى فقال ابو سفيان رضي الله تعالى عنه ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ونقل مثل ذلك عن خبيب رضي الله تعالى عنه أي فإنهم لما وضعوا السلاح في خبيب رضي الله تعالى عنه وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب أن محمدا مكانك قال لا والله ما أحب أن يؤذى بشوكة في قدمه ثم قتله ذلك المولى أي طعنه برمح في صدره حتى أنفذه من ظهره وقيل رمي بالنبل وأردوا فتنته عن دينه فلم يزدد إلا إيمانا
ولما قتل عاصم رضي الله تعالى عنه الذي أمير هذه السرية على ما تقدم أرادت

هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة وهي أم مسافع وجلاس ابني طلحة بن ابي طلحة بن عبد الدار وكلاهم بعضهم يقتضي أنها أسلمت بعد فإن عاصما هذا كما تقدم قتل يوم أحد ولديها كلاهما أشعره سهما وكل يأتي اليها بعد إصابته بالسهم ويضع رأسه في حجرها فتقول يا بني من أصابك فيقول سمعت رجلا يقول حين رماني خذها وأنا ابن أبي الأفلح فنذرت إن قدرت على رأسه لتشربن في قحفه الخمر وجعلت لم يجيء براسه مائة ناقة كما تقدم فحالت الدبر بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وهي الزنابير بينهم وبين عاصم رضي الله تعالى عنه كلما قدموا على قحفه طارت وفي وجوهم ولدغتهم فقالوا دعوه حتى يمسى فنأخذه فبعث الله الوادي أي سال فاحتمل السيل عاصما فذهب به حيث اراد الله فسمي حمى الدبر وبعث ناس من قريش لما بلغهم قتل عاصم في طلب جسده او شيء منه يعرفونه أي ليمثلوا به لأنه قتل عظيما من عظمائهم قال الحافظ ابن حجر لعله عقبه بن ابي معيط فإن عاصما قتله صبرا باذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر أي كما تقدم قال وكأن قريشا لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الزنابير لهم عن عاصم او شعروا بذلك ورجوا أن الزنابير تركته أي ولم يشعروا بأن السيل أخذه أ هـأي وقد كان عاصم رضي الله تعالى عنه دعا الله أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك في حياته وتقدم هنا أنه دعا الله أن يحمي لحمه فاستجاب الله له فلم يحصل له ذلك لا في حياته ولا بعد موته
أي وفي كلام بعضهم لما نذر عاصم أن لا يمس مشركا ووفي بنذره عصمه الله عن مساس سائر المشركين إياه فصار عاصم معصوما هذا
وقيل إن هؤلاء العشرة لم يخرجوا ليأتوا بخبر قريش وإنما خرجوا مع رهط من عضل والقارة وهما بطنان من بني الهون قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من اصحابك يفقهونا في الدين ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الاسلام فبعث صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم معهم أولئك النفر فساروا حتى إذا كانوا على الرجيع استصرخصوا عليهم هذيلا فلم يشعروا الا والرجال بأيديهم السيوف فدعوهم فأخذوا أسيافهم ليقتلوا القوم فقالوا لهم والله لا نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه ان لا نقتلكم فأبوا الحديث والحافظ الدمياطي رحمه الله اقتصر على هذا الثاني وأن اميرهم كان مرثدا الغنوي رضي الله

تعالى عنه فقال سرية مرثد الغنوي إلى الرجيع قال قدم رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما الحديث لكنه في سياق القصة قال وأمر عليهم عاصما وقيل مرثدا رضي الله تعالى عنهما وأخر هذه السرية عن السرية بعدها التي هي سرية القراء الى بئر معونة

سرية القراء رضي الله تعالى عنهم
إلى بئر معونة
لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عامر بن مالك ملاعب الأسنة أي ويقال له ملاعب الرماح وهو رأس بني عامر أي ويقال له أيضا أبو براء بالمدلاغير وهو عم عامر بن الطفيل عدو الله أي وأهدي إليه صلى الله عليه وسلم ترسين وراحلتين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أقبل هدية من مشرك وفي رواية نهيت عن عطايا المشركين
أقول وفي كلام السهيلي أنه أهدى إليه فرسا وأرسل إليه إني قد أصانبي وجع فابعث الى بشيء أتداوى به فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم بعكة عسل وأمره أن يستشفى به وقال نهيت عن زبد المشركين قال السهيلي والزبد مشتق من الزبد لأنه نهى عن مداهنتهم واللين لهم كما أن المداهنة مشتقة من الدهن فرجع المعنى الى اللين كذا قال ولعل هذا كان بعد ما تقدم ويحتمل أن يكون قبله وهو الأقرب والله أعلم
فلما قدم عليه أبو عامر عرضي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد عن الإسلام أي وقال إني أرى أمرك هذا أمرا حسنا شريفا أي ولم يسلم بعد ذلك على الصحيح خلافا لمن عده في الصحابة ثم قال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد أي وهم بنو عامر وبنو سليم فدعوتهم الى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخشى أهل نجد عليهم قال ابو براء أنالهم جاروهم في جواري وعهدي فابعثهم فليدعوا الناس الى أمرك وخرج أبو البراء إلى ناحية نجد وأخبرهم أنه قد أجار أصحاب محمد فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو رضي الله تعالى عنه في اربعين وقيل في سبعين وعليه اقتصر

الحافظ الدمياطي أي لأنه الذي في صحيح البخاري وقيل في ثلاثين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين
أي وذكر الحافظ ابن حجر أن هذا القيل وهم وأنه يمكن الجمع بين كونهم سبعين وكونهم اربعين بأن الأربعين كانوا رؤساء وبقية العدة كانوا أتباعا ويقال لهؤلاء القراء أي لملازمتهم قراءة القرآن فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا في ناحية المدينة يصلون ويتدارسون القرآن فيظن أهلوهم أنهم في المسجد ويظن أهل المسجد أنهم في أهاليهم حتى إذا كان وجه الصبح استعذبوا من الماء واحتطبوا وجاءوا بذلك إلى حجر النبي صلى الله عليه وسلم
وفي كلام بعضهم أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويتدارسون القرآن بالليل وكانوا يبعيون الحطب ويشترون به طعاما لأصحاب الصفة
وقد يقال لا منافاة لجواز أنهم كانوا يفعلون هذا مرة وهذا أخرى أو بعضهم يفعل أحد الأمرين وبعضهم يفعل الآخر وكان منهم عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه
وكتب صلى الله عليه وسلم لهم كتابا فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم والحرة أرضى فيها حجارة سود فلما نزلوها بعثوا حرام بالحاء المهملة والراء ابن ملحان وهو خال أنس بن مالك بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل لعنه الله أي وهو راس بني سليم وفي لفظ سيد بني عامر وابن أخي أبي براء عامر بن مالك كما تقدم فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله أي بعد أن قال يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم فآمنوا بالله ورسوله فجاء إليه رجل من خلفه فطعنه بالرمح في جنبه حتى نفذ من جنبه الآخر فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة وقال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم استصرخ عليهم أي استغاث بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا إنا لا نخفر بأبي براء أي لا نزيل خفارته وتنقض عهده وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم قبائل من سليم قال الحافظ الدمياطي عصية ورعلا وذكون زاد بعضهم وبني لحيان قال بعضهم وليس في محله
أقول كان قائله سري إلى هـذلك من كونه صلى الله عليه وسلم جمع بني لحيان في الدعاء عليهم مع من ذكر قلبه وسياتي أنه إنما جمعهم معهم لأن خبر أصحاب الرجيع وأصحاب

بئر معنة جاءه صلى الله عليه وسلم في يوم واحد وبنو ولحيان أصحاب الرجيع فدعا عليهم دعاء واحدا والله أعلم فلما دعا تلك القبائل الثلاثة التي هي عصية ورعل وذكوان أجابوه الى ذلك ثم خرجوا حتى أحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم حتى قتلوا إلى آخرهم إلا كعب بن زيد رضي الله تعالى عنه فإنه بقي به رمق وحمل من المعركة فعاش بعد ذلك حتى قتل يوم الخندق شهيدا وإلا عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه ورجلا آخر كانا في سرح القوم ولما أحاطوا بهم قالوا اللهم إنا لانجد من يبلغ رسولك عنا السلام غيرك فاقرأه منا السلام فأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بذلك فقال وعليهم السلام
أي وفي لفظ أنهم قالوا اللهم بلغ عنا نبينا صلى الله عليه وسلم أناقد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا فلماجاءه الخبرمن السماء قام صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن إخوانكم قد لقوا المشركين وقتلوهم وإنهم قالوا ربنا بلغ قومنا أنا قد لقينا ربنا ورضينا عنه ورضي عنا ربنا وفي لفظ فرضي عنا وأرضانا فأنا رسولهم اليكم إنهم قد رضوا عنه ورضي عنهم
وذكر انس رضي الله عنه أن ذلك أي قولهم المذكور كان قرآنا يتلى ثم نسخت تلاوته أي فصار ليس له حكم القرآن من التعبد بتلاوته وأنه لا يمسه إلا الطاهر ولا يتلى في صلاة إلى غير ذلك من أحكام القرآن
ولما رأى عمرو بن أمية والرجل الذي معه الطير تحوم على محل أصحابهما أي وكانا في رعاية إبل القوم كما تقدم قالا والله إن لهذا الطير لشأنا فأقبلا ينظران فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي اصابتهم واقفة فقال الرجل الذي مع عمرو ماذا ترى فقال أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر فقال له لكنى ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو فأقبلا فلقيا القوم فقتل ذلك الرجل وأسر عمرو فأخبرهم أنه من مضر فأخذه عامر بن الطفيل وجز ناصايته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه فخرج عمرو حتى جاء إلى ظل فجلس فيه فأقبل رجلان حتى نزلا به معه فسألهما فأخبراه انهما من بني عامر وفي لفظ من بني سليم وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم به عمرو فأمهلهما حتى ناما فعدا عليهما فقتلهما وهو يرى أي يظن أنه قد أصاب بهما ثأرا من بني عامر فلما قدم عمرو

على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر وأخبره بقتل الرجلين فقال له لقد قتلت قتيلين لأدينهما أى لأدفعن ديتهما ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا ولما بلغ أبا براء أن عامر بن الطفيل ولد أخيه أزال خفارته شق عليه ذلك وشق عليه ما أصاب اصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه فعند ذلك حمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل أي الذي هو ابن عمه فطعنه بالرمح فوقع في فخذه ووقع عن فرسه وقال إن أنا مت فدمي لعمي يعني ابا براء وإن أعش فسأرى رأي أي وفي لفظ نظرت في أمري
وفي الإصابة أن ربيعة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أيغسل عن أبي هذه العذرة أن أضرب عامر بن الطفيل ضربة أو طعنة قال نعم فرجع ربيعة فضرب عامرا ضربة أشواه منها فوثب عليه قومه فقالوا لعامر بن الطفيل اقتص فقال قد عفوت أي وعقب ذلك مات أبو براء أسفا على ما صنع به أبن أخيه عامر بن الطفيل من إزالته خفارته وعاش عامر بن الطفيل ولم يمت من هذه الطعنة بل مات بالطاعون بدعائه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الوفود في وفد بني عامر
أي وقال بعضهم قد أخطأ المستغفري في عده صحابيا ولما قتل عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه رفع الى السماء فلما رأى قاتله ذلك أسلم أي وهو جبار بن سلمى أي لا عامر بن الطفيل كما وقع في بعض الروايات كما علمت
وقال صلى الله عليه وسلم أي لما بلغه قتل عامر بن فهيرة إن الملائكة وارت جثة عامر بن فهيرة أي في الارض أي بناء على أنه لما رفع الى السماء وضع كما في البخاري فقد جاء أن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه واشار الى قتيل من هذا فقال له عمرو هذا عامر بن فهيرة فقال لقد رأيته بعد ما قتل رفع الى السماء حتى إني لأنظر الى السماء وبين الأرض ثم وضع
وفي بعض الروايات أن عامر بن فهيرة التمس في القتلى يومئذ أي فلم يوجد فيرون أن الملائكة رفعته وظاهرها أن الملائكة لم تضعه في الأرض بل رفعته أي ويؤيده أن عامر بن الطفيل لعنه الله دخل بعمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه في القتلى وصار يقول له ما اسم هذا ما اسم هذا ما اسم هذا ثم قال له هل من أصحابك من ليس فيهم قال نعم ما رايت فيهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما قال له عامر

أي رجل هو فيكم قال من أفضلنا وأولى أي ومن أولى المسلمين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عامر لما قتل رأيته رفع الى السماء
وعن انس بن مالك رضي الله عنه أنه قال ما رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة ومكث يدعو عليهم ثلاثين صباحا
أقول وفي رواية الشيخين قنت شهرا أي متتابعا يدعو على قاتلي أصحاب بئر معونة أي بعد الاعتدال في الصلوات الخمس من الركعة الأخيرة وحينئذ يكون المراد بالصباح اليوم وليلته
وذكر بعض أصحابنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء المذكور وقاس عليه رفعهما في قنوت الصبح وروى الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في قنوت الصبح
واستدل أصحابنا على استحباب القنوت للنازلة في سائر المكتوبات بقنوته ودعائه على قاتلي أصحاب بئر معونة
وفي بعض السير فدعا النبي صلى الله عليه وسلم شهرا عليهم في صلاة الغداة وفي لفظ يدعو في الصبيح وذلك بدء القنوت وما كان يقنت رواه الشيخان
وقد سئل الجلال السيوطي هل دعاؤه صلى الله عليه وسلم على من قتل أصحابه كان عقب فراغه من القنوت المشهور أوكان الدعاء هو قنوته فأجاب رحمه الله بأنه لم يقف على شيء من الأحاديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين القنوت والدعاء قال بل ظاهر الأحاديث أنه اقتصر على الدعاء أي فيكون قنوته هو الدعاء وهو الموافق لقول أصحابنا ويستحب القنوت في اعتدال آخره صببح مطلقا وآخر سائر المكتوبات أي باقها للنازلة وهو اللهم اهدنا الخ في أن أل في القنوت للعهد والله أعلم
وفي رواية أنه يدعو على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين أي بئر معونة والرجيع دعاء واحدا لانه صلى الله عليه وسلم جاءه خبرهما في وقت واحد كما تقدم وأدمج البخاري رحمه بئر معونة مع بعث الرجيع لقربهما في الزمن أي ففيه مكث رسول صلى الله عليه وسلم يدعو على أحياء من العرب على رعل وذكوان وعصية وبنى لحيان أي وهو يقتضي أنهما شئ واحد ليس كذلك وقد علمت أن بني لحيان قتلوا أصحاب الرجيع ومن قبلهم قتلوا أصحاب بئر معونة والله سبحانه وتعالى أعلم

سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء
بالقاف مفتوحة وبالطاء المهملة وهم بنو بكر من كلاب
بعث صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إلى القرطاء في ثلاثين راكبا أي وأمره أن يسير الى الليل ويكمن النهار وأمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وكمن النهار قال وصادف في طريقه ركبانا نازلين فأرسل اليهم رجلا من أصحابه يسأل من هم فذهب الرجل ثم رجع إليه فقال قوم من محارب فنزل قريبا ثم أمهلهم حتى عطنوا أي بركوا الإبل حول الماء أغار عليهم فقتل نفرا منهم أي عشرة وهرب سائرهم واستاق نعما وشاء ولم يتعرض للظعن أي للنساء أنتهى ثم انطلق حتى إذا كان بموضع يطعله على بني كبر بعث عابد بن بشير إليهم وخرج محمد بن مسلة رضي الله تعالى عنه في أصحابه فشن عليهم الغارة فقتل منهم عشرة واستاقوا النعم والشاه ثم انحدر رضي الله تعالى عنه الى المدينة فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به وعدل الجزور بعشرة من الغنم وكان النعم مائة وخمسين بعيرا والغنم ثلاثة آلاف شاة وأخذت تلك السرية ثمامة بن أثال الحنفي من بني حنيفة أي سيد أهل اليمامة وهم لا يعرفونه وجي به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم أتدرون من أخذتم هذا ثمامة بن أثال الحنفي فأحسنوا إساره أي قيده فربط بسارية من سواري المسجد
قال وقيل إن هذه السرية لم تأخذه بل دخل المدينة وهو يريد مكة للعمرة فتحير في المدينة وقد كان جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند رسولا مسيلمة وأراد اغتياله صلى الله عليه وسلم فدعا ربه أن يمكنه منه فأخذ وجيء به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فربط بسارية من سواري المسجد فدخل صلى الله عليه وسلم على أهله فقال اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به اليه وأمر له صلى الله عليه وسلم بناقة يأتيه لبنها مساء وصباحا وكان ذلك لا يقع عند ثمامة موقعا من كفايته أي وجاء اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك ياثمام هل أمكن الله منك فقال قد كان ذلك يا محمد وصار رسول الله يأتيه فيقول ما عندك يا ثمامة فيقول يا محمد عندي خير إن تقتل تقتل ذا كرم وفي لفظ ذا دم وإن تعف تعف عن شاكر

وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ففعل ذلك معه ثلاثة أيام قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فجعلنا أيها المساكين أي أصحاب الصفة نقول نبينا صلى الله عليه وسلم ما يصنع بدم ثمامة والله لأكله جزور سمينة من فدائه أحب الينا من دم ثمامة
وفي الاستيعاب أنه صلى الله عليه وسلم انصرف عن ثمامة وهو يقول اللهم أكلة لحم من جزور أحب الي من دم ثمامة ثم أمر به فأطلق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث قال أطلقوا ثمامة فقد عفوت عنك يا ثمامة فأطلق فانطق الى ماء جار قريب من المسجد فاغتسل وطهر ثيابه ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أي وهذا يخالف ما ذكره فقهاؤنا من الاستدلال بقصة ثمامة على أنه يستحب لمن أسلم أن يغتسل لإسلامه ثم رأيت بعض متأخري أصحابنا أجاب بأنه أسلم أولا ثم لما اغتسل أظهر إسلامه
وفي الاستيعاب فأسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل كما في رواية أخرى أنه قال يا محمد والله ما كان على الارض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلي من دينك فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فقد أصبح بلدك أحب البلاد إلي ثم شهد شهادة الحق فلما أمسى جيء له بما كان يأتيه من الطعام فلم ينل منه الا قليلا ولم يصب من حلاب اللقحة الا يسيرا فعجب المسلمون قال وقال يا رسول الله إني خرجت معتمرا وفي لفظ في الصحيح فإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فأمره أن يعتمر فلما قدم بطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة ملبيا فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا أنت صبوت يا ثمامة قال أسلمت وتبعت خير دين محمد والله لا يصل اليكم حبة من حنطة أي من اليمامة من أرض اليمن وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموه ليضربوا عنقه فقال قائل منهم دعوه فإنكم تحتاجون الى اليمامة فخلوا سبيله فخرج ثمامة الى اليمامة فمنعهم أن يحملوا الى مكة شيئا حتى أضربهم الجوع وأكلت قريش العلهز وهو الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى على النار كما تقدم فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قطعت أرحامنا فكتب

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة رضي الله تعالى عنه أن يخلي بينهم وبين الجمل وفي لفظ خل بين قومي وبين ميرتهم ففعل فأنزل الله تعالى { ولقد أخذناهم بالعذاب } الآية هذا
والذي في الاستيعاب أن ثمامة لما دخل مكة وقد سمع المشركون خبره فقالوا يا ثمامة صبوت وتركت دين أبائك قال لا أدري ما تقولون إلا أني أقسمت برب هذه البنية يعني الكعبة لا يصل إليكم من اليمامة شيء مما تنتفعون به حتى تتبعوا محمدا من آخركم وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة ثم خرج رضي الله تعالى عنه فمنع عنهم ما كان يأتي منها فلما أضرب بهم ذلك كتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحث عليها وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا فإن رأيت أن تكتب اليه أن يخلي بيننا وبين ميترنا فافعل فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل بين قومي وبين ميرتهم
ولما عجب المسلمون من أكله بعد إسلامه رضي الله تعالى عنه لكونه دون أكله قبل إسلامه قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مم تعجبون أمن رجل أكل أول النهار في معي كافر وأكل آخر النهار في معي مسلم إن الكافر ليأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معي واحد انتهى
أي وقد وقع له صلى الله عليه وسلم ذلك مع جهجاه الغفاري رضي الله تعالى عنه فإنه أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر فأكثر ثم أكل معه وقد أسلم فأقل فقال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء ولعل المراد بالأكل ما يشمل الشرب ثم رأيت في الجامع الصغير إن الكافر ليشرب في سبعة أمعاء والمسلم يشرب في معي واحد والمراد أنه يأكل ويشرب مثل الذي يأكل ويشرب في سبعة أمعاء
وكان رضي الله تعالى عنه مقيما باليمامة ولما ارتد أهل اليمامة ثبت ثمامة في قومه على الإسلام وكان ينهاهم عن اتباع مسيلمة لعنه الله ويقول لهم إياكم وأمرا مظلما لا نور فيه وإنه لشقاء كتبه الله على من اتبعه منكم

سرية عكاشة بن محصن رضي الله تعالى عنه الى الغمر
بفتح الغين المعجمة وسكون الميم والراء ماء لبني أسد أي جمع من بني أسد
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن الأسدي رضي الله تعالى عنه في أربعين رجلا منهم ثابت بن أرقم رضي الله تعالى عنه وقيل إن ثابتا رضي الله تعالى عنه هو الذي كان الأمير على هذه السرية فخرج يسرع في السير إلى أن وصل إلى الماء المذكور فوجد القوم علموا بهم فهربوا ولم يجدوا في دارهم أحدا فبعث شجاع بن وهب طليعة يطلب خبرا ويرى أثرا فأخبر أنه رأى أثر نعم قريبا فخرجوا فوجدوا رجلا نائما فسألوه عن خبر الناس فقال وأين الناس لقد لحقوا بعليات بلادهم قالوا فالنعم قال معهم فضربه أحدهم بسوط في يده فقال تؤمنوني على دمي وأطلعكم على نعم لبني عم له لم يعلموا بمسيركم إليهم قالوا نعم فأمنوه فانطلقوا معه فأمعن أي بالغ في الطلب حتى خافوا أن يكون ذلك غدرا منه لهم فقالوا الله لتصدقنا أو لنضربن عنقك فقال تطلعون عليهم من هذا المحل فلما طلعوا منه وجدوا نعما رواتع فأغاروا عليها فاستاقوها فإذا هي مائة بعير وشردت الأعراب في كل وجه ولم يطلبوهم وانحدروا الى المدينة بتلك الإبل وأطلقوا الرجل الذي أمنوه والله أعلم
سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه لذى القصة
بفتح القاف والصاد المهملة المشددة وهو موضع قريب من المدينة
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة في عشرة نفر لبني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة بذي القصة فورد عليهم ليلا فكمن القوم وهم مائة رجل لمحمد بن مسلمة وأصحابه وأمهلوهم حتى ناموا وأحدقوا بهم أي فما شعروا الا وقد خالطهم القوم فوثب محمد بن مسلمة فصاح في أصحابه السلاح فوثبا وتراموا ساعة ثم حمل القوم عليهم بالرماح فقتلوهم ووقع محمد بن مسلمة جريحا فضربوا كعبه فلم يتحرك فظنوا موته فجردوه من الثياب وانطلقوا ومر بمحمد وأصحابه زجل من المسلمين فاسترجع فلما سمعه محمد رضي الله تعالى عنه يسترجع تحرك له فأخذه وحمله

إلى المدينة فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا ووجدوا نعما وشاء فانحدروا بها الى المدينة

سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه
إلى ذي القصة ايضا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه في اربعين رجلا الى من بذي القصة فانه بلغه صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون أن يغيروا على سرح المدينة وهو يرعى يومئذ بمحل بينه وبين المدينة سبعة اميال فصلوا المغرب ومشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال وأسروا رجلا واحدا وأخذوا نعما من نعمهم ورثة أي ثياباخلقة من متاعهم وقدموا بذلك الى المدينة فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم رجل فتركه صلى الله عليه وسلم
سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه
إلى بني سليم بالجموح
بفتح الجيم وهو اسم لناحية من بطن نخل
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى بني سليم بالجموح فسار حتى ورد ذلك المحل فاصابوا امرأة من مزينة فدلتهم على محلة من محال القوم فاصابوا في تلك المحلة إبلا وشاء واسروا منها جماعة من جملتهم زوج تلك المرأة وانحدروا بذلك الى المدينة فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلك المرأة نفسها وزوجها
سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى العيص
وهو محل بينه وبين المدينة اربع أميال
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب ليعترضها وكان فيها أبو العاص بن الربيع وقدم به

وبتلك العير المدينة فاستجار أبو العاص بزوجته زينب رضي الله تعالى عنها فأجارته ونادت في الناس حين صلى الله عليه وسلم الفجر أي دخل في الصلاة هو وأصحابه فقالت أيها الناس إني قد أجرت ابا العاص بن الربيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لما سلم واقبل على الناس وقال هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما والذي نفسي بيده ما علمت بشء من هذا أي ثم انصرف صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته وقال قد أجرنا من أجرت قال وقال صلى الله عليه وسلم المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم أي وفي الصحيحين ذمة المسلمين واحدة يسعى بها والملائكة والناس أجمعين ثم دخلت عليه صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله تعالى عنها فسالته أن يرد على أبي العاص ما اخذ منه فأجابها الى ذلك وقال لها صلى الله عليه وسلم أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له أي لتحريم نكاح المؤمنات على المشركين أي كما تقدم في الحديبية
وبعث صلى الله عليه وسلم للسرية فقال لهم إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالا فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك وغن أبيتهم فهو فيء الله الذي فاء عليكم فأنتم أحق به فقالوا يا رسولالله بل نرد عليه فرد عليه ما أخذ منه
وهذا السياق يدل على أن ذلك كان قبل صلح الحديبية ووقوع الهدنة لأن بعد ذلك لم تتعرض سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش وهو يخالف قوله صلى الله عليه وسلم لها لا يخلص اليك لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان في الحديبية
وقد ذكر بعضهم أن ذلك كان قبيل الفتح سنة ثمان ومن ثم ذكر الزهري وتبعه ابن عقبة رحمهما الله تعالى أن الذين اخذوا هذا العير وأسروا من فيها أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما رضي الله تعالى عنهم لأنهم كانوا في مدة صلح الحديبية من شأنهم أن كل أخذوا هذه العير خلوا سبيل ابي العاص لكونه صهر رسول الله صلى الله عليه وقيل أعجزهم هربا وجاء تحت الليل فدخل على زوجته زينب رضى الله تعالى عنها وسلم فاستجار بها فأجارته ثم كلمها في أصحابه الذين اسروا فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم

في ذلك فخطب الناس وقال إنا صاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه وإنه قد اقبل من الشام في أصحاب له من قريش فأخذهم أبو جندل وأبو نصير واسروهم وأخذوا ما كان معهم وأن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه فقال الناس نعم فلما بلغ أبا جندل وأبا بصير وأصحابهما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا الأسرى وردوا عليهم كل شيء حتى العقال
وصوب في الهدى هذا الذي ذكره الزهري أي لما علمت أن مما يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لبنته زينب ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان بعد الحديبية
وذكر أن المسلمين قالوا لابي العاص يا أبا العاص إنك في شرف من قريش وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأنه يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف فهل لك أن تسلم فتغنم ما معك من أموال أهل مكة فقال بئسما أمرتموني أفتتح ديني بغدرة أي بالغدر وعدم الوفاء ثم ذهب أبو العاص الى أهل مكة فأدى كل ذي حق حقه ثم قام فقال يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه هل وفيت ذمتي فقالوا اللهم نعم فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما فقال إني أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا عبد ورسوله والله ما منعني عن الإسلام عنده إلا خشية أن تظنوا أني إنما أردت ان آكل أموالكم
ثم خرج حتى قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فرد له رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله تعالى عنها على النكاح الأول ولم يحدث نكاحا وذلك بعد ست سنين وقيل بعد سنة واحدة انتهى
اقول وفي رواية بعد سنتين والمتبادر ان السنة أو السنتين من إسلامها دونه وهو مخالف لما عليه اهل العلم من أنه لا بد أن يجتمع الزوجان في الإسلام والعدة ومن ثم قالت طائفة منهم الترمذي هذا حديث ليس بإسناده بأس ولكن لا يعرف وجهه
وفي كلام بعض الحفاظ يمكن أن يقال قوله بعد ست سنين ولم يقل من إسلامها دونه صيره مجهول تاريخ الابتداء فلا يصح الاستدلال به
وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد بنته

زينب على أبي العاص بن ا لربيع بمهر جديد ونكاح جديد قال بعضهم وهذا في إسناده مقال وقال غيره هذا حديث ضعيف وقال آخر لا يثبت والحديث الصحيح إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح 2 الأول
وقال ابن عبد البر حديث أنه صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول متروك لا يعمل به عند الجميع وحديث ردها بنكاح جديد عندنا صحيح يعضده الأصول وإن صح الأول أريد به على الصداق الأول وهو حمل حسن هذا كلامه
قال بعضهم تصحيح ابن عبد البر الحديث إنه ردها بنكاح جديد مخالف لكلام ائمة الحديث كالبخاري وأحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان والدارقطني والبيهقي وغيرهم هذا كلامه
وفي كون زينب رضي الله تعالى عنها كانت مشتركة واسلمت قبل زوجها المشعر به قول بعضهم ولم يقل من إسلامها نظر لأنها اتبعت ما بعث به أبوها صلى الله عليه وسلم من غير تقدم شرك منها
لا يقال فحيث كانت مسلمة فكيف زوجها من أبي العاص وهو كافر لأنا نقول على فرض أنه صلى الله عليه وسلم زوجها له بعد البعث فقد زوجها له قبل نزول قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } لأن تلك الآية نزلت بعد صلح الحديبية كما علمت على أن ابن سعد ذكر انه صلى الله عليه وسلم زوجها له في الجاهلية أي قبل البعثة والله أعلم

سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما
إلى بني ثعلبة
أي بالطرف ككتف اسم ماء
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى بني ثعلبة في خمسة عشرة رجلا أي بالطرف فاصاب عشرين بعيرا وشاء واقتصر الحافظ الدمياطي على النعم ولم يذكر الشاء ولم يجد احدا لأنهم ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار اليهم فصبح زيد رضي الله تعالى عنه بالنعم والشاء المدينة أي وقد خرجوا في طلبه فأعجزهم وكان شعارهم الذي يتعارفون به في ظلمة الليل أمت أمت
سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى جذام
محل يقال له حسمى بكسر الحاء المهملة وسكون السين على وزن فعلى وهو موضع وراء وادي القرى يقال إن الطوفان أقام بذلك المحل بعد نضوبه أي ذهابه ثمانين سنة
وسببها أن دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه أقبل من عند قيصر ملك الروم أي وكان صلى الله عليه وسلم وجهه إليه كذا قيل ولعله من تصرف بعض الرواة أو أنه أرسله إليه بغير كتاب وإلا فإرساله إليه بالكتاب كان بعد هذه السرية لأنه كان بعد الحديبية
ولم وصل رضي الله تعالى عنه إليه أجازه بمال وكساء فأقبل بذلك إلى أن وصل ذلك المحل فلقيه الهنيد وابنه في ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق وسلبوه ما معه ولم يتركوه عليه إلا ثوبا خلقا فسمع بذلك نفر من جذام من بني الضبيب أي ممن اسلم منهم فنفروا اليهم واستنقذوا لدحية رضي الله تعالى عنه ما أخذ منه وقدم دحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية وكان زيد رضي الله تعالى عنه يسير بالليل ويكمن بالنهار ومعه دليل من بني عذرة فأقبل حتى هجم على القوم أي على الهنيد وابنه من كان معهم من الصبح فقتلوا الهنيد وابنه ومن كان معهم وأخذوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف ومن السبي مائة من النساء والصبيان قال ولما سمع بنو الضبيب بما صنع زيد رضي الله تعالى عنه ركبوا وجاءوا الى زيد وقال له رجل منهم إنا قوم مسلمون فقال له زيدا اقرا أم الكتاب فقرأها ثم قدم منهم جماعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر وقال بعضهم يا رسول الله لنا تحرم علينا حلالا ولا تحل لنا حراما فقال كيف أصنع بالقتلى فقال أطلق لنا من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فقالوا ابعث معنا رجلا لزيد رضي الله تعالى عنه فبعث صلى الله عليه وسلم معهم عليا كرم الله وجهه يأمر زيدا أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم أي فقال علي يا رسول الله إن زيدا لا يطيعني فقال خذ سيفي هذا فأخذه وتوجه فلقي علي كرم الله وجهه رجلا أرسله زيد رضي الله تعالى عنه مبشرا على ناقة من إبل القوم فردها علي كرم الله وجهه على القوم وأردفه خلفه ولقي

زيدا فأبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وعند ذلك قال له زيد ما علامة ذلك فقال هذا سيفه صلى الله عليه وسلم فعرف زيد السيف وصاح بالناس فاجتمعوا فقال من كان معه شيء فليرده فهذا سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد الناس كافة كل ما أخذوه انتهى
أقول وهذا السياق يدل على أن جميع ما أخذه من النعم والشاء والسبي كان لمن أسلم من جذام من بني الضبيب وإن بعض من قتل مع الهنيد وابنه كان مسلما وفي ذلك من البعد مالا يخفى والله أعلم

سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق
رضي الله عنه لبني فزارة كما في صحيح بوادي القرى
عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه إلى فزارة وخرجت معه حتى إذا صلينا الصبح أمرنا فشنينا الغارة فوردنا الماء فقتل ابو بكر أي جيشه من قتل ورأيت طائفة منهم الذرارى فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدركتهم ورميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما رأوا السهم وقفوا وفيهم امرأة أي وهي أم قرفة عليها قشع من أدم أي فروة خلقة معها ابنتها من أحسن العرب فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر فنفلني أبو بكر رضي الله عنه ابنتها فلم أكشف لها ثوبا فقدمنا المدينة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا سلمة هب لي المراة لله أبوك أي أبوك لله خالصا حيث أنجب بك وأتى بمثلك يقال ذلك في مقام المدح والتعجب أي وقد كان وصف له صلى الله عليه وسلم جمالها فقلت هي لك يا رسول الله فبعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين
وفي لفظ فدى بها اسيرا كان في قريش من المسلمين كذا ذكر الأصل أن أمير هذه السرية أي التي أصابت أم قرفة ابو بكر رضي الله تعالى عنه وأنه الذي في مسلم
وذكر في الاصل قبل ذلك عن ابن أسحاق وابن سعد أن أمير هذه السرية أي التي أصابت أم قرفة زيد بن حارثة رضي الله عنهما وأنه لقي بني فزارة وأصيب بها ناس من

أصحابه وانفلت زيد من بين القتلى أي احتمل جريحا وبه رمق فلما قدم زيد رضي الله تعالى عنه نذر أن لا يمس رأسه غسل من الجنابة حتى يغزو بني فزارة فلما عوفي أرسله صلى الله عليه وسلم إليهم فكمنوا النهار وساروا الليل حتى أحاطوا بهم وكبروا وأخذوا أم قرفة وكانت أم قرفة في شرف من قومها وكان يعلق في بيتها خمسون سيفا كلهم لها محرم وكان لها اثنا عشر ولدا ومن ثم كانت العرب تضرب بها المثل في العزة فتقول لو كنت أعز من أم قرفة فأمر زيد بن حارثة أن تقتل أم قرفة أي لأنها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم
وجاء أنها جهزت ثلاثين راكبا من ولدها وولد ولدها وقالت لهم اغزوا المدينة واقتلوا محمدا لكن قال بعضهم إنه خبر منكر فربط برجليها حبلين ثم ربطا الى بعيرين وزجرهما أي وقيل إلى فرسين فركضا فشقاها نصفين وقرفة ولدها هذا الذي تكنى به قتله النبي صلى الله عليه وسلم وبقية أولادها قتلوا مع أهل الردة في خلافة الصديق فلا خير فيها ولا في بنيها ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وذكر له صلى الله عليه وسلم جمالها فقال صلى الله عليه وسلم لابن الأكوع يا سلمة ما جارية اصبتها قال يا رسول الله جارية رجوت أن أفدي بها امرأة منا في بني فزارة فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام مرتين أو ثلاثا فعرف سلمة انه صلى الله عليه وسلم يريدها فوهبها له فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم لخاله حزن بن أبي وهب ابن عمرو بن عائذ بمكة وكان أحد الأشراف فولدت له عبد الرحمن بن حزن وإنما قيل لحزن خاله لأن فاطمة أم أبي النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت عائذ كما تقدم وعائذ جد حزن لأبيه وفي لفظ بنت عمرو بن عائذ
وفي كلام السهيلي أن رواية الفداء لمن كان أسيرا بمكة أصح من رواية أنه صلى الله عليه وسلم وهبها لخاله حزن
وجمع الشمس الشامي بين الروايتين حيث قال يحتمل أنهما سريتان اتفق لسلمة بن الأكوع فيهما ذلك أي إحداهما لأبي بكر والأخرى لزيد بن حارثة ويؤيد ذلك أن في سرية أبي بكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ببنت أم قرفة الى مكة ففدى بها أسرى كانوا في أيدي المشركين أي وفي سرية زيد وهبها لخاله حزن بمكة قال ولم أر من تعرض لتحرير ذلك انتهى

أقول في هذا الجمع نظر لانه يقتضى أن أم قرفة تعددت وأن كل واحدة كانت لها بنت جميلة وأن سلمة بن الأكوع أسرهما وأنه صلى الله عليه وسلم أخذهما منه وفي ذلك بعد إلا أن يقال لا تعدد لأم قرفة وتسمية المراة في سرية أبي بكر أم قرفة وهم من بعض الرواة ويدل عليه أن بعضهم أوردها ولم يسم المراة أم قرفة بل قال فيهم امرأة من بني فزارة معها ابنة لها من أحسن العرب فنفلني أبو بكر بنتها فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوف مرتين في يومين فقال يا سلمة هبني المراة فقلت هي لك فبعث بها الى مكة ففدي بها ناسا كانا أسرى بمكة
ثم لا يخفى أن ما ذكره الأصل عن ابن اسحاق وابن سعد من أنه صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة الى وادي القرى أي غازيا لبني فزارة وأنه لقيهم وأصيب بها ناس من أصحابه وأفلت زيد من بين القتلى جريحا الخ يخالفه ما ذكره عن ابن سعد مما يقتضي ان زيد بن حارثة في هذه لم يكن غازيا بل كان تاجرا وانه لم يرسل لبني فزارة وانما اجتاز بهم فقاتلوه
والمذكور عن ابن سعد ما نصه قالوا خرج زيد بن حارثة في تجارة الى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان دون وادي القرى لقيه ناس من فزارة فضربوه وضربوا أصحابه أي فظنوا أنهم قد قتلوا وأخذوا ما كان معهم فقدموا المدينة ونذر زيد أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزوة بني فزارة فلما خلص من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية لهم وقال لهم اكمنوا النهار وسيروا الليل فخرج بهم دليل من بني فزارة وقد نزر بهم القوم فكانوا يجعلون له ناظورا حين يصبحون فينظر على جبل يشرف على وجه الطريق الذي يرون أن المسلمين يأتون منه فينظر قدر مسيرة يوم فيقول اسرحوا فلا بأس عليكم فإذا امسوا أشرف ذلك الناظر على ذلك الجبل فينظر مسيرة ليلة فيقول ناموا فلا بأس عليكم في هذه الليلة فلما كان زيد ابن حارثة وأصحابه على نحو مسيرة ليلة أخطأ بهم الدليل الفزاري طريقهم فأخذ بهم طريقا أخرى حتى أمسوا وهم على خطا فعاينوا الحاضر من بني فزارة فحمدوا خطأهم فكمن لهم في الليل حتى اصبحوا فأحاطوا بهم ثم كبر زيد وكبر أصحابه إلى آخر ما تقدم
ولما قدم زيد بن حارثة المدينة جاء إليه صلى الله عليه وسلم وقرع عليه الباب فخرج

إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه واعتنقه وقبله وسأله فأخبره بما ظفره الله تعالى به
وحينئذ يشكل قوله في الاصل ثبت عن ابن سعد أن لزيد بن حارثة سريتين بوادي القرى إحداهما في رجب والأخرى في رمضان فإنه بظاهره يقتضي أنه أرسل غازيا المرتين لبني فزراة بوادي القرى
وقد علمت أن كلام ابن سعد يدل على أن زيد بن حارثة في السرية الأولى إنما كان تاجرا اجتاز ببني فزارة بوادي القرى فقاتلوه هو وأصحابه وأخذوا معهم
ثم رأيت الأصل تبع في ذلك شيخه الحافظ الدمياطي حيث قال سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا رضي الله تعالى عنه أميرا ثم قال سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة بناحية وادي القى في رمضان وفيه ما علمت
ثم لايخفى أن في هذا إطلاق السرية على الطائفة التي خرجت للتجارة ولا يختص ذلك بمن خرج للقتال أو لتجسس الأخبار وقد تقدم

سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
إلى دومة الجندل
بضم الدال المهملة وبفتحها وأنكره ابن دريد لبني كلب
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فأقعده بين يديه وعممه بيده قال أي بعد أن قال له تجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من الغد إن شاء الله تعالى ثم امره أن يسري من الليل إلى دومة الجندل في سبعمائة وعسكروا خارج المدينة
فلما كانت وقت السحر جاء عبد الرحمن بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحببت يارسول الله أن يكون آخر عهدي بك وكان عليه عمامة من كرابيس أي غليظة قد لفها على رأسه فنقضها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم عممه بعمامة سوداء وأرخى بين كتفيه منها اربع أصابع أو نحوا من لك ثم قال هكذا يا ابن عوف فاعتم فإنه أحسن وأعرف

ثم أمر صلى الله عليه وسلم بلالا أن يدفع اليه اللواء فدفعه اليه وقام صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم صلى على نفسه ثم قال خذه يا ابن عوف انتهى وقال اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله ولا تغل أي لا تخن في المغنم ولا تغدر أي لا تترك الوفاء ولا تقتل وليدا وفي رواية لا تغلوا ولا تغدروا ولا تنكثوا ولا تملوا ولا تقتلوا وليدا أي صبيا فهذاعهد الله وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكم ثم قال صلى الله عليه وسلم له إذا استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم فسار عبد الرحمن ابن عوف حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام وهم يأبون ويقولون لا نعطى إلا السيف وفي اليوم الثالث أسلم رأسهم وملكهم الاصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيا قال في النور لم أجد أحدا ترجمه والظاهر أنه ما وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فهو تابعي واسلم معه ناس كثير من قومه واقر من أقام على كفره بإعطاء الجزية أي وأرسل رضي الله تعالى عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك وأنه يريد أن يتزوج فيهم فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك وأنه يريد أن يتزوج فيهم فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج ببنت الأصبغ أي فتزوجها رضي الله تعالى عنه وبنى بها عندهم وقدم بها المدينة وهي ام ولده سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهي أول كلبية نكحها قرشي ولم تلد غير سلمة وطلقها عبد الرحمن في مرض موته ثلاثا ومتعها جارية سوداء ومات وهي في العدة وقيل بعد انقضاء العدة فورثها عثمان رضي الله تعالى عنه
قال وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أنه قال سرت لأسمع وصية رسول الله لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فإذا فتى من الأنصار اقبل يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس فقال يا رسول الله أي المؤمنين أفضل قال أحسنهم خلقا ثم قال وأي المؤمنين أكيس قال أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا قبل أن ينزل بهم أولئك الأكياس ثم سكت الفتى واقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا نزلت بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن إنه لن تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في اسلافهم الذين مضوا وما نقص المكيال والميزان في قوم إلا أخذهم الله بالسنين ونقص من الثمرات وشدة المؤنة وجور السلطان لعلهم يذكرون وما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عنهم قطر السماء ولولا البهائم لم يسقوا

وما نقض قوم عهد الله ورسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذ ما كان في ايديهم وما حكم قوم بغير كتاب الله إلا جعل الله تعالى باسهم بينهم وفي رواية إلا البسهم الله شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض
وفي الاصل ذكر إبن اسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه لدومة الجندل في سرية زاد في السيرة الشامية على ذلك قوله كما سيأتي

سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما الى مدين
قرية سيدنا شعيب صلوات الله وسلامه عليه وهي تجاه تبوك فاصاب سبيا وفرقوا في بيعهم بين الأمهات والأولاد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال مالهم فقيل يا رسول الله فرق بينهم أي بين الامهات والأولاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوهم الا جميعا
قال في الأصل وكان مع زيد رضي الله تعالى عنه في هذه السرية ضميرة مولى علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه وكذا اخوه رضي الله تعالى عنه وأخ له وهو تابع في ذلك لابن هشام ورد بان مولى علي هذا الذي هو ضميرة لم يذكر في كتب الصحابة وكذا اخوه
سرية أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه
إلى بني سعد بن بكر بفدك
وهي قرية بينها وبين المدينة ست ليال أي وفي لفظ ثلاث مراحل وهي خراب الآن وفي الصحاح فدك قرية بخيبر
وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن لمبنى سعد جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر وأن يجعلوا لهم تمر خيبر أي ما يوجد من غلتها فبعث إليهم عليا كرم الله وجهه في مائة رجل فسار الليل وكمن النهار إلى أن نزلوا محلا بين خيبر وفدك فوجدوا به رجلا فسألوه عن القوم أي فقال لا علم لي فشدوا عليه فأقر أنه عين أي جاسوس لهم وقال

أخبركم على أن تؤمنوني فأمنوه فدلهم فأغاروا عليهم وأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة وهربت بنو سعد بالظعن فعزل علي كرم الله وجهه صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوحا أي حلوبا قريبة عهد بنتاج تدعى الحفدة بفتح الحاء وكسر الفاء وفتح الدال المهملة لسرعة سيرها ومنه في الدعاء إليك نسعى ونحفد ثم عزل الخمس وقسم الباقي على أصحابه
اقول قوله يريدون أن يمدوا يهود خيبر يقتضى بظاهره أن ذلك كان عند محاصرة خيبر أو عند إرادة ذلك وفيه مالا يخفى لما تقدم والله أعلم

سرية عبد الله بن رواحة رضى الله عنه إلى أسير
بضم الهمزة وفتح السين يقال أسير بن رزام اليهودي بخيبر
لما قتل الله أبا رافع بن سلام بن أبي الحقيق عظيم يهود خيبر كما تقدم أمروا عليهم أسير بن رزام قال ولما أمروه عليهم قال لهم إني صانع بمحمد مالم يصنعه أصحابي فقالوا له وما عسيت أن تصنع قال اسير في غطفان فأجمعهم لحربه قالوا نعم ما رأيت وكان ذلك قبل فتح خيبر انتهى
فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه إليه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر سرا يسأل عن خبر أسير وغرته فأخبر بذلك فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فانتدب له ثلاثون رجلا وأمر عليهم عبد الله ابن رواحة رضي الله تعالى عنه وقيل عبد الله بن عتيك فقدموا على اسير فقالوا نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له قال نعم ولي منكم مثل ذلك فقالوا نعم فقلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك فطمع في ذلك أي واستشار يهود في ذلك فأشاروا عليه بعدم الخروج وقالوا ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني إسرائيل قال بلى قد مل الحرب
قال في النور هذا الكلام لانياسب أن يقال قبل فتح خيبر فالذي يظهر أنها بعد فتح خيبر


وأقول يجوز أن يكون المراد باستعماله على خيبر المصالحة وترك القتال ومن ثم أجاب بقوله إنه صلى الله عليه وسلم قد مل الحرب والله أعلم
فخرج وخرج معه ثلاثون رجلا من يهود مع كل رجل منهم رديف من المسلمين قال عبد الله بن أنيس كنت رديفا لأسير فكأن أسيرا ندم على خروجه معنا فأهوى بيده إلى سيفي ففطنت بفتح الطاء له وقلت أغدر عدو الله أغدر عدو الله ثلاثا فضربته بالسيف فأطحت عامة فخذه فسقط وكان بيده مخدش من شوحط فضربني به على رأسي فشجني مأمومة وملنا على أصحابه فقتلناهم إلا رجلا واحدا أعجزنا جريا ثم اقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثناه إلا رجلا واحدا أعجزنا جربا ثم أقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثناه الحديث فقال صلى الله عليه وسلم قد نجاكم الله من القوم الظالمين وبصق في شجتي فلم تقح علي ولم تؤذني
قال وفي رواية زيادة على ذلك وهي قطع لي قطعة من عصاه فقال أمسك هذه معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها فإنك تأتي يوم القيامة متخصرا فلما دفن عبد الله بن أنيس جعلت معه على جلده دون ثيابه انتهى
أقول تقدم نظير ذلك لعبد الله بن أنيس هذا لما أرسله صلى الله عليه وسلم لقتل سفيان ابن خالد الهذلي وجاء برأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن هذا وهم من بعض الرواة ويحتمل تعدد الواقعة أي أعطاه صلى الله عليه وسلم عصاه أولا في تلك وأعطاه أخرى ثانيا في هذه وجعل العصا بين جلده وكفنه ولا مانع منه لكن ربما تتشوف النفس للسؤال عن حكمة تكرير ذلك لعبد الله بن أنيس وتخصيصه بهذه المنقبة دون بقية الصحابة والله أعلم

سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريس رضي الله عنهما
بالحاء المهملة وكسر الراء وسين مهملة وكل ما في الأنصار حريس بالسين المهملة إلا لحريش فإنه بالشين المعجمة وقيل بدله جبار بن صخر إلى أبي سفيان بن حرب بمكة ليغتالاه
وسببها أن ابا سفيان رضي الله عنه قال لنفر من قريش ألا أحد يغتال لنا محمدا فإنه يمشي في الأسواق وحده فأتاه رجل من الأعراب وقال يعني نفسه قد وجدت أجمع الرجال قلبا وأشدهم بطشا وأسرعهم عدوا فإذا أنت فديتني خرجت إليه حتى أغتاله

فإن معي خنجرا بفتح الخاء المعجمة كجناح النسر وإني عارف بالطريق فقال له أنت صاحبنا فأعطاه بعيرا ونفقة وقال له اطو أمرك وخرج ليلا إلى أن قدم المدينة ثم اقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل عليه وكان صلى الله عليه وسلم في مسجد بني عبد الأشهل فعقل راحلته وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال إن هذا يريد غدرا والله حائل بينه وبين ما يريد فجاء ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبه اسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه بداخلة إزاره أي بحاشيته من داخل فإذا بالخنجر فأخذ أسيد يخنقه خنقا شديدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدقنى قال وأنا آمن قال نعم فأخبره بأمره فخلى عنه رسول الله فأسلم أي وقال يا رسول الله ما كنت أخاف الرجال فلما رأيتك ذهب عقلي وضعفت نفسي ثم أطلعت على ما هممت به فعلمت أنك على الحق فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم
فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ومن تقدم معه إلى أبي سفيان بمكة أي وذلك بعد قتل خبيب عن عدي رضي الله عنه وصلبه على الخشبة
ومضى عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه يطوف بالبيت ليلا فرآه معاوية بن ابي سفيان رضي الله تعالى عنهما فعرفه فأخبر قريشا بمكانه فخافوه لأنه كان فاتكا في الجاهلية وقالوا لم يأت عمرو بخير واشتدوا في طلبه
قال وفي رواية لما قدما مكة حبسا جمليهما ببعض الشعاب ثم دخلا ليلا فقال له صاحبه يا عمرو ولو طفنا بالبيت وصلينا ركعتين ثم طلبنا أبا سفيان فقال عمرو إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق أي وإن القوم إذا تعشوا جلسوا على أفنيتهم فقال كلا إن شاء الله قال عمرو فطفنا بالبيت وصلينا ثم خرجنا لطلب أبي سفيان فلقيني رجل من قريش فعرفني وقال عمرو بن أمية فأخبر قريشا بي فهربت أنا وصاحبي انتهى أي وصعدنا الجبل وخرجوا في طلبنا فدخلنا كهفا في الجبل ولقي عمرو رجلا من قريش فقتله أي قتل ذلك الرجل عمرو فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يقود فرسا ونحن في الغار فقلت لصاحبي إن رآنا صاح بنا فخرجت إليه ومعي خنجرا عددته لأبي سفيان فضربته على يده فصاح صيحة اسمع أهل مكة فجاء الناس يشتدون فوجدوه بآخر رمق

فقالوا له من ضربك قال عمرو بن أمية وغلبه الموت فاحتملوه فقلت لصاحبي لما أمسينا النجاة فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة فمررنا بالحرس الذين يحرسون خشية حبيب بن عدي رضي الله تعالى فقال أحدهم لولا أن عمرو بن أمية بالمدينة لقلت إنه هذا الماشي فلما حاذيت الخشبة شددت عليها فحملتها واشتديت أنا وصاحبي فخرجوا وراءنا فألقيت الخشبة فغيبة الله عنهم كذا في السيرة الهشامية
وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أرسل الزبير والمقداد لإنزاله وأن الزبير أنزله فابتلعته الأرض وتقدم عن ابن الجوزي مثل ما هنا من أن الذي أنزله عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه فيحتاج الى الجمع على تقدير صحة الروايتين ويقال عمرا قتل رجلا آخر سمعه يقول ** ولست بمسلم ما دمت حيا ** ولست أيدن دين المسلمينا **
ولقي رجلين بعثتهما قريش إلى المدينة يتجسسان لهم الخبر فقتل أحدهما وأسر الآخر ثم قدم رضي الله تعالى عنه المدينة وجعل بخير رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك

سرية سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه
وقيل كرز بن جابر رضي الله تعالى عنه وعليه الأكثرون ومن ثم اقتصر عليه الحافظ الدمياطي أي وقيل جرير بن عبد الله البجلي ورد بأن إسلام جرير بن عبد الله المذكور كان بعد هذه السرية بنحو أربع سنين الى العرنيين
وسببها أنها قدم على رسول صلى الله عليه وسلم نفر أي ثمانية من عرينة وقيل أربعة من عرينة وثلاثة من عكل والثامن من غيرهما مسلمين نطقوا بالشهادتين كانوا مجهودين قد كادوا يهلكون أي لشدة هزالهم وصفرة ألوانهم وعظم بطونهم وقالوا يا رسول الله آونا وأطعمنا فأنزلهم صلى الله عليه وسلم عنده أي بالصفة ثم قال لهم أي بعد أن ذكروا له صلى الله عليه وسلم أن المدينة وبئة وخمة وأنهم أهل ضرع ولم يكونوا أهل ريف لو خرجتم إلى ذود لنا أي لقاح وكانت خمسة عشر فشربتم من ألبانها وأبوالها أي لأن في لبن اللقاح جلاء وتليينا وإدرارا وتفتيحا للسدد فإن الأستسقاء وعظم البطن إنما ينشأ عن السدد وآفة في الكبد ومن أعظم منافع الكبد لبن اللقاح لاسيما إن استعمل بحرارته التي يخرج بها من الضرع مع بول الفصيل مع حرارته التي يخرج بها ففعلوا ثم لما صحت أجسامهم كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعيها وهو يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومثلوا به أي قطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات واستاقوا اللقاح
وفي لفظ أنهم ركبوا بعضها واستاقوها فأدركهم يسار ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يده ورجله الحديث
وبلغه صلى الله عليه وسلم الخبر فبعث صلى الله عليه وسلم في آثارهم عشرين فارسا واستعمل عليهم من تقدم وأرسل معهم من يقص آثارهم فأدركوهم فأحاطوا بهم فأسروهم ودخلوا بهم المدينة فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم أي غورت بمسامير محماة بالنار وألقوا بالحرة أي وهي أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار يستسقون فلا يسقون قال أنس رضي الله تعالى عنه ولقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش ليجد بردها لما يجده من شدة العطش حتى ماتوا على حالهم وأنزل الله فيهم { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية ولم يقع بعد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم سمل عينا وفي لفظ أنهما لما أسروا ربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة فخرجوا بهم نحوه فلقوه بمجمع السيول فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هنالك وأنه صلى الله عليه وسلم فقد من اللقاح لقحة تدعى الحفياء فسأل عنها فقيل نحروها كذا في سيرة الحافظ الدمياطي وقدم فيها هذه السرية على سرية عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15