كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم
المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج

حديث واحد
اخبرنا ابو منصور القزاز اخبرنا الخطيب اخبرنا محمد بن علي بن الطيب قال قرىء على هلال بن محمد اخي هلال الراي بالبصرة وانا اسمع قيل له حدثكم ابو مسلم الكجى وابو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي والغلابي والمازني والزريقي قال حدثنا القعنبي عن شعبة عن منصور عن ربعي عن عن ابن ابي منصور البدري قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستحى فاصنع ما شئت قال الغلابي اسمه محمد والمازني محمد بن حيا والزريقي ابو علي محمد بن احمد بن خالد البصري
سنة 437
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه في المحرم قبل قاضي القضاة ابو عبدالله الحسين بن علي شهادة ابي منصور عبدالملك بن محمد بن يوسف بأمر الخليفة
وفي يوم الاثنين لثمان بقين من ربيع الآخر لابي القاسم علي بن الحسن المسلمة من حضرة الخليفة النظر في امور خدمته وتقدم الى الحواشي بتوفية حقوقه فيما جعل اليه فجلس لذلك على باب دهليز الفردوس وعليه الطيلسان وبين يديه الدواة وحضر من جرت عادته بحضور الموكب فهنأوه وفي يوم الخميس الثامن من جمادي الاولى خلع عليه واستدعى الى حضره القائم بامر الله وخرج فجلس في الديوان في مجلس عميد الرؤساء ودسته وحمل على بغلة بمركب ومضى الى داره بدرب سليم من الرصافة ومعه الخدم والحجاب والاشراف والقضاة والشهود
وفي شوال حدثت فتنة بين اهل الكرخ وباب البصرة قتل جماعة فيها من الفريقين وجاء صاحب المعونة ونفر من العامة على اليهود واحرقوا الكنيسة العتيقة ونهبوا دور اليهود

وفيها وقع الوباء في الخيل فهلك من معسكر ابي كاليجار اثنا عشر الف رأس وعم ذلك في البلاد وامتلأت حافات دجلة من جيف الخيل
وورد الخبر بمجيء ابراهيم ينال اخي طغرل بك الى قرميسين وأخذها من يد ابي الشوك فارس بن محمد وتلا ذلك مجيئه الى حلوان فانه عمرها في مدة
ومات ابو الحسين العلاء ابن ابي علي الحسين بن سهل النصراني بواسط فجلس قوم من اقاربه في مسجد على بابه للعزاء به واخرج تابوته نهارا ومعه قوم من الاتراك فثار العوام فاعروا الميت من اكفانه واحرقوه ورموا بقيته في دجلة ومضوا الى الدير فنهبوه وعجز الاتراك عن دفعهم
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
167 - الحسين بن محمد بن الحسن
ابن بيان ابو عبدالله المؤذن في جامع المنصور ويعرف بابن مجوجا ولد في رجب سنة سبع واربعين وثلثمائة وروى عن جماعة كتب عنه ابو بكر الخطيب وقال كان صدوقا وكان يسكن في جوار الصيمري بدرب الزرادين وتوفي في جمادي الآخرة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب الكناس
168 - خديجة بنت موسى
ابن عبدالله الواعظة المعروفة ببنت البقال وتكنى ام سلمة
اخبرنا القزاز اخبرنا ابو بكر الخطيب قال سمعت خديجة بنت موسى ابا حفص ابن شاهين كتبت عنها وكانت فقيرة صالحة فاضلة تنزل ناحية التوثة وتوفيت في جمادي الآخرة من سنة سبع وثلاثية واربعمائة ودفنت في مقبرة الشونيزي
169 - عبد الصمد بن محمد
ابن عبدالله ابو الفضل الفقاعي ولد سنة ثلاث وستين وثلثمائة سمع ابن مالك القطيعي وابا علي بن حمكان

اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال كتبت عنه وكان صدوقا يسكن قريبا من دار القطن ثم تولى الخطابة بالرخجية وهي قريبة على نحو فرسخ من بغداد وراء باب الازج وتوفي بها في رمضان هذه السنة وبها دفن
170 - علي بن محمد
ابن نصر ابو الحسن الكاتب صاحب الرسائل
171 - فارس بن محمد
ابن عنان صاحب حلوان والدينور
سنة 438
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه وقع الموتان في الدواب فربما انفق في اليوم الواحد مائة واكثر وكان ذلك يطرح في دجلة فاجتنب كثير من الناس الشرب منها وكان قوم يحضرون لدوابهم الاطباء فيسقونها ماء الشعير ويدبرونها
وفي صفر خاطب ذو السعادات ابو الفرج بن فسانجس رئيس الرؤساء ابا القاسم ابن المسلمة في معنى ابي محمد بن النسوي وكان قد صرف عن الشرطة فقال له هذا الرجل قد ركب العظائم ولا سبيل الى الابقاء عليه فتقدم الخليفة بحبسه ورفع عليه انه كان يتبع الغرباء والعجم من ارباب البضائع فيقبض عليهم ليلا ويأخذ اموالهم ويقتلهم ويلقيهم في أبار وحفر معروفة المكان فحفرت فوجد فيها رمم بالية ورؤوس فنار العوام ونشروا المصاحف وعبروا بالعظام الى الباب النوبي وكثرت الدعاوي عليه الى ان ادعى وكيل لورثة ابي جبلة الهاشمي ان النسوي قتل ابن ابي جبلة بيده السيف عامدا فجعد ذلك فشهد عليه ابن ابي الحندقوقي وابن ابي العباس الهاشميان وزكاهما ابن الغريق وابن المهتدى فقال القاضي ابو الطيب الطبري قد امضيت شهادتكما وحكم عليه بالقتل وشهد عليه بمال قال الامر الى ان ادى خمسة آلاف وخمسمائة دينار عن ثلاث ديات قتلهم

ومال اخذه فتناول ذلك جهبذا السلطان وصرف في اقساط الجند
وفي هذه السنة فارق سعدي بن فارس بن عنان مهلهلا ومضى الى الغز وعاد ومعه عدة منهم وغلب على حلوان وخطب بها لابراهيم ينال ونفسه ثم غلب مهلهل عليها بعد شهر ثم عاد سعدي والغز عليها فنهبوها ومات بدران بن سلطان ابن ثمال الخفاجي ونأمر على بني خفاجة رجب بن منيع بن ثمال واسر سرخاب ابن محمد ابا الفتح بن ورام وابنه واخاه بن عمر وسعدي بن فارس وقتل وراما وابنيه وصلبهما
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
172 - الحسن بن محمد
ابن عمر بن القاسم ابو على النرسي البزار المعروف بابن عديسة ولد في سنة ثمانين وثلثمائة وسمع ابن شاهين وغيره كان صدوقا من اهل القرآن والمعرفة بالقراآت وانتقل بآخره الى مكة فسكنها وتوفى بها في ليلة النصف من رجب هذه السنة
173 - عبدالله بن احمد
ابن عبدالله ابو محمد الهاشمي من اولاد المعتصم سمع ابن مالك القطيعي وابا محمد بن ماسى وكان صدوقا وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب
174 - عبدالله بن يوسف
ابن عبدالله بن يوسف بن محمد بن حيويه ابو محمد الجويني والد ابي المعالي واصلهم من قبيلة من العرب يقال لها سنبس وجوين من نواحي نيسابور سمع الحديث بمرو على جماعة وبنيسابور وبهمذان وببغداد وبمكة وقرأ الادب على ابيه ابن يعقوب وتفقه على ابي الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي ثم خرج الى مرو الى ابي بكر عبدالله بن احمد القفال وعاد الى نيسابور فدرس وافنى وعقد

مجلس المناظرة وكان مهيبا لا يجري بين يديه الا الجد وصنف التصانيف الكثيرة في انواع من العلوم وكان لا يدق وتدا في جدار مشترك بينه وبين جاره ويحتاط في اداء الزكاة فربما اداة مرتين وتوفى في ذي القعدة من هذه السنة
175 - محمد بن الحسن
ابن عيسى بن عبدالله ابو طاهر المعروف بابن شرارة الناقد ولد سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة وسمع ابا بكر بن مالك القطيعي وابا محمد بن ماسى وغيرهما وكان صدوقا يسكن نهر طابق وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة
176 - محمد بن ابراهيم
ابن محمد ابو الحسن يعرف بالمطرز اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال هو اصبهاني الاصل كان يتوكل بين يدي القضاة ومنزله بناحية نهر الدجاج وحدث عن محمد بن عبدالله بن بخيت وغيره وكان صدوقا صحيح الاصول سألته عن مولده فقال يوم السبت لعشر بقين من شوال ثمان وخمسين وثلثمائة قال وجدي من اهل اصبهان فاما ابي فانه ولد ببغداد وتوفى محمد بن ابراهيم في شوال هذه السنة
177 - محمد بن الحسين
ابن ابي سليمان محمد بن الحسين بن علي ابو الحسين ابن الحراني الشاهد سمع ابا بكر ابن مالك وابا محمد بن ماسى وابن المظفر وابا الفضل الزهري وغيرهم وكان صدوقا وتوفى ليلة الجمعة لست عشرة ليلة خلت من هذه السنة ودفن بباب حرب
سنة 439
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه غدر الاكراد بسرخاب بن محمد بن عنان وحملوه مقبوضا

عليه الى ابراهيم ينال فقلع احدى عينيه وظفر بنو نمير باصفر الغازي وكان قد اوغل في بلاد الروم فسلم الى ابن مروان فسد عليه برجا من ابراج آمد وعاد القتال بين اهل الكرخ وباب البصرة حتى ان صاحب المعونة فارق موضعه ومضى الى باب الازج
وفي رمضان غلا السفر ببغداد وورد كتاب من الوصل ان الغلاء اشتد بها حتى أكلوا الميتة وكثر الموت حتى انه احصى جميع من صلى الجمعة فكانوا اربعمائة وعد اهل الذمة في البلد فكانوا نحو مائة وعشرين
وفي شوال قبض على الوزير ذي السعادات ابي الفرج محمد بن جعفر فسانجس وفي ذي القعدة كثر الوباء ببغداد وبيعت رمانة بقيراطين ونيلوفرة بقيراطين وفروج بقيراطين وخيارة بقيراط ومائة منا سكر بتسعين دينارا وطباشير درهم بدرهم فضة وزاد الامر في ذي الحجة وكثرت الامراض
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
178 - احمد بن محمد
ابن عبدالله بن احمد ابو الفضل القاضي الهاشمي الرشيدي من ولد الرشيد مروروذي الاصل ولي القضاء بسجستان وسمع من ابي احمد الغطريفي وغيره
اخبرنا القزاز اخبرنا احمد بن علي قال انشدنا ابو الفضل الرشيدي لنفسه
... قالوا اقتصد في الجود انك منصف ... عدل وذو الانصاف ليس يجور ... فاجبتهم اني سلالة معشر ... لهم لواء في الندى منثور ... تالله اني شائد ما قد بنى ... جدي الرشيد وقبله المنصور
179 - الحسن بن محمد
ابن الحسن بن علي ابو محمد بن أبي طالب الخلال ولد سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة وسمع القطيعي والخرقي وابن المظفر وابن حيويه وغيرهم وكان يسكن بنهر القلائين ثم انتقل الى باب البصرة وكان ثقة له معرفة وتنبه وجمع وخرج

وتوفي في جمادي الاولى من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب
180 - الحسين بن علي
ابن عبيدالله بن احمد ابو الفرج الطناجيري ولد سنة خمسين وثلثمائة وكان يسكن درب الدنانير قريبا من نهر طابق سمع محمد بن المظفر وابا بكر بن شاذان وخلقا كثيرا وكان ثقة صدوقا وتوفي في ذي القعده من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب 1
181 - الحسين بن الحسن
ابن علي بن بندار ابو عبدالله الانماطي
اخبرنا ابو منصور القزاز اخبرنا ابو بكر احمد بن علي بن ثابت قال حدث الحسينن ابن الحسن عن عبدالله بن ابراهيم بن ماسى وأبي الحسن الدارقطني كتبت عنه وكان يسكن الجانب الشرقي من ناحية مربعة ابي عبيدالله وكان ينتحل الاعتزال والتشيع وكان ظاهر الحمق بادىء الجهل فيما ينتحله ويدعو اليه ويناظر عليه ووجد في منزله ميتا يوم الاثنين الثالث عشر من شعبان سنة تسع وثلاثين واربعمائة ولم يشعر احد بموته حتى وجد في هذا اليوم وقد أكلت الفار انفه وأذنيه
182 - عبد الوهاب بن علي
ابن الحسن ابو تغلب المؤدب ويعرف بأبي حنيفة الفارسي اللخمي من اهل الجانب الشرقي كان يسكن شارسوك وحدث عن المعافى بن زكريا قال الخطيب كتبنا عنه وكان صدوقا وكان احد حفاظ القرآن عارفا بالقراآت عالما بالفرائض وقسمة المواريث توفى في ذي الحجة من هذه السنة
183 - عبد الملك بن عبد القاهر
ابن راشد بن مسلم ابو القاسم ولد بنصبين في سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة وكان

صدونا ينزل نهر القلائين وتوفي في ربيع الاول من هذه السنة ودفن بمقبرة الشونزى
184 - عبد الواحد بن محمد
ابن يحيى بن ايوب ابو القاسم الشاعر المعروف بالمطرز وكان يسكن ناحية نهر الدجاج
اخبرنا ابو منصور القزاز اخبرنا ابو بكر احمد بن علي بن ثابت الخطيب قال انشدني المطرز لنفسه في الزهد ... يا عبدكم لك من ذنب ومعصية ... ان كنت ناسيها فالله احصاها ... لا بد يا عبد من يوم تقوم له ... ووقفة لك يدعي انقلب ذكراها ... اذا عرضت على قلبي تذكرها ... قد ساء ظني فقلت استغفر الله ...
توفي المطرز في جمادي الآخرة من هذه السنة
185 - محمد بن الحسين
ابن علي بن عبد الرحيم ابو سعد اصله من براز الروذوزر للملك ابي كاليجار دفعات وتوفى بجزيرة ابن عمر في ذي القعدة من هذه السنة عن ست وخمسين سنة
186 - محمد بن احمد
ابن موسى ابو عبدالله الواعظ الشيرازي اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال قدم هذا الرجل بغداد واقام فيها مدة يتكلم بلسان الوعظ ويشير الى طريقة الزهد ويلبس المرقعة ويظن عزوف النفس عن طلب الدنيا فافتن الناس به لما رأوا من حسن طريقته وكان يحضر مجلس وعظه خلق لا يحصون وعمر مسجدا خرابا بالشونيزية فسكنه وسكن معه فيه جماعة من الفقراء وكان يعلو سطح المسجد في جوف الليل ويذكر الماس ثم انه قبل ما كان يوصل به بعد امتناع شديد كان يظهره وحصل له ببغداد مال كثير ونزع المرقعة وليس

الثياب الناعمة الفاخرة وجرت له اقاصيص وصار له تبع واصحاب ثم اظهر انه يريد الغزو فحشد الناس اليه وصار معه عسكر كثير ونزل بظاهر البلد من اعلاه وكان يضرب له الطبل في اوقات الصلاة ورحل الى الموصل ثم رجع جماعة من اتباعه وبلغني انه صار الى نواحي آذربيجان واجتمع له ايضا جمع وضاهى امير تلك الناحية وقد كان حدث ببغداد عن احمد بن محمد بن عمران الجندي وغيره وكبت عنه احاديث يسيرة في سنة عشر واربعمائة وقد حدثني عنه بعض اصحابنا بشيء يدل على ضعفه في الحديث وانشدني هو لبعضهم
... اذا ما اطعت النفس في كل مرة ... نسبت الى غير الحجي والتكرم ... اذا ما اجبت النفس في كل دعوة ... دعتك الى الأمر القبيح المحرم ...
قال وحدثني المعمر بن احمد الصوفي ان ابا عبدالله الشيرازي مات بنواحي آذربيجان سنة تسع وثلاثين واربعمائة
187 - محمد بن الحسين
ابن عمر بن برهان ابو الحسن الغزال سمع ابا الحسن ابن لؤلؤ ومحمد بن المظفر وابا الفضل الزهري وغيرهم وكان صدوقا
188 - محمد بن علي
ابن ابراهيم ابو الخطاب الجبلي الشاعر كان من اهل الادب الفصحا مليح النظم سافر في حداثته الى الشام فسمع الحديث وقال الشعر فمن شعره ... ما حكم الحب فهو ممتثل ... وما جناه الحبيب محتمل ... يهوى ويشكو اللصبا وكل هوى ... لا يبخل الجسم فهو منحل ...
وورد على معرة النعمان فمدح ابا العلاء المعري بابيات فاجابه عنها بابيات وكان لما خرج الى السفر له عينان كأنهما نرجستان حسنا فعاد وقد عمي فاقام ببغداد حتى توفى بها في ذي القعدة من هذه السنة وذكر انه كان شديد الترخص

سنة 440
ثم دخلت سنة اربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها ان في ربيع الآخر جلس رئيس الرؤساء ابو القاسم في صحن السلام لوفاة اخت الامير ابي نصر وهي زوجة الخليفة ولم يضرب الطبل في دار المملكة ايام العزاء
وعاد القتال بين اهل الكرخ وباب البصرة
ومرض الملك ابو كاليجار في جمادي الاولى وقصد في يوم ثلاث مرات وهو في برية وحم فركب المهد ثم شق عليه فعملت له محفة على أعناق الرجال وقضى في ليلة الخميس فانتهب الغلمان الخزائن والسلاح والكراع واحراق الجواري الخيم فما تركن الا خيمة وخركاء هو فيها مسجى وولى مكانه ابنه ابو نصر وسموه الملك الرحيم وخرج من معسكره الى دار الخلافة فركب من شاطىء دجلة عند بيت النوبة حتى نزل من صحن السلام في الموضع الذي نزل فيه عضد الدولة ومن بعده ووصل الى حضرة الخليفة فقبل الارض وجلس على كرسي وتكلم عنه بما اكثر فيه الدعاء والشكر ثم انهض ولبس الخلع فلبس السبع الكاملة والعمامة السوداء العمة الرصافية والطوق والسوارين وقلد سيفا بجزابل ووضع على رأسه التاج المرصع وبرز له لو آن معقودان واحضر الكتاب بالتقليد والتلقيب فسلم اليه بعد ان قرىء صوره ووصاه الخليفة باستعمال التقوى ومراعاة العقبى واتباع العدل في الرعية ونهض فقدم اليه فرس ادهم بمركب ذهب وخرج فنزل الطيار الخليفي وصعد منه الى مضربه وجلس على سدته ساعة خدمة فيها الناس وهنأوه ثم نهض ودخل خيمة ونزع ماكان عليه وخرج وركب ومضى الى ديالي وكان يوما مشهودا
وفي يوم السبت لست بقين من جمادي الآخرة قبل القاضي ابو عبدالله بن ماكولا شهادة القاضي ابي يعلى بن الفراء

وفيها دار السور على شيراز وكان دوره اثنى عشر الف ذراع وطول حائطه ثمانية اذرع وعرضه ستة اذرع وكان له احد عشر بابا
وفيها أتى كثير من الغز من ما وراء النهر الى ينال فقال لهم نضيق عن مقامكم عندنا والوجه ان نمضى الى غزاة الروم ونجاهد فساروا وسار بعدهم فبقى بينه وبين القسطنطينية خمسة عشر يوما وحصل له من السبى زائدا على مائة الف رأس وغنم منهم اربع آلاف درع وحمل ما وصل اليه على عشرة آلاف عجلة وعاد
وفي شعبان هذه السنة ختن ذخيرة الدين ابو العباس محمد بن القائم بأمر الله وذكر على المنابر بانه ولى العهد
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
189 - الحسن بن عيسى
ابن المقتدر بالله ابو محمد ولد في محرم سنة ثلاث واربعين وثلثمائة وسمع من مؤدبه احمد بن منصور اليشكرى وأبي الازهر عبد الوهاب بن عبد الرحمن الكاتب وكان فاضلا دينا حافظا لاخبار الخلفاء عارفا بايام الناس صالحا زاهدا ترك الخلافة عن قدرة وآثر بها القادر بالله وتوفي في هذه السنة ووصى ان يغسله ويصلي عليه القاضي ابو الحسين بن الغريق ويحمل الى باب حرب في النهار ويدفن بغير تابوت حضر جنازته الوزراء كمال الملك وزعيم الملك ومشى البساسيرى خلف جنازته من داره الى قبره ودفن بقرب قبر احمد بن حنبل وجلس رئيس الرؤساء ابو القاسم من الغد للعزاء
190 - الحسن بن احمد
ابن الحسن بن محمد بن خداداذ ابو علي الباقلاوي كرخي الاصل ولد سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة سمع من ابي عمر بن مهدي وغيره وحدث وكان صدوقا

دينا خيرا من اهل القرآن والسنة وتوفي في محرم هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب
191 - عبيد الله بن عمر
ابن احمد بن عثمان ابو القاسم الواعظ المعروف بابن شاهين ولد في ربيع الاول سنة احدى وخمسين وثلثمائة
اخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال سمع عبدالله اباه وابن مالك القطيعي وابا محمد ابن ماسى وابا بحر البربهارى ومحمد بن المظفر كتبت عنه وكان صدوقا ينزل بالجانب الشرقي المعترض وراء الحطابين ومات في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب
192 - علي بن الحسن بن محمد
ابن المنتاب ابو القاسم المعروف بابن ابي عثمان الدقاق اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال سمع علي بن الحسن ابا بكر بن مالك وابا محمد بن ماسى وابن المظفر وغيرهم كتبت عنه وكان شيخا صالحا صدوقا دينا حسن المذهب سكن نهر القلائين وسألته عن مولده فقال سنة خمس وخمسين وثلثمائة ومات في هذه السنة ودفن في مقبرة الشونيزي
193 - محمد بن جعفر
ابن ابي الفرج بن فسانجس ويكنى ابا الفرج ويلقب ذا السعادات وزر لابي كاليجار بفارس ووزر له ببغداد وكانت له مروءة فائضة وكان مليح الشعر والترسل ومن شعره
... اودعكم واني ذو اكتئاب ... وارحل عنكم والقلب آبي ... وان فراتكم في كل حال ... لاوجع من مفارقة الشباب ... اسير وما ذممت لكم جوارا ... وما ملت مغازلكم ركابي ... واشكر كلما اوطيئت دارا ... ليالينا القصا ربلا احتساب

واذكركم اذا هبت جنوب ... تذكرني غزارات التصابي ... لكم مني المودة في اغترابي ... وانتم الف نفسي في اقترابي ... سقى عهد الاحبة حيث كانوا ... سجال القطر من خلل السحاب ... فروعات الفراق وان اغامت ... يقشعها مسرات الإياب
واشتهر عنه أن بعض شهود الاهواز كتب اليه ان فلانا مات وخلف حسين الف دينار مغربية وعقارا بخمسين الف دينار وخلف ولدا له ثمانية اشهر فان رأى الوزير أن يفترض من العين الى حين بلوغ الطفل فكتب على ظهر الرقعة المتوفي رحمه الله والطفل جبره الله والمال ثمرة الله والساعي لعنه الله لا حاجة لنا الى مال الايتام اعتقل ذو السعادات بقلعة بني وحام ببهند في احد عشر شهرا او نفذ ابو كاليجار من قتله بها في رمضان هذه السنة وقد بلغ احدى وخمسين سنة
194 - ابو كاليجار المرزبان
ابن سلطان الدولة ابي شجاع بن بهاء الدولة ابي نصر ولد بالبصرة في شوال سنة تسع وتسعين وثلثمائة وتوفي في هذه السنة وله اربعون سنة واشهر وولي العراق اربع سنين وشهرين واياما ونهبت قلعة له وكان فيها ما يزيد على الف الف دينار
195 - محمد بن محمد بن ابراهيم
ابن غيلان بن عبدالله بن غيلان بن حكيم ابو طالب البزاز ولد سنة ست واربعين وثلثمائة وروي عن ابي بكر الشافعي وهو آخر من حدث عنه روى عنه جماعة وكان صدوقا دينا صالحا وكان قوي النفس على كبر السن قال ابو عبدالله محمد بن محمود الرشيدي لما اردت سفر الحجاز اوصاني الشيوخ بسماع مسند احمد بن حنبل وفوائد ابي بكر الشافعي من ابي طالب بن غيلان فجئت الى ابي علي التميمي الذي كان عنده مسند احمد فراودته على السماع منه

فقال اريد مائتي دينار حمر لاقرئك الكتاب فقلت ان جميع ما استصحبت من نفقتي للحج لا يبلغ مائة فان كان لا بد فاجزلي ذلك فقال اريد عشرين دينارا احمر لأجيز لك فتركت ذلك الكتاب وقلت لأبي منصور بن حيدر اريد ان اسمع من ابن غيلان فقال انه مبطون عليل فسألته عن سنة فقال هو ابن مائة وخمس سنين قلت فاعجل قال لا حج فقلت شيخ ابن مائة وخمس سنين مبطون كيف يسمح قلبي بتركه وكيف اعتمد على حياته قال اذهب فاني ضامن لك حياته فقلت وما سبب اعتمادك على حياته قال ان له الف دينار حمر جعفرية يجاء بها كل ويوم وتصب في حجره فيقلبها ويتقوى بذلك فخرجت وحججت فلما رجعت فلما رجعت سمعت عليه حدثنا ابو القاسم بن الحصين عن أبي طالب بن غيلان بالأجزاء التي تسمى الغيلانيات التي خرجها الدارقطني لابي غيلان وتحديثه عن المزكى توفي ابن غيلان في يوم الاثنين السادس من شوال سنة اربعين واربعمائة ودفن من الغد في داره بدرب عبدة في قطيعة الربيع بباب مسجد ابن المبارك وكان الامام في الصلاة ابو الحسين بن المهتدى
سنة 441
ثم دخلت سنة احدى واربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه تقدم في ليلة عاشوراء الى اهل الكرخ ان لا ينوحوا ولا يعلقوا المسوح على ما جرت به عادتهم خوفا من الفتنة فوعدوا واخلفوا وجرى بين اهل السنة والشيعة ما يزيد عن الحد من الجرح والقتل حتى عبر الاتراك وضربوا الخيم
وفي يوم الاربعاء ثالث ربيع الاول قبل قاضي القضاة ابو عبدالله بن ماكولا شهادة أبي عبدالله محمد بن علي الدامغاني
وفي شعبان نقض اهل الكرخ سوق الانماط دكاكينها وارحاءها وبنوا ابآجرها سورا من ورائها يحصنون بها الكرخ ويقطعون به ما بين خراب القلائين وبينه

فلما رأى ذلك اهل السنة من القلائين ومن يجري مجراهم شرعوا في بناء سور على سوق القلائين وبدأوا بعمل بابه محاذيا لباب السماكين ونقضوا كل حائط امكنهم نقضه واخذوا كل آجر وجدوه واجتمع منهم جمع كثير يحملون الآجر الى موضع العمل وعاونهم الاتراك بأموالهم وساعدوهم ببغالهم وجرى من اجتماع الجموع مالم يجر مثله من قبل في شيء حتى جرت سفينة على العجل حمل فيها آجر وعلى ملاحها قباء ديباج وعمامة قضب اهبة وعن لأهل الكرخ ان يبنوا بابا آخر من آجر الدقاقين وحملوا الآجر الى موضعه على رؤوس الرجال في البافدانات المجللة بالثياب الديباج والمناديل الدبيقي وقدامها الطبول والزمور والمخانيث معهم آلات الحكاية وقابل اهل القلائين ذلك بأن حملوا آجرهم بين يدي حمالية البوقات والدبادب وزاد الامر وسخف وافرط الوهن ونقضت ابنية كثيرة واخذ من تغانير الآجر الجديدة عدة وجرى في عمل هذه الابواب وبنائها وجمع آجرها وآلاتها وتقسيط نفقاتها والخلع على بنائها وطرح ماء الورد في أساساتها ما خرج عن الحد حتى ان امرأة اجتازت بباب القلائين فنزعت جوكانية ديباج كانت عليها فأعطتها للبناء
وفي يوم عيد الفطر ثارت الفتنة بين اهل الكرخ واهل القلائين فاشتدت ووقع بينهما جرح وقتل ونقل اهل القلائين آخر السور الذي على سوق الانماط فاستعملوه في بنائهم وجعل مع كل جهة قوم من الاتراك يشدون منهم وامتنع على السلطان الاصلاح وعمل اهل القلائين بابا آخر دون بابهم وسقفوا ما بينهما وبنوا دكاكين جانبيها وفرشوا الحصر وعلقوا القناديل وخلقوا الحيطان واظهروا عمل ذلك مسجدا واذنوا للصلوات فيه وسمى الباب المسعود وبطلت الاسواق وادعى ابو محمد ابن النسوي ورسم له العبور الى الجانب الغربي وازالة الفتنة فقتل جماعة من المذكورين وانتهى الى الخليفة ان القضاة ابا الحسن السمناني وابا الحسن البيضاوي وابا عبدالله الدامغاني وابن الواثق وابن المحسن الوكيلين حضروا عند القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي وجرى ذكر اهل الكرخ

وما عملوا فقال التنوخي هذه طائفة نشأت على سب الصحابة وما منعت منه الا وجدت به ولا كان لدار الخلافة امر عليها فما تحاول الآن منها واني لاذكره وانا احمل رقاع ابن حاجب النعمان عن دار الخلافة القادرية الى الرضى فلا يفضها ويقول ان كانت لك حاجة قضيتها فلما قام اخوه المرتضى اظهر الطاعة حفظا لنعمته فكتب الوكيلان بما جرى الى الديوان وشهد بذلك شهود فتقدم بما وقف عليه ابن عبد الرحيم الوزير فكاتب الخليفة وسأله في الصفح عن التنوخي فوقع الاقتصار على ان كتب رئيس الرؤساء الى قاضي القضاه ليتوقف قاضي القضاة الحسين بن علي عن شهادة التنوخي وليوغر عليه بملازمة منزلة الى ان يكشف عن حاله ثم لم يزل يسأل فيه حتى اذن له في الشهادة ودخول الديوان ثم زادت الفتن بين السنة والشيعة ونقضت المحال ورميت فيها النار
واشتد امر العيارين بالجانب الغربي حتى انتقل اهله الى الحريم وابتاعوا خرابات وعمروها
وفي ذي الحجة عصفت ريح غبراء ترابية فاظلمت الدنيا فلم ير احد احد وكان الناس في اسواقهم فحاروا ودهشوا دامت ساعة فقلعت رواشن دار الخلافة ودار المملكة وانحدر الطيار ووقع الظلال في الاسواق وسقط من النخل والشجر الكثير
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
196 - احمد بن محمد بن احمد بن منصور
ابو الحسن المعروف بالعتيقي وكان بعض اجداده يسمى عتيقا فنسب اليه ولد في محرم سنة سبع وستين وثلثمائة وسمع من ابن شاهين وغيره وكان صدوقا وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزي
197 - علي بن عبدالله بن الحسين
ابو القاسم العلوي ويعرف بابن ابي شيبة اخبرنا القزاز اخبرنا ابو بكر الخطيب

قال سمع علي بن عبدالله من ابن المظفر وكتبت عنه وكان صدوقا دينا حسن الاعتقاد يورق بالاجرة ويأكل من كسب يده ويواسي الفقراء من كسبه وسألته عن مولده فقال ليلة عيد الاضحى من سنة ستين وثلثمائة وتوفي في رجب هذه السنة
198 - عبد الوهاب بن اقضى القضاة
ابي الحسن الماوردي ابو الفائز شهد عند ابن ماكولا في سنة احدى وثلاثين وقبل شهادته في بيت النوبة ولم يفعل ذلك مع غيره احتراما لأبيه توفي في محرم هذه السنة
199 - محمد بن علي بن عبدالله
ابن محمد ابو عبدالله الصوري سمع بصداء من أبي الحسين بن جميع وهو اسند شيوخه ثم صحب عبد الغني الحافظ فكتب عنه وعن غيره من المصريين وكتب عنه عبد الغني اشياء في تصانيفه وانما طلب الحديث بنفسه في الكير وقدم بغداد سنة ثمان عشرة واربعمائة فسمع من أبي الحسن بن مخلد ومن بعده فأقام يكتب الحديث وكان من احرص الناس عليه واكثرهم كبانه واوفرهم رغبة في تحصيله فربما كرر قراءة الحديث على شيخه مرات ورأيت بخطه في الوجهة الواحدة ثمانين سطر او كان له فهم ومعرفة بالحديث ومضى الى الكوفة فسمع بها من اربعمائة شيخ وكان يظهر هناك السنة ويترحم على ابي بكر وعمر فثار اهل الكوفة ليقتلوه فالتجأ الى ابي طالب بن عمر العلوي وكان ابو طالب يسب الصحابة فأجاره وقال له احضر كل يوم عندي وارو لي ما سمعت في فضائل الصحابة فقرأ عنده فضائلهم فتاب ابو طالب وقال قد عشت اربعين سنة اسب الصحابة وأشتهي اعيش مثلها حتى اذكرهم بخير وكان الصوري يسرد الصوم دائما لا يفطر الا العيدين والتشريق اخبرنا جماعة من اشياخنا عن ابي الحسين ابن الطيوري قال اكثر كتب الخطيب سوى تاريخ بغداد مستفادة من كتب الصوري ابتدأ بها

وكان قد قسم اوقاته في نيف وثلاثين شيئا وكان له اخت بصور وخلف عندها اثنى عشر عدلا من الكتب فحصل الخطيب من كتبه اشياء قال واظنه لما خرج الى الشام اعطى اخته شيئا واخذ منها بعض كتبه قال وكان الصوري طيب المجالسة حسن الخلق يصوم الدهر وذهبت احدى عينيه وكان يكتب المجلدة في جزء وكان سبب موته فتورمت يده ومات في ذلك قال ابن الطيوري فحدثني ابو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا ان السبب في ذلك ان الطبيب الذي فصده وكان قد اعطى مبضعا مسموما ليفصد غيره فغلط وفصده به وكان الصوري يفيد الناس واذا اراد أن يسمع شيئا اعلم الناس كلهم ليحضروا المجلس قال وكان الخطيب اذا ظفر بجزء مرة واحدة فقرأ على الشيخ
اخبرنا محمد بن ناصر اخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال انشدنا الصوري لنفسه ... تولى الشباب بريعانه ... وجاء المشيب بأحرانه ... فقلبي لفقدان ذا مؤلم ... كئيبا بهذا ووجدانه ... وان كان ما جار في سيره ... ولا جاء في غير إبانه ... ولكن أتى مؤذنا بالرحيل ... فويلي من قرب ايذانه ... ولولا ذنوب تحملنها ... لما راعني حال اتيانه ... ولكن ظهري ثقيل بما ... جناه شبابي بطغيانه ... فمن كان يبكي زمانا مضى ... ويندب طيب ازمانه ... فليس بكائي وما قد ترو ... ن مني لوحشة فقد انه ... ولكن لما كان قد جره ... على بوثبات شيطانه ... فولى وابقى على الهموم ... بما قد تحملت في شانه ... فويل وعولى لئن لم يجد ... على مليكي يرضوانه ... ولم يتغمد ذنوبي وما ... جنيت بواسع غفرانه ... ويجعل مصيري الى جنة ... يحل بها أهل قربانه ... وان كنت مالي من قربة ... سوى حسن ظني باحسانه

واني مقر بتوحيده ... عليم بعزة سلطانه ... اخالف في ذاك الجحود ... واهل الفسوق وعدوانه ... وارجو به الفوز في منزل ... مقر لأعين سكانه ... ولن يجمع الله اهل الجحود ... ومن قد اقر بايمانه ... فهذا ينجيه ايمانه ... وهذا يبوء بخسرانه ... وهذا ينعم في جنة ... وذلك في قعر نيرانه ...
قال وانشدنا الصوري لنفسه ... قال لمن عاند الحديث واضحى ... غائيا اهله ومن يدعيه ... أيعلم تقول هذا ابن لي ... ام بجهل فالجهل خلق السفيه ... أيعاب الذين هم حفظوا الدين من الترهات والتمويه ... والى قولهم وما قد رووه ... راجع كل عالم وفقيه ...
توفي الصوري بالمارستان في يوم الاربعاء سلخ جمادي الآخرة ودفن في مقبرة جامع المدينة وقد نيف عن الستين
سنة 442
ثم دخلت سنة اثنتين واربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه ندب ابو محمد النسوي للعبور وضبط البلد ثم اجتمع العامة من اهل الكرخ والقلائين وباب الشعير وباب البصرة على كلمة واحدة في انه متى غبر ابن النسوي احرقوا اسواقهم وانصرفوا عن البلد فصار اهل الكرخ الى باب نهر القلائين فصلوا فيه واذنوا في المشهد حي على خير العمل واهل القلائين بالعتيقة والمسجد بالبزارين بالصلاة خير من النوم واختلطوا واصطلحوا وخرجوا الى زيارة المشهدين مشهد علي والحسين واظهروا بالكرخ الترحم على الصحابة وكبس اهل الكرخ ودار الوزارة واخرجوا منها ابا نصر بن مروان وخلصوه من المصادرة

ووقعت في ليلة الجمعة ثاني رمضان صاعقة في حلة نور الدولة على خيمة لبعض العرب كان فيها رجلان فأحرقت نصفها ورأس احد الرجلين ونصف بدنه ويدا واحدة ورجلا واحدة فمات وسقط الآخر مغشيا عليه لم يتكلم يومين وليلة ثم أفاق وعصفت ريح شديدة وجاء مطر جود فقلعت رواسن دار الخلافة على دجلة
واستهل ذو الحجة فعمل الناس على الخروج لزيارة المشهدين بالحائر والكوفة فبدأ اهل القلائين بعمل طرد اسود عليه اسم الخليفة ونصبوه على بابهم واخرج اهل نهر الدجاج والكرخ مناجيق ملونة مذهبات واختلط الفريقان من السنة والشيعة وساروا الى الجامع بالمدينة فلقيهم مناجيق باب الشام وشارع دار الرقيق ثم عادوا والعلامات بين ايديهم تقدمها العلامة السوداء والبوقات تضرب فجازوا بصيفية الكرخ فنثر عليهم اهل الموضعين دراهم وخرج الى الزيارة من الاتراك واهل السنة من لم تجر له عادة بها
ورخص السعر حتى بيع الكر من الحنطة بسبع دنانير
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
200 - الحسن بن محمد
ابن الحسن بن بانة ابو يعلى الرازي سمع ابا بكر بن مالك وابا محمد بن ماسي وكان صحيح السماع لكنه كان يتشيع توفي في ربيع الآخر من هذه السنة
201 - عمر بن ثابت
ابو القاسم الثمانيني الضرير النحوي هو الذي شرح اللمع وكان غاية في ذلك العلم وكان أخذ على ذلك الاجر
202 - علي بن عمر
ابن محمد بن ابو الحسن الحربي المعروف بالقزويني ولد مستهل محرم سنة

ستين وهي الليلة التي توفى فيها ابو بكر الآجر وسمع ابا حفص الزيات وابن حيويه وابا بكر بن شاذان وكان وافر العقل من كبار عباد الله الصالحين يقرىء القرآن ويروى الحديث ولا يخرج من بيته الا للصلاة وله كرامات وتوفي في شعبان هذه السنة وكان في كانون الاول ثمانية وعشرون يوما وتولى أمره ابو منصور بن يوسف وغسله ابو محمد التميمي وصلى عليه في الصحراء بين الحربية والعتابين وكان يوما مشهودا غلقت فيه الاسواق ببغداد قال ابو علي البرداني حضره مائة الف رجل قال وانتبه اخي ابو غالب تلك الليلة وهو يبكي ويرتعد فسكنه والدنا وقال مالك يا بني فقال رأيت في المنام كأن ابواب السماء قد فتحت وابن القزويني يصعد اليها فلما كانت صبيحة تلك الليلة سمعت المنادي بموته
302 - قرواش بن المقلد ابو المنيع الامير
كان قد جلس له القادر في سنة ست وتسعين وثلثمائة ولقبه معتمد الدولة ثم تفرد بالامارة وكانت له بلاد الموصل والكوفة وشقي الفرات واستنزل على ابن مزيد على ما كان اليه من كوثى ونهر الملك ورد الى قرواش وكان قرواش قد جمع بين أختين فلامته العرب فقال خبروني ما الذي نستعمله مما تبيحه الشريعة وكان يقول ما مارقبتي غير خمسة او ستة من البادية قتلتهم فاما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم وكان الحاكم الذي بمصر يكاتبه ويراسله ويستميله فأقام له الدعوة بالموصل والكوفة ثم اعتذر الى القادر وسأله العفو ولما دخل الغز إلى الموصل نهبوا من دار قرواش ما يزيد على مائتي الف دينار وتوفي في هذه السنة وقام بالامر بعده قريش بن بدران بن المقلد
204 - محمد بن احمد
ابن الحسين بن محمد ابو الحسن القطان المعروف بابن المحامل سمع علي بن عمر

السكرى وابا القاسم بن حبابة بن الوزير والمخلص وغيرهم اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال كتبت عن ابي الحسن القطان شيئا يسيرا وكان صدوقا من اهل القرآن حسن التلاوة جميل الطريقة سمعته يقول ولدت في سحر يوم الاحد العشرين من شوال سنة اثنن وثمانين وثلثمائة ومات في ليلة الثلاثاء من ربيع الآخر سنة اثنتين واربعين واربعمائة ودفن يوم الثلاثاء في داره بدرب الآجر من نواحي نهر طابق
205 - محمد بن احمد
ابن محمد بن عبدالله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله ابوالحسن الهاشمي خطيب جامع المنصور ولد في سنة اربع وثمانين وثلثمائة وقرأ القرآن على ابي القاسم الصيدلاني وحدث شيئا يسيرا عن الحسين بن احمد بن عبدالله بن بكير وكان صدوقا وشهد عند قاضي القضاة ابي عبدالله بن ماكولا وقاضي القضاة ابي عبدالله الدامغاني فقبلاه
206 - محمد بن علي
ابن محمد ابو طاهر ابن العلاف سمع ابا بكر بن مالك القطيعي واحمد بن جعفر بن مسلم في آخرين وكان صدوقا مستورا ظاهر الوقار حسن السمت ينزل بدرب الديوان في جوار ابي القاسم بن بشران وله مجلس وعظ في جامع المهدي ثم اتخذ حلقة في جامع المنصور توفي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة الخيزران
207 - مودود بن مسعود
ابن محمود بن سبكتكين توفي فقام مقامه عمه عبد الرشيد بن محمود
سنة 443
ثم دخلت سنة ثلاث واربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه في ليلة الاحد الخامس من المحرم وهو اليوم التاسع عشر

من ايار عصفت ريح مغرب ورد في اثنائها مطر جود وقلعت رواشن دار الخليفة على دجلة ودار المملكة وعدة دور من الدور الشاطية واثرت في ذلك الآثار البينة وانحل الطيار الممدود عن باب الغربة من رباطه فوقع على الرواشن فقلعه من اوله الى آخره وغرق في انحداره عدة سقن فيها غلة وممروسميريات كانت سائرة في دجلة هلك فيها قوم وخرجت سفن الجسر من الصراة وكانت مشدودة فيها وانحدرت مع الماء وغرق بعضها ووقع الظلال على الاسواق من الجانبين وانقلع من النخل والسرو والشجر والتوث في الصحراء والدور الشيء الكثير
وفي اول صفر تجددت الفتنة بين السنة والشيعة وكان الاتفاق الذي حكيناه في السنة والشيعة غير مأمون الانتقاض لما في الصدور فمضت عليه مديدة وشرع اهل الكرخ في بناء باب السماكين واهل القلائين في عمل ما بقي من بنائهم وفرع اهل الكرخ من بنيانهم وعملوا ابراجا وعلى خير البشر فأنكر اهل السنة ذلك وأثاروا الشر وادعوا ان المكتوب محمد وعلى خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن ابى فقد كفر فانكر اهل الكرخ هذه الزيادة وثارت الفتنة وآلت الى اخذ ثياب الناس في الطرقات ومنه اهل باب الشعير من حمل الماء من دجلة الى الكرخ ورواضعه وانصاف الى هذا انقطاع الماء عن نهر عيسى فبيعت الراوية بقيراط اذا خفرت فلحق الضعفاء مشقة عظيمة وغلقت الاسواق ووقفت المعايش ومضى بعض سفهاء اهل الكرخ بالليل فأخذوا من دجلة الصراة عدة روايا وصبوها في حباب نصبها في الأسواق وخلطوا بها ماء الورد وصاحوا السبيل وعمدوا الى سمارية في مشرعة باب الشعير فأخذوها وحملوها الى السماكين ومحا اهل الكرخ ما كتبوه من خير البشر وجعلوا عوضه عليهما السلام وقال اهل السنة ما نقنع الا بقلع الآجر الذي عليه محمد وعلي وتجاوزوا هذا الحال الى المطالبة باسقاط حي على خير العمل فلما كان يوم الاربعاء لسبع بقين من صفر اجتمع من اهل السنة عدد يفوت الاحصاء

وعبروا الى دار الخلافة وملأوا الشوار والرحاب واخترقوا الدهاليز والابواب وزاد اللفظ وقيل لهم سنبحث عن هذا وهجم اهل القلائين على باب السماكين فاحرقوا بوادي كانت مسبلة في وجهه فبادر اهل الكرخ وطفئت النار وبيضوا ما اسود من الباب وقويت الحرب وكثر القتل وانقطعت الجمعة في مسجد براثا لان الشيعة نقلوا المنبر والقبلة منه واشفقوا من الاصحار وظهر عيار يعرف بالطقطقى من اهل درزيجان وحضر الديوان واستتيب وجرى منه في معاملة اهل الكرخ وتتبعهم في المحال وقتلهم على الاتصال ما عظمت فيه البلوي واجتمع اهل الكرخ وقت الظهيرة فهدمت حائط باب القلائين ورموا العذرة على حائطه وقطع الطقطقى رجلين وصليهما على هذا الباب بعد أن قتل ثلاثة من قبل وقطع رؤسهم ورمى بها الى اهل الكرخ وقال تغدوا برؤس ومضى الى درب الزعفراني فطالب اهله بماذة الف دينار وتوعدهم ان لم يفعلوا بالاحراق فلاطفوه فانصرف ووافاهم من الغد فقاتلوه فقتل منهم رجل هاشمي فحمل الى مقابر قريش
واستنفر البلد ونقب مشهد باب التبن ونهب ما فيه واخرج جماعة من القبور فاحرقوا مثل العوفى والناشي والجذوعي ونقل من المكان جماعة موتى فدفنوا في مقابر شتى وطرح النار في الترب القديمة والحديثة واخترق الضريحان والقبتان الساج وحفروا احد الضريحين ليخرجوا من فيه ويدفنونه بقبر احمد فبادر النقيب والناس فمنعوهم فلما عرف اهل الكرخ ما جرى صاروا الى خان الفقهاء الحنفيين بقطيعة الربيع فاخذوا واحرقوا الخان وكبسوا دور الفقهاء فاستدعى ابو محمد وامر بالعبور فقال تدجرى مالم يجر مثله فان عبر معي الوزير عبرت فقويت يده واظهر اهل الكرخ الحزن وقعدوا في الاسواق للعزاء وعلقوا المسوح على الدكاكين فقال الوزير إن واخذنا الكل خرب البلد فالا صلح التغاضي
وفي يوم الجمعة لعشر بقين من ربيع الآخر خطب بجامع براثا واسقط حي على

خير العمل ودق المنبر وقد كانوا يمنعون منه وذكر العباس في خطبته وفي عيد الاضحى حضر الناس في بيت النوبة واستدعى رئيس الرؤساء فخلع عليه وقرىء توقيع بما لقب به من جمال الورى شرف الوزراء
وفي يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة كبس العيارون ابا محمد بن النسوي وجرحوه جراحات
وفي هذه السنة ورد الخبر بفتح اصبهان ودخول طغر لبك اليها وكان طغر لبك قد عمر الري عمارة حسنة وهدم دارا فوجد فيها مراكب مرصعة بالجوهر الثمين وقماقم دنانير وبرنيتين صيني مملوءة بالجوهر النفيس ودفينا عظيما ووجد في عقد قد انشق برنية خضراء فيها عشرون الف دينار
وكبس منصور بن الحسن بمن معه الغزاة الاهواز وقتل بها من الديلم والاتراك والعامة واحرقها ونهبها ونجا الملك الرحيم ابن ابي كاليجار بنفسه وفقد كمال الملك ابن ابي المعالي بن عبد الرحيم
وقبلها كانت وقعة بين المغاربة واهل مصر قتل فيها من المغاربة ثلاثون الفا وردت كتب من صاحب المغرب بما فتحه الله تعالى منها وباقامة الدعوة للقائم ثم بامر الله
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
208 - بركة بن المقلد
الملقب زعيم الدولة امير بني عقيل فأقام مقامه قريش بن بدران
209 - عبيد الله بن محمد
ابن احمد بن ابراهيم بن لؤلؤ اخبرنا ابو منصور القزاز اخبرنا احمد بن علي بن ثابت قال سمع ابن لؤلؤ ابن مالك وغيره وكان ثقة وسألته عن مولده فقال في رمضان سنة ست وخمسين وثلثمائة ومات في شوال هذه السنة ودفن

بمقبرة باب حرب
210 - عبيد الله بن محمد
ابن عبيدالله ابو القاسم النجار المعروف بابن الدلو سمع ابن المظفر قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقا يسكن وراء نهر عيسى وتوفي في رمضان هذه السنة
211 - محمد بن محمد
ابن احمد ابو الحسن البصروي الشاعر وبصرى قرية دون عكبرا سكن بغداد وكان متكلما وله نوادر مطبوعة قال له رجل لقد شربت الليلة ماء عظيما فاحتجت كل ساعة الى القيام كأني جدي فقال له لم تصغر نفسك يا سيدنا وله شعر مليح اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال انشدنا ابو الحسن البصروي ... نرى الدنيا وزهرتها فنصبو ... وما يخلوا من الشهوات قلب ... فضول العيش اكثرها هموم ... واكثر ما يضرك ما تحب ... فلا يغررك زخرف ما تراه ... وعيس لين الاعطاف رطب ... اذا ما بلغة جاءتك عفوا ... فخذها فالغنى مرعى وشرب ... اذا اتفق القليل وفيه سلم ... فلا ترد الكثير وفيه حرب
سنة 444
ثم دخلت سنة اربع واربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها ان ابا الحسن علي بن الحسين بن محمود البغدادي المعروف بالشباش توفي بالبصرة وكان هذا الرجل هو وابوه وعمه مستقرين فيها ومستوعبين بها وكانت الظنون تختلف في المذهب الذي يعتقدونه الا أن الاول في انهم من الشيعة الامامية والغلاة الباطنية اغلب وكانت لهم نعم واسعة واملاك كثيرة وشيعة من سواد البصرة والقرامطة والبطون المنفرقة

يسرون طاعتهم ويحملون اليهم ما يجرونه مجرى زكواتهم واما ابوه وعمه فكانا يتظاهران بالتجارة ويساتران عن اعتقادهما ويظهر ان من التدين والتصون ما يدفعان به عن انفسهما فأما ابو الحسن فان اشفاقه من هذه الاسباب وما كان يرمونه من اليسار دعاه الى ان خالط الاجناد وداخل العمال وتظاهر بالاكل والشرب وسماع الغناء والترخص في المحظورات وهو في ذلك يعتذر الى اصحابه بأنه يقصد نفي عنه فلما توفي ابو الحسن نشأ له ولد يكني ابا عبد الله فقام مقامه وسلك طريقه قال المصنف رحمه الله ونقلت من خط أبي الوفاء ابن عقيل قال كان ابن الشباش وابوه قبله له طيور سوابق واصدقاء في جميع البلاد فينزل به قوم فيرفع طائرا في الحال الى قريتهم يخبر له من هناك ينزولهم ويستعلمه عن احوالهم وما تجدد هناك قبل مجيئهم اليه فكيتب اليه ذلك الحوادث فيحدث القوم بأحوالهم حديث من هو عندهم ثم يقول قد تجدد الساعة كذا وكذا فيدهشون ويرجعون الى رستاقهم فيجدون الامر على ما قال ويتكرر هذا فيصير عندهم كالقطع على انه يعلم الغيب قال ومما فعل اخذ عصفورا وجعل في رجله بلفكا وشد في البلفك كتابا لطيفا وشد في رجل حمامة بلفكا وشد في طرف البلفك كتابا اكبر من ذلك وجعلها بين يديه وجعل العصفور بيد غلام له في سطح داره والحمامة بيد آخر وبعث طائرين برقعتين الى بقعتين معروفتين يمر بهما الاصحاب المنتدبون لهذا فلما تكامل مجلسه بمن يدخل عليه قال يا بارش يوهم انه يخاطب شيطانا اسمه بارش خذ هذا الكتاب الى قرية فلان فقد جرت بينهم خصوم فاجتهد في اصلاح ذات بينهم ويرفع صوته بذلك فيسرح غلامه المترصد لكلامه العصفور الذي في يده فيرتفع الكتاب بحضور الجماعة نحو السماء فيرونه عيانا من غير ان تدرك عيونهم البلفك فاذا ارتفع الكتاب نحو السطح جذبه غلامه فقيد العصفور وقطع البلفك حتى لا يرى ويرسل طاذرا الى ملك القرية ليصلح الامر وكذلك يفعل في الحمامة ويتحقق هذا في القلوب فلا يبقى شك

وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة حضر قاضي القضاة ابن ماكولا والقضاة والشهود والفقهاء والاعيان بيت النوبة وخرج رئيس الروساء ومعه توقيع من الخليفة تشريف قاضي القضاة وتحميله فقرأه رئيس الرؤساء رافعا به صوته
وفي يوم الاربعاء لسبع بقين من ذي القعدة قبل قاضي القضاة ابو عبد الله الحسين ابن علي شهادة ابي نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ
وفي ذي القعدة عادت الفتنة بين اهل الكرخ والقلائين واحترقت دكاكين وكتبوا على مساجدهم محمد وعلى خير البشر واذنوا حي على خير العمل وشرع في رد ابي محمد بن النسوى الى النظر في المعونة
وفي يوم الخميس بقين من ذي القعدة حمل اهل القلائين على اهل الكرخ حملة هرب منها النظارة من الناس ودخل كثير منهم في مسلك ضيق فهلك من النساد نيف وثلاثون امراة وستة رجال وصبيان وطرحت النار في الكرخ وعادوا في بناء الابواب والقتال
وفي يوم الثلاثاء سادس عشر ذي الحجة جرى بين اهل الكرخ وباب البصرة قتال فجمع الطقطقى قوما من اصحابه وكبس بهم طاق الحراني وهو من محال الكرخ وقتل رجلين وقطع رأسيهما وحملهما الى القلائين فنصبهما على حائط المسجد المستجد
وفي هذه السنة كانت بزرجان والاهواز وتلك النواحي زلازل عظيمة ارتجت منها الارض وانقلعت منها الحيطان ووقعت شرافات القصور وحكى بعض من يعتمد على قوله انه كان قاعدا في ايوان داره فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم رجع الى حاله
وفيها كتب محاضر في الديوان ذكر فيها صاحب مصر ومن تقدم من اسلافه بما يقدح في انسابهم التي يدعونهم وجحد الاتصال برسول الله صلى الله عليه و سلم وبعلي وفاطمة وعزوا الى الديصانية من المجوس والقداحية من اليهود وانهم

خارجون عن الاسلام وما جرى هذا المجرى مما قد ذكرنا مثله في ايام القادر بالله وأخذت خطوط الاشراف والقضاة والشهود والعلماء بذلك
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
212 - الحسن بن علي بن محمد
ابن علي بن وهب بن شبل قرة ابن واقد ابو علي التميمي الواعظ المعروف بابن المذهب ولد سنة وخمسين وثلثمائة سمع ابا بكر بن مالك القطيعي وابا محمد بن ماسي وابن شاهين والدارقطني وخلقا كثيرا ولا يعرف فيه الا الحير والدين وقد ذكر الخطيب عنه اشياء لا توجب القدح عند الفقهاء وانما يقدح بها عوام المحدثين فقال كان يروى عن ابن مالك مسند احمد باسره وكان سماعه صحيحا الا في اجزاء فانه الحق اسمه فيها قال االمصنف وهذا لا يوجب القدح لانه اذا تيقن سماعه للكتاب جازان يكتب سماعه بخطه لا جلال الكتب والعجب من عوام المحدثين كيف يجيزون قول الرجل اخبرني فلان ويمنعون ان كتب سماعه بخط نفسه او الحاق سماعه فيها بما يتيقنه ومن اين له انما كتب لم يعارض به اصلافيه سماعه وحدث ابن المذهب عن ابن مالك عن ابن شعيب بحديث وجميع ما كان عند ابن مالك عن ابي شعيب جزء واحد ليس الحديث فيه قال المصنف رحمه الله ومن الجاذز ان يكون ذاك الحديث سقط من نسخة ووجد في اخرى ويجوز ان يكون سمعه منه في غير ذلك الجزء قال الخطيب وكان يعرض على احاديث في اسانيدها اسماء فيها لين يسألني عنهم فاذكر له انسابهم فيلحقها في تلك الاحاديث قال المصنف هذا قلة فقه من الخطيب فاني إذا انتقيت في الرواية عن ابن عمرانه عبد الله جاز ان اذكر اسمه ولا فرق بين ان اقول حدثنا ابن المذهب وبين ان اقول اخبرنا الحسن بن علي بن المذهب وقد كان في الخطيب شيئان احدهما الجرى على عادة عوام المحدثين من قبله من قلة الفقه والثاني التعصب

في المذهب ونحن نسأل الله السلامة توفي ابن المذهب ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب
213 - عبد الله بن محمد بن مكي
ابو محمد السواق المقرئ يعرف بابن ماردة سمع ابا الحسن ابن كيسان وكان صدوقا يسكن نهر القلائين توفى في ذي القعدة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب
214 - عبد الكريم بن ابراهيم
ابن محمد ابو منصور المطرز اصبهاني الاصل ولد سنة ست وستين وثلثمائة وكان يسكن ناحية العتابين وحدث عن علي بن محمد بن كيسان وكان صدوقا توفى في رمضان هذه السنة
215 - محمد بن احمد بن محمد
ابو جعفر السمناني القاضي ولد سنة احدى وستين وثلاثمائة وسكن بغداد وحدث عن علي بن عمر السكري وابي الحسن الدارقطني وابن حبابة وغيرهم وكان عالما فاضلا سخيا لكنه كان يعتقد في الاصول مذهب الاشعري وكان له في داره مجلس نظر توفى في ربيع الاول من هذه السنة بالموصل وهو القاضي بها بعد ان كف بصره
217 - محمد بن اسمعيل بن عمر
ابن محمد بن خالد بن اسحاق بن خالد بن عبد الملك بن جرير بن عبد الله البجلي ابو الحسن ويعرف بابن سبنك ولد سنة خمس وستين وثلثمائة وكان احد الشهود المعدلين وحدث عن ابي بكر بن شاذان وابن شاهين والدارقطني

وابن حبابة وغيرهم توفى ليلة الخميس رابع عشرين رمضان هذه السنة
217 - محمد بن الحسن بن محمد
ابن جعفر بن داؤد بن الحسن ابو نصر سمع المخلص وغيره وكان صدوقا توفى ليلة الخميس ثامن ربيع الآخر من هذه السنة
218 - محمد بن عبد العزيز بن العباس
ابن محمد بن المهدي ابو الفضل الهاشمي خطيب جامع الحربية سمع من ابي الحسين ابن سمعون وغيره وكان صدوقا خيرا فاضلا من المعدلين وتوفى في محرم هذه السنة
سنة 445
ثم دخلت سنة خمس واربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها عود الفتن بين السنة والشيعة وخرق السياسة وانه احضر ابن النسوى وقويت يده وضربت الخيم بين باب الشعير وسوق الطعام فضرب وقتل ونقض ما كتب عليه محمد وعلي خير البشر وطرحت النار في الكرخ بالليل والنهار
وورد الحبر ان الغز قد جاؤوا الى حلوان وانهم علي قصد العراق ونظر سابور ابن المظفر في الوازاة قبل قاضي القضاة ابن ماكولا شهادة ابي الفتح اين شيطا
وفيها اعلن بنيسابور لعن ابي الحسن الأشعري فضج من ذلك ابو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري وعمل رسالة شماها شكاية اهل السنة لما نالهم من المحنة وقال فيها ايلعن امام الدين ومحي السنة وكان قد رفع الى السلطان طغرلبك من مقالات الأشعري شيء فقال اصحاب الأشعري هذا محال وليس بمذهب له فقال السلطان انما يوغر بلعن الأشعري الذي قال هذه المقالات فان لم يدينوا بها ولم يقل الأشعري شيئا منها فلا عليكم مما يقول قال القشيري

فأخذنا في الاستعطاف فلم يسمع لنا حجة ولم يقض لنا حاجة فاغضبنا على قذى الاحتمال واحلنا علي بعض العلماء فحضرنا فظننا انه يصلح الحال فقال الأشعري عندى مبتدع يزيد علي المعتزلة قال القشيرى يا معشر المسلمين الغياث الغياث قال المصنف لو أن القشيرى لم يعمل في هذه رسالة كان استر للحال لأنه انما ذكر فيها انه وقع اللعن وانه سئل السلطان ان يتقدم بترك ذلك فلم يجب ثم لم يذكر حجة له ولا دفع شبهة للخصم وذكر مثل هذا نوع تغفيل
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
219 - احمد بن عمر
ابن روح النهرواني كان ينظر في العيار بدار الضرب وله شعر حسن قال كنت على شط النهروان فسمعت رجلا يتغنى في سفينة منحدرة ... وما طلبوا سوى قتلى ... فهان على ما طلبوا ...
فاستوقفته وقلت اضف اليه
... على قتلى الاحبة بالتمادى في الجفا غلبوا ... وبالهجران طيب النو ... م من عيني قد سلبوا ... وما طلبوا سوى قتلى ... فهان على ما طلبوا ...
توفى في ربيع الآخر من هذه السنة
220 - ابراهيم بن عمر
ابن احمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن مهران ابو اسحاق البرمكي كان سلفه قديما يسكنون في محله ببغداد تعرف بالبرامكة وقيل بل كانوا يسكنون قرية تسمى البرمكية وهي قرية بقرب باب البصرة فنسبوا اليها ولد في رمضان سنة احدى وستين وثلثمائة وسمع ابا بكر بن مالك القطيعي وخلقا كثيرا وحدثنا اشياخنا عنه وكان صدوقا دينا فقيها على مذهب احمد بن حنبل وكانت له حلقة للفتوى في جامع المنصور وتوفى يوم الاحد سابع ذي الحجة من هذه السنة

ودفن بمقبرة باب حرب
221 - عمر بن محمد
بان علي بن عطية ابو حفص المعروف والده بابي طالب المكي ولد سنة ثلاث وستين وثلثمائة وسمع اباه وابا حفص ابن شاهين وكان صدوقا يسكن باب الطاق وتوفى في ربيع الآخر من هذه السنة
22 - محمد بن احمد
ابن عثمان بن الفرج بن الازهر ابو طالب المعروف بابن السوادى اخو ابي القاسم الازهري ولد في ليلة الجمعة لعشربقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث وستين وثلثمائة وسمع ابا حفص ابن الزيات ومحمد بن المظفر في اخرين
انبأنا عبد الرحمن بن احمد اخبرنا ابو بكر الخطيب قال كتبنا عنه وكان صدوقا توفى في ذي الحجة من سنة خمس واربعين واربعمائة
223 - محمد بن محمد
ابن ابي تمام الزينبي نقيب النقباء توفى في هذه السنة فولى ابنه ابو علي مكانه
سنة 446
ثم دخلت سنة ست واربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها أن الاتراك اجتمعوا في دار المملكة وتفاوضوا بينهم الشكوى من وزير السلطان فيما يشعره عليهم من الامتعة ويطلق لهم من الاموال المتفاوتة القيمة وان الوزير قد استعصم بالحريم وتفرقوا على شغب اعتزموه فضربوا الخيم علي شاطئ دجله وركبوا بالسلاح وصار قوم منهم الى الديوان فخاطبوا على امر الوزير وقالوا من الواجب على صاحب الحريم ان يقوم بأمورنا ليلتزمنا طاعته وانصرفوا علي نفور كثرت الاراجيف وخفيت الفتنة وغلقت الدروب وذلك في يوم الجمعة ولم يصل الجمعة يومئذ في جامع القصر وصلى في غيره ونقل الناس اموالهم الي باب النوبى وباب المراتب وكان ذلك من العجب لأن تلك

الاماكن كانت مقصودة ونودى في البلد متى وجد الوزير في دار احد فقد حل دمه ماله ومن دل عليه حسنت مكافاته فركب الاتراك بالسلاح الى دار الروم وفيها دور ابي الحسن بن عبيد كاتب البساسيرى وغيره فنهبوا ودخلوا البيعة واخذوا اموالا كثيرة واحرقوا البيعة وعدة دور وقائلهم العوام وعبر اهل الكرخ والقلائين ونهر طابق وباب البصرة الى باب الغربة للحراسة وراسل الخليفة الاتراك وقال قد عرفتم طلبنا للوزير وقبضنا علي اصحابه وهذا غاية الممكن ولم يبق الا الفتنة التي تهلك الناس فان كانت مطلوبكم فامهلونا اياما الى ان نتأهب لسفرنا ونخرج الى حيث يعرف فيه حقنا فاجابوه بالطاعة وقررت لهم اشياء فاخذوها وسكنوا ثم ان الوزير ظهر فطولب فخرج نفسه بسكين ثم تسلمه البساسيرى وتقلد الوزارة ابو الحسين بن عبد الرحيم
وغزا طغرلبك بلاد الروم
وفي مستهل ربيع الآخر انقطع الماء من الفرات على نهر عيسى انقطاعا تلف به ما كان من زرع وتعذرت الطحون وادرك الناس بذلك ضرر شديد
وفي هذا الشهر كان من الصراصير ما زاد وكثر وسمع لها بالليل دوى كدوى الجراد اذا طار
وخلع الخليفة على رئيس الروساء خلعة حسنة وكتب له درجا قرأه قائما في يوم الخميس لعشرين من جمادي الاولى من هذه السنة وعبر يوم الجمعة فصلى بجامع المنصور
وقصد قريش بن دران الانبار ففتحها وخطب بها وبالموصل وفتح السوق وورد ابو الحارث المظفر البساسيرى الى بغداد منصوفا عن الوقعة مع بني خفاجة فسار الى داره الجانب الغربي ولم يلم دار الخليفة على رسمه وتأخر عن الخدمة بعد ذلك وبانت منه آثار النفرة وخرج الى دجيل فاجتازت به سفينة لبعض اقارب رئيس الرؤساء فاعتاقها وطالبها بالضريبة وكثرت دواعي الوحشة فراسله الخليفة بما طيب قلبه فقال ما اشكو الا من النائب في الديوان ثم خرج الى

طريق خرسان فثقل على ضياع الديوان
وفي ذي الحجة توجه الى الانبار فخرج اليه الاتراك والعوام طامعين في النهب فوصل اليها ففتحها وقطع ايدي عالم فيها وكان معه دبيس بن علي بن مزيد وذلك بعد ان احرق دمما والفلوجة ثم قدم فتقرر انه يحضر بيت النوبة ويخلع عليه فجاء الى ان حاذى بيت النوبة وخدم وانصرف ولم يعبر
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
223 - ابراهيم بن محمد
ابن عمر بن يحيى ابو طاهر العلوى ولد ببابل سنة تسع وستين وثلثمائة وحدث عن ابي المفضل الشيباني وكان سماعه صحيحا توفى ببغداد في صفر هذه السنة
225 - الحسين بن جعفر
ابن محمد بن جعفر بن داود ابو عبد الله السلماسي سمع من ابن حيويه والدارقطني وابن شاهين وكان ثقة مشهورا باصطناع البر وفعل الخير الفقراء وكثرة الصدقة وكان قداريد للشهادة فأبى
رحدثنا محمد بن ناصر الحافظ عن ابي الحسين ابن الطيورى قال ما كان يعلم نفقة ابي الحسن القزويني من اين هي حتى مات ابو عبد الله السلماسي فوجدوا في روزنا مجة عشرة دنانير في كل شهر نفقة ابي الحسن القزويني قال ودخل الى بغداد السلطان فاحتاج الى نفقة فاستقرض من التجار واستقرض من أبي عبد الله عشرة الاف واتفق انه اشترى زيتا بعشرة آلاف فباعه بعشرين الفا فلما دخل السلطان دخله بعث اليه بعشرة الاف فلم يأخذ وقال قولوا للسلطان هو في اوسع حل منها وانا اسأل ان اعفى عنها فقيل للسلطان فقال قولوا له اي شيء سبب هذا فقال يأكل من مالي اقوام ان علموا اني قد اخذت من مال السلطان لم ياكلوا منه شيئا وقد أخلفها الله على في ثمن الزيت قال المصنف رحمه الله وحدثني بعض

الاشياخ عن السلماسي انه سووم في ثمرة في بستان له فبذل له خمسمائة دينار فسكت فدخل قوم فزادوه علي ذلك زيادة كبيرة فقال جوارحي سكنت الى الاول لا اغير نيتي توفى ابو عبد الله في جمادي الاولى من هذه السنة
226 - عبد الله بن محمد بن عبد الله
ابو عبد الله الاصبهاني المعروف بابن اللبان سمع باصبهان ابا بكر ابن المقرئ وببغداد المخلص وبمكة ابا الحسن بن فراس ودرس فقه الشافعي علي ابي حامد الاسفرائيني وولي قضاء ايذج وكان يسكن درب الآجر في نهر طابق ويصلى بالناس التراويح ثم يقف بعدها مصليا الى الفجر وقال في آخر رمضان لم اضع جنبي في هذا الشهر ليلا ولا نهارا توفى في جمادي الآخرة من هذه السنة
227 - محمد بن اسحاق
ابن محمد بن قدوية ابو الحسن الكوفي المعدل اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال قدم علينا محمد بن اسحاق في سنة اربع وعشرين واربعمائة وحدث عن ابي الحسن بن ابي السرى البكائي شيخا ثقة له هيئة حسنة ووقار ظاهر وكان الصورى يثنى عليه خيرا وقال اصوله جياد وسماعه صحيح وهو في نفسه الاعتقاد من اهل السنة مات بالكوفة في اليوم السادس 4 من شوال سنة ست واربعين واربعمائة
سنة 447
ثم دخلت سنة سبع واربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه وصل زورق فيه شراب للبساسيرى في ربيع الآخر الى مشرعة باب الازج فنزل اليه ابن سكرة الهاشمي وجماعة من اصحاب عبد الصمد فكسروه
وفي آخر نهار الخميس لثمان بقين من ربيع الآخر انقص كوكب كبير الجرم فتقطع ثلاث قطع

وزادت الاسعار بالاهواز فبلغت قيمة الكر من الحنطة ثلثمائة دينار وبشيراز الف دينار
واتصلت الفتن بين اهل باب الطاق وسوق يحيى اتصالا مسرفا وركب صاحب الشرطة والاتراك لاطفاء الفتنة فلم ينفع ذلك وانتقل القتال الى باب البصرة واهل الكرخ علي القنطرتين ووقعت بين الحنابلة والاشاعرة فتنة عظيمة حتى تأخر الاشاعرة عن الجمعات خوفا من الحنابلة وكان ابو الحارث البساسيرى قد احضر الديوان واحلف على اخلاص الطاعة ثم ان الأتراك ضجوا بين يديه وذكروا انه لا يوصل اليهم حقوقهم ثم استأذنوا في ماله واصحابه فأذن لهم واطلق رئيس الرؤساء لسانه فيه وذكر قبح افعاله وانه كاتب صاحب مصر وخلع ما في عنقه للخليفة وعدد ما كان مطويا في قلبه ثم سذل الخليفة فيه فقال ليس الآن اهلاكه
اخبرنا عبد الرحمن اخبرنا ابو بكر الخطيب قال كان ارسلان التركي المعروف بالبساسيري قد عظم امره واستفحل لعدم نظرائه من متقدمي الاتراك فاستوى على البلاد وطار اسمه وتهيبته امراء العرب والعجم ودعى له على كثير من المنابر العراقية والاهواز ونواحيها وجبي الاموال ولم يكن القائم بأمر الله يقطع امرا دونه ثم صح عند الخليفة شر عقيدته وشهد عنده جماعة من الاتراك ان البساسيرى عرفهم وهو اذ ذاك بواسط عزمه على نهب دار الخلافة والقبض علي الخليفة فكاتب الخليفة ابا طالب محمد بن ميكائيل المعروف بطغولبك امير الغز وهو بنواحي الرى يستنهضه علي المسير الى العراق وانقض اكثر من كان مع البساسيرى وعادوا الى بغداد ثم اجمع رأيهم على ان قصدوا دار البساسيرى وهي في الجانب الغربي في الموضع المعروف بدرب صالح بقرب الحريم الظاهرى فاحرقوها وهدموا أبيتها
ووصل طغرلبك الى بغداد في رمضان سنة سبع واربعين واربعمائة ومضى البساسيرى على الفرات الى الرحبة وتلاحق به خلق كثير من الأتراك البغداديين

وكاتب صاحب مصر يذكر له كونه في طاعته وانه على اقامة الدعوة له بالعراق فأمده بالاموال وولاده الرحبة
قال المصنف ولما ظهر طغرلبك وانتشر عسكره في طريق خراسان فانزعج الناس وشملهم الخوف ودخل الى الحريم اهل السواد ثم ورد رسول الى الديوان في نحو ثلاثين من الغزو انزعج العسكر وركبوا بالسلاح فسلم الرسول كتابا يتضمن الدعاء والثناء وانه قصد الحضرة الشريفة للتبرك بمشاهدتها والمسيرة بعد ذلك الي الحج وعمارة طريقة والانتقال الى قتال اهل الشام وكل معاند ثم خطب لطغرلبك ثم للمسمى بالملك الرحيم من بعده ثم خرج رئيس الرؤساء لتلقى السلطان معه الموكب فلقيه حاجب السلطان في جماعة من الترك ومعه شهرى فقدمه اليه وقال هذا الفرس من مراكب السلطان الخاصة وقد رسم ركوبك اياما فنزل عن بغلته وركبه وجاء بعده عميد الدولة ابو نصر الكندري وزير السلطان فاستقبله ورام ان يترجل له فمنعه وتعانقا علي ظهور دوابهما وتمما الي النهر وان ولقى السلطان فذكر له ما يصلح ذكره عن الخليفة فشكر وأومأ الي تقبيل الارض وقال ما وردت الا منصرفا عن الاوامر السامية وممتثلا للمراسم العالية ومتميزا عن مملوك خراسان بالدنو من هذه الخدمة الشريفة ومنتقما من اعدائها وسائرا الى بلاد الشام لفتحها واصلاح طريق الحج فقال له رئيس الرؤساء ان الله تعالى اعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة وسأله في الملك الرحيم ان يجريه مجرى اولاده فأعطاه يده ثم استأسره بعد ذلك وقطعت خطبته سلخ رمضان هذه السنة وحمل الى القلعة فاعتقل فيها اعتقالا جميلا قال المصنف فطغرلبك اول ملك من الترك السلجوقية وهو الذي بنى لهم الدولة والمسمى بالملك الرحيم كان آخر امراء الديلم وملوك بني بويه
وفي رمضان قبض على ابي الحسن بن نصر النصراني كاتب البساسيرى وختم على ماله وخزانته بدار الخلافة وغيرها

وفي حادي عشر رمضان فرغ من طيار الخليفة وحط الي الماء بدجلة بالقراء والأصحاب وثارت بين العوام والاتراك فتنة أدت الى قتل واسر فنهب الجانب الشرقي بأسره وذهبت اموال الناس
وفي ثاني شوال نزل طغرلبك دار المملكة وتفرق عسكره في دور الاتراك وكان معه ثمانية فيلة
وفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة قلد ابو عبد الله محمد بن علي الدامغاتي قضاء القضاة وخلع عليه ثم خلع علي طغرلبك ايضا في يوم الاربعاء وعاد الى داره وبين يديه بوقات ودبادب
وفي ذي القعدة توفى ذخيرة الدين ابو العباس محمد بن القائم وكان قد نشأ نشوءا حسنا فعظمت الرزية وجلس رئيس الرؤساء للعزاء في رواق صحن دار السلام وحضر الناس وقد امر بتخويق ثيابهم وتشويش عمائمهم والتخفي فلما صار وقت العتمة قطع الرواق بسرادق من دونه سبنية وجعل وراءها التابوت وخرج الخليفة فصلى عليه والناس من بعد السرادق وكبر اربعا ودخل رئيس الرؤساء وعميد الملك الي السبنية وعزيا الخليفة وخرجا وقطع ضرب الطبل ايام التعزية من دار الخلافة ومن الخيم السلطانية ولما كان يوم الاحد رابع الجلوس حضر عميد الملك وأدى عن السلطان رسالة تتضمن الدعاء والسؤال بالتقدم بالهوض من مجلس التعزية وطلب السلطان مالا من الخليفة فبذل بعض الولاة تصحيح المطلوب علي ان يطلق يده في الحريم ويبسط في التناول فقال الخليفة ما زال هذا الحريم مصونا وقد جرى فيه ما رأينا مكافاته في ولدنا فما نشك ان دعوة فسمعت والرعية سألت فاجيبت فعاودوه في ذلك الى ان تقدم بالرفق فيما يفعل
وفي هذه السنة استولى ابو كامل على بن محمد الصليحي الهمذاني علي اكثر اعمال اليمن واعتزى الى صاحب مصر وقوى على الذي كان يخطب في هذه الاعمال للقائم

وفي هذه السنة قبض الملك الرحيم بواسط علي الوزير شرف الامة ابي عبد الله ابن عبد الرحيم وقيل طرح في بئر
وكثر فساد الغز ونهبهم فثار العوام وقتلوا عددا من الغز وكثر النهب حتى بلغ الثور خمسة قراريط الي عشرة والحمار قيراطين الي خمسة
وكان ابو دلف فولاذ بن خسرو بن كندي قد ملك شيراز وجمع اليه الديلم بها ثم حوصر فبلغت الحنطة سبعة ارطال بدينار ومات اهلها جوعا فبقى فيها نحو الف انسان
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
228 - تمام بن محمد
ابن هارون بن عيسى ابو بكر الهاشمي الخطيب ولد سنة ثلاث وستين وثلثمائة وسمع من يوسف القواس وابي عبيد الله المرزباني وكان صدوقا وشهد عند ابي عبد الله بن ماكولا فقبل شهادته وتقلد الخطابة بجامع الرصافة سنة ست وثمانين وثلثمائة ثم اضيف الي ذلك تقليده الخطابة بجامع القصر وكان بتناوب هو وابو الحسين بن المهتدى الصلاة في جامع الرصافة واقتصر علي مناوبة تمام في جامع القصر وتوفى في ذي القعدة من هذه السنة
229 - الحسن بن علي
ابن عبد الله ابو المؤدب الاقراع المقرئ سمع الكتائي والمخلص وغيرهما وتوفى في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب ولم يكن به بأس
230 - الحسن بن علي
ابن عيسى الربعي ابو البركات ينوب عن الوزير ببغداد وله معرفة بعلم الكتاب وجن في شبيبته وادعى النبوة في جنونه ثم برأ وتوفى في شعبان هذه السنة بباب المراتب

231 - الحسين بن علي
ابن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن ابي دلف العجلي ابو عبد الله المعروف بابن ماكولا من اهل جرباذقان ولد سنة ثمان وستين وثلثمائة وولى القضاء بالبصرة من قبل ابي الحسن بن ابي الشوارب ثم استحضره القادر بالله فولاه قضاء القضاة في سنة عشرين واربعمائة فلما ولى القائم اقره على ولايته الي حين وفاته فمكث يتولى قضاء القضاة سبعا وعشرين سنة وكان يقول سمعت من ابي عبد الله بن منده وكان ينتحل مذهب الشافعي وكان يقول الشعر
اخبرنا محمد بن عبد الباقي بن احمد عن ابي محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي قال انشدنا قاضي القضاة ابو عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا لنفسه
... تصابى نزهه من بعد شيب ... فما اغنى مع الشيب التصابي ... وسود عارضيه بلون خضر ... فلم ينفعه تسويد الخضاب ... وابدى للأحبة كل لطف ... فما ازداد سوى فرط اجتناب ... سلام الله عودا بعدبدء ... على ايام ريعان الشباب ... تولى غير مذموم وابقى ... بقلبي حسرة تحت الحجاب ... وكان نزها صينا عفيفا فحكى ابن عبيد المالكي وكان يتوكل للقائم بأمر الله قال امرني الخليفة ان احمل ببقاعين عليه في مراكن الى النقيبين وقاضي القضاة ابن ماكولا الي جماعة ففعلت فكلهم قبل غير ابن ماكولا فاجتهدت فلم يفعل فعدت بالمحمول وكتبت بما جرت الحال فلما قرأها الخليفة جعل يقول ما اغثه ما اغثه أترى تقع اليه حكومه فيحابيني فيها وتوفى ابن ماكولا في شوال هذه السنة وصلى عليه ابو منصور وابن يوسف ودفن في داره بالحريم قريبا من باب العامة
232 - عبد الغفار بن محمد
ابن عبد الغفار ابو طاهر القرشي الاموي
اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال هو من ولد مسلمة بن عبد الملك ويعرف بابن

الاموي سمع اسحاق بن سعد بن سفيان كتبت عنه وكان صدوقا يسكن باب البصرة سألته عن مولده فقال في ربيع الاول سنة ثلاث وستين وثلثمائة ومات في ذي الحجة من هذه السنة
233 - علي بن المحسن
ابن علي بن محمد بن ابي الفهم ابو القاسم التنوخى وتنوخ الذين ينسب اليهم اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديما بالبحرين وتحالفوا على التوازر والتناصر واقاموا هناك فسموا تنوخا ولد بالبصرة في شعبان سنة خمس وستين وثلثمائة واول سماعه في شعبان سنة سبعين وقبلت شهادته عند الحكام في حداثته وكان محتاطا صدوقا الا انه كان معتزليا ويميل الى الرفض وتقلد قضاء نواحي عدة منها المدائن واعمالها ودر زيجان والبردان وقرميسين وتوفى في محرم هذه السنة ودفن في داره بدرب التل
234 - محمد بن القائم
ويلقب بالذخيرة توفى في ذي القعدة من هذه السنة وعظم المصاب به علي ما ذكرنا في الحوادث
235 - ستيتة بنت القاضي ابي القاسم عبد الواحد
ابن محمد بن عثمان البجلي
اخبرنا ابو منصور اخبرنا الخطيب قال سمعت ستيتة من ابي القاسم عمر بن محمد بن سنبك كتبت عنها وكانت صادقة فاضلة تنزل الجانب الشرقي في حريم دار الخلافة وماتت في رجب من سنة سبع واربعين واربعمائة
سنة 448
ثم دخلت سنة ثمان واربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه في مستهل المحرم عقد عميد الملك ابو نصر الكندري وزير

طغرلبك على هزارسب بن بكير بن عياض الكردي ضمان البصرة والأهواز واعمال ذلك لهذه السنة بثلثمائة الف دينار سلطانية واطلقت يده واذن في ذكر اسمه في الخطبة بالاهواز
وفي المحرم ابتدئ بعقد الجسر من مشرعة الحطابين الي مشرعة الرواية زيد في زوارقه لعلو الماء فعصفت ريح شديدة فقطعت الجسر فانحدرت زوارقه الى الدراعين وانحل الطيار المربوط بباب الغربة وتكسر سكانه وتشعثت آلاته وفي هذه السنة عم ضرر العسكر بنزولهم في دور الناس وارتكابهم المحظورات فأمر الخليفة رئيس الرؤساء باستدعاء الكندرى وان يخاطبه في ذلك ويحذره العقوبة فان اعتمد السلطان ما اوجبه الله تعالى والا فليسا عدنا في النزاع عن هذه النكرات فكتب رئيس الروساء الي الكندري فحضر فشرح له ما جرى فمضى الى السلطان فشرح له الحال فقال انني غير قادر علي تهذيب العساكر لكثرتهم ثم استدعاه في بعض الليل فقال اني نمت وقد تداخلتني الخشية لله تعالى مما ذكرت لي فرأيت شخصا وقع في نفسى انه رسول اله صلى الله عليه و سلم وكأنه واقف عند الكعبة فسلمت عليه فلم يلتفت نحوى وقال يحكمك الله في بلاده وعباده ولا تراقبه فيهم ولا تستحي من جلاله فامضى الى الديوان وانظر ما يرسمه امير المؤمنين لأطيع فانهى رئيس الروساء الحال فخرج التوقيع متضمنا للبشارة برؤية رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما وصل الى السلطان بكى وامر بازالة الترك واطلاق من وكل به
وفي هذه السنة ابتدأ السلطان طغرلبك ببناء سور عريض دخل فيه قطعة كثيرة من المخرم وعزم علي بناء دار فيها وجمع الصناع لتجديد دار المملكة العضدية وخربت الدور والدروب والمحال والاسواق بالجانب الشرقي وجميع ما يقارب الدار واخذت آلاتها للاستعمال ونقضت دور الاتراك وسلت اخشابها بالجانب الغربي وقلع الفقراء اخشاب السدور وباعوه علي الخبازين والفراشين
وفي يوم الخميس لثمان بقين من المحرم عقد للخليفة القائم بأمر الله على خديجة

بنت اخي السلطان طغرلبك على صداق مبلغه مائة الف دينار وحضر قاضي القضاة ابو عبد الله الدامغاني واقضى القضاة ابو الحسن الماوردى ورئيس الرؤساء ابو القاسم ابن المسلمة وهو الذي خطب ثم قال ان رأى سيدنا ومولانا امير المؤمنين ان ينعم بالقبول فعل فقال قد قبلنا هذا النكاح بهذا الصداق فلما دخل شهر شعبان مضى ابن المسلمة الى السلطان وقال له امير المؤمنين يقول لك ان الله تعالى يأمركم ان تؤدوا الامانات الي اهلها وقد اذن في نقل الوديعة الكريمة الى العزيزة فقال السمع والطاعة ومضت والدة الخليفة الي دار المملكة وارسلت خاتون بورودها فانحدرت بها ودخلا باب الغربة وقت العتمة ودخل معها عميد الملك فقبل الارض وقال الخادم ركن الدين قد امتثل المراسم العالية في حمل الوديعة وسأل فيها كرم الملاحظة واجتناب الضيعة ثم انصرفوا فقبلت الجهة الارض دفعات عدة فادناها اليه وقربها منه واجلسها الي جنبه وطرح عليها فرجية منظومة بالذهب وتاجا مرصعا بالجوهر واعطاها من غدمائة ثوب ديباجا وقضبا مذهبا وطاسة من ذهب ق نبت فيها الياقوت والفيروزج وافرد لها من اقطاع دجلة اثنى عشر الف دينار
وفي هذا الوقت غلت الاسعار فبلغ الكر الحنطة وقد كان يساوي نيفا وعشرين دينارا بتسعين دينارا وتعذر التبن حتى كان يباع الكساء من التبن بعشرة قراريط وانقطعت الطريق من القوافل للنهب المتدارك وكان اهل النواحي يجيؤن بأموالهم مع الحفر فيبيعونها ببغداد مخافة النهب ولحق الفقراء والمتجملين من معاناة الغلاء ما كان سببا للوباء والموت حتى دفنوا بغير غسل ولاتكفين وكان الناس يأكلون الميتة وبيع اللحم رطلا بقيراط واربع دجاجات بدينار ونصف قفيز أرز بدينار ومائة كراثة بدينار ومائة اصل خس بدينار وعدمت الأشربة فبلغ المن من الشراب دينارا والمكوك من بزر البقلة سبعة دنانير والسفرجلة والرمانة دينار والخيارة واللينوفرة دينارا واغبر الجو وفسد الهواء وكثر الذباب ووقع الغلاء والموت بمصر ايضا وكان يموت في اليوم

الف نفس وعظم ذلك في رجب وشعبان حتى كفن السلطان من ماله ثمانية عشر الف انسان وحمل كل اربعة وخمسة في تابوت وباع عطار في يوم الف قارورة فيها شراب وعم الوباء والغلاء مكة والحجاز وديار بكر والموصل وخراسان والجبال والدنيا كلها وورد كتاب من مصر ان ثلاثة من اللصوص نقبوا بعض الدور فوجدوا عند الصباح موتى احدهم على باب النقب والثاني على رأس الدرجة والثالث علي الثياب المكورة
وفي هذه السنة تقدم رئيس الرؤساء ابو القاسم على بن الحسن ابن المسلمة بان تنصب اعلام سود في الكرخ فانزعج لذلك اهلها وكان يجتهد في اذاهم وانما كان يدفع منهم عميد الملك الكندري
وفيها هبت ريح شديدة وارتفعت معها سحابة ترابية فاظلمت الدنيا فاحتاج الناس في الاسواق الى السرج
وفيها احتسب ابو منصور ابن ناصر السياري علي اهل الذمة والزمهم لبس الغيارات والعمائم المصبوغات وذلك عن أمر السلطان فصرفت ذلك عنهم خاتون ومنعت المحتسب
وفي العشر الثاني من جمادي الآخرة ظهر في وقت السحر ذؤابة بيضاء طولها في رأي العين نحو عشرة اذرع في عرض نحو الذراع ومكثت علي هذه الحال الي النصف من رجب ثم اضمحلت وكانوا يقولون انه طلع مثل هذه بمصر فملكت وكذلك بغداد لما طلع هذا ملكت وخطب فيها للمصريين
وفي عشية يوم الثلاثاء سلخ رمضان خرج الناس لترأى هلال شوال فلم يروه وصلى الناس التراويح علي عادتهم ونووا صوم غدهم فلما كان بكرة يوم الاربعاء جاء الشريف ابو الحسن بن المهتدى المعروف بالغريق الخطيب وقد لبس سواده وسيفه ومنطقته ووراءه المكبرون لا بسين السواد علي هيئته الى جامع دار الخلافة فرآه مغلقا ففتحه ودخل وقال اليوم يوم العيد وقد روئى الهلال البارحة بباب البصرة ورام الصلاة فيه وجمع الناس به وعرف رئيس

الرؤساء الخبر فغاظه ذلك واحفظه ان لم يحضر الديوان العزيز ويطالعه بما كان وما تجدد في رؤية الهلا فراسله واستحضره فامتنع وقال حتى اصلى واعيد ثم نكفى الى الديوان فروجع واحضر وانكر عليه اقدامه علي فتح الجامع وهو مغلق وقد علم انه لا خبر للناس من هذا الامر محقق وقال له قد كان يحبب ان تحضر الديوان العزيز وتنهى الحال ليحيط به العلم الشريف ويتقدم فيما يوجبه ويقتضيه واغلظ له فيما خاطبه فاعتذر وقال ما فعلت مما فعلته الا ثقة بنفسي وبعد ان وضعت الصورة عندي وكان قد حضرني البارحة ثمانية انفس من جيراني اثق بقولهم فشهدوا عندي جميعا بمشاهدة الهلال فقطعت بذلك وحكمت وافطرت وافطر الناس في باب البصرة وخرجوا اليوم قاصدين جامع المدينة ولم اعلم ان هذا لم يشع فحضرت وانكرت كون الجامع مغلقا ثم جاء قوم فشهدوا برؤية الهلال فقال رئيس الرؤساء لقاضي القضاة ابي عبد الله الدامغاني ما عندك في هذا فقال اما مذهب ابي حنيفة الذي هو مذهبي فلا تقبل مع صحوا السماء وجواز ما يمنع من مشاهدة الهلال الاقول العدد الكثير الذي يبلغ مائتين واما مذهب الشافعي الذي هو مذهب هذا الشريف فانه يقطع بشهادة اثنين في مثل هذا وطولع الخليفة بالحال فامر بالنداء ان لا يفطر احد فأمسك من كان أكل وكان والد القاضي ابي الحسين قد مضى الى جامع القطيعة فصلى بالناس وعيد وكذلك في جامع الحربية ولم يعلموا بما جرى
وفي هذه السنة اقيم الأذان في المشهد بمقابر قريش ومشهد العتيقة ومساجد الكرخ بالصلاة خير من النوم وازيل ما كانوا يستعملونه في الأذان حي على خير العمل وقلع جميع ما كان علي ابواب الدور والدروب من محمد وعلي خير البشر ودخل الى الكرخ منشدوا اهل السنة من باب البصرة فانشدوا الاشعار في مدح الصحابة وتقدم رئيس الروساء الى ابن النسوى بقتل ابي عبد الله بن الجلاب شيخ البزازين بباب الطاق لما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض فقتل

وصلب علي باب دكانه وهرب ابوجعفر الطوسي ونهبت داره
وتزايد الغلاء فبيع الكر الحنطة بمائة وثمانين دينارا والكارة والخشكار الرديئة بسبعة دنانير واتى البساسيرى الموصل فخطب بها للمصري فاستدعى عميد الملك محمد بن النسوى وتقدم اليه باخراج ابي الحسن بن عبيد كاتب البساسيرى وقتله وكان قد اسلم في الحبس ظنا ان ذلك ينجيه فقتل
وفي هذه السنة سار طغرلبك من بغداد يطلب الموصل وقد استصحب النجارين وعمل العرادات والمجانيق وكانت مدة مقامة ببغداد ثلاثة عشر شهرا وثلاثة عشر يوما واجتهد به الخليفة ان يقيم فلم يقم وخرج بعسكره فنهبوا أو انا وعكبرا وجميع البلاد وسبوا نساءها ونهبت تكريت وحوصرت القلعة وعم الغلاء جميع الآفاق حتى بلغ الكر الحنطة مائة وتسعين دينار وزاد ذلك في المعسكر فبيع الخبز رطل بنصف دانق وعاد ابن فسانجس الى واسط ومعه الديلم وخطب للمصري وورد محمود بن الاخرم الخفاجي من مصر ومعه مال فخطب بشفاتا وعين التمر وبالكوفة للمصري وكذلك فعل شداد بن اسد في النيل وسورا
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
236 - الحسن بن عبد الواحد
ابن سهل بن خلف ابو محمد ولد في سنة ثمان وسبعين وثلثمائة سمع من ابن حبابة والدارقطني والمخلص وغيرهم وكان صدوقا توفي في ربيع الآخر من هذه السنة
237 - الحسين بن جريش
ابن احمد بن علي بن يعقوب ابو عبد الله الكاتب ولد سنة تسع وستين وثلثمائة وكان يذكر ان اصله من الكرخ وانه من ولد ابي دلف العجلي سمع المخلص ويوسف بن عمر القواس وغيرهما وكان سماعه صحيحا وتوفى في هذه السنة
238 - بدر بن جعفر
ابن الحسين بن علي ابو الحسن العلوى من ساكني الكوفة كتب عنه ابو بكر

الخطيب وقال كان صدوقا توفى في ذي الحجة من هذه السنة
239 - عبد الملك بن محمد
ابن محمد بن سلمان ابو محمد العطار سمع ابا الحسن بن لؤلؤ وابن المظفر وكان صدوقا وتوفى في ذي الحجة من هذه السنة
240 - علي بن احمد
ابن علي بن سلك ابو الحسن المؤدب المعروف بالفالى من اصل بلدة فالة قريبة من ايذج اقام بالبصرة مدة وسمع بها من أبي عمر بن عبد الواحد الهاشمي وقدم بغداد فاستوطنها وكان ثقة انشدنا محمد بن ناصر الحافظ قال انشدنا ابو زكرياء التبريزي قال انشدني ابو الحسن الفالي من لفظه لنفسه
... لما تبدلت المجالس اوجها ... غير الذين عهدت من علمائها ... ورأيتها محفوفة يسوعا الاولى ... كانوا ولاة صدورهاو فنائها ... أنشدت بيتا سائرا متقدما ... والعين قد شرقت بجارى مائها ... أما الخيام فانها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها ...
وانشد لنفسه
... تصدر للتدريس كل مهوس ... بليد يسمى بالفقيه المدرس ... فحق لأهل العلم ان يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس ... لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس ...

قال ابو زكريا وجدت بخط الفالي لنفسه وكان قد باع الجمهرة لابن دريد فندم
بعد ذلك
... انست بها عشرين حولا وبعتها ... لقد طال وجدي بعدها وحنيني ... وما كان ظني انني سأبيعها ... ولو خلدتني في السجون ديوني ... ولكن لضعف وافتقار وصبية ... صغار عليهم تستهل جفوني ... فقلت ولم املك سوابق عبرتي ... مقالة مكوى الفؤاد حزين

لقد تخرج الحاجات يا ام مالك ... ذخائر من رزء بهن ضنين ...
توفى الفالي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة جامع المنصور
241 - فاطمة بنت القادر
أخت القائم بامر الله توفيت في هذه السنة فاخرج تابوتها وتابوت الذخيرة ابي العباس بن القائم القاذم وصلى الخليفة عليهما في صحن السلام وجلس رئيس الرؤساء في الطيار مع التابوتين وحملا الى الرصافة وحضر في العزاء عدد لا يتجاوزون اربعين لخلو البلد وانقراض الناس بالموت والفقر
242 - محمد بن ايوب
ابو طالب الملقب عميد الرؤساء ومولده سنة سبعين وثلثمائة كتب للخليفة ستة عشر سنة وتوفى عن ثمان وسبعين سنة
243 - محمد بن احمد
ابن علي ابو طاهر الدقاق يعرف بابن الاشناني سمع من ابي عمر بن مهدي وابن الصلت وأبي عبد الله بن دوست وكان ثقة ومات يوم السبت للنصف من صفر هذه السنة
244 - محمد بن الحسن
ابن عثمان بن عمر ابو طاهر الانباري قدم بغداد في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وسمع من الحسين بن هارون الضبي واتى عبد الله بن دوست وكان صدوقا وتوفى في النصف من ربيع الاول من هذه السنة
245 - محمد بن الحسين
ابن عثمان بن الحسن ابو بكر الهمذاني الصيرفي سمع الدارقطني وابن حبابة ولم يكن به بأس وتوفى في هذه السنة

246 - محمد بن الحسين
ابن محمد بن سعدون ابو طاهر البزاز الموصلي نشأ ببغداد وسمع من ابن حيوية وابي بكر بن شاذان والدارقطني وابن بطة وغيرهم وكان صدوقا وتوفى في جمادي الاولى من هذه السنة
247 - محمد بن عبد الملك
ابن محمد بن بشر ان سمع محمد بن المظفر وابا عمر ابن حيوية ومحمد بن ابراهيم بن مطر ابن عمران الضراب بن المحسن وابا بكر بن شاذان وابا الحسن الدارقطني وابا حفص بن شاهين وابا الفضل الزهري وخلقا من هذه الطبقة كتبنا عنه وكان صدوقا وسألته عن مولده فقال في جمادي الآخرة من سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة ومات في ليلة الجمعة ودفن في مقبرة باب حرب يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادي الاولى سنة ثمانية واربعين واربعمائة وصليت عليه في جامع المدينة
248 - هلال بن المحسن
ابن ابراهيم بن هلال ابو الحسين الكاتب الصابي صاحب التاريخ ولد سنة تسع وخمسين وسمع ابا علي الفارسي وعلي بن عيسى الرماني وغيرهما وكان صدوقا وجده ابو اسحاق الصابي صاحب الرسائل وكان ابوه المحسن صابئا فاما هو فاسلم متأخرا وكان قد سمع من العلماء في حال كفره لانه كان يطلب الادب وتوفي في

رمضان هذه السنة
ذكر سبب اسلامه
انبأنا محمد بن ناصر حدثنا الرئيس ابو علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب قال قال هلال بن المحسن رايت في المنام سنة تسع وتسعين وثلثمائة رسول الله صلي الله عليه وسلم قد وافى الىموضع مقامي والزمان شتاء والبرد شديد والماء جامد فاقعدني فارتعدت حين رأيته فقال لا ترع فاني رسول الله وحملني الي بالوعة في الدار عليها دورق خزف وقال توضاء وضوء الصلاة فأدخلت يدي في الدورق فاذا الماء جامد فكسرته وتناولت من الماء ما امررته علي وجهي وذراعي وقدمي ووقف في صفه وصلى وجذبني الى جانبه وقرأ الحمد واذا جاء نصر الله والفتح وركع وسجد وانا افعل مثل فعله وقام ثانيا وقرأ الحمد وسورة لم اعرفها ثم سلم واقبل على وقال انت رجل عاقل محصل والله يريد بك خيرا فلم تدع الاسلام الذي قامت عليه الدلائل والبراهين وتقيم علي ما انت عليه هات يدك وصافحني فاعطيته يدي فقال قل اسلمت وجهي لله واشهد ان الله الواحد الصمد الذي لم يكن له صاحبة ولا ولد وانك يا محمد رسوله الى عباده بالبينات والهدى فقلت ذاك ونهض ونهضت فرأيت نفسي قائما في الصفة فصحت صياح الانزعاج والارتياع فانتبه اهلي وجاؤا وسمع ابي فقال مالكم فصحت به فجاؤا وأوقدنا المصباح وقصصت عليهم قصتي فوجموا إلا أبي فانه تبسم وقال ارجع الى فراشك فالحديث يكون عند الصباح وتأملنا الدورق فاذا الجمد الذي فيه متشعث بالكسر وتقدم والدي الى الجماعة بكتمان ما جرى وقال يا بني هذا منام صحيح وبشرى محمودة الا ان اظهار هذا الامر فجاءة والانتقال من شريعة الى شريعة يحتاج الى مقدمة وأهبة ولكن اعتقد ما وصيت به فانني معتقد مثله وتصرف في صلاتك ودعائك على احكامه ثم شاع الحديث ومضت مدة فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثانيا على دجلة في مشرعة باب البستان وقد تقدمت اليه وقبلت يده فقال ما فعلت شيئا مما وافقتني عليه وقررته معي قلت بلى يا رسول الله ألم أعتقد

ما امرتني به وتصرفت في صلاتي ودعائي على موجبه فقال لا واظن ان قد بقيت في نفسك شبهة تعال وحملني الى باب المسجد الذي في المشرعة وعليه رجل خراساني نائم على قفاه وجوفه كالغرارة المحشوة من الاستسقاء ويداه وقدماه منتفختان فأمر يده على بطنه وقرأ عليه فقام الرجل صحيحا معافى فقلت صلى الله عليك يا رسول الله فما احسن تصديق امرك واعجز فعلك وانتهيت فلما كان في سنة ثلاثا واربعمائة رأيت في بعض الليالي كأن رسول الله صلى الله عليه و سلم راكبا علي باب خيمة كنت فيها فانحنى على سرجه حتى أراني وجهه فقمت وقبلت ركابه ونزل فطرحت له مخدة وجلس وقال يا هذا كم أمرك بما اريد فيه الخير لك وانت تتوقف عنه قلت يا مولاي اما أنا متصرف عليه قال بلى ولكن لا يغنى الباطن الجميل مع الظاهر القبيح وان تراعي امرا فمراعاتك الله اولى قم الآن وافعل ما يجب ولا تخالف قلت السمع والطاعة
فانتبهت ودخلت الى الحمام وجئت الى المشهد وصليت فيه وزال عني الشك فبعث الى فخر الملك فقال ما الذي بلغني فقلت هذا أمر كنت اعتقده واكتمه حتى رأيت البارحة في النوم كذا وكذا فقال قد كان اصحابنا يحدثوني انك كنت تصلى بصلاتنا وتدعو بدعائنا وحمل الي دست ثياب ومائتي دينار فرردتها وقلت ما أحب ان اخلط بفعلي شيئا من الدنيا فاستحسن ما كان مني وعزمت ان اكتب مصحفا فرأى بعض الشهود رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام وهو يقول له تقول لهذا المسلم القادم نويت ان تكتب مصحفا فاكتبه فيه يتم اسلامك قال وحدثتني امرأة تزوجتها بعد اسلامي قالت لما اتصلت بك قيل لي انك على دينك الاول فعزمت على فراقك فرأيت في المنام رجلا قيل انه رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه جماعة قيل هم الصحابة ورجل معه سيفان انه على بن أبي طالب وكأنك قد دخلت فنزع على احد السيفين فقلدك اياه وقال ها هنا ها هنا وصافحك رسول الله صلى الله عليه و سلم فرفع امير المؤمنين رأسه الي وانا مطلعة من الغرفة فقال ماترين الى هذا هو اكرم عند الله وعند رسوله منك ومن كثير

من الناس وما جئناك الا لنعرفك موضعه ونعلمك اننا زوجناك به تزويجا صحيحا فقرى عينا وطيبى نفسا فما ترين الا خيرا فانتهيت وقد زال عني كل شك وشبهة قال ابو علي بن نبهان في اثر هذا الحديث عن جده لأمه أبي الحسن الكاتب ان النبي صلى الله عليه و سلم قال له في المرة الثالثة وتحقيق رؤياك اياي ان زوجتك حامل بغلام فاذا وضعته فسمه محمدا فكان ذلك كما قال وانه ولد له ولد فسماه محمد وكنا ابا الحسن
سنة 449
ثم دخلت سنة تسع واربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه في المحرم فتح الذعار عدة دكاكين من نهر الدجاج ونهر طابق والعطارين وكسروا دراباتها واخذوا ما فيها واستعفى ابن النسوي من الشرطة فاعفى
وفي العشر الاخير من المحرم بلغت الكارة الدقيق تسعة دنانير وكدى المتجملون وكثير من التجار واكلت الكلاب والميتات ومات من الجوع كل يوم خلق كثير وشوهدت امرأة معها فخذ كلب ميت قد اخضر وجاف وهي تنهشه ورمى من سطح طائر ميت فاجتمع عليه خمسة انفس فاقتسموه واكلوه ورؤى رجل قد شوى صبية في اتون فاكلها فقتل وسددت ابواب دور مات اهلها وكان الانسان يمشي في الطريق فلا يرى الا الواحد بعد الواحد
وفي صفر هذه السنة كبست دار ابي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ واخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام واخرج الى الكرخ وضيف اليه ثلاثة مجانيق بيض كان الزوار من اهل الكرخ قديما يحملونها معهم اذا قصدوا زيارة الكوفة فاحرق الجميع
وفي جمادي الآخرة ورد كتاب من تجار ما وراء نهر قد وقع في هذه الديار وباء عظيم مسرف زائد عن الحد حتى انه خرج من هذا الاقليم في يوم واحد ثمانية عشر الف جنازة واحصى من مات الى ان كتب هذا الكتاب فكانوا

الف الف وستمائة الف وخمسين الفا والناس يمرون في هذه البلاد فلا يرون الا اسواقا فارغة وطرقات خالية وابوابا مغلقة حتى ان البقر نفقت وجاء الخبر من آذربيجان وتلك الاعمال بالوباء العظيم وانه لم يسلم الا العدد القليل ووقع وباء بالاهواز وأعمالها وبواسط وبالنيل ومطير اباذ والكوفة وطبق الارض حتى كان يخد للعشرين زبية فيلقون فيها وكان اكثر سبب ذلك الجوع وكان الفقراء يشوون الكلاب وينبشون القبور فيشوون الموتى ويأكلونها وكان لرجل جريبان ارضا دفع اليه في ثمنها عشرة دنانير فلم يبعها فباعها حينئذ بخمسة ارطال خبز وأكلها ومات من وقته وطويت التجارات وامور الدنيا وليس للناس شغل في الليل والنهار الا غسل الاموات والدفن وكان الانسان قاعدا فينشق قلبه عن دم المهجة فخرج الى الفم منه قطرة فيموت الانسان وتاب الناس كلهم وتصدقوا بمعظم اموالهم واراقوا الخمور وكسروا المعازف ولزموا المساجد لقراءة القرآن خصوصا العمال والظلمة وكل دار فيها خمر يموت اهلها في ليلة واحدة ووجدوا دار فيها ثمانية عشر نفسا موتى ففتشوا متاعهم فوجدوا خابية خمر فاراقوها ودخلوا على مريض طال نزعه سبعة ايام فاشار باصبعه الى خايبة خمر فقبلوها وخلصه الله تعالى من السكرة فقضى وقبل ذلك كان من يدخل هذه الدار يموت ومن كان مع امرأة حراما ماتا من ساعتهما وكل مسلمين بينهما هجران وأذى فلم يصطلحا ماتا معا ومن دخل الدار ليأخذ شيئا مما قد تخلف فيها وجدوا المتاع معه وهو ميت ومات رجل كان مقيما بمسجد فخلف خمسين الف درهم فلم يقبلها احد ووضعت في المسجد تسعة ايام بحالها فدخل اربعة انفس ليلا الى المسجد وأخذوها فماتوا عليها وتوصى الرجل الرجل فيموت الذي اوصى اليه قبل الموصى وخلت اكثر المساجد من الجماعات وكان ابو محمد عبد الجبار بن محمد الفقيه معه سبعمائة متفقه فمات وماتوا سوى اثنى عشر من الكل ودخل رجل على ميت وعليه لحاف فأخذه فمات ويده في طرف اللحاف وباقية على الميت

ودخل دبيس بن علي بلاده فوجدها خرابا لا اكاربها ولا عالمة حتى انه انفذ رسولا الى بعض النواحي فلقيه جماعة فقتلوه وأكلوه وجمع العميد ابو نصر الناس من الطرقات للعمل في دار المملكة وفيهم الهاشميون والقضاة والشهود والنجار فكانوا يحملون اللبن على اكتفاهم وايديهم عدة اسابيع
وفي يوم الاربعاء لسبع بقين من جمادي الآخرة احترقت قطيعة عيسى وسوق الطعام والكبش واصحاب السقط وباب الشعير وسوق العطارين وسوق العروس والانماط والخشابين والجزارين والنجارين والصف والقطيعة وباب محول ونهر الدجاج وسويقة غالب والصفارين والصباغين وغير ذلك من المواضع والرواضع
وعاد طغرلبك من الموصل الى بغداد وسلم الموصل واعمالها الى ابراهيم ينال ابن اخيه فاحسن ابراهيم السيرة
وفي هذه السنة لقي السلطان طغرلبك الخليفة القائم بالله وكان السلطان يسأل في ذلك الى ان تقرر كون هذا في ذي القعدة فجلس رئيس الرؤساء في صدر رواق صحن السلام وبين يديه الحجاب ثم استدعى نقيبي العباسيين والعلويين وقاضي القضاة والشهود فلما تضاحى النهار وكتب الى السلطان طغرلبك بما مضمونه الاذن عن امير المؤمنين في الحضور فانفذ ذلك مع ابني المامون الهاشميين ومن خدم الخواص خادمين ومن الحجاب حاجبين ولما وقف السلطان على ذلك نزل في الطيار وكان قد زين وانفذ اليه فانحدر ومعه عدة زبازب سميريات وعلى الظهر فيلان يسيران بازاء الطيار فدخل الدار والأولاد والامراء والملوك يمشون بين يديه ونحو خمسمائة غلام ترك فلما وصل الى باب دهليز صحن السلام وقف طويلا على فرسه حتى فتح له ونزل فدخل الى الصحن ومشى وخرج رئيس الرؤساء الى وسطه فتلقاه فدخل على امير المؤمنين وهو على سرير عال من الارض نحو سبعة اذرع عليه قميص وعمامة مصمتان وعلى منكبه بردة النبي صلى الله عليه و سلم وبيده القضيب فحين شاهد السلطان

امير المؤمنين قبل الارض دفعات فلما دنا من مجلس الخليفة صعد رئيس الرؤساء الى سرير لطيف دون ذلك السرير بنحو قامة وقال له امير المؤمنين اصعد ركن الدين اليك وليكن معه محمد بن منصور الكندري فاصعدهما اليه وتقدم وطرح كرسي جلس عليه السلطان وقال امير المؤمنين لرئيس الرؤساء قل له يا علي امير المؤمنين حامد لسعيك شاكر لفضلك آنس بقربك زائد الشغف بك وقد ولاك جميع ما ولاه الله تعالى من بلاده ورد اليك في مراعاة عبادة فاتق الله فيما ولاك واعرف نعمته عليك وعبدك في ذلك واجتهد في عمارة البلاد وصلاح العباد ونشر العدل وكف الظلم ففسر له عميد الملك القول فقام وقبل الارض وقال انا خادم امير المؤمنين وعبده ومتصرف على امره ونهبه ومتشرف بما اهلني واستخدمني فيه ومن الله تعالى استمد المعونة والتوفيق واستأذن امير المؤمنين في ان ينهض ويحمل الى حيث تفاض الخلع عليه فنزل الى بيت في جانب اليهود ودخل معه عميد الملك فألبس الخلع وهي سبع خلع في زي واحد وترك التاج على رأسه وعاد فجلس بين يدي امير المؤمنين ورام تقبيل الارض فلم يتمكن لأجل التاج واخرج امير المؤمنين سيفا من بين يديه فقلده اياه وخاطبه بملك المشرق والمغرب واستدعى الوية وكانت ثلاثة اثنان خمرية بكتائب صفر وآخر بكتائب مذهبه سمى لواء الحمد فعقد منهم امير المؤمنين لواء الحمد بيده واحضر العهد فقال يسلم اليه ويقال له يقرأ عليك عهدنا وينشر لك لتعمل بموجبه وبمقتضى ما امرنا به خار الله لنا ولك وللمسلمين فيما فعلنا وابرمناه امرك بما امرك الله به وانهاك عما نهاك الله عنه
وهذا منصور بن احمد نائبا لديك وصاحبنا وخليفتنا عندك ووديعتنا فاحتفظ به وراعه فانه الثقة السديد والامين الرشيد وانهض على اسم الله تعالى مصاحبا محروسا وكان من السلطان طغرلبك في كل فصل يفصل له من الشكر وتقبيل

الارض ما ابان عن حسن طاعته وصادق محبته وسأل مصالفحته باليد الشريفة فأعطاه امير المؤمنين يده دفعتين قبل لبسه الخلع وعند انصرافه من حضرته وهو يقبلها ويضعها على عينيه ودخل جميع من في الدار من الاكابر والاصاغر الى المكان فشاهدوا تلك الحال وخرج الى صحن السلام فسار والخيل والالوية امامه ولما خرجت الالوية رفعت من سطح صحن السلام وحطت على روشن بيت النوبة ومنه الى الطيار لئلا تخرج في الابواب فتنكس ومضى اليه رئيس الرؤساء في يوم الاثنين وهنأه عن الخليفة وقال له ان امير المؤمنين يأمرك ان تجلس للهناء بما افاضه عليك من نعمة وولاك من خدمته وحمل اليه خلعة فقام وقبل الارض وقال قد اهلني امير المؤمنين لرتبة يستنفذ شكري ويستعبدني بما بقي من عمري واتاه بسدة مذهبه وقال له امير المؤمنين يرسم لك ان تلبس هذا التشريف وتجلس في هذا الدست وتأذن للناس ليشهدوا ما تواتر من انعامه فيبتهج الولي وينقمع العدو وحمل السلطان في مقابلة ذلك خمسين غلاما اتراكا على خيول بسيوف ومناطق وعشرين رأسا من الخيل وخمسين الف دينار وخمسين قطعة ثياب
وفي ذي الحجة من هذه السنة قبض على ابي محمد الحسن بن عبد الرحمن اليازوري بمصر وعلى ثمانين من اصحابه وقررت عليه اموال عظيمة وكتب خطه بثلاثة آلاف الف دينار واخذ من المختصين به الوف وكان في ابتداء امره قد حج واتى المدينة وزار رسول الله صلى الله عليه و سلم فسقط على منكبه قطعة من الخلوق فقال احد القوام ايها الشيخ ابشرك بأمر ولى الحباء والكرامة اذا بلغت اليه اعلمك انك تلي ولاية عظيمة وهذا الخلوق الذي وقع عليك شاهدها وهو دليل على علو منزلة من يسقط عليه فضمن له ما طلبه فلم يحل الحول حتى ولى الوزارة واحسن الى الرجل وتفقد الحرمين احسن تفقد وكان من اصحاب ابي حنيفة وكان ابو يوسف القزويني يحكى سيرته ونفاق اهل العلم عليه وقال انه التقاني يوما وقد توجه الى ديونه فلما رآني وقف ووقف الناس لأجله وقال لي الى

اين فقلت قصدتك لحوائج كلفني اقوام قضاءها فقال لا ابرح من مكاني حتى تذكرها فجعلت اذكر له حاجة حاجة وهو يقول نعم وكرامة حتى قال في الحاجة الاخيرة السمع والطاعة ثم انفرد امير كان معه بعد انصرافه فقال له اي شيء انت فقلت انا لا شيء يقول له الوزير السمع والطاعة فقال انا من اهل العلم فقال استكثر مما معك فانه اذا كان في شخص اطاعته الملوك
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر * 249 احمد بن عبدالله
ابن سليمان ابو العلاء التنوخي المعري ولد يوم الجمعة عند غروب الشمس لثلاث بقين من ربيع الاول سنة ثلاث وستين وثلثمائة واصابه الجدري في سنة سبع أو أواخر سنة ست فغشي حدقتيه ببياض فعمى فقال الشعر وهو ابن احدى عشرة سنة وله اشعار كثيرة وسمع اللغة واملى فيها كتبا وله بها معرفة تامة ودخل بغداد سنة تسع وتسعين وثلثمائة واقام بها سنة وسبعة اشهر ثم عاد الى وطنه فلزم منزله وسمى نفسه رهين المحبسين لذلك ولذهاب بصره وبقي خمسا واربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ولا اللبن ويحرم ايلام الحيوان ويقتصر على ما تنيب الارض ويلبس خشن الثياب ويظهر دوام الصوم ولقيه رجل فقال لم لا نأكل اللحم فقال ارحم الحيوان قال فما تقول في السباع التي لا طعام لها الا لحوم الحيوان فان كان الخالق الذي دبر ذلك فما انت بأرأف منه وان كانت الطبائع المحدثة لذلك فما انت بأحذق منها ولا انقص عملا منك قال المصنف رحمه الله وقد كان يمكنه ان لا يذبح رحمة فاما ما قد ذبحه غيره فأي رحمة قد بقيت في ترك أكله وكانت احواله تدل على اختلاف عقيدته وقد حكى لنا عن أبي زكريا انه قال قال لي المعري ما الذي تعتقد فقلت في نفسي اليوم اعرف اعتقاده فقلت ما انا الا شاك فقال هذا شيخك وكان ظاهر امره يدل انه يميل الى مذهب البراهمة فانهم لا يرون ذبح الحيوان ذبح الحيوان ويجحدون الرسل

وقد رماه جماعة من العلماء بالزندقة والالحاد وذلك امره ظاهر في كلامه واشعاره وانه يرد على الرسل ويعيب الشرائع ويجحد البعث ونقلت من خط ابي الوفاء ابن عقيل انه قال من العجائب ان المعري اظهر ما اظهر من الكفر البارد الذي لا يبلغ منه مبلغ شبهات الملحدين بن بل قصر فيه كل التقصير وسقط من عيون الكل ثم أعتذر بأن لقوله باطنا وانه مسلم في الباطن فلا عقل له ولا دين لانه تظاهر بالكفر وزعم انه مسلم في الباطن وهذا عكس قضايا المنافقين والزنادقة حيث تظاهروا بالاسلام وابطنوا الكفر فهل كان في بلاد الكفار حتى يحتاج الى ان يبطن الاسلام فلا اسخف عقلا ممن سلك هذه الطريقة التي هي اخس من طريقة الزنادقة والمنافقين اذا كان المتدين يطلب نجاة الآخرة لاهلاكها في الدنيا حين طعن في الاسلام في بلاد الاسلام وابطن الكفر واهلك نفسه في المعاد فلا عقل له ولا دين وهذا ابن الريوندى وابو حيان ما فيهم الا من قد انكشف من كلامه سقم في دينه يكثر التحميد والتقديس ويدس في اثناء ذلك المحن قال ابن عقيل وما سلم هؤلاء من القتل الا لأن ايمان الاكثرين ما صفا بل في قلوبهم شكوك تختلج وشكوك تعتلج مكتومة اما لترجح الايمان في القلوب او مخافة الانكار من الجمهور وفلما نطق ناطق شبهاتهم اصغوا اليه الا ترى من صدق ايمانه كيف قتل اباه واذا اردت ان تعلم صحة ما قلت فانظر الى نفورهم عند الظفر في عشائرهم وفي بعض اهوائهم او في صور يهوونها فانظر الى اراقه فاذا نذرت نادرة في الدين وان كثر وقعها لم يتحرك منها نابضة قال المصنف رحمه الله وقد رأيت للمعرى كتابا سماه الفصول والغايات يعارض به السور والآيات وهو كلام في نهايات الركة والبرودة فسبحان من اعمى بصره وبصيرته وقد ذكر على حروف المعجم في آخر كلماته فما هو على حرف الالف طوبى لركبان النعال المعتمدين على عصى الطلح يعارضون الركائب في الهواجر والظلماء يستغفر لهم قحة القمر وضياء الشمس وهنيا لتاركي النوق في غيطان الفلا يحوم عليها ابن داية يطيف بها السرحان وشتان او ارك قوة الالبان وجرى لبنها افقد من لبن العطاء

وكله على هذا البارد وقد نظرت في كتابة المسمى لزوم مالا يلزم وهو عشرة مجلدات وحدثني ابن ناصر عن أبي زكريا عنه بأشعار كثيرة فمن اشعاره ... اذا كان لا يحظى برزتك عاقل ... وترزق مجنونا وترزق احمقا ... فلا ذنب يا رب السماء على امرىء ... رأى منك مالا يشتهي فتزندقا ... وله ... وهيهات البرية في ضلال ... وقد نظر اللبيب لما اعتراها ... تقدم صاحب التوراة موسى ... واوقع في الخسار من افتراها ... فقال رجاله وحتى اتاه ... وقال الناظرون بل افتراها ... وما حجى الى احجار بيت ... كؤوس الخمر تشرب في ذراها ... اذا رجع الحليم الى حجاه ... تهاون بالمذاهب وازدراها ... وله ... هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ... ويهود حارت والمجوس مضلله ... اثنان اهل الارض ذو عقل بلا ... دين وآخر دين لا عقل له ... وله ... فلا تحسب قال الرسل حقا ... ولكن قول زور سطروه ... وكان الناس في عيش رغيد ... فجاؤا بالمحال وكدروه ... وله ... ان الشرائع القت بيننا احنا ... واورثتنا افانين العدوات ... وهل ابيح نساء الروم عن عرض ... للعرب الا بأحكام النبوات ... وله ... افيقوا افيقوا يا غواة فانما ... دياناتكم مكر من القدماء ... وله ... تناقض ماله الا السكوت له ... وان نعوذ بمولانا من النار ... يد لخمس مئين من عسجد فديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار

وله ... لا يكذب الناس على ربهم ... ما حرك العرش ولا زلزلا ... وله ... ضحكنا وكان الضحك بنا سفاهة ... وحق لسكان البسيطة ان يبكوا ... تحطمنا الايام حتى كأننا ... زجاج لا يعادلنا السبك ... وله ... كون يرى وفساد جاء يتبعه ... تبارك الله ما في خلقه عبث ... وان يؤذن بلال لابن آمنة ... فبعده لسجاح ما دعى شبث ...
اراد بالبيت الأول المجون ومعناه هل هذا الا عبث وعنى بالبيت الثاني شبث ابن ربعي فانه اذن لسجاح التي ادعت النبوة وذكر نبينا عليه السلام باسم أمه واراد أن كان تدله هذا فقد جرى مثله لامرأة وله في هذا المعنى فساد وكون حادثان كلاهما
وله في مثل ذلك
شهيد بأن الخلق صنع حكيم
وله مثل الذي قبله ... فربما حل موصوف يراقبه ... فكيف يمحن اطفال بايلام ... وله ... امور تستخف بها حلوم ... وما يدري الفتى لمن الثبور ... كتاب محمد وكتاب موسى ... وانجيل ابن مريم والزبور ... وله ... قلتم لنا خالق قديم ... صدقتم هكذا نقول ... زعمتموه بلا زمان ... ولا مكان الا فقولوا ... هذا كلام له خبىء ... معناه ليست لنا عقول ...
انظر الى حماقة هذا الجاهل انكر أن يكون الخالق موجود الا في زمان ولا في

مكان ونسي انه أوجدهما وانما ذكرت هذا من اشعار ليستدل بها على كفره فلعنه الله وذكر ابو الحسن محمد بن هلال ابن الحسن الصابي في تاريخه قال ومن اشعار المعري ... صرف الزمان مفرق الإلفين ... فاحكم الا هي بين ذاك وبيني ... انهيت عن قتل النفوس تعمدا ... وبعثت انت لاهلها ملكين ... وزعمت ان لها معادا ثانيا ... ما كان اغناها عن الحالين ...
مات المعري في ربيع الاول من هذه السنة بمعرة النعمان عن ست وثمانين سنة الا اربعة وعشرين يوما وقد روى لنا انه قد انشد على قبره ثمانون مرثية رثاه بها اصحابه ومن قرأ عليه ومال اليه فقال بعضهم
... ان كنت لم ترق الدماء زهادة ... فلقد ارقت اليوم من جفني دما ...
وهؤلاء بين امرين اما جهال بما كان عليه واما قليلوا الدين لا يبالون به ومن سير خفيات الامور بانت له فكيف بهذا الكفر الصريح في هذه الاشعار قال ابن الصابىء ولما مات المعري رأى بعض الناس في منامه كان افعيين على عاتقي رجل ضرير تدليا الى صدره ثم رفعا راسيهما فهما ينهشان من لحمه وهو يستغيث فقال من هذا فقيل المعري الملحد
250 - الحسين بن احمد
ابن القاسم بن علي بن محمد بن احمد بن ابراهيم بن طباطبا بن اسمعيل بن ابراهيم ابن الحسن بن الحسين بن علي بن ابي طالب النسابة ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وثلثمائة وتوفي في صفر هذه السنة
اخبرنا القزاز اخبرنا ابو بكر الخطيب قال كان متميزا من بين اهله بعلم النسب ومعرفة أيام الناس وله حظ في الادب وعلقت عنه حكايات ومقطعات من الشعر
251 - الحسين بن محمد
ابن عثمان ابو عبدالله ابن النصيبي سمع علي بن عمر السكري والدارقطني والمخلص

قال الخطيب كتبت عنه وكان صحيح السماع وكان يذهب الى الاعتزال وتوفي في هذه السنة
252 - سعد بن أبي الفرج محمد
ابن جعفر ابن ابي الفرج ابن فسانجس يكنى ابا الغنائم ويلقب علاء الدين وزرمدة للملك ابي نصر بن ابي كاليجار ونظر في اول ايام الغز بواسط وخطب للمصريين فحمل الى بغداد وشهر بها وصلب بازاء التاج في هذه السنة وكان عمره سبعا وثلاثين سنة
253 - عبيد الله بن الحسين
ابن نصر ابو محمد العطار سمع ابن المظفر والدارقطني اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال كتبت عنه وكان ثقة وسألته عن مولده فقال سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة وتوفي في هذه السنة
254 - عدنان بن الرضى الموسوي
ولى نقابة الطابيين وتوفي في هذه السنة
سنة 450
ثم دخلت سنة خمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه وقع في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم برد كبار وهلك كثير من الغلات وزنت منه واحدة بصريفين فكانت نيفا وثلاثين درهما وزادت دجلة هذا اليوم خمسة عشر ذراعا وفي يوم السبت رابع عشر صفر وقع برد بالنهروان وما يقاربها من السواد كبيض الدجاج فأهلك الغلات وقتل جماعة من الاكراد ووقعت واحدة منه على رجل ففتحت رأسه وضربت اخرى رأس فرس فرمى راكبه وشرد
وزاد العبث من اصحاب السلطان فكانوا يأخذون عمائم الناس حتى انه عبر في

جمادي الآخرة ابو منصور ابن يعقوب الى نقيب العلويين ومعه ابو الحسين بن المهتدى فلما بلغوا الى باب الكرخ اخذت عمامة ابن المهتدى فاسرعت العامة الى اخذها فاستردوها واخذت بعد ذلك بيوم عمامة ابي نصر ابن الصباغ وطيلسانه
وفي شهر رمضان تجدد للعوام المتدينين المتسمين باصحاب عبد الصمد الزام اهل الذمة بلبس الغيار وحضر الديوان رجل هاشمي منهم يعرف بابن سكرة فخاطب رئيس الرؤساء ابن المسلمة في ذلك وذكر ما عليه اهل الذمة من الانبساط وكلمه بكلام فيه غلظة فكتب الى الخليفة بذلك فخرج ما قوى امر ابن سكرة وكان ابو علي ابن فضلان اليهودي كاتب خاتون فأمره ابن المسلمة بالتأخر في داره وان يتقدم الى اليهود واهل المعايش بمثل ذلك وامر ابن الموصلايا النصراني كاتب الديوان بمثل ذلك فانقطعوا عن المعاملات وتأخر الكتاب والجهابذة عن الديون فبان للخليفة باطن الامر فتشدد فيه ولم يجد ابن المسلمة مساغا لما يريد فصار اهل الذمة ينسلون ويخرجون الى اشغالهم
وفي ثامن شوال نقب جامع المدينة واخذت منه الاعلام السود والتستر وما وجد
وفي ثامن عشر شوال بين المغرب والعشاء كانت زلزلة عظيمة لبثت ساعة عظيمة ولحق الناس منها خوف شديد وتهدمت دور كثيرة ثم وردت الاخبار انها اتصلت من بغداد الى همذان وواسط وعانة وتكريت وذكر ان ارجاء كانت تدور فوقفت وبعد هذه الزلزلة بشهر اخرج القائم من داره وجرت محن عظيمة
وكان السلطان طغرلبك قد خرج الى الموصل ثم توجه الى نصيبين ومعه اخوه ابراهيم ينال فخالف عليه اخوه ابراهيم وانصرف بجيش عظيم معه يقصد الري وكان البساسيري راسل ابراهيم يشير عليه بالعصيان لأخيه ويطمعه بالتفرد بالملك وبعده معا ضدته فسار طغرلبك في أثر اخيه وترك العساكر وراءه

فتفرقت غير ان وزيره المعروف بالكندري وربيبه انوشروان وزوجته خاتون وردوا بغداد بمن بقي معهم من العسكر في شوال هذه السنة وانتشر الخبر باجتماع طغرلبك مع اخيه ابراهيم بهمذان وان ابراهيم استظهر على طغرلبك وحصر في همذان فعزمت خاتون وابنها انوشروان والكندري على المسير الى همذان لانجاد طغرلبك فاضطرب امر بغداد اضطرابا شديد وارجف الرجفون باقتراب البساسيرى فبطل عزم الكندري عن المسير فهمت خاتون بالقبض عليه وعلى ابنها لتركها مساعدتها على انجاد زوجها فنفرا الى الجانب الغربي من بغداد وقطعا الجسر وراءهما وانتهبت داراهما واستولى من كان مع خاتون من الغز على ما تضمنتها من العين والثياب والسلاح وغير ذلك من صنوف الاموال ونفذت خاتون بمن انضوى اليها وهم جمهور العسكر متوجهة نحو همذان وخرج الكندري وانوشروان يؤمان طريق الاهواز فلما خلا البلد من العساكر انزعج الناس وقيل للناس من اراد ان يخرج فليخرج فبكى الناس والاطفال وعبر كثير من الناس الى الجانب الغربي فبلغت المعيرة دينارا ودينارين وثلاثة وطار في تلك الليلة على دار الخليفة نحو عشر بومات مجتمعات يصحن صياحا مزعجا فقال ابو الاعز بن مزيد رئيس الرؤساء ليس عندنا من يرد والرأي خروج الخليفة عن البلد الى البلاد السافلة فأجاب الخليفة ثم صعب عليه مفارقة داره وامتنع واظهر رئيس الرؤساء قوة النفس لأجل موافقة الخليفة وجمعوا من العوام من يصلح للقتال وركب رئيس الرؤساء وعميد العراق الى دار المملكة واخذا ما يصلح من السلاح وضربا في الباقي النار فلما كان يوم الجمعة السادس من ذي القعدة تحقق الناس كون البساسيرى بالانبار ونهض الناس الى صلاة الجمعة بجامع المنصور فلم يحضر الامام فاذن المؤذنون ونزلوا فأخبروا انهم رأوا عسكر البساسيرى حذاء شارع دار الرقيق وجاء العسكر وصلى الناس الظهر بغير خطبة ثم ورد في السبت نحو مائتي فارس ثم دخل البساسيرى بغداد يوم الاحد ثامن ذي القعدة

ومعه الرايات المصرية فضرب مضاربه على شاطىء دجلة فتلقاه اهل الكرخ فوقفوا في وجه فرسه وتضرعوا اليه ان يجتاز عندهم فدخل الكرخ وخرج الى مشرعة الروايا فخيم بها وكان على رأسه اعلام عليها مكتوب الامام المستنصر بالله ابو تميم معد امير المؤمنين وكان قد جمع العيارين واهل الرساتيق واطمعهم في نهب دار الخلافة والناس اذ ذاك في ضر ومجاعة ونزل قريش ابن بدران في نحو مائتي فارس عل مشرعة باب البصرة فلما استقر بالقوم المنزل ركب عميد العراق من الجانب الشرقي في العسكري وحواشي الدولة والهاشميين والعوام والعجم الى آخر النهار فلم يجابوا عسكر البساسيرى بشيء ونهبت دار قاضي القضاة ابي عبدالله الدامغاني وهلك اكثر السجلات والكتب الحكمية فبيعت على العطارين ونهبت دور المتعلقين بالخليفة ونهب اكثر باب البصرة بأيدي أهل الكرخ تشفيعا لأجل المذهب وانصرف الباقون عراة فجاؤا الى سوق المارستان وقعدوا على الطريق ومعهم النساء والاطفال وكان البرد حينئذ شديد وعاود اهل الكرخ الأذان بحي على خير العمل وظهر فيهم السرور الكثير وعملوا رأيه بيضاء ونصبوها وسط الكرخ وكتبوا عليها اسم المستنصر بالله واقام بمكانه والقتال يجري في السفن بدجلة فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دعى لصاحب مصرفي جامع المنصور وزيد في الاذان حي على خير العمل وشرع البساسيرى في اصلاح الجسر فعقده بباب الطاق وعبر عسكره عليه فنزلوا الزاهر وحضرت الجمعة يوم العشرين من ذي القعدة فدعى لصاحب مصر بجامع الرصافة وخندق الخليفة حول داره ونهر معلى خنادق وحفرت آبار في الحلية وغطيت حتى يقع فيها من يقاتل وبنيت ابراج على سور دار الخليفة وخرج رئيس الرؤساء فوقف دون باب الحلبة يفرق النشاب ثم فتح الباب فاستجرهم البساسيرى ثم كر عليهم فانهزموا وامتلأ باب الخليفة بالقتلى واجفل رئيس الرؤساء الى دار الخليفة فهرب اهل الحريم وعبروا الى الجانب الغربي ونهب العوام من نهر معلى وديوان الخاص

ما لا يحصى واحرقوا الاسواق فركب الخليفة لابسا للسواد على كتفه البردة وعلى رأسه اللواء وبيده سيف مجرد وحوله زمرة من الهاشميين والجواري حاسرات منشرات معهن المصاحف على رؤوس القصب وبين يديه الخدم بالسيوف المسلولة فوجد عميد العراق قد استأمن الى قريش بن بدران وكان قريش قد طافر البساسيرى واقبل معه فصعد الخليفة الى منظرة له واطلع ابو القاسم ابن المسلمة وصاح بقريش يا علم الدين امير المؤمنين يستدنيك فدنا فقال له قد اتاك الله رتبة لم ينلها امثالك فان امير المؤمنين يستذم منك على نفسه واهله واصحابه بذمام الله تعالى وذمام رسوله صلى الله عليه و سلم وذمام العرب فقال له قريش قد اذم الله تعالى له فقال وكن معه قال نعم وخلع قلنسوته من تحت عمامته فأعطاها الخليفة ذما ما فتسرح ابن المسلمة اليهم من الحائط ونزل الخليفة ففتح الباب المقابل لباب الحلبة وخرج فقبل قريش الارض بين يديه دفعات فبلغ البساسيرى ذلك فراسل وقال اتذم لهما وقد استقر بيني وبينك ما استحلفتك عليه وكانا قد تحالفا ان لا ينفرد احدهما بأمر دون الآخر وأن يكون جميع ما يتحصل من البلاد والأموال بينهما فقال له قريش اعدلت عما استقر بيننا وعدوك هو ابن المسلمة فخذه وانا آخذ الخليفة بازائه فقنع بذلك وحمل ابن المسلمة الى البساسيرى فلما رآه قال مرحبا بمدفع الدول ومهلك الامم ومخرب البلاد ومبيد العباد فقال له ايها الاجل العفو عند القدرة فقال قد قدرت فما عفوت وانت تاجر وصاحب طيلسان ولم تستبق من الحرم والاطفال والاجناد فكيف اعفو عنك وانا صاحب سيف وقد اخذت اموالي وعاقبت حرمي ونفيتهم في البلاد وشتتني ودرست دوري ولكن هذا ايضا من قصورك الفاسد وعقلك الناقص واجتمع العامة فسبوه وهموا به فاخذه البساسيرى الى جنبه خوفا فاعلية من العامة ولم يزل يوبخه وهو يعتذر وحل الركابية حزام البر ذون الذي كان تحته يسقط فيتمكن العامة من قتله فسقط فوقف البساسيرى يذب عنه الى ان اركبه ومضى به الى الخيمة فقيده ووكل

به وضرب ضربا كثيرا او قيد ثم ظفر بالسيدة خاتون زوجة الخليفة فأكرمها وسلمها الى ابي عبدالله ابن جردة ومضى الخليفة الى المعسكر وقد ضرب له قريش خيمة ازاء بيته بالجانب الشرقي فدخلها ولحقه قيام الدم واذم قريش لابن جردة ابن يوسف وكان ابن جردة قد ضمن لقريش لأجل داره ومن التجأ اليها من التجار عشرة آلاف دينار ونهبت العوام دار الخليفة واخذوا منها ما يعتذر حصره من الديباج والجواهر واليواقيت واحرقوا رباط ابي سعد الصوفي ودار بن يوسف ثم نودي برفع النهب وحمل البساسيرى الطيار الى عسكره ثم نقله الى الحريم الظاهري وعليه المطارد البيض فلما جاء يوم الجمعة الرابع من ذي الحجة لم يخطب بجامع الخليفة وخطب في سائر الجوامع لصاحب مصر وفي هذا اليوم انقطعت دعوة الخليفة من بغداد وجرى بين البساسيرى وقريش بن بدران في امر الخليفة من التجاذب ما ادى الى نقله عن بغداد وان لا يكون في يد احدهما وتسليمه الى بدوي يعرف بمهارش صاحب حديث عانة واعتقاله فيها الى ان يتقرر لهما عزم فعرف الخليفة ذلك فراسل قريش بالمجيء اليه فلم يفعل فقام ومشى الى خيمته فدخل فعلق بذيله وقال له ما عرفت ما استقر العزم عليه من ابعادي عنك واخراجي عن يدك وما سلمت نفسي اليك الا لما اعطيتني الذمام الذي يلزمك الوفاء به وقد دخلت الآن اليك ووجب لي ذمام فاني عليك فالله الله في نفسي فمتى اسلمتني اهلكتني وضيعتني وما ذاك معروف في العرب فقال ما ينالك سوء ولا يلحقك ضيم غير ان هذه الخيمة ليست دار مقام مثلك وابو الحارث لا يؤثر مقامك في هذا البلد وانا انقلك الى الحديثة واسلمك الى مهاوش ابن عمي وفيه دين فلا تخف واسكن الى مراعاتي لك وعد الى مكانك فلما يئس منه قام عنه وهو يقول لله امر هو بالغه ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وعبر قريش ليلة الاربعاء التاسع من ذي الحجة الى الجانب الغربي وضرب خيمة بقرب جامع المنصور وحمل الخليفة الى المشهد بمقابر قريش وقال له تبيت الليلة

فيها فامتنع وقال هؤلاء العلويون الذين بها يعادوني فالزم الدخول وبات ليلته في بعض الترب وحضر من الغد جماعة من اصحاب البساسيرى واصحاب قريش فتسلموه من موضعه واقعدوه في هودج على جمل وسيروه الى الانبار ثم الى حديثة عانة على الفرات وكان صاحب الحديثة مهارش البدوي حسن الطريقة فكان يتولى خدمة الخليفة ولما بلغ الخليفة الانبار شكا وصول البرد الى جسمه فأخرج شيخ من مشايخ الانبار يعرف بابن مهدوية جبة برد فيها قطن ومقيارا ولحافا وكتب الخليفة من هناك رقعة الى بغداد يلطف فيها بالبساسيرى وقريش يدعوهما الى اعادته الى بغداد واحسان العشرة ويحلف بالايمان المؤكدة على براءة ساحته من جميع ما نسب اليه فلم يقع الالتفات اليها ولا أجيب عنها فأقام الخليفة بالحديثة
وذكر عبدالملك بن محمد الهمذاني عن بعض خواص القائم انه قال لما كنت بحديثة عانة قمت في بعض الليالي للصلاة ووجدت في قلبي حلاوة المناجاة فدعوت الله تعالى فيما سنح ثم قلت اللهم اعدني الى وطني واجمع بيني وبين اهلي وولدي ويسر اجتماعنا واعد روض الانس زاهرا وربع القرب عامرا فقد قل الاعزاء وبرح الخفاء فسمعت قائلا على شاطىء الفرات يقول بأعلى صوته نعم نعم فقلت هذا رجل يخاطب آخر ثم اخذت في السؤال والابتهال فسمعت ذلك الصائح يقول الى الحول الى الحول فعلمت ان هاتف انطقه الله تعالى بما جرى الأمر عليه فكان خروجه من داره حولا كاملا خرج في ذي القعدة ورجع في ذي القعدة وأورد محمود بن الفضل الاصبهاني ان القائم كتب في السجن دعاء وسلمه الى بدوي وامره ان يعلقه على الكعبة الى الله العظيم من عبده المسكين اللهم انك العالم بالسرائر والمحيط بمكنونات السرائر اللهم انك غنى بعلمك واطلاعك على امور خلقك عن اعلامي بما انا فيه عبد من عبادك قد كفر بنعمتك وما شكرك وابقى العواقب وما ذكرها اطغاه حلمك وتجير بأناتك حتى تعدى علينا بغيا واساء الينا عتوا و عدوانا اللهم قل الناصرون لنا واغتر الظالم وانت المطلع العالم والمنصف

الحاكم بك نعتز عليه وإليك نهرب من يديه فقد تعزز علينا بالمخلوقين ونحن نعتز بك يا رب العالمين اللهم إنا حاكمناه إليك وتوكلنا في انصافنا منه عليك وقد رفعت ظلامتي إلى حرمك ووثقت في كشفها بكرمك فاحكم بيني وبينه وأنت خير الحاكمين وأرنا به ما نرتجيه فقد أخذته العزة بالإثم فاسلبه عزه ومكنا بقدرتك من ناصيته يا أرحم الراحمين فحملها البدوي وعلقها على الكعبة فحسب ذلك اليوم فوجد أن البساسيرى قتل وجىء برأسه بعد سبعة أيام من التاريخ ومن شعر القائم الذي قاله في الحديثة ... خابت ظنوني فيمن كنت آمله ... ولم يخب ذكر من واليت في خلدي ... تعلموا من صروف الدهر كلهم ... فما أرى أحد يحنو على أحد ...

وقال أيضا
... مالي من الأيام إلا موعد ... فمتى أرى ظفرا بذاك الموعد ... يومي يمر وكلما قضيته ... عللت نفسي بالحديث إلى غد ... احيا بنفس تستريح إلى المنا ... وعلى مطامعها تروح وتغتدي ...
وأما حديث البساسيرى فأنه ركب يوم الخميس عاشر ذي الحجة من سنة خمسين إلى المصلى في الجانب الشرقي وعلى رأسه الألوية والمطارد المصرية وعيد ونحر وبين يديه أبو منصور بن بكران حاجب الخليفة على عادته في ذاك وكان قد أمنه ورد أبا الحسين بن المهتدي إلى منبره بجامع المنصور ولبس الخطباء والمؤذنون البياض ونقل العسكر إلى مشرعة المارستان في الجانب الغربي وضرب دنانير سماها المستنصرية وكان عليها من فرد جانب لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله علي ولي الله ومن الجانب الآخر عبد الله ووليه الإمام أبو تميم معد المستنصر بالله أمير المؤمنين وكان يقبض على أقوام يغرقهم بالليل وغرق جماعة عزموا على الفتك به وخرج الناس من الحريم ودار الخلافة حتى لم يبق لها إلا الضعيف وخلت الدور
وفي الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة أخرج أبو القاسم ابن المسلمة من محبسه

بالحريم الظاهري وعليه جبة صوف وطنطور من لبد أحمر وفي رقبته مخنقة من من جلود كالتعاويذ واركب جملا وطيف به في محال الجانب الغربي ووراءه من يصفعه بقطعة من جلد وابن المسلمة يقرأ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء الآية وشهر في البلد ونثر عليه أهل الكرخ لما اجتاز بهم خلقان المداسات وبصقوا في وجهه ولعن وسب في جميع المحال ووقف بإزاء دار الخليفة ثم أعيد إلى المعسكر وقد نصبت له خشبة بباب خراسان فحط من الجمل وخيط عليه جلد ثور قد سلخ في الحال وجعلت قرونه على رأسه وعلق بكلابين من حديد في كتفيه واستقى في الخشبة حيا فقال لهم قولوا للأجل قد بلغك الله أغراضك مني فاصطنعني لتنظر خدمتي وإن قتلتني فربما جرى من سلطان خراسان ما يهلك به البلاد والعباد فسبوه واستقوه ولبث إلى آخر النهار يضطرب ثم مات وكان الباسيري قد أمر بترك الكلابين في ترقوته ليبقى حيا أياما يشاهد حاله وأمر أن يطعم كل يوم رغيفين ليحفظ نفسه فخاف من تولي أمره أن يعفو عنه البساسيري فضرب الكلابين في مقتله فقال عند موته الحمد لله الذي أحياني سعيدا وأماتني شهيدا
ثم أفرج عن قاضي القضاء الدامغاني بعد أن قرر عليه ثلاثة آلاف دينار فصحح منها سبعمائة وأمسك البساسيري عن مطالبة الباقي ثم إن السلطان طغرلبك خرج من همذان وهزم عسكر أخيه وفي هذه السنة ولي أبو عبد الله بن أبي طالب نقابة الطالبين وفيها عصى على بن أبي الخير بالبطائح وكان متقدم بعض نواحيها فكسر جيش طغرلبك ومعهم عميد العراق أبو نصر
ذكر من توفى في هذه السنة من الأكابر
255 - الحسن بن محمد أبو عبد الله الولي الفرضي كان إمام ثقة وقتل في الفتنة ودفن يوم الجمعة تاسع

ذي الحجة من هذه السنة
256 - الحسين بن محمد
ابن طاهر بن يونس ابو عبدالله مولى المهدي سمع الدارقطني وابن شاهين وغيرهما وكان صدوقا حسن الاعتقاد كثير الدرس للقرآن وينزل شارع دار الرقيق وتوفي في ربيع لآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب
257 - داود جغريبك
اخو طغرلبك الاكبر كان ببلخ بازاء اولاد محمود بن سبكتكين
258 - طاهر بن عبدالله بن طاهر
ابن عمر ابو الطيب الطبري الفقيه الشافعي ولد بآمل سنة ثمان واربعين وثلثمائة وسمع بجرجان من ابي احمد الغطريفي وبنيسابور من ابي الحسن الماسرجسي وعليه درس الفقه وسمع في بغداد من الدارقطني والمعافى وغيرهما وولي القضاء بربع الكرخ بعد موت الصيمري وكان ثقة دينا ورعا عارفا بأصول الفقه وفروعه حسن الخلق سليم الصدر
اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال سمعت ابا الحسن محمد بن محمد بن عبدالله القاضي يقول ابتدأ القاضي ابو الطيب الطبري بدرس الفقه وتعلم العلم وله اربع عشرة سنة فلم يخل به يوما واحدا الى ان مات اخبرنا محمد بن ناصر عن المولى بن احمد قال سمعت ابا اسحاق الشيرازي يقول دفع القاضي ابو الطيب الطبري خفا له الى خفاف ليصلحه فكان يمر عليه ليتقاضاه وكان الخفاف كلما رأى القاضي أخذ الخف فغمسه في الماء وقال الساعة الساعة فلما طال عليه قال انما دفعته اليك لتصلحه ولم ادفعه اليه لتعلمه السباحة توفي الطبري يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول سنة خمسين واربعمائة وصلى عليه ابو الحسين ابن المهتدي بجامع المنصور ودفن بمقبرة باب حرب وقد بلغ من السن مائة وستين سنة وكان صحيح العقل ثابت الفهم سليم الاعضاء يفتي ويقضي الى حين وفاته

259 - عبيدالله بن احمد
ابن عبدالله ابو القاسم الرقي العلوي اخبرنا القزاز اخبرنا ابو بكر الخطيب قال سكن الرقي بغداد في درب أبي خلف من قطيعة الربيع وكان قد احد العلماء بالنحو والادب واللغة عارفا بالفرائض وقسمة المواريت وحدث شيئا يسيرا وكتبت عنه وكان صدوقا وسالته عن مولده فقال سنة احدى وستين وثلثمائة وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب
260 - عبد الواحد بن الحسين
ابن احمد بن معروف سمع عيسى بن علي الوزير وغيره وكان ثقة بصيرا بالعربية عالما بوجوه القراءات حافظا لمذاهب القراء اخبرنا عبد الرحمن بن محمد اخبرنا احمد بن علي بن ثابت قال سألت ابن شيطا عن مولده فقال ولدت يوم الاثنين السادس عشر من رجب سنة سبعين وثلثمائة ومات يوم الاربعاء الخامس والعشرين من صفر سنة خمس واربعمائة ودفن من يومه في مقبرة الخيزران
261 - عبد العزيز بن علي
ابن محمد بن عبد الله بن بشران ابو الطيب سمع ابن المظفر وابن حيويه وغيرهما قال الخطيب كتبت عنه وكان سماعه صحيحا سألته عن مولده فقال سنة ثمان وستين وثلثمائة وتوفى في صفر هذه السنة ودفن في مقبرة باب الدير
262 - علي بن محمد
ابن حبيب ابو الحسن الماوردي البصري كان من وجوه فقهاء الشافعية وله تصانيف كثيرة في اصول الفقه وفروعه وله المقترن والنكت في التفسير والاحكام السلطانية وقوانين الوزراء والحكم والامثال وولى القضاء ببلدان كثيرة وكان يقول بسطت الفقه في اربعة آلاف ورقة وقد اختصرته في اربعين يربد بالمبسوط الحاوي وبالمختصر الاقناع وكان وقورا متأدبا لا يرى اصحابه

ذراعه وكان ثقة صالحا وتوفي في ربيع الاول من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب وبلغ ستا وثمانين سنة
263 - علي بن عمر
ابو الحسن البرمكي اخو أبي اسحاق سمع من ابن حبابة والمعافى توفي في هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب
264 - علي بن الحسن
ابن احمد بن محمد بن عمر ابو القاسم ابن المسلمة سمع ابا احمد الفرضي وغيره وكان احد الشهود المعدلين ثم استكتبه الخليفة القائم بأمر الله واستوزره ولقبه رئيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى وكان مضطلعا بعلوم كثيرة مع سداد رأي ووفور عقل قال المصنف رحمه الله ونقلت من خط ابي الوفاء بن عقيل انه قال ذكر بعض اهل العلم المحققين ان رئيس الرؤساء قال للشيخ ابي اسحاق في مسألة القائل لزوجته ان دخلت او خرجت الا باذني فأنت طالق لا يقتضى التكرار ولا فيه لفظ من الفاظ التكرار وانما هو حرف من حروف الشرط فاذا كان كذلك فلا وجه لاعتبار تكرار الاذن والتكرار الوقوع بعدم الاذن فكان الشيخ ابو اسحاق يقول عولوا على هذا دليلا في المسألة
اخبرنا ابو منصور القزاز اخبرنا ابو بكر بنثابت قال سمعت علي بن الحسن الوزير يقول ولدت في شعبان سنة سبع وتسعين وثلثمائة فرأيت في المنام وانا حدث كأني اعطيت شبه النبقة الكبيرة وقد ملأت كفي والقى في روعي انها من الجنة فعضضت منها عضة ونويت بذلك حفظ القرآن وعضضت اخرى ونويت درس الفقه وعضضت اخرى ونويت درس الفرائض وعضضت اخرى ونويت درس النحو وعضضت اخرى ونويت درس العروض فما من هذه العلوم الا وقد رزقني الله منه قتل الوزير ابو القاسم يوم الاثنين ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة قتله البساسيرى وطيف برأسه في بغداد

خامس عشر ذي الحجة سنة خمسين واربعمائة وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني المؤرخ قال من عجيب الاتفاق لما ولى ابن المسلمة وزارته ركب الى جامع المنصور بعدان خلع عليه فأتى الى تل فنزل في موكبه وصلى عليه ركعتين وقال هذا موضع مبارك وكان قديما بيت عبادة وعنده صلب الحسين بن منصور الحلاج ثم اصابت رئيس الرؤساء عند ذلك رعدة شديدة وكان الناس يقولون انه جلاجلي المذهب فبقي في الوزارة اثنتى عشرة سنة واشهر وصلب في ذلك المكان بعينه فعلم الناس ان رعدته كانت كذلك وبلغ من العمر اثنتين وخمسين سنة وخمسة اشهر
265 - منصور بن الحسين
ابو الفوارس الاسدي صاحب الجزيرة توفي واجتمعت العشيرة على ولده صدفة
سنة 451
ثم دخلت سنة احدى وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها ان ابا منصور بن يوسف انتقل عن معسكر قريش الى داره بدرب خلف بعد ان حمله البساسيرى وجمع بينهما حتى رضي عنه واصلح بينه وبينه والتزم ابو منصور له شيئا قرره عليه وركب البساسيرى اليه في هذا اليوم نظرية لجاهه وخاطبه بالجميل وطيب نفسه بما بذله له ووعد به وركب قريش ابن بدران من غد اليه ايضا وعاد جاهه طريا الا انه خائف من البساسيرى وفي هذا الشهر كتبت والدة الخليفة الى البساسيرى من مكان كانت فيه مستترة رقعة تشرح فيها ما لحقها من الأذى والضرر والفقر حتى ان القوت يعتذر عليها فأحضرها وهي جارية أرمينية قد ناهزت التسعين واحد ودبت وافرد لها دارا في الحريم الطاهري واعطاها جاريتين تخد ما نها واجرى عليها في كل يوم اثنى عشر رطلا خبر او اربعة ارطال لحما

وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر احضر البساسيرى قاضي القضاة ابا عبدالله الدامغاني وابا منصور بن يوسف وابا الحسين بن الغريق الخطيب وجماعة من وجوه العلويين والعباسيين واخذ عليهم البيعة للمستنصر بالله واستحلفهم له ودخل الى دار الخلافة بعد ايام وهؤلاء الجماعة معه
وفي ليلة الاحد ثاني ربيع لاول نقلت جثة ابي القاسم بن المسلمة الى ما يقارب الحريم الطاهري ونصبت على دجلة
وفي بكرة الثلاثاء رابع هذا الشهر حرج البساسيرى الى زيارة المشهد بالكوفة على ان ينحدر من هناك الى واسط واستصحب معه غلة في زوراق ليرتب العمال في حفر النهر المعروف بالعلقمي ويجريه الى المشهد بالحائر وفاء بنذر كان عليه وانفذ من ابتدأ بنقض تاج الخليفة فنقضت شرافاته فقيل له هذا لا معنى فيه والقباحة فيه اكثر من الفائدة فأمسك عن ذلك
ثم ان السلطان طغرلبك ظفر باخيه ابراهيم فقتله وقتل الوفا من التركمان وانقذ الى قريش يلتمس خانون ويخلط بذلك ذكر الخليفة ورده الى مكانه فرد خاتون وأجاب عما يتعلق بالخليفة بان ما جرى كان من فعل ابن المسلمة ومتى وقع تسرع في المسير الى العراق فلست آمن ان يتم على الخليفة أمر يفوت وسبب يسوء ولسنا بحيث تقف لك ولا نحاربك وانما نبعد وندعك فربما ماست العساكر من بلادها ففتحت البثوق وخرب السواد وانا اتوصل في جميع ما يراد من البساسيرى وراسل قريش البساسيرى يشير عليه بما التمسه السلطان طغرلبك ويحذره المخالفة له ويقول قد دعوت الى السلطان على ستمائة فرسخ فخدمناه وفعلنا مالم يكن يظنه ومضى لنا ستة اشهر مذ فتحنا العراق ما عرفنا منه خبرا ولا كتب الينا حرفا ولا فكر فينا وقد عادت رسلنا بعد سنة وكسر صفرا من شكر وكتاب فضلا عن مال ورجال ومتى تجدد خطب نما يشفى به غيري وغيرك والصواب المهادنة والمسالمة ورد الخليفة الى أمره والدخول تحت طاعته وان يستكتب امنه

وفي هذه السنة كان بمكة رخص لم يشاهد مثله وبلغ البر والتمر مائتي رطل بدينار وهذا غريب هناك
وورد كتاب المسافرين من دمشق بسلامتهم من طريق السماوة وانهم مطروا في نصف تموز حتى كانت الجمال تخوض في الماء وامتلأت المصانع والمزبى
وفيها زادت الغارات حتى أن قوما من التجار اعطوا على وجه الخمارة من النهروان أربعة عشر الف دينار ومائة كر ومائتي رأسا من الغنم
وفي شوال عاد لقريش بن بدران رسول يقال له نجدة من حضرة السلطان وكان قريش قد انفذ هذا الصاحب في صحبة السيدة ارسلان خاتون امرأة القائم بأمر الله واصحبه رسالة الى السلطان يعده برد الخليفة الىداره ويشير عنه بالقرب ليفعل ذلك ويتمكن منه وكان قد ورد كتاب من السلطان الى قريش عنوانه للامير الجليل علم الدين ابي المعال قريش بن بدران مولى امير المؤمنين من شاهان المعظم ملك المشرقي والمغرب طغرلبك ابي طالب محمد بن ميكايل بن سلجوق وعلى رأس الكتاب العلامة السلطانية بخط السلطان حسبي الله وكان في الكتاب والآن قد سرت بنا المقادير الى كل عدو للدين والملك ولم يبق لنا وعلينا من المهمات الا خدمة سيدنا ومولانا الامام القائم بأمر الله امير المؤمنين واطلاع ابهة امامته على سرير غزه فان الذي يلزمنا ذلك ولا فسحة في التضجيع فيه ساعة من الزمان وقد اقبلنا بخيول المشرق الى هذا المهم العظيم ونريد من الامير الجليل علم الدين اتمام السعى البخيح الذي وفق له وتفرد به وهو ان يتم وفاءه من امانته وخدمته في باب سيدنا ومولانا القائم بأمر الله امير المؤمنين من احد الوجهين اما ان يقبل به الى ذكر عزه ومثوى امامته وموقف خلافته من مدينة السلام وينتدب بين يديه موليا امره ومنفذا حكمه وشاهرا سيفه ونلمه وذلك المراد وهو خليفتنا في تلك الخدمة المفروضة وتولية العراق باسرها وتصفى له مشارع برها وبحرها لا يطأ حافر خيل من خيول العجم شبرا من اراضي تلك الممالك الا بالتماسه لمعاونته ومظاهرته واما ان يحافظ على شخصه الكريم العالي بتحويله من

القلعة الى حلته او في القلعة الى حين لحاقنا بخدمته فنتكفل باعادته وليكون الامير الجليل مخيرا بين ان يلتقي بنا او يقيم حيث شاء فنوليه العراق ونستخلفه في الخدمة الامامية ونصرف اعنتنا الى الممالك الشرقية فهممنا لا تقتضي الا هذا الغرض من العرض ولا نسف الى مملكة من تلك الممالك بل الهمة دينية وهو ادام الله تمكينه يتقن ما ذكرنا ويعلم ان توجهنا اثر هذا الكتاب لهذا الغرض المعلوم ولا غرض سواه فلا يشعرن قلوب عشائره رهبة فأنهم كلهم اخواننا وفي ذمتنا وعهدنا وعلينا به عهد الله وميثاقه ما داموا موافقين للامير الجليل في موالينا ومن اتصل به من سائر العرب والعجم والاكراد فانهم مقرون في جملته وداخلون في عهدنا وذمتنا ولكل مخترم في العراق عفونا واماننا مما بدر منه الا البساسيرى فانه لا عهد له ولا أمان وهو موكول الى الشيطان وتساويله وقد ارتكب في دين الله عظيما وهو ان شاء الله مأخوذ حيث وجد معذب على ما عمل فقد سعى في دماء خلق كثير بسوء دخيلته ودلت افعاله على فساد عقيدته فان سرب في الارض فالى ان يلحقه المكتوب على جبهته وان وقف فالقضاء سابق الى مهجته والله تعالى يجازي الامير الجليل على كل سعى تجشم في مصالح الدين وفي خدمة امام المسلمين وقد حملنا الاستاذ العالم ابا بكر احمد بن محمد بن ايوب بن فورك ومعتمد الدولة ابا الوفاء زيرك ما يؤديانه من الرسائل وهو يصغي اليهما ويعتمد عليهما ويسرحهما الى القلعة ليخد ما مجلس سيدنا ومولانا امير المؤمنين عنا وكتب في رمضان سنة احدى وخمسين وحمل مع هذين الرسولين خدمة الى الخليفة اربعون ثوبا انواعا وعشرة دسوت ثياب مخيطة وخمسة الاف دينار وخمسة دسوت مخيطة من جهة خاتون زوجة القائم فحكى نجدة لقريش ان السلطان طغرلبك بهمدان في عساكر كثيرة هو بنية المسير الي العراق متى لم يرد الخليفة الى بغداد فخاف قريش وارتاع فابتاع جمالا عدة واصلح بيوتا كثيرة وانفذ الى البرية من يحفر فيها ويعمرها ليدخلها ثم انفذ الكتاب الوارد مع نجدة الى البساسيرى ليدبر الأمر على مقتضاه فانفذ البساسيرى الى بغداد فأخذ دوابه

وجماله ورحله الى مقره بواسط وكاتب اهله يطيب نفوسهم ويقول متى صح عزم هذا الرجل على قصد العراق سرت اليكم وأخذتكم فلا تشغلوا قلوبكم وتقدم بان يسلخ ثور اسود ويؤخذ جلده فيكسى به رمة ابي القاسم بن المسلمة ويجعل قرناه على رأسه وفوقهما طرطور احمر ففعل ذلك ثم اجاب البساسيرى الى عود الخليفة وشرط في ذلك شروط منها ان يكون هو النائب على باب الخليفة والخادم دون غيره ورد حوزستان والبصرة اليه علي قديم عادته وان يخطب للخليفة فقط دون ان يشاركه في الخطبة ركن الدين وبعث مع رسل السلطان طغرلبك الى الخليفة من يتولى احلاف الخليفة له على ما اشترط وعرف البساسيرى قرب السلطان فكاتب أصحابه بالبصرة ليصعدوا اليه ليقصد بغداد فاعجل الأمر عن ذلك وانحدر حرم البساسيرى واولاده وأصحابهم واهل الكرخ والمتشبهون في دجلة وعلى الظهر وبلغت اجرة السمارية الى النعمانية عشرة دنانير ونهب الاعراب والاكراد اكثر المشاة ولما وصل السائرون على الظهر الى صرصر غرق في عبورهم قوم منهم وبقى اكثرهم لم يعبروا فعطف عليهم بنو شيبان فنهبوهم وقتلوا اكثرهم وعروا نساءهم وتقطعت قطعة منهم في السواد وكان خروج أصحاب البساسيرى في اليوم السادس من ذي القعدة وكذلك كأن دخولهم الى بغداد في سادس ذي القعدة وكان تملكهم سنة كاملة وثارالها شميون واهل باب البصرة الى الكرخ فنهبوها وطرحوا النار في اسواقها ودورها واحترقت دار الكتب التي وقفها سابور بن اردشير الوزير في سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة وكان فيها كتب كثيرة واحترق درب الزعفراني وكان فيه الف ومائتا دينار لكل دار منها قيمة ونهبت الكوفة نيفا وثلاثين يوما
واما الخليفة فان مهارشا العقيلي صاحب الحديثة الذي كان مودعا عنده حلف له ووثق من نفسه في حراسة مهجته وان لا يسلمه الى عدو وكان قد تغير على البساسيرى لو عود وعده بها ولم يف له واجفل قريش في البرية مصعدا

الى الموصل بعد ان بعث الى مهارش يقول له قد علمت اننا اودعنا الخليفة عندك ثقة بأمانتك وقد طلبوه الآن وربما قصدوك وحاصروك وأخذوه منك فخذه وارحل به واهلك وولدك الى فانهم اذا علموا حصوله بأيدينا لم يقدموا على طرق العراق ثم تقرر الامر في عوده على قاعدة نكون معها سالمين ونقترح ما نريد من البلاء عوضا عن رده وما اروم تسليمه منك بل يكون في يدك علي جملته بحيث لا يمكن ان يؤخذ قهرا من ايدينا فقال مهارش للرسول قل له ان البساسيرى غدرني ولم يف بما ضمنه لي وبعثت بصاحبي الى بغداد وقلت له برئت من اليمين التي لكم في عنقي فأنفذوا وتسلموا صاحبكم الذي عندي فلم يفعل وعرف الخليفة خلاص رقبتي من اليمين التي كانت علي فاستحلفني لنفسه وتوثق مني بما لا يمكن فسخه وقال مهارش للخليفة الرأى الخروج والمضي الى بلد بدران بن مهلهل لننظر ما يجدد من امر هذا السلطان الوارد ونكون في موضع نأمن به وندبر امورنا بمقتضى الامر فما آمن ان يجئينا البساسيرى فيحضرنا فلا نملك اختيارنا فقال له افعل ما ترى
فسارا من الحديثة في يوم الاثنين الحادي عشر من ذي القعدة الى ان حصلا بقلعة تل عكبرا فلقيه ابن فرك هناك وسلم اليه ما انفذه السلطان وكتب الى السلطان يخبره الحال ويسأله انفاذ سرادق كبير وخيم وفروش وكان السلطان حينئذ قد وصل الى بغداد ففرح السلطان بذلك ونهب عسكر السلطان ما بقى من نهر طابق وباب البصرة وجميع البلد ولم يسلم من ذلك الاحريم الخليفة وكان اكثره خاليا واخذ الناس فعوقبوا واستخرجت منهم الاموال بانواع العذاب وتشاغل بعمارة دار المملكة فوقع النقض في اكثر ما سلم وبعث السلطان عميدا الملك ومن استعقله من الامراء والحجاب في نحو ثلثمائة غلام واصحبهم اربع عشرة بختية عليها السرادق الكبير والعدد من الخيم والخركاهات والآلات والفروش وستة ابغل عليها الثياب والاواني وبغلا عليه مهد مسجف وثلاثة افراس بالمراكب الذهب قال ابن فورك فاستقبلتهم فاستشرحني عميد الملك

ما جرى فشرحته فقال تقدم واضرب السرادق والخيم وانقل أمير المومنين من حيث هواليها ليقاه اليها وذا حضرنا فليؤخذ الاذن لنا ساعة كبيرة فسبقت وفعلت ذلك ودخل عميد الملك فأورد ما أوجب ايراده من سرور السلطان وابتهاجه بما يسره الله تعالى له من خلاصه وشكر مهارشا علي جميل فعله وسأل الخليفة السير فقال بل نستريح يومين ونرحل فقد لحقنا من النصب ما يجب ان يحلل بالراحة كما قال براء وكتب عميد الملك الى السلطان كتابا فشرح له ما جرى فيه واحب اخذ خط الخليفة علي رأسه تصديقا لما يتضمنه فلم يكن عنده دواة حاضرة فاحضر عميد الملك من خيمته داوة فتركها بين يديه واضاف اليها سيفا منتخبا وقال هذه خدمة محمد بن منصور يعنى نفسه جمع في هذه الدولة بين خدمة السيف والقلم فشكره الخليفة وأقاموا يومين ثم وقع الرحيل فوصلوا الى النهروان يوم الاحد الرابع والعشرين من ذي القعدة فأشعر السلطان بذلك فقال قولوا لأبي نصر يعنى عميد الملك يقيم الى ان ينزل الخليفة ويستريح ويصلى ويتناول الطعام ثم يعرفني حتى اجئ واخدمه
فلما جاء وقت العصر جاء عميد الملك فاخبر السلطان بعد ان استأذن له الخليفة فركب فلما وقعت عينه على السرادق نزل عن فرسه ومشى الى ان وصله فدخل فقبل الارض سبع مرات فأخذ الخليفة مخدة من دسته فطرحها له بين يديه وقال اجلس فأخذ المخدة نقبلها ثم تركها وجلس عليها واخرج من قبائه الجبل الياقوت الاحمر الذي كان لبني بويه فطرحه بين يديه واخرج اثنى عشرة حبة لؤلؤا كبارا مثمنة فقال ارسلان خاتون يعنى زوجة الخليفة تخدم وتسأل ان تسبح بهذه السبحة فقد انفذتها معي وكان يكلم عميد الملك وهو يفسره واعتذر عن تأخره عن الورود الى الحضرة الشريفة واستخلاص المهجة الكريمة بما كان من عصيان اخيه ابراهيم وقال كان من الاخوة الحسدة وقد جرت له بالعصيان عوائد عفوت عنه فيها فاطمعه ذلك فلما عاد فعله بالضرر على امير المؤمنين والدين والدولة العباسية خنقته بوترقوسه وشفع ذلك وفاة الأخ الأكبر داود فاحواجني الامر

الى ترتيب حتى رتبت اولاده مكانه فلم يمكن ان اصمد لهذه الخدمة ثم اعددت لأصل الى الحديثة واخدم المهجة الشريفة فوصل الى الخبر بما كان من تفضل الله تعالى في خلاصها وخدمة هذا الرجل يعني مهارشا بما ابان عن صحيح ديانته وصادق عقيدته وانا ان شاء الله امضي وراء هذا الكلب يعني البساسيرى واقتنصه وايمم الى الشام وافعل بصاحب مصر فيها ما يكون جزاء لفعل البساسيرى هاهنا فدعا له الخليفة وشكره وقلده بيده سيفا كان الى جنبه وقال انه لم يسلم مع امير المؤمنين وقت خروجه غير هذا السيف وقد تبرك به وشرفك بتقليده فتقلده وقبل الارض ونهض واستأذن للعسكر فاذن فدخل الاتراك من جوانب السرادق وكشفت اغطية الخركاه المضروبة على الخليفة حتى شاهدوه وخدموه وانصرفوا ووقع السير من غد والدخول الى بغداد
وتقدم الخليفة بضرب خيمة في معسكر السلطان وقال اريد أن اكون معه الى ان يكفي الله من امر هذا اللعين فما تأمن الخدمة الشريفة المقام في مكان لا يكون فيه فقال السلطان الله الله ما هذا مما يجوز ان يكون مثله ونحن الذي يصلح للحرب والسفر والتهجم والخطر دون امير المؤمنين واذا خرج بنفسه فأي حكم لنا وأي خدمة تقع منا وامتنع ان يجيبه الى ذلك فدخل الخليفة البلد وتقدم السلطان الى باب النوبي وقعد مكان الحاجب على دكنه الى ان ورد الخليفة والعسكر محنفون به ولم يكن في بغداد من يستقبله سوى قاضي القضاة وثلاثة انفس من الشهود وذلك لهرب الناس عن ابلد ومن بقي منهم فهو في العقوبات واثار النهب فلما وصل الى الدار اخذ لجام بغلته حتى وصل الى باب الحجرة وذلك في يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة فلما نزل الخليفة خدمة السلطان واستأذنه في المسير وراء البساسيرى فأذن له فانصرف وعبر الى معسكره فجاءه سرايا ابن منيع متقدم بني خفاجة فقال له الرأي ايها السلطان ان تنفذ معي الفي غلام من العسكر حتى امضى الى طريق الكوفة فاشغل البساسيرى عن الاصعاد الى الشام ويأخذه من عرقوب فلم يعجب السلطان ذلك الا انه خلع عليه واعطاه سبعمائة دينار

وانزل في العسكر
فلما انتصف الليل انتبه السلطان فاستدعى خمارتكين فقال له اعلم اني قد رأيت الساعة في منامي كأني قد ظفرت بالبساسيرى وقتلته وينبغي ان يسير عسكر اليه من طريق الكوفة كما قال سرايا فان نشطت انت فكن مع القوم فقال السمع والطاعة فسار وسار معه انوشروان وجماعة من الامراء وتبعهم السلطان في يوم الجمعة تاسع وعشرين من الشهر فاما مهارش فانه اقترح اقتراحات كثيرة فاطلق له السلطان طغرلبك عشرة آلاف دينار ولم يرض واما البساسيرى فانه اقام بواسط متشاغلا بجمع الغلات والتمور وحطها في السفن ليصعد بها الى بغداد مستهينا بالامور الى ان ورد عليه الخبر بانحدار اهله وولده ودخول الغز فاصعد الى النعمانية بالسفن التي جمع فيها الغلات فورد عليه الخبر بدخول السلطان بغداد فكاتب ابن مزيد ليجمع العرب ولم يتصوران السلطان نيته الانحدار فجاء ابن مزيد الى نصف الطريق ثم عاد ثم جاء ثم عاد خوفا وخورا فانحدر البساسيرى اليه وكان قد وكل بأبي منصور بن يوسف فأزال ابن مزيد التوكيل عنه وقال له هذا وقت التقبيح وكان البساسيرى شاكا في ابن مزيد مستشعرا منه الا ان الضرورة قادته اليه
وعلمت العرب ان السلطان نيته قصدهم وبوادي الشام فتفرقوا ولم يشعروا الا بورود سرية اليهم وذلك في يوم السبت ثامن ذي الحجة من طريق الكوفة فقال البساسيرى لابن مزيد الرأي كبسهم الليلة فانهم قد قدموا على كلال وتعب فامتنع وقال نباكرهم غدا فراسل انوشروان ابن مزيد والتمس الاجتماع معه فالتقى به فقال له انوشروان ان عميد الملك يقرئك السلام ويقول لك قد مكنت في نفسي السلطان من امرك ما جعلت لك فيه المحل اللطيف والمواقع المنيف وشرحت له ما انت عليه من الطاعة والولاء ويجب ان تسلم هذا الرجل ويسلم كل من في صحبتك فما الغرض سواه ولا القصد يتعداه لما اقترف من عظيم الجرم وان امتنعت واحتججت بالعربية وذمامها وحرمة

نزوله عليك فانصرف عنه ودعنا واياه فقال ما انا الا خادم السلطان مطيع الا أن للبدوية حكمها وقد نزل هذا الرجل على نزولا وما آثرته ولا اخترته بل كرهته وقد طال امر هذا الرجل والصواب ان نشرح في صلاح حاله واستخدمه فقال انوشروان هذا الصواب ونحن نبعد عنكم مرحلة وتبعدون عنا مثلها حتى لا يتطرق بعضنا الى بعض واراسل السلطان بما رأيته فانه على نية اللحاق بنا ولا شك في وصوله الى النعمانية وما نخالفك على شيء تراه وما في الرجلين الا من قصد خديعة صاحبه فأما ابن مزيد فانه اراد المدافعة بالحال لتحققه بانحدار السلطان حتى يبعد عنه السرية فيصعد الى البرية الى حيث يأمن الى حلته وعشيرته ويدبر امر انفصاله عن البساسيرى واما أنوشروان فأراد ان يبعد عن القوم ليفسخ لهم طريق الانصراف وعاد ابن مزيد فأخبر البساسيرى بما جرى فرد التدبير اليه وقال الامر امرك وتأهبت السرية واستظهرت بأخذ العلوفة ورحل البساسيرى وابن مزيد يوم الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة والاتراك يراصدونهم فلما ابعدوا عن اعينهم تبعوهم فحاربوهم فثبت البساسيرى وجماعته واسرع ابن مزيد الى اوائل الظعن ليحطه ويرد العرب الى القتال فلم يقبلوا منه واسر منصور وبدران وجماعة اولاد ابن مزيد وانهزم البساسيرى على فرسه فلم ينجه وضرب فرسه بنشابة فرمته الى الارض وادركه بعض الغلمان فضربه ضربة على وجهه ولم يعرفه واسره كمشتكين دواتي عميد الملك وحز رأسه وحمله الى السلطان وساق الترك الظعن واخذت اموال عظيمة عجزوا عن حملها وهلك من البغداديين الذين كانوا معهم خلق كثير واخذت اموالهم وتبددوا في البراري والآجام واخذت العرب من سلم
وقد ذكرنا ان اصحاب البساسيرى دخلوا الى بغداد في اليوم السادس من ذي القعدة وخرجوا منها في سادس ذي القعدة وكان ملكهم سنة كاملة واتفق اخراج الخليفة من داره يوم الثلاثاء ثامن عشر كانون الثاني ومقتل

البساسيرى يوم الثلاثاء ثامن عشر كانون الثاني من السنة الآتية وهذا من الاتفاقات الظريفة
ولما حمل الرأس الى السلطان حكى له الذي اسره انه وجد في جيبة خمسة دنانير واحضرها فتقدم السلطان الى ان يفرغ المنح من رأسه ويأخذ الخمسة دنانير ثم انفذه حينئذ الى دار الخلافة فوصل في يوم السبت النصف من ذي الحجة فغسل ونظف ثم ترك على قناة وطيف به من غد وضربت البوقات والدبادب بين يديه واجتمع من النساء والنفاطين وغيرهم بالدفوف ومن يغني بين يديه ونصب من بعد ذلك على رأس الطيار بازاء دار الخلافة ثم اخذ الى الدار
وعرض في يوم السبت المذكور من الجو انقضاض كواكب كثيرة ورعد شديد قبل طلوع الشمس بساعة وكان ذلك مفرطا
وهرب ابن مزيد الى البطيحة ونجا معه ابن البساسيرى وبنته واخواه الصغيران ووالدتهما وكانت العرب سلبتهم فاستهجن ابن مزيد ذلك وارتجع ما اخذ ثم هرب ابن البساسيرى الى حلب ثم توسط امر ابن مزيد مع السلطان فأطلق اولاده واخوته وحضر فداس البساط واصعد معه الى بغداد ونهب العسكر ما بين واسط والبصرة والاهواز
وفي هذا الشهر انفذ السلطان من واسط والدة الخليفة ووالدة الأمير ابي القاسم عدة الذين بن ذخيرة الدين ووصال القهرمانة وكن في أسر البساسيرى فتبعهم جمع كثير من الرجال والنساء المأخوذين في الوقعة
وفي هذا الشهر عول من الديوان علي بن ابي علي الحسن بن عبد الودود بن المهتدي في الخطابة بجامع المنصور بدلا من ابي الحسن محمد بن احمد بن المهتدي وعزلا له لاجل ما اقدما عليه في ايام البساسيرى من تولى الخطبة في هذا الجامع لصاحب مصر
قال محمد بن عبدالملك الهمذاني ولما عاد القائم من الحديثة لم ينم على وطاه ولم يمكن احد يقرب اليه فطوره وطهوره لانه نذر ان يتولى ذلك بنفسه وعقد مع الله

سبحانه العفو عمن اساء اليه والصفح وجمع من تعدى عليه فوفى بذلك واشرف في بعض الايام على البنائين والنجارين في الدار فرأى فيهم روز جاريا فأمر الخادم باخراجه من بينهم فلما كان في بعض الايام عاد فرآه معهم فتقدم الى الخادم ان يبره بدينار وان يخرجه ويتهدده ان عاد فاتاه الخادم فقتل ما رسم له وقال ان رأيناك هاهنا قتلناك فسئل الخليفة عن السبب فقال ان هذا الروزجاري بعينه اسمعنا عند خروجنا من الدار الكلام الشنيع وبعثنا بذلك الى المكان الذي نزلناه من مشهد باب التبن ولم يكفه ذلك حتى نقب السقف فاذا انا بغباره وتبعنا الى عقرقوف فبدر من جهله ما امسكنا عن معاقبته رجاء ثواب الله تعالى وما عاقبت من عصى الله فيك باكثر من ان تطيع الله فيه
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
266 - ارسلان ابو الحارث
ولقب بالمظفر وهو البساسيرى التركي كان مقدما علي الاتراك وكان القائم بأمر الله لا يقطع امرا دونه فتجبر وذكر عنه انه اراد تغيير الدولة ثم اظهر ذلك وخطب للمصري فجرى له ما ذكرنا في الحوادث الى ان قتل
267 - الحسن بن علي
ابن محمد بن خلف بن سليمان ابو سعيد الكتبي ولد سنة خمس وسبعين وثلثمائة سمع من ابن شاهين وغيره وكان صدوقا وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة
268 - الحسن بن ابي الفضل
ابو علي الشرمقاني المؤدب وشرمقان قرية من قرى نسا نزل بغداد وكان احد حفاظ القرآن العالمين باختلاف القراء ووجوه القراآت وحدث عن جماعة وكان صدوقا وجرت له قصة ظريفة رواها محمد بن الفضل الهمذاني عن ابيه قال كان الشرمقاني المقرىء يقرأ على ابن العلاف وكان يأوى الى مسجد بدرب

الزعفراني فانفق ان ابن العلاف رآه ذات يوم في وقت مجاعة وقد نزل الى دجلة واخذ من اوراق الحسن ما يرمى به اصحابه وجعل يأكله فشق ذلك عليه واتى الى رئيس الرؤساء فاخبره بحانه فتقدم الى غلام له بالمضي الى المسجد الذي يأوى اليه الشرمقاني وان يعمل لبابه مفتاحا من غير أن يعلمه ففعل وتقدم ان يحمل في كل يوم ثلاثة ارطال خبزا سميذا ومعها دجاجة وحلوى وسكر ففعل الغلام ذلك وكان يحمله على الدوام فاتى الشرمقاني في اول يوم فرأى ذلك في القبلة مطروحا ورأى الباب مغلقا فتعجب وقال في نفسه هذا من الجنة ويجب كتمانه وان لا اتحدث به فان من شرط الكرامة كتمانه وانشد
... من أطلعوه على سر فباح به ... لم يأمنوه على الاسرار ما عاشا ...
فلما استوت حاله وأخصب بدنه سأله ابن العلاف عن سبب ذلك وهو عارف به وقصد المزاح معه فأخذ يورى ولا يصرح ويكنى ولا يفصح ولم يزل ابن العلاف يستخبره حتى اخبره ان الذي يجد في المسجد كرامة نزلت من الجنة اذ لا طريق لمخلوق عليه فقال ابن العلاق يجب ان تدعو لابن المسلمة فانه هو الذي فعل ذلك فنغص عليه عيشه وبانت عليه شواهد الانكسار وتوفي الشرمقاني في صغر هذه السنة
269 - الحسين بن أبي عامر
علي بن ابي محمد بن أبي سليمان ابو يعلى الغزال حدث عن ابن شاهين وكان سماعه صحيحا وكان يسكن باب الشام وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة
270 - حمدان بن سليمان
ابن حمدان هو ابو القاسم الطحان حدث عن المخلص والكتاني قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقا توفي في ذي الحجة من هذه السنة
271 - عبيد الله بن احمد
ابن علي ابو الفضل الصيرفي يعرف بابن الكوفي سمع الكتاني والمخلص

اخبرنا القراز اخبرنا الخطيب قال كتبت عنه وكان سماعه صحيحا وكان من حفاظ القرآن والعارفين باختلاف القراآت ومنزله بدرب الدنانير من نواحي نهر طابق وسمعته يذكر أنه ولد في سنة سبعين وثلثمائة وتوفي في هذه السنة
272 - علي بن محمود
ابن ابراهيم بن ماخرة ابو الحسن الزوزني وكان ماحرة مجوسيا ولد ابو الحسن سنة ست وستين وثلثمائة وصحب ابا الحسن الحصري وروى عن ابي عبد الرحمن السلمي وصار شيخ الصوفية والرباط المقابل لجامع المنصور ينتسب الى الزوزني هذا وانما بني للحصري والزوزني صاحب الحصري فنسب اليه وكان يقول صحبت الف شيخ احدهم الحصري احفظ عن كل شيخ حكاية توفي الزوزني في رمضان هذه السنة ودفن بالرباط
273 - محمد بن علي بن الفتح
ابن محمد بن علي ابو طالب الحربي المعروف بالعشارى ولد في محرم سنة ست وستين وثلثمائة وكان جسده طويلا فقيل له العشارى لذلك وسمع من ابن شاهين والدارقطني وابن حبابة وخلقا كثيرا و كان ثقة دينا صالحا توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر جمادي الاولى من هذه السنة وقد اناف عن الثمانين ودفن بباب حرب
سنة 452
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها ان السلطان اصعد من واسط فدخل بغداد في يوم الخميس السابع عشر من صفر وجلس له الخليفة فوصل اليه يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر فخلع عليه وحمل الى دار الخليفة على رواق الروشن المشرف على دجلة بعد أن اعيدت شرافاته التي قلعها البساسيرى ورم شعثه في يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من هذا الشهر سماطا حضر السلطان طغرلبك والامراء اصحاب

الاطراف ووجوه الاتراك والحواشي وتبع ذلك سماط عمله السلطان في داره واحضر الجماعة في يوم الخميس ثاني ربيع الاول وخلع على الامراء من الغد وتوجه الى الجبل في يوم الأحد الخامس من الشهر وتأخر بعده عميد الملك لتدبير الامور ودخل الى الخليفة فودعه فشكره واعتد بخدمته ولقبه سيد الوزراء مضافا الى عميد الملك
وفي سادس عشرين هذا الشهر قبل قاضي القضاة ابو عبد الله الدامغاني شهادة ابي بكر محمد بن المظفر الشامي
وفي يوم الاربعاء ثالث جمادي الآخرة انقض كوكب عظيم القدر عند طلوع الشمس من ناحية المغرب الى ناحية المشرق فطال لبثه
وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادي الآخرة ورد الامير عدة الدين ابو القاسم عبدالله ابن ذخيرة الدين وجدته وعمته وسنه يومئذ اربع سنين مع ابي الغنائم ابن المحلبان واستقبله الناس وجلس في زبزب كبير وعلى رأسه ابو الغنائم الى باب الغربة قدم له فرس فحمله ابو الغنائم على كتفه فأركبه الفرس ودخل به الى الخليفة فشكره على خدمته له ثم خرج وكان ابو الغنائم ابن المحلبان قد دخل الى دار بباب المراتب في ايام البساسيرى فوجد فيها زوجة ابي القاسم بن المسلمة واولاده وكان البساسيرى شديد الطلب لهم فقالوا له قد تحيرنا وما ندري ما نعمل ولما استثرنا صاحبنا اين نأخذ يعنون ابن المسلمة قال مالكم غير ابن المحلبان فخلطهم بحرمه ثم اخرجهم الى ميا فارقين وجاء محمد الوكيل فقال له قد علمت ان ابن الذخيرة وبنت الخليفة ووالدتها يبيتون في المساجد وينتقلون من مسجد الى مسجد مع المكدين ولا يشبعون من الخبز ولا يدنؤن من البرد وقد علموا ما قد فعلته مع بنت ابن المسلمة فسألوني خطابك في مضائهم وقد ذكروا انهم اطلعوا ابا منصور بن يوسف على حالهم فأرشدهم اليك وكان البساسيرى قد اذكى العيون عليهم وشدد في البحث عنهم فلم يعرف لهم خبرا فقال ابن المحلبان لمحمد الوكيل واعدهم المسجد الفلاني حتى انفذ زوجتي اليهم تمشي بين ايديهم الى ان

يدخلوا دارها ففعل وحمل اليهم الكسوة الحسنة واقام بهم وخاطر بذلك فلما علموا بمجيء السلطان انزعجوا وقالوا ان خوفنا من هذا كخوفنا من البساسيرى لأجل ان خاتون ضرة لجدة هذا الصبي تكره سلامته فأخرجهم الى قريب من سنجار ثم حملهم الى حران فلما سكنت الثائرة مضى واقدمهم الى بغداد
وفي جمادي الآخرة وقع في الخيل والبغال موتان وكان مرضها نفخة العينين والرأس وضيق الحلق
وفي رجب وقف ابو الحسن محمد بن هلال الصابي دار كتب بشارع ابن ابي عوف من غربي مدينة السلام ونقل اليها نحو الف كتاب
وكان السبب ان الدار التي وقفها سابور الوزير بين السورين احترقت ونهب اكثر ما فيها فبعثه الخوف على ذهاب العلم ان وقف هذه الكتب
وفي شعبان ملك محمود بن نصر حلب والقلعة فمدحه ابن ابي حصينة فقال ... صبرت على الاهوال صبر أبن حرة ... فأعطاك حسن الصبر حسن العواقب ... واتعبت نفسا يا ابن نصر نفيسة ... الى أن اتاك النصر من كل جانب ... وانت امرؤتيني العلي غير عاجز ... وتسعى الى طرق الردى غير هائب ... تطول بمحمود بن نصر وفعله ... كلاب كما طالت تميم بحاجب
وعاد طغرلبك الى الجبل في هذه السنة بعد أن عقد بغداد واعمالها على ابي الفتح المظفر بن الحسين العميد في هذه السنة بمائة الف دينار ولسنتين بعدها بثلثمائة الف دينار فشرع العميد في عمارة سوق الكرخ وتقدم الى من بقي من اهلها بالرجوع اليها ونهاهم عن العبور الى الحريم والتعايش فيه وابتدأت العمارة ثم تزايدت مع الايام حتى عاد السوق كما كان دون الدروب والخانات والمساكن
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
274 - باي بن جعفر
ابن باي ابو منصور الحيلي الفقيه اخبرنا القزاز اخبرنا الخطيب قال سكن بالى

بغداد ودرس فقه الشافعي علي ابي حامد الاسفرائيني وسمع من ابي الحسن ابن الجندي وابي القاسم الصيدلاني وعبد الرحمن بن عمر بن حمة الخلال كتبنا عنه وكان ثقة وولى القضاء بباب الطاق وبحريم دار الخلافة ومات في المحرم سنة اثنتين وخمسين واربعمائة
275 - الحسن بن ابي الفضل
ابو محمد النسوي الوالي سمع الحديث من ابن حبابة والمخلص وحدث بشيء يسير وكانت له في شغله فظنه عظيمة وحدثني ابو محمد المقرىء قال كان اصحابه اصحاب الحديث اذا جاؤا الى ابن النسوي يقول ويلكم هذا سمعناه على ان يكون فينا خير وانه سمع ليلة صوت برادة تحط وكان ذلك في زمان الشتاء نأمر بكبس الدار فوجدوا رجلا مع امرأة فسألوه من اين علمت فقال برادة لا تكون في الشتاء وانما هي علامة بين اثنين قال واتى بجماعة متهمين فاقامهم بين يديه واستدعى بكوز ماء فلما جيء به شرب ثم رمى بالكوز من يده فانزعجوا الا واحد منهم فانه لم يتغير فقال خذوه فكانت العملة معه فقيل له من اين علمت فقال اللص يكون قوي القلب وشاع عنه انه كان يقتل اقواما ويأخذ اموالهم وقد ذكرنا فيما تقدم انه شهد قوم عند ابي الطيب الطبري على ابن النسوي انه قتل جماعة وان ابا الطيب حكم بقتله فصانع بمال فرق على الجند وسلم وتوفى في رجب هذه السنة
276 - قطر الندى
والده الخليفة القائم بامر الله هكذا اسماها ابو القاسم التنوخي وقال ابو الحسن بن عبد السلام اسمها بدر الدجى وقال غيرهما اسمها علم وكانت جارية ارمينية توفيت ليلة الحادي عشر من رجب وقدم تابوتها وقت المغرب فصلى عليها الخليفة بمن حضر في الرواق بصحن السلام بعد صلاة المغرب وحملت الى التراب بالرصافة وجلس للعزاء بها في بيت النوبة
277 - محمد بن الحسين
ابن محمد بن الحسن بن علي بن بكران ابو علي المعروف بالجازري النهرواني حدث

عن المعافي بن زكرياء وغيره وكان صدوقا وتوفي في ربيع الاول من هذه السنة
278 - محمد بن عبيد الله
ابن احمد بن محمد بن عمرو بن ابو الفضل البزار وكان من القراء المجودين وسمع ابا القاسم بن حبابة وابن شاهين والمخلص وغيرهم وانتهت الفتوى في الفقه على مذهب مالك اليه وكان دينا ثقة وقبل قاضي القضاة ابو عبدالله الدامغاني شهادته وتوفي في محرم هذه السنة
سنة 453
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها ان ارسلان خاتون زوجة الخليفة حملت الى السلطان طغرلبك في يوم البساسيرى على ما سبق ذكره فأريد ردها الى دار الخليفة والسلطان بعد ذلك ولا ينجزه ثم خطب طغرلبك بنت الخليفة لنفسه بعد موت زوجته وكانت زوجته سديدة عاقلة وكان يفوض امره اليها فأوصلته قبل موتها بمثل هذا واتفق ان قهرمانة الخليفة لوحت للسلطان بهذا وقد نسب الى عميد الدولة ايضا فبعث ابا سعد بن صاعد يطلب هذا فثقل الأمر على الخليفة وانزعج منه فأخذ ابن صاعد يتكلم في بيت النوبة بكلام يشبه التهدد ان لم تقع الاجابة فقال الخليفة هذا مالم تجر العادة به ولم يسم احد من الخلفاء مثله ولكن ركن الدين امتع الله به عضد الدولة والمحامي عنها وما يجوز ان يسومنا هذا ثم اجاب اجابة خلطها بالاقتراحات التي طن انها تبطلها فمنها تسليم واسط وجميع ما كان لخاتون من الاملاك والاقطاع والرسوم في سائر الاصقاع وثلثمائة الف دينار عينا منسوبة الى المهر وان يرد السلطان الى بغداد ويكون مقامه فيها ولا يحدث نفسه بالرحيل عنها فقال العميد ابو الفتح اما الملتمس وغيره فجاب اليه من جهتي عن السلطان ولو انه اضعافه فان امضيتم الامر وعقدتم العهد سلم جميعه وأما مجيء السلطان الى بغداد ومقامه فيها فهذا أمر لا بد من عرضه عليه واخذ رأيه فيه وندب

للخروج الى الرى في ذلك ابو محمد رزق الله بن عبد الوهاب واصحب تذكرة بذلك ورسم له الخطاب على الاستقصاء في الاستعفاء فان تم فهو المراد والا عرضت التذكرة وانفذ طراد بن محمد الزينبي نقيب الهاشميين في ذلك ايضا وانفذ ابو نصر غانم صاحب قريش بن بدران برسالة من الخليفة الى السلطان في معنى قريش واظهار الرضاعة والتقدم برد أعماله المأخوذة منه وكان قد بذل للخليفة عند تمام ذلك عشرة الآف دينار وحلف له الخليفة على صفاء النية وخلوص السريرة والتجاوز عما مضى فلما وصل القوم وقد حملوا معهم الخلع للسلطان فقام حين وضعت بين يديه وخدم ثم استحضروا في غد وطيف بهم في مجالس الدار حتى شاهدوا المفارس والآلات وقيل لهم هذا كله للجهة الملتمسة وكان من جملة ذلك بيت في صدره دست مؤزر ومفروش بالنسيج ووسطه سماط من ذهب فيه تماثيل الحكم والبلور والكافور والمسك والعنبر يوفي وزن ما في السماط على اربعمائة الف دينار وبيت مثله يوفي ما فيه على مائة الف دينار في اشياء يطول شرحها فاجتمع ابو محمد التميمي بعميد الملك وفاوضه في ذلك الامر وعرض عليه التذكرة فقال له هذه الرسالة والتذكرة لا يحسن عرضها فان الامتاع لا يحسن في جواب الضراعة ولا المطالبة بالاموال في مقابلة الرغبة في التجمل ومتى طرق هذا سمع السلطان حتى يعلم ان الرغبة في الشيء لا فيه والايثار للمال لا له تغيرت نيته وهو يفعل في جواب الاجابة اكثر مما يطلب منه فقال له ابو محمد الامر اليك ومهما رأيت فافعل فطالع السلطان بذلك فسروا علم الاكابر به ثم نقدم الى عميد الملك بأن ياخذ خط التميمي بذلك فراسله بان السلطان قد شكر ما أعلمته من خدمتك في هذا الامر وتقدم بالمسيرفيه واريد انه تكتب خطاك بذاك لأطلعه عليك فكتب خطه بمقتضى الرسالة والتذكرة فشق ذلك على عميد الملك
وفي يوم الثلاثاء ثاني ربيع الاول قبل قاضي القضاة ابو عبدالله الدامغاني شهادة الشريف ابي جعفر بن ابي موسى الهاشمي وابي علي يعقوب بن ابراهيم الحنبلي

وفي يوم الخميس لثمان بقين من جمادي الاولى وردت ارسلان خاتون الى دار الخلافة ومعها عميد الملك ابو نصر وقاضي الري وفي الصحبة المهر والجهاز الجديد وامر الوصلة بابنة الخليفة وبعث مائة الف دينار منسوبة الى المهر واشياء كثيرة من آلات الذهب والفضة والحلي والنثار والجواري والكراع والفان ومائتان وخمسون قطعة من الجوهر من جملتها سبعمائة وعشرين قطعة وزن الواحدة ما بين ثلاثة مثاقيل الى مثقال فبان للخليفة ان الشروط التي نشرها مع ابي محمد التميمي والاقتراحات لم يكن عنها جواب محرر والمهر انما حمل منه مائة الف وقبح للخليفة الامر من كل جهة وقيل ان تشنع فيه ما لا خفاء به اذ كان مالم تجربه عادة احد من الملوك بأحد من الخلفاء مثله فامتنع من العقد وقال ان اعفيت والا خرجت من البلد واطلق عميد الملك لسانه بالقبيح وقال قد كان يجب الامتناع في اول الامر ولا يكون اقتراح وتذكرة ثم غضب واخرج نوبه فضربها بالنهروان وسأله قاضي القضاة وابو منصور بن يوسف التوقف وكاتبا الخليفة وارهباه وساقا الامر الى العقد على ان يشهد عميد الملك وقاضي الري بحكم وكالتهما على نفوسهما انهما لا يطالبان بالجهة المطلوبة مدة اربع سنين ثم استفتى الفقهاء في ذلك فقال الحنفيون العقد يصح والشرط يلغو وقال الشافعيون العقد يبطل اذا دخله شرط ووصل عميدالملك الى الخليفة في ليلة الجمعة ثامن من جمادي الآخرة فوعظه ونهاه عما قد لج فيه فقال نحن نحضر جماعة من الواردين صحبتك ونرد هذا الأمر الى رأيك وتدبيرك فيظهر جلوسنا واجابتنا للخاص والعام وتكفينا انت بحسن نياتك في هذا الامر في الباطن ففيه الغضاضة والوهن ولم تجر لبني العباس بمثله عادة من قبل وجاء كتاب من السلطان الى عميد الملك يأمره بالرفق وان لا يخاطب في هذا الأمر الا بالجميل وذلك في جواب كتاب من الديوان الى خمارتكين يشتكي فيه مما يجري من عميدالملك ويؤمر باطلاع السلطان عليه فعاد جواب خمارتكين ان السلطان غير مؤثر لشي مما يجري ولا يكرهه على هذه الحال فبقيت الحال على ما هي عليه وعميد الملك يقول ويكثر

والخليفة يحتمل ويصبر وجاء يومأ الى الديوان بثياب بيض وتوسط الامر قاضي القضاء الدامغاني وابو منصور بن يوسف واستقر الأمر على ان كتب الخليفة لعميد الملك الناقذ استخلفناك على هذا الأمر ورضيا بك فيما تفعله مما يعود بمرضاتنا ومرضاة ركن الدين فاعمل في ذلك برأيك الصائب الموفق تزجية للحال ودفعا بالأيام وترقبا لأحد امرين اما قناعة السلطان بهذا الامر او طلب الاتمام فلا يمكن المحالفة ثم دخل عميد الملك يوما الى الخليفة ومعه قاضي القضاة وجماعة من الشهود وقال اسأل مولانا امير المؤمنين التطول بذكر ما شرف به ركن الدين الخادم الناصح فيما رغب فيه وسمت نفسه اليه ليعرفه الجماعة من رأيه الكريم وأراد ان يقول الخليفة ما يلزمه به الحجة بالاجابة ففطن لذلك فقال قد شرط في المعنى ما فيه كفاية والحال عليه جارية فانصرف مغتاظا ورحل في عشية يوم الثلاثاء السادس والعشرين من جمادي الآخرة ورد المال والجواهر والآلات الى همذان وبقي الناس رجلين من هذه المنازعة
وفي يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من جمادي الاولى على ساعتين منه انكسفت الشمس جميعها واظلمت الدنيا كلها وسقطت الطيور في طيرانها وكان المنجمون قد زعموا انه يبقى سدسها فلم يبق منها شيء وكان انجلاؤها على اربع ساعات وكسر ولم يكن الكسوف في غير بغداد واقطارها عاما في جميع الشمس
وفي رجب ورد رسول من عميد الملك يذكر ان كتاب السلطان ورد عليه بان الخليفة ان لم يجب الى الوصلة التي سألناها فطالبه بتسليم ارسلان خاتون اليك واعدها معك لأسير بنفسي واتولى الخطاب على هذا وانه أراد العود من الطريق لفعل ما رسم له من هذا فخاف ان لا ينضبط له العسكر اذا عادوا الى بغداد يقول اني قد اعدت هذا الرسول لحمل ارسلان خاتون الى دار المملكة الى حين اجتماعي بالسلطان واصلاح هذه القصة وكاتب ارسلان بمثل ذلك وبانتقالها عن الدار فتجدد الإنزاع والخوف ودافع الخليفة عن الجواب وتبسط اصحاب في اشياء توجب خرق الحشمة فاظهر الخلية الخروج من بغداد وتقدم باصلاح

الطيار فحل صفره ورم شعثه وانزعج الناس من ذلك وخافوا فنودي فيهم انه ما يبرح فسكتوا ثم جاء امر السلطان الى شحنته ببغداد يأمره بما يوجب دفع المراقبة وقيل في ذلك وهذا في مقابلة خرق حرمتنا ورد اصحابنا على اقبح حال والى سيده رسال بالانفصال عن الدار العزيزة والمقام في دار المملكة الى ان يرد من يسيرها وادخلوها أيديهم في الجواري فروسلوا بأن هذا يقبح فأمسكوا وفي يوم الخميس لاربع بقين من رجب خلع في بيت النوبة على طراد الزينبي وردت اليه نقابة العباسيين او تقلد نقابة الطالبين ابو الفتح اسامة بن ابي عبدالله ابن احمد بن علي بن أبي طالب العلوي وانحدر من بغداد الى البصرة واستخلف ببغداد اخاه وضمن ابو اسحاق ابراهيم بن علان اليهودي جميع ضياع الخليفة من واسط الى صرصر مذة سنة واحدة بستة وثمانين الف دينار وسبعة عشر الف كر وسبع مائة كر
وفي سابع رمضان رأى انسان زمن طويل المرض من نهر طابق رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام قائما مع اسطوانة وقد جاءه انفس فقالوا له قم فان رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم فقال لهم انا زمن ولا يمكنني الحركة فقالوا هات يدك واقاموه فأصبح قائما يمشي في حوائجه ويتصرف في امور
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
279 - احمد بن مروان
ابو نصر الكردي صاحب ديار بكر وميا فارقين لقبه القادر نصر الدولة فاستولى على الامور بديار بكر وهو ابن اثنين وعشرين سنة وعمر الثغور وضبطها وتنعم تنعما لم يسمع به عن احد من اهل زمانه وملك من الجواري والمغنيات ما اشترى بعضهن بخمسة آلاف دينار وشترى منهن بأربعة عشر الف وملك خمسمائة سرية سوى توابعهن خمسمائة خادم وكان يكون في مجلسه من آلات الجواهر ما تزيد قيمته على مائتي الف دينار وتزوج من بنات الملوك حملة وكان اذا قصده عدو يقول كم يلزمني من النفقة على قتال هذا فاذا قالوا

خسمون الفا بعث بهذا القدر او ما يقع عليه الاتفاق وقال ادفع هذا الى العدو واكفه بذلك وآمن على عسكره من المخاطرة وانفذ للسلطان طفرلبك هدايا عظيمة ومها الجبل الياقوت الذي كان لبني بويه وابتاعه من ورثة الملك ابي منصور بن ابي طاهر وانقذ مع ذلك مائة الف دينار عينا ووزر له ابو القاسم المغربي نوبتين ووزرله ابو نصر محمد بن محمد بن جهير ورجت الاسعار في زمانه وتظاهر الناس بالاموال ووفد اليه الشعراء وسكن عنده العلماء والزهاد ولغه ان الطيور في الشتاء تخرج من الجبال الى القرى فتصاد فتقدم بفتح الأهراء وان يطرح لها من الحب ما يشبعها فكانت في ضيافته طول عمره توفى في هذه السنة عن سبع وسبعين وقيل عبر الثمانين سنة وكانت امارته اثنتين وخمسين سنة
سنة 454
ثم دخلت سنة اربع وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه خرج في يوم الخميس غرة صفر ابو الغنائم بن المحلبان الى باب السلطان طغرلبك من الديون العزيز بالاجابة الى الوصلة وكان السبب ان الكتب وردت من السلطان الى بغداد وواسط والبصرة بادخال اليد في الاقطاع المفردة لوكلاء الدر العزيزة والحواشي والاصحاب والى اصحاب الاطراف وغيرهم بتعديد ما فعل من الجميل دفعة بعد دفعة وما كان من المقابلة في الرد عما وقعت الرغبة فيه على اقبح حال وخرج الكلام في ذلك الى ما ينافى مايكون بالطاعة ومقتضى الخدمة وقطعت المكاتبة الى الديون ووصل الكتاب الى قاضي القضاة عنوانه الى قاضي القضاة من شاهنشاه المعظم ملك المرشق والمغرب محي الاسلام خليفة الامام يمين خليفة الله امير المومنين فكان في الكتاب ان قاضي القضاة يعلم ان تلك الوصلة لم تكن جفوة قصدناها حتى يستوجب قبح المكافاة على جميع ما قدمناه من الماثرات وان كنا لا نؤهل للاجابة ولا نحض بالمساءة وليس يخفي على العوام ما قدمناه من الاهتمام واوجبناه من الانعام واظهرناه من التذلل والخضوع الذي ما كان لنا به عهد ظننا باننا نتقرب الى الله

تعالى بذلك فصارت كلها وبالا علينا ولكنا واثقين بصنع الله تعالى انه لا يضيع جميل أفعالنا ونرى سوء المغبة لمن يضمر سوأ فينا واقتضى الرأي استرداد جميع ما كان للديوان الخاص وقصر وكلاء تلك الجهة عنها ليقصر واعلى ما كان لهم يوم وردت راياتنا العراق فيجب ان نشير عليهم بالتخلية عنها وترك المراجعة فيها فانا لا نفيد غير الجدال والنزاع وقد خاطبنا الشيخ الزكي ابا منصور ابن يوسف بكتاب أشبعنا فيه القول فيجب أن يتأمله ويعمل به لئلا يتكرر الكلام والسلام وكتب في منصف شعبان سنة ثلاث وخمسين ثم ما زالت المشورة على الخليفة بما في هذا الامر قبل ان لا يتلافي فعين على أبي الغنائم بن المحلبان في الخروج الى السلطان واستسلال ما حصل في نفسه فقال متى لم يقترن بخروجي اليه اجابته الى غرضه من الوصلة كان قصدى زائدا في غيظه وتوقف عن الخروج ودافع واتسع الخرق بما قصد به الخليفة من الأذى فأجاب حينئذ مكرها بعد ان يمنع ثلاث سنين وكتب وكالة لعميد الملك في العقد وأذن في الوصول لقاضي القضاة ابي عبدالله الدامغاني وأبي منصور بن يوسف حتى شهدا بما سمعاه من الاجابة وخرج ابو الغنائم وورد بعد خروجه بخمسة ايام ركابية يكتب تتضمن رد الاقطاع الى وكلاء الدار العزيزة وكثر الاعتذار مما جره سوء المقدار من تلك الاسباب المكروهة والتقدم بانفاذ أبي نصر بن صاعد رسولا بخدمة وهدية ومشافهة بالتنصل مما جرى وشاع هذا فطابت النفوس ووقعت البشائر في الدار العزيزة وخلع منها على الركابية وضربت الدبادب والبوتات بين ايديهم وطيف بهم في البلد واعيد الاقطاع الى ايدي الوكلاء
وورد كتاب من عميد الملك الى ابي منصور بن يوسف يخبره بأن تلك اللوثة زالت من غير مذكر بل برأي رآه السلطان حشما لفالة تظهر أو وعد وبشمت وكوتب ابو الغنائم بن المحلبان بالتوقف حيث وصل من الطريق الى ان يصل ابو نصر بن صاعد ويصدر في صحبته على ما يقتضيه جوابه ورسم له طي ذلك وستره فوصله الأمر وهو بشهر زور فأقام متعللا بالأمطار والثلوج وجرح

ساقه ثم اظهر أن مادة قد نزلت فمنعته من الركوب
وفي ربيع الاول وكان ذلك في السابع عشر من آذار ورد سيل شديد ليلا ونهار فوقف الماء في الدروب وسقطت منه الحيطان واتصل المطر والغيم بقية آذار وجميع نيسان حتى لم يجد يوم ذاك وكان في اثنائه من البرد الكبار ما اهلك كثيرا من الثمار ووزنت واحدة فاذا فيها رطل وتحدث المسافرون انه كان مثل ذلك بفارس والجبال واعمال الثغور وانه قد ورد مطر ثمانين يوما متوالية ما طلعت فيها الشمس وجاء سيل على حلة الاكراد فاقلعتها وشوهدت الخيل المقيدة غرقى على رأس الماء وفي هذا الشهر زادت دجلة فبلغت الزيادة احدى وعشرين ذراعا ورمت عدة دور وعملت السكور على نهر معلى وباب المراتب وباب الازج والزاهر وخرج الخليفة من باب البشري الى دجلة ليلا وغمس القضيب النبوي في الماء دفعتين فكان ينقص ثم يزيد بعد وزادت تامرا اثنين وعشرين ذراعا وكسرا وتفجرت فيه بثوقه ودار الماء من جلولا وتامرا على الوحش فحصرها فلم يكن لها مسلك فكان اهل السواد يسبحون فيأخذونه بأيديهم فيحصل للواحد منهم في اليوم مائتي رطل لحما
وفي ربيع الآخر عطلت المواخير وغلقت ونودي بازالنهاو كان السبب انه كثر الفساد وشرب الخمر وشرب رجل يهودي وتغنى بالقرآن
ولما طالت ايام ابن المحلبان في تأخره ببلد شهرزور عن السلطان علم انه أمر بالتوقف فحرك الخليفة كتابا الى الجهة الخاتونية مع جابر بن صقلاب يتضمن اشتياقا اليها وايثار لمشاهدتها ورسم لها السير اليه والخروج من دار الخلافة على أي حال أوجبته ومضيق العذر في التأخر وكتاب الى الحاجب ترمس بملازمتها الى ان تسير وتردد الخطاب في السبب الموجب لذلك الى ان افصح به ابن صقلاب وانه بسبب تأخر ابي الغنائم بن المحلبان فقيل انما توقف لانتظارنا ابن صاعد الرسول الذي ذكرتم انفاذه الى بابنا لنسمع رسالته ويكون انقاذهما

جميعا وحيث تأخر ذلك واوجب هذا الاستشعار فنحن فكانت ابن المحلبان ونأمره بالاتمام ففعل ذلك
وفي يوم الخميس ثالث عشر شعبان كان العقد للسلطان على السيدة بنت الخليفة بظاهر تبريز فكتب ابن المحلبان الى الخليفة يخبره انه عمل سماط عظيم وانه قرىء نسخة التوقيع الشريف الى السلطان على الناس والسلطان حاضر وانه سلم الوكالة الى عميد الملك فقبلها ورفع يده بها الى السلطان فقام عند مشاهدتها وقبلها وقبل الارض ودعام اعادها الى عميد الملك فقرأها وقد رسم فيها تعيين المهر وهو اربعمائة الف دينار فارتفعت الأصوات بالدعاء للخليفة وعقد العقد ونثر الذهب واللؤلؤ وتكلم السلطان بما معناه الشكر والدعاء وانه المملوك الفن الذي قد سلم نفسه ورقه وما حوته يده وما يكسبه باقي عمره الى الخدمة الشريفة ونفذ في شوال خدمة للديوان العزيز تشتمل على ثلاثين غلاما اتراكا على ثلاثين فرسا وخادمين وفرس بمركب وسرج من ذهب مرصع بالجواهر الثمينة وعشرة آلاف دينار للخليفة وعشرة آلاف دينار لكريمته وعقد جوهر فيه نيف وثلاثون حبة في كل حبة مثقال وجميع ما كان الخاتون المتوفاة من الاقطاع بالعراق وثلاثة آلاف دينار لوالدتها وخمسة آلاف للامير عدة الذين فتولت ارسلان خاتون تسليم ذلك ووردت الكتب في ذي القعدة بتوجيه السلطان السلطان الى بغداد
وفي ذي الحجة كثر الارجاف بالسلطان طغرلبك ووفاته واختلط الناس الى ان جاءت البشارة بعد ايام بسلامته من مرض شديد
وفي هذه السنة عم الرخص جميع الاصقاع وبيع بالبصرة كل الف رطل تمر بثمانية قراريط
وفيها عزل ابو الفتح محمد بن منصور بن دارست عن وزارة القائم واقبل ابو منصور محمد بن محمد بن جهير من ميا فارقين وقد سفر له في الوزارة تقلدها ولقب فخر الدولة شرف الوزراء

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
280 - ثمال بن صالح
الملقب بمعز الدولة صاحب حلب كان كريما فأغنى اهل البلد وكان حليما بينا الفراش يصب عليه ضربت بلبلة الابريق ثنينة فسقطت في الطست فعفا عنه فقال له ابن ابي حصينة
... وسن العدل في حلب فأخلت ... بحسن العدل بقعته البقاعا ... حليم عن جرائمنا اليه ... وحي عن ثنيته انقلاعا ... مكارم ما افتدى فيها بخلق ولكن ركبت فيه طباعا ... اذا فعل الكريم بلا قياس ... فعا لا كان ما فعل ابتداعا ...
281 - الحسن بن علي
ابن محمد ابو محمد الجوهري ويعرف بابن المقنعي ولد في شعبان سنة ثلاث وستين وثلثمائة وكان يسكن درب الزعفراني وهو شيرازي الاصل وسمع الكثير واول املائه في رمضان سنة احدى واربعين وختم الاسناد وهو آخر من حدث عن ابي بكر بن مالك القطيعي وابن صالح الابهري وابن العباس الوراق وابن شاذان وابن ايوب القطان وابن اسحاق الصغار وعن ابي الحسن ابن كيسان النحوي وابن لؤلؤ أبي الحسن الجراحي وابن اسمعيل الانباري وابن أبي عزة العطار وابن العباس الرفاء وابن ابي القصب الشاعر وابيه ابي الحسن الجوهري وعن أبي عبيدالله الحسين بن الضراب وابن بطة وابن مروان الكوفي وابن مهدي الازدي وابن عبيد الدقاق وعن أبي القاسم الخرقي وابن جعفر المقرىء وطلحة الشاهد وعن ابي جعفر بن الجهم الكاتب وابن العباس الجوهري وعن ابي محمد ابن عبدالله بن ما هود الاصبهاني وعبد العزيز بن ابي صابر وعن أبي علي العطشي والفارسي وعن ابي العباس بن يعقوب المقرىء وأبي حفص جعفر بن علي القطان وأبي سعيد بن الوضاح وكان ثقة امينا وتوفي في ذي القعدة من السنة

ودفن في الجانب الشرقي من مقبرة باب أبرز
282 - الحسين بن ابي زيد
ابو علي الدباغ واسم أبي زيد منصور واصله من الصفد سمع سفيان بن عيينة وابا معاوية في آخرين روى عنه الباغندي وكان من الثقات
اخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز اخبرنا احمد بن علي بن ثابت قال اخبرنا محمد بن احمد بن يعقوب اخبرنا محمد بن نعيم الضبى قال سمعت ابا بكر محمد بن جعفر يقول سمعت ابا الحسن السراج يقول سمعت الحسين بن ابي زيد يقول رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقلت يا رسول الله ادع الله ان يحييني على الاسلام فقال لي والسنة وجمع ابهامه وسبابته وحلق حلقة وقال ثلاث مرات والسنة والسنة والسنة توفي في شوال هذه السنة
283 - سعد بن محمد
ابن منصور ابو المحاسن الجرجاني كان رئيسا في ايام والده في سنة عشر واربعمائة فدرس الفقه وتخرج علي يده جماعة وروى الحديث ووجه رسولا الى محمود بن سبكتكين فخرج وعقد له مجلس النظر في جميع البلدان بنيسابور وهراة وغزنة وقتل طلما باستراباذ في رجب هذه السنة
سنة 455
ثم دخلت سنة خمس وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها ان السلطان وصل الى ازاء القفص فعزم الخليفة على تلقيه فاستعفى فاعفى من ذلك فأخرج اليه الوزير ابو منصور فلما دخل العسكر نزلوا في دور الناس وأخرجوهم واوقدوا أخشاب الدور ليرد عظيم كان وكانوا يتعرضون لحرم الناس حتى ان قوما من الاتراك صعدوا الى جامات حمام ففتحوها وطالعوا النساء ثم نزلوا فهجموا عليهن فأخذوا من ارادوا منهن وخرج

الباقيات عراة الى الطريق فاجتمع الناس وخلصوهن من ايديهم فعلوا هذا بحمامين وجاء عميد الملك الى دار الخلافة وخدم عن السلطان فأوصله الخليفة وخاطبه بالجميل واعطاه عدة اقطاع ثياب تشريفا له وتردد الخطاب في نقل الجهة الى دار المملكة وبعث السلطان الى الجهة بخاتمه وكان ذهبا وعليه فص ماس وزنه درهمان وبعث جبتين في مسلحد ولازم عميد الملك المطالبة بها حتى بات في الديوان فكان مما قاله الخليفة يا منصور بن محمد انت كنت تذكر ان الفرض في هذه الوصلة التشرف بها والذكر الجميل وكنا نقول لك اننا ما نمتنع من ذاك الا خوفا من المطالبة بالتسليم وجرى ما قد علمته ثم اخرجنا ابن المحلبان وقرر معكم قبل العقد ما أخذ به خطك وانه ان كان يوما ما يطالبه برؤية واجتماع كان ذلك في الدار العزيزة النبوية ولم يسم اخراج هذه الجهة من دارنا فقال عميد الملك هذا جميعه صحيح والسلطان مقيم عليه وعازم على الانتقال الى هذه الدار العزيزة حسب ما استقر وهو يسأل ان يفرد لحجابه وغلمانه وخواصه فيها مواضع يسكنونها فما يمكنه بعدهم عنه فقطع بهذا الكلام الحجة ثم راجع وكرر الى ان استقر انتقالها الى دار المملكة على ان لا تخرج من بغداد وان تكون بها اذا سافر السلطان واحضر قاضي القضاة الدامغاني حتى استخلفه على الاجتهاد في ذلك
وحمل السلطان الى الخليفة مائة الف دينار ومائة وخمسين الف درهم واربعة آلاف ثوب فيها عشرة طميم كل ذلك منسوب اليه
وفي ليلة الاثنين خامس عشر صفر زفت السيدة ابنة الخليفة الى دار المملكة ونصب لها من دجلة الى الدار سرادق وضربت البوقات والكوسات عند دخولها الدار فجلست على سرير ملبس بالذهب ودخل السلطان اليها فقبل الارض لها وخدمها وشكر الخليفة وخرج من غير ان يجلس ولا قامت له ولا كشفت برقعا كان على وجهها ولا ابصرته وكان السلطان والحجاب ووجوه الاتراك يرقصون في صحن الدار فرحا وسرورا وانفذ لها مع ارسلان خاتون وكانت

قد مضت في صحبتها عقدين فاخرين وقطعة ياقوت احمر كبيرة ودخل من الغد فقبل الارض وخدمها وجلس على سرير ملبس بالفضة بازائها ساعة ثم خرج وانفذ اليها جواهر كثيرة مثمنة وفرجية نسيج مكللة بالحب وما زال على مثل ذلك كل يوم يحضر ويخدم فظهر منه سرور شديد من الخليفة تألم لم الزمه من ذلك وخلع السلطان في بكرة يوم الاثنين على عميد الملك وزاد في القابه جزاء على توصله الى هذا الامر واتصل في دار المملكة السماط اسبوعا ثم كان في يوم الاحد لتسع بقين من الشهر سماط كبير وخلع على جميع الامراء
وفي يوم الخميس تاسع ربيع الاول حضر عميد الملك بيت النوبة واستأذن للسلطان طغرلبك في الانصراف وللسيدة خاتون في المسير صحبته وانه يستردها مدة سنة اشهر فاذن الخليفة للسلطان ولم يأذن لارسلان وقال هذا لا يحسن وتردد من المراجعة ما أدى الى اذن الخليفة وكانت شاكية من اطراحه لها وانه لم يقرب منها منذ اتصل اليها
وانفذ للسلطان في يوم السبت حادي عشر الشهر خلع من حضرة الخليفة وخرج من الغد وهو ثقيل من علته مأيوس من سلامته واستصحب السيدة ابنة الخليفة معه بعد ان امتنعت فالزمها ولم يتبعها من دار الخلافة الا ثلاث نسوة برسم خدمتها ولحق والدتها من الحزن مالم يمكن دفعه عنها
وفي ليلة الاثنين لخمس بقين من ربيع الآخر انقض كوكب كبير كان له ضوء كبير وفي صبيحته جاءت ريح ومطر فيه برق متصل لحق منه قافلة وردت من دجيلة عند قبر احمد بن حنبل ما احرق واحدا من اهلها فمات من وقته وكان الموضع الذي احترق من جسمه وثوبه ابيض لم يتغير لونه فلما ارادوا قلع القميص عنه لم يتغير القميص في منظر العين ووجدوه عند مسه هباء منثورا
وفي ليلة الاربعاء لثمان يقين من شعبان رأت امرأة هاشمية في منامها النبي صلى الله عليه و سلم وعلي بن ابي طالب في مسجد صغير بالمأمونية من الحريم الشريف فقال له النبي صلى الله عليه و سلم مربهم ان يعمروا هذا المسجد فقالت

لا يصدقونني في رؤيتي لكم فمد يده الى حائط عقد هناك قديم مبني بالجص والآجر وهو من احد حيطان المسجد وجرآجرة من وسطها حتى برز بثلثها وقال لها هذا دليل على صدق قولك وصحة رؤياك
وفي هذا الشهر كانت زلزلة بأنطاكية واللاذقية وقطعة من بلاد الروم وطرابلس وصور واماكن من الشام ووقع من سور طرابلس قطعة
وورد الخير بموت طغرلبك الى بغداد من جهة السيدة ابنة الخليفة ليلة الاحد الرابع والعشرين من رمضان بأنه توفي في ثامن رمضان وشرى العيارون بهمذان فقتلوا العميد وسبعمائة رجل من اصحاب الشحنة واحضروا المخانيث بالطبول والزمور وأكلوا نهارا وشربوا على القتلى وكانوا كذلك بقية الشهر ولما توفي طغرلبك بعث الى عميد الملك الكندري وكان على سبعين فرسخا فجاء قيل ان يدفن واخذ البيعة لسليمان بن داود بن أخي طغرلبك وكان طغرلبك قد نص عليه وحط من القلعة سبعمائة الف دينار وكسر وستة عشر الف ثوب من ديباج وسقلاطون وسلاحا تساوى مائتي الف دينار ففرقها على العسكر فسكن الناس ولم يبق لهم خوف الا من الملك الب ارسلان وهو محمد بن داود فان العسكر مالوا اليه
وانتشرت في هذه الايام الاعراب في سواد بغداد وما حولها وقطعوا الطرقات وأخذوا ثياب الناس حتي في الزاهر واطراف البلد واستاقوا من عقر قوف من الجواميس ما قيمته ألوف دنانير وتحدث الناس بما عليه مسلم بن قريش من دخول بغداد والجلوس في دار المملكة وحصار دار الخلافة ونهبها فانزعج الناس وتعرض مسلم للنواحي الخاصة جميعها وقرر على اهلها مالا ونهب من امتنع من ذلك ونهب المواشي والعوامل وامتنعت الزراعة الا على المخاطرة وكثرت استغاثة اهل السواد على الابواب العزيزة وخرج العسكر لمقاومته فبعث يعتذر ويقول انا الخادم وكان عميدا الملك الجهة الخليفة بجواهر كانت للسلطان معها وذكر زيادة قيمتها وحاجته الى صرفها الى الغلمان فأنكرت ذلك فاعترض

نواحيها كذلك واقطاعها ثم استظهر عليها
وفي ذي الحجة كانت زلزلة بأرض واسط لبثت طويلا
وفي هذه السنة وقع موتان بالجدري والفجاءة ونقص في هذا الوقت الدور الباقية بمشرعة الزاويا والفرضة ومن بقايا المسنيات والدور الشاطية وغيرها شيء كبير واخذت اخشاب الدور وحملت الانقاض الى دار الخليفة فكانت عدة الدور ذوات المسنيات في الماء في سنة سبع واربعين واربعمائة عند دخول طغرلبك الى بغداد مائة ونيف وسبعين دارا
ووقع الوباء بمصر وكان يخرج منها في اليوم الواحد نحو الف جنازة وقبض على ابي الفرج المغربي وزير مصر ونظر ابو الفرج عبد الله بن محمد البابلي مدة ثم عزل
وفيها دخل صاحب اليمن مكة فأحسن السيرة وجلب اليها الاقوات وفعل الجميل
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
284 - الحسن بن علي
ابن علي بن حرام ابو النصر الجذامي ورد بغداد وتفقه على ابي حامد الاسفرائيني وسمع المخلص وانحدر الى البصرة فسمع سنن ابي داود من القاضي ابي عمر الهاشمي وحدث بالكثير وكان يرجع اليه في الفتاوى والمشكلات وتوفى بسرخس
285 - سعيد بن مروان
صاحب آمد توفى هذه السنة وقيل ان ابا الفرج الخازن سقاه السم باتفاق من نصر بن سعيد صاحب ميا فارقين فاحس سعيد وأمر بقتل ابي الفرج فقطع قطعا
286 - محمد بن احمد
ابن محمد بن حسنون ابو الحسين القرشي ولد في صفر سنة سبع وستين وتوفى

في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر هذه السنة قال ابو الفضل بن خيرون هو ثقة ثقة ثقة
287 - محمد بن ميكائيل
ابن سلجوق ابو طالب السلطان الذي يقال له طغرلبك واصله من جيل من التركمان وكان ابن سلجوق قد زوج ابنته من رجل يعرف بعلى تكين فاستفحل امرهما وافسدا على محمود بن سبكتكين فقصدهما فاما على تكين فأفلت من محمود وابن سلجوق فقبض عليه محمود وحصل من اصحابه اربعة الاف حركاه منتقلة في البلاد وتوفى محمود فاشتغل ابنه مسعود بلذاته فاجتمع اصحاب ابن سلجوق وشنوا الغارات على سواد نيسابور واستولى العيارون على نيسابور فورد طغرلبك فهذبها فمال اليه المستورون فحصل الاموال فسار مسعود طغرلبك حين استفحل امره فالتقيا فانهزم مسعود واستولى طغرلبك على خراسان وذلك في سنة ثلاثين وولى اخاه لامه ابراهيم ينال بن يوسف قهستان وخراسان وقصد بنفسه الرى فخربها اصحابه ووقع على دفائن واموال وفتح اصبهان سنة ثلاث واربعين واربعمائة واسطابها وعول على ان يجعلها دار مقامه ونقل اليها امواله من الرى وولى اخاه داود في سنة ثلاثين مرو وسرخس وبلخ الى نيسابور وولى ابن عمه الحسن بن موسى هراة وبوشنج وسحستان وكان قد كتب الى دار الخليفة في سنة وثلاثين كتابا الى عميد الرؤساء الوزير وخاطبه بالشيخ الاجل ابي طالب محمد بن ايوب فمضى في الجواب اليه من دار الخلافة اقضى القضاة ابو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردى ولقيه بجرجان فاستقبله على اربعة فراسخ اجلالا لرسالة الخليفة ثم أعطاه على التشريف الذي صحبه ثلاثين الف دينار وعشرين الف للخليفة وعشرة آلاف لحواشيه وسارت عساكر طغرلبك الى الاهواز فنهبوها ثم قدم بغداد وجلس له القائم وفوض اليه الاعمال وخاطبه بملك المشرق والمغرب وطغرلبك اول ملك من

السلجوقية وهو الذي بنى لهم الدولة وكان مدبرا حكيما يطلع على افعال تسوءه فلا يؤاخذ بها ولقد كتب بعض خواصه سوء سيرته الى ابي كالجار فرأى الملطفة ولم يعاتبه وبعث اليه ملك الروم اموالا كثيرة وقد ذكرنا فيما تقدم وذكرنا احواله على ترتيب السنين وكيف رد القائم من حديثه عانة وقتل البساسيرى وتزوج ابنة الخليفة وتوفى بالرى يوم الجمعة ثامن رمضان هذه السنة وكانت مملكته ثلاثين سنة وعمره سبعين
سنة 456
ثم دخلت سنة ست وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه لما افسدت الاعاريب في سواد بغداد واطرافها حملت العوام السلاح لقتالهم وكان ذلك سببا الى كثرة العيارين وانتشارهم في محرم هذه السنة
ووقع الارجاف بان السلطان الب ارسلان محمد بن داود بن ميكائيل وارد الى بغداد فغلت الاسعار ثم ورد الخبر ان السلطان الب ارسلان قبض على عميد الملك ابي نصر منصور بن محمد بن الكندري في عشية يوم السبت السابع من المحرم واخذ ماله ثم انفذ الى مروالروذ واعتقل بها وخلع على وزيره نظام الملك ابي علي الحسن بن اسحاق الطوسي في ذلك اليوم وروسلت السيدة ابنة الخليفة في الحال بالاذن لها في المسير الى بغداد وانفذ اليها خمسة آلاف دينار للنفقة فأبت ان تقبل فقبح لها ان ترد فقبلت ووصلت الى بغداد عشية يوم الاحد ثالث عشر ربيع الآخر واجتمع الناس لمشاهدة دخولها فدخلت ليلا وكان في صحبتها القاضي ابو عمر ومحمد بن عبد الرحمن فحضر بيت النوبة وسأل قاضي القضاة الدامغاني ان يكون جلوس هذا القاضي الوارد دونه فلم يجب وأمر أن يجلس على روشن بيت النوبة بمعزل من المجلس فقام هذا القاضي فخطب خطبة وصف فيها الب ارسلان وشكر وزيره نظام الملك ثم جلس وسلم الكتب الواصلة معه وكانت كتابين الى الخيفة وكتاب الى الوزير فخر الدولة أبي نصر بن جهير فخرج الجواب

يتضمن شكر السلطان الب ارسلان والاعتداد بخدمته في تسير السيدة وتقدم الى الخطباء باقامة الدعوة فقيل في الدعاء اللهم اصلح السلطان المعظم عضد الدولة وتاج الملة ابا شجاع الب ارسلان محمد بن داود فبعث عشرة آلاف دينار وزنا ومائتي ثوب ابريسمية انواعا وحوالة على الناظر ببغداد بعشرة آلاف اخرى وعشرة افراس وعشرة بغلات وقيل للسلطان في امر عميدا الملك وانه لا فائدة في بقائه غير مأمون ان يفسد فأمر بالمكاتبة الى مقدم مرو الروز بقتله وصلبه وانفذ ثلاثة غلمان لذلك
وبيعت في هذا الزمان دار بنهر طابق بثلاثة قراريط ويبعت دار بواسط بدرهم وفي ربيع الاول شاع ببغداد ان قوما من الاكراد خرجوا متصيدين فرأوا في البرية خيما سودا سمعوا فيها لطما شديدا وعويلا كبيرا وقائلا يقول قد مات سيدوك ملك الجن وأي بلد لم يلطم به عليه ولم يقم له فيه ماتم قلع اصله واهلك اهله فخرج النساء العواهر من حريم بغداد الى المقابر يلطمن ثلاثة ايام ويخرقن ثيابهن وينشرن شعورهن وخرج رجال من السفساف يفعلون ذلك وفعل هذا في واسط وخوزستان من البلاد وكان هذا فنا من الحمق لم ينقل مثله
ولما فرغت خلع السلطان سأل العميد ابو الحسن ان يجلس الخليفة جلوسا عاما لذلك فجلس يوم الخميس سابع جمادي الآخرة في البيت المستقبل بالتاج المشرف على دجلة واوصل اليه الوزير فخر الملك وتقدم بايصال العميد والقاضي ابي عمرو فدخلا فشافههما بتولية عضد الدولة واستدعى اللوائين فعقدهما بيده وسلمت الخلع بحضرته ورتب للخروج بالخلع ابو الفوارس طراد الزينبي وابو محمد التميمي وموفق الخادم وكتب معهم الى السلطان كتاب بتوليته ولقب العميد شيخ الدولة ثقة الحضرتين ولقب نظام الملك قوام الدين والدولة رضى امير المؤمنين وهو يذكر في تلك البلاد بخواجا بزرك
وفي يوم الجمعة الثاني عشر من شعبان هجم قوم من اصحاب عبد الصمد علي ابي على بن الوليد المدرس لمذهب المعتزلة فسبوه وشتموه لامتناعه من الصلاة في

الجامع وتدريسه لهذا المذهب فقال لهم لعن الله من لا يوثر الصلاة ولعن الله من يمنعني منها ويخيفني فيها ايماء اليهم والى امثالهم من العوام لما يعتقدونه في اهل هذا المذهب من استحلال الدم ونسبتهم الى الكفر وأوقعوا به وجرحوه وصاح صياحا خافوا اجتماع اهل الموضع معه عليهم فتركوه ثم اغلق بابه واتصل اللعن للمعتزلة في جامع المنصور وجلس ابو سعد بن ابي عمامة فلعن المعتزلة
وفي يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من رمضان جمع ابو عبد الله ابن جردة جمعا كثيرا من الضعفاء ليتصدق عليهم فكثروا فمنهم بواب باب المراتب فاثخنوه ضربا ففرق على نحو مائتي نفس قميصا ودرهمين درهمين ثم كثر الجمع وجاء النفاطون الركابية فخافهم على نفسه فرمى الثياب والدراهم عليهم ومضى فازدحموا فمات خمسة رجال واربع نسوة وصار الرجل يلقى الرجل فيقول كنت في وقعة ابن جردة فيقول نعم فيقول الحمد لله على سلامتك
وفي شوال ورد الخبر بغزاة السلطان ابي الفتح الروم وانه دخل بلدا عظيما كان لهم فيها سبعمائة الف دار والف بيعة ودير وقتل به مالا يحصى وأسر خمسمائة الف منهم
وفي ذي القعدة وكان تشرين الاول وامتد الى تشرين الثاني حدث وباء عظيم تفاقم بنهر الملك وتعدى الى بغداد وكان فيها حر شديد وفساد هواء وزيادة انداء وعدم التمر الهندي حتى بلغ الرطل منه اربع دنانير وكذلك الشيرخشك وخلع في ذي القعدة على النقيب ابي الغنائم المعمر بن محمد بن عبيدالله العلوي في بيت النوبة وقلد نقابة الطاليبين والحج والمظالم ولقب بالطاهر ذي المناقب وقرىء عهده في الموكب
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
288 - عبد الواحد بن علي
ابن برهان ابو القاسم النحوي كان مجودا في النحو وكان له اخلاق شرسة

ولم يلبس سراويلا قط ولا قبل عطاء احد وكان لا يغطي رأسه وذكر محمد بن عبد الملك كان ابن برهان يميل الى المرد الصباح ويقبلهم من غير ريبة قال المصنف وقوله من غير ريبة اقبح من التقبيل لأن النظر اليهم ممنوع منه اذا كان بشهوة فهل يكون التقبيل بغير شهوة قال ابن عقيل وكان يختار مذهب المرجيئة المعتزلة وينفي خلود الكفار ويقول قوله خالدين فيها ابدا اي ابدا من الآباد ومالا غاية له لا يجمع ولا يقبل التثنية فيقال ابدان وآباد ويقول دوام العقاب في حق من لا يجوز عليه التشفي لا وجه له مع ما وصف به نفسه من الرحمة وهو انما يوجد من الشاهد لما يعتري الغضبان من غليان قلبه للانتقام وهذا مستحيل في حقه سبحانه وتعالى قال ابن عقيل هذا كلام يرده على قائله جميع ما ذكره وذلك انه اخذ صفات الباري في صفات الشاهد وذكر ان المثير للغضب ما يدخل على قلب الغضبان من غليان الدم طلبا للانتقام واوجب بذلك منع دوام العقاب حيث لا يوجد في حقه سبحانه التشفي والشاهد يرد عليه ما ذكره لأن المانع من التشفي عليه الرأفة والرحمة وكلاهما رقة طبع وليس البارىء بهذا الوصف وليس الرحمة والغضب من اوصاف المخلوقين بشيء وهذا الذي ذكره من عدم التشفي كما يمنع الدوام يمنع ابتداء العقوبة اذا كان المحيل للدوام من عدم التشفي وفورة الغضب وغليان الدم كما يمنع دخوله في الدوام يمنع دخوله عليه ووصفه به فينبغي بهذه الطريقة ان يمنع اصل الوعيد ويحيله سبحانه كسائر المستحيلات لا يختلف نفس وجودها وداومها فلا افسد اعتقادا ممن أخذ صفات الله تعالى من صفاتنا وقاس افعاله على افعالنا والعقل اوجب قطعة من الشاهد فانه قادر ان يجعل القوت من النبات فجعله من الحيوان ينال بعد المه فأي افعاله ينطبق على افعالنا وأي اوصافه تلحق بأوصافنا قال المصنف وكان ابن برهان يقدح في اصحاب احمد ومن يخالف اعتقاد المسلمين اذ كلهم اجمعوا على خلود الكفار ولا ينبغي ان يؤثر قدحه في احد توفي في جمادي الآخرة من هذه السنة وقد اناف على الثمانين

سنة 457
ثم دخلت سنة سبع وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها ان اهل باب البصرة قلعوا باب مشهد العتيقة وأخذوه ليلا وكان من حديد فبحث عمن فعله حتى عرف واخذ منه
وفيها ان السلطان الب ارسلان نفذ الى عميد الملك تركيا فقتله
وفي جمادي الاولى عقد مسعود الرازي الحنفي حلقه بجامع المنصور وحضرها قاضي القضاة الدامغاني وجماعة الشهود الا القاضي أبا يعلى والشريف ابا جعفر فان قاضي القضاة استدعاهما فلم يحضرا ولم يفارقا حلقتهما
وفي ليلة الثلاثاء ثالث رمضان انقض كوكب عظيم وانبسط نوره كالقمر ثم تقطع قطعا واسمع دويا مفزعا
وفيها خرج جماعة من الحاج بخفر فعدوا بهم فرجعوا الى الكوفة بعد ان خاصموهم في ثامن ذي القعدة
وفي ذي الحجة بدىء بعمل المدرسة النظامية ببغداد ونقض لأجل بنيانها بقية الدور الشاطية بمشرعة الزوايا والفرضة وباب الشعير ودرب الزعفراني
وتوفي ابو منصور بن بكران حاجب الباب فولي مكانه ابو عبدالله المردوسي
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
289 - محمد بن احمد
ابن محمد بن علي ابو الحسين ابن الآبنوسي الصيرفي ولد سنة ست وسبعين وثلثمائة وروى عن الدارقطني وغيره وتوفي في هذه السنة وصلى عليه في جامع الشرقية ودفن في مقبرة باب حرب
290 - محمد منصور
ابو نصر الكندري وزير طغرلبك وكان يلقب عميد الملك منسوب الى كندر

طريثيت قرية من قراها وقد ينسب الكندري الى قرية يقال لها كندر قريبا من قزوين ومنها ابو غانم وابو الحسن ابنا عيسى بن الحسن الكندري سمعا ابا عبد الرحمن السلمي وكتبا تصانيفه ووقفا كتبا كثيرة وينسب الكندري الى بيع الكندر منهم عبد الملك بن سليمان ابو حسان سمع حسان بن ابراهي ذكره ابو سعيد بن يونس في تاريخ مصر وكان الكندري له فضل وله شعر وكان طغرلبك قد بعثه ليتزوج له امرأة فتزوجها فحصاه طغرلبك ثم اقره على خدمته فلما مات وتمكن الب ارسلان بعثه الى مرو الروذ فقيل له انه لا يؤمن فبعث غلمانا لقتله فدخلوا عليه فقال له احدهم قم فصل ركعتين وتب الى الله تعالى فقال ادخل اودع اهلي فقالوا افعل فدخل الى زوجته وارتفع الصياح وعلق الجواري به نشرن شعورهن وحثون التراب على رؤوسهن فدخل الغلام فقال قم قال خذ بيدي فقد منعني هؤلاء الجواري من الخروج فخرج الى مسجد هناك فصلى فيه ركعتين ثم مشي حافيا الى وراء المسجد فجلس وخلع فرجية سمورا عليه فأعطاهم اياها وخرق قميصه وسراويله حتى لا يؤخذا فجاؤا بشاروفة فقال لست بعيار ولا لص فأخنق والسيف اروح لي فشدوا عينيه بخرقه خرقه هو من طرف كمه وضربوه بالسيف واخذوا رأسه وتركوا جثته فأخذتها أخته فحملتها الى كندر بلده وكان عمر نيفا واربعين سنة
291 - ابو منصور بن بكران الحاجب
قد ذكرنا وفاته
سنة 458
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها ان اهل الكرخ اغلقوا دكاكينهم يوم عاشوراء واحضروا نساء فنحن على الحسين عليه السلام على ما كانوا قديما يستعملونه واتفق انه حمل جنازة رجل من باب المحول الى الكرخ ومعه الناحة فصلى عليها وناح الرجال

بحجتها على الحسين وانكر الخليفة على الطاهر ابي الغنائم المعمر بن عبيدالله نقيب الطالبين تمكينه من ذلك فذكر انه ان لم يعلم به الا بعد فعله وانه لما علم انكره وأزاله فقيل له لا تفسخ بعدها في شيء من البدع التي كانت تستعمل
واجتمع في يوم الخميس رابع عشر المحرم خلق كثير من الحربية والنصرية وشارع دار الرقيق وباب البصرة والقلائين ونهر طابق بعد ان أغلقوا دكاكينهم وقصدوا دار الخلافة وبين ايديهم الدعاة والقراء وهم يلعنون اهل الكرخ وازدحموا على باب الغربة وتكلموا من غير تحفظ في القول فراسلهم الخليفة ببعض الخدم اننا قد انكرنا ما انكرتم وتقدمنا بان لا يقع معاودة ونحن تغفل في هذا ما لا يقع به المراد فانصرفوا وقبض على ابن الفاخر العلوي في آخرين ووكل بهم في الديوان وهرب صاحب الشرطة لأنه كان اجاز لأهل الكرخ ما فعلوا وركب اصحاب السلطان فارهبوا العامة وقد كانوا على التعرض بأهل الكرخ وايقاع الفتنة واصل اهل الكرخ التردد الى الديوان والتنصل مما كان والاحتجاج بصاحب الشرطة وانه امرهم بذلك والسؤال في معنى المعتقلين فافرج عنهم ثامن عشر المحرم بعد ان خرج توقيع بلعن من يسب الصحابة ويظهر البدع وفي شهر ربيع الاول ولد بباب الازج صبية لها راسان ووجهان ورقبتان مفترقتان واربع ايد على بدن كليل ثم ماتت
وفي هذا الشهر مرض الامير عدة الدين ابو القاسم وتعدى ذلك الى الخليفة جده ولحق الناس من الانزعاج والارتياع امر عظيم لانه لم يكن بقي من يلتجأ اليه غير هذا الجناب فتفضل الله تعالى بعافيتهما فاجتمع العوام الى باب الغربة داعين وشاكرين الله تعالى على نعمة
وفي العشر الاول من جمادي الاولى ظهر في السماء كوكب كبير له في المشرق ذؤابة عرضها نحو ثلاثة اذرع وطولها اذرع كثيرة الى حد المجرة من وسط السماء مادة الى المغرب ولبث الى ليلة الاحد لست بقين من هذا الشهر وغاب ثم طهر في ليلة الثلاثاء عند الشمس قد استدار نوره عليه كالقمر فارتاع الناس

وانزعجوا ولما اعتم الليل رمى ذؤابة نحو الجنوب وبقى عشرة ايام حتى اضمحل ووردت كتب التجار من بعد بأن ستة وعشرين مركبا خطفت من سواحل البحر طالبة لعمان فغرقت في الليلة الاخيرة من طلوع هذا الكوكب وهلك فيها نحو من ثمانية عشر الف انسان وجميع المتاع الذي حوته وكان من جملته عشرة آلاف طبلة كافور
وفي جمادي الآخرة كانت زلزلة بخراسان لبثت اياما فصدعت منها الجبال واهلكت جماعة وخسفت بعدة قرى وخرج الناس الى الصحراء واقاموا هناك
وفي يوم الاحد تاسع جمادي خلع على فخر الدولة ابي نصر بن جهير بعد ان شافهه بما طاب به قلبه ورفع من مرتبته
وفي هذا اليوم عند مغيب الشمس وقع حريق بنهر معلى في دكان خباز فاحترق من باب الجديد الى آخر السوق الجديد في الجانبين وتلف من المال والعقار ما لايحصى ونهب الناس بعضهم بعضا وكان الذي احترق مائة دكان وثلاثة دور
وفي شعبان وقع قتال في دمشق فضربوا دار كان مجورا للجامع بالنار فاحترق جامع دمشق
وفي شعبان ذكر رجل من اهل سوق يحيى يقال له اخو جمادي وكانت يده اليسرى قد خبثت واشرف على قطعها انه رأى النبي صلى الله عليه و سلم في منامه كأنه يصلي في مسجد يدرب داود فدنا منه وأراه يده وسأله العافية فأمر يده عليها فأصبح معافى وانثال الناس لمشاهدته وكان يغمس يده في الماء فيقتسمونه وستأتي قصته مستوفاة فس السنة التي مات فيها ان شاء الله تعالى
ورخصت الاسعار في هذه السنة رخصا بينا حتى صار الكر الجيد من الحنطة بعشرة دنانير
وفي ليلة الاحد لأربع بقين من شعبان انقض كوكبان كان لأحدهما ضوء كضوء القمر وتبعهما في نحو ساعة بضعة عشر كوكبا صغارا الى نحو المغرب

وفي رمضان نقص الماء من دجلة فاستوعبه القاطول وتعلق نهر الدجيل عليه فهلكت الثمار وزادت الاسعار وامتنعت السفن من عكبرا واوانا من الانحدار فكان اقوام يعبرون الى اوانا بمداساتهم على الآجر غارت المياه في الآبار ببغداد
وفي هذا الشهر كسى جامع المنصور وفرش بالبواري فدخل فيه اربع وعشرون الف ذراع وثلثمائة منا خيوط واخذ الصناع الخياطين لها اجرتهم عشرين دينار
وفي شوال انفذ خادم خاص الى السلطان للتهنئة بسلامته في غزوته واقامة تشريفات عليه واضيف الى الخادم ابو محمد التميمي ورسم لهما الخطاب فيما يستعمله النظام مع حواشي الدار من التعرض لما في ايديهم والخطاب على التقدم الى السيدة ارسلان خاتون بالمسير الى دار الخلافة فقد طالت غيبتها واخرج الوزير ابو نصر حاجبا له مع الجماعة بقود وتحف
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
292 - احمد بن الحسين
ابن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي ابو بكر ولد سنة اربع وثمانين وثلثمائة وكان واحد زمانه في الحفظ والاتقان حسن التصنيف وجمع علم الحديث والفقه والاصول وهو من كبار اصحاب الحاكم ابي عبد الله ومنه تخرج وسافر وجمع الكثير وله التصانيف الكثيرة الحسنة وجمع نصوص الشافعي في عشر مجلدات وكان متعففا زاهدا وورد نيسابور مرارا وبها توفى ونقل تابوته الى بيهق في جمادي الاولى من هذه السنة
293 - الحسن بن غالب
ابن علي بن غالب بن منصور بن صعلوك ابو علي التميمي ويعرف بابن المبارك ولد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ست وستين وثلثمائة وصحب ابن سمعون اخبرنا ابو منصور القزاز اخبرنا ابو بكر احمد بن علي بن ثابت قال كان الحسن ابن غالب زوج بنت ابراهيم بن عمر البرمكي وحدث عن عبيدالله بن عبد الرحمن

الزهري وابن اخي سمي وغيرهما وكان له سمت وهيئة وظاهر صلاح وكان يقرىء فأقرأ بحروف في خرق بها الاجماع وادعى فيها رواية عن بعض الأئمة المتقدمين وجعل لها اسانيد باطلة مستحيلة فأنكر أهل العلم عليه ذلك الى ان استتيب منها وذكر انه قرأ على ادريس المؤدب وادريس قرأ على ابن شنبوذ وابن شنبوذ قرأ على ابي خالد وكل ذلك باطل لأن ابن شنبوذ لم يدرك ابا خالد وادريس لم يقرأ على ابن شنبوذ وادعى اشياء غير ذلك يتبين فيها كذبة واختلافه وقال ابو علي ابن البرداني كان الحسن بن غالب متهم في سماعه من ابي الفضل الزهري وجرت له امور مع ابي الحسن القزويني بسبب قراآت اقرىء بها عن ادريس وكتب عليه بذلك محضر وقال ابو محمد بن السمرقندي كان كذابا وتوفي في ليلة السبت العاشر من رمضان هذه السنة ودفن صبيحة تلك الليلة عند قبر ابراهيم الحربي
294 - عبد العزيز بن محمد
ابن الحسين بن محمد بن الفضل ابو القاسم القطان سمع المخلص وكان يسكن دار القطن وكان صدوقا وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة
295 - محمد بن الحسين
ابن محمد بن خلف بن احمد بن الفراء ابو يعلى ولد في محرم سنة ثمانين وسمع الحديث الكثير وحدث عن ابي القاسم بن حبابة واول ما سمع من ابي بكر الطيب بن علي بن معروف البزاز وعلى بن عمر الحربي واملي الحديث وهو آخر من حدث عن ابي القاسم موسى السراج وكان عنده مصنفات قد تفرد بها منها كتاب الزاهر لابن الأنباري حدث به ابن سويد عنه وكتاب المطر لابن دريد وكتاب التفسير ليحيى بن سلام وغير ذلك وكان من سادات وشهد عند قاضي القضاة ابي عبدالله بن ماكولا والدامغاني فقبلا شهادته

وتولى النظر في الحكم بحريم دار الخلافة وكان اماما في الفقه له التصانيف الحسان الكثيرة في مذهب احمد ودرس وافتى سنين وانتهى اليه المذهب وانتشرت تصانيفه واصحابه وجمع الامامة والفقه والصدق وحسن الخلق والتعبد والتقشف والخشوع وحسن السمت والصمت عما لا يعني واتباع السلف حدثنا عنه ابو بكر بن عبد الباقي وابو سعد الزوزني وتوفي في ليلة الاثنين وقت العشاء ودفن يوم الاثنين العشرين من رمضان هذه السنة وهو ابن ثمان وسبعين سنة وغسله الشريف ابو جعفر بوصية اليه وكان من وصيته اليه ان يكفن في ثلاث اثواب وان لا يدفن معه القبر غير ما غزله لنفسه من الاكفان ولا يخرق عليه ثوب ولا يقعد لعزاه واجتمع له خلق لا يحصون وعطلت الاسواق ومشى مع جنازته القاضي ابو عبدالله الدامغاني وجماعة الفقهاء والقضاة والشهود ونقيب الهاشميين ابو الفوارس طراد وارباب الدولة وابو منصور بن يوسف وابو عبدالله ابن جردة وصلى عليه ابنه وكان قد خلف عبيد الله وابا الحسن وابا حازم وافطر جماعة ممن تبعه لشدة الحر لأنه دفن في اليوم الثالث من آب وقبره ظاهر بمقبرة باب حرب قال ابو علي البرداني رأيت القاضي ابا يعلى فقلت له يا سيدي ما فعل الله بك فقال لي وجعل يعد بأصابعه رحمني وغفر لي ورفع منزلتي واكرمني فقلت بالعلم فقال لي بالصدق
سنة 459
ثم دخلت سنة تسع وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها ان السيدة ارسلان خانون زوجة الخليفة دخلت الى بغداد في جمادي الاولى وخرج الناس لتلقيها واستقبلها الوزير فخر الدولة على نحو فرسخ وخدمها بالدعاء على ظهر فرسه وحضر العميد ابو سعد المستوفى في بيت النوبة حتى قرئت الكتب الواردة في هذه الصحبة وهي مشتملة على التمسك بالطاعة والتصرف على قوانين الخدمة والاجابة الى المرسوم و خوطب فيها الوزير بالوزير الاجل بعد أن كان يكتب اليه الرئيس الاجل

وفي هذه الايام بنى ابو سعد المستوفى الملقب شرف الملك مشهد ابي حنيفة وعمل لقبره ملبنا وعقد القبة وعمل المدرسة بازائه وانزلها الفقهاء ورتب لهم مدرسا فدخل ابو جعفر ابن البياضى الى الزيارة فقال ارتجالا
... الم تر أن العلم كان مضيعا ... فجمعه هذا المغيب في اللحد ... كذلك كانت هذه الارض ميتة ... فأنشرها جود العميد أبي سعد ...
قال المصنف رحمه الله قرأت بخط ابي الوفاء بن ابي عقيل قال وضع اساس مسجد بين يدي ضريح ابي حنيفة بالكلس والنورة وغيره فجمع سنة ست وثلاثين واربعمائة وانا ابن خمس سنين او دونها بأشهر وكان المنفق عليه تركي قدم حاجا ثم قدم ابو سعد المستوفى وكان حنفيا متعصبا وكان قبر ابي حنيفة تحت سقف عمله بعض امراء التركمان وكان قبل ذلك وانا صبي عليه خربشت خاصا له وذلك في سني سبع او ثمان وثلاثين قبل دخول الغز بغداد سنة سبع واربعين فلما جاء شرف الملك ثلاث وخمسين عزم على احداث القبة وهي هذه فهدم جميع ابنية المسجد وما يحيط بالقبر وبنى هذا المشهد فجاء بالقطاعين والمهندسين وقدر لها ما بين الوف آجر وابتاع دورا من جوار المشهد وحفر اساس القبة وكانوا يطلبون الارض الصلبة فلم يبلغوا اليها الا بعد حفر سبعة عشر ذراعا في ستة عشر ذرعا فخرج من هذا الحفر عظام الاموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان اربعمائة صن ونقلت جميعها الى بقعة كانت ملكا لقوم فحفر لها ودفنت وخرج في ذلك الاساس شخص منتظم العظام له ريح كريح الكافور قال ابن عقيل فقلت وما يدريكم لعل النعمان قد خرجت عظامه في هذا العظام وبقيت هذه القبة فارغة من مقصود قال فبعث شرف الملك الى ابي منصور بن يوسف شاكيا مني وطالبه منه مقابلتي على ذلك فكان غاية ما قال لي بعد أن احضرني في خلوة يا سيدي ما نعلم كيف حالنا مع هؤلاء الاعاجم والدولة لهم فقلت يا سيدي رأيت منكرا فاشيا فما ملت نفرتي الدينية قال ابن عقيل وكانت العمارة في سنة تسع وخمسين وساجد وابوابه غصب من بعض

بيع سامرا فما عند هؤلاء من الدين خبر
اخبرنا محمد بن ناصر الحافظ انبأنا ابو الحسين المبارك ابن عبد الجبار الصيرفي قال سمعت ابا الحسين ابن المهتدى يقول لا يصح أن قبر ابي حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه القبة وكان الحجيج قبل ذلك يردون ويطوفون حول المقبرة فيزورون ابا حنيفة لا يعينون موضعا
وفي شعبان هبت ريح حارة فقتلت بضعة عشر نفسا كانوا مصعدين من واسط وخيلا كثيرة واهلكت ببغداد شجر الاترج والليمون
وفي ليلة الاحد سلخ شعبان ان احترقت تربة معروف الكرخي وكان السبب ان القيم بها كان مريضا فطبخ له شعير فبعدت النار الى خشب وبواري هناك وارتفعت الى السقوف فأتت على الكل فاحترقت القبة والساباط وجميع ما كان ثم أمر القائم بأمر الله بعمارة المكان
وفي شوال لحق الدواب موتان وانتفخت رؤوسها واعينها حتى كانوا يصيدون حمر الوحش بأيديهم فيعافبون اكلها ووقع عقيب ذلك بنيسابور واعمال خراسان الغلاء الشديد والوباء المفرط وكذلك بدمشق وحلب وحران
وفي هذه السنة قبل قاضي القضاة ابو عبدالله الدامغاني شهادة الشريف ابي الحسن محمد بن علي بن المهتدي وابي طاهر عبد الباقي ابن محمد البزار وفي يوم السبت عاشر ذي القعدة جمع العميد ابو سعد القاشي الناس على طبقاتهم الى المدرسة النظامية التي بناها نظام الملك ببغداد للشافعية وجعلها برسم ابي اسحاق الشيرازي بعد أن وافقه على ذلك فلما كان يوم اجتماع الناس فيها وتوقعوا مجيء ابي اسحاق فلم يحضر فطلب فلم يظهر وكان السبب ان شابا لقيه فقال يا سيدنا تريد تدرس في المدرسة فقال نعم فقال وكيف تدرس في مكان مغصوب فغير نيته فلم يحضر فوقع العدول الى ابي نصر بن الصباغ فجعل مكانه وضمن له ابو منصور بن يوسف ان لا يعدل عنه ولا يمكن ابو اسحاق من الافساد عليه فركن الى قوله فجلس وجرت مناظرة وتفرقوا واجرى للتفقهة لكل واحد

اربعة ارطال خبز كل يوم وبلغ نظام الملك فاقام القيمة على العميد وظهر ابو اسحاق في مسجد بباب المراتب فدرس على عادته فاجتمع الناس فدعوا واثنوا عليه وكان قد بلغ اليهم انه قال اني لم اطب نفسا بالجلوس في هذه المدرسة لما بلغني ان ابا سعد القاشي غصب اكثر آلاتها ونقض قطعة من البلد لاجلها ولحق أصحابه غم وراسلوه لما عرضوا فيه بالانصراف عنه والمضي الى ابن الصباغ ان لم يجب الى الجلوس في المدرسة ويرجع عن هذه الاخلاق الشرسة فأرضاهم بالاستجابة تطيبا لقلوبهم وسعوا وهو ايضا في ذلك الى ان استقر الأمر في ذلك له وصرف ابن الصباغ فكانت مدة مقامه بها عشرين يوما وجلس ابو اسحاق فيها في عشرذي الحجة وكان اذا حضر وقت الصلاة خرج منها وقصد بعض المساجد فأداها
انبأنا ابو زرعة طاهر بن محمد المقدسي عن ابيه قال سمعت ابا القاسم منصور بن محمد بن الفضل وكان فقيها متورعا يقول سمعت ابا علي المقدسي ببغداد يقول رأيت ابا اسحاق الشيرازي في المنام فسألته عن حاله فقال طولبت بهذه البينة يعني المدرسة النظامية ولولا اني ما اديت فيها الفرض لكنت من الهالكين وفي هذه السنة عقدت البصرة وواسط على هزار سب بثلثمائة الف دينار
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
296 - عبد الكريم بن علي
ابن احمد ابو عبدالله التميمي المعروف بالسنى القصري من قصر ابن هيبرة ولد سنة احدى وسبعين وثلثمائة سكن بغداد وحدث بها عن ابي محمد بن الاكفائي كان صدوقا وقاد بنا كثير التلاوة بالقرآن وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب
297 - محمد بن اسمعيل
ابن محمد ابو علي القاضي من اهل طوس ولي القضاء بطوس ولقب بالعراقي

لظرافته وطول مقامه ببغداد وكان فقيها فاضلا مبرزا بفقهه ببغداد اختل الى ابي محمد الباقي ثم ابي حامد الاسفرائيني وسمع الحديث من ابي طاهر المخلص وتوفي في هذه السنة
سنة 460
ثم دخلت سنة ستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه خلع على ابي القاسم عبدالله بن احمد بن رضوان في دار الخلافة الخلع الكاملة والطيلسان ورد اليه النظر في المارستان
وبنيت تربة قبر معروف في ربيع الاول وعقد مشهده ازاجا بالجص والآجر وفي جمادي الاولى كانت زلزلة بارض فلسطين اهلكت بلد الرملة ورمت شرافتين من مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولحقت وادي الصفراء وخيبر وانشقت الارض عن كنوز من المال وبلغ حسها الى الرحبة والكوفة وجاء كتاب بعض التجار في هذه الزلزلة ويقول انها خسفت الرملة جميعها حتى لم يسلم منها الادربان فقط وهلك منها خمسة عشر الف نسمة وانشقت الصخرة التي ببيت المقدس ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى وغار البحر مسيرة يوم وساح في البر وخرب الدنيا ودخل الناس الى ارضه يلتقطون فرجع اليهم فأهلك خلقا عظيما منهم قال المصنف وقرأت بخط ابي علي بن البناء قال اجتمع الاصحاب وجماعة الفقهاء واعيان اصحاب الحديث في يوم السبت النصف من جمادى الاولى من سنة ستين بالديوان العزيز وسألوا اخراج الاعتقاد القادري وقراءته فأجيبوا وقرىء هناك بمحضر من الجمع وكان السبب ان ابن الوليد المعتزلي عزم على التدريس وحرضه على ذلك جماعة من اهل مذهبه وقالوا قد مات الاجل ابن يوسف وما بقي من ينصرهم فعبر الشريف ابو جعفر الى جامع المنصور وفرح اهل السنة بذلك وكان ابو مسلم الليثي البخاري المحدث معه كتاب التوحيد لابن حزمة فقرأه على الجماعة وكان الاجتماع يوم السبت في الديوان لقراءة الاعتقاد القادر والقائمي وفيه قال السلطان وعلى الرافضة لعنة الله

وكلهم كفار قال ومن لا يكفرهم فهو كافر ونهض ابن فورك قائما فلعن المبتدعة وقال لا اعتقاد لنا الا ما اشتمل عليه فشكرته الجماعة على ذلك وكان الشريف ابو جعفر والزاهد ابو طاهر الصحراوي وقد سألا أن يسلم اليهم الاعتقاد فقال لهما الوزير ابن جهير ليس هاهنا نسخة غير هذه ونحن نكتب لكم نسخة لنقرأ في المجالس فقال هكذا فعلنا في ايام القادر قرىء في المساجد والجوامع وقال هكذا تفعلون فليس اعتقاد غير هذا وانصرفوا شاكرين
وفي يوم الاحد سابع جمادي الآخرة قرأ الشريف ابو الحسين بن المهتدي الاعتقاد القادري والقائمي بباب البصرة وحضر الخاص والعام وكان قد سمعه من القادر وفي يوم الثلاثاء ثامن ذي القعدة خرج توقيع الخليفة الى الوزير فخر الدولة ابي نصر محمد بن محمد بن جهير متضمنا بعزله بمحضر من قاضي القضاة الدامغاني وعددت فيه ذنوبه فمنها انه قيل له انك بدلت اشياء في الخدمة فوفيت توفيت بالبعض ومنها انك تحضر باب الحجرة من غير استئذان وقد قلت ما يجب ان يدخل هذا المكان غيري ومنها انك لبست خلع عضد الدولة في الدار العزيزة في اشياء اخر وقيل له انظر الى اي جهة تحب ان تقصد لنوصلك اليها فبكى في الجواب بكاء شديدا وقلق قلقا عظيما واعتذر عن كل ذنب بما يصلح وقال اذا رؤى ابعادي فاذا حلة ابن مزيد وبعد فانا اضرع الى العواطف المقدسة في اجرائي على كريم العادة المألوفة في ترك المواخذة فخرج الجواب عن الفصل الأخير المتعلق بالمسير الى الحلة بأن الامر يجري عليه واطرح جواب مساعده ثم اذن له في بيع غلاته والتصرف في ماله وباع اصحابه ما لهم من الرحل والقماش وطلقوا النساء وظهر من الاغتمام عليه من جميع اهل دار الخليفة الامر العظيم وكانوا يحضرون عنده فيبكي ويبكون وخرج غلمانه واصحابه في يوم الخميس عاشر ذي القعدة وقدم له وقت العتمة من ليلة الجمعة سميرية خالية من فرش وبارية وجاء هو وأولاده حتى وقف عند شباك المدورة وظن ان الخليفة في الشباك فقبل الارض عدة دفعات وبكى بكاء شديدا وقال الله بيني وبين من ثقل قلبك علي يا أمير المؤمنين فارحم

شيبتي واولادي وذلي وموقفي وارع لحرمتي فلما يئس نزل الى دجلة معضدا بين نفسين وهو يبكي العامة تبكي لبكائه وتدعو له فيرد عليهم ويودعهم ثم اعيد الى الوزارة بشفاعة دبيس بن مزيد
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
298 - خديجة بنت محمد
ابن علي بن عبدالله الواعظة المعروفة بالشاهجانية ولدت سنة اربع وسبعين وثلثمائة وروت عن ابن سمعون وابن شاهين وكانت صادقة صالحا تسكن قطيعة الربيع وتوفيت في هذه السنة ودفنت الى جنب ابن سمعون وكانت قد صحبته
299 - عبدالملك بن محمد
ابن يوسف ابو منصور الملقب بالشيخ الأجل ولم يكن في زمانه من يخاطب بالشيخ الاجل سواه ولد في سنة خمس وتسعين وثلثمائة وسمع ابا عمر بن مهدي وابا الحسن بن الصلت وابا الحسين بن بشران وغيرهم وكان اوحد اهل زمانه في فعل المعروف والقيام بامور العلم والنصرة لاهل السنة والقمع لاهل البدع وافتقاد المستورين بالبر ودوام الصدقة وكان اذا وصله احد وصل في سر حيث لا يراه احد فاذا شكره المعطي قال انما انا في هذه العطية وسيط وليست من مالي ولما انحدر البساسيرى الى واسط اخذ اين يوسف معه فنزل على رجل طحان فلما رحل عنه اعطاه شيئا ثم مضت مدة فركب الطحان ديون فقصد بغداد ودخل على ابن يوسف فاكرمه وافرد له حجرة وكساه وامر بعض اصحابه ان يسأله سبب قدومه فأخبره فحدث ابن يوسف بذلك فارسل رجلا الى واسط واكترى له سفينة وحمل فيها ما يصلح حمله من الفواكة والتحف وكسوة كبيرة واعطاه مائتي دينار وقال له ناد في الجامع من له دين على فلان فليحضر ومعه وثيقته فاذا حضروا فعرفهم فقره وان رجلا اقرضه شيئا ليصالحوه على بعض ديونهم ففعل ذلك واشهد عليهم بالقبض وحمل تلك التحف الى بيت الطحان وعاد الطحان

فظن ان ابن يوسف قد نسيه فأحضره وسأله عن سبب قدومه فأخبره الوثائق واعطاه مائة دينار قال المصنف رحمه الله قرأت بخط ابي الوفاء بن عقيل قال كان ابو منصور بن يوسف عين زماننا وكان قد انتقد اهل زمانه فاستعمل كل واحد منهم فيما يصلح لهم فاستعمل للحجر والباعة افره من وجد من الاحداث الاقوياء الشطار فما قهر على رأي ولا كسر له غرض في بيع واستعمل في اقامة الديانة الحنابلة مشايخ افراد زهاد متنزهين عن معاشرة السلاطين ومكاثرة ابناء الدنيا يقصدون ولا يقصدون العوام تعظمهم وتحبهم والسلاطين توقرهم واخذ بالعطاء والكفاية اصحاب عبد الصمد وهم اصحاب المساجد والزهاد واستعبد القصاص والوعاظ واكرم بني هاشم والاشراف بالعطاء الجزيل ثم عطف على الشحن والعمداء والعرب والتركمان فعقدعهم باللطائف والهدايا فصار في الحشمة والمحبة الذي لا يناله احد فاحتاج الى جاهه الخلفياء والملوك وما كان يسمع منه كلمة تدل على فعل فعله ولا انعام اسداه ولا منة على احد وصمد لحوائج الناس وكان يعظم من يقصده في حاجة اكثر من تعظيمه من يقصده في غير حاجة وتولى ابن يوسف المارستان وهو لا يوجد فيه دواء ولا طبيب والمرضى ينامون على بواري النقض فطبقه بخمسه وعشرين الف طابق ورتب فيه ثمانية وعشرين طبيبا وثلاثة خزان وابتاع له املاكا نفيسة وكان مقدما عند السلاطين ولقد ماتت ابنته وكانت زوجه ابي عبداله بن جردة فتبعها الاكابر والقضاة ومشوا بعض الطريق وجاءت صلف القهرمانة بطعام وشراب من عند الخيلفة وتوفي ابن يوسف في داره بباب المراتب يوم الثلاثاء ودفن يوم الاربعاء لاربع عشرة من محرم هذه السنة بقبر احمد وابيه وجده لأمه أبي الحسين بن السوسنجردى وغسله القاضي ابو الحسين بن المهتدي وصلى عليه ابنه ابو محمد الحسن داخل المقصورة وتبعه مائة الف رجل سوى النساء وعطلت اسواق بغداد قال محمد بن الفضل الهمذاني حدثني رجل من اهل النهروان ان ابن يوسف كان يعطيه كل سنة عشرة دنانير فأتى بعد

وفاته الى ابن رضوان فأذكره بها فأعرض عنه فألح عليه فقال له اطلب ممن كان يعطيك فمضى الى قبر ابن يوسف وجلس عنده يترحم عليه ويقرأ القرآن فوجد عنده قرطاسا فيه عشرة دنانير فأخذه وجاء الى ابن رضوان فعرفه الحال فتعجب وتفكر فذكر انه زار ا لقبر وفي صحبته كواعذ فيها دنانير قد اعدها للصداقة فسقط احدها فقال ابن رضوان خذه ولن اقطعك اياه كل سنة ما دمت حيا ومن العجائب ما ذكره هبة الله بن المبارك السقطي قال توفى الأجل ابو منصور بن يوسف فورث عنه ابناه ثلاثين الف دينار فتزوجها بابنتين على ابن جردة ورثتا عن ابيهما ثلاثين الف دينار عقارا وعينا فانفق الجماعة ذلك في ايسر زمان حتى ظل قوم منهم يتكففون الناس
300 - ابو جعفر الطوسي
فقيه الشيعة توفي بمشهد امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
461
- ثم دخلت سنة احدى وستين واربعمائه
فمن الحوادث فيها ان الرغبات في الوزارة زادت فطلبها من لا يصلح واستقر أمر ابن عبد الرحيم فكتب العوام الرقاع والصقوها في الجامع باللعن لمن يسعى في هذا لان ابن عبد الرحيم كان مع البساسيرى نهب الحرم وقالت خاتون للخليفة هذا الرجل من جملة من نهبني وكان ابن جهير يواصل السؤال في العفو عن نفسه وتكلمت القهرمانة في حقه وبذل عنه خمس عشرة الف دينار فوقعت الاجابة واعفى من المال وبعث حاجب الباب ابو عبدالله المردوسي ومعه خادمان لاستدعائه فاقبل الى بغداد في يوم الاربعاء ثاني عشر صفر وفرح الناس بمجيئه حتى صام بعضهم وتصدق وصعد الخليفة الى المنظرة التي على الحلبة لمشاهدته فلما نزل الى هناك نزل تحتها وقبل الارض ودعا ثم ركب والعوام حوله فلما وصل الى باب النوبي نزل فقبل العتمة ثم دخل الى الديوان وانتهى حضوره

فخرج في التوقيع وقف على ما انهبته وحصولك واستقرارك بمقر عز خدمتك من الديوان مشمولا بعز الخدمة الشريفة قد اكمل الله لك بيمن بركتها كل بغية واعادك الى افضل ما عهدته وليس فيما جرى بقادح في موضعك فاكثر حمد الله على ما اولاك ثم جمع الناس الى بيت النوبة في يوم الاربعاء ثالث ربيع الاول وجلس الخليفة في التاج واوصل الوزير وولداه الى حضرته فقال للوزير الحمد لله جامع الشمل بعد شتاته وواصل الحبل بعد بتاته ثم خلع عليهم وركبوا في يوم الجمعة سادس ربيع الاول الى جامع المدينة في موكب كبير والناس يضجون بالدعاء والسرور به ومدحه ابن الفضل فقال
... قد رجع الحق الى نصابه ... وانت من دون الورى اولى به ... ما كنت الا السيف سلته يد ... ثم ادعادته الى قرابه ... هزته حتى ابصرته صارما ... رؤيته تغنيك عن ضرابه ... اكرم بها وزارة ما سلمت ... ما استودعت الا الى اربابه ... مشوقة اليك مذ فارقتها ... شوق اخي الشيب الى شبابه ... حاولها قوم ومن هذا الذي ... يخرج ليثا خادرا من غابة ... يدمى ابو الاشبال من زاحمه ... في خيسه بظفره ونابه ... وهل رأيت او سمعت لابسا ... ما خلع الارقم من ثيابه ... ان الهلال يرتجى طلوعه ... بعد السرار ليلة احتجابه ... والشمس لا يوءس من طلوعها ... وان طواها الليل في جلبابه ... ما اطيب الاوطان الا انها ... احلى عليه اثر اغترابه ... لو قرب الدر على جالبه ... ما لجج الغائص في طلابه ... ولو اقام لازما اصرافه ... لم تكن التيجان في حسابه ... ما لؤلؤ البحر ولا مرجانه ... الاوراء الهول من عبابه

من يعشق العلياء يلق عندها ... ما لقى المحب من احبابه ... طورا صدودا ووصالا مرة ... ولذة الوامق في عتابه ... ذل الفخر الدولة الصعب الذرى ... وعلم الامام من آدابه ...
وفي ربيع الآخر جرت فتنة لاجل ابي الوفاء بن عقيل وكان اصحابنا قد نقموا عليه تردده الى ابي علي بن الوليد في اشياء قريبة يقولها وكان في ابن عقيل فطة وذكاء فأحب الاطلاع على كل مذهب يقصد ابن الوليد وقرأ عليه شيئا من الكلام في السر وكان ربما تأول بعض اخبار الصفات فاذا انكر عليه ذلك حاول عنه واتفق انه مرض فاعطى رجلا ممن كان يلوذ به يقال له معالي الحائك بعض كتبه وقال له ان مت فاحرقها بعدى فاطلع عليها ذلك الرجل فرأى فيها ما يدل على تعظيم المعتزلة والرحم على الحلاج وكان قد صنف في مدح الحلاج جزءا في زمان شبابه وذلك الجزء عندي بخطه تأول فيه اقواله وفسر اسراره واعتذر له فمضى ذلك الحائك فاطلع على ذلك الشريف ابا جعفر وغيره فاشتد ذلك على اصحابنا وراموا الايقاع به فاختفى ثم التجأ الى باب المراتب ولم يزل في الامر يختبط الى ان آل الى الصلاح في سنة خمس وستين
وفي جمادي الاولى بلغت زيادة الماء احدى وعشرين ذراعا وثلثين وبلغ الى الثريا وفجرت بثقا فوق دار الغربة وبلغ الماء الى مشهد النذور ومشهد السبتي وتلو في وسد وفي عشية يوم الاربعاء رابع رجب ولد للامير عدة الدين مولود كنى ابا الفضل وسمى احمد وجلس الوزير فخر الدولة من غد للهناء به بباب الفردوس وابتدأ العوام بتعليق الاسواق ونصب القباب وتوفى وقت الظهر وحمل سرا الى الترب بالرصافة فحط ما علق
وورد من بلاد الروم من اخبر ان الامنشين الامير الافشين التركي ومن معه من الغزاة خربوا بلادا كثيرة من بلاد الروم وبلغوا الى عمورية واتفق ان ملك الروم قبض على بطريق كبير من بطارقته وهرب اخوه عند علمه بذلك فصادف افشين

في طريقه فعرفه ما لحق اخاه من الملك ووعده ان يحتال على عمورية فيأخذها له وتحالفا علي ذلك وقصد البطريق ومن معه من الروم عمورية وبين يديه الصلبان وراسل من فيها بان الملك انفذني اليكم لاعاونكم واسد منكم لاجل هؤلاء الغزاة العائثين في اعمالكم فخرجوا فتلقوه ومشوا بين يديه فحين ملك البطريق ومن معه البلد لحقه الافشين فدخل البلد فنهبه وقتل وسبى واخذ من الاموال شيئا عظيما واسرى الى قريب بحيرة قسطنطينية فارغا على خير بلاد الروم هناك واخذ منه نحو ستة آلاف دينار وعاد الى انطاكية فحصرها فتقرر عليها عشرين الف دينار انبانا محمد بن ناصر الحافظ اخبرنا ابو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي قال بيع السمك النيى عندنا بالكوفة في هذه السنة حدود اربعين رطلا بحبة وما رأينا بالكوفة هكذا ولا حدثنا
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
301 - احمد بن الحسن
ابن الكاتب من ساكني الحريم الطاهرى ولد سنة ست وسبعين وثلثمائة وسمع ابني بشران ابا الحسين وابا القاسم وغيرهما وكان صالحا ثقة توفى في ليلة السبت ثامن عشر ربيع الآخر ودفن يوم السبت بباب حرب
302 - احمد بن ابي حنيفة
ابو طاهر حدث عن ابي الحسين السوسنجردي وتوفى يوم الخميس خامس عشر ربيع الاول ودفن بباب حرب
303 - عبد الباقي بن محمد
ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بصهر عبد الله البزار المعدل ولد سنة احدى وثمانين وثلثمائة وحدث عن أبي الحسن بن الصلت وتوفىفي صفر وقيل في محرم سنة احدى وستين وكان ثقة

سنة 462
ثم دخلت سنة اثنتين وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه كان ثلاث ساعات من يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادي الاولى وهو الثامن عشر من آذار زلزلة عظيمة بالرملة واعمالها فذهب اكثرها وانهدم سورها وعم ذلك ببيت المقدس وتنيس وانخسفت ايلةكلها وانجفل البحر في وقت الزلزلة حتى انكشفت ارضه ومشى الناس فيه ثم عاد الى حاله وتغيرت احدى زوايا الجامع بمصر وتبع هذه الزلزلة في ساعتها زلزلتان
وتوجه ملك الروم من قسطنطينية الى الشام في ثلثمائة الف ونزل علي منبج ستة عشر يوما وسار اليه المسلمون فانهزم المسلمون وقتل جماعة منهم واحرق ما بين بلد الروم ومنبج من الضياع والقرى وقتل رجالهم وسبي نساءهم وخاف اهل حلب خوفا شديدا ثم انقطعت الميرة عن ملك الروم فهلك من معه جوعا فرجع
وفي هذه السنة فسدت احوال ملك مصر وقوتل فاحتاج فأخذ ما في مشهد ابراهيم الخليل عليه السلام وضاقت يد ابن ابي هاشم امير مكة لانقطاع ما كان يصله من مصر وغيرها فعمد الى باب الكعبة فقلع الذي فيه وسبكه والى قبلتها وميزابها وحلق بابها فكسره وضربه دنانيز ودراهم ثم عدل الى مصادارت اهل مكة حتى رحلوا عنها وكذلك صنع امير المدينة فأخذ قناديل وآلات فضة كانت هناك فسبكها
وفي يوم الاثنين السادس والعشرين من جمادي الآخرة جمع الامير العميد ابو نصر الوجوه فاحضر ابا القاسم بن الوزير فخر الدولة والنقيبين والاشراف وقاضي القضاة والشهود الى المدرسة النظامية وقرئت كتب وقفتها ووقف كتب فيها ووقف ضياع واملاك وسوق ابنيت على بابها عليه وعلى اولاد نظام الملك على شروط شرطت فيها

وفي شهر رجب وصل رسول السلطان للخدمة والدعاء واجيب بما اشرف به واضحت توقيعا للديوان بعشرة آلاف دينار على الناظر ببغداد وتوقيعا باقطاع مبلغ ارتفاعه سبعة آلاف دينار كل سنة من واسط والبصرة
وفي ذي القعدة من مصر والشام عدد كثير من رجال ونساء هاربين من الجرف والغلاء واخبروا أن مصر لم يبق بها كبير احد من الجوع والموت وان الناس أكل بعضهم بعضها وظهر علي رجل قد ذبح عدة من الصبيان والنساء وطبخ لحومهم وباعها وحفر حفيرة دفن فيها رؤرسهم واطرافهم فقتل وأكلت البهائم فلم يبق الا ثلاثة افراس لصاحب مصر بعد الوف من الكراع وماتت الفيلة وبيع الكلب بخمسة دنانير وأوقية زيت بقيراط واللوز والسكر بوزن الدراهم والبيضة بعشرة قراريط والراوية الماء بدينار لغسل الثياب وخرج وزير صاحب مصر الي السلطان فنزل عن بغلته وما معه الاغلام واحد لعدم ما يطعم الغلمان فدخل وشغل الركابي عن البغلة لضعف قوته فأخذها ثلاثة انفس ومضوا بها فذبحوها واكلوها فانهى ذلك الى صاحب مصر فتقدم بقتلهم وصلبهم فصلبوا فلما كان من الغد وجدت عظامهم مرمية تحت خشبهم وقد اكلهم الناس وكانت البادية تجلب الطعام فتبيع الحمل بثلاثمائة دينار خارج البلد ولا يتجاسرون ان يدخلوا البلد ومن اشترى منه فربما نهبه الناس منه وبيع من ثياب صاحب مصر وآلاته ما اشترى منه في دار الخلافة فوجدت فيه اشياء كانت نهبت عند القبض على الطائع واشياء نهبت في نوبة البساسيرى وخرج من خزانة السلاح التي لصاحب مصر احد عشر الف درع وتجفاف وعشرون الف سيف محلى وثمانون الف قطعة بلور كبار وخمسة وثمانون الف وسبعون الف قطعة من الديباج القديم وبيعت ثياب النساء وسجف المهود وبيع من ذلك طست وابريق بلور باثنى عشر دينارا وبيع من هذا الجنس وحده نحو ثمانين الف قطعة وبيع نحو خمس وسبعين

الف قطعة من الثياب الديباج وبيعت عشر حبات وزنها عشرة مثاقيل باربعمائة دينار وباع رجل دارا بمصر كان ابتاعها بتسعمائة دينار بسبعين دينار فاشترى بها دون الكارة من الدقيق
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
304 - احمد بن محمد
ابن سياووش الكازروني سمع ابا احمد الفرضى وهلالا الحفار وابا عبد الله بن دوست وغيرهم وكان مكثرا ثقة صالحا من اهل السنة صحيح السماع حدثنا عنه ابو عبد الله بن السلال وتوفى في جمادي الآخرة من هذه السنة ودفن قريبا من رباط عتاب بالجناب الغربي
305 - احمد بن الحسن
اللحيانى الصغار توفى في رجب وكان يقرئ القرآن
306 - احمد بن علي
الاسد آباذى ابو منصور حدث عن الصيدلانى وغيره روى عنه ابو الفضل ابن خيرون واطلق عليه الكذب الصريح واختلاف الشيوخ الذين لم يكونوا وادعى مالم يسمع
307 - الحسن بن علي
ابن محمد بن بارى الجوائز الكاتب الواسطى ولد سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة سكن بغداد دهرا طويلا وكان أديبا شاعرا مليح الشعر اخبرنا ابو بكر محمد بن عبد الباقي قال انشدنا ابو الجوائز الحسن بن علي بن بارى الواسطى لنفسه
... واحربا من قولها ... خان عهودي ولها ... وحق من صيرني ... وقفا عليها ولها ... ما خطرت بخاطري ... الاكستنى ولها

308 - عبد الله بن عبد العزيز
ابن باكوية روى الحديث وتوفى في رجب ودفن في باب حرب
309 - محمد بن احمد
ابن سهل ابو غالب بن بشران النحوى الواسطى ويعرف بابن الخالة ولد سنة ثلاثين وثلثمائة وكان عالما بالادب وانتهت اليه الرحلة في اللغة سمع ابا الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم وابا القاسم علي بن طلحة وابا عبد الله الحسين بن الحسن العلوي في آخرين حدث عنه ابو بكر الحميدى وغيره وله من الشعر المستحسن اخبرنا محمد بن ناصر قال انشدنا ابو عبد الله الحميدي قال انشدني ابو غالب بن بشران لنفسه
... ياشائد للقصور كهلا ... اقصر فقصر الفتى الممات ... لم يجتمع شمل اهل قصر ... الا وقصراهم الشتات ... وانما العيش مثل ظل ... متنقل ماله ثبات ... قال وانشدني لنفسه ... سيان ان لاموا وإن غدروا ... مالى عن الأحباب مصطبر ... ان واصلوا شكروا وانهجروا ... عذروا وما اجترموه مغتفر ... لا غرو ان اغر بحبهم ... اذ ليس لى في غيرهم وطر ... فليفعلوا ما حاولوا فهم ... منى بحيث السمع والبصر ... لا بدلى منهم وان تركوا ... قلبي بنار الهجر يستعر ... وعلى ان ارضى بما اصطنعوا ... واطيعهم في كل ما امروا ... قال وانشدني لنفسه ... ولما اثاروا العيس بالبين بينت ... غرامي لمن حولي دموع وانفاس ... فقلت لهم لا بأس بي فتعجبوا ... وقالوا الذي ابديته كله بأس

تعوض بانس الصبر من وحشة الاسى ... فقد فارق الاحباب من قبلك الناس ...

قال وانشدني لنفسه
... ودعتهم ولي الدنيا مودعه ... ورحت مالي سوى ذكراهم وطر ... وقلت يا لذتي بيني لبينهم ... فان صفو حياتي بعدهم كدر ... لولا تعلل قلبي بالرجاء لهم اذحدوا بالعيس ينفطر ... يا ليت عيسهم يوم النوى نحرت ... اوليتها للضوارى بالفلاجزر ... يا ساعة البين انت الساعة اقتربت ... يالوعة البين انت النار تستعر ... قال وانشدني لنفسه ... طلبت صديقا في البرية كلها ... فاعيا طلابي ان اصيب صديقا ... بلى من تسمى بالصديق مجازة ... ولم يك في معنى الواداد صدوقا ... فطلقت ود العالمين صريمة ... واصبحت من اسر الحفاظ طليقا ...
توفى ابن بشران في منتصف رجب هذه السنة
310 - محمد بن الحسين
ابن عبد الله بن احمد بن الحسن بن ابي علانة ولد في سنة ثمانين وثلثمائة وحدث عن ابي طاهر المخلص روى عنه ابو بكر الخطيب وكان سماعه صحيحا وتوفى فجاءة يوم الخميس العشرين في شعبان ودفن يوم الجمعة عند قبر معروف الكرخي
سنة 463
ثم دخلت سنة ثلاث وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه ورد علىالسلطان خبر ملك الروم في جمعة العساكر الكثير ومسيره نحو البلاد الاسلامية وكان السلطان في فل من العسكر لأنهم عادوا من الشام جافلين الى خراسان للغلاء الذي استنفذ اموالهم فطلبوا مراكزهم راجعين وبقى السلطان في نحو اربعة آلاف غلام ولم ير مع ذاك ان يرجع الى بلاده ولم يجمع عساكره فيكون هزيمة على الاسلام واحب الغزاة والصبر فيها فأنفذ خاتون السفرية ونظام الملك والاثقال الى همذان وتقدم اليه

بجمع العساكر وانفاذها اليه وقال له ولوجوه عسكره انا صابر في هذه الغزاة صبر المحتسبين وصائر اليه مصيرا المخاطرين فان سلمت فذاك ظني في الله تعالى وان تكن الاخرى فانا اعهد اليكم ان تسمعوا لولدي ملك شاه وتطيعوه وتقيموه مقامي وتملكوه عليكم فقد وقفت هذا الأمر عليه ورددته اليه فأجابوه بالدعاء والسمع والطاعة وكان ذلك من فعل نظام الملك وترتيبه ورأيه وبقى السلطان مع القطعة من العسكر المذكورة جريدة ومع كل غلام فرس يركبه وفرس يجنبه وسار قاصدا لملك الروم فحاربهم فنصر عليهم وأخذ الصليب وهربوا بعد ان اثخنوا قتلا وجراحا وحمل مقدمهم الى السلطان فأمر بجدع انفه وانفذ الصليب وكان خشبا وعليه فضة واقطاع من الفيروزج وإنجيلا كان معه في سفط من فضة الى همذان وكتب معه الى نظام الملك بالفتح وامرأن يحمل الى حضرة الخلافة ووصل ملك الروم فالتقيا يموضع يقال له الرهوة في يوم الاربعاء لخمس بقين من ذي القعدة وكثر عسكر الروم وجملة من كان مع السلطان يقاربون عشرين الفا وأما ملك الروم فانه كان معه خمسة وثلاثون الفا من الافرنج وخمسة وثلاثون الفا في مائتين بطريق ومتقدم مع كل رجل منهم بين الفى فارس الى خمسمائة وكان معه خمسة عشر الف من الغز الذين من وراء القسطنطينية ومائة الف نقاب وحفار ومائة الف روز جارى واربعمائة عجلة عليها السلاح والسروج والعرادات والمجانيق منها منجنيق يمده الف رجل ومائتا رجل فراسل السلطان ملك الروم بان يعود الى بلاده واعود انا وتتم الهدنة بيننا التي توسطنا فيها الخليفة وكان ملك الروم قد بعث رسوله يسأل الخليفة ان يتقدم الى السلطان بالصلح والهدنة فعاد جواب ملك الروم بأني قد انفقت الاموال الكثيرة وجمعت العساكر الكثيرة للوصول الى مثل هذه الحالة فاذا ظفرت بها فكيف اتركها هيهات لا هدنة الا بالرى ولا رجوع الا بعد ان افعل ببلاد الاسلام مثل ما فعل ببلاد الروم فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر ودعا الله تعالى وابتهل

وبكى وتضرع وقال لهم نحن مع القوم تحت الناقص واريد ان اطرح نفسى عليهم في هذه الساعة التي يدعى فيها لنا وللمسلمين علي المنابر فاما ان ابلغ الغرض واما ان امضى شهيدا الى الجنة فمن احب ان يتيعنى منكم فليتبعنى ومن احب ان ينصرف فليمض مصاحبا عنى فما ها هنا سلطان يأمر ولا عسكر يؤمر فانما انا اليوم واحد منكم وغاز معكم فمن تبعني ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة والغنيمة ومن مضى عليه النار والفضيحة
فقالوا له ايها السلطان نحن عبيدك ومهما فعلته تبعناك فيه واعناك عليه فأفعل ما تريد فرمى القوس والنشاب ولبس السلاح واخذ الدبوس وعقد ذنب فرسه بيده وركبها ففعلوا مثله وزحف الى الروم وصاح وصاحوا وحمل عليهم وثار الغبار واقتتلوا ساعة اجلت الحال فيها عن هزيمة الكفار فقتلوا يومهم وليلتهم القتل الذريع ونهبوا وسبوا النهب والسبي العظيم ثم عاد السلطان الى موضعه فدخل عليه الكهراى الخادم فقال يا سلطان احد غلماني قد ذكر ان ملك الروم في أسره هذا الغلام عرض على نظام الملك في جملة العسكر فاحتقره واسقطه فخوطب في امره فأبى ان يثبته وقال مستهزيا لعله ان يجيئنا بملك الروم اسيرا فأجرى الله تعالى اسر ملك الروم على يده واستبعد السلطان ذلك واستحضر غلاما يسمى شاذى كان مضى دفعات مع الرسل الى ملك الروم فامره بمشاهدته وتحقيق امره فمضى فرآه ثم عاد فقال هو هو فتقدم بضرب خيمة له ونقله اليها وتقييده وغل يده الي عنقه وان يوكل به مائة غلام وخلع على الذي اسره وحجبه واعطاه ما اقترحه واستشرحه الحال فقال قصدته وما اعرفه وحوله عشرة صبيان من الخدم فقال لي احدهم لا تقتله فانه الملك فأسرته وحملته فتقدم السلطان باحضاره فاحضر بين يديه فضربه بيده ثلاث مقارع أو أربعا ورفسه مثلها فقال له الم اذن لرسل الخليفة في قصدك وامضاء الهدنة معك واجابتك في ذلك الى ملمسك الم ارسلك الآن وابذل لك الرجوع عنك فابيت الا ما يشبهك وأي شئ حملك على البغي فقال قد

جمعت ايها السلطان واستكثرت واستظهرت وكان النصر لك فافعل ما تريد ودعني من التوبيخ قال فلو وقعت معك ماذا كنت تفعل بي قال القبيح قال صدق والله ولو قال غير ذلك لكذب وهذا رجل عاقل جلد لا ينبغي ان يقتل قال وما تظن الآن ان يفعل بك قال احد ثلاثة اقسام الاولى قتلى والثاني اشهاري في بلادك التي كدت بقصدها واخذها والثالث لا فائدة في ذكره فانك لا تفعله قال فاذكره قال العفو عني وقبول الاموال والفدية مني واصطناعي وردى الى ملكي مملوكا لك نائبا في ملك الروم عنك فقال ما اعتزمت فيك الا هذا الذي وقع يأسك منه وبعد ظنك عنه فهات الاموال التي تفك رقبتك فقال يقول السلطان ما شاء فقال اريد عشرة آلاف الف دينار فقال والله انك تستحق مني ملك الروم اذا وهبت لي نفسي ولكني قد انفقت واستملكت من اموال الروم عشر الف دينار منذ وليت عليهم في تجديد العساكر والحروب التي بليت بها الى يومي هذا فافقرتهم بذلك ولولا هذا ما استكثرت شيئا تقترحه فلم يزل الخطاب يتردد الى ان استقر الامر على الف الف وخمسمائة الف دينار وفي الهدنة على ثلاثمائة الف وستين الف دينار في كل سنة واطلاق كل اسير في الروم وحمل ألطاف وتحف مضافة الي ذلك وان يحمل من عساكر الروم المزاحة العلل ما يلتمس اي وقت دعت حاجة اليها فقال له اذا كنت قد مننت على فعجل تسريحي قبل ان تنصب الروم ملكا غيري ولا يمكنني ان اقرب منهم ولا أفي بشئ مما بذلته
فقال السلطان اريد أن تعيد أنطاكية والرها ومنبح فانها اخذت من المسلمين عن قرب وتطلق اسارى المسلمين فقال اذا رجعت الى ملكي فأنفذ الى كل موضع منها عسكرا وحاصره لا توصل الى تسليمها فاما ان ابتدئ بذلك فلا يقبل مني واما الاسارى فانا اسرحهم وافعل الجميل معهم فتقدم السلطان يفك قيده وغله ثم قال اعطوه قدحا ليسقينيه فاعطى فظن انه له فاراد ان يشربه فمنعه منه وامر ان يخدم السلطان ويتقدم اليه ويناوله اياه وأومأ الى الارض ايماء قليلا

على عادة الروم وتقدم اليه فأخذ السلطان القدح وجز شعره فجعل وجهه على الارض وقال اذا خدمت الملوك فافعل هكذا وكان لذلك سبب اقتضاه وهو ان السلطان قال بالرى ها انا امضي الى قتال ملك الروم واخذه اسيرا واقيمه على رأسى ساقيا وانصرف ملك الروم الى خيمته فاقترض عشرة آلاف دينار فاصلح منها شأنه وفرق في الحواشي والاتباع والموكلين به واشترى جماعة من بطارقته واستوهب آخرين فلما كان من الغد احضره وقد ضرب له سريره وكرسيه اللذان ان اخذا منه فأجلسه عليهما وخلع قباءه وقلنسوته فألبسه اياهما وقال له قد اصطنعتك وقنعت بقولك وانا اسيرك الى بلادك واردك الى ملكك فقبل الارض وقال له أليس ينفذ اليك خليفة الله تعالى في ارضه رسولا يحملك به ويقصد اصلاح امرك فتأمر بأن يكشف رأسه ويشد وسطه ويقبل الارض بين يديك وكان بلغه انه فعل هذا بابن الحلبان فقال ما فعلت فقال أليس الأمر على ما يقول وبان له منه تغير فقال يا سلطان في اي شئ وفقت حتى اوفق في هذا وقام وكشف رأسه وأومأ الى الارض وقال هذا عوض عما فعلته برسوله فسر السلطان بذلك وتقدم بأن عقدت له رأية عليها مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله فرفعها على رأسه وانفذ حاجبين ومائة غلام يسيرون معه الى قسطنطينية وشيعة نحو فرسخ فلما ودعه اراد ان يترجل فمنعه السلطان واعتنقا ثم افترقا وهذا الفتح في الاسلام كان عجبا لا نظير له فان القوم اجتمعوا ليزيلوا الاسلام واهله وكان ملك الروم قد حدثته نفسه بالمسير الى السلطان ولو الى الرى واقطع البطارقة البلاد الاسلامية وقال لمن اقطعه بغداد لاتتعرض لذلك الشيخ الصالح فانه صديقنا يعني الخليفة وكانت البطارقة تقول لا بد ان نشتو بالرى ونصيف بالعراق ونأخذ في عودنا بلاد الشام فلما كان الفتح ووصل الخبر الى بغداد ضربت الدبادب والبوقات وجمع الناس في بيت النوبة وقرئت كتب الفتح ولما بلغ الروم ما جرى حالوا بينه وبين الرجوع الى بلادهم وملكوا غيره فأظهر الزهد ولبس الصوف وانفذ الى السلطان مائتي الف دينار وطبق

ذهب عليه جواهر قيمتها تسعون الف دينار وحلف بالانجيل انه ما يقدر على غير ذلك وقصد ملك الارمن مستضيفا به وكحله وبعث الى السلطان يعلمه بذلك
ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
311 - احمد بن محمد
ابن عبد العزيز ابو طاهر العكبرى ولد سنة تسعين وثلثمائة وسمع الحديث مع اخيه ابي منصور النديم وتوفى في ربيع الآخر من هذه السنة وكان سماعه صحيحا
312 - احمد بن علي
ابن ثابت بن احمد بن مهدي الخطيب ابو بكر ولد يوم الخميس لست بقين من جمادي الآخرة سنة احدى وتسعين وثلثمائة كذا رأيته بخط ابي الفضل بن خيرون واول ما سمع الحديث في سنة ثلاث واربعمائة وهو ابن احد عشرة سنة ونشأ ابو بكر ببغداد وقرأ القرآن والقراآت وتفقه على ابي الطيب الطبري واكثر من السماع من البغدادين ورحل الى البصرة ثم الى نيسابور ثم الى اصبهان ودخل في طريقه همذان والجبال ثم عاد الى بغداد وخرج الى الشام وسمع بدمشق وصور ووصل الى مكة وقد حج في تلك السنة ابو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي فسمع منه وقرأ صحيح البخاري على كريمة بنت احمد المروزية في خمسة ايام ورجع الى بغداد فقرب من ابي القاسم بن المسلمة الوزير وكان قد اظهر بعض اليهود كتابا وادعى انه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم باسقاط الجزية عن اهل خيبر وفيه شهادات الصحابة وان خط علي بن ابي طالب فيه فعرضه رئيس الرؤساء ابن المسلمة على ابي بكر الخطيب فقال هذا مزور قيل من اين لك قال في الكتاب شهادة معاوية بن ابي سفيان ومعاوية اسلم يوم الفتح وخيبر كانت في سنة سبع وفيه شهادة سعد بن معاذ وكان قد مات يوم الخندق فاستحسن

ذلك منه فلما جاءت نوبة البساسيرى استتر الخطيب وخرج من بغداد الى الشام واقام بدمشق ثم خرج الى صور ثم الى طرابلس ثم الى حلب ثم عاد الى بغداد في سنة اثنتين وستين واقام بها سنة ثم توفى فروى تاريخ بغداد وسنن أبي داود وغير ذلك وانتهى اليه علم الحديث وصنف فأجاد فله ستة وخمسون مصنفا بعيدة المثل منها تاريخ بغداد وشرف اصحاب الحديث وكتاب الجامع لاخلاق الراوي وآداب السامع والكفاية في معرفة اصول علم الرواية وكتاب المتفق والمفترق وكتاب السابق واللاحق وتلخيص المتشابه في الرسم وكتاب باقي التلخيص وكتاب الفصل والوصل والمكمل في بيان المهمل والفقيه والمتفقة وكتاب غنية المقتبس في تمييز الملتبس وكتاب الاسماء المبهمة والانباء المحكمة وكتاب الموضح اوهام الجمع والتفريق وكتاب المؤتنف بكلمة المختلف والمؤتلف وكتاب لهج الصواب في ان التسمية من فاتحة الكتاب وكتاب الجهر بالبسملة وكتاب رافع الارتياب في المقلوب من الاسماء والألقاب وكتاب القنوت وكتاب التبيين لأسماء المدلسين وكتاب تمييز المزيد في متصل الاسانيد وكتاب من وافق كنيته اسم أبيه وكتاب من حدث فنسى وكتاب رواية الآباء عن الابناء وكتاب الرحلة وكتاب الرواة عن مالك وكتاب الاحتجاج عن الشافعي فيما اسند اليه والرد على الطاعنين بجهلهم عليه وكتاب التفصيل لمبهم المراسيل وكتاب اقتفاء العلم بالعمل وكتاب تقييد العلم وكتاب القول في علم النجوم وكتاب روايات الصحابة عن التابعين وكتاب صلاة التسبيح وكتاب مسند نعيم بن حماد وكتاب النهي عن صوم يوم الشك وكتاب الاجازة للمعدوم المجهول وكتاب روايات السنة من التابعين وكتاب البخلاء فهذا الذي ظهرلنا من مصنفاته ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هيئ له مما لم يتهيأ لمن كان احفظ منه كالدارقطني وغيره وقد روى لنا عن ابي الحسين ابن الطيوري انه قال اكثر كتب الخطيب مستفادة من كتب الصورى ابتدأ بهما قال المصنف وقد يضع الانسان طريقا فتسلك وما قصر الخطيب علي كل حال

وكان حريصا على علم الحديث وكان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه وكان حسن القراءة فصيح اللهجة عارفا بالأدب يقول الشعر الحسن انبأنا ابو الحسن محمد بن احمد بن ابراهيم الصائغ قال انبأنا ابو بكر الخطيب انه قال لنفسه
... لعمرك ما شجاني رسم دار ... وقفت به ولا ذكر المغاني ... ولا اثر الخيام اراق دمعي ... لأجل تذكري عهد الغراني ... ولا ملك الهوى يوما قيادي ... ولا عاصيته فثنى عناني ... عرفت فعاله بذوي التصابي ... وما يلقون من ذل الهوان ... فلم اطمعه في وكم قتيل ... له في الناس ما يحصى وعان ... طلبت اخا صحيح الود محضا ... سليم الغيب مأمون اللسان ... فلم اعرف من الاخوان الا ... نفاقا في التباعد والتداني ... وعالم دهرنا لا خير فيه ... ترى صوراتروق بلا معاني ... ووصف جميعهم هذا فما ان ... اقول سوى فلان أو فلان ... ولما لم اجد حرا يؤاتي ... على ما ناب من صرف الزمان ... صبرت تكرما الفراغ دهرى ... ولم اجزع لما منه دهاني ... ولم اك في الشدائد مستكينا ... اقول لها ألا كفى كفاني ... ولكني صليب العود عود ... ربيط الجأش مجتمع الجنان ... أبي النفس لا اختار رزقا ... يجيء بغير سيفى او سنانى ... لعز في لظى باغية يشوى ... الذ من المذلة في الجنان ... ومن طلب المعالي وابتغاها ... ادار لها رحى الحرب العون ...
قال المصنف رحمة الله هذه الابيات نقلتها من خط ابي بكر قالها لنفسه وله اشعار كثيرة وكان ابو بكر الخطيب قديما علي مذهب احمد من حنبل فمال عليه اصحابنا لما رأوا من ميله الي المبتدعة وآذوه فانتقل الى مذهب الشافعي وتعصب في تصانيفه عليهم فرمز الى ذمهم وصرح بقدر ما امكنه فقال في ترجمة احمد بن حنبل سيد المحدثين وفي ترجمة الشافعي تاج الفقهاء فلم يذكر احمد بالفقه وحكى

في ترجمة حسين الكرابيسى انه قال عن احمد ايش نعمل بهذا الصبي ان قلنا لفظنا بالقرآن مخلوق قال بدعة وان قلنا غير مخلوق قال بدعة ثم التفت الي اصحاب احمد فقدح فيهم بما امكن وله دسائس في ذمهم من ذلك انه ذكر مهنأ بن يحيى وكان من كبار اصحاب احمد وذكر عن الدارقطني انه قال مهنأ ثقة نبيل وحكى بعد ذلك عن أبي الفتح الازدي انه قال مهنأ منكر الحديث وهو يعلم ان الازدي مطعون فيه عند الكل قال الخطيب حدثني ابو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الارموي قال رأيت اهل الموصل يهينون ابا الفتح الازدي ولا يعدونه شيئا قال الخطيب حدثني محمد بن صدقة الموصلى ان ابا الفتح قدم بغداد على ابن بديه فوضع له حديثا ان جبريل عليه السلام كان ينزل على النبي صلى الله عليه و سلم في صورنا فأعطاه دراهم فلا يستحي الخطيب ان يقابل قول الدارقطني في مهنا بقول هذا ثم لا يتكلم عليه هذا ينبئ عن عصبية وقلة دين قال الخطيب على أبي الحسن التميمي بقول أبي القاسم عبد الواحد بن علي الاسدي وهو ابن برهان وكان الاسدي معتزليا وقد انتصرت للتميمي من الخطيب في ترجمته وقال الخطيب علي أبي عبد الله بن بطة بعد ان ذكر عن القاضي أبي حامد الدلوي والعتيقي انه كان صالحا مستجاب الدعوة ثم عاد يحكى عن أبي ذر الهروى وهو اول من ادخل الحرم مذهب الاشعري القدح في ابن بطة ويحكى عن ابي القاسم بن برهان القدح فيه وقد انتصرت لا بن بطة من الخطيب في ترجمته ومال الخطيب علي ابي علي بن المذهب بما لا يقدح عند الفقهاء وانما يقدح ما ذكره في قلة فهمه وقد ذكرت ذلك في ترجمة ابن المذهب وكان في الخطيب شيئان احدهما الجرى على عادة عوام المحدثين في الجرح والتعديل فانهم يجرحون بما ليس يجرح وذلك لقلة فهمهم والثاني التعصب على مذهب احمد واصحابه وقد ذكر في كتاب الجهر احاديث نعلم انها لا تصح وفي كتاب القنوت ايضا وذكر في مسإلة صوم يوم الغيم حديثا يدرى انه موضوع فاحتج به ولم يذكر عليه شيئا وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من روى حديثا يرى انه

كذب فهو احد الكاذبين وقد كشف عن جميع ذلك في كتاب التحقيق في احاديث التعليق وتعصبه على ابن المذهب ولاهل البدع مألوف منه وقد بان لمن قبلنا فانبأنا ابو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه قال سمعت اسمعيل بن أبي الفضل القومسي وكان من اهل المعرفة بالحديث يقول ثلاثة من الحافظ لا احبهم لشدة تعصبهم وقلة انصافهم الحاكم ابو عبد الله وابو نعيم الاصبهاني وابو بكر الخطيب قال المصنف لقد صدق اسمعيل وقد كان من كبار الحفاظ ثقة صدوقا له معرفة حسنة بالرجال والمتون غزير الديانة سمع ابا الحسين بن المهتدى وجابر بن ياسين وابن النقور وغيرهم وقال الحق فان الحاكم كان متشيعا ظاهر التشيع والآخران كانا يتعصبان للمتكلمين والاشاعرة وما يليق هذا بأصحاب الحديث لأن الحديث جاء في ذم الكلام وقد اكد الشافعي في هذا حتى قال رأئى في اصحاب الحديث ان يحملوا على البغال ويطاف بهم وكان للخطيب شئ من المال فكتب الى القائم بأمر الله اني اذا مت كان مالي لبيت المال واني استأذن ان افرقه على من شئت فأذن له ففرقه على اصحاب الحديث وكان مائتي دينار ووقف كتبه على المسلمين وسلمها الى ابي الفضل فكان يعزها ثم صارت الى ابنه الفضل فاحترقت في داره ووصى الخطيب ان يتصدق بجميع ما عليه من الثياب وكان يقول شربت ماء زمزم على نية ان ادخل بغداد واروى بها التاريخ وان اموت بها وادفن بجنب بشر بن الحارث وقد رزقني الله تعالى دخولها ورواية التاريخ بها وانا ارجوا الثالثة واوصى ان يدفن الىجانب بشر توفى ضحوة نهار يوم الاثنين سابع ذي الحجة من هذه السنة في حجرة كان يسكنها بدرب السلسلة في جوار المدرسة النظامية وحمل جنازته ابو اسحاق الشيرازي وعبر به على الجسر وجازوا به في الكرخ وحمل الى جامع المنصور وحضر الاماثل والفقهاء والخلق الكثير وصلى عليه ابو الحسين بن المهتدى ودفن الى جانب بشر وكان احمد بن علي الطريثيني قد حفر هناك قبر النفسه فكان يمضي الى ذلك الموضع ويختم فيه القرآن

عدة سنين فلما ارادوا دفن الخطيب هناك منعهم وقال هذا قبري انا حفرته وختمت فيه ختمات ولا امكنكم فقال له ابو سعد الصوفي يا شيخ لو كان بشر الحافي في الحياه ودخلت انت والخطيب عليه ايكما كان يقعد الى جانبه فقال الخطيب فقال كذا ينبغي ان يكون في حالة الموت فطاب قلبه ورضى فدفن الخطيب هناك
313 - حسان بن سعيد
ابن حسان بن محمد بن احمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي المنيعي ابو علي كان في شبابه يجمع بين الدهقنة والتجارة فساد اهل ناحيته بالثروة والمروءة ثم اعرض عن الدنيا اشتغالا بالتقوى والورع وسمع الحديث من جماعة واخذ في بناء المساجد والرباطات والقناطير وبنى الجامع ببلده مرو الروذ وكان السلطان يجئ اليه ويتبرك به ووقع غلاء فكان ينصب القدور كل يوم ويطبخ فيها ويحضر زيادة على الف منا من الخبز ويجمع الفقرااء ويفرق عليهم ويوصل عليهم صدقة السر بحيث لا يعلم احد ويتعهد المنقطعين في الزوايا ويتخذ كل سنة للشتاء الجباب والقمص والسراويلات فيكسو قريبا من الف فقير ويجهز بنات الفقراء الايتام ورفع الاعشار من ابواب نيسابور والوظائف عن القرى وكان يحيى الليل ويصوم ويجتهد في العبادة اجتهادا يعجز عنه غيره ويمشي من بيته الى المسجد ويلبس الغليظ من الثياب ويتمندل بازار من صوف ويصلى على قطعة لبد ويقعد على التراب فاصابه مرض من شدة تعبده فحمل الى بلدته فتوفى في ذي القعدة من هذه السنة
314 - كريمة بنت احمد
ابن محمد بن ابي حاتم المروزية من اهل كشميهن قرية من قرى مرو وكانت عالمة صالحة سمعت ابا الهيثم الكشميهني وغيره وقرأ عليها الائمة كالخطيب وابن المطلب والسمعاني وابي طالب الزينبي توفيت بمكة في هذه السنة

315 - محمد بن وشاح
ابن عبد الله ابو علي مولى ابي تمام محمد بن علي بن ابي الحسن الزينبي ولد سنة تسع وسبعين وثلثمائة في جمادي الآخرة وقيل سنة ست وسبعين وكان كاتبا لنقيب النقباء الكامل وكان اديبا شاعرا وسمع ابا حفص بن شاهين وابا طاهر المخلص وغيرهما وحدث عنهم وكان يرمى بالاعتزال والرفض توفى في ليلة الاحد سابع عشرين رجب هذه السنة عن اربع وثمانين سنة وقبره في مقبرة جامع المنصور انبأنا محمد بن طاهر قال انشدنا ابو علي بن وشاح لنفسه
... حملت العصا لا الضعف اوجب حملها ... على ولا اني انحيت من الكبر ... ولكنني الزمت نفسي بحملها ... لا علمها اني المقيم على سفر ...
316 - محمد بن علي
ابن الحسن ابن الدجاجي ابو الغنائم القاضي سمع ابا الحسن الحميري السكري وابا طاهر المخلص وابن معروف وغيرهم وكان سماعه صحيحا وهو من اهل السنة حدثنا عنه وكان له فافتقر في آخر عمره فجمع له اهل الحديث شيئا فلم يقبل وقال وافضيحتنا آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم لا والله وتوفى يوم الخميس سلخ شعبان ودفن يوم الجمعة غرة رمضان بمقبرة الخيزران
317 - محمد بن الحسين
ابن حمزة ابو يعلى الجعفري فقيه الامامية
سنة 464
ثم دخلت سنة اربع وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه ركب قاضي القضاة في المحرم عائدا ابا نصر بن الصباغ وفي يوم الخميس حادى عشر ربيع الآخر وصل سعد الدولة وخرج الجماعة

وقبل عتبة باب النوبي ونزل دار المملكة وتردد الى الديوان وسأل الوصول الى الخدمة وتسليم كتابه من يده وايراد رسالة من لفظه فاذن في ذلك يوم السبت لعشر بقين من ربيع الآخر فوصل مع فخر الدولة ابي نصر بن جهير يؤثر دخوله وحده فلم يجب فسلم كتاب السلطان في خريطة سوداء ولم يمكنه مع حضور فخر الدولة المشافهة بالرسالة فسطرها في رقعة وتعرف الخليفة خبر السلطان وسلامته عن سلامته في نفسه واستقامة الامور لديه ثم استأذن في احضار ثلاثة حجاب فأذن لهم فدخلوا فخدموا ثم انصرفوا
وفي ليلة الجمعة لأربع بقين من ربيع الآخر وقت طلوع الفجر حدثت زلزلة ارتجت لها الارض ست مرات
وفي جمادي الآخرة لقى ابو سعد بن ابي عمامة مغنية قد خرجت من عند تركي بنهر طابق فقبض على عودها وقطع اوتاره فعادت الى التركي فأخبرته فبعث التركي اليه من كبس داره وافلت وعبر الى الحريم الى ابن ابي موسى الهاشمي شاكيا ما لقى واجتمع الحنابلة في جامع القصر من الغد فأقاموا فيه مستغيثين وادخلوا عليهم ابا اسحاق الشيرازي واصحابه وطلبوا قلع المواخير وتتبع المفسدات ومن يبيع النبيذ وضرب دارهم تقع المعاملة بها عوض القراضة فتقدم امير المؤمنين بذلك فهرب المفسدات وكبست الدور وارتفعت الانبذة ووعد بقلع المواخير ومكاتبة عضد الدولة برفعها والتقدم بضرب دارهم يتعامل فلم يقتنع اقوام منهم بالوعد واظهر ابو اسحاق الخروج من البلد فروسل برسالة سكتته
وحكى ابو المعالي صالح بن شافع عمن حدثه ان الشريف ابا جعفر رأى محمد ابن الوكيل حين غرقت بغداد في سنة ست وستين وجرى على دار الخلافة العجائب وقد جاء ببعض الجهات الى الترب بالرصافة او غيرها من تلك الأماكن وهم على غاية التخبيط فقاله له الشريف محمد يا محمد قال لبيك يا سيدنا قال كتبنا وكتبتم وجاء جوابنا قبل جوابكم يشير الى قوله سأكتب في رفع المواخير

ويريد بالجواب الغرق وما فيه
وفي هذا الوقت غلت الاسعار وتعذر اللحم ووقع الموتان في الحيوان حتى ان راعيا في بعض طريق خراسان قام عند الصباح الى غنمة ليسوقها فوجدها موتى ووقع سيل عظيم وبرد كثير في طريق خراسان وكان في المكان المسمى بباغ ثلاثة الاف وخمسمائة جريب حنطة وشعير فرد ونسفته الريح فلم يشاهد له اثر وانقلع التوت العظيم من اصله واحدى عشرة نخلة وقام في ساقية نن البرد الى فخذ الانسان واحضر قوم من قردلى بندقا من الطين قد وقع مع البرد كبيضة العصفور طيب الرائحة
وفي هذه الايام كان ابن محسن الوكيل قد توكل على صاحب الظفر الخادم في معنى دار فحضر ظفر عند الوزير فخر الدولة وخاصم ابن محسن واستخف به حتى قال هذا يأخذ اموال الناس ويبيع الشريعة بالثمن الخسيس ويحكم القضاة بمالا يحل ويشهد الشهود بما لا يجوز وكان قاضي القضاة حاضرا فغالطه واظهر انه لم يسمع فاعان الوزير اين محسن فنهض ظفر مغضبا وقال لا صحابه اين رأيتم ابن محسن فاقتلوه فركب قاضي القضاة للقاء صافي الخادم وقد قدم من عند السلطان فخرج معه ابن محسن فضربه اصحاب ظفر ووقعت مقرعة في قاضي القضاة فامتعض ونزل عن البغلة ومشى من الحلبة الى شاطئ دجلة على ثقل بدنه وعبر الى داره وراسله الوزير أن يعود الى الديوان فأبى وكان ذلك بمرأى من الخليفة لأنه كان في المنظرة فتقدم الى الوزير بصرف ظفر من الدار والختم على داره واصطبلاته وما يتعلق به ونقض الدار التي جرى عليها الخصام وضرب الغلام الذي ضرب ابن محسن على باب النوبى مائة سوط وركب احد الغلمان الخواص الى قاضي القضاة فاعتذر اليه مما جرى
وعقد للامير عدة الدين على ابنة السلطان من خاتون السفرية وكان العقد في دار المملكة بالفيلة المزينة والخيل الجفجفة وجلس السلطان الب ارسلان على

سرير الملك ونظام الملك وكان وكيل عدة الدين عميد الدولة ابي نصر بن جهير فقعد العقد ووقع النثار
ذكر من توفى في هذه السنة من لاكابر
318 - احمد بن عثمان
ابن الفضل بن جعفر ابو الفرج المحرى ولد في سنة ست وسبعين وثلثمائة وحدث عن ابي القاسم بن حبابة وعلى بن عيسى توفى ليلة الاربعاء العشرين من صفر
319 - بكر بن محمد
ابن حيدر ابو منصور النيسابوري ولد في سنة ست وثمانين وثلثمائة وذكر انه من ولد عثمان بن عفان وسمع من ابي علي بن المذهب وكان ثقة وتوفى بالرى في محرم هذه السنة
320 - جابر بن ياسين
ابن الحسن بن محمد بن محموية ابو الحسن الجباني العطار ولد يوم الثلاثاء ثامن محرم سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة وسمع ابا حفص الكتاني وابا طاهر المخلص وعيسى بن علي وغيرهم وحدث وكان ثقة من اهل السنة حدثنا عنه جماعة من مشايخنا وتوفى في ليلة الاحد خامس عشرين شوال ودفن في مقبرة باب حرب قريبا من قبة السعيد
321 - محمد بن احمد
ابن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدى بالله ابو الحسن الهاشمي خطيب جامع المنصور ولد في شوال سنة اربع وثمانين وقرأ القرآن على ابي القاسم الصيدلاني وحدث عن الحسين بن احمد بن عبد الله بن بكير الحافظ وابي الحسن بن رزقويه وعثمان الباقلاوي وغيرهم حدثنا عنه مشايخنا وقد حدث عنه

الخطيب وكان عدلا ثقة شهد عند ابن ماكولا وابي عبد الله الدامغاني فقبلا شهادته وكان ممن يلبس القلانس الطوال التي تسميها العوام الدنيات وتوفى يوم الثلاثاء رابع عشر جمادي الاولى من هذه السنة وصلى عليه ابو الفوارس الزينبي النقيب في جامع المدينة ودفن بقرب قبر بشر الحافي
322 - محمد بن احمد
ابن شاده بن جعفر ابو عبد الله الاصبهاني القاضي بدجيل تفقه على مذهب الشافعي وسمع ابا عمر بن مهدي وغيره روى عنه اشياخنا وكان ثقة توفى فجاءه يوم الجمعة حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة وصلى عليه في جامع المدينة وحمل الى القرية المعروفة بواسط دجيل فدفن فيها
323 - محمد بن علي
ابن عبد الله ابو بكر الطحان ويعرف بابن القابلة سمع ابا الحسين بن سمعون وتوفى يوم عيد الفطر من هذه السنة وكان رجلا صالحا
سنة 465
ثم دخلت سنة خمس وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه يوم الحادي عشر من محرم حضر ابو الوفاء ابن عقيل الديوان ومعه جماعة من الحنابلة واصطلحوا ولم يحضر الشريف ابو جعفر الديوان يومئذ لأجل ما جرى منه فيما يتعلق بانكار المواخير على ما سبق ذكره فمضى ابن عقيل الى بيت الشريف وصالحه وكانت نسخة ما كتب به ابن عقيل خطه ونسب الى توبته بسم الله الرحمن الرحيم يقول على بن عقيل بن محمد إني ابرأ الى الله تعالى من مذاهب المبتدعة والاعتزال وغيره ومن صحبه اربابه وتعظيم اصحابه والترحم على اسلافهم وما كنت علقته ووجد خطى به من مذاهبهم وضلالاتهم فأنا تائب الى الله تعالى من كتابته وانه لا تحل كتابته ولا قراءته ولا اعتقاده واني علقت مسألة الليل في جملة ذلك وان قوما قالوا هو اجسام

سود وقلت الصحيح ما سمعت من الشيخ أبي علي وانه قال هو عدم ولا يسمى جسما ولا شيئا اصلا واعتقدت في الحلاج انه من اهل الدين والزهد والكرامات ونصرت ذلك في جزء عملته وانا نائب الى الله تعالى منه وانه قتل باجماع فقهاء عصره واصابوا في ذلك واخطأ هو ومع ذلك فاني استغفر الله تعالى وأتوب اليه من مخالطة المبتدعة والمعتزلة وغيرهم ومكاثرتهم والترحم عليهم والتعظيم لهم فان ذلك كله حرام ولا يحل لمسلم فعله لقول النبي صلى الله عليه و سلم من عظم صاحب بدعة فقد اعان على هدم الاسلام وقد كان الشريف ابو جعفر ومن معه من الشيوخ والاتباع ساداتي واخواني حرسهم الله مصيبين في الانكار علي لماشاهدوه بخطى في الكتب التي برأ الى الله تعالى منها واتحقق اني كتبت مخطئا وغير مصيب ومتى حفظ على ما ينافي هذا الخط وهذا الاقرار فلامام المسلمين مكافأتى على ذلك بما يوجبه الشرع من ردع ونكال وابعاد وغير ذلك غير مجبر ولامكره وباطني وظاهري يعلم الله تعالى في ذلك سواء قال الله تعالى ومن عاد فيتقم الله منه عزيز ذو انتقام وكتب يوم الاربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين واربعمائة وشهد عليه بذلك جماعة كثيرة من الشهود
وفي ربيع الاول وقع الارجاف بقتل السلطان الب ارسلان محمد بن داود فنودى من دار الخلافة في الحريم بالتوعد لمن يتفوه بذاك ثم تزايدت الكتب من الاهواز والري بصحته وكان السلطان قد غزا في اول هذه السنة جيحون على جسر مده وكان معه زيادة على مائتي الف فارس وعبر عسكره النهر في صفر واتاه اصحابه بمستحفظ قلعة يعرفا بيوسف الخوارزمي في سادس ربيع الاول فحظر اليه بيد غلامين كل واحد قد أمسك يده فلما وصل شتمه السلطان وواقفه على افعال قبيحة كانت منه وتقدم بان يضرب له اربعة اوتاد وتشد اطرافه اليها فقال له يوسف با مخنث مثلي يقتل هذه القتلة فاحتد السلطان واخذ القوس والنشابة وقال للغلامين خلياه فرماه بسهم فأخطأ فعدا يوسف اليه وكان

السلطان جالسا على سدة فنهض فنزل فعثر ووقع على وجهه فبرك عليه يوسف فضربه بسكين كانت معه في خاصرته فلحقه الجند فقتلوه وشدت جراحة السلطان وعاد الى جيحون فتوفى وكان ذلك يوم السبت عاشر ربيع الاول وكان لما بلغ اهل بخارا عبوره وتقدمت سريته اجتاحت ونهبت واجتمع الصالحون وصاموا ودعوا عليه فهلك فلما مات جمع العسكر وجلس ولده على سدة الملك والامراء قيام فقال له نظام الملك تكلم ايها السلطان فقال الاكبر منكم أبي والاوسط اخي والاصغر ولدي وسأفعل معكم مالم اسبق اليه فأمسكوا فأعاد القول فاجابوا بالسمع والطاعة وتولى نظام الملك وابو سعد المستوفى اخذ البيعة عليهم واطلاق الاموال لهم وزيدوا في الجامكية ما قدره مائة الف دينار وساروا الى مرو فدفن السلطان بها الى جنب قبر ابيه وجلس الوزير فخر الدولة للعزاء بالسلطان في صحن السلام يوم الاحد الثامن من جمادي الاولى وخرج في يوم الثلاثاء توقيع من الخليفة يتضمن الجزع علي السلطان ويذكر سعيه في مصالح المسلمين وقتله بالروم وغلقت الاسواق ايام العزاء واقامت خاتون زوجة الخليفة العزاء والمناحة وجلست على التراب
ووردت كتب السلطان الى دار الخلافة في ثامن من رجب يذكر وفاة والده ويسأل اقامة الخطبة فأقيمت من غد على المنابر
وفي شعبان ثارت فتنة بين اهل الكرخ وباب البصرة والقلائين احرق فيها من الكرخ الصاغة وقطعة من الصف وقتل فيها خلق كثير
ولما بلغ قاورت بك وفاة اخيه الب ارسلان سار طالبا للرى والممالك فسبقه اليها ملك شاه فالتقوا بقرب همذان في رابع شعبان وكان العسكر مائلا الى قاورت بك فحمل قاورت علىميمنة ملك شاه فكسرها وحمل هؤلاء على ميمنته فهزموها فالتجأ قاورت الى بعض القرى فجاء رجل سوادى فأخبر ملك شاه

فأخذه وكان قبل ذلك قد داراه ووعده بالاقطاع الكثير فسطع وابى وحارب فجئ به ماشيا فأومأ بتقيبل الارض ثم قبل يد السلطان فقال له ملك شاه يا عم كيف انت من تعبك أما تستحي من هذا الفعل أطرحت وصية اخيك واظهرت الشماتة به وقصدت ولده وفعلت ما لقاك الله جوابه فقال والله ما اردت قصدك وانما عسكرك واصلوا مكاتبتي فانفذ الى همذان فاعتقل هناك فلما وصل السلطان الى همذان أمر بقتله فخنق ثم ان العسكر تبسطوا وقالوا ما يمنع السلطان ان يعطينا ما نريد الانظام الملك وبسطوا أيديهم في التصرف فذكر النظام للسلطان طرفا من هذا وبين له ما في هذا من الوهن وخرق السياسة وقال ما يمكنني أن أعمل شيئا من غير اذنك فاما ان تدبر انت او تأمرني فيه بما اعتمده فقال له قدرددت اليك الامور كبيرها وصغيرها وقليلها وكثيرها وما منى اعتراض عليك ولا رد لما يكون منك وانت الوالد وحلف له واقطعه طوس بلده وتقدم بافاضة الخلع عليه واعطاه دواة وعليها الف مثقال ومنجوقا عليه طلعة فيها الف مثقال ومدرجة محلاة الف مثقال ومائة ثوب ديباج وعشرين الف دينار ولقبه اتابك ومعناه الامير الوالد وظهر من النظام من الرجلة والشهامة والصبر الى حين ظفر بالمراد واللطف بالرعية حتى ان المرأة الضعيفة تخاطبه ويخاطبها ولقد رفع بعض حجابه امرأة ضعيفة فزبره وقال انا استخدمتك لتوصل الى مثل هذه لا لتوصل الى رجلا كبيرا أو حاجبا جليلا ثم صرفه وكان اذا اجتاز بضيعة فأفسدها العسكر غرم لصاحبها فيه ما افسدوا وفي شعبان قصد اهل المحال الكرخ فقاتلوا اهلها واحرقوا فيها شيئا كثيرا وخرج الشحنة فأخذ من ثياب اهل باب البصرة وثياب اهل القلائين ما حمله اصحابه على البغال
وفي رمضان ورد حراد عظيم أكل ما وجد حتى عدم البقل في آخر هذا الشهر فبيع ما جلب منه من عكبرا بالميزان

ذكر من توفى في هذه السنة من الاكابر
324 - احمد بن الحسن
ابن عبد الودود بن المهتدى بالله سمع ابا الحسين بن المتيم والصرصرى وغيرهما وحدث وتوفى في يوم الاربعاء رابع عشرين شوال
325 - الب ارسلان
واسمه محمد انما غلب عليه الب ارسلان ابن داود السلطان قد ذكرنا سيره في الحوادث وكيفية قتله وكان يقول حين قتل ما وجه قصدته الا واستعنت الله عليه الا هذا الوجه فاني اشتغلت بالعساكر ولم يخطر ربي بقلبي قال ولما كان في امسنا صعدت تلا فارتجت الارض تحتي من عظم الجيش وكثرة العسكر فقلت في نفسي أنا ملك الدنيا وما يقدر احد علي فجاءتني قدرة لم يخطر على بالي وأنا استغفر الله من ذلك الخاطر ووصى العسكر بولده ملك شاه الذي جعل فيه الملك بعده ونظام الملك وزيره والطاعة لهما واحلف من ينبغي ان يحلف واستوثق واوصى ان يعطى اخاه قاورت بك اعمال فارس وكرمان وشيئا عينه من المال وان يتزوج بزوجته وان يعطى ابنه اياز ما كان لداود والده وهو خمسمائة الف دينار وان يكون لولده ملك شاه القلعة وماضمها وتوفى في يوم السبت عاشر ربيع الاول من هذه السنة ودفن قبر ابيه بمرو
326 - الحسن بن محمد
ابن علي بن فهد العلاف سمع الحديث وقرئ عليه وكان صالحا ورعا مجتهدا وعمر حتى جاوز المائة سنة ثلاث سنين وسقطت اسنانه ثم نبتت وتطرأ شعر لحيته توفى في ذي الحجة من هذه السنة
327 - الحسين بن محمد
ابو محمد الهاشمي الدلال من اهل نهر طابق سمع ابا بكر بن بشران وابا الحسن الدارقطني توفى يوم الاحد رابع عشرين بيع الآخر ومر بجنازته في الكرخ

وجرت فتنة عظيمة ودفن في مقبرة باب الدير
328 - عبد الكريم بن هوازن
ابن عبد الملك ابو القاسم قشيرى الاب سلمى الام ولد سنة ست وسبعين وثلثمائة توفى ابوه وهو طفل فنشأ وقرأ الادب والعربية وكان يهوى مخالطة اهل الدينا فحضر عند ابي الدقاق فجذبه عن ذلك فسمع الفقه من ابي بكر محمد بن بكر الطوسي ثم اختلف الى ابي بكر بن فورك فأخذ عنه الكلام وصار رأسا في الأشاعرة وصنف التفسير الكبير وخرج الى الحج في رفقة فيها ابو المعالي الجويني وابو بكر البيهقي فسمع معهما الحديث ببغداد والحجاز ثم املى الحديث وكان يعظ وتوفى في رجب هذه السنة بنيسابور ودفن الى جانب شيخه ابي علي الدقاق ولم يدخل احد من اولاده بيته ولا مس ثيابه ولاكتبه الا بعد سنين احتراما له وتعظيما ومن عجيب ما وقع ان الفرس التي كان يركبها كانت قد اهديت اليه فركبها عشرين سنة لم يركب غيرها فذكر انها لم تعلف بعد وفاته وتلفت بعد اسبوع
329 - عبد الصمد بن علي
ابن محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون ابو الغنائم ولد سنة اربع وسبعين وثلثمائة وسمع الدارقطني والخلص وابا الحسن الحربي وغيرهم وحدث وكان ثقة وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا آخرهم محمد بن عمر بن يوسف الارموي وتوفى ليلة الخميس ثامن عشر شوال ودفن بمقبرة باب حرب عند الشهداء
330 - عمر بن محمد
ابن درهم سمع ابا الحسن بن بشران وتوفى في ليلة الجمعة تاسع عشرين ربيع الآخر وصلى عليه المنصور ودفن بمقبرة باب حرب
331 - علي بن الحسن
ابن علي بن الفضل ابو منصور الكاتب المعروف بابن صربعر وقال له نظام الملك

انت صردرلا ابن صربعر وهجاه ابن البياضى فلطمه فقال
... لئن نبز الناس شحا أباك ... فسموه من سحه صربعرا ... فانك تنبز بالصربعرا ... عقوقا له وتسميه شعرا ... وهذا ظلم فاحش فان شعره غاية في الحسن ومن شعره
... تزاورن عن اذرعات يمينا ... نواشر ليس يطعن البرينا ... كلفن بنجد كأن الرياض ... اخذن لنجد عليها يمينا ... واقسمن يحملن الا نحيلا ... اليه ويبلغن الا حزينا ... ولما استمعن زفير المشوق ... ونوح الحمام تركن الحنينا ... اذا جئتما بانة الواديين ... فأرخوا النسوع وحلوا الوضينا ... فثم علائق من اجلها ... ملاء الدجى والضحى قد طوبنا ... وقد أنباتهم مياه الجفون ... بأن بقلبك داء دفينا ...

وله ايضا
... ايه احاديث نعمان وساكنه ... ان الحديث عن الاحباب أسمار ... أفتش الركب عنكم كلما نفحت ... من نحو ارضكم نكباء معطار ...
وله ايضا
... النجاء النجاء من أرض نجد ... قبل ان يعلق الفؤاد بنجد ... وله ايضا ... ما مر ذوشحن يكتمه ... الا أقول متيم مثلي ... وعهودهم بالرمال قد نقضت ... وكذاك ما بيني على الرمل ... من يطلع شرفا فيعلم لي ... هل روح الرعيان بالابل ... أم غرد الحادي بقافيه ... منها غراب البين يستملى ... وله ايضا ... أكلف القلب ان يهوى واسأله ... صبرا وذلك جمع بين أضداد ... واكتم الركب اوطارى واسألهم ... حاجات نفسي لقد اتعبت روادى

هل مدلج عنده من مبكر خبر ... وكيف يعلم حال الرائح الغادي ... وان رويت احاديث الذين نأوا ... فعن نسيم الدجى والبرق إسنادى ...
وحفظ القرآن وسمع الحديث من ابن بشران وغيره وحدث وركب يوما فتردى هو والدابة في البئر فماتا وذلك في صفر هذه السنة ودفن بباب ابرز قال المصنف وقرأت بخط ابن عقيل قال كان صربعر خازنا بالرصافة ينبز بالالحاد
332 - محمد بن نصر
ابن الحسن ابو سعد المعروف بابن البصرى سمع ابا القاسم بن بشران وكان صالحا وتوفى في يوم الجمعة ثامن عشر صفر هذه السنة وصلى عليه القاضي ابو الحسن ابن المهتدى ودفن بباب حرب
333 - محمد بن احمد
ابن محمد بن عمر بن الحسن بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرفيل ابو حعفر بن المسلمة القرشي اسلم الرفيل على يدى عمر بن الخطاب ولد في سنة خمس وسبعين وثلثمائة وسمع ابا الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري وهو آخر من حدث عنه وابا محمد ابن معروف وهو آخر من حدث عنه وابا عمر والآدمي وابا الحسين بن اخي ميمي وابا طاهر المخلص وابا الفرج بن المسلمة اباه في آخرين وكان صحيح السماع واسع الرواية نبيلا ثقة صالحا حدث بالكتب الكبار وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا وكان ثقة وقد حدث عنه الكبار من العلماء وخرج له الخطيب مجالس وتوفى ليلة السبت جمادي الاولى من هذه السنة وصلى عليه في جامع الرصافة ودفن بالخيزرانية وكان يوما مشهودا
334 - محمد بن احمد
ابن قفرجل ابو البركات المجهر سمع ابا احمد الفرضى وابا الحسن بن بشران وحدث بشئ يسير وكان ثقة وكان يملك نحوا من عشرين الف دينار فاوصى بالثلث صدقة واخرج قبل موته الف دينار فتصدق بها وتوفى يوم الجمعة ثالث

جمادى الاولى ودفن في مقبرة باب الدير قريبا من قبر معروف
335 - محمد بن عمر
ابن ابراهيم ابو بكر ابن الآدمي سمع ابا القاسم بن بشران وكان ثقة وتوفى ليلة الخميس ثالث عشرين ربيع الآخر ودفن بمقبرة الخيزران
336 - محمد بن علي
ابن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدى بالله ابو الحسين ويعرف بابن الغريق ولد يوم الثلاثء غرة دي القعدة من سنة سبعين وثلثمائة وسمع ابا الحسن الدارقطني وابا الفتح القواس في آخرين وكان ثقة صالحا كثير الصيام والتلاوة رقيق القلب بكاء عند الذكر حسن الصوت بالقرآن وكان من اشتهر بالصلاح والتعبد حتى كان يقال له زاهد بني هاشم وكان غزير العلم والعقل رحل الناس إليه من البلاد لعلو اسناده وكان مكثرا وثقل سمعه في آخر عمره فكان يقرأ هو على الناس وذهبت احدى عينيه وكان آخر من حدث في الدنيا عن الدارقطني وابن شاهين وابي بكر بن دوست خطب له ست عشرة سنة وشهد في سنة سبع واربعمائة وولي القضاء في سنة تسع واربعمائة فبقي يخطب بجامعي المنصور والمهدي ستا وسبعين سنة وشهد ستين سنة وتقضى ستا وخمسين سنة وتوفي وقت المغرب من يوم الاربعاء سلخ ذي القعدة من هذه السنة ودفن يوم الخميس غرة ذي الحجة خلف القبة الخضراء وكان قد جاوز التسعين وحضره خلق عظيم وكان يوما مشهودا وروى في المنام فقال غفر لي بطول تهجدي قال ابو بكر بن الخاضبة رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت ومناد ينادي اين ابن الخاضبة فقيل لي ادخل الجنة فدخلت فاستلقيت فرفعت رأسي فرأيت بغلة مسروجة ملجومة في يد غلام فقلت لمن هذه فقيل للشريف ابي الحسين بن الغريق فلما كانت صبيحة تلك الليلة نعى الينا الشريف انه مات تلك الليلة

337 - هناد بن ابراهيم
ابن محمد بن نصر بن اسمعيل ابو المظفر النسفي ولد سنة اربع وثمانين وثلثمائة وسمع ابا الحسين بن بشران وابا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي وابا عبد الرحمن السلمي وغيرهم من اهل البلاد المختلفة سمع منه شيوخنا وحدثونا عنه وكانوا يتهمونه لأن الغالب على حديثه المناكير توفي هناد في ربيع الاول من هذه السنة بيعقوبا وكان قاضيها ودفن هناك
سنة 466
ثم دخلت سنة ست وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها انه في صفر جلس الخليفة جلوسا عاما وعلى رأسه الامير عدة الدين وسنة ثمان عشرة سنة وهو في غاية الحسن واوصل اليه سعد الدولة الكوهرائين والجماعة وسلم اليه العهد المنشأ للسلطان بعد ان قرأ الوزير فخر الدين أوله واللواء بعد ان عقده الخليفة بيده وكان الزحام عظيما حتى هنأ الناس بعضهم بعضا بالسلامة
وفي هذا الشهر وردت التوقيعات لبعض التركما بعدة نواح من اقطاع حواشي الدار العزيزة وذلك لتغير رأي نظام الملك في الخدمة الشريفة بما اوقعه الاعداء من الضغائن بينه وبين فخر الدولة وكان من فعل العميد ابي الوفاء فلوطف التركمانية من الديوان بمال رضوا به عما كانو اقطعوه
وفي هذا الشهر وردت الكتب الى الديوان تتضمن البشارة بفتح بيت المقدس وفي شوال سنة خمس وستين واقامة الخطبة هناك وكانوا قد حوصروا حتى بلغت الكارة سبعين دينارا
وفي جمادي الآخرة ورد الحاجب السليماني من عكبرا فدخل الديوان فرسم له تدارك القورج والذي هو فوق الدار المعزية وكانت دجلة قد زادت زيادة مفرطة واتصل المطبر بالموصل والجبال ونودي بالعوام أن يخرجوا معه لذلك

فخرج من الديوان واراد قصد الموضع فرأى الماء قد حجز بينه وبين الطريق فرجع الى دار المملكة وخلا وجمع زواريق وطرح فيها رحلة ليعبر فهرب فجاءت في الليل ريح شديدة جدا وسيل عظيم وطفح الماء من البرية الى الحريم وطغى على اسوار المحال فهدمها ونزل من فوقها واسفل منها وصعد من تحت الارض وقلع الطوابيق ونبع من الآبار والبلاليع فرماها في ليلتها فصارت تلالا عالية ثم صبح دار الخلافة ففعل باكثرها مثل ذلك وكان قد دخلها من بيت النوبة ومن سور باب الغربة ثم من باب النوبي وباب العامة والجامع فهرب الخدم والخواص متحيرين والمطر يأتي من فوق وخرج الماء على الخليفة من تحت السرير الذي كان جالسا عليه فنهض الى الباب فلم يجد طريقا فحمله احد الخدم على ظهره الى التاج وخرج الجواري حاسرات فعبرن الى الجانب الغربي واقيم في الدار اربع ركاء وحطت اليها الاموال والحرم ولبس الخليفة البردة وأخذ بيده القضيب ولم يطعم يومه وليلته واما الوزير فخر الدولة فانه دخل عليه الماء في داره بباب العامة فركب وخاض بالفرس الى حضرة الخليفة فاستأذن فيما يفعل فقيل له اطلب لنفسك مخلصا قبل ان لا تجده فمضى الى الطيار على باب الغربة فاقام فيه وجاءه الملاح بثلاثة ارغفة يابسة وخل فأكل واستلقى على البارية وهلك من اموال الناس تحت الهدم الكثير وتلف من سكان درب القباب الجم الغفير وهرب الناس الى باب الطاق ودار المملكة وتلال الصحراء العالية والجانب الغربي على تخبيط شديد وتضنك قبيح وجاء الماء في البرية كالجبال يهلك ما مر به من انس ووحش وجاء على رأس الماء من الابواب والاخشاب والآلات والحباب شيء كثير وشوهد على تل في وسط الماء سبع ويحمور واقفين وهلك من الوحوش مالا يحصى وصعد بعضها الردافي فصعد السوادية سباحة فأخذوها وجاء الخبر من الموصل ان الماء ورد في البرية كالجبال فلطم سورسنجار كان حجرا فهدم قطعة منه ودحا بأحد بابيه اربعة فراسخ ووقعت آدربباب المراتب منها دار ابن جردة وكانت تشتمل على ثلاثين دارا وعلى بستان وحمام يساوي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11