كتاب : الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء
المؤلف: أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي

وكان بين مراد وهمدان قبيل الإسلام وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا حتى أثخنوهم في يوم يقال له يوم الردم وكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك ففضحهم يومئذ فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما وفد إليه يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم قال يا رسول الله من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوءه ذلك فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أما إن ذلك اليوم لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا
وفي ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك
مررنا باللفاة وهن خوص
ينازعن الأعنة ينتحينا
فإن نغلب فغلابون قدما
وإن نغلب فغير مغلبينا
وما إن طبنا جبن ولكن
منايانا وطعمة آخرينا
كذاك الدهر دولته سجال
تكر صروفه حينا فحينا
فبينا ما نسر به ونرضى
ولو لبست غضارته سنينا
إذا انقلبت به كرات دهر
فألفى للأولى غبطوا طحينا
فمن يغبط بريب الدهر منهم
تجد ريب الزمان له خؤونا
فلو خلد الملوك إذن خلدنا
ولو بقي الكرام إذا بقينا
فأفنى ذلكم سروات قومي
كما أفني القرون الأولينا
الوافر
واستعمل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فروة بن مسيك على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة وكتب له فيها كتابا لا يعدوه إلى غيره فكان خالد مع فروة في بلاده حتى توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
ولما كانت السنة التي توفي فيها صلوات الله وبركاته عليه وصدر عن مكة ورأت أبناء زبيد قبائل اليمن تقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مقرين بالإسلام مصدقين برسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثم يرجع راجعهم إلى بلاده وهم على ما هم عليه قالوا لخالد بن سعيد والله لقد دخلنا فيما دخل فيه الناس وصدقنا بمحمد {صلى الله عليه وسلم} وخلينا بينك وبين صدقات أموالنا وكنا لك عونا على من خالفك من قومنا
قال خالد قد فعلتم قالوا فأوفد منا نفرا يقدمون على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ويخبرونه بإسلامنا ويقبسونا منه خيرا

قال خالد ما احسن ما دعوتم إليه وأنا أجيبكم ولم يمنعني أن أقول لكم هذا إلا أني رأيت الوفود تمر بكم فلا يهيجكم ذلك على الخروج فساءني ذلك منكم حتى ساء ظني بكم وكنتم على ما كنتم عليه من حداثة عهدكم بالشرك فخشيت أن يكون الإسلام لم يرسخ في قلوبكم فأما إذا طلبتم ما طلبتم فأنا أرجو أن يكون الإسلام راسخا في قلوبكم
قالوا وما أنكرت منا والله لقد كنا في حيزك واخترناك على غيرك من عمال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وما رأيت منا شيئا تكرهه ولا تنكره إلى يومنا هذا
قال اللهم غفرا لولا أني أنكرت منكم بعض ما ينكر ما قلت هذا أما تعلمون أني أخذت من شاب منكم فريضة بنت مخاض فعقلتها ووسمتها بميسم الصدقة فجئتم بأجمعكم فأخذتموها ثم قلتم إن شاء خالد فليأخذها من مرعاها فأمسكت عنكم وخفت أن يأتي منكم ما هو شر من هذا قالوا فقد كان ونزعنا وتبنا إلى الله فلا نحول بينك وبين شيء تريده فبعث معهم وفدا إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وفد زبيد عمرو بن معدي كرب
وقدم عمرو بن معدي كرب على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في أناس من قومه بني زبيد فأسلم وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يا قيس إنك سيد قومك وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد خرج بالحجاز يقال إنه نبي فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفي علينا إذا لقيناه اتبعناه وإن كان غير ذلك علمنا علمه فإنه إن سبق إليه رجل من قومك سادنا وترأس علينا وكنا له أذنابا
فأبى عليه قيس وسفه رأيه فركب عمرو بن معدي كرب حتى قدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأقام أياما فأجازه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كما كان يجيز الوفود وأنصرف راجعا إلى بلاده فأقام في قومه بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك سامعا له مطيعا فلما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ارتد عمرو ثم راجع الإسلام بعد ذلك
وقد كان قيس بن مكشوح لما بلغه خروج عمرو أوعده وتحطم عليه وقال خالفني وترك رأبي
فقال عمرو في ذلك من أبيات
أمرتك يوم في ذي صنعاء

أمرا باديا رشده
أمرتك باتقاء الله
والمعروف تتعده
فكنت كذي الحمير غره
مما به وتده
تمناني على فرس
عليه جالس أسده
فلو لاقيتني للقيت
ليثا فوقه لبده
الوافر
وطلب فروة بن مسيك قيس بن مكشوح كل الطلب حتى هرب من
بلاده وكان مصمما في طلب من خالفه فكان عمرو يقول لقيس قد خبرتك يا قيس أنك تكون ذنبا تابعا لفروة بن مسيك
وفد بني ثعلبة
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد بني ثعلبة سنة ثمان مرجعه من الجعرانة
ذكر الواقدي عن رجل منهم قال لما قدم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من الجعرانة قدمنا عليه وافدين مقرين بالإسلام ونحن أربعة نفر فنزلنا دار رملة بنت الحارث فجاءنا بلال فنظر إلينا فقال أمعكم غيركم قلنا لا فانصرف عنا فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتى بجفنة من ثريد بلبن وسمن فأكلنا حتى نهلنا ثم رحنا إلى الظهر فإذا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد خرج من بيته ورأسه يقطر ماء فرمى ببصره إلينا فأسرعنا إليه وبلال يقيم الصلاة
فسلمنا عليه وقلنا يا رسول الله إنا رسل من خلفنا من قومنا مقرين بالإسلام وهم في مواشيهم وما لا يصلحه إلا هم وقد قيل لنا يا رسول الله لا إسلام لمن لا هجرة له فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضركم حيث كنتم
وفرغ بلال من الآذان ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} يكلمنا ثم تقدم فصلى بنا الظهر لم تصل وراء أحد قط أتم صلاة ولا أوجز منه ثم انصرف إلى بيته فدخل فلم يلبث أن خرج إلينا فقيل لنا صلى في بيته ركعتين فدعا بنا فقال أين أهلكم فقلنا قريبا يا رسول الله هم بهذه السرية فقال كيف بلادكم فقلنا مخصبون فقال الحمد لله
فأقمنا أياما وتعلمنا من القرآن والسنن وضيافته تجري علينا ثم جئنا نودعه منصرفين فقال لبلال أجزهم كما تجيز الوفد فجاء بلال بنقر من فضة فأعطى كل واحد منا خمس أواق وقال ليس عندنا دراهم مضروبة فانصرفنا إلى بلادنا
وفد بني سعد هذيم
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بنو سعد هذيم من قضاعة في سنة تسع

ذكر الواقدي عن ابن النعمان منهم عن أبيه قال قدمت على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وافدا في نفر من قومي وقد أوطأ رسول الله {صلى الله عليه وسلم} البلاد غلبة وأداخ العرب والناس صنفان
إما داخل في الإسلام راغب فيه وإما خائف من السيف فنزلنا ناحية من المدينة ثم خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه فنجد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يصلي على جنازة في المسجد فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل مع الناس في صلاتهم وقلنا حتى نلقي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ونبايعه ثم انصرف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فنظر إلينا فدعا بنا فقال من أنتم فقلنا من بني سعد هذيم فقال أمسلمون أنتم قلنا نعم قال فهلا صليتم على أخيكم قلنا يا رسول الله ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أينما أسلمتم فأنتم مسلمون
قال فأسلمنا وبايعنا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بأيدينا على الإسلام ثم انصرفنا إلى رحالنا وقد كنا خلفنا عليها أصغرنا فبعث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في طلبنا فأتى بنا إليه فتقدم صاحبنا فبايعه على الإسلام فقلنا يا رسول الله إنه أصغرنا وإنه خادمنا فقال أصغر القوم خادمهم بارك الله عليه
قال فكان والله خيرنا وأقرأنا للقرآن لدعاء رسول الله {صلى الله عليه وسلم} له
ثم أمره رسول الله {صلى الله عليه وسلم} علينا فكان يؤمنا
ولما أردنا الانصراف أمر بلالا فأجازنا بأواقي من فضة لكل رجل منا فرجعنا إلى قومنا فرزقهم الله الإسلام
وفد بني فزارة
ولما رجع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من تبوك قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن والحر بن قيس بن حصن ابن أخي عيينة بن حصن وهو أصغرهم فنزلوا في دار زينب بنت الحارث وجاءوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مقرين بالإسلام وهم مسنتون على وكاف عجاف فسألهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عن بلادهم فقال أحدهم يا رسول الله أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا وأجدب جنابنا وغرث عيالنا فادع لنا ربك يغثنا واشفع لنا إلى ربك وليشفع لنا ربك إليك

فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} سبحان الله ويلك هذا أنا شفعت إلى ربي عز وجل فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه لا اله إلا هو العلي العظيم وسع كرسيه السموات والأرض فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الجديد
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن الله جل وعز ليضحك من شفعكم وأزلكم وقرب غياثكم
فقال الأعرابي يا رسول الله ويضحك ربنا عز وجل قال نعم قال الأعرابي لن نعدمك من رب يضحك خير فضحك النبي {صلى الله عليه وسلم} من قوله وصعد المنبر فتكلم بكلمات وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء فرفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه وكان مما حفظ من دعائه اللهم اسق بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا مغيثا مربعا طيبا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم اسقنا رحمة ولا تسقنا عذابا ولا هدما ولا غرقا ولا محقا اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء
فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري فقال يا رسول الله التمر في المربد
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اللهم اسقنا فعاد أبو لبابة لقوله وعاد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لدعائه فعاد أيضا أبو لبابة لقوله وعاد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لدعائه فعاد أيضا أبو لبابة فقال التمر في المربد يا رسول الله فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره
قالوا ولا والله ما في السماء سحاب ولا قزعة وما بين المسجد وبين سلع من شجر ولا دار فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فو الله ما رأوا الشمس سبعا
وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا يخرج التمر منه فجاء ذلك الرجل أو غيره فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فصعد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} المنبر فدعا ورفع يديه مدا حتى رؤي بياض إبطيه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر
قال فانجابت السحاب عن المدينة انجياب الثوب
وفد بني أسد

وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد بني أسد عشرة رهط فيهم وابصة بن معبد وطليحة بن خويلد ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} جالس في المسجد مع أصحابه فسلموا وتكلموا وقال متكلمهم يا رسول الله إنا شهدنا أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثا ونحن لمن وراءنا
قال محمد بن كعب القرظي فأنزل الله عز وجل على رسوله يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين 17 الحجرات
وكان مما سألوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عنه يومئذ العيافة والكهانة وضرب الحصى فنهاهم عن ذلك كله
فقالوا يا رسول الله إن هذه أمور كنا نفعلها في الجاهلية أرأيت خصلة بقيت قال وما هي قال الخط قال علمه نبي من الأنبياء فمن صادف مثل علمه علم
وفد بهراء

وذكر الواقدي عن كريمة بنت المقداد قالت سمعت أمي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تقول قدم وفد بهراء من اليمن وهم ثلاثة عشر رجلا فأقبلوا يقودون رواحلهم حتى انتهوا إلى باب المقداد ونحن في منزلنا نبني جديلة فخرج إليهم المقداد فرحب بهم وأنزلهم وجاءهم بجفنة من حيس قد كنا هيأناها قبل أن يحلوا لنجلس عليها فحملها أبو معبد المقداد وكان كريما على الطعام فأكلوا منها حتى نهلوا وردت إلينا القصعة وفيها أكل فجمعنا تلك الأكل في قصعة صغيرة ثم بعثنا بها إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مع سدرة مولاتي فوجدته في بيت أم سلمة فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ضباعة أرسلت بهذا قالت سدرة نعم يا رسول الله قال ضعي ثم قال ما فعل ضيف أبي معبد قلت عندنا فأصاب منها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أكلا هو ومن معه في البيت حتى نهلوا وأكلت معهم سدرة ثم قال اذهبي بما بقي إلى ضيفكم قالت سدرة فرجعت بما بقي في القصعة إلى مولاتي قالت فأكل منها الضيف ما أقاموا نرددها عليهم وما تغيض حتى جعل الضيف يقولون يا أبا معبد انك لتنهلنا من احب الطعام إلينا وما كنا نقدر على مثل هذا إلا في الحين وقد ذكر لنا أن بلادكم قليلة الطعام إنما هو العلق أو نحوه ونحن عندك في الشبع فأخبرهم أبو معبد بخبر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه أكل منها أكلا وردها فهذه بركة أثر أصابع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فجعل القوم يقولون نشهد أنه رسول الله وازدادوا يقينا وذلك الذي أراد رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وتعلموا الفرائض وأقاموا أياما ثم جاءوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فودعوه وأمر لهم بجوائزهم وانصرفوا إلى أهلهم
وفد بني غدرة

وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد بني غدرة في صفر سنة تسع اثنا عشر رجلا فيهم حمزة بن النعمان وسليم وسعد ابنا مالك ومالك بن أبي رباح فنزلوا في دار رملة بنت الحارث النجارية ثم جاءوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو في المسجد فسلموا بسلام أهل الجاهلية فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من القوم فقال متكلمهم من لا تنكر نحن بنو غدرة أخوة قصي لأمه نحن الذين عضوا قصيا وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر ولنا قرابات وأرحام
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مرحبا بكم وأهلا ما أعرفني بكم فما منعكم من تحية الإسلام قالوا يا محمد كنا على ما كان عليه آباؤنا فقدمنا مرتادين لأنفسنا ولمن خلفنا فإلام تدعو فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن تشهدوا أني رسول الله إلى الناس كافة فقال المتكلم فما وراء ذلك من الفرائض فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الصلوات الخمس تحسن طهورهن وتصليهن لمواقيتهن فإنه أفضل العمل ثم ذكر لهم سائر الفرائض من الصيام والزكاة والحج فقال المتكلم الله أكبر نشهد انه لا اله إلا الله وأنك رسول الله قد أجبناك إلى ما دعوت إليه ونحن أعوانك وأنصارك ثم قال يا رسول الله إنا متاخمو الشام وأخبارهم ترد علينا وبالشام من قد علمت هرقل فهل أوحي إليك في أمره بشيء فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أبشر فإن الشام ستفتح عليكم ويهرب هرقل إلى ممتنع بلاده قال الله أكبر يا رسول الله إن فينا امرأة كاهنة كانت قريش والعرب يتحاكمون إليها ولو قد رجعنا أقرت هي وغيرها من قومنا بالإسلام إن شاء الله أفنسألها عن كهانتها فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لا تسألوها عن شيء قال الله أكبر ثم سأله عن الذبائح التي كانوا يذبحون في الجاهلية لأصنامهم فنهاهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عنها وقال لا
ذبيحة لغير الله عز وجل ولا ذبيحة عليكم في سنتكم إلا واحدة ط
قال وما هي فداك أبي وأمي قال الأضحية قال وأمي وقت تكون قال صبيحة العاشر من ذي الحجة تذبح شاة عنك وعن أهلك قال يا رسول الله أهي على أهل كل بيت وجدوها قال نعم

فأقاموا أياما ثم أجازهم كما يجيز الوفود وانصرفوا
وقدم بلي
وقد على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد بلي في ربيع الأول من سنة تسع
قال رويفع ابن ثابت البلوي فبلغني قدومهم فخرجت حتى جئتهم برأس الثنية في أيديهم خطم رواحلهم فرحبت بهم وقلت المنزل علي فعدلت بهم إلى منزلي فنزلوا ولبسوا من صالح ثيابهم ثم خرجت بهم حتى انتهيت إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو جالس في أصحابه في بقية فيء الغداة فسلمت
فقال رويفع فقلت لبيك قال من هؤلاء القوم قلت قومي قال مرحبا بك وبقومك قلت يا رسول الله قدموا وافدين عليك مقرين بالإسلام وهم على من وراءهم من قومهم
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من يرد الله به خيرا يهده للإسلام
قال وتقدم شيخ الوفد أبو الضبيب فجلس بين يديه فقال يا رسول الله إنا قدمنا عليك لنصدقك ونشهد أن ما جئت به حق ونخلع ما كنا نعبد ويعبد آباؤنا قبلنا
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الحمد لله الذي هداكم للإسلام فكل من مات على غير الإسلام فهو في النار قال يا رسول الله إني رجل لي رغبة في الضيافة فهل لي في ذلك من أجر قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} نعم وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة قال يا رسول الله ما وقت الضيافة قال ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فصدقة ولا يحل للضيف أن يقيم عندك فيحرجك قال يا رسول الله أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض قال لك أو لأخيك أو للذئب قال فالبعير قال مالك وله دعه حتى يجده صاحبه
وسأله عن أشياء غير هذه فأجابه عنها
قال رويفع ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي فإذا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يأتي منزلي يحمل تمرا فقال استعن بهذا التمر فكانوا يأكلون منه ومن غيره فأقاموا ثلاثا ثم ودعوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم
ضمام بن ثعلبة

وبعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقدم عيه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} جالس في أصحابه وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين فأقبل حتى وقف على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في أصحابه فقال أيكم ابن عبد المطلب فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنا ابن عبد المطلب
قال أمحمد قال نعم قال يا ابن عبد المطلب إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك قال لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك
قال أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله بعثك إلينا رسولا قال اللهم نعم قال فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله أمرك أن تأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه قال اللهم نعم قال فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس قال اللهم نعم
ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ينشده عند كل فريضة كما ينشده في التي قبلها حتى إذا فرغ قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وسأؤدى هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص
ثم انصرف إلى بعيره راجعا
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة
قال فأتى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا عليه فكان أول ما تكلم به أن سب اللات والعزى قالوا مه يا ضمام اتق البرص
اتق الجذام اتق الجنون قال ويلكم إنهما والله ما تضران ولا تنفعان إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا فاستنقذكم به مما كنتم فيه فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه
قال فوالله ما أمسي من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلما

فبنوا المساجد وآذنوا بالصلاة وكلما اختلفوا في شيء قالوا عليكم بوافدنا
قال ابن عباس فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة
واختلف في الوقت الذي وفد فيه ضمام هذا على النبي {صلى الله عليه وسلم} فقيل سنة خمس
ذكره الواقدي وغيره وقيل سنة سبع وقيل سنة تسع فالله أعلم
وفد عبد القيس
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد عبد القيس في جماعة رأسهم عبد الله بن عوف الأشج فلما أتوه قال من الوفد أو من القوم قالوا ربيعة قال مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا الندامى قالوا يا رسول الله إنا نأتيك من شقة بعيدة وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة
فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع
أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال هل تدرون ما الإيمان بالله قالوا الله ورسوله أعلم
قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم
ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير
قالوا يا نبي الله ما علمك بالنقير قال بلى جذع ينقرونه فيقذفون فيه من القطيعاء أو قال من التمر ثم يصبون فيه من الماء حتى إذا سكن غليانه شربتموه حتى أن أحدكم أو أن أحدهم ليضرب ابن عمه بالسيف وفي القوم رجل أصابته جراحه كذلك قال وكنت أخبأها حياء من رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقد كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما سلم عليه القوم سألهم أيكم عبد الله الأشج فقالوا أتاك يا رسول الله وكان عبد الله وضع ثياب سفره وأخرج ثيابا حسانا فلبسها وكان رجلا دميما فلما جاء ونظر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى دمامته قال يا رسول الله إنه لا يستقي في مسوك الرجال إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه لسانه وقلبه
فقال له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن فيك الخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة فقال عبد الله يا رسول الله أشيء حدث في أم شيء جبلت عليه فقال بل شيء جبلت عليه

وكان الأشج يسائل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عن الفقه والقرآن فكان رسول الله يدينه منه إذا جلس وكان يأتي أبي بن كعب فيقرأ عليه
وأمر لهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بجوائز وفضل الأشج عليهم فأعطاه اثنتي عشرة أوقية ونشا وذلك أكثر مما كان يجيز به الوفود
وقدم في هذا الوفد الجارود بن عمرو وكان نصرانيا فلما انتهى إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كلمه فعرض عليه الإسلام ودعاه إليه ورغبه فيه فقال يا محمد إني كنت على دين وإني تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه فأسلم وحسن إسلامه
وأراد الرجوع إلى بلاده فسأل النبي {صلى الله عليه وسلم} حملانا فقال والله ما عندي ما أحملكم عليه قال يا رسول الله فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى بلادنا قال لا إياك وإياها فإنما تلك حرق النار
فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه وكان حسن الإسلام صليبا في دينه حتى هلك وقد أدرك الردة فلما رجع من كان أسلم من قومه إلى دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان قام الجارود فتشهد بشهادة الحق ودعا إلى الإسلام فقال يا أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأكفر من لم يتشهد
ويروي وأكفئ من لم يشهد
وفد بني مرة
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد بني مرة ثلاثة عشر رجلا رأسهم الحارث ابن عوف وذلك منصرف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من تبوك جاءوه وهو في المسجد فقال الحارث بن عوف يا رسول الله إنا قومك وعشيرتك نحن قوم من بني لؤي بن غالب فتبسم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقال للحارث أين تركت أهلك قال بسلاح وما والاها قال فكيف البلاد قال والله إنا لمسنتون وما في المال مخ فادع الله لنا

قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اللهم اسقهم الغيث فأقاموا أياما ثم أرادوا الإنصراف إلى بلادهم فجاءوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مودعين له فأمر بلالا أن يجيزهم فأجازهم بعشر أواق عشر أواق فضة وفضل الحارث بن عوف أعطاه اثنتي عشرة أوقية ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة فسألوا متى مطرتم فإذا هو ذلك اليوم الذي دعا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فيه
فقدم عليه قادم بعد وهو يتجهز لحجة الوداع فقال يا رسول الله رجعنا إلى بلادنا فوجدناها مضبوطة مطرا لذلك اليوم الذي دعوت لنا فيه ثم قلدتنا أقلاد الزرع في كل خمس عشرة ليلة مطرة جودا ولقد رأيت الإبل تأكل وهي بروك وإن غنمنا ما توارى من أبياتنا فترجع فتقيل في أهلنا
فقال رسول الله الحمد لله الذي هو صنع ذلك
وفد خولان
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في شعبان من سنة عشر وفد خولان وهم عشرة فقالوا يا رسول الله نحن على من وراءنا من قومنا ونحن مؤمنون بالله عز وجل مصدقون برسوله قد ضربنا إليك آباط الإبل وركبنا حزون الأرض وسهولها والمنة لله ولرسوله علينا وقدمنا زائرين لك
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أما ما ذكرتم من مسيركم الي فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة واما قولكم زائرين لك فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة
قالوا يا رسول الله هذا السفر الذي لا توى عليه
ثم قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما فعل عم أنس وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه قالوا بشر وعر بدلنا الله به ما جئت به وقد بقيت منا بعد بقايا من شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به ولو قد قمنا عليه هدمناه إن شاء الله فقد كنا في غرور وفتنة يا رسول الله إن فتنته كانت أعظم مما عسينا أن نذكره لك فالحمد لله الذي من علينا بك وتنقذنا من الهلكة وما مضى عليه الآباء من عبادته
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وما أعظم ما رأيتم من فتنته قالوا يا رسول الله لقد رأيتنا وأسنتنا حتى أكلنا الرمة ومات الولدان غرما وهلكت ناغيتنا وراعيتنا وحافرنا أو ما ذهب منها

فقلنا أو من قال منا قربوا لعم انس قربانا يشفع لكم فتغاثوا فتعاونوا فجمعنا ما قدرنا عليه من عين مالنا ثم ذهب ذاهبنا فابتاع مائة ثور ثم حشرها علينا فنحرناها في غداة واحدة وتركناها تردها السباع ونحن أحوج إليها من السباع فجاءنا الغيث من ساعتنا فأي فتنة اعظم من هذه فلقد رأينا العشب يواري الرجال ويقول قائلنا أنعم علينا عم أنس
وذكروا لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما كانوا يقسمون لصنمهم هذا من أنعامهم وحروثهم وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءا له وجزءا لله بزعمهم
قالوا كنا نزرع الزرع فنجعل له وسطه فنسميه له ونسمي زرعا آخر حجرة لله جل وعز فإذا مالت الريح بالذي سميناه لله جعلناه لعم أنس وإذا مالت الريح بالذي جعلناه لعم أنس لم نجعله لله
فذكر لهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن الله عز وجل أنزل عليه في ذلك وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون ( الأنعام 136
قالوا وكنا نتحاكم إليه فنكلم
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} تلك الشياطين تكلمكم
قالوا فأصبحنا يا رسول الله وقلوبنا تعرف أنه كان لا يضر ولا ينفع ولا يدري من عبده ممن لم يعبده
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الحمد لله الذي هداكم وأكرمكم بمحمد {صلى الله عليه وسلم}
وسألوه عن فرائض الدين فأخبرهم وأمرهم بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة وحسن الجوار لمن جاوروا وان لا يظلموا أحدا
قال فإن الظلم ظلمات يوم القيامة
ثم أمر بهم فأنزلوا دار رملة وأمر لهم بضيافة تجرى عليهم وأمر من يعلمهم القرآن والسنن ثم ودعوه بعد أيام فأجازهم ورجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى هدموا عم أنس
وفد محارب
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عام حجة الوداع وفد محارب وهم كانوا أغلظ العرب وأفظه على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في تلك المواسم أيام عرضه نفسه على القبائل يدعوهم إلى الله فجاء رسول الله {صلى الله عليه وسلم} منهم عشرة نائبين عن من وراءهم من قومهم فأسلموا

وكان بلال يأتيهم بغذاء وعشاء إلى أن جلسوا مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يوما من الظهر إلى العصر فعرف رجلا منهم فأبده النظر فلما رآه المحاربي يديم النظر إليه قال كأنك يا رسول الله توهمني
قال لقد رأيتك
فقال المحاربي أي والله لقد رأيتني وكلمتني وكلمتك بأقبح الكلام ورددتك بأقبح الرد بعكاظ وأنت تطوف على الناس
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} نعم
ثم قال المحاربي يا رسول الله ما كان في أصحابي أشد عليك يومئذ ولا أبعد من الإسلام مني فأحمد الله الذي أتعاني حتى صدقت بك ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن هذه القلوب بيد الله عز وجل
فقال المحاربي يا رسول الله استغفر لي من مراجعتي إياك
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن الإسلام يجب ما كان قبله من الكفر
ثم انصرفوا إلى أهليهم
وفد طيء
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد طيء فيهم زيد الخيل وهو سيدهم فلما إنتهوا إليه كلموه وعرض عليهم الإسلام فأسلموا فحسن إسلامهم وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ كل ما فيه ثم سماه زيد الخير وقطع له فيدا وأرضين معه وكتب له بذلك كتابا فخرج من عنده راجعا إلى قومه فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن ينج زيد من حمى المدينة يسميها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يومئذ باسم غير الحمى وغير أم ملدم
وقال زيد حين انصرف
أنيخت بآجام المدينة أربعا
وعشرا يغني فوقها الليل طائر
فلما قضى أصحابها كل بغية
وخط كتابا في الصحيفة ساطر
شددت عليها رحلها وسليلها
من الدرس والشعراء والبطن ضامر
الطويل
فلما انتهى زيد من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له فردة أصابته الحمى فمات
وقال لما أحس بالموت
أمرتحل قومي المشارق غدوة
وأترك في بيت بفردة منجد
ألا رب يوم لو مرضت لعادني
عوائد من لم يشف منهن يجهد
فليت اللواتي عدنني لم يعدنني
وليت اللواتي غبن عني شهد
الطويل

فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان من كتبه التي قطع له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فحرقتها بالنار
وأما عدي بن حاتم فكان يقول فيما ذكر عنه ما من رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} حين سمع به مني أما أنا فكنت امرأ شريفا وكنت نصرانيا وكنت أسير في قومي بالمرباع فكنت في نفسي على دين
وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي قومي وما كان يصنع في أهل ديني فلما سمعت برسول الله {صلى الله عليه وسلم} كرهته فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبل لي لا أبالك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل ثم إنه أتاني ذات غداة فقال يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيك خيل محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا هذه جيوش محمد
قلت فقرب إلي أجمالي فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر فلما قدمت الشام أقمت بها
وتخالفني خيل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فتصيب بنت حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في سبايا من طيء فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها فمر بها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقد كان بلغه هربي إلى الشام فقامت إليه وكانت امرأة جزلة فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك
قال ومن وافدك قالت عدي بن حاتم
قال الفار من الله ورسوله قالت ثم مضى وتركني حتى إذا كان من الغد مر بي فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس
قالت حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه فقمت إليه فقلت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فتمنن علي من الله عليك قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى أهلك ثم آذنيني

فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن كلميه فقيل علي بن أبي طالب وأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة وإنما أريد أن آتي أخي بالشام فجئت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقلت يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة
وبلاغ
فكساني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام
قال عدي فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب الي تؤمنا قلت ابنة حاتم فإذا هي هي فلما وقفت علي انسحلت تقول القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك قلت أي أخية لا تقولي إلا خيرا فوالله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت
ثم نزلت فأقامت عندي
فقلت لها وكانت امرأة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وان يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت
قلت والله أن هذا للرأي
فخرجت حتى اقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال من الرجل فقلت عدي بن حاتم فقام رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فانطلق بي إلى بيته فوالله انه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال قلت في نفسي والله ما هذا بملك قال ثم مضى بي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى إذا دخل بي بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها الي فقال اجلس على هذه قال قلت بل أنت فاجلس عليها قال بل أنت فجلست عليها وجلس رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بالأرض فقلت في نفسي والله ما هذا بأمر ملك ثم قال إيه يا عدي بن حاتم آلم تك ركوسيا قلت بلى قال أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع قلت بلى قال فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك قلت اجل والله وعرفت انه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال
لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فولله ليوشكن أن

تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه انك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم
وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم
قال فأسلمت
وكان عدي يقول مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن
قد رأيت القصور البيض من ارض بابل قد فتحت وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه
وفد كنده
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الأشعث بن قيس في ثمانين راكبا من كندة فدخلوا على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مسجده قد رجلوا جممهم وتكحلوا عليهم جباب الحبرة قد كففوها بالحرير فلما دخلوا على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال ألم تسلموا قالوا بلى قال فما بال هذا الحرير في أعناقكم قال فشقوه منها فالقوه
ثم قال له الأشعث بن قيس يا رسول الله نحن بنو آكل المرار وأنت ابن أكل المرار فتبسم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقال ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث وكانا إذا خرجا تاجرين فضربا في بعض العرب فسئلا ممن هما قالا نحن بنو آكل المرار يتعززان بذلك وذلك أن كندة كانوا ملوكا
ثم قال لهم لا بل نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا
وقال جندب بن مكيث لقد رأيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يوم قدم وفد كندة عليه حلة يمانية يقال إنها حلة ابن ذي يزن وعلى أبي بكر وعمر مثل ذلك
وكان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إذا قدم عليه الوفد لبس احسن ثيابه وأمر علية أصحابه بذلك
وفد صداء

وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد صداء في سنة ثمان وذلك أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما انصرف من الجعرانة بعث بعوثا إلى اليمن وهيأ بعثا استعمل عليهم قيس بن سعد بن عبادة وعقد له لواء أبيض ورفع له راية سوداء وعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين وأمره أن يطأ ناحية من اليمن كان فيها صداء فقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} رجل منهم وعلم بالجيش فأتى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال يا رسول الله جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش وأنا لك بقومي
فرد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قيس بن سعد من صدور قناة وخرج الصدائي إلى قومه فقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} خمسة عشر رجلا منهم فقال سعد بن عبادة يا رسول الله دعهم ينزلوا علي فنزلوا عليه فحياهم وأكرمهم وكساهم ثم راح بهم إلى النبي {صلى الله عليه وسلم} فبايعوه على الإسلام وقالوا نحن لكن على من وراءنا من قومنا فرجعوا إلى قومهم ففشا فيهم الإسلام فوافى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} منهم مائة رجل في حجة الوداع
ذكر هذا الواقدي عن بعض بني المصطلق
وذكر من حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه الذي قدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال له اردد الجيش وأنا لك بقومي
فردهم
قال وقدم وفد قومي عليه فقال لي يا أخا صداء انك لمطاع في قومك قال قلت بلى من الله عز وجل ومن رسوله
وكان زياد هذا مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في بعض أسفاره
قال فاعتشى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أي سار ليلا واعتشينا معه وكنت رجلا قويا قال فجعل أصحابه يتفرقون عنه ولزمت غرزه فلما كان في السحر قال أذن يا أخا صداء فأذنت على راحلتي ثم سرنا حتى نزلنا فذهب لحاجته ثم رجع فقال يا أخا
صداء هل معك ماء قلت معي شيء في إداوتي
فقال هاته فجئت به فقال صب فصببت ما في الإداوة في القعب وجعل أصحابه يتلاحقون ثم وضع كفه على الإناء فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور ثم قال يا أخا صداء لولا أني أستحي من ربي لسقينا واستسقينا ثم توضأ وقال أذن في صحابي
من كانت له حاجة بالوضوء فليرد

قال فوردوا من آخرهم ثم جاء بلال يقيم فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم فأقمت ثم تقدم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فصلى بنا وكنت سألته قبل أن يؤمرني على قومي ويكتب لي بذلك كتابا ففعل فلما سلم يريد من صلاته قام رجل يشتكي من عامله فقال يا رسول الله إنه أخذنا بدخول كانت بيننا وبينه في الجاهلية فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لا خير في الإمارة لرجل مسلم ثم قام رجل فقال يا رسول الله أعطني من الصدقة فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن الله لم يكل قسمها إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى جزأها على ثمانية أجزاء فإن كنت جزءا منها أعطيتك وإن كنت عنها غنيا فإنما هو صداع في الرأس وداء في البطن
فقلت في نفسي هاتان خصلتان حين سألت الإمارة وأنا رجل مسلم وسألته من الصدقة وأنا غني عنها فقلت يا رسول الله هذان كتاباك فاقبلهما فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ولم قلت إني سمعتك تقول لا خير في الإمارة لرجل مسلم وأنا مسلم وسمعتك تقول من سأل من الصدقة وهو عنها غني فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن وأنا غني
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أما إن الذي قلت كما قلت لك فقبلهما رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثم قال دلني على رجل من قومك أستعمله فدللته على رجل فاستعمله قلت يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها وإذا كان الصيف قل علينا فتفرقنا على المياه والإسلام اليوم فينا قليل ونحن نخاف فادع الله عز وجل لنا في بئرنا
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ناولني سبع حصيات فناولته فعركهن بيده ثم دفعهن إلي وقال إذا انتهيت إليها فألق فيها حصاة حصاة وسم الله
قال ففعلت فما أدركنا لهاقعرا حتى الساعة
وفد غسان
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقد غسان
قالوا أو من قاله منهم فيما ذكر الواقدي عنهم قدمنا على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في رمضان سنة عشر ونحن ثلاثة نفر فلما كنا برأس الثنية لقينا رجل على فرس متنكب قوسا فحيانا بتحية الإسلام فرددنا عليه تحيتنا فقال من أنتم قلنا رهط من غسان قد قدمنا على محمد نسمع من كلامه ونرتاد لقومنا

قال فانزلوا حيث ينزل الوفد قلنا وأين ينزل الوفد قال دار رملة بنت الحارث
ويقال الحارث ثم ائتوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فكلموه
قلنا ونقدر عليه كلما أردنا قال فتبسم فقال أي لعمري إنه ليطوف بالأسواق ويمشي وحده وكنا قوما نسمع كلام النصارى وصفتهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأنه يمشي وحده لا شرطة معه ويرعب من يراه منهم
فقلنا للرجل من أنت لك الجنة
قال أنا أبو بكر بن أبي قحافة
فقلنا أنت فيما يزعم النصارى تقوم بهذا الأمر بعده
قال أبو بكر الأمر إلى الله عز وجل ثم قال كيف تخدعون عن الإسلام وقد خبركم أهل الكتاب بصفته وأنه آخر الأنبياء قلنا هو ذاك فمضى ومضينا نسأل عن دار رملة حتى انتهينا إليها فنصادف وفودا من العرب كلهم مصدق بمحمد {صلى الله عليه وسلم} فقلنا فيما بيننا أترانا شر من نزى من العرب ثم خرجنا حتى نلقي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عند باب المسجد واقفا فأمدنا ببصره وقال أنتم الغسانيون قلنا نعم قال قدمتم مرتادين لقومكم فما انتفعتم بعلم من كان معكم من أهل الكتاب
قلنا يا محمد لم نر أحدا منهم اتبعك فوقفنا عنك لذلك
ونحن الآن على غير ما كنا عليه فالإم تدعو قال أدعو إلى الله
وحده لا شريك له وخلع ما دعي من دونه وأني رسول الله
قال قائلهم فمن معك من أتباعك قال الله جل وعز معي والملائكة جبريل وميكائيل والأنبياء وصالح المؤمنين ثم التفت ونظر إلى عمر ولم ير أبا بكر فقال هذا وصاحبه قلنا ابن أبي قحافة قال نعم قلنا إنك لتأوي إلى ركن شديد وقد صدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق ولا ندري أيتبعنا قومنا أم لا وهم يحبون بقاء ملكهم وقرب قيصر
ثم أسلموا وأجازهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بجوائز وانصرفوا راجعين فقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم وكتموا إسلامهم حتى مات منهم رجلان على الإسلام وأدرك الثالث منهم عمر بن الخطاب عام اليرموك فلقي أبا عبيدة فخبره بإسلامه فكان يكرمه
وفد سلامان

وذكر الواقدي أيضا بإسناد له أن خبيب بن عمرو السلاماني كان يحدث قال قدمنا وفد سلامان على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ونحن سبعة نفر فانتهينا إلى باب المسجد فصادفنا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} خارجا منه إلى جنازة دعي إليها فلما رأيناه قلنا يا رسول الله السلام عليك فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وعليكم السلام من أنتم قلنا نحن قوم من سلامان قدمنا عليك لنبايعك على الإسلام ونحن على من وراءنا من قومنا
فالتفت إلى ثوبان غلامه فقال أنزل هؤلاء حيث ينزل الوفد فخرج بنا ثوبان حتى انتهى بنا إلى دار واسعة فيها نخل وفيها وفود من العرب وإذا هي دار رملة بنت الحارث النجارية فلما سمعنا أذان الظهر خرجنا إلى الصلاة فقمنا على باب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى خرج إلى المسجد فصلى بالناس وهو يتصفحنا ودخل بيته فلم يلبث أن خرج فجلس في المسجد بين المنبر وبين بيته وجلست عليه أصحابه عن يمينه وعن شماله فرأيت رجلا هو أقرب القوم منه يكثر ما يلتفت إليه ويحدثه
فسألت عنه فقيل أبو بكر بن أبي قحافة وجئنا فجلسنا تجاه وجهه وجعل الوفد يسألونه عن شرائع الإسلام فلم يكد سائلهم يقطع حتى خشيت أن يقوم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقلت إنا نريد ما تريد فتبسم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأسكت السائل فقلت أي رسول الله ما افضل الأعمال قال الصلاة في وقتها ثم ذكر حديثا طويلا
قال ثم جاء بلال فأقام الصلاة فقام رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فصلى بالناس العصر فكانت صلاة العصر أخف في القيام من الظهر ثم دخل بيته فلم ينشب أن خرج فجلس في مجلسه الأول وجلس معه أصحابه وجئنا فجلسنا فلما
رآني قال يا أخا سلامان قلت لبيك قال كيف البلاد عندكم قلت أي رسول الله مجدبة وما لنا خبر من البلاد فادع الله أن يسقينا في بلادنا فنقر في أوطاننا ولا نسير إلى بلاد غيرنا فإن النجع تفرق الجميع وتشتت الديار

فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بيده اللهم اسقهم الغيث في ديارهم فقلت يا رسول الله ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب فتبسم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ورفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه ثم قام وقمنا عنه فأقمنا ثلاثا وضيافته تجري علينا ثم ودعناه وأمر لنا بجوائز فأعطينا خمس أواقي لكل رجل منا واعتذر إلينا بلال وقال ليس عندنا مال اليوم
فقلنا ما أكثر هذا وأطيبه ثم رحلنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في تلك الساعة
قال الواقدي وكان مقدمهم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في شوال سنة عشر
وفد بني عبس
قال وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد بني عبس فقالوا يا رسول الله قدم علينا قراؤنا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش وهي معايشنا فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له فلا خير في أموالنا بعناها وهاجرنا من آخرنا فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم الله من أعمالكم شيئا وسألهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عن خالد بن سنان هل له عقب فأخبروه أنه لا عقب له كانت له ابنة فانقرضت وأنشأ رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يحدث أصحابه عن خالد بن سنان فقال نبي ضيعه قومه
وفد الأزد وفد جرش
قال ابن إسحاق وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} صرد بن عبد الله الأزدي فأسلم وحسن إسلامه في وفد من الأزد فأمره رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على من أسلم من قومه
وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن
فخرج صرد بن عبد الله يسير بأمر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى نزل بجرش وهي يومئذ مدينة مغلقة وبها قبائلمن قبائل اليمن وقد ضوت إليها خثعم فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إليهم فحاصروهم فيها قريبا من شهر وامتنعوا فيها منه ثم إنه رجع عنهم قافلا حتى إذا كان إلى جبل يقال له شكر ظن أهل جرش أنه إنما ولي عنهم منهزما فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلا شديدا

وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بالمدينة يرتادان وينظران فبينما هما عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عشية بعد العصر إذ قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بأي بلاد الله شكر فقال الجرشيان ببلادنا جبل يقال له كشر وكذلك يسميه أهل جرش فقال إنه ليس بكشر ولكنه شكر قالا فما شأنه يا رسول الله قال إن بدن الله لتنحر عنده الآن فجلس الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان فقال لهما ويحكما إن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الآن لينعى لكما قومكما فقوموا فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما فقاما إليه فسألاه عن ذلك فقال اللهم ارفع عنهم فخرجا من عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} راجعين
إلى قومهما فوجدوا قومهما أصابهم صرد بن عبد الله في اليوم الذي قال فيه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ما قال وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر
فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأسلموا وحمي لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس والراحلة وللميرة بقرة الحرث فمن رعاه من الناس فماله سحت
فقال في تلك الغزوة رجل من الأزد وكانت خثعم تصيب من الأزد في الجاهلية وكانوا يعدون في الشهر الحرام
يا غزوة ما غزونا غير خائبة
فيها البغال وفيها الخيل والحمر
حتى أتينا حميرا في مصانعها
وجمع خثعم قد شاعت لها النذر
إذا وضعت غليلا كنت أحمله
فما أبالي أدانوا بعد أم كفروا
البسيط
وفد غامد

قال الواقدي وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد غامد سنة عشر وهم عشرة فنزلوا في بقيع الغردق وهو يومئذ أثل وطرفاء ثم انطلقوا إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وخلفوا في رحلهم أحدثهم سنا فنام عنه وأتى سارق فسرق عيبة لأحدهم فيها أثواب له وانتهى القوم إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فسلموا عليه وأقروا له بالإسلام وكتب لهم كتابا فيه شرائع من شرائع الإسلام وقال لهم من خلفتم في رحالكم قالوا أحدثنا يا رسول الله قال فإنه قد نام عن متاعكم حتى أتى آت فأخذ عيبة أحدكم فقال أحد القوم يا رسول الله ما لأحد من القوم عيبة غيري فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد أخذت وردت إلى موضعها فخرج القوم سراعا حتى أتوا رحلهم فوجدوا صاحبهم فسألوه عما خبرهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال فزعت من نومي ففقدت العيبة فقمت في طلبها فإذا رجل قد كان قاعدا فلما رآني ثار يعدو مني فانتهيت إلى حيث انتهى فإذا أثر حفر وإذا هو قد غيب العيبة فاستخرجتها
فقالوا نشهد أنه رسول الله فإنه قد اخبرنا بأخذها وأنها قد ردت
فرجعوا إلى النبي {صلى الله عليه وسلم} فأخبروه وجاء الغلام الذي خلفوه فأسلم
وأمر النبي {صلى الله عليه وسلم} أبي بن كعب فعلمهم قرآنا وأجازهم {صلى الله عليه وسلم} كما كان يجيز الوفود وانصرفوا
وفد بني الحارث بن كعب
قال ابن إسحاق وبعث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأول سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا فإن استجابوا فأقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم
فخرج خالد بن الوليد حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام ويقولون أيها الناس أسلموا تسلموا فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه وبذلك كان أمره رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إن هم أسلموا ولم يقاتلوا
ثم كتب خالد إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد النبي رسول الله من خالد بن الوليد

السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك فانك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب وأمرتني إ ذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه وأن لم يسلموا قاتلتهم وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وبعثت فيهم ركبانا فقالوا يا بني الحارث أسلموا تسلموا فأسلموا ولم يقاتلوا وأنا مقيم بن أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به وأنهاهم عن ما نهاهم الله عنه وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي {صلى الله عليه وسلم} حتى يكتب إلي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته
فكتب إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله
إلى خالد بن الوليد
سلام عليك
فإني أحمد إليك الله الذي لا اله إلا هو
أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وإن محمدا عبده ورسوله وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم واقبل وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
فأقبل خالد إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب منهم قيس بن الحصين ذو الغصة ويزيد بن عبد المدان ويزيد بن المحجل وعبد الله بن قراد الزيادي وشداد بن عبد الله القناني وعمرو بن عبد الله الضبابي

فلما قدموا على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فرآهم قال من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند يعني في الطول والسمرة قيل يا رسول الله هؤلاء بنو الحارث بن كعب فلما وقفوا عليه سلموا وقالوا نشهد أنك لرسول الله وانه لا إله إلا الله قال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ثم قال انتم الذين إذا زجروا استقدموا فسكتوا فلم يراجعه منهم أحد ثم أعادها الثانية فلم يراجعه منهم أحد ثم أعادها الثالثة فلم يراجعه منهم أحد ثم أعادها الرابعة فقال يزيد بن عبد المدان نعم يا رسول الله نحن الذين إذا زجروا استقدموا قالها أربع مرات فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لو أن خالدا لم يكتب إلي بأنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رءوسكم تحت أقدامكم
فقال يزيد بن عبد
المدان أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا قال فمن حمدتم قالوا حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله قال صدقتم
ثم قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية قالوا لم نك نغلب أحد قال بلى قد كنتم تغلبون من قاتلكم قالوا كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله إنا كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدأ أحدا بظلم قال صدقتم
وأمر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على بني الحارث بن كعب قيس بن الحصين
فرجع وفد بني الحارث إلى قومهم في بقية شوال أو في صدر ذي القعدة فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وقد كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب لهم كتابا عهد إليه فيه عهده وأمره فيه أمره

بسم الله الرحمن الرحيم هذا بيان من الله ورسوله يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهد من محمد النبي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله وان يبشر الناس بالخير ويأمرهم به ويعلم الناس القرآن ويفقههم فيه وينهي الناس فلا يمس القرآن إنسان إلا وهو طاهر ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين للناس في الحق ويشتد عليهم في الظلم فإن الله كره الظلم ونهى عنه فقال ألا لعنة الله على الظالمين ( ويبشر الناس بالجنة وبعملها وينذر الناس النار وعملها ويتألف الناس حتى يفقهوا في الدين ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمر الله به والحج الأكبر والحج الأصغر هو العمرة
وينهي الناس أن يصلي أحد في ثوب واحد صغير إلا أن يكون ثوبا يثني طرفيه على عاتقيه وينهي أن يجتبي أحد في ثوب واحد يفضي بفرجه إلى السماء وينهي أن لا يعقص أحد شعر رأسه في قفاه وينهي إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل والعشائر ولتكن دعواهم إلى الله وحده لا شريك له

فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطفوا بالسيف حتى تكون دعواهم إلى الله وحده لا شريك له ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين ويمسحوا برءوسهم كما أمرهم الله وأمر بالصلاة لوقتها وإتمام الركوع والسجود يغلس بالصبح ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة والمغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء والعشاء أول الليل وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي لها والغسل عند الرواح إليها وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت السماء وسقت العين وعلى ما سقى الغرب نصف العشر وفي كل عشر من الإبل شاتان وفي كل عشرين أربع شياة وفي كل أربعين من البقر بقرة وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة فإنها فريضة الله التي إفترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له وانه من اسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه ودان بدين الإسلام فإنه من المؤمنين له مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يرد عنها أي لا يفتن وعلى كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه ثيابا
فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته
وفد بني حنيفة
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب
قال أبن إسحاق فحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة أن بني حنيفة أتت به رسول الله {صلى الله عليه وسلم} تستره بالثياب ورسول الله جالس في أصحابه معه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه

قال وقد حدثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا أو في ركابنا يحفظها لنا قال فأمر له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بمثل ما أمر به للقوم وقال أما انه ليس بشركم مكانا أي لحفظه ضيعة أصحابه ذلك الذي يريد رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
قال ثم انصرفوا عن رسول {صلى الله عليه وسلم} وجاءوه بما أعطاه فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم
وقال إني قد أشركت في الأمر معه وقال لوفده الذين كانوا معه ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما انه ليس بشركم مكانا ما ذاك إلا لما كان يعلم إني قد أشركت في الأمر معه ثم جعل يسجع لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن
لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى
وأحل لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة وهو مع ذلك يشهد لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} بأنه نبي فأصفقت معه حنيفة على ذلك
فالله أعلم أي ذلك كان
وذكر الواقدي انه قدم في وفد بني حنيفة الرحال بن عنفوة وانه كان أيام مقام الوفد يختلف إلى أبي بن كعب يتعلم القرآن وشرائع الإسلام حتى كان الرحال عندهم أفضل من كان وفد عليهم لما يرون من حرصه فلما تنبأ مسيلمة بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} شهد له الرحال بن عنفوة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أشركه في الأمر فافتتن الناس
وفد همدان
قال أبن هشام وقدم وفد همدان على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فيهم مالك بن نمط وأبو ثور وهو ذو المشعار ومالك بن أيفع وضمام بن مالك السلماني وعميرة إبن مالك الخارقي فلقوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مرجعه من تبوك وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية برحال الميس على المهرية والأرحبية ومالك بن نمط ورجل آخر يرتجزان بالقوم يقول أحدهما
همدان خير سوقة وأقيال
ليس لها في العالمين أمثال
محلها الهضب ومنها الأبطال
لها إطابات وآكال
الرجز
ويقول آخر
إليك جاوزن سواد الريف
في هبوات الصيف والخريف

مخطمات بحبال الليف
الرجز
فقام مالك بن نمط بين يديه ثم قال
يا رسول الله نصية من همدان من كل حاضر وباد أتوك على قلص نواج متصلة بحبائل الإسلام لا تأخذهم في الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام وشاكر أهل السواد والقود أجابوا دعوة الرسول وفارقوا آلهات الأنصاب عهدهم لا ينقض ما أقامت لعلع وما جرى اليعفور بصلع
فكتب لهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كتابا فيه
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من رسول الله لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وخقاف الرمل مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط ومن أسلم من قومه على أن لهم فراعها ووهاطها ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة يأكلون علافها ويرعون عافيها لهم بذلك عهد الله وذمام رسوله وشاهدهم المهاجرون والأنصار
فقال في ذلك مالك بن نمط
ذكرت رسول الله في فحمة الدجى
ونحن بأعلى رحرحان وصلدد )
وهن بنا خوض طلائع تغتلى بركبانها في لا حب متمدد
على كل فتلاء الذراعين جسرة تمر بنا مرا لهجف الخفيدد
حلفت برب الراقصات إلى منى صوادي بالركبان من ظهر قردد
بأن رسول الله فينا مصدق رسول أتى من عند ذي العرش مهتد
فما حملت من ناقة فوق رحلها أشد على أعدائه من محمد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه وأمضى بحد المشرفي المهند
وفد النخع
قال الواقدي وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفد النخع وهم آخر وفد قدموا للنصف من المحرم سنة إحدى عشرة من الهجرة في مائتي رجل فنزلوا دار الأضياف ثم جاءوا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مقرين بالإسلام وقد كانوا بايعوا معاذ ابن جبل باليمن فقال رجل منهم يقال له زرارة بن عمرو يا رسول الله إني رأيت في سفري هذا عجبا
قال وما رأيت قال رأيت أتانا تركتها في الحي كأنها ولدت جديا أسفع أحوى
فقال له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} هل تركت أمة لك مصرة على حمل قال نعم قال فإنها ولدت غلاما وهو ابنك
قال يا رسول الله فما باله أسفع أحوى قال أدن مني فدنا منه فقال هل بك من برص تكتمه قال والذي بعثك بالحق ما علم به أحد ولا اطلع عليه غيرك

قال فهو ذلك قال يا رسول الله ورأيت النعمان بن المنذر عليه قرطان ودملجان ومسكتان
قال ذلك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته
قال يا رسول الله ورأيت عجوزا شمطاء خرجت من الأرض
قال تلك بقية الدنيا
قال ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له عمرو وهي تقول لظي لظي بصير وأعمى أطعموني آكلكم آكلكم أهلكم ومالكم
قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} تلك فتنة تكون في آخر الزمان
قال يا رسول الله وما الفتنة قال يقتل الناس إمامهم ويشتجرون اشتجار أطباق الرأس وخالف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بين أصابعه يحسب المسيء فيها أنه محسن ويكون دم المؤمن عند المؤمن أحل من شرب الماء إن مات ابنك أدركت الفتنة وإن مت أنت أدركها ابنك
قال يا رسول الله أدع الله أن لا أدركها
فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اللهم لا
يدركها فمات وبقي ابنه
وكان ممن خلع عثمان
وهذا الذي تيسر لنا ذكره من شأن الوفود وهم أكثر من هذا ومعظم من ذكرنا إنما هو من كتاب الواقدي مع من ذكره ابن إسحاق منهم
ذكر بعث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى الملوك وكتابه إليهم
يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام
قال ابن هشام وقد كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعث إلى الملوك رسلا من أصحابه وكتب معهم إليهم يدعوهم إلى الإسلام
حدثني من أثق به عن أبي بكر الهذلي قال بلغني أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية فقال أيها الناس إن الله قد بعثني رحمة وكافة فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم عليه السلام
وفي حديث ابن إسحاق إن الله بعثني رحمة وكافة فأدوا عني يرحمكم الله ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى فقال أصحابه وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله فقال دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي وسلم وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل فشكا ذلك عيسى إلى الله تعالى فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الأمة التي بعث إليها

فبعث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم وبعث عبد الله بن حذافه السهمي إلى كسرى ملك فارس وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس
صاحب الإسكندرية وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعبد ابني الجلندي ملك عمان وبعث سليط بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن علي الحنفيين ملكي اليمامة وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي العبدي ملك البحرين وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام
ويقال بعثه إلى جبلة بن أيهم الغساني وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن
ذكر كتاب النبي {صلى الله عليه وسلم} إلى قيصر وما كان من خبر دحية معه
ذكر الواقدي من حديث ابن عباس ومن حديثه خرج في الصحيحين أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه مع دحية الكلبي وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصري ليدفعه إلى قيصر فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لله جل وعز فيما أبلاه من ذلك فلما جاء قيصر كتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال التمسوا لنا ها هنا أحدا من قومه نسألهم عنه
قال ابن عباس فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تجارا وذلك في الهدنة التي كانت بين رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وبين كفار قريش قال فأتانا رسول قيصر فانطلق بنا حتى قدمنا إيلياء فأدخلنا عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه عليه التاج وحوله عظماء الروم فقال لترجمانه سلهم أيهم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم انه نبي قال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم نسبا وليس في الركب يومئذ رجل من بني عبد مناف غيري قال قيصر أدنوه مني ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري ثم قال لترجماته

قل لأصحابه إنما قدمت هذا أمامكم لأسأله عن هذا الرجل الذي يزعم انه نبي وإنما جعلتم خلف كتفيه لتردوا عليه كذبا إن قاله قال أبو سفيان فوالله لولا الحياء يومئذ من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه ولكني استحييت فصدقته وأنا كاره ثم قال لترجمانه قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم فقلت هو فينا ذو نسب قال قل له هل قال هذا القول منكم أحد قبله قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قال قلت لا قال هل كان من آبائه ملك قلت لا قال فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم قال فهل يزيدون أو ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد سخطة بدينه بعد أن دخل فيه قلت لا قال فهو يغدر قلت لا ونحن الآن منه في مدة ونحن لا نخاف غدره
وفي رواية ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها
قال أبو سفيان ولم تمكني كلمة أغمزه بها لا أخاف علي فيها شيئا غيرها
قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف حربكم وحربه قلت دول سجال ندال عليه مرة ويدال علينا أخرى قال فما يأمركم به قلت يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وينهانا عما كان يعبد أباؤنا ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة
فقال لترجمانه قل له إني سألتك عن نسبه فزعمت انه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل قال هذا القول منكم أحد قبله فزعمت أن لا فلو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتم بقول قيل قبله وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فقد عرفت انه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فقلت لو كان من آبائه
ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم

وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان حتى تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد وسألتك هل قاتلتموه فقلت نعم وأن حربكم وحربه دول وسجال ويدال عليكم مرة وتدالون عليه أخرى وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة وسألتك ماذا يأمركم به فزعمت أنه يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وهو نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أظن أنه فيكم وإن كان ما أتاني عنه حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقيه ولو كنت عنده لغسلت قدميه
قال أبو سفيان ثم دعا بكتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقرئ فإذا فيه
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى
أما بعد فإني أدعوك بداعية الإسلام أسلم لتسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين
ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
قال أبو سفيان فلما قضى مقالته وفرغ الكتاب علت أصوات الذين حوله وكثر لعظهم فلا أدري ما قالوا وأمر بنا فأخرجنا فلما خرجت أنا وأصحابي وخلصنا قلت لهم لقد أمر أمر ابن أبي كبشة هذا ملك بني الأصفر يخافه قال فوالله ما زلت ذليلا مستيقنا أن أمره سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام
وفي حديث غير هذا ذكره أيضا الواقدي عن محمد بن كعب القرظي أن
دحية الكلبي لقي قيصر بحمص لما بعثه إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقيصر ماش من قسطنطينة إلى إيلياء في نذر كان عليه إن ظهرت الروم على فارس أن يمشي حافيا من قسطنطينة فقال لدحية قومه لما بلغ قيصر إذا رأيته فاسجد له ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك

قال دحية لا أفعل هذا أبدا ولا أسجد لغير الله عز وجل قالوا إذا لا يؤخذ كتابك ولا يكتب جوابك قال وإن لم يأخذه فقال له رجل منهم أدلك على أمر يأخذ فيه كتابك ولا يكلفك فيه السجود
قال دحية وما هو قال إن له على كل عقبة منبرا يجلس عليه فضع صحيفتك تجاه المنبر فإن أحدا لا يحركها حتى يأخذها هو ثم يدعو صاحبها فيأتيه
قال أما هذا فسأفعل فعمد إلى منبر من تلك المنابر التي يستريح عليها قيصر فألقي الصحيفة فدعا بها فإذا عنوانها كتاب العرب فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية فإذا فيه
من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم
فغضب أخ لقيصر يقال له نياق فضرب في صدر الترجمان ضربة شديدة ونزع الصحيفة منه فقال له قيصر ما شأنك أخذت الصحيفة فقال تنظر في كتاب رجل بدا بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم وما ذكر لك ملكا
فقال له قيصر إنك والله ما علمت أحمق صغيرا مجنون كبيرا أتريد أن تخرق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه فلعمري لئن كان رسول الله كما يقول لنفسه أحق أن يبدأ بها مني وإن كان سماني صاحب الروم لقد صدق ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم ولكن الله عز وجل سخرهم لي ولو شاء لسلطهم علي كما سلط فارس على كسرى فقتلوه
ثم فتح الصحيفة فإذا فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم سلام على من اتبع الهدى
أما بعد يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا
الله )
الآية إلى قوله اشهدوا بأنا مسلمون آل عمران 64 في آيات من كتاب الله يدعوه إلى الله ويزهده في ملكه ويرغبه فيما رغبة الله فيه من الآخرة ويحذره بطش الله وبأسه
وفي حديث غير الواقدي أن دحية لما لقي قيصر قال له
يا قيصر أرسلني إليك من هو خير منك والذي أرسله خير منه ومنك فاسمع ذل ثم أجب بنصح فإنك إن لم تذلل لم تفهم وإن لم تنصح لم تنصف
قال هات
قال هل تعلم أن المسيح كان يصلي
قال نعم

قال فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له وادعوك إلى من دبر خلق السموات والأرض والمسيح في بطن أمه وأدعوك إلى هذا النبي الأمي الذي بشر به موسى وبشر به عيسى ابن مريم بعده وعندك من ذلك أثاره من علم تكفي عن العيان وتشفي عن الخبر فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة وإلا ذهبت عنك الآخرة وشوركت في الدنيا
وأعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة ويغير النعم
فأخذ قيصر الكتاب فوضعه على عينيه ورأسه وقبله ثم قال
أما والله ما تركت كتابا إلا قرأته ولا عالما إلا سألته فما رأيت إلا خيرا فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له فإني أكره أن أجيبك اليوم بأمر أرى غدا ما هو أحسن منه فأرجع عنه فيضرني ذلك ولا ينفعني أقم حتى أنظر
ويروي أن قيصر لما سأل أبا سفيان بن حرب عما سأله عنه من أمر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حسبما تقدم واخبره به قال والذي نفسي بيده ليوشكن أن يغلب على ما تحت قدمي يا معشر الروم هلم إلى أن نجيب هذا الرجل إلى ما دعا إليه
ونسأله الشام أن لا توطأ علينا أبدا فإنه لم يكتب نبي من الأنبياء قط إلى ملك من الملوك يدعوه إلى الله فيجيبه إلى ما دعاه إليه ثم يسأله عندها مسألة إلا أعطاه مسألته ما كانت فأطيعوني فلنجبه ونسأله أن لا توطأ الشام
قالوا لا نطاوعك في هذا أبدا تكتب إليه تسأله ملكك الذي تحت رجليك وهو هنالك لا يملك من ذلك شيئا فمن أضعف منك
وفي هذا الحديث عن أبي سفيان انه قال لقيصر لما سأله عن النبي {صلى الله عليه وسلم} في جملة ما أجابه
أيها الملك إلا أخبرك خبرا تعرف به أنه قد كذب
قال وما هو

قلت إنه زعم لنا أنه خرج من أرضنا ارض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح قال وبطريق إيلياء عند رأس قيصر فقال قد علمت تلك الليلة قال فنظر إليه قيصر و قال وما علمك بهذا قال إني كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه عمالي ومن يحضرني فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول جبلا فدعوت النجارين فنظروا إليه فقالوا هذا باب سقط عليه النجاف والبنيان فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى فرجعت وتركت البابين مفتوحين فلما أصبحت غدوت عليهما فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب وإذا فيه أثر مربط الدابة فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي وقد صلى الليلة في مسجدنا هذا فقال قيصر لقومه يا معشر الروم ألستم تعلمون أن بين عيسى وبين الساعة نبي بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم قالوا بلى قال فإن الله جعله في غيركم في أقل منكم عددا وأضيق منكم بلدا وهي رحمة الله عز وجل يضعها حيث يشاء
وفي الصحيح من الحديث أن هرقل لما تحقق أمر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بما كان يجده فيما عندهم من العلم أذن لغطماء الروم في دسكرة له بحمص و أمر بالأبواب فغلقت ثم طلع عليهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت لكم ملككم وأن تتبعوا ما قال عيسى ابن مريم قالوا وما ذاك أيها الملك قال تتبعون هذا النبي العربي
قال فحاصوا حيصة حمر الوحش واستحالوا في الكنيسة وتناخروا ورفعوا الصلب وابتدروا الأبواب فوجدوها مغلقة فلما رأى هرقل يئس من إسلامهم وخافهم على ملكه فقال ردوهم علي فردوهم فقال إنما قلت لكم ما قلت لأخبر كيف صلابتكم في دينكم فقد رأيت منكم رأيت الذي أحب فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأنهم

ويروي أن قيصر لما انتهى مع قومه إلى ما ذكر ويئس من إجابتهم كتب مع دحية جواب كتابه الذي جاءه به يقول فيه للنبي {صلى الله عليه وسلم}
إني مسلم ولكني مغلوب على أمري
وأرسل إليه بهدية فلما قرأ رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كتابه قال كذب عدو الله ليس بمسلم بل هو على نصرانيته وقبل هديته وقسمها بين المسلمين
وقال دحية في قدومه
ألا هل أتاها على نأيها
بأني قدمت على قيصر
فقررته بصلاة المسيح
وكانت من الجوهر الأحمر
وتدبير ربك أمر السماء
والأرض فاغضى ولم ينكر
وقلت تفز ببشرى المسيح
فقال سأنظر قلت أنظر
فكاد يقر بأمر الرسول
فمال إلى البدل الأعور
فشك وجاشت له نفسه
وجاشت نفوس بني الأصفر
على وضعه بيديه الكتاب
على الرأس والعين والمنخر
فأصبح قيصر في أمره
بمنزلة الفرس الأشقر
المتقارب
ذكر توجه عبد الله بن حذافة إلى كسرى بكتاب النبي {صلى الله عليه وسلم} وما كان من خبره معه
وكسرى هذا هو أبرويز بن هرمز أنو شروان ومعنى أبرويز المظفر فيما ذكره المسعودي وهو الذي كان غلب الروم فأنزل الله في قصتهم ألم غلبت الروم في أدنى الأرض 1 - 3 الروم وأدنى الأرض فيما ذكر الطبري هي بصرى وفلسطين وأذرعات من أرض الشام
وذكر الواقدي من حديث السفاء بنت عبد الله أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعث عبد الله بن حذافة السهمي منصرفه من الحديبية إلى كسرى وبعث معه كتابا مختوما فيه
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بداعية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس
قال عبد الله بن حذافة فانتهيت إلى بابه فطلبت الإذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقرئ عليه فأخذه ومزقه فلما بلغ ذلك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال مزق ملكه
وذكر أبو رفاعة وثيمة بن موسى بن الفرات قال لما قدم عبد الله بن حذافة على كسرى قال

يا معشر الفرس إنكم عشتم بأحلامكم لعدة أيامكم بغير نبي ولا كتاب ولا تملك من الأرض إلا ما في يديك وما لا تملك منها أكثر وقد ملك الأرض قبلك ملوك أهل الدنيا وأهل الآخرة فأخذ أهل الآخرة بحظهم من الدنيا وضيع أهل الدنيا حظهم من الآخرة فاختلفوا في سعي الدنيا واستووا في عدل الآخرة وقد صغر هذا الأمر عندك أنا أتيناك به وقد والله جاءك من حيث خفت وما تصغيرك إياه بالذي يدفعه عنك ولا تكذيبك به بالذي يخرجك منه وفي وقعة ذي قار على ذلك دليل
فأخذ الكتاب فمزقه ثم قال لي ملك هني لا أخشى أن أغلب عليه ولا أشارك فيه وقد ملك فرعون بني إسرائيل ولستم بخير منهم فما يمنعني أن أملككم وأنا خير منه فأما هذا الملك فقد علمنا أنه يصير إلى الكلاب وانتم أولئك تشبع بطونكم وتأبى عيونكم فأما وقعة ذي قار فهي بوقعة الشام
فانصرف عنه عبد الله وقال في ذلك
أبى الله إلا أن كسرى فريسة
لأول داع بالعراق محمدا
تقاذف في فحش الجواب مصغرا
لأمر العريب الخائفين له الردا
فقلت له أرود فإنك داخل
من اليوم في بلوى ومنتهب غدا
فأقبل وادبر حيث شئت فإننا
لنا الملك فابسط للمسالمة اليدا
وإلا فأمسك قارعا سن نادم
أقر بذل الخرج أومت موحدا
سفهت بتخريق الكتاب وهذه
بتمزيق ملك الفرس يكفي مبددا
الطويل
ويروي أن كسرى رأى في النوم بعد أن أخبر بخروج النبي {صلى الله عليه وسلم} ونزوله يثرب أن سلما وضع في الأرض إلى السماء وحشر الناس حوله إذ أقبل رجل عليه عمامة وإزار أو رداء فصعد السلم حتى إذا كان بمكان منه نودي أين
فارس ورجالها ونساؤها ولامتها وكنوزها فأقبلوا فجعلوا في جوالق ثم رفع لجوالق إلى ذلك الرجل فأصبح كسرى تعس النفس محزونا لتلك الرؤيا وذكرها لأساورته فجعلوا يهونون عليه الأمر فيقول كسرى هذا أمر تراد به فارس فلم يزل مهموما حتى قدم عليه عبد لله بن حذافة بكتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يدعوه إلى الإسلام

وذكر الواقدي من حديث أبي هريرة وغيره أن كسرى بينا هو في بيت كان يخلو فيه إذا رجل قد خرج إليه في يده عصا فقال يا كسرى إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا فأسلم تسلم واتبعه يبق لك ملكك
قال كسرى أخر هذا عني أثرا ما فدعا حجابه وبوابيه فتواعدهم وقال من هذا الذي دخل علي قالوا والله ما دخل عليك أحد وما ضيعنا لك بابا ومكث حتى إذا كان العام المقبل أتاه فقال له مثل ذلك وقال إن لا تسلم أكسر العصا
قال لا تفعل أخر ذلك أثرا ما ثم جاء العام المقبل ففعل مثل ذلك وضرب بالعصا على رأسه فكسرها وخرج من عنده
ويقال إن ابنه قتله في تلك الليلة وأعلم الله بذلك رسوله عليه السلام بحدثان كونه فأخبر {صلى الله عليه وسلم} بذلك رسل باذان إليه
وكان باذان عامل كسرى على اليمن فلما بلغه ظهور النبي {صلى الله عليه وسلم} ودعاؤه إلى الله كتب إلى باذان أن أبعث إلى هذا الرجل الذي خالف دين قومه فمره فليرجع إلى دين قومه فإن أبى فابعث إلي برأسه وإلا فليواعدك يوما تقتتلون فيه
فلما ورد كتابه إلى باذان بعث بكتابه مع رجلين من عنده فلما قدما على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنزلهما وأمرهما بالمقام فأقاما أياما ثم أرسل إليهما رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ذات غداة فقال انطلقا إلى باذان فأعلماه أن ربي عز وجل قد قتل كسرى في هذه الليلة فانطلقا حتى قدما على باذان فأخبراه بذلك فقال إن يكن الأمر كما قال فوالله إن الرجل لنبي وسيأتي الخبر بذلك إلى يوم كذا فأتاه الخبر كذلك فبعث باذان بإسلامه وإسلام من معه إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
ويقال إن الخبر أتاه بمقتل كسرى وهو مريض فاجتمعت إليه أساورته
فقالوا من تؤمر علينا فقال لهم ملك مقبل وملك مدبر فاتبعوا هذا الرجل وادخلوا في دينه وأسلموا
ومات باذان فبعث رءوسهم إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفدهم يعرفونه بإسلامهم

ذكر إسلام النجاشي وكتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إليه مع عمرو بن أمية الضمري

قال ابن إسحاق لما وجه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} رسله إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام وجه إلى النجاشي عمرو بن أمية فقال له يا أصحمة إن علي القول وعليك الاستماع إنك كأنك في الرقة علينا منا وكأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه ولم نخفك على شيء قط إلا أمناه وقد أخذنا الحجة عليك من فيك الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجور وفي ذلك وقع الحز وإصابة المفصل وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى ابن مريم وقد فرق النبي {صلى الله عليه وسلم} رسله إلى الناس فرجاك لما لم يرجهم له وأمنك على ما خافهم عليه لخير سالف وأجر ينتظر
فقال النجاشي أشهد بالله أنه للنبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب وأن
بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل وأن العيان ليس بأشفى من الخبر
وذكر الواقدي أن الكتاب الذي كتبه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى النجاش مع عمرو ابن أمية الضمري هو هذا
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى النجاش ملك الحبشة
سلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده
وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل فقد بلغت ونصحت فأقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى
فكتب إليه النجاشي
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة
سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمه الله وبركات الله الذي لا إله إلا هو

أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه كما ذكرت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقد قربنا ابن عمك وأصحابه فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين
وذكر الواقدي عن سلمة بن الأكوع أن النجاشي توفي في رجب سنة تسع منصرف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عن تبوك قال سلمة صلى بنا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الصبح ثم قال إنا أصحمة النجاشي قد توفي هذه الساعة فاخرجوا بنا إلى
المصلى حتى نصلي عليه قال سلمة فحشد الناس وخرجنا مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى المصلى فرأيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقدمنا وإنا لصفوف خلفه وأنا في الصف الرابع فكبر بنا أربعا
كتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى المقوقس صاحب الإسكندرية مع حاطب بن أبي بلتعة
ولما وجه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} رسله إلى الملوك بعث حاطبا إلى المقوقس صاحب الإسكندرية بكتاب فيه
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط
سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بداعية الإسلام اسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم القبط
يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون
وختم الكتاب
فخرج به حاطب حتى قدم عليه الإسكندرية فانتهى إلى حاجبه فلم يلبثه أن أوصل إليه كتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وقال حاطب للمقوقس لما لقيه
إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك
قال هات

قال إن لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه إن هذا النبي {صلى الله عليه وسلم} دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد {صلى الله عليه وسلم} وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدركه هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به
فقال المقوقس إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهي إلا عن مرغوب عنه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر
وأخذ كتاب النبي {صلى الله عليه وسلم} فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب إلى النبي {صلى الله عليه وسلم}
بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك
أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه
وقد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وبكسوة وأهديت لك بغلة لتركبها
والسلام عليك
ولم يزد على هذا ولم يسلم
وهاتان الجاريتان اللتان ذكرهما إحداهما مارية أم إبراهيم ابن النبي {صلى الله عليه وسلم} وأختها سيرين وهي التي وهبها النبي {صلى الله عليه وسلم} لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن والبغلة هي دلدل وكانت بيضاء
وقيل إنه لم يكن في العرب يومئذ غيرها وإنها بقيت إلى زمان معاوية

وذكر الواقدي بإسناد له أن المقوقس أرسل إلى حاطب ليلة وليس عنده أحد إلا ترجمان له يترجم بالعربية فقال له ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها وتصدقني فإني أعلم أن صاحبك قد تخيرك من بين أصحابه حيث بعثك فقال له حاطب لا تسألني عن شيء إلا صدقتك فسأله عن ماذا يدعو إليه النبي {صلى الله عليه وسلم} ومن أتباعه وهل يقاتل قومه فأجابه حاطب عن ذلك كله ثم سأله عن صفته فوصفه حاطب ولم يستوف فقال له بقيت أشياء لم أرك تذكرها في عينيه حمرة قل ما تفارقه وبين كتفيه خاتم النبوة ويركب الحمار ويلبس الشملة ويجتزي بالتمرات والكسرة ولا يبالي من لاقى من عم وابن عم
قال حاطب فهذه صفته
قال كنت أعلم أنه بقي نبي وكنت أظن أن مخرجه ومنبته بالشام وهناك تخرج الأنبياء من قبله فأراه قد خرج في العرب في أرض جهد وبؤس والقبط لا يطاوعوني في اتباعه ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك وأنا أضن بملكي أن أفارقه وسيظهر على البلاد وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده حتى يظهر على ما ها هنا فارجع إلى صاحبك فقد أمرت له بهدايا وجاريتين أختين فارهتين وبغلة من مراكبي وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من لين وغير ذلك وأمرت لك بمائة دينار وخمسة أثواب
فارحل من عندي ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا
فرجعت من عنده وقد كان لي مكرما في الضيافة وقلة اللبث ببابه ما أقمت عنده إلا خمسة أيام وإن الوفود وفود العجم ببابه منذ شهر وأكثر
قال حاطب فذكرت قوله لرسول {صلى الله عليه وسلم} فقال ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه
ذكر كتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى المنذر بن ساوي العبدي مع العلاء بن الحضرمي بعد انصرافه من الحديبية
ذكر الواقدي بإسناد له عن عكرمة قال وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته فنسخته فإذا فيه
بعث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي وكتب إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام فكتب يعني المنذر إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم}

أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه ومنهم من كرهه وبأرضي مجوس ويهود فأحدث إلي في ذلك أمرك
فكتب إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلى ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي وإن
رسلي قد أثنوا عليك خيرا وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية
وذكر غير الواقدي أن العلاء بن الحضرمي لما قدم على المنذر بن ساوي قال له
يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا فلا تصغرن من الآخرة إن هذه المجوسية شردين ليس فيها تكرم العرب ولا علم أهل الكتاب ينكحون ما يستحي من نكاحه ويأكلون ما يتكرم عن أكله ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ولست بعديم عقل ولا رأى فانظر هل ينبغي لم لا يكذب أن تصدقه ولمن لا يخون أن تأتمنه ولمن لا يخلف أن تثق به فإن كان هذا هكذا فهو هذا النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهي عنه أو ما نهي عنه أمر به أوليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إن كل ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر
فقال المنذر قد نظرت في هذا الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت ولقد عجبت أمس ممن يقبله وعجبت اليوم م من يرده وإن من إعظام ما جاء به أن يعظم رسوله وسأنظر
وذكر ابن إسحاق والواقدي وسيف والطبري وغيرهم أن المنذر لما وصله العلاء برسالة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وكتابه أسلم فحسن إسلامه

وزاد الواقدي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} استقدم العلاء بن الحضرمي فاستخلفه العلاء مكانه على عمله
وذكر ابن إسحاق وغيره أن المنذر توفي قبل ردة أهل البحرين والعلاء عنده أميرا لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} على البحرين
وذكر ابن قانع أن المنذر وفد على النبي {صلى الله عليه وسلم} ولا يصح ذلك إن شاء الله
ذكر كتاب النبي {صلى الله عليه وسلم} إلى جيفر وعبد ابني الجلندي الأزديين ملكي عمان مع عمرو بن العاص
ذكر الواقدي بإسناد له إلى عمرو بن العاص أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعث نفرا سماهم إلى جهات مختلفة برسم الدعاء إلى الإسلام
قال عمرو فكنت أنا المبعوث إلى جيفر وعبد ابني الجلندي وكتب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} معي كتابا
قال وأخرج عمرو الكتاب فإذا صحيفة أقل من الشبر فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوكما بداعية الإسلام أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما
وكتب أبي بن كعب وختم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الكتاب
ثم خرجت حتى انتهيت إلى عمان فلما قدمتها عمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا فقلت إني رسول رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إليك والى أخيك فقال أخي المقدم علي بالسن والملك وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك ثم
قال لي وما تدعو إليه قلت أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وتخلع ما عبد من دونه وتشهد أن محمدا عبده ورسوله
قال يا عمرو إنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة
قلت مات ولم يؤمن بمحمد {صلى الله عليه وسلم} ووددت أنه كان أسلم وصدق به وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام
قال فمتى تعته قلت قريبا فسألني أين كان إسلامي قلت عند النجاشي وأخبرته أن النجاشي قد أسلم قال فكيف صنع قومه بملكه قلت أقروه واتبعوه قال والأساقفة والرهبان تبعوه قلت نعم

قال انظر يا عمرو ما تقول إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من كذب
قلت ما كذبت وما نستحله في ديننا
ثم قال ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي
قلت بلى قال بأي شيء علمت ذلك قلت كان النجاشي يخرج له خرجا فلما أسلم وصدق بمحمد {صلى الله عليه وسلم} قال لا والله لو سألني درهما واحدا ما أعطيته فبلغ هرقل قوله فقال له نياق أخوه أتدع عبدك لا يخرج لك خرجا ويدين دينا محدثا قال هرقل رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما أصنع به والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع
قال انظر ما تقول يا عمرو قلت قد والله صدقتك
قال عبد فاخبرني ما الذي يأمر به وينهي عنه
قلت يأمر بطاعة الله عز وجل وينهي عن معصيته ويأمر بالبر وصلة الرحم وينهي عن الظلم والعدوان وعن الزنا وشرب الخمر وينهي عن عبادة الحجر والوثن والصليب
فقال ما أحسن هذا الذي يدعو إليه لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا
قلت إنه إن أسلم ملكه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم
فقال إن هذا الخلق حسن وما الصدقة فأخبرته بما فرض رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل
فقال يا عمرو تؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه
فقلت نعم فقال والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا
قال فمكثت ببابه أياما وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبرى ثم أنه دعاني يوما
فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعي فقال دعوه فأرسلت فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني أجلس فنظرت إليه فقال تكلم بحاجتك فدفعت إليه الكتاب مختوما ففض خاتمه فقرأه حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته إلا أني رأيت أخاه أرق منه ثم قال ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت فقلت تبعوه إما راغب في الدين وإما مقهور في السيف

قال ومن معه قلت الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم انهم كانوا في ضلال فما أعلم أحدا بقي غيرك في هذه الحرجة وأنت إن لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل ويبيد خضراءك فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال
قال دعني يومي هذا وارجع إلي غدا
فرجعت إلى أخيه فقال يا عمرو إني لأرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه
حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي فانصرفت إلى أخيه فأخبرت أني لم أصل إليه فأوصلني إليه
فقال أني فكرت فيما دعوت إليه فإذا أنا أضعف العرب ن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا تبلغ خيله ههنا وإن بلغت خيله ألفت قتالا ليس كقتال من لاقى
قلت فأنا خارج غدا فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال ما نحن فيما قد ظهر عليه وكل من أرسل إليه قد أجابه فأصبح فأرسل إلي فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا وصدقا النبي {صلى الله عليه وسلم} وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لي عونا على من خالفني
وفي حديث غير الواقدي أن عمرا قال له فيما دار بينهما من الكلام إنك وإن كنت منا بعيدا فإنك من الله غير بعيد إن الذي تفرد بخلقك أهل أن تفرده بعبادتك وان لا تشرك به من لم يشركه فيك واعلم انه يميتك الذي أحياك ويعيدك الذي أبدأك فأنظر في هذا النبي الأمي الذي جاءنا بالدنيا والآخرة فإن كان يريد به أجرا فامنعه أو يميل به هوى فدعه ثم أنظر فيما
يجيء به هل يشبه ما يجيء به الناس فإن كان يشبهه فسله العيان وتخير عليه في الخبر وإن كان لا يشبهه فاقبل ما قال وخف ما وعد
قال ابن الجلندي إنه والله لقد دلني على هذا النبي الأمي انه لا يأمر بخير إلا كان أول من أخذ به ولا ينهي عن شر إلا كان أول تارك له وإنه يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر وأنه يفي بالعهد وينجز الموعود وأنه لا يزال سر قد اطلع عليه يساوي فيه أهله وأشهد أنه نبي

كتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى هوذة بن علي مع سليط بن عمرو العامري وما كان من خبره معه
ولما بعث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} رسله إلى الملوك يدعوهم إلى الله بعث سليط بن عمرو إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة والمتوج بها وهو الذي يقول فيه الأعشي ميمون بن قيس من كلمة
إلى هوذة الوهاب أعلمت ناقتي
أرجي عطاء فاضلا من عطائكا
فلما أتت آطام جو وأهلها
أنيخت وألقت رحلها بقبائكا
الطويل
وذكر الواقدي أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كتب إلى هوذة مع سليط حين بعثه إليه
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي سلام على من اتبع الهدى وأعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر فأسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يديك
فلما قدم عليه سليط بكتاب النبي {صلى الله عليه وسلم} مختوما أنزله وحياه واقترأ عليه الكتاب فرد ردا دون رد وكتب إلي النبي {صلى الله عليه وسلم}
ما أحسن ما تدعوا إليه وأجمله وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب مكاني فاجعل إلى بعض الأمر أتبعك
وأجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر فقدم بذلك كله على
النبي {صلى الله عليه وسلم} فأخبره وقرأ النبي {صلى الله عليه وسلم} كتابه وقال لو سألني سبابة من الأرض ما فعلت باد وباد ما في يده فلما انصرف النبي {صلى الله عليه وسلم} من الفتح جاءه جبريل عليه السلام بأن هوذة مات فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أما إن اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبأ يقتل بعدي فقال قائل يا رسول الله فمن يقتله فقال له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنت وأصحابك فكان من أمر مسيلمة وتكذبه ما كان وظهر المسلمون عليه فقتلوه وكان ذلك القائل من قتلته وفق ما قاله الصادق المصدوق صلوات الله وبركاته عليه

وذكر وثيمة بن موسى أن سليط بن عمرو لما قدم على هوذة بكتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وكان كسرى قد توجه وقال له يا هوذة إنه قد سودتك أعظم حائلة وأرواح في النار وإنما السيد من متع الإيمان ثم زود التقوى إن قوما سعدوا برأيك فلا تشقين به وإني آمرك بخير مأمور به وأنهاك عن شر منهي عنه آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان فإن في عبادة الله الجنة وفي عبادة الشيطان النار فإن قبلت نلت ما رجوت وأمنت ما خفت وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهو المطلع
فقال هوذة يا سليط سودني من لو سودك شرفت به وقد كان لي رأي اختبر به الأمور فقدته فموضعه من قلبي هواء فاجعل لي فسحة يرجع إلي رأيي فأجيبك به إن شاء الله
وقال هوذة في ذلك
أتاني سليط بالحوادث جمة
فقلت له ماذا يقول سليط
فقال التي فيها على غضاضة
وفيها رجاء مطمع وقنوط
فقلت له غاب الذي كنت أجتلي
به الأمر عني فالصعود هبوط
وقد كان لي والله بالغ أمره
أبا النصر جاش في الأمور ربيط
فأذهبه خوف النبي محمد
فهوذة فيه في الرجال سقيط
فأجمع أمري من يمين وشمأل
كأني ردود للنبال لقيط
وأذهب ذاك الرأي إذ قال قائل
أتاك رسول للنبي خبيط
رسول رسول الله راكب ناضح
عليه من اوبار الحجاز غبيط
أحاذر منه سورة هائمية
فوراسها وسط الرجال عبيط
سكرت ودبت في المفارق وسنة
لها نفس على الفؤاد غطيط
فلا تعجلني يا سليط فإننا
نبادر أمرا والقضاء محيط
الطويل
وذكر الواقدي بإسناد له عن عبد الله بن مالك أنه قال قدمت اليمامة في خلافة عثمان بن عفان فجلست في مجلس لحجر فقال رجل في المجلس إني لعند ذي التاج الحنفي يعني هوذة يوم الفصح إذ جاء حاجبه فاستأذن لأركون دمشق وهو عظيم من عظماء النصارى فقال ائذن له فدخل فرحب به وتحدثا فقال الأركون ما أطيب بلاد الملك وأبرأها من الأوجاع

قال ذو التاج هي أصح بلاد العرب وهي زين بلادهم قال الأركون وما قرب محمد منكم قال ذو التاج هو بيثرب وقد جائني كتابه يدعوني إلى الإسلام فلم أجبه
قال الأركون لم لا تجيبه قال ضننت بديني وأنا ملك قومي وإن تبعته لم أملك
قال بلى والله لئن اتبعته ليملكنك وإن الخيرة لك في اتباعه وإنه للنبي العربي الذي بشر به عيسى ابن مريم وإنه لمكتوب عندنا في الإنجيل محمد رسول الله
قال ذو التاج قد قرأت في الإنجيل ما تذكر
ثم قال الأركون فما لك لا تتبعه قال الحسد له والضن بالخمر وشربها
قال فما فعل هرقل قال هو على دينه ويظهر لرسله أنه معه وقد سبر أهل مملكته فأبوا أشد الإباء فضن بملكه أن يفارقه قال ذو التاج فما أراني إلا متبعه وداخلا في دينه فأنا في بيت العرب وهو مقري على ما تحت يدي
قال البطريق هو فاعل فاتبعه فدعا رسولا وكتب معه كتابا وسمي هدايا فجاءه قومه فقالوا تتبع محمدا وتترك دينك لا تملكن علينا أبدا فرفض الكتاب
قال فأقام الأركون عنده في حباء وكرامة ثم وصله ووجه راجعا إلى الشام
قال الرجل وتبعته حين خرج فقلت أحق ما أخبرت ذا التاج قال نعم والله فاتبعه قال فرجعت إلى أهلي فتكلفت الشخوص إلى النبي {صلى الله عليه وسلم} فقدمت عليه مسلما فأخبرته بكل ما كان فحمد الله الذي هداني
ولم يسم في حديث الواقدي هذا الرجل إلا أن فيه أنه كان من طيء ثم من بني نهبان

وقد تقدم صدر هذا الكتاب أن عامر بن سلمة من بني حنيفة رأى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثلاثة أعوام ولاء في الموسم بعكاظ وبمجنة وبذي المجاز يعرض نفسه على قبائل العرب يدعوهم إلى الله والى أن ينصروه حتى يبلغ عن الله فلا يستجيب له أحد وإن هوذة بن علي سأل عامرا بعد انصرافه عن الموسم إلى اليمامة في أول عام عن ما كان في موسمهم من خبر فأخبره خبر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأنه رجل من قريش فسأله هوذة من أي قريش هو فقال له عامر من أوسطهم نسبا من بني عبد المطلب قال هوذة أهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقال هو هو فقال هوذة أما إن أمره سيظهر على ما ها هنا وغير ما ها هنا
ثم ذكر تكرر سؤال هوذة له عنه حتى ذكر له في السنة الثالثة أنه رآه وأمره قد أمر فقال له هوذة هو الذي قلت لك ولو أنا أتبعناه لكان خيرا لنا ولكنا نضن بملكنا
وأخبر عامر بذلك كله سليط بن عمرو وقد مر به منصرفا عن هوذة إذ بعثه إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فلم يسلم واسلم عامر آخر حياة النبي {صلى الله عليه وسلم} ومات هوذة كافرا على نصرانيته
ذكر كتاب النبي {صلى الله عليه وسلم} إلى الحارث بن أبي شمر الغساني مع شجاع بن وهب
ذكر الواقدي أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعث شجاعا إلى الحارث بن أبي شمر وهو بغوطة دمشق فكتب إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مرجعه من الحديبية
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبق لك ملكك
فختم الكتاب وخرج به شجاع بن وهب

قال فانتهيت إلى صاحبه فأخذه يومئذ وهو مشغول بتهيئة الإنزال والألطاف لقيصر وهو جاء من حمص إلى إيلياء حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله تعالى قال فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه إني رسول رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال حاجبه لا تصل إليه حتى يحرج يوم كذا وكذا وجعل حاجبه وكان روميا اسمه مري يسألني عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وما يدعو إليه فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه فكنت أراه يخرج بالشام فأراه قد خرج بأرض القرظ فأنا أؤمن به واصدقه وأنا أخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني
قال شجاع فكان يعني هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني عن الحارث باليأس منه ويقول هو يخاف قيصر
قال فخرج الحارث يوما فجلس فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه فدفعت إليه كتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقرأه ثم رمى به وقال من ينتزع مني ملكي أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته علي بالناس فلم يزل جالسا بعرض حتى الليل وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال أخبر صاحبك بما ترى
وكتب إلى قيصر يخبره خبري فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية الكلبي قد بعثه إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه أن لا تسر إليه واله عنه ووافني بإيلياء قال ورجع الكتاب وأنا مقيم فدعاني وقال متى تريد أن تخرج إلى صاحبك قلت غدا فأمر بمائة مثقال ووصلني مرى بنفقة وكسوة وقال إقرأ على رسول الله مني السلام وأخبره أني متبع دينه
قال شجاع فقدمت على النبي {صلى الله عليه وسلم} فأخبرته فقال باد ملكه وأقرأته من مري السلام وأخبرته بما قال فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} صدق

قال الواقدي ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح وكان نازلا بجلق ووليهم جبلة بن الأيهم وكان ينزل الجابية وكان آخر ملوك غسان أدركه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية فأسلم ثم أنه لاحى رجلا من مزينة فلطم عينه فجاء به المزني إلى عمر رضي الله عنه وقال خذ لي بحقي فقال له عمر الطم عينه فأنف جبلة وقال عيني وعينه سواء قال عمر نعم فقال جبلة لا أقيم بهذه الدار أبدا ولحق بعمورية مرتدا فمات هناك على ردته
هكذا ذكر الواقدي أن توجه شجاع بن وهب بكتاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كان إلى الحارث بن أبي شمر وكذلك قال ابن إسحاق
واما ابن هشام فقال إنما توجه إلى جبلة بن الأيهم وقد قال ذلك غيره فالله أعلم
وذكر بعض من وافق ابن هشام على أن الرسالة كانت إلى جبلة أن شجاع بن وهب لما قدم عليه قال له
يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبي الأمي من داره إلى دراهم يعني الأنصار فآووه ومنعوه وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك العراق وقد أقر بهذا النبي الأمي من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك وإن فضلناك عليه لم يرضك فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك الآخرة وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع الأذان بالناقوس والجمع بالشعانين والقبلة بالصليب وكان ما عند الله خير وأبقى
فقال له جبلة
إني والله لوددت أن الناس اجتمعوا على هذا النبي الأمي اجتماعهم على خلق السموات والأرض ولقد سرني اجتماع قومي له وأعجبني قتله أهل الأوثان واليهود واستبقاءه النصارى ولقد دعاني قيصر إلى قتال أصحابه يوم مؤتة فأبيت عليه فانتدب له مالك بن نافلة من سعد العشيرة فقتله الله ولكني لست أرى حقا ينفعه ولا باطلا يضره والذي يمدني إليه أقوى من الذي يختلجني عنه وسأنظر

واما توجه المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي وهو شقيق أم سلمة زوج النبي {صلى الله عليه وسلم} إلى الحارث بن عبد كلال فلم أجد عند ابن إسحاق ولا فيما وقع إلي عن الواقدي شيئا أنقله عنهما سوى ما ذكر ابن إسحاق من توجيه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إياه إلى الحارث بن عبد كلال ذكرا مقتصرا فيه على هذا القدر مختصرا من الإمتاع بما تحسن إضافته إلى ذلك من الوصف
وتقدم لابن إسحاق في كتابه وذكره أيضا الواقدي أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
قدم عليه كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك ورسولهم إليه بإسلامهم الحارث ابن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان وبعث إليه زرعة ذي يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله
وقد كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في مسيره إلى تبوك يقول إني بشرت بالكنزين فارس والروم وأمددت بالملوك ملوك حمير يأكلون في الله ويجاهدون في سبيل الله
فلما قدم عليه مالك بن مرة بإسلامهم كتب إليهم
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد كلال والى نعيم ابن عبد كلال والى النعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان
أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به وخبر ما قبلكم وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين وأن الله قد هداكم بهداه
أن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم النبي وصفيه وما كتب على المؤمنين من الصدقة وبين لهم صدقة الزرع والإبل والبقر والغنم ثم قال

فمن زاد خيرا فهو خير له ومن أدى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم وله ذمة الله وذمة رسوله وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها وعليه الجزية على كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا فمن أدى ذلك إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله
أما بعد فإن محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن
نمر ومالك بن مرة وأصحابهم وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم وأبلغوها رسلي فإن أميرهم ابن جبل فلا ينقلبن إلا راضيا
أما بعد فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله
ثم إن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك قد أسلمت من أول حمير وقتلت المشركين فأبشر بخير وآمرك بحمير خيرا ولا تخاونوا ولا تخاذلوا فإن رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته وإنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل
وإن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وآمركم به خيرا وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم وآمركم بهم خيرا فإنه منظور إليهم
والسلام عليكم ورحمة الله
فهذا ما ذكر ابن إسحاق من شأن ملوك حمير وما كتبوا به وكتب إليهم وذكر الواقدي أيضا نحوه

ولا ذكر للمهاجر بن أبي أمية في شيء من ذلك إلا أن ابن إسحاق والواقدي ذكرا أن قدوم رسول ملوك حمير على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كان مقدمه من تبوك وذلك في سنة تسع وتوجيه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} رسله إلى الملوك إنما كان بعد انصرافه عن الحديبية آخر سنة ست فلعل المهاجر والله أعلم كان توجهه حينئذ إلى الحارث بن عبد كلال فصادف منه عامئذ ترددا واستنظارا ثم جلا الله عنه العمى فيما بعد وأمر بهدايته فاستبان له القصد فعند ذلك أرسل هو وأصحابه بإسلامهم إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وبذلك يجتمع الأمران ويصح الخبران إذ لا خلاف بين أهل العلم بالأخبار والعناية بالسير أن ملوك حمير أسلموا وكتبوا بإسلامهم إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كما أنه لا خلاف بينهم أيضا في توجيه المهاجر بن أبي أمية إلى الحارث بن عبد كلال
ويقول بعض من ذكر ذلك أن المهاجر لما قدم عليه قال له
يا حارث إنك كنت أول من عرض عليه النبي {صلى الله عليه وسلم} نفسه فخطيت عنه وأنت أعظم الملوك قدرا فإذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك وإذا أسرك يومك فخف غدك وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها عاشوا طويلا وأملوا بعيدا وتزودوا قليلا منهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم وإني أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك وإن أرادك لم يمنعك منه أحد وأدعوك إلى النبي الأمي الذي ليس شيء أحسن مما يأمر به ولا أقبح مما ينهي عنه وأعلم أن لك ربا يميت الحي ويحي الميت ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
فقال الحارث
قد كان هذا النبي عرض نفسه علي فخطيت عنه وكان ذخرا لمن صار إليه وكان أمره أمرا بسق فحضره اليأس وغاب عنه الطمع ولم تكن لي قرابة أحتمله عليها ولا لي فيه هوى أتبعه له غير أني أرى أمرا لم يؤسسه الكذب ولم يسنده الباطل له بدو سار وعافية نافعة وسأنظر
ذكر كتاب النبي {صلى الله عليه وسلم} إلى فروة بن عمرو الجذامي ثم النفاتي وما كان من تبرعه بالإسلام هداية من الله عز وجل له

ذكر الواقدي بإسناد له أن فروة بن عمرو هذا كان عاملا لقيصر على عمان من أرض البلقاء وفي كتاب ابن إسحاق معان وما حولها من أرض الشام وكان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد كتب إلى هرقل والى الحارث بن أبي شمر ولم يكتب إليه فأسلم فروة وكتب إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بإسلامه وبعث من عنده رسولا يقال له مسعود بن سعد من قومه بكتاب مختوم فيه
بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد رسول الله النبي إني مقر بالإسلام مصدق به أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وإنه الذي بشر به عيسى ابن مريم
والسلام عليك
ثم بعث مع الرسول بغلة بيضاء يقال لها فضة وحماره يعفور وفرسا يقال له الظرب وبعث بأثواب من لين وقباء من سندس مخوص بالذهب فقدم الرسول فدفع الكتاب إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فاقترأه وأمر بلالا أن ينزله ويكرمه فلما أراد الخروج كتب إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} جواب كتابه
من محمد رسول الله إلى فروة بن عمرو سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد
فإنه قدم علينا رسولك بكتابك فبلغ ما أرسلت به وخبر عن ما قبلكم وأنبأنا بإسلامك وإن الله عز وجل قد هداك بهداه أن
أصلحت وأطعت الله ورسوله وأقمت على الصلاة وآتيت الزكاة والسلام عليك
ولما بلغ قيصر إسلام فروة بن عمرو بعث إليه فحبسه ولما طال حبسه أرسلوا إليه أن أرجع إلي دينك ويعيد إليك ملكك فقال لا أفارق دين محمد أبدا أما أنك تعرف انه رسول الله بشرك به عيسى ابن مريم ولكنك ضننت بملكك وأحببت بقاءه
فقال قيصر صدق والإنجيل
وذكر الواقدي أنه مات في ذلك الحبس فلما مات صلبوه
وقال ابن إسحاق إنهم صلبوه على ماء لهم يقال له عفراء بفلسطين
قال فلما اجتمعت الروم لصلبه قال
ألا هل أتى سلمى بأن حليلها
على ماء عفرا فوق إحدى الرواحل
على ناقة لم يضرب الفحل أمها
مشذبة أطرافها بالمناجل
الطويل
وذكر ابن شهاب الزهري أنهم لما قدموه ليقتلوه قال
أبلغ سراة المسلمين بأنني
سلم لربى أعظمى ومقامي
الكامل

ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء يرحمه الله
قال ابن إسحاق وقد كان تكلم على عهد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الكذابان مسيلمة ابن حبيب الحنفي باليمامة في بني حنيفة والأسود بن كعب العنسي بصنعاء
وذكر بإسناد له عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو يخطب الناس على منبره وهو يقول
يا أيها الناس إني قد رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ورأيت في ذراعي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمن وصاحب اليمامة
وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يدعي النبوة
قال ابن إسحاق وكان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات إلى كل ما أوطأ الإسلام من البلدان فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء فخرج عليه العنسي وهو بها وبعث زياد بن لبيد أخا بني بياضة الأنصاري إلى حضرموت وعلى صدقاتها وبعث عدي بن حاتم على طيء وصدقاتها وعلى بني أسد وبعث مالك بن نويرة اليربوعي على صدقات بني حنظلة وفرق صدقة بني سعد على رجلين منهم فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية منها وقيس بن عاصم على ناحية وكان قد بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين وبعث على بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليهم بجزيتهم
وقد كان مسيلمة رسول الله محمد بن حبيب كتب إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من مسيلمة إلى رسول الله سلام عليك أما بعد
فإني قد أشركت في الأمر معك
وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون
فقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بهذا الكتاب رسولان لمسيلمة فقال لهما رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حين قرأ كتابه فما تقولان أنتما قالا نقول كما قال فقال أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما
ثم كتب إلى مسيلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى أما بعد
فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين
قال ابن إسحاق وكان ذلك في آخر سنة عشر

وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وقد قيل إن دعوى مسيلمة ومن أدعى من الكذابين النبوة في عهد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إنما كانت بعد انصرافه من حجة التمام ووقوعه في المرض الذي توفاه الله فيه فالله تعالى أعلم

ذكر حجة الوداع
وتسمى أيضا حجة التمام وحجة البلاغ
ولما دخل على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ذو القعدة من سنة عشرة تجهز للحج وأمر الناس بالجهاز له وخرج لخمس ليال بقين من ذي القعدة وقد كان أذن في الناس أمه خارج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله {صلى الله عليه وسلم} ويعمل مثل عمله
قال جابر بن عبد الله فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فصلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل من شيء عملناه فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك وأهل لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد عليهم شيئا منه ولزم {صلى الله عليه وسلم} تلبيته
وفي حديث عائشة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما خرج في حجة الوداع لم يكن يذكر ولا يذكر الناس إلا الحج حتى إذا كان بسرف وقد ساق رسول الله {صلى الله عليه وسلم} معه الهدي وأشراف من أشراف الناس أمر الناس أن يحلوا بعمرة إلا من ساق الهدي

وقال جابر في حديثه لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى البقرة 125 فجعل المقام بينه وبين البيت ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله البقرة 158 أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله ألا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله ألا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة
فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد فشبك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين بل لأبد الأبد
وقدم على من اليمن ببدن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت إن أبي أمرني بهذا قال فكان علي يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} محرشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا له فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما
أهل به رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
قال فإن معي الهدي فلا تحل فكان جماعة الهدي الذي قدم به على من اليمن والذي أتى به النبي {صلى الله عليه وسلم} مائة
قال فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي {صلى الله عليه وسلم} ومن كان معه هدي

فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج فركب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس فأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى إذا أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس
قال ابن إسحاق ومضى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على حجه فأرى الناس مناسكهم وأعلمهم سنن حجهم وخطب للناس خطبته التي بين فيها ما بين فحمد الله وأثني عليه ثم قال
أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وإن كان ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون
قضي الله أنه لا ربا وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية
أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم
أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله التوبة 37 ويحرموا ما أحل الله وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم التوبة 36 ثلاثة متوالية ورجب مضر الذي هو بين جمادي وشعبان

أما بعد أيها الناس فإن لكم علي نسائكم حقا ولهن عليكم حقا لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا أمرا بينا كتاب الله وسنة نبيه
أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم
اللهم هل بلغت فذكر أن الناس قالوا اللهم نعم فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اللهم أشهد
وفي حديث جابر أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال للناس في خطبته وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت
فقال
بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم أشهد اللهم أشهد ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه

واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف أسامة بن زيد خلفه ودفع وقد شنق القصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ثم أتى المزدلقة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحدة وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أصفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس حتى أتى بطن محر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصات يكبر مع كل حصاة منها رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبروا شركة في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى البيت فأفاض وصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انزعوا يا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه
ويروي أن ربيعة بن أمية بن خلف هو الذي كان يصرخ في الناس بقول رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو بعرفة يقول له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قل أيها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أي شهر هذا فيقوله لهم فيقولون الشهر الحرام فيقول لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا ثم يقول أيها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أي بلد هذا قال فيصرخ به فيقولون البلد الحرام فيقول قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا

ثم يقول قل يا أيها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أي يوم هذا فيقول لهم فيقولون يوم الحج الأكبر فيقول قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا
وقال عمرو بن خارجة وقفت تحت ناقة النبي {صلى الله عليه وسلم} وإن لعابها ليقع على رأسي ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} واقف بعرفة فسمعته وهو يقول أيها الناس إن الله قد أدى إلى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله له صرفا ولا عدلا
ولما وقف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعرفة قال هذا الموقف للجبل الذي هو عليه وكل عرفة موقف
وقال حين وقف على قزح صبيحة المزدلفة هذا الموقف وكل المزدلفة موقف
ثم لما نحر بالمنحر بمنى قال هذا المنحر وكل مني منحر
فقضي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الحج وقد أراهم مناسكهم وأعلمهم ما فرض عليهم من حجهم من الموقف ورمى الجمار وطواف البيت وما أحل لهم في حجهم وما حرم عليهم فكانت حجة البلاغ وحجة الوداع وذلك أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لم يحج بعدها

ذكر مصيبة الأولين والآخرين من المسلمين بوفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وعلى آله أجمعين
ولما قفل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من حجة الوداع أقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا وضرب على الناس بعثا إلى الشام وهو البعث الذي أمر إليه أسامة بن زيد وأمره أن يوطيء الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون وكان آخر بعث بعثه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فبينا الناس على ذلك ابتديء صلوات الله عليه بشكوه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراد به من رحمته وكرامته في ليال بقين من صفر أو في أول شهر ربيع الأول فكان أول ما ابتديء به رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فيما ذكر أنه خرج إلى بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله فلما أصبح ابتديء بوجعه من يومه ذلك

حدث أبو مويهبة مولى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال بعثني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من جوف الليل فقال يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن استغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنأ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى ثم أقبل علي فقال يا أبا مويهبة إني
قد أوتيت مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فقلت بأبي أنت وأمي فخذ مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة
ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف فبدأ به وجعه الذي قبضه الله فيه
وقالت عائشة رضي الله عنها رجع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وارأساه
قالت ثم قال وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك فقلت والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لرجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك فتبسم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وتتام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعز به وهو في بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيتي فأذن له
وفي غير حديث عائشة أن نساءه {صلى الله عليه وسلم} كن يومئذ تسعا عائشة بنت أبي بكر الصديق وحفصة بنت عمر بن الخطاب وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة وزينب بنت جحش وسودة بنت زمعة القرشيات وميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية وصفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير

فهؤلاء التسع هن اللاتي توفي عنهن {صلى الله عليه وسلم} وتوفى منهن قبله عليه السلام خديجة بنت خويلد وزيرته على الإسلام وأم بنيه وبناته كلهم ما خلا إبراهيم فإنه لسريته مارية القبطية ولم يتزوج عليها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى ماتت وزينب بنت خزيمة من بني هلال بن عامر بن صعصعة وكانت تسمى أم المساكين لرحمتها إياهم ورقتها عليهم فزينب هذه وخديجة توفيتا قبله وبهما كمل عدد من بني عليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من أزواجه ممن اتفق العلماء عليه إحدى عشرة امرأة توفي منهن عن تسع كما ذكرنا
وقد عقد عليه السلام على نساء غيرهن فلم يبن في المشهور من أقاويل العلماء بواحدة منهن فاستغنينا لذلك عن ذكرهن
ونرجع الآن إلى حديث عائشة زوج النبي {صلى الله عليه وسلم} لما استأذن أزواجه أن يمرض في بيتها فأذن له قالت فخرج رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يمشي بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتي
وعن ابن عباس أن الرجل الآخر هو علي بن أبي طالب
ثم غمر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} واشتد به وجعه فقال هريقوا علي من سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم
فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول حسبكم حسبكم
قال الزهري حدثني أبو أيوب بن بشير أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم ثم قال إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا والآخرة وبين ما عنده فاختار ما عند الله ففهمها أبو بكر وعرف أن نفسه يريد فبكى وقال بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال على رسلك يا أبا

قالت ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوي فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب قالت فاغتسل ثم ذهب لينوي فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوي فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي {صلى الله عليه وسلم} لصلاة العشاء الآخرة فأرسل النبي {صلى الله عليه وسلم} إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال إن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا يا عمر صل بالناس فقال له عمر أنت أحق بذلك فصلى أبو بكر تلك الأيام
ومن حديث الأسود عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس
قالت فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقالت له فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إنكن لانتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فأمروا أبا بكر فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض فلما دخل المسجد وسمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر فأومأ إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أقم مكانك فجاء رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر
وعن عبد الله بن زمعة بن الأسود أنه كان عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في نفر من

قالت ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوي فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب قالت فاغتسل ثم ذهب لينوي فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوي فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي {صلى الله عليه وسلم} لصلاة العشاء الآخرة فأرسل النبي {صلى الله عليه وسلم} إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال إن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا يا عمر صل بالناس فقال له عمر أنت أحق بذلك فصلى أبو بكر تلك الأيام
ومن حديث الأسود عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس
قالت فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقالت له فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إنكن لانتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فأمروا أبا بكر فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض فلما دخل المسجد وسمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر فأومأ إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أقم مكانك فجاء رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر
وعن عبد الله بن زمعة بن الأسود أنه كان عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في نفر من

المسلمين لما استعز به ودعاه بلال إلى الصلاة فقال مروا من يصلي بالناس قال فخرجت فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائبا فقلت قم يا عمر فصل بالناس فقام فلما كبر سمع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} صوته وكان عمر رجلا مجهرا فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك والمسلمون فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى أبو بكر بالناس يريد ما بعد من الصلوات فقال لي عمر ويحك ماذا صنعت في يا ابن زمعة والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أمرك بذلك ولولا ذلك ما صليت بالناس
قلت والله ما أمرني رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بذلك ولكني حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة للناس
وعن أنس بن مالك قال آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كشف الستارة يوم الاثنين والناس صفوف في الصلاة فنظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ضاحكا فبهتنا ونحن في الصلاة من فرح بخروج النبي {صلى الله عليه وسلم} ونكص أبو بكر على عقبه ليصل الصف وظن أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} خارج للصلاة فأشار إليهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل فأرخى الستر فتوفي من يومه ذلك
وفي رواية عن أنس أن خروج رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى الناس كان وهم يصلون الصبح وأنه لما رفع الستر وقام على باب عائشة فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم فرحا به حين رأوه قال وتبسم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} سرورا لما رأى من هيئتهم في صلاتهم وما رأيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أحسن هيئة منه تلك الساعة قال ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد أفرق من وجعه
وعن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصا قلت يا ابن عباس وما يوم الخميس قال اشتد
وعن أسامة بن زيد قال لما ثقل النبي {صلى الله عليه وسلم} هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة يعني الجيش الذي كان تهيأ للخروج معه في بعثه قال فدخلت على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقد أصمت فلا يتكلم وجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما علي
أعرف أنه يدعو لي

وذكر ابن إسحاق من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مليكة أن مما تكلم به رسول الله {صلى الله عليه وسلم} للناس يوم صلى قاعدا عن يمين أبي بكر أن قال لهم لما فرغ من الصلاة وأقبل عليهم فكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول يا أيها الناس سعرت الناس وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم إني والله ما تمسكون علي بشيء إني لم أحل إلا ما أحل القرآن ولم أحرم إلا ما حرم القرآن
قال فلما فرغ رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من كلامه قال له أبو بكر يا رسول الله إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما نحب واليوم يوم بنت خارجة أفآتيها قال نعم ثم دخل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح
وعن عبد الله بن عباس قال خرج يومئذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الناس من عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال له الناس يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال أصبح بحمد الله بارئا
قال فأخذ العباس بيده ثم قال يا علي أنت والله عبد العصا بعد ثلاث مرات أحلف بالله لقد رأيت الموت في وجه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب فانطلق بنا إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه وإن كان في غيرنا أمرناه فأوصى بنا الناس
فقال علي إني والله لا أفعل والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده فتوفى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حين اشتد الضحى من ذلك اليوم
أيها الناس من كان عنده شيء فليرده ولا يقل رجل فضوح الدنيا إلا وإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة
فقام رجل فقال يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله قال ولم غللتها قال كنت إليها محتاجا قال خذها منه يا فضل ثم قال من خشي من نفسه شيئا فليقم أدع له فقام رجل فقال يا رسول الله إني لكذوب وإني لفاحش وإني لنؤم
فقال اللهم ارزقه الصدق واذهب عنه النوم إذا أراد
ثم قام رجل فقال والله يا رسول الله إني لكذاب وإني لمنافق وما شيء أو إن شيء إلا قد جئته

فقام عمر بن الخطاب فقال فضحت نفسك أيها الرجل فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وصير أمره إلى خير
فقال عمر كلمة فضحك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثم قال عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان
وعن عائشة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث قالت فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عنه بيمينه رجاء بركتها
وعنها قالت ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ولا اغبط أحدا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وقالت رضي الله عنها رأيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه {صلى الله عليه وسلم} بالماء ثم يقول اللهم أعني على منكرات الموت أو سكرات الموت
وعنها وعن عبد الله بن عباس أيضا قالا لما نزل برسول الله {صلى الله عليه وسلم} طفق يلقي خميصة على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
يحذرهم مثل ما صنعوا
وعن أسامة بن زيد قال لما ثقل النبي {صلى الله عليه وسلم} هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة يعني الجيش الذي كان تهيأ للخروج معه في بعثه قال فدخلت على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقد أصمت فلا يتكلم وجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما علي
أعرف أنه يدعو لي
وذكر ابن إسحاق من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مليكة أن مما تكلم به رسول الله {صلى الله عليه وسلم} للناس يوم صلى قاعدا عن يمين أبي بكر أن قال لهم لما فرغ من الصلاة وأقبل عليهم فكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول يا أيها الناس سعرت الناس وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم إني والله ما تمسكون علي بشيء إني لم أحل إلا ما أحل القرآن ولم أحرم إلا ما حرم القرآن
قال فلما فرغ رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من كلامه قال له أبو بكر يا رسول الله إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما نحب واليوم يوم بنت خارجة أفآتيها قال نعم ثم دخل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح

وعن عبد الله بن عباس قال خرج يومئذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الناس من عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال له الناس يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال أصبح بحمد الله بارئا
قال فأخذ العباس بيده ثم قال يا علي أنت والله عبد العصا بعد ثلاث مرات أحلف بالله لقد رأيت الموت في وجه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب فانطلق بنا إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه وإن كان في غيرنا أمرناه فأوصى بنا الناس
فقال علي إني والله لا أفعل والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده فتوفى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حين اشتد الضحى من ذلك اليوم
وقالت عائشة رضي الله عنها رجع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في ذلك اليوم حين دخل المسجد فاضطجع في حجري فدخل علي رجل من آل أبي بكر وفي يده سواك أخضر فنظر إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في يده نظرا عرفت أنه يريده فقلت يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك قال نعم قالت فأخذته فمضغته له حتى لينته ثم أعطيته إياه قالت فاستن به كأشد ما رأيته استن بسواك قط ثم وضعه ووجدت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يثقل في حجري فذهبت انظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول بل الرفيق الأعلى من الجنة قالت فقلت خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق
وقالت كان عليه السلام كثيرا ما أسمعه يقول إن الله لم يقبض نبيا حتى يخيره فلما حضر كان آخر كلمة سمعتها منه وهو يقول بل الرفيق الأعلى من الجنة
فقلت إذا والله لا يختارنا وعرفت أنه الذي كان يقول لنا إن نبيا لم يقبض حتى يخير
قالت وقبض رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وعن أنس بن مالك قال لما وجد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من كرب الموت ما وجد قالت فاطمة واكرباه لكربك يا أبة فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} لا كرب على أبيك بعد اليوم إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة
وقالت عائشة رضي الله عنها كان آخر ما عهد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن قال لا يترك بجزيرة العرب دينان

وقالت أم سلمة كان عامة وصية رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عند موته الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يلجلجها في صدره وما يقبض بها لسانه
وقال أنس بن مالك شهدته يوم توفي {صلى الله عليه وسلم} فلم أر يوما كان أقبح منه
وقالت عائشة توفي {صلى الله عليه وسلم} بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحدا فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قبض وهو في حجري ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت التدم مع النساء وأضرب وجهي
واختلف أهل العلم بهذا الشأن في اليوم الذي توفي فيه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من الشهر بعد اتفاقهم على أنه توفي يوم الاثنين في شهر ربيع الأول
فذكر الواقدي وجمهور الناس أنه توفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمة المدينة وهذا لا يصح وقد جرى فيه على العلماء من الغلط ما علينا بيانه وذلك أن المسلمين قد أجمعوا على أن وقفة النبي {صلى الله عليه وسلم} بعرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة تاسع ذي الحجة من سنة عشر فاستهل هلال ذي الحجة على هذا ليلة الخميس ثم لا يخلو شهر ذي الحجة والمحرم بعده من سنة إحدى عشرة ثم صفر بعده أن تكون هذه الأشهر الثلاثة كاملة كلها أو ناقصة كلها أو اثنان منها كاملين وواحد ناقصا أو اثنان منها ناقصين وواحد كاملا وأيا ما قدرت من ذلك واعتبرته لم تجد الثاني عشر من ربيع الأول يكون يوم الاثنين أصلا
وذكر أبو جعفر الطبري بإسناد يرفعه إلى فقهاء أهل الحجاز قالوا قبض رسول الله {صلى الله عليه وسلم} نصف النهار يوم الاثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع الأول
وهذا القول وإن خالف ما ذكره جمهور العلماء فإنه أولى بالصواب وأمكن أن يكون حقا فإنه إن كانت الأشهر الثلاثة كل شهر منها من تسعة وعشرين يوما كان استهلال شهر ربيع الأول على ذلك بالأحد فكان يوم الاثنين ثانية
وقد حكي الخوارزمي أنه {صلى الله عليه وسلم} توفي أول يوم من شهر ربيع الأول وهذا أيضا أمكن وأكثر إذ اتصال النقص في ثلاثة أشهر لا يكون إلا قليلا والله تعالى أعلم

ولما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وارتفعت الرنة عليه وسجته الملائكة دهش الناس كما روي عن غير واحد من الصحابة وطاشت عقولهم وافحموا واختلطوا فمنهم من خبل ومنهم من اصمت ومنهم من أقعد إلى الأرض فكان عمر رضي الله عنه ممن خبل فجعل يصيح ويقول أن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} توفي وإنه والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات والله ليرجعن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كما رجع موسى فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مات
وأما عثمان بن عفان رضي الله عنه فاخرس حتى جعل يذهب به ويجاء ولا يتكلم
واقعد علي رضي الله عنه فلم يستطع حراكا
وأضني عبد الله بن أنيس
وبلغ الخبر أبا بكر رضي الله عنه وهو بالسنح فجاء وعيناه تهملان وزفراته تتردد في صدره وغصصه ترتفع كقطع الحرة وهو في ذلك رضوان الله عليه جلد العقل والمقالة حتى دخل على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأكب عليه وكشف عن وجهه ومسحه وقبل جبينه وجعل يبكي ويقول بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا ولنقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوة فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ولولا أن موتك كان اختيارا لجدنا لموتك بالنفوس ولولا انك نهيت عن البكاء لانفذنا عليك ماء الشون فأما ما لا نستطيع نفيه عنا فكمد وأدناف يتخالفان لا يبرحان اللهم فأبلغه عنا اذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن من بالك فلولا ما خلفت من السكينة لم نقم لما خلفت من الوحشة اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا
ثم خرج إلى الناس وهم في عظيم غمراتهم وشديد سكراتهم فقام فيهم بخطبة جلها الصلاة على النبي {صلى الله عليه وسلم} وقال فيها
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه وأشهد أن الكتاب كما نزل وأن الدين كما شرع وأن الحديث كما حدث وأن القول كما قال وأن الله هو الحق المبين في كلام طويل ثم قال

أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وإن الله قد تقدم إليكم في أمره فلا تدعوه جزعا قال الله تبارك وتعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افائن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين آل عمران 144
وإن الله سبحانه قد اختار لنبيه {صلى الله عليه وسلم} ما عنده على ما عندكم وقبضه إلى ثوابه وخلف فيكم كتابه وسنة نبيه فمن أخذ بهما عرف ومن فرق بينهما أنكر يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط النساء 135 ولا يشغلنكم الشيطان بموت نبيكم ولا يلفتنكم عن دينكم فعاجلوا الشيطان بالخزي تعجزوه ولا تستنظروه فليلحق بكم
فلما فرغ من خطبته التفت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا عمر أنت الذي بلغني عنك أنك تقول على باب النبي {صلى الله عليه وسلم} والذي نفس عمر بيده ما مات نبي الله أما علمت أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال يوم كذا كذا وكذا وقال يوم كذا كذا وكذا وقال الله تعالى في كتابه إنك ميت وإنهم ميتون
30 الزمر
فقال عمر والله لكأني لم أسمع بها في كتاب الله تعالى قبل ذلك لما نزل بنا أشهد أن الكتاب كما نزل وأن الحديث كما حدث وأن الله تبارك وتعالى حي لا يموت صلوات الله على رسوله وعند الله نحتسب رسوله
وفي بعض سياق هذا الخبر أن أبا بكر رضي الله عنه لما دخل على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في بيت عائشة ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} مسجي في ناحية البيت عليه برد حبرة أقبل حتى كشف عن وجه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثم أقبل عليه فقبله ثم قال بأبي أنت وأمي أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا ثم رد البرد على وجه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثم خرج وعمر يكلم الناس فقال
يا عمر أنصت
فأبى إلا أن يتكلم فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل يكلم الناس فلما سمع الناس كلام أبي بكر أقبلوا عليه وتركوا عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال

يا أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم آل عمران 144 إلى أخر الآية
قال فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم
وقال عمر رضي الله عنه والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد مات
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما كان منه يومئذ
لعمري لقد أيقنت أنك ميت
ولكنما أبدي الذي قلته الجزع
وقلت يغيب الوحي عنا لفقده
كما غاب موسى ثم يرجع كما رجع
وكان هواي أن تطول حياته
وليس لحي في بقا ميت طمع
فلما كشفنا البرد عن حر وجهه
إذا الأمر بالجدع الموعب قد وقع
فلم تك لي عند المصيبة حيلة
أرد بها أهل الشماتة والقذع
سوى إذن الله الذي في كتابه
وما أذن الله العباد به يقع
وقد قلت من بعد المقالة قولة
لها في حلوق الشامتين به بشع
ألا إنما كان النبي محمد
إلى أجل وافي به الموت فانقطع
ندين على العلات منا بدينه
ونعطي الذي أعطى ونمنع ما منع
ووليت محزونا بعين سخينة
أكفكف دمعي والفؤاد قد أنصدع
وقلت لعيني كل دمع ذخرته
فجودي به إن الشجي له دفع
الطويل
وذكر ابن إسحاق بإسناد يرفعه إلى عبد الله بن عباس قال إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له وفي يده الدرة ما معه غيري وهو يحدث نفسه ويضرب وخشي قدمه بدرته إذ التفت إلي فقال يا ابن عباس هل تدري ما حملني على مقالتي التي قلت حين توفي الله رسوله {صلى الله عليه وسلم} قال قلت لا أدري يا أمير المؤمنين أنت أعلم

قال فإنه والله إن حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا 143 البقرة فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت
وذكر موسى بن عقبة أن المقام الذي قام به أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وبعد الذي كان من عمر من القول هو أنه خرج سريعا إلى المسجد من بيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يتوطأ رقاب الناس حتى جاء المنبر وعمر يكلم الناس ويوعد من زعم أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مات فجلس عمر حين رأي أبا بكر مقبلا فقام أبو بكر على المنبر فنادى الناس أن اجلسوا وأنصتوا فتشهد بشهادة الحق ثم قال إن الله قد نعى نبيكم لنفسه وهو حي بين أظهركم ونعى لكم أنفسكم فهو الموت حتى لا يبقى أحد إلا الله يقول الله عز وجل وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين 144 آل عمران
وقال إنك ميت وإنهم ميتون 30 الزمر
وقال 77 كل نفس ذائقة الموت 185 آل عمران 35 الأنبياء 57 العنكبوت
وقال كل شيء هالك إلا وجهه 88 القصص
وقال كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام 26 الرحمن

ثم قال إن الله عمر محمدا وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلغ رسالة الله وجاهد أعداء الله حتى توفاه الله صلوات الله عليه وهو على ذلك وتركتم على الطريقة فلا يهلك هالك إلا من بعد البينة فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت فليعبده ومن كان يعبد محمدا أو يراه إلها فقد هلك إلهه فأفيقوا أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم وإن كلمته باقية وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه وإن كتاب الله بين أظهرنا هو النور والشفاء وبه هدى الله محمدا وفيه حلال الله وحرامه لا والله ما نبالي من أجلب علينا من خلق الله إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فلا يبقين أحد إلا على نفسه
ثم انصرف وانصرف المهاجرون معه
بيعة أبي بكر رضي الله عنه وما كان من تحيز الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ومنتهى أمر المهاجرين معهم
قال ابن إسحاق ولما قبض رسول الله {صلى الله عليه وسلم} انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة واعتزل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل فأتى آت إلى أبي بكر فقال إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس من قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} في بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله
قال عمر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه

قال وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الأنصار أن عبد الله بن عباس قال أخبرني عبد الرحمن بن عوف وكنت في منزله بمنى أنتظره وهو عند عمر في آخر حجة حجها عمر قال فرجع عبد الرحمن بن عوف من عند عمر فوجدني في منزله أنتظره وكنت أقرئه القرآن فقال لي لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا والله ما كانت بيعة أبي بكر غإا فلتة فتمت
قال فغضب عمر فقال إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم
ثم قال عبد الرحمن
فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير ولا يعوها ولا يضعوها على موضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار السنة وتخلص بأهل الفقه وإشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا فيعي أهل الفقه مقالتك ويضعونها موضعها فقال عمر أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة
قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس فأجد سعيد بن زيد بن عمرو ين نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته فلم انشب أن خرج عمر فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف قال فأنكر علي سعيد بن زيد ذلك

قال وما عسى أن يقول مما لم يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام فأثني على الله بما هو له أهل ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها ولا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليأخذنها حيث انتهت به راحلته ومن خشى أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي إن الله بعث محمدا {صلى الله عليه وسلم} وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعلمناها ووعيناها ورجم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وأن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الأعتراف ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من الكتاب لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أو كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال لا تطروني كما أطري عيسى ابن
مريم وقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال لو والله قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا إنه كان من خبرنا حين توفي الله نبيه {صلى الله عليه وسلم} أن الأنصار خالفوا فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعده وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم وقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين قلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا أمركم
قال قلت والله لنأتينهم

فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعده فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ماله فقالوا وجع
فلما جلسنا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال
أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة من قومكم
قال وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا ويغصبونا الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فقال أبو بكر على رسلك يا عمر فكرهت أن أعصيه فتكلم وهو كان أعلم مني وأوقر فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته أو مثلها أو أفضل منها حتى سكت
قال أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد
هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ولم أكره شيئا مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر
قال فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش
قال فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف فقلت أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة
فقلت قتل الله سعد بن عبادة

وذكر ابن إسحاق عن الزهري عن عروة أن أحد الرجلين اللذين لقوا من الأنصار حين ذهبوا إلى السقيفة هو عويم بن ساعدة وهو الذي قال فيه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما سئل من الذين قال الله لهم رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين التوبة 108 فقال {صلى الله عليه وسلم} نعم المرء منهم عويم بن ساعدة وأما الرجل الآخر فهو معن بن عدي ويقال إنه لما بكى الناس على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حين توفاه الله وقالوا والله لوددنا أنا متنا قبله إنا نخشى أن نفتتن بعده قال معن بن عدي لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا وقتل رحمه الله شهيدا يوم اليمامة
وذكر ابن عقبة أنهم لما توجهوا إلى سقيفة بني ساعدة وأراد عمر أن يتكلم ويسبق بالقول ويمهد لأبي بكر ويتهدد من هناك من الأنصار وقال عمر خشيت أن يقصر أبو بكر رضي الله عنه عن بعض الكلام وعن ما أجد في نفسي من الشدة على من خالفنا زجره أبو بكر رضي الله عنه فقال على رسلك فستكفي الكلام إن شاء الله تعالى ثم سوف تقول بعدي ما بدا لك فتشهد أبو بكر وأنصت القوم ثم قال
بعث الله محمدا بالهدى ودين الحق فدعا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى الإسلام فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعانا إليه فكنا معشر المهاجرين أول الناس

إسلاما ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه فنحن أهل النبوة وأهل الخلافة وأوسط الناس أنسابا في العرب ولدتنا العرب كلها فليست منها قبيلة إلا لقريش فيها ولادة ولن تعترف العرب ولا تصلح إلا على رجل من قريش هم أصبح الناس وجوها وأبسطه ألسنا وأفضله قولا فالناس لقريش تبع فنحن الأمراء وأنتم الوزراء وهذا الأمر بيننا وبينكم قسمة إلا بلمه وأنتم يا معشر الأنصار إخواننا قي كتاب الله وشركاؤنا في الدين وأحب الناس إلينا وأنتم الذين آووا ونصروا وأنتم أحق الناس بالرضى بقضاء الله والتسليم لفضيلة ما أعطى الله إخوانكم من المهاجرين وأحق الناس أن لا تحسدوهم على خير أتاهم الله إياه فأنا أدعوكم إلى أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح ووضع يديه عليهما وكان قائما بينهما فكلاهما قد رضيته للقيام بهذا الأمر ورأيته أهلا لذلك
فقال عمر وأبو عبيدة ما ينبغي لأحد بعد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن يكون فوقك يا أبا بكر أنت صاحب الغار مع رسول الله وثاني اثنين وأمرك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حين اشتكى فصليت بالناس فأنت أحق بهذا الأمر
قالت الأنصار والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم وما خلق الله قوما أحب إلينا ولا أعز علينا منكم ولا أرضى عندنا هديا ولكنا نشفق بعد اليوم فلو جعلتم اليوم رجلا منكم فإذا مات أخذنا رجلا من الأنصار فجعلناه فإذا مات أخذنا رجلا من المهاجرين فجعلناه فكنا كذلك أبدا ما بقيت هذه الأمة بايعناكم ورضينا بذلك من أمركم وكان ذلك أجدر أن يشفق القرشي إن زاغ أن ينقض عليه الأنصاري وأن يشفق الأنصاري إن زاغ أن ينقض عليه القرشي
فقال عمر لا ينبغي هذا الأمر ولا يصلح إلا لرجل من قريش ولن ترضى العرب إلا به ولن تعرف العرب الإمارة ألا له ولن تصلح إلا عليه والله لا يخالفنا أحد إلا قتلناه

فقام الحباب بن المنذر من بني سلمة فقال منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش أنا جذيلها المحك وعذيقها المرجب دفت علينا منكم دافة أرادوا أن يخرجونا من أصلنا ويختصونا من هذا الأمر وإن شئتم كررناها جزعة
فكثر القول حتى كادت الحرب تقع بينهم وأوعد بعضهم بعضا ثم تراد المسلمون وعصم الله لهم دينهم فرجعوا بقول حسن وسلموا الأمر لله وعصوا الشيطان ووثب عمر فأخذ بيد أبي بكر وقام أسيد بن حضير الأشهلي وبشير بن سعد أبو النعمان بن بشير يستبقان ليبايعا أبا بكر فسبقهما عمر فبايع ثم بايعا معا ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة وسعد بن عبادة مضطجع يوعك فازدحم الناس على أبي بكر فقال رجل من الأنصار اتقوا سعدا لا تطؤه فتقتلوه
فقال عمر وهو مغضب قتل الله سعدا فإنه صاحب فتنة
فلما فرغ أبو بكر من البيعة رجع إلى المسجد فقعد على المنبر فبايعه الناس حتى أمسى وشغلوا عن دفن رسول الله حتى كان آخر الليل من ليلة الثلاثاء مع الصبح
وقال ابن أبي عزة القرشي الجمحي في ذلك
شكرا لمن هو بالثناء خليق
ذهب اللجاج وبويع الصديق
من بعد ما دحضت بسعد نعله
ورجا رجاء دونه العيوق
جاءت به الأنصار عاصب رأسه
فأتاهم الصديق والفاروق
وأبو عبيدة والذين إليهم
نفس المؤمل للبقاء تتوق
كنا نقول لها علي والرضى
عمر وأولاهم بتلك عتيق
فدعت قريش باسمه فأجابها
إن المنوه باسمه الموثوق
الكامل
وذكر وثيمة بن موسى بن الفرات أنه كان لأشراف قريش فيما كان من شأن الأنصار مقامات محمودة فمن ذلك أن خالد بن الوليد قام على أثر أبي بكر بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وكان خطيب قريش فقال
أيها الناس إنا رمينا في بدع بدء هذا الدين بأمر ثقل علينا محمله وصعب علينا
مرتقاه وكنا كأنا منه على أوفاز ثم والله ما لبثنا أن خف علينا ثقله وذل لنا صعبه وعجبنا ممن شك فيه بعد عجبنا ممن آمن به حتى والله أمرنا بما كنا ننهي عنه ونهينا عن ما كنا نأمر به ولا الله ما سبقنا إليه بالعقول ولكنه التوفيق

إلا وإن الوحي لم ينقطع حتى أكمل ولم يذهب النبي {صلى الله عليه وسلم} حتى أعذر فلسنا ننتظر بعد النبي نبيا ولا بعد الوحي وحيا ونحن اليوم أكثر منا بالأمس ونحن بالأمس خير منا اليوم من دخل في هذا الدين كان من ثوابه على حسب عمله ومن تركه رددناه إليه إنه والله ما صاحب هذا الأمر يعني أبا بكر بالمسؤول عنه ولا المختلف فيه ولا بالخفي الشخص ولا المغمور القناة
ثم سكت فعجب الناس من كلامه
وقام حزن بن أبي وهب وهو الذي سماه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} سهلا فقال
وقامت رجال من قريش كثيرة
فلم يك في القوم القيام كخالد
ترقى فلم تزلق به صدر نعله
وكف فلم يعرض لتلك الأوابد
فجاء بها غراء كالبدر سهلة
تشبهها في الحسن أم القلائد
أخالد لا تعدم لؤي بن غالب
قيامك فيها عند قذف الجلامد
كساك الوليد بن المغيرة مجده
وعلمك الشيخان ضرب العماحد
تقارع في الإسلام عن صلب دينه
وفي الشرك عن أجلال جد ووالد
وكنت لمخزوم بن يقظة جنة
كلا اسميك فيها ماجد وابن ماجد
إذا ما غنا في هيجها ألف فارس
عدلت بألف عند تلك الشدائد
ومن يك في الحرب المصرة واحدا
فما أنت في الحرب العوان بواحد )
إذا ناب أمر في قريش محلج تشيب له روس العذارى النواهد
توليت منه ما يخاف وإن تغب يقولوا جميعا خطنا غير شاهد
الطويل
قال ابن إسحاق ولما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عظمت به مصيبة المسلمين فكانت عائشة فيما بلغني تقول لما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ارتدت العرب
واشرأبت اليهودية والنصرانية ونجم النفاق وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبي بكر

وذكر ابن هشام عن أبي عبيدة وغيره من أهل العلم أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} هموا بالرجوع عن الإسلام وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد فتواري فقام سهيل بن عمرو فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقال إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة فمن رابنا ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عن ما هموا به فظهر عتاب بن أسيد وقد تقدم لنا أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال في سهيل بن عمرو لعمر بن الخطاب وقد قال له انزع ثنيتي سهيل بن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا فقال له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه فكان هذا المقام المتقدم هو الذي أراد رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وعن أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال
أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ولكني كنت أرى أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} سيد برنا يقول يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسوله فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه
فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة
ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال
أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم
قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

وذكر موسى بن عقبة أن رجالا من المهاجرين غضبوا في بيعة أبي بكر منهم علي والزبير فدخلا بيت فاطمة ابنة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ومعهما السلاح فجاءهما عمر بن الخطاب في عصابة من المهاجرين والأنصار فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش الأشهليان وثابت بن قيس بن شماس الخزرجي فكلموهما حتى أخذ أحد القوم سيف الزيبر فضرب به الحجر حتى كسره ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال
والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما قط ولا ليلة ولا سألتها الله قط سرا ولا علانية ولكني أشفقت من الفتنة وما لي في الإمارة من راحة ولقد قلدت أمرا عظيما مالي به طاقة ولا يدان إلا بتقوية الله ولوددت أن أقوي الناس عليها مكاني اليوم
فقبل المهاجرون منه ما قاله واعتذر به وقال علي والزبير ما غضبنا إلا أنا أخرنا عن المشورة وإنا لنرى أن أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأنه لصاحب الغار وثاني اثنين وإنا لنعرف له شرفه وسنه ولقد أمره رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بالصلاة بالناس وهو حي
وذكر غير ابن عقبة أن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس بعد مبايعتهم إياه يقيلهم في بيعتهم ويستقيلهم فيما تحمله من أمرهم ويعيد ذلك عليهم كل ذلك يقولون له والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فمن ذا يؤخرك
ولم يبدأ أبو بكر رضي الله عنه بعد أن فرغ أمر البيعة واطمأن الناس بشيء من النظر قبل إنفاذ بعث أسامة فقال له امض لوجهك الذي بعثك له رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا أمسك أسامة وبعثه فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال أبو بكر وكان أفضلهم رأيا أنا أحتبس بعثا بعثه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لقد اجترأت إذا على أمر عظيم والذي نفسي بيده لأن تميل العرب على أحب إلي من أن أحتبس جيشا أمرهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم}

امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به ثم اغز حيث أمرك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من ناحية فلسطين وعلى أهل مؤتة فإن الله سيكفى ما تركت ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر بن الخطاب بالتخلف لأستشيره وأستعين برأيه فإنه ذو رأي ونصيحة للإسلام وأهله فعلت
ففعل أسامة وأذن لعمر فأقام بالمدينة مع أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين

ذكر غسل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ودفنه وما يتصل بذلك من أمره صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته
ولما فرغ الناس من بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وجمعهم الله عليه وصرف عنهم كيد الشيطان أقبلوا على تجهيز نبيهم {صلى الله عليه وسلم} والاشتغال به
قالت عائشة رضي الله عنها لما أرادوا غسل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اختلفوا فيه فقالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه قالت فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره وكلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن أغسلوا النبي وعليه ثيابه
قالت فقاموا إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه والقميص دون أيديهم
ويروي عن غير واحد أن الذين ولوا غسله {صلى الله عليه وسلم} ابن عمه علي بن أبي طالب وعمه العباس بن عبد المطلب وابناه الفضل وقثم وحبه أسامة بن زيد ومولاه شقران
وقال أوس بن خولي أحد بني عوف بن الخزرج وكان ممن شهد بدرا لعلي بن أبي طالب يومئذ فحضر غسل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} معهم فأسند على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى صدره وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه وكان أسامة وشقران هما اللذان يصبان الماء عليه وعلي يغسله قد أسنده إلى صدره وعليه
قميصه يدلكه به من ورائه لا يفضي بيده إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وعلي يقول بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيا وميتا
ولم ير من رسول الله {صلى الله عليه وسلم} شيء مما يرى من الميت
وكانت عائشة رضي الله عنها تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلا نساؤه
ولما فرغ من غسل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كفن في ثلاثة أثواب

قال ابن إسحاق في حديث يرفعه إلى علي بن حسين ثوبين صحاريين وبرد حبرة أدرج فيه إدراجا
وخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة قالت كفن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة
زاد الترمذي قال فذكروا لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة
فقالت قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه
واختلف المسلمون في موضع دفنه فقال قائل ندفنه في مسجده وقال آخر بل ندفنه مع أصحابه وقال أبو بكر رضي الله عنه ادفنوه في الموضع الذي قبض فيه فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب فعلموا أن قد صدق
وفي رواية أنه قال لهم سمعت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض
فرفع فراش رسول الله {صلى الله عليه وسلم} الذي توفي عليه فحفر له تحته
ولما أرادوا أن يحفروا له وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد دعا العباس برجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح وللآخر اذهب إلى أبي طلحة
اللهم خر لرسول الله فوجد الذي توجه إلى أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله {صلى الله عليه وسلم}
فلما فرغ من جهاز رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته ثم دخل الناس على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يصلون عليه أرسالا الرجال حتى إذا فرغوا أدخل النساء حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان ولم يؤم الناس على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أحد
ويروي في حديث أن عليا رضي الله عنه قال لقد سمعنا همهمة ولم نر شخصا فسمعنا هاتفا يقول ادخلوا رحمكم الله فصلوا على نبيكم
ثم دفن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من وسط الليل ليلة الأربعاء
قالت عائشة رضي الله عنها ما علمنا بدفن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل من ليلة الأربعاء
وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} علي بن أبي طالب والفضل وقثم ابنا عمه العباس وشقران مولى رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وقال أوس بن خولي من الأنصار لعلي بن أبي طالب يا علي أنشدك الله وحظنا من رسول الله {صلى الله عليه وسلم}

فقال له انزل فنزل مع القوم
وكانت لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} قطيفة يلبسها ويفترشها فأخذها شقران مولاه فدفنها في القبر وقال والله لا يلبسها أحد بعدك أبدا فدفنت مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
ولما انصرف الناس قالت فاطمة رضي الله عنها لعلي رضي الله عنه يا أبا الحسن دفنتم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال نعم
قالت فاطمة كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أما كان في صدوركم لرسول الله رحمة أما كان معلم الخير قال بلى يا فاطمة ولكن أمر الله الذي لا مرد له فجعلت تبكي وتندب واأبتاه أجاب ربا دعاه واأبتاه من جنة الفردوس مأواه واأبتاه إلى جبريل ينعاه
وقد كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أسر إليها في مرضه أنه مقبوض منه ولاحق بربه فبكت مشفقة من فراقه فأسر إليها ثانية أنها أول أهله لحاقا به فضحكت راضية بالموت مسرورة بوقوعه في جنب ما تتعجل من لقائه في حضرة القدس ومحلة الرضوان والكرامة
ولما دفن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وانصرف المهاجرون والأنصار عن دفنه ورجعت فاطمة رضي الله عنها إلى بيتها اجتمع إليها نساؤها فقالت
اغبر أفاق السماء وكورت
شمس النهار وأظلم العصران
فالأرض من بعد النبي كئيبة
أسفا عليه كثيرة الرجفان
فليبكه شرق البلاد وغربها
ولتبكه مضر وكل يمان
وليبكه الطود المعظم جوه
والبيت ذو الأستار والأركان
يا خاتم الرسل المبارك ضنه
صلى عليك منزل الفرقان
الكامل
ويروي أيضا أن فاطمة رضي الله عنها أنشدت بعد موت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} متمثلة بشعر سميتها فاطمة بنت الأجهم
قد كنت لي جبلا ألوذ بظله
فتركتني أمشي بأجرد ضاح
قد كنت ذات حمية ما عشت لي
أمشي البرار وكنت أنت جناحي
فاليوم أخضع للذليل وأتقى
منه وأدفع ظالمي بالراح
وإذا دعت قمرية شجنا لها
ليلا على فنن دعوت صباحي
الكامل
ومما ينسب إلى علي أو فاطمة رضي الله عنهما
ماذا على من شم تربة أحمد
أن لا يشم مدا الزمان غواليا
صبت على مصائب لو أنها
صبت على الأيام عدن لياليا
الكامل

وجلست أم أيمن تبكي على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعد موت وهي حاضنته التي كان يأوي إليها بعد موت أمه ورسول الله {صلى الله عليه وسلم} في بيته لم يدفن بعد فقيل لها ما يبكيك يا أم أيمن قد أكرم الله نبيه وادخله جنته وأراحه من نصب الدنيا فقالت إنما أبكي على خبر السماء كان يأتينا غضا جديدا كل يوم وليلة فقد انقطع عنا ورفع فعليه أبكي
فعجب الناس من قولها وبكوا لبكائها
وقال أنس بن مالك خادم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء وما نفضنا أيدينا من التراب وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ولد النبي {صلى الله عليه وسلم} يوم الاثنين ونبي يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين فيا لهذا اليوم كم خير تسبب فيه إلى أهل الأرض وأي مصيبة نزلت فيه بمنية ضاق عنها منفسح الطول والعرض
وقد حدثنا ابن عباس أيضا أنه سمع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يقول من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة
فقالت عائشة فمن كان له فرط من أمتك قال ومن كان له فرط يا موفقه قالت فمن لم يكن له فرط من أمتك قال فأنا فرط لأمتي لن يصابوا بمثلي
ولله در شاعره حسان بن ثابت إذ يقول
وهل عدلت يوما رزية هالك
رزية يوم مات فيه محمد
الطويل
وهذا البيت من قصيدة له يرثي بها رسول الله {صلى الله عليه وسلم} سنذكرها بعد في مراثيه
وروي أيضا عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه قال ليعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بي
فيالها والله مصيبة أحرقت الأكباد وغمرت بالأسف والحزن الآماد والآباد وزراء ثقيلا آد كاهل الإيمان منه ما آد وخطبا جليلا أودي بكل صبر جميل أو كاد
والصبر يحمد في المواطن كلها
إلا عليك فإنه مذموم
الكامل

ولولا أن الله سبحانه وتعالى ربط على القلوب من بعده بأمر من عنده لأودت مكانها كمدا ولما وجدت إلى البقاء متسلفا ولا عن وحي القنا ملتحدا ولو رجفت الأرض لفقدان أحد لأصبحت لفقدانه راجفة ولو نسفت الجبال لمهلك هالك لغدت رواسيها على حكم الأسف متنافسة ولو كسفت النيرات لمصرع حي لأمست دررها منثورة لمصرعه ولو تغيرت المشارع المورودة لموت إنسان لأمر لموته على كل وارد عذب مشرعه
هيهات هيهات ذلك والله الرزأ الكبار والنازلة التي يعيي بها الاحتمال
والاصطبار والخطر الذي تقاصر دونه الأخطار والخطب الذي تشقي بمضاضة مشاهدته المهاجرون والأنصار والمفقود الذي لا عوض منه أبدا وان تراخت الأيام وتطاولت الأعصار ولو غير الأقدار أصابته لبدلت دونه أعلاق المهج أو غير المنايا نابته لتعذر على قاصده وجه السبيل المنتهج ولكنها السبيل التي لا يتخطاها سالك وما سبقت به مشيئة الدائم الباقي الذي كل شيء إلا وجهه هالك فلا مجال للدفاع ولا حيلة في الامتناع ولا غناء للأعوان والأتباع ولا شيء يضمه حكم الممكن المستطاع غير الانقياد لأمر الله والإهطاع ولهفا ثم لهفا عليه ويا برح شوق القلوب المشربة نور الإيمان به وشدة نزاعها إليه وبالدموع أجريت عليه {صلى الله عليه وسلم} لقد أوجدت مجرا وأوجبت أجرا وحرمت لهيا عن أسبابها وزجرا ولقد كان من يقدم المدينة بعد أن استأثر به مولاه الذي شرح له صدرا ورفع له ذكرا وقدرا إذا اشرفوا عليها سمعوا لأهلها ضجيجا يصم السميع وللبكاء في جنباتها عجيجا اصحل الحلوق ونزف الدموع
حدث أبو ذؤيب الهذلي فقال بلغنا أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عليل فاستشعرت حزنا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها ولا يطلع نورها فظللت اقاسي طولها حتى إذا كان قرب السحر أغفيت فهتف بي هاتف وهو يقول
خطب أجل أناخ بالإسلام
بين النخيل ومعقد الأطام
قبض النبي محمد فعيوننا
تذري الدموع عليه بالتسجام
الكامل

قال أبو ذؤيب فوثبت من نومي فزعا فنظرت إلى السماء فلم أر إلأ سعد الذابح فتفاءلت به ذبح يقع في العرب وعلمت أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قد قبض أو هو ميت من علته فركبت ناقتي وسرت فلما أصبحت طلبت شيئا أزجر به فعن لي شيهم يعني القنفذ قد قبض على صل يعني الحية فهي تلتوي عليه والشيهم يقضها حتى اكلها فزجرت ذلك وقلت شيهم شيء مهم والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثم أكل الشيهم إياها غلبة القائم بعده على الأمر فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالغابة زجرت الطائر فأخبرني بوفاته
ونعب غراب سانح فنطق بمثل ذلك فتعوذت بالله من شر ما عن لي في طريقي وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام فقلت مه فقالوا قبض رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فجئت المسجد فوجدته خاليا فأتيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فوجدت بابه مرتجا وقيل هو مسجي قد خلا به أهله فقلت أين الناس فقيل في سقيفة بني ساعدة ساروا إلى الأنصار فجئت إلى السقيفة فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وسالما مولى أبي حذيفة وجماعة من قريش ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة وفيهم شعراؤهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وملأ منهم فآويت إلى قريش وتكلمت الأنصار فأطالوا الخطاب وأكثروا الصواب وتكلم أبو بكر رضي الله عنه فلله دره من رجل لا يطيل الكلام ويعلم مواضع فصل الخطاب والله لقد تكلم لكلام لا يسمعه سامع إلا إنقاد له ومال إليه ثم تكلم عمر رضي الله عنه بعده دون كلامه ومد يده وبايعوه ورجع أبو بكر ورجعت معه
قال أبو ذؤيب فشهدت الصلاة على محمد {صلى الله عليه وسلم} وشهدت دفنه
ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبي {صلى الله عليه وسلم}
لما رأيت الناس في غسلاتهم
ما بين ملحود له ومضرح
متبادلين لشرجع بأكفهم
نص الرقاب لفقد أبيض أروح
فهناك صرت إلى الهموم ومن يبت
جار الهموم يبيت غير مروح
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها
وتزعزعت آطام بطن الأبطح
وتزعزعت أجيال يثرب كلها
ونخليها لحلول خطب مفدح
ولقد زجرت الطير قبل وفاته

بمصابه وزجرت سعد الأذبح
الكامل
وذكر الزبير بن أبي بكر بإسناد له إلى هشام بن عروة أن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قالت ترثي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما توفي
إلا يا رسول الله كنت رجاءنا
وكنت بنا برا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا ومعلما
ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكى النبي لفقده
ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
كأن على قلبي لذكر محمد
وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى الله رب محمد
على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدا لرسول الله أمي وخالتي
وعمي وآباي ونفسي وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا
ومت صليب العود أبلج صافيا
فلو أن رب الناس أبقي نبينا
سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية
وأدخلت جنات من العدن راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته
يبكي ويدعو جده اليوم نائبا
الطويل
وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم يبكي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
أرقت فبات ليلي لا يزول
وليل أخي المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما
أصيب المسلمون به قليل
لقد عظمت مصيبتنا وجلت
عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها
تكاد بنا جوانبها تميل
فقدنا الوحي والتنزيل فينا
يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه
نفوس الناس أو كربت تسيل
نبي كان يجلو الشك عنا
بما يوحي إليه وما يقول
ويهدينا فلا نخشى ضلالا
علينا والرسول لنا دليل
أفاطم إن جزعت فذاك عذر
وإن لم تجزعي ذاك السبيل
فقبر أبيك سيد كل قبر
وفيه سيد الناس الرسول
الوافر
ولما بلغت عمرو بن العاص السهمي وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو يومئذ بعمان قال يرثيه
أتاني ورحلى في عمان مصيبة
فبت بعين طرفها طرف أرمد
غداة نعي الناس النبي محمدا
فأعزز علينا بالنبي محمد
فقدنا به وحي السماء ونعمة
تروح علينا بالمراد وتغتدي
وأوحش منه منبر كان زينة
ومسجده وحش فيا خير مسجد
فلو كنت يوما شاهدا لوفاته
لمست ترابا من ضريحته يدي
بإذن يراه أهله ومكيده
أسود بها ما عشت يومي وفي غد

كما نالها منه المغيرة خدعة
وما أنا دون الطائفي الجفيدد
الطويل
يريد المغيرة بن شعبة الثقفي وكان يدعى أنه أحدث الناس عهدا برسول الله {صلى الله عليه وسلم} ويقول أخذت خاتمي فألقيته في القبر وقلت إن خاتمي سقط مني وإنما طرحته عمدا لأمس رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأكون أحدث الناس عهدا به {صلى الله عليه وسلم}
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينكر ذلك من قول المغيرة ويأباه ويقول أحدث الناس عهدا برسول الله {صلى الله عليه وسلم} قثم بن عباس
وذكر وثيمة بن موسى أن عبد الله بن أنيس الجهني كان غائبا ببعض ضواحي المدينه فلما انتهى إليه الخبر بوفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أظلمت عليه الأرض ثم قال والله لو أن ميتا رده قتل حي نفسه لقتلت نفسي ولكن أفرغ إلى أمر الله إنا لله وإنا أليه راجعون
ثم سأل الذي أخبره هل استخلف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} رجلا بعينه قال لا والله قال الله أكبر لو استخلفه هلكنا بمعصيته
فهل اجتمع الناس على رجل قال أمر نبي الله {صلى الله عليه وسلم} أبا بكر أن يصلي بالناس
قال هي إعلام الإمامه وليس كل من صلى بإمام
ما فعل علي قال هو في بيته قال لا يريدها يا ابن أخي لها ثلاثة من قريش علي وأبو بكر وعمر من ادعى منازلهم قصر دونهم
ما صنعت الأنصار قال إعتزلت قال كلا طائف من الشيطان لم يكن الله ليخذلهم مع ما سبق لهم بت عندي الليلة فإني عليل ولا أراني إلا لما بي من هذه الصدمة ولكن أبلغ عني قريشا فقال
نفا النوم ما لا تبتغيه الأصابع
وخطب جليل للبلية جامع
غداة نعي الناعي إلينا محمدا
وتلك التي تستك منها المسامع
فلو رد نفسا قتل نفس قتلتها
ولكنه لا يدفع الموت دافع )
فآليت لا أبكي على هلك هالك
من الناس ما أرسي ثبير وفارغ
ولكنني باك عليك ومتبع
مصيبته إني إلى الله راجع
وقد قبض الله النبيين قبله
وعادا أصيب بالورى والتتابع
فإن مات فالإسلام حي وربنا
لذ الدين مما كاده اليوم مانع
فياليت شعري من يقوم بأمرنا
وهل لقريش يا إمام منازع
ثلاثة رهط من قريش هم هم
أزمة هذا الأمر والله صانع
علي أو الصديق أو عمر لها

وليس لها بعد الثلاثة رابع
أولئك خير الحي فهر بن مالك
وأول من تجنى عليه الأصابع
أولئك إن قاموا به سلكوا بنا
محجتنا العظمى وقل التنازع
وكل قريش والذي أنا عبده
على كل حال للثلاثة تابع
فإن قال من قائل غير هذه
أبينا وقلنا الله راء وسامع
فيا لقريش قلدوا الأمر بعضكم
فإن ضجيع العجز للسن قارع
ولا تبطؤو عنها فواقا فإنها
إذا قطعت لم تسر فيها المطامع
الطويل
قال فانتهى الرجل إلى قريش وقد انطلق المهاجرون إلى الأنصار وكان من أمرهم الذي كان فرجع إلى عبد الله بن أنيس فأخبره الخبر ففرح بذلك
ولأبي الهيثم بن اليتهان الأنصاري في نحو هذا المعنى شعر قاله وقد مر به أبو بكر الصديق رضي الله عنه قبل مبايعة الناس إياه فشكى إليه وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال أبو الهيثم قد والله شمتت اليهودية والنصرانية وبلغني عن الناس أمر ساءني فرجع أبو الهيثم إلى منزله فقال
ألا قد أرى أن المنى لم تخلد
لأن المنايا للنفوس بمرصد
لقد جدعت أذاننا وأنوفنا
غداة فجعنا بالنبي محمد
تكلم أهل الشرك من بعد غلظة
لغيبة هاد كان فينا ومهتدي
ثلاثة أصناف من الناس كلهم
يروح علينا بالشنان ويغتدي
نصارى يقولون الفرى ومنافق
شبيه بذاك الشامت المتهود
وأوعد كذاب اليمامة جهده
فأجلب عودا باللسان وباليد
فإن تك هذا اليوم منهم شماتة
فلا يأمنوا ما يحدث الله في غد
وما نحن إن لم يجمع الله أمرنا
بخير قريش كلها بعد أحمد
بأمنع من شاء بقفر مطيرة
بقيعة قاع أو ضباب بفدفد
وإني لأرجو أن يقوم بأمرنا
علي أو الصديق والمرء من عدي
أولئك خيار الحي فهر بن مالك
وأنصار هذا الدين من كل معتدي
الطويل
ولما انتهت إلى همدان وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} تكلمت سفهاؤهم بما كرهت ظماؤهم فقال عبد الله بن مالك الأرض وكان من أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} له هجرة وفضل في دينه فاجتمعت إليه همدان فقال

يا معشر همدان إنكم لم تعبدوا محمدا إنما عبدتم رب محمد وهو الحي الذي لا يموت غير أنكم أطعتم رسولكم بطاعة الله فدعاكم فأجبتموه وهداكم فاتبعتموه واعلموا انه ولى نعمتكم في دينكم ودنياكم فأما دينكم فاستنقذكم الله به من النار وأما دنياكم فاستنقذكم الله به من الرق ولم يكن الله ليجمع صحابة رسوله على ضلال وقد وعدهم أن يهديهم عندما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فأطيعوا من اختاروا وقدموا من قدموا في كلام غير هذا تكلم به على هذا المثال ونسجه على هذا المنوال
وقال في ذلك
لعمري لئن مات النبي محمد
لما مات يا ابن القيل رب محمد
وما كان إلا مرسلا برسالة
ليبلغها والحادثات بمرصد
ولما قضى من ذاك ما كان قاضيا
ولم يبق شيء فيه إلحاد ملحد
دعاه إليه ربه فأجابه
فيا خير غوري ويا خير منجد
وما نحن إلا مثل من كان قبلنا
فريقين شتى كافر وموحد
ونحن على ما كان بالأمس بيننا
من الذي نهدي من أراد فيهتدي
الطويل
ثم قام ابن ذي مران وكان من سادات همدان وملوكهم فتكلم فيهم
فأطال نفس الكلام وحرض على التمسك بالدين وحمل على الطاعة للقائم بالأمر بعد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثم قال يرثيه ويتفجع للمصيبة فيه
إن حزني على الرسول طويل
ذاك مني على الرسول قليل
قلت والموت يا إمام كريه
ليتني مت يوم مات الرسول
( ليتني لم أكن بقيت فواقا
بعده والفواق مني طويل )
( بكت الأرض والسماء عليه
وبكاه خليله جبريل )
( يا لها رحمة أصيب بها الناس تولت وحان منها الرحيل )
( جدعت منهم الأنوف فللقلب خفوق وللجفون همول )
( ليس للناس إمام من الأمر
فتيل وأين منك الفتيل )
( إنما الأمر للذي خلق الخلق وفي خلقه عليه دليل ) الخفيف
في أبيات غير هذه يؤنس فيها المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة وكان أميرا عليهم من قبل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بما عند قومه من حسن الطاعة له والقيام في الحق معه

ثم قام ابن ذي المشغار وكان ملك أهل ناحيته وكان متألها فتكلم أيضا في هذا النحو بكلام حسن نظما ونثرا فلما فرغ من مقالته أتاه مسروق ابن الحارث القوال الأرحبي فقال له
أيها الملك إنه لا يعرف عندك في قريش إلا رجل مثلي من قومك أنا القوال ابن القوال الفارس ابن الفارس ابعثني إلى خليفة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأقوم مقاما شريفا أباهي به فيك الناس
فسرحه فلما قدم مسروق على أبي بكر رضي الله عنه تهيأت له قريش وقالوا خطيب همدان وفتاها فتكلم عندهم بكلام تركنا ذكره وذكر ما أنشد معه من الشعر إذ ليس مناسبا لما نحن الآن بسبيله من ذكر مراثي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فلما سمعت قريش شعره وخطبته عجبت منه وكان معه عبد الله بن سلمة الهمداني فقام فقال يا معشر قريش إنكم لم تصابوا بني الله {صلى الله عليه وسلم} دون سائر العرب لأنه لم يكن لأحد دون أحد وأيم الله لا أدري أي الرجلين أشد
حزنا عليه وأعظم مصابا به من عاينه فغاب عنه عيانه أو من أشرف على رؤيته فلم يره غير أنا معترفون للمهاجرين بفضل هجرتهم وللأنصار بفضل نصرتهم والتابع ناصر والمؤمن مهاجر في كلام غير هذا صدر عن قلب مؤمن وجأش به خاطر شديد فأثنى عليه أبو بكر خيرا وحمدته قريش وكان سيدا فقال
إن فقد النبي جدعنا اليوم
فدته الأسماع والأبصار
وفدته النفوس ليس من الموت
فرار وأين أين الفرار
ما أصيبت به الغداة قريش
لا ولا أفردت به الأنصار
دون من وجه الصلاة إلى الله
وقد هنئت به الكفار
ورجال منافقون شمات
يوم واروه كفرهم إسرار
من بكته السماء تسعدها الأرض
وبكت بعد القفار البحار
وسرافيل قد بكاه وجبريل
وميكال والملأ الطهار
يا لها كلمة يضيق بها الحلق
أتانا بنقلها السفار
قيل مات النبي فانصدع القلب
وشابت من هولها الأشعار
فعليه السلام ما هبت الريح
ومدت جنح الدجى أنوار
الخفيف

وقال سواد بن قارب الدوسي وهو الذي كان كاهنا فأسلم فحسن إسلامه بإرشاد ربه إياه إلى ذلك حسب ما تقدم صدر كتابنا هذا من خبره يبكي النبي {صلى الله عليه وسلم} لما بلغت أسد السراة وفاته بعد أن قام فيهم مقاما محمودا يثبتهم في الدين ويحذرهم سوء عاقبة الارتداد وكان قد سادهم وشرف فيهم فأجابوه إلى ما أراد وقبلوا رأيه وقال
جلت مصيبتك الغداة سواد
وأرى المصيبة بعدها ترداد
أبقى لنا فقد النبي محمد
صلى الإله عليه ما يعتاد
حزنا لعمرك في الفؤاد مخامرا
أو هل لمن فقد النبي فؤاد
كنا نحل به جنابا ممرعا
خف الجناب فأجدب الرواد
فبكت عليه أرضنا وسماؤنا
وتصدعت وجدا به الأكباد
قل المتاع به وكان عيانه
حلما تضمن سكرتيه رقاد
مفجعة قد شفها فقد أحمد
فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره
ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها
على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت
بلاد ثوي فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا
عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب ايد وأعين
عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة
عشية علوه الثري لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم
وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه
ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك
رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم
وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به
وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا
معلم صدق أن يطيعوا ويسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم
وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله
فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة الله وسطهم
دليل به نهج الطريق يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى
حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثني جناحه
إلى كتف يحنو عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا
إلى نورهم سهم من الموت مقصد

فأصبح محمودا إلى الله راجعا
يبكيه جن المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها
لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها
فقيد نبكيه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده
خلاء له فيها مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت
ديار وعرصات وربع ومولد
فبكى رسول الله يا عين عبرة
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
يحين فيها الله من خف حلمه
ويسعد فيها ذو الأناة بما صبر
نطيع قريشا ما أطاعوا فإن عصوا
أبينا ولم نشر السلامة بالغرر
وكان لهذا الأمر منهم ثلاثة
علي أو الصديق أو ثالث عمر
فلم يخطئوا إذا سددوها لبعضهم
هم ما هم كل لإرعاده مطر
الطويل
وأمثال هذه المقالات نثرا ونظما لرجال من سادات العرب وأشراف القبائل بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كثير قاموا بها في قومهم يحذرونهم من الفتنة ويحرضونهم على التمسك بالطاعة لمن قام بالأمر
وقد ذكر المؤلفون في الردة كثيرا منها وهي بذلك الباب أخص وإنما تخيرت هنا منها ما يتعلق نظمه بباب الرثاء ويبعث في حق المصطفى على التفجع والبكاء حشدا على الداهية الدهياء واستعانة على الحادثة النكراء وعظيم المصيبة بوفاة من حق في حقه بكاء الأرض والسماء وقل لفقده أن تسح المدامع عوض الدموع بالدماء
هو الرزء الذي ابتدأ الرزايا
وقال لأعين الثقلين جودي
الوافر
وقال حسان بن ثابت الأنصاري يبكي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
بطيبة رسم للرسول ومعهد
منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمتحي الآيات من دار حرمة
بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آثار وباقي معالم
وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها
من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد أيها
أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده
وقبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت
عيون ومثلاها من الجفن تسعد
يذكون ألاء الرسول وما أرى
لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد
فظلت لآلاء الرسول تعدد

وما بلغت من كل أمر عشيره
ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها
على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت
بلاد ثوي فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا
عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب ايد وأعين
عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة
عشية علوه الثري لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم
وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه
ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك
رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم
وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به
وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا
معلم صدق أن يطيعوا ويسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم
وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله
فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة الله وسطهم
دليل به نهج الطريق يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى
حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثني جناحه
إلى كتف يحنو عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا
إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا
يبكيه جن المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها
لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها
فقيد نبكيه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده
خلاء له فيها مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت
ديار وعرصات وربع ومولد
فبكى رسول الله يا عين عبرة
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
ومالك لا تبكين ذا النعمة التي
على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي
لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد
ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة
وأقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالدا
إذا ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتهى
وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا

دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا
وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه
على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه
فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلقي لما قلت عائب
من الناس إلا عازب العقل مبعد
وليس هواي نازعا عن ثنائه
لعلى به في جنة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره
وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
الطويل
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
ما بال عينك لا تنام كأنما
كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا
يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفا ليتني
غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته
في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلدا
متلددا يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك في المدينة بينهم
يا ليتني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلا
في روحة من يومنا أو من غد
فتقوم ساعتنا فنلقي طيبا
محضا ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك ذكرها
ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها
من يهد للنور المبارك يهتدي
يا رب فاجمعنا معا ونبينا
في جنة تبني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا
يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
والله أسمع ما بقيت بهالك
إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصار النبي ورهطه
بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالانصار البلاد فأصبحوا
سودا وجوههم كلون الأثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره
وفضول نعمته بنا لم تجحد
والله أكرمنا به وهدى به
أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الإله ومن يحف بعرشه
والطيبون على المبارك احمد
الكامل
وقال حسان بن ثابت أيضا ببكي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
نب المساكين أن الخير فارقهم
مع النبي تولى عنهم سحرا
من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي
ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا
أم من نعاتب لا نخشى جنادعه
إذا اللسان عتا في القول أو عثرا
كان الضياء وكان النور نتبعه
بعد الإله وكان السمع والبصرا

يا ليتنا يوم واروه بملحده
وغيبوه وألقوا فوقه المدرا
لم يترك الله منا بعده أحدا
ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا
ذلت رقاب بني النجار كلهم
وكان أمرا من أمر الله قد قدرا
واقتسم الفيء دون الناس كلهم
وبددوه جهارا بينهم هدرا
البسيط
وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
آليت ما في جميع الناس مجتهدا
مني ألية بر غير إفناد
تا الله ما حملت أنثى ولا وضعت
مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا برا الله خلقا من بريته
أوفى بذمة جار أو بميعاد
من ذا الذي كان فينا يستضاء به
مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما
يضربن فوق قفا ستر بأوتاد
مثل الرواهب يلبسن المباذل قد
أيقن بالبؤس بعد النعمة الباد
يا أفضل الناس إني كنت في نهر
أصبحت منه كمثل المفرد الصادي
البسيط
وقال كعب بن مالك الأنصاري من كلمة يبكي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
وباكية حرى تحرق بالبكا
وتلطم منها خدها والمقلدا
على هالك بعد النبي محمد
ولو عدلت لم تبك إلا محمدا
فلست بباك بعد فقد محمد
فقيدا وإن كان القريب المسودا
فجعنا بخير الناس حيا وميتا
وأدناه من أهل السموات مقعدا
وأعظمه فقدا على كل مسلم
وأكرمه في الناس كلهم يدا
متى تنزل الأملاك بالوحي بعده
علينا إذا ما اللبس فينا ترددا
إذا كان منه القول كان موفقا
وإن كان وحيا كان نورا مجددا
جزي الله عنا ربنا خير ما جزى
نبي الهدي الداعي إلى الحق أحمدا
الطويل
وقال عمرو بن سالم الخزاعي يبكي رسول الله {صلى الله عليه وسلم}
لعمري لئن جادت لك العين بالبكا
لمحقوقة أن تستهل وتدمعا )
فيا حفص إن الأمر جل عن البكا غداة نعي الناعي النبي فأسمعا
فلم أر يوما كان أعظم حادثا ولم أر يوما كان أكثر موجعا
ولم أر من يوم أعم مصيبة ولا ليلة كانت أمر وأفظعا
تعزى بصبر واذكري الله واعلمي بأن سوف يجزي كل ساع بما سعى
ولا تزرئي محض الحياء فتفجعي بدينك والدنيا فتزريها معا
فإن يك قد مات النبي فبعدما نعي نفسه بدءا وعودا فأسمعا

إذا ذكرت نفسي فراق محمد تهيج حزني والفؤاد تقطعا
فيالك نفسا لا يزال يزيدها على الدهر طول الدهر إلا تصدعا
جزي منك رب الناس أفضل ما جزى نبيا هدانا ثم ولي مودعا
فوالله لا أنساك ما دمت ذاكرا لشيء وما قلبت كفا وأصبعا
الطويل
وقد أكثر الشعراء في تأبينه صلوات الله عليه قديما وحديثا وقضوا من التفجيع عليه حقا لا ينبغي أن يكون عهده نكيثا ولم يمنعهم تقادم الأيام وتطاول الأعوام من تجديد البكاء عليه ومزيد الحنين إليه وبحق ما يكون ذلك فهو الرزء الذي حقه أن ينسى جميع الأرزاء والحادث الجلل الذي يقبح معه حسن العزاء وطواعية الأسف عليه دائما من أعدل الشهادات بالإخلاص لمن قام بها واستقام بالنية والقول على سواء مذهبها جعلنا الله ممن أحبه حقا وكتبنا فيمن غدا لشفاعته المشفعة مستحقا
فمن ذلك ما وقفت عليه لأبي إسحاق إسماعيل بن القاسم الغزي الكوفي المعروف بأبي العتاهية من كلمة
على رسول الله مني السلام
ما كان إلا رحمة للأنام
أحيي به الله قلوبا كما
أحيي موات الأرض صوب الغمام
أكرم به للخلق من مبلغ
هاد وللناس به من إمام
وأصبح الحق به قائما
وأصبح الباطل دحض المقام
السريع
وقال إسماعيل بن القاسم أيضا من كلمة أخرى
ليبك رسول الله من كان باكيا
ولا تنس قبرا بالمدينة ساويا
جزي الله عنا كل خير محمدا
فقد كان مهديا دليلا هاديا
لمن تبتغي الذكرى لما هو أهله
إذا كنت للبر المطهر ناسيا
أتنسى رسول الله أفضل من مشى
وآثاره بالمسجدين كما هيا
وكان أبر الناس بالناس كلهم
وأكرمهم بيتا وشعبا وواديا
تكدر من بعد النبي محمد
عليه سلام الله ما كان صافيا
فكم من منار كان أوضحه لنا
ومن علم أمسى وأصبح عافيا
ركنا إلى الدنيا الدنية بعده
وكشفت الأطماع منا المساويا
وإنا لنرمي كل يوم بعبرة
نراها فما نزداد إلا تعاميا
كأنا خلقنا للبقاء وأينا
وإن مدت الدنيا له ليس فانيا
أبى الموت إلا أن يكون لمن ترى
من الخلق طرا حيث ما كان لاقيا

حسمت المني يا موت حسما مبرحا
وعلمت يا موت البكاء البواكيا
ومزقتنا يا موت كل ممزق
وعرفتنا يا موت منك الدواهيا
الطويل
ولأبي عبد الله محمد بن أبي الخصال الغافقي الأندلسي ومكانه من متانة العلم والدين وصدق المقالة وصحة اليقين المكان الذي يلحقه بأقرانه من العلماء المتقنين قصائد يرثي بها النبي {صلى الله عليه وسلم} وعلى آله أجمعين يساجل بها شاعره حسان بن ثابت في قصائده المتقدمة صوتا بصوت وكلمة بكلمة أخبرنا بها وبسائر كلامه نثره ونظمه غير واحد من أشياخنا رحمهم الله عنه فمن ذلك قوله يعارض حسان في قصيدته الأولى ويمشي في التفجع والتوجع على طريقته المثلى
بطيبة آثار تحج وتقصد
ودار بها لله نور مخلد
ومهبط جبريل بوحي وحكمة
يبينها للعالمين محمد
ومظهر آيات كأن رسومها
على ما محى منها البلى يتجدد
وفي مسجد التقوى تأرخ روضة
عليها من الفردوس كل ممدد
يفاوحها طيب الجنان وتربة
تبوءها من جنة الخلد أحمد
ومنبره الأعلى على ذروة التقى
وجذع له فيه حنين مردد
ومولد إبراهيم حيث تمخضت
به أمه مثوى كريم ومولد
وموقعه من نفسه واختياره
له اسم خليل الله فخر مشيد
وإعلانه بالحزن تدمع عينه
له رحمة والنفس ترقى وتصعد
ومبني علي والهدى يألف الهدى
بفاطمة نور بنور يقيد
ومولد سبطيه وريحان قلبه
مكانهما من عاتقيه ممهد
وحيث ارتقت منه إمامة مرتقى
يقوم بها جبالها ثم يسجد
وحيث بني بالطيبات نسائه
بعصمته الوثقى وجبريل يشهد
ومتلي كتاب الله في حجراتها
يقمن به في الليل والناس هجد
وتمت لأصحاب الكساء طهارة
من الله يحييها الكتاب المؤيد
معاهد إيمان تألق نورها
ففي كل أفق جذوة تتوقد
وكانت أمانا ثم عادت مخافة
فزائرها فوق الردي يتوسد
فيا أيها الدار التي حق أهلها
على الناس طرا دائم ليس ينفد
لقد درست منك المغاني وأوحشت
وكان إليها الدين يأوي ويصمد
ذكرتك ذكرى من يهيم فؤاده
بقربك لكني عن القرب مبعد
ومثلت لي في بهجة الدين والتقى
وأمر رسول الله يعلو ويمهد

وإذ برقت نورا أسارير وجهه
فزحزح قطع الليل والليل أسود
وألقت إليه الأرض أفلاذها التي
تحل بها عقم الأمور وتعقد
وغزو تبوك ثم حج وداعه
ولم يبق تبيين ولم يبق مشهد
ومثلت ي والمسلمون بشكوه
فرائصهم من روعة البين ترعد
وقد جلل الدنيا ظلام مطبق
يخال به ليل على الناس سرمد
فما راعهم إلا وفاة رسولهم
وكل يرى أن الرسول يخلد
وقد ذهلوا أن التي يقرونها
إذا جاء نصر الله للموت مرصد
وودع جبريل وداع مفارق
ولا عود يستثنى ولا وحي يعهد
وأم أبيها مسبلات دموعها
كما انحل من سلك فريد مبدد
فأودعها سرا بكت من نجيه
وثني بسر فانثنت تتجلد
وقد أعلنت عند الرسول بكربها
لكرب أبيها وهو بالموت يجهد
فقال لها كفى دموعك واصبري
فما بعد هذا اليوم كرب يعدد
وبشرها من قرب ملحقها به
ببشري حديث صادق لا يفند
فيا من رأى حيا يعزي بموته
فيرضي كأن الموت خلد مؤيد
فرارا عن الدنيا إلى قرب ربها
وشجا عليها من حياة تنكد
ولطفا من الله العظيم بصونها
وباب الرزايا المستكنات مرصد
ولو أنها امتدت طويلا حياتها
لشرد عنها النوم ليل مسهد
وغصت على قرب بثكل ابن عمها
وفقد شهيد حزنه ليس يفقد
أقام كتاب الله في كل مارق
يقر به في زعمه وهو يجحد
فقيض أشقى الناس يدني سعادة
عن هو بالإيمان أولى وأسعد
وكيف بها والله يأبى هوانها
لمصرع سبط أول وهو مقصد
وقد جرعته حتفه كف جعدة
بمكرع سم مجه فيه أسود
ولو حدثت عن كربلاء لأبصرت
حسينا فتاها وهو شلو مقدد
وثاني سبطي أحمد جعجعت به
عتاة جفاة وهو في الأرض أوحد
ولم يرقبوا إلا لآل محمد
ولم يذكروا أن القيامة موعد
وأن عليهم في الكتاب مودة
لقرباه لا ينحاش عنها موحد
فيا سرع ما ارتدوا وصدوا عن الهدي
ومالوا عن البيت الذي بهم هدوا
فحل عن برد الفرات عطاشهم
وروي منهم ذابل ومهند
فيا أوجها شاهت وناهت عن الهدي
أهذا التحفي منكم والتردد
وترتم رسول الله في ذبح سبطه
وبؤتم بنار حرها ليس يبرد
فما لكم عند الشفيع شفاعة

ولا لكم في كوثر الحوض مورد
لعمري لقد غادرتم كل مؤمن
على مضض برح يقوم ويقعد
ونغصتم المحيي وأرضيتم العدي
فأنتم لغير الله جند وأعبد
فيا كبدي إن أنت لم تتصدعي
فأنت من الصفوان أقسى وأجلد
ويا عبرتي إن لم تفيضي عليهم
فنفسي أسخى بالحياة وأجود
أتنتهب الأيام أفلاذ أحمد
وأفلاذ من عاداهم تتودد
ويضحي ويظمي أحمد وبناته
وبنت زياد وردها لا يصرد
أفي دينه في أمنه في بلاده
تضيق عليهم فسحة تتورد
وما الدين إلا دين جدهم الذي
به أصدروا في العالمين وأوردوا
ينام النصارى واليهود بأمنهم
ونومهم بالخوف نوم مشرد
وما هي إلا ردة جاهلية
وحقد قديم بالحديث يؤكد
ألهفي علي سبطي هدي ونبوة
جري لهما يوم من الشر أنكد
شهيدين متبوعين من كل مؤمن
بكل صلاة برة تتعهد
فهذا أذابت سورة السم كبده
وهذا أبادته قسى تكبد
فما عذر أهل الأرض والقسط قائم
وكلهم في موقف الفصل شهد
أيفعل هذا بابن بنت نبيكم
وليس لكم في النصر يوم ولا غد
أبى الله إلا أن في النفس حسرة
بغصتها أضحي وأمسي وأرقد
إلى أن يقيد الله من كل واتر
على أن كفؤا مقنعا ليس يوجد
وأي دم يوفي دم ابن محمد
حسين وأمسي وهو سبط موحد
فيا خاتم الأسباط إن تحيتي
تؤمك من أرض بعيد وتقصد
مثقلة بالدمع شوقا ولوعة
على زفرة من حرها أتأود
ويا أسوة للمؤمنين كريمة
يلين عليها الحادث المتشدد
فمن ينكر البلوى وأنت بكربلا
لذي البث والشكوى إمام مقلد
فإن تجهل الدنيا عليك وأهلها
فإنك في أهل السماء ممجد
( أبوك شفيع الناس وهو الذي له
مقام كريم في البرية يحمد
ومشرعة الحوض الروي بكفه تزاد رجال عندها وتطرد
وممن يذود الله عنه عصابة بقتلك في طغيانها تتحمد
وذنبهم في قتلك الذنب كله فما لهم إلا الجحيم تغمد
وهل كنت إلا مثل عمك جعفر قتيلا لكفاربذي العرش ألحدوا
وإلا كليث الله جدك حمزة وحربة وحشي إليه تسدد
وما منهم إلا غريق شهادة حياتهم موصولة حين تنفد
ومثل أبي حفص وعثمان بعده ومثل علي وهو للحق سيد

دماؤهم مسك ذكي وأجرهم على الله لا يحصى ولا يتحدد
أقول ببث مستكن وظاهر مضاضته عن حبكم تتولد
وما سرني أني خلي من الهوى هوى هو في حم يتلى ويسند
سريرة حب يوم تتلى سرائري يقوم بها عني الصفيح المنضد
سلام على تلك المعاهد إنها لآل رسول الله طهر ومسجد
فيا رب وفدني إليها مسلما ويا طيب مسري من إليها يوفد
أفض بها دمعي وأنقع غلتي وأتهم في ربع الرسول وأنجد
وأدعو إلى الرحمن دعوة تائب
إلى عفوه من طيبه يتزود
وأسمو إلى البيت العتيق بفرضه
فكل به من ذنبه يتجرد
ولست على قبر الرسول بمؤثر
ليحشر من ذاك البقيع محمد
فيا رب حقق نيتي ومنيتي
هنا لك والأرواح جند مجند
الطويل
وقال أيضا يعارض حسان في كلمته الثانية التي أولها
ما بال عينك لا تنام كأنما
بهذه الكلمة المرسومة بعد
هل يجمعن صباح يوم أو غد
بيني وبين القبر قبر محمد
حتى أروي ناظري من عبرتي
ويقر عيني طيب ذاك المشهد
وأقبل الأرض التي حملت به
نورا يجلى كل جنح أسود
وأعظم البلد الذي أرسي به
طود النبوة ثابتا بالأسعد
أشكو إلى جبل تضمن حبه
حبا أضاق تصبري وتجلدي
وابلغ القلب المروع أمانه
وأقول للنفس التي ظمئت ردي
وأهش للأفق المبارك جوه
متجددا من نوره المتجدد
وأسح في أبيات آل محمد
دمعا كنظم اللؤلؤ المتبدد
والله يعلم أن آل رسوله
آل تمكن حبهم في محتدي
وبكربتي منهم أبوح وأنطوي
وبحسرتي فيهم أروح وأغتدي
قف بالمنازل سائلا عن أهلها
أين الرسالة والرسول المهتدي
أين الصواحب والصحابة حوله
إذ بايعوه بالقلوب وباليد
أين الذين بسبقهم عز الهدي
وعلت على الأديان ملة أحمد
أين الذين لعتبة ولشيبة
والى الوليد سموا بكل مهند
أين الذين بيوم أحد صرعوا
ما بين مثنى في الإله وموحد
أين الذين بمؤتة وجلادها
ماتوا كراما كالليوث الحرد
أين الثمانية الذين بصبرهم
تابت بأوطاس بصائر من هدى
يا مسجد التقوى غدوت بفضلهم
ومكانهم في الدين أفضل مسجد
وبقيت بعدهم مثابة رحمة
في غربة المستوحش المتفرد

تبكي على خير البرية كلها
بدموع كل مصدق وموحد
فقد السماء كما فقدت نديهم
ونحيبهم في مهبط أو مصعد
وتفرد الرحمن بالغيث الذي
كان الرسول بوحيه عبق الند
ولقد أقام الدين من خلفائه
أصهاره كل بأحمد يقتدي
وأتتك بعدهم الملوك فمصلح
يضع الأمانة عند آخر مفسد
يا بيت عائشة المجن ثلاثة
تطموا به نظم الطراز الأوحد
مثوي النبي وصاحبيه وفسحة
عيسى ابن مريم حازها بالموعد
بوركت من بيت يضم رسالة
ونبوة وخلافة في ملحد
مني إليك تحية يهفو بها
قلب بذكرهم وحبهم ند
صلى الإله وأرضه وسماؤه
والعالمون على النبي المقتدي
بالأنبياء المهتدي بهداهم
رشدا تبين في الكتاب المرشد
الكامل
وقال أبو عبد الله أيضا يعارض حسان في كلمته الثالثة التي أولها
نب المساكين إن الخير فارقهم
بهذه الكلمة المرسومة
هون عليك من الأرزاء ما خطرا
بعد الرسول ولا تعدل به خطرا
واذكره في كل محذور تغص به
تلقي المصاب به قد هون الحذرا
أبعد أحمد يستقري مضاجعه
فودع البيت والأركان والحجرا
مستقبلا طيبة والله ينقله
إلى رضاه فلما يعد أن صدرا
ثم استعز به شكو يعالجه
يغشى بسورته الأبيات والحجرا
حتى انتهى دوره في بيت عائشة
في نومها يتبع الأنفاس والأثرا
فمال في حجرها طلقا أسرته
غض البشاشة إلا اللمح والنظرا
فأذهل الناس طرا عن حياتهم
موت الرسول ومنهم من نفي الخبرا
فياله من نظام بات في قلق
لولا أبو بكر الصديق لانتثرا
إن كنت معتبرا فانظر تقلله
والأرض تبر ودين الله قد ظهرا
لم يرض منها سوى قبر تضمنه
كان الفراش له في نومه مدرا
يا قبر أحمد هل من زورة أمم
قبل الحمام تسر السمع والبصرا
وهل إلى طيبة ممشى يقربها
يا طيبة إن تأتي يومه سفرا
فتنشق النفس في أرجائها أرجا
يشفي السقام وينفي الذنب والضررا
وأستجير ببطن الأرض من كرب
في ظهرها لم تدع شمسا ولا قمرا
أستجمل الله من أسرار قدرته
عزما يخوض إليه البدو والحضرا
وقوة بالضعيف الهم ناهضة
وحجة تنظم الآصال والبكرا

يا حب أحمد كن لي في زيارته
أقوى ظهير إلى أن أقضي الوطرا
صلى الإله صلاة غير نافدة
تكاثر الريح والأشجار والمطرا
على البشير النذير المصطفى كرما
من كل بطن وصلب طيب ظهرا
على ابن آمنة الماحي بملته
من كان بالله والإسلام قد كفرا
وأهله الطيبين الأكرمين ومن
آوى وساهم في البلوى ومن نصرا
وأمهات جميع المؤمنين ومن
هدى هداه ومن صلى ومن نحرا
ونضر الله حسانا وأعظمه
فقد رثا وبكى في الله وانتصرا
أبا الوليد لقد هيجت لي شجنا
وقد بعثت الجوى والحزن والذكرا
وأنت شاعر آل الله قاطبة
نافحت عنهم بروح القدس مقتدرا
يا رحمة الله أمي غير صاغرة
ضريحه وامسحي عن وجهه العفرا
فإنه سابق والسابقات لها
في الحق أن تمسح الأعطاف والغررا
أبقي له منبر الإنشاد مكرمة
عمت فلا المدر استثنت ولا الوبرا
ولم يسل لسانا في مقاولة
وإنما سل عضبا صارما ذكرا
يا مقولا نضر الله الرسول به
لازلت في جنة الفردوس مشتهرا
البسيط
وقال أيضا رحمه الله يبكي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ويعارض حسان في كلمته المتقدمة قبل رابعة لكلماته وهي التي أولها
آليت ما في جميع الناس مجتهدا
بهذه الكلمة الموسومة بعد
قلبي إلى طيبة ذو غلة صادي
إلى البشير النذير الخاتم الهادي
إلى أبي القاسم الماحي بملته
كفران كل كفور جهله بادي
حتى أعفر خدي في مواطئه
غورا بغور وأنجادا بأنجاد
وأرسل الدمع سحا في منازله
مستفرغا جهد أفلاذ وأكباد
في حيث أودع جبريل رسالته
وحيا إليه بتوفيق وإرشاد
وأشرب الماء من أروي منابعه
فطيبه قد سري في ذلك الوادي
يا حب أحمد إني منك في ثقة
وأنت أحضر أعتادي وأزوادي
سر بي إليه وجاور بي مثابته
حتى أضمن أكفاني وأعوادي
وما تمكنت من قلبي لتبدع بي
ولا لتقطعني عن ذلك النادي
نور من الله لو أني سريت به
لما افتقرت إلى هاد ولا حادي
لم يقذف الله في قلبي محبته
إلا لأحمل فوق الرأس والهاد
متى أقول لوفد الله عن كثب
يا رايحين انظروني إنني غاد
وقد برئت إلى الرحمن من نشبي

وقد تخليت عن أهلي وأولادي
مستبدلا بجوار الله منقطعا
إلى الرسول انقطاع العاطف الباد
صلى الإله وأهل الأرض يقدمهم
أهل السموات من مثني وآحاد
على الذي أنقذ الله العباد به
من ظلمة الكفر رشدا بعد إفناد
على ابن آمنة المختار من نفر
ما فوق مجدهم مرمى لمزداد
على النبي الذي تمت نبوته
وآدم طينة قدت لأجساد
على الرسول بن عبد الله أكرم من
أوري بنور أضاء الأرض وقاد
وبعده صلوات الله عاطرة
على الصحابة أعداد بأعداد
وأهله الطيبين الأكرمين فهم
في الأرض أطهر غياب وشهاد
يا رب واحفظ مقامي في محبتهم
فإنها وإليك المنتهى زادي
البسيط
فهذا ما تيسر لنا ذكره من مراثي الشعراء في سيد المرسلين وخاتم الأنبياء
وبقي علينا منها كثير تخطيناه إما لتخطي الاختيار له والانتقاء وإما لقصد الاختصار والاكتفاء وأكثر الشعراء أفحمتهم المصيبة القاصمة للظهور والرزية المتجددة على بلي الأزمان وتجدد الدهور عن أن يفوهوا في ذلك ببنت شفة أو يفوا بما يناسب ذلك الكرب العظيم والخطب الجسيم من صفة متصفة وأولئك أولى الناس بالمعذرة وأحقهم بالتجاوز عن مقاصدهم المقصرة فمصاب المسلمين به عليه أفضل الصلاة والسلام أعظم من أن تؤدي حقيقته سعة الكلام أو تستقل أساليب القول المتشعبة ومنادح العبارات المتطنبة المهذبة بأيسر جزء من مآثره الكرام ومحاسنه العظام أو تفي الألفاظ على اتساعها وتعدد ضروبها وأنواعها بشرح ما يتحمل فيه القلوب المؤمنة من برح الآلام والإعراب عن قدر مصيبة فقده على الإسلام فجزاه الله عن نهجه لنا السبيل إلى دار السلام أفضل ما أعده من الجزاء لأنبيائه المختصين من عنايته بشرف الاجتباء والاصطفاء دون الأنام وأدر عليه وعليهم من سحب الرحمة والبركات والسلام والصلوات ما يزري بهطال الديم وواكف الغمام
وهنا انتهى ما يختص من هذا المجموع بمغازي نبينا محمد {صلى الله عليه وسلم} وذكر أيامه وكافة أمره إلى حين وفاته

ونشرع الآن في صلة ذلك بمغازي خلفائه الثلاثة الأول رضي الله عن جميعهم على نحو ما عملنا به في مغازيه من قصد التهذيب وبذل الجهد في حسن الترتيب وربنا الكريم جلت قدرته نعم الوكيل بالمعونة على ذلك و لا حول ولا قوة إلا به هو حسبي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب انتهى الجزء الثاني من مغازي الرسول {صلى الله عليه وسلم} وسيرته ويليه إن شاء الله القسم الأول من مغازي الثلاثة الخلفاء

ذكر خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما حفظ عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من الإيماء إليها والإشارات الدالة عليها مع ما كان من تقدمه
{صلى الله عليه وسلم} إلى الإنذار بالفتن الكائنة بعده وما صدر عنه من الأقاويل المنذرة بالردة
في الصحيح من الآثار أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما سمع صوت عمر في صلاته بالناس عندما أمر عليه السلام في مرضه أبا بكر أن يصلي فلم يوجد حاضرا قال يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك والمسلمون
وفي رواية يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر
وعن حذيفة قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه استخلف أبو بكر فأقام واستقام
وقال صعصعة استخلف الله أبا بكر فأقام المصحف
وذكر يعقوب بن محمد الزهري عن شيوخه قالوا وذكروا استخلاف أبي بكر بعد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ومن قبل ما وصف لهم صفة من يلي بعده حتى كاد يقول خليفتي أبو بكر
وحدث جبير بن مطعم أن امرأة أتت النبي {صلى الله عليه وسلم} تكلمه في شيء فأمرها أن ترجع إليه فقالت يا رسول الله إن جئت فلم أجدك تعني الموت قال فأتي أبا بكر
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله {صلى الله عليه وسلم} ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر
قال جابر فلما قمنا من عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله وأما ما ذكر من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه والله يغفر له ضعف ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن
وفي رواية فأروى الظمئة وضرب الناس بعطن

وقد أخبر رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بردة المرتدين من بعده فحدث أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان مسيلمة والعنسي
وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بين يدي الساعة كذابون منهم صاحب اليمامة يعني مسيلمة وصاحب خيبر يعني طليحة ومنهم العنسي يعني الأسود ومنهم الدجال وهو أعظمهم فتنة
وعن عبد الله بن حوالة قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ثلاث من نجا منهن فقد نجا من موتى ومن قتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه ومن الدجال
وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لعبدة بن مسهر الحارثي فيما يعظه به لما قدم عليه وإن أدركتك الردة فلا تتبعن كندة
ودعه أيضا لجرير بن عبد الله لما وفد عليه فقال اللهم اشرح صدره للإسلام ولا تجعله من أهل الردة
ولما أسر المسلمون يوم بدر سهيل بن عمرو العامري سأل عمر بن الخطاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن ينزع ثنيتيه السفلاوين وكان أعلم الشفة السفلى قال فإنه خطيب ليقوم عليك خطيبا بمكة فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لعمر عسى أن يقوم مقاما يسرك فلما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وانتهى خبر وفاته إلى مكة تكلم بها قوم كلاما قبيحا ووعى ذلك عليهم فقام سهيل بن عمرو بخطبة أبي بكر كأنه كان يسمعها فقال
أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت وقد نعى الله عز وجل نبيه {صلى الله عليه وسلم} إليكم وهو بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم فهو الموت حتى لا يبقى أحد ألم تعلموا أن الله تعالى قال إنك ميت وإنهم ميتون 30 الزمر وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم الآية 144 آل عمران وقال تعالى كل نفس ذائقة الموت 185 آل عمران وقال كل شيء هالك إلا وجهه 88 القصص فاتقوا الله واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم وكلمته تامة وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه جمعكم الله على خيركم

وفي كلام أكثر من هذا وعظهم به وذكرهم وقد كان الناس نفروا وهموا فنفعهم الله بكلامه فلم يرتد بمكة أحد فلما بلغ عمر بن الخطاب مقام سهيل قال أشهد أن ما قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حق فهو والله هذا المقام

ذكر بدء الردة بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وما كان من تأييد الله لخليفة رسوله عليه السلام فيها
قالت عائشة رضي الله عنها لما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} نجم النفاق وارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبي بكر فلقد نزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها فوالله ما اختلفوا فيه من أمر إلا طار أبي بعلائه وغنائه وكان من رأى ابن الخطاب علم أنه خلق عونا للإسلام كان والله أحوذيا نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال لما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} واستخلف أبو بكر رضي الله عنه بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله فقال أبو بكر والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لقاتلتهم على منعه فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق
قال عمر بن الخطاب والله لرجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة جميعا في قتال أهل الردة
وذكر يعقوب بن محمد الزهري عن جماعة من شيوخه قالوا فكان أبو بكر أمير الشاكرين الذين ثبتوا على دينهم وأمير الصابرين الذين صبروا على جهاد عدوهم أهل الردة بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم}

وبرأي أبي بكر أجمعوا على قتالهم وذلك أن العرب افترقت في ردتها فقالت فرقة لو كان نبيا ما مات وقال بعضهم انقضت النبوة بموته فلا نطيع أحدا بعده وفي ذلك يقول قائلهم
أطعنا رسول الله ما عاش بيننا
فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيورثها بكرا إذا مات بعده
فتلك وبيت الله قاصمة الظهر
الطويل
وقال بعضهم نؤمن بالله ونشهد أن محمدا رسول الله ونصلي ولكن لا نعطيكم أموالنا
فأبى أبو بكر إلا قتالهم على حسب ما تقدم ذكره
وجادل أبو بكر الصحابة في جهادهم وكان من أشدهم عليه عمر وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وقالوا له احبس جيش أسامة بن زيد فيكون عمارة وأمانة بالمدينة وارفق بالعرب حتى ينفرج هذا الأمر فإن هذا الأمر شديد غوره وتهتكه من غير وجهه فلو أن طائفة من العرب ارتدت قلنا قاتل بمن معك ممن ثبت من ارتد وقد اتفقت العرب على الارتداد فهم بين مرتد ومانع صدقة فهو مثل المرتد وبين واقف ينظر ما تصنع أنت وعدوك قد قدم رجلا وأخر رجلا
وفي كتاب الواقدي من قول عمر لأبي بكر وإنما شحت العرب على أموالها وأنت لا تصنع بتفريق العرب عنك شيئا فلو تركت للناس صدقة هذه السنة

وقدم على أبي بكر عيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس في رجال من أشراف العرب فدخلوا على رجال من المهاجرين فقالوا إنه قد ارتد عامة من وراءنا عن الإسلام وليس في أنفسهم أن يؤدوا إليكم من أموالهم ما كانوا يؤدون إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فإن تجعلوا لنا جعلا نرجع فنكفيكم من وراءنا فدخل المهاجرون والأنصار على أبي بكر فعرضوا عليه الذي عرضوا عليهم وقالوا نرى أن تطعم الأقرع وعيينة طعمة يرضيان بها ويكفيانك من وراءهما حتى يرجع إليك أسامة وجيشه ويشتد أمرك فإنا اليوم قليل في كثير ولا طاقة لنا بقتال العرب قال أبو بكر هل ترون غير ذلك قالوا لا قال أبو بكر إنكم قد علمتم أنه كان من عهد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إليكم المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ولا نزل به الكتاب عليكم وأن الله لن يجمعكم على ضلالة وإني سأشير عليكم فإنما أنا رجل منكم تنظرون فيما أشير به عليكم وفيما أشرتم به فتجتمعون على أرشد ذلك فإن الله يوفقكم وأما أنا فأرى أن ننبذ إلى عدونا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وأن لا نرشوا على الإسلام أحدا وأن نتأسى برسول الله {صلى الله عليه وسلم} فنجاهد عدوه كما جاهدهم والله لو منعوني عقالا لرأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه فأتمروا يرشدكم الله فهذا رأيي وأما قدوم عيينة وأصحابه إليكم فهذا أمر لم يغب عنه عيينة هو راضه ثم جاء له ولو رأوا ذباب السيف لعادوا إلى ما خرجوا منه أو أفناهم السيف فإلى النار قتلناهم على حق منعوه وكفر فبان للناس وجه أمرهم وقالوا لأبي بكر لما سمعوا رأيه أنت أفضلنا رأيا ورأينا لرأيك تبع
فأمر أبو بكر الناس بالتجهز وأجمع على المسير بنفسه لقتال أهل الردة
وكانت أسد وغطفان من أهل الضاحية قد ارتدت ولم ترتد عبس ولا

بعض أشجع وارتدت عامة بني تميم وطوائف من بني سليم عصية وعميرة وخفاف وبنو عوف بن امرئ القيس وذكوان وبنو جارية وارتد أهل اليمامة كلهم وأهل البحرين وبكر بن وائل وأهل دبي من أزد عمان والنمر بن قاسط وكلب ومن قاربهم من قضاعة وعامة بن عامر بن صعصعة وفيهم علقمة بن علاثة وقيل إنها تربصت مع قادتها وسادتها ينظرون لمن تكون الدبرة وقدموا رجلا وأخروا أخرى وارتدت فزارة وجمعها عيينة بن حصن وتمسك بالإسلام من بين المسجدين وأسلم وغفار وجهينة ومزينة وكعب وثقيف قام فيهم عثمان بن أبي العاص في بني مالك وقام في الأحلاف رجل منهم فقال يا معشر ثقيف نشدتكم الله أن تكونوا أول العرب ارتدادا وآخرهم إسلاما وأقامت طيء كلها على الإسلام وهذيل وأهل السراة وبجيلة وخثعم ومن قارب تهامة من هوازن نصر وجشم وسعد بن بكر وعبد القيس قام فيهم الجارود فثبتوا على الإسلام وارتدت كندة وحضرموت وعنس
وقال أبو هريرة لم يرجع رجل واحد من دوس ولا من أهل السراة كلها
وقال أبو مرزوق التجيبي لم يرجع رجل واحد من تجيب ولا من همدان ولا من الأبناء بصنعاء ولقد جاء الأبناء وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فشق نساؤهم الجيوب وضربن الخدود وفيهم المرزبانة فشقت درعها من بين يديها ومن خلفها
وقد كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لما صدر من الحج سنة عشر وقدم المدينة فأقام حتى رأى هلال المحرم سنة إحدى عشرة وبعث المصدقين في العرب فبعث على عجز هوازن عكرمة بن أبي جهل وبعث حامية بن سبيع الأسدي على صدقات قومه وعلى بني كلاب الضحاك ابن سفيان وعلى أسد وطيء عدي بن حاتم وعلي بني يربوع مالك بن نويرة وعلي بني دارم وقبائل بني
حنظلة الأقرع بن حابس وبعث الزبرقان بن بدر على صدقات قومه وقيس ابن عاصم المنقري على صدقات قومه

فلما بلغتهم وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} اختلفوا فمنهم من رجع ومنهم من أدى إلى أبي بكر وكان الذين حبسوا صدقات قومهم وفرقوها بين قومهم مالك بن نويرة وقيس بن عاصم والأقرع بن حابس التميمي وأما بنو كلاب فتربصوا ولم يمنعوا منعا بينا ولم يعطوا كانوا بين ذلك
وبعث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على فزارة نوفل بن معاوية الديلي فلقيه خارجة ابن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري بالشربة فقال أما ترضى أن تغنم نفسك فرجع نوفل بن معاوية هاربا حتى قدم على أبي بكر الصديق بسوطه وقد كان جمع فرائض فأخذها منه خارجة فردها على أربابها وكذلك فعلت سليم بعرباض بن سارية وقد كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعثه على صدقاتهم فلما بلغتهم وفاة النبي {صلى الله عليه وسلم} أبوا أن يعطوه شيئا وأخذوا منه ما كان جمع فانصرف من عندهم بسوطه وأما أسلم وغفار ومزينة وجهينة وكان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعث إليهم كعب بن مالك الأنصاري فسلموا إليه صدقاتهم لما بلغتهم وفاته وتأدت إلى أبي بكر فاستعان بها في قتال أهل الردة وكذلك فعل بنو كعب مع أمير صدقاتهم بشر بن سفيان الكعبي وأشجع مع مسعود بن رحيلة الأشجعي فقدم بذلك كله على أبي بكر
وكان عدي بن حاتم قد حبس إبل الصدقة يريد أن يبعث بها إلى أبي بكر إذ وجد فرجة والزبرقان بن بدر مثل ذلك فجعل قومهما يكلمونهما فيأبيان وكانا أحزم رأيا وأفضل في الإسلام رغبة ممن كان فرق الصدقة في قومه فقالا لقومهما لا تعجلوا فإنه إن قام بهذا الأمر قائم ألفاكم لم تفرقوا الصدقة وإن كان الذي تظنون فلعمري إن أموالكم لبأيديكم فلا يغلبنكم عليها أحد فسكتوهم حتى أتاهم يقين خبر القوم فلما اجتمع الناس على أبي بكر جاءهم

أنه قد قطع البعوث وسار بعث أسامة بن زيد إلى الشام وأبو بكر يخرج إليهم فكان عدي بن حاتم يأمر ابنه أن يسرح مع نعم الصدقة فإذا كان المساء روحها وإنه جاء بها ليلة عشاء فضربه وقال ألا عجلت بها ثم راح بها الليلة الثانية فوق ذلك قليلا فجعل يضربه وجعلوا يكلمونه فيه فلما كان اليوم الثالث قال يا بني إذا سرحتها فصح في أدبارها وأم بها المدينة فإن لقيك لاق من قومك أو من غيرهم فقل أريد الكلأ تعذر علينا ما حولنا فلما أن جاء الوقت الذي كان يروح فيه لم يأت الغلام فجعل أبوه يتوقعه ويقول لأصحابه العجب لحبس ابني فيقول بعضهم نخرج يا أبا طريف فنتبعه فيقول لا والله فلما أصبح صبح تهيأ ليغدو فقال قومه نغدو معك فقال لا يغدو معي منكم أحد إنكم إن رأيتموه حلتم بيني وبين ضربه وقد عصى أمري كما ترون فخرج على بعير له سريعا حتى لحق ابنه ثم حدر النعم إلى المدينة فلما كان ببطن قناة لقيته خيل لأبي بكر عليها ابن مسعود ويقال محمد بن مسلمة وهو أثبت عندنا فلما نظروا إليه ابتدروه وما كان معه وقالوا له أين الفوارس الذين كانوا معك قال ما معي أحد قالوا بلى لقد كان معك فوارس فلما رأونا تغيبوا فقال ابن مسعود خلوا عنه فما كذب ولا كذبتم جنود الله معه ولم يرهم فقدم علي أبي بكر بثلاثمائة بعير وكانت أول صدقة قدم بها على أبي بكر
وذكر بعض من ألف في الردة أن الزبرقان بن بدر هو الذي فعل هذا الفعل المنسوب في هذا الحديث إلى عدي بن حاتم فإما أن يكونا فعلاه معا توفيقا من الله لهما وإما أن يكون هذا مما يعرض في النقل من الاختلاف والذي ينسب ذلك إلى الزبرقان يقول إنه قال في ذلك
لقد علمت قيس وخندف أنني
وفيت إذا ما فارس الغدر ألجما
أتيت التي قد يعلم الله أنها
إذا ذكرت كانت أعف وأكرما
أنفت لعوف أن يسب أبوهم
إذا اقتسم الناس السوام المقسما
وروحتها من أهل جوفاء صبحت
تدوس بأيديها الحصاد المحرما
حبوت بها قبر النبي وقد أبى

فلم يجبه ساع من الناس مقسما
الطويل
وقال أيضا
وفيت بأذواد النبي ابن هاشم
على موطن ضام الكريم المسودا
فأديتها ألفا ولو شئت ضمها
رعاء يكون الوشيج المقصدا
الطويل
وذكر ابن إسحاق أن عدي بن حاتم كانت عنده إبل عظيمة اجتمعت له من صدقات قومه عندما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فلما ارتد من الناس وارتجعوا صدقاتهم وارتدت بنو أسد وهم جيرانهم اجتمعت طيء إلى عدي بن حاتم فقالوا إن هذا الرجل قد مات وقد انتقض الناس بعده وقبض كل قوم ما كان فيهم من صدقاتهم فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس فقال ألم تعطوا من أنفسكم العهد والميثاق على الوفاء طائعين غير مكرهين قالوا بلى ولكن قد حدث ما ترى وقد تري ما صنع الناس قال والذي نفس عدي بيده لا أخيس بها أبدا ولو كنت جعلتها لرجل من الزنج لوفيت له بها فإن أبيتم لأقاتلنكم يعني على ما في يده وما في أيديهم فليكونن أول قتيل يقتل على وفاء ذمته عدي بن حاتم أو يسلمها فلا تطمعوا أن يسب حاتما في قبره عدي ابنه من بعده فلا يدعونكم عذر عاذر إلى أن تعذروا فإن للشيطان قادة عند موت كل نبي يستخف لها أهل الجهل حتى يحملهم على قلائص الفتنة وإنما هي عجاجة لا ثبات لها ولا ثبات فيها إن لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} خليفة من بعده يلي هذا الأمر وإن لدين الله أقواما سينهضون ويقومون به بعد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كما قاموا بعهده وذو بيته في السماء لئن فعلتم ليقارعنكم على أموالكم ونسائكم بعد قتل عدي وغدركم فأي قوم أنتم عند ذلك فلما رأوا منه الجد كفوا عنه وسلموا له
ويروى أن مما قال له قومه أمسك ما في يدك فإنك إن تفعل تسد الحليفين يعنون طيئا وأسدا
فقال ما كنت لأفعل حتى أدفعها إلى أبي بكر فجاء بها حتى دفعها إليه فلما كان زمن عمر بن الخطاب رأى من عمر رحمه الله جفوة فقال له عدي ما أراك تعرفني قال عمر بلى والله والله يعرفك من السماء أعرفك والله أسلمت إذ كفروا ووفيت إذ غدروا وأقبلت إذ أدبروا بلى وأيم الله أعرفك

وقدم أيضا الزبرقان بن بدر بصدقات قومه على أبي بكر فلم يزل لعدي والزبرقان بذلك شرف وفضل على من سواهما
وأعطى أبو بكر عديا ثلاثين بعيرا من إبل الصدقة وذلك أن عديا لما قدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} نصرانيا فأسلم وأراد الرجوع إلى بلاده أرسل إليه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يعتذر من الزاد ويقول والله ما أصبح عند آل محمد شقة من الطعام ولكن ترجع ويكون خير فلذلك أعطاه أبو بكر تلك الفرائض
ولما كان من العرب ما كان من التوائهم عن الدين ومنع من منع منهم الصدقة جد بأبي بكر الجد في قتالهم وأراه الله رشده فيهم وعزم على الخروج بنفسه إليهم وأمر الناس بالجهاز وخرج هو في مائة من المهاجرين وقيل في مائة من المهاجرين والأنصار وخالد بن الوليد يحمل اللواء حتى نزل بقعاء وهو ذو القصة يريد أبو بكر أن يتلاحق الناس من خلفه ويكون أسرع لخروجهم ووكل بالناس محمد بن مسلمة يستحثهم فانتهى إلى بقعاء عند غروب الشمس فصلى بها المغرب وأمر بنار عظيمة فأوقدت وأقبل خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر وكان ممن ارتد في خيل من قومه إلى المدينة يريد أن يخذل الناس عن الخروج أو يصيب غرة فيغير فأغار على أبي بكر رضي الله عنه ومن معه وهم غافلون فاقتتلوا شيئا من قتال وتحيز المسلمون ولاذ أبو بكر
بشجرة وكره أن يعرف فأوفى طلحة بن عبيد الله على شرف فصاح بأعلى صوته لا بأس هذه الخيل قد جاءتكم فتراجع الناس وجاءت الأمداد وتلاحق المسلمون فانكشف خارجة بن حصن وأصحابه وتبعه طلحة بن عبيد الله فيمن خف معه فلحقوه في أسفل ثنايا عوسجة وهو هارب لا يألوا فيدرك أخريات أصحابه فحمل طلحة على رجل بالرمح فدق ظهره ووقع ميتا وهرب من بقى ورجع طلحة إلى أبي بكر فأخبره أن قد ولوا منهزمين هاربين وأقام أبو بكر ببقعاء أياما ينتظر الناس وبعث إلى من كان حوله من أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب يأمرهم بجهاد أهل الردة والخفوف إليهم فتحلب الناس إليهم من هذه النواحي حتى شحنت منهم المدينة

قال سبرة الجهني قدمنا معشر جهينة أربعمائة معنا الظهر والخيل وساق عمرو بن مسرة الجهني مائة بعير عونا للمسلمين فوزعها أبو بكر في الناس وجعل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب يكلمان أبا بكر في الرجوع إلى المدينة لما رأيا عزمه على المسير بنفسه وقد توافى المسلمون وحشدوا فلم يبق أحد من أصحاب النبي {صلى الله عليه وسلم} من المهاجرين والأنصار من أهل بدر إلا خرج وقال عمر ارجع يا خليفة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} تكن للمسلمين فتنة وردءا فإنك إن تقتل يرتد الناس ويعل الباطل الحق وأبو بكر مظهر المسير بنفسه وسألهم بمن نبدأ من أهل الردة فاختلفوا عليه فقال أبو بكر نصمد لهذا الكذاب على الله وعلى كتابه طليحة
ولما ألحوا على أبي بكر في الرجوع وعزم هو عليه أراد أن يستخلف على الناس فدعا زيد بن الخطاب لذلك فقال يا خليفة رسول الله قد كنت أرجو أن أرزق الشهادة مع رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فلم أرزقها وأنا أرجو أن أرزقها في هذا الوجه وإن أمير الجيش لا ينبغي أن يباشر القتال بنفسه فدعا أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة فعرض عليه ذلك فقال مثل ما قال زيد فدعا سالما
مولى أبي حذيفة ليستعمله فأبى عليه فدعا أبو بكر خالد بن الوليد فأمره على الناس وقال لهم وقد توافى المسلمون قبله وبعث مقدمته أمام الجيش
أيها الناس سيروا على اسم الله تعالى وبركته فأميركم خالد بن الوليد إلى أن ألقاكم فإني خارج فيمن معي إلى ناحية خيبر حتى ألاقيكم
ويروى أنه قال للجيش
سيروا فإن لقيتكم بعد غد فالأمر إلي وأنا أميركم وإلا فخالد بن الوليد عليكم فاسمعوا له وأطيعوا
وإنما قال ذلك أبو بكر لأن تذهب كلمته في الناس وتهاب العرب خروجه ثم خلا بخالد بن الوليد فقال
يا خالد عليك بتقوى الله وإيثاره على من سواه والجهاد في سبيله فقد وليتك على من ترى من أهل بدر من المهاجرين والأنصار

فسار خالد ورجع أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن أبي وقاص في نفر من المهاجرين والأنصار من أهل بدر رضي الله عن جميعهم إلى المدينة
وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد حين بعثه في هذا الوجه
قال حنظلة بن علي الأسلمي بعث أبو بكر رضي الله عنه خالد بن الوليد إلى أهل الردة وأمره أن يقاتلهم على خمس خصال فمن ترك واحدة من الخمس قاتله شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان زاد زيد بن أسلم وحج البيت وقال كن ستا
وعن نافع بن جبران أن أبا بكر حين بعث خالد بن الوليد عهد إليه وكتب معه هذا الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر خليفة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى خالد بن الوليد حين بعثه فيمن بعثه من المهاجرين والأنصار ومن معهم من غيرهم لقتال من رجع عن الإسلام بعد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عهد إليه وأمره أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله علانيته وسره وأمر بالجد في أمر الله والمجاهدة لمن تولى عنه إلى غيره ورجع عن الإسلام إلى ضلالة الجاهلية وأماني الشيطان وعهد إليه وأمره أن لا يقاتل قوما حتى يعذر إليهم ويدعوهم إلى الإسلام ويبين لهم الذي لهم في الإسلام والذي عليهم فيه ويحرص على هداهم فمن أجابه إلى ما دعاه إليه من الناس كلهم أحمرهم وأسودهم قبل منه وليعذر إلى من دعاه بالمعروف وبالسيف فإنما يقاتل من كفر بالله على الإيمان بالله فإذا أجاب المدعو إلى الإيمان وصدق إيمانه لم يكن عليه سبيل وكان الله حسيبه بعد في عمله ومن لم يجبه إلى ما دعا إليه من دعائه الإسلام ممن رجع عن الإسلام بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أن يقاتل أولئك بمن معه من

المهاجرين والأنصار حيث كانوا وحيث بلغ مراغمه ثم يقتل من قدر عليه من أولئك ولا يقبل من أحد شيئا دعاه إليه ولا أعطاه إياه إلا الإسلام والدخول فيه والصبر به وعليه وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأمره أن يمضي بمن معه من المسلمين حتى يقدم اليمامة فيبدأ ببني حنيفة ومسيلمتهم الكذاب فيدعوهم ويدعوه إلى الإسلام وينصح لهم في الدين ويحرص على هداهم فإن أجابوا إلى ما دعاهم إليه من دعاية الإسلام قبل منهم وكتب بذلك إلي وأقام بين أظهرهم حتى يأتيه أمري وإن هم لم يجيبوا ولم يرجعوا عن كفرهم واتباع كذابهم على كذبه على الله عز وجل قاتلهم أشد القتال بنفسه وبمن معه فإن الله ناصر دينه ومظهره على الدين كله كما قضى في كتابه ولو كره الكافرون فإن أظهره الله عليهم إن شاء الله وأمكنه منهم فليقتلهم بالسلاح وليحرقهم بالنار ولا يستبقيه منهم أحدا قدر على أن يستبقه وليقسم أموالهم وما أفاء الله عليه وعلى المسلمين إلا خمسة فليرسل به إلي أضعه حيث أمر الله به أن يوضع إن شاء الله وعهد إليه أن لا يكون في أصحابه فشل من رأيهم ولا عجلة عن الحق إلى غيره ولا يدخل فيهم حشو من الناس حتى يعرفهم ويعرف ممن هم وعلام اتبعوه وقاتلوا معه فإني أخشى أن يدخل معكم ناس يتعوذون بكم ليسوا منكم ولا على دينكم فيكونون عيونا عليكم ويتحفظون من الناس بمكانهم معكم وأنا أخشى أن يكون ذلك في الأعراب وجفاتهم فلا يكونن من أولئك في أصحابك أحد إن شاء الله تعالى وارفق بالمسلمين في سيرهم ومنازلهم وتفقدهم ولا تعجل بعض الناس عن بعض في المسير ولا في الارتحال من مكان واستوص بمن معك من الأنصار خيرا في حسن صحبتهم ولين القول لهم فإن فيهم ضيقا ومرارة وزعارة ولهم حق وفضيلة وسابقة ووصية من رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فأقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم كما قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} والسلام عليك ورحمة الله وبركاته

ويروى أن أبا بكر رحمه الله كتب مع هذا الكتاب كتابا آخر إلى عامة الناس وأمر خالدا أن يقرأه عليهم في كل مجمع وهو

بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر خليفة رسول الله إلى من بلغه كتابي هذا من عامة أو خاصة تاما على إسلامه أو راجعا عنه سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله الهادي غير المضل أرسله بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فهدى الله بالحق من أجاب إليه وضرب بالحق من أدبر عنه حتى صاروا إلى الإسلام طوعا وكرها ثم أدرك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} عند ذلك أجله الذي قضى الله عليه وعلى المؤمنين فتوفاه الله وقد كان بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل عليه فقال له إنك ميت وإنهم ميتون 30 الزمر وقال وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون 34 35 الأنبياء وقال للمؤمنين وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين 144 آل عمران فمن كان إنما يعبد محمدا فإن محمدا قد مات صلوات الله عليه ومن كان إنما يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله بالمرصاد حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم حافظ لأمره منتقم من عدوه وإني أوصيكم أيها الناس بتقوى الله وأحضكم على حظكم ونصيبكم من الله وما جاءكم به نبيكم محمد {صلى الله عليه وسلم} وأن تهتدوا بهدي الله وتعتصموا بدين الله فإن كل من لم يحفظه الله ضائع وكل من لم يصدقه الله كاذب وكل من لم يسعده الله شقي وكل من لم يرزقه الله محروم وكل من لم ينصره الله مخذول فاهتدوا بهدي الله ربكم وما جاءكم به نبيكم محمد {صلى الله عليه وسلم} فإنه من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا 17 الكهف وإنه قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغترارا بالله وجهالة بأمر الله وطاعة للشيطان و

إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير 6
فاطر وإني قد بعثت خالد بن الوليد في جيش من المهاجرين الأولين من قريش والأنصار وغيرهم وأمرته أن لا يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله فمن دخل في دين الله وتاب إلى الله ورجع عن معصية الله إلى ما كان يقر به من دين الله وعمل صالحا قبل ذلك منه وأعانه عليه ومن أبى أن يرجع إلى الأسلام بعد أن يدعوه بداعية الله ويعذر إليه بعاذرة الله أن يقاتل من قاتله على ذلك أشد القتال بنفسه ومن معه من أنصار دين الله وأعوانه ثم لا يبقى على أحد بعد أن يعذر إليه وأن يحرقهم بالنار ويسبي الذراري والنساء وأمرته أن لا يقبل من أحد شيئا إلا الرجوع إلى دين الله وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله {صلى الله عليه وسلم} وقد أمرته أن يقرأ على الناس كتابي إليهم في كل مجمع وجماعة فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فهو شر له وعن عروة بن الزبير قال جعل أبو بكر رضي الله عنه يوصي خالد بن الوليد ويقول

يا خالد عليك بتقوى الله والرفق بمن معك من رعيتك فإن معك أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أهل السابقة من المهاجرين والأنصار فشاورهم فيما نزل بك ثم لا تخالفهم وقدم أمامك الطلائع ترتاد لك المنازل وسر في أصحابك على تعبئة جيدة فإذا لقيت أسدا وغطفان فبعضهم لك وبعضهم عليك وبعضهم لا عليك ولا لك متربص دائرة السوء ينظر لمن تكون الدبرة فيميل مع من تكون له الغلبة ولكن الخوف عندي من أهل اليمامة فاستعن بالله على قتالهم فإنه بلغني أنهم رجعوا بأسرهم وإن كفاك الله الضاحية فامض إلى أهل اليمامة فإنك تلقى عدوا كلهم عليك لهم بلاد منكرة فلا تؤتي إلا من مفازة فارفق بجيشك في تلك المفازة فإن في جيشك قوما أهل ضعف أرجو أن تنصر بهم حتى تدخل بلادهم هم إن شاء الله تعالى فإن دخلت بلادهم فالحذر الحذر إذا لقيت القوم فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به السهم للسهم والرمح للرمح والسيف للسيف فإن أعطاك الله الظفر عليهم فأقل
البقيا عليهم إن شاء الله تعالى وإياك أن تلقاني غدا بما يضيق صدري به منك اسمع عهدي ووصيتي لا تغيرن على دار سمعت فيها أذانا حتى تعلم ما هم عليه وإياك وقتل من صلى واعلم يا خالد أن الله يعلم من سريرتك ما يعلم من علانيتك واعلم أن رعيتك إنما تعمل بما تراك تعمل كف عليك أطرافك وتعاهد جيشك وانههم عما لا يصلح لهم فإنما تقاتلون من تقاتلون بأعمالكم وبهذا نرجو لكم النصر على أعدائكم سر على بركة الله تعالى

ذكر مسير خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بزاخة وغيرها

قالوا وسار خالد بن الوليد ومعه عدي بن حاتم وقد انضم إليه من طيء ألف رجل فنزل بزاخة وكانت جديلة معرضة عن الإسلام وهي بطن من طيء وكان عدي بن حاتم من الغوث وقد همت جديلة أن ترتد فجاءهم مكنف بن زيد الخيل الطائي فقال أتريدون أن تكونوا سبة على قومكم لم يرجع رجل واحد من طيء وهذا أبو طريف عدي بن حاتم معه ألف رجل من طيء فكسرهم فلما نزل خالد بزاخة قال لعدي يا أبا طريف ألا نسير إلى جديلة فقال يا أبا سليمان لا تفعل أقاتل معك بيدين أحب إليك أم بيد واحدة فقال خالد بل بيدين قال عدي فأن جديلة إحدى يدي فكف خالد عنهم فجاءهم عدي فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا فحمد الله وسار بهم إلى خالد فلما رآهم خالد فزع منهم وظن أنهم أتوا للقتال فصاح في أصحابه بالسلاج فقيل له إنما هي جديلة أتت تقاتل معك فلما جاءوا حلوا ناحية وجاءهم خالد فرحب بهم وفرح بهم واعتذروا إليه من اعتزالهم وقالوا نحن لك حيث أحببت فجزاهم خيرا فلم يرتد من طيء رجل واحد فسار خالد على تعبئته وطلب إليه عدي أن يجعل قومه مقدمة أصحابه فقال يا أبا طريف إن الأمر قد اقترب وأنا أخاف أن أقدم قومك فإذا ألحمهم القتال انكشفوا فانكشف من معنا ولكن دعني أقدم قوما صبرا لهم سوابق ونيات وهم من قومك قال عدي الرأي ما رأيت فقد المهاجرين والأنصار ولم يزل خالد يقدم طليعته منذ خرج من بقعاء حتى قدم اليمامة وأمر عيونه أن يختبروا كل من مروا به عند مواقيت الصلاة بالأذان لها فيكون ذلك أمانا لهم ودليلا على إسلامهم وانتهى خالد والمسلمون إلى عسكر طليحة وقد ضربت لطليحة قبة من أدم وأصحابه حوله معسكرون فانتهى خالد ممسيا فضرب عسكره

على ميل أو نحوه من عسكر طليحة وخرج يسير على فرس معه نفر من أصحاب النبي {صلى الله عليه وسلم} فوقف من عسكر طليحة غير بعيد ثم قال يخرج إلى طليحة فقال أصحابه لا تصغر اسم نبينا وهو طلحة فخرج طليحة فوقف فقال له خالد إن من عهد خليفتنا إلينا أن ندعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن تعود إلى ما خرجت منه فنقبلمنك ونغمد سيوفنا عنك فقال يا خالد أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأني نبي مرسل يأتيني ذو النون كما كان جبريل يأتي محمدا وقد كان ادعى هذا في عهد النبي {صلى الله عليه وسلم} فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} لقد ذكر ملكا عظيما في السماء يقال له ذو النون وكان عيينة بن حصن قد قال له لا أبا لك هل أنت مرينا بعض نبوتك فقد رأيت ورأينا ما كان يأتي محمدا قال نعم فبعث عيونا له حيث سار خالد بن الوليد بن الوليد من المدينة مقبلا إليهم قبل أن يسمع بذكر خالد وقال إن بعثتم فارسين على فرسين أغرين محجلين من بني نصر بن قعين أتوكم من القوم بعين فهيؤا فارسين فبعثوهما فخرجا يركضان فلقيا عينا لخالد بن الوليد فقالا ما وراءك فقال هذا خالد بن الوليد في المسلمين قد أقبلوا فأتوا به إليه فزادهم فتنة وقال ألم أقل لكم

فلما أبى طليحة على خالد أن يقر بما دعاه إليه انصرف خالد إلى معسكره فاستعمل تلك الليلة على حرسه مكنف بن زيد الخيل وعدي بن حاتم وكان لهما صدق نية ودين فباتا يحرسان في جماعة من المسلمين فلما كان في السحر نهض خالد فعبأ أصحابه ووضع ألويته مواضعها ودفع اللواء الأعظم إلى زيد ابن الخطاب فتقدم به وتقدم ثابت بن قيس بن بلواء الأنصار وطلبت طيء لواء يعقد لها فعقد خالد لواء ودفعه إلى عدي بن حاتم فلما سمع طليحة حركة القوم عبأ أصحابه وجعل خالد يسوي الصفوف على رجليه وطليحة يسوي أصحابه على راحلته حتى إذا استوت الصفوف زحف بهم خالد حتى دنا من طليحة فلما انتهى إليه خرج إليه طليحة بأربعين غلاما جلداء من جنوده مردا فأقامهم في الميمنة فقال اضربوا حتى تأتوا الميسرة فتضعضع
الناس ولم يقتل أحد ثم أقامهم في الميسرة ففعلوا مثل ذلك وانهزم المسلمون فقال رجل من هوازن حضرهم يومئذ أن خالدا لما كان ذلك قال يا معشر الأنصار الله الله واقتحم وسط القوم وكر عليه أصحابه فاختلطت الصفوف واختلفت السيوف بينهم وضرس خالد في القتال فجعل يقحم فرسه ويقولون له الله الله فإنك أمير القوم ولا ينبغي لك أن تقدم فيقول والله إني لأعرف ما تقولون ولكني والله ما رأيتني أصبر وأخاف هزيمة المسلمين
وفيما ذكر الكلبي عن بعض الطائيين أنه نادى مناد من طيء يعني عندما حمل أولئك الأربعون غلاما على المسلمين يا خالد عليك سلمى وأجأ فقال بل إلى الله الملجأ قال ثم حمل فوالله ما رجع حتى لم يبق من أولئك الأربعين رجل واحد وقاتل خالد يومئذ بسيفين حتى قطعهما وتراد الناس بعد الهزيمة واشتد القتال وأسر حبال بن أبي حبال فأرادوا أن يبعثوا به إلى أبي بكر فقال اضربوا عنقي ولا تروني محمديكم هذا فضربوا عنقه

وذكر الواقدي عن ابن عمر قال نظرت إلى راية طليحة يومئذ حمراء يحملها رجل منهم لا يزول بها فترا فنظرت إلى خالد أتاه فحمل عليه فقتله فكانت هزيمتهم فنظرت إلى الراية تطؤها الإبل والخيل والرجال حتى تقطعت
وعنه قال يرحم الله خالد بن الوليد لقد كان له غناء وجرأة ولقد رأيته يوم طليحة يباشر الحرب بنفسه حتى ليم في ذلك ولقد رأيته يوم اليمامة يقاتل أشد القتال إن كان مكانه ليتقي حتى يطلع إلينا منبهرا
ولما تراجع المسلمون وضرس القتال تزمل طليحة بكساء له ينتظر زعم أن ينزل عليه الوحي فلما طال ذلك على أصحابه وهدتهم الحرب جعل عيينة بن حصن يقاتل ويذمر الناس
قال ابن إسحاق قاتل يومئذ في سبعمائة من فزارة قتالا شديدا حتى إذا لج المسلمون عليهم بالسيف وقد صبروا لهم أتى طليحة وهو متلثم في كسائه فقال لا أبا لك هل أتاك جبريل بعد قال يقول طليحة وهو تحت الكساء لا والله ما جاء بعد فقال عيينة تبا لك سائر اليوم ثم رجع عيينة فقاتل وجعل يحض أصحابه وقد ضجوا من وقع السيوف فلما طال ذلك على عيينة جاء طليحة وهو مستلق متسج بكسائه فجبذه جبذة جلس منها وقال له قبح الله هذه من نبوة ما قيل لك بعد شيء فقال طليحة قد قيل لي إن لك رحال كرحاه وأمرا لن تنساه فقال عيينة أظن قد علم الله أن سيكون لك أمر لن تنساه يا فزارة هكذا وأشار لها تحت الشمس هذا والله كذاب ما بورك له ولا لنا فيما يطالب فانصرفت فزارة وذهب عيينة وأخوه في آثارها فيدرك عيينة فأسر وأفلت أخوه ويقال أسر عيينة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي فأراد خالد قتله حتى كلمه فيه رجل من بني مخزوم فترك قتله

ولما رأى طليحة أن الناس يقتلون ويؤسرون خرج منهزما وأسلمه الشيطان فأعجزهم هو وأخوه فجعل أصحابه يقولون له ماذا ترى وقد كان أعد فرسه وهيأ امرأته النوار فوثب على فرسه وحمل امرأته وراءه فنجا بها وقال من استطاع منكم أن يفعل كما فعلت فليفعل ولينج بأهله ثم هرب حتى قدم الشام فأقام عند بني جفنة الغسانيين
وفي كتاب يعقوب الزهري أن طليحة قال لأصحابه ما رأى انهزامهم ويلكم ما يهزمكم فقال له رجل منهم أنا أخبرك أنه ليس منا رجل إلا وهو يحب أن صاحبه يموت قبله وأنا نلقى قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه
وذكر ابن إسحاق أن طليحة لما ولى هاربا تبعه عكاشة بن محصن وثابت ابن أقرم وقد كان طليحة أعطى الله عهدا أن لا يسأله أحد النزول إلا فعل فلما أدبر ناداه عكاشة يا طليحة فعطف عليه فقتل عكاشة ثم أدركه ثابت فقتله أيضا طليحة ثم لحق بالشام وقال طليحة يذكر قتله إياهما
زعمتم بأن القوم لن يقتلوكم
أليسوا وإن لم يسلموا برجال
عدلت لهم صدر الحمالة إنها
معودة قيل الكماة نزال
فيوما تفي بالمشرفية خدها
ويوما تراها في ظلال عوال
ويوما تراها في الجلال مصونة
ويوما تراها غير ذات جلال
عشية غادرت ابن أقرم ثاويا
وعكاشة الغنمي عند مجال
فإن يك أذواد أصبن ونسوة
فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال
الطويل

وقد قيل في قتلها غير هذا وهو ما ذكره الواقدي عن عميلة الفزاري وكان عالما بردتهم أن خالد بن الوليد كان لما دنا من القوم بعث عكاشة وثابتا طليعة أمامه وكانا فارسين فلقيهما طليحة وأخاه مسيلمة ابني خويلد طليعة لمن وراءهما من الناس وخلفوا عسكرهم من ورائهم فلما التقوا انفرد طليحة بعكاشة ومسلمة بثابت فلم يلبث مسلمة أن قتل ثابتا وصرخ طليحة بمسلمة أعني على الرجل فإنه قاتلي فكر معه على عكاشة فقتلاه رحمه الله ثم كرا راجعين إلى من وراءهما وأقبل خالد معه المسلمون فلم يرعهم إلا ثابت ابن أقرم قتيلا تطؤه المطي فعظم ذلك على المسلمين ثم لم يسيروا إلا يسيرا حتى وطئوا عكاشة قتيلا فثقل القوم على المطي كما وصف واصفهم حتى ما تكاد المطي ترفع أخفافها
وفي كتاب الزهري ثم لحقوا أصحاب طليحة فقتلوا وأسروا وصاح خالد لا يطبخن رجل قدرا ولا يسخنن ماء إلا على أثفيه رأس رجل وتظلف رجل من بني أسد فوثب على عجز راحلة خالد وهو يقول
لن يخزي الله قوما أنت قائدهم
يا ابن الوليد ولن تشقى بك الدبر
كفاك كف عقاب عند سطوتها
على العدو وكف برة عقر
البسيط
أنشدك الله أن يكون هلاك مضر اليوم على يديك قال من أنت ويحك قال أنا الأباء بن قيس يا خالد حكمك في بني أسد قال حكمي فيهم أن يقيموا الصلاة ثم يؤتوا الزكاة ثم يرجعوا إلى بلادهم فمن كان له بها مال فليعمده وليسلم عليه فهو له فأقروا بذلك فنادى خالد من قام فهو آمن فقام الناس كلهم فآمن من قام
وسمعت بذلك بنو عامر فأعلنوا بالإسلام وأمر خالد الحظائر أن تبني ثم أوقد فيها النار ثم أمر بالأسري فألقيت فيها وألقى يومئذ حامية بن سبيع ابن الحسحاس الأسدي وهو الذي كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} استعلمه على صدقات قومه فارتد عن الإسلام
وأخذت أم طليحة إحدى نساء بني أسد فعرض عليها الإسلام فأبت ووثبت فاقتحمت النار وهي تقول
يا موت عم صباحا
كافحته كفاحا )
إذ لم أجد براحا
رجز

وذكر الواقدي عن يعقوب بن يزيد بن طلحة أن خالدا جمع الأساري في الحظائر ثم أضرمها عليهم فاحترقوا وهم أحياء ولم يحرق أحد من بني فزارة فقلت لبعض أهل العلم لم حرق هؤلاء من بين أهل الردة فقال بلغت عنهم مقالة سيئة شتموا النبي {صلى الله عليه وسلم} وثبتوا على ردتهم
وذكر عن غير يعقوب أن خالدا أمر بالأخدود يحفر فقيل له ما تريد بهذا الأخدود قال أحرقهم بالنار فكلم في ذلك فقال هذا عهد الصديق أبي بكر إلي اقرؤه في كل مجمع إن أظفرك الله بهم فأحرقهم بالنار
وعن عبد الله بن عمر قال شهدت بزاخة فظفرنا الله على طليحة فكنا كلما أغرنا على القوم سبينا الذراري واقتسمنا أموالهم

ذكر رجوع بني عامر وغيرهم إلى الإسلام
ولما أوقع الله ببني أسد وفزارة ما أوقع ببزاخة بعث خالد بن الوليد السرايا ليصيبوا ما قدروا عليه ممن هو على ردته وجعلت العرب تسير إلى خالد راغبة في الإسلام أو خائفة من السيف فمنهم من أصابته السرية فيقول جئت راغبا في الإسلام وقد رجعت إلى ما خرجت منه ومنهم من يقول ما رجعنا ولكنا منعنا أموالنا وشححنا عليها فقد سلمناها فليأخذ منها حقه ومنهم من لم تظفر به السرايا فانتهى إلى خالد مقرا بالإسلام ومنهم من مضى إلى أبي بكر الصديق ولم يقرب خالدا
قال الواقدي فاختلفوا علينا في قرة بن هبيرة القشيري فقال قائل هرب إلى أبي بكر وأسلم عنده وقال قائل أخذته خيل خالد فأتت به إليه ومنهم من قال جاء إلى خالد بن الوليد شاردا حين جاءت بنو عامر إلى خالد وهو أثبت عندنا

قال بعضهم وكانت بنو عامر تربص لمن الدبرة وصاحب أمرهم قرة بن هبيرة فقام فيهم أبو حرب ربيعة بن خويلد العقيلي وهو يومئذ فارس عامر ورجلها فقال مهلا يا بني عامر قد قتلتم رسل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إلى بئر معونة وأخفرتم ذمة أبي براء وأرداكم عامر بن الطفيل وقد أظلكم خالد في المهاجرين والأنصار فكسرهم قوله وقد رضوه وكان عرض لعمرو بن العاص مقدمه من عمان بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مع قرة بن هبيرة ما نذكره وذلك أن عمرا كان عاملا للنبي {صلى الله عليه وسلم} على عمان فجاءه يوما يهودي من يهود عمان فقال أرأيتك إن سألتك عن شيء أأخشى علي منك
قال لا قال اليهودي أنشدك الله من أرسلك إلينا قال اللهم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال اليهودي الله إنك لتعلم أنه رسول الله قال عمرو اللهم نعم فقال اليهودي لئن كان حقا ما تقول لقد مات اليوم فلما رأى عمرو ذلك جمع أصحابه وحواشيه وكتب ذلك اليوم الذي قال له اليهودي فيه ما قال ثم خرج بخفراء من الأزد وعبد القيس يأمن بهم فجاءته وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بهجر ووجد ذكر ذلك عند المنذر بن ساوي فسار حتى قدم أرض بني حنيفة فأخذ منهم خفيرا حتى جاء أرض بني عامر فنزل على قرة بن هبيرة القشيري فقال له حين أراد عمرو أن يركب إن لك عندي نصيحة وأنا أحب أن تسمعها إن صاحبك قد توفي قال عمرو وصاحبنا هو لا أم لك يعني دونك قال له قرة وإنكم يا معشر قريش كنتم في حرمكم تأمنون فيه ويأمنكم الناس ثم خرج منكم رجل يقول ما سمعت فلما بلغنا ذلك لم نكرهه وقلنا رجل من مضر يريد يسوق الناس وقد توفي والناس إليكم سراع وإنهم غير معطيكم شيئا فالحقوا بحرمكم تأمنون فيه وإن كنت غير فاعل فعدني حيث شئت آتك فوقع به عمرو وقال إني أرد عليك نصيحتك وموعدك حفش أمك قال قرة إني لم أرد هذا وندم على مقالته ويقال خرج مع عمرو في مائة من قومه خفراء له

وأقبل عمرو بن العاص يلقي الناس مرتدين حتى أتى على ذي القصة فلقى عيينة بن حصن خارجا من المدينة وذلك حين قدم على أبي بكر يقول إن جعلت لنا شيئا كفيناك ما وراءنا فقال له عمرو بن العاص ما وراءك يا عيينة من ولى الناس أمورهم قال أبو بكر فقال عمرو الله أكبر قال عيينة يا عمرو استوينا نحن وأنتم فقال عمرو كذبت يا ابن الأخابث من مضر وسار عتيبة فجعل يقول لكل من لقي من الناس احبسوا عليكم أموالكم قالوا فأنت ما تصنع قال لا يدفع إليه رجل من فزارة عناقا واحدة ولحق عند ذلك بطليحة الأسدي فكان معه
وقدم عمرو المدينة فأخبر أبا بكر بما كان في وجهه وبمقالة قرة بن هبيرة وبمقالة عيينة بن حص وأتى عمرو خالدا حين بعثه أبو بكر إلى أهل الردة فجعل يقول يا أبا سليمان لا يفلت منك قرة بن هبيرة فلما صنع الله بأهل بزاخة ما صنع عمد خالد إلى جبلي طيء فأتته عامر وغطفان يدخلون في الإسلام ويسألونه الأمان على مياههم وبلادهم وأظهروا له التوبة وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فأمنهم خالد وأخذ عليهم العهود والمواثيق ليبايعن على ذلك أبناءكم ونساءكم آناء الليل وآناء النهار فقالوا نعم نعم ولما اجتمعوا إليه قال خالد أين قرة بن هبيرة القشيري قال ها أنا ذا قال قدمه فاضرب عنقه وقال أنت المتكلم لعمرو بن العاص بما تكلمت به وأنت المتربص بالمسلمين الدوائر ولم تنصر وقلت إن كانت الدائرة على المسلمين فمالي بيدي وجمعت قومك على ذلك ورأسك قومك ولم تكن بأهل أن ترأس ولا تطاع قال يا بن المغيرة إن لي عند عمرو بن العاص شهادة فقال خالد عمرو الذي نقل عنك إلى الخليفة ما تكلمت به

ويروي أنه قال له هذا ما قال لك عمرو سيأتيك في حفش أمك فقال له قرة يا أبا سليمان إني قد أجرته فأحسنت جواره وأنا مسلم لم أرتد فقال لولا ما تذكر لضربت عنقك ولكن لا بد أن أبعث بك في وثاق إلى أبي بكر فيرى فيك رأيه فلما فرغ من بيعة بني عامر أوثق عيينة بن حصن وقرة بن هبيرة وبعث بهما إلى أبي بكر الصديق
قال ابن عباس فقدم بهما المدينة في وثاق فنظرت إلى عيينة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ينخسه غلمان المدينة بالجريد ويضربونه ويقولون أي عدو الله أكفرت بالله بعد إيمانك فيقول والله ما كنت آمنت بالله
قالوا ووقف عليه عبد الله بن مسعود فقال خبت وخسرت إنك لموضع في الباطل قديما فقال له عيينة أقصر أيها الرجل فلولا ما أنا فيه لم تكلمني بما
تكلمني به فانصرف ابن مسعود وأتى بقرة بن هبيرة فقال يا خليفة رسول الله والله ما كفرت وسل عمرو بن العاص فإن لي عنده شهادة لما أقبل من عمان خرجت في مائة من قومي خفراء له وقبل ذلك ما أكرمت منزله ونحرت له فسأل أبو بكر رضي الله عنه عمرا فقال نزلت به فلم أر للضيف خيرا منه لم يترك وخرج معي في مائة من قومه ثم ذكر عمرو ما قال له قرة فقال قرة انزع يا عمرو فقال عمرو لو نزعت نزعت فلم يعاقبه أبو بكر وعفا عنه وكتب له أمانا وقبل منه
وكان فيمن ارتد من بني عامر ولم يرجع معهم علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر فبعث أبو بكر إلى ابنته وامرأته ليأخذهما فقالت امرأته مالي ولأبي بكر إن كان علقمة قد كفر فإني لم أكفر فتركها ثم راجع علقمة الإسلام زمن عمر رضي الله عنه فرد عليه زوجته

وأخذ خالد بن الوليد من بني عامر وغيرهم من أهل الردة ممن جامعهم وبايعه على الإسلام كل ما ظهر من سلاحهم واستحلفهم على ما غيبوا عنه فإن حلفوا تركهم وإن أبوا شدهم أسرا حتى أتوا بما عندهم من السلاح فأخذ منهم سلاحا كثيرا فأعطاه أقواما يحتاجون إليه في قتال عدوهم وكتبه عليهم فلقوا به العدو ثم ردوه بعد فقدم به على أبي بكر رضي الله عنه
وحدث يزيد بن شريك الفزاري عن أبيه قال قدمت مع أسد وغطفان على أبي بكر وافدا حين فرغ خالد بن بزاخة وجعلت أسد وغطفان تسلل فاجتمعوا عند أبي بكر فمنهم من بايع خالدا ومنهم من لم يبايعه فجاءوا إلى أبي بكر فقال أبو بكر اختاروا بين خصلتين حرب مجلية أو سلم مخزية قال خارجة بن حصن هذه الحرب المجلية قد عرفتها فما السلم المخزية قال تقرون أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم في النار وأن تردوا علينا ما أخذتم منا
ولا نرد عليكم مما أخذنا منكم شيئا وأن تدوا قتلانا دية كل قتيل مائة بعير منها أربعون في بطونها أولادها ولا ندى قتلاكم ونأخذ منكم الحلقة والكراع وتلحقون بأذناب الإبل حتى يرى الله خليفة نبيه والمؤمنين ما شاء فيكم أو يرى منكم إقبالا إلى ما خرجتم منه فقال خارجة بن حصن نعم يا خليفة رسول الله قال أبو بكر عليكم عقد الله وميثاقه أن تقوموا بالقرآن آناء الليل وآناء النهار وتعلموه أولادكم ونساءكم ولا تمنعوا فرائض الله في أموالكم قالوا نعم فقال عمر يا خليفة رسول الله كلما قلت كما قلت إلا أن يدوا من قتلوا منا فإنهم قوم قتلوا في سبيل الله واستشهدوا
وفي رواية فتتابع الناس على قول عمر وقبض أبو بكر رضي الله عنه كلما قدر عليه من الحلقة والكراع فلما توفي رأى عمر رضي الله عنه أن الإسلام قد ضرب بجرانه فدفعه إلى أهله أو إلى عصبة من مات منهم

ولما فرغ خالد بن بزاخة وبني عامر ومن يليهم أظهر أن أبا بكر عهد إليه أن يسير إلى أرض بني تميم وإلى اليمامة فقال ثابت بن قيس بن شماس وهو على الأنصار وخالد على جماعة المسلمين ما عهد إلينا ذلك وما نحن بسائرين وليست بنا قوة وقد كل المسلمون وعجف كراعهم فقال خالد أما أنا فلست بمستكره أحدا منكم فإن شئتم فسيروا وإن شئتم فأقيموا فسار خالد ومن تبعه من المهاجرين وأبناء العرب عامدا لأرض بني تميم واليمامة وأقامت الأنصار يوما أو يومين ثم تلاومت فيما بينها وقالوا والله ما صنعنا شيئا والله لئن أصيب القوم ليقولن أخذلتموهم وأسلمتموهم وإنها لسبة باق عارها آخر الدهر ولئن أصابوا خيرا وفتح الله فتحا إنه لخير منعتموه فابعثوا إلى خالد يقيم لكم حتى تلحقوه فبعثوا إليه مسعود بن سنان ويقال ثعلبة بن عنمة فلما جاءه الخبر أقام حتى لحقوه فاستقبلهم في كثرة من معه من المسلمين لما أطلوا على العسكر حتى نزلوا وساروا جميعا حتى انتهى خالد بهم إلى البطاح من أرض بني
تميم فلم يجد بها جمعا ففرق السرايا في نواحيها وكان في سرية منها أبو قتادة الأنصاري قال فلقينا رجل فقلنا ممن أنت قال من بني حنظلة فقلنا أين من يمنع الصدقة منا الآن قال هم بمكان كذا وكذا فقلت كم بيننا وبينهم قال مائة فانطلقنا سراعا حتى أتيناهم حين طلعت الشمس ففزعوا حين رأونا وأخذوا السلاح وقالوا من أنتم قلنا نحن عباد الله المسلمون قالوا ونحن عباد الله المسلمون وكانوا اثني عشر رجلا فيهم مالك بن نويرة قلنا فضعوا السلاح واستسلموا ففعلوا فأخذناهم فجئنا بهم خالدا
وذكر من خبرهم ما يأتي بعد إن شاء الله تعالى

وكان مالك بن نويرة قد بعثه النبي {صلى الله عليه وسلم} مصدقا إلى قومه بني حنظلة وكان سيدهم فجمع صدقاتهم فلما بلغته وفاة النبي {صلى الله عليه وسلم} جفل إبل الصدقة أي ردها من حيث جاءت فلذلك سمي الجفول وجمع قومه فقال إن هذا الرجل قد هلك فإن قام قائم من قريش بعده نجتمع عليه جميعا إن رضي منكم أن تدخلوا في أمره ولم يطلب ما مضى من هذه الصدقة أبدا ولم تكونوا أعطيتم الناس أموالكم فأنتم أولى بها وأحق فتسارع إليه جمهور قومه وفرحوا بذلك فقام ابن قعنب وكان سيد بني يربوع فقال يا بني تميم بئس ما ظننتم أن ترجعوا في صدقاتكم ولا يرجع الله في نعمه عليكم وأن تجردوا للبلاء ويلبسكم الله العافية وأن تستشعروا خوف الكفر وأن تسكنوا في أمن الإسلام إنكم أعطيتم قليلا من كثير والله مذهب الكثير بالقليل ومسلط على أموالكم غدا من لا يأخذها الرضي ولا يخيركم في الصدقة وإن منعتموها قتلتم فأطيعوا الله واعصوا مالكا فقام مالك فقال يا معشر بني تميم إنما رددت عليكم أموالكم إكراما لكم وبقيا عليكم وإنه لا يزال يقوم قائم منكم يخطئني في ردها عليكم ويخطئكم في أخذها فما أغناني عما يضرني ولا ينفعكم فوالله ما أنا بأحرصكم على المال ولا بأجزعكم من الموت ولا بأخفاكم شخصا إن أقمت ولا بأخفكم رحلة إن هربت فترضاه عند ذلك بنو حنظلة وأسندوا إليه أمرهم وقالوا حربنا حربك وسلمنا سلمك فأخذوا أموالهم وأبى الله إلا أن يتم أمره فيهم وقال في ذلك مالك
وقال رجال سدد اليوم مالك
وقال رجال مالك لم يسدد
فقلت دعوني لا أبا لأبيكم
فلم أخط رأيا في المعاد ولا البد
وقلت خذوا أموالكم غير خائف
ولا ناظر فيما يجيء به غد
فدونكموها إنها صدقاتكم
مصررة أخلافها لم تحرد
وقلت خذوا أموالكم غير خائف
ولا ناظر فيما يجيء به غد
سأجعل نفسي دون ما تحذرونه
وأرهنكم يوما بما قبلته يدي
فإن قام بالأمر المخوف قائم
أطعنا وقلنا الدين دين محمد
الطويل

ولما بلغ ذلك أبا بكر والمسلمين حنقوا على مالك وعاهد الله خالد بن الوليد لئن أخذه ليقتلنه ثم ليجعلن هامته أثفية للقدر فلما أتى به أسيرا في نفر من قومه أخذوا معه كما تقدم
أختلف فيه الذين أخذوهم فقال بعضهم قد أسلموا فما لنا عليهم من سبيل وفيمن شهد بذلك أبو قتادة الأنصاري وكان معهم في تلك السرية وقالوا إنا قد أذنا فأذنوا ثم أقمنا فأقاموا ثم صلينا فصلوا
وكان من عهد أبي بكر إلى خالد أن أيما دار غشيتموها فسمعتم الأذان فيها بالصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ماذا نقموا وماذا يبغون وأيما دار غشيتموها فلم تسمعوا فيها الأذان فشنوا عليها الغارة فاقتلوا وحرقوا
وشهد بعض من كان في تلك السرية أنهم لم يسلموا وأنهم لم يسمعوهم كبروا ولا أذنوا وأن قتلهم وسبيهم حلال وكان ذلك رأى خالد فيهم
قال أبو قتادة فجئته فقلت أقاتل أنت هؤلاء القوم قال نعم قلت والله ما يحل لك قتلهم ولقد اتقونا بالإسلام فما عليهم من سبيل ولا أتابعك على قتلهم فأمر بهم خالد فقتلوا
قال أبو قتادة فتسرعت حتى قدمت على أبي بكر فأخبرته الخبر وعظمت عليه الشأن فاشتد في ذلك عمر وقال ارجم خالدا فإنه قد استحل ذلك فقال أبو بكر والله لا أفعل إن كان خالد تأول أمرا فأخطأه
وذكر يعقوب بن محمد الزهري والواقدي في مقتل مالك بن نويرة روايات غير ما تقدم أستغني عن إيرادها بما ذكر هنا وفي بعض ذلك أن خالدا أمر برأسه فجعل أثفيه لقدر حسب ما تقدم من نذره ذلك وكان من أكثر الناس شعرا فكانت القدر على رأسه فراحوا وإن شعره ليدخن وما خلصت النار إلى شواة رأسه
وعاتب أبو بكر خالدا لما قدم عليه في قتل مالك بن نويرة مع ما شهد له به أبو قتادة وغيره فاعتذر إليه خالد وزعم أنه سمع منه كلاما استحل به قتله فعذره أبو بكر وقبل منه
ورثا متمم بن نويرة أخاه مالكا بقصائد كثيرة منها قصيدته المشهورة المتخيرة في مراثي العرب التي يقول فيها
وكنا كندماني جذيمة حقبة

من الدهر حتى قيل لن نتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
الطويل
ويروى أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال لمتمم بن نويرة لوددت أني رثيت أخي زيدا بمثل ما رثيت به مالكا أخاك وكان زيد أصيب يوم اليمامة فقال له متمم يا أبا حفص والله لو علمت أن أخي صار حيث صار أخوك ما رثيته فقال عمر ما عزاني أحد عن أخي بمثل تعزيته
قصة مسيلمة الكذاب وردة أهل اليمامة
عن رافع بن خديج قال قدمت على النبي {صلى الله عليه وسلم} وفود العرب فلم يقدم علينا وفد أقسى قلوبا ولا أحرى أن يكون الإسلام لم يقر في قلوبهم من بني حنيفة
وقد تقدم ذكر قدوم مسيلمة في قومه وأنه ذكر لرسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال أما أنه ليس بشركم مكانا لما كانوا أخبروه به من أنهم تركوه في رحالهم حافظا لها
ويروى من حديث ابن عباس أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ذكر له مسيلمة قال عندما قدم في قومه لو جعل لي محمد الخلافة من بعده لاتبعته فجاءه رسول الله {صلى الله عليه وسلم} معه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ميتخه من نخل فوقف عليه ثم قال لئن أقبلت ليفعلن الله بك ولئن أدبرت ليقطعن الله دابرك وما أراك إلا الذي رأيت فيه ما رايت ولئن سألتني هذه الشظية لشظية من الميتخة التي في يده ما أعطيتكها وهذا ثابت يجيبك
قال ابن عباس فسألت أبا هريرة عن قول النبي {صلى الله عليه وسلم} ما أراك إلا الذي رأيت فيه ما رأيت قال كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فنفختهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والآخر باليمن قيل ما أولتهما يا رسول الله قال أولتهما كذابين يخرجان من بعدي
ولما انصرف في قومه إلى اليمامة ارتد عدو الله وادعى الشركة في النبوة مع النبي {صلى الله عليه وسلم} وقال للوفد الذين كانوا معه ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما أنه ليس بشركم مكانا ما ذاك إلا لما علم أني أشركت في الأمر معه وكتب إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم}

من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون
وقدم على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بهذا الكتاب رسولان لمسيلمة فقال لهما رسول الله {صلى الله عليه وسلم} حين قرآ كتابه فما تقولان أنتما قالا نقول كما قال فقال أما والله لولا أن الرسل ما تقتل لضربت أعناقكما ثم كتب إلى مسيلمة
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين
قال ابن إسحق وكان ذلك في آخر سنة عشر وذكر غيره أن ذلك كان بعد انصراف النبي {صلى الله عليه وسلم} من حجة الوداع ووقوعه في المرض الذي توفاه الله فيه فالله تعالى أعلم
وجد بعدو الله ضلاله بعد وفاة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وأصفقت معه حنيفة على ذلك إلا أفدادا من ذوي عقولهم ومن أراد الله به الخير منهم وكان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الرجال بن عنفوة له بإشراك النبي {صلى الله عليه وسلم} إياه في الأمر وكان من قصة الرجال أنه قدم مع قومه وافدا على النبي {صلى الله عليه وسلم} فقرأ القرآن وتعلم السنن
قال ابن عمر وكان من أفضل الوفد عندنا قرأ البقرة وآل عمران وكان يأتي أبيا يقرئه فقدم اليمامة وشهد لمسيلمة على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه أشركه في الأمر من بعده فكان أعظم على أهل اليمامة فتنة من غيره لما كان يعرف به
وقال رافع بن خديج كان بالرجال من الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير فيما نرى شيء عجيب خرج علينا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يوما وهو معنا جالس مع نفر فقال أحد هؤلاء النفر في النار قال رافع فنظرت في القوم فإذا بأبي
هريرة وأبي أروى الدوسي وطفيل بن عمرو الدوسي والرجال بن عنفوة فجعلت أنظر وأعجب وأقول من هذا الشقي فلما توفي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} رجعت بنو حنيفة فسألت ما فعل الرجال قالوا افتتن هو الذي شهد لمسيلمة على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أنه أشركه في الأمر من بعده فقلت ما قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فهو حق
قالوا وسمع الرجال يقول كبشان انتطحا فأحبهما إلينا كبشنا
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9