كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

عشورها علينا او ثمنا ويفعل ذلك أيضا متولي كمرك الاسكندرية ودمياط واسلامبول والشام فبذلك غلت اسعار البضائع من كل شئ لفحش هذه الامور وخصوصا في الاقمشة الشامية والحلبية والرومية المنسوجة من القطن والحرير والصوف فإن عليها بمفردها مكوسا فاحشة قبل نسجها وكان الدرهم الحرير في السابق بنصف فضة فصار الآن بخمسة عشر نصفا وما يضاف اليه من الاصباغ وكلف الصناع والمكوس المذكورة فبذلك بلغ الغية في غلو الثمن فيباع الثوب الواحد من القماش الشامي المسمى بالالاجة الذي كانت قيمته في السابق مائتي نصف فضة بألفين فضة مع ما يضاف اليه من ربح البائع وطمع التاجر والنعل الرومي الذي كان يباع بستين نصفا صار يباع بأربعمائة نصف والذراع الواحد من الجوخ الذي كان يباع بمائة نصف فضة بلغ في الثمن الى ألف نصف فضة وهكذا مما يستقصى تتبعه ولاتستقصى مفرداته ويتولى هذه الكمارك كل من يزايد فيها من أي ملة كان من نصارى القبط او الشوام والاروام ومن يدعى الاسلام وهم الاقل في الاشياء الدون والمتولي الآن في ديوان كمرك بولاق شخص نصراني رومي يسمى كرابيت من طرف طاهر باشا لأنه مختص بايراده واعوان كرابيت من جنسه وعنده قواسة اتراك يحجزون متاع الناس ويقبضون على المسلمين ويسجنونهم ويضربونهم حتى يدفعوا ما عليهم واذا عثروا بشخص اخفى عنهم شيئا حبسوه وضربوه وسبوه ونكلوا به والزموه بغرامة مجازاة لفعله والعجب أن بضائع المسلمين يؤخذ عشرها يعني من العشرة واحد وبضائع الافرنج والنصارى ومن ينتسب اليهم يؤخذ عليها من المائة اثنان ونصف وكذلك احدث عدة اشياء واحتكارات في كثير من البضائع مثل السكر الذي يأتي من ناحية الصعيد وزيادات في المكوس القديمة خلاف المحدثات وذلك أن من كان بطالا او كاسد الصنعة او قليل الكسب او خامل الذكر فيعمل فكرته في شيء مهمل مغفول عنه ويسعى الى الحضرة بواسطة المتقربين او بعرضحال يقول فيه أن الداعي للحضرة يطلب

الالتزام بالصنف الفلاني ويقوم للخزينه العامرة بكذا من الاكياس في كل سنة فاذا فعل تنبه المشار اليه فيعد بالانجاز ويؤخر اياما فتتسامع المتكالبون على امثال ذلك فيزيدون على الطالب حتى تستقر الزيادة على شخص اما هو وخلافه ويقيد اسمه بدفتر الروزنامة ويفعل بعد ذلك الملتزم ما يريده وما يقرره على ذلك الصنف ويتخذ له اعوانا وخدمة واتباعا يتولون استخلاص المقررات ويجعلون لانفسهم اقدار خارجة عن الذي ياخذه كبيرهم والذي تولى كبر ذلك وفتح بابه نصارى الاروام والارمن فتراسوا بذلك وعلت اسافلهم ولبسوا الملابس الفاخرة وركبوا البغال والرهوانات واخذوا بيوت الاعيان التي بمصر القديمة وعمروها وزخرفوها وعملوا فيها بساتين وجنائن وذلك خلاف البيوت التي لهم بداخل المدينة ويركب الواحد منهم وحوله وامامه عدة من الخدم والقواسة يطردون الناس من امامه وخلفه ولم يدعوا شيئا خارجا عن المكس حتى الفحم الذي يجلب من الصعيد والحطب السنط والرتم وحطب الذرة الذي كان يباع منه كل مائة حزمة بمائة نصف فلما احتكروه صار يباع كل مائة حزمة بالف ومائتي نصف وبسبب ذلك تشحطت اشياء كثيرة وغلت اثمانها مثل الجبس والجبر وكل ماكان يحتاج للوقود حتى الخبازين في الافران فاننا ادكنا الاردب من الجبس بثمانية عشر نصف فضة والان بمائتين واربعين نصفا وكذلك ادركنا القنطار من الجير بعشرة انصاف والان بمائة وعشرين والحال في الزيادة
ومنها أن الباشا شرع في عمارة قصر العيني وكان قد تلاشى وخربته العسكر واخذت اخشابه ولم يبق فيه الا الجدران فشرع في انشائة وتعميرة وتجديده على هذه الصورة التي هو عليها الآن على وضع الابنية الرومية
ومنها انه هدم سراية القلعة وما اشتملت عليه من الاماكن فهدم المجالس التي كانت بها والدواوين وديوان قايتباي وهو المقعد المواجه للداخل الى الحوش علو الكلار الذي به الاعمدة وديوان الغوري الكبير وما اشتمل عليه من المجالس التي كانت تجلس بها الافندية والقلفاوات ايام الدواوين

وشرع في بنائها على وضع آخر واصطلاح رومي واقاموا اكثر الابنية من الاخشاب ويبنون الاعالي قبل بناء السفل واسيع انهم وجدا مخبأت بها ذخائر الملوك مصر الاقدمين
ومنها أن الباشا ارسل لقطع الاشجار المحتاج اليها في عمل المراكب مثل التوت والنبق من جميع البلاد القبلية والبحرية فانبث المعينون لذلك في البلاد فلم يبقوا من ذلك الا القليل لمصانعة اصحابه بالرشا والبراطيل حتى يتركوا لهم ما يتركون فيجتمع بترسخانة الاخشاب لصناعة المراكب مع ما ينضم اليها من الاخشاب الرومية شيء عظيم جدا يتعدب منه الناظر من كثرته وكلما نقص منه شيء في العمل اجتمع خلافه اكثر منه
ومنها أن احمد أغا اخا كتخدا بك لما تقلد وكالة دار السعادة ونظارة الحرمين انضم اليه اباليس الكتبة لتحرير الايراد والمصرف وحصروا الاحكار المقررة على الاماكن والاطيان التي اجرها النظار السابقون لمداد الطويلة وجعلوا عليها قدرا من المال يقبض في كل سنة لجة وقف اصله على عادة مصر السابقة واللاحقة في استئجار الاوقاف من نظارها والاطيان والاماكن المستاجرة من اوقاف الحرمين وتوابعها كالدشيشة والخاصكية والمحمدية والمرادية وغير ذلك كثير جدا ففتحوا هذا الباب وتسلطوا على الناس في طلب ما بايديهم من السندات والحج التأجرات فاذا اطلعوا عليها فلايخلو اما أن تكون المدة قد انقضت ومضت او بقي منها بقية من السنين فإن كان بقي منها بقية زادوا في الاجرة المؤجلة التي هي الحكر مثلها او مثليها بحسب حال المحل ورواجه وان كانت المدة قد انقضت ومضت استولوا على حين المحل وضبطوه وجددوا له تاجرا وزادوا في حكره ويكون ذلك لمصلحة جسيمة وعلى كلتا الحاللاين لا بد من التغريم والمصالحات الجوانية والبرانية للكتاب والمباشرين والخدم والمعينين ثم المرافعة الى القاضي ودفع المحاصيل والرسوم والتسجيل وكتابة السندات التي يأخذها واضع اليد

ومنها التحجير على الاجراء والمعمرين المستعملين في الابنية والعمائر مثل البنائين والنجارين والنشارين الخراطين والزامهم في عمائر الدولة بمصر وغيرها بالاجارة والتسخير واختفى الكثير منهم وابطل صناعته واغلق من له حانوت حانوته فيطلبه كبير حرفته الملزم بإحضاره عند معمار باشا فاما انه يلازم الشغل او يفتدي نفسه او يقيم بدلا عنه ويدفع له الاجرة من عنده فترك الكثير صناعته واغلق حانوته وتكسب بحرفة اخرى فتعطل بذلك احتياجات الناس في التعمير والبناء بحيث أن من اراد أن يبني له كانونا او مزودا لدابته تحير في امره واقام اياما في تحصيل البناء وما يحتاجه من الطين والجير والقصر مل وكان الباشا اشترى ألف حمار وعملوا لها مزابل واعدوها لنقل اتربة عمائر وشيل القصرمل من مستوقدات الحمامات بالمدينةوبولاق ونودي في المدينة بمنع الناس كافة عن اخذ شئ من القصرمل فكان الذي تلزمه الضرورة لشيء منها ان كان قليلا اخذه كالسرقة في الليل من المستوقد بأغلى ثمن وان كان كثيرا لايأخذه الا بفرمان بالاذن من كتخدا بك بعد أن كان شيئا مبتذلا وليس له قيمة ينقلونه اذا كثر بالمستوقدات الى الكيمان بالاجرة وان احتاجه الناس في ابنيتهم اما نقلوه على حميرهم او نقله خدمة المشتوفد بأجرتهم كل فردين بنصف واقل وازيد ونحو ذلك كما اذا اضاع لانسان مفتاح خشب لايجد نجارا يصنع له مفتاحا آخر الا خفية ويطلب ثمنه خمسة عشر نصف فضة وكان من عادة المفتاح نصف فضة ان كان كبير او نصف نصف ان كان صغيرا
ومنها أن الذي التزم بعمل البارود قرر على نفسه مائتي كيس او احتكر جميع لوازمه مثل الفحم وحطب الترمس والذرة والكبريت فقرر كل صنف من ذلك قدرا من الاكياس وابطل الذين كانوا يعملون في السباخ بالكيمان ويستخرجون منه ملح البارود ثم يؤخذ منهم عبيطا الى المعمل فيكررونه حتى يخرج ملحا ابيض يصلح للعمل وهي صناعة قذرة ممتهنة فابطلهم منها وبنى احواضا بدلا عن الصناديق وجعلها متسعة وطلاها بالخافقي وعمل ساقية واجرى الماء منها الى تلك الاحواض واوقف

العمال لذلك بالاجرة يعملون في السباخ المذكور
ومنها شحة الحطب الرومي في هذه السنة واذا ورد منه شيء حجزه الباشا لاحتياجاته فلايرى الناس منه شيئا فكان الحطابة يبيعون بدله خشب الاشجار المقطوعة من القطر المصري وافضلها السنط فيباع منه الحملة بثلثمائة نصف فضة واجرة حملها عشرة وتكسيرها عشرة وعز وجود الفحم أيضا حتى بيعت الاقة بعشرين نصفا وذلك لانقطاع الجالب الا ما ياتي قليلا من ناحية الصعيد مع العسكر يتسببون فيه ويبيعونه بأغلى ثمن كل حصيرة باثني عشر قرشا وهي دون القنطار وكانت تباع في السابق بستين نصفا وهي قرش ونصف غير ذلك امور واحداثات واتبداعات لايمكن استقصاؤها ولم يصل الينا خبرها اذ لايصل الينا الا ما تعلقت به اللوازم والاحتياجات الكلية وقد يستدل بالبعض على الكل واما من مات في هذه السنة ممن له ذكر فمات الشيخ الامام العلامة والنحرير الفهامة الفقيه الاصولي النحوي شيخ الاسلام والمسلمين الشيخ عبد الله بن حجازي بن ابراهيم الشافعي الازهري الشهير بالشرقاوي شيخ الجامع الازهر ولد ببلدة تسمى الطويلة بشرقية بلبيس بالقرب من القرن في حدود الخمسين بعد المائة وتربى بالقرين فلما ترعرع وحفظ القرآن قدم الى الجامع الازهر وسمع الكثير من الشهابين الملوي والجوهري والحفني واخيه يوسف الدمنهوري والبليدي وعطية الاجهوري ومحمد الفارسي وعلي المنسفيسي الشهير بالصعيدي وعمر الطحلاوي وسمع الموطأ فقط على علي بن العربي الشهير بالسقاط وبآخره تلقن بالسلوك والطريقة على شيخنا الشيخ محمود الكردي ولازمه وحضر معنا في اذكاره وجمعياته ودرس الدروس بالجامع الازهر وبمدرسة السنانية بالصنادقية وبرواق الجبرت والطيبرسية وافتى في مذهبه وتميز في الالقاء والتحرير وله مؤلفات داله على سعة فضله من ذلك حاشيته على التحرير وشرح نظم يحيى العمريطي وشرح العقائد المشرقية والمتن له أيضا وشرح مختصر في العقائد

والفقه والتصوف مشهور في بلاد داغستان وشرح رسالة عبد الفتاح العادلي في العقائد ومختصر الشمائل وشرحه له ورسالة في لا اله الا الله ورسالة في مسئلة اصولية في جمع الجوامع وشرح الحكم والوصايا الكردية في التصوف وشرح ورد سحر للبكري ومختصر المغني في النحو وغير ذلك ولما اراد السلوك في طريق الخلوتيه ولقنه الشيخ الحفني الاسم الاول حصل له وله اختلال في عقله ومكث بالمارستان اياما ثم شفى ولازم الاقراء والافادة ثم تلقن من شيخنا الشيخ محمود الكردي وقطع الاسماء عليه والبسه التاج وواظب على مجالسته وكان في قلة من خشونة العيش وضيق المعيشة فلا يطبخ في داره الا نادرا وبعض معارفه يواسونه ويرسلون اليه الصحفة من الطعام او يدعونه ليأكل معهم ولما عرفه الناس واشتهر ذكره فواصله بعض تجار الشوام وغيرهم بالزكوات والهدايا والصلات فراج حاله وتجمل بالملابس وكبر تاجه ولما توفي الشيخ الكردي كان المترجم من جملة خلفائه وضم اليه اشخاصا من الطلبة والمجاورين الذين يحضرون في درسه يأتون اليه كل ليلة عشاء يذكرون معه ويعمل لهم في بعض الاحيان ثريدا ويذهب بهم الى بعض البيوت في مياتم الموتى وليالي السبح والجمع المعتادة ومعهم منشدون ومولهون ومن يقرا الاعشار عند ختم المجلس فياكلون العشاء ويسهرون حصة من الليل في الذكر والانشاد والتوله وينادون في انشادهم بقولهم يابكرى مدد يا حفني مدد يا شرقاوي مدد ثم ياتون اليهم بالطارى وهو الطعام بعد انقضاء المجلس ثم يعطونهم أيضا دراهم ثم اشترى له دار بحارة كتامة المسماة بالعينية وساعده في ثمنها بعض من يعاشره من المياسير وترك الذهاب الى البيوت الا في النادر واستمر على حالته حتى مات الشيخ احمد العروسي فتولى بعده مشيخة الجامع الازهر فزاد في تكبير عمامته وتعظيمها حتى كان يضرب بعظمها المثل وكانت تعارضت فيه وفي الشيخ مصطفى الصاوي ثم حصل الاتفاق على المترجم وان الشيخ الصاوي يستمر في وظيفة التدريس بالمدرسة

الصلاحية المجاورة لضريح الامام الشافعي بعد صلاة العصر وهي من وظائف مشيخة الجامع ولما تولاها الشيخ العروسي تعدى على الوظيفة المذكورة والشيخ محمد المصيلحي الضرير وكان يرى في نفسه انه احق بالمشيخة من العروسي فلم ينازعه فيها حسما للشر فلما مات المصيلحي تنزه عنها العروسي واجلس فيها الصاوي وحضر درسه في اول ابتدائه لكونه من خواص تلامذته فلما مات العروسي وتولى المترجم المشيخة اتفقوا على بقاء الصاوي في الوظيفة ومضى على ذلك اشهر ثم أن المجتمعين على الشرقاوي وسوسوا له وحرضوه على اخذ الوظيفة وان مشيخته لاتتم الا بها وكان مطواعا فكلم في ذلك الشيخ محمد ابن الجوهري وايوب بك الدفتردار ووافقاه على ذلك واغتر بهما وذهب بجماعته ومن انضم اليهم وهم كثيرون وقرا بها درسا فلم يحتمل الصاوي ذلك وتشاور مع ذوي الرأي والمكايد من رفقائه كالشيخ بدوي الهيتمي واضرابه فبيتوا امرهم وذهب الشيخ مصطفى الى رضوان كتخدا ابراهيم بك الكبير وله به صداقة ومعاملة ومقارضه فسامحه في مبلغ كان عليه له فعند ذلك اهتم رضوان كتخدا المذكور وحضر عند الشرقاوي وتكلم معه وافحمة ثم اجتمعوا في ثاني يوم ببيت الشرقاوي وحضر الصاوي وعزوته وباقي الجماعة فقال الشرقاوي اشهدوا ياجماعة أن هذه الوظيفة استحقاقي وانا نزلت عنها الى الشيخ مصطفى الصاوي فقال له الصاوي ارجع اما الآن فلا ولا جميلة لك الآن في ذلك وباكته بكلام كثير وبانفاذه لرأي من حوله وغير ذلك وانفض المجلس على منعه من الوظيفة واستمرار الصاوي فيها الى أن مات فعادت الى المترجم عند ذلك من غير منازع فواظب الاقراء فيها مدة وطالب سدنة الضريح بمعلومها فماطلوه فتشاجر معهم وسبهم فشكوه للمعاضدين لهم وهم اهل المكايد من الفقهاء وغيرهم وتعصبوا عليه وانهوا الى الباشا وضموا الى ذلك اشياء حتى اغروا عليه صدره واتفقوا على عزله من المشيخة ثم انحط الامر على أن يلزم داره ولايخرج

منها ولايتداخل في شيء من الاشياء فكان ذلك اياما ثم عفا عنه الباشا بشفاعة القاضي فركب وقابله ولكن لم يعد الى القراءة في الوظيفة بل استناب فيها بعض الفقهاء وهو الشيخ محمد الشبراويني ولما حضرت الفرنساوية الى مصر في سنة ثلاث عشرة ومائتين والف ورتبوا ديوانا لاجراء الاحكام بين المسلمين جعلوا المترجم رئيس الديوان وانتفع في ايامهم بما يتحصل اليه من المعلوم المرتب له عن ذلك وقضايا وشفاعات لبعض الاجناد المصرية وجعالات على ذلك واستيلاء على تركات ودائع خرجت اربابها في حادثة الفرنساوية وهلكوا واتسعت عليه الدنيا وزاد طمعه فيا واشترى دار ابن بيرة بظاهر الازهر وهي دار واسعة من مساكن الامراء الاقدمين وزوجته بنت الشيخ علي الزغفراني هي التي تدبر امره وتحرز كل ما يأتيه ويجمعه ولا يروح ولا يغدو الا عن امرها ومشورتها وهي ام سيدي علي الموجود الآن وكانت قبل زواجه بها في قلة من العيش فلما كثرت عليه الدنيا اشترت الاملاك والعقار والحمامات والحوانيت بما يغل ايراده مبلغا في كل شهر له صورة وعمل مهما لزواج ابنه المذكور في ايام محمد باشا خسروسنة سبع عشرة ومائتين والف ودعا اليه الباشا وعيان الوقت فاجتمع اليه شيء كثير من الهدايا ولما حضر اليه الباشا انعم على ابنه باربعة اكياس عنها ثمانون ألف درهم وذلك خلاف البقاشيش واتفق للمترجم في ايام الامراء المصرية أن طائفة المجاورين بالازهر من الشرقاويين يقطنون بمدرسة الطيبرسية بباب الازهر وعمل لهم المترجم خزائن برواق معمر فوقع بينهم وبين المجاورين بها مشاجرة فضربوا نقيب الرواق فتعصب لهم الشيخ ابراهيم السجيني شيخ الرواق على الشرقاويين ومنعوهم من الطيبرسية وخزائنها وقهروا المترجم وطائفته فتوسط بامراة عمياء فقيهة تحضر عنده في درسه الى عديلة هانم ابنة ابراهيم بك فكلمت زوجها ابراهيم بك المعروف بالوالي بأن يبني له مكانا خاصا بطائفته فأجابه الى ذلك واخذ سكنا امام الجامع المجاور لمدرسة الجوهرية من غير ثمن واضاف

اليه قطعة اخرى وانشأ ذلك رواقا خاصا بهم ونقل اليه الاحجار والعامود والرخام الذي بوسطة من جامع الملك الظاهر بيبرس خارج الحسينية وهو تحت نظر الشيخ ابراهيم السجيني ليكون ذلك نكاية له نظير تعصبه عليه وعمل به قوائم وخزائن واشترى له غلال من جريات السون واضافها الى اخباز الجامع وادخلها في دفتره يستلمها خباز الجامع ويصرفها خبز قرصه لاهل ذلك الرواق في كل يوم ووزعها على الانفار الذين اختارهم من اهل بلاده ومما اتفق للمترجم أن بخارج باب البرقية خانكاه انشأتها خوند طغاي الناصرية بالصحراء على يمنة السالك الى وهدة الجبانة المعروفة الان بالبستان وكان الناظر عليها شخص من شهود المحكمة يقال له ابن الشاهيني فلما مات تقرر في نظيرها المترجم واستولى على جهات ايرادها فلما ولج الفرنساوية اراضي مصر واحدثوا القلاع فوق التلول والاماكن المستعلية حوالي المدينة هدموا منارة هذه الخانكاه وبعض الحوائط الشمالية وتركوها على ذلك فلما ارتحلوا عن ارض مصر بقيت على وضعها في التخرب وكانت ساقيتها تجاه بابها في علوة يصعد اليها بمزلقان ويجري الماء منها الى الخانكاه على حائط مبنى وبه قنطرة يمر من تحتها المارون وتحت الساقية حوض لسقي الدواب وقد ادركنا ذلك وشاهدنا دوران الثور في الساقية ثم أن المترجم ابطل تلك الساقية وبنى مكانها زاوية وعمل لنفسه بها مدفنا وعقد عليه قبة وجعل تحتها مقصورة بداخلها تابوت عال مربع وعلى اركانه عساكر فضة وبنى بجانبها قصرا ملاصقا لها يحتوي على اروقة ومساكن ومطبخ وكلار وذهبت الساقية في ضمن ذلك وجعلها بئر وعليه خرزة يملؤن منها بالدلو ونسيت تلك الساقية وانطمست معالمها وكأنها لم تكن وقد ذكر هذه الخانكاه العلامة المقريزي في خططه عند ذكر الخوانك لابأس بإيراد ما نصه للمناسبة فقال خانكاه ام انوك هذه الخانكا خارج باب البرقية بالصحراء انشأتها الخاتون طغاي تجاه تربة الامير طاشتمر الساقي فجاءت من اجل المباني وجعلت بها صوفية وقراء ووقفت عليها

الاوقاف الكثيرة وقررت لكل جارية من جواريها مرتبا يقوم بها ثم ترجمها بقوله طغاي الخوندة الكبرى زوج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وام ابنه الامير آنوك كانت من جملة امائه فأعتقها وتزوجها ويقال انها اخت الامير آفبغا عبد الواحد وكانت بديعة الحسن باهرة الجمال من السعادة مالم يره غيرها من نساء ملوك الترك بمصر وتنعمت في ملاذ ما وصل سواها لمثلها ولم يدم السلطان على محبة امرأة سواها وصارت خوندة بعد ابنة توكاي اكبر نسائه حتى من ابنه الامير تنكز وحج بها القاضي كريم الدين الكبير واحتفل بامرها وحمل لها البقول في محايرطين على ظهور الجمال واخذ لها الابقار الحلابة فسارت معها طول الطريق لاجل اللبن الطري و الجبن وكان يقلي لها الجبن في الغداء والعشاء وناهيك بمن وصل الى مداومة البقل والجبن واللبن في كل يوم بطريق الحج فما عساه يكون بعد ذلك وكان القاضي كريم الدين وامير مجلس وعدة من الامراء يترجلون عند النزول ويسيرون بين يدي محفتها ويقبلون الارض لها كما يفعلون بالسلطان ثم حج بها الامير بشتاك في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وكان الامير تنكز اذا جهز من دمشق تقدمة للسلطان لابدان يكون لخوند طغاي منها جزء وافر فلما مات السلطان الملك الناصر استمرت عظمتها من بعده الى أن ماتت في شهر شوال سنة تسع واربعين وسبعمائة ايام الوباء عن ألف جارية وثمانين خصيا واموال كثيرة جدا وكانت عفيفة طاهرة كثيرة الخير والصدقات والمعروف جهزت سائر جواريها وجعلت على قبر ابنها بقبة المدرسة الناصرية بين القصرين قراء ووقفت على ذلك وقفا وجعلت من جملته خبزا يفرق على الفقراء ودفنت بهذه الخانكاه وهي من اعمر الاماكن الى يومنا هذا انتهى كلامه
يقول الحقير اني دخلت هذه الخانكاه في اواخر القرن الماضي فوجدت بها روحانية لطيفة وبها مساكن وسكان قاطنون بها وفيهم اصحاب الوظائف مثل المؤذن والوقاد والكناس والملاء ودخلت الى مدفن الواقفة وعلى قبرها

تركيبة من الرخام الابيض وعند رأسها ختمة شريفة كبيرة على كرسي بخط جليل وهي مذهبة وعليها اسم الواقفة رحمها الله تعالى فلوان الشيخ المترجم عمر هذه الخانكاه بدل هذا الذي ارتكبه من تخريبها لكان له بذلك منقبة وذكر حسن في حياته وبعد مماته وبالله التوفيق وللمترجم طبقات جمعها في تراجم الفقهاء الشافعية المتقدمين والمتأخرين من اهل عصره ومن قبلهم من اهل القرن الثاني عشر نقل تراجم المقتدمين من طبقات السبكي والاسنوى واما المتأخرون فنقلهم من تاريخنا هذا بالحرف الواحد واظن أن ذلك آخر تأليفاته وعمل تاريخا قبله مختصرا في نحو اربعة كراريس عند قدوم الوزير يوسف باشا الى مصر وخروج الفرنساوية منها واهداه اليه عدد في ملوك مصر وذكر في آخره خروج الفرنسيس ودخول العثمانية في نحو ورقتين وهو في غاية البرود وغلط فيه غلطات منها انه ذكر الاشرف شعبان ابن الامير حسن بن الناصر محمد بن قلاوون فجعله ابن السلطان حسن ونحو ذلك ولم يزل المترجم حتى تعلل ومات في يوم الخميس ثاني شهر شوال من السنة وصلى عليه بالازهر في جمع كثير ودفن بمدفنه الذي بناه لنفسه كما ذكر ووضعوا له تابوته المذكور عمامة كبيرة اكبر من طبيزيته التي كان يلبسها في حياته بكثير وعموها بشاش اخضر وعصبوها بشال كشميري احمر ووقف شخص عند باب مقصورته وبيده مقرعة يدعو الناس لزيارته ويأخذ منهم دراهم ثم أن زوجته وابنها ومن يلوذ بهم ابتدعوا له مولدا وعيدا في ايام مولد العفيفي وكتبوا بذلك فرمانا من الباشا ونادى به تابع الشرطة بأسواق المدينة على الناس بالاجتماع والحضور لذلك المولد وكتبوا اوراقا ورسائل للاعيان واصحاب المظاهر وغيرهم بالحضور وذبحوا ذبائح واحضروا طباخين وفراشين مدوا اسمطة بها انواع الاطعمة والحلاوات والمحمرات والخشافات لمن حضر من الفقهاء والمشايخ والاعيان وارباب الاشارير والبدع ونصبوا قالبة تلك القبة صواري علقوا بها قناديل وبيارق وشراريب حمرا وصفرا يلوحها

الريح واجتمع حول ذلك من غوغاء الناس وعملوا قهاوي وبياعين الحلو والمخللات والترمس المملح والفول المقلي ودهسوا ما بتلك البقعة من قبور الاموات واوقدوا بها النيران وصبوا عليها والقاذورات مع مايلحقهم من البول والغائط واما ضجة الاوباش والاولاد وصراخهم وفرقعتهم بالبارود وصياحهم وضجيجهم فقد شاهدنا به ما كنا نسمعه من عفاريت الترب وضرب المثل بهم فهم اقبح منهم فإن العفاريت الحقيقية لم نر لهم افعالا مثل هذه
ولما مات الشيخ المترجم ومضى على موته ثلاثة ايام اجتمع المشايخ في يوم الاحد خامسه وطلعوا الى القعلة ودخلوا الى الباشا وذكروا له موت المترجم ويستأذنوه فيمن يجعلونه شيخا على الازهر فقال لهم الباشا اعملوا رأيكم واختاروا شخصا يكون خاليا عن الاغراض وانا اقلده ذلك فقاموا من مجلسه ونزلوا الى بيوتهم واختلفت آراؤهم فالبعض اختار الشيخ المهدي والبعض ذكر الشيخ محمد الشنواني واما الشيخ محمد الامير فانه امتنع من ذلك وكذلك ابن الشيخ العروسي والشيخ الشنواني المذكور منعزل عنهم وليس له درس بالازهر ويقرأ دروسه بجامع الفاكهاني الذي في العقادين وبيده وظائف خدم الجامع وعند فراغه من الدروس يغير ثيابه ويكنس المسجد ويغسل القناديل ويعمرها بالزيت والفتائل حتى يكنس المراحيض فلما بلغه انهم ذكروه تغيب ثم أن الباشا امر القاضي وهو بهجة افندي بأن يجمع المشايخ عنده ويتفقوا على شخص يجتمع رأيهم عليه بالشرط المذكور فارسل اليهم القاضي وجمعهم وذلك في يوم الثلاثاء سابعه وحضر فقهاء الشافعية مثل القويسني والفضالي وكثير من المجاورين والشوام والمغاربة فسأل القاضي هل بقي احد فقالوا لم يكن احد غائبا عن الحضور الا ابن العروسي والهيثمي والشنواني فأرسلوا اليهم فحضر العروسي والهيثمي فقال واين الشنواني فلا بد من حضوره فأرسلوا رسولا فغاب ورجع وبيده ورقة ويقول الرسول انه له ثلاثة

ايام غائبا عن داره وترك هذه الورقة عند اهله وقال أن طلبوني اعطوهم هذه الورقة فاخذها القاضي وقرأها جهارا يقول فيها بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم لحضرة شيخ الاسلام اننا نزلنا عن المشيخة للشيخ بدوي الهيثمي الى آخر ما قال فعندما سمع الحاضرون ذلك القول قاموا قومة واكثرهم طائفة الشوام وقال بعضهم هو لم يثبت له مشيخة حتى انه ينزل عنها لغيره وقال كبارهم من المدرسين لايكون شيخا الا من يدرس العلوم ويفيد الطلبة وزادوا في اللغط فقال القاضي ومن الذي ترضونه فقالوا نرضى الشيخ المهدي وكذلك قال البقية وقاموا وصافحوه وقراوا الفاتحة وكتب القاضي اعلاما الى الباشا بما يحصل وانفض الجمع وركب الشيخ المهدي الى بيته في كبكبة وحوله وخلفه المشايخ وطوائف المجاورين وشربوا الشربات واقبلت عليه الناس للتهنئة وانتظر جواب الاعلام بقية ذلك اليوم فلم يأت الجواب ومضى اليوم الثاني والمدبرون يدبرون شغلهم واحضروا الشيخ الشنواني من المكان الذي كان متغيبا فيه بمصر القديمة وتمموا شغلهم واحضروا السيد منصور اليافاوي المنفصل عن مشيخة الشوام ليلا ليعيدوه الى مشيخة الشوام ويمنعوا الشيخ قاسما المتولي فعالة ولطائفته الذين تطاولوا في مجلس القاضي بالكلام وجمعوا بقية المشايخ آخر الليل وركبوا في الصباح الى القلعة فقابلوا الباشا فخلع على الشيخ محمد الشنواني فروة سمور وجعله شيخا على الازهر وكذلك على السيد منصور اليافاوي ليكون شيخا على رواق الشوام كما كان في السابق ثم نزلوا وركبوا وصحبتهم آغات الينكجرية بهيئة الموكب وعلى راسه المجوزة الكبيرة وامامه الملازمون بالبراقع والريش على روؤسهم وما زالوا سائرين حتى دخلوا حارة خوشقدم فنزلوا بدار ابن الزليجي لان دار ذات الشيخ الشنواني صغيرة وضيقة لاتسع ذلك الجمع والذي انزله في ذلك المنزل السيد محمد المحروقي وقام له بجميع الاحتياجات وارسل من الليل الطباخين

والفراشين والاغنام والارز والحطب والسمن والعسل والسكر والقهوة واوقف عبيده وخدمه لخدمة القادمين للسلام والتهنئة ومناولة القهوة والشربات والبخور وماء الورد وازدحمت الناس عليه واتوا افواجا اليه وكان ذك يوم الثلاثاء رابع عشره ووصل الخبر الى الشيخ المهدي ومن معه وحصل لهم كسوف وبطلت مشيخته ولما كان يوم الجمعة حضر الشيخ الجديد الى الازهر وصلى الجمعة وحضر باقي المشايخ وعملوا الختم للشيخ الشرقاوي وحصل ازدحام عظيم وخصوصا للتفرج على الشيخ الجديد وكأنه لم يكن طول دهره بينهم ولايلتفتون اليه وبعد فراغ الختم انشد المنشد قصيدة يرثي بها المتوفي من نظم الشيخ عبد الله العدوي المعروف بالقاضي وانفض الجمع
ومات الاستاذ المكرم بقية السلف الصالحين ونتيجة الخلف المعتقد الشيخ محمد المنكى ابا السعود ابن الشيخ محمد جلال بن الشيخ محمد افندي المكنى بأبي المكارم بن السيد عبدالمنعم بن السيد محمد المكنى بأبي السرور صاحب الترجمة بن السيد القطب الملقب بابي السرور البكري الصديقي العمري من جهة الام تولى خلافة سجادتهم في سنة سبع عشرة ومائتين والف عندما عزل ابن عمه السيد خليل البكري ولم تكن الخلافة في فرعهم بل كانت في اولاد الشيخ احمد بن عبد المنعم وآخرهم السيد خليل المذكور فلما حضرت العثمانية الى مصر واستقر في ولايتها محمد باشا خسروا سعي في السيد خليل الكارهون له وانهوا اليه فيه ورموه بالقبائح ومنها تداخله في الفرنسيس وامتزاجه بهم وعزلوه من نقابة الاشراف وردت للسيد عمر مكرم ولم يكتفوا بذلك وذكروا انه لايصلح لخلافة البكرية فقال الباشا وهل موجود في اولادهم خلافة قالوا نعم وذكروا المترجم فيمن ذكروه وانه قد طعن في السن وفقير من المال فقال الباشا الفقر لاينفي النسب وامر له بفرس وسرج وعباءة كعادة مركوبهم فاحضروه ه والبسوه التاج والفرجية وخلع عليه الباشا فروة سمور وانعم

عليه بخمسة اكياس وان يأخذ له فائظا في بعض الاقطاعات ويعفى من الحلوان وسكن بدار جهة باب الخرق وراج امره واشتهر 1 كره من حينئذ وسار سيرا حسنا مقرونا بالكمال جاريا على نسق نظامهم بحسب الحال ويتحاكم لديه خلفاء الطرائق الصورية واصحاب الاشاير البدعية كالاحمدية الرفاعية والبرهامية والقادرية فيفصل قوانينهم العادية وينتقل في اوائل شهر ربيع الاول الى داره بالازبكية بدرب عبد الحق فيعمل هناك وليمة المولد النبوي على العادة وكذلك مولد المعراج في شهر رجب بزاوية الدشطوطي خارج باب العدوى ولم يزل على حالته وطريقته مع انكسار النفس الى أن ضعفت قواه وتعلل ولازم الفراش فعند ذلك طلب الشيخ الشنواني وباقي المشايخ وعرفهم أن مرضه الذي هو به مرض الموت لأنه بلغ التسعين وزيادة وانه عهد بالخلافة على سجادتهم لولده السيد محمد لأنه بالغ رشيد والتمس منهم بأن يركبوا معه من الغد ويطلعوا الى القلعة ويقابلوا به الباشا فأجابوه الى ذلك وركبوا من الغد صحبته الى القعلة فخلع عليه الباشا فروة سمور ونزل على داره بالازبكية بدرب عبد الحق وتوفي المترجم في اواخر شهر شوال من السنة وحضروا بجنازته الى الازهر فصلوا عليه وذهبوا به الى القرافة ودفن بمشهد اسلافهم رحمه الله تعالى
ومات الاجل المكرم المذهب في نفسه النادرة في ابناء جنسه محمد افندي الودنلي الذي عرف بناظر المهمات ويعرف أيضا بطبل أي الاعرج لانه كان به عرج قدم الى مصر في ايام قدوم الوزير يوسف باشا وولاه محمد باشا خسرو كشوفية اسيوط ثم رجع الى مصر في ولاية محمد علي باشا فجعله ناظرا على مهمات الدولة وسكن ببيت سليمان افندي ميسوا بعطفة أبي كلبة بناحية الدرب الاحمر فتقيد بعمل الخيام والسروج واليرقات ولوازم الحروب فضاقت عليه الدار فاشترى بيت ابن الدالي باللبودية بالقرب من قنطرة عمر شاه وهي دار واسعة عظيمة متخربة هي

وما حولها من الدور والرباع والحوانيت فعمرها وسكن بها ورتب بها ورشات ارباب الأشغال والصنائع والمهمات المتعلقة بالدولة كسبك المدافع والجلل والقنابر والمكاحل والعربات وغير ذلك من الخيام والسروج ومصاريف طوائف العساكر الطبجية والعربجية والرماة وعمر ماحول تلك الدار من الرباع والحوانيت والمسجد الذي بجواره ومكتبا لاقراء الاطفال ورتب تدريسا في المسجد المذكور بعد العصر وقرر فيه السيد احمد الطحطاوي الحنفي ومعه عشرة من الطلبة ورتب لهم ألف عثماني تصرف لهم من الروزنامة وللأطفال وكسوتهم خلاف ذلك ويشتري في عيد الاضحى جواميس وكباشا يذبح منها ويفرق على الفقراء والموظفين ويرسل الى اصحابه عدة كباش في عيد الاضحية الى بيوتهم الكبش والكبشين على قدر مقاديرهم ويرسل في كل ليلة من ليالي رمضان عدة قصاع مملوءة بالثريد واللحم الى الفقراء بالجامع الازهر واتفق أن الباشا قصد تعمير المجراة والسواقي التي تنقل الماء من النيل الى القلعة وكانت قد تهدمت وتخربت وتلاشت وبطل عملها مدة سنين فأحضروا المعمارجية فهولوا عليه امرها واخبروه انها تحتاج خمسمائة كيس تنفق في عمارتها فعرض ذلك على المترجم فقال له انا اعمرها بمائة كيس قال كيف تقول قال بل بثمانين كيسا والتزم بذلك ثم شرع في عمارتها حتى اتمها على ماهي عليه الآن واهدى اليه رجال دولتهم عدة انوار معونة له فعمر أيضا سواقيها وادارها وجرى فيها الماء الى القلعة ونواحيها وانتفع بها أهل تلك الجهات ورخص الماء وكثر في تلك الاخطاط وكانوا قاسوا شدة من عدم الماء عدة سنين ومما عد من مناقبه أن القلقات المقيدين بالمراكز وأبواب المدينة كانوا يأخذون من الواردين والداخلين والخارجين والمسافرين من الفلاحين وغيرهم ومعهم اشياء او احمال ولو حطبا او برسيما او تبنا او سرجينا دراهم على كل شيء ولو امراة فقيرة معها او على رأسها مقطف من رجيع البهائم تبيعه في الشارع وتقتات بثمنه فيحجزونها ولا يدعونها تمر حتى تدفع لهم

نصف فضة ثم يأخذون أيضا من ذلك الشيء ويأخذون على كل حمل حمار او بغل او جمل نصف فضة واذا اشترى شخص من ساحل بولاق او مصر القديمة اردب غلة او حملة حطب لعياله اخذ منه المتقيدون عند قنطرة الليمون فإذا خلص منهم استقبله الكائنون بالباب الحديد وهكذا سائر الطرق التي يدخل منها المارة الى المدينة ويخرجون مثل باب النصر وباب الفتوح وباب الشعرية وباب العدوى وطرق الازبكية وباب القرافة والبرقية وطرق مصر القديمة فسعى المترجم بإبطال ذلك وتكلم مع الباشا وعرفه تضرر الناس وخصوصا الفقراء وهؤلاء المتقيدون لهم علائف يقبضونها من الباشا كغيرهم وهذا قدر زائد فرخص له في ابطال هذا الامر وكتب له بيورلدى بمنع هؤلاء المركوزين عن اخذ شيء من الناس جملة كافية وقيد بكل مركز شخصا من اتباعه لمراقبتهم واشاع ذلك في الناس فانكفوا وامتنعوا عن اخذ شيءمن عامة الناس وكانوا يجمعون من ذلك مقادير من الفضة العددية يتقاسمونها آخر النهار وذلك خلاف ما يأخذونه من الاشياء المحمولة كالجبن والزبد والخيار والقثاء وانواع البطيخ والفاكهة والبرسيم والاحطاب والخضارات وغير ذلك ومن مناقبه أيضا أن الجاويشية والقواسة الاتراك المختصين بخدمة الباشا والكتخدا كان من عوائدهم القبيحة انهم في كل يوم جمعة يلبسون احسن ملابسهم وينتشرون بالمدينة ويطوفون على بيوت الاعيان وارباب المظاهر واصحاب المناصب ويأخذون منهم البقاشيش ويسمونها الجمعية فما هو ألا أن يصطبح احد من ذكر ويجلس مجلسه ألا واثنان او ثلاثة عابرون عليه من غير استئذان فيقفون قبالته وبأيديهم العصي المفضضة فيعطيهم القرشين او الثلاثة بحسب منصبه ومقامه فاذا ذهبوا وانصرفوا حضر اليه خلافهم وهكذا ولا يرون في ذلك ثقلا ولا رذالة بل يرون أن ذلك من اللازمات الواجبة فلا يكفي احد المقصودين الخمسون قرشا او اقل او اكثر في ذلك اليوم تذهب سبهللا فكان منهم من ينقطع في حريمه ذلك اليوم او يتوارى ويتغيب عن منزله

فاذا صادفوه مرة اخرى ذاكروه فيما فاتهم في السابق فإما سامحوه وامتنوا عليه بتركها او طالبوه بها أا لم يكن ممن يخشوه فسعى أيضا المترجم مع الباشا في منعهم من ذلك
ومن مساويه انه اول من فتح باب الزيادة في متحصل الضربخانة حتى تنبه الباشا من ذلك الوقت لاهل الضربخانة واوقع بهم ما تقدم ذكره ومنها احداث المكس على اللبان والحناء والصمغ على ما قيل ومن ذا الذي نرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا أن تعد معايبه وبالجملة فمن رأس العين يأتي الكدر كما قاله الليث بن سعد لمما ساله الرشيد وقال له يا ابا الحرث ما صلاح امر زراعتها وجدبها وخصبها فبالنيل واما صلاح احكامها فمن رأس العين يأتي الكدر فقال له صدقت ذكر ذلك الحافظ بن حجر في المرحمة الغيثية في الترجمة الليثية وعلى كل فكان المترجم احسن من رأينا في هذه الدولة وكان قريبا من الخير وفعله مواظبا على الصلوات الخمس في اوقاتها ملازما على الاشتغال ومطالعة الكتب والممارسة في دقائق الفنون واقتنى كتبا كثيرة في سائر الفنون واستنباط الصنائع حتى انه صنع الجوخ الملون الذي يعمل ببلاد الافرنج ويجلب الى الآفاق ويلبسه الناس للتجمل وكان قل وجوده بمصر وغلا ثمنه فعمل عدة انوال ومناسج غريبة الوضع واحضر اشخاصا من النساجين فنسجوا الصوف بعد غزله مدات حددها لهم في الطول والعرض ثم بتسلمه رجال اعدهم لتخميره وتلبيده بالقلي والصابون منشورا ومطويا بكيفيات في اوقات وايام بماشرته لهم في العمل واشارته ثم يضعونه مطويا في احواض من خشب ثخين مزفت تمتلىء بالماء من ساقية صنعها لخصوص ذلك يصب منها الماء الى تلك الاحواض تديرها الاثوار وعلى تلك الاحواض مدقات شبيهة بمدقات الارز تتحرك في صعودها وهبوطها من ترس خاص يدور بدوران الساقية وما يفيض من ماء الاحواض يجرى الى بستان زرعه حول ذلك فيسقي ما به من الاشجار والمزارع فلا يذهب الماء هدرا ثم

يخرجونه بعد ذلك ويبردخونه ويصبغونه بانواع الاصباغ ويضعونه في مكبس كبير يقال له التخت صنعه لذلك وعند ذلك يتم عمله فكان الناس يذهبون للتفرج على ذلك لغرابته عندهم ثم حضر اليه شخص فرنساوي واشار عليه بإشارات في تغيير المدقات وافسد العمل واشتغل هو بكثرة المهمات فتكاسل عن اعادتها ثانيا وبطل ذلك وكان مع كثرة اشغاله ومصاريفه ليس كاتب بل يكتب ويحسب لنفسه وبين يديه عدة دفاتر لكل شيء دفتر مخصوص ولا يشغله شيء عن شيء ولما اتسعت دائرته وكثرت حاشيته واجتمعت فيه عدة مناصب مضافة لنظر المهمات مثل معمل البارود وقاعة الفضة ومدابغ الجلود وغير ذلك فكان كتخدا بك يحقد عليه في الباطن لامور بينهما حتى قيل أن نفسه طمحت في الكتخدائية فكان يتصدر في الامور والقضايا ويرافع ويدافع ويهزل مع الباشا ويضاحكه ويرادده ويدخل عليه من غير استئذان فلم يزل الكتخدا يلقي فيه الدسائس ويعمل معدل الاشغال التي تحت نظره ويعرف الباشا بما يتوفر من ذلك حتى نزعه من نظارة جميع المهمات وقلدها صالح كتخدا الرزاز
ومما نقمه عليه أن الكتخدا حضر لزيارة المشهد الحسيني في عصرية يوم من رمضان ثم ركب متوجها الى داره قبيل الغروب فصادف في طريقه عدة قصاع كبار مغطاءة تحملها الرجال فسأل عنها فعرفوه أن المترجم يرسلها في كل ليلة من ليالي رمضان الى فقراء الجامع الازهر وبها الثريد واللحم فامتعض من ذلك وعرف الباشا انه يؤلف الناس ويتوادد اليهم بأموالك ونحو ذلك واستمر المترجم بطالا نحو السنتين ولم يتضعضع ولم يظهر عليه تغير ونظامه ومطبخه على حاله وطعامه مبذول وراتبه جار وفي تلك المدة اشتغل بمطالعة الكتب والممارسة والمدارسة وعانى الحسابيات وصناعة التقويم حتى مهر في ذلك وعمل الدستور السنوي وما يشتمل عليه من تقويم الكواكب السيارة وتداخل التواريخ والاهلة والاجتماعات

والاستقبالات وطوالع التحاويل والنصبات ويصنع بيده أيضا الصنائع الفائقة مثل الظروف التي تاتي من بلاد الهند والافرنج والروم ويضع فيها الكتبة محاربهم واقلامهم فيصنعها اولا من الخشب الرقيق والقرطاس المقوم المتلاصق ويصبغها وينقشها بانواع الليق ويعيد على النقوشات بالسندروس المحلول ويضعها في صندوق من الزجاج صنعه لخصوص تلك الاشياء والقبورات وجفاف دهانها بحرارة الشمس المحجوب بالزجاج عن الهواء والغبار وعند تمامها تكون في غاية الحسن والظرافة والبهجة بحيث ر يشك من يراها بأنها من صناعة الهند او الافرنج المتقنين الصناعة وكان كلما سمع بشخص ذي معرفة لصناعة من الصنائع او المعارف اجتهد في تحصيلها وتلقيها عنه بأي وجه كان ولو ببذل الرغائب واعد بمنزله اماكن لاشخاص من ارباب المعارف ينزلهم فيها ويجري عليهم النفقات والكساوي حتى يجتني ثمار معارفهم وصنائعهم ويجتمع عنده في كل ليلة جمعة جماعة من القراء التي مسكانهم قريبة من داره فيذكر الله معهم حصة من الليل ثم يفرق فيهم دراهم ولما طال به الاهمال وفتور الاحوال والباشا قليل الاقامة بمصر واكثر ايامه غائب عنها فحسن بباله الرحلة من مصر الى الديار الرومية ويذهب الى بلاده فإستأذن الباشا عند وداعه وهو متوجه الى ناحية قبلي فأذن له واخذ في اسباب السفر فأرسل الكتخدا الى الباشا ودس اليه كلاما فأرسل بمنعه ويرتب له خروجا لمطبخه فتعوق عن السفر على غير خاطره وفي اوائل السنة حضرت اليه والدته وابنته وزوجها فانزلهم في دار تجاه داره واجرى عليهم ما يحتاجون اليه من النفقة فاتفق أن صهره المذكور حلف يمينا بالطلاق الثلاث وحنث فيه ففرق بينه وبين ابنته وطرده فشكاه الى كتخدا بك فكلمه في شانه فلم يقبل وقال لا يجوز ان حلل المحرم لاجلك واستمر صهره يتردد على الكتخدا ويلقي ما يلقيه في حقه من النميمة ويذكر له عنه في حقه ما يزيده غيضا وكراهة ويقول له انه يجمع اناسا في كل ليلة جمعة يقرأون ويدعون عليك وعلى

مخدومك وذكر له انه يقول لكم أن قصده السفر الى بلده وانما قصده السفر الى اسلامبول ليجتمع على مخدومه الاول لكونه تولى قبودان باشا ورياسة الدونانمة ويقول عندما اكون بدار السلطنة افعل وافعل واخبرهم بحقيقة هؤلاء وافاعيلهم وانقض عليهم امرهم وذكر له أيضا انه استخرج من احكام النجوم التى يعانيها أن الباشا يحصل له نكبة بعد مدة عربيه ويحصل ما يحصل من الفتن فيريد الخروج من مصر قبل وقوع ذلك ونحو ذلك فلما رجع الباشا من سفرته توسل المنرجم بالكتخدا في أن يأخذ له اذنا من الباشا بالسفر وهو لا يعلم سريرته ففاوض الباشا في ذلك والقى اليه ما القاه حتى اوغر صدره منه ثم رد عليه بقوله اني استاذنت الباشا فلم يسهل به مفارقتك وقال أن كان عن ضيق في المعيشة فأطلق له في كل شهر كيسين عنها اربعون ألف نصف فضة فلما قال له ذلك قال انا لا يكفيني هذا المقدار فان كان فيطلق لي خمسة اكياس فقال لم يرض بأزيد مما ذكرته لك وكل ذلك مخادعة من الكتخدا ليحقق ما حشده في صدر مخدومه وما زال يتردد في طلب الاذن حتى اذن له واضمر له القتل بعد خروجه من مصر فعند ذلك باع داره وما استجده حولها والبستان خارج قناطر السباع وما زاد عن حاجته من الاشياء والامتعة واشترى عبيدا وجواري وقضى لوازمه وسافر الى رشيد فعندما مضى من نزوله يومان او ثلاثة كتبوا الى خليل بك حاكم الاسكندرية مرسوما بقتله فبلغه خبر ذلك وهو بثغر رشيد فلم يصدقه وقال اي ذنب استوجب به القتل ولو اراد قتلي ما الذي يمنعه منه وانا عنده بمصر وانا سافرت بإذنه وودعته وقبلت يديه وطرفه واخذت خاطره وهو مبشوش معى كعادته فلما حصل بالاسكندرية واستقر بالسفينة ومضى ايام وهم ينتظرون اعتدال الريح والاذن من الحاكم بالاقلاع ووصل المرسوم الى خليل بك فأرسل اليه في وقت يدعوه ليتغدى معه في رأس التين ونظر الى خليل بك وهو واقف في انتظاره على بعد منه فوق علوة فاجاب وخرج

من السفينة فوصل اليه جماعة من العسكر واحاطوا به فتحقق عند ذلك ما كان بلغه وهو برشيد ونظر الى خليل بك فلم يره فقال امهلوني حتى اتوضا واصلي ركعتين وقام من حلاوة الروح والقى بنفسه في البحر فضربوا عليه بالرصاص واخرجوه وتمموا قتله واخرجوا صناديقه واخذوا ما فيها من الكتب لان الباشا ارسل بطلبها واخذ ما معه من المال والدراهم خليل بك فاعطى لولده جانبا منه واذن له بالسفر مع عياله وانقضى امر ه ووصلت الكتب الى سراية الباشا واودعت عند ولي خوجا وتبدد الكثير منها وفرق منها عدة على غير اهلها وكانت قتلته في اواخر شهر صفر من السنة والله اعلم

ثم دخلت سنة ثماني وعشرين ومائتين والف
استهل المحرم بيوم الاثنين سنة 1228
وفيه وصل الخبر من الجهة القبلية بان ابراهيم بك ابن الباشا قبض على احمد افندي ابن حافظ افندي الذي بيده دفاتر الرزق الاحباسية وشنقه وضرب قاسم افندي بن امين الدين كاتب الشهر عالقة قوية وكان والده اصحبهما معه ليباشرا معه الامور ويعرفاه الاحوال وكان قاسم افندي خصيصا به مثل الوزير والصاحب والنديم ورتب له الباشا في كل سنة ثمانين كيسا خلاف الخروج والكساوى وشرط عليه المناصحة في كشف المستورات وما يكون فيه تحصيل الاموال فكأنه قصر في كشف بعض الاشياء وارسل الى والده يعلمه بخيانته هو وكاتب الارزاق وانهما منهمكان في ملاذهما فأذن له في فعله بهما ما ذكر واخذ ما كانا جمعاه لانفسهما واظهر انه انما فعل بهما ذلك عقوبة على ارتكابهما المعصية
وفي عشرينه حضر ابراهيم بك المذكور الى مصر وفيه حصلت منافسة بين حسين افندي الروزنامجي وبين شخصين من كتابه وهما مصطفى افندي باش جاجرت وقيطاس افندي ولعل ذلك بإعراء باطني على حسين افندي فرفعا امرهما الى الباشا وعرفاه عن مصارف وامور يفعلها حسين افندي

ويحفيها عن الباشا وانه اذا حوسب على السنين الماضية يطلع عليه الوف من الاكياس فعندما سمع ذلك امرهما بمباشرة حسابه عن اربع سنوات متقدمة فخرجا من عنده واخذ صحبتهما مباشرا تركيا ونزلوا على حين غفلة بعد العصر وتوجهوا الى منزل اخيه عثمان افندي السرجي ففتحوا خزانة الدفاتر واخذوها بتمامها الى بيت ابن الباشا ابراهيم بك الدفتردار واجتمعوا في صبحها للمحاققة والحساب مع اخيه عثمان افندي المذكور واستمروا في المناقشة والمحاققة عدة ايام مع المرافعة والمدافعة والميل الكلي على حسين افندي ويذهبون كل ليلة يخبرون الباشا بما يفعلون وبالقدر الذي ظهر عليه فيعجبه ذلك ويثنى عليهما ويحرضهما على التدقيق فتنتفخ اوداجهما ويزيدان في الممانعة والمدافعة والمرافعة في الحساب وحسين افندي على جليته ويظن انه على عادته في كونه مطلق التصرف في الاموال الميرية ويبلغها اذا سئل فيها للقائم بالدولة ايرادا ومصرؤفا ليكون اجمالا لا تفصيلا لكونه امينا وعدلا وكان الايراد والمصرف محررا او مضبوطا في الدفاتر التى بايدي الافندية الكتاب ومن انضم اليهم من كتاب اليهود في دفاترهم أيضا بالعبراني لتكون كل فرقة شاهدة وضابطة على الاخرى فلما استقل هذا الباشا بمملكة الديار المصرية واستغول في تحصيل الاموال باي وجه واستحدث اقلام المكوس وجعلها في دفاتر تحت ايدي الافندية وكتبة الروزنامة فصارت من جملة الاموال الميرية في قبضها وصرفهاوتحويلها والباشا مرخى العنان للروزنامجي ومرخص له في الاذن والتصرف والروزنامجي كذلك مرخي العنان لاحد خواص كتابه المعروف باحمد اليتيم لفطانته ودرايته فكان هو المشار اليه من دون الجميع ويتطاول عليهم ويمقت من فعل فعلا دون اطلاعه وربما سبه ولو كان كبيرا او اعلى منزلة منه في فنه فيمتلىء غيظا وينقطع عن حضور الديوان فيهمله ولا يسال عنه والافندي الكبير لا يخرج عن رايه لكونه ساد امسد الجميع فدبروا على احمد افندي المذكور وحفروا له واغروا به حتى نكبه الباشا

وصادره في ثمانين كيسا ومخدومه حسين افندي في اربعمائة كيسا وانقطع احمد افندي عن حضور الديوان وتقدم المتأخر وضم الباشا الى ديوانهم من طرفه خليل افندي وسموه كاتب الذمة بمعنى انه لا يكتب تحويل ولا ورقة ميري ولا خلاف ذلك مما يسطر في ديوانهم حتى يطلع عليه خليل افندي المذكور ويرسم عليه علامته فاحاط علمه بجميع اسرارهم وكل قليل يستخبر منه الباشا فيحيطه بمعلوماته ولم يزل حتى تحول ديوانهم وانتقل الى بيت خليل افندي تجاه منزل ابراهيم بك ابن الباشا بالازبكية وتراس بالديوان قاسم افندي كاتب الشهر وقريبه قيطاس افندي ومصطفى افندي باش جاجرت وبعد مدة اشهر سافر ابراهيم بك واخذ صحبته قاسم افندي على الصورة المتقدمة والروزنامجي وولده محمد افندي يراعيان جانب رفيقية ولا يتعرضان لهما فيما يتصدران له ويضمانه في عهدتهما فلما وصل الخبر بنكبة ابراهيم بك لقاسم افندي فعند ذلك قصر معهما واظهر ان الروزنامجي مكمون غيظه في حقهما ومانعهما أيضا وخشن القول لهما فاتفقا على انهاء الحال الى باب الباشا ففعلا ما ذكر وكان حسين افندي عندما استأذن الباشا في صرف ما يتعلق بمشايخ العلم والافندية الكتبة والسيد محمد المحروقي بالكامل وما عداهم ربع استحقاقهم وكتب له فرمانا بذلك فقال له الروزنامجي في بعضهم من يستحق المراعاة كبعض اهل العلم الخاملين واهل الحرمين والمهاجرين ومستوطنين بمصر بعيالهم وليس لهم ايراد يتعيشون منه الا ما هو مرتب لهم من العلائف في كل سنة وكذلك بعض الملتزمين الذين اعتادوا سداد ما عليهم من الميري وبعضه بما لهم من الاتلافات والعلائف والغلال فقال له النظر في ذلك لرأيك فان هذا شىء يعسر ضبط جزئياته فاعتمد ذلك وطفق يفعل في البعض بالنصف والبعض بالثلث او الثلثين واما العامة والارامل فيصرف لهم الربع لا غير حسب الامر ويقاسمون في تحصيل ربع استحقاقهم الشدائد من السعي وتكرار الذهاب والتسويف والرجوع في

الاكثر من غير شيء مع بعد المسافة وفيهم الكثير من العواجز فلما ترافعوا في الحساب مانع المتصدر فيما زاد على الربع وطلع الى الباشا فعرفه بذلك فقال الباشا لا تخصموا له الا ما كان بأذني وفرماني وما كان بدون ذلك فلا وانكر الحال السأبق منه له وقال هو متبرع فيما فعله فتأخر عليه مبلغ كبير في مدة اربع سنوات وكذلك كان يحول عليه حوالات لكبار العسكر برسول من اتباعه فلا يسعه الممانعة ويدفع القدر المحول عليه بدون فرمان اتكالا على الحالة التى هو معه عليها فرجعوا عليه في كثير من ذلك وتاخر عليه مبلغ كبير أيضا فتمموا حساب سنة واحدة على هذا النسق فبلغت نحو الألف كيس فتمموا حساب سنة واحدة على هذا النسق فبلغت نحو الالف كيس والمائتي كيس وكسور تبلغ في الاربع سنوات خمسة آلاف كيس فتقلق حسين افندي وتحير في امره وزاد وسواسه ولم يجد مغيثا ولا شافعا ولا دافعا
وفي اواخره عمل الباشا مهما لختان ابن بونابارته الخازندار الغائب ببلاد الحجاز وعملوا له زفة في يوم الجمعة بعد الصلاة اجتمع الناس للفرجة عليه
وفيه ايضت زاد الارجاف بحصول الطاعون وواقع الموت منه بالاسكندرية فأمر الباشا بعمل كورنتينة بثغر رشيد ودمياط والبراس وشبرا وارسل الى الكاشف الذي بالبحيرة بمنع المسافرين المارين من البر وامر أيضا بقراءة صحيح البخاري بالازهر وكذلك يقرأون بالمساجد والزوايا سورة الملك والاحقاف في كل ليلة بنية رفع الوباء فاجتمعوا الا قليلا بالازهر نحو ثلاثة ايام ثم تركوا ذلك وتكاسلوا عن الحضور
وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف نحو ثلاثة ارباع الجرم وكانت الشمس في برج الدلو ايام الشتاء فاظلم الجو الا قليلا ولم ينتبه له كثير من الناس لظنهم انها غيوم متراكمة لأنهم في فصل الشتاء

واستهل شهر صفر بيوم الاربعاء سنة
فيه في اخريات النهار هبت ريح جنوبية غربية عاصفة باردة واستمرت لعصر يوم السبت وكانت قوتها يوم الجمعة اثارت غبارا اصفر ورمالا مع غيم مطبق وقتام ورش مطر قليل في بعض الاوقات
وفي يوم الثلاثاء سابعه وردت بشائر من البلاد الحجازية باستيلاء العساكر على جدة ومكة من غير حرب وذلك انه لما انهزمت الاتراك في العام الماضي ورجعوا على الصورة التى رجعوا عليها مشتتين ومتفرقين وفيهم من حضر من طريق السويس ومنهم من اتى من البر ومنهم من حضر من ناحية القصير ونفى الباشا من استعجل بالهزيمة والرجوع من غير امره ويخشى صولته ويرى في نفسه انه احق بالرياسة منه مثل صالح قوج وسليمان وحجو واخرجهم من مصر واستراح منهم ثم قتل احمد أغا لاظ جدد ترتيبا آخر عرفه كبراء العرب الذين استمالهم واندرجوا معه وشيخ الحويطات أن الذي حصل انما هو من العرب الموهبين وهم عرب حرب والصفراء وانهم مجهودون والوهابية لا يعطونهم شيئا ويقولون لهم قاتلوا عن دينكم وبلادكم فاذا بذلتم لهم الاموال واغدقتم عليهم بالانعام والعطاء ارتدو ورجعوا وصاروا معكم وملكوكم البلاد فاجتهد الباشا في جمع الاموال باي وجه كان واستأنف الطلب ورتب الامور واشاع الخروج بنفسه ونصب العرضي خارج بالموكب كما تقدم وجلس بالصيوان وقرر للسفر في المقدمة بونابارتة الخازندار واعطاه صناديق الاموال والكساوى وارفق معه عابدين بك ومن يصحبهما وواظب على الخروج الى العرضي والرجوع تارة الى القلعة وتارة الى الازبكية والجيزة وقصر شبرا ويعمل الرماحة والميدان في يومي الخميس والاثنين والمصاف على طرائف حرب الافرنج وسافر بونابارتة في اواخر شعبان واستمر العرضي منصوبا والطلب كذلك مطلوبا والعساكر واردة من بلادها على طريق الاسكندرية ودمياط ويخرج الكثير الى العرضى ويستمرون على

الدخول الى المدينة في الصباح لقضاء اشغالهم والرجوع اخريات النهار مع تعدي اذاهم للباعة والخمارة وغيرهم ولما غدر الباشا باحمد أغا لاظ وقتله في اواخر رمضان ولم يبق احد ممن يخشى سطوته وسافر عابدين بك في شوال وارتحل بعده بنحو شهر مصطفى بك داني باشا وصحبته عدة وافرة من العسكر ثم سافر أيضا يحيى أغا ومعه نحو الخمسمائة وهكذا كل قليل ترحل طائفة بعد اخرى والعرضي كما هو وميدان الرماحة كذلك ولما وصل بونابارته الى ينبع البر اخذوا في تأليف العربان واستمالتهم وذهب اليهم ابن شديد الحويطي ومن معه وتقابلوا مع شيخ حرب ولم يزالوا به حتى وافقهم وحضروا به الى بونابارتة فأكرمه وخلع عليه الخلع وكذلك على من حضر من اكابر العربان فألبسهم الكساوى والفراوى السمور والشالات الكشميري ففرق عليهم من الكشمير ملء اربع سحاحير وصب عليهم الاموال واعطى لشيخ حرب مائة ألف فرانسة عين وحضر باقي المكشايخ فخلع عليهم وفرق فيهم فخص شيخ حرب بمفرده ثمانية عشر ألف فرانسة ثم رتب لهم علائف تصرف لهم في كل شهر لكل شخص خمسة فرانسة وغرارة بقسماط وغرارة عدس فعند ذلك ملكوهم الارض والذي كان متأمرا بالمدينة من جنسهم فاستمالوه أيضا وسلم لهم المدينة وكل ذلك بمخامرة الشريف غالب امير مكة وتدبيره واشارته فلما تم ذلك اظهر الشريف غالب ارمره وملكهم مكة والمدينة وكان ابن مسعود الوهابي حضر في الموسم وحج ثم ارتحل الى الطائف وبعد رحيله فعل الشريف غالب فعله وسيلقى جزاءه ولما وصلت البشائر بذلك في يوم الثلاثاء سابعه ضربوا مدافع كثيرة ونودى في صبح ذلك بزينة المدينة ومصر وبولاق فزينوا خمسة ايام اولها الاربعاء وآخرها الاحد وقاسى الناس في ليالي هذه الايام العذاب الاليم من شدة البرد والصقيع وسهر الليل الطويل وكان ذلك في قوة فصل الشتاء وكل صاحب حانوت جالس فيها وبين يديه مجمرة نار يتدفأ ويصطلي بحرارتها وهو ملتف بالعباءة

والاكيسة الصوف او اللحاف وخرج الباشا من ليلة الاربعاء المذكور ونصبت الخيام وخرجت الجمال المحملة باللوازم من الفرش والاواني وازيار الماء والبارود لعمل الشنانك والحرائق وفي كل يوم يعمل مرماح وشنك عظيم مهول بالمدافع وبنادق الرصاص المتواصلة من غير فاصل مثل الرعود والطبول من طلوع الشمس الى قريب الظهر وفي اول يوم من ايام الرمي اصيب ابراهيم بك ابن الباشا برصاصة في كتفه اصابت شخصا من السواس ونفذت منه اليه وهي باردة فتعلل بسببها وخرج بعد يومين في عربة الى العرضى ثم رجع ولما كان يوم الاحد وقت الزوال ركب الباشا وطلع الى القلعة وقلعوا خيام الشنك وحملوا الجمال ودخلت طوائف العسكر واذن للناس بقلع الزينة ونزول التعاليق وكان الناس قد عمروا القناديل واشاعوا انها سبعة ايام فلما حصل الاذن بالرفع فكأنما نشطوا من عقال وخلصوا من السجون لما قاسوه من البرد والسهر وتعطيل الاشغال وكساد الصنائع والتكليف بما لا طاقة لهم به وفيهم من لا يملك قوت عياله او تعمير سراجه فيكلف مع ذلك هذه التكاليف وكتب الباشا بالبشائر الى دار السلطنة وارسلها صحبة امين جاويش وكذلك الى جميع النواحي وانعم بالمناصب على خواصه
وفي هذا الشهر وردت اخبار بوقوع امطار وثلوج كثيرة بناحية بحري وبالاسكندرية ورشيد بحدود الغربية والمنوفية والبحيرة وشدة برد ومات من ذلك اناس وبهائم والزروع البدرية وطف على وجه الماء اسماك موتى كثيرة فكان موج البحر يلقيه على الشطوط وغرق كثير من السفن من الرياح العواصف التى هبت في اول الشهر
وفي سابعه يوم وصول البشارة احضر الباشا حسين افندي الروزنامجي وخلع عليه خلعة الإبقاء على منصبه في الروزنامة وقرر عليه الفين وخمسمائة كيس وذلك انهم رافعوه في الحساب على الطريقة المذكورة ارسل اليه الباشا بطلب خمسمائة كيس من اصل الحساب فضاق خناقه ولم

يجد له شافعا ولا ذا مرحمة فارسل ولده الى محمود بك الدويدار يستجير فيه ليكون واسطة بينه وبين الباشا وهو رجل ظاهره خلاف باطنه فذهب معه الى الباشا فبش في وجهه ورحب به واجلسه محمود بك في ناحية من المجلس وتناجى هو مع الباشا ورجع اليه يقول له انه يقول أن الحساب لم يتم الى هذا الحين وانه ظهر على ابيك تاريخ امس خمسة ألاف كيس وزيادة وانا تكلمت معه وتشفعت عنده في ترك باقي الحساب والمسامحة في نصف المبلغ المذكور والكسور فيكون الباقي الفين وخمسمائة كيس تقومون بدفعها فقال ومن اين لنا هذا القدر العظيم وقد عزلنا من المنصب أيضا حتى كنا نتداين ولا يأمننا الناس اذا كان القدر دون هذا أيضا فرجع الى الباشا وعاد اليه يقول له لم يمكني تضعيف القدر سوى ما سامح فيه واما المنصب فهو عليكم وفي غد يطلع والدك ويتجدد عليه الابقاء وينكمد الخصم وعلى الله السداد ونهض وقبل يده وتوجه فنزل الى دارهم واخبر والده بما حصل فزاد كربه ولم يسعه الا التسليم وركب في صبحها وطلع الى الباشا فخلع عليه ونزل الى داره بقهره وشرع في بيع تعلقاته وما يتحصل لديه
وفي يوم الاثنين ثالث عشره خلع الباشا على مصطفى افندي ونزل الى داره واتاه الناس يهنؤنه بالمنصب
وفي يوم الأربعاء ثالث وعشرينه وردت بشائر بتملكهم الطائف وهروب المضايفي منها فعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها ثلاثة ايام في كل وقت اذان وشرع الباشا في تشهيل ولده اسماعيل باشا بالبشارة ليسافر الى اسلامبول وتاريخ تملكها في سادس عشرين المحرم
وفي هذه الايام ابتدعوا تحرير الموازين وعملوا لذلك ديوانا بالقلعة وامروا بابطال موازين الباعة واحضار ما عندهم من الصنج فيزنون الصنجة فان كانت زائدة او ناقصة اخذوها وابقوها عندهم وان كانت محررة الوزن ختموها بختم واخذوا على كل ختم صنجة ثلاثة انصاف فضة وهي

النصف اوقية والاوقية الى الرطل الذي يكون وزنه غير محور يعطونه رطلا من حديد ويدفع ثمنه مائة نصف فضة والنصف رطل خمسون وهكذا وهو باب ينجمع منه اكياس كثيرة
وفيه أيضا طلب الباشا من عرب الفوائد غرامة سبعين ألف فرانسة فعصوا ورمحوا بإقليم الجيزة واخذوا المواشى وشلحوا من صادفوه ورمح كاشف الجيزة عليهم فصادف منهم اباعر محملة امتعة لهم وصحبتهم نساء واولاد فأخذهم ورجع بهم
وفيه سافر ابراهيم بك ابن الباشا الى ناحية قبلي ووصلت الاخبار بوقوع الطاعون بالإسكندرية فاشتد خوف الباشا والعسكر مع قساوتهم وعسفهم وعدم مرحمتهم

واستهل شهر ربيع الاول بيوم الخميس سنة
فيه قلدوا شخصا يسمى حسين البرلي وهو الكتخدا عند الكتخدا بك وجعلوه في منصب بيت المال وعزلوا رجب أغا وكان انسانا سهلا لا بأس به فلما تولى هذا ارسل لجميع مشايخ الخطط والحارات وقيد عليهم بانهم يخبرونه بكل من مات من ذكر او انثى ولو كان ذا اولاد وورثة او غير ذلك وكذلك على حوانيت الاموات وارسل فرامانات الى بلاد الارياف والبنادر بمعنى ذلك
وفي يوم الاحد رابعه طلب الباشا حسين افندي الروزنامجي وطلب منه ما قرره عليه وكان قد باع حصصه واملاكه ودار مسكنه فلم يوف الا خمسمائة كيس فقال له مالك لم توف القدر المطلوب وما هذا التأخير وانا محتاج الى المال فقال لم يبق عندي شيء وقد بعت التزامي واملاكي وبيتي وتداينت من الربويين حتى اوفيت خمسمائة كيس وها انا بين يديك فقال له هذا كلام لا يروج علي ولا ينفعك بل اخرج المال المدفون فقال لم يكن عندي مال مدفون واما الذي اخبرك عنه فيذهب فيخرجه من محله فحنق منه وسيه ! وقبض على لحيته ولطمه على وجهه وجرد السيف ليضربه

فترجى فيه الكتخدا والحاضرون فامر به فبطحوه وامر القواسة الاتراك بضربه فضربوه بالعصي المفضضة التي بأيديهم بعد أن ضربه هو بيده عدة عصي وشج جبهته حتى اتو عليه ثم اقاموه والبسوه فروته وحملوه وهو مغشي عليه واركبوه حمارا واحاط به خدمه واتباعه حتى اوصلوه الى منزله وارسل معه جماعة من العسكر يلازمونه ولا يدعونه يدخل الى حريمه ولا يصل اليهم منه احد وركب في اثره محمود بك الدويدار بأمر الباشا وعبر داره ودار اخيه عثمان افندي المذكور واخذه صحبته الى القلعة وسجنوه واما ولده واخواه فانهم تغيبوا من وقت الطلب واختفوا ونزل في اليوم الثاني ابراهيم أغا آغات الباب يطالبه بغلاق ثمانمائة كيس وقتئذ فقال له وكيف احصل شيئا وانا رجل ضعيف واخي عثمان عندكم في الترسيم وهو الذي يعينني ويقضى اشغالي واخذتم دفاتري المختصة بأحوالي مع ما اخذتموه من الدفاتر فأقام عنده ابراهيم أغا برهة ثم ركب الى الباشا وكلمه في ذلك فأطلقوا له اخاه ليسعى في التحصيل
وفي حادي عشره عدى الباشا الى بر الجيزة بقصد السفر الى بلاد الفيوم واخذ صحبته كتبة مباشرين مسلمين ونصارى واشاع أن سفره الى الصعيد ليكشف على الاراضي وروكها وارتحل في ليلة الثلاثاء ثالث عشره بعد أن وجه ابنه اسمعيل الى الديار الرومية في تلك الليلة بالبشارة
وفي خامس عشرينه حضر لطيف أغا راجعا من اسلامبول وكان قد توجه ببشارة فتح الحرمين واخبروا أنه لما وصل الى قرب دار السلطنة خرج لملاقاته الاعيان وعند دخوله الى البلدة عملوا له موكبا عظيما مشى فيه اعيان الدولة واكابرها وصحبته عدة مفاتيح زعموا انها مفاتيح مكة وجدة والمدينة وضعها على صفائح من الذهب والفضة وامامها البخورات في مجامر الذهب والفضة والعطر والطيب وخلفهم الطبول والزمور وعملوا لذلك شنكا ومدافع وانعم عليه السلطان واعطاه خلعا وهدايا وكذلك اكابر الدولة وانعم عليه الخنكار بطوخين وصار يقال له لطيف باشا

وفيه وردت الاخبار بقدوم قهوجي باشا ومعه خلع واطواخ للباشا وعدة اطواخ بولايات لمن يختار تقليده فاحتفل الباشا به عندما وصلته اخباره وارسل الى امراء الثغور بالاسكندرية ودمياط بالاعتناء بملاقاته عند وروده على ثغر منها
وفيه حضر خليل بك حاكم الاسكندرية الى مصر فرارا من الطاعون لأنه قد فشا بها ومات اكثر عسكره واتباعه واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاحد سنة 1228
وفي ثامنه حضر الباشا على حين غفلة من الفيوم الى الجيزة واخبروا أنه لما وصل الى ناحية بني سويف ركب بغلة سريعة العدو ومعه بعض خواصه على الهجن والبغال فوصل الى الفيوم في اربع ساعات وانقطع اكثر المرافقين له ومات منهم سبعة عشر هجينا
وفي يوم الثلاثاء عاشره علموا مولدا المشهد الحسيني المعتاد وتقيد لتنظيمه السيد المحروقي الذي تولى النظارة عليه وجلس ببيت السادات المجاور للمشهد بعد أن اخلوه له وفي ذلك اليوم امر الباشا بعمل كورنتينة بالجيزة ونوه بأقامته بها وزاد به الخوف والوهم من الطاعون لحصول القليل منه بمصر وهلك الحكيم الفرنساوي وبعض النصارى اروام وهم يعتقدون صحة الكونتينة وانها تمنع الطاعون وقاضي الشريعة الذي هو قاضي العسكر يحقق قولهم ويمشي على مذهبهم ولرغبة الباشا في الحياة الدنيا وكذلك اهل دائرته وخوفهم من الموت يصدقون قولهم حتى انه اتفق انه مات بالمحكمة عند القاضي شخص من اتباعه فأمر بحرق ثيابه وغسل المحل الذي مات فيه وتخيره بالبخورات وكذلك غشل الاواني التي كان يمسها وبخورها و أمروا اصحاب الشرطة انهم يامرون الناس واصحاب الاسواق بالكنس والرش والتنظيف في كل وقت ونشر الثياب واذا ورد عليهم مكاتبات خرقوها بالسكاكين ودخنوها بالبخور قبل ورودها ولما عزم الباشا على كورنتينة الجيزة ارسل في ذلك اليوم بان

ينادوا بها على سكانها بان من كان يملك قوته وقوت عياله ستين يوما واحب الاقامة فليمكث بالبلدة والا فليخرج منها ويذهب ويسكن حيث اراد في غيرها ولهم مهلة اربع ساعات فانزعج سكان الجيزة وخرج من خرج واقام من اقام وكان ذلك وقت الحصاد ولهم مزارع واسباب مع مجاوريهم من اهل القرى ولا يخفى احتياجات الشخص لنفسه وعياله وبهائمه فمنعوا جميع ذلك حتى سدوا خروق السور والابواب ومنعوا المعادي مطلقا واقام الباشا ببيت الازبكية لا يجتمع بأحد من الناس الى يوم الجمعة فعدى في ذلك اليوم وقت الفجر وطلع الى قصر الجيزة واوقف مركبين الاولى ببر الجيزة والاخرى في مقابلتها ببر مصر القديمة فاذا ارسل الكتخدا او المعلم غالي اليه مراسلة ناولها المرسل للمقيد بذلك في طرف مزراق بعد تبخير الورقة بالشيخ واللبان والكبريت ويتناولها منه الآخر بمزراق آخر على بعد منهما وعاد راجعا فإذا قرب من البر تناولها المنتظر له أيضا بمزراق وغمسها في الخل وبخرها بالبخور المذكور ثم يوصلها لحضرة المشار اليه بكيفية اخرى فأقام اياما وسافر الى الفيوم ورجع كما ذكر وارسل مماليكه ومن يعز عليه ويخاف عليه من الموت الى اسيوط
وفي يوم السبت سابعه نودى بالأسواق بان السيد محمد المحروقي في شاه بندر التجار بمصر وله الحكم على جميع التجار واهل الحرف والمتسببين في قضاياهم وقوانينهم وله الامر والنهي فيهم
وفيه وصل الى مصر عدة كبيرة من العساكر الرومية على طريق دمياط ونصبوا و نصبوا لهم وطاقا خارج باب النصر و حضر فيهم نحو الخمسمائة نفر أرباب بنائين ونجارين وخراطين فانزلوهم بوكالة بخط الخليفة
وفي يوم الأحد ثامنه تقلد الحسبة الخواجا محمود حسن ولبس الخلعة وركب وشق المدينة وامامه الميزان فرسم برد الموازين الى الارطال الزياتي التي عبره الرطل منها اربع عشرة وقية في جميع الادهان والخضروات على العادة القديمة ونقص من اسعار اللحم وغيره ففرح الناس بذلك ولكن لم يستمر ذلك

وفي يوم الاربعاء حادي عشره بين الظهر والعصر كانت السماء مصحبة والشمس مضيئة صافية فما هو الا والسماء والجو طلع به غيم وقتام ورياح نكباء غربية جنوبية واظلم ضوء الشمس وارعدت رعدتين الثانية اعظم من الاولى وبرق ظهر ضوؤه وامطرت مطرا متوسطا ثم سكن الريح وانجلت السماء وقت العصر وكان ذلك سابع بشنس القبطي وآخر يوم من نيسان الرومي فسبحان الملك الفعال مغير الشؤن والاحوال وحصل في تاليه يوم الجمعة مثل ذلك الوقت ايضا غيوم ورعود كثيرة ومطر ازيد من اليوم الاول

واستهل شهر جمادى الثانية سنة
في ثاني عشره وصل في النيل على طريق دمياط أغا من طرف الدولة يقال له قهوجي باشا السلطان فاعتنى الباشا بشأنه وحضر الى قصره بشبرا وامر بإحضار عدة من المدافع والآت الشنك وعملوا امام القصر بساحل النيل تعاليق وقناديل وقدات ونبه على الطوائف بالاجتماع بملابسهم وزينتهم ووصل الآغا المذكور يوم الاحد فخرج الاغوات والسفاشية والصقلية وهم لابسون القوايق وجميع العسكر الخيالة ليلا فما طلعت الشمس حتى اجتمعوا بأسرهم جهة شبرا وانتظموا في موكب ودخلوا من باب النصر ويقدمهم طوائف الدلاة واكابرهم ويتلوهم ارباب المناصب مثل الآغا والوالي والمحتسب وبواقي وجاقات المصرية ثم موكب كتخدا بك وبعده موكب الآغا الواصل وفي اثره ما وصل معه من الخلع وهي اربع بقج وخنجران مجوهران وسيف وثلاثة شلنجات عليها ريش مجوهرة وخلف ذلك العساكر الخيالة والتفكجية وخلفهم النوبة التركية فكان مدة مرورهم نحو ساعتين وربع وليس فيهم رجالة مشاة سوى الخدم وقليل من عسكر مشاة واما بقية العسكر فهم متفرقون بالاسواق والازقة كالجراد المنتشر خلاف من يرد منهم في كل وقت من الاجناس المختلفة برا وبحرا فمن الخلع الواردة ما هو مختص بالباشا وهو فروة وخنجر

وريشة بشلنج واطواخ ولابنه ابراهيم بك مثل ذلك واسكنوا ذلك الآغا ورفيقه واتباعهما بمنزل ابراهيم بك ابن الباشا بالازبكية بقنطرة الدكة وارسل بأحضار ولده من ناحية قبلي فحضر على الهجن ولبس الخلعة بولايته على الصعيد فنزل بالجيزة وعدى الى بر مصر عند ابيه بقصر شبرا ولبس الخلعة واقام عند ابيه ثلاث ليال ثم عدى الى بر الجيزة وعندما وصل الى البر امر بتغريق السفينة بما فيها من الفرش ثم اخرجوها كذلك امر من معه من الرجال بالغطوس في الماء وغسل ثيابهم كل ذلك خوفا من رائحة الطاعون وتطيرا وهروبا من الموت
وفي خامس عشرينه سافر ابراهيم بك راجعا الى الصعيد
وفي حضر عرضى الباشا الذي كان سافر في ربيع الاول الى الجهة القبلية ومعه الكتبة أيضا المسلمون لتحرير حساب الاقباط ومساحة الاراضي
وفي اواخره نودى على اهل الجيزة باستمرار الكورتنينة شهري رجب وشعبان وان يعطوا لهم فسحة للمتسببين والباعة ثلاثة ايام وكذلك لمن يخرج او اذا دخل لا يخرج اذا كان عنده ما يكفيه ويكفي عياله في مدة الشهرين والثلاثة ايام المفسح لهم فيها ليقضوا اشغالهم واحتياجاتهم فخرج اهل البلدة بأسرهم ولم يبق منهم الا القليل النادر القادر وايضا تفرقوا في البلاد وبقي الكثير منهم حول البلدة وفي الغيطان حول بيادرهم واجرانهم وعملوا لهم اعشاشا تظلهم من حر الشمس ووهج الهجير وينادى المقيم بالبلدة بحاجته من اعلى السور لرفيقه او صاحبه الذي هو خارج البلدة فيجيبه ويرد جوابه من مكان بعيد ولا يمكنونهم من تناول الاشياء واما العسكر فإنهم يدخلون ويخرجون ويقضون حوائجهم ويشترون الخضروات والبطيخ وغيره ويبيعونه على المقيمين بالبلدة بأغلى الاثمان واذا اراد احد من اهل البلدة الخروج منعوه من اخذ شىء من متاعه او بهيمته او شاته او حماره ولا يخرج الا مجرد بطوله

وفي اواخره وصل من الديار الرومية واصل وعلى يده مرسوم فقرىء بالمحكمة في يوم الاحد ثامن عشرينه بحضرة كتخدا بك والقاضى والمشايخ واكابر الدولة والجم الغفير من الناس ومضمونه الامر للخطباء في المساجد يوم الجمعة على المنابر بأن يقولوا عند الدعاء للسلطان فيقولوا السلطان ابن السلطان بتكرير لفظ السلطان ثلاث مرات محمود خان بن السلطان عبدالحميد خان بن السلطان احمد خان المغازي خادم الحرمين الشريفين لانه استحق أن ينعت بهذه النعوت لكون عساكره افتتحت بلاد الحرمين وغزت الخوارج واخرجتهم منها لان المفتي افناهم بأنهم كفار لتفكيرهم المسليمن ويجعلونهم مشركين ولخروجهم على السلطان وقتلهم الانفس وان من قاتلهم يكون مغازيا ومجاهدا وشهيدا اذا قتل ولما انقضى المجلس ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة وعملوا شنكا واستمر ضربهم المدافع عند كل اذان عشرة ايام وذلك ونحوه من الخور
واستهل شهر رجب سنة 1228
وفي منتصفه حضر بونابارتة الخازندار من الديار الحجازية على طريف ! القصير
وفي اواخره سافر قهوجي باشا الذي تقدم ذكر حضوره بالخلع والشلنجات والخناجر بعدما اعطى خدمته مبلغ من الاكياس واصحب معه الباشا هدية عظيمة لصاحب الدولة واكابرها وقدره من الذهب العين اربعين ألف دينار ومن النصفيات يعنى نصف الدينار ستون الفا ومن فروق البن خمسمائة فرق ومن السكر المكرر مرتين مائة قنطار ومن المكرر مرة واحدة مائتي قنطار ومائتان قدر صيني الذي يقال له اسكى معدن مملوء بالمربيات وانواع الشرابات الممسك المطيب المختلفة الانواع ومن الخيول خمسون جوادا مرخته بالجواهر والنمدكش و اللؤلؤ والمرجان وخمسون حصانا من غير رخوت واقمشة هندية كمشيرية ومقصبات وشاهي ومهترخان في عدة تعابي بقج وبخور وعود وعنبر واشياء اخرى

وفيه أيضا حضر أغا يقال له جانم افندي وصحبته مرسوم قرىء بالديوان في يوم الاثنين مضمونه البشارة بمولود ولد للسلطان وسموه عثمان واجتمع لسماع المشايخ والاعيان وضربوا بعد قراءته شنكا ومدافع واستمر ذلك سبعة ايام في كل وقت من الاوقات الخمسة
وفي يوم الثلاثاء عشرينه الموافق الثالث عشر مسرى القبطي وافى النيل المبارك اذرعه ونودى بذلك في الاسواق على العادة وكثر اجتماع غوغاء الناس للخروج الى الروضة وناحية السد والولائم في البيوت المطلة على الخليج وما يحصل من اجتماع الاخلاط امام جري الماء كما هو المعتاد في كل سنة وانه اذا تودى بالوفاء حصل ذلك الاجتماع في تلك الليلة وكسروا السد في صبحها عادة لا تتخلف فيما نعلم فلما كان اخر النهار ورد الخبر بان الباشا امر بتأخير فتح الخليج الى يوم الخميس ثانيه فكان كذلك وخرج الباشا في صبح يوم الخميس وكسر السد وجرى الماء في الخليج وتكلف ارباب الدور المطلة على الخليج كلفة ثانية لضيفانهم

واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة سنة
وفي خامسة يوم الثلاثاء حضر ابن الباشا المسمى باسمعيل من الديار الرومية ووصل الى ساحل النيل وبشبرا وضربوا لوصوله مدافع من القلعة وبولاق وشبرا والجيزة وتقدم انه توجه ببشارة الحرمين واكرمته الدولة واعطوه اطواخا
وفي عاشره حضر قاصد من الديار الرومية ووصل الى ساحل النيل وصحبته بشارة بمولودة ولدت لحضرة السلطان فعملوا الديوان بالقلعة واجتمع به المشايخ والاعيان واكابر الدولة وقرئ الفرمان الواصل في شأن ذلك وفي مضمونه الامر للكافة بالفرح والسرور وعمل الشنك وبعد الفراغ من ذلك ضربت المدافع من ابراج القلعة واستمر ضربها في كل وقت آذان خمسة ايام وهذا لم يعهد في الدولة الماضية الا للاولاد الذكور واما الاناث فليس لهن ذكر

وفي ليلة الاربعاء سابع عشرينه عمل الباشا جمعية ببيت الازبكية وحضر الاعيان والمشايخ والقضاة الثلاثة وهم بهجت افندي المنفصل عن قضاء مصر وصديق افندي المتوجه الى قضاء مكة المنفصل عن قضاء مصر العام الذي قبله والقاضي المتوجه الى المدينة فعقدوا عقد ابنه اسمعيل باشا على ابنة عارف بك التي حضرت بصحبته من الديار الرومية وعقدوا عقد اخته ابنة الباشا على محمد افندي الذي تقلد الدفتردارية ولما تم ذلك قدموا لهم تعابي بقج في كل واحدة اربع قطع من الاقمشة الهندية وهي شال كشميري وطاقة مسجر وطاقة قطني هندي وطاقة شاهي وفرقوا على الدون من الناس الحاضرين محارم ثم أن الباشا شرع في الاهتمام الى سفر الحجاز وتشهيل المطاليب واللوازم فمن جملة ذلك اربعون صندوقا من الصفيح المشمع داخلها بالشمع والمصطكي وبالخشب من خارج وفوق الخشب جلود البقر المدبوغ ليودع بها ماء النيل المغلي ليشربه وشرب خاصته ومثلها في كل شهر يتقيد بعمل ذلك وغيره السيد المحروقي ويرسله في كل شهر

واستهل شره شوال بيوم الاحد سنة
في سابعه يوم السبت اداروا كسوة الكعبة وكانت مصنوعةمن نحو خمس سنوات ومودوعه في مكان بالمشهد الحسيني فأخرجوها في مستهل الشهر وقد توسخت لطول المدة فحلوها ومسحوها وكانت عليها اسم السلطان مصطفى فغيروه وكتبوا اسم السلطان محمود فاجتمع الناس للفرجة عليها وكان المباشر لها الريس حسن المحروقي فركب في موكبها
وفي ليلة السبت رابع عشره خرج محمد علي باشا مسافرا الى الحجاز وكان خروجه وقت طلوع الفجر من يوم السبت المذكور الى بركة الحاج وخرج الاعيان والمشايخ لوداعه بعد طلوع النهار فاخذوا خأطره ورجعوا آخر النهار وركب هو متوجها الى السويس بعد مضي ثمان ساعات وربع من النهار وبرزت الخيالة والسفاشية الى خارج باب النصر ليذهبوا على طريق البر وقبل خروج الباشا بيومين قدمت هجانة مبشرون بالقبض على

عثمان المضايفي بناحية الطائف وكان قد جرد على الطائف فبرز اليه الشريف غالب وصحبته عساكر الاتراك والعربان فحاربوه وحاربهم فأصيب جواده فنزل على الارض واختلط بالعسكر فلم يعرفوه فخرج من بينهم ومشى وتباعد عنهم نحو اربع ساعات فصادفه جماعة من جند الشريف فقبضوا عليه واصابته جراحة وعندما سقط من بين قومه ارتفع الحرب فيما بين الفريقين اخريات النهار ولما احضروه الى الشريف غالب جعل في رقبته الجنزير والمضايفي هذا زوج اخت الشريف وخرج عنه وانضم الى الوهابيين فكان اعظم اعوانهم وهو الذي كان يحارب لهم ويقاتل ويجمع قبائل العربان ويدعوهم عدة سنين ويوجه السرايا على المخالفين ونما امره واشتهر لذلك ذكره في الاقطار وهو الذي كان افتتح الطائف وحاربها وحاصرها وقتل الرجال وسبى النساء وهدم قبة ابن عباس الغريبة الشكل والوصف وكان هو المحارب للعسكر مع عربان حرب في العام الماضي بناحية الصفراء والجديدة وهزمهم وشتت شملهم ولما قبضوا عليه احضروه الى جدة واستمر في الترسيم عند الشريف ليأخذ بذلك وجاهة عند الاتراك الذي هو على ملتهم ويتحقق لديهم نصحه لهم ومسالمته اياهم وسيلقى قريبا منهم جزاء فعله ووبال امره كما سيتلى عليك بعضه بعد قليل
واستهل شهر ذي القدة بيوم الثلاثاء سنة 1228
وفي اوائله وردت اخبار من الجهة الرومية بأن عساكر العثمانيين استولوا على بلاد بلغارد من ايدي طائفة الصرب وكانوا استولوا عليها نيفا واربعين سنة والله اعلم بصحة ذلك
وفيه عزل محمود حسن من الحسبة وتقلدها عثمان أغا المعروف بالورداني
وفي خامس عشره وصل عثمان المضايفي صحبة المتسفرين معه الى الريدانية اخر الليل واشيع ذلك فلما طلعت الشمس ضربوا مدافع من

القلعة اعلاما وسرورا بوصوله اسيرا وركب صالح بك السلحدار في عدة كبيرة وخرجوا لملاقاته واحضاره فلما واجهه صالح بك نزع من عنقه الحديد واركبه هجينا ودخل به الى المدينة وامامه الجاويشية والقواسة الاتراك وبأيديهم العصي المفضضة وخلفه صالح بك وطوائفه وطلعوا به الى القلعة وادخله الى مجلس كتخدا بك وصحبته حسن باشا وطاهر باشا وباقي اعيانهم ونجيب افندي قبي كتخدا الباشا ووكيله بباب الدولة وكان متأخرا عن السفر ينتظر قدوم المضايفي ليأخذه بصحبته الى دار السلطنة فلما دخل عليهم اجلسوه معهم فحدثوه ساعة وهو يجيبهم من جنس كلامهم بأحسن خطاب وافصح جواب وفيه سكون وتؤدة في الخطاب وظاهر عليه اثار الامارة والحشمة والنجابة ومعرفة مواقع الكلام حتى قال الجماعة لبعضهم البعض يا اسفا على مثل هذا اذا ذهب الى اسلامبول يقتلونه ولم يزل يتحدث معهم حصة ثم احضروا الطعام فواكلهم ثم اخذه كتخدابك الى منزله فاقام عننده مكرما ثلاثا حتى تمم نجيب افندي أشغاله فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق وانزلوه في سفينة مع نجيب أفندي ووضعوا في عنقه الجنزير وانحدروا طالبين الديار الرومية وذلك يوم الاثنين حادي عشرينه
وفي اواخره وصلت اخبار بأن مسعود الوهابي ارسل قصادا من طرفه الى ناحية جدة فقابلوا طوسون باشا والشريف غالب خلع عليهم واخذهم الى ابيه فخاطبهم وسألهم عما جاؤا فيه فقالوا الامير مسعود الوهابي يطلب الافراج عن المضايفي ويفتديه بمائة ألف فرانسة وكذلك يريد اجراء الصلح بينه وبينكم وكف القتال فقال لهم فإنه سافر الى الدولة واما الصلح فلا نأباه بشروط وهو أن يدفع لنا كل ما صرفناه على العساكر من اول ابتداء الحرب الى وقت تاريخه وان ياتي بكل ما اخذه واستلمه من الجواهر والذخائر التي كانت بالحجرة الشريفة وكذلك ثمن ما استهلك منها وان يأتي بعد ذلك ويتلاقى معي واتعاهد معه ويتم صلحنا بعد ذلك

وان أبي ذلك ولم يأتى فنحن ذاهبون اليه فقالوا له اكتب له جوابا فقال لااكتب جوابا لانه لم يرسل معكم جوابا ولا كتابا وكما ارسلكم بمجرد الكلام فعودوا اليه كذلك فلما اصبح الصباح وقت انصرافهم امر باجتماع العساكر فاجتمعوا ونصبوا ميدان الحروب والرمي المتتابع من البنادق والمدافع ليشاهد الرسل ذلك ويروه ويخبروا عنه مرسلهم

واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الاربعاء
وفي ليلة الاحد تاسع عشره وقعت كائنة لطيف باشا وذلك أن المذكور مملوك الباشا اهداه له عارف بك وهو عارف افندي بن خليل باشا المنفصل عن قضاء مصر نحو خمس سنوات واختص به الباشا واحبه ورقاه في الخدم والمناصب الى أن جعله انختار اغاسي اي صاحب المفتاح وصار له حرمة زائدة وكلمة في باب الباشا وشهرة فلما حصلت النصرة للعسكر واستولوا على المدينة واتوا بمفاتيح زعموا انها مفاتيح المدينة كان هو المتعين بها للسفر للديار الرومية بالبشارة للدولة وارسلوا صحبته مضيان الذي كان متأمرا بالمدينة ولما وصل الى دار السلطنة ووصلت اخباره احتفل اهل الدولة بشأنه احتفالا زائدا ونزلوا لملاقاته في المراكب في مسافة بعيدة ودخلوا الى اسلامبول في موكب جليل وابهة عظيمة الى الغاية وسعت اعيان الدولة وعظماؤها بين يديه مشاة وركبانا وكان يوم دخوله يوما مشهودا وقتلوا مضيان المذكور في ذلك اليوم وعلقوه اعلى باب السراية وعملوا شنانك ومدافع وافراحا وولائم وانعم السلطان على لطيف المذكور واعطاه اطواخا وارسل اليه اعيان الدولة الهدايا والتحف ورجع الى مصر في ابهة زائدة وداخله الغرور وتعاظم في نفسه ولم يحتفل الباشا بأمره وكذلك اهل دولته لكونه من جنس المماليك وايضا قد تأسست عدواتهم في نفوسهم وكراهتهم له اشد من كراهتهم لابنائنا وخصوصا كتخدا بك فإنه اشد الناس عداوة وبغضا في جنس المماليك وطفق يلقي لمخدومه ما يغير خاطره عليه ومنها انه يضم اليه اجناسه من

المماليك البطالين ليكونوا عزونه ويغترونه به حيث أن الباشا فوض اليه الامر أن ظهر منه شىء في غيابه وسافر الباشا في اثر ذلك واستمر لطيف باشا مع الجماعة في صلف وهم يحدقون عليه ويرصدون حركاته ويتوقعون ما يوجب الايقاع به وهو في غفلة وتيه لا يظن بهم سوا فطلب من الكتخدا الزيادة في رواتبه وعلائفه لسعة دائرته وكثرة حواشيه ومصاريفه فقال له الكتخدا انا لست صاحب الامر وقد كان هنا ولم يزدك شيئا فراسله وكاتبه فإن امر بشىء فأنا لا اخالف مأمورياته وتزايد هو والحاضرون في الكلام والمفاقمة ففارقهم على غير حالة ونزل الى داره وارسل في العشية الى مماليك الباشا ليحضروا اليه في الصباح ليعمل معهم ميدان رماحه على العادة واسر اليهم أن يصبحوا ما خف من متاعهم واسلحتهم فما اصبحوا استعدوا كما اشار اليهم وشدوا خيولهم ووصل خبرهم الى الكتخدا فطلب كبيرهم وسأله فأخبره أن لطيف باشا طلبهم ليعمل معهم رماحة فقال أن هذا اليوم ليس هو موعد الرماحة ومنعهم من الركوب وفي الحال احضر حسن باشا وطاهر باشا واحمد أغا المسمى بونابارته الخازندار وصالح بك السلحدار وابراهيم أغا آغات الباب ومحو بك وخلافهم ودبوس اوغلي واسمعيل باشا بن الباشا ومحمود بك الدويدار وتوافق الجميع على الايقاع به واصبحوا يوم السبت مجتمعين وقد بلغه الخبر واخذوا عليه الطرق وارسلوا يطلبونه للحضور في مجلسهم فامتنع وقال ما المراد من حضوري فنزل اليه دبوس اوغلي وخدعه فلم يقبل فركب وعاد اليه ثانيا يأمره بالخروج من مصر أن لم يحضر مجلسهم فقال اما الحضور فلا يكون واما الخروج فلا اخالف فيه بشرط أن يكون بكفالة حسن باشا او طاهر باشا فإني لا آمن أن يتبعوني ويقتلوني خصوصا وقد اوقفوا بجميع الطرق ففارقه دبوس اوغلي فتحير في امره وامر بشد الخيول واراد الركوب فلم يتسع له ذلك ولم يزل في نقض وابرام الى الليل فشركوا الجهات وابواب المدينة أيضا بالعساكر وكثر جمعهم بالقلعة وابوابها

وفي تاسع ساعة من الليل نزل حسن باشا ومحو بك في نحو الالفين من العسكر واحتاطوا بداره بسويقة العزى وقد اغلق داره فصاروا يضربون بالبنادق والقرابين الى آخر الليل فلما اعياهم ذلك هجموا على دور الناس التى حوله وتسلقوا عليه من الاسطحة ونزلوا الى سطح داره وقتلوا من صادفوه من عسكره واتباعه واختفى هو في مخباة اسف الدار مع ستة اشخاص من الجواري ومملوك واحد وعلم بمكانهم آغات الحريم فداروا بالدار يفتشون عليه فلم يجدوه فنهبوا جميع ما في الدار ولم يتركوا بها شيئا وسبوا الحريم والجواري والمماليك والعبيد وكذلك ما حوله وما جاوره من دور الناس ودور حواشيه وهم نيف وعشرون دارا حتى حوانيت الباعة وغيرهم التى بالخطة ودار علي الكتخدا صالح الفلاح هذا ما جرى بتلك الناحية وباقي نواحي المدينة لا يدورون بشىء من ذلك الا انهم لما طلع نهار يوم الاحد وخرج الناس الى الاسواق والشوارع وجدوا العساكر مائجة وابواب البلد مغلقة وحولها العساكر مجتمعة ومنهم من يعدو ومعه شىء من المنهوبات فامتنع الناس من فتح الحوانيت والقهاوي التى من عادتهم التبكير بفتحها وظنوا ظنا واستمر لطيف باشا بالمخباة الى الليل واشتد به الخوف وتيقن أن العبد الطواشي سينم عليه ويعرفهم بمكانه فلما اظلم الليل وفرغوا من النهب والتفتيش وخلا المكان خرج من المخباة بمفرده ونط من الاسطحة حتى خلص الى دار خازنداره وصحبته كبير عسكره وآخر يسمى يوسف كاشف دياب من بقايا الاجناد المصرية وباتوا بقية تلك الليلة ويوم الاثنين والكتخدا واهل دولته يدأبون في الفحص والتفتيش عليه ويتهمون كثيرا من الناس بمعرفة مكانه ومحمود بك داره بالقرب من داره اوقف اشخاصا من عسكره على الاسطحة ليلا ونهارا لرصده وكان المذكور له اعتقاد في شخص يسمى حسن افندي اللبلبي ولبلب لفظ تركي علم على الحمص المجوهر اي المقلي ومن شأن حسن افندي هذا انه رجل درويش يدخل الى بيوت الاعيان والاكابر من

الناس الاتراك وغيرهم وفي جيوبه من ذلك الحمص فيفرق على اهل المجلس منه ويلاطفهم ويضاحكم ويمزح معهم ويعرف باللغة التركية ويجانس الفريقين فمن اعطاه شيئا اخذه ومن لم يعطه لم يطلب منه شيئا وبعضهم يقول له انظر ضميري او فإلي فيعد على سبحته ازواجا وافرادا ثم يقول ضميرك كذا وكذا فيضحكون منه فوشى بحسن افندي هذا الى كتخدا بك وباقي الجماعة بأنه كان يقول لطيف باشا انه سيلي سيادة مصر واحكامها ويقول له هذا وقت انتهاز الفرصة في غيبة الباشا ونحو ذلك وجسموا الدعوى وانه كان يعتقد صحة كلامه ويزوره في داره وترب له ترتيبا وأشاعوا انه اراد أن يضم اليه اجناس المماليك والخاملين من العساكر وغيرهم ويعطيهم نفقات ويريد اثارة فتنة ويعتال الكتخدا بك وحسن باشا وامثالهما على حين غفلة ويتملك القلعة والبلد وان اللبلبي يغريه على ذلك وكل وقت يقول له جاء وقتك ونحو ذلك من الكلام الذي المولى جل جلاله أعلم بصحته فارسل كتخدا بك الى اللبلبي فحضر بين يديه في يوم الاثنين فسأله عنه فقال لا ادري فقال انظر في حسابك هل نجده ام لا فأمسك سبحته وعدها كعادته وقال انكم تجدونه وتقتلونه ثم أن الكتخدا اشار الى اعوانه فأخذوه ونزلوا به واركبوه على حماره وذهبوا به الى بولاق فانزلوه في مركب وانحدروا به الى شلقان وشلحوه من ثيابه واغرقوه في البحر
وفي ذلك اليوم عرفهم آغات حريم لطيف باشا بعد أن هددوه وقرروه عن محل استاذه واخبرهم انه في المخباة واراهم المكان ففتحوه فوجدوا به الجواري الستة والمملوك ولم يجدوه معهم فسألوهم عنه فقالوا انه كان معنا وخرج في ليلة امس ولم نعلم اين ذهب فأخرجوهم واخذوا ما وجدوه في المخباة من متاع وسروج ومصاغ ونفوذ وغير ذلك فلما كان بعد الغروب من ليلة الثلاثاء اشتد بلطيف باشا الخوف والقلق فأراد أن ينتقل من بيت الخازندار الى مكان أخر فطلع الى السطح وصعد على

حائط يريد النزول منها هو ورفيقه البيوكباشي ليخلص الى حوش مجاور لتلك الدار فنظرهما شخص من العسكر المرصد باعلى سطح دار محمود بك الدويدار فصاح على القريبين منه لينتبهوا له فعندما صاح ضربه لطيف باشا رصاصة فأصابه وتسارعوا اليه من كل ناحية وقضوا عليه وعلى رفيقه واتوا بهما الى محمود بك فبات عنده ورمحت المبشرون الى بيوت الاعيان يبشرونهم بالقبض عليه ويأخذون على ذلك البقاشيش فلما طلع نهار يوم الثلاثاء طلع به محمود بك الى القلعة وقد اجتمع اكابرهم بديوان الكتخدا واتفقوا على قتله ووافقهم على ذلك اسمعيل ابن الباشا بما نقموه عليه لانه في الاصل مملوك صهره عارف بك فعندما وصل الى الدرج قبض عليه الاعوان وهو بجانب محمود بك فقبض بيده على علاقة سيفه وهو يقول بالتركي عرظندايم يعني انا في عرضك وماتت يده على قيطان السيف فأخرج بعضهم سكينا وقطع القيطان وجذبوه الى اسفل سلم الركوبة واخذوا عمامته وضربه المشاعلي بالسيف صربات ووقع الى الارض ولم ينقطع عنقه فكملوا ذبحه مثل الشاة وقطعوا رأسه وفعلوا برفيقه كذلك وعلقوا رؤسهما تجاه باب زويلة طول النهار
وفي ثاني يوم وهو يوم الاربعاء ثاني عشرينه احضروا أيضا يوسف كاشف دياب وقتلوه أيضا عند باب زويلة وانقضى امرهم والله اعلم بحقيقة الحال وفتح اهل الاسواق حوانيتهم بعدما تخيل الناس بانها ستكون فتنة عظيمة وان العسكر ينهبون المدينة وخصوصا الكائنون بالعرضي خارج باب النصر فإنهم جياع وبردانون وغالبهم مفلس لان معظمهم من الجدد الواردين الذين لم يحصل لهم كسب من نهب او حادث واقع ادركوه ولولا انهم اوقفوا عساكر عند الابواب منعتهم من العبور لحصل منهم غاية الضرر
وانقضت السنة وحوادثها التى ربما استمرت الى ما شاء الله بدوامها

وانقضائها
فمنها أن الباشا لما فرغ من امر الجهة القبلية بعدما ولى ابنه ابراهيم باشا عليها وحرر اراضي الصعيد وقاس جملة ارضيه وفدنه وضبطه بأجمعه ولم يترك منه الا ما قل وضبط لديوانه جميع الاراضي والميرية والاقطاعات التى كانت للملتزمين من امراء والهوارة وذوى البيوت القديمة والرزق الاحباسية والسراوي والمتأخرات والمرصد على الاهالي والخيرات وعلى البر والصدقة وغير ذلك مثل مصارف الولاية التى رتبها اهالي الخير المتقدمون لاربابها رغبة منهم في الخير وتوسعه على الفقراء المحتاجين وذوى البيوت والدواوير المفتوحة المعدة لاطعام الطعام للضيفان والواردين والقاصدين وابناء السبيل والمسافرين فمن ذلك ان نباحية سهاج دار الشيخ عارف وهو رجل مشهور كأسلافه ومعتقد بتلك الناحية وغيرها ومنزله محط الرجال الوافدين والقاصدين من الاكابر والاصناغر والفقراء والمحتاجين فيقرى الكل بما يليق بهم ويرتب لهم التراتيب والاحتياجات وعند انصرافهم بعد قضاء اشغالهم يزودهم ويهاديهم بالغلال والسمن والعسل والتمر والاغنام وهذا دأبه ودأب اسلافه من قبله على الدوام والاستمرار ورزقته المرصدة التى يزرعها وينفق منها ستمائة فدان فضبطوها ولم يسمحوا له منها الا بمائة فدان بعد التوسط والترجي والتشفع وامثال ذلك بجرجا واسيوط ومنفلوط وفرشوط وغيرها واذا قال المتشفع والمترجي للمتأمر ينبغي مراعاة مثل هذا ومسامحته لانه يطعم الطعام وتنزل بداره الضيفان فيقول ومن كلفه بذلك فيقال له وكيف يفعل اذا نزلت به الضيوف على حسب ما اعتادوه فيقول يشترون ما يأكلون بدراهمهم من اكياسهم او يغلقون ابوابهم ويستقلون بأنفسهم وعيالهم ويقتصدون في معايشهم فيعتادون ذلك وهذا الذي يفعلونه تبذير واسراف ونحو ذلك على حسب حالهم وشأنهم في بلادهم ويقول الديوان احق بهذا فإن عليه مصاريف ونفقات ومهمات ومحاربات الاعداء وخصوصا افتتاح بلاد الحجاز ولما حضر ابراهيم باشا الى مصر وكان ابوه على اهبة السفر

الى الحجاز حضر الكثير من اهالي الصعيد يشكون ما نزل بهم ويستغيثون ويتشفعون بوجهاء المشايخ وغيرهم فإذا خوطب الباشا في شىء من ذلك يعتذر بانه مشغول البال واهتمامه بالسفر وانه اناط امر الجهة القبلية واحكامها وتعلقاتها بإبنه ابراهيم باشا وان الدولة قلدته ولاية الصعيد فأنا لا علاقة لي بذلك واذا خوطب ابنه اجابهم بعد المحاججة بما تقدم ذكره ونحو ذلك وذا قيل له هذا على مسجد فيقول كشفت على المساجد فوجدتها خرابا والنظار عليها يأكلون الايراد والخزينه أولى منهم ويكفيهم اني أسامحهم فيما اكلوه في السنين الماضية والذي وجدته عامرا اطلقت له ما يكفيه وزيادة واني وجدت لبعض المساجد اطيانا واسعة وهي خراب ومعطلة والمسجد يكفيه مؤذن واحد واجرته نصفان وامام مثل ذلك واما فرشه واسراجه فإنى ارتب له راتبا من الديوان في كل سنة فاذا تكرر عليه الرجاء احال الامر على ابيه ولا يمكن العود اليه لحركاته وتنقلاته وكثرة اشغاله وزوغانه ولما زاد الحال بكثرة المكتشين والواردين وبرزالباشا للسفر بل وسافر بالفعل فلم يمكث بعده ابنه الا اياما قليلة يبيت بالجيزة ليلة وعند اخيه ببولاق ليلة اخرى ثم سافر راجعا الى الصعيد يتمم ما بقي عليه لاهله من العذاب الشديد فإنه فعل بهم فعل التتار عندما جالوا بالاقطار واذل اعزة اهله واساء لسوء معهم في فعله فيسلب نعهم واموالهم ويأخذ ابقارهم واغنامهم ويحاسبهم على ما كان في تصرفهم واستهلكوه أو يحتج عليهم بذنب لم يقترفوه ثم يفرض عليهم المغارم الهائلة والمقادير من الاموال التي ليست ايديهم اليها طائلة ويلزمهم بتحصيلها وغلاقها وتعجيلها فتعجز ايديهم عن الاتمام فعند ذلك يجري عليهم انواع الالام من الضرب والتعليق والكي بالنار والتحريق فانه بلغني والعهدة على الناقل انه ربط الرجل ممدودا على خشبة طويله وامسك بطرفيها الرجال وجعلوا يقلبونه على النار المضرمة مثل الكباب وليس ذلك ببعيد على شاب جاهل سنه دون العشرين عاما وحضر من بلده ولم ير غير ما هو فيه لم يؤدبه

مؤدب ولايعرف شريعة ولا مأمورات ولا منهيات وسمعت أن قائلا قال له وحق من اعطاك قال ومن هو الذي اعطاني قال له ربك قال له انه لم يعطني شيئا والدي اعطاني أبي فلو كان الذي قلت فإنه كان يعطيني وانا ببلدي وقد جئت وعلى رأسي قبع مزفت مثل المقلاة فلهذا لم تبلغه دعوى ولم يتخلق الا باخلاف الي داربه عليها والده وهي تحصيل المال بأي وجه كان فأنزل بأهل الصعيد الذل والهوان فلقد كان به من المقادم والهوارة كل شهم يستحي الرئيس من مكالمته والنظر اليه بالملابس الفاخرة والاكراك السمور والخيول المسمومة والانعام والاتباع والجند والعبيد والاكمام الواسعة والمضايف والانعامات والاغداقات والتصدقات وخصوصا اكابرهم المشهورون وهمام ما ادراك ما همام وقد تقدم في ترجمته ما يغني عن الاعادة فخرجت دور الجميع وتشتتوا وماتوا غرباء ومن عسر عليه مفارقة وطنه جرى عليه ما جرى على غيره وصار في عداد المزارعين وقد رأيت بعض بني همام وقد حضروا الى مصر ليعرضوا حالهم على الباشا لعله يرفق بهم ويسامحهم في بعض ما ضبطه ابنه من تعلقاتهم يتعيشون به وهم اولاد عبد الكريم وشاهين ولدي همام الكبيرومعهم حريمهم وجواريهم وزوجة عبد الكريم ويقولون لها الست الكبيرة وهي ام اولاده فلما وصلوا الى ساحل مصر القديمة ورأى ارباب ديوان المكس الجواري وعدتهن ثلاثة حجزوهن وطالبوهم بكمركهن فقالوا هؤلاء جوارنا للخدمة وليسوا مجلوبين للبيع فلم يعبئوا بذلك وقبضوا منهم ما قبضوه ثم انهم لم يتمكنوا من الباشا وكان إذا ذاك قد توجه الى الفيوم وعاد الى العرضي مسافرا الى الحجاز فاستمروا بمصر حتى نفذت نفقاتهم ورايتهم مرة مارين بالشارع وهم هكذا وردت وفيهم صغير مراهق واتفق انهم تفاقموا مع ابن عمهم وهو عمر وشكوه الى مصطفى بك دالي باشا بانه حاف عليهم في اشياء من استحقاقهم دعوى مفلس على مفلس فأحضره وحبسه دة وما ادرى ما حصل لهم بعد ذلك وهكذا

تخفض العالى العال وتعلى من سفل
اللهم انا نعوذ بك من زوال النعم ونزول النقم

وأما من مات في هذه السنة
فمات الأستاذ الشهير والجهبذ النحرير الرئيس المفضل والفريد المبجل نادرة عصره ووحيد دهر الشيخ شمس الدين محمد أبو الانوار ابن عبد الرحمن المعروف بابن عارفين سبط بني الوفاء وخليفة السادات الحنفاء وشيخ سجادتها ومحط رحال سيادتها وشهرته غنية عن مزيد الافصاح ومناقبه اطهر من البيان والايضاح وامه السيدة صفية بنت الاستاذ جمال الدين يوسف أبي الارشاد ابن وفا تزوج بها الخواجا عبد الرحمن المعروف بعارفين فاولدها المترجم واخاه الشيخ يوسف وكان اسن منه فتربى مع اخيه في حجر السيادة والصيانة والحشمة وقراء القران وتولع بطلب العلم وحضر دروس اشياخ الوقت وتلقى طريقة اسلافه واوردادخم واخرابهمم عن خاله الاستاذ شمس الدين محمد أبو الاشراق ابن وفا عن عمه الشيخ عبد الخالق عن ابيه الشيخ يوسف أبي الارشاد عن والده أبي التخصيص عبد الوهاب الى اخر السند المنتهي الى الاستاذ أبي الحسن الشاذلي ولازم العلامة القدوة الشيخ موسى البجيرمي فحضر عليه كما ذكره في برنامج شيوخه ام البراهين وشرح المصنف عليها والاجرومية وشرحها للشيخ خالد وشرح الستين مسئلة للجلال المحلي وهو اول اشياخه ثم لازم الشيخ خليلا المغربي حضر عليه شرح ايسا غوجي لشيخ الاسلام زكريا الانصاري وشرح العصام على السمر قندية والفاكهي على القطر ومتن التوضيح والاسموني على الخلاصة ورسالة الوضع والمغنى وحضر دروس شيخ الشيوح الشيخ احمد الميجري الملوي في صحيح البخاري والشيخ عبد السلام علي الجوهرة واجازه بمرورياته ومؤفاته الاجازة العامة وكذلك اجازه الشيخ احمد الجوهري الشافعي اجازة عامة واجازة خاصة بطريقة مولاي عبد الله الشريف ولازم وقرا وشارك ولده الشيخ محمد الجوهري

الصغير وحضر أيضا دروس الاستاذ الحنفي في شرح التخليص للسعد التفتازاني وشرح التحرير لشيخ الاسلام وشرح الالفيه لابن عقيل والاشواني وحضر دروس الشيخ عمر الطحلاوي المالكي في شرح الاجرومية للشيخ خالد وشيئا من شرح الهمزية للعلامة ابن حجر وشيئا من تفسير الجلالين والبيضاوي وحضر الشيخ مصطفى السندوبي الشافعي في شرح ابن القاسم الغزي على أبي شجاع وعلي السيد البليدي في شرح التهذيب للخصبيي وعلى الشيخ عطية الاجهوري الشافعي في شرح الخطيب على أبي شجاع وشرح التحرير لشيخ الاسلام وتفسير الجلالين وعلى الشيخ محمد النارى شرح السلم لمصنفه وشرح التحرير وعلى الشيخ أحمد القوصي شرح الورقات الكبير لابن قاسم العبادي وسمع المسلسل بالاولية من علم اهل المغرب في وقته الشيخ محمد بن سودة التاودي الفاسي المالكي عند وروده مصر في سنة اثنتين وثمانين ومائة والف بقصد الحج وكتب له اجازة بخطه مع سنده واجازه أيضا بدلائل الخيرات واحزاب الشاذلي وكذلك تلقي الاجازة من الاستاذ المسلك عبد الوهاب بن عبدالسلام العفيفي المرزوقي وتلقى أيضا من امام الحرم المكي الشيخ ابراهيم ابن الرئيس محمد الزمزمي الاجازة بالمسبعات واستجازه هو أيضا بما لاسلافه من الاحزاب وكناه بأبي الفوز وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة والف بمكة سنة حجة المترجم
وصل ولما مات السيد محمد أبو هادي وانقرضت بموته سلسلة اولاد الظهور وذلك في سنة ست وسبعين ومائة والف تاقت نفس المترجم لخلافة بيتهم وتهيأ لذلك ولبس التاج أيضا والعصابة التى يجعلونها عليه فلم يتم له ذلك وعورض بسيدي احمد بن اسماعيل بك المعروف بالدالي المكني بأبي الامداد لانه في طبقته في النسب وامه السيدة ام المفاخر ابنه الشيخ عبد الخالق باتفاق ارباب الحل والعقد لكونه من بيت الامارة وقد صار منزلهم كمنازل الامراء في الاتساع والتأنق والمجالس المزخرفة

والقيعان والقصور وفي ضمنه البستان بالنخيل والاشجار وما يجتني منها من الفواكه والثمار لان معظم الوجاهة والسيادة في هذه الازمان بالمساكن الانيقة والملابس الفاخرة وكثرة الايراد والخدم والحشم خصوصا أن اقترن بذلك شىء من المزايا المتعدية من بذل الاحسان واكرام الضيفان فعند ذلك يصير ربه قطب الزمان وفريد العصر والاوان فلو فرضنا أن شخصا اجتمعت فيه اوصاف الكمالات المحنوية والمعارف الدينية وخلاعما ذكر وكان صعلوكا قليل المال كثير العيال فلا يعد في الرجال ولا يلتفت اليه بحال حكم الهية واحكام ربانية فلما تقلدها سيدي احمد المذكوردون المترجم بقي متطلعا يسلي نفسه بالاماني ثم قصد الحج في سنة تسع وسبعين كما ذكر فلما عاد من الحج تزوج بوالدة الشيخ محمد أبي هادي واسكنها بمنزل ملاصق لدار الخليفة توصلا وتقربا لمأموله ولم تطل مدة الشيخ أبي الامداد وتوفي سنة اثنتين وثمانين كما ذكرناه في ترجمته وعند ذلك لم يبق للمترجم معارض وقد مهد احواله وتثبت امره مع من يخشى صولته ومعارضته من الاشياخ وغيرهم ودفن السيد احمد وركب المترجم في صبحها مع اشياخ الوقت والشيخ احمد البكري وجماعة الحزب ونقبائهم الى الرباط بالخرنفش ودخل الى خلوة جدهم فجلس بها ساعة وقرأ ارباب الحزب وظيفتهم ثم ركب مع المشايخ الى امير البلدة وكان اذ ذاك علي بك فخلع عليه وركبوا الى دارهم ومحل سيادتهم المعهودة واصبح متقلدا خلافة اسلافهم ومشيخة سجادتهم فكان لها اهلا ومحلا وتقدم على اخيه الشيخ يوسف مع كونه اسن منه لما فيه من زيادة الفضيلة ولما ثبطه به من مخادعته وسلامة صدر اخيه وحسن ظنه فيه وانتظم امره واحسن سلوكه بشهامة وحشمة ورآسة وتؤدة وأدب مع الاشياخ والاقران وتحبب الى ارباب المظاهر والاكابر واستجلاب الخواطر وسلوك الطرائق الحميدة والتباعد عن الامور المخلة بالمروءة والاخذ بالحزم والرفق مع الاشتغال في بعض الاحيان بالمطالعة والمذاكرة في المسائل الدينية والادبية

ومعاشرة الفضلاء ومجالستهم والمناقشة معهم في النكات واقتناء الكتب من كل فن كل ذلك مع الجد والتحصيل للاسباب الدنيوية وما يتوصل به الى كثرة الايراد بحسن تداخل وجميل طريقة مبعدة عما يخل بالمقدار بحيث يقضى مرامه من العظيم وجميل الفضل له ويراسل ويكاتب ويشاحح على ادنى شىء ويحاسب ولا يدفع لارباب الاقلام عوائدهم المقررة في الدفاتر بل يرون اخذها منه من الكبائر وكذلك دواوين المكوس المبني على الاجحاف فكل ما نسب له فيها فهو معاف وكلما طال الامد زاد المدد وخصوصا اذا تقلبت الدول وارتفعت السفل كان الاسبق القديم في اعينهم هو الجليل العظيم وهم لديه صغار لا ينظر اليهم إلا بعين الاحتقار ولما انقرضت بقايا الشيوخ الذين كان يهابهم ويخضع لهم ويتأدب معهم وكانوا على طرائق الاقدمين في العفة والانجماع عما يخل بتعظيم العلم واهله والتباعد عن بني الدنيا الا بقدر الضرورة وخلف من بعدهم من هم على خلاف ذلك وهم اعاظم مدرسي الوقت فاحدقوا به واكثروا من الترداد عليه وعلى موائده وبالغوا في تعظيمه وتقبيل يده ومدحوه بالقصائد البليغة طمعا في صلاته وجوائزه القليلة وحصول الشهرة لهم وزوال الخمول والتعارف بمن يتردد الى داره من الامراء والاكابر وزاد هو أيضا وجها ووجاهة بمجالستهم ولا يريهم فضلا بسعيهم اليه ويزداد كبرا وتيها وبلغ به انه لا يقوم لأكثرهم إذا دخل عليه وقتهم من يدخل بغاية الأدب فيضم ثيابه ويقول عند مشاهدته يا مولاي يا واحد فيجيبه هو بقوله يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم فإذا حصل بالقرب منه بنحو ذراعين حبا على ركبتيه ومد يمينه لتقبيل يده او طرف ثوبه واما الادون فلا يقبل طراف ثوبه وكذلك اتباعه وخدمه الخواص وإذا كان من اهل الذمة او كبار المباشرين وقبلوا يده وخاطبهم في أشغاله وهم قيام وانصرف فوا طلب الطشت والأبريق وغسل يده بالصابون لازالة ءاثر افواههم ولا يجيب في رد التحية الا بقول خير خير ولا يقطع غالب اوقاته مع مجالسيه وخاصته ومسامريه الا بانتقاد

اهل مصره وغيبة اهل عصره وتنبسط نفسه لذلك واليه يصغى كلا أن الانسان ليطغى وفي سنة تسعين ومائة والف ورد الى مصر عبدالرزاق افندي رئيس الكتاب ومن اكابر اهل الدولة فتداخل معه واصطحب به واهدى اليه هدايا واستدعاء وأضافة وحضر في ذلك العام محمد باشا المعروف بالعزتي واليا على مصر فأنهى اليه بمعونة الرئيس المذكور احتياج زاوية اسلافه للعمارة ودعا الباشا لزيارة قبورهم في يوم المولد المعتاد السنوي وذكر له المقصود واظهر له بعض الخلل وزين له ذلك الفعل وانه من تمام الشعائر الاسلامية والمشاهد التى يجب الاعتناء بشأنها والسعي والطواف بحرمها وكان المعين والسفير والمساعد في ذلك أيضا شيخنا محدث العصر محمد مرتضى وهو عند العثمانين مقبول القول الرزاق الرئيس يتلقى عنه المسلسلات والاجازات وقرأ عليه مقامات الحريري فأجاب الباشا ووعد بإتمام ذلك وكاتب الدولة وورد الامر بإطلاق خمسين كيسا لمصرف العمارة من خزينة مصر فشرع في هدم حوائطها ووسعها عن وضعها الاصلي واندرس في جدارانها قبور ومدافن وحوطها وزخرفها بالنقوش وانواع الرخام الملون والمموه بالذهب والاعمدة الرخام ثم كاتب الدولة وانهى أن ذلك القدر لم يكف وان العمارة لم تكمل والاحسان بالاتمام فأطلقوا له خمسين كيسا اخرى واتمها على هذا الوضع الذي هي عليه الان وانشا حولها مساكن ومخادع ووسع القصر الملاصق لها المختص به لجلوسه ومواضع الحريم ايام الموالد ثم ارسل في اثر ذلك كتخداه ووزيره الشيخ ابراهيم السنبدوبي الى دار السلطنة بمكاتبات وعرض لرجال الدولة والتمس رفع ما على قرية زفتا وغيرها مما في حوزه من الالتزام من المال الميري الذي يدفع الى الديوان في كل سنة وكان ابراهيم المذكور غاية في الدهاء والحيل الساسانية والتصنعات الشيطانية والتخليطات الوهمية وتقلبات الملامية فتمم مرامه بما ابتدعه من المخرقة والايهامات الملفقة ولم يدفع ما جرت به العادة من العوائد بل اجتلب

خلاف ذلك فوائد ولما حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر على رأس القرن وخرج الامراء المصريون الى الجهة القبلية واستباح اموالهم وقبض على نسائهم واولادهم وامر بإنزالهم سوق المزاد وبيعهم زاعما انهم ارقاء المال وفعل ذلك فاجتمع الاشياخ وذهبوا اليه فكان المخاطب له المترجم قائلا له انت اتيت الى هذه البلدة وارسلك السلطان الى اقامة العدل ورفع الظلم كما تقول او لبيع الاحرار وامهات الاولاد وهتك الحريم فقال هؤلاء ارقاء لبيت المال فقال له هذا لايجوز ولم يقل به أحد فاغتاظ غيظا شديد وطلب كاتب ديوانه وقال له أكتب اسماء هؤلاء واخبر السلطان بمعارضتهم الاوامره فقال له السيد محمود البنوفري اكتب ما تريد بل نحن نكتب اسمانا بخطنا فافحم وانكف عن اتمام قصده وايضا نتبع اموالهم وودائعهم وكان ابراهيم بك الكبير قد اودع عند المترجم وديعة وكذلك مراد بك اودع عند محمد افندي البكري وديعة وعلم ذلك حسن باشا فأرسل عسكرا الى السيد البكري فلم تسعه المخالفة وسلم ما عنده وارسل كذلك يطلب من المترجم وديعة ابراهيم بك فامتنع من دفعها قائلا أن صاحبها لم يمت وقد كتبت على نفسي وثيقة فلا اسلم ذلك ما دام صاحبها في قيد الحياة فاشتد غيظ الباشا منه وقصد البطش به فحماه الله منه ببركة الانصار للحق فكان يقول لم ار في جميع الممالك التى ولجتها من اجترا على مخالفتي مثل هذا الرجل فإنه احرق قلبي ولما ارتحل من مصر ورجع المصريون الى دولتهم حصل من مراد بك في حق السيد البكري ما حصل وغرمه مبلغا عظيما باع فيه اقطاعه في نظير تفريطه في وديعته واحتج عليه بامتناع نظيره وحصل له قهر تمرض بسببه وتسلسل به المرض حتى مات ويقال أن مراد بك ارسل اليه الحكيم ودس له السم في العلاج ثم مات رحمه الله وكانت منه هفؤة ولا بد للجواد من كبوة ومن لم ينظر في العواقب فليس له الدهر بصاحب حتى قيل انه هو الذي عرف حسن باشا عن ذلك لينال به زيارة في الحظوة عنده ويترك منها حصة لنفسه

بقرينة ما ظهر عليه في عقب ذلك من التوسع وقد غلب على ظنه بل وظن غالب الناس انقراض المصريين وغفلوا عن تقلبات الدهر في كل حين واما المترجم فإنه لما اخذ بالحزم سلم ورد الامانة الى صاحبها حين قدم وحسنت فيهم سيرته وزادت عندهم محبته وفي عقب ذلك نزل السيد محمد افندي البكري المذكور عن وظيفة نظر المشهد الحسيني للمترجم وارسل اليه بصندوق دفاتر الوقف وكان نظر المشهد يبيتهم مدة طويلة ووعده المترجم بأن يبدله عنه وظيفة النظر على وقف الشافعي فلما حصل الفراغ واحتوى على الدفاتر نكث وطمع على الوظيفتين بل ومد يده الى غيرهما لعدم من يعارضه ولا يدافعه من الامراء وغيرهم مثل نظر المشهد النفيسي والزيني وباقي الاضرحة الكثيرة الايراد التى يصاد بها الدنيا من كل ناد وتأتيها الخلائق بالقربانات وانواع النذورات واخذ يحاسب المباشرين وخدمة الاضرحة المذكورة على الايرادات والنذورات ويحاققهم على الذرات ويسبهم ويهينهم ويضربهم بالجريد المحمص على ارجلهم وفعل ذلك بالسيد بدوي مباشر المشهد الحسيني وهو من وجهاء الناس الذين يخشى جانبهم ومشهور ومذكور في المصر وغيره وكان معظم انقباض السيد البكري ونزوله عن نظر المشهد ضيق صدره من المذكور ومنكادته له واستيلاءه على المحل ومحصول الوقف والتقصير في مصارفه اللازمة وينسب التقصير للناظر وكان رحمه الله عظيم الهمة يغلب عليه الحياء والمسامحة ويرى خلاف ذلك من سفاسف الامور فتنصل من ذلك وترك فعله لغيره فلما اوقع المترجم بالسيد بدوي وباقي عظماء السدنة ما اوقع انقمع الباقون وذلوا وخافوه اشد الخوف ووشوا على بعضهم البعض وطفق يطالبهم بالنذور والشموع والاغنام والعجول وما يتحصل من صندوق الضريح من المال وكانوا يختصون بذلك كله واقلهم في رفاهية من العيش وجمع المال مع السفالة والشحاذة حتى من الفقير المعدم المفلس والكسرة الناشفة وكان اذا اراد الايقاع بشخص او اهانته وخشى عاقبة ذلك او لو ما يلحقه ممن

ينتصر له مهد له الطريق سرا قبل الايقاع به فإنه لما اراد ضرب السيد بدوي طاف على الشيخ العروسي وامثاله واسرهم ما في نفسه وامتدت يده أيضا الى شهود بيت القاضي فكان اذا بلغه أن احدهم كتب حجة استبدال واجارة مكان مدة طويلة لناظر او مستحق وكان ذلك المكان يؤل بعد انقراض مستحقيه لضريح من الاضرحة التى تحت نظر احضر ذلك الكاتب ووبخه ولعنه ولربما ضربه وابطل تلك المكاتبة ومحاها من سجل القاضي او يصالحونه على تنفيذ ذلك مع انها لا تؤل الى تلك الجهة الا بعد سنين واعوام متطاولة وقد نص علماء الشرع على أن الوقف والنذر للقبور والاضرحة باطل فان قيل بصحته على الفقراء قلنا أن سدنة هذه الاضرحة ليسوا بفقراء بل هم الآن اغنى الناس على والفقراء حقيقة خلافهم من اولاد الناس الذين لا كسب لهم والكثير من اهل العلم الخاملين والذين يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف ولما استولى المترجم على وظيفة نظر المشهد الحسيني قهر السيد بدوي المباشر المذكور واخذ دار سكنه شرقي المسجد واخرجه منها وهدمها وانشأها دارا لنفسه ينزل بها ايام المولد المعتاد ويأتي اليها في كل جمعة او جمعتين ولما تم بناؤها ونظامها وقرب وقت ايام المولد انتقل اليها بخدمه وحريمه وتقدم الى حكام الشرطة بأمر الناس والمناداة على اهل الاسواق والحوانيت بالسهر بالليل ووقود السرج والقناديل خمس عشرة ليلة المولد وكان في السابق ليلة واحدة واحدثوا في تلك الليالي سيارات وجمعيات وطبولا وزمورا ومناور ومشاعل وجمع خلائق من اوباش العالم الذين ينتسبون الى الطرائق كالاحمدية والسعدية والشعيبية ويتجاوبون في وسط الطبول بألفاظ مستهجنة ينادون بها مشايخ طرقهم بكلمات وعبارات تشمئز منها الطباع وامرهم بأن يمروا من تحت داره ودعا امراء البلدة في ظرف تلك الايام متفرقين ودعا عابدين باشا يوم المولد ولما سكن بتلك الدار وهي قبالة الميضاة والمراحيض فكان يتضرر من الرائحة فقصد ابطالها من تلك الجهة فاشترى دارا قبلي المسجد

وهي بجانب حائط المسجد الجنوبية الفاصلة بينها وبين المسجد وادخل منها جانبا في المسجد وزاد فيه مقدار باكية وجعلها مرتفعة عن ارض المسجد درجة لتمتاز عن البناء القديم وجعل به محرابا ومن خلفه خلوة يسلك اليها من باب بصدر الليوان المذكور الى فسحة لطيفة امام الخلوة وبالخلوة شباك مطل على الليوان الصغير الذي بقبة الضريح وانشأ فيما بقي من الدار ميضاة ومراحيض وفتح لها بابا من داخل المسجد من أخره بجانب باب السبيل وابطل الميضاة القديمة لانحراف مزاجه وتأذيه من رائحتها وتحول عبور الناس من داخل وخارج الى هذه الجديدة واتت عليها عدة ايام ففاحت الروائح على المصلين ومن بالمسجد وما انضاف الى ذلك أيضا من البلل والتقذير من ارجل الاوباش لقربها من المسجد فلغط الناس ومن يحضر في اوقات الصلاة من اتراك خان الخليلي والتجار وشنعوا القالة وقاموا قومة واحدة واغلقوا الباب وابطلوا تلك الميضاة ومنعوا من دخولها وساعدهم المتصوفون من اجناسهم فانكسف بال المترجم لذلك ولم يمكنه تنفيذ فعله واعاد الميضاة القديمة كما كانت وجعل المستجدة مربطا للحمير يستغل اجرته بعد أن ازال تلك الميضاة ومحا اثر ذلك وكان بناء هذه الزيادة سنة ست بد المائتين ثم زاد في منزل سكنهم زيادة من ناحية البركة المعروفة ببركة الفيل خلف البستان اخذ في تلك الزيادة مقدارا كبيرا من ارض البركة وانشأ مجلسا مربعا متسعا مطلا على البركة من جهتيه وبوسطه عامود من الرخام وبلط دور قاعته بالرخام وجعل به مخدعا وخارجه فسحة كبيرة وشبابيكها مطلة على البركة وصارت القاعة القديمة المعروفة بالغزال الملتفت بابها في ضمن الفسحة وبها باب القيطون وسمى هذه المنشية الاسعدية وبتلك الفسحة باب يدخل منه الى منافع ومرافق ثم عن له التغيير والتبديل لاوضاع البيت من ناحية اخرى فهدم الساتر على القاعة الكبيرة وفسحتها وهي التي يسمونها بأم الافراح وهي من انشاء الشيخ أبي التخصيص وهي اعظم المجالس التى بدارهم مزخرفة بالنقوش

الذهب والقيشاني الصينى بجميع حيطانها والرخام الملون وبها الفسقية والسلسبيل والقمريات الملونة فكشف حائطها وادخل فسحتها في رحبة الحوش وهدم القاعة الاخرى التى كان يصعد اليها يسلم من الفسحة الاخرى وابطل الحواصل التى اسفلها وساواها بالارض وعمل بها فسقية بالرخام ومرافقها من داخلها وبها باب يتوصل منه الى الحريم وسماها الانوارية نسبة لكنيته وامامها فسحة عظيمة ديوان بدكك وكراسي بجانب البستان وبها الطرقة والدهليز الممتد بوسط البستان الموصل الى القاعة المسماة بالغزال والاسعدية وهدم المقعد القديم الذي به العامود وقناطره وما كان بظاهر الحاصل المسمى بحاصل السجادة من الحواصل السفلية وجعله مسجدا يصلى فيه الجمعة ونصب فيه منبرا للخطبة وذلك لبعد المساجد الجامعة عن داره وتعاظمه عن السعي الكثير والاختلاط بالعامة واخذ قطعة وافرة من بيت كتخدا الجاويشية وسع بها البستان وغرس بها الاشجار والرياحين والثمار وافنى غالب عمره في تحصيل الدنيا وتنظيم المعاش والرفاهية واقتناء كل مرغوب للنفس وشراء الجواري والمماليك والعبيد والحبوش والخصيان والتأنق في المآكل والمشارب والملابس واستخراج الادهان والعطريات المفرحة والمنعشة للقوة وتعاظم في نفسه وتعالى على ابناء جنسه حتى انه ترفع على لبس التاج وحضور المحيا بالازهر ليلة المعراج وكذا الحضور في مجلس وردهم الذى هو محل عزهم وفخرهم وصار يلبس قاووقا بعمامة خضراء تشبها بأكابر الامراء وبعدا عن التشبه بالمتعممين والفقهاء والمقرئين ولما طالت ايامه وماتت اقرانه والذين كان يستحي منهم ويهابهم وتقلبت عليه الدول واندرجت اكابر الامراء وتأمر اتباعهم ومماليكهم الذين كانوا يقومون على اقدامهم بين يدي مخاديمهم واسيادهم جلوس بالادب مع المترجم لا جرم كانت هيبته في قلوبهم اعظم من اسلافهم واستصغاره هو لهم كذلك فكان يصدعهم بالكلام وينفذ امره فيهم ويذكر الامير الكبير بقوله ولدنا الامير فلان

وحوائجه عندهم مقضية وكلامه لديهم مسموع وشفاعته مقبولة واوامره نافذة فيهم وفي حواشيهم وحريماتهم واتفق أن بعض اعاظم المباشرين من الاقباط توقف معه في امر فأحضره ولعنه وسبه وكشف رأسه وضربه على دماغه بزخمة من الجلد ولم يراع حرمة اميره وهو اذ ذاك امير البلدة ولما شكا الى مخدومه ما فعل به قال له ما تريد أن اصنع بشيخ عظيم ضرب نصرانيا فرحم الله عظامهم
واتفق أيضا أن جماعة من اولاد البلد ووجهائها اجتمعوا ليلة بمنزل بعض اصحابهم وتباسطوا فأخذ بعضهم يسخر ويقلد بعض اصحاب المظاهر فوشى للمترجم مجلسهم وانهم ادرجوه في سخريتهم فتسماهم واحضرهم واحد بعد واحد وعزرهم بالضرب والاهانة فكان كل قليل يقع في بيته الضرب والاهانة لافراد من الناس وكذلك فلاحو الحصص التى حازها والتزم بها فإنه زاد في خراجهم عن شركائه ويفرض عليهم زيادات ويحبسهم عليها شهورا ويضربهم بالكرابيج وبالجملة فقد قلب الموضوع وغير الرسم المطبوع بعد أن كان منزلهم محل سلوك ورشاد وولاية واعتقاد فصار كبيت حاكم الشرطة يخافه من غلط ادنى غلطة ويتحاماه الناس من جميع الاجناس وجلساؤه ومرافقوه لا يعارضونه في شىء بل يوافقونه ولا يتكلمون معه الا بميزان وملاحظة الاركان ويتأدبون معه في رد الجواب وحذف كاف الخطاب ونقل الضمائر عن وضعها في غالب الالفاظ بل كلها حتى في الاثار المروية والاحاديث النبوية وغير ذلك من المبالغات وتحسين العبارات والوصف بالمناقب الجليلة والاوصاف الجميلة حتى أن السيد حسينا المنزلاوي الخطيب كان ينشىء خطبا يخطب بها يوم الجمعة التى يكون المترجم حاضرا فيها بالمشهد الحسيني وبزاويتهم ايام المولد ويدرج فيها الاطراء العظيم في المترجم والتوسل به في كشف المهمات وتفريج الكروب وغفران الذنوب حتى اني سمعت قائلا يقول بعد الصلاة لم يبق على الخطيب الا أن يقول اركعوا واسجدوا واعبدوا شيخ السادات

ولما قدمت الفرنساوية الى الديار المصرية في اوائل سنة ثلاث عشرة ومائتين والف لم يتعرضوا له في شئ وراعوا جانبه وافرجوا عن تعلقاته وقبلوا شفاعاته وتردد اليه كبيرهم واعاظمهم وعمل لهم ولائم وكنت اصاحبه في الذهاب الى مساكنهم والتفرج على صنائعهم ونقوشهم وتصاويرهم وغرائبهم الىأن حضر ركب العثمانيين في سنة خمسة عشرة وحصلت بينهم المصالحة على انتقال الفرنساوية من ارض مصر ورجوعهم الى بلادهم على شروط اشترطوها بينهم وبين وزير الدولة العثمانية
ومنها حسابات تدفع اليهم واخرى تخصم عليهم وظن المترجم وخلافه اتمام الامر والارتحال لا محالة فعند ذلك لحقه الطمع فذكوا مصلحة دفعها لكاتب جيشهم في نظير الافراج عن تعلقاته وارسل يطلبها من بوسليك مدبر الجمهور وكذلك ما قبضه ترجمانه فقال هذه عوائد لا بد منها ودخلت في حساب الجمهور وتغير خاطرهم منه وكانت منه هفوة ترتب عليها بينهم وبينه الجفوة ولما انتقض الصلح وحصلت المفاقمة ووقعت المحاربة في داخل المدينة وتترست العساكر الاسلامية واهل البلد في النواحي والجهات وانقطع الجالب عن اهل البلد مدة ستة وثلاثين يوما التزم اغنياء الناس واصحاب المظاهر الاطعام والانفاق على المحاربين والمقاتلين في جهتهم ونواحيهم والتزم المترجم كغيره الانفاق على من حوله فلما انقضت ايام المحاربة وانتصر الفرنساوية ورجع الوزير ومن معه الى جهة الشام منهزمين فعند ذلك انتقم الفرنساوية من المبارزين لهم بأخذ المال بدلا عن الارواح وقبضوا على المترجم وحبسوه واهانوه اياما وفرضوا عليه قدرا عظيما من المال قام بدفعه كما ذكرنا ذلك مفصلا في محله وقيل أن الذي زاد الفرنساوية اغراء به مراد بك حين اصطلح معهم وعمل لهم ضيافة ببر الجيزة وسببه انه لما دهمت الفرنساوية وطلعوا الاسكندرية ووصل الخبر الى مصر اجتمع الامراء بالمساطب وطلبوا المشايخ ليشاوروا في هذا الحادث فتكلم المترجم وخاطبهم بالتوبيخ وقال كل هذا سوء

فعالكم وظلمكم واخر امرنا معكم ملكتمونا للافرنج وشافه مراد بك وخصوصا بأفعالك وتعديك انت وامرائك على متاجرهم واخذ بضائعهم واهانتهم فحقدها عليه وكتمها في نفسه حتى اصطلح مع الفرنساوية والقى اليهم ماالقاه ففعلوا ما ذكر وذلك في ثاني يوم الضيافة فلما رجع العثمانية في السنة الثانية الى مصر بمعونه الانكليز وصاروا بالقرب من المدينة حبسوا المترجم مع من حبس بالقلعة من ارباب الظاهر خوفا من احداتهم فتنة بالبلدة ومات ولده الذي كان سماه محمدا نور الله وهو معوق ومميوع فأذنوا له في حضوره جنازة ولده فنزل وصحبته شخص حرسي منهم فلازمه حتى واراه وعاد به ذلك الحرسي الى القلعة وكان هذا الولد مراهقا له من العمر اثنتا عشرة سنة كان في امله أن يكون هو الخليفة في بيتهم من بعده ويأبى الله الا ما يريد ولما انفصل الامر وارتحل الفرنساوية من ارض مصر ودخل اليها يوسف باشا الوزير ومن معه تقدم المترجم يشكو اليه حاله وما اصابه وادعى الفقر والاملاق مع أن الفرنساوية لم يحجزوا عنه شيئا من تعلقاته وايراده وجعل شكواه وما حصل له سلما للافراج عن جميع تعلقاته وايراده من غير حلوان كغيره من الناس وزاد على ذلك اشياء ومطالب ومسامحات ودعا الوزير الى داره وافراد رجال الدولة الذين بيدهم مقاليد الامور وعاد الى حالته في التعاظم والكبرياء وارتحل الوزير بعد استقرار محمد باشا خسروا على ولاية مصر وكان سموحا وكذلك شريف افندي الدفتردار فرمح في غفلتهما واستكثر من التحصيل والايراد الى أن تقلبت الاحوال وعادت للمصريين في سنة ثمان عشرة ثم خرجوهم وما وقع من الحوادث التي تقدم ذكرها واستقر محمد علي باشا وثبتت قدمه بمعونة العامة والسيد عمر مكرم بمملكة مصر وشرع في تمهيد مقاصد فكان السيد عمر يمانعه فدبر على اخراجه من مصر وجمع المشايخ واحضر المترجم وخلع عليه وقلده النقابة واخرج السيد عمر من مصر منفيا الى دمياط وذلك في سنة اربع وعشرين كما تقدم ووافق فعله ذلك

عرض المترجم بل ربما كان بمعونته لحقده الباطني على السيد عمر وتشوفه الى النقابة وادعائه انها كانت ببيتهم لكون الشيخ أبي هادي تولاها اياما ثم تولاها بعده أبو الامداد ثم نزل عنها لمحمد افندي البكري الكبير فلم يزل في نفس المترجم التطلع لنقابة الاشراف ويصرح بقوله انها من وظائفنا القديمة واحضر بها مرسوما من دار السلطنة واخفاه ولم يظهره مدة حياة محمد افندي البكري الكبير فلما مات وتقلدها ولده محمد افندي ادعاها واظهر المرسوم وشاع خبر ذلك فاجتمع الجم الغفير من الاشراف بالمشهد الحسيني ممانعين وقائلين لا نرضاه نقيبا ولا حاكما علينا فلم يتم له مراده فلما توفي محمد افندي الصغير ظن انه لم يبق له فيها منازع فلا يشعر الا وقد تقلدها السيد عمر بمعونة مراد بك وابراهيم بك لصحبته معهما ومرافقته لهما في الغربة حين كان المصريون بالصعيد فسكت على ضغن وغيظ يخفيه تارة ويظهره اخرى وخصوصا وهو يرى أن السيد عمر فلي ذلك دون ذلك بكثير فلما خرج الفرنساوية ودخل الوزير الى مصر وصحبته السيد عمر متقلدا للنقابة كما كان وانفصل عنها السيد خليل البكري وارتفع شأن السيد عمر وزاد امره بمباشرة الوقائع وولاية محمد علي باشا وصار بيده الحل والعقد والامر والنهي والمرجع في الامور الكلية والجزئية والمترجم يحقد عليه في الباطن ويظهر له خلافه وهو الاخر كذلك
ولكنني اخشاه وهو يخافني فيخفى ويبدو بيننا البغض والود فلما اخرج الباشا السيد عمر وتقلد المترجم النقابة وبلغ مأموله عند ذلك اظهر الكامن في نفسه وصرح بالمكروه في حق السيد عمر ومن ينتمي اليه او يواليه وسطر فيه عرضا محضرا الى الدولة نسب اليه فيه انواعا من الموبقات التي منها انه ادخل جماعة من الاقباط في الاشراف وقطع اناسا من الشرفاء المستحقين وصرف راتبهم للاقباط المدخلين ومنها انه تسبب في خراب الاقليم واثاره الفتن وموالاة البغاة المصريين وتطميعهم في المملكة حتى انه

وعدهم بالهجوم على البلدة يوم قطع الخليج في غفلة الباشا والناس والعساكر وانه هو الذي اغرى المصريين على قتل علي باشا برغل الطرابلسي حين قدم واليا على مصر وهو الذي كاتب الانكليز وطمعهم في البلادد مع الألفي حين حضروا الى اسكندرية وملكوها ونصر الله عليهم العساكر الاسلامية وغير ذلك من عبارات عكس القضية وتمنيق الاغراض النفسانية وكتب الاشياخ عليه خطوطهم وطبعوا تحتها ختومهم ما عدا الطحطاوي الحنفي فإنه تنحى عن الشرور وامتنع عن شهادة الزور فأوسعوه سخطا ومقتا وعزلوه من الافتا وقد تقدم خبر ذلك في حوادث سنة اربع وعشرين وانما المعنى باعادة ذلك لك هنا تتمة لترجمة المشار اليه وحذار من نقصها النسيان لأكثر جملها فلو سلمت الفكرة من النسيان لفاقت سيرته كان وكان وفي سنة ست وعشرين انشا دارا عظيمة بجانب المنزل وصرف جملا من المال وانشأ بها مجالس وقاعات ورواشن ومنافع ومرافق وفساقي وانشأ فيها بستانا غرس فيه انواع الاشجار المثمرة وادخل به ما حازه من دور الامراء المتخربة وكان السيد خليل البكري اشترى دارا بدرب الفرن وذلك بعد خروج الفرنساوية وخمول امره وعزله من مشيخة البكرية والنقابة وانشا بها بستانا انيقا وانشا قصرا برسم ولده مطلا على البستان فلما توفي السيد خليل تعدى على ولده سيدي احمد وقهره واخذ منه ذلك البستان بأبخس الاثمان وخلطه ببستان الدار الجديد وبنى سوره واحاطه واقام حائطا بينه وبين دار المذكور وطمسها واعماها وسدت الحائط شبابيك ذلك القصر واظلمته ولم يزل كلما طال عمره زاد كبره وقل بره وتعدى شره ولما ضعفت قواه تقاعد عن القيام لاعاظم الناس اذا دخل عليه محتجا بالاعياء والضعف ولازم استعمال المنعشات والمركبات المفرحة ولا يصلح العطار ما افسد الدهر
وفي شهر شوال من السنة التي توفي فيها احضر ابن اخيه سيدي احمد الذي تولى المشيخة بعده والبسه خلعة وتاجا وجعله وكيلا عنه في نقابة

الاشراف واركبه فرسا بعباءة وارسله الى الباشا صحبة سيدي محمد المعروف بابي دفية وامامه جاويشية النقابة على العادة فلما دخلا الى الباشا وعرفه المرسول بأن عمه اقامه وكيلا عنه فقال مبارك فأشار اليه أن يلبسه خلعة فقال أن موكله البسه ولم يتقلدها بالاصاله ولو كنت قلدته انا كنت اخلع عليه والبسه فقام ونزل الى داره التي اسكنه بها عمه وهي الدار التي عند المشهد الحسيني وحضر اليه الناس للسلام والتهنئة وفي هذه السنة أيضا عن للمترجم أن يزيد في السجد الحسيني زيادة مضافة لزيادتة الاولى التي كان زادها في سنة ست ومائتين والف فهدم الحاط التي كان بناها الجنوبية وادخل القطعة التي كان عمل بها الميضاة وزاد باكية اخرى وصف عواميد وصارت مع القديمة ليوانا واحدا وشرع في بناء دار عظيمة لينزل فيها وقت مجيئه هناك في ايام المولد وغيره عوضا عن الدار التي نزل عنها لابن اخيه فتكون هذه بعيدة عن روائح الميضاة القديمة وتكون بالشارع وتمر من تحتها مواكب الأشاير ولا يحتاجون الى تعديهم المسجد ودخولهم من طريق باب القبة وجعل بالحائظ الفاصل بين الزيادة والدار المستجده شبابيك مطلة على المسجد لينظر منها المجالس والقودات من يكون بالدار من الحريم وغيرهم فما هو الا وقد هرب اتمام ذلك الا وقد زاد به الاعياء والمرض وانقطع عن النزول من الحريم وتمت الزيادة ولم يق الا اتمام الدار فيستعجل ويشتم المشد والمهندس وينسب اليهم اهمال استحثاث العمال ويقول قد قرب المولد ولم تكمل الدار فأين نجلس ايام المولد هذا وكل يوم يزيد مرضه وتورمت قدماه وضعف عن الحركة هو يقول ذلك ويؤمل الحياة فلما زاد به الحال وتحقق الرحيل الى مغفرة المولى الجليل اوصى لاتباعه بدراهم ولذي الفقار الذي كان كتخدا الألفي والان في خوالة بستان الباشا الذي بشبرا بخمسمائة ريال لكون زوجته خشداشة حريمه هما من جواري اسماعيل بك الكبير وليكون معينا لها ومساعدا في مهماتها ولسيدي محمد أبي دفية مثلها في نظير خدمته

وتقيده وملازمته له واوصى أن لايغسل الا على سريره الهندي الذي كان ينام عليه في حياته ليكون مخالفا للعالم حتى في حال الموت فلما كان يوم الاحد ثامن عشر ربيع الاول من السنة انقضى نحبه وتوفي الى رحمة الله تعالى وقت العصر وبات بالمنزل ميتا فلما اصبح يوم الاثنين غسل وكفن كما اوصى على السرير وخرجوا بجنازته من المنزل ووصلوا بها الى الازهر فصلى عليه بعد ما انشد المنشد مرثية من انشاء العلامة الشيخ حسن العطار وجعل براعة استهلالها الاشارة الى ما كان عليه المترجم من التعاظم والتفاخر فقال ... سلام على الدنيا فقد ذهب الفخر ...
ثم حمل الى مشهد اسلافه بالقرافة ودفن في التربة التي اعدها لنفسه بجانب مقام جدهم وتقلد مشيخة سجادتهم في ذلك اليوم السيد احمد بن الشيخ يوسف وهو ابن عمه وعصبته وكنيته أبو الاقبال بإجماع من الخاص والعام وجلس هو واخوه سيدي يحيى لتلقي العزاء وفي الصباح حضر الى الرباط بالخرنفش وكان بزاوية الرباط المذكور خلوة جدهم اقام بها حين حضر من الغرب الى مصر وعادتهم اذا تولى شخص منهم المشيخة لا بد أن يأتي في الصباح ويدخل الخلوة فيجلس بها حصة لطيفة فيتروحن وتلبش الولاية فلما كان المترجم هدم حائط تلك الخلوة زاعما انه خاتمة اوليائه وانه لم يأت من يصلح للمشيخة سواه وكأنه اخذه بذلك عهدا وميثاقا ولم يعلم أن ربه لم يزل خلاقا وان الولاية ليست بفعل العبد ولا بالسعي والقصد قال تعالى في محكم آياته الله اعلم حيث يجعل رسالاته وقال سبحانه
الا أن اولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون وان اولياء ه الا المتقون تسأله التوفيق والهدايا والحفظ عن اسباب الغواية ولما كان القديمة حضر المتولي وصحبته اشياخ الوقت والسيد محمد المحروقي وجماعة الحزب وغيرهم من المتفرجين وقد جعلوا على محل الخلوة سائرا بدل الحائط المهدوم ودخل المتولي خلفها وقرا جماعة الحزب شيئا من القرآن ثم قام

النقيب مع الشيخ البكري فتلقوا الشيخ فخرج على الحاضرين متطيلسا وصافحهم وركب بصحبتهم الى القلعة فخلع عليه كتخدا بك خلعة سمور وقاموا ونزلوا الى زاويتهم بالقرافة وامامهم جماعة الحزب وجاويشية النقابة فجلسوا حصة وقرؤا احزابهم ثم ركب ورجع الى المنزل وجلس مع اخيه لعمل المأتم والقراءة الجمعية على العادة وارسل كتخدا بك ساعيا يخبر موته الى الباشا بالضيوم لانه لما سافر الى جهة قبلي ووصل الى ناحية بني سويف ركب بغلة سريعة العدو وركب خلفه خواصه بالهجن والبغال فوصلها في اربع ساعات وانقطع اكثر المتوجهين معه ومات منهم سبعة عشر هجينا ورجع الساعي بعد ثلاثة ايام بجواب الرسالة ومضمونها عدم التعرض لورثة المتوفي حتى يقدم الباشا من غيبته فبقي الامر على السكوت اربعة عشر يوما وحضر الباشا ليلة الاحد ثامن ربيع الاخر فبمجرد وصوله الى الجيزة ارسل بالختم على منزلهم فما يشعرون الا وحسين كتخدا الكتخدا بك وبيت المال واصل اليهم ومعه آخرون فختموا على المجالس التي بالحريم ومجلس الجلوس الرجالي ختموا على خزائنه وقبضوا على الكاتب القبطي المسمى عبد القدوس والفراش وحبسوهما وعدى الباشا من ليلته الى بر مصر وطلع الى القلعة فركب اليه في صبحها المشايخ وصحبتهم ابن اخي المتوفي وهو الذي تولى المشيخة فخاطبوه وقالوا له كلاما معناه أن بيوت الاشياخ مكرمة ولم تجر العادة بالختم على اماكنهم وخصوصا أن هذا المتوفي كان عظيما في بابه وانتم اخبر به وكان لكم به مزيد عناية ومراعاة فقال نعم اني لا اريد اهانة بيتهم ولا اطمع في شئ مما يتعلق بمشيختهم ولاوظائفهم القديمة ولا يخفاكم أن المتوفي كان طماعا وجماعا للمال وطالت مدته وحاز التزامات واقتطاعات وكان لايحب قرابته ولايخصهم بشئ بل كتب ما حازه لزوجته وهي جارية نهاية ثمنها الفا قرش او اقل او اكثر ولم يكتب لاولاد اخيه شيئا فلا يصح أن امه تختص بذلك كله والخزينة اولى به لاحتياجات مصاريف العساكر ومحاربة الخوارج

واستخلاص الحرمين وخزينة السلطان وانا ارفع الختم رعاية لخواطركم فدعوا له وقاموا الى مجلس الكتخدا وخلع على الشيخ المتولي فروة سمور اخرى وقلد السيد محمد الدواخلي نقابة الاشراف وخلع عليه فروة سمور عضا عن سيدي احمد أبي الاقبال على خلافة السادات فانفصل من النقابة ونزلت الجاويشية ولوازم النقابة مثل باش جاويش والكاتب امام الدواخلي وخلفه وقلد السيد المحروقي نظارة المشهد الحسيني عوضا عن المتوفي وكان فرغ بها لابن اخيه فلم ينفذ الباشا ذلك وفي ثاني يوم حضر الاعوان الى بيت السادات وفكوا الختوم وطلبوا سقاء الحريم فأخذوه معهم واوجعوه بالضرب واحضروا البناء وسألوهما عن محل الخبايا ثم رجعوا الى المنزل ففتحوا مخبأة مسدودة بالبناء فوجدوا بها قوالب مساند قطيفة غير محشوة ووجدوا نحاسا وقطنا واواني صيني فتركوا ذلك وذهبوا وابقوا بالدار عدة من العسكر فباتوا بها ثم رجعوا في ثالث يوم وفتحوا مخبأة اخرى فوجدوا بها اكياسا مربوطة فظنوا بداخلها المال ففتحوها فوجدوا بها بن قهوة وبغيرها صابون وشموع عسل ولم يجدوا شيئا من المال فتركوا تلك الاشياء ونزلوا الى قاعة جلوسه وفتحوا خزانة فوجدوا بها نقودا فعدوها وحصروها فبلغت مائة وسبعة وعشرين كيسا فأخذوها ثم سعى السيد محمد المحروقي في مصالحة الباشا حتى قرر عليهم ألف كيس وخمسين كيسا وخمسة اكياس براني لبيت المال وخصموا منها الذي وجدوه بالخزانة وطولبوا بالباقي وذلك بعد التشديد والتهديد على الزوجة وتوعدوها بالتغريق في البحر أن لم تظهر المال وامر الكاتب حساب ايراده ومصرفه في كل سنة وما صرفه في الابنية وينظر ما يتبقى بعد ذلك في مدة سنين ماضية فلم يزل السيد محمد المحروقي يدافع ويسعى حتى تقرر القدر المذكور والتزم هو بدفعه وحولت عليه الحوالات وضبط الباشا حصص الالتزام التي كتبت بإسم الزوجة ومنها قلقشندة بالقليوبية وسوادة ودفرينة بالجهة القبلية وغير ذلك وبعد انقضاء عدة الزوجة استأذن

السيد المحروقي الباشا في عقد نكاحها على ابن اخي المتوفي الذي هو السيد احمد أبو الاقبال الذي تولى خلافة بيتهم فاذن بذلك فحضر في الحال واجرى العقد بعد أن حكمت عليه بطلاق التى في عصمته وهي جاريتها زوجته في حياة عمه ورزق منها اولاد واستقر المشار اليه في المنزل خليفة وشيخا على سجادتهم وسكن معه اخوه سيدي يحيى زادهما الله توفيقا وخيرا واتفاقا واشرق نجم المتصدر على افق السعادةاشراقا فهو أبو الاقبال المتحلي بالجمال والكمال في المهد ينطق عن سعادة جده اثر النجابة واضح البرهان ... أن الهلال اذا رأيت نموه ... ايقنت أن سيزيد في اللمعان ...
ومات الشيخ الناسك محمد بن عبدالرحمن اليوسي المغربي وردالى مصر وحج ورجع ونزل بدار الحاج مصطفى الهجين العطار منجمعا عن خلطة الناس والسعي على طريقة حميدة ومذاكرة حسنة ويأتي اليه الناس يزورونه ويتبركون به ويسألونه الدعاء ويستفهمون منه مسائل فجيب كل انسان بما ينسر منه بتواضع وانكسار وتزهيد في الدنيا وتمرض سنينا وتوفي يوم الثلاثاء عشرين المحرم وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بجانب الخطيب الشربيني بتربة المجاورين وهي القرافة الكبرى

ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين والف
استهل المحرم بيوم الجمعة
فيه في ليلة الجمعة ثامنه وردت مكاتبات من الديار الحجازية وفيها الاخبار بأن الباشا قبض على الشريف غالب امير مكة وقبض على اولاده الثلاثة واربعة عبيد طواشية من عبيده وارسلهم الى جدة وانزلهم في مركب من مراكبه وهي واصلة بهم والذي وصل في مركب صغيرة تسمى السبحان سبقتهم في الحضور الى السويس واخبروا أيضا في المكاتبة انه لما قبض عليهم احضر يحيى ابن الشريف سرور وقلده الامارة عوضا عن عمه غالب وقبضوا أيضا على وزيره الذي بجدة واصحبوه معهم وقلد مكانه في الكمارك شخصا من الاتراك يسمى علي الوجاقلي فلما وصل الهجان بهذه

المكاتبة الى السيد محمد المحروقي ليلا ركب من وقته الى كتخدا بك في بيته واطلعه على المكاتبات فلما طلع النهار نهار يوم الجمعة ضربوا عدة مدافع من القلعة اعلاما وسرورا بذلك
وفيه احتفل كتخدا بك بعمل مهم أيضا لزواج اسمعيل باشا ابن محمد علي باشا ومحمد بك الدفتردار على ابنة الباشا واسماعيل باشا على ابنة عارف بك ابن خليل باشا التى احضرها صحبته من اسلامبول وقد ذكر العقد عليهما في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان من السنة الماضية قبل توجه الباشا الى الحجاز فألزم كتخدا بك السيد محمد المحروقي بتنظيم الفرح والاحتياجات واللوازم واتفقوا على أن يكون نصبة الفرح ببركة الازبكية تجاه بيت حريم الباشا وطاهر باشا تعمل الولائم واجتماع المدعوين ببيت طاهر باشا والمطبخ بخرائب بيت الصابونجي وارسدوا اوراق التنابيه للمدعوين على طبقات الناس بالترتيب ونصبوا بوسط البركة عدة صواري لاجل الوقدات والقناديل التى تعمل عليها التصاوير من القناديل فترى من البعد صورة مركب او سبعين متقابلين او شجرة او محمل على جمل او كتابة مثل ما شاء الله نحو ذلك وصفوا بوسط البركة عدة مدافع صفين متقابلين ونصب بهلوان الحبل حبله اوله من اتجاه بيت الباشا وآخره برأس المنارة التى جهة حارة الفوالة خلف رصيف الخشاب حيث الابنية المتخربة في الحوادث الماضية بالقرب من القشلة وعمارات محمد باشا خسرو التى لم تكمل وبهلوان آخر شامي بالناحية الاخرى وانتقل السيد محمد المحروقي من داره الى بيت الشرايبي تجاه جامع ازبك لاجل مباشرة المهمات فلما اصبح يوم السبت وهو يوم الابتداء ودعوة الاشياخ رتبوهم فرقتين فرقة تاني ضحوة النهار واخرى بعد العصر واجتمع بالازبكية اصناف ارباب الملاعيب والمغز لكين والجنباذية والحببظية والحواة والقرداتية والرقاصين والربامكة وغير ذلك اصناف واشكال فاحتفلت واقبل من كل ناحية اصناف الناس رجال ونساء واقارب واباعد واكابر واصاغر وعساكر وفلاحون ويهود

ونصارى واروام لاجل التفرج حتى ازدحمت الطرق الموصلة الى الازبكية من جميع النواحي بأنصاف الناس الذاهبين والراجعين والمترددين واستمر ضرب المدفع من ليلة السبت المذكور الى ليلة الجمعة التالية الاخرى ليلا ونهارا والحرائق والنفوط والسواريخ في الليل ولعبت ارباب الملاعيب والبهلوانات على الحبال وكذلك احتفل النصارى وعملوا وقدات وحراقات تجاه حاراتهم ومساكنهم وصادف ذلك عيد الميلاد وعملوا لهم مراجيح وملاعيب
وفي اثناء ذلك وقع التنبيه على اصحاب الحرف والصنائع بعمل عربات مشكلة وممثلة بحرفتهم وصنائعهم ليمشوا بها في زفة العروس فاعتنى اهل كل حرفة وصناعة بتنميق وتزيين شكله وتباهوا وتناظروا وتفاخروا على بعضهم البعض فكان كل من سولت له نفسه وحدثه الشيطان باحداث شىء فعله وذهب الى المتعين لذلك فيعطيه ورقة لان ذلك لم يكن لاناس مخصوصة او عدد مقدر بل بتحكماتهم والزم بعضهم البعض فيفرض رئيس الحرفة على اشخاص اهلها فرائض ودراهم يجمعها منهم وينفقها على العربة وما يلزمها من اخشاب وحبال وحمير او خيل او رجال يسحبونها وما يكتريه او يستعيره لزينتها من المزركشات والمقصبات والطليعات وادوات الصنعة التى تتميز بها عن غيرها فتصير في الشكل كأنها حانوت والبائع جالس فيها كالحلواني وامامه الاواني فيها انواع الحلو والسكري وحوله اواني الملبس واقماع السكر معلقة حوله والشربات والشربتلي والعطار والحريري والعقاد البلدي والرومي والزيات والحداد والنجار والخياط والقزاز والحباك والنشار وهو ينشر الخشب بمنشاره المعلق والطحان والفران ومعه الفرن وهو يخبز فيه الفطاطري والجزار وحوله لحم الغنم ومثله جزار الجاموس والكبابجي والنيفاوي وقلاء الجبن والسمك والجيارين والجباسين بالبحر والثور يدور به وهو ماش بالعربة والبناء والمبلط والمبيض النحاس وللبناء والسمكري تتمته

احدى وتسعون عربة وفيهم حتى المراكبي في قنجة كبيرة كامل العدة والقلوع تمشى على الارض على العجل خلاف اربع عربات المختصة بالعروس فلما كان يوم الاربعاء سحبوا تلك العربات وانجروا بمواكبهم وطبولهم وزمورهم وامام كل عربة اهل حرفتها وصناعتها مشاة خلف الطبول والزمور وهم مزينون بالملابس وملابسهم الفاخرة واكثرها مستعارة فكانوا ينزلون الى البركة من ناحية باب الهواء ويمرون من تحت بيت الباشا الى ناحية رصيف الخشاب ويأتي كبير الحرفة بورقته الى المتعين لملاقاتهم فينعم عليه بخلعة ودراهم فيعطى البعض شال كشميري والفين فضة والبعض طاقة تفصيلة قطني او اربعة اذرع جوخ على قدر مقام الصنعة واهلها واستمر مرورهم من اول النهار الى بعد الغروب واصطفوا بأسرهم عند رصيف الخشاب ولما اصبح يوم الخميس رتبوا مرور الزفة وعين لترتيبها اشخاصا ومنهم السيد محمد درب الشمسي وهو كبير المنظمين وكان خروجها من بيت الحريم وهو الذي كان سكن الشيخ خليل البكري وذهبوا وانجروا على طريق الموسكي على تحت الربع الى باب زويلة إلى الغورية الى بين القصرين الى سوق مرجوش الى باب الحديد الى بولاق الى سراية اسماعيل باشا التى جددوها قبلي بولاق قريبا من الشون فلم تصل الى منزلها الا عند الغروب وكان اول الزفة طائفة من العسكر الدلاة ثم والي الشرطة ثم المحتسب ثم موكب آغات الينكجرية وبعدهم المساخر والنقاقير وعدتها عشرة نقاقير وعلى كل نقارة تفصيلة ثم العربات المذكورة وفيها أيضا تجار الغورية وطائفة تجار خان الخليلي في موكب حفل وتجار الحمزاوي من نصارى الشوام وغيرهم وكان يوما مشهودا اجتمعت فيه الخلائق للفرجة في طرقها حتى طريق بولاق واكترى الناس الاماكن المطلة على الشارع والحوانيت بأغلى الاثمان ولما وصلت العروس الى قصرها ضربوا عدة مدافع من بولاق والازبكية والجيزة وكان العزم على المهم الثاني والابتداء فيه من يوم السبت الذي بعد الجمعة فرسموا

بتأخير الى الجمعة الاخرى لتأخر ام العريس ومن يصحبها من النساء واقمن ببولاق تلك الجمعة واستمرت قصبة الصواري والحبال والالات على حالها بالازبكية
وفي يوم الاحد سابع عشره وصل السيد غالب شريف مكة الى مصر القديمة وقد اتت به السفينة من القلزم الى مرساة ثغر القصير فتلقاه ابراهيم باشا وحضر صحبته الى قنا وقوص ثم ركب النيل بمن معه من اولاده وعبيده والعسكر الواصلين صحبته وحضر الى مصر القديمة فلما وصل الخبر الى كتخدا بك ضربوا عدة مدافع من القلعة اعلاما بوصوله واكراما على حد قوله تعالى دق انك انت العزيز الكريم وركب صالح بك السلحدار واحمد أغا اخو كتخدا بك في طائفة لملاقاته واحضاره وهيؤا له مكانا بمنزل احمد أغا اخي كتخدا بك بعطفة ابن عبد الله بك بخط السروجية لينزل فيه وانتظره الكتخدا بك بعطفه ابن عبد الله بك بخط السروجية لينزل فيه وانتظره الكتخدا هناك وصحبته بونابارته الخازندار ومحمود بك ومحو بك وابراهيم أغا آغات الباب والسيد محمد المحروقي فلما وصل الى الدار نزل الكتخدا والجماعة ولا قو عند سلم الركوبة وقبلوا يده ولزم الكتخدا بيده تحت ابطه حتى صعد الى محل الجلوس الذي اعدوه له واستمر الكتخدا قائما على قدميه حتى اذن له في الجلوس هو وباقي الجماعة وعرفه الكتخدا عن السيد محمد المحروقي فتقدم وقبل يده فقام له وسلم عليه وجلس بحذاء الكتخدا ليترجم عنه في الكلام ويؤانسوه ويطمنوا خاطره ثم ان الكتخدا اعتذر له باشتغاله باحوال الدولة واستأذنه في الذهاب الى ديوانه وعرفه أن اخاه ينوب عنه في الخدمة ولوازمه فقبل عذره وقام منصرفا هو وباقي الجماعة ما عدا السيد محمد المحروقي ومحمود بك فإن الكتخدا امرهما بالتخلف عنده ساعة فجلسا معه وتغديا صحبته ومعه اولاده الثلاثة وعبيد ثم انصرفا الى منزلهما ولم يأذن الكتخدا لاحد من الاشياخ او غيرهم من التجار بالسلام عليه والاجتماع به والذي بلغنا في كيفية القبض عليه انه لما ذهب الباشا الى مكة واستمر هو وابنه

طوسون باشا مع الشريف غالب على المصادقة والمسالمة والمصافاة وجدد معه العهود والايمان في جوف الكعبة بأن لا يخون احد صاحبه وكان الباشا يذهب اليه في قلة وهو الاخر ياتي اليه والى ابنه كذلك واستمروا على ذلك خمسة عشر يوما من ذي القعدة دعاه طوسون باشا اليه فأتى اليه كعادته في قلة فوجد بالدار عساكر كثيرة فعند ما استقر به المجلس وصل عابدين بك في عدة وافرة وطلع الى المجلس فدنا منه واخذ الجنبية من حزامه وقال له انت مطلوب للدولة فقال سمعا وطاعة ولكن حتى اقضى اشغالي في ظرف ثلاثة ايام واتوجه فقال لا سبيل الى ذلك والسفينة حاضرة في انتظارك فحصل في جماعة الشريف وعبيده رجة وصعدوا على ابراج سرايته وارادوا الحرب فأرسل اليهم الباشا يقول لهم أن وقع منكم حرب احرقت البلدة وقتلت استاذكم وارسل لهم أيضا الشريف يكفهم عن ذلك وكان بها اولاده الثلاثة فحضر اليهم الشيخ احمد تركي وهو من خواص الشريف وخدمهم وقال لهم لم يكن هناك باس وانما والدكم مطلوب في مشاورة مع الدولة ويعود بالسلامة وحضرة الباشا يريد أن يقلد كبيركم نيابة عن ابيه الى حين رجوعه ولم يزل حتى انخدع كبيرهم لكلامه وقاموا معه فذهب بهم الى محل خلاف الذي به والدهم محتفظا بهم وفي الوقت احضر الباشا الشريف يحيى بن سرور وهو ابن اخي الشريف غالب وخلع عليه وقلده امارة مكة ونودي في البلدة بإسمه وعزل الشريف غالبا حسب الاوامر السلطانية واستمر الشريف غالب اربعة ايام عند طوسون باشا ثم اركبوه واصحبوا معه عدة من العسكر وذهبوا به وبأولاده الى بندر جدة وانزلوهم السفينة وساروا بها من ناحية القصير من صعيد مصر وحضر كما ذكر
وفي يوم الاربعاء وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده مثالان فعمل كتخدا بك ديوانا في صبيحة يوم الخميس حادي عشرينه وقرئ ذلك وهما مثالان يتضمن احدهما التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر على

السنة الجديدة والثاني الاخبار والبشارة باستيلاء العثمانيين على بلاد الصرب ولما فرغوا من قراءتها ضربوا عدة مدافع من القعلة وفي عصرية ذلك اليوم حضر حريم الباشا من بولاق الى الازبكية في عربات فضربوا لحضورهن مدافع من الازبكية وشرعوا في عمل المهم الثاني لابنة الباشا على الدفتردار وافتتحوا ذلك من ليلة السبت على النسق المتقدم وعملوا العزائم والولائم واحتفلوا زيد من المهم الاول واحضروا الشريف غالبا واعدوا له مكانا ببيت الشرايبي على حدته هو واولاده ليتفرجوا على الملاعيب والبهلوانات نهارا والشنك والحراقات ليلا وعلى الشريف واولاده الحرس ولايجتمع بهم احد على الوجه والصورة التي كانوا عليها بالمنزل الذي نزلوا فيه فلما كان في يوم الاربعاء اجتمع ارباب العربات واصحابها وقد زادوا عن الاولى خمسة عشر عربة وفيهم معمل الزجاج وباتوا بنواحي البركة على النسق المتقدم ونصبوا لهم خياما تقيهم من البرد والمطر لان الوقت شات ولما اصبح يوم الخميس انجرت العربات وموكب الزفة من ناحية باب الهواء على قنطرة الموسكي على باب الخرق على درب الجماميز وعطفوا من الصليبة على المظفر على السروجية على قصبة رضوان بك على باب زويلة على شارع الغورية على الجمالية على سوق مرجوش على بين السورين على لازبكية على باب الهواء الى المنزل الذي اعدوه لها وهو بيت ابنة اسمعيل بك وهي بنت ابراهيم بك وكانت متزوجة بإسمعيل بك ولما مات تزوج بها مملوكه محمد أغا ويعرف بالالفي وقد تولى اغاوية مستحفظان في هذه الدولة واعتنى بهذه الدار وعمر بها مكانين بداخل الحريم وزخرفها ونقشها نقشا بديعا صناعة صناع العجم واستمروا في نقشها سنتين ولما ماتت المذكورة في اوائل هذه السنة واستمر هو ساكنا فيها وانزل الباشا عنده القاضي المنفصل عن قضاء مصر المعروف ببهجة افندي وقاضي مكة صادق افندي حين حضر من اسلامبول ثم امره الباشا بالخروج منها واخلائها لاجل أن يسكن بها ابنته هذه المزفوفة

فخرج منها في اوائل شوال وكذلك سافر القاضيان الى الحجاز بصحبة الباشا وعند ذلك بيضوها وزادوا في زخرفتها وفرشوها بأنواع الفرش الفاخرة ونقلوا اليها جهاز العروس والصناديق وما قدم اليها من الهدايا والامتعه والجواهر والتحف من الاعيان وحريماتهم حتى من نساء الامراء المصريين المنكوبين وقد تكلفوا فوق طاقتهم وباعوا واستدانوا وغرموا في النقوط والتقادم والهدايا في هذين المهمين ما اصبحوا به مجردين ومديونين وكان اذا قدمت احدى المشهورات منهن هديتها عرضوها على ام العروسين التي هي زوجة الباشا فقلبت ما فيها من المصاغ المجوهر والمقصبات وغيرها فإن اعجبتها تركتها والا امرت بردها قائلة هذا مقام فلانة التي كانت بنت امير مصر او زوجة فتتكلف المسكينة للزيادة ونحو ذلك مع ما يلحقها من كسر الخاطر وانكساف البال ثم ادخلوا العروس الى تلك الدار عندما وصلت بالزفة
ومما حصل انه قبل مرور موكب الزفة بيومين طاف اصحاب الشرطة ومعهم رجال وبأيديهم مقياس فكلما مروا بناحة او طريق يضيق عن القياس هدموا ما عارضهم من مساطب الدكاكين او غيرها من الجهتين لاتساع الطريق لمرور العربات والملاعيب وغيرها فأتلفوا كثير من الابنية ونودي في يوم الاربعاء بزينة الحوانيت والطرق التي تمر عليها الزفة بالعروس
ومما حصل من الحوادث السماوية أن في يوم الخميس المذكور عندما توسطت الزفة في مرورها بوسط المدينة اطبق الجو بالغيام وامطرت السماء مطرا غزيرا حتى تبحرت الطرق وتوحلت الارض وابتلت الخلائق من النساء والرجال المجتمعين للفرجة وخصوصا الكائنين بالسقائف وفوق الحوانيت والمساطب واما المتعينون للمشي في الموكب ولابد الذين لامفر لهم من ذلك ولا مهرب فاختل نظامهم وابتلت ثيابهم وتكدرت طباعهم وانتقضت اوضاعهم وزادت وساوسهم وتلفت ملابسهم وهطل الغيث على الابريسم والحرير والشالات الكرخانة والسليمي والكشمير

وما زينت بها العربات من انواع المزركش والمقصبات ونفذت على من بداخلها من القيان والاغاني الحسان وكثير من الناس وقع بعدما تزحلق وصار نوبة بالوحل ابلق ومنهم من ترك الزفة وولى هاربا في عطفة يمسح بيده في الحيط بما تلطخ بها من الرطريط وتعارجت الحمير وتعثرت البياجير وانهدم تنور الزجاج ولم ينفع به العلاج وتلف للناس شئ كثير ولايدفع قضاء الله حيلة ولاتدبير ولم تصل العروس الى دارها الا قبيل دنو الشمس من غروبها وعند ذلك انجلى الجو وانكشفت بيوت النور ووافق ذلك اليوم ثالث عشر طوبة من شهور القبط المحسوبة وحصل بذلك الغيث العميم النفع لمزارع الغلة والبرسيم
وفيه وردت مكاتبات من العقبة فيها الاخبار بوصول قافلة الحج صحبة المحمل واميرها مصطفى بك دالي باشا
وفي يوم الجمعة تاسع عشرينه وصل كثير من الحجاج الاتراك وغيرهم وردوا في البحر الى بندر السويس ووصل تابع قهوجي باشا واخبر عنه انه فارق مخدومه من العقبة ونزل في مركب مع ام عابدين بك وحضر الى السويس

واستهل شهر صفر بيوم الاحد سنة
مما وقع في ذلك اليوم من الحوادث أن صناع البارود الكائنين بباب اللوق حملوا نحو عشرة حمال من الجمال اوعية ملانه بارودا وهي الظروف المصنوعة من الجلود التي تسمى البطط يريدون بها القلعة فمروا من باب الخرق الى ناحية تحت الربع فلما وصلوا تجاه معمل الشمع وبصحبة الجمال شخص عسكري فتشاجر مع الجمال ورد عليه القول فحنق منه فضربه بفرد الطبنجة فأصابت احدى البطط فالتهبت بالنار وسرت الى باقي لاحمال فالتهب الجميع وصعد الى عنان السماء فاحترقت السقيفة المطلة على الشارع وما بناحيتها من البيوت والذمم اسفلها من الحوانيت وكذلك من صادف مروره في ذلك الوقت واحترق ذلك العسكري

والجمال فيمن احترق واتفق مرور امرأة من النساء المحتشمات مع رفيقتها فاحترقت ثيابها مع رفيقتها وذهبت تجري والنار ترعى فيها وكانت دارها بالقرب من تلك الناحية فما وصلت الى الدار حتى احترق ما عليها من الثياب واحترق اكثر جسدها ووصلت الاخرى بعدها وهي محترقة وعريانة فماتت من ليلتها ولحقتها الاخرى في صحوة اليوم الثاني ومات في هذه الحادثة اكثر من المائة نفس من رجال ونساء واطفال وصبيان واما الجمال فأخذوها الى بيت أبي الشوارب وهي سود محترقة الجلود وفيها من خرجت عينه فاما يعالجوها او ينحروها وكل هذه الذي حصل من الحرق والموت والهدم في طرفة عين
وفي الاثنين وصل مصطفى بك امير ركب الحجاج الى مصر وترك الحجاج بالدار الحمراء فبات في داره واصبح عائدا الى البركة فدخل مع المحمل يوم الاربعاء ودخل الحجاج واتبعهم بحيث انه اخذ المسافة في احد وعشرين يوما وسبب حضور المذكور انه ذهب بعساكره وعساكر الشريف من الطائف الى ناحية تربة والمتأمر عليها امرأة فحاربتهم وانهزم منها شر هزيمة فحنق عليه الباشا وامره بالذهاب الى مصر مع المحمل
وفيه ارسل الباشا يستدعي اثنتين او ثلاثة عينهن من محاظيه وصحبتهن خمسة من الجواري السود الاسطاوات في الطبخ وعمل انواع الفطور فأرسلوهن في ذلك اليوم الى السويس وصحبتهن نفيسة القهرمانة وهي من جواريه أيضا وكانت زوجا لقاضي اوغلى المحتسب الذي مات بالحجاز في العام الماضي
وفيه أيضا وصل حريم الشريف غالب فعينوا له دارا يسكنها مع حريمه جهة سويفة العزى فسكنها ومعه اولاده وعليهم المحافظون واستولى الباشا على موجودات الشريف غالب من نقود وامتعة وودائع ومخبات وشرك وتجارات وبن وبهار ونقود بمكة وجدة والهند واليمن شئ

لايعلم قدره الا الله واخرجوا حريمه وجواريه من سرايته بما عليهن من الثياب بعد ما فتشوهن تفتيشا فاحشا وهتك حرمته قل الهم مالك الملك هذا الشريف غالب انتزع من مملكته وخرج من دولته وسيادته وامواله وذخائر وانسل من ذلك كله كالشعرة من العجين حتى انه لما ركب وخرج مع العسكر وهم متوجهون به الى جدة اخذوا مافي جيوبه فليعتبر من يعتبر وكل الذي وقع له وما سيقع له بعد من التغريب وغيره فيما جناه من الظلم ومخالفة الشريعة والطمع في الدنيا وتحصيلها بأي طريق نسأل الله السلامة وحسن العاقبة
وفي يوم الخميس خامسه طاف الاغا أيضا بأسواق المدينة وامامه المناداة على ابواب الخانات والوكائل من التجار بأنهم لايتعاملون في بيع البن والبهار الا بحساب الريال المتعارف في معاملة الناس وهو الذي يصرف تسعين نصفا لان باعة البن لايسمون في بيعه الا الفرانسة ولا يقبضون في ثمنه الا اياها بأعيانها ولايقبلون خلافها من جنس المعاملات فيحصل بذلك تعب للمتسببين الفقراء والقطاعين ومن يشتري بالقنطار او دونه فبهذه المناداة يدفع المشتري مايشاء من جنس المعاملات قروشا او ذهبا او فرانسة او أي صنف من المعاملات ويحسبه المعاملة والريال المعروف بين الناس الذي صرفه تسعون نصفا فضة واذا سمى سعر القنطار فلا يسمى الا بهذا الريال وهذه المناداة بإشارة السيد محمد المحروقي بسبب ما كان يقع من تعطيل الاسباب
وفيه سافر محمود بك وصحبته المعلم غالي للكشف عن قياس الاراضي البحرية التي نزل اليها القياسون بصحبة مباشريهم من النصارى والمسلمين من وقت انحسار الماء عن الاراضي وانتشروا بالاقاليم البحرية وهم يقيسون بقصبة تنقص عن القصبة القديمة
وفي يوم الاثنين تاسعه وصل حريم الشريف غالب من السويس فأنزلوهن ببيت السيد محمد المحروقي وعدتهن خمسة احداهن جارية

بيضاء والاربعة حبشيات ومعهن جواري سود وطواشية وحضر اليهم سيدهم وصحبته احمد أغا اخو كتخدا بك وصحبتهم نحو العشرين نفرا من العسكر واستمر الجميع مقيمين بمنزل المذكور وهو يدري عليهم النفقات اللائقة بهم والمصاريف وفصل لهم كساوي من مقصبات وكشمير وتفاصيل هندسة
وفي يوم السبت رابع عشره خرج محو بك الى ناحية الاثار بعساكره ليسافر من ساحل القصير الى الحجاز باستدعاء الباشا فاستمر مقيما هناك عدة ايام لمخالفة الريح وارتحل في اواخره وفي اوائل هذا الشهر بل والذي قبله وعملوا كورنتينة في اسكندرية ودمياط فيه رجع محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما

واستهل شهر ربيع الاول
وفيه انتقل الشريف غالب بعياله من بيت السيد محمد المحروقي الى المنزل الذي اعدوه له وهو بيت لطيف باشا بسويقة العزى بعد ما اصلحوه وبيضوه واسكنوه به وعليه اليسق والعسكر الملازمون لبابه
وفيه ابرز كتخدا بك فرمانا وصل اليه من الباشا يتضمن ضبط جميع الالتزام لطرف الباشا ورفع ايدي المتزمين عن التصرف بل الملتزم يأخذ فائظه من الخزينة فلما اشيع ذلك ضج الناس وكثر فيهم اللغط واجتمعوا على المشايخ فطلعوا الى كتخدا بك وسألوه فقال نعم ورد من افندينا امر ذلك ولايمكنني مخالفته فقالوا له كيف تقطعون معايش الناس وارزاقهم وفيهم ارامل وعواجز وللواحدة قيراط او نصف قيراط يتعيشن من ايراده فينقطع عنهن فقال يأخذن الفائظ من الخزينة العامرة عرضحال وننتظر الجواب فأجابهم الى ذلك من باب المسايرة وفك المجلس وشرع الشيخ المهدي في ترصيف العرضحال فكتبوه وختموا عليه بعد امتناع البعض الذي ليس له التزام وكثر اللغط فيهم بسبب ذلك

وفي خامسه حضر جمع كثير من النساء الملتزمات الى الجامع الازهر وصرخوا في وجوه الفقهاء وابطلوا الدروس وبددوا محافظهم واوراقهم فتفرقوا وذهبوا الى دورهم وكان قد اجتمع معهم الكثير من العامة واستمروا في هرج الى بعد العصر ثم جاءهم من يقول لهم كلاما كذبا سكن به حدتهم فانفض الجمع وذهب النساء وهن يقلن نأتي في كل يوم على هذا المنوال حتى يفرجوا لنا عن حصصنا ومعايشنا وارزاقنا وفي ظن الناس وغفلتهم أن في الاناء بقية اوانهم يدفعون الرزية وما علموا أن البساط قد انطوى وكل قد ضل واضل وغوى ومال عن الصراط واتبع الهوى وكلب الجور قد كشر انيابه وعوى ولم يجد له طاردا ولا معارضا ولا معاندا ولما وصل الخبر الى كتخدا بك طلب بعض المشايخ وقال له ما خبر هذه الجمعية بالازهر فقال له بسبب ما بلغهم عن قطع معاشهم وانما انتم الذين تسلطونهم على هذه الفعال لاغراضكم ولابد اني استخبر على من غراهم واخرج من حقه وطلبه علي أغا الوالي وقال له اخبرني عن هؤلاء النساء من أي البيوت فقال وما علمي ومن يميزهن وغالبهن وأكثرهن نساء العساكر ولا قدرة لي على منعهن وانفض المجلس وبردت همتهم وانكمشوا وشرعوا في تنفيذ ما امروا به وترتيبه وتنظيمه
وفيه حضر محمود بك والمعلم غالي فأقاما اياما وسافرا في ثالث عشره
وفيه احضروا حسن أغا محرم المعروف بنجائي من اقليم المنوفيه وهو مريض وتوفي في ثاني يوم ودفن
وفي خامس عشره مر الاغا والوالي واغات التبديل وهم يأمرون الناس بكنس الاسواق ورشها حالا في ذلك الوقت من غير تأخير فابتدر الناس ونزلوا من حوانيتهم وبأيديهم المكانس يكنسون بها تحت حوانيتهم ثم يرشونها
وفي تاسع عشره حضر الشريف عبد الله ابن الشريف سرور ارسله الباشا الى مصر من ناحية القصير منفيا من ارض الحجاز فأنزلوه بمنزل

احمد أغا كتخدا بك محجورا عليه ولم يجتمع بعمه ولم يره
وفيه كثر الطلب للريال الفرانسه بسبب احتياج دار الضرب وما يرسل الى الباشا من ذلك والزموا التجار باحضار جملة من ذلك ويأخذون بدلها قروشا فوزعوا مقادير على افرادهم بما يحتمله وجمعوا ماقدروا عليه منها
وفيه شنق شخص يسمى صالحا عند باب زويلة واستمر معلقا يومين وسبب ذلك انه يدعي الجذب والولاية وتزوج امرأة واخذ متاعها ومالها وحصل لها خلل في عقلها فأنهوا امره الى كتخدا بك فامر بحبسه واستخلصوا منه جانبا مما اخذه من متاع المرأة وكثر كلام الناس في حقه فامر الكتخدا بشنقه
وفي اواخره حضر ابراهيم بك ابن الباشا من الجهة القبلية ونزل بالبيت الذي اشتراه بنحاية الجمالية بدرب المسمط وهو بيت احمد بن محرم

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاربعاء سنة
وفي ليلة الاثنين سادسه حضر ميمش أغا من ناحية الحجاز مرسلا من عند الباشا بأستعمال حسن باشا للحضور الى الحجاز وكان قبل ذلك بأيام ارسل يطلب سبعة الاف عسكري وسبعة الاف كيس فشرع كتخدا بك في استكتاب اشخاص من اخلاط العالم ما بين مغاربة وصعايدة وفلاحي القرى فكان كل من ضاق به الحال في معاشه يذهب ويعرض نفسه فيكتبونه وان كان وجيها جعله اميرا على مائة او مائتين ويعطيه اكياسا يفرقها في انفاره ويشتري فرسا وسلاحا ويتقلد بسيف وطبنجات وكذلك انفاره ويلبسون قناطيش ولباسا مثل لبس العسكر ويعبى له وزنه بارود تحت ابطه وياخذ على كتفه بندقية ويمشون امام كبيرهم مثل الموكب وفيهم اشخاص من الغعلة الذين يستعملون في شيل التراب والطين في العمائر وبرابرة وارسل الكتخدا الى الفيوم وغيرها بطلب

رجال من امثال ذلك وجمعوا الكثير من ارباب الصنائع مثل الخبازين والفرانين والنجارين والحدادين والبيطارة وغيرهم من ارباب الصنائع ويسحبونهم قهرا فأغلق الفرانون مخابزهم وتعطل خبيز خبز الناس اياما
وفيه ورد الطلب لحسن باشا فشرع في تشهيل احواله ولوازم سفر ثم حضر ميمش أغا باستعجاله واستعجال المطلوبات من الاموال وغيرها
وفيه قبضوا على اليهود الموردين الذين يوردون الذهب والفضة لدار الضرب بسبب احضار الفرانسة وقد قلت بأيدي الناس جد الكثير اخذها والطلب لها وانقطاع مجيئها من بلادها فحبسوهم وضربوهم وانزلوا في اسوا حال متحيرين وذلك أن راتب الضربخانة سبعة ألاف في كل يوم عنها ثلاثة وستون ألف درهم وقدرها ثلاث مرات من النحاس يضربون ذلك قروشا حتى بلغ سعر النحاس القراضة مائة وعشرين نصفا فضة
وفي تاسعه حضر محمود بك الدويدار والمعلم غالي من سرحتهما الى مصروهما المتأمران على مباشرة قياس الاراضي وتشهيل المال المفروض وسبب حضورهما أن ابراهيم باشا ارسل بطلبهما للحضور ليتشاور معهما في امر فاقاما اربعة ايام وعادا راجعين الى شغلهما
وفي منتصفه سافر ابراهيم باشا عائدا الى اسيوط وذهب صحبته اخوه اسمعيل باشا والبيكات الصغار خوفا وهروبا من الطاعون
وفيه كمل تعمير الجامع الذي عمره دبوس اوغلي الذي بقرب داره التي بفيط العدة وهو جامع جوهر العيني وكان قد تخرب فهدمه جميعه وانشأه وزخرفه ونقل لعمارته انقاضا كثيرة واخشابا ورخاما من بيت أبي الشوارب وعمل به منبرا بديع الصنعة واستخلص جهة اوقافه اطيانا واماكن من واضعي اليد
وفيه ارسلوا جملة اخشاب الى حجاز مطلوبة الى الباشا
وفيه ايضا نادوا على سكان الجيزة بالخروج منها بعد عصر يوم

السبت ومن لايريد الخروج فلا يخرج بعد ذلك ومن خرج فلا يدخل وامهلوهم الى الغروب فخرجوا بأمتعتهم واطفالهم واولادهم واوانيهم الى خارج البلدة وبات الاكثر منهم تحت السماء لضيق الوقت على الرحيل الى بلدة اخرى وخرج ايضا الكثير من عساكرهم واتباعهم ممن لايريد المقام والحبس فكانوا كلما وجدوا من حمل متاعه من اهل البلدة على حمار ليذهب الى جهة يستقر بها رموا به الى الارض واخذوا الحمار وحصل لاهل الجيزة في تلك الليلة مالا مزيد عليه من الكر ب والجلاء عن اوطانهم وكل ذلك مجرد وهم مع قلة وجود الطعن الا النزر السير
وفي ثالث عشرينه سافرت خزينة المال المطلوبة الى الباشا الى جهة السويس واصبحوا معها عدة كبيرة من عسكر الدلاة لخفارتها وقدرها الفان وخمسمائة كيس جميعها قروش

شهر جمادي الاولى سنة
استهل بيوم الجمعة في ثالثه خرج حسن باشا بعساكره ونزل بعساكره ونزل بوطاقه وخيامه التي نصبت له بالعادلية قبل خروجه بيومين
وفي رابعه وصلت هجانة من ناحية الحجاز بطلب حسين بك دالي باشا واخشاب واحتياجات وجمال والذي اخبر به المخبرون عن الباشا وعساكره وان طوسون باشا وعابدين ركبوا بعساكرهم على ناحية تربة التي بها المرأة التي يقال لها غالية فوقعت بينهم حروب ثمانية ايام ثم رجعوا منهزمين ولم يظفروا بطائل ولان العربان نفرت طباعهم من الباشا لما حصل منه في حق الشريف من القبض عليه وهاجر الكثير من الاشراف وانضموا الى الاخصام وتفرقوا في النواحي ومنهم شخص يقال له الشريف راجح فأتى من خلف العسكر وقت قيام الحرب وحاربهم ونهب الذخيرة والاحمال وقطع عنهم المدد واخبروا أن الجمال قل وجودها عند الباشا ويشتريها من العربان المسالمين له بأغلى ثمن واخبروا أيضا انه واقع بالحرمين غلاء شديد لقلة الجالب واحتكار الباشا للغلال الواصلة اليه

من مصر فيبيعه حتى على عسكره بأغلى ثمن مع التجبر على المسافرين والحجاج في استصحابهم شيئا من الحب والدقيق فيفتشون متاعهم في السويس ويأخذون ما يجدونه معهم مما يتزودون به في سفرهم من القمح او الدقيق وما يكون معهم من الفرانسة لنفقتهم واعطوهم بدلها من القروش
وفيه بلغ صرف الريال الفرانسة من الفضة العددية ثمانمائة وعشرين نصفا عنها ثمانية قروش والمشخص عشرون قرشا وقل وجود الفرانسة والمشخص والمحبوب المصري بأيدي الناس جدا ثم نودي على أن يصرف الريال بسبعة قروش والمشخص بستة عشر قرشا وشددوا في ذلك وعاقبوا من زاد على ذلك في قبض اثمان المبيعات واطلقوا في الناس جواسيس وعيونا فمن عثروا عليه في مبيع اوغيره أنه قبض بالزيادة احاطوا به واخذوه وعاقبوه بالحبس والضرب والتغريم وربما ارسلوا من طرفهم اشخاصا متنكرين ياتي احدهم للبائع فيساومه السلعة كانه مشتر ويدفع له في صمن الثمن ريالا او مشخصا ويحسبه بحسابه الاول ويناكره في ذلك فربما تجاز البائع خوفا من بوار سلعته وخصوصا اذا كانت البيعة رابحة او بيعة استفتاح على زعم الباعة وقلة الزبون بسبب وقف حال الناس او افلاسهم فما هو الا أن يتباعد عنه يسيرا فما يشعر الا وهو بين يدي الاعوان ويلاقي وعده
وفي منتصفه وصلت قافلة من السويس وفيها جملة من العسكر المتمرضين ونحو العشرة من كبارهم نفاهم الباشا الى مصر وفيهم حجوا اوغلى ودالي حسن وعلي اغادرمنلي وترجوا وحسن أغا ازرجنلي ومصطفى ميسوا واحمد أغا قنبور
وليه أيضا خرج عسكر المغاربة ومن معهم من الاجناس المختلفه الى مصر العتيقة ليذهبوا من ناحية القصير الى الحجاز واما محو بك فإنه لم يزل بقنا القلة ! المراكب بالقصير التي تحملهم الى الحجاز

وفي سادس عشره وصلت قافلة وفيها انفار من اهل مكة والمدينة وسفار وبضائع تجارة بن واقمشة وبياض شئ كثير وقد اتت الى جدة من تجارات الشريف غالب ولم يبلغهم خبر الشريف غالب وما حصل له فلما حضر وضع الباشا يده عليه جميعه وارسل الى مصر فتولى ذلك السيد محمد المحروقي ورقها على التجارة بالثمن الذي قدره عليهم والزمهم أن لايدفعوه الا فرانسة
وفي هذا الشهر وصل الخبر بموت الشيخ مسعود كبير الوهابية وتولى مكانه ابنه عبد الله
وفيه خرج طائفة الكتبة والاقباط والروزنامجي والجاجرتية وذهب الجميع الى جزيرة شلقان ليحرروا دفاتر على الروك الذي راكوه من قياس الاراضي زيادة الاطيان وجفل الكثير من الفلاحين واهالي الارياف وتركوا اوطانهم وزرعهم وهالهم هذا الواقع لكونهم لم يعتادوه ويألفوه وباعوا مواشيهم ودفعوا أثمانها في الذي طلع عليهم في الزيادات الهائلة وسيعودون مثل الكلاب ويعتادون سلخ الارهاب واما الملتزمون فبقوا حيارى باهتين وارتفع ايدي تصرفهم في حصصهم ولايدرون عاقبة امرهم منتظرين رحمة ربهم وان وقت الحصاد وهم ممنوعون عن ضم زرع وسياهم الى أن اذان لهم الكتخدا بذلك وكتب لهم اوراقا وتوجهوا بأنفهسم او بمن ينوب عن مخدومه واراد ضم زرعه ولم يجد من يطيعه بهم وتطاولوا عليهم بالالسنة فيقول الحرفوش منهم اذا دعى للشغل بأجرته روح انظر غيري انا مشغول في شغلي انتم ايش بقالكم في البلاد قد انقضت ايامكم احنا صرنا فلاحين الباشا وقد كانوا مع الملتزمين اذل من العبيد المشترى فربما أن العبد يهرب من سيده اذا كلفه فوق طاقته او اهانه بالضرب واما الفلاح فلا يمكنه ولايسهل به أن يترك وطنه واولاده وعياله ويهرب واذا هرب الى بلدة اخرى واستعلم استاذه مكانه احضره قهرا وازادا ذلا ومقتا واهانة وكان من طرائفهم انه اذا آن وقت الحصاد والتحضير طلب الملتزم اوقائم مقامه الفلاحين فينادي عليهم

الغفير امس اليوم المطلوبين في صبحه بالتبكير الى شغل اللمتزم فمن تخلف لعذر احضره الغفير او المشد وسحبه من شنبه واشبعه سبا وشتما وضربا وهو المسمى عندهم بالعونة والسخرة واعتادوا ذلك بل يرونه من اللازم الواجب وهذا خلاف ما يلقونه من الاذلال والتحكم من مشايخهم والشاهد والنصراني الصراف وهو العمدة والعهدة خصوصا عند قبض المال فيغالطهم ويناكرهم وهم له اطوع من استاذهم وامره نافذ فيهم فيأمر قائمقام بحبس من شاء اوضربه محتجا عليهم ببواقي لايدفعها واذا غلق احدهم ماعليه من المال الذي وجب عليه في قائمة المصروف وطلب من المعلم ورده وهي ورقه الغلاق وعده لوقت اخر حتى يحرر حسابه فلا يقدر الفلاح على مرادته خوفا منه فإذا سأله من بعد ذلك قال له بقي عليك جبتان من فدان او خروبتان او نحو ذلك ولايعطيه ورقة الغلاق حتى يستوفي منه قدر المال او يصانعه بالهدية والرشوة وغير ذلك امور واحكام خارجة عن ادراك البهيمية فضلا عن البشرية كالشكاوي ونحوها وذلك كما اذا تشاجر احدهم مع اخر على امر جزئي بادر احدهم الحضور الى الملتزم وتمثل بين يديه قائلا اشكو اليه فلانا بمائة ريال مثلا فبمجرد قوله ذاك يأمر بكتابة ورقة خطابا الى قائمقام او المشايخ بأحضار ذلك الرجل المشتكي واستخلاص القدر الذي ذكره الشاكي قليلا او كثيرا او حبسه وضربه حتى يدفع ذلك القدر ويرسل والورقة مع بعض اتباعه ويكتب بها مشها كراء طريقة قليلا او كثير او يسمونه حق الطريق فعند وصوله اول شئ يطالب به الرجل حق الطريق المعين ثم الشكوى فإن بادر ودفعها والا حبس او حضر به المعين الى بيت استاذه فيوعده الحبس ويعاقبه بالضرب حتى يوفي القدر الذي تلفظ به الشاكي وان تاخر عن حضوره المعين اردفه بآخر وحق طريق الاخر كذاك ويسمونها الاستعجالة وغير ذلك احكام وامور غير معقولة المعنى قد ربوا عليها واعتادوا لايرون فيها بأسا ولاعيبا وقد سلط الله على هؤلاء الفلاحين

بسوء افعالهم وعدم ديانتهم وخيانتهم واضرارهم لبعضهم البعض من لايرحمهم ولايعفو عنهم كما قال فيهم البدر الحجازي وسبعة بالفلح قد انزلت لما حووه من قبيح الفعال شيوخهم استاذهم والمشد والقتل فيما بينهم والقتال مع النصارى كاشف الناحية وزد عليها كدهم في اشتغال وفقرهم ما بين عينيهم مع اسودادالوجه الوجه هذا النكال وإذا التزم بهم ذو رحمة إزدروة في أعينهم واستهانوا به وبخدمه وماطلوه في الخراج وسموه بأسماء النساء وتمنوا زوال التزامه بهم وولاية غيره من الجبارين الذين لايخافون ربهم ولايرحمهم لينالوا بذلك اغراضهم بوصول الاذى لبعضهم وكذلك اشياخهم اذا لم يكن الملتزم ظالما يتمكنون هم أيضا من ظلم فلاحيهم لانهم لهم يحصل له رواج لا بطلب الملتزم الزيادة والمغارم فياخذون لانفسهم في ضمنها ما احبوا وربما وزعوا خراج اطيانهم وزراعاتهم على الفلاحين وقد انحرم هذا الترتيب بما حدث في هذه الدولة من قياس الاراضي والفدن وما سيحدث بعد ذلك من الاحداثات التي تبدوا قرائنها شيئا بعد شئ
وفي ثاني عشرينه برز حسن بك دالي باشا خيامه الى خارج باب النصر وخرج هو في ثاني يوم في موكب ونزل بوطاقه ليتوجه الى الحجاز على طريق البر
وفي ليلة الاربعاء سابع عشرينه قبل الغروب بنحو نصف ساعة وصل جراد كثير مثل الغمام وصار يتساقط على الدور والاسطحة والازقة مثل الغمام وافسد كثيرا من الاشجار وانقطع اثره في ثاني يوم
وفي يوم الاثنين عاشره ارتحل حسن باشا من ناحية الشيخ فمر الى بركة الحج
وفي منتصفه حضر الروزنامجي والافندية بعد ان استملى منهم القبط الدفاتر واسماء الملتزمين ومقادير حصصهم ثم حضر محمود بك والمعلم غالي ومن معهم من الكتبة الاقباط وظهر للناس عند حضورهم نتيجة

ماصنعوه ونظموه ورتبوه من قياس الاراضي ورك البلاد وهو أن الاراضي زادت في القياس بالقصبة التي قاسوا بها وحدودها مقدار الثلث او الربع حتى قاسوا الرزق الاحباسية بأسماء اصحابها ومزارعيها واطيان الوسايا على حدتها حتى الاجران وما لا يصلح للزراعة وما يصلح من البور الصالح وغير الصالح فلما تم ذلك حسبوها بزياداتها الافدنة ثم جعلوها ضرائب منها ضريبة خمسة عشر ريالا واربعة عشر واثني عشر واحد عشر وعشرة مال الفدان بحسب جودة الاقليم والارض فبلغ ذلك مبلغا عظيما بحيث أن البلدة التي كانت يفرض عليها في مغارم الفرض التي كانوا فرضوها قبل ذلك في سنيهم الماضية ويتشكي منها الفلاحون والملتزمون ويستغيثون ويبقى منها بواقي ويعجوزن عنها ألف ريال طلع عليها في هذه اللفة عشرة آلاف ريال الى مائة ألف واقل واكثر واحضر الكتخدا ابراهيم أغا الرزاز والشيخ احمد يوسف وخلع عليهما خلعتين وجعلوا لهما ديوانا خاصا لمن يلتزم بالقدر الذي تحرر على حصته التي في تصرفه فيعطونه ورقة تصرف ويكتب على نفسه وثيقة بأجل معلوم يقوم بدفع ذلك ويتصرف في حصته بشرط أن لايكون له الا اطيان الاوسية أن ساء زرعها واخذ غلتها وان شاء اجرها لمن شاء وليس له من مال الخراج الا المال الحر المعين بسند الديوان والمعروف بالتقسيط وما زاد في قياس الارض من بين الفلاحة والاوسية فهو للميري قل او اكثر واما الرزق الاحباسية المرصدة على البر والصدقة ولاهل المساجد والاسبلة والمكاتب والخيرات فإنهم مسحوها بقايسهم فما وجدوه زائدا عن الحد الاصلي جعلوه للديوان وما بقى قيدوه وحروره بإسم واضع اليد عليها وإسم وافقها وزعها او ما يمليه المزارع الحاضر وقت القياس وسؤال المباشرين وقرروا عليها المال مثل ضريبة البلد فإن اثبتها صاحبها وكان بيده سند جديد من ايام الوزير وشريف افندي وما بعده على سبقه لوقت تاريخه قيدوا له نصف مال تآجرها والنصف الثاني الباقي للديوان ورسموا لكاتب الرزق أن

يعمل ديوانا لذلك ومعه عدة من الكتبة ويأتي اليه الناس بأوراق سنداتهم فمن وجد بيده سندا جديدا كتب له صورة قيد الكشف بموجب ما هو بدفتره في ورقة فيذهب بها ألى الديوان فيقيدون ذلك بعد البحث والتعنت من الطرفين ويقع الاشتباه الكثير في اسماء اربابها واسماء حيضانها وغيطانها فيكلفون صاحب الحاجة بإثبات ما ادعاه ويكتب له اوراقا لمشايخ الناحية وقاضيها بإثبات ما يدعيه ويعود مسافرا ويقاسي ما يقاسيه من مشقة السفر والمصرف ومعاكسة المشايخ وقاضي الناحية ثم يعود الى الديوان بالجواب ثم يمكن الاحتجاج عليه بحجة اخرى وربما كان سعيه وتعبه على فدان واحد او اقل او اكثر وازدحم الناس على بيت كاتب الرزق وانفتح له بذلك باب لانه لايكتب كشفا حتى يأخذ عليه دراهم تعينت على قدر الافدنة واضاع الكثير من الناس ما تلقوه عن اسلافهم وما كانوا يرتزقون منه واهملوا تجديد السندات واتكلوا على ما بأيديهم من السندات القديمة لجهلهم وظنهم انقضاء الامر وعدم دوام الحال وتغير الدولة وعود النسق الاول او لفقرهم وعدم قدرتهم على ما ابتدعوه من كثرة المصاريف التي تصرف على تجديد السند واشتغال ما الحماية التي قدرها شريف افندي على اراضي الرزق عن كل فدان عشرة انصاف او خمسة فكثير من الناس استعظم ذلك واعتمد على اوراقه القديمة فضاعت عليه رزقته وانحلت واخذها الغير والذي لم يرض بالتوت بل ولاحصل حطبة رضي بالولاش وكان الشان في امر الرزق أن اراضيها تزيد عن موقوع اراضي البلاد زيادة كثيرة وخراجها اقل من خراج اراضي البلاد الذي يقال له المال الحر الاصلي وليس عليها مصاريف ولا مغارم ولا تكاليف فالمزارع من الفلاحين اذا كان تحت يده تآجر رزقه او رزقتين فإنه يكون مغبوطا ومحسودا في اهل بلده ويدفع لصاحب الاصل القدر النزر والمزارع يتلقى ذلك سلفا عن خلف ولايقدر صاحب الاصل أن يزيد عليه زيادة وخصوصا اذا

كانت تحت يد بعض مشايخ البلاد فلا يقدر احد أن يتعدى عليه من الفلاحين ويستأجرها من صاحبها وان فعل لايقدر على حمايتها والكثير من الرزق واسعة القياس جدا وما لها قليل جدا وخصوصا في الاراضي القبلية فإن غالبها رزق وشراوي ومتأخرات لم تمسح ولم يعلم لها فدادين ولا مقادير وقد تزيد أيضا بانحسار البحر عن سواحلها وكذلك في البلاد البحرية ولكن دون ذلك ومعظم اراضي الرزق القبلية مرصدة على جهات الاوقاف بمصر وغيرها والواضعون ايديهم عليها لا يدفعون لجهاتها ولا لمستحقيها الا ما هو مرتب ومقرر من الزمن والاول السابق وهو شئ قليل وليتهم لو دفعوه فإن في اوقاف السلاطين المتقدمة القطمة من الاراضي التي عبرتها اكثر من ألف فدان وخراجها خمسون زكيبة والزكيبة خمس ويبات او من الدراهم الفان فضة واقل واكثر وهي تحت يد بعض كبراء البلاد يزرعها ويأخذ منها الالوف من الاردب من اجناس الغلال ويضمن ويبخل بدفع ذاك القدر اليسير لجهة وقفه ويكسر السنة على السنة فإن كانت يد صاحب الاصل قوية او كان واضع اليد فيه خيرية وقليل ما هم دفع لاربابها ثمنها بعد أن يرد الخمسين الى الاربعين بالتكسير والخلط ثم يبخس الثمن جدا فإن كان ثمن الاردب اربعمائة حسبه باربعين نصفا او اقل فيعود ثمن الخمسين زكيبة الى ثمن زكيبتين وقس على ذلك والذي يكون تحت يده شئ من اطيان هذه الاوقاف ورثها من بعده ذريته فزرعوها وتقاسموها معتقدين ملكيتها تلقوها بالارث من مورثهم ولايرون أن لاحد سواهم فيها حقا ولايهون بهم دفع شئ لاربابه ولو قل الاقهرا وبالجملة ما اصاب الناس الا ما كسبت ايديهم ولاجنوا لاثمرات اعمالهم وكان معظم ادارات دوائر عظماء النواحي وتوسعاتهم ومضايفهم من هذه الارزاق التي تحت ايديهم بغير استحقاق الى أن سلط الله عليهم من استحوذ على جميع ذلك وسلب عنهم ما كانوا فيه من النعمة وتشتتوا في النواحي وتغربوا عن اوطانهم وخربت دورهم

ومضايفهم وذهبت سيادتهم وكم اهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من احدا وتسمع له ركزا وفي بعض ارزاق من مات اربابه وخربت جهاته ونسي امره وبقي تحت يد من هو تحت يده من غير شئ اصلا وقد اخبرني بنحو ذلك شمس الدين ابن حمودة من مشايخ برما بالمنوفية عند ما احضر الى مصر في وقت هذا النظام انه كان في حوزهم ألف فدان لاعلم للملتزم ولا غيره بها وذلك خلاف ما بأيديهم من الرزق التي يزرعونها بالمال اليسير وخلاف المرصد على مساجد بلادهم التي لم يبق لها اثر وكذلك الاسبلة وغيرها واطيانهم تحت ايديهم من غير شئ وخلاف فلاحتهم الظاهرة بالمال القليل لمصارف الحج لانها كانت من جملة البلاد الموقوفة على مهمات امير الحاج وقد انتسخ ذلك كله
وفيه اخبر المخبرون أن مراكب الموسم وصلت في هذا العام الى جدة وكان لها مدة سنين ممتنعة عن الوصول خوفا من جور الشريف وزواله وتملك الدولة البلاد وظنهم فيهم العدل فاطمأنوا وعبوا متاجرهم وحضروا الى جدة فجمع الباشا مكوسهم فبلغت اربعة وعشرين لكاواللك الواحد مائة ألف فرانسة فيكون اربعة وعشرين مائة ألف فرانسة فقبضها منهم بضائع ونقودا وحسب البضائع بأبخس الاثمان ثم التفت الى التجار الذين اشتروا البضائع وقال لهم اني طلبت منكم مرارا أن تقرضوني المال فادعيتم الافلاس ولما حضر الموسم بادرتم ياخذه وظهرت اموالكم التي كنتم تبخلون بها فلا بد أن تقرضوني ثلثمائة ألف فرانسة فصالحوه على مائتي ألف دفعوها له نقودا وبضائع مشترواتهم حسبها لهم العشرة ستة ثم فرض على اهل المدينة ثلاثين ألف فرانسه

واستهل شهر رجب سنة
في خامسه ضربوا عدة مدافع واخبروا بوصول بشارة وان عساكرهم حاربوا قنفدة واستولوا عليها ولم يجدوا بها غير اهلها
وفي سادسه سار حسين بك دالي باشا بعساكره الخيالة برا
وفيه عزم على السفر والد محرم بك زوج ابنة الباشا الى بلاده وذلك

يعد عود من الحجاز فأرسلوا الى الاعيان تنابيه بالامر لهم بمهاداته ففعلوا وعبوا له بقجا وبناوازا واقمشة هندية محلاوية كل امير على قدر مقامه
وفي ليلة الادثنين تاسعه حصلت في وقت اذان العشاء زلزلة نحو دقيقتين وكان المؤذنون طلعوا على المنارات وشرعوا في الاذان فلما اهتزت بهم ظن كل من كان على منارة سقوطها فأسرعوا بالنزول فلما علموا انها زلزلة طلعوا واعادوا الاذان وسقط من شرائف الجامع الازهر شرافة وتحركت الارض أيضا في خامس ساعة من الليل ولكن دون الاولى وكذلك وقت الشروق هزة لطيفة
وفي حادي عشره هرب الشريف عبد الله ابن الشريف سرور في وقت الفجرية ولم يشعروا بهروبه الا بعد الظهر فلما بلغ كتخدا بك الخبر فتكدر لذلك وارسل الى مشايخ الحارات وغيرهم وبث العربان في الجهات فلما كان ليلة السبت حضروا به وقت الغروب وقد حجزوه بحلوان واتوا به الى بيت السيد محمد المحروقي فأخذه الى كتخدا بك فأرسله الى بيت اخيه احمد أغا ومن ذلك الوقت ضيقوا عليه ومنعوه من الخروج والدخول بعد أن كان مطلق السراح يخرج من بيت احمد أغا ويذهب الى بيت عمه الشريف غالب ويعود وحده فعند ذلك ضيقوا عليه وعلى عمه أيضا
وفي يوم الخميس تاسع عشره حضر المشايخ عند كتخدا بك وعاودوه في الحطاب فيما احدثوه على الرزق وعرفوه انه يلزم من هذا الاحداث ابطال المساجد والشعائر فتنصل من ذلك وقال هذا شئ لا علاقة لي فيه وهذا شئ امر به افندينا ومحمود بك والمعلم غالي ثم كلموه أيضا في صرف الجامكية المعروفة بالسائرة والدعاجوي للفقراء والعامة فوعدهم بصرفها وقت ما يتحصل المال فإن الخزينة فارغة من المال
وفي يوم السبت حضر محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما فذهب اليهم المشايخ في ثاني يوم ثم خاطبوهما بالكلام في شأن الرزق فأجابهم المعلم غالي بقوله يا اسيادنا هذا امر مفروغ منه بأمر افندينا من عام اول

من قبل سفره فلا تتعبوا خاطركم واجب عليكم مساعدته خصوصا في خلاص كعبتكم ونبيكم من ايدي الخوارج فلم يردوا عليه جوابا وانصرفوا
وفي يوم الاحد تاسع عشرينه حصل كسوف شمس وكان ابتداؤه بعد الشروق ومتداره قريبا من ثلثي الجرم وثم انجلاؤه في ثاني ساعة من النهار وكانت الشمس ببرج السرطان اربعا وعشرين درجة في حادي عشره ابيب القبطي
وفيه وصلت القافلة من ناحية السويس واخبر الواصلون عن واقعة قنفذة وما حصل بها بعد دخول العسكر اليها وذلك انهم لما ركبوا عليها برا وبحرا وكبيرهم محمود بك وزعيم اوغلي وشريف أغا فوجدوها خالية فطلعوا اليها وملكوها من غير مدافع ولا مدجافع وليس بها غير اهلها وهم اناس ضعاف فقتلوهم وقطعوا اذانهم وارسلوها الى مصر ليرسلوها الى اسلامبول وعندما علم العربان بمجئ الاتراك خلوا منها ويقال لهم عرب العسير وترافعوا عنها وكبيرهم يسمى طامي فلما استقر بها الاتراك ومضى عليهم بها نحو ثمانية ايام رجعوا عليهم واحاطوا بهم ومنعوهم الماء فعند ذلك ركبوا عليهم وحاربوهم فانهزموا وقتل الكثير منهم ونجا محو بك بنفسه في نحو سبعة انفار وكذلك زعيم اوغلي وشريف أغا فنزلوا في سفينة وهربوا فغضب الباشا وقد كان ارسل لهم نجدة من الشفاسية الخيالة فحاربهم العرب ورجعوا منهزمين من ناحية البر وتواتر هذا الخبر

واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة
في ثانيه حضر ميمش أغا من الديار الحجازية وعلى يده فرمانات خطابا لدبوس اوغلي واخرين يستدعيهم الى الحضور بعساكرهم وكان دبوس اوغلي في بلده البرلس فتوجه اليه الطلب وكذلك شرح كتخدا بك في الكتابات عساكر اتراك ومغاربة وعربان وغير ذلك
وفي رابعه سافر طائفة من العسكر وارسل كتخدا بك يمنع الحجاج الواردين من بلاد الروم وغيرهم من النزول الى السفائن الكائنة بساحل

السويس والقصير وبأن يخلوها لاجل نزول العساكر المسافرين وبتأخير الحجاج وذلك أنه لما وصلت البشائر الى الديار الرومية بفتح الحرمين وخلاص مكة وجدة والطائف والمدينة ووصول ابن مضيان والمضايقي وغيرهم الى دار السلطنة وهروت الوهابين الى بلادهم فعملوا ولائم وافراحا وتهاني وكتبت مراسيم سلطانية الى بلاد الرومنلي والانضول بالبشائر بالفتح والاذن والترخيص والاطلاق لمن يريد الحج الى الحرمين بالامن والامان والرفاهية والراحة فتحركت همم مريدي الحج لان لهم سنين وهم ممتنعون ومتخوفون عن ورود الحج فعند ذلك اقبلوا افواجا بحريمهم واولادهم ومتاعهم حتى أن كثيرا من المتصوفين منهم باع داره وتعلقاته وعزم على الحج والمجاورة بالحرمين بأهله وعياله ولم يبلغهم استمرار الحروب وما بالحرمين من الغلاء والقحط الا عند وصولهم الى ثغر اسكندرية ولم يتحققوها الا بمصر فوقعوا في حيرة ما بين مصدق ومكذب فمنهم من شد للسفر ولم يرجع عن عزمه وسلم الامر لله ومنهم من تأخر بمصر الى أن ينكشف له الحال وقرروا على كل شخص من المسافرين في مراكب السويس عشرين فرانسه وذلك خلاف اجرة متاعه وما يتزود به في سفره فإنهم يزنونه بالميزان وعلى كل اقة قدر معلوم من الدراهم واما من يسافر في بحر النيل على جهة القصير في مراكب الباشا فيؤخذ على رأس كل شخص من مصر القديمة الى ساحل قنا ثلاثون قرشا ثم عليه اجرة حمله من قنا الى القصير ثم اجرة بحر القلزم أن وجد سفينة حاضرة والا تاخر اما بالقصير او السويس حتى يتيسر له النزول ويقاسي ما يقاسيه في مدة انتظاره وخصوصا في الماء وغلو ثمنه ورداءته ولا يسافر شخص ويتحرك من مصر الا بأذن كتخدا بك ويعطيه مرسوما بالاذن وبلغني أن الذين خرجوا من اسلامبول خاصة بقصد الحج نحو العشرة آلاف خلاف من وصل من بلاد الرومنلي والانضول وغيرهما وحضر الكثير من اعيانهم مثل امام السلطان وغيره فنزل البعض بمنزل عثمان أغا وكيل دار السعادة

سابقا والبعض بمنزل السيد محمد المحروقي وبيت شيخ السادات ومنهم من استأجر دورا في الخانات والوكائل
وفيه حضر قاصد من باب الدولة وعلى يده مرسوم مضمونه الامر باسترجاع ما اخذ من الشريف غالب من المال والذخائر اليه وكان الباشا ارسل الى الدولة بسبحتى لؤلؤ عظام من موجودات الشريف فحضر بهما ذلك القبجي وردهما الى الشريف غالب ثم سافر ذلك القبجي بالاوامر الى الباشا بالحجاز
وفي سابعه وصلت هجانة باستعجال العساكر وتوالى حضور الهجانة لخصوص الاستعجال
وفي يوم السبت تاسع عشره انزلوا الشريف غالبا الى بولاق بحريمه واولاده وعبيده وكان قد وصل الى مصر أغا معين بقصد سفر المذكور الى سلانيك فنزل صحبته الى بولاق وصالحوه عما اخذ منه من المال وغيره بخمسمائة كيس فأرادوا دفعها له قروشا فامتنع قائلا انهم اخذوا مالي ذهبا مشخصا فرانسة فكيف آخذ بدل ذلك نحاسا لانفع بها في غير مصر فأعطوه مائتي كيس ذهبا وفرانسة وتحول الباقي وكيله مكي الخولاني ثم زودوه واعطوه سكرا وبنا وارزا وشرابات وغير ذلك ونزل مسافرا الى المراكب صحبة المعين الى الحجاز من ناحية القصير وبرز ابن باشت طرابلس وصحبته عساكر أيضا الى ناحية العادلية وأخر يقال له قنجة بك ومعهم نحو الالف خيال من العرب والمغاربة على طريق البر الى الحجاز
وفي يوم الخميس رابع عشرينه الموافق لسادس شهر مسرى القبطي اوفي النيل المبارك اذرعه فداروا بالرايات ونودى بالوفاء وكسروا السد في صبح يوم الجمعة بحضرة كتخدا بك والقاضي والجم الغفير من العساكر
وفي اواخره وصلت الاخبار بأن الباشا توجه الى الطائف وابقى حسن باشا بمكة

واستهل شهر رمضان بيوم الاربعاء سنة
في رابعه حضر موسى أغا تفكجي باشا من الديار الحجازية وكان فيمن باشر حرابة قنفدة ومن جملة من انهزم بها وهلكت جميع عساكره وخدمه ورجع الى مصر وصحبته اربعة انفار من الخدم
وفي عاشره خرجت العساكر المجردة لسفر الحجاز الى بركة الحج وهم مغاربة وعربان وارتحلوا يوم الاحد ثاني عشره
وفي الاربعاء خامس عشره برز دبوس اوغلي خارج باب الفتوح ليسافر بعساكره الى الحجاز وكذلك حسن أغا سر ششمه ونصبوا خيامهم واستمروا يخرجون من المدينة ويدخلون غدوا وعشايتهم ياكلون ويشربون جهارا في نهار رمضان ويقولون نحن مسافرون ومجاهدون ويمرون باسواق ويجلسون على المساطب وبأيديهم الاقصاب والشبكات التى يشربون فيها الدخان من غير احتشام ولا حياء ويجوزون بحارات الحسينية على القهاوي في الضحوة فيجدونها مغلوقة فيسألون عن القهوجي ويطلبونه ليفتح لهم القهوة ويوقد لهم النار ويغلي لهم القهوة ويسقيهم فربما هرب القهوجي واختفى منهم فيكسرون الباب ويعبثون بالاته واونيه فما يسعه المجىء وايقاد النار واشيع من ذلك انه اجتمع بناحية عرضيهم وخيامهم الجم الكثير من النساء الخواطي والبغايا ونصبوا لهن خياما واخصاصا وانضم اليهن بياع البوظة والعرقي والحشاشون والغوازي والرقاصون وامثال ذلك وانحشر معهم الكثير من الفساق واهل الأهواء والعياق من اولاد البلد فكانوا جميعا عظيما يأكلون الحشيش ويشربون المكسرات ويزنون ويلوطون ويشربون الجوزة ويلعبون القمار جهارا في نهار رمضان ولياليه مختلطين مع العساكر كأنما سقط عن الجميع التكاليف وخلصوا من الحساب وسمعت ممن شاهد بعينه محمود بك المهردار الذي هو اعظم اعيانهم وهو المتولي على قياس الاراضي مع المعلم غالي وهو جالس في ديوانهم المخصوص بالقرب من سويقة اللالا وهو يشرب في النرجيلة التنباك

ويأتونه بالغداء جهارا ويقول انا مسافر الشرقية لعمل نظام الاراضي
وفي غايته وصلت هجانة باستعجال العساكر

واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة
في ليلته قلدوا عبدالله كاشف الدرندلي اميرا على ركب الحجاج
وفي يوم السبت ثالثة خرج دبوس اوغلي في موكب الى مخيمة وكذلك حسن أغا سرششه ليسافر الى الحجاز
وفي يوم السبت حادي عشره نزلوا بكسوة الكعبة بالطبول والزمور الى المشهد الحسيني واجتمع الناس على عادتهم للفرجة
وفيه انتقل محمود بك والمعلم غالي الى بيت حسن أغا نجاتي وعملوا ديوانهم فيه وتلقوا الجنينة التى به وجلسوا تحت اشجارها وربط الاقباط حميرهم فيها وشرع محمود بك في عمارة الجهة القبلية منه وانزوت صاحبة المنزل في ناحية منه
وفي سابع عشره ارتحل دبوس اوغلي وحسن أغا سرششمه ومن معهم من العساكر من منزلتهم متوجهين الى الديار الحجازية
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه رسم كتخدا بك بنفي طائفة من الفقهاء من ناحية طندتا الى أبي قير بسبب فتيا افتوها في حادثة ببلدهم وقضى بها قاضيهم وانهيت الدعوى الى ديوان مصر فطلبوا الى اعادة الدعوى فحضروا وترافعوا الى قاضى العسكر واثبتوا عليهم الخطا فرسم بنفي الشاكي والمفتيين ولقاضي ربعهم
وفي يوم السبت رابع عشرينه عملوا موكبا لخروج المحمل واستعد الناس للفرجة على عادتهم فكان عبارة عن نحو مائة جمل تحمل روايا الماء والقرب وعدة من طائفة الدلاة على رؤسهم طراطير سود قلابها وامير الحاج على شكلهم وخلفه ارباب الاشاير ببيارقهم وشراميطهم وطبولهم وزمورهم وجوقاتهم وخلفهم المحمل فكان مدة مرورهم مع تقطيعهم وعدم نظامهم نحو ساعتين فأين ما كان يعمل من المواكب بمصر التى يضرب

بحسنها وترتيبها ونظامها المثل في الدنيا فسبحان مغير الشؤن والاحوال
وفيه خرجت زوجة الباشا الكبيرة وهي ام اولاده تريد الحج الى خارج باب النصر في ثلاثة تخوت والمتسفر بها بونابارته الخازندار وقد حضر لوداعها ولدها ابراهيم باشا من الصعيد وخرج لتشييعها هو واخوه اسمعيل باشا وصحبتهما محرم بك زوج ابنتها حاكم الجيزة ومصطفى بك دالي باشا ويقال انه اخوها وكذلك محمد بك الدفتردار زوج ابنتها أيضا وطاهر باشا وصالح بك السلحدار وارتحلت ومن معها في سادس عشرينه الى بندر السويس وفي ذلك اليوم برزت عساكر المغاربة وغيرهم ممن تعسكر وارتحل امير الحج من الحصوة الى البركة
وفي يوم الثلاثاء خرجت عساكر كثيرة مجردين للسفر
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه ارتحل امير الحج ومن معه من البركة في تاسع ساعة من النهار وفي ذلك اليوم هبت رياح غربية شمالية باردة واشتد هبوبها اواخر النهار واطبقت السماء بالغيوم والقتام وابرق البرق برقا متتابعا وارعدت رعدا له دوي متصل ولما قرب من سمت رؤسنا كان له صوت عظيم مزعج ثم نزل مطر غزير استمر نحو نصف ساعة ثم سكن بعد أن تبحرت منه الازقة والطرق وكان ذلك اليوم رابع شهر بابه القبطي
وفيه ورد الخبر من السويس أن امرأة الباشا لما وصلت هناك وجدت عالما كبيرا من الحجاج المختلفه الاجناس ممنوعين من المراكب فصرحوا في وجهها وشكوا اليها تخلفهم وان امير البندر مانعهم من النزول في المراكب وبذلك المنع يفوتهم الحج الذي تجشموا الاسفر وصرفوا أيضا الاموال من اجله وهم في مشقة عظيمة من عدم الماء ولا يمكنهم الرجوع لعدم من يحملهم وان امير البندر يشتط عليهم في الاجرة وياخذ على كل رأس خمسة عشر فرانسا فحلفت انها لا تنزل الى المركب حتى ينزل جميع من السويس من الحجاج المراكب ولا يؤخذ منهم الا القدر الذي جعلته على كل فرد منهم فكان ما حكمت به هذه الحرمة صار لها به

منقبة حميدة وذكرا حسنا وفرجا لهؤلاء الخلائق بعد الشدة

واستهل شهر ذي القعدة بيوم السبت سنة
وفي يوم الاثنين نادى المنادي بوقود قناديل سهارى على البيوت والوكائل وكل اربع دكاكين قنديل
وفي ثامنه جرسوا شخصا واركبوه على حمار بالمقلوب وهو قابض بيده على ذنب الحمار وعمموه بمصارين ذبيحة وعلى كتفه كرش بعد أن حلقوا نصف لحيته وشواربه قيل أن سبب ذلك انه زور حجة تقرير على اماكن تتعلق بإمرأة اجنبية وباع بعض الاماكن وكانت تلك المرأة غائبة من مصر فلما حضرت وجدت مكانها مسكونا بالذي اشتراه فرفعت قصتها الى كتخدا بك ففعل به ذلك بعد وضوح القضية
وفي ثاني عشره سافر عبدالله ابن الشريف سرور الى الحجاز باستدعاء من الباشا فأعطوه اكياسا وقضى اشغاله وخرج مسافرا
وفيه وقعت حادثة بحارة الكعكيين بين شخصين من الدلاتية رمحا خلف غلام بدوي عمل نفسه عسكريا مع طائفة المغاربة يدعي احدهما أن له عنده دراهم فهرب منهما الى الخطة المذكورة فرمحا خلفه وبيد كل منهما سيفه مسلولا فدخل الغلام الى عطفة الحمام وفزعت عليهما المغاربة المتعسكرون القاطنون بتلك الناحية وضربوا عليهما بنادق فسقط حصان احد الدلاة واصيب راكبه وهرب رفيقه الى كتخدا بك فأخبره فأمر باحضار كبراء المغاربة وطالبهم بالضارب فلم يتبين امره وقبضوا على الغلام الهارب فحبسوه وفي ذلك الوقت حصل في الناس فزعة واغلقت اهل سوق الغورية والشوائين والفحامين حوانيتهم وبقي ذلك الغلام محبوسا ومات الدلاتي المضروب في ليلة السبت خامس عشره فأحضروا ذلك الغلام الى باب زويلة وقطعوا رأسه ظلما ولم يكن هو الضارب
وفي عشرينه سافر ابن باشت طرابلس وسافر معه عسكر المغاربة الخياله

واستهل شهر ذى الحجة الحرام ختام سنة
في اوله ورد نجاب من الحجاز واخبر بموت طاهر افندي وهو افندي ديوان الباشا وكان موته في شهر شوال بالمدينة حتف انفه وورد الخبر أيضا بصلح الشريف راجح مع الباشا وانه قابله واكرمه وانعم عليه بمائتي كيس واخبر أيضا بأنه تركه الباشا بناحية الكلخة وهي ما بين الطائف وتربة وانقضت السنة بحوادثها
واما من مات في هذه السنة فمات العمدة الفاضل الفقيه النبيه الشيخ حسين المعروف بابن الكاشف الدمياطي ويعرف بالرشيدي تعلق بالعلم وانخلع من الامرية والجندية وحضر اشياخ العصر ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي وانتقل من مذهب الحنفية الى الشافعية لملازمته لهم في المعقول والمنقول وتلقى عن السيد مرتضى اسانيد الحديث والمسلسلات وحفظ القرآن في مبدأ امره برشيد وجوده على السيد صديق وحفظ شيئا من المتون قبل مجيئه الى مصر واكب على الاشتغال بالازهر وتزيا بزي الفقهاء بلبس العمامة والفرجية وتصدر ودرس في الفقه والمعقول وغيرهما ولما وصل محمد باشا الى ولاية مصر اجتمع عليه عند قلعة أبي قير فجعله اماما يصلي خلفه الاوقات وحضر معه الى مصر ولم يزل مواظبا على وظيفته وانتفع بنسبته اليه واقتنى حصصا واقطاعات وتقلد قضايا مناصب البلاد البنادر ويأخذ ممن يتولاها الجعالات والهدايا واخذ أيضا نظر وقف ازبك وغيره ولم يزل تحت نظره بعد انفصال محمد باشا خسرو واستمر المذكور على القراءة والاقراء حتى توفي اواخر السنة
ومات الفاضل الشيخ عبدالرحمن الجمل وهو اخو الشيخ سليمان الجمل وتفقه على اخيه ولازم دروسه وحضر غيره من اشياخ العصر ومشى على طريقة اخيه في التقشف والانجماع عن خلطة الناس ولما مات اخوه وكان يملي الدروس بجامع المشهد الحسيني بين المغرب والعشاء على جمع مجاوري الازهر والعامة وتصدر للاقراء في محله في ذلك الوقت فقرالشمايل

والمواهب والجلالين ولم يزل على حالته حتى توفي ثاني عشر ذي الحجة
ومات الشيخ المفيد محمد الاسناري الشهير بجاد المولى ممن جاور بالازهر وحضر دروس وبه تخرج وواظب عليه في مجالس الذكر وتلقى عنه طريقة الخلوتية والبسه التاج وتقدم في خطابة الجمعة والاعياد بالجامع الازهر بدلا عن الشيخ عبدالرحمن البكري عندما رفعوها عنه وخطب بجامع عمر وبمصر العتيقة يوم الاستسقاء عندما قصرت زيادة النيل في سنة ثلاث وعشرين وتأخر في الزيادة عن اوانه ولما حضر محمد باشا خسرو الى مصر وصلى صلاة الجمعة بالازهر في سنة سبع عشرة خلع عليه بعد الصلاة فروة سمور فكان يخرجها من الخزنة ويلبسها وقت خطبة الجمعة والاعياد وواظب على قراءة الكتب للمبتدئين كالشيخ خالد والازهرية ثم قرأ شرح الاشموني على الخلاصة واشتهر ذكره ونما امره في اقل زمن وكان فصيحا مفوها في التقرير والالقاء لتفهيم الطلبة ولم يزل على حالة حميدة في حسن السلوك والطريقة حتى توفي في شهر الحجة وقد ناهز الاربعين

سنة ثلاثين ومائتين والف
استهل المحرم بيوم الثلاثاء
وفي خامسه وصل نجاب من الحجاز وعلى يده مكاتبات بالاخبار عن الباشا والحجاج بأنهم حجوا ووقفوا بعرفة وقضوا المناسك
وفي تاسعه حضر ابراهيم باشا من الجهة القبلية الى داره بالجمالية
وفي عاشره يوم الخميس وصل في ليلته قابجي وعلى يده تقرير للباشا من الحجاز الى ساحل القصير فضربوا لذلك مدافع من القلعة
وفي صبحها خرج ابن الباشا واخوه وكذلك اكابر دولتهم الى ناحية البساتين ومنهم من عدى النيل الى البر الغربي لملاقاته على مقتضى عادته في عجلته في الحضور وعلى حساب مضي الايام من يوم وصوله الى

القصير فغابوا في انتظاره حتى انقضى النهار ثم رجعوا
وفي صبح اليوم الثاني خرجوا ثم عادوا الى دورهم اخر النهار واستمروا على الخروج والرجوع ثلاثة ايام ولم يحضر زكثر لغط الناس عند ذلك واختلفت رواياتهم واقاويلهم مدة ايام وليلا ونهارا ثم ظهر كذب هذا الخبر وان الباشا لم يزل بأرض الحجاز وقيل أن سبب اشاعة خبر مجيئه انه وصل الى ساحل القصير سفينة بها سبعة عشر شخصا من العسكر فسألهم الوكيل الكائن بالقصير عن مجيئهم فأجابوه انهم مقدمة الباشا وانه واصل في اثرهم فعندما سمع جوابهم ارسل خطابا الى كاتب من الاقباط بقنا يعرفه بقدوم الباشا فكتب ذلك القبطي خطابا الى وكيل شخص من اعيان كتبة الاقباط بأسيوط يسمى المعلم بشارة فعندما وصله الجواب ارسل جوابا الى موكله بشارة المذكور بمصر ذلك الخبر وفي الحال طلع به الى القلعة واعطاه لابراهيم باشا فانتقل به ابراهيم باشا الى مجلس كتخدا بك فخلع كتخدا بك على بشارة خلعة وامر بضرب المدافع ونزلت المبشرون وانتشروا بالبشائر الى بيوت الاعيان واخذ البقاشيش ولما حصل التراخي والتباطؤ والتأخر في الحضور بعد الاشاعة اخذ الناس في اختلاف الروايات والاقاويل كعادتهم فمنهم من يقول انه حضر مهزوما ومنهم من يقول مجروحا ومنهم من يثبت موته والشىء الذي اوجب في الناس هذه التخليطات وما شاهدوه من حركات اهل الدولة وانتقال نسائهم من المدينة وطلوعهم الى القلعة بمتاعهم واخلاء الكثير منهم البيوت وانتقال طائفة الارنؤد من الدور المتباعدة واجتماعهم وسكناهم بناحية خطة عابدين وكذلك انتقل ابراهيم باشا الى القلعة ونقل اليها الكثير من متاعه واغرب من هذا كله اشاعة اتفاق عظماء الدولة على ولاية ابراهيم باشا على الاحكام عوضا عن ابيه في يوم الخميس ويرتبوا له موكبا يركب فيه ذلك اليوم ويشق من وسط المدينة واجتمع الناس للفرجة عليه واصطفوا على المساطب والدكاكين فلم يحصل وظهر كذب ذلك كله وبطلانه واتفق

في اثناء ذلك من زيادة الأهموم والتخيلات أن رضوان كاشف المعروف بالشعراوي سد باب داره التى بالشارع بخط باب الشعرية وفتح له بابا صغيرا من داخل العطفة التى بظاهره فأوشى بعض مبغضيه الى كتخدا بك فعلته في هذا الوقت والناس يزداد بهم الوهم ويعتقدون صحة ما دار بينهم من الاكاذيب وخصوصا كونه من الاعيان المعروفين فطلبه كتخدا بك وقال له لاي شىء سددت باب دارك وما الذي قاله المنجم لك فقال أن طائفة من العسكر تشاجروا بالخطة ودخلوا الى الدار وازعجونا فسددتها من ناحية الشارع بعدا من الشر وخوفا مما جرى على داري سابقا من النهب فلم يلتفت لكلامه وامر بقتله فشفع فيه صالح بك السلحدار وحسن أغا مستحفظان فعفا عنه من القتل وامر بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي ثم نزل بصحبته الاغا الى داره وفتح الباب كما كان
وفي رابع وعشرينه وصلت مكاتبات من الديار الحجازية من عند الباشا وخلافه مؤرخة في ثالث عشر ذي الحجة يذكرون فيها أن الباشا بمكة وطوسون باشا ابنه بالمدينة وحسن باشا واخاه عابدين بك وخلافهم بالكلخة ما بين الطائف وتربة

واستهل شهر صفر الخير بيوم الخميس سنة
وفي خامس عشرينه نودى بنقص مصارفة اصناف المعاملة وقد وصل صرف الريال الفرانسة من الفضة العددية الى ثلثمائة واربعين نصفا عنها ثمانية قروش ونصف فنودى عليه بنقص نصف قرش والمحبوب وصل الى عشرة قروش فنودى عليه بتسعة قروش وشددوا في هذه المناداة تشديدا زائدا وقتل كل من زاد على ذلك من غير معارضة وكتبوا مراسيم الى جميع البنادر وفيها التشديد والتهديد والانتقام ممن يزيد
وفي اواخره التزم المعلم غالي بمال الجزية التى تطلب من النصارى على خمسة وثمانين كيسا وسبب ذلك أن بعض اتباع المقيد لقبض الجوالي قبض على شخص من النصارى وكان من قسوسهم وشدد عليه في الطلب

واهانه فأنهوا الامر الى المعلم غالي ففعل ذلك قصد المنع الايذاء عن ابناء جنسه ويكون الطلب منه عليهم ومنع المتظاهرين بالاسلام عنهم

واستهل شهر ربيع الاول بيوم السبت سنة
وفي تاسعه وصلت قافلة طياري من الحجاز قدم صحبتها السيد عبدالله القماعي ومعها هجانة من الحجاز وعلى يدهم مكاتبات وفيها الاخبار والبشرى بنصرة الباشا على العرب وانه استولى على تربة وغنم منها جمالا وغنائم واخذ منهم اسرى فلما وصلت الاخبار بذلك انطلق المشردون الى بيوت الاعيان لاخذ البقاشيش وضربوا في صبحها مدافع كثيرة من القلعة
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره كان المولد النبوي فنودى في صبحه بزينة المدينة ببولاق ومصر القديمة ووقود القناديل والسهر ثلاثة ايام بلياليها فلما اصبح يوم الاربعاء والزينة بحالها الى بعد اذان العصر نودى برفعها ففرح اهل الاسواق بإزالتها ورفعها لما يحصل لهم من التكاليف والسهر في البرد والهواء خصوصا وقد حصل في اخر ليلة رياح شديدة باردة
وفي هذه الايام سافر محمود بك والمعلم غالي ومن يصحبهما من النصارى الاقباط واخذوا معهم طائفة من الكتبة الافندية المختصين بالروزنامة ومنهم محمد افندي بن حسين افندي المنفصل عن الروزنامة ونزلوا لاعادة قياس الاراضي وتحرير الري والشراقي وسبقهم القياسون بالاقصاب نزلوا وسرحوا قبلهم بنحو عشرة ايام وشرع كشاف النواحي في قبض الترويجة من المزارعين وفرضوا على كل فدان الادنى تسعة ريالات الى خمسة عشر بحسب جودة الاراضي ورداءتها وهذا الطلب في غير وقته لانه لم يحصل حصاد للزرع وليس عند الفلاحين ما يقتاتون منه ومن العجب انه لم يقع مطر في هذه السنة ابدا ومضت ايام الشتاء ودخل فصل الربيع ولم يقع غيث ابدا سوى ما كان يحصل في بعض الايام من غيوم واهوية غربية ينزل مع هبوبها بعض رشاش قليل لا تبتل الارض

منه ويجف بالهواء بمجرد نزوله
وفي اواخره ورد لحضرة الباشا هدية من بلاد الانكليز وفيها طيور مختلفة الاجناس والاشكال كبار وصغار وفيها ما يتكلم ويحاكي واله مصنوعة لنقل الماء يقال له الطلمبة وهي تنقل الماء الى المسافة البعيدة ومن الاسفل الى العلو ومرآة زجاج نجف كبيرة قطعة واحدة وساعة نضرب مقامات موسيقى في كل ربع يمضي من الساعة بأنغام مطربة وشمعدان به حركة غريبة كلما طالت فتيلة الشمعة غمز بحركة لطيفة فيخرج منه شخص لطيف من جانبه فيقط رأس الفتيلة بمقص لطيف بيده ويعود راجعا الى داخل الشمعدان هذا ما بلغني ممن ادعى انه شاهد ذلك
وفيه عملوا تسعيرة على المبيعات والمأكولات مثل اللحم والسمن والجبن والشمع ونادوا بنقص اسعارها نقصا فاحشا وشددوا في ذلك بالتنكيل والشنق والتعليق وحرم الآناف فارتفع السمن والزبد والزيت من الحوانيت واخفوه وطفقوا يبيعونه في العشيات بالسعر الذي ختارونه على الزبون واما السمن فلكثرة طلبه لاهل الدولة شح وجوده وذا ورد منه شىء خطفوه واخذوه من الطريق بالسعر الذي سعره الحاكم وانعدم وجود عند القبانية واذا بيع منه شىء بيع سرابا قصى الثمن واما السكر والصابون فبلغا الغاية في غلو الثمن وقلة الوجود لان ابراهيم باشا احتكر السكر بأجمعه الذي يأتي من الصعيد وليس بغير الجهة القبلية شىء منه فيبيعه على ذمته وهو في الحقيقة لابيه ثم صار نفس الباشا يعطي لاهل المطابخ بالثمن الذي يعينه عليهم ويشاركهم في ربحه فزاد غلو ثمنه على الناس وبيع الرطل من السكر الصعيدي الذي كان يباع بخمسة انصاف فضة بثمانين نصفا واما الصابون ففرضوا على تجاره غرامة فامتنع وجوده وبيع الرطل الواحد منه خفية بستين نصفا واكثر وفي هذه الايام غلا سعر الحنطة والفول وبيع الاردب بألف ومائتي نصف فضة خلاف الكلف والاجرة مع أن الاهراء والشون ببولاق ملانة بالغلال ويأكلها السوس

ولايخرجون منها لبيع شيئا حتى قيل الكتخدا بك في اخراج شئ منها يباع في الناس فلم يأذن وكأنه لم يكن مأذونا من مخدومه

واستهل شهر ربيع الثاني يوم الاثنين سنة
وفي وثامنه عمل محرم بك الكورنتينه بالجيزة على نسق السنة الماضية من اخراج الناس وازاعاجهم تطيرا وخوفا من الطاعون
وفيه خوزفوا شيخ عرب بلى فيما بين العزب والهلايل بعد حبسه اربعة اشهر
وفي يوم الجمعة ثامن عشرينه ضربت مدافع واشيع الخبر بوصول شخص عسكري بمكاتبات من الباشا وخلافه والخبر بقدوم الباشا وانتشرت المبشرون الى بيوت الاعيان واصحاب المظاهر على عادتهم لاخذ البقاشيش فمن قائل انه وصل الى القصير من قائل انه نزل الى السفينه بالبحر ومنهم من يقول انه حضر الى السويس ثم اختلفت الروايات وقالوا أن الذي وصل الى السويس حريم الباشا فقط ثم تبين كذب هذه الاقاويل وانها مكاتبات فقط مؤرخة اواخر شهر صفر يذكرون فيها أن الباشا حصل له نصر واستولى على ناحية يقال لها بيشة ورينة وقتل الكثير من الوهابين وانه عازم على الذهاب الى ناحية قنفدة ثم ينزل مد ذلك الى البحر ويأتي الى مصر ووصل الخبر بوفاة الشيخ ابراهيم كاتب الصرة
واستهل شهر جمادي الاولى بيوم الثلاثاء سنة
في سادسه يوم الاحد ضربت مدافع بعد الظهيرة لورود مكاتبة بان الباشا استولى على ناحية من النواحي جهة قنفذة
وفي يوم الجمعة ثامن عشره وصل المحمل الى بركة الحج وصحبته من بقي من رجال الركب مثل خطيب الجبل والصيرفي والمحملجية ووردت مكاتبات بالقبض على طامي الذي جرى منه ما جرى في وقائع قنفذة السابقة وقتله العساكر فلم يزل راجح الذي اصطلح مع الباشا ينصب له الحبائل حتى صاده وذلك انه عمل لابن اخيه مبلغا من المال أن هو اوقعه

في شركه فعمل له وليمة ودعاه الى محلة فأتاه امنا فقبض عليه واغتاله طمعا في المال واتوا به الى عرضي الباشا فوجهه الى بندر جدة في الحال وانزلوه السفينة وحضروا به الى السويس وعجلوا بحضوره فلما وصل الى البركة والمحمل اذ ذاك بها خرجت جميع العساكر في ليلة الاثنين حادي عشرينه وانجروا في صبحها طوائف وخلفهم المحمل وبعد مرورهم دخلوا بطامي المذكور وهو راكب على هجين وفي رقبته الحديد والجنزير مربوط في عنق الهجين وصورته رجل شهم عظيم اللحية وهو لابس عباءة عبدانية ويقرا وهو راكب وعملوا في ذلك اليوم شنكا ومدافع وحضر أيضا عابدين بك وتوجه الى داره في ليلة الاثنين

واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الخميس سنة
في خامسه وصلت عساكر في داوات الى السويس وحضوروا الى مصر وعلى رؤوسهم شلنجات فضة اعلاما واشارة بأنهم مجاهدون وعائدون من غزو الكفار وانهم افتتحوا بلاد الحرمين وطردوا المخالفين لدينانتهم حتى أن طوسون باشا وحسن باشا كتبا في امضائهما على المراسلات بعد اسمهما لفظه المغازي والله اعلم بخلقه
وفي تاسعه اخرجوا عساكر كثيرة وجوههم الى الثغور ومحافظة الاساكل خوفا من طارق يطرق الثغور لانه اشيع أن بونابارته كبير الفرنساوية خرج من الجزيرة التي كان بها ورجع الى فرانسا وملكها واغار على بلاد الجورنه وخرج بعمارة كبيرة لايعلم قصده الى اي جهة يريد فربما طرق ثغر الاسكندرية او دمياط على حين غفلة وقيل غير ذلك وسئل كتخدا بك عن سبب خروجهم فقال خوفا عليهم من الطاعون ولئلا يوخموا المدينة لانه وقع في هذه السنة موثان بالطاعون وهلك الكثير من العسكر واهل البلدة والاطفال والجواري والعبيد خصوصا السودان فإنه لم يبق منهم الا القليل النادر وخلت منهم الدور
وفي منتصفه اخرج كتخدا بك صدقة تفرق على الاولاد الايتام الذين

يقرؤون بالكتاتيب ويدعون برفع الطاعون فكانوا يجمعونهم ويأتي بهم فقهاؤهم الى بيت حسين كتخدا الكتخدا عند حيضان مصلى ويدفعون لكل صغير ورقة بها ستون نصفا فضة يأخذ منها جزا الذي يجمع الطائفة منهم ويدعي انه معلمهم زيادة عن حصته لان معظم المكاتب مغلوقة وليس بها احد بسبب تعطيل الاوقاف وقطع ايرادهم وصار لهذه الاطفال جلبه وغوغاء في ذهابهم ورجوعهم في الاسواق وعلى بيت الذي يقسم عليهم

واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة
في سادسه يوم الاربعاء وصلت هجانة من ناحية قبلي واخبروا بوصول الباشا الى القصير فخلع عليهم كتخدا بك مساوي ولم يامر بعمل شنك ولا مدافع حتى يتحقق صحة الخبر
وفي ليلة الجمعة ثامنه احترق بيت طاهر باشا بالازبكية والبيت الذي بجواره أيضا
وفي يوم الجمعة المذكور قبل العصر ضربت مدافع كثيرة من القلعة والجيزة وذلك عندما ثبت وتحقق ورود الباشا الى قنا وقوص ووصل أيضا حريم الباشا وطلعوا الى قصر شبرا وركب للسلام عليها جليع نساء الاكابر والاعيان بهداياهم وتقاديمهم ومنعوا المارين من المسافرين والفلاحين الواصلين من الارياف المرور من تحت القصر الذي هو الطريق المعتاد للمسافرين فكانوا يذهبون ويمرون من طريق استحدثوها منعطفة خلف تلك الطريق ومستبعدة بمسافة طويلة
وفي ليلة الخميس رابع عشره انخسف جرم القمر جمعيه بعد الساعة الثالثة وكان في اخر برج القوس
وفي ليلة الجمعة خامس عشرة وصل الباشا الى الجيزة ليلا فأقام بها الى آخر الليل ثم حضر الى داره بالازبكية فأقام بها يومين وحضر كتخدا بك واكابر دولته للسلام عليه فلم يأذن لاحد وكذلك مشايخ الوقت ذهبوا ورجعوا ولم يجتمع به احد سوى ثاني يوم وترادفت عليه التقادم

والهدايا من كل نوع من اكابر الدولة والنصارى بأجناسهم خصوصا الارمن وخلافهم بكل صنف من التحف حتى السراري البيض بالحلي والجواهر وغير ذلك واشيع في الناس في المصر وفي القرى بأنه تاب عن الظلم وعزم على اقامة العدل وانه نذر على نفسه انه اذا رجع منصورا واستولى على ارض الحجاز افرج للناس عن حصصهم ورد الازراق الاحباسية الى اهلها وزادوا على هذه الاشاعة انه فعل ذلك في البلاد القبلية ورد كل شئ الى اصله وتناقلوا ذلك في جميع النواحي وباتوا يتخيلونه في احلامهم ولما مضى من وقت حضوره ثلاثة ايام كتبوا اوراقا لمشاهير الملتزمين مضمونها انه بلغ حضرة افندينا ما فعله الاقباط من ظلم الملتزمين والجور عليهم في فائظهم فلم يرض بذلك والحال انكم تحضرون بعد اربعة ايام وتحاسبون على فائظكم وتقبضونه فان افندينا لايرضى بالظلم وعلى الاوراق امضاء الدفتردار ففرح اكثر المغفلين بهذا الكلام واعتقدوا صحته واشاعوا أيضا انه نصب تجاه قصر شبرا خوازيق للمعلم غالي واكابر القبط
وفي رابع عشرينه حضر الكثير من اصحاب الارزاق الكائنين بالقرى والبلاد مشايخ واشرافا وفلاحين ومعهم بيارق واعلام مستبشرين وفرحين بما سمعوه واشاعوه وذهبوا الى الباشا وهو يعمل رماحة بناحية القبة برمي بنادق كثيرة وميدان تعليم فلما رآهم واخبروه عن سبب مجيئهم فأمر بضربهم وطردهم ففعلوا بهم ذلك ورجعوا خائبين
وفيه حضر محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما وقابلا الباشا وخلع عليهما وكساهما والبسهما فراوي سمور فركب المعلم غالي وعليه الخلعة وشق من وسط المدينة وخلفه عدة كثيرة من الاقباط ليراه الناس ويكمد الاعداء ويبطل ما قيل من التقولات ثم اقام هو ومحمود بك اياما قليلة ورجعا لاشغالهما وتتميم افعالهما من تحرير القياس وجبي الاموال وكانا ارسلا قبل حضورهما عدة كثيرة من الجمال الحاملة للاموال في كل يوم

قطارات بعضها اثر بعض من الشرقية والغربية والمنوفية وباقي الاقاليم
وفيه حضر شيخ طرهونة بجهة قبلي ويسمى كريم بضم الكاف وفتح الراء وتشديد الياء وسكون الميم وكان عاصيا على الباشا ولم يقابله ابدا فلم يزل يحتال عليه ابراهيم باشا ويصالحه ويمنيه حتى اتى اليه وقابله وامنه فلما حضر الباشا ابوه من الحجاز اتاه على امان ابنه وقدم معه هدية واربعين من الابل فقبل هديته ثم امر برمي عنقه بالرميلة

واستهل شهر شعبان سنة
والناس في امر مريج من قطع ارزاقهم وارباب الالتزامات والحصص التي ضبطها الباشا ورفع ايديهم عن التصرف في شئ منها خلاطين الاوسية فإنه سامحهم فيه سوى ما زاد عن الروك الذي قاسوه فإنه لديوانية ووعدهم بصرف المال الحر المعين بالسند الديواني فقط بعد التحرير والمحاققة ومناقضة الكتبة الاقباط في القوائم واقاموا منتظرين انجاز وعده اياما يغدون ويروحون ويسالون الكتبة ومن له وصلة بهم وقد ضاق خناقهم من التفليس وقطع الايراد ورضوا بالاقل وتشوقوا لحصوله وكل قليل يعدون بعد اربعة ايام او ثلاثة ايام حتى تحرر الدفاتر فإذا تحررت قيل أن الباشا امر بتغييرها وتحريرها على نسق آخر ويكرر ذلك ثانيا وثالثا على حسب تفاوت المتحصل في السنين وما يتوفرا في الخزينة قليلا او كثيرا
وفيه وصل رجل تركي على طريق دمياط يزعم انه عاش من العمر زمنا طويلا وانه ادرك اوائل القرن العاشر ويذكر انه حضر الى مصر مع السلطان سليم وادرك وقته وواقعته مع السلطان الغوري وكان في ذلك الوقت تابعا لبعض البيرقدارية وشاع ذكره وحكي من راه أن ذاته نخالف دعواه وامتحنه البعض في مذاكرة الاخبار والوقائع فحصل منه تخليط ثم امر الباشا بنفيه وابعاده فأنزلوه في مركب وغاب خبره فيقال انهم اغرقوه والله اعلم

وفي خامس عشرينه عملوا الديوان ببيت الدفتردار ووفتحوا باب صرف الفائظ على ارباب حصص الالتزام فجعلوا يعطون منه جانبا واكثر ما يعطونه نصف القدر الذي قرروه واقل وازيد قليلا
وفيه امر الباشا لجميع العساكر بالخروج الى الميدان لعمل التعليم والرماحة خارج باب النصر حيث قبة العزب فخرجوا من ثلث الليل الاخير واخذوا في الرماحة والبندقة المتواصلة المتتابعة مثل الرعود على طريقة الافرنج وذلك من قبيل الفجر الى الضحوة ولما انقضى ذلك رجعوا داخلين الى المدينة في كبكة عظيمة حتى زحموا الطرق بخيولهم من كل ناحية وداسوا اشخاصا من الناس بخيولهم بل وحميرا أيضا واشيع أن الباشا قصده احصاء العسكر وترتيبهم على النظام الجديد واوضاع الافرنج ويلبسهم الملابس المقمطة ويغير شكلهم وركب في ثاني يوم الى بولاق وجمع عساكر ابنه اسمعيل باشا وصنفهم على الطريقة المعروفة بالنظام الجديد وعرفهم قصده فعل ذلك بجميع العساكر ومن أبي ذلك قابله بالضرب والطرد والنفي بعد سلبه حتى من ثيابه ثم ركب من بولاق وذهب الى شبرا وحصل في العسكر قلقلة ولغط وتناجوا فيما بينهم وتفرق الكثير منهم عن مخاديمهم واكابرهم ووافقهم على النفور بعض اعيانهم واتفقوا على غدر الباشا ثم أن الباشا ركب من قصر شبرا وحضر الى بيت الازبكية ليلة الجمعة ثامن عشرينه وقد اجتمع عند عابدين بك بداره جماعة من اكابرهم في وليمة وفيهم حجو بك وعبد الله أغا صاري جلة وحسن أغا الازرنجلي فتفاوضوا بينهم امر الباشا وما هو شارع فيه واتفقوا على الهجوم عليه في داره بالازبكية في الفجرية ثم أن عابدين بك غافلهم وتركهم في انسهم وخرج متنكرا مسرعا الى الباشا واخبره ورجع الى اصحابه فاسرع الباشا في الحال الركوب في سادس ساعة من الليل وطلب عساكر طاهر باشا فركبوا معه وحوط المنزل بالعساكر ثم اخلف الطريق وذهب على ناحية الناصرية ومرمى النشاب وصعد الى القلعة

وتبعه من يثق به من العساكر وانخرم امر المتوافقين ولم يسعهم الرجوع عن عزيمتهم فساروا الى بيت الباشا يريدون نهبه فمانعهم المرابطون وتضاربوا بالرصاص والبنادق وقتل بينهم اشخاص ولم ينالوا غرضا فساروا على ناحية القلعة واجتمعوا بالرميلة وقراميدان وتحيروا في امرهم واشتد غيظهم وعلموا أن وقوفهم بالرميلة لايجدي شيئا وقد اظهروا المخاصمة ولاثمرة تعود عليهم في رجوعهم وسكنوهم بل ينكسف بالهم وتنذل انفسهم ويلحقهم اللوم من اقرانهم الذين لم ينضموا اليهم فأجمع رأيهم لسوء طباعهم وخبث عقيدتهم وطرائقهم انهم يتفرقون في شوارع المدينة وينهبون متاع الرعية واموالهم فإذا فعلوا ذلك فيكثر جمعهم وتقوى شوكتهم ويشاركهم المخلفون عنهم لرغبة الجميع في القبائح الذميمة ويعودون بالغنيمة ويحوصلون من الحواصل ولايضيع سعيهم في الباطل كما يقال في المثل ما قدر على ضرب الحمار فضرب البرذعة ونزلوا على وسط قصبة المدينة على الصليبة على السروجية وهم يكسرون ويهشمون ابواب الحوانيت المغلوقة وينهبون ما فيها لان الناس لما تسامعوا بالحركة اغلقوا حوانيتهم وابوابهم وتركوا اسبابهم طلبا للسلامة وعندما شاهد باقيهم ذلك اسرعوا للحوق وبادروا معهم للنهب والخطف بل وشاركهم الكثير من الشطار والزعر والعامة المقلين والجياع ومن لادين له وعند ذلك كثر جمعهم ومضوا على طريقهم الى قصبة رضوان الى داخل باب زويلة وكسروا حوانيت السكرية واخذوا ما وجدوه من الدراهم وما احبوه من اصناف السكر فجعلوا يأكلون ويحملون ويبددون الذي لم ياخذوه ويلقونه تحت الارجل في الطريق وكسروا اواني الحلو وقدور المربيات وفيها ماهو من الصيني والبياغوري والافرنجي ومجامع الاشربة واقراص الحلو الملونة والرشال والملبس والفانيد والحماض والبنفسج وبعد أن ياكلوا ويحملواهم واتباعهم ومن انضاف لهم من الاوباش البلدية والحرافيش والجعيدية يلقون ما فضل عنهم على قارعة الطريق

بحيث صار السوق من حد باب زويلة الى المناخلية مع اتساعه وطوله مرسوما ومنقوشا بألوان السكاكر واقراص الاشربة الملونه واعسال المربيات سائلة على الارفن وكان اهل ذلك السوق المتسببون جدودا وطبخوا انواع المربيات والاشربة عند وفور الفواكه وكثرتها في اوانها وهو هذا الشهر المبارك مثل الخوخ والتفاح والبرقوق والتوت والقرع المسير والحصرم والسفرجل وملؤا الاوعية وصففوها في حوانيتهم للمبيع وخصوصا على موسم شهر رمضان ومضوا في سيرهم الى العقادين الرومي والغورية والاشرفية وسوق الصاغة ووصلت طائفة الى سوق مرجوش فكسروا ابواب الحوانيت والوكائل والخانات ونهبوا ما في حواصل التجار من الاقمشة المحلاوي والبز والحرير والزردخان ولما وصلت طائفة الى رأس خان الخليلي وارادوا العبور والنهب فزعت منهم الاتراك والارنؤد الذين يتعاطون التجارة الساكنون بخان اللبن والنحاس وغيرهما وضربوا عليهم بالرصاص وكذلك سوق الصرماتية والاتراك الخردجية الساكنون بالرباع بباب الزهومة جعلوا يرمون عليهم من القيطان بالرصاص حتى ردوهم ومنعوهم وكذلك تعصبت طائفة المغاربة الكائنون بالفحامين وحارة الكعكيين روموا عليهم بالرصاص وطردوهم عن تلك الناحية واغلقوا البوابات التى على رؤوس العطف وجلس عند كل درب اناس ومن فوقهم اناس من اهل الخطة بالرصاص تمنع الواصل اليهم ووصلت طائفة الى خان الحمزاوي فعالجوا في بابه حتى كسروا الخوخة التى في الباب وعبروا الخان وكسروا حواصل التجار من نصارى الشوام وغيرهم ونهبوا ما وجدوه من النقود وانواع الاقمشة الهندية والشامية والمقصبات وبالات الجوخ والقطيفة والاسطوافة وانواع الاطلس والالاجات والسلاوي والجنفس والصندل والحبر وانواع الشيت والحرير والخام والابريسم وغير ذلك وتبعهم الخدم والعامة في النهب واخرجوا في الدكاكين والحواصل من انواع الاقمشة واخذوا ما اعجبهم واختاروه

وانتقوه وتركوا ما تركوه ولم يقدروا على حمله مطروحا على الارض ودهليز الخان وخارج السوق يطؤن عليه بالارجل والنعالات ويعدو القوى على الضعيف فيأخذ ما معه من الاشياء الثمينة وقتل بعضهم البعض وكسروا ابواب الدكاكين التى خارج الخان بالخطة واخرجوا ما فيها من التحف والاواني الصيني والزجاج المذهب والكاسات البلور والصحون والاطباق والفناجين البيشة وانواع الخردة واخذوا ما اعجبهم وما وجدوه من نقود ودراهم وهشموا البواقي وكسروه والقوه على الارض تحت الارجل شقاقا وما به من حوانيت العطارين وطرحوا انواع الاشياء العطرية بوسط الشارع تداس بالارجل أيضا وفعلوا مالا خير فيه من نهب اموال الناس والاتلاف ولولا الذين تصدوا لدفعهم ومنعهم بالبنادق والكرانك وغلق البوابات لكان الوقع افظع من ذلك ولنهبوا أيضا البيوت وفجروا بالنساء والعياذ بالله ولكن الله سلم وشاركهم في فعلهم الكثير من الاوباش والمغاربة المدافعين أيضا فإنهم اخذوا اشياء كثيرة وكانوا يقبضون على من يمر بهم ممن يقدرون عليه من النهابين ويأخذون ما معهم لانفسهم واذا هشمت العساكر حانوتا وخطفوا منها شيئا ولحقهم من يطردهم عنها استأصل اللاحقون ما فيها واستبااح الناس اموال بعضهم البعض وكان هذا الحادث الذي لم نسمع بنظيره في دولة من الدول في ظرف خمس ساعات وذلك من قبيل صلاة الجمعة الى قبيل العصر حصل للناس هذه المدة اليسيرة من الانزعاج والخوف الشديد ونهب الاموال واتلاف الاسباب والبضائع ما لا يوصف ولم تصل الجمعة في ذلك اليوم واغلقت المساجد الكائنة بداخل المدينة واخذ الناس حذرهم ولبسوا اسلحتهم واغلقوا البوابات وقعدوا على الكرانك والمرابط والمتاريس وسهروا الليالي واقاموا على التحذر والتحفظ والتخوف اياما وليالي
وفي يوم السبت تاسع عشرينه الموافق لآخر يوم من شهر ابيب القبطي اوفى النيل المبارك اذرعه وكان ذلك اليوم أيضا ليلة رؤية هلال رمضان

فصادف حصول الموسمين في أن واحد فلم يعمل فيها موسم ولا شنك على العادة ولم يركب المحتسب ولا ارباب الحرف بموكبهم وطبولهم وزمورهم وكذلك شنك قطع الخليج وما كان يعمل في ليلته من المهرجان في النيل وسواحله وعند السد وكذلك في صبحه وفي البيوت المطلة على الخليج فبطل ذلك جليعه ولم يشعر بهما احد وصام الناس باجتهادهم وكان وفاء النيل في هذه السنة من النوادر فان النيل لم تحصل فيه الزيادة بطول الايام التى مضت من شهر ابيب الا شيئا يسيرا حتى حصل في الناس وهم زائد وغلا سعر الغلة ورفعوها من السواحل والعرصات فافاض المولى في النيل واندفعت فيه الزيادة العظيمة وفي ليلتين اوفى اذرعه قبل مظنته فإن الوفاء لا يقع في الغالب الا في شهر مسرى ولم يحصل في اواخر ابيب الا في النادر وانى لم ادركه في سنين عمري او في ابيب الا مرة واحدة وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة والف فتكون المدة بين تلك وهذه المدة سبعا واربعين سنة
وفيه ارسل الباشا بطلب السيد محمد المحروقي فطلع اليه وصحبته عدة كبيرة من عسكر المغاربة لخفارته فلما واجهه قال له هذا الذي حصل للناس من نهب اموالهم في صحائفي والقصد انكم تتقدمون لارباب المنهوبات وتجمعونهم بديوان خاص طائفة بعد اخرى وتكتبون قوائم لكل طائفة بما ضاع لها على وجه التحرير والصحة وانا اقوم لهم بدفعه بالغا ما بلغ فشكر له ودعا له ونزل الى داره وعرف الناس بذلك وشاع بينهم فحصل لاربابه بعض الاطمئنان وطلع الى الباشا كبار العسكر مثل عابدين بك ودبوس اوغلي وحجو بك ومحو بك واعتذروا وتنصلوا وذكروا واقروا أن هذا الواقع اشتركت فيه طوائف العسكر وفيهم من طوائفهم وعساكرهم ولا يخفاه خبث طباعهم فتقدم إليهم بأن يتفقدوا بالفحص وإحصاء ما حازه وأخذه كل من طوائفهم وعساكرهم وشدد عليهم في الامر بذلك فاجابوه بالسمع والطاعة وامتثلوا لامره واخذوا في جمع ما يمكنهم

وارساله الى القلعة وركبوا وشقوا بشوارع المدينة وامامهم المناداة بالامان واحضر الباشا المعمار وامره بجمع النجارين والمعمرين واشغالهم في تعمير ما تكسر من اخشاب الدكاكين والاسواق ويدفع لهم اجرتهم وكذلك الاخشاب على طرف الميري

واستهل شهر رمضان بيوم الاثنين سنة
والناس في امر مريج وتخوف شديد وملازمون للسهر على الكرانك ويتحاشون المشي والذهاب والمجىء وكل اهل خطة ملازم لخطته وحارته وكل وقت يذكرون وينقلون بينهم روايات وحكايات ووقائع مزعجات وتطاولت ايدي العساكر بالتعدي والاذية والفتك والقتل لمن ينفردون به من الرعية
وفي ثاني ليلة طلع السيد محمد المحروقي وطلع صحبته الشيخ محمد الدواخلي نقيب الاشراف وابن الشيخ العروسي وابن الصاوى المتعينون في مشيخة الوقت وصحبتهم شيخ الغورية وطائفته قد ابتدؤا بهم في املاء ما نهب لهم من حوانيتهم بعدما حرروها عند السيد محمد المحروقي وتحليفهم بعد الاملاء على صدق داعواهم وبعد التحليف والمحاققة ويتجاوز عن بعضه لحضرة الباشا ثم يثبتون له الباقي فاستقر لاهل الغورية خاصة مائة وثمانون كيسا فدفع لهم ثلثيها واخر لهم الثلث وهو ستون كيسا يستوفونها فيما بعد اما من عروضهم أن ظهر لهم منها شىء او من الخزينة ولازم الجماعة الطلوع والنزول في كل ليلة لتحرير بواقي المنهوبات وايضا استقر لاهل خان الحمزاوي نحو من ثلاثة آلاف كيس كذلك ولطائفة السكرية نحو من سبعين كيسا خصمت لهم من ثمن السكر الذي يبتاعونه من الباشا واستمر الباشا بالقلعة يدير اموره ويجب قلوب الناس من الرعية واكابر دولته بما يفعله من بذل المال ورد المنهوبات حتى ترك الناس يسخطون على العسكر ويترضون عنه ولو لم يفعل ذلك وسارت العساكر هذه الثور ولم يقع منهم نهب ولا تعد لساعدتهم الرعية واجتمعت عليهم اهالي القرى

وارباب الاقطاعات لشدة نكايتهم من الباشا بضبط الرزق والالتزامات وقياس الاراضي وقطع المعايش وذلك من سوء تدبير العسكر وسعادة الباشا وحسن سياسته باستجلايه الخواطر وتملقه بالكلام اللين والتصنع ويلوم على فعل العسكر ويقول بمسمع الحاضرين ما ذنب الناس معهم خصوصا خصامهم معي او مع الرعية ها انا لي منزل بالازبكية فيه اموال وجواهر وامتعة واشياء كثيرة وسراية ابنى اسمعيل باشا ببولاق ومنزل الدفتردار ةونحو ذلك ويتحسبل ويحوقل ويعمل فكرته ويدبر امره في امر العسكر وعظمائهم وينقم عليهم ويعطيهم الاموال الكثيرة والاكياس العديدة لانفسهم وعساكرهم وتنتبذ طائفة منهم ويقولون نحن لم ننهب ولم يحصل لنا كسب فيعطهم ويفرق فيهم المقادير العظيمة فأنعم على عابدين بك بألف كيس وبغيره دون ذلك
وفي اثناء ذلك اخرج جردة من عسكر الدلاة ليسافروا الى الديار الحجازية فبرزوا الى خارج باب الفتوح حيث المكان المسمى بالشيخ قمر ونصبوا هناك وطاقهم وخرجت احمالهم واثقالهم
وفي ليلة الخميس ثارت طائفة الطبجية وخاضوا وضجوا وهم نحو الاربعمائة وطلبوا نفقة فأمر لهم بخمسة وعشرين كيسا ففرقت فيهم فسكتوا وفي يوم الخميس المذكور نزل كتخدا بك وشق من وسط المدينة ونزل عند جامع الغورية وجلس فيه ورسم لاهل السوق بفتح حوانيتهم وان يجلسوا فيها فامتثلوا وفتحوا الحوانيت وجلسوا على تخوف كل ذلك مع عدم الراحة والهدو وتوقع المكروه والتطير من العسكر وتعدى السفهاء منهم في بعض الاحايين والتحرز والاحتراس واما النصارى فإنهم حصنوا مساكنهم ونواحيهم وحاراتهم وسدوا المنافذ وبنوا كرانك واستعدوا بالاسلحة والبنادق وامدهم الباشا بالبارود وآلات الحرب دون المسلمين حتى انهم استأذنوا كتخدا بك في سد بعض الحارات النافذة التى يخشون وقوع الضرر منها فمنع من ذلك واما النصارى فلم يمنعهم وقد تقدم ذكر فعله مع رضوان كاشف عندما سد باب داره وفتحه من جهة

اخرى وعزره وبهدله بوسط الديوان
وفيه وصل نجيب افندي وهو قبي كتخدا الباشا عند الدولة الى بولاق فركب اليه كتخدا بك واكابر الدولة والاغا والوالي وقابلوه ونظموا له موكبا من بولاق الى القلعة ودخل من باب النصر وحضر صحبته خلع برسم الباشا وولده طوسون باشا وسيفان وشلنجان وهدايا واحقاق نشوق مجوهرة وعملوا له شنكا ومدافع من القلعة وبولاق
وفيه ارتحل الدلاة المسافرون الى الحجاز ودخل حجو بك الى المدينة بطائفته
وفي ضحوة ذلك اليوم بعد انفضاض امر الموكب حصل في الناس زعجة وكرشات واغلقوا البوابات والدروب واتصل هذا الانزعاج بجميع النواحي حتى بولاق ومصر القديمة ولم يظهر لذلك اصل ولا سبب من الاسباب مطلقا
وفي تلك الليلة البس الباشا حجو بك خلعة وتوجه بطرطور طويل وجعله اميرا على طائفة الدلاة وانخلع هو واتباعه من طريقتهم التركية التى كانوا عليها وهؤلاء الطائفة التى يقال لهم دلاة ينسبون انفسهم الى طريقة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه واكثرهم من نواحي الشام وجبال الدروز والمتاولة وتلك النواحي يركبون الاكاديش وعلى رؤوسهم الطراطير السود مصنوعة من جلود الغنم الصغار طول الطرطور نحو ذراع واذا دخل لكنيف نزعه من على رأسه ووضعه على عتبة الكنيف وما ادري ذلك تعظيم له عن مصاحبته معه في الكنيف او الخوف وحذر من سقوطه أن انصدم بأسفكة الباب في صحن المرحاض او الملاقي وهؤلاء الطائفة مشهورة في دولة العثمانيين بالشجاعة والاقدام في الحروب ويوجد فيهم من هو على طريقة حميدة ومنهم دون ذلك وقليل ما هم ولكونهم من تمام النظام رتبهم الباشا من اجناسه واتراكه خلاف الاجناس الغريبة ومن بقي من اولئك يكون تبعا لا متبوعا

وفي يوم الثلاثاء سادس عشره حصل مثل ذلك المتقدم من الانزعاج والكرشات بل اكثر من المرة الاولى ورمحت الرامحان واغلقت الحوانيت وطلبت الناس السقائين الذين ينقلون الماء من الخليج وبيعت القربة بعشرة انصاف فضة والراوية بأربعين فنزل الاغا واغات التبديل وامامهم المناداة بالامان وينادون على العساكر أيضا ومنعهم من حمل البنادق ويأمرون الناس بالتحفظ واستمر هذا الامر والارتجاج الى قبيل العصر وسكن الحال وكثر مرور السقائين وبيعت القربة بخمسة انصاف والراوية بخمسة عشر ولم يظهر لهذه الحركة سبب أيضا وتقول الناس بطول نهار ذلك اليوم اصنافا وانواعا من الروايات والاقاويل التى لا أصل لها
وفي يوم الاربعاء سابع عشره حضر الشريف راجح من الحجاز ودخل المدينة وهو راكب على هجين وصحبته خمسة انفار على هجن أيضا معهم اشخاص من الارنؤد من اتباع حسن باشا الذي بالحجاز فطلعوا به الى القلعة ثم انزلوه الى منزل احمد أغا اخي كتخدا بك
وفي ليلة الخميس قلد الباشا عبدالله أغا المعروف بصارى جله وجعله كبيرا على طائفة من الينكجرية أيضا وجعل على راسه الطربوش الطويل المرخي على ظهره كما هي عادتهم هو واتباعه وكان من جملة المتهومين بالمخامرة على الباشا
وفيه برز امر الباشا لكبار العسكر بركوب جميع عساكرهم الخيول ومنعهم من حمل البنادق ولا يكون منهم راجل او حامل للبندقية الا من كان من اتباع الشرطة والاحكام مثل الوالي والاغا واغات التبديل ولازم كتخدا بك وايوب أغا تابع ابراهيم أغا آغات التبديل والوالي المرور بالشوارع والجلوس في مراكز الاسواق مثل الغورية والجمالية وباب الحمزاوي وباب زويلة وباب الخرق واكثر اتباعهم مغطرون في نهار رمضان ومتجاهرون بذلك من غير احتشام ولا مبالاة بانتهاك حرمة شهر الصوم ويجلسون على الحوانيت والمساطب يأكلون ويشربون الدخان

وياتي احدهم وبيده شبك الدخان فيدني مجمرته لانف ابن البلد على غفلة منه وينفخ فيه على سبيل السخرية والهذيان بالصمائم وزادوا في الغي والتعدي وخطف النساء نهارا وجهارا حتى اتفق أن شخصا منهم ادخل امرأة الى جامع الاشرفية وزنى بها في المسجد بعد صلاة الظهر في نهار رمضان
وفي اواخره عملوا حساب اهل سوق مرجوش فبلغ ذلك اربعمائة وخمسين كيسا قبضوا ثلثيها وتاخر لهم الثلث كل ذلك خلاف النقود لهم ولغيرهم مثل تجار الحمزاوي وهو شئ كثير ومبالغ عظيمة فان الباشا منع من ذكرها وقال لاي شئ يؤخرون في حوانيتهم وحواصلهم النقود ولايتجرون فيها واتفق لتاجر من اهل اسوق امير الجيوش انه ذهب من حاصله من حواصل الخان ثمانية آلاف فرانسة فلم يذكرها ومات قهر وكذلك ضاع لاهل خان الحمزاوي من صرر الاموال والنقود والودائع والرهونات والمصاغ والجوهر مما يرهنه النساء على ثمن ما يشترونه من التجارة والتفاصيل والمقصبات او على ما يتأخر عليهم من الاثمان مالا يدخل تحت المحصر ويستحيا من ذكره وضاع لرجل يبيع الفسيخ والبطارخ تجاه الحمزاوي من حانوته اربعة آلاف فلم يذكرها وامثال ذلك كثير وانقضى شهر رمضان والناس في امر مريج وخوف وانزعاج وتوقع المكروه ولم ينزل الباشا من القلعة بطول الشهر وذلك على خلاف عادته فإنه لايقدر على الاستقرار بمكان اياما وطبيعته الحركة حتى في الكلام وكبار العساكر والسيد محمد المحروقي ومن يصحبه من المشايخ ونقيب الاشراف مستمرون على الطلوع والنزول في كل يوم ليلة وللمتقيدين بالمنهوبين ديوان خاص وفرق الباشا كساوي العيد على اربابها ولم يظهر في هذه القضية شخص معين والكثير من العساكر الذين يمشون مع الناس في الاسواق يظهرون الخلاف والسخط ويظهر منهم التعدي ويخطفون عمائم الناس والنساء جهارا ويتوعدون الناس بعودهم في النهب وكأنما بينهم

وبين اهل البلدة عداوة قديمة اوثارات يخلصونها منهم وفيهم من يظهر التأسف والندم واللوم على المعتدين ويسفه رايهم وهو المحروم الذي غاب على ذلك وبالجملة فكل ذلك تقادير الهية وقضايا سماوية ونقمة حلت بأهل الاقليم واهله من كل ناحية نسأل الله العفو والسلامة وحسن العاقبة ومما اتفق أن بعض الناس زاد بهم الوهم فنقل ماله من حانوته او حاصله الكائن ببعض الوكائل والخانات الى منزله او حرز آخر فسرقها السراق وحانوته او حاصله لم يصبه ما اصاب غيره وتعدد نظير ذلك لاشخاص كثيرة وذلك من فعل اهل البلدة يراقبون بعضهم بعضا ويداورنوهم في اوقات الغفلات في مثل هذه الحركات ومنهم من اتهم خدمة واتباعه وتهددهم وشكاهم الى حكام الشرطة ويغرم مالا على ذلك أيضا وهم بريئون ولايفيده الا ارتكاب الاثم والفضيحة وعداوة الاهل والخدم وزيادة الغرم وغالب ما بايدي التجار اموال الشركاء والودائع والرهونات ويطالبه اربابها ومنهم قليل الديانة وذهب من حانوته اشياء وبقي اشياء فادعى ضياع الكل لقوة الشبهة

واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة
وهو يوم عيد الفطر وكان في غاية البرودة والخمول عديم البهجة من كل شئ ولم يظهر فيه علامات الاعياد الا فطر والضائمين ولم يغير احد ملبوسه بل ولافصل ثيابا مطلقا ولا شيئا جديدا ومن تقدم له ثوب وقطعة وفصلة في شعبان تأخر عند الخياط مرهونا على مصاريفه ولوازمه لتعطيل جمع الاسباب من بطانة وعقادة وغيرها حتى انه اذا مات ميت لم يدرك اهله كفنه الا بمشقة عظيمة وكسد في هذا العيد سوق الخياطين وما اشبههم من لوازم الاعياد ولم يعمل فيه كعك ولا شريك ولاسمك مملح ولا نقل ولم يخرجوا الى الجبانات والمدافن أيضا كعادتهم ولا نصبوا خياما على المقابر ولم يحسن في هذه الحادثة الا امتناع هذه الامور وخصوصا خروج النساء الى المقابر فإنه لم يخرج منهن الا بعض حرافيشهن على تخوف ووقع

لبعضهن من العسكر ما وقع عند باب النصر والجامع الاحمر
وفي ثالثه نزل الباشا من القلعة من باب الجبل وهو في عدة من عسكر الدلاة والاتراك الخيالة والمشاة وصحبته عابدين بك وذهب الى ناحية الاثار فعيد على يوسف باشا المنفصل عن الشام لانه مقيم هناك لتغيير الهواء بسبب مرضه ثم عدى الى الجيزة وبات بها عند صهره محرم بك ولما اصبح ركب السفائن وانحدر الى شبرا وبات بقصره ورجع الى منزله بالازبكية ثم طلع الى القعلة
وفي يوم الثلاثاء ثامنه عمل ديوانا وجمع المشايخ المتصدرين وخاطبهم بقوله انه يريد أن يفرج عن حصص الملتزمين ويترك لهم وساياهم يؤجرونها ويزرعوهنا لانفسهم ويرتب نظاما لاجل راحة الناس وقد امر الافندية كتاب الروزنامه بتحرير دفاتر وآمهلهم اثني عشر يوما يحررون في ظرفها الدفاتر على الوجه المرضى فأثنوا عليه خيرا ودعوا له فقال الشيخ السشواني ونرجو من افندينا أيضا الافراج عن الرزق الاحباسية كذلك فقال كذلك ننتظر في محاسبات الملتزمين ونحررها على الوجه المرضى أيضا ومن اراد منهم أن يتصرف في حصته ويلتزم بخلاص ما تحرر عليها من المال الميري لجهة الديوان من الفلاحين بموجب المساحة والقياس صرفناه فيها والا ابقاها على طرفنا ويقبض فائظه الذي يقع عليه التحرير من الخزينة نقدا وعدا فدعوا له أيضا وسكتوا فقال لهم تكلموا فإني ماطلبتكم الا للمشاورة معكم فلم يفتح الله عليهم بكلمة يقولها احدهم غير الدعاء له على أن الكلام ضائع لانها حيل ومخادعة تروج على اهل الغفلات ويتوصل بها الى ابراز ما يرومه من المرادات وعند ذلك انفض المجلس وانطلقت المبشرون على الملتزمين بالبشائر وعود الالتزام لتصرفهم يأخدون منهم ويأخذون منهم بقاشين مع ان الصورة معلومة والكيفية مجهولة ومعظم السبب في ذكره ذلك أن معظم حصص الالتزام كان بيدي العساكر وعظمائهم وزوجاتهم وقد انحرفت طباعهم وتكدرت امزجتهم بمنعهم عنه وحجزهم عن التصرف ولم يسهل بهم ذلك

فمنهم من كظم غيظه وفي نفسه ما فيها ومنهم من لم يطق الكتمان وبارز بالمخالفة والتسلط على من لاجناية عليه فلذلك الباشا اعلن في ديوانه بهذا الكلام بمسمع منهم لتسكن حدتهم وتبرد حرارتهم الى أن يتم امر تدبيره معهم
وفيه وصلت الهجانة واخبار ومكاتبات من الديار الحجازية بوقوع الصلح بين طوسون باشا وعبدالله بن مسعود الذي تولى بعد موت ابيه كبيرا على الوهابية وان عبدالله المذكور ترك الحروب والقتال واذعن للطاعة وحقن الدماء وحضر من جماعة الوهابية نحو العشرين نفرا من الانفار الى طوسون باشا ووصل منهم اثنان الى مصر فكأن الباشا لم يعجبه هذا الصلح ولم يظهر عليه علامات الرضا بذلك ولم يحسن نزل الواصلين ولما اجتمعا به وخاطبهما عاتبهما على المخالفة فاعتذرا وذكرا أن الامير مسعودا المتوفي كان فيه عناد وحدة مزاج وكان يريد الملك واقامة الدين واما ابنه الامير عبدالله فإنه لين الجانب والعريكة ويكره سفك الدماء على طريقة سلفه الامير عبدالعزيز المرحوم فإنه كان مسالما للدولة حتى أن المرحوم الوزير يوسف باشا حين كان بالمدينة كان بينه وبينه غاية الصداقة ولم يقع بينهما منازعة ولا مخالفة في شىء ولم يحصل التفاقم والخلاف الا في ايام الامير مسعود ومعظم الامر للشريف غالب بخلاف الامير عبدالله فإنه احسن السير وترك الخلاف وامن الطرق والسبل للحجاج والمسافرين ونحو ذلك من الكلمات والعبارات المستحسنات وانقضى المجلس وانصرفا الى المحل الذي امرا بالنزول فيه ومعهما بعض اتراك ملازمون لصحبتهما مع اتباعهما في الركوب والذهاب والاياب فإنه اطلق لهما الاذن الى اي محل اراده فكانا يركبان ويمران بالشوارع بأتباعهما ومن يصحبهما ويتفرجان على البلدة و اهلها ودخلا الى الجامع الازهر في وقت لم يكن به احد من المتصدرين لاقراء والتدريس وسألوا عن اهل مذهب الامام احمد بن حنبل رضى الله عنه وعن الكتب الفقهية المصنفة في مذهبه فقيل انقرضوا

من ارض مصر بالكلية واشتريا نسخا من كتب التفسير والحديث مثل الخازن والكشاف والبغوي والكتب الستة المجمع على صحتها وغيرذلك وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما انسا وطلاقة لسان واطلاعا وتضلعا ومعرفة بالاخبار والنوادر ولهما من التواضع وتهذيب الاخلاق وحسن الادب في الخطاب والتفقة في الدين واستحضار الفروع الفقهية واختلاف المذاهب فيها ما يفوق الوصف واسم احدهما عبد الله والاخر عبد العزيز وهو الاكبر حسنا ومعنى
وفي يوم السبت تاسع عشره خرجوا بالمحمل الى الحصوة خارج باب النصر وشقوا به من وسط المدينة وامير الركب شخص من الدلاة يسمى اوزون اوغلي وفوق رأسه طرطور الدالاتية ومعظم الموكب من عساكر الدلاة وعلى رؤوسهم الطراطير السود بذاتهم المستبشعة وقد عم الاقليم المسخ في كل شئ فقد تغص الطبيعة وتتكدر النفس اذا شاهدت ذلك او سمعت به وقد كانت نضارة الموكب السالفة في ايام المصريين ونظامها وحسنها وترتيبها وفخامتها وجمالها وزينتها التي لم يكن لها نظير في الربع المعمور ويضرب بها المثل في الدنيا كما قال قائلهم فيها مصر السعيدة مالها من مثيل فيها ثلاثة من الهنا والسرور مواكب السلطان وبحر الوفا ومحمل الهادي نهار يدور فقد فقدت هذه الثلاثة في جملة المفقودات
وفي ثالث عشرينه وصل قابجي وعلى يده تقرير ولاية مصر لمحمد علي باشا على السنة الجديدة فعملوا لذلك الواصل موكبا من بولاق الى القلعة وضربوا مدافع وشنكا وبنادق

واستهل شهر ذي القعدة الحرام بيوم الاربعاء سنة
في سادس عشره سافر الباشا الى الاسكندرية واخذ صحبته عابدين بك واسمعيل باشا ولده وغيرهما من كبرائهم وعظمائهم وسافر ابضا نجيب افندي وسليمان اغا وكيل دار السعادة سابقا تابع صالح بك المصري المحمدي الى دار السلطنة واصحب الباشا الى الدولة واكابرها

الهدايا من الخيول والمهاري والسروج المكللة بالذهب واللؤلؤ والمخيش وتعابي الاقمشة الهندية المتنوعة من الكشمير والمقصبات والتحف ومن الذهب المضروب السكة اربعة قناطير ومن الفضة الثقيلة في الوزن والعيار عدة قناطير ومن السكر المكرر مرارا وانواع الشراب خافاه في القدور الصيني وغير ذلك
وفيه وردت الاخبار بوصول طوسون باشا الى الطور فهرعت اكابرهم واعيانهم الى ملاقاته واخذوا في الاهتمام واحضار الهدايا والتقادم وركبت الخوندات والنساء والستات افواجا افواجا يطلعن الى القلعة ليهنين والدته بقدومه
وفي غايته وصل طوسون باشا الى السويس فضربوا مدافع اعلاما بقدومه وحضر نجيب افندي راجعا من الاسكندرية لاجل ملاقاته لانه قبي كتخدا اليوم ايضا عند الدولة كما هو لوالده

واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة سنة
في رابعه يوم الاثنين نودي بزينة الشارع الاعظم لدخول طوسون باشا سرورا بقدومه فلما اصبح يوم الثلاثاء خامسه احتفل الناس بزينة الحوانيت بالشارع وعملوا له موكبا حافلا ودخل من باب النصر وعلى رأسه الطلخان وشعار الوزارة وطلع الى القلعة وضربوا في ذلك اليوم مدافع كثيرة وشنكا وحراقات
وفي ليلة الجمعة خامس عشره سافر طوسون باشا المذكور الى الاسكندرية ليراه ابوه ويسلم هو عليه وليرى هو ولداله ولد في غيبته يسمى عباس بك اصحبه معه جده مع حاضنته وسنه دون السنتين يقال ان جده قصد ارساله الى دار السلطنة فلم يسهل بابيه ذلك وشق عليه ففارقه وخصوصا كونه لم يره وسافر صحبة طوسون باشا نجيب افندي عائدا الى الاسكندرية
وفي يوم السبت عشرينه حضر طوسون باشا الى مصر راجعا من الاسكندرية في تطريدة ومعه ولده فكانت مدة غيبته ذهابا وايابا ثمانية

ايام فطلع الى القلعة وصار ينزل الى بستان بطريق بولاق ظاهر التبانة عمره كتخدا بك وبنى به قصرا فيقيم به غالب الايام الىي اقامها بمصر وانقضت السنة وما تجدد فيها من استمرار المبتدعات والمكوس والتحكير واهمال السوقة والمتسببين حتى عم غلو الاسعار في كل شئ حتى بلغ سعر كل صنف عشرة امثال سعره في الايام الخالية مع الحجر على ا لايراد واسباب المعايش فلا يهنا بعيش في الجملة الامن كان مكاسا او في خدمة من خدم الدولة مع كونه على خطر فإنه وقع لكثير ممن تقدم في منصب او خدمة انه حوسب واهين والزم بما رافعوه فيه وقد استهلكه في نفقات نفسه وحواشيه فباع ما يملكه واستدان واصبح ميؤسا مديونا وصارت المعايش ضنكا وخصوصا الواقع في اختلاف المعاملات والنقود والزيادة في صرفها واسعارها واحتجاج الباعة والتجار والمتسببين بذلك وبما حدث عليها من مال المكس مع طمعهم ايضا وخصوصا سفلة الاسواق وبياعي الخضارات والجزارين والزياتين فإنهم يدفعون ماهو مرتب عليهم للمحتسب مياومة ومشاهرة ويخلصون اضعافة من الناس ولا رادع لهم بل يسعرون لانفسهم حتى ان البطيخ في أوان كثرته تباع الواحدة التي كانت تساوي نصفين بعشرين وثلاثين والرطل من العنب الشرقاوي الذي كان يباع في السابق بنصف واحد يبيعونه يوما بعشرة ويوما باثني عشر ويوما بثمانية وقس على ذلك الخوخ والبرقوق والمشمش واما الزبيب والتين واللوز والبندق والجوز والاشياء التي يقال لها اليميش التي تجلب من بلاد الروم فبلغت الغاية في الثمن بل قد لايوجد في اكثر الاوقات وكذلك ما يجلب من الشام مثل الملبن والقمر الدين والمشمش الحموي والعناب وكذلك الفستق والصنوبر وغير ذلك ما يطول شرحه ويزداد بطول الزمان قبه
ومات في هذه السنة العلامة الاوحد والفهامة الامجد محقق عصره ووحيد دهره الجامع لاشتات العلوم والمنفرد بتحقيق المنطوق والمفهوم

بقيه الفصحاء الفضلاء المتقدمين المتميز عن المتأخرين الشيخ محمد ابن احمد بن عرفة الدسوقي المالكي ولد ببلده دسوق من قرى مصر وحضر الى مصر وحفظ القرآن وجوده على الشيخ محمد المنير ولازم حضور دروس الشيخ علي الصعيدي والشيخ الدردير وتلقى الكثير من المعقولات عن الشيخ محمد الجناجي الشهير الشافعي وهو مالكي ولازم الوالد حسنا الجبرتي مدة طويلة وتلقى عنه بواسطة الشيخ محمد بن اسمعيل النفراوي علم الحكمة الهيئة والهندسة وفن التوقيت ةحضر عليه ايضا في فقه الحنفية وفي المطول وغيره برواق الجبرت بالازهر وتصدر للاقراء والتدريس وافادة الطلبة وكان فريدا في تسهيل المعاني وتبيين المباني يفك كل مشكل بواضح تقريره ويفتح كل مغلق برائق تحريره ودرسه مجمع اذكياء الطلاب والمهرة من ذوي الافهام والالباب مع لين جانب وديانة وحسن خلق وتواضع وعدم تصنع واطراح تكلف جاريا على سجيته لايرتكب ما يتكلفه غيره من التعاظم وفخامة الالفاظ ولهذا كثر الاخذون عليه والمترددون اليه
ومات الاستاذ الفريد واللودعي المجيد الامام العلامة والنحرير الفهامة الفقيه النحوي الاصولي الجدلي المنطقي الشيخ محمد المهدي الحفني ووالده من الاقباط واسلم هو صغيرا دون البلوغ على يد الشيخ الحفني وحلت عليه انظاره واشرقت عليه انواره وفارق اهله وتبرا منهم وحضنه الشيخ ورباه واحبه واستمر بمنزله مع اولاده واعتنى بشأنه وقرا القرآن ولما ترعرع اشتغل بطلب العلم وحفظ أبا شجاع والفية النحو والمتون ولازم دروس الشيخ واخيه الشيخ يوسف وغيرهما من اشياخ الوقت مثل الشيخ العدوي والشيخ عطية الاجهوري والشيخ الدردير والبيلي والجمل والخرشي وعبد الرحمن المقري والشرقاوي وغيرهم واجتهد في التحصيل ليلا ونهارا ومهر وانجب ولازم في غالب مجالس الذكر عن الشيخ الدردير بعد وفاة الشيخ الحفني وتصدر للتدريس في سنة تسعين ومائة والف ولما

مات الشيخ محمد الهلباوي سنة اثنتين وتسعين جلس مكانه بالازهر وقرا شرح الالفية لابن عقيل ولازم الالقاء وتقرير الدروس مع الفصاحة وحسن البيان والتفهم وسلاسة التعبير وايضاح العبارات وتحقيق المشكلات ونما امره واشتهر ذكره وبعد صيته ولم يزل امره ينمو واسمه يسمو مع حسن السمت ووجاهة الطلعة وجمال الهيئة وبشاشة الوجه وطلاقة اللسان وسرعة الجواب واستحضار الصواب في ترداد الخطاب ومسايرة الاصحاب وفارق الدنيا وارسلوا الى اولاده فحضر واحملوه في تابوت الى الدار الكبيرة بالمرسكي ليلا وشاع موته وجهز وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل جدا ودفن عند الشيخ الحنفي بجانب القبر فسبحان الحي الذي لايموت
ومات الاستاذ العلامة والنحرير الفهامة الفقيه النبية المهذهب المتواضع الشيخ مصطفى بن محمد بن يوسف ابن عبد الرحمن الشهير بالصفوى القلعاوي الشافعي ولد في شهر ربيع الاول من سنة ثمان وخمسين ومائة والف وتفقه على الشيخ الملوي والسحيمي والبراوي والحفني ولازم شيخنا الشيخ احمد العروسي وانتفع عليه واذن له في الفتيا عن لسانه وجمع من تقريراته واقتطف من تحقيقاته والف وصنف وكتب حاشية على ابن قاسم الغزي على ابي شجاع في الفقه وحاشية على شرح المطول للسعد التفتازائي على التلخيص وشرح شرح السمرقندي على الرسالة العضدية في علم الوضع وله منظومة في اداب البحث وشرحها ومنظومة المتن التهذيب في المنطق وشرحها وديوان شعر سماه اتحاف الناظرين في مدح سيد المرسلين وعدة من الرسائل في معضلات المسائل وغير ذلك وكان سكنه بقلعة الجبل ويأتي في كل يوم إلى الأزهر للأقرباء والأفادة فلما أمر الباشا سكان القلعة بإخلائها والنزول منها الى المدينة فنزلوا الى المدينة وتركوا دورهم واوطانهم نزل المترجم مع من نزل وسكن بحارة امير الجيوش جهة باب الشعرية ولم يزل هناك حتى تمرض اياما وتوفي ليلة السبت سابع عشري شهر رمضان وصلى عليه بالازهر ودفن بزاوية الشيخ

سراج الدين البلقبني بحارة السيارج رحمه الله تعالى فإنه كان من احسن من رأينا سمتا وعلما وصلاحا وتواضعا وانكسارا وانجماعا عن خلطة الكثير من الناس مقبلا على شأنه راضيا مرضيا طاهرا نقيا لطيف المزاج جدا محبوبا للناس عفا الله عنه وغفر لنا وله
ومات الشيخ الفاضل الاجل الامثل والوجيه المفضل الشيخ حسين بن حسن كناني بن علي المنصوري الحنفي تفقه على خاله الشيخ مصطفى بن سليمان المنصوري والشيخ محمد الدلجي والشيخ احمد الفارسي والشيخ عمر الدبركي والشيخ محمد المصيلي واقرا في فقه المذهب دروسا في محل جده لامه بالازهر وسكن داره بحارة الحبانية على بركة الفيل مع اخيه الشيخ عبد الرحمن ثم انتقلا في حوادث الفرنساوية الى حارة الازهر ولما كانت حادثة السيد عمر مكرم النقيب من مصر الى دمياط وكنبوا فيه عرضا للدولة وامتنع السيد احمد الطحطاوي من الشهادة عليه كما تقدم وتعصبوا عليه وعزلوه من مشيخة الحنفية قلدوها المترجم فلم يزل فيها حتى تمرض وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشري المحرم وصلي عليه بالازهر ودفن بتربة المجاورين رحمه الله وايانا
ومات البليغ النجيب والنبيه الاريب نادرة الزمان وفريد الاوان اخونا ومحبنا في الله تعالى ومن اجله السيد اسمعيل بن سعد الشهير بالخشاب كان ابوه نجارا ثم فتح له مخزنا لبيع الخشب تجاه تكية الكلشني بالقرب من باب زويلة وولد له المترجم واخوه ابراهيم ومحمد وهو اصغرهما فتولع السيد اسمعيل المترجم بحفظ القرآن ثم بطلب العلم ولازم حضور السيد علي المقدسي وغيره من افاضل الوقت وانجب في فقه الشافعية والمعقول بقدر الحاجة وتثقيف اللسان والفروع الفقهية الواجبة والفرائض وتنزل في حرفة الشهادة بالمحكمة الكبيرة لضرورة التكسب في المعاش ومصارف العيال وتمسك بمطالعة الكتب الادبية والتصوف والتاريخ واولع بذلك وحفظ اشياء كثيرة من الاشعار والمراسلات وحكايات الصوفية وما تكلموا

فيه من الحقائق حتى صار نادرة عصره في المحاضرات والمحاورات واستحضار المناسبات والماجريات وقال الشعر الرائق ونثر النثر الفائق وصحب بسبب ما احتوى عليه من دماثة الاخلاق ولطف السرايا وكرم الشمائل وخفة الروح كثيرا من رباب المظاهر والرؤساء من الكتاب والامراء والتجار
ولم يزل المترجم على حالته ورقته ولطافته مع ما كان عليه من كرم النفس والعفة والنزاهة والتولع بمعالي الامور والتكسب وكثرة الانفاق وسكنى الدور الواسعة والحزم وكان له صاحب يسمى احمد العطار بباب الفتوح توفي وتزوج هو بزوجته وهي نصف واقام معها نحو ثلاثين سنة ولها ولد صغير من المتوفي فتبناه ورباه ورفهه بالملابس واشفق به اضعاف والد بولده بلغ عمل له مهما وزوجته ودعا الناس الى ولائمه وانفق عليه في ذلك انفاقا كثيرة وبعد نحو سنة تمرض ذلك الغلام اشهرا فصرف عليه وعلى معالجته جملة من المال ومات فجزع عليه جزعا شديدا ويبكي وينتحب وعمل له مأتما وعزاء واختارت امه دفنه بجامع الكردي بالحسينية ورتبت وقراء واتخذت مسكنا ملاصقا لقبره اقامت به نحو الثلاثين سنة مع دوام عمل الشريك والكعك بالعجمية والسكر وطبخ الاطعمة للمقرئين والزائرين ثم ملازمة الميت واتخاذ ما ذكر في كل جمعة على الدوام والمترجم طوع يدها في كل ماطلبته وما كلفته به تسخيرا من الله تعالى وكل ما وصل الى يده من حرام او حلال فهو مستهلك عليها وعلى اقاربها وخدمها لا لذة له في ذلك حسية ولا معنوية لانها في ذاتها عجوز شوهاء وهو في نفسه نحيف البنية ضعيف الحركة جدا بل معدومها وابتلى بحصر البول وسلسه القليل مع الحرقة والتألم استدام بها مدة طويلة حتى لزم الفراش اياما وتوفي يوم السبت ثاني شهر الحجة الحرام بمنزله الذي استأجره بدرب قرمز بين القصرين وصلينا عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن عند ابنه المذكور بالحسينية وكثيرا ما كنت اتذكر قول القائل ومن

تراه بأولاد السوى فرحا في عقله عزه ان شئت وانتدب اولاد صلب الفتى قلت منافعهم فكيف يلمح نفع الا بعد الجنب مع انه كان كثير الانتقاد على غيره فيما لايداني فعله وانقياده الى هذه المراة وحواشيها نسأل الله السلامة والعافية وحسن العاقبة كما قيل من تكمله ما تقدم فلا سرور سوى نفع بعافية وحسن ختم وما يأتي من الشعب وامن نكر نكير القبر ئمة ما يكون بعد من الاهوال والتعب

واستهلت سنة
استهل شهر المحرم بيوم السبت وحاكم مصر وصاحبها واقطاعها وثغورها وكذلك بندر جدة ومكة والمدينة المنورة وبلاد الحجاز محمد علي باشا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولاظ محمد الذي هو كتخدا بك قائمقامه هو المتصدر لاجراء الاحكام بين الناس عن امر مخدومه وابراهيم اغا اغات الباب والدفتردار محمد افندي صهر الباشا ولروزنامجي مصطفى افندي تابع محمد افندي باش جاكرت سابقا وغيطاس افندي سرجي وسليمان افندي الكماخي باشمحاسب ورفيقه احمد افندي باش زعيم مصر وهو الوالي واغات التبديل احمد اغا وهو اخو حسن اغا قلفة وصالح بك السلحدار وحسن اغا اغات الينكجرية وعلي اغا الشعراوي المذكور وكاتب الخزينة ولي خوجة ورئيس كتبة الاقباط المعلم غالي واولاده الباشا ابراهيم باشا حاكم الصعيد وطوسون باشا فاتح بلاد الحجاز واسمعيل باشا ببولاق ومحرم بك صهر الباشا ايضا على ابنته بالجيزة احمد اغا المعروف ببونابارته الخازندار وباقي كشاف الاقاليم واكابر اعيانهم مثل دبوس اوغلي وحسن اغا سرششمة وحجو بك ومحو بك وخلافهم
وفي ذلك اليوم قبض كتخدا بك على المعلم غالي وامر بحبسه وكذلك اخوه المسمى فرنسيس وخازنداره المعلم سمعان وذلك عن امر مخدومه من الاسكندرية لانه حول عليه الطلب بستة الاف كيس تأخر اداؤها اياه من حسابه القديم فاعتذر بعدم القدرة على ادائها في الحين لانها بواقي على اربابها وهو ساع في تحصيلها ويطلب المهلة الى رجوع الباشا من

غيبته فأرسل الكتخدا بمقالته واعتذاره الى الباشا وانتبذ طائفة من الاقباط في الحط على غالي مع الكتخدا وعرفوه انه اذا حوسب يظهر عليه ثلاثون الف كيس فقال لهم وان لم يتأخر عليه هذا القدر تكونوا ملزومين به الى الخزينة فأجابوه الى ذلك فأرسل يعرف الباشا بذلك فورد الامر بالقبض عليه وعلى اخيه وخازنداره وحبسهم وعزله ومطالبته بستة آلاف كيس القديمة اولا ثم حسابه بعد ذلك فأحضر المرافعين عليه وهم المعلم جرجس الطويل ومنقريوس البتنوني وحنا الطويل والبسهم خلعا على رياسة الكتاب عوضا عن غالي ومن يليه واستمر غالي في الحبس ثم احضره مع اخيه وخازنداره فضربوا اخاه امامه ثم امر بضربه فقال وانا ضرب ايضا قال نعم ثم ضربوه على رجليه بالكرابيج ورفع وكرر عليه الضرب وضرب سمعان الف كرباج حتى اشرف على الهلاك ووجدوا في جيبه الف شخص بندقي ومائتي محبوب عنها اثنان وعشرون الف قرش ثم بعد ايام افرجوا عن اخيه وسمعان ليسعيا في التحصيل وهلك سمعان واستمر غالي في السجن وقد رفعوا عنه وعن اخيه العقاب لئلا يموتا
وفي عاشره رجع الباشا من غيبته من الاسكندرية واول ما بادا به اخراج العساكر مع كبرائهم الى ناحية بحري وجهة البحيرة والثغور فنصبوا خيامهم بالبر الغربي والشرقي تجاه الرحمانية واخذوا صحبتهم مدافع وبارودا والات الحرب واستمر خروجهم في كل يوم وذلك من مكايده معهم وابعادهم عن جزاء فعلتهم التقدمه فخرجوا ارسالا

واستهل شهر صفر الخير سنة
فيه تشفع جوني الحكيم في المعلم غالي واخذه من الحبس الى داره والعساكر مستمرون في التشهيل والخروج وهم لايعلمون المراد بهم وكثرت الروايات والاخبار والايهامات والظنون ومعنى الشعر في بطن الشاعر
واستهل شهر ربيع الاول
فيه سافر طوسون باشا واخوه اسمعيل باشا الى ناحية رشيد ونصبوا

عرضيهما عند الحماد وناحية ابي منضور وحسين بك دالي باشا وخلافه مثل حسن اغا زجنلي ومحو بك وصارى جلة وحجو بك جهة البحيرة وكل ذلك تواطين وتلبيس للعساكر بكونه اخراج حتى اولاده العزاز للمحافظة وكذلك الكثير من كبرائهم الى جهة البحر الشرقي ودمياط
وفي ثاني عشره صبيحة المولد النبوي طلب الباشا المشايخ فلما جلسوا مجلسهم وفيهم الشيخ البكري احضروا خلعة والبسوها له على منصب نقابة الاشراف عوضا عن السيد محمد المحروقي وفاوضه في ذلك ورأى ان يقلده اياه فاعتذر السيد محمد المحروقي واستعفى وقال انا متقيد بخدمة افندينا ومهمات المتاجر والعرب والحجاز فقال قد قلدتك اياها فأعطها لمن شئت فذكر انها كانت مضافة للشيخ البكري وهو اولى من غيره فلما حضروا وتكاملوا لبسوه الخلعة واستصوب الجماعة ذلك وانصرفوا وفي الحال كتب فرمان بإخراج الدواخلي منفيا الى قرية دسوق فنزل اليه السيد احمد الملا الترجمان وصحبته قواس تركي وبيده الفرمان فدخلوا اليه على حين غفلة وكان بداخل حريمه لم يشعر بشئ مما جرى فخرج اليهم فأعطوه الفرمان فلما قرأه غاب عن حواسه واجاب بالطاعة وامروه بالركوب فركب بغلته وسارا به الى بولاق الى المنزل الذي كان شراه بعد موت ولده والشيخ سالم الشرقاوي وانسل مما كان فيه كانسلال الشعرة من العجين وتفرق الجمع الذي كان حوله وشرع الاشياخ في تنميق عرضحال عن لسانهم بأمر الباشا بتعداد جنايات الدواخلي وذنوبه وموجبات عزله وان ذلك بترجيهم والتماسهم عزله ونفيه ويرسل ذلك العرضحال لنقيب الاشراف بدار السلطنة لان الذي يكون نقيبا بمصر نيابة عنه ويرسل اليه الهدية في كل سنة فالذي نقموه عليه من الذنوب انه تطاول على حسين افندي شيخ رواق الترك وسبه وحبسه من غير جرم وذلك انه اشترى منه جارية حبشية بقدر من الفرانسة فلما اقبضه الثمن اعطاه بدلها قروشا بدون الفرط الذي بين المعاملتين فتوقف السيد حسين

وقال اما تعطيني العين التي وقع عليها الانفصال او تكمل فرط النقص وتشاحا وادى ذلك الى سبه وحبسه وهو رجل كبير متضلع ومدرس وشيخ رواق الاتراك بالازهر وهذه القضية سابقة على حادثة نفيه بنحو سنتين
ومنها ايضا انه تطاول على السيد منصور اليافي بسبب فتيا رفعت اليه وهي ان امرأة وقفت وقفا في مرض موتها وافتى بصحة الوقت على قول ضعيف فسبه في ملا من الجميع واراد ضربه ونزع عمامته من اعلى رأسه
ومنها ايضا انه يعارض القاضي في احكامه وينقص محاصيله ويكتب في بيته وثائق قضايا صلحا ويسب اتباع القاضي ورسل المحكمة ويعارض شيخ الجامع الازهر في اموره ونحو ذلك وعندما سطروه وتمموه وضعوا عليه ختومهم وارسلوا الى اسلامبول على ان جناياته عند الباشا ليست هذه النكات الفارغة بل ولا علم له بها ولا التفات وانما هي اشياء وراء ذلك كله ظهر بعضها وخفي عنا باقيها وذلك ان الباشا يحب الشوكة ونفوذ اوامره في كل مرام ولايصطفى ويحب الا من لايعارضه ولو في جزئية او يفتح له بابا يهب منه ريح الدراهم والدنانيراويدله على ما فيه كسب او ربح من أي طريق او سبب من أي ملة كان ولما حصلت واقعة قيام العسكر في اواخر السنة الماضية واقام الباشا بالقلعة يدبر امره فيهم والزم اعيان المتظاهرين الطلوع اليه في كل ليلة واجل المتعممين الدواخلي لكونه معدودا في العلماء ونقيبا على الاشراف وهي رتبة الوالي عند العثمانيين فداخله الغرور وظن ان الباشا قد حصل في ورطة يطلب النجاة منها بفعل القربات والندور ولكونه رآه يسترضي خواطر الرعية المنهوبين ويدفع لهم اثمانها ويستميل كبار العساكر وينعم عليهم بالمقادير الكثيرة من اكياس المال ويسترسل معه في المسامرة والمسايرة ولين الخطاب والمذاكرة والمضاحكة فلما رأى اقبال الباشا عليه زاد طمعه في الأسترسال معه فقال له الله يحفظ افندينا وينصره على اعدائه والمخالفين له ونرجوا من احسانه

بعد هدؤوسر وسكون هذه الفتنة ان ينعم علينا ويجرينا على عوائدنا في الحمايات والمسامحات في خصوص ما يتعلق بنا من حصص الالتزام والرزق فأجابه بقوله نعم يكون ذلك ولابد من الراحة لكم ولكافة الناس فدعا له وآنس فؤاده وقال الله تعالى يحفظ افندينا وينصره على اعدائه كذلك يكون تمام ما اشرتم به من الراحة لكافة الناس الافراج عن الرزق الاحباسية على المساجد والفقراء فقال نعم ووعده مواعيدة العرقوبية فكان الدواخلي اذا نزل من القلعة الى داره يحكي في مجلسه ما يكون بينه وبين الباشا من امثال هذا الكلام ويذيعه في الناس ولما امر الباشا الكتاب بتحرير حساب الملتزمين على الوجه المرضي بديوان خاص لرجال دائرة الباشا واكابر العسكر وذلك بالقعلة تطييبا لخواطرهم وديوان آخر في المدينة لعامة الملتزمين فيحررون للخاصة بالقلعة ما في قوائم مصروفهم وما كانوا يأخذونه من المضاف والبراني والهدايا وغير ذلك والديوان العام التحتاني بخلاف ذلك فلما راى الدواخلي ذلك الترتيب قال للباشا وانا الفقير محسوبكم من رجال الدائرة فقال نعم وحرروا قوائمه مع الاكابر واكابر الدولة وانعم عليه الباشا بأكياس ايضا كثيرة زيادة على ذلك فلما راق الحال ورتب الباشا اموره مع العسكر اخذ يذكر الباشا بإنجاز الوعد ويكرر القول عليه وعلى كتخدا بك بقوله انتم تكذبون علينا ونحن نكذب على الناس واخذ يتطاول على كتبة الاقباط بسبب امور يلزمهم ويكلفهم بإتمامها وعذرهم يخفي عنه في تأخيرها فيكلمهم بحضرة الكتخدا ويشتمهم ويقول لبعضهم اما اعتبر ثم بما حصل للعين غالي فيحقدون عليه ويشكون منه للباشا والكتخدا وغير ذلك امور مثل تعرضه للقاضي في قضاياه وتشكيه منه واتفق انه لما حضر ابراهيم باشا من الجهة القبلية وكان بصحبته احمد جلبي ابن ذي الفقار كتخدا الفلاح وكأنه كان كتخداه بالصعيد وتشكت الناس من افاعله واغوائه ابراهيم باشا فاجتمع به الدواخلي عند السيد محمد المحروقي وحضر قبل ذلك اليه للسلام عليه

وفي كل مرة يوبخه بالكلام ويلومه على افعاله بالقول الخشن في ملا من الناس فذهب الى الباشا وبالغ في الشكوى ويقول فيها انا نصحت في خدمة افندينا جهدي واظهرت من المخبات ما عجز عنه غيري فأجازي عليه من هذا الشيخ ما اسمعنيه من قبيح القول وتجبيهي بين الملا واذا كان محبا لافندينا فلا يكره نفعه ولا النصح في خدمته وامثال ذلك مما يخفي عنا خبره فمثل هذه الامور هي التي اوغرت صدر الباشا على الدواخلي مع انها في الحقيقة ليست خلافا عند من فيه قابلية للخير وانا اقول ان الذي وقع لهذا الدواخلي انما هو قصاص وجزاء فعله في السيد عمر مكرم فإنه كان من اكبر الساعين عليه الى ان عزلوه واخرجوه من مصر والجزاء من جنس العمل كما قيل ...
فقل للشامتين بنا افيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا ...
ولما جرى على الدواخلي ما جرى من العزل والنفي اظهر الكثير من نظرائه المتفقهين الشماتة والفرح وعملوا ولائم وعزائم ومضاحكات كما قيل ...
امور تضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها اللبيب ...
وقد زالت هيبتهم ووقارهم من النفوس وانهمكوا في الامور الدنيوية والحظوظ النفسانية والوساوس الشيطانية ومشاركة الجهال في الماثم والمسارعة الى الولائم في الافراح والمآتم يتكالبون على اسمطة كالبهائم فتراهم في كل دعوة ذاهبين وعلى الخوانات راكعين وللكباب والمحمرات خاطفين وعلى ما وجب عليهم من النصح تاركين
وفي اواخره شرعوا في عمل مهم عظيم بمنزل ولي افندي ويقال له ولي جحا وهو كاتب الخزينة العامرة وهو من طائفة الارنؤد واختص به الباشا واستأمنه على الامور وضم اليه دفاتر الايراد من جميع وجوه جبايات الاموال من خراج البلاد والمحدثات وحسابات المباشرين وانشا دارا عظيمة بخطة باب اللوق على البركة المعروفة بأبي الشوارب وادخل فيها

عدة بيوت بجانبها على نسق واصطلاح الابنية الافرنجية والرومية وتأنق في زخرفتها واتساعها واستمرت العمارة بها نحو السنتين ولما كملت وتمت احضروا القاضي والمشايخ وعقدوا لولديه على ابنتين من اقارب الباشا بحضرة الاعيان ومن ذكر واحتفلوا بعمل المهم احتفالا زائدا وتقيد السيد محمد المحروقي بالمصاريف والتنظيم واللوازم كما كان في افراح اولاد الباشا واجتمعت الملاعيب والبهلوانات بالبركة وما حولها وبالشارع وعلقوا تعاليق قناديل ونجفات واحمال بلور وزينات واجتمع الناس للفرجة وبالليل حراقات ونفوط ومدافع وسواريخ سبع ليال متوالية وعملت الزفة يوم الخميس واجتمعت العربات لاباب الحرف كما تقدم في العام الماضي بل ازيد وذلك لان الباشا لم يشاهد افراح اولاده لكونه كان غائبا بالديار الحجازية وحضر الباشا للفرجة وجلس بمدرسة الغورية بقصد الفرجة وعمل له السيد محمد المحروقي الغداء وخرجوا بالزفة اوائل النهار وداروا بها دورة طويلة فلم يمروا بسوق الغورية الا قريب الغروب اواخر النهار

واستهل شهر ربيع الثاني سنة
وخروج العساكر الى ناحية بحرى مستمر وافصح الباشا وذكر في كلامه في مجالسه وبين السر في اخراجهم من المدينة بأن العساكر قد كثروا وفي اقامتهم بالبلدة مع كثرتهم ضرر وافساد وضيق على الرعية مع عدم الحاجة اليهم داخل البلدة والاولى والاحوط ان يكونوا خارجها وحولها مرابطين لحفظ الثغور من طارق على حين غفلة او حادث خارجي وليس لهم الا رواتبهم وعلائفهم تأتيهم في اماكنهم ومراكزهم والسر الخفي اخراج الذين قصدوا غدره وخيانته ووقع بسبب حركتهم ما وقع من النهب والازعاج على اواخر شعبان من السنة الماضية وكان قد بدا باخراج اولاده وخواصه من تحيله واحدا بعد واحد واسر الى اولاده بما في ضميره واصحب مع ولده طوسون باشا شخصا من خواصه يسمى احمد اغا

البخورجي المدللي واخذ طوسون باشا في تدبير الايقاع مع من يريد به فبدا بمحو بك وهو اعظمهم واكثرهم جندا فأخذ في تأليف عساكره حتى لم يبق معه الا القليل ثم ارسل في وقت بطلب محو بك عنده في مشروة فذهب اليه احمد اغا المدللي المذكور واسر اليه ما يراد به واشار اليه بعدم الذهاب فركب محو بك في الحال وذهب عند الدلاة فأرسلوا الى مصطفى بك وهو كبير على طائفة من الدلاة وأخو زوجة الباشا وقريبه والى اسمعيل باشا ابن الباشا ليتوسطا في صلح محو بك مع الباشا وليعفوه ويذهب الى بلاده فأرسلا الى الباشا بالخبر وبما نقله احمد اغا المدللي الى محو بك فسفه رأيه في تصديق المقالة وفي هروبه عند الدلاة ثم يقول لولا ان في نفسه خيانة لما فعل ما فعل من التصديق والهروب وكان طوسون باشا لما جرى من احمد اغا ما جرى من نقل الخبر لمحو بك عوقه وارسل الى ابيه يعلمه بذلك فطلبه للحضور اليه بمصر فلما مثل بين يديه وبخه وعزره بالكلام وقال له ترمي الفتن بين اولادي وكبار العسكر ثم امر بقتله فنزلوا به الى با زويلة وقطعوا رأسه هناك وتركوه مرميا طول النهار ثم رفعوه الى داره وعملوا له في صبحها مشهدا ودفنوه
وفيه حضر اسمعيل باشا ومصطفى بك الى مصر
وفي اواخره حضر شخص يسمى سليم كاشف من الاجناد المصرية مرسلا من عند بقاياهم من الامراء واتباعهم الذين رماهم الزمان بكلكله واقصاهم وابعدهم عن اوطانهم واستوطنهم دنقلة من بلاد السودان يتقوتون مما يزرعونه بأيديهم من الدخن وبينهم وبين اقصى الصعيد مسافة طويلة نحو من اربعين يوما وقد طال عليهم الامد ومات اكثرهم ومعظم رؤساهم مثل عثمان بك حسن وسليم اغا واحمد اغا شويكار وغيرهم ممن لاعلم لنا بخبرة اخبارهم لبعد المسافة حتى على اهل منازلهم وبقي ممن لم يمت منهم ابراهيم بك الكبير وعبد الرحمن بك تابع عثمان بك المرادي وعثمان بك يوسف واحمد الالفي زوج عديلة ابنة ابراهيم بك الكبير وعلي

بك ايوب وبواقي صفار الامراء والمماليك على ظن خيانتهم وقد كبر سن ابراهيم بك الكبير وعجزت قواه ووهن جسمه فلما طالت عليهم الغربة ارسلوا هذا المرسل بمكاتبة الى الباشا يستعطفونه ويسألون فضله ويرجون مراحمه بأن ينعم عليهم بالامان على نفوسهم ويأذن لهم بالانتقال من دنقلة الى جهة من اراضي مصر يقيمون بها ايضا ويتعيشون فيها بأقل العيش تحت امانه ويدفعون ما يجب عليهم من الخراج الذي يقرره عليهم ولايتعدون مراسمه واوامره فلما حضر وقابل الباشا وتكلم معه وسأله عن حالهم وشأنهم ومن مات ومن لم يمت منهم وهو يخبره خبرهم ثم امره بالانصراف الى محله الذي نزل فيه الى ان يرد عليه الجواب وانعم عليه بخمسة اكياس فأقام اياما حتى كتب له جواب رسالته مضمونه انه أعطاهم الامان على انفسهم بشروط شروطها عليهم ان خالفوا منها شرطا واحد كان امانهم منقوضا وعهدهم منكرثا ويحل بهم ما حل بمن تقدم منهم فأول الشروط انهم اذا عزموا على الانتقال من المحل الذي هم فيه يرسلون امامهم نجابا يخبره بخبرهم وحركتهم وانتقالهم لياتيهم من أعينه لملاقاتهم الثاني اذا حلوا بأرض الصعيد لا يأخذون من اهل النواحي كلفة ولا دجاجة ولا رغيفا واحدا وانما الذي يتعين لملاقاتهم يقوم لهم بما يحتاجون اليه من مؤنة وعليق ومصرف الثالث اني لا اقطعهم شيئا من الاراضي والنواحي ولا اقامة في جهة من جهات اراضي مصر بل ياتون عندي وينزلون على حكمي ولهم ما يليق بكل واحد منهم من المسكن والتعيين والمصرف ومن كان ذا قوة قلدته منصبا او خدمة تليق به او ضمته الى بعض الاكابر من رؤساء العسكر وان كان ضعيفا او هرما اجريت عليه نفقة لنفسه وعياله والرابع انهم اذا حصلوا بمصر على هذه الشروط وطلبوا شيئا من اقطاع او زرقه او قنطرةاو اقل مما كان في تصرفهم في الزمن الماضي او نحو ذلك انتقض معي عهدهم وبطل اماني لهم بمخالفة شرط واحد من هذه الشروط وهي سبعة غاب عن ذهني باقيها فسبحان المعز

المذل مقلب الاحوال ومغير الشؤون
فمن العبر انه لما حضر المصريون ودخلوا الى مصر بعد مقتل طاهر باشا وتأمروا وتحكموا فكانت عساكر الاتراك في خدمتهم ومن ارذل طوائفهم وعلائفهم تصرف عليهم من ايدي كتابهم واتباعهم وابراهيم بك هو الامير الكبير وراتب محمد علي باشا هذا من الخبز واللحم والارز والسمن الذي عينه له من كبلاره نعوذ بالله من سوء المنقلب ورجع سليم كاشف المرسل اليهم بالجواب المشتمل على مافيه من الشروط
وفيه امر الباشا بحبس احمد افندي المعايرجي بدار الضرب وحبس ايضا عبد الله بكتاش ناظر الضربخانة واحتج عليهما باختلاسات يختلسانها واستمر اياما حتى برر عليهما نحو السبعمائة كيس وعلى الحاج سالم الجواهرجي وهو الذي يتعاطى ايراد الذهب والفضة الى شغل الضربخانة مثلها ثم اطلق المذكوران ليحصلا ما تقرر عليهما وكذلك اطلق الحاج سالم وشرعوا في التحصيل بالبيع والاستدانة واشتد القهر بالحاج سالم ومات على حين غفلة وقيل انه ابتلع فص الماس وكان عليه ديون باقية من التي استدانها في المرة الاولى والغرامة السابقة

ومن النوادر الغريبة والاتفاقات العجيبة
انه لما مات ابراهيم بك المداد بالضربخانة قبل تاريخه تزوج بزوجته احمد افندي المعايرجي المذكور فلما عوق احمد افندي خافت زوجته المذكورة ان يدهمها امر مثل الختم على الدار او نحو ذلك فجمعت مصاغها وما تخاف عليه مما خف حمله وثقل ثمنه وربطته في صرة واودعتها عند امرأة من معارفها فسطا على بيت تلك المرأة شخص حرامي واخذ تلك الصرة وذهب بها الى دار امرأة من اقاربه بالقرب من جامع مسكة وقال لها احفظي عند هذه الصرة حتى ارجع ونزل الى اسفل الدار فنادته المراة اصبر حتى آتيك بشئ تأكله فقال نعم فإني جيعان وجلس اسفل الدار ينتظر اتيانها له بما يأكله وصادف مجئ زوج المرأة تلك الساعة فوجده

فرحب به وهو يعلم بحاله ويكره مجيئه الى داره وطلع الى زوجته فوجد بين يدها تلك الصرة فسألها عنها فأخبرته ان قريبها المذكور اتى بها اليها حتى يعود لاخذها فجسها فوجدها ثقيلة فنزل في الحال ودخل على محمد افندي سليم من اعيان جيران الخطة فأخبره فأحضر محمد افندي انفارا من الجيران ايضا وفيهم الخجا المنسوب الى احمد اغا لاظ المقتول ودخل الجميع الى الدار وذلك الحرامي جالس ومشتغل بالاكل فوكلوا به الخدم واحضروا تلك الصرة وفتحوها فوجدوا بها مصاغا وكيسا بداخله انصاف فضة عددية ذكروا ان عدتها اربعون الفا ولكنها من غير ختم وبدون نقش السكة فأخذوا ذلك وتوجهوا لكتخدا بك وصحبتهم الحرامي فسألوه وهددوه فأقر واخبر عن المكان الذي اختلسها منه فأحضروا صاحبة المكان فقالت هو وديعة عندي لزوجة احمد افندي المعايرجي فثبت لديهم خيانته واختلاسه وسئل احمد افندي فحلف انه لايعلم بشئ من ذلك وان زوجته كانت زوجا لابراهيم المداد فلعل ذلك عندها من ايامه وسئلت هي ايضا عن تحقيق ذلك فقالت الصحيح ان ابراهيم الداد كان اشترى هذه الدراهم من شخص مغربي عندما نهب عسكر المغاربة الضربخانة في وقت حادثة الامراء المصريين وخروجهم من مصر عندما قامت عليهم عسكر الاتراك فلم يزيلوا الشبهة عن احمد افندي بل زادت وكانت هذه النادرة من عجائب الاتفاق فقدروا اثمانها وخصموها من المطلوب منه
وفي يوم الخميس عشرينه حصلت جمعية ببيت البكري وحضر المشايخ وخلافهم وذلك بأمر باطني من صاحب الدولة وتذاكروا ما يفعله قاضي العسكر من الجور والطمع في اخذ اموال الناس والمحاصيل وذلك ان القضاة الذين يأتون من باب السلطنة كانت لهم عوائد وقوانين قديمة لايتعدونها في ايام الامراء المصريين فلما استولت هؤلاء الاروام على المماليك والقاضي منهم فحش امرهم وزاد طمعهم وابتدعوا بدعا وابتكروا حيلا لسلب اموال الناس والايتام والارامل وكلما ورد قاض ورأى ما ابتكره

الذي كان قبله احدث هو الاخر اشياء يمتاز بها عن سلفه عن حتى فحش الامر وتعدى ذلك لقضايا اكابر الدولة وكتخدا بك بل والباشا وصارت ذريعة وامرا محتما لا يحتشمون منه ولايراعون خليلا وكبيرا ولا جليلا وكان المعتاد القديم انه اذا ورد القاضي في اول السنة التوتية التزم بالقسمة بعض المميزين من رجال المحكمة بقدر معلوم يقوم بدفعه للقاضي وكذلك تقرير الوظائف كانت بالفراغ او المحلول وله شهريات على باقي المحاكم الخارجة كالصالحية وباب سعادة والخرق وباب الشعرية وباب زويلة وباب الفتوح وطيلون وقناطر السباع وبولاق ومصر القديمة ونحو ذلك وله عوائد واطلاقات وغلال من الميري وليس له غير ذلك الا معلوم الامضاء وهو خمسة انصاف فضة فإذا احتاج الناس في قضاياهم ومواريثم احضروا شاهدا من المحكمة القريبة منهم فيقضي فيها مايقضيه ويعطونه اجرته وهو يكتب التوثيق او حجة المبايعة او التوريث ويجمع العدة من الاوراق في كل جمعة او شهر ثم يمضيها من القاضي ويدفع له معلوم الامضاء لاغير واما القضايا لمثل العلماء والامراء فبالمسامحة والاكرام وكان القضاة يخشون صولة الفقهاء وقت كونهم يصدعون بالحق ولا يداهنون فيه فلما تغيرت الاحوال وتحكمت الاتراك وقضاتها ابتدعوا بدعا شتى
منها ابطال نواب المحاكم وابطال القضاة الثلاثة خلاف مذهب الحنفي وان تكون جميع الدعاوي بين يديه ويدي نائبه وبعد الانفصال يأمرهم بالذهاب الى كتخداه ليدفع المحصول فيطلب منهم المقادير الخارجة عن المعقول وذلك خلاف الرشوات الخفية والمصالحات السرية واضاف التقرير والقسمة لنفسه ولايلتزم بها احد من الشهود كما كان في السابق واذا دعى بعض الشهود لكتابة توثيق او مبايعة او تركة فلا يذهب إلا بعد ان يأذن له القاضي او يصحبه بجوخدار ليباشر القضية وله نصيب ايضا وزاد طمع هؤلاء الجوخدارية حتى لايرضون بالقليل كما كانوا في

اول الامر وتخلف منهم اشخاص بمصر عن مخاديمهم وصاروا عند المتولي لما انفتح لهم هذا الباب واذا ضبط تركة من التركات وبلغت مقادر أخرجوا للقاضي العشر من ذلك ومعلوم الكاتب والجوخدار والرسول ثم التجهيز والتكفير والمصرف والديون وما بقي بعد ذلك يقسم بين الورثة فيتفق ان الوارث واليتيم لايبقى له شئ ويأخذ من ارباب الديون عشر ديونهم ايضا ويأخذ من محاليل وظائف التقارير معلوم سنتين او ثلاثة وقد كان يصالح عليها بأدنى شئ والا اكراما وابتدع بعضها الفحص عن وظائف القبانية والموازين وطلب تقاريرهم القديمة ومن اين تلقوها وتعلل عليهم بعدم صلاحية المقرر وفيها من هو بإسم النساء وليسوا اهلا لذلك وجمع من هذا النوع مقدارا عظيما من المال ثم محاسبات نظار الاوقاف والعزل والتولية فيهم والمصالحات على ذلك وقرر على نصارى الاقباط والاروام قدرا عظيما في كل سنة بحجة المحاسبة على الديور والكنائس ومما هو زائد الشناعة ايضا انه اذا ادعى مبطل على انسان دعوى لا اصل لها بأن قال ادعى عليه بكذا وكذا من المال وغيره كتب المقيد ذلك القول حقا كان او باطلا معقولا او غير معقول ثم يظهر بطلان الدعوى او صحة بعضها فيطالب الخصم بمحصول القدر الذي ادعاه المدعي وسطره الكاتب يدفعه المدعي عليه للقاضي على دور النصف الواحد او خلاف ما يؤخذ من الخصم الاخر وحصل نظيرها لبعض من هو ملتجئ لكتخدا بك فحبس على المحصول فأرسل الكتخدا يترجى في اطلاقه والمصالحة عن بعضه فأبى فعند ذلك حنق الكتخدا وارسل من اعوانه من استخرجه من الحبس ومن الزيادات في نغمة الطنبور كتابة الاعلامات وهو انه اذا حضر عند القاضي دعوى بقاصد من عند الكتخدا او الباشا ليقضي فيها وقضى فيها لاحد الخصمين طلب المقضي له اعلاما بذلك الى الكتخدا او الباشا يرجع به مع القاصد تقييدا واثباتا فعند ذلك لايكتب له ذلك الاعلام الا بما عسى لا يرضيه الا ان يسلخ من جلده طاقا او طاقين وقد حكمت

عليه الصورة وتابع الباشا او الكتخدا ملازم له ويستعجله ويساعد كتخدا القاضي عليه ويسليه على ذلك الظفر والنصرة على الخصم مع ان الفرنساوية الذين كانوا لايتدينون بدين لما قلدوا الشيخ احمد العريشي القضاء بين المسلمين بالمحكمة حددوا له حدا في اخذ المحاصيل لايتعداه بأن يأخذ على المائة اثنين فقط له منها جزء الكتاب جزء فلما زاد الحال وتعد الى اهل الدولة رتبوا هذه الجمعية فلما تكاملوا بمجلس بيت البكري كتبوا عرضا محضرا ذكروا فيه بعض هذه الاحداثات والتمسوا من ولي الامر رفعها ويرجون من المراحم ان يجري القاضي ويسلك في الناس طريقا من احدى الطرق الثلاث اما الطريقة التي كان عليها القضاة في زمن الامراء المصريين واما الطريقة التي كانت في زمن الفرنساوية او الطريقة التي كانت ايام مجئ الوزير وهي الاقرب والاوفق وقد اخترناها ورضيناها بالنسبة لما هم عليه الان من الجور وتمموا العرض محضرا واطلعوا عليه الباشا فارسله الى القاضي فامتثل الامر وسجل بالسجل على مضض منه ولم تسعه المخالفة

واستهل شهر جمادي الثانية سنة
في منتصفه ورد الخبر بموت مصطفى بك دالي باشا بناحية الاسكندرية وهو قريب الباشا واخو زوجته
واستهل شهر رجب الاصم بيوم الثلاثاء سنة
في ثالثه يوم الخميس قبل الغروب حصل في الناس انزعاج ولغط ونقل اصحاب الحوانيت بضائعهم منها مثل سوق الغورية ومرجوش وخان الحمزاوي وخان الخليلي وغيرهم ولم يظهر لذلك سبب من الاسباب واصبح الناس مبهوتين ولغطوا بموت الباشا وحضر اغات الينكجرية واغات التبديل الى الغورية واقاما بطول النهار وهما يامران الناس بالسكون وفتح الدكاكين وكذلك علي اغا الوالي بباب زويلة واصبح يوم السبت فركب الباشا وخرج الى قبة العزب وعمل رماحة وملعبا ورجع الى شبرا

وحضر كتخدا بك الى سوق الغورية وجلس بالمدفن وامر بضرب شيخ الغورية فبطحوه على الارض في وسط السوق وهو مرشوش بالماء وضربه الاتراك بعصيهم ثم رفعوه الى داره ثم امر الكتخدا بكتابة اصحاب الدكاكين الذين نقلوا متاعهم فشرعوا في ذلك وهرب الكثير منهم وحبسهم في داه ثم ركب الكتخدا ومر في طريقه على خان الحمزاوي وطلب البواب فلما مثل بين يديه امر بضربه كذلك وضرب ايضا شيخ مرجوش واما طائفة خان الخليلي ونصارى الحمزاوي فلم يتعرض لهم

واستهل شهر شعبان بيوم الخميس سنة
فيه من الحوادث ان بعض العيارين من السراق تعدوا على قهوة الباشا بشبرا وسرقوا جميع ما بالنصبة من الاواني والبكارج والفناجين والظروف فأحضر الباشا بعض ارباب الدرك بتلك الناحية والزمه بإحضار السراق والمسروق ولايقبل له عذرا في التأخير ولو يصالح على نفسه بخزينة او اكثر من المال ولايكون غير ذلك ابدا والا نكل به نكالا عظيما وهو المأخوذ بذلك فترجى في طلب المهلة فأمهله اياما وحضر بخمسة اشخاص واحضروا المسروق بتمامه لم ينقص منه شئ وامر بالسراق فخوزقوهم في نواحي متفرقين بعد ان قرروهم على امثالهم وعرفوا عن اماكنهم وجمع منهم زيادة على الخمسين وشنق الجميع في نواح متفرقة بالاقاليم مثل القليوبية والغربية والمنوفية
وفي منتصفه يوم الجمعة الموافق لرابع مسرى القبطي اوفي النيل اذرعة وفتح سد الخليج يوم السبت
وفيه وقع من النوادر ان امرأة ولدت مولودا برأسين واربعة ايدي وله وجهان متقابلان والوجهان بكتفيهما مفروقان من حد الرأس وقيل لحد الصدر والبطن واحدة وثلاثة ارجل واحدى الارجل لها عشرة اصابع فيقال انه اقام يوما وليلة حيا ومات وشاهده خلق كثير وطلعوا به الى القلعة وراه كتخدا بك وكل من كان حاضرا بديوانه فسبحان الله الخلاق العظيم

واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة سنة 1231
حصل فيه من النوادر ان في تاسع عشره علق شخص عسكري غلاما من اولاد البلد وصار يتبعه في الطرقات الى ان صادفه ليلة بالقرب من جامع الماس بالشارع فقبض عليه واراد الفعل به في الطريق فخدعه الغلام وقال له ان كان لابد فادخل بنا في مكان لايرانا فيه احد من الناص فدخل معه درب حلب المعروف الان بدرب الحمام خير بك حديد وهناك دور الامراء التي صارت خرائب فحل العسكري سراويله فقال له الغلام ارني بتاعك فلعله يكون عظيما لا اتحمله جميعه وقبض عليه وكان بيده موسى مخفيه في يده الاخرى فقطع ذكره بتلك الموسى سريعا وسقط العسكري مغشيا عليه وتركه الغلام وذهب في طريقه وحضر رفقاء ذلك العسكري وحملوه واحضروا له سليما الجرائحي فقطع ما بقي من مذاكيره واخذ في معالجته ومداواته ولم يمت العسكري

واستهل شهر شوال بيوم السبت
وكان حقه يوم الاحد وذلك ان اواخر رمضان حضر جماعة من دمنهور البحيرة واخبروا عن اهل دمنهور انهم صاموا يوم الخميس فطلب الباشا حضور من رأى الهلال تلك الليلة فحضر اثنان من العسكر وشهدا برؤيته ليلة الخميس فأثبتوا بذلك هلال رمضان ويكون تمامه يوم الجمعة واخبر جماعة ايضا انهم راوا هلال شوال ليلة السبت وكان قوسه في حساب قواعد الاهلة تلك الليلة قليلا جدا ولم ير في ثاني ليلة منه الا بعسر وانما اشتبه على الرائين لان المريخ كان مقارنا للزهرة في برج الشمس من خلفها وبينهما وبين الشمس رؤيا بعدها في شعاع الشمس شبه الهلال فظن الراؤن انه الهلال فلينتبه لذلك فإن ذلك من الدقائق التي تخفي على أهل الفطانة فضلا عن غيرهم من العوام الذين يسارعون الى افساد العبادات حسبه بالظنون الكاذبة لاجل ان يقال شهد فلان ونحو ذلك
وفي اواخره قلد الباشا شخصا من اقاربه يسمى شريف اغا على دواوين

المبتدعات وضم اليه جماعة من الكتبة ايضا المسلمين والاقباط وجعلوا ديوانهم ببيت ابي الشوارب وعمروه عمارة عظيمة وواظبوا الجلوس فيه كل يوم التحرير والمبتدعات ودفاتر المكوس

واستهل شهر ذي القعدة سنة
فيه انهدم جنب من السواقي التي انشأها الباشا بشبرا على حين غفلة وقد قوي عليها النيل فتهدمت وتكسرت اخشابها وسقط معها اشخاص كانوا حولها فنجا منهم من نجا وغرق منهم من غرق وكان الباشا بصر شبرا مقيما به وهو يرى ذلك وانقضت السنة واخبار بعض حوادثها واستمرار ما تجدد فيها من المبتدعات التي لا حصر لها
ومنها الحجر على المزارع التي يزرعها الفلاحون في الاراضي التي يدفعون خراجها من الكتاب والسمسم والعصفر والنيلة والقطن والقرطم واذا بدا صلاحه لايبيعون منه شيئا كعادتهم وانما يشتريه الباشا بالثمن الذي يفرضه ويقدره على يد امناء النواحي والكشاف ويحملونه الى المحل الذي يؤمرون بحمله اليه ويعطى لهم الثمن او يحسب لهم من اصل المال فان احتاجوا الشئ من ذلك اشتروه بالثمن الزائد المفروض وكذلك القمح والفول والشعير لايبيعون منه شيئا لغير طرف الباشا بالثمن المفروض والكيل الوافي
ومنها الامر لكشاف الاقاليم بالمناداة العامة بالمنع لمن يأخذ او يأكل من الفول الاخضر والحمص والحلبة وان المعينين في الخدم والمباشرين وكشاف النواحي لايأخذون شيئا من الفلاحين كعادتهم من غير ثمن فمن عثر عليه بأخذ شئ ولو رغيفا او تبنا او من رجيع البهائم حصل له مزيد الضرر ولو كان من الاعاظم وكذلك الامر بتكميم افواه المواشي التي تسرح للمرعى حوالي الجسور والغيطان
ومنها ان نصرانيا من الارمن التزم بقلم الأبراز التي تأتي من بلاد الصعيد مثل الحبة السوداء والشمر والانيسون والكمون والكراويا ونحو ذلك

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13