كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

الى بر مصر ومروا في الاسواق وعدى ايضا محمد علي وقابلهم في بر الجيزة ورجع وعدى الكثير منهم من ناحية انبابة ومعهم عربان كثيرة وساروا الى جهة خارج باب النصر وباب الفتوح واقاموا هناك وأرسل ابراهيم بك ورقة الى احمد باشا يقول فيها انه بلغنا موت المرحوم طاهر باشا عليه الرحمة والرضوان فأنتم تكونون مع أتباعكم الارنؤد حالا واحدا ولا تتداخلوا مع الانكشارية فلما كان ضحوة النهار ذهب جماعة من الانكشارية الى جهة الرميلة فضربوا عليهم من القلعة مدافع فولوا وذهبوا ثم بعد حصة ضربوا ايضا عدة مدافع متراسلة على جهة بيت احمد باشا وكان ساكنا في بيت علي بك الكبير بالداودية فعند ذلك اخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الانكشارية البلدية ووافق ان المشايخ لما خرجوا من عنده وركبوا لم يزالوا سائرين الى أن وصلوا جامع الغورية فنزلوا به وجلسوا وهم في حيرة متفكرين فيما يصنعون فعندما سمعوا صوت المدافع قاموا وتفرقوا وذهبوا الى بيوتهم ثم ان ابراهيم بك ارسل ورقة الى أحمد باشا قبيل العصر يأمره فيها بتسليم الذين قتلوا طاهر باشا ويخرج الى خارج البلد ومعه مهلة الى حادي عشر ساعة من النهار ولا يقيم الى الليل وان خالف فلا يلومن الا نفسه فلما رأى حال نفسه مضمحلا لم يجد بدا من الامتثال الا أنه لم يجد جمالا يحمل عليها أثقاله فقال للرسول سلم عليه وقل له يرسل لي جمالا وأنا أخرج واما تسليم القاتلين فلا يمكن فقال له اما حضور الجمال فغير متيسر في هذا الوقت لبعد المسافة فقال له وكيف يكون العمل فقال يركب حضرتكم ويخرج ووقت ما حضرت الجمال الليلة أو غدا حملت الاثقال ولحقتكم خارج البلد فعند ذلك قام وركب وقت العصر وتفرق من كان معه من أعيان العثمانية مثل الدفتردار وكتخدا بك والروزنامجي وذهبوا الى محمد علي والتجؤا اليه فأظهر لهم البشر والقبول وخرج احمد باشا في حالة شنيعة واتباعه مشاة بين يديه وهم يعدون في مشيهم وعلى اكتافهم وسائد وأمتعة خفيفة فعند ما خرج من

البيت دخل الارنؤد ونهبوا جميع ما فيه ولم يزل سائرا حتى خرج من المدينة من باب الفتوح فوجد العسكر والعربان وبعض كشاف ومماليك مصرية محدقة بالطرق فدخل مع الانكشارية الى قلعة الظاهر وأغلقوها عليهم وخرج خلفهم عدة وافرة من الارنؤد والكشاف المصرلية والعرب والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وامامه المناداة بالامان حسب ما رسم ابراهيم بك حاكم الولاية وافندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لاحمد باشا يوما وليلة لا غير وفي ذلك اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه اشياء كثير أخذ ذلك جميعه الارنؤد وأصبح يوم الجمعة فركب المشايخ والاعيان وعدوا الى بر الجيزة وسلموا على ابراهيم بك والامراء
وفيه استأذن الدفتردار وكتخدا بك محمد علي في الاقامة عنده أو الذهاب فأذن لهما بالتوجه الى بيوتهما فركبا قبيل الظهر وسارا الى بيت الدفتردار وهو بيت البارودي فدخل كتخدا بك مع الدفتردار لعلمه بنهب بيته فنزلا وجلسا مقدار ساعة واذا بجماعة من كبار الارنؤد ومعهم عدة من العسكر وصلوا اليهما وعند دخولهم طلبوا المشاعلي من بيت علي أغا الشعراوي وهو تجاه بيت البارودي فلم يجدوه فذهب معهم رفيق له وليس معه سلاح فدخلوا الدار وأغلقوا الباب وعلم أهل الخطة مرادهم فاجتمع الكثير من الاوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب ولما دخلوا عليهما قبضوا أولا على الدفتردار وشلحوه من ثيابه وهو يقول عيبتر وأصابه بعضهم بضرب على يده اليمنى واخرجوه الى فسحة المكان وقطعوا رأسه بعد ضربات وهو يصيح مع كل ضربة لكون المشاعلي لا يحسن الضرب ولم يكن معه سلاح بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم وأخذوا لرأسين وتركوهما مرميين وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه من الثياب والامتعة بالمكان وكذلك ثياب أتباعهم وخرج اتباعهم في اسوأ حال

يطلبون النجاة بأرواحهم ومنهم من هرب وطلع الى حريم البارودى الساكنات في البيت وصرخ النساء وانزعجن وكانت الست نفيسة المرادية في ذلك المنزل أيضا في تلك الايام فعند ما رأت وصول الجماعة ارسلت الى سليم كاشف المحرمجي فحضر في ذلك الوقت فكلمته في أن يتلاف الامر فوجده قد تم فخرج بعد خروجهم بالرأسين فظن الناس أنها فعلته ثم حضر محمد علي في اثر ذلك وطرد الناس المجتمعين للنهب وختم على المكان وركب الى داره ثم ان علي أغا الشعراوى استأذن محمد علي في دفنهما فأذن له فأعطى شخصا ستمائة نصف فضة لتجهيزهما وتكفينهما فأخذها وأعطى منها الآخر مائتين نصف لا غير فأخذها وذهب فوضعهما في تابوت واحد من غير رؤوس وكانوا ذهبوا برؤسهما الى الامراء بالجيزة ولم يردوهما ولم يدفنا معهما ثم رفعهما بالتابوت الى ميضاة جامع السلطان شاه المجاور للمكان وهو مكان قذر فغسلهما وكفنهما في كفن حقير ودفنهما في حفرة تحت حائط بتربة الازبكية من غير رؤوس فهذا ما كان من أمرهما وأما الذين في قلعة الظاهر فإنهم انحصروا وأحاط بهم الارنؤد والغز والعربان وليس عندهم ما يأكلون ولا يشربون فصاروا يرمون عليهم من السور القرابين والبارود وهم كذلك يرمون عليهم من أسفل وجمعوا أتربة وعملوها كيمانا عالية وصاروا يرمون عليهم منها كذلك بقية نهار الجمعة وليلة السبت اشتد الحرب بينهم بطول الليل وفي الصباح أنزلوا من القلعة مدافع كبارا وبنبة وجبخانة وأصعدوها على التلول وضربوا عليهم الى قبيل العصر فعند ذلك طلبوا الامان وفتحوا باب القلعة وخرج احمد باشا وصحبته شخصان وهما اللذان قتلا طاهر باشا فأخذوهم وعدوا بهم الى الجيزة وبطل الحرب والرمي وبقي طائفة الانكشارية داخل القلعة وحولهم العساكر فلما ذهبوا بهم الى الجيزة أرسلوا احمد باشا الى قصر العيني وأبقوا الاثنين وهم اسمعيل أغا وموسى أغا بالقصر الذى بالجيزة ونودى بالامان للرعية حسب ما رسم ابراهيم وعثمان بك

البرديسي ومحمد علي
وفي يوم السبت حضر احمد بك اخو محمد علي الى جهة خان الخليلي لاجراء التفتيش على منهوبات الارنؤد التي نهبها الانكشارية وأودعوها عند أصحابهم الاتراك ففتحوا عدة حوانيت وقهاوى واماكن وأخذوا ما فيها وأجلسوا طوائف من عسكر الارنؤد على الخانات والوكائل والاماكن وشلحوا ناسا كثيرة من ثيابهم وربما قتلوا من عصى عليهم فتخوف اهل خان الخليلي ومن جاورهم واستمر الارنؤد كلما مرت منهم طائفة ووجدوا شخصا في اى جهة قبة شبه ما بالاتراك قبضوا عليه وأخذوا ثيابه وخصوصا ان وجدوا شيئا معه من السلاح أو سكينا فتوقي اكثر الناس وانكفوا عن المرور في أسواق المدينة فضلا عن الجهات البرانية
وفيه كثر مرور الغز والكشاف المصرلية وترددوا الى المدينة وعلى اكتافهم البنادق والقرابين وخلفهم المماليك والعربان فيذهبون الى بيوتهم ويبيتون بها ويدخلون الحمامات ويغيرون ثيابهم ويعودون الى بر الجيزة وبعضهم امامه المناداة بالامان عند مرور بوسط المدينة
وفيه كتبت أوراق بطلب دراهم فردة على البلاد المنوفية والغربية كل بلد ألف ريال وذلك خلاف مضايف العرب وكلفهم
وفي يوم الاثنين قتلوا شخصا بباب الخرق يقال انه كان من اكبر المتحزبين على الارنؤد وجمع منهوبات كثيرة
وفيه ايضا قتلوا اسمعيل اغا وموسى اغا وهما اللذان كان قتلا طاهر باشا وتقدم انهم كانوا أخذوهما بالأمان صحبة أحمد باشا فأرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وبقي الاثنان بقصر الجيزة فأخذوهما وعدوا بهما الى البر الآخر وقطعوا رأسهما عند الناصرية واخذوا الراسين وذهبوا بهما الى زوجة طاهر باشا بالشيخوخة ثم طلعوهما الى اخى طاهر باشا بالقلعة وفيه تقلد سليم أغا اغات مستحفظان سايقا الاغاوية كما كان وركب وشق المدينة باعوانه وامامه جماعة من العسكر الارنؤد ولبسوا ايضا حسين

أغا امين خزنة مراد بك وقلدوه والي الشرطة ولبسوا محمدا المعروف بالبرديسي كتخدا قائد أغا وجعلوه محتسبا وشق كل منهم بالمدينة وامامهم المناداة بالامن والامان والبيع والشراء
وفيه اخرجوا الانكشارية الذين بقلعة الظاهر وسفروهم الى جهة الصالحية وصحبتهم كاشفان وطائفة من العرب بعد ما اخذوا سلاحهم ومتاعهم بل وشلحوهم ثيابهم والذى بقى لهم بعد ذلك أخذته العرب وذهبوا في أسوا حال وانحس بال وهم نحو الخمسمائة انسان ومنهم من التجأ الى بعض المماليك والغز فستر عليه وغير هيئته وجعله من أتباعه وكذلك الانكشارية الذين كانوا مخفيين التجؤا الى المماليك وانتموا اليهم وخدموهم فسبحان مقلب الاحوال وحضر سليم كاشف المحرمجي وسكن بقلعة الظاهر وكتب الى اقليم القليوبية أوراقا وقرر على كل بلد ألف ريال ومن كل صنف من الاصناف سبعين مثل سبعين خروف وسبعين رطل سمن وسبعين رطل بن وسبعين فرخة وهكذا وحق طريق المعين لقبض ذلك خمسة وعشرون ألف فضة من كل بلد
وفي يوم الاربعاء حادى عشره حضر محمد علي وعبد الله أفندى رامز الروزنامجي ورضوان كتخدا ابراهيم بك الى بيت الدفتردار المقتول وضبطوا تركته فوجد عنده نقود ثلثمائة كيس وقيمة عروض وجواهر وغيرها نحو ألف كيس
وفيه أرسل ابراهيم بك فجمع الاعيان والوجاقلية وأبرز لهم فرمانات وجدوها عند الدفتردار المقتول مضمونها تقريرات مظالم منها ان المماليك المصرلية كانوا أحدثوا على الغلال التي تباع الى بحربرا عن كل اردب محبوب فيقرر ذلك بحيث يتحصل من ذلك للخزينة العامرة عشرة آلاف كيس في السنة فإن نقصت عن ذلك القدر أضر ذلك بالخزينة ومنها تقرير المليون الذى كان قرره الفرنسيس على أهالي مصر في آخر مدتهم ويوزع ذلك على الرؤوس والدور والعقار والاملاك ومنها ان الحلوان عن المحلول

ثلاث سنوات ومنها انه يحسب المضاف والبراني الى ميرى البلاد وغير ذلك
وفي يوم الخميس ثاني عشره عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر ابراهيم بك والامراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعا وقدموا لهم تقادم
وفي يوم الجمعة كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدى بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضا
وفي يوم الاحد خامس عشره نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الارنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جدا وسلموا القلعة الى الامراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي الى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك ابراهيم الى باب العزب وسليم أغا مستحفظان الى القصر فعند ذلك اطمان الناس بنزولهم من القلعة فأنهم كانوا على تخوف من اقامتهم بها وكثر فيهم اللغظ بسبب ذلك فلم يزل الامراء يدبرون أمرهم حتى أنزلوهم منها وبقى بها طائفة من الارنؤد وعليهم كبير يقال له حسين قبطان
وفيه ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل الى دمياط كما تقدم
وفي يوم الاثنين وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الاخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وان الشريف غالب أحرق داره وارتحل الى جدة وان الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه الى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين
وفي يوم الاربعاء ثامن عشره أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة

والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على ان يذهبوا الى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون اليه والى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الامراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق ان جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دراهم فمر بهم بعض المماليك من أتباع البرديسي فأستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا الى سيدهم واعلموه فأرسل الى ابراهيم بك فركب الى العرضى ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الالفى وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر الى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة الى جهة العادلية وامامهم وخلفهم بعض الامراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو الف وخمسامئة وازيد فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتاخرين عنهم واخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيرا منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الارنؤدية على ابواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم واغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الالفى يذهب معهم الى القنطرة ونودى في عصريته بالامان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله مهدور
وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة أمامه على الاتراك الانكشارية والبشناق والسجمان بالخروج من مصر والتحذير لمن آواهم أو ثاواهم وكلما صادف في طريقة شخصا من الاتراك قبض عليه وسأله عن تخلفه فيقول أنا من المتسببين والمتأهلين من زمان بمصر فيطلب منه بينة على ذلك

ويسلمه عسكر الارنؤد فيودعونه في مكان من امثاله حتى يتحققوا أمره
وفيه مر بعض المماليك بجهة الميدان ناحية باب الشعرية فصادفوا جماعة من العسكر المذكورين يحملون متاعا لهم فاشتكلوا بهم وأرادوا أخذ سلاحهم ومتاعهم فمانعوهم وتضاربوا معهم فقتل بينهم شخصان من الانكشارية وشخصان من المماليك أحدهما فرنساوى
وفيه حضر أيضا ثلاثة من المماليك الى وكالة الصاغة الى رجل رومي ططرى وسألوه عن جوارى سود عنده لمحمد باشا وانهم يطلبونهن لعثمان بك البرديسي فأنكر ذلك وشهد جيرانه أنهن ملكه واشتراهن ليتجر فيهن فلم يزالوا حتى أخذوا منه ثلاثة على سوم الشراء وذهب معهن فلما بعدوا عن الجهة فزعوا عليه وطردوه وذهبوا بالجوارى فذهب ذلك الططرى الى محمد علي فأرسل الى البرديسي ورقة بطلب الجوارى أو ثمنهن ففحص عنهن حتى ردهن الى صاحبهن
وفيه حضر أيضا جماعة من المماليك الى بيت عثمان أفندى بجوار ضريح الشيخ الشعراني وهو من كتبة ديوان محمد باشا فأخذوا خيله وسلاحه ومتاعه التي بأسفل الدار
وفي يوم الجمعة نهبوا أيضا دار احمد أفندى الذى كان شهر حوالة وكاشف الشرقية في العام الماضي فأخذوا جميع ما عنده حتى ثيابه التي على بدنه وقتلوا خادمه على باب داره قتله الوالي زاعما انه هو الذى دل عليه
وفي يوم السبت مر سليم أغا وأمامه المناداة على الاغراب الشوام والحلبية والرومية يجتمعون بالجمالية يوم تاريخه فلم يجتمع منهم أحد
وفي يوم الاحد حضر الشريف عبد الله ابن سرور وصحبته بعض أقاربه من شرفاء مكة وأتباعهم نحو ستين نفرا واخبروا انهم خرجوا من مكة مع الحجاج وان عبد العزيز بن مسعود الوهابي دخل الى مكة من غير حرب وولى الشريف عبد المعين أميرا على مكة والشيخ عقيلا قاضيا وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والابنية التي اعلى من الكعبة وذلك

بعد ان عقد مجلسا بالحرم وباحثهم على ما الناس عليه من البدع والمحرمات المخالفة للكتاب والسنة واخبروا ان الشريف غالبا وشريف باشا ذهبا الى جدة وتحصنا بها وانهم فارقوا الحجاج في الجديدة
وفيه كتبوا عرضالحين أحدهما بصورة ما وقع لمحمد باشا مع العساكر ثم قيام الانكشارية وقتلهم لطاهر باشا ثم كرة الارنؤد على الانكشارية لما اثاروا الفتنة مع أحمد باشا حتى اختلت أحوال المدينة وكايعهما الخراب لولا قرب الامراء المصرلية وحضورهم فسكنوا الفتنة وكفوا ايدى المتعدين والثاني يتضمن رفع الاحداثات التي في ضمن الاوامر التي كانت مع الدفترادر التي تقدمت الاشارة اليها
وفيه عزم الامراء على التوجه الى جهة بحرى فقصد البرديسي وصحبته محمد بك تابع محمد بك المنفوخ جهة دمياط ومعهم محمد علي وعلي بك أيوب وغيرهم وصحبتهم الجم الكثير من العساكر والعربان ولم يتخلف الا ابراهيم بك واتباعه والحكام وسافر سليمان كاشف البواب الى جهة رشيد وصحبته عساكر ايضا
وفي يوم الثلاثاء عدى الكثير إلى البر الشرقي وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه قدم جاويش الحجاج بمكاتيب العقبة واخبروا بموت الكثير من الناس بالحمى والاسهال وحصل لهم تعب شديد من الغلاء أيضا ذهابا وايابا ومات الشيخ أحمد العريشي الحنفي ودفن بنبط ومات أيضا محمد أفندى باش جاجرت ودفن بالينبع والشيخ علي الخياط الشافعي
وفيه عدى ابراهيم بك الى قصر العيني وركب مع البرديسي الى جهة الحلي وودعه ورجع الى قصر العيني فأقام به وجلس ابنه مرزوق بك في مضرب النشاب واستمر وكيل الالفي مقيما بقصر الجيزة
وفيه وردت الاخبار بأن محمد باشا لما ارتحل من المنصورة الى دمياط أبقي بفارسكور ابراهيم باشا ومملوكه سليم كاشف المنوفية بعدة من

العسكر فتحصنوا بها فلما حضر اليهم حسن بك أخو طاهر بك بالعساكر تحاربوا معهم وملكوا منهم فارسكور فنهبوها وأحرقوها وفسقوا بنسائها وفعلوا مالا خير فيه وقتل سليم كاشف المنوفية المذكور أيضا ثم ان بعض أكابر العسكر المنهزمين ارسل الى حسن بك يطلب منه امانا وكان ذلك خديعة منهم فأرسل لهم أمانا فحضروا اليه وانضموا لعسكره وسهلوا له امر محمد باشا وانه في قلة وضعف وهم مع ذلك يراسلون اصحابهم ويشيرون عليهم بالعود والتثبت الى ان عادوا وتأهبوا للحرب ثانيا وخرج اليهم حسن بك بعساكره وخلفه المنضافون اليه من اولئك فلما ان نشبت الحرب بينهم اخذوهم مواسطة فاثخنوهم ووقعت فيهم مقتلة عظيمة وانهزموا الى فارسكور فتلقاهم اهل البلدة وكملوا قتلهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمساوق والحجارة جزاء لما فعلوه معهم حتى اشتفوا منهم ولم ينج منهم الا من كان في عزوة او هرب الى جهة اخرى وحضر الكثير منهم الى مصر في أسوأ حال
وفي يوم الجمعة والسبت حضر الكثير من حجاج المغاربة وصحبتهم مصاروة وفلاحون كثيرة
وفيه حضرت مكاتبة من الديار الرومية على يد شخص يسمى صالح افندى الى سكندرية فأرسل خورشيد افندى حاكم الاسكندرية يستأذن في حضوره بمكاتبة على يد راشته قنصل النيمسا فذهب راشته الى ابراهيم بك وأخبره واطلعه على المكتوب الذى حضر له فبعد ساعة وصل الخبر بوصول صالح افندى المذكور الى بولاق فأرسل ابراهيم بك رضوان كتخدا واحمد بك الارنؤدى وأمرهما بان يأخذا ما معه من الاوراق ويأمراه بالرجوع بغير مهلة ولا يدعاه يطلع الى البر ففعلا ذلك ومضمون ما في تلك الاوراق خطاب لطاهر باشا وانه بلغنا ما حصل من محمد باشا من الجور والظلم وقطع علوفات العسكر وانهم قاموا عليه وأخرجوه وهذه عادة العساكر اذا انقطعت علوفاتهم واننا وجهنا له ولاية سنانيك وان

طاهر باشا يستمر على المحافظة واحمد باشا قائمقام الى ان يأتي المتولي وخطاب لمحمد باشا بمعنى ذلك والسر في تقليد احمد باشا قائمقام دون طاهر باشا ان طاهر باشا ارنؤد وليس له الا طوخان ومن قواعدهم القديمة انهم لا يقلدون الارنؤد ثلاثة اطواخ ابدا
وفي يوم السبت المذكور دخل الكثير من الحجاج آخر النهار وفي الليل
وفي يوم الاحد دخل الجم الغفير من الحجاج ومات الكثير من الداخلين في ذلك اليوم زكثير مرضى وحصل لهم مشقة عظيمة وشوب وغلاء وخصوصا بعد مجاوزتهم العقبة وبلغت الشربة الماء دينارا والبطيخة دينارين وكان حجاج كثير واكثرهم اوباش الناس من الفلاحين والنساء وغير ذلك وخرج سليم اغا مستحفظان وصحبته جماعة من الانكشارية والكشاف والاجناد والعسكر فاستلموا لمحمل من امير الحاج وامروه لا يدخل المدينة بل يقيم بالبركة حتى يحاسبوه ويسافر بمن معه من العسكر الى جهة الشام ثم رجعوا بالمحمل ودخلوا به المدينة وقت الظهر على خلاف العادة وحضر صحبة الحجاج كثير من اهل مكة هروبا من الوهابي ولغظ الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجيا وكافرا وهم المكيون ومن تابعهم وصدق اقوالهم ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه وارسل الى شيخ الركب المغربي كتابا ومعه اوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيآت اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ونشهد ان محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصى الله ورسوله فقد غوى ولا يضر الا نفسه ولن يضر الله شيئا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فقد قال الله تعالى قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين وقال الله تعالى قل ان كنتم تحبون الله

فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فأخبر سبحانه انه اكمل الدين واتمه على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم وامرنا بلزوم ما انزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف وقال تعالى اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء قليلا ما تذكرون وقال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون والرسول صلى الله عليه و سلم قد اخبرنا بأن امته تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه و سلم انه قال لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوا القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن واخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال من كان على مثل ما انا عليه اليوم واصحابي اذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الامور التي اعظمها الاشراك بالله والتوجه الى الموتى وسؤالهم النصر على الاعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها الارب الارض والسموات وكذلك التقرب اليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد الى غير ذلك من انواع العبادة التي لا تصلح الا لله وصرف شيء من انواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لانه سبحانه وتعالى اغنى الاغنياء عن الشرك ولا يقبل من العمل الا ما كان خالصا كما قال تعالى فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ان الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ان الله لا يهدى من هو كاذب كفار فأخبر سبحانه انه لا يرضى من الدين الا ما كان خالصا لوجهه وأخبر ان المشركين يدعون الملائكة والانبياء

والصالحين ليقربوهم الى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدى من هو كاذب كفار وقال تعالى ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل اتنبؤن الله بمالا يعلم في السموات ولا في الارض سبحانه وتعالى عما يشركون فأخبر انه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى من ذا الذى يشفع عنده الا بأذنه وقال تعالى فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم وقال تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضى له قولا وهو سبحانه وتعالى لا يرضى الا التوحيد كما قال تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا الا من الله كما قال تعاى وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا وقال تعالى ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فأنك اذا من الظالمين فاذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع الا بأذن الله لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجدا فيحمده بمحامد يعلمه اياها ثم يقال ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ثم يحد له حدا فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الانبياء والاولياء وهذا الذى ذكرناه لا يخالف فيه احد من العلماء المسلمين بل قد اجمع عليه السلف الصالح من الاصحاب والتابعين والائمة الاربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على مناهجهم وأما ما حدث من سؤال الانبياء والاولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعيادا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الامور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه و سلم أمته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم انه قال لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من امتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الاوثان وهو صلى الله عليه و سلم حمى جناب التوحيد اعظم حماية وسد كل طريق يؤدي الى الشرك

فنهى ان يجصص القبر وان يبني عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه ايضا انه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره ان لا يدع قبرا مشرفا الا سواه ولا تمثالا الا طمسه ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لانها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه و سلم فهذا هو الذى أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الامر الى ان كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذى ندعو الناس اليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم واجماع السلف الصالح من الامة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان كما قال تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وندعو الناس الى اقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع وايتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر كما قال تعالى الذين ان مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللع عاقبة الامور فهذا هو الذى نعتقده وندين الله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له مالنا وعليه ما علينا ونعتقد أيضا ان أمة محمد صلى الله عليه و سلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وانه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك أقول ان كان كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضا وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه اغاثة اللهفان والحافظ المقريزى في تجريد التوحيد والامام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد يد الشيطان وغير ذلك انتهى

وفي ذلك اليوم نودى على المتخلفين من الانكشارية بالسفر صحبة امير الحاج وقبضوا على أنفار منهم وأخرجوهم ومنعوا ايضا حجاج المغاربة من الدخول الى المدينة ومن دخل منهم لاجل حاجة فليدخل من غير سلاح فذهبوا الى بولاق وأقاموا هناك
وفي يوم الاثنين مر الوالي بناحية الجمالية فوجد انسانا من أكابر غزة يسمى علي أغا شعبان حضر الى مصر من جملة من حضر مع العرضي وكان مهندسا في عمارة الباشا ثم عين لسد ترعة الفرعونية لمعرفته بأمور الهندسة فوجده جالسا على دكان يتنزه حصة وفرسه وخدمه وقوف امامه فطلبه وأمره بالركوب معه فركب وذهب صحبته فكان آخر العهد به وكان في جيبه الف دينار ذهبا باخبار اخيه خلاف الورق فأخذ ثيابه وفرسه وما معه وخنقه وأخفى أمره وأنكره وكان رجلا لا بأس به

شهر ربيع الاول سنة
استهل بيوم الثلاثاء وفي يوم السبت خامسه أحمد باشا والعساكر الانكشارية الذين جمعوهم من المدينة وسافر صحبتهم من العساكر الذين كانوا صحبة أمير الحاج الجميع كانوا نحو الفين وخمسمائة وأما أمير الحاج فانهم عفوا عنه من السفر ودخل المدينة بخاصته
وفي هذا اليوم حضر علي كتخدا من جهة قبلي وهو كتخدا حسن باشا الى جرجا ومعه مكاتبة الى الامراء المصرلية وانه وصل الى اسيوط فكتبوا له أمانا بالحضور الى مصر بمن معه من العسكر ورجع علي كتخدا بذلك في ثاني يومه فقط
وفيه ورد الخبر بوصول أنجد بك الى ثغر دمياط بالريالة الى محمد باشا
وفي يوم الاربعاء تاسعه سافر الشريف عبد الله ابن سرور الى سكندرية متوجها الى اسلامبول وأنعم عليه ابراهيم بك بخمسين الف فضة
وفي يوم الجمعة كان المولد النبوى ونادوا بفتح الدكاكين ووقود القناديل فأوقدت الاسواق تلك الليلة التي قبلها ولكن دون ذلك

واما الازبكية فلم يعمل وقدة الاقبالة بيت البكرى لاستيلاء الخراب عليها
وفي ثاني عشره سفروا جبخانة وجللا وبارودا الى جهه بحرى وأشيع بأن كثيرا من العسكر المصحوبين بالتجريدة ذهبوا الى محمد باشا وكذلك طائفة من الانكشارية المطرودين الذين خلصوا الى طريق دمياط
وفي يوم الاربعاء سادس عشره وردت مكاتبات من عثمان بك البرديسي بالخبر بوقوع الحرب بينهم وبين محمد باشا وعساكره
وفي يوم الاثنين رابع عشره وقع بين الفريقين مقتلة عظيمة وكانوا ملكوا منه متاريس القنطرة البيضاء قبل ذلك ثم هجم المصريون في ذلك اليوم عليهم هجمة عظيمة وكبسوا على دمياط بمخامرة بعض رؤساء عساكر الباشا وفتكوا في عسكر الباشا بالقتل وقتلت خواصه واتباعه وقتل حسين كتخدا شنن ومصطفى أغات التبديل ونهبوا دمياط وأسروا النساء وافتضوا الابكار وأخذوهم أسرى وصاروا يبيعونهم على بعضهم وفعلوا أفعالا شنيعة من الفسق والفجور واخذوا حتى ما على اجساد الناس من الثياب ونهبوا الخانات والبيوت والوكائل وجميع اسباب التجار التي بها من اصناف البضائع الشامية والرومية والمصرية وكان شيئا كثيرا يفوق الحصر وما بالمراكب حتى بيع الفرد الارز الذى هو نصف أردب بثلاثة عشر نصفا وقيمته ألف نصف والكيس الحرير الذى قيمته خمسمائة ريال بريالين الى غير ذلك والامر لله وحده والتجأ الباشا الى القرية وتترس بها فأحاطوا به من كل جهة فطلب الامان فأمنوه من القرية وحضر الى البرديسي وخطف عمامته بعض العسكر ولما رآه البرديسي ترجل عن مركوبه اليه وتمنى بالسلام عليه وألبسه عمامة وأنزله في خيمة بجانب خيمته متحفظا به ولما وصل الخبر بذلك الى مصر ضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة والجيزة ومصر العتيقة واستمر ذلك ثلاثة أيام بلياليها في كل وقت

وفي عصريتها حضر جوخدار البرديسي وهو الذى قتل حسين اغا شنن وحكى بصورة الحال فألبسه ابراهيم بك فروة وأنعم عليه ببلاد المقتول وبيته وزوجته وأملاكه وجعله كاشف الغربية وذهب الى وكيل الالفي أيضا فخلع عليه فروة سمور وصار يبدر الذهب في حال ركوبه
وفي يوم الجمعة ذهب المذكور الى مقام الامام الشافعي وأرخى لحيته على عادتهم التي سنها السدنة ليعفيها بعد ذلك من الحلق
وفي ذلك اليوم عمل ابراهيم بك ديوانا ببيت ابنته بدرب الجماميز وحضر القاضي والمشايخ ولبس خلعة وتولى قائمقام مصر وضربت في بيته النوبة التركية
وفي عشرينه ورد الخبر بوصول علي باشا الطرابلسي الى اسكندرية واليا على مصر عوضا عن محمد باشا وحضر منه فرمان خطابا للامراء يعلمهم بوصوله ويذكر لهم انه متولي على الاقطار المصرية عوضا عن محمد باشا من اسكندرية الى اسوان ولم يبلغ الدولة موت طاهر باشا ولا دخولكم الى مصر ومعنا أوامر لطاهر باشا واحمد باشا انهم يتوجهون بالعساكر الى الحجاز بسبب الوهابيين فلما وصلنا الى اسكندرية بلغنا موت طاهر باشا وحضوركم الى المدينة بمعاونة الارنؤدية وقتل رجال الدولة والانكشارية وقتل من معهم واخراج من بقى على غير صورة الى غير ذلك وهذا غير مناسب ولا نرضى لكم بهذا على هذا الوجه فاننا نحب لكم الخير ولنا معكم عشرة سابقة ومحبة أكيدة ونطلب راحتكم في أوطانكم ونسعى لكم فيها على وجه جميل وكان المناسب ان لا تدخلوا المدينة الا بأذن الدولة فان تظاهركم بالخلاف والعصيان مما يوجب لكم عدم الراحة فان سيف السلطنة طويل فربما استعان السلطان عليكم ببعض المخالفين الذين لا طاقة لكم بهم ثم قال لهم في ضمن ذلك ان لنا معكم

بعض كلام لا يحتمله الكتاب وعن قريب يأتيكم اثنان من طرفنا عاقلان تعلمون معهما مشاورة فكتبوا له جوابا حاصله ان محمد باشا لما كان متوليا لم نزل نترجى مراحمه وهو لا يزداد معنا الا قسوة ولا يسمح لنا بالاقامة بالقطر المصرى جملة وجرد علينا التجاريد والعساكر من كل جهة وينصرنا الله عليه في كل مرة الى ان حصل بينه وبين عساكره وحشة بسبب جماكيهم وعلوفاتهم فقاموا عليه وحاربوه وأخرجوه من مصر بمعونة طاهر باشا ثم قامت الانكشارية على طاهر باشا وقتلوه ظلما وقامت العساكر على بعضهم البعض وكنا حضرنا الى جهة الجيزة باستدعاء طاهر باشا فلما قتل طاهر باشا بقيت المدينة رعية من غير راع وخافت الرعية من جور العساكر وتعديهم فحضر الينا المشايخ والعلماء واختيارية الوجاقلية واستغاثوا بنا فأرسلنا من عندنا من ضبط العساكر ومن المدينة والرعية وأما محمد باشا فانه نزل الى دمياط وظلم البلاد والعباد وفرد عليها الفرد الشاقة وحرقها فتوحه عثمان بك البرديسي لتأمين اهالي القرى الى ان وصل الى ظاهر دمياط فأقام بمن معه خارج المدينة فما يشعر الا ومحمد باشا صدمهم ليلا وحاربهم فحاربوه فنصرهم الله عليه وانهزمت عساكره وقبض عليه وهو الآن عندنا في الاعزاز والاكرام ونحن الآن على ذلك حتى يأتينا العفو وأما قولكم اننا نخرج من مصر فهذا لا يمكن ولا تطاوعنا جماعتنا وعساكرنا على الخروج من اوطانهم بعد استقرارهم فيها وأما قولكم ان حضرة السلطان يستعين علينا ببعض المخالفين فاننا لا نستعين الا بالله واننا ارسلنا عرضحال نطلب العفو ونترجى الرضا ومنتظرون الجواب
وفي ثاني عشرينه حضر واحد اغا ومعه آخر فضربوا له مدافع وعملوا ديوانا وتكلم معهم وتكلم المشايخ الحاضرون في ظلم العثمانين وما احدثوه من المظالم والمكوس واتفقوا على كتابة عرضحال الى الباشا فكتبوا ذلك وامضوا عليه ونادوا في الاسواق برفع ما احدثه الفرنساوية والعثمانية

من المظالم وزيادة المكوس ودفعوا الى الاغا الواصل الف ريال حق طريقه وسافر
وفيه وصل الخبر بأن سليمان كاشف لما وصل الى رشيد وبها جماعة من العثمانية وحاكمها ابراهيم افندى فلما بلغه وصول سليمان كاشف أخلى له البلد وتحصن في برج مغيزل فعبر سليمان كاشف الى البلد وخرج يحاصر ابراهيم افندى فهم على ذلك واذا بالسيد علي باشا القبطان وصل الى رشيد وأرسل الى سليمان كاشف يعلمه بحضوره وحضور علي باشا والي مصر ويقول ما هذا الحصار فقال له نحن نقاتل كل من كان من طرف حسين قبطان باشا وأما من كان من طرف الوزير يوسف باشا فلا نقاتله وارتحل من رشيد الى الرحمانية ودخل السيد على القبطان الى رشيد
وفي ثالث عشرينه سافر جوخدار البرديسي الى ولاية الغربية وكان شاهين كاشف المرادى هناك يجمع الفردة وتوجه الى طندتا وعمل على اولاد الخادم ثمانين الف ريال فحضروا الى مصر ومعهم مفاتيح مقام سيدي أحمد البدوى هاربين وتشكوا وتظلموا وقالوا لابراهيم بك لم يبق عندنا شيء فان الفرنساوية نهبونا وأخذوا اموالنا ثم ان محمد باشا ارسل المحروقي فحفر دارنا وأخذ منا نحو ثلمثائة الف ريال ولم يبق عندنا شيء جملة كافية
وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه وصل محمد باشا الى ساحل بولاق وصحبته المحافظون عليه وهم جماعة من عسكر الارنؤد الذين كانوا سابقا في خدمته وجماعة من الاجناد المصرلية ولم يكن معه من اتباعه الا ست مماليك فقط فان مماليكه المختصين به اختار منهم البرديسي من اختاره واقتسم باقيهم الارنؤد ومنهم من يخدم الارنؤد المحافظين عليه ووافق ان ذلك اليوم كان جمع سيدى أحمد البدوى ببولاق على العادة فنصبوا له خيمة لطيفة بساحل البحر وطلع اليها فرأى جمع الناس فظن انهم اجتمعوا للفرجة عليه فقال ما هذا فأخبروه بصورة الحال وكان ابراهيم بك في ذلك بيوم حضر الى بولاق ودخل الى بيت السيد عمر نقيب الاشراف باستدعاء

فجلس عنده ساعة ثم ركب الى ديوان بولاق فنزل هناك ساعة أيضا ثم ركب الى بيته بحارة عابدين فلما وصل الباشا كما ذكر حضر اليه سليم كاشف المحرمجي وأركبه حصانا وركب مماليكه حميرا وذهبوا به الى بيت ابراهيم بك بحارة عابدين فوجدوا ابراهيم بك طلع الى الحريم فلم ينزل اليه ولم يقابله فرجع به سليم كاشف الى بيت حسن كاشف جركس وهو بيت البرديسي فبات به فلما كان في الصباح ركب ابراهيم بك الى قصر العيني فركب المحرمجي واخذ معه الباشا وذهب به الى قصر العيني فقابل ابراهيم بك هناك وسلم عليه وحضر الالفى وباقي الامراء بجموعهم وخيولهم فترامحوا تحت القصر وتسابقوا ولعبوا بالجريد ثم طلع اكابرهم الى أعلى القصر فصاروا يقبلون يد ابراهيم بك والباشا جالس حتى تحلقوا حواليهما ثم ان ابراهيم بك قدم له حصانا وقام وركب مع المحرمجي الى بيت حسن كاشف بالناصرية فسبحان المعز المذل القهار
وفي ثاني يوم غايته ركب ابراهيم بك الالفي وذهبا الى الباشا وسلما عليه في بيت البرديسي وهادياه بثياب وأمتعة وبعد ان كانوا يترجون عفوه ويتمنون الرضا منه ويكونوا تحت حكمه صار هو يترجى عفوهم ويؤمل رفدهم واحسانهم وبقى تحت حكمهم فالعياذ بالله من زوال النعم وقهر الرجال

شهر ربيع الثاني سنة
استهل بيوم الاربعاء في ثانيه ضربت مدافع كثيرة بسبب اقامة بنديرة الانجليز بمصر
وفيه عدى البرديسي من المنصورة الى البر الغربي متوجها الى جهة رشيد
وفي يوم السبت رابعه وردت هجانة من ناحية الينبع وأخبروا ان الوهابيين جلوا عن جدة ومكة بسبب أنهم جاءتهم اخبار بان العجم زحفوا على بلادهم الدرعية وملكوا بعضها والاوراق فيها خطاب من شريف

باشا وشريف مكة لطاهر باشا على ظن حياته
وفي يوم الاثنين نادى الاغا والوالي بالاسواق على العثمانية والاتراك والاغراب من الشوام والحلبية بالسفر والخروج من مصر فكل من وجد بعد ثلاثة أيام فدمه هدد وأمروا عثمان بك امير الحاج بالسفر على جهة الشام من البر ويسافر المنادى عليهم صحبته وكذلك ابراهيم باشا
وفي يوم الاربعاء خرج عثمان بك الى جهة العادلية وخرج الكثير من أعيان العثمانية معه وتتابع خروجهم في كل يوم وصاروا بيبعون متاعهم وثيابهم وهم خزايا حيارى في أسوأ حال واكثرهم متأهل ومتزوج ومنهم من نهب وسلب وصار لا يملك شيئا فلما تكامل خروجهم وسافروا في عاشره وهم زيادة عن ألفين وبقى منهم اناس التجؤا الى بعض المصرلية والانجليز وانتموا اليهم
وفيه وصلت الاخبار بان البرديسي وصل الى رشيد وان السيد علي باشا ريس القبطانية تحصن ببرج مغيزل وغالب أهلها جلا عنها خوفا من مثل حادثة دمياط ولما دخل عثمان بك البرديسي الى رشيد فرد على أهلها مبلغ دراهم يقال ثمانين الف ريال
وفي ثالث عشره حضر قنصل الفرنسيس فعملوا له شنكا ومدافع وأركبوه من بولاق بموكب جليل وقدامه آغات الانكشارية والوالي واكابر الكشاف وحسين كاشف المعروف بالافرنجي وعساكره الذين مثل عسكر الفرنسيس وهيئته لم يتقدم مثلها بين المسلمين ونصب بندريرته في بركة الازبكية من ناحية قنطرة الدكة على صارى طويل مرتفع في الهواء واجتمع اليه كثير من النصارى الشوام والاقباط وعملوا جمعيات وولائم وازدحموا على بابه وحضر صحبة كثير من الذين هربوا عند دخول المسلمين مع الوزير وكان المحتفل بذلك حسين كاشف الافرنجي
وفي ثامن عشره وصلت مكاتبة من البرديسي الى ابراهيم بك يخبر فيها انه لما وصل الى رشيد وتحصن السيد علي باشا بالبرج أرسل اليه فبعث له حسن بك قرابة علي باشا الطرابلسي الوالي فتكلم معه وقال

له ما المراد ان كان حضرة الباشا واليا على مصر فليات على الشرط والقانون القديم ويقيم معنا على الرحب والسعة وان كان خلاف ذلك فاخبرونا به الى ان انتهى الكلام بيننا وبينه على مهلة ثلاثة أيام ورجع وانتظرنا بعد مضي الميعاد بساعتين فلم يأتنا منهم جواب فضربنا عليهم في يوم واحد مائة وخمسين قنطارا من البارود وأنكم ترسلون لنا أعظم ما يكون عندكم في البنب والمدافع والبارود فشهلوا المطلوب وأرسلوه في ثاني يوم صحبة حسين الافرنجي وتراسل الطلب خلفه ولحقوا به عدة أيام
وفي عشرينه وصل حسن باشا الذى كان والي جرجا الى مصر العتيقة فركب ابراهيم بك للسلام عليه وحضر الطبجية الى جبخانته فأخذوها وطلعوا بها الى القلعة وكذلك الجمال أخذها الجمالة والعسكر ذهبوا الى رفقائهم الذين بمصر وطولب بالمال واستمر بمصر العتيقة مستحفظا به من كل ناحية
وفي يوم السبت خامس عشرينه وقعت نادرة وهي ان محمد باشا طلب من سليم كاشف المحرمجي أن يأذن له في ان يركب الى خارج الناصرية بقصد التفسح فأرسل سليم كاشف يستأذن ابراهيم بك في ذلك فأذن له بان يركب ويعمل رماحة ثم يأتي اليه بقصر العيني فيتغدى عنده ثم يعود واوصى على ذبح اغنام ويعملون له كبابا وشواء فأركبه سليم كاشف بمماليكه وعدة من مماليك المحرمجي وصحبته ابراهيم باشا فلما ركب وخرج الى خارج الناصرية ارسل جواده ورمحه وتبعه مماليكه من خلفه فظن المماليك المصرلية انهم يعملون رماحة ومسابقة فلما غابوا عن اعينهم ساقوا خلفهم ولم يزالوا سائقين الى الازبكية وهو شاهر سيفه وكذلك بقية الطاردين والمطرودين فدخل الى احمد بك الارنؤدى وضرب بعض المماليك فرسه ببارودة فسقط وذلك عند وصوله الى بيت احمد بك المذكور ووصل الخبر الى سليم كاشف فركب على مثل ذلك بباقي اتباعه وهم شاهرون السيوف ورامحون الخيول واتصل الخبر بابراهيم بك فامر الكشاف بالركوب وأرسل الى البواقي بالطلوع الى القلعة وحفظ أطارف

البلد فركب الجميع وتفرقوا رامحين وبأيديهم السيوف والبنادق فأنزعجت الناس وترامحوا وأغلقوا الحوانيت واختلف رواياتهم وظنوا وقوع الشقاق بين الارنؤد المصرلية وكذلك المماليك أيقنوا ذلك وطلع الكثير منهم الى القلعة ولما دخل محمد باشا عند احمد بك ومن معه من اكابر الارنؤد قاموا في وجهه ووبخوه بالكلام وقبضوا عليه وعلى مماليكه واخذوا ما وجدوه معهم من الدراهم وكان في جيب الباشا خاصة الف وخمسمائة دينار وحضر سليم كاشف المحرمجي عند ذلك فسلموه له فأركبه الباشا اكديشا لان فرسه اصيب ببارودة من بعض المماليك اللاحقين به عند وصوله الى بيت احمد بك وركب معه احمد بك أيضا واخذوه الى عند ابراهيم بك بقصر العيني فخلع ابراهيم بك على احمد بك فروة سمور وقدم له حصانا بسرجه وسكنت الفتنة ونعوذ بالله من الخذلان ومعاداة الزمان
وفي يوم الاحد سادس عشرينه وردت الاخبار ومكاتبة من البرديسي بنصرتهم على االعثمانية واستيلائهم على برج رشيد بعد ان حاربوا عليه نيفا وعشرين يوما واسروا السيد على القبطان واخرين معه وعدة كثيرة من العسكر وارسلوهم الى جهة الشرقية ليذهبوا على ناحية الشام بعد ان قتل منهم من قتل فعند ذلك عملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة وكذلك في ثاني يوم وثالث يوم
وفي يوم الاربعاء عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف تسعة اصابع وهو نحو الثلثين واظلم الجو وابتدأوه الساعة واحدة وثمان دقائق ونصف وتمام الانجلاء في ثالث ساعة وست عشرة دقيقة وكان ذلك في ايام زيادة النيل نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة

شهر جمادى الاولى سنة
استهل بيوم الجمعة في ثانيه الموافق لخامس عشر مسرى القبطي وفي النيل سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج صبحها بحضرة ابراهيم بك

قائمقام والقاضي وجرى الماء في الخليج على العادة
وفيه وردت الاخبار بان علي باشا كسر السد الذى ناحية أبي قير الحاجز على البحر المالح وهذا السد من قديم الزمان من السدود العظام المتينة السلطانية وتتفقده الدول على ممر الايام بالمرمة والعمارة اذا حصل به أدنى خلل فلما اختلت الاحوال وأهمل غالب الامور وأسباب العمارات انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الاراضي والقرى التي بين رشيد وسكندرية وذلك من نحو ستة عشر عاما فلم يتدارك امره واستمر حاله يزيد وخرقه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك الى واقعة الفرنسيس فلما حضرت الانكليز والعثمانية شرموه أيضا من الناحية البحرية لاجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه المالحة على الاراضي الى قريب دمنهور واختلطت بخليج الاشرفية وشرقت الاراضي وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق حول الاسكندرية من البر وامتنع وصول ماء النيل الى أهل الاسكندرية فلم يصل اليهم الا ما يصلهم من جهة البحر في النقاير او ما خزنوه من مياه الامطار بالصهاريج وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون بمصر حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح افندى معين لخصوص السد واحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة والاجتهاد في سد الجسر فأقام العمل في ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الاتمام وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر اهل القرى والنواحي فما هو الا وقد حصلت هذه الحوادث وحضر علي باشا الى الثغر وخرج الاجناد المصرلية وحاربوا السيد على باشا القبطان على برج وشيد فخاف حضورهم الى الاسكندرية ففتحه ثانيا ورجع التلف كما كان وذهب ما صنعه صالح افندى المذكور في الفارغ بعد ما صرف عليه اموالا عظيمة واما اهل سكندرية فانهم جلوا عنها ونزل البعض في المراكب وسافر الى ازمير وبعضهم الى قبرص ورودس والاضات وبعضهم اكترى بالايام واقاموا بها على الثغر ولم يبق بالبلدة الا الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه على الرحلة وهم ايضا

مستوفزون وعم بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق وقيل ان علي باشا المذكور فرد عليهم مالا وقبض على ستة انفار من أغنياء المغاربة واتهمهم انهم كتبوا كتابا للبرديسي يعدونه انه اذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلد بمعونة عسكر المغاربة فأخذ منهم مائة وخمسين كيسا بشفاعة القبطان الذى في البيليك بالثغر واجتهد في حفر خندق حول البلد واستعملهم في ذلك الحفر وفي عزمه ان يطلق فيه ماء البحر المالح فان فعل ذلك حصل به ضرر عظيم فقد اخبر من له معرفة ودراية بالامور انه ربما خرب اقليم البحيرة بسبب ذلك واجتهدوا ايضا في تحصين المدينة زيادة عن فعل الفرنسيس والانكليز
وفي يوم السبت تاسعه وصل السيد علي القبطان الى مصر وطلع الى قصر العيني وقابل ابراهيم بك فخلع عليه فروة سمور وقدم له حصانا معددا واكرمه وعظمه وانزلوه عند علي بك ايوب واعطوه سرية بيضاء وجارية حبشية وجاريتين سوداوين للخدمة ورتبوا له ما يليق به وهو رجل جليل من عظماء الناس وعقلائهم وأخبر القادمون البرديسي والاجناد المصريين ارتحلوا من رشيد الى دمنهور قاصدين الذهاب الى سكندرية وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة ومماليك وعساكر
وفيه أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا منه واستمر الرجاء والخوف أياما ثم انحط الرأى على قبض مال الجهات ورفع المظالم والتحرير من البلاد والميرى عن سنة تاريخه من الملتزمين ويؤخذ من القبط ألأف وأربعمائة كيس هذا مع توالي وتتابع الفرد والكلف على البلاد حتى خرب الكثير من القرى والبلاد وجلا أهلها عنها خصوصا اقليم البحيرة فانه خرب عن آخره ثم ان البرديسي استقر بدمنهور وبعدما أبقى برشيد مملوكه يحيى بك ومعه جملة من العساكر وكذلك بناحية البغاز وهم كانوا من وقت محاصرة البرج حتى منعوا عنه الامداد الذى اتاه من البحر وكان ما كان وشحن البرديسي برج مغيزل بالذخيرة والجبخانة وأنزلوا برشيد عدة فرد ومغارم وفتحوا بيوت الراحلين عنها ونهبوها وأخذوا أموالهم من

الشوادر والحواصل والاخشاب والاحطاب والبن والارز وقلت الاقوات فيهم والعليق فعلفوا الدواب بشعير الارزبل والارز المبيض وغير ذلك مما لا تضبطه الاقلام ولا تحيط به الاوهام
وفي منتصف هذا الشهر في أيام النسىء نقص النيل نقصا فاحشا وانحدر من على الاراضي فأنزعج الناس وازدحموا على مشترى الغلال وزاد سعرها ثم استمر يزيد قيراطا وينقص قيراطين الى أيام الصليب وانكبت الخلائق على شراء الغلال ومنع الغنى من شراء ما زاد على الاردب ونصف اردب والفقير لا يأخذ الاويبة فأقل ويمنعون الكيل بعد ساعتين فتذهب الناس الى ساحل بولاق ومصر القديمة ويرجعون من غير شيء واستمر سليم اغا مستحفظان ينزل الى بولاق في كل يوم صار الامراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرا عن اصحابها ويخزنوها لانفسهم حتى قلت الغلة وعز وجودها في العرصات والسواحل وقل الخبز من الاسواق والطوابين وداخل الناس وهم عظيم وخصوصنا مع خراب البلاد بتوالي الفرد والمغارم وعز وجود الشعير والتبن وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب قلة العلف واجتمع بعض المشايخ وتشاوروا في الخروج الى الاستسقاء فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها وذهبوا الى ابراهيم بك وتكلموا معه في ذلك فقال لهم وأنا أحب ذلك فقالوا له وأين الشروط التي من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والاقلاع عن الذنوب وغير ذلك فقال لهم هذا أمر لا يمكن ولا يتصور ولا أقدر عليه ولا أحكم الا على نفسي فقالوا اذا نهاجر من مصر فقال وأنا معكم ثم قاموا وذهبوا
وفي أواخره وردت الاخبار برجوع البرديسي ومن معه من العساكر وقد كان أشيع انهم متوجهون الى الاسكندرية ثم ثنى عزمه عن ذلك لامور الاول وجود القحط فيهم وعدم الذخيرة والعلف والثاني الحاح العسكر بطلب جماكيهم المنكسرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل في حساب جماكيهم والثالث العجز عن أخذ الاسكندرية لوعر الطريق وانقطاع الطرق بالمياه المالحة فلو وصلوها وطال عليهم الحصار لا يجدون ما يأكلون

ولا ما يشربون

واستهل شهر جمادى الثانية سنة بيوم الاحد
وفي أوائله نقص ماء النيل ووقف ماء الخليج وازدحم السقاؤن على نقل الماء الى الصهاريج والاسبلة ليلا ونهارا من الخليج وقد تغير ماؤه بما يصب فيه من الخرارات والمراحيض ولم ينزل بالاراضي التي بين بولاق والقاهرة قطرة ماء وزاد ضجيج الناس وارتفعت الغلات من السواحل والعرصات بالكلية فكانت الفقراء من الرجال والنساء يذهبون بغلقانهم الى السواحل ويرجعون بلا شيء وهم يبكون ويولولون
وفي سادسه وصل البرديسي ومن معه من العساكر الى بر الجيزة وخرج الامراء وغيرهم وعدوا لملاقاتهم فلما اصبح يوم السبت عدى محمد علي والعساكر الأرنؤدية الى بر مصر وكذلك البرديسي فخرجت اليهم الفقراء بمقاطفهم وغلقانهم وعيطوا في وجوههم فوعدهم بخير واصبح البرديسي مجتهدا في ذلك وأرسل محمد علي خازنداره ففتحوا الحواصل التي ببولاق ومصر العتيقة وأخرجوا منها الغلال الى السواحل واجتمع العالم الكثير من الرجال والنساء فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبة غله لا غير فكان الذي يريد الشراء يذهب الى خازندار البرديسي ويأخذ منه ورقة بعد المشقة والمزاحمة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة وما رتبوه عليها فحصل للناس اطمئنان واشترى الخبازون أيضا وفتحوا الطوابين والمخابز وخبزوا وباعوا فكثر الخبز والكعك بالاسواق وجعلوا سعر القمح ستة ريالات الاردب والفول خمسة ريالات وكذلك الشعير ان وجد وكان السعر لاضابط له منهم من كان يشتريه بثمانية وتسعة وسبعة خفية ممن توجد عنده الغلة في مصر أو الارياف فعند ذلك سكن روع الناس واطمأنت نفوسهم وشبعت عيونهم ودعوا لعثمان بك البرديسي
وفي هذا الشهر تحقق الخبر بجلاء الوهابي عن جدة ومكة ورجوعه الى بلاده وذلك بعد أن حاصر جدة وحاربها تسعة ايام وقطع عنها الماء ثم

رحل عنها وعن مكة ورجع الشريف غالب الى مكة وصحبته شريف باشا ورجع كل شيء الى حاله الاول ورد المكوس والمظالم
وفي يوم الاحد وصل البرديسي الى بيته بالناصرية وهو بيت حسن كاشف جركس وبيت قاسم بك وقد فرشا له ونقلوا محمد باشا من بيت جركس الى دار صغيرة بجواره وعليه الحرس
وفي يوم الاثنين عملوا ديوانا عند ابراهيم بك فاجتمع فيه هو والبرديسي والالفي وتشاوروا في أمر جامكية العسكر فوزعوا على أنفسهم قدرا وكذلك على باقي الامراء والكشاف والاجناد كل منهم على قدر حاله في الايراد والمراعاة فمنهم من وزع عليه عشرون كيسا ومنهم عشرة وخمسة واثنان وواحد ونصف واحد وطلبوا من جمرك البهار قدرا كبيرا فعملوا على كل فرقتين مائة ريال وفتحوا الحواصل وأخرجوا منها متاع الناس وباعوه بالبخس على ذلك الحساب وأصحابه ينظرون وأخذوا ابن الحضارمة والينبعاوية بحيث وقف الفرق البن بستة ريالات على صاحبه وأخذوا من ذلك الاصل الف فرق بن وأخرجت من الحواصل وحملت
وفي يوم السبت رابع عشره انزلوا فردة ايضا على اهل البلد ووزعوها على التجار وارباب الحرف كل طائفة قدرا من الاكياس خمسين فما دونها الى عشرة وخمسة وبثت الاعوان للمطالبة فضج الناس واغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات والرشوت للوسائط والنصارى فخفف عن البعض وبعد منتصف الشهر انقلب الوضع المشروع في الغلة وانعكس الحال الى امر شنيع وهو انهم سعروها كل اردب بستة ريالات بظاهر الحال ولا يبيع صاحب الغلة غلته الا بأذن من القيم بعد ما يأخذ منه نصف الغلة او الثلث او الربع على حسب ضعفه وقوته من غير ثمن واذا أرادوا ذو الجاه الشراء ذهب أولا سرا وقدم المصلحة والهدية الى بيت القيم فعند ذلك يؤذن له في مطلوبه فيكيلون له الغلة ليلا وصار يتأخر في حضوره الى الساحل الى قريب الظهر فيذهب الناس والفقراء فينتظرونه واذا حضر

ازدحموا عليه وتقدم أرباب المصانعات والوسايط فيؤذن لهم ويؤخذ منهم عن كل اردب ريال يأخذها القيم لنفسه زيادة عن الثمن وعن الكلفة وهي نحو الخمسين فضة خلاف الاجرة ويرجع الفقراء من غير شيء وأطلقوا للمحتسب أن يأخذ في كل يوم اربعمائة اردب منها مائتان للخبازين ومائتان توضع بالعرصات داخل البلد فكان يأخذ ذلك الى داره ولا يضعون بالعرصات شيئا ويعطى للخبازين من المائتين خمسين أردبا أو ستين ويبيع الباقي باغراضه بما أحب من الثمن ليلا فضج الناس وشح الخبز من الاسواق وخاطب بعض الناس الامراء الكبار في شأن ذلك واستمر الحال على ذلك الى آخر الشهر والامر في شدة وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة او التبن أو السمن فلا يقدر من يشترى شيئا من ذلك أن يمر به ولو قل حتى يكترى واحدا عسكريا أو مملوكا يحرسه حتى يوصله الى داره وان حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحرى أخذوها ونهبوا ما فيها جملة فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء
وفي عشرينه مات محمد بك الشرقاوى وهو الذى كان عوض سيده عثمان بك الشرقاوى

شهر رجب الفرد سنة
استهل بيوم الثلاثاء فيه رفعوا خازندار البرديسي من الساحل وقلدوا محمد كاشف تابع سليمان بك الاغا أمين البحرين والساحل ورفق بالامر واستقر سعر الغلة بالف ومائتين نصف فضة الاردب فتواجدت بالرقع والساحل وقل الخطف وأما السمن فقل وجوده جدا حتى بيع الرطل بستة وثلاثين نصفا فيكون القنطار بأربعين ريالا وأما التبن فصار يباع بالقدح ان وجد وسرب الناس بهائمهم من عدم العلف
وفيه حضر واحد انكليزى وصحبته مملوك الالفي وبعض من الفرنسيس فعملوا لهم شنكا ومدافع وأشيع حضور الالفي الى سكندرية ثم تبين ان هذا الانكليزى أتى بمكاتبات فلما مر على مالطة وجد ذلك المملوك

وكان قد تخلف عن سيده لمرض اعتراه فحضر صحبته الى مصر فأشيع في الناس ان الالفي حضر الى الاسكندرية وان هذا خازنداره سبقه بالحضور الى غير ذلك
وفيه حضر ايضا بعض الفرنسيس بمكاتبة الى القنصل بمصر وفيها الطلب بباقي الفردة التي بذمة الوجاقلية فخاطب القنصل الامراء في ذلك فعملوا جمعية وحضر المشايخ وتكلموا في شأن ذلك ثم قالوا ان الوجاقلية الذين كانت طرفهم تلك الفردة مات بعضهم وهو يوسف باشجاويش ومصطفى كتخدا الرزاز وهم عظماؤهم ومن بقي منهم لا يملك شيئا فلم يقبلوا هذا القول ثم اتفق الامر على تأخير هذه القضية الى حضور الباشا ويرى رأيه في ذلك وحضر أيضا صحبة اولئك الفرنسيس الخبر بموت يعقوب القبطي فطلب اخوه الاستيلاء على مخلفاته فدافعته زوجته وأرادت أخذ ذلك على مقتضى شريعة الفرنسيس فقال اخوه انها ليست زوجته حقيقة بل هي معشوقته ولم يتزوج بها على ملة القبط ولم يعمل لها الاكليل الذى هو عبارة عن عقد النكاح فأنكرت ذلك فأرسل الفرنسيس يستخبرون من قبط مصر عن حقيقة ذلك فكتبوا لهم جوابا بأنها لم تكن زوجته على مقتضى شرعهم وملتهم ولم يعمل بينهم الاكليل فيكون الحق في تركته لاخيه لا لها
وفيه ورد الخبر بوقوع حادثة بالاسكندرية بين عساكر العثمانية وأجناس الافرنج المقيمين بها واختلفت الرواة في ذلك وبعد أيام وصل من أخبر بحقيقة الواقعة وهي أن علي باشا رتب عنده طائفة من عسكره على طريقة الافرنج فكان يخرج بهم في كل يوم الى جهة المنشية ويصطفون ويعملون مرش وارد بوش ثم يعودون ذلك مع انحراف طبيعتهم عن الوضع في كل شيء فخرجوا في بعض الايام ثم عادوا فمروا بمساكن الافرنج ووكالة القنصل فأخرج الافرنج رؤوسهم من الطيقان نساء ورجالا ينظرون ركبهم ويتفرجون عليهم كما جرت به العادة فضربوا عليهم من اسفل بالبنادق فضرب الافرنج عليهم أيضا فلم يكن الا ان هجموا عليهم ودخلوا

يحاربونهم في اماكنهم والافرنج في قلة فخرج القناصل الستة ومن تبعهم ونزلوا الى البحر وطلعوا غليون الريالة وكتبوا كتابا بصورة الواقعة وأرسلوه الى اسلامبول والى بلادهم وأما العسكر اتباع الباشا فانه لما خرج الافرنج وتركوا اماكنهم دخلوا اليها ونهبوا متاعهم وما أمكنهم وأرسل الى القناصل خورشيد باشا فصالحهم وأخذ بخواطرهم واعتذر اليهم وضمن لهم ما أخذ منهم فرجعوا بعد علاج كبير وجمع الباشا علماء البلدة وأعيانها وطلب منهم كتابة عرض محضر على ما يمليه على غير صورة الحال فأمتنعوا عن الكتابة الا بصورة الواقع وكان المتصدر للرد الشيخ محمد المسيرى المالكي فمقته ووبخه ومن ذلك الوقت صار يتكلم في حقه ويزدريه اذا حضر مجلسه وسكنت على ذلك
وفي يوم الجمعة رابعه اجتمع المشايخ وذهبوا الى ابراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين ثم استولى على ذلك جماعتهم وأمروهم فطمنهم بالكلام اللين على عادته وكلموه ايضا على خبز الجراية المرتبة لفقراء الازهر فأطلق لهم دراهم تعطى للخباز يعمل بها خبزا
وفي ثامنه كتبوا مراسلة على لسان المشايخ وارسلوها الى علي باشا باسكندرية مضمونها طلبه لمنصبه والحضور الى مصر ليحصل الاطمئنان والسكون وتأمين الطرقات ويبطل أمر الاهتمام بالعساكر والتجاريد ولاجل الاخذ في تشهيل امور الحج وان تأخر عن الحضور ربما تعطل الحج في هذه السنة ويكون هو السبب في ذلك الى غير ذلك من الكلام
وفي عاشره سافر جعفر كاشف الابراهيمي رسولا الى احمد باشا الجزار بعكا لغرض باطني لم يظهر
وفي هذه الايام كثرت الغلال بالساحل والعرصات ووصلت مراكب كثيرة وكثر الخبز بالاسواق وشبعت عيون الناس ونزل السعر الى ثمانية ريالات وسبعة وانكفوا عن الخطف الا في التبن
وفي منتصفه فتحوا طلب مال الميرى ومال الجهات ورفع المظالم عن

سنة تاريخه وعين لطلبها من البلاد امراء كبار ووجهت الغربية والمنوفية لعسكر الارنؤد فزاد على ذلك حق الطرق للمعينين للطلب والاستعجالات وتكثير المغارم والمعينين وكلفهم على من يتوانى في الدفع هذا وطلب الفردة مستمر حتى على اعيان الملتزمين ومن تأخر عن الدفع ضبطوا حصته وأخذوها واعطوها لمن يدفع ما عليها من مياسير المماليك فربما صالح صاحبها بعد ذلك عليها واستخلصها من واضع اليد ان أمكنه ذلك
وفي اواخره نبهوا على تعمير الدور التي اخربها الفرنسيس فشرع الناس في ذلك وفردوا كلفها على الدور والحوانيت والرباع والوكائل واحدثوا على الشوارع السالكة دروبا كثيرة لم تكن قبل ذلك وزاد الحال وقلد اهل الاخطاط بعضهم كما هو طبيعة اهل مصر في التقليد في كل شيء حتى عملوا في الخطة الواحدة دربين وثلاثة واهتموا لذلك اهتماما عظيما وظنوا ظنونا بعيدة وأنشؤا بدنات واكتافا من احجار منحوتة وبوابات عظيمة ولزم لبعضها هدم حوانيت اشتروها من اصحابها وفردوا اثمانها عن اهل الخطة
وفي اواخره ايضا نجزت عمارة عثمان بك البرديسي في الابراج والبوابات التي أنشأها بالناصرية فأنه انشأ بوابتين عظيمتين بالرحبة المستطيلة خارج بيته الذى هو بيت حسن كاشف جركس احداهما عند قناطر السباع والاخرى عند المزار المعروف بكعب الاحبار وبنى حولهما ابراجا عظيمة وبها طيقان بداخلها مدافع افواهما بارزة تضرب الى خارج ونقل اليها مدافع الباشا التي كانت بالازبكية فسبحان مقلب الاحوال
وفيه نزل ابراهيم بك والبرديسي وحسين بك اليهودى الى بولاق واخذوا ما وجدوه بساحل الغلة وارسلوه الى بحرى فأرتج الناس من ذلك وعزت الغلال وزاد سعرها بعد الانحلال

شهر شعبان سنة
اوله يوم الاربعاء فيه وصل كاتب ديوان علي باشا الذى يقال له ديوان افندى وعلى يديه مكاتبة وهي صورة خط شريف وصل من الدولة

مضمونه الرضا عن الامراء المصرلية بشفاعة صاحب الدولة الصدر الاعظم يوسف باشا وشفاعة علي باشا والي مصر وأن يقيموا بأرض مصر ولكل امير فائظ خمسة عشر كيسا لا غير وحلوان المحلول ثمان سنوات وأن الاوسبة والمضاف والبراني يضم الى الميرى وان الكلام في الميرى والاحكام والثغور الى الباشا والروزنامجي الذى يأتي صحبة الباشا والجمارك والمقاطعات على النظام الجديد للدفتردار الذى يحضر أيضا فلما قرىء ذلك بحضرة الجمع من الامراء والمشايخ اظهروا البشر وضربوا مدافع ثم اتفق الرأى على ارسال جواب ذلك الفرمان فكتبوا جوابا مضمونه مختصرا انه وصل الينا صورة الخط الشريف وحصل لنا بوروده السرور بالعفو والرضا وتمام السرور حضوركم لتنتظم الاحوال واعظمها تشهيل الحج الشريف وأرسلوه ليلة الاثنين ثانية صحبة رضوان كتخدا ابراهيم بك ومحمود باشجاويش الانكشارية وصحبتهما من الفقهاء السيد محمد ابن الدواخلي من طرف الشيخ الشرقاوى
وفي هذه الايام كثر عيث العسكر وعربدتهم في الناس فخطفوا عمائم وثيابا وقبضوا على بعض أفراد واخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم
وفيه وصل قاضي عسكر مصر وكان معوقا بالاسكندرية من جملة المحجوز عليهم
وفي يوم الجمعة عاشره وقف جماعة من العسكر في خط الجامع الازهر في طلوع النهار وشلحوا عدة أناس واخذوا ثيابهم وعمائمهم فأنزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وصلت الى بولاق ومصر العتيقة واغلقوا الدكاكين واجتمع أناس وذهبوا الى الشيخ الشرقاوى والسيد عمر النقيب والشيخ الامير فركبوا الى الامراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم ثم ركب الاغا والوالي وامامه عدة كبيرة من عسكر الارنؤد وخلافهم والمنادى ينادى بالامن والامان للرعية وان وقع من العسكر والمماليك خطف شيء يضربوه وان لم يقدروا عليه فليأخذوه الى حاكمه ومثل هذا الكلام الفارغ وبعد مرور الحكام بالمنادة خطفوا

عمائم ونساء
وفي ليلة الاربعاء ثامنه حضر الوالي الى قصر الشوك ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي يسمى عثمان كجك فتعشعى عنده ثم قبض عليه وختم على بيته واخذه صحبته وخنقه تلك الليلة ورماه في بئر فاستمر بها اياما حتى انتفخ فأخرجوه واخذته زوجته فدفنته وسببه أنه كان يجتمع بالعثمانيين ويغريهم بنساء الامراء وان بعضهم اشترى منه اواني نحاسا ولم يدفع له الثمن فطالب حريمه في ايام محمد باشا فلم تدفع له فعين عليها جماعة من عسكر محمد باشا ودخل بها الى دارها وطالبها فقالت له عندى شيء فطلع الى داخل الحريم وصحبته العسكر ودخل الى المطبخ واخذ قدور الطعام من فوق الكوانين وقلب ما فيها من الطعام واخذها وخرج
وفي يوم الأحدثاني عشرة نبه القاضي الجديد على أن نصف شعبان ليلة الثلاثاء وأخبر ان اتباعه شاهدوا الهلال ليلة الثلاثاء وهم عند البغاز على ان الهلال كان ليلة الأربعاء عسر الرؤية جدا فكان هذا أول احكامه الفاسدة وفي يوم الاربعاء اشيع ان الامراء في صبحها قاصدون عمل ديوان ببيت ابراهيم بك ليلبسوا ستة من الكشاف ويقلدوهم صناجق عوضا عمن هلك منهم وهم سليمان كاشف مملوك ابراهيم بك الوالي الذى تزوج عديلة بنت ابراهيم بك الكبير عوضا عن سيده وعبد الرحمن كاشف مملوك ابراهيم عثمان بك المرادى الذى قتل بأبي قير الذى تزوج امرأة سيده ايضا وعمر كاشف مملوك عثمان بك الاشقر الذى تزوج امرأة سيده ايضا ومحمد كاشف مملوك المنفوخ ورستم كاشف مملوك عثمان بك الشرقاوى ومحمد كاشف مملوك سليمان بك الاغا وتزوج ابنته ايضا فلما وقع الاتفاق على ذلك تجمع الكشاف الكبار ومماليك مراد بك وآخرون من طبقتهم وخرجوا غضابا نواحي الآثار ثم اصطلحوا على تلبيس خمسة عشر صنجقا
فلما كان يوم الاحد تاسع عشرة عملوا ديوانا بالقلعة والبسوا فيه خمسة

عشر صنجقا وهم اربعة من طرف ابراهيم بك الكبير وهم صهراه سليمان زوج عديلة هاشم ابنة الامير ابراهيم بك الكبير عوضا عن سيده واسمعيل كاشف مملوك رشوان بك الذى تزوج بزوجة سيده زينب هانم ابنة الامير ابراهيم بك ايضا ومحمد كاشف الاشقر الذى تزوج بإمرأته وخليل اغا كتخدا ابراهيم بك ومن طرف البريسي حسين آغا الوالي وسليمان خازندار مراد بك وشاهين كاشف مراد ومحمد تابع محمد بك المنفوخ المرادى ورستم تابع عثمان الشرقاوى وعبد الرحمن كاشف تابع عثمان الطنبرجي الذى تزوج بإمرأته ومن طرف الالفي عثمان آغا الخازندار وحسين كاشف المعروف بالوشاش وصالح كاشف وعباس كاشف تابع سليمان بك الآغا ولبسوا حسن آغا مراد واليا عوضا عن حسين المذكور
وفيه ورد الخبر بوصول طائفة من الانكليز الى القصر وهم يزيدون على الالفين
وفي عشرينه حضر مكتوب من رضوان كتخدا ابراهيم بك من اسكندرية يخبر فيه انه وصل الى اسكندرية وقابل الباشا ووعد بالحضور الى مصر وانه يأمر بتشهيل ادوات الحج ولوازمه واطلق اربعة واربعين نقيرة حضرت الى رشيد ببضائع للتجار
وفيه حضر جعفر كاشف الابراهيمي من الديار الشامية وقد قابل احمد باشا الجزار واكرمه ورجع بجواب الرسالة وسافر ثانيا بعد ايام
وفيه قلدوا سليمان بك الخازندار ولاية جرجا وخرج بعسكره الى مصر القديمة وجلس هناك بقصر المحرمجي فاتفق ان جماعة من عسكره الاتراك الذين انضموا اليهم من العثمانية تشاجروا مع العساكر البحرية جماعة حسين بك اليهودى بسبب امرأة رقاصة في قهوة فقتل من الاتراك ثلاثة ومن البحرية اربعة وانجرح منهم كذلك جماعة فحنق حسين بك وتترس بالمقياس وبالمراكب ووجه المدافع الى القصر وضرب بها عليه وكان سليمان بك غائبا عن القصر فدخلت جلة داخل القصر من الشباك بين جماعة من

الامراء كانوا جالسين هناك ينتظرون رب المكان ففزعوا وخرجوا من المجلس وبلغ سليمان بك الخبر فذهب الى البرديسي وأعلمه فأرسل البرديسي يطلب حسين بك فامتنع من الحضور والتجأ الى الالفي فأرسل البرديسي خبرا الى الالفي بعزل حسين بك عن قبطانبة البحر وتولية خلافه فلم يرض الالفي بعزله وقال لا يذهب ولا يعزل وترددت بينهم الرسل وكادت تكون فتنة ثم انحط الامر على ان حسين بك يطلع الى القلعة يقيم بها يومين أو ثلاثة تطيبا لخاطر سليمان بك واخمادا للفتنة فكان كذلك واستمر على ما هو عليه
وفي يوم الاحد سادس عشرينه البس ابراهيم بك عثمان كاشف تابع علي أغا كتخدا جاويشان واستقروا به كتخدا جاويشان عوضا عن سيده وكان شاغرا من مدة حلول الفرنساوية
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه ركب حسين بك اخو طاهر باشا في عدة وافرة وحضر الى بيت عثمان بك البرديسي بعد العصر على حين غفلة وكان عند الحريم فأنزعج من ذلك ولم يكن عند في تلك الساعة الا اناس قليلة فأرسل الى مماليكه فلبسوا اسلحتهم وارسلوا الى الامراء والكشاف والاجناد بالحضور وتواني في النزول حتى اجتمع الكثير منهم وصعد بعض الامراء الى القلعة وحصل بعض قلقة ثم نزل الى التنهة واذن لاخي طاهر باشا بالدخول اليه في قلة من اتباعه وسأل عن سبب حضوره على هذه الصورة فقال نطلب العلوفة ووقع بينهما بعض كلام وقام وركب ولم يتمكن من غرضه وارسل البرديسي الى محمد علي فحضر اليه وفاوضه في ذلك ثم ركب من عنده بعد المغرب
وفي تلك الليلة نادوا بعمل الرؤية فاجتمع المشايخ عند القاضي وكلموه في ذلك فرجع عما كان عزم عليه ونادوا بها ليلة الخميس فعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب بموكبه على العادة الى بيت القاضي فلم يثبت الهلال تلك الليلة ونودى بانه من شعبان واصبح الناس مفطرين فلما كان صبحها حضر بعض المغاربة وشهدوا برؤيته فنودى بالامساك وقت

الضحى وترقب الناس الهلال ليلة الجمعة فلم يره الا القليل من الناس بغاية العمر وهو في غاية الدقة والخفاء

شهر رمضان المعظم سنة
استهل بيوم الجمعة في ثانيه قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر اعلى وأوسط وأدنى ستين الفا وعشرين الفا وعشرة مع ما الناس فيه من الشراقي والغلاء والكلف والتعايين وعيت العسكر وخصوصا بالارياف
وفيه نزلت الكشاف الى الاقاليم وسافر سليمان بك الخازندار الى جرجا واليا على الصعيد وصالح بك الالفي الى الشرقية
وفي ثامنه وصل الى ساحل بولاق عدة مراكب بها بضائع رومية ويميش وهي التي كان أطلقها الباشا وفيها حجاج وقرمان
وفيه حضر ساع من الاسكندرية وعلى يده مكتوب من رضوان كتخدا ومن بصحبته يخبرون بان الباشا كان وعدهم بالسفر يوم الاثنين وبرز خيامه وخازنداره الى خارج البلد فورد عليه مكاتبة من امراء مصر يأمرونه بان يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب الى رشيد فانحرف مزاجه من ذلك واحضر الرسل الذين هم رضوان كتخدا ومن معه واطلعهم على المكاتبة وقال لهم كيف تقولون اني حاكمكم وواليكم ثم يرسلون يتحكمون على أني لا أذهب الى مصر على هذا الوجه فأرسلوا بخبر ذلك
وفي يوم الاربعاء ثالث عشره غيمت السماء غيما مطبقا وامطرت مطرا متتابعا من آخر ليلة الاربعاء الى سادس ساعة من ليلة الخميس وسقط بسببها عدة أماكن قديمة في عدة جهات وبعضها على سكانها وماتوا تحت الردم وزاد منها بحر النيل وتغير لونه اصفر مما سال فيه من جبل الطفل وبقى على ذلك التغير أياما الا أنه حصل بها النفع في الاراضي والمزارع
وفي منتصفه ورد الخبر بخروج الباشا من الاسكندرية وتوجهه الى الحضور الى مصر على طريق البر وشرعوا في عمل المراكب التي تسمى بالعقبة لخصوص ركوب الباشا وهي عبارة عن موكب كبير قشاشي يأخذونها من اربابها قهرا

وينقشونها بانواع الاصباغ والزينة والالوان ويركبون عليها مقعدا مصنوعا من الخشب المصنع وله شبابيك وطيقان من الخرط وعليه بيارق ملونه وشراريب مزينة وهو مصفح بالنحاس الاصفر ومزين بأنواع الزينة والستائر والمتكفل بذلك آغات الرسالة فلما خرج الباشا من الاسكندرية أرسل محمود جاويش والسيد محمد الدواخلى الى يحيى بك يقولان له ان حضرة الباشا يريد الحضور الى رشيد في قلة واما العساكر فلا يدخل احد منهم الى البلد بل يتركهم خارجها فلما وصلوا الى يحيى بك وارادوا يقولون له ذلك وجدوه جالسا مع عمر بك كبير الارنؤد الذى عنده وهم يقرؤن جوابا أرسله الباشا الى عمر بك المذكور يطلبه لمساعدته والخروج معه أمسكه بعض اتباع يحيى بك مع الساعي فلما سمعوا ذلك قالوا لبعضهم اى شيء هذا وتركوا ما معهم من الكلام وحضروا الى مصر صحبة رضوان كتخدا
وفي يوم الجمعة سادس عشره ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها لورود الخبر بموت حسين قبطان باشا وتوليه خلافه
وفي عشرينه اشيع سفرالالفي لملاقاة الباشا وصحبته أربعة من الصناجق وأبرز الخيام من الجيزة الى جهة انبابة واخذوا في تشهيل ذخيرة وبقسماط وجبخانه وغير ذلك
وفي رابع عشرينه عدى الالفى ومن معه الى البر الشرقي وأشيع تعدية الباشا الى بر المنوفية فلما عدوا الى البر الشرقي انتقلوا بعرضيهم وخيامهم الى جهة شبرا وشرعوا في عمل مخابز العيش في شلقان
وفيه حضر واحد بيان آغا يسمى صالح افندى وعلى يده فرمان فأنزلوه ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك ولا يجتمع به أحد
وفي غايته وصل الباشا الى ناحية منوف وفردوا له فردا على البلاد وأكلوا الزروعات وما أنبتته الارض
وانقضى هذا الشهر وما حصل به من عربدة الانؤد وخطفهم عمائم الناس وخصوصا بالليل حتى كان الانسان اذا مشى يربط عمامته خوفا عليها واذا تمكنوا من احد شلحوا ثيابه واخذوا

ما معه من الدراهم ويترصدون لمن يذهب الى الاسواق مثل سوق أنبابه في يوم السبت لشراء الجبن والزبد والاغنام والابقار فيأخذون ما معهم من الدراهم ثم يذهبون الى السوق وينهبون ما يجلبه الفلاحون من ذلك للبيع فامتنع الفلاحون عن ذلك الافي النادر خفية وقل وجوده وغلا السمن حتى وصل الى ثلثمائة وخمسين نصف فضة العشرة أرطال قباني واما التبن فصار أعز من التبر وبيع قنطاره بألف نصف فضة ان وجد وعز وجود الحطب الرومي حتى بلغ سعر الحملة ثلثمائة فضة وكذا غلا سعر باقي الاحطاب وباقي الامور المعدة للوقود مثل البقمة وجلة البهائم وحطب الذرة ووقفت الارنؤد لخطف ذلك من الفلاحين فكانوا يأتون بذلك في آخر الليل وقت الغفلة ويبيعونه بأغلى الاثمان وعلم الارنؤد ذلك فرصدوهم وخطفوهم ووقع منهم القتل في كثير من الناس حتى في بعضهم البعض وغالبهم لم يصم رمضان ولم يعرف لهم دين يتدينون به ولا مذهب ولا طريقة يمشون عليها اباحية أسهل ما عليهم قتل النفس وأخذ مال الغير وعدم الطاعة لكبيرهم وأميرهم وهم أخبث منهم فقطع الله دابر الجميع وأما ما فعله كشاف الاقاليم في القرى القبلية والبحرية من المظالم والمغارم وأنواع الفرد والتساويف فشىء لا تدركه الافهام ولا تحيط به الاقلام وخصوصا سليمان كاشف البواب بالمنوفية فنسأل الله العفو والعافية وحسن العاقبة في الدين والدنيا والآخرة

استهل شهر شوال بيوم السبت
وفي ثانيه سب رجلا تاجرا من وكالة التفاح ثلاثة من العسكر فهرب منهم الى حمام الطنبدى فدخلوا خلفه وقتلوه داخل الحمام وأخذوا مافي جيبه من الدراهم وغيرها وذهبيوا وحضر أهله وأخذوه في تابوت ودفنوه ولم ينتطح فيه شاتان وقتل في ذلك اليوم أيضا رجل عند حمام القيصرلي وغير ذلك
وفيه وصل الباشا الى ناحية شلقان وصحبته عساكر كثيرة انكشارية وغيرهم من الذين خرجوا مطرودين من مصر وصحبته نحو ستين

مركبا في البحر بها أثقاله ومتاعه وعساكر أيضا
وفيه ركب الالفي والامراء ما عدا ابراهيم بك والبرديسي فأنهما لم يخرجا من بيوتهما وذهبوا الى مخيمهم بشبرا وخرج أيضا محمد علي وأحمد بك وأتباعهم وابقوا عند بيوتهم طوائف منهم
وفيه وقعت مشاجرة بين الارنؤدية جهة بيوت سوارى العساكر بسبب امرأة قتل فيها خمسة أنفار بالازبكية
وفي ثالثة أوقفوا على أبواب المدينة جماعة من العساكر باسلحتهم فازعج الناس وارتاعوا من ذلك وأغلقوا الدروب والبوابات ونقلوا أمتعتهم وبضائعهم من الدكاكين واكثروا من اللغط وصار العسكر الواقفون بالابواب يأخذون من الداخل والخارج دراهم ويفتشون جيوبهم ويقولون لهم معكم أوراق فيأخذون بحجة ذلك ما في جيوبهم
وفي رابعه غيروا العسكر باجناد من الغز المصرلية فجلس على كل باب كاشف ومعه جماعة من العسكر فكان الكاشف الذى على باب الفتوح يأخذ ممن يمر به دراهم فان بزى الفلاحين بأن كا لابس جبة صوف او زعبوط أخذ منه ما في جيبه او عشرة أنصاف ان كان فقيرا وان كان من أولاد البلد ومجمل الصورة أو لابس جوخة ولو قديمة طالبه بألف نصف فضة أو حبسه حتى يسعى عليه أهله ويدفعونها عنه ويطلقه وسدوا باب الوزير وباب المحروق وقفلوا باب البرقية المعروف بالغريب بعد أن كانوا عزموا على سده بالبناء ثم تركوه بسبب خروج الاموات
وفيه نودى بوقود القناديل ليلا على البيوت والوكائل وكل ثلاثة دكاكين قنديل وفي صبحها خامسه شق الوالي وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل وشدد في ذلك
وفيه انتقل الالفي ومن معه من الامراء الى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم قبال عرضى الباشا وكلموه عن نزوله في ذلك المكان ونصب الخيام في داخل الخيام ودوسهم لهم فقال لهم هذه منزلتنا ومحطتنا فلم يسمع الباشا وأتباعه الاقلعهم الخيام والتأخر

فهذه كانت أول حقارة فعلها المصرلية في العثمانية ونصب محمد علي وأحمد بك وعساكرهم جهة البحر ثم ان خدم الالفى أخذوا جمالا ليحملوا عليها البرسيم فنزلوا بها الى بعض الغيطان فحضر أميرا خور الباشا بالجمال لاخذ البرسيم ايضا فوجدوا جمال الالفى وأتباعه فنهرهم وطردوهم فرجعوا الى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب اليهم فركب رامحا الى الغيظ وأحضر أميراخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا ورجع الى سيده بالجمال ورأس أميراخور فذهب اتباع الباشا وأخبروه بقتل أميراخور واخذ الجمال فحنق واحضر رضوان كتخدا ابراهيم بك وتكلم معه ومن جملة كلامه أنا فعلت معكم ما فعلت وصالحت عليكم الدولة ولم تزل تضحك على ذقني وأنا اطاوعك وأصدق تمويهاتك الى ان سرت الى ههنا فأخذتم تفعلون معي هذه الفعال وتقتلون أتباعي وترذلوني وتأخذون حملتي وجمالي فلاطفه رضوان كتخدا في الجواب واعتذر اليه وقال له هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون في الامور وحضرة افندى شأنه العفو والمسامحة ثم خرج من بين يديه وارسل الى اتباع الالفي فاحضر منهم الجمال وردها الى وطاق الباشا وحضر اليه عثمان بك يوسف المعروف بالخازندار وأحمد آغا شويكار فقابلاه واخذا بخاطره ولم يخرج اليه احد من الامراء سواهما
وفي خامسه نادوا بخروج العساكر الارنؤدية الى العرضى وكل من بقي منهم ولم يكن معه ورقة من كبيره فدمه هدر
وصار الوالي بعد ذلك كلما صادف شخصا عسكريا من غير ورقة قبض عليه وغيبه واستمر يفتش عليهم ويتجسس على اماكنهم ليلا ونهارا ويقبض على من يجده متخلفا والقصد من ذلك تمييز الارنؤدية من غيرهم المتداخلين فيهم وكذلك من مر على المتقيدين بابواب المدينة وذلك باتفاق بين المصرلية والارنؤدية لاجل تميزهم من بعضهم وخروج غيرهم
وفيه أطلعوا السيد على القبطان أخا على باشا الى القلعة
وفي سادسه خرج البرديسي الى جهة شلقان ولم يخرج ابراهيم بك

ولم يتنقل من بيته فنصب خيامه على موازاة خيام الالفى وباقي الامراء كذلك الى الجبل والارنؤدية جهة البحر وقد كان الباشا ارسل الى محمد علي وكبار الارنؤدية وغيرهم من قبائل العربان ومشايخ البلاد المشهورين مكاتبات قبل خروجه من الاسكندرية يستميلهم اليه ويعدهم ويمنيهم ان قاموا بنصرته ويحذرهم ويخوفهم ان استمروا على الخلاف وموافقة العصاة المتغليين
فنقل الارنؤدية ذلك الى المصرلية وأطلعوهم على المكاتبات سرا فيما بينهم واتفقوا على رد جواب المراسلة من الارنؤدية بالموافقة على القيام معه اذا حضر الى مصر وخرج الامراء لملاقاته والسلام عليه فيكون هو وعساكره أمامهم والارنؤدية المصرية من خلفهم فيأخذونهم مواسطة فيستأصلونهم والموعد بشلفان وسهلوا له أمر الامراء المصرلية وأنهم في قلة لا يبلغون الفا ولو بلغوا ذلك فمن المنضمين اليهم من خلاف قبيلتهم وهم ايضا معنا في الباطن
ودبروا له تدبيرا ومناصحات تروج على الاباليس منها ان يختار من عسكره قدر كذا من الموصوفين بالشجاعة والمعرفة بالسباحة والقتال في البحر ويجعلهم في السفن قبالته في البحر وان يعدوا بالعساكر البرية الى البر الشرقي من مكان كذا ويجعل الخيالة والرجالة معه على صفة ذكروها له
ولما وصل الى الرحمانية ارسل له الارنؤد مكاتبة سرا بان يعدى الى البر الشرقي وبينوا له الصواب ذلك وهو يعتقد نصحهم فعدى الى البر الشرقي
فلما حضر الى شلقان رتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بينباشا في طابور وعملوا متاريس ونصبوا المدافع واوقفوا المراكب بما فيها من العساكر والمدافع بالبحر على موازاة العرضي
فخرج الالفي كما ذكر بمن معه من الامراء المصرلية والعساكر الارنؤدية وارسل الى الباشا بالانتقال والتأخر فلم يجد بدا من ذلك فتأخر الى زفيتة ونزل ونصب هناك وطاقة ومتاريسه 2
وفي وقت تلك الحركة تسلل حسين بك الافرنج ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعملوا على مركب الباشا واحتاطوا بها وضربوا عليهم بالبنادق والمدافع وساقوهم الى جهة مصر وأخذوهم اسرى وذهبوا بهم

الى الجيزة وبعدها قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين وكبيرهم يسمى مصطفى باشا اخذوه اسيرا ايضا
وكان بالمركب اناس كثيرة من التجار وصحبتهم بضائع واسباب رومية كان الباشا عوقهم بسكندرية فنزلوا في المراكب ليصلوا ببضائعهم وطمعا في عدم دفعهم الجمرك فوقعوا ايضا في الشرك وارتبكوا فيمن ارتبك ولما تأخر الباشا عن منزلته واستقر باراضي زفيتة احاطت به المصريون والعربان وتحلقوا حوله ووقفوا لعرضيه بالرصد فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه وارسل اليه الالفي على كاشف الكبير فقال له حضرة ولدكم الالفي يسلم عليكم ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم وما الموجب لكثرتها وهذه هيئة المنابذين لا المسالمين والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون الا باتباعهم وخدمهم المختصين بخدمتهم وقد ذكروا لك ذلك وانتم بسكندرية
فقال نعم وانما هذه العساكر متوجهة الى الحجاز تقوية لشريف باشا على الخارجي وعندما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشلهم ونرسلهم
فقال انهم اعدوا لكم قصر العيني تقيمون به فان القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم كما لا يخفاكم ذلك واما العسكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون الى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى نشهل لهم احتياجاتهم ونرسلهم ولسنا نقول ذلك خوفا منهم وانما البلدة في قحط وغلاء والعساكر العثمانية منحرفوا الطباع ولا يستقم حالهم مع الارنؤدية ويقع بينهم ما يوجب الفشل والتعب لنا ولكم
وفي ليلة الجمعة رابع عشره حصل خسوف للقمر جزئي بعد رابع ساعة من الليل ومقدار المنخسف اربع اصابع وثلث وانجلى في سابع ساعة الا شيئا يسيرا
وفي ذلك اليوم أرسل البرديسي الى شيخ السادات تذكرة صحبة واحد كاشف من اتباعه يطلب عشرين ألف ريال سلفة فلاطفه ورده بلطف فرجع الى مخدومه وأبقى ببيت الشيخ جماعة من العسكر فوبخه على

الرجوع من غير قضاء حاجة وامره بالعود ثانيا فعاد اليه في خامس ساعة من الليل وصحبته جماعة اخرى من العسكر فازعجوا اهل البيت وارسلت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك الى المعينين تأمرهم ان لا يعملوا قلة أدب وأرسلت الى ابيها لان منزلها بجواره فاهتم لذلك وأرسل خليل بك الى البرديسي فكفه عن ذلك بعد علاج وسعي ورفع المعنيين
وفي ليلة الخميس عشرينه وصلت اخبار ومكاتبات من الامراء الذين ذهبوا بصحبة الباشا بالقرين فضربوا مدافع كثيرة بعد العشاء ونصف الليل
ومضمون ما ذكروه في المراسلة ان الباشا أراد ان يكبسهم بمن معه ليلا وكان معهم سائس يعرف بالتركي فحضر اليهم واخبرهم فتحذروا منهم فلما كبسوهم وقعت بينهم محاربة وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بك المنفوخ وانجرح المنفوخ أيضا جرحا بليغا واصيب الباشا وصاحبه من غير قصد والليل ليس له صاحب فقضى عليه وكان ذلك مقدورا وفي الكتاب مسطورا وانكم ترسلوا لنا أمانا بالحضور الى مصر والا ذهبنا الى الصعيد
هذا ما قالوه والواقع انهم لما سافروا معه كان بصحبته خمسة وأربعون نفسا لاغير والعساكر التي كانت سافرت قبله نجعت الى الصالحية او ذهبت حيث شاء الله وكان امامه عسكر المغاربة وخلفه الامراء المصرلية
فلما وصلوا الى اراضي القرين ونزلوا هناك عمل المغاربة مع الخدم مشاجرة وجسموها الى ان تضاربوا بالسلاح فقامت الاجناد المصرلية من خلفهم فصار الباشا ومن معه في الوسط والتحموا عليهم بالقتال ففر من اتباعه اربعة عشر نفسا الى الوادى وثلاثة عشر رموا بأنفسهم في ساقية قريبة منهم من حلاوة الروح وضرب الباشا بعض المماليك منهم بقرابينة فأصابته وقتل معه ابن اخته حسن بك وكتخداه وباقي الثمانية عشر فلما سقط الباشا وبه رمق رأى احد الاميرين فقال له في عرضك يا فلان ان معي كفنا بداخل الخرج فكفني فيه وادفني ولا تتركني مرميا
فلما انقضى ذلك اعطى ذلك الامير لبعض العرب دنانير واعطاه الكفن الذى اوصاه عليه وقال له اذهب الى مقتلهم

وخذ الباشا وادفنه في تربة
ففعل كما امروا وحفروا لباقيهم حفرا وواروهم فيها
وانقضى امرهم
هذا اخبار بعض تلك البلاد المشاهدين للواقعة وكل ذلك وبال فعله وسوء سريرته وخبث ضميره فلقد بلغنا انه قال لعسكره ان بلغت مرادى من الامراء المصريين وظفرت بهم وبالارنؤد ابحت لكم المدينة والرعية ثلاثة ايام تفعلون بها ما شئتم
والدليل على ذلك ما فعله بالاسكندرية مدة اقامته بها من الجور والظلم ومصادرات الناس في اموالهم وبضائعهم وتسلط عساكره عليهم بالجور والخطف والفسق وترذيله لاهل العلم واهانته لهم حتى انه كان يسمى الشيخ محمد المسيرى الذى هو أجل مذكور في الثغر بالمزور واذا دخل عليه مع امثاله وكان جالسا اتكأ ومد رجليه قصدا لاهانتهم

خبر علي باشا المترجم المذكور
كان اصله من الجزائر مملوك محمد باشا حاكم الجزائر فلما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره ارسله بمراسلة الى حسين قبطان باشا وكان اخوه المعروف بالسيد علي مملوك للدولة ومذكورا عند قبطان باشا ومتولي الريالة فنوه بذكره فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس واعطاه فرمانات ويرق فذهب اليها وجيش له جيوشا ومراكب وأغار على متوليها وهو أخو حمودة باشا صاحب تونس وحاربه عدة شهور حتى ملكها بمخامرة أهلها لعلمهم انه متوليها من طرف الدولة
وهرب أخو حمودة باشا عند اخيه بتونس فلما استولى علي باشا المذكور على طرابلس اباحها لعسكره ففعلوا بها اشنع وأقبح من التمرلنكية من النهب وهتك النساء والفسق والفجور وسبي حريم متوليها واخذهن أسرى وفضحهن بين عسكره ثم طالبهم بالأموال
وأخذ اموال التجار وفرد على اهل البلد وأخذ اموالهم ثم ان المنفصل حشد وجمع جموعا ورجع الى طرابلس وحاصره اشد المحاصرة وقام معه المغرضون من أهل البلدة والمقروصون من علي باشا
فلما رأى الغلبة على نفسه نزل الى المراكب بما جمعه من الاموال والذخائر وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الاعيان شبه الرهائن

وهرب الى اسكندرية وحضر الى مصر والتجأ الى مراد بك فأكرمه وانزله منزلا حسنا عنده بالجيزة وصار خصيصا به
وسبب مجيئه الى مصر ولم يرجع الى القبطان علمه انه صار ممقوتا في الدولة لان من قواعد دولة العثمانيين انهم اذا أمروا أميرا في ولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصا اذا كان ذا مال
ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما ولما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان وذهبوا الى امير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وانه يفعل بهما الفاحشة فارسل معهم جماعة من اتباعه في حصة مهملة وكبسوا عليه على حين غفلة فوجدوه راقدا ومعه أحد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحا بالغا وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة امير الحاج
ثم رجع الى مصر من البحر ايضا واقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات الى ان حضر الفرنسيس الى الديار المصرية فقاتل مع الامراء وتغرب معهم في قبلي وغيره ثم انفصل عنهم وذهب من خلف الجبل وسار الى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات الى الدولة فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا واخرجوه ووصل الخبر الى اسلامبول فطلب ولاية مصر على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية واوامرها بمصر وليس بها الا طاهر باشا والارنؤد وجعل على نفسه قدرا عظيما من المال ووصل الى اسكندرية وبلغه انعكاس الامر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الارنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة فاراد أن يدير أمرا ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه والجادع بيده مارن أنفه ولم يعلم انها القاهرة كم قهرت جبابرة وكادت فراعنة ... اذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده

وكان صفته ابيض اللون عظيم اللحية والشوارب أشقرهما قليل الكلام يا لربي يحب اللهو والخدعة
ولما انقضى امره وارسل سليمان بك ومحمد بك مكاتبات الى شاهين بك ونظرائه بما ذكروا أن يأخذوا لهم أمانا من ابراهيم بك البرديسي فكتبوا لهم امانا بعد إمتناع منهما واظهار التغير والغضب والتأسف على التفريط منهما في قتله
وفي يوم الخميس المذكور عملوا ديوانا واحضروا صالح أغا قابجي باشا الذى حضر اولا ونزل ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك وقرأوا الفرمان الذى معه وهو يتضمن ولاية علي باشا
الاوامر المعتادة لاغير وليس فيها ما كان ذكره علي باشا من الجمارك والالتزام وغيره
وتكلم الشيخ الامير في ذلك المجلس وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب وشكا الامراء والمتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدى الكشاف النازلين في الاقاليم وجورهم على البلاد وانه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم فاتفق الحال على ارسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد
واما مصطفى باشا فانهم أنزلوه في مركب مع اتباع الباشا الذين كانوا بقصر العيني وسفروهم الى حيث شاء الله
وفيه وصل الالفي من سرحته الى مصر القديمة فأقام في قصره الذى عمره هناك وهو قصر البارودى يومين ثم عدى الى الجيزة ودخل اتباعه بالمنهوبات من الجمال والابقار والاغنام ومعهم الجمال محملة بالقمح الاخضر والفول والشعير لعدم البرسيم فانهم رعوا ما وجدوه في حال ذهابهم وفي رجوعهم لم يجدوا خلاف الغلة فرعوها وحملوا باقيها على الجمال لو شاء ربك ما فعلوه
وفي ثاني عشرينه وقعت معركة بين الارنؤودية وعسكر التكرور بالقرب من الناصرية بسبب حمل برسيم وضربوا على بعضهم بنادق رصاص وقتل

بينهم انفار واستمروا على مضاربة بعضهم البعض نحو سبعة ايام وهم يترصدون لبعضهم في الطرقات
وفي خامس عشرينه عملوا ديوانا وقرأوا فرمانا وصل من الدولة مع الططر خطابا لعلي باشا والامراء بتشهيل اربعة آلاف عسكرى وسفرهم الى الحجاز لمحاربة الوهابيين وارسال ثلاثين الف اردب غلال الى الحرمين
وانهم وجهوا أربع باشات من جهة بغداد بعساكر وكذلك احمد باشا الجزار ارسلوا له فرمانا بالاستعداد والتوجه لذلك فإن ذلك من اعظم ما تتوجه اليه الهمم الاسلامية وامثال ذلك من الكلام والترفق وفيه بعض القول بالحسب والمروأة بتنجيز المطلوب من الغلال وان لم تكن متيسرة عندكم تبذلوا الهمة في تحصيلها من النواحي والجهات بأثمانها على طرف الميرى بالسعر الواقع
وفيه تقيد لضبط مخلفات علي باشا صالح افندى ورضوان كتخدا ونائب القاضي وباشكاتب
وفيه حضر الامراء الذين توجهوا بصحبة الباشا الى الشرقية
وفي هذا اليوم حضر عثمان كاشف البواب الذى كان بالمنوفية وترك خيامه واثقاله واعوانه على ما هم عليه وحضر في قلة من اتباعه
وفيه نقلوا عسكر التكرور من ناحية قناطر السباع الى جهة اخرى واخرجوا سكانا كثيرة من دورهم جهة الناصرة وأزعجوهم من مواطنهم واسكنوا بها عساكر وطبجية
وفيه انزلوا السيد علي القبطان من القلعة الى بيت علي بك ايوب كما كان وهذا السيد علي هو اخو علي باشا المقتول كما ذكر واصله مملوك وليس شريف كما يتبادر الى الفهم من لفظة سيد انها وصف خاص للشريف بل هي منقولة من لغة المغاربة فانهم يعبرون عن الامير بالسيد بمعنى المالك وصاحب السيادة
وفي سادس عشرينه انزلوا محمل الحاج من القلعة مطويا من غير هيئة وأشيع في الناس دورانه الى بيت ابراهيم بك صحبه احد الكشاف وطائفة

من المماليك واتفق الرأى على سفره من طريق بحر القلزم صحبه محمد جاويش مستحفظان ومعه الكسوة والصرة وكان حضر الكثير من حجاج الجهة القبلية بجمالهم ودوابهم ومتاعهم فلما تحققوا عدم السفر حكم المعتاد باعوا جمالهم ودوابهم بالرميلة بأبخس الاثمان لعدم العلف بعد ما كلفوها بطول السنة
وما قاسوه أيضا في الايام التي اقاموها بمصر في الانتظار والتوهم

شهر ذى القعدة سنة
استهل بيوم الاثنين فيه أنزلوا حسين قبطان ومن معه من عسكر الارنؤد من القلعة وكانوا نحو الاربعمائة فذهبوا الى بولاق وسكنوا بها بعدما أخرجوا السكان من دورهم بالقهر عنهم ولم يبق بالقلعة من أجناسهم سوى الطبجية المتقيدين بخدمة المصرلية
وفيه ألبس ابراهيم بك كتخداه رضوان خلعة وأشيع انه قلده دفتردارية مصر وذهب الى البرديسي فخلع عليه ايضا وكذلك الألفي وذلك اكراما وتنويها بذكره جزاء فعله ومجيئه بالباشا وتحيله عليه
وفي ليلة الجمعة خامسه وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي حاكم رشيد يخبر فيها بوصول محمد بك الالفي الكبير الى ثغر رشيد يوم الاربعاء ثالثه وقد طلع على أبي قير وحضر الى ادكو ثم الى رشيد في يوم الاربعاء المذكور وقصده الاقامة برشيد ستة أيام فلما وصلت تلك الاخبارعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة بعد الغروب وكذلك بعد العشاء وفي طلوع النهار من جميع الجهات من الجيزة ومصر القديمة وبيت البرديسي والقلعة وأظهروا البشر والفرح وشرعوا في تشهيل الهدايا والتقادم وأضمروا في نفوسهم السوء له ولجماعته والمتآمرين حسدا لرآسته عليهم وخمولهم بحضوره فهاجت حفائظهم وكتموا حقدهم وتناجوا فيما بينهم وبيتواء امرهم مع كبار العسكر
وأرسل البرديسي كتابا الى مملوكه يحيى بك تابعه حاكم رشيد يأمره فيه بقتل الالفي هناك وركب هو الى النيل وعدى شاهين بك ومحمد بك المنفوخ واسمعيل بك

صهر ابراهيم بك وعمر بك الابراهيمي الى بر الجيزة ليلة الاحد ونصبوا خيامهم ليستعدوا الى السفر من آخر الليل صحبه الالفي الصغير وعدى ايضا قبلهم حسين بك الوشاش الالفي ونصب خيامه بحرى منهم
فلما كان في خامس ساعة من الليل أرسلوا الى حسين بك يطلبونه اليهم فحضر مع مماليكه وقد رتبوا جماعة منهم تأتي بخيول ومشاعل من جهة القصر فقالوا له أين الخيول فاننا راكبون في هذا الوقت للملاقاة وها هو اخوك الالفي قد ركب وهو مقبل
فنظر فرأى المشاعل والخيول فلم يشك في صحة ذلك ولم يخطر بباله خيانتهم له فأمر مماليكه أن يذهبوا الى خيولهم ويركبوا ويأتوه بفرسه فأسرعوا الى ذلك وبقى هو وحده ينتظر فرسه فعاجلوه وغدروه وقتلوه بينهم وأرسلوا الى البرديسي بالخبر وكان محمد علي وأحمد بك والارنؤدية عدوا قبلي الجيزة ليلا وكمنوا بمكان ينتظرون الاشارة ويتحققون وقوع الدم بينهم فلما عملوا ذلك حضروا الى القصر وأحاطوا به وكان طبجي الآلفي مخامرا ايضا فعطل فوالي المدافع واستمروا في ترتيب الامراء على القصر الى آخر الليل فحضر الى الالفي من أيقظة واعلمه بقتل حسين بك واحاطتهم بالقصر فأراد الاستعداد للحرب وطلب الطبجي فلم يجده وأعلموه بما فعل بالمدافع فأمر بالتحميل وركب في جماعته الحاضرين وخرج من الباب الغربي وسار مقبلا فركب خلفه الامراء المذكورون وساروا مقدار ملقتين حتى تهبت خيولهم ولم يكن معهم خيول كثيرة لانهم لم يكونوا يظنون خروجه من القصر واشتغل أكثر أتباعهم بالنهب لأنه عندما ركب الألفي وخرج من القصر دخله العسكر والاجناد ونهبوا ما فيه من الاثقال والامتعة والفرش وغيرها وكان كاتبه المعلم غالي ساكنا بالجيزة وكذلك كثير من اتباعه ومقدميه فذهبوا الى دورهم فنهبوها وأخذوا ما عند كاتبه المذكور من الاموال ثم نهبوا دور الجيزة عن آخرها ولم يتركوا بها جليلا ولا حقيرا حتى عروا ثياب النساء وفعلوا بها مثل ما فعلوا بدمياط واصبح الناس بالمدينة يوم الاحد لا يعلمون شيئا من ذلك الا انهم سمعوا الصراخ

ببيت حسين بك جهة التبانة وقيل انه قتل ببر الجيزة
فصار الناس في تعجب وحيرة واختلفت روياتهم ولم يفتحوا دكاكينهم ونقلوا أسبابهم منها وظلوا غالب اليوم لم يعلموا سر قتل حسين بك الا من صراخ اهل بيته
وكل ذلك وقع وابراهيم بك جالس في بيته ويسأل ممن يدخل اليه عن الخبر
واحضر محمود جاويش المعين للسفر بالمحمل وصير في الصرة والكتبة واشتغل معهم ذلك اليوم في عدد مال الصرة وحسابها ولوازم ذلك وبعد العصر اشيع المرور بالمحمل فاجتمع الناس للفرجة فمروا به من الجمالية الى قراميدان قبل الغروب وأصبح يوم الاثنين ثامنه ركب ابراهيم بك وامراؤه الى قراميدان وسلم المحمل واجتمع الناس للفرجة على العادة فمروا به من الشارع الاعظم الى العادلية وامامه الكسوة في اناس قليلة وطبل وأشاير وعينوا للذهاب معه أربعمائة مغربي من الحجاج رتبوا لهم جامكية ثلاثين نفرا من عسكر الارنؤد هذا ما كان من هؤلاء وأما ما كان من امر الالفي الكبير فانه لما حضر الى رشيد يوم الاربعاء ثالثه كما تقدم قابله يحيى بك وعمل له شنكا وطعاما وما يليق به وسأله عن مدة اقامته برشيد فقال له اريد الاقامة ستة أيام حتى نستريح ونزل ببيت مصطفى عبد الله التاجر
ولم يكن معه الا خاصة مماليكه وجوخداره تتمة ستة عشر فاستأذنه يحيى بك في ارسال الخبر الى مصر ليأتي الامراء الى ملاقاته فلم يرض بذلك ثم انه لم يقم برشيد الا ليلة واحدة وانزل امتعته في أربع مراكب من الرواحل وانتقل آخر الليل الى بيت البطروشي القنصل وأمر بتنقيل المتاع الى مراكب النيل وأهدى له البطروشي غرابا من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار الى مصر وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة
ويأبى الله الا ما يريد فلم يسعفه الريح وكان تأخيره سببا لنجاته
ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك جهز له الالفي الصغير بعض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت فاجتمعوا به عند نادر

نصف الليل
فلما أصبح الصباح حضر اليه سليمان كاشف البواب وقابله ورجع معه الى منوف العلا فأقام هناك يوم الاحد وبات هناك ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح فلم يزل سائرا الى الظهيرة فلاقاه عدة من عسكر الارنؤد الموجهة اليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة فسلم عليهم فردوا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم اين تريدون فقالوا نريد الالفي فقال لهم ها هو الالفي فسكتوا
ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه الى الالفي فكذب ذلك وقال هذا شيء لا يكون ولا يصح ان اخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لاجل راحتنا ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر ثم ان طائفة منهم أدركت الغراب الذى قدمه له البطروشي وكان متأخرا عن المراكب فصعدوا اليه وأخذوا ما فيه من المتاع فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك فأرسل اليهم بعض من معه من الاتراك ليستخبر عن شأنهم وامرهم ولم ينتظر رجوعه بالجواب ولكنه اخذ بالحزم ونزل في الحال الى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن وامرهم ان يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة الى البحر فلاقاهم طائفة اخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي وكان بعيدا عنهم فاعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه اياه ولم يزل يجد في السير حتى وصل الى شبرا الشهابية فنظر الى رجل ساع واعلمه انه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب يخبر الواقع فعند ذلك تحقق الخبر وطلع الى البر وامر بتغريق القنجة ومشى مع المماليك على اقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا الى ناحية قرنفيل ودخل الى نجع عرب الحويطات والتجأ الى امرأة منهم فاجارته ولبت دعوته وركبته فرسا واصحبت معه شخصين هجانين وركب معهما وصار الى قرب الخانكة ليلا والمماليك معه مشاة فقابلهم جماعة من عرب بلى وكبيرهم يقال له سعد ابراهيم فاحتاطوا به فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع

الهجانة الى ناحية الجبل ومضى فسمع الاجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك فأسرعوا اليهم وسألوهم عن سيدهم فقالوا انه كان معنا وفارقنا الساعة فأمر البرديسي من معه من المماليك والاجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من ادركه فليقتله في الحال فذهبوا خلفه فلم يعثر به احد منهم وخرم عليه سعد ابراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذى على ظهره فاشتغلوا به وتركهم وسار وغاب امره
وفي حال جلوسه عند العرب مر عليهم طائفة من الاجناد سائرين لانهم لما فعلوا فعلتهم في الجيزة لم يبق لهم شغل الا هو واخذوا في الاحتياط عليه ما امكن فأرسلوا عسكرا في المراكب وانبثت طوائفهم في الجهات البحرية شرقا وغربا فذهبت طائفة منهم الى الشرقية وطائفة الى القليوبية وكذلك المنوفية والغربية والبحيرة وسلكوا طريق الجبل الموصلة الى قبلي وذهب حسين بك ورستم بك الى صالح بك الالفي الذى بالشرقية وذهب شاهين بك الى سليمان كاشف البواب من البر الغربي ليقطع عليه الطريق وذهب علي بك ايوب ومحمد علي على جهة القليوبية ليلحقه بمنوف فلما وصل الى دجوة تعوق بسبب قلة المعادى فلما وصل الى منوف فوجدوه عدى الى الجهة الاخرى فأخذوا متروكاته التي تركها وهي بعض خيول وجمال وخمسين زلعة سمن مسلي وعملوا على أهل البلد أربعة آلاف ريال قبضوها منهم ورجعوا وكان عندما بلغه الخبر الاجمالي لم يكذب المخبر وذلك بعد مفارقة الالفي له بنحو ثلاث ساعات فعدى في الحال الى الجهة الغربية بأثقاله وعساكره فوجد أمامه شاهين بك فارسل يطلب منه أمانا فأجابه الى ذلك وارسل الى مصر من يأتي بالامان واطمأن شاهين ليلا فلما اصبح شاهين بك وجده قد ارتحل فرجع بخفي حنين وعدى الى القليوبية فبلغه خبر الالفي وما وقع له مع العرب فطلبهم فأخبروه انه غاب عنهم في الجبل من الطريق الفلاني فقبض عليهم واحضرهم صحبته مشنوقين في عمائمهم ووجد المماليك فقبض عليهم

وأرسلهم الى البرديسي
واما مراكبه فأنه عندما نزل الى القنجة وفارقها ادركها العسكر الذين قابلوه في المراكب ونهبوا ما فيها وكان بها شيء كثير من الاموال وظرائف الانكليز والامتعة والجوخ والاسلحة والجواهر
فانه لما وصل الى القرالي اكرمه اكراما كثيرا وأهدى اليه تحفا غريبة وكذلك أكابرهم وأعطاه جملة كبيرة من المال على سبيل الامانة يرسل له بها غلالا وأشياء من مصر واشترى هو لنفسه أشياء بأربعة آلاف كيس يدفعها الى القنصل بمصر وأرسل له بها القرالي بوليصة وأهدى له صورة نفسه من جوهر ونظارات وآلات وغير ذلك
وأما الالفي الصغير فانه ذهب الى جهة قبلي وفرد الفرد والكلف على البلاد ومن عصى عليه أو تواني في دفع المطلوب نهبهم وحرقهم
وأما صالح بك الالفي فانه لما وصل اليه الخبر وقدوم الموجهين اليه ركب في الحال من زنكلون وترك حملته واثقاله فلم يدركوه ايضا
وفي يوم الثلاثاء احضروا مماليك الالفي الكبير وجوخداره الى بيت البرديسي وارسل ابراهيم بك والبرديسي مكاتبات الى الامراء بقبلي وهم سليمان بك الخازندار حاكم جرجا وعثمان بك حسن بقنا ومحمد بك المعروف بالغربية الابراهيمي يوصونهم ويحذرونهم من التفريط في الالفي الصغير والكبير ان وردا عليهما
واما شاهين بك فانه عدى الى الشرقية واجتهد في التفتيش ثم رجع في يوم الثلاثاء المذكور وامامه العرب المتهمون بانهم يعرفون طريقه وأنهم أدركوه فأعطاهم جوهرا كثيرا وتركوه وأحضروا صحبتهم حقا من خشب وجدوه مرميا في بعض الطرق فأحضر البرديسي مماليك الالفي وأراهم ذلك الحق فقالوا نعم كان مع استاذنا وفي داخله جوهر ثمين وارسلوا عدة من المماليك والهجانة الى الطريق التي ذكرها العرب وأحضر البرديسي ابن شديد وسأله فأخبره انه لم يكن حاضرا في نجعة وان أمه أو خالته هي التي اعطته الفرس والهجانة فوبخه ولامه فقال له هذه عادة العرب من قديم الزمان يجيرون طنيبهم ولا يخفرون ذمتهم
فحبسه أياما ثم اطلقه وقيل انه مر

عليه علي بك أيوب ومحمد علي ومن معهم من العسكر وهو في خيش العرب وهو يراهم وأعماهم الله عن تفتيش النجع وعن السؤال أيضا
وفي ذلك اليوم خرج عثمان بك يوسف وحسين بك الوالي وأحمد أغا شويكار الى جهة الشرقية ومرزوق بك الى القليوبية يفتشون على الالفي
وفيه شرعوا في تشهيل تجريدة الى الالفي الصغير وأميرها شاهين بك وصحبته محمد بك المنفوخ وعمر بك وابراهيم كاشف
وفي يوم الجمعة ثاني عشره سافرت قافلة الحاج بالمحمل الى السويس
وفي يوم السبت حضر علي بك ايوب ومحمد علي من سرحتهما على غير طائل
وفيه سافر قنصل الانكليز من مصر بسبب هذه الحادثة فانه لما وقع ذلك اجتمع بابراهيم بك والبرديسي وتكلم معهما ولامهما على هذه الفعلة وكلمهما كلاما كثيرا منه انه قال لهما هذا الذى فعلتماه لاجل نهب مال القرالي ومطلوب مني اربعة آلاف كيس وهي البوليصة الموجهة على الالفي وغير ذلك فلاطفاه وأراد منعه من السفر فقال لا يمكن اني أقيم ببلدة هذا شأنها وطريقتنا لانقيم الا في البلدة المستقيمة الحال ثم نزل مغضبا وسافر وأراد ايضا قنصل الفرنسيس السفر فمنعاه
وفي يوم السبت طلب العسكر جماكيهم من الامراء وشددوا في الطلب واستقلوا الامراء في أعينهم وتكلموا مع محمد علي وأحمد بك وصادق أغا كلاما كثيرا فسمعوا في الكلام مع الامراء المصرلية فوعدوهم الى يوم الثلاثاء ومات بقطر المحاسب كاتب البرديسي يوم الاحد فلما كان يوم الثلاثاء اجتمع العسكر ببيت محمد علي وحصل بعض قلقة فحولهم على القبط بمائتي الف ريال منها خمسون على غالي كاتب الالفي وثلاثون على تركة بقطر المحاسب والمائة والعشرون موزعة عليهم فسكن الاضطراب قليلا
وفي يوم الثلاثاء المذكور رجع مرزوق بك من القليوبية
وفي يوم الاربعاء سابع عشره توفي ابراهيم افندى الروزنامجي وفيه

حصل رجات وقلقات بسبب العسكر وجماكيهم وأرادوا أخذ القلعة فلم يتمكنوا من ذلك وقفل الناس دكاكينهم وقتلوا رجلا نصرانيا عند حارة الروم وخطفوا بعض النساء وامتعة وغير ذلك وركب محمد علي ونادى بالامان
وفي يوم السبت عشرينه حضر سليمان كاشف البواب بالامان ودخل الى مصر
وفي يوم الاحد أفرجوا عن كشاف الالفي المحبوسين
وفيه حضر عثمان بك يوسف من ناحية الشرقية واستمر هناك حسين بك الوالي ورستم بك وذهب المنفوخ واسمعيل بك الى ناحية شرق اطفيح لانه اشيع ان الالفي ذهب عند عرب المعازة فقبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وأرسلوا مائة هجان الى جميع النواحي واعطوهم دراهم يفتشون على الالفي
وفيه شرعوا في عمل فردة على أهل البلد وتصدى لذلك المحروقي وشرعوا في كتب قوائم لذلك ووزعوها على العقار والاملاك اجرة سنة يقوم بدفع نصفها المستأجر والنصف الثاني بدفعه صاحب الملك
وفي يوم الاربعاء رابع عشرينه شرح كتاب الفردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الاجناد وطافوا بالاخطاط يكتبون قوائم الاملاك ويصقعون الاجر فنزل بالناس مالا يوصف من الكدر مع ما هم فيم من الغلاء ووقف الحال وذلك خلاف ما قرروه على قرى الارياف فلما كان في عصر ذلك اليوم نطق افواه الناس بقولهم الفردة بطالة وباتوا على ذلك وهم ما بين مصدق ومكذب
وفي يوم الخميس خامس عشرينه اشيع ابطال الفردة مع سعي الكتبة والمهندسين في التصقيع والكتابة وذهبوا الى نواحي باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى فضج الفقراء والعامة والنساء وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلاما على الامراء مثل قولهن ايش تأخذ من تفليسي با برديسي وصبغن أيديهن

بالنيلة وغير ذلك فاقتدى بهن خلافهن وخرجوا ايضا ومعهم طبول وبيارق وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع الكثير الى الجامع الازهر وذهبوا الى المشايخ فركبوا معهم الامراء ورجعوا ينادون بأبطالهم
وسر الناس بذلك وسكن اضطرابهم وفي وقت قيام العامة كان كثير من العسكر منتشرين في الاسواق فداخلهم الخوف وصاروا يقولون لهم نحن معكم سواسو انتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفردة وعلوفاتنا على الميرى ليست عليكم أنتم اناس فقراء فلم يتعرض لهم أحد
وحضر كتخدا محمد علي مرسلا من جهته الى الجامع الازهر وقال مثل ذلك ونادى به في الاسواق ففرح الناس وانحرفت طباعهم عن الامراء ومالوا الى العسكر وكانت هذه الفعلة من جملة الدسائس الشيطانية
فان محمد علي لما حرش العساكر على محمد بك باشا خسروا وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والارنؤد ثم بالاتراك عليه حتى أوقع به أيضا وظهر أمر أحمد باشا وعرف انه ان تم له الامر ونما أمر الاتراك لا يبقون عليه فعاجله وأزاله بمعونة الامراء المصرلية واستقر معهم حتى أوقع باشتراكهم قتل الدفتردار والكتخدا ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيرا ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه
كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصا البرديسي فانه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر واغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدقه وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه وتحصن بعساكره واقامهم حوله في الابراج وفعل بمعونتهم ما فعله بالالفي واتباعه وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعملوا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستضعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الاحجام خوفا من قيام أهل البلد معهم ولعلمهم بميلهم الباطني اليهم فاضطروهم الى عمل هذه الفردة ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل
وعند ذلك تبرأ

محمد علي والعسكر من ذلك وساعدوهم في رفعها عنهم فمالت قلوبهم اليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا الى الله في إزالة الامراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم وتحقق العسكر منهم ذلك وانحرف الامراء على الرعية باطنا بل اظهر البرديسي الغيظ والانحراف من أهل مصر وخرج من بيته مغضبا الى جهة مصر القديمة وهو يلعن أهل مصر ويقول لا بد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لاوامرنا ثم اخذوا يدبرون على العسكر وارسلوا الى جماعتهم المتفرقين في الجهات القبلية والبحرية يطلبونهم للحضور فأرسلوا الى حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية واسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومحمد بك المنفوخ ليأتيا من شرق اطفيح والفريقان كانوا لرصد الالفي وانتظاره وارسلوا الى سليمان بك حاكم الصعيد بالحضور من اسيوط بمن حوله من الكشاف والامراء والى يحيى بك حاكم رشيد واحمد بك حاكم دمياط واصعدوا محمد باشا المحبوس الى القلعة وعلم الانؤدية منهم ذلك فبادروا واجتمعوا بالازبكية في يوم الاحد ثامن عشرينه فارتاع الناس واغلقوا الحوانيت والدروب وذهب جمع من العسكر الى ابراهيم بك واحتاطوا بمهمات بيته بالداودية وكذلك ببيت البرديسي بالناصرية وتفرقوا على بيوت باقي الامراء والكشاف والاجناد
وكان ذلك وقت العصر والبرديسي عنده عدة كبيرة من العسكر المختصين به ينفق عليهم ويدر عليهم الارزاق والجماكي والعلوفات ومنهم الطبجية وغيرهم وعمر قلعة الفرنسيس التي فوق تل العقارب بالناصرية وجددها بعد تخريبها ووسعها وانشأ بها اماكن وشحنها بآلات الحرب والذخيرة والجبخانة وقيد بها طبجية وعساكر من الآرنؤدية وذلك خلاف المتقيدين بالابراج والبوابات التي انشأها قبالة بيته بالناصرية جهة قناطر السباع والجهة الاخرى كما سبق ذكر ذلك
فلما علم بوصول العساكر حول دائرته وكان جالسا صحبة عثمان بك يوسف فقام وقال له كن أنت في مكاني هنا حتى اخرج وارتب الامر وارجع اليك وتركه وركب الى خارج فضربوا عليه بالرصاص

فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة وذهب الى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب وكان العسكر نقبوا نقبا من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والاجناد فقاتلوا من وجدوه واوقعوا النهب في الدار وانضم اليهم اجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤس وتسلمهم طائفة منهم على تلك الصورة وذهبوا بهم الى جهة الصليبة فأودعوهم بدار هناك
وفي سابع ساعة من الليل ارسل محمد علي جماعة من العسكر ومعهم فرمان وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الاسكندرية بولايته على مصر فذهبوا به الى القاضي واطلعوه عليه وامروه أن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط علم الناس بذلك
فلما أصبح أرسل اليهم فقالوا لا تصح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة فأرسله اليهم واطلعوا عليه وأشيع بين الناس
واما ابراهيم بك فأنه استمر مقيما ببيته بالداودية وامر مماليكه واتباعه ان يجلسوا برؤس الطرق الموصلة اليه فجلس منهم جماعة وفيهم عمر بك تابعه بسبيل الدهيشة المقابل لباب زويله وكذلك ناحية تحت الربع والقربية وجهة سويقة لاجين والداودية وصار العسكر يضربون عليهم وهم كذلك ودخل عليهم الليل فلم يزالوا على ذلك الى الصباح واضمحل حالهم وقتل الكثير من المماليك والاجناد ووصل اليهم خبر خروج البرديسي فعند ذلك طلبوا الفرار والنجاة بارواحهم
وعلم ابراهيم بك بخروج البرديسي وأنه ان استمر على حاله أخذ فركب في جماعته في ثاني ساعة من النهار وخرجوا على وجوههم والرصاص يأخذهم من كل ناحية فلم يزل سائرا حتى خرج الى الرميلة وهدم في طريقه أربعة متاريس وأصيب بعض مماليك وخيول وخدامين واصيب رضوان كتخداه وطلعت روحه عند الرميلة فأنزلوه عند باب العزب وأخذوا ما معه من جيوبه ثم شالوه الى داره ودفنوه

وقبضوا على عمر بك تابع الاشقر الابراهيمي من سبيل الدهيشة هو ومماليكه
وأما الذين بالقلعة من الامراء فأنهم اصبحوا يضربون بالمدافع والقنابر على بيوت الارنؤد بالازبكية الى الضحوة الكبرى فلما تحققوا خروج ابراهيم بك والبرديسي ومن أمكنه الهروب لم يسعهم الا انهم ابطلوا الرمي وتهيؤا للفرار ونزلوا من باب الجبل ولحقوا بابراهيم بك وعند نزولهم ارادوا اخذ محمد باشا وعلي باشا القبطان وابراهيم باشا فقام عليهم عسكر المغاربة ومنعوهم من اخذهم ونهب المغاربةالضربخانة وما فيها من الذهب والفضة والسبائك حتى العدد والمطارق وتسلم العسكر القلعة من غير مانع ولم تثبت المصرلية للحرب نصف يوم في القلعة ولم ينفع اهتمامهم بها طول السنة من التعمير والاستعداد وما شحنوه بها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وملؤا ما بها من الصهاريج بالماء الحلوه وقام أحمد بك الكلارجي وعبد الرحمن بك الابراهيمي وسليم اغا مستحفظان من وقت مجيئهم الى مصر متقيدين ومرتبطين بها ليلا ونهارا لا ينزلون الى بيوتهم الا ليلة في الجمعة بالنوبة اذا نزل احدهم اقام الآخران وطلع محمد علي اليها ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه امامهم المنادى ينادى بالامان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي واشيع في الناس رجوع محمد باشا الى ولاية مصر فبادر المحروقي الى المشايخ فركبوا الى بيت محمد علي يهنون الباشا بالسلامة والولاية وقدم له المحروقي هدية واقام على ذلك بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فكان مدة حبسه ثمانية اشهر كاملة فأنه حضر الى مصر بعد كسرته بدمياط في آخر ربيع الاول وهو اخر يوم منه واطلق في آخر يوم من ذي القعدة وخرج الامراء على اسوا حال من مصر ولم يأخذوا شيئا مما جمعوه وكنزوه من المال وغيره الا ما كان في جيوبهم او كان منهم خارج البلد مثل سليم كاشف ابي دياب فأنه كان مقيما بقصر العيني او الغائبين منهم جهة قبلي وبحرى
واما من كان داخل البلد فأنه لم يخلص له سوى ما كان في جيبه فقط ونهب العسكر اموالهم وبيوتهم

وذخائرهم وامتعتهم وفرشهم وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن وتسلطوا على بعض بيوت الاعيان من الناس المجاورين لهم ومن لهم بهم ادنى نسبة او شبهة بل وبعض الرعية الا من تدراكه الله برحمته او التجأ الى بعض منهم او صالح على بيته بدراهم يدفعها لمن التجأ اليه منهم ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها مالا يوصف من تلك الامور وخربوا اكثر البيوت واخذوا اخشابها ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والادهان وكان شيئا كثيرا وصاروا يبيعونه على من يشتريه من الناس ولولا اشتغالهم بذلك لما نجا من الامراء المصرلية الذين كانوا بالبلدة أحد
ولو رجع الامراء عليهم وهم مشتغلون بالنهب لتمكنوا منهم ولكن غلب عليهم الخوف والحرص على الحياة والجبن وخابت فيهم الظنون وذهبت نفختهم في الفارغ وجازاهم الله ببغيهم وظلمهم وغرورهم وخصوصا ما فعلوه مع علي باشا من الحيل حتى وقع في أيديهم ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله ثم طردوه وقتلوه فأنه وان كان خبيثا لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الالفي الكبير بعد ما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة وقاسى هول الاسفار والفراتين في البحار فجازوه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل اتباعه وحبسهم وبلصهم واتخذوهم أعداء واخصاما من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم الا الحسد والحقد وحذرا من رآسته عليهم وكانت هذه الفعلة سببا لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في اعينهم فان الالفي واتباعه كانوا يرون في انفسهم ان الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم من مغارم الفلاحين وطلب الكلف فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى الى ان حصل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة وخصوصا كونها على يد هؤلاء

وكانوا يرون في أنفسهم ان الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا انهم صاروا أتباعهم وجندهم مع انهم كانوا قادرين على ازالتهم من الاقليم وخصوصا عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا واخرجوا جميع العسكر وحازوهم الى جهة البحر وحصنوا ابواب البلد بمن يثقون به من اجنادهم ورسموا لهم رسوما امتثلوها فلو ارسلوا لهم بعد ايقاعهم بعلي باشا اقل اتباعهم وامروهم بالرحلة لما وسعتهم المخالفة حتى ظن كثير ممن له ادنى فطنه حصول ذلك فكان الامر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم ودخولهم الى المدينة ثانيا وعند ذلك تحقق لذوى الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الالفي وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون اتباعه ويخشونهم وخصوصا لما سمعوا بوصوله على الهيئة المجهولة لهم داخلهم من ذلك امر عظيم استمر في اخلاطهم يوما وليلة الى ان اجلاه البرديسي ومن معه يشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم وفرقوا جمعهم في النواحي حرصا على قتل الالفي واتباعه فعند ذلك زالت هيبتهم من قلوب العسكر واوقعوا بهم ما اوقعوا ولا يحيق المكر السيء الا باهله

شهر ذى الحجة الحرام استهل بيوم الثلاثاء سنة
فيه قلدوا علي أغا الشعراوى واليا على مصر
وفيه نهبوا بيت محمد أغا المحتسب وقبضوا عليه وحبسوه
وفي ليلة الاربعاء انزلوا محمد باشا خسروا وابراهيم باشا الى بولاق وسفروهما الى بحرى ومعهما جماعة من العسكر وكانت ولايته هذه الولاية الكذابة شبيهة بولاية احمد باشا الذى تولى بعد قتل طاهر باشا يوما ونصفا وكان قد اعتقد في نفسه رجوعه لولاية مصر حتى انه لما نزل من القلعة الى بيت محمد علي نظر الى بيته من الشباك مهدوما منخربا فطلب في ذلك الوقت المهندسين وامرهم بالبناء وذلك من وساوسه يقال

ان السبب في سفره اخوة طاهر باشا فأنهم داخلهم غيظ شديد ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم انه لا يستقيم حاله معهم وربما تولد بذلك شر فعجل بسفره وذهابه
ومن الاتفاقيات العجيبة أيضا ان طاهر باشا لما غدر بمحمد باشا اقام بعده اثنين وعشرين يوما وكذلك لما غدر المصرلية بالالفي لم يقيموا بعد ذلك الامثل ذلك
وفيه صعد عابدى بك اخو طاهر باشا بالقلعة واقام بها
وفي ليلة الخميس ثالثة اطلقوا عثمان بك يوسف وسافر الى جماعته جهة قبلي يقال انه افتدى نفسه منهم بمال واطلقوه ومعه خمسة مماليك واعطوه خمسة جمال واربعة هجن وخيلا
وفيه افرجوا عن محمد آغا المحتسب وابقوه في الحسبة على مصلحة عملوها عليه وقام بدفعها وركب وشق في المدينة وعمل تسعيرة ونادى بها في الشوارع والاسواق واما الامراء فأنهم باتوا اول ليلة جهة البساتين وفي ثاني يوم ذهبوا الى حلوان وحضر اليهم حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية ومروا من تحت القلعة وانفصلوا من العسكر الذين كانوا معهم في الطرية وتركوا لهم الحملة ووصل اليهم أيضا يحيى بك من ناحية رشيد وأحمد بك من دمياط وذهبوا اليهم ووصل يحيى بك من ناحية الجيزة ونهبوا البلاد وأكلوا الزروعات واستمروا على ذلك وانتشروا الى ان صارت اوائلهم بزاوية المصلوب وأواخرهم بالجيزة
وفيه كتبوا مكاتبات من نساء الامراء المصرلية بأنهم لا يتعرضون لاحد من العساكر الكائنة بقبلي وان قتل منهم أحد اقتصوا من حريمهم واولادهم بمصر
وفي يوم الجمعة حضر محمد بك المبدول بأمان ودخل الى مصر
وفي يوم الاحد سادسه اصعدوا عمر بك وبقية الكشاف وبعض الاجناد المصرية الى القلعة

وفيه عدى كثير من العسكر الى بر الجيزة ووقع بينهم وبين العرب بعض مناوشات وقتل أناس كثيرة من الفريقين
وفي سابعه ظهر محمد بك الالفي الكبير من اختفائه وكان متواريه بشرقية بلبيس برأس الوادى عند شخص من العربان يسمى عشيبة فأقام عنده مدة هذه الايام وخلص اليه صالح تابعه بما معه من المال وكان البرديسي استدل على مكانه واحضر اناسا من العرب وجعل لهم مالا كثيرا عليه واخذوا في التحيل عليه فحصلت هذه الحوادث وجوزى البرديسي بنيته وخرج من مصر كما ذكر وكانوا في تلك المدة يشيعون عليه اشاعات مرة بموته ومرة بالقبض عليه وغير ذلك فلما حصل ما حصل وانجلت الطرق من المراصدين اطمأن حينئذ وركب في عدة من الهجانة وصحبته صالح بك وتابعه ومروا من خلف الجبل وذهب الى شرق اطفيح ونزل عند عرب المعازة وتواتر الخبر بذلك
وفي تاسعه وصل احمد باشا خورشيد الى منوف فتقيد السيد أحمد المحروقي وجرجس الجوهرى بتصليح بيت ابراهيم بك بالداودية وفرشه
وفي ليلة الاثنين رابع عشره وصل الباشا الى ثغر بولاق فضربوا شنكا ومدافع وخرج العساكر في صبحها والوجاقلية وركب ودخل من باب النصر وأمامه كبار العساكر بزينتهم ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية ودخل الى الدار التي أعدت له بالداودية وقدموا له التقادم وعملوا بها تلك الليلة شنكا وسواريخ
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره مر الوالي وامامه المنادى وبيده فرمان من الباشا ينادى به على الرعية بالامن والامان والبيع والشراء
وفي منتصفه حضر عبد الرحمن بك الابراهيمي وكان في بشبيش بناحية بحرى فطلب امانا وحضر الى مصر
وفي يوم الجمعة تحول الباشا من الداودية الى الازبكية وسكن ببيت البكرى حيث كان حريم محمد باشا فركب قبل الظهر في موكب وذهب

الى المشهد الحسيني وصلى الجمعة هناك ورجع الى الازبكية
وفيه فتحوا طلب مال الميرى من السنة القابلة لضرورة النفقة فاغتم الملتزمون لذلك لضيق الحال وتعطل الاسباب وعدم الامن وتوالى طلب الفرد من البلاد فلو فضل للملتزم شيء لا يصل اليه الا بغاية المشقة وركوب الضرر لوثوب الخلائق من العربان والفلاحين والاجناد والعساكر على بعضهم البعض من جميع النواحي القبلية والبحرية ثم ان الوجاقلية وبعض المشايخ راجعوا في ذلك فانحط الامر بعد ذلك على طلب نصف مال الميرى من سنة تسعة عشر وبواقي سنة سبعة عشر وثمانية عشر وكذلك باقي الحلوان الذى تأخر على المفلسين وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد هذا والاجناد والعرب محيطة ببر الجيزة والعسكر من داخل الاسوار لا يجسرون على الخروج اليهم وحجزوا المراكب الواردة بالغلال وغيرها حتى لم يبق بالسواحل شيء من تلك الغلة أبدا ووصل سعر الادرب القمح ان وجد خمسة عشر ريالا
وفي يوم الاحد عشرينه وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد فدخلوا الى البلدة وأزعجوا كثيرا من الناس وسكنوا البيوت بمصر القديمة بعد ما أخرجوهم منها واخذوا فرشهم ومتاعهم وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحرى
وفيه قلدوا الحسبة لشخص عثمانلي من طرف الباشا وعزلوا محمد اغا المحتسب وكذلك عزلوا على آغا الشعراوى وقلدوا الزعامة لشخص آخر من اتباع الباشا وقلدوا اخر آغات مستحفظان
وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه خرجت عساكر كثيرة وعدت الى البر الغربي ووقعت في صبحها حروب بينهم وبين المصرلية والعربان وكذلك في ثاني يوم دخلت عساكر جرحى كثيرة وعملوا لهم متاريس عند ترسة والمعتمدية وتترسوا بها والمصرلية والعربان يرمحون من خارج وهم

لا يخرجون البهم من المتاريس واستمروا على ذلك الى يوم الاحد سابع عشرينه
وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع ورجع محمد علي والكثير من العساكر واشيع ترفع المصرلية الى فوق ووقع بين العربان اختلاف واشاعوا نصرتهم على المصرلية وانهم قتلوا منهم أمراء وكشافا ومماليك وغير ذلك
وفي ذلك اليوم شنقوا شخصا بباب زويلة وآخر بالحبانية وهما من الفلاحين ولم يكن لهما ذنب قيل انه وجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب فقالوا انكم تأخذونه الى المحاربين وكان شيئا قليلا
وفيه نزل جماعة من العسكر جهة قبة الغورى ومعهم نحو ثلاثين نفرا بجمالهم فقرطوا القمح المزروع وكان قد بدا صلاحه فطارت عقول الفلاحين واجتمعوا وتكاثروا عليهم وقبضوا على ثلاثة اشخاص منهم وهرب الباقون فدخلوا بهم المدينة ومعهم الاحمال وصحبتهم طبل وأطفال ونساء وذهبوا تحت بيت الباشا فأمر بقتل شخص منهم لانه شامي وليس بارنؤدى ولا انكشارى فقتلوه بالازبكية فوجدوا على وسطه ستمائة بندقي ذهب وثلثمائة محبوب ذهب والله اعلم وانقضت السنة وما حصل بها من الحوادث
وأما من مات فيها ممن له ذكر
فمات الفقيه العلامة والتحرير الفهامة الشيخ احمد اللحام اليونسي المعروف بالعريشي الحنفي حضر من بلدته خان يونس في سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وحضر أشياخ الوقت وأكب على حضور الدروس وأخذ البيلي والشيخ محمد الجناجي والصبان والفرماوى وغيرهم وتفقه على الشيخ عبد الرحمن ولازمه وبه تخرج وحضر على شيخ الوالد في الدر المختار من أول كتاب البيوع الى كتاب الاجارة بقراءته وذلك سنة اثنتين وثمانين ومائة والف ولم يزل ملازما للشيخ عبد الرحمن

ملازمة كلية وسافر صحبته الى اسلامبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم وعاد صحبته الى مصر ولم يزل ملازما له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته فأوصى اليه بجميع كتبه واستقر عوضه في مشيخة روانق الشوام وقرأ الدروس في محله وكان فصيحا من المعقولات والمنقولات وقصدته الناس في الافتاء واعتمدوا اجوبته وتداخل في القضايا والدعاوى واشتهر ذكره واشترى دارا واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له اتباع وخدم وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم اليه وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر اشهرا ولما حضرت الفرنساوية الى مصر وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة والبسه كلهبر سارى عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة وركب يصحبه قائمقام في موكب الى المحكمة وفوضوا اليه امر النواب بالاقاليم ولما قتل كلهبر انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه ثم تبينت براءته من ذلك الى ان رتبوا الديوان في آخر مدتهم ورسم عبد الله جاك منو باختيار قاض بالقرعة فلم تقم الا على المترجم فتولاه ايضا وخلعوا عليه وركب مثل الاول الى المحكمة واستمر بها الى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والافتاء ثم قصد الحج في هذه السنة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه وتوفي ودفن بنبط رحمه الله
ومات الشيخ الامام العمدة الفقيه الصالح المحقق الشيخ علي المعروف بالخياط الشافعي حضر أشياخ الوقت وتفقه على الشيخ عيسى البراوى ولازم دروسه وبه تخرج واشتهر بالعلم والصلاح واقرأ الدروس الفقهية والمعقولية وانتفع به الطلبة وانقطع للعلم والافادة ولما وردت ولاية

جدة لمحمد باشا توسون طلب انسانا معروفا بالعلم والصلاح فذكر له الشيخ المترجم فدعاه اليه واكرمه واساه واحبه وأخذه صحبته الى الحجاز وتوفي هناك رحمه الله
ومات الرئيس المبجل المهذب محمد افندي باش جاجرت الروزنامة وأصله تربية محمد افندى كاتب كبير الينكجرية وتمهر في صنعة الكتابة وقوانين الروزنامة وكان لطيف الطبع سليم الصدر محبوبا للناس
مشهور بالذوق وحسن الاخلاق مهذبا في نفسه متواضعا يسعى في حوائج اخوانه وقضاء مصالحهم المتعلقة بدفاترهم قانعا بحاله مترفها في مآكله وملبسه واقتنى كتبا نفيسة ومصاحف وتجتمع ببيته الاحباب ويدير عليهم سلاف انسه المستطاب مع الحشمة والوقار وعدم الملل والغفار ولما اختلفت الاحوال وترادفت الفتن ضاق صدره من ذلك واستوحش من مصر وأحوالها فقصد الهجرة بأهله وعياله الى الحرمين وعزم على الاقامة هناك فلما حصل هناك رأى فيها الاختلاف والخلل كذلك بسبب ظلم الشريف غالب وأتباعه واغارة الوهابيين على الحرمين وفتن العربان فلم يستحسن الاقامة هناك واشتاق لوطنه فعزم على العودة الى مصر فمرض بالطريق وتوفي ودفن بالينبع رحمه الله
ومات الامير حسين بك الذى عرف بالوشاش وهو من مماليك محمد بك الالفي وكان يعرف اولا بكاشف الشرقية لانه كان تولى كشوفيتها وكان صعب المراس شديد الباس قوى الجنان قلبه مع نحافة جسمه أعظم من جبل لبنان لا يهاب كثرة الجنود وتخشى سطوته الاسود ولما أجمعوا على خيانة الالفي واتباعه قال لهم ابراهيم بك الكبير على ما بلغنا لا يتم مرامكم بدون البداءة بالمترجم فان امكنكم ذلك والا فلا تفعلوا شيئا فلم يزالوا يدبرون عليه ويتملقونه له ويظهرون له خلاف ما يبطنون حتى تمكنوا من غدره على الصورة المتقدمة وسبب تلقبه بالوشاش انه كان طلع لملاقاة الحجاج بمنزلة الوش في سنة ورود الفرنساوية فلما

لاقى الحجاج وامير الحاج صالح بك رجع صحبتهم الى الشام وحصل منه بعد ذلك المواقف الهائلة مع الفرنساوية مع أستاذه ومنفردا في الجهات القبلية والشامية ولما انجلت الحوادث وارتحلت الفرنساوية من الديار المصرية واستقرت المصريون بعد حوادث العثمانية تأمر المترجم في ستة عشر صنجقا المتأمرين وظهر شأنه واشتهر فيما بينهم ونفذت اوامره فيهم ونغص عليهم وناكدهم وعاندهم وأغار على ما بأيديهم حتى ثقلت وطأته عليهم فلم يزالوا يحتالون عليه حتى أوقعوه في حبال صيدهم وهو لا يخطر بباله خيانتهم وغدروه بينهم كما ذكر
ومات الامير رضوان كتخدا ابراهيم بك وهو أغنى مماليكه رباه واعتقه وجعله جوخداره وكان يعرف اولا برضوان الجوخدار واستمر في الجوخدارية مدة طويلة ولما رجع مع أستاذه في أواخر سنة خمس ومائتين وألف بعد موت اسمعيل بك وأتباعه الى مصر ارخى لحيته وتقلد كتخدائية استاذه وتزوج ببعض سراريه وسكن دار عبدى بك بناحية سويقة العزى ثم انتقل منها الى دار مكة على بركة الفيل تجاه بيت شكر فره وعمرها وصارت له وجاهة بين الامراء والاعيان وباشر فصل الخصومات والدعاوى وازدحم الناس ببيته واشتهر ذكره وعظم شأنه وقصدته ارباب الحاجات وأخذ الرشوات والجعالات وكان يقرأ ويكتب ويناقش ويحاجج ويعاشر الفقهاء ويباحثهم ويميل بطبعه اليهم ويحب مجالستهم ولا يمل منهم وعنده حلم وسعة صدر وتؤدة وتأن في الامور واذا مهر له الحق لا يعدل عنه وعنده دهقنة ومداهنة وقوة خرم ولما حضر علي باشا الطرابلسي على الصورة المتقدمة كان المترجم والمتعين في الارسال اليه فلم يزل يتحيل عليه حتى انخدع له وادخل رأسه الجراب وصدق تمويهاته وحضر به الى مصر وأوردوه بعد الموارد وحاز بذلك منقبة بين اقرانه ونوه بعد بشأنه وخلعوا عليه الخلع وعرضوا عليه الامارة فأباها واستمر على حالته معدودا في ارباب الرياسة وتأتي الامراء الى

داره ولم يزل حتى ثارت العسكر على من بالبلدة من الامراء وحصروا ابراهيم بك ببيته في ثاني يوم هاربا والمترجم خلفه والرصاص يأخذهم من كل ناحية فأصيب في دماغه فمال عن جواده واستند على الخدم وذلك جهة الدرب الاحمر فلم يزل في غشوته حتى خرجت روحه بالرميلة فأنزلوه عند باب العزب واحتاط به المتقيدون بالباب واخذوا ما في جيوبه ثم احضروا له تابوتا وحملوه فيه الى داره فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة سامحه الله فانه كان من خيار جنسه لولا طمع فيه ولقد بلوته سفرا وحضرا يافعا وكهلا فلم ار ما يشينه في دينه غفوفا طاهر الذيل وقورا محتشما فصيح اللسان حسن الرأى قليل الفضول جيد النظر
ومات العمدة الشريف السيد ابراهيم افندى الروزنامجي وهو ابن اخي السيد محمد الكماحي الروزنامجي المتوفي سنة سبع ومائتين والف واصلهم روميون الجنس وكان في الاصل جربجيا ثم عمل كاتب كشيدة وكان يسكن دارا صغيرة بجوار دار عمه واستمر على ذلك خامل الذكر فلما توفي عمه السيد محمد انتبذ عثمان افندى العباسي المنفصل عن الروزنامة سابقا يريد العود اليها عن شوق وتطلع لها وظنه شغور المنصب عن المتأهل اليه سواه فلم تساعده الاقدار لشدة مراسه وسأل ابراهيم بك عن شخص من اهل بيت المتوفي فذكر له السيد ابراهيم المرقوم وخموله وعدم تحمله لاعباء ذلك المنصب فقال لا بد من ذلك قطعا لطمع المتطلعين والتزم بمراعاته ومساعدته وطلبه ونقله من حضيض الخمول الى اوج السعادة والقبول فتقلد ذلك وساس الامور بالرفق والسير الحسن واشترى دارا عظيمة بدرب الاغوات وسكنها واستمر على ذلك الى ان ورد الفرنساوية الى مصر فخرج من خرج هاربا الى الشام ثم رجع مع من رجع ولم يزل حتى تمرض وتوفي في يوم الاربعاء سادس عشر القعدة من السنة رحمه الله تعالى

واستهلت سنة تسعة عشر ومائتين والف
فكان ابتداء المحرم بيوم الخميس فيه ركب الوالي العثملي وشق من وسط المدينة فمر على سوق الغورية فأنزل الغورية فأنزل شخصا من ابناء التجار المحتشمين وكان يتلو في القرآن فأمر الاعوان فسحبوه من حانوته وبطحوه على الارض وضربوه عدة عصي من غير جرم ولا ذنب وقع منه ثم تركه وسار الى الاشرفية فأنزل شخصا من حانوته وفعل به مثل ذلك فأنزعج اهل الاسواق واغلقوا حوانيتهم واجتمع الكثير منهم وذهبوا الى بيت الباشا يشكون فعل الوالي وسمع المشايخ بذلك فركبوا ايضا الى بيت الباشا وكلموه فأظهر الحنق والغيظ على الوالي ثم قاموا وخرجوا من عنده فتبعهم بعض المتكلمين في بيت الباشا وقال لهم ان الباشا يريد قتل الوالي والمناسب منكم الشفاعة فرجعوا الى الباشا وشفعوا في الوالي وأرسل سعيد أغا الوكيل وأحضروا له المضروب وأخذ بخاطره وطيب نفسه بكلمات ورجع الجميع كما ذهبوا وظنوا عزل الوالي فلم يعزل
وفيه رجع المصرلية والعربان وانتشروا بأقليم الجيزة حتى وصلوا الى انبابة وضربوها ونهبوها وخرج اهلها على وجوههم وعدوا الى البر الشرقي وأخذ العسكر في اهبة التشهيل والخروج لمحاربتهم
وفي يوم الجمعة ثانية سافر السيد علي القبطان الى جهة رشيد وخرج بصحبته جماعة كثيرة من العساكر الذين غنموا الاموال من المنهوبات فاشتروا بضائع وأسبابا ومتاجر ونزلوا بها صحبته وتبعهم غيرهم من الذين يريدون الخلاص والخروج من مصر فركب محمد علي الى وداع السيد علي المذكور ورد كثيرا من العساكر المذكورة ومنعهم عن السفر
وفي سادسه خرج محمد علي وأكابر العسكر بعساكرهم وعدوا الى برانبابة ووصلوا ونصبوا وطاقهم وعملوا لهم عدة متاريس وركبوا عليها المدافع واستعدوا للحرب فلما كان يوم الاحد حادى عشره كبس المماليك والعربان وقت الغلس على متاريس العسكر وحملوا على متراس

حملة واحدة فقتلوا منهم وهرب من بقى والقوا بأنفسهم في البحر فاستعد من كان بالمتاريس الآخر وتابعوا رمي المدافع وخرجوا للحرب ووقع بينهم مقتلة عظيمة ابلى فيها الفريقان نحو أربع ساعات ثم انجلت الحرب بينهم وترفع المصرلية والعربان وانكفوا عن بعضهم وفي وقت الظهر أرسلوا سبعة رؤوس من الذين قتلوا من المصرلية في المعركة وشقوا بهم المدينة ثم علقوها بباب زوبلة وفيهم رأس حسين بك الوالي وكاشفين ومنهم حسن الكاشف الساكن بحارة عابدين ومملوكان وعلقوا عند رأس حسين بك الوالي المذكور صليبا من جلد زعموا انهم وجدوه معه وأصيب اسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومات بعد ذلك ودفن بأبي صير
وفي ثاني عشره حصلت اعجوبة ببيت بالقربية به بغلة تدور بالطاحون فزنقوها بالادارة فاسقطت حملا ليس فيه روح فوضعوه في مقطف ومروا به من وسط المدينة وذهبوا به الى بيت القاضي وأشيع ذلك بين الناس وعاينوه
وفي يوم السبت سابع عشره حضر علي كاشف المعروف بالشغب بثلاث معجمات وتشديد الشين وفتح الغين وسكون الباء رسولا من جهة الالفي ووصل الى جهة البساتين وأرسل الى المشايخ يعلمهم بحضوره لبعض اشغال فركب المشايخ الى الباشا واخبروه بذلك فاذن بحضوره فحضر ليلا ودخل الى بيت الشيخ الشرقاوى فلما اصبح النهار اشيع ذلك وركب معه المشايخ والسيد عمر النقيب وذهبوا به الى بيت الباشا فوجدوه راكبا في بولاق فانتظروه حصة الى ان حضر فتركوا عنده على كاشف المذكور ورجعوا الى بيوتهم واختلى به الباشا حصة وقابله بالبشر ثم خلع عليه فروة سمور وقدم له مركوبا بعدة كاملة وركب الى بيته وأمامه جملة من العسكر مشاة وقدم له محمد علي أيضا حصانا
وفيه شرعوا في عمل شركفلك للحرب بالازبكية
وفي يوم الاثنين تاسع عشره ورد ططرى وعلى يده بشارة الباشا

بتقليده ولاية مصر ووصول القابجي الذي معه التقليد والطوخ الثالث الى رشيد وطوخان لمحمد علي وحسن بك أخي طاهر باشا وأحمد بك فضربوا عدة مدافع وذهب المشايخ والاعيان للتهنئة
وفي يوم الثلاثاء قتل الباشا اشخاص احدهم رجل سروجي وسبب ذلك ان الرجل السروجي له أخ اجير عند بعض الاجناد المصرلية فأرسل لاخيه فاشترى له بعض ثياب ونعالات وأرسلها مع ذلك الرجل فقبضوا عليه وسألوه فأخبرهم فاحضروا ذلك الرجل السروجي واحضروا أيضا رجلا بيطارا متوجها الى بولاق معه مسامير ونعالات فقبضوا عليه واتهموه أنه يعدى الى البر الآخر ليعمل لاخصامهم نعالات للخيل فامر الباشا بقتله وقتل السروجي والرجل الذي معه الثياب فقتلوهم ظلما
وفي يوم الاربعاء حضر القابجي الذي على يده البشرى وهو خازندار الباشا وكان ارسله حين كان بسكندرية ويسمونها المجسدة ولم يحضر معه اطواخ ولا غير ذلك فضربوا له شنكا ومدافع
وفيه خلع الباشا على السيد أحمد المحروقي فروة سمور وأقره على ما هو عليه أمين الضربخانة وشاه بندر وكذلك خلع على جرجس الجوهرى واقره باش مباشر الاقباط على ما هو عليه
وفيه رجع علي كاشف الشغب بجواب الرسالة الى الالفي
وفيه تحقق الخبر بموت يحيى بك وكان مجروحا من المعركة السابقة
وفي يوم الخميس عمل الباشا الديوان وحضر المشايخ والوجاقلية وقرأوا المرسوم بحضرة الجمع ومضمونه اننا كنا صفحنا ورضينا عن الامراء المصرلية على موجب الشروط التي شرطناها عليهم بشفاعة علي باشا والصدر الاعظم فخانوا العهود ونقضوا الشروط وطقوا وبغوا وظلموا وقتلوا الحجاج وغدروا علي باشا المولى عليهم وقتلوه ونهبوا امواله ومتاعه فوجهنا عليهم العساكر في ثمانين مركبا بحرية وكذلك احمد باشا الجزار بعساكر برية للانتقام منهم ومن العسكر الموالين لهم فورد الخبر بقيام العساكر عليهم ومحاربتهم لهم وقتلهم واخراجهم فعند ذلك رضينا عن العسكر

لجبرهم ما وقع من الخلل الاول وصفحنا عنهم صفحا كليا وأطعنا لهم السفر والاقامة متى شاؤا وأينما أرادوا من غير حرج عليهم ولينا حضرة احمد باشا خورشيد كامل الديار المصرية لما علمنا فيه من حسن التدبير والسياسة ووفور العقل والرآسة الى غير ذلك وعملوا شنكا وحراقة وسواريخ بالازبكية ثلاث ليال ومدافع تضرب في كل وقت من الاوقات الخمسة من القلعة وغيرها
وفيه تواترت الاخبار بان الامراء القبالي عملوا وحسات وقصدهم التعدية الى البر الشرقي
وفي يوم الاحد خامس عشرينه عدى الكثير منهم على جهة حلوان وانتقل الكثير من العسكر من بر الجيزة الى بر مصر فخاف أهل المطرية وغيرها وجلوا عنها وهربوا الى البلاد وحضر كثير منهم الى مصر خوفا من وصول القبالي
وفي يوم الخميس حادى عشرينه سافر الشيخ الشرقاوى الى مولد سيدى احمد البدوى واقتدى به كثير من العامة وسخاف العقول وكان المحروقي وجرجس الجوهرى مسافرين ايضا وشهلوا احتياجاتهم واستأذنوا الباشا فأذن لهم فلما تبين لهم تعدية المصرلية الى الجهة الشرقية امتنعوا من السفر ولم يمتنع الشيخ الشرقاوى ومن تابعه
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه وصل فريق منهم الى جهة قبة باب النصر والعادلية من خلف الجبل ورمحوا خلف باب النصر من خارج وباب الفتوح ونواحي الشيخ قمر والدمرداش ونهبوا الوايلي وما جاوره وعبروا الدور وعروا النساء وأخذوا دسوتهم وغلالهم وزروعهم وخرج أهل تلك القرى على وجوههم ومعهم بعض شوالي وقصاع ودخل الكثير منهم الى مصر
وفي يوم الاربعاء جمع الباشا ومحمد علي العسكر واتفقوا على الخروج والمحاربة وأخرجوا المدافع والشركفلكات الى خارج باب النصر وشرعوا في عمل متاريس وفي آخر النهار ترفع المصرلية والعرب وتفرقوا

في اقليم الشرقية والقليبوبية وهم يسعون في الفساد ويهلكون الحصاد فما وجدوه مدروسا من البيادر أخذوه أو قائما على ساقه رعوه أو غير مدروس أحرقوه أو كان من المتاع نهبوه أو من المواشي ذبحوه واكلوه وذهب منهم طائفة الى بلبيس فحاصروا بها كاشف الشرقية يومين ونقبوا عليه الحيطان حتى غلبوه وقتلوا من معه من العسكر وأخذوه اسيرا ومعه اثنان من كبار العسكر ثم نهبوا البلد وقتلوا من أهلها نحو المائتين وحضر ابو طويلة شيخ العائد عند الامراء ولامهم وكلمهم على هذا النهب وقال لهم هذه الزروعات غالبها للعرب والذى زرعه الفلاح في بلاد الشرق شركة مع العرب وان هبود العرب المصاحبين لكم ليس لهم رأس مال في ذلك فكفوهم وامنعوهم ويأتيكم كفايتكم واما النهب فانه يذهب هدرا فلما سمع كبار العرب المصاحبين لهم من الهنادى وغيرهم قوله هبود العرب اغتاظوا منه وكادوا يقتلونه فدخل بمن معه جامع قليوب وتترس به وحارب ثلاث ليال وأصيب كثير من المحاربين له ثم تركوه ففر بمن بقى معه الى البحر ونزل في قارب وحضر الى مصر وأخذوا حملته ومتاعه وجبخانته وطلبوا مشايخ النواحي مثل شيخ الزوامل والعائد وقليوب والزموهم بالكلف وفردوا على القرى الفرد والكلف الشاقة مثل الف ريال والفين وثلاثة وعينوا بطلبها العرب وعينوا لهم خدما وحق طرق خلاف المقرر عشرين الف فضة وأزيد ومن استعظم شيئا من ذلك أو عصى عليهم حاربوا القرية ونهبوها وسبوا نساءها وقتلوا اهلها وحرقوا جرونهم وقل الواردون الى المدينة بالغلال وغيرها فقلت من الرقع وازدحم الناس على ما يوجد من القليل فيها واحتاج العسكر الى الغلال لاخبارهم لانهم لم يكن عندهم شيء مدخر فأخذوا ما وجدوه في العرصات فزاد الكرب ومنعوا من يشترى زيادة على ربع من الكيل ولا يدركه الا بعد مشقة بستين نصفا واذا حضر للبعض من الناس غلة من مزرعته القريبة لا يمكنه ايصالها الى

داره الا بالتجوه والمصانعة والمغرم لقلقات الابواب واتباعهم فيحجزون ما يرونه داخل البلد من الغلة متعللين بانهم يريدون وضعها في العرصات القريبة منهم فيعطونها للفقراء بالبيع فيعطونهم دراهم ويطلقونهم
وفي اواخره طلبوا جملة اكياس لنفقة العسكر فوزعوا جملة اكياس على الاقباط والسيد احمد المحروقي وتجار البهار ومياسير التجار والملتزمين
وطلبوا ايضا مال الجهات والتحرير وباقي مسميات المظالم عن سنة تاريخه معجلة
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه خرج الكثير من العسكر ورتبوا انفسهم ثلاث فرق في ثلاث جهات وردوا الخيول الا القليل ووقع بينهم مناوشات قتل فيها أنفار من الفريقين

شهر صفر الخير سنة
استهل بيوم الجمعة فيه نادوا على الفلاحين والخدامين البطالين بالخروج من مصر وكل من وجد بعد ثلاثة ايام وليس بيده ورقة من سيده يستاهل الذى يجرى عليه
وفي ثانيه طاف الاعوان وجمعوا عدة من الناس العتالين وغيرهم ليسخروهم في عمل المتاريس وجر المدافع
وفي خامسه قبض الوالي على شخص يشترى طربوشا عتيقا من سوق العصر بسويقة لاجين واتهمه انه يشترى الطرابيش للاخصام من غير حجة ولا بيان ورمى رقبته عند باب الخرق ظلما
وفي سابعه نزل الارنؤد من القلعة وتسلمها الباشا وطلع اليها وضربوا لطلوعه عدة مدافع ورجع الى داره آخر النهار
وفيه اشيع قدوم سليمان بك حاكم جرجا ووصوله الى بنى سويف وفي عقبة الالفي الصغير أيضا
وفيه هجم طائفة من الخيالة في طلوع الفجر على المذبح السلطاني واخذوا ثورين أحدهما من المذبح والآخر من بعض الغيطان وهرب الجزارون

وفي يوم السبت تاسعه طلع الباشا الى القلعة وسكن بها وضربوا له عدة مدافع
وفيه حضر كاشف الشرقية المقبوض عليه ببلبيس ومعه اثنان وقد أفرج عنهم الامراء المصرلية وأطلقوهم فلما وصلوا الى الباشا خلع عليهم وألبسهم فراوى جبرا لخاطرهم
وفيه وصل الخبر بوقوع حرب بين العسكر والمصرلية والعربان وحضر عدة جرجى وكانت الواقعة عند الخصوص وبهتيم وجلا اهل تلك القرى وخرجوا منها وحضروا الى مصر بأولادهم وقصاعهم فلم يجدوا لهم مأوى ونزل الكثير منهم بالرميلة
وفيه حضر اناس من الذين ذهبوا الى مولد السيد البدوى وفيهم عرايا ومجاريح وقتلى وقد وقفت لهم العرب وقطعت عليهم الطرق فتفرقوا فرقا في البر والبحر وحصر العرب طائفة كبيرة منهم بالقرطيين وحصل لهم مالا خير فيه وأما الشيخ الشرقاوي فأنه ذهب إلى المحلة الكبيرة وأقام بها اياما ثم ذهب مشرقا الى بلدة القرين
وفيه حضر مصطفى أغا الارنؤدى هجانا برسالة من عند الالفي وفيها طلب اتباعه الذين بمصر فلم ياذنوا لهم في الذهاب اليه واحتجوا بعدم تحقق صداقته العثمانية
وفيه ورد الخبر بتوجه سليمان بك الخازندار حاكم جرجا الى جهة بحرى وانه وصل الى بنى سويف وان الالفي الصغير في اثره بحرى منية ابن خصيب والالفي الكبير مستقر بأسيوط يقبض في الاموال الديوانية والغلال وأشيع صلحه مع عشيرته سرا ومظهر خلاف ذلك مع العثمانية
وفي يوم الاحد عاشره أحضروا جماعة من الوجاقلية عند كتخدا الباشا فلما استقروا في الجلوس كلموهم وطلبوا منهم سلفة وحبسوا رضوان كاشف الذى بباب الشعرية وطلبوا منه عشرين كيسا وكذلك طلبوا من باقي الاعيان مثل مصطفى آغا الوكيل وحسن

آغا محرم ومحمد افندى سليم وابراهيم كتخدا الرزاز وخلافهم مبالغ مختلفة المقادير وعملوا على الاقباط ألف كيس وحلف الباشا انها لا تنقص عن ذلك وفردوا عن البنادر مثل دمياط ورشيد وفوة ودمنوهر والمنصورة وخلافها مبالغ أكياس ما بين ثمانين كيسا ومائة كيس وخمسين كيسا وغير ذلك لنفقة العسكر وأحضر الباشا الروزنامجي واتهمه في التقصير
وفي يوم الاثنين ارسل الباشا الوالي والمحتسب الى بيت الست نفيسة زوجة مراد بك وطلبها فركبت معهما وصحبتهما امرأتان فطلعا بهن الى القلعة وكذلك ارسلوا بالتفتيش على باقي نساء الامراء فاختفى غالبهن وقبضوا على بعضهن وذلك كله بعد عصر ذلك اليوم فلما حصلت الست نفيسة بين يديه قام اليها واجلها ثم امرها بالجلوس وقال لها على طريق اللوم يصح ان جاريتك منور تتكلم مع مصادق آغا وتقول له يسعى في امر المماليك العصاة وتلتزم له بالمكسور من جامكية العسكر فأجابته ان ثبت ان جاريتي قالت ذلك فأنا المأخوذة به دونها فأخرج من جيبه ورقة وقال لها وهذه واشار الى الورقة فقالت وما هذه الورقة ارنيها فاني اعرف ان اقرأ لانظر ما هي فأدخلها ثانيا في جيبه ثم قالت له انا بطول ما عشت بمصر وقدرى معلوم عند الاكابر وخلافهم والسلطان ورجال الدولة وحريمهم يعرفوني أكثر من معرفتي بك ولقد مرت بنا دولة الفرنسيس الذين هم اعداء الدين فما رأيت منهم الا التكريم وكذلك سيدى محمد باشا كان يعرفني ويعرف قدرى ولم نر منه الا المعروف واما انت فلم يوافق فعلك فعل اهل دولتك ولا غيرهم فقال ونحن ايضا لا نفعل غير المناسب فقالت له وأى مناسبة في أخذك لي من بيتي بالوالي مثل ارباب الجرائم فقال انا ارسلته لكونه اكبر اتباعي فأرساله من باب التعظيم ثم اعتذر اليها وامرها بالتوجه الى بيت الشيخ السحيمي بالقلعة واجلسوها عنده بجماعة من العسكر واصبح الخبر شائعا بذلك فتكدرت

خواطر الناس لذلك وركب القاضي ونقيب الاشراف والشيخ السادات والشيخ الامير وطلعوا الى الباشا وكلموه في أمرها فقال لا بأس عليها واني انزلتها ببيت الشيخ السحيمي مكرمة حسما للفتنة لانها حصل منها ما يوجب الحجز عليها فقالوا نريد بيان الذنب وبعد ذلك اما العفو أو الانتقام فقال انها سعت مع بعض كبار العسكر تستميلهم الى المماليك العصاة ووعدتهم بدفع علوفاتهم وحيث انها تقدر على دفع العلوفة فينبغي انها تدفع العلوفة فقالوا له ان ثبت عليها ذلك فانها تستحق ما تأمرون به فيحتاج أن تتفحص على ذلك فقام اليها الفيومي والمهدى وخاطباها في ذلك فقالت هذا الكلام لا أصل له وليس لي في المصرلية زوج حتى اني أخاطر بسببه فان كان قصده مصادرتي فلم يبق عندى شيء وعلي ديون كثيرة فعادوا اليه وتكلموا معه وراددهم فقال الشيخ الامير للترجمان قل لافندينا هذا أمر غير مناسب ويترتب عليه مفاسد وبعد ذلك يتوجه علينا اللوم فان كان كذلك فلا علاقة لنا بشيء من هذا الوقت أو نخرج من هذه البلدة وقام قائما على حيله يريد الذهاب فأمسكه مصطفى اغا الوكيل وخلافه وكلموا الباشا في اطلاقها وانها تقيم ببيت الشيخ السادات فرضي بذلك وانزلوها ببيت الشيخ السادات وكانت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك عندما وصلها الخبر ذهبت الى بيته أيضا
وفيه شنقوا شخصا على السبيل بباب الشعرية شكا منه اهل حارته وانه يتعاطى القيادة ويجمع بين الرجال والنساء وغير ذلك
وفي يوم الحميس رابع عشره كتبوا أوراقا وألصقوها بالاسواق بطلب ميرى سنة تاريخه المعجلة بالكامل وكانوا قبل ذلك طلبوا نصفها ثم اضطرهم الحال بطلب الباقي وعملوا قوائم بتوزيع خمسة آلاف كيس استقر منها على طائفة القبطة خمسمائة كيس بعد الالف وجملة على الملتزمين خلاف ما أخذ منهم قبل ذلك وعلى الست نفيسة وبقية نساء الامراء ثمانمائة كيس

بسم الله الرحمن الرحيم
وفيه خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء
وفيه وصل سليمان بك الخازندار وعدى إلى جهة طرأ فخرج عدة من العسكر خلاف المرابطين هناك قبل ذلك من العسكر والمغاربة فقصد المرور من خلف الجبل واللحوق بجماعته جهة الشرق في آخر الليل فوقف له العسكر وضربوا عليه بالمدافع الكثيرة واستمر الضرب من الفجر إلى عصر يوم الجمعة ونفذ بمن معه على حماية وقتلوا منه مملوكا واحدا وحضروا برأسه إلى تحت القلعة
وفيه رجع الكثير من عسكر الارنؤد وغيرهم ودخلوا إلى المدينة يطلبون لعوفة واستمر من بقي منهم ببهتيهم وبلقس ومسطرد وقد اخرجوا أهاليها منها ونهبوها واستولوا على ما فيها من غلال واتبان وغير ذلك وكرنكوا فيها ونقبوا الحيطان لرمي بنادق الرصاص من الثقوب وهم مستترون من داخلها ونصبوا خيامهم في أسطحة الدور وجعلوا المتاريس من خارج البلدة وعليها المدافع فلا يخرجون إلى خارج ولا يبرزون إلى ميدان الحرب وكل من قرب منهم من الخيالة المقاتلين رموا عليه بالمدافع والرصاص ومنعوا عن أنفسهم واستمروا على ذلك
وفيه وردت مكاتبات إلى التجار من الحجاز واخبروا بان الحجاج أدركوا الحج والوقوف بعرفة ودخلوا قبل الوقوف بيومين واخبروا أيضا بوفاة شريف باشا إلى رحمة الله تعالى وكان من خيار دولة العثمانيين ووردت

أخبار أيضا من البلاد الشامية بوفاة احمد باشا الجزار في سادس عشرين المحرم
وفي يوم السبت سادس عشرة أرسلوا تنابيه إلى أرباب الحرف والصنائع بطلب دراهم وزعت عليهم مجموعها خمسمائة كيس فضج الناس وتكدروا مع ما هم فيه من وقف الحال وغلاء الأسعار في كل شيء واصبحوا على ذلك يوم الأحد فلم يفتحوا الحوانيت وانتظروا ما يفعل بهم وحضر منهم طائفة إلى الجامع الأزهر ومر الأغا والوالي ينادون بالأمان وفتح الدكاكين فلم يفتح منهم إلا القليل
وفيه سرح سليم كاشف المحرمجي إلى جهة بحري وأشيع وصول الألفي الصغير إلى المنية واصبح يوم الاثنين اجتمع الكثير من غوغاء العامة والأطفال بالجامع الأزهر ومعهم طبول وصعدوا إلى المنارات يصرخون ويطلبون وتحلقوا بمقصورة الجامع يدعون ويتضرعون ويقولون يا لطيف وأغلقوا الأسواق والدكاكين ووصل الخبر إلى الباشا بل سمعهم من القلعة فأرسل قاصدا إلى السيد عمر النقيب يقول أننا رفعنا عن الفقراء فقال له إن هؤلاء الناس وأرباب الحرف والصنائع كلهم فقراء وما كفاهم ما هم فيه من القحط والكساد ووقف الحال حتى تطلبوا منهم مغارم لجوامك العسكر وما علاقتهم بذلك فرجع الرسول بذلك وحضر الآغا ومعه عدة من العسكر وجلس بالغورية وهو يأمر الناس بفتح الحوانيت ويتوعد من يتخلف فلم يحضر أحد ولم يسمعوا لقوله وفي وقت العصر رجع القاصد ومعه فرمان برفع الغرامة عن المذكورين ونادى المنادي بذلك فاطمأن الناس وتفرقوا وذهبوا إلى بيوتهم وخرج الأطفال يرمحون ويصرخون ويفرحون
وفي ذلك اليوم عدى محمد علي وجمع كثير من العسكر والمغاربة إلى بر الجيزة وبرزوا إلى خارج فنزل عليهم جملة من العرب فحاربوهم فقتل بينهم أنفار وانجرح منهم كذلك ثم ترفعوا عنهم فرجعوا ومعهم

راس من العرب ومع المغاربة قتيل منهم في تابوت وهم يقولون طردناهم وخطفوا بعض مواش وأغنام في طريقهم من الرعيان فقتلوهم أخذوها منهم
وفي تاسع عشرة حضر كتخدا الباشا كاتب البهار وأمره بإحضار ستمائة فرق بن فاعتذر إليه بعدم وجود ذلك فقال إنما نأخذها بأثمانها فقال له ليس علي إلا التعريف وقد عرفتك أن هذا القدر لا يوجد وان أردت فأرسل معي من تريد وتكشف على حواصل التجار والخانات فطافوا على الخانات وفتحوا الحواصل فلم يجدوا إلا سبعين فرقا وأكثرها عليه نشانات كبار العسكر من مشترواتهم فرجعوا من غير شيء ثم نودي في اثر ذلك بالأمان
وفيه وقعت معركة بسوق الصاغة بين بعض العسكر الذين يتحشرون في أيام الأسواق في الدلالين والباعة ويعطلون عليهم دلالتهم وصناعتهم ومعايشهم وضربوا على بعضهم بالرصاص ففزع الناس وحصلت كرشة وظن من لا يعلم الحقيقة من العسكر أنها قومة فهربوا يمينا وشمالا وطلبوا النجاة والتواري ووافق مرور اغات الانكشارية في ذلك الوقت فانزعج هو ومن معه وطلب الهرب ثم انكشف الغبار وظهر شخص عسكري مطروح وبه رمق آخر مجروح فرجع الآغا وأمر بحمله في تابوت ونادى بالأمان
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينة قبل المغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وكذلك في صبحها يوم السبت ولم يظهر لذلك سبب سوى ما يقولونه من التمويهات ومن وصول الاطواخ وعساكر ودلاة برية تارة بحيرة أخرى
وفيه أشيع وقوع معركة بين المصرلية والعثمانية واخذوا منهم متاريس بلقس ومدافع ووصل منهم جرحى دخلوا ليلا وحضر من المصرلية طائفة ناحية شلقان وقطعوا الطريق على السفار في البحر واخذوا مركبين واحرقوا مراكب وامتنع الواصلون والذاهبون وارتفعت الغلال من الرقع والعرصات وغلا سعرها فخرج إليهم مراكب يقال لها الشلنبات وضربوا

عليهم بالمدافع وأجلوهم عن ذلك الموضع ووصل بعض مراكب من المعوقين
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرية أرسل الباشا إلى المشايخ فذهبوا إليه فاستشارهم في خروجه إلى الحرب وخروجهم صحبته مع الرعية فلم يصوبوا رأيه في ذلك وقالوا له إذا انهزم العسكر تأمر غيرهم بالخروج وإذا كانت الهزيمة علينا وأنت معنا من يخرج بعد ذلك وانفض المجلس على غير طائل
وفي أو آخره يوم الأربعاء ويوم الخميس وقع بينهم مساجلات ومحاربات ومغالبات واحترقت جبخانة العثمانيين وقيل أخذ باقيها ورجع منهم قتلى ومجاريح وانجرح عابدي بك أخو طاهر باشا واحترق أشخاص من الطبجية ودخل سلحدار الباشا والوالي وأمامهما رأس واحدة بشوارب كأنه من المماليك
وفي عصرية ذلك اليوم اخرجوا عساكر ومعهم مدافع وجباخنة أيضا محملة على نيف وثلاثين جملا
وفيه ضيقوا على نساء الأمراء في طلب الغرامة وألزموا بقبضها وتحصيلها الست نفيسة وعديلة هانم ابنة إبراهيم بك فوزعتاها بمعرفتهما على باقي النساء وأرسلوا عساكر يلازمون بيوتهن حتى يدفعن ما التزمن به فاضطر أكثرهن لبيع متاعهن فلم يجدن من يشتري لعموم المضايقة والكساد وانقضى هذا الشهر والحال على ما هو عليه من استمرار الحروب والمحاصرات بين الفريقين وانقطاع الطرق برا وبحرا وتسلط العربان واستغنامهم تفاشل الحكام وانفكاك الأحكام وذلك تسلط الفلاحين المقاومين من سعد وحرام على بعضهم البعض بحسب المقدرة والقوة والضعف وجهل القائمين المتآمرين بطرائق سياسة الإقليم ولايعرفون من الأحكام إلا اخذ الدراهم بأي وجه كان وتمادى قبائح العسكر بما لا تحيط به الأوراق والدفاتر بحيث انه لايخلوا يوم من زعجان ورجفات وكرشات في غالب الجهات أما لأجل امرأة أو أمرد أو خطف شيء أو تنازع وطلب شر بأدى

سبب مع العامة والباعة أو مشاحنة مع السوقة والمتسببين بسبب ابدال دنانير ذهب ناقص بدراهم مكررة فضة كاملة المصارفة من صيارف أو باعة أو غير ذلك وتعطل أسباب المعايش وغلو الأسعار في كل شيء وقلة المجلوب ومنع السبل ووصل سعر الأردب القمح ستة عشر ريالا والفول والشعير اكثر من ذلك لقلته وعزته وإذا حضر منه شئ أخذوه لاحتياج العليق قهرا بأبخس الثمن عند وصوله المأمن وأجرة طحين الويبة من القمح ستة وأربعون نصفا مع ما يسرقه الطحانون منها ويخلطونه فيها وأجرة خبيزها عشرون نصفا بحيث حسب ثمن الأردب بعد غربلته وأجرته ومسكه وكلفته وطحينه وخبيزه إلى أن يصير خبزا أربعة وعشرون ريالا فسبحان اللطيف الخبير المدبر ومن خفي لطفه كثرة الخبز وأصناف الكعك والفطير في الأسواق وسعر الرطل من اللحم الجفط بما فيه من العظم والكبد تسعة أنصاف والجاموسي سبعة أنصاف الرطل والراوية الماء ثلاثون نصفا والسمن القنطار بالفين وأربعمائة نصف وشح الأرز وقل وجوده وغلا ثمنه ووصل سعر الأردب إلى خمسة وعشرين ريالا والجبن القريش بثمانية عشر نصفا الرطل وأما الخضارات فعز وجودها وغلا ثمنها بحيث أن الرطل من البامية بما فيها من الخشب الذي يرمى من وقت طلوعها إلى أن بلغت حد الكثرة بثمانية أنصاف كل رطل والرطل قباني اثنتا عشرة أوقية وعز وجود البن وغلا سعره حتى بلغ في هذا الشهر الرطل سبعين ونصفا والسكر العادة الصعيدي خمسة وأربعون نصفا الرطل والواحد والعسل الأبيض الغير الجيد ثلاثون نصفا والعسل الأسود خمسة عشر نصفا والعسل القطر عشرون نصفا الرطل والصابون أربعة وعشرون نصفا كل ذلك بالرطل القباني الذي عمله محمد باشا فلا جزاه الله خيرا والشيرج بألفين فضة القنطار وورد الكثير من الحطب الرومي ورخص سعره إلى مائة وعشرين نصفا الحملة بعد ثلثمائة نصف وأما أنواع البطيخ والعبدلاوي فلم يشتره اكثر الناس لقلته وغلوا ثمنه فانه بيعت الواحدة بعشرين نصفا فأقل

فأكثر والخيار بخمسة أنصاف الرطل من وقت طلعوه إلى أن بلغ حد الكثرة وبقي بحال لاتقبله الطبيعة البشرية فعند ذلك بيع بنصفين وأما الفاكهة فلا يشتريها إلا أفراد الأغنياء أو مريض يشتهيها أو امرأة وحمى لغلوها فإن رطل الخوخ بخمسة عشر نصفا والتفاح الأخضر كذلك وقس على ذلك لقلة المجلوب وخراب البساتين وغلو علف البهائم وحوز المتسيين واخذ الرشوات منهم وتركهم وما يدينون وأما الأتبان فأنها كثرت وانحل سعرها عما كانت

شهر ربيع الأول سنة استهل بيوم السبت
فيه وقع هرج ومرج وإشاعات ثم تبين أن طائفة من العربان والمماليك وصلوا إلى خارج باب النصر وظاهر الحسينية وناحية الزاوية الحمراء وجزيرة بدران جهة الحلى ورمحوا على من صادفوه بتلك النواحي وحالوا بين العسكر الخارجين وبين عرضيهم واخذوا ما معهم من الجراية والعليق والجبخانة فنزل الباشا ومعه عساكر وذهب إلى جهة بولاق ثم إلى ناحية الزاوية الحمراء أغلقوا أبواب المدينة ثم رجع الباشا بعد العصر ودخل من باب العدوى وطلع إلى القلعة وهو لابس برنسا ثم تكرر بينهم وقائع وخروج عساكر ودخول خلافهم ونزول الباشا وطلوعه
وفي رابع حضر الشيخ عبد الله الشرقاوي من غيبته بالقرين بعد ذهابه إلى المحلة من طندتا
وفي يوم الخميس سادسة حضر هجانة بمكاتبة من عند الألفي الكبير للباشا وفيها الأخبار بعزمه على الحضور إلى مصر هو وعثمان بك حسن ويلتمس أن يخلوا له الجيزة وقصر العيني لينظر في هذا الأمر والفساد والواقع بمصر فكتب له الباشا جوابا ملخصه على ما نقل إلينا انك في السابق عرفتنا انك مذعن للطاعة وأرسلنا لك بالآذن والإقامة بجرجا وما عرفنا موجب هذا الحضور فإن كنت طائعا وممتثلا ما كنت ولك الولاية والحكم بالإقليم القبلي وأرسل المال والغلال ونحو ذلك من الكلام وسافروا

بالجواب يوم السبت ثامنه
وفيه ترفع الأمراء المصرلية إلى ناحية مشتهروبنها وانتقلوا من منزلتهم وأشاع العسكر ذهابهم وهروبهم
وفيه وردت مكاتبات من الحجاز واخبروا فيها بموت محمود جاويش الذي سافر بالمحمل وكذلك الحاج يوسف صبر في الصرة وان طائفة من الوهابيين حاصروا جدة ولم يملكوها وان ببلاد الحجاز غلاء شديدا لمنع الوارد عنهم والأردب والقمح بثلاثين ريالا فرانسا عنها من الفضة العددية خمسة آلاف وأربعمائة
وفي يوم السبت ثامنة أرسلوا فعلة وعمالا لعمل متاريس وابنية بناحية طرا وكذلك بالجيزة وأرسلوا هناك مراكب حربية يسمونها الشلنبات وفي يوم الثلاثاء خرج محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا إلى جهة القليوبية وصحبتهم عساكر كثيرة وأدوات وعدى طائفة من الأمراء إلى بر المنوفية وهرب حاكم المنوفية من منوف
وفي ثالث عشرة ورد الخبر بوصول مراكب داوات من القلزم إلى السويس وفيها حجاج والمحمل واخبروا بمحاصرة الوهابين لمكة والمدينة وجدة وان اكثر أهل المدينة ماتوا جوعا لعزة الأقوات والأردب القمح بخمسين فرانسا أن وجد والأردب الأرز بمائة فرانسا وقس على ذلك
وفي خامس عشرة يوم السبت وصلت مراكب وفيها طائفة من العسكر وهم الذين يسمونهم النظام الجديد الذين يقلدون محاربة الإفرنج وأشاعوا انهم خمسة آلاف وعشرة آلاف ووصل صحبتهم الآغا الذي كان حضر بالمجدة والبشارة للباشا بالتقليد الأطواخ ورجع إلى إسكندرية فحضر أيضا وضربوا لوصوله مدافع وشنكا جهة بولاق وأرسلوا له خيولا ويرقا وطبلخانات واركبوه من بولاق وشق من وسط المدينة وأمامه وخلفه أتباع الباشا والوالي والجنيبات وعسكر النظام الجديد وهم دون المائة شخص والآغا المذكور ومعه أوراق في أكياس حرير ملون

وخلفه آخر راكب ومعه بقجة يقال أن بداخلها خلعة برسم الباشا وآخر معه صندوق صغير وعليه دواة كتابة منقوشة بالفضة وخلفهم الطبلخانات فلما وصلوا إلى القلعة ضربوا لوصولهم مدافع كثيرة من القلعة وعمل الباشا ديوانا في ذلك الوقت بعد العصر وقرأوا التقليد المذكور
وفي ذلك اليوم وصلت طائفة من العربان إلى جهة بولاق وجزيرة بدران وناحية المذبح وخطفوا ما خطفوه وذهبوا بما أخذوه
وفيه ورد الخبر بوصول الألفي الكبير إلى ناحية بني سويف وعثمان بك حسن في مقابلته بالبر الشرقي
وفي يوم الاثنين وصل قاصد من الألفي بمكتوب خطابا للمشايخ العلماء مضمونه انه لا يخفاكم اننا كنا سافرنا سابقا لقصد راحتنا وراحة البلاد ورجعنا باوامر وحصل لنا ما حصل ثم توجهنا إلى جهة قبلي واستقرينا بأسيوط بعد حصول الحادث بين إخواننا الأمراء والعسكر وخروجهم من مصر وأرسلنا إلى افندينا الباشا بذلك فأنعم علينا بولاية جرجا ونكون تحت الطاعة فامتثلنا ذلك وعزمنا على التوجه حسب الأمر فبلغنا مصادرة الحريم والتعرض لهم بما لا يليق من الغرائم وتسليط العساكر عليهم ولزومهم لهم فثنينا العزم واستخرنا الله تعالى في الحضور إلى مصر لننظر في هذه الأحوال فإن التعرض للحريم والعرض لا تهضمه النفوس وكلام كثير من هذا المعنى فلما وصلتهم المكاتبة أخذوها إلى الباشا واطلعوه عليها فقال في الجواب انه تقدم انهم تركوا نساءهم للفرنسيس واخذوا منهم أموالا وإني كنت أعطيت له جرجا ولعثمان بك قنا وما فوق ذلك من البلاد وكان في عزمي أن اكاتب الدولة وأطالب لهم أوامر ومراسيم بما فعلته لهم وبراحتهم فحيث أنهم لم يرضوا بفعلي وغرتهم أمانيهم فليأخذوا على نواصيهم
وفيه شرعوا في حفر خندق قبلي الإمام الليث بن سعد ومتاريس
وفي ذلك اليوم أرسل محمد علي إلى مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف

الصابونجي فلما حضرا اليه عوقهما إلى الليل ثم أرسلهما إلى القلعة بعد العشاء ماشيين ومعهما عدة من العسكر فحبسا بها
وفي يوم الخميس عشرينه عمل الباشا ديوانا وحضر المشايخ والوجاقلية واظهر زينته وتفاخره في ذلك الديوان واوقف خيوله المسومة بالحوش وخيول شجر الدر واصطفت العساكر بالأبواب والحوش والديوان ووقفت أصناف الديوان باختلاف أشكالهم والسعاة بالطاسات المذهبة على رؤوسهم وخرج الباشا بالشعار والهيبة وعلى رأسه الطلخان بالطراز إلى الديوان الكبير المعروف بديوان المغوري وقد اعدوا له كرسيا بغاشية جوخ احمر وبساط مفروشا خلاف الموضع القديم فجلس عليه وزعقت الجاويشية واحضر التقليد فقرأه ديوان أفندي بحضور الجمع الكبير ثم قرأ فرمانين آخرين مضمون أحدهما اكثر كلاما من الثاني ملخصه الولاية وحكاية الحال الماضية من ولاية علي باشا وشفاعته في الأمراء المصرية بشرط توبتهم ورجوعهم ثم عودهم إلى البغي والفجور وغدر علي باشا المذكور وظلمهم الرعية بمعونة العسكر ثم قيام الرعية والعسكر عليهم حتى قتلوهم أخرجوهم من مصر فعند ذلك صفحنا عن العسكر وعفونا عما تقدم منهم وامرناهم بان يلازموا الطاعة ويكونوا مع احمد باشا خورشيد بالحفظ والصيانة والرعاية لكافة الرعية والعلماء وأبعاد أهل الفساد والمعتدين وطردهم وتشهيل لوازم الحج والحرمين من الصرة والغلال ونحو ذلك من الكلام المحفوظ المعتاد المنمق ولما انقضى أمر قراءة الأوراق قام الباشا إلى مجلسه الداخل ودخل اليه المشايخ فخلع عليهم فراوي سمور وكذلك الوجاقلية والكتبة والسيد احمد المحروقي ثم عملوا شنكا ومدافع كثيرة وطبولا واحضر في ذلك الوقت المعلم جرجس وكبار الكتبة وعدتهم اثنان وعشرون قبطيا ولم تجر عادة بإحضارهم فخلع عليهم أيضا ثم نزلوا إلى بيت المحروقي فتغدوا عنده ثم عوقهم إلى العصر ثم طلبهم الباشا إلى القلعة فحبسهم تلك الليلة واستمروا في الترسيم وطلب منهم ألف كيس

وفي يوم السبت ثاني عشرينه افرجوا عن مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي على ثلثمائة كيس
وفيه حضر محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا وطلعا إلى القلعة فخلع عليهما الباشا وهنآه بالولاية واستقر بمحمد علي والي جرجا وحسن بك وإلي الغربية وضربوا لذلك مدافع كثيرة وشنكا وعملوا تلك الليلة حراقة وسواريخ من الازبكية وجهة الموسكي والحال انهم لايقدرون أن يتعدوا بر الجيزة ولا شلقان فإن طوائف عسكر الألفي وصلوا إلى بر الجيزة واخذوا منها الكلف والأمراء البحرية منتشرون ببر الغربية والمنوفية
وفيه هرب شخص من كبار الأرنؤد يقال له إدريس أغا كان بجماعته جهة برشوم التين فركب إلى المصرلية ولحق بهم وتبعه جماعته وهم نحو المائة وخمسين شخصا
وفيه أرسل الباشا اغاة الانكشارية ليقبض على علي كاشف من أتباع الألفي من بيته بسوق الانماطيين فأرسل إلى الارنؤد فأرسلوا له جماعة منعوا الآغا من أخذه وجلسوا عنده فأرسل الباشا من طرفه جماعة أقاموا محافظين عليه في بيته ثم أن سليمان أغا كبير الارنؤد الذي التجأ اليهم المذكور حضر اليه واخذه الى داره بالازبكية وصحبته الامير مصطفى البردقجي الألفي أيضا
وفي يوم الاثنين وصل شخص رومي بمراسلة من عند الألفي الى الباشا فعند ما قرا الباشا المراسلة امر بقتله حالا فرموا عنقه برحبه القلعة وحضر أيضا مملوك بمراسلة من عثمان بك حسن يذكر فيها حضوره مع الألفي وانه اغتر بكلامه وتمويهاته عليه وان بيده اوامر شريفة من الدولة ومن حضرة الباشا بالحضور ثم ظهر انه لم يكن بيده شيء وان عثمان بك ممتثل لما يأمره به الباشا وامثال ذلك فكتب له جوابا وخلع على ذلك المملوك ورجع سالما

وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه أخرجوا عن النصارى الاقباط بعد ما قرروا عليهم ألف كيس خلاف البراني وقدره مائتان وخمسون كيسا ونزلوا الى بيوتهم بعد العشاء الاخيرة في الفوانيس
وفيه وصل الألفي الصغير وانتشرت خيوله الى بر انبابة فرموا عليهم مدافع من المراكب وبولاق ورفعوا الغلة من الرقع واشيع أن الألفي الكبير وصل الى الشوبك وعثمان بك حسن وصل الى حلوان ورجع ابراهيم بك البرديسي وباقي الامراء الى ناحية بنها بعدما طافوا المنوفية والغربية وقبضوا الكلف والفرد وخروج كثير من العسكر الى معسكرهم ناحية شلقان وما وازاها الى الشرق وخرج أيضا عدة من العسكر الى ناحية طرا والجيزة
وفيه ارسل الألفي الصغير وروقة لشخص من كبار العسكر مقطوع الانف كان من اتباعه حين كان بمصر يطلبه للحضور اليه ويعده بالاكرام وان يكون كما كان في منزلته عنده فأخذ الورقة والرسول الى الباشا فأمر بقتل المرسال وهو رجل فلاح فقطعوا رأسه بالرميلة وانعم على مقطوع الانف بعشرين ألف نصف فضة وشكره وقبل ذلك بايام وصلت هجانة من العريش واخبروا بورود عساكر من الدلاة وغيرهم معونة لمن بمصر واختلفت الروايات في عدتهم فالمكثر من كذابي العثمانية يقولون عشرة آلاف والمقل من غيرهم يقولون الفان او ثلاثة
وفي يوم الاربعاء تواترت الاخبار بقربهم من الصالحية وانتقل الامراء البحرية الى بلبيس وركب منهم عدة وافرة لملاقاة العسكر الواردين وخرج كثير من العسكر الخيالة والرجالة الى جهة الشرقية ببلبيس ونقلوا عرضيهم من ناحية البحر وردوا الكثير من اثقالهم الى المدينة
وفي يوم الخميس احضر الباشا طائفة اليهود وحبسهم وطلب منهم ألف كيس واستمروا في الحبس
وفيه رجع الألفي الصغير من ناحية انبابة الى جهة الشيمي باستدعاء من

سيدة واشاع العثمانية انهم ذهبوا ورجعوا من حيث اتوا لعجزهم وعدم قدرتهم عليهم وكان في ظنهم امور لاتتم لهم كما ظنوا ولحقتهم جميع العساكر من الجهة الشامية
وفيه ارسلوا ملاقاة للعساكر الواردين وفيها قومانية وجبخانة ولوازم على ستين جملا ومعهم هجانة فعندما توسطوا البرية اطاح بهم العربان واخذوهم
وفيه تسحب اشخاص من كبار العسكر باتباعهم وذهبوا الى المصريين وانضموا اليهم فمنهم من ذهب الى قبلي ومنهم من ذهب الى بحري
وفيه عدى الألفي الكبير والصغير الى البر الشرقي عند عثمان بك وترفعت مراكبهم الى قبلي
وفيه حضر عابدي بك وحسن بك من البحر الى بولاق وانتقل محمد علي الى طنط جهة براشيم التين بعد مقتلة وقعت بينهم وبين المصرلية وانهزموا وذهبوا الى تلك الجهة
وفي يوم الاحد غايته افرجوا عن طائفة اليهود بعد أن قرروا عليهم مائتي كيس خلاف البراني
وفيه حضر خازندار الباشا من الديار الرومية الى ساحل بولاق وصحبته امتعة ولوازم للباشا واشياء في صناديق

استهل شهر ربيع الثاني بيوم الاثنين سنة
فيه ركب الخازندار المذكور وطلع الى القلعة من وسط المدينة ونزل لملاقاته اغوات الباشا والجاويشية والشفاسية وحضر صحبته نحو خمسين عسكريا مشوا امامه وخلفه والصناديق التي حضرت معه خلفه محملة على الجمال والجاويشية امامه يضربون على طبلات حكم العادة في ركوباتهم ومعه عدة كبيرة من اتباع الباشا وامامه الجنيبات والخيول
وفيه وصلت مراكب من الديار الحجازية الى السويس وفيها حجاج ومغاربة ولم يصل منهم الا القليل واكثرهم قتله العسكر الذي بقي

بمكة بعد موت شريف باشا ومن انضم اليهم من اجناسهم وقد حصل منهم غاية الضرر والفساد والقتل حتى في داخل الحرم لأن الشريف غالبا ضمهم اليه ورتب لهم جامكية واستمروا معه على هذا الحال الفظيع
وفيه انبهم امر العسكر الدلاة القادمين من الجهة الشامية واضطربت الروايات عن اخبارهم فمنهم من قال أن المصرلية وقفوا لهم بالطرق وقاتلوهم ورجع من نجا منهم بنفسه ومنهم من قال انهم لما بلغهم قطع الطريق عليهم رجعوا من حيث اتوا وبعضهم طلب الامان وانضم اليهم ومنهم من قال أن فرقة منهم ذهبت من فم الرمانة من طريق دمياط وقيل انهم حضورا بثمانين رأسا منهم الى بلبيس
وفي يوم الابعاء خرج الوالي بعده من العسكر وصحبته مدافع وجبخانة واستقر بزاوية المرداش
وفي يوم الخميس رابعه هجم الامراء القبالي وهم الألفي واتباعه وعثمان بك حسن ومن انضم اليهم على طرا وملكوا منها البرج الذي من ناحية الجبل بعد ما ضربوا عليه من اعلى الجبل وتعدوا الى ناحية البساتين وتركوا طرا ومن فيها خلف ظهورهم وتحاربوا مع طوابير العسكر وكانوا انفارا قليلة ونظرهم الباشا من قلعته فزعق على السلحدار فركب في عدة من الشفاسية وخرج اليهم فعندما واجهوهم لم يثبتوا وولوا بعدما سقط منهم انفار
وفيه وصل جواب من الامراء القبالي الى المشايخ يذكرون فيه انهم يخاطبون الباشا في اخماد الحرب وصلحه معهم فان ذلك اصلح له ويكونون معه على مايحب وما يأمر به ويرتاح من علوفة العسكر التي اوجبت له المصادرات وسلب الاموال وخراب الاقليم وان يختار من العسكر طائفة معلومة معدودة يقيمون بمصر ويأمر الباقي بالسفر إلى بلادهم فلما خاطبوه بذلك واطلعوه على المكاتبة أبي وقال ليس لهم عندي الا الحرب
وفي يوم الجمعة حصلت أيضا بينهم محاربة واصيب من المراكب

الحربية التي يسمونها الشلنبات اثنتان غرقت احداهما واحرقت الثانية واتهم الباشا الطبجية فقتل منهم خمسة اثنان بالقلعة وثلاثة بالرميلة
وفي يوم السبت حضر محمد علي من بحرى وذهب الى جهة القرافة فأقام بمقام عقبة بن عامر الجهني ووقع في ذلك اليوم محاربات أيضا
وفي يوم الاحد اشيع حضور الامراء القبالي الى ناحية بهتيم وانهم ارسلوا الى المطرية بالجلاء عنها ورمحت العرب نواحي بولاق والجهات البرانية وضربوا عليهم مدافع وفي ذلك اليوم نظر الباشا وكبار العسكر الى جهة البساتين فلم يروا احدا من المصرلية فركب محمد علي واخذ معه عدة وافرة ودخلوا تلك الجهة فلم يرو امامهم احدا فلم يزالوا سائرين واذا بكمين خرج عليهم من جانب الجبل فاوقع معهم وقعة قوية حتى اثخنوهم وقتل منهم من قتل حتى لحقو بالمشاة الرجالة فضربوا عليهم طلقا وولوا مدبرين فصار محمد علي يستحثهم ويردهم ويحرضهم فلم يسمعوا له ورجعوا وفيهم جرحى كثيرة طلعوا بطائفة منهم الى القلعة ودخل الباقون الى المدينة وطلبوا طائفة المزينين لمداواة الجرحى بالقلعة اخذوا في ذلك اليوم برج الدير الذي كان بأيدي العسكر جهة البحر بطرا وقتلوا من به من العسكر واعطوا لمن بقي الامان وهم نحو الثلاثين شخصا
وفي يوم الاثنين ثامنه وصل المصرلية الذين كانوا جهة الشرق ووصلت مقدماتهم الى جهة العادلية وناحية الشيخ قمر بل وعند الكيمان خارج باب النصر فأغلقوا باب النصر وباب الفتوح والعدوى وهربت سكان الحسينية وحصلت كرشة بالجمالية ولم يخرج اليهم احد من العسكر بل اخذوا يضربون المدافع من على السور ودخل محمد بك المنفوخ الى الحسينية وجلس بمسجد البيومي وانتشر المماليك والاتباع على الدكاكين والقهاوي واستمر ضرب المدافع الى بعد الظهر ثم أن المصرية ترفعوا عن الحسينية الى اليشبكية فبطل الرمي ودخل الوالي وامامه ثلاثة رؤوس تبين

انها رؤوس مغاربة من مقاطيع الحجاج المرضى كانوا مطروحين خارج القاهرة
وفيه طلب جماعة من المماليك السيد بدرا المقدسي فخرج اليهم من داره خارج باب الفتوح فأخذوه عند البرديسي وابراهيم بك فاسر اليه ابراهيم بك بان يكون سفيرا بينهم وبين الباشا في الصلح معهم وانه لايستقيم حاله مع العسكر ولا يرتاح معهم وليعتبر بما فعلوه محمد باشا واما نحن فنكون معه على ما ينبغي من الطاعة والخدمة وحضر في اواخر النهار فلما اصبح يوم الثلاثاء ركب وطلع الى الباشا وبلغه ذلك فقال له الباشا على سبيل الاختبار والمسايرة قولك صحيح ومن يرجع اليهم بالجواب فقال انا فحقدها عليه ثم قام من عنده فارسل خلفه وعوقه عند الخازندار فذهب اليه في ثاني يوم شيخ السادت والسيد عمر النقيب وترجوا في اطلاقه فامتنع وقال اخاف عليه أن يقتله العسكر ولا بأس عليه ولا يصلح اطلاقه في هذا الوقت وبعد خمسة ايام يكون خيرا فإنه مقيم عند الخازندار في اكرام وفي مكان احسن من داره وهذا رجل اختيار يفعل هذه الفعال يخرج الى المخالفين متنكرا ويرجع من عندهم بكلام ثم يطلب العود اليهم ثانيا
وفي ليلة الثلاثاء المذكور حضر محمد علي عند الباشا بعد الغروب وقبض منه خمسين كيسا وقيل ثمانين ورجع الى معسكره فجمع العسكر وتكلم معهم وفرق عليهم الدراهم واتفق معهم على الركوب والهجوم على من بطرا في تلك الليلة على حين غفلة وكان كاتبهم قبل ذلك يلاطفهم ويظهر العجز ويطلب معهم الصلح وامثال ذلك وفي ظن اولئك صدقة وعدم قدرتهم على مقاومتهم وملاقاتهم فلما مضى نحو خمس ساعات من الليل ركب محمد علي في نحو اربعة آلاف فرسانا ورجالا فلما قربوا من الحرس في اخر السادسة ترجلوا وقسموا انفسهم ثلاثة طوابير ذهب قسم منهم جهة الدير والثاني جهة المتاريس والثالث جهة الخيل والجماعة

وهم صالح بك الألفي ومن معه في غفلتهم ونومهم مطمئنين وكذلك حرسهم فلم يشعروا الا وقد صدموهم فاستيقظ القوم وبادروا الى الهرب والنجاة فملكوا منهم الدير وابراج طرا وكان بها عسكر العثمانيين الى هذا الوقت محصورين وقد اشرفوا على طلب الامان واخذوا مدفعين كانا بالمتراس وبعض امتعة وثمان هجن وثلاثة عشر فرسا وقتل بينهم بعض اشخاص وانجرح كذلك ورجع محمد علي والعسكر على الفور من آخر الليل ومعه خمسة رؤوس فيها رأس واحدة لم يعلم رأس من هي والباقي رؤوس عربان او سياس او غير ذلك وزعموا أن تلك الرأس هي رأس صالح بك وارسلوا المبشرين آخر الليل الى الاعيان لياخذوا البقاشيش واشاعوا أنهم قبضوا على الألفي الصغير واحضروه معهم حيا والباقي رموا بأنفسهم الى البحر ولما طلع محمد علي الى الباشا خلع عليه الفروة التي حضرت له من الدولة وعلقوا تلك الرؤوس على السبيل بالرميلة وضربوا شنكا من القلعة ومدافع واظهروا السرور وداروا بالاسواق يضربون بالطنابير وشمخ المغرضون بانافهم على المغرضين للمصرلية ثم تبين عدم صحة تلك الاشاعة وان تلك الراس راس بعض الأجناد ولم يمسك الألفي كما قالوا
وفي يوم الاربعاء عاشره وصل من بحرى ثلاث شلنبات كان الباشا ارسل بطلبها عوضا عما تلف فعند ما وصلوا الى جهة باسوس وهناك مركز للمصرلية على جرف عال اقعدوا به طبجية ليمنعوا من يمر بالمراكب فضربوا عليهم وضرب من في المراكب الحربية أيضا على من في البر فكان ضرب من في البر يصيب من في البحر وضربهم لايصيبهم لعلو الجرف عليهم فاحترقت جبخانة احدى الشلنبات واحترق ما فيها بها وغرقت الثانية ويقال أن الثالثة لم تكن من المراكب الحربية بل هي مركب معاش وكان حضر في خفارتهم عدة من المراكب المسافرين فخافوا ورجعوا وقبضوا على بعض قواويس بها غلال فأخذوا مافيها فلما شاع ذلك بالمدينة رفعوا ماكان

موجودا من الغلة بالعرصات وشحت الغلال وعدم الفول والشعير وبيع ربع الويبة من الفول بتسعين نصفا وقل وجود الخبز في الاسواق وخطف بعض العسكر ما وجدوه من الخبز ببعض الافران واخذوا الدقيق من الطواحين وصار بعض العسكر يدخل بعض البيوت ويطلبون منهم الاكل والعليق لدوابهم
وفي يوم الخميس والجمعة اشتد الحال وبيع ربع الويبة من القمح بسبعين نصفا وثمانين نصفا وعدم الفول واشترى بعض من وجده ربعا بمائة نصف فضة فيكون الاردب على ذلك الحساب بألفين واربعمائة نصف وخرج عساكر كثيرة ووقعت حروب بين الفريقين ورجع القبليون الى طرا وحاربوا عليها وكانوا شرعوا في عمارة ما تهدم من ابراجها ونقلوا اليها الذخيرة والقومانية والجبخانة والعسكر واخذوا جمال السقائين لنقل الماء الى الصهريج الذي ببرج طرا ودار الآغا والوالي على المخازن ببولاق ومصر واخذوا منها ما وجدوه من الغلة وامروا ببيعه على الناس بخمسين نصفا الربع واخذوا لانفسهم ما وجدوه من الشعير والفول
وفي يوم السبت قلدوا حسن أغانجاتي الحسبة فخافته السوقة واجتهدوا في تكثير العيش والكعك والمأكولات بقدر امكانهم واجتهد هو أيضا في الفحص على الغلال المخزونة وبيعها للخبازين واما اللحم الضاني فانه انعدم بالكلية لعدم ورود الاغنام
وفيه شح ورود الغلة في العرصات وذهب اناس الى برانبابة فاشتروا الربع بثمانين نصفا وازيد من ذلك والقول بمائة وعشرين وعلق اكثن الناس على بهائمهم ما وجدوه من اصناف الحبوب مثل الحمص والعدس وهم المياسير من الناس واما غيرهم فاقتصروا على التبن واما العنب والتين في وقت وفرتهما فلم يظهر منهما الا القليل وبيع الرطل من العنب بأربعة عشر نصفا والتين بسبعة انصاف وذلك بعد سلوك الطريق ومشي السفن
وفي يوم الاحد رابع عشره اجتمعت العساكر الكثيرة للحرب عند

شبرا ورموا على بعضهم بالمدافع والقرابين والبنادق من ضحوة النهار ثم التحم الحرب بين الفريقين واشتد الجلاد بينهما الى بعد منتصف النهار وصبر الفريقان وقتل بينهما عدة كبيرة من العسكر الأرنؤد وطائفة المماليك والعربان فقتل من اكابر العسكر اربعة او خمسة ودخلوا بهم المدينة وانكف الفئتان وانحاز الى معسكرهما وبعد هجعة من الليل اجتمع العسكر من الانكشارية والارنؤدية وغيرهم وكبسوا على متاريس شبرا وبها حسين بك المعروف بالافرنجي وعلي بك ايوب ومعهما عسكر من الأرنؤد الذين انضموا اليهما ومنهم الرماة والطبجية فاجلوهم عن المتاريس وملكوها منهم ووقع بينهم قتلى كثيرة وقتل من عسكر حسين بك المذكور نحو مائة وستين نفرا وعدة من مماليك علي بك ايوب خلاف الجرحى وزحفوا على باقي المتاريس فملكوا منهم متاريس شلقان وباسوس وانهزم المصرلية الى جهة الشرق بالخانكة وابى زعبل وقيل أن العسكر المنضمين اليهم المتقيدين بالمتاريس هم الذين خامروا عليهم وانهزموا عن المتاريس حتى كانوا هم السبب في هزيمتهم فلما اصبح النهار حضروا بسبعة رؤوس فيها ثلاثة من الأجناد الملتحين وثلاثة شوارب ورأس أسود فعلقوها بباب زويلة ومن الثلاثة أجناد رأس له لحية طويلة شائبة شبيهة بلحية ابراهيم بك الكبير فقال بعض الناس هذه راس ابراهيم بك بلا شك واشيع ذلك بينهم فاجتمع الناس من كل ناحية للنظر اليه ووصل الخبر الى الباشا فاحضر عبد الرحمن بك والمزين الذي كان يحلق له لمعرفتهما به واخرين وطلب الراس فأحضروها وتأملوها فمنهم من اشتبهت عليه ومنهم من انكرها لعلامات يعرفها به وهي الصلع وسقوط بعض الاسنان ثم اعيدت الى مكانها على ذلك الاشتباه ثم انهم عملوا شنكا ومدافع لذلك ثم طلبها محمد علي أيضا وفعل مثل ذلك وردها أيضا ثم رفعوها في الليل واستمر الفرح والشنك يومين والناس بين ناف ومثبت ومسلم ومنكر ومعاند ومكابر حتى وردت خدم من معسكرهم واخبروا بحياة ابراهيم

بك وانه بوطاقة جهة الشرق فزال الشك وارسل المصريون الى بيوتهم اوراقا
وفي ليلة الاثنين المذكور وقع خسوف قمري وطلع من المشرق منخسفا اخذا في الانجلاء ومقدار المنخسف منه عشرة اصابع وتم انجلاؤه في ثاني ساعة من الليل وكان باول برج الدلو
وفي ليلة الخميس وصل امير اخور الصغير من الديار الرومية وطلع الى بولاق في صبحها وركب الى القلعة فانزله الباشا ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك بدرب الجماميز ولم يعلم ما بيده من الاوامر ثم تبين أن من الأوامر التي معه اخراج خمسمائة من العسكر الى بندر ينبع البحر يقيمون بها محافظين لها من الوهابيين ويدفع لهم جامكية سنة كاملة وذخيرتها وما يحتاجون اليه من مؤنة وغلال وجبخانة
وفي يوم الثلاثاء قرأوا تلك الاوامر وفيها انه تعين محمد باشا أبو مرق بعساكر الشام الى الحجاز فاحضر الباشا كبار العسكر وعرض عليهم ذلك الامر وقال لهم انه ورد لي اذن عام في تقليد من اقلده فمن احب منكم قلدته امرية طوخ أو طوخين فامتنعوا من ذلك وقالوا نحن لا نخرج من مصر ولا نتقلد منصبا خارجا عنها ووصلت الاخبار في هذه الايام أن الوهابيين ملكوا الينبع
وفيه وردت الاخبار بأن الألفي عدى الى البر الشرقي وكان قبل ذلك عدى الى البر الغربي وانتشرت عساكره الى الجسر الاسود ثم رجعوا وعدوا الى البر الشرقي
وفي يوم الاربعاء سابع عشره ركب الامراء المصرلية وانتقلوا من الخانكة ومروا من خلف الجبل بحملاتهم واثقالهم وذهبوا الى جهة قبلي وخاب سعيهم ولم ينالوا غرضهم وكانوا في ظنهم انهم اذا حصلوا بالقرب من المدينة خرج اليهم الكثير من العسكر وانضم اليهم لمقدمات سبقت منهم ومراسلات وكلام وقع بينهم وبين اتباعهم ومماليكهم المجتمعين عند

اكابرهم وذبهم عنهم وعن بيوتهم وحريمهم بل واخراج بعض الاتباع والمماليك بمطلوبات الى اسيادهم خفية وليلا حتى استقر في اذهان كثير من العقلاء ممالات كثير من البنباشيات ورؤساء العسكر من المصرلية وعندما تحقق العسكر ذهابهم دخلوا الى المدينة بأثقالهم وحملوهم وانتشروا بها حتى ملؤا الازقة والطرق والبيوت وقدمت السفن المعوقة وتواجدت الغلال بالرقع وتخلف عنهم اناس كانوا منضمين اليهم طلبوا امانا بعد ذلك وحضروا بعد ذلك الى مصر وقدمت عساكر ودلاة في المراكب ودخلوا البيوت بمصر وبولاق واخرجوا منها اهلها وسكنوها واذا سكنوا دارا اخربوها وكسروا اخشابها واحرقوها لوقودهم فإذا صارت خرابا تركوها وطلبوا غيرها ففعلوا بها كذلك وهذا دأبهم من حين قدومهم الى مصر حتى عم الخراب سائر النواحي وخصوصا بيوت الامراء والاعيان وبواقي دور بركة الفيل وما حولها من بيوت الاكابر والقصور التي كانت يضرب بأدناها المثل وفي ذلك يقول صاحبنا العلامة الشيخ حسن العطار واما بركة الفيل فقد رميت بكل خطب جليل واورثت العين بوحشتها بكاء وعويلا والقلب بذكر ما سلف من مباهجها حزنا طويلا
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه طلع المشايخ عند الباشا وشفعوا في السيد بدر المقدسي فأطلقه ونزل إلى داره
وفي يوم الخميس خامس عشرينه قلدوا علي آغا الوالي على العسكر المعين الى الينبع اميرا وضربوا له مدافع وفرح الناس بعزله من الولاية فانه كان اخبث من تقلد الولاية من العثمانية وكان الباشا يراعي خاطره ولا يقبل فيه شكوى وتعين للسفر معه عدة من العسكر من اخلاط مصر البطالين اروام وخلافهم
وفيه قلدوا مناصب كشوفية الاقاليم لاشخاص من العثمانية
وفي ثامن عشرينة تشاجر شخص من العسكر مع شخص حكيم فرنساوي عند حارة الافرنج بالموسكي فاراد العسكري قتل الفرنساوي

فعاجله الفرنساوي فضربه فقتله وفر هاربا فاجتمع العسكر وارادوا نهب الحارة فوصل الخبر الى محمد علي فركب في الوقت ومنع العسكر من النهب واغلق باب الحارة وقبض على وكيل قنصل الفرنساوية واخذه معه وحبسه عنده حتى سكن العسكر
وفي تلك الليلة أيضا مر جماعة من العسكر بخط الدرب الاحمر فارادوا اخذ قنديل من قناديل السوق فقام عليهم الخفير يريد منعهم فذبحوه واخذوا القنديل فأصبح الناس فرأوا الخفير مذبوحا وسمعوا لقصة من سكان الدور بالخطة ووجدوا أيضا عسكريا مقتولا جهة الموسكي وغير ذلك حوادث كثيرة في كل يوم من اخذ النساء والمردان والامتعة والمبيعات من غير ثمن وانقضى الشهر
وفيه استقر الامراء المصرلية جهة صول والبرنبل وما قابلهما من البر الغربي واستمر عثمان بك حسن والبرديسي واتباعهما بالبر الشرقي وشرعوا في بناء متاريس وقلاع بساحل البحر من الجهتين وارسل الباشا الى جهة دمياط ورشيد يطلب عدة مراكب وشلنبات لاستعداد الحروب واجتهد في ملء صهاريج القلعة طلبوا السقائين وألزموهم بذلك فشح الماء بالمدينة وغلا سعره لذلك ولغلو العليق حتى بلغ ثمن الراوية اربعين نصفا بعد المشقة في تحصيله لانه لم يبق الا الروايا الملاكي لأكابر الناس فيمنعها العطاش عند مرورها قهرا ويدفعون ثمنها بالزيادة واتفق شدة الحر وتوالي هبوب الرياح الحارة وجفاف الجو وتأخير زيادة النيل

شهر جمادي الأولى سنة
استهل بيوم الثلاثاء في ذلك اليوم كان مولد المشهد الحسيني ونزل الباشا وزار المشهد ودخل عند شيخ السادات باستدعاء وتغدى عنده ثم ركب راجعا قبل الظهر الى القلعة ولم يقع في ليالي المولد حظ للناس ولا انشراح صدور كالعادة بسبب اذية العسكر واختلاطهم بهم وتكديرهم عليهم في الحوانيت والاسواق حتى انهم في آخر الليلة التي كان من

عادتهم يسهرونها مع ليال قبلها الى الصباح اغلقوا الحوانيت واطفؤا القناديل من بعد اذان العشاء وذهبوا الى دورهم
وفيه قرروا فردة غلال على البلاد قمح وشعير وتين اعلى واوسط وادنى إلا على خمسة عشر أردبا وخمسة عشر حمل تين والأوسط عشرة والأدنى خمسة على أن اقليم القليوبية لم يبق به الا خمسة وعشرون قرية فيها بعض سكان والباقي خراب ليس فيها ديار ولا نافخ نار ومجموع المطلوب ثمانية ألاف اردب خلاف التين وذلك برسم ترحيلة علي باشا الى الينبع ثم قرروا فردة اخرى كذلك أيضا وقدرها ألف وخمسمائة كيس رومية
وفي يوم الجمعة رابعه جمع الباشا المشايخ في ديوان خاص بسبب مكتوب حضر من الامراء المصريين خطابا للمشايخ مضمونه انهم يسعون بينهم وبين الباشا فيما يكون فيه الراحة للبلاد والعباد وانه يخرج هذه العساكر فانهم إن داموا بالإقليم كملوا خرابه وهتكوه بأفاعيلهم وظلمهم وفسقهم وطلب العلوفات التي لا يفي ببعضها خراج الاقليم واما نحن فاننا مطيعون السلطنة وخدامون بلا جامكية ولا علوفة وإن لم يفعل ذلك يعطينا جهة قبلي تتعيش فيها وان ارادوا الحرب فليخرجوا الناس بعيدا عن الابنية ويحاربونا في الميدان والله يعطي النصر لمن يشاء الى اخر ما قالوه فقال الباشا للمشايخ اكتبوا لهم يأخذوا جهة أسنا ومقبلا فقالوا نحن لا نكتب شيئا اكتبوا لهم مثل ما تعوفون وانفض المجلس
وفيه عزم جماعة من اكابر العسكر على السفر الى بلادهم وهم احمد بك رفيق محمد علي وصادق آغا وخلافهما واخذوا في تشهيل انفسهم وبيع متاعهم ونزلوا الى بولاق عند عمر آغا ونزل محمد علي لوداعهم ببيت عمر أغا فاجتمع العسكر واحاطوا بهم ومنعوهم من السفر قائلين لهم اعطونا علوفاتنا المنكسرة والا عطلناكم ولا ندعكم تسافرن باموال مصر ومنهوباتها فأخذوا خواطرهم ووعدوهم على ايام وامتنعوا من السفر

وفي يوم الثلاثاء ثامنه تقلد شخص من العثمانيين الزعاعة عوضا عن علي أغا الذي تولى باشة السفر للينبع
وفي عاشره اجتمع العسكر وطلبوا علوفاتهم من الباشا فدفعوا للارنؤد جامكية شهر
وفي ليلة الجمعة حادي عشر جمادي الأولى الموافق لثاني عشر مسرى القبطي اوفى النيل المبارك سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج في صبح يوم السبت يحضر الباشا والقاضي ومحمد علي وباقي كبارالعسكر وجميع العسكر وكان جمعا مهولا وضرب الجميع بنادقهم وجرى الماء بالخليج وركبوا القوارب والمراكب ودخلوا فيه وهم يضربون بالبنادق وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت وكان الموسم خاصا بهم دون اولاد البلد وخلافهم وكذلك سكنوا بيوت الخليج مع قحابهم من النساء ومات في ذلك اليوم عدة اشخاص نساء ورجالا اصيبوا من بنادقهم ومما وقع انه اصيب شخص من اولاد البلد برصاصة منهم ومات وحضر اهله يصرخون وارادوا اخذه ليواروه فمنعهم الوالي وطلب منهم ثلاثة آلاف درهم فضة ولم يمكنهم من شيله حتى صالحوه على ألف وخمسمائة وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت واذن لهم في اخذه ومواراته ونظر بعضهم الى اعلى بيوت الخليج فرأى امرأة جالسة في الطاقة فضربها برصاصة فاصابتها في دماغها وماتت من ساعتها وغير ذلك مما لم تتحقق اخباره
وفي يوم الاحد ثالث عشرة خرج علي باشا الوالي المسافر الى الينبع خارج البلد واقام جهة العادلية وارتحل يوم السبت تاسع عشرة ومعه مائة عسكري لاغير وذهب الى جهة السويس
وفيه ارسل الباشا الى المشايخ والوجاقلية وتكلم معهم في توزيع فردة على اهل مصر لغلاق جامكية العسكر فدفعوا بما امكنهم من المدافعة فقال هذا الذي نطلبه انما نأخذه على سبيل القرض ثم نرده اليهم فقالوا

له لم يبق بايدي الناس ما يقرضونه ويكفي الناس ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال وغير ذلك فالتفت الى الوجاقلية وقال كيف يكون العمل فقال ايوب كتخدا نعمل جمعية مع السيد احمد المحروقي ويحصل خير فركن الباشا على ذلك ثم اجتمعوا مع المذكور واتفقوا انهم يطلبونها بكيفية ليس فيها شناعة ولا بشاعة وهي انهم قرروا على الوجاقلية قدرا من الاكياس وكتبوا بها تنابية باسماء اشخاص منها ما جعلوا عليه عشرين كيسا وعشرة وخمسة واقل واكثر وكذلك وزعوا على اشخاص من تجار البن وخان الخليلي ومغاربة اغراب واهل الغورية وخلافهم من تراخي في الدفع قبضوا عليه واودعوه في اضيق الحبوس ووضعوا الحديد في يديه ورجليه ورقبته ومنهم من يوقفونه على قدميه والجنزير مربوط بالسقف وارسلوا العسكر الى بيوتهم فجلسوا بها يأكلون ويسكرون ويطلبون من النساء المصروف خلاف الاكل الذي يطلبونه ويشتهونه وهو ثمن الشراب والدخان والفاكهة بل ويأتون بالقحاب معهم ويضربون بالبندق والرصاص بطول الليل والنهار وامثال ذلك
وفي يوم الخميس رابع عشرينة ارسل الباشا عسكرا فقبض على الامير علي المدني صهر ابن الشيخ الجوهري وحبسه فركب اليه المشايخ وكلموه في شأنه وقالوا أنه رجل وجاقلي من خيار الناس وما السبب في القبض عليه وما ذنبه الموجب لذلك فقال انه رجل قبيح ولي عليه دعوة شرعية وإذا كان من خيار الناس وم الوجاقلية لأي شيء يعمل كتخدا عند صالح بك الألفي وانه عند هروب مخدومه من الشرقية اخذ ما كان معه من المال على اربعة جمال ودخل بها الى داره وعندي بينة تشهد عليه بذلك فأنا اطالبه بالمال الذي عنده وقاموا ونزلوا من غير طائل
وفي يوم السبت سادس عشرينه توفى الشيخ موسى الشرقاوي الشافعي وكان من اعيان العلماء الشافعية
وفي يوم الاثنين ثامن عشرينة احضروا المحمل من السويس فنزل

كتخدا الباشا والآغا والوالي واكابر العسكر وعدة كبيرة من العسكر وعملوا له الموكب وشقوا به البلد وخلفه الطبل والزمر
وفي اواخره وصلت قوافل البن من السويس فحجزها الباشا واخذها وأعطى اصحاب البن وثائق بثمن البن لاجل ووكل في بيعه وحول به العسكر يأخذونه من اصل علوفاتهم فبلغ ثمن المحجوز تسعمائة كيس وانهمك المشترون على الشراء ومنعوا القبانية من الوزن الا بحضور المقيدين بذلك وانقضى هذا الشهر وحوادثه وما وقع فيه من عكوسات العسكر من الخطف والقتل والدعاوي الكذب وشهاداتهم الزور لبعضهم فيما يدعونه وتواطئهم على ذلك فيكتب له عرضحال ويشكو انه عصبه في مدة سابقة قبل ذلك طلق منه زوجته قهرا بعد أن كان صرف عليها مبلغ دراهم كثيرة في المهر والنفقة والكسوة ويكتبون له عليه علامة الباشا ويأخذ صحبته اشخاصا معينين من اقرانه فيسحبون المدعي عليه الى المحكمة فلا يثبت عليه ذلك فيكتب له القاضي اعلاما بعدم صحة الدعوى بدراهم يدفعها على ذلك الاعلام فيذهبون الى ديوان الباشا ويخبرون الكتخدا ببطلان الدعوى ويطلعون على الاعلام بحضرة الخصم وهو يظن البراح والخلاص من تلك الدعوة الباطلة فيقول الكتخدا للخصم اعط المباشرين خدمتهم خمسة اكياس واذهب وامثال ذلك فان وحد شافعا او مغيثا توسط له او تشفع في تخفيف ذلك قليلا او ضمنه او دفع عنه وانقذه والا حبس كغيره وذاق في الحبس انواع العذاب حتى يدفع ما قرره عليه الكتخدا واتفق أن جماعة من سكان المحجر شكوا نظار جامع وسبيل ومدرسة متخربة من ايام الفرنسيس ومعطلة الشعائر والايراد فامر الكتخدا باحضار النظار وهم ناس فقراء وعواجز وسالهم فأخبروا بتعطيل الايراد فأحضروا مباشرين الاوقاف فحاسبوهم فلم يطلع عليهم شيء فقال الكتخدا اعطوا المباشرين خدمتهم فلما فرغوا من ذلك بعد مشقة عظيمة قالوا هاتوا محصول الخزينة فقالوا وما يكون محصول الخزينة قالوا

ثلاثون كيسا على كل ناظر عشرة اكياس فبهت الجماعة وتحيروا في امرهم ولم يعلموا ما يقولون وفي الحال جذبوهم الى الحبس وفيهم رجل من جماعة المشهدية عاجز لا يقدر على القيام فسعى عليه حريمة وخشداشينة وصالحوا عليه بكيسين وخلصوه واما الاثنان الاخران فاستمر في الحبس والحديد مدة طويلة وامثال ذلك
وفي او آخره افرجوا عن السيد علي المدني بعد ما قرروا عليه اربعة آلاف ريال خلاف البراني وامثال ذلك كثير

شهر جمادي الثانية سنة
استهل بيوم الخميس في حضرة القاضي الجديد الى جهة بولاق وركب في يوم الجمعة فطلع الى القلعة وسلم على الباشا ورجع الى المحكمة وكان عندما وصل الى رشيد ارسل الى الباشا ليامر له بعمارة المحكمة فأمر الباشا اصحابها بالعمارة وامرهم بالاجتهاد في ذلك
وفيه فقد اللحم وشح وجوده وكذلك السكر والعسل واما العسل الابيض فبلغ الرطل خمسين نصفا إن وجد لعدم الوارد من ناحية قبلي وقلة المرعى بالجهة البحرية واستقر الألفي الكبير جهة اللاهون وبقية الجماعة جهة المنية واسيوط وعثمان بك حسن بجبل الطير بالبر الشرقي
وفي خمسه اشيع سفر محمد علي الى بلاده وكذلك احمد بك وغيرهم من اكابرهم وشرعوا في بيع جمالهم وبلادهم ومتاعهم وكثر لغط الناس بسبب ذلك وكثر افساد العساكر وخطفهم واغلق اهل الاسواق الدكاكين وخاف الناس المرور وتطيروا منهم وخصوصا الانكشارية
وفي يوم الثلاثاء سادسه مر محمد علي وخلفه عدة كبيرة من العسكر وهو ماش على اقدامه كذلك حسن بك اخو طاهر باشا وعابدي بك واغات الإنكشارية والوالي وجلس منهم جماعة جهة الغورية وخان الخليلي ساعة ثم ذهبوا وكأنهم يطمنون الناس وامام بعضهم المناداة بالتركي بالامن والامان وفتح الدكاكين وكل من تعرض لكم اقتلوه وفي اثر

مرورهم وقع الخطف والتعرية
وفي ذلك اليوم اواخر النهار مرت مركبان فيهما عسكر ارنؤد بالخليج المرخم ومعهم امراة وبتلك الجهة عسكر انكشارية ساكنون ببيت المجنون فضربوا عليهم رصاصا من الشبابيك فقتل منهم جماعة وهرب من نجا او عرف العوم فتحزب الارنؤد وجاء منهم طائفة لذلك البيت فلم يجدوا به احدا فارسل محمد علي الى حسن بك وتكلم معه في شأن ذلك
وفي صبحها يوم الاربعاء قتلوا ثلاثة وقيل خمسة ناحية الموسكي يقال انه بسبب تلك الحادثة وقيل بسبب اخر
وفيه سافر جماعة من العسكر واخذوا المراكب وارسلوا الى اسكندرية ودمياط ورشيد وغيرها بطلب المراكب فشحت المراكب ووقف حال المسافرين وتعطلوا عن الرواح والمجئ وغلا سعر القمح والسمن وعدم اللحم وكذلك باقي الاسباب والمأكولات زيادة عن الواقع واذا وصلت مراكب نزل في المراكب الكبيرة الخمسة انفار او العشرة والحال انها تسع المائة وساروا ينهبون في طريقهم ما يصادفونه من المسافرين ويقتلونهم ويطلبون من البلاد الكلف والمأكل وغير ذلك
وفي يوم السبت سابع عشرة سافر احمد بك وعلي بك اخو طاهر باشا
وفيه قلد الباشا سلحداره ولاية جرجا وبرز خيامه جهة دير العدوية
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وصلت مراكب من الشلنبات الحربية فضربوا لها مدافع من القلعة
وفي يوم الاحد تعدى جماعة من العسكر وخطفوا عمائم الناس واتفق أن الشيخ ابراهيم السجيني مر من جهة الداودية وهو راكب بهيئته فأخذوا طيلسانة من على كتفه وعمامة تابعه وقتلوا من بعضهم انفارا
وفي يوم الاثنين نزل الآغا ونادى على العسكر بالخروج والسفر الى التجريدة وكل من كان مسافر الى بلاده فليسافر

وفيه هربت زوجة عثمان بك البرديسي مع العرب الى زوجها بقبلى فلما بلغ الخبر الباشا احضر اخاها والمحروقي وسألهما عنها فقالا لم نعلم بهروبها فعوق اخاها عنده ثم اطلقه بشفاعة المحروقي

شهر رجب الفرد سنة
استهل بيوم السبت فيه انتقل العسكر المسافرون من دير العدوية الى ناحية طرا وسافر قبل ذلك بأيام كاشف بني سويف ويقال له محمد افندي
وفي يومي الاثنين والثلاثاء نادى الاغاوات التبديل بخروج العسكر المسافرين وكثر اذى العسكر للناس وخطفوا الحمير وتعطلت اشغال الناس في السعي الى مصالحهم ونقل بضائعهم
وفي يوم الاربعاء سافرت التجريدة برا وبحرا وتأخر محمد علي عن السفر الى بلاده كما كان اشيع ذلك واشتهر انه مسافر الى الجهة قبلى وورد الخبر باستقرار كاشف بني سويف بها ولم يكن بها احد من المصرلية
وفي يوم الاحد تاسعه نزل الباشا الى وليمة عرس مدعوا ببيت السيد محمد بن الدواخلي بحارة الجعيدية وكفر الطماعين ونزل في حال مروره ببيت السيد عمر افندي نقيب الاشراف فجلس عنده ساعة وقدم له حصانين
وفي حادي عشرة نزل الباشا في التبديل ومر من سوق السمكرية فرأى عسكريا يشترى كوز صفيح فاعطاه خمسة انصاف فابى السمكري الا بعشرة فأبى ولم يدفع له الا خمسة فرآه الباشا فقال له اعطة ثمنه فقال له وايش علاقتك وهو لم يعرفه فقال له اما تخاف من الباشا فقال الباشا على زبي فضربه الباشا وقتله ومضى
وفي يوم الاثنين سابع عشرة احضروا اربعة رؤس وضعوها تجاه باب زويلة واشاعوا انهم من مقتلة وقعت بينهم وبين القبالي واشاعوا انه بعد يومين تصل وردت رؤوس كثيرة ووصل أيضا جملة اسرى طلعوا بهم الى القلعة

وفي يوم الاربعاء طلع محمد علي الى القلعة فخلع عليه الباشا فروة سمور على سفره الى قبلي وبرز بوطاقه الى خارج
وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه اتهموا قادري أغا بانه يكاتب الامراء المصرية القبالى ومنعوه من السفر الى قبلى وامروه بأن يسافر الى بلاده فركب في عسكره وذهب الى بولاق وفتح وكالة علي بك الجديدة ودخل فيها بعسكره وامتنع بها وانضم اليه كثير من العسكر فحضر اليه محمد علي وكلمهم وكذلك حضر اليهم الباشا ببولاق فلم يمتثلوا وقالوا لا نسافر ولا نذهب الا بمرادنا واعطونا المنكسر من علوفاتنا فتركوهم ونادوا على خبازين بولاق لا يبيعون عليهم الخبز ولا المأكولات فأرسل قادري أغا الى المحتسب وقال له نحن نأخذ العيش بثمنه فان منعتموه من الاسواق طلعنا الى البيوت واخذنا ما فيها من الخبز ويترتب على ذلك ما يترتب من الافساد فاخبروا الباشا بذلك فأطلقوا لهم بيع الخبز وغيره واستمر على ذلك اياما
وفيه شرعوا في تحرير فردة على البلاد وكتبوا دفاترها الاعلي ثمانون ألف فضة ودون ذلك ويتبعها على كل بلد جملان وسمن واغنام وقمح وتبن وشعير
وفي اواخره حصلت نوة وتتابع مرور الغيوم وحصل رعد هائل ودخل الليل فكثر الرعد والبرق وتبعه المطر ثم حضر اناس بعد ايام من جهة شرقية بلبيس واخبروا انه نزل بناحية مشتول صواعق اهلكت نحو العشرين من بني ادم وابقارا واغناما وعميت اعين اشخاص من الناس
وفي هذا الشهر شرعوا في عمل كسوة الكعبة بيد السيد احمد المحروقي فقيد بها وكيله بذلك وشرعوا في عملها في بيت الملا بحارة المقاصيص

شهر شعبان سنة
استهل بيوم الاحد في رابعة حضر لحسن بك طوخان وطلع الى القلعة

ونزل الى الباشا ولبس خلعة من خلع الباشا قاووقا وركب ونزل من القلعة وامامه الجاويشية والسعادة والملازمون وضربت له النوبة بمعنى انه صار عوضا عن اخيه
وفي يوم الخميس نزل قادري أغا ومن معه من العسكر في المراكب وسافر جهة بحري وسافر خلفهم عدة من الدلاة
وفيه اشيع ابطال الفردة في هذا الوقت ثم قرروا مطلوبات دون ذلك وفي يوم الخميس ثاني عشرة نودي بخروج العسكر الى السفر لجهة قبلي ولا يتأخر منهم من كان مسافرا فشرعوا في الخروج وقضاء حوائجهم وصاروا يخطفون حمير الناس والجمال
وفي يوم الجمعة وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده فرمان جواب من مراسلة للباشا بارسال باشة الينبع لمحافظتها من الوهابيين وانه اعطاه ذخيرة شهرين وبان يرسل اليه ما يحتاجه من الذخيرة وكذلك محمد باشا والي جدة يعطي له ما يحتاجه من الذخيرة لاجل حفظ الحرمين والوصية برعية مصر ودفع الخالفين وامثال ذلك فعمل الباشا الديوان في ذلك اليوم وقرأوا الفرمان وضربوا عدة مدافع
وفيه مات الشيخ حجاب
وفي يوم السبت رابع عشرة سافر محمد علي
وفيه هرب علي كاشف السلحدار الألفي ومن بمصر من جماعته فلما وصل الخبر الى الباشا ارسل الى بيوتهم فلم يجد فيها احدا فسمروها وقبضوا على الجيران ونهبوا بعض البيوت
وفي سابع عشره سافر حسن باشا أيضا ونادوا على العسكر بالخروج
وفي تاسع عشره حضر طائفة من الدلاة نحو المائتين وخمسين نفرا فانزلهم الباشا بقصر العيني
وفي يوم الثلاثاء المذكور سابع عشرة عمل السيد احمد المحروقي وليمة ودعا الباشا الى داره فنزل اليه تغدى عنده وجلس نحو ساعتين ثم

ركب وطلع الى القلعة فأرسل المحروقي خلفه هدية عظيمة وهي بقج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وذهب وتحائف وخيول له ولكبار اتباعه صحبة ولده وترجمانه وكتخداه وخلع عليهم الباشا فراوى سمور
وفي يوم الاحد ثاني عشرينة توفي السيد احمد المحروقي فجأة وكان جالسا مع اصحابه حصة من الليل فأخذته رعدة فدثروه ومات في الحال في سادس ساعة من الليل فسبحان الحي الذي لايموت وركب ابنه وطلع الى الباشا فوعده الباشا بخير وارسل القاضي وديوان افندي وختم على بيته وحواصله ثم حضروا في ثاني يوم فضبطوا موجوداته وكتبوها في دفاتر واودعوها في مكان وختموا عليها وارسلوا علم ذلك الى الدولة صحبة صالحة افندي وكان على اهبة السفر فعوقوه حتى حرروا ذلك وسافر في يوم الجمعة سابع عشرينة
وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه احضروا احدى وعشرين راسا لايعلم ماهي وهي متغيرة محشوة بالتبن وشاعوا انها من ناحية المنية وانهم حاربوا عليها وملكوها ولم يظهرلذلك اثر بين
وفي يوم السبت ثامن عشرينه البس الباشا ابن السيد المحروقي فروة سمور وقفطانا على دار الضرب وعلى ما كان ابوه عليه من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي الى المحكمة ثم رجع الى بيته
وفي ذلك اليوم بعد العصر وقع ربع بجوار حمام المصبغة جهة الكعكبيين على الحمام فهدم ليوان المسلخ فمات من به من النساء والاطفال والبنات ثلاثة عشر وخرج الاحياء من داخله وهن عرايا ينفضن غبرات الاتربة والموت وحضر الاغا والوالي ومنعوا من رفع القتلى الا بدراهم ونهبوا متاع النساء وقبضوا على الشيخ محمد العجمي مباشر وقف الغوري ليلا وازعجوه لان ثلث الحمام جار في الوقف والحال أن الحمام لم يسقط وانما هدمه ما سقط عليه وكذلك طلبوا ملاك

الربع وهم الشيخ عمر الغرياني وشركاؤه فذهبوا الى بيت الشيخ الشرقاوي والتجؤا اليه ثم أن القاضي كلم الباشا في امر المردومين وذكر له طلب الحاكم دراهم على رفعهم واجتماع مصيبتين على اهليهم والتمس منه ابطال ذلك الامر فكتب فرمانا بمنع ذلك ونودي به في البلدة وسجل
وفي ليلة الاثنين عمل موسم الرؤية لثبوت هلال رمضان وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة من بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة و نودي انه من شعبان وانقضى شهر شعبان وقادري أغا عاص جهة شابور في قرية وصالح أغا ومن معه من العساكر مستمرون على حصاره وصحبتهم اخلاط من العربان وجلا اهل شابور عنها وخرجوا على وجوههم مما نزل بهم من النهب وطلب الكلف وغير ذلك من العاصي منهم والطائع فإن كلا من الفريقين تسلطوا على نهب البلاد وطلب الكلف وغيرها واذا مرت بهم مركب نهبوها واخذوا ما فيها فامتنع ورود المراكب وزاد الغلاء وامتنع وجود السمن واذا وجد بيع العشرة ارطال بخمسائة نصف فضة وستمائة ولا يوجد وبيع الرطل من البصل في بعض الايام بثمانية انصاف والاردب الفول بثمانية عشر ريالا والقمح بستة عشر ريالا والرطل الشمع الدهن بأربعين نصفا والشيرج بخمسة وثلاثين نصفا واما زيت الزيتون فنادر الوجود وقس على ذلك

شهر رمضان سنة
استهل بيوم الثلاثاء في ثانية حضر صالح أغا الذي كان يحاصر قادري أغا وضربوا له مدافع وتحقق أن قادري طلب امانا فارسلوا مع من معه الى دمياط وذلك بعد أن ضيقوا عليه وحضر اليه كاشف البحيرة وضايقه من الجهة الاخرى وفرغت ذخيرته فعند ذلك ارسل الى كاشف البحيرة فامنه
وفي سابعة وصل جماعة من الانكليز الى مصر وهم نحو سبعة عشر

شخصا وفيهم فسيال كبير وآخر كان بصحبة علي باشا الطرابلسي
وفي عاشره سافر صالح أغا الى جهة بحرى قيل ليأتي بجانم افندي الدفتر دار فإنه لم يزل عاصيا عن الحضور الى مصر
وفيه ركب الباشا في التبديل ونزل من جهة التبانة فوجد في طريقة عسكريا ياخذ حمل تبن من صاحبه قهرا فكلمه وهو لم يعرفه فاغلظ في الجواب فقتله ثم نزل الى جهة باب الشعرية وخرج على ناحية قناطر الاوز فوجد جماعة من العسكر غاصبين قصعة زبدة من رجل فلاح وهو يصيح فادركهم وهم سبعة وفيهم شخص ابن بلد امرد لابس ملابس العسكر فأمر بقتلهم فقبضوا على ثلاثة منهم وفيهم ابن البلد وقتلوهم وهرب الباقون ثم نزل الى ناحية قنطرة الدكة وقتل شخصين أيضا وبناحية بولاق كذلك وبالجملة فقتل في ذلك اليوم نيفا وعشرين شخصا واراد بذلك الاخافة فانكف العسكر عن الايذاء قليلا وتواجد السمن وبعض الاشياء مع غلو الثمن
وفيه تواترت الاخبار بوقوع حرب بين العسكر والامراء المصريين في المنية وقتل من الامراء صالح بك الألفي ومراد بك من الصناجق الجدد المقلدين الامارة خارج مصر وهو زوج امرأة قاسم بك وخزندار البرديسي سابقا موسقو ولم تزل الحرب قائمة بين الفريقين وارسلوا بطلب ذخيرة علوفة فارسلوا لهم بقسما طا وغيره
وفي عشرينه حضر الى الباشا بعض الرواد واخبره أن طائفة من عرب اولاد علي نزلوا ناحية الاهرام بالجيزة وهم مارون يريدون الذهاب الى ناحية قبلي فركب في عسكره اليهم فوجدهم قد ارتحلوا ووجد هناك قبيلة يقال لهم الجوابيص نازلين بنجعهم هناك وهم جماعة مرابطون من خيار العرب لم يعهد منهم ضرر ولا اذية لاحد فقتل منهم جماعة ونهب نجعهم وجمالهم واغنامهم واحضر صحبته عدة اشخاص منهم وعدى الى مصر بمنهو باتهم وقد باع الاغنام والمعز للجزارين قهرا وكذلك الجمال

باعوا منها جملة بالرميلة
وفي سادس عشرينه نهب العربان قافلة التجار الواصلة من السويس وهي نيف واربعة ألاف جمل من البن والبهار والقماش واصيب فيها كثير من فقراء التجار وسلبت اموالهم واصبحو لا ايملكون شيئا
وفيه حضر صالح أغا وصحبته جانم افندي الدفتردار فأسكنه الباشا بالقلعة وذكر جانم افندي المذكور ومن معه للباشا انهم رأوا هلال رمضان ليلة الاثنين صاموه بالاسكندرية ذلك اليوم وكذلك صاموه في رشيد وقوة وغالب بلاد بحرى وحضر أيضا الشيخ سليمان الفيومي قبل ذلك بأيام وحكى ذلك فلم يعمل به القاضي وقال أن رؤى الهلال ليلة الاربعاء افطرنا وان لم يرفهو من رمضان فلما كان بعد عصر ذلك اليوم ضربت مدافع من القلعة فاشتبه على الناس الامر وذهب جماعة الى القاضي وساله وسألوه فقال لا علم لي بذلك وارسل في المساء جماعة من اتباعه وباش كاتب الي منارة المارستان فصعدوا اليها وطلع معهم اخرون وترقبوا رؤية الهلال فلم يروه واخبروا القاضي بذلك فأمر بالصوم ونادوا به واوقدوا المنارات والقناديل وصلوا التراويح بالمساجد وتحقق الناس الصيام من الغد فلما كان بعد العشاءالأخيرة ضربت مدافع كثيرة من القلعة وسواريخ وشنك فوقع الارتباك فأرسل القاضي ينادي بالصوم وذكروا أن هذا المسموع شنك لأخبار وردت بملك المنية وحضر المبشر بذلك لابن السيد احمد المحروقي وخلع عليه خلعة وكذلك بقية الاعيان وبعد حصة مر الوالي ينادي بالفطر والعيد فزاد الارتباك وركب بعض المشايخ الى القاضي وساله فاخبر انه لم يامر بذلك ولم يثبت لديه رؤية الهلال وان غدا من رمضان فخرجوا من عنده يقولون ذلك للناس ويامرونهم بالصوم وانحط الامر على ذلك وطافت المسحرون على العادة فلما كان في سادس ساعة من الليل ارسل الباشا الى القاضي وطلبه فطلع اليه فعرفه بشهادة الجماعة الواصلين من بحري واحضرهم بين يديه فشهدوا برؤية هلال اول الشهر

ليلة الاثنين وهم نحو العشرين شخصا فما وسع القاضي الا قبول شهادتهم وخصوصا لكونهم اتراكا ونزل القاضي ينادي بالفطر ويأمر بطفي القناديل من المنارات واصبح كثير من الناس لاعلم له بما حصل اخرا في جوف الليل وبالجملة فكانت هذه الحادثة من النوادر وتبين أن خبر المنية لا اصل له بل هو من جملة اختلاقاتهم وانقضى شهر رمضان وكان لا بأس به في قصر النهار لانه كان في غاية الانقلاب الشتوي والراحة بسبب غياب العسكر وقلتهم بالبلدة وبعدهم ولم يحصل فيه من الكدورات العامة خصوصا على الفقراء سوى غلاء الاسعار في كل شئ كما تقدم ذكر ذلك في شعبان

شهر شوال
استهل بيوم الابعاء في ثالثه سافر السيد محمد بن المحروقي وجرجس الجوهري ومعهما جملة من العسكر الى جهة القليوبية بسبب القافلة المنهوبة
وفي سادسه طلبوا مال الميري عن سنة عشرين معجلة بسبب تشهيل الحج وكتبوا التنابية بطلب النصف حالا وعينوا بها عساكر عثمانية وجاويشية وشفاسية فدهى الملتزمون بذلك مع أن اكثرهم افلس وباق عليهم بواق من سنة تاريخه وما قبلها لخراب البلاد وتتابع الطلب والفرد والتعايين والشكاوي والتساويف ووقوف العربان بسائر النواحي وتعطيل المراكب عن السفر لعدم الامن وغصبهم ما يرد من السفائن والمعاشات ليرسلوا فيها الذخيرة والعسكر والجبخانة معونة للمحاربين على المنية
وفي عاشرة طلبوا طائفة من المزينين وارسلوهم الى قبلي لمداواة الجرحى
وفيه تواترت الاخبار بحصول مقتلة عظيمة بين المتحاربين وان العسكر حملوا على المنية حملة قوية من البر والبحر وملكوا جهة منها وحضر المبشرون بذلك ليلة الاربعاء اواخر رمضان كما تقدم وعملوا الشنك لذلك الخبر فورد بعد ذلك بنحو ساعتين برجوع الاخصام ثانيا ومقاتلتهم

حتى هزموهم واجلوهم عن ذلك وذلك هو الحامل على المغالطة والمناداة في سابع ساعة بثبوت العيد وافطار الناس ذلك اليوم
وفي يوم السبت ثامن عشرة نزل الباشا الى قراميدان وحضر القاضي والدفترادار وامير الحاج فسلمه الباشا المحمل ونزلوا بقطع الكسوة امام امير الحاج وركب امامه الاغا والوالي والمحتسب وناظر الكسوة بهيئة محتقرة من غير نظام ولا ترتيب ومن خلفهم المحمل على جمل صغير اعرج
وفيه ارسل العسكر يطلبون العلوفة والمعونة فعمل الباشا فردة على الاعيان وعلى اتباعه وجمع لهم خمسمائة كيس وعين للسفر بذلك صالح أغا وعدة عساكر وجبخانة وذخيرة
وفي عشرينة رجع ابن المحروقي وجرجس الجوهري واحضرا معهما بعض احمال قليلة بعد ما صرفا اضعافها في مصالح وكساوي للعرب وغير ذلك
وفيه ورد الخبر بوصول دفتردار جديد الى ثغر سكندرية وهو احمد افندي الذي كان بمصر سابقا وعمل قبطانا بالسويس في ايام محمد باشا وشريف افندي فكتب الباشا عوضا للدولة بانهم راضون على جانم افندي الدفتردار وان اهل البلد ارتاحوا عليه وطلبوا ابقاءه دون غيره وختم عليه القاضي والمشايخ والاختيارية وبعثوه الى الدولة وارسلوا الى الدفتردار الواصل بعدم المجئ ويذهب الى قبرص حتى يرجع الجواب فاستمر بإسكندرية
وفي اواخره تواترت الاخبار بان جماعة من الامراء القبالى ومن معهم من العربان حضروا الى ناحية الفشن وحضر أيضا كاشف الفيوم مجروحا ومعه بعض عسكر ودلاة في هيئة وتتابع ورود كثير من افراد العسكر الى مصر واشيع انتقالهم من امام المنية الى البر الشرقي بعد وقائع كثيرة ومحاربات

وفي يوم الخميس غايته برز امير الحاج المسافر بالمحمل وخرج الى خارج ومعه الصرة او ماتيسر منها وعين للسفر معه عثمان أغا الذي كان كتخدا محمد باشا بجماعة من العسكر لاجل المحافظة ليوصلوه الى السويس ويسافر من القلزم مثل عام اول
وفيه ورد الخبر بضياع ثلاث داوات بالقلزم وانها تلفت بالقرب من الحساني وتلف بها كثيرا من اموال التجار وصرر النقود وكان بها قاضي المدينة احمد افندي المنفصل عن قضاء مصر فغرق وطلعت اولاده ورجعوا الى مصر بعد ايام وسافروا الى بلادهم
وورد الخبر بان القبليين قتلوا حسين بك المعروف باليهودي بعد أن تحققوا خيانته ومخامرته وانقضى هذا الشهر

شهر القعدة الحرام سنة
استهل بيوم الجمعة فيه قرر الباشا فردة على البلاد فجعل على كل بلد من البلاد العال مائة ألف فضة والدون ستين الفا وعين لذلك ذا الفقار كتخدا الألفي على الغربية وعلي كاشف الصابونجي علىالمنوفية وحسن أغا نجاتي المحتسب على الدقهلية وذلك خلاف ما تقرر على البنادر من عشرين كيسا وثلاثين وخمسين ومائة واقل واكثر
وفي ليلة الجمعة ثامنة حضروا بعلي أغا يحيى المعروف بالسبع قاعات ميتا من سملوط وقد كانوا ارسلوه ليكون كتخدا لحسن بك اخي طاهر باشا وكان المحروقي ارسله الى بشبيش فتوعك هناك فطلب الباشا رجلا من الرؤساء يجعله كتخدا لحسن بك فأشاروا عليه بعلي أغا هذا فطلبه من المحروقي فارسل بإحضاره فحضر في اليوم الذي مات فيه المحروقي وسافر بعد ايام الى قبلي فزاد به المرض هناك ومات بسملوط فاحضروه الى مصر بعد موته بخمسة ايام وخرجوا بجنازته في يوم الجمعة من بيته المجاور لبيت المحروقي وصلوا عليه بالأزهر ودفن الى رحمة الله تعالى
وفي ثاني عشرة علقوا ثلاثة رؤوس بباب زويلة لايدري احد من هم

وفي خامس عشرة تواترت الاخبار بوقوع حرب بين العسكر والأمراء القبالي وملك العسكر جهة من المنية بعدما اصطدموا عليها من البر والبحر فوصل الاخصام وحالوا بينهم وبين عسكرهم والمتاريس واجلوهم وقتل من قتل بين الفريقين واحترق عدة مراكب من مراكب العسكر وما فيها من المتاع والجبخانة وارسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة وثياب وغير ذلك وانتشر عسكر القبليين الى جهة بحري حتى وصلوا الى زاوية المصلوب و حاصروا من في بوش والفشن وبني سويف وكذلك من بالفيوم وشرع الباشا واجتهد في تجهيز المطلوبات وتسهيل الاحتياجات وفيه حضرت سعاة من ثغر سكندرية واخبروا بورود عدة مراكب انكلزيه الى المينا وسألوا اهل الثغر عن مراكب فرنسيس وردت المينا ام لا ثم قضوا بعض اشغالهم وذهبوا
وفي ليلة الاربعاء رابع عشرة وقعت حادثة وهو أن كاشفا من اكابر الارنؤد سكن ببيت ابن السكري الذي بالقرب من الحلوجي ويتردد عليه رجل من المنتسبين الى الفقهاء يسمى الشيخ احمد البراني خبيث الافعال يصلي اماما بالمذكور فرأى ما رابه منه مع فراشة فضربه بالخنجر والنبا بيت حتى ظن هلاكه واخرجه اتباعه وحملوه الى منزله في خامس ساعة من الليل وبه بعض رمق ومات بعد ذلك واخبر المشايخ بذلك ورفع القتيل الى المحكمة وتغيب القاتل وامتنع المشايخ من حضور الجامع والتدريس بسبب ذلك وبسبب اولاد سعد الخادم سدنة ضريح سيدي احمد البدوي وقد كانوا شكوا بعضهم وتعين بسبب ذلك كاشف علي احمد بن الخادم وهجم داره وقبض على بناته ونسائه ونبشوا داره وفحروا ارضها للتفتيش على المال وطالت قصتهم من اواخر الشهر الماضي لوقت تاريخه وتكلم المشايخ مرارا مع الباشا في امرهم وهو يغالط طمعا في المال وقد كان سمع تهمتهم بكثرة المال وان محمد باشا خسر واخذ منهم سابقا في ايام ولايته مائة وخمسة وثمانين ألف ريال خلاف حق الطريق وذلك من

مصطفى الخادم وهو الذي يكشو الان قسمه ويقول انه هو الذي شكاني وتسبب في مصادرتي وهو مثلي في الايراد وعنده مثل ما عندي فلما حضروا الدار وفتشوا وقرروا نساءه واتباعه فلم يظهر له شئ قادرجوا هذه القضية في دعوة المقتول وامتنعوا من حضورهم الازهر واشيع امتناعهم من التدريس والافتاء فحضر اليهم سعيد أغا الوكيل وتلطف بهم وطلب منهم تسكين هذه الفتنة وانه يتكفل بتمام المطلوب واستمر الحال على ذلك الى يوم الثلاثاء تاسع عشرة فحضر كتخدا الباشا وسعيد أغا وصالح أغا الى بيت الشيخ الشرقاوي واجتمع هناك الكثير من المتعممين وتكلموا كثيرا ورمحوا المراتب وقالوا لابد من حضور الخصم القاتل والمرافعة معه الى الشرع ورفع الظلم عن اولاد الخادم وعن الفلاحين وامثال ذلك وهم يقولون في الجواب سمعا وطاعة في كل ما تأمرون به وانقضى المجلس على ذلك وذهبوا حيث اتوا فلما كان العصر من ذلك اليوم حضر سعيد أغا وصحبته القاتل الى المحكمة وارسلوا الى المشايخ فحضروا بالمجلس واقيمت الدعوى وحضر ابن المقتول وادعى بقتل ابيه وذكر انه اخبر قبل خروج روحه أن القاتل له الكاشف صاحب المنزل فسئل فانكر ذلك وقال انه كان اماما عنده يصلي به الاوقات وانه لم يات الينا تلك الليلة التي حصل له فيها هذه الحادث فطلب القاضي من ابن المقتول بينة تشهد بقول ابيه فلم يجدوا الا شخصا سمع من المقتول ذلك القول وافتى المالكي انه يعتبر قول المقتول في مثل ذلك لانه في حالة يستحيل عليه فيها الكذب وذلك نص مذهبهم ولا بد من بينة تشهد على قوله فطلب القاضي الشطر الثاني فلم يوجد على أن هناك من كان حاضرا بالمجلس وقت الضرب ومشاهدا للحادثة وكتم الشهادة خوفا على نفسه وانفض المجلس واهمل الامر حتى يأتوا بالبينة
وفي يوم الاحد عزم على السفر محمد افندي حاكم اسنا سابقا بمراكب الذخيرة والجبخانة واللوازم وصحبته عدة من العساكر لخفارتها

شهر الحجة الحارم اختتام سنة
استهل بيوم الاحد في سابعه وردت اخبار بوقوع حرب بين العسكر والمصريين القبليين وهو أن العسكر حملوا على المنية حملة عظيمة في غفلة وملكوها فاجتمعت عليهم الغز والعربان وكبسوا عليهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة واخرجوهم منها واجلوهم عنها ثانيا وذلك في سابع عشرين القعدة
وفي يوم الاحد ثامنه طلع يوسف افندي الذي كان تولى نقابة الاشراف في ايام محمد باشا ثم عزل عنها الى القلعة فقبض عليه صالح أغا قوش وضربه ضربا مبرحا واهانه اهانة زائدة وانزلوه اواخر النهار وحبسوه ببيت عمر افندي النقيب ثم تشفع فيه الشيخ السادات فافرجوا عنه تلك الليلة وذهب الى داره ليلا وذلك بسبب دعوى تصدر فيها المذكور وتكلم كلاما في حق الباشا فحقدوا عليه ذلك وفعلوا معه ما فعلوا ولم ينتطح فيها عنزان
وفي ثالث عشرة طلع المشايخ الى الباشا يهنئونه بالعيد فأخرج لهم ورقة حضرت اليه من محمد افندي حاكم اسنا سابقا الذي سافر بالذخيرة انفا واستمر ببني سويف ولم يقدر على الذهاب الى قبلي ومضمون تلك الورقة أن البرديسي قتل الالفي غيلة ولم يكن لهذا الكلام صحة
وفيه وردت اخبار بقدوم طائفة من الدلاة على طر يق الشام وبالغوافي عددهم فيقولون اثنا عشر ألف واكثر وانهم وصلوا على الصالحية وانهم طالبون علوفة وذخيرة فشرعوا في تشهيل ملاقاة للمذكورين وطلبوا من تجار البهار خمسمائة كيس وزعوها وشرعوا في جمعها
وفيه وصلت طائفة من القبالي والعرب الى بلاد الجيزة وطلبوا من البلاد دراهم وكلفا ومن عصى عليهم من البلاد ضربوه وعدى كتخدا الباشا وجملة من العساكر الى بر الجيزة وشرعوا في تحصينها وعملوا بها متاريس وتردد الكتخدا في النزول والتعدية الى هناك والرجوع ثم

انه عدى في رابع عشرة واقام هناك واحضروا ثلاثة رؤوس من العرب في ذلك اليوم وفي يوم الجمعة رجح الكتخدا واشيع رجوع المذكورين
وفيه قرروا فردة اخرى على البلاد لاجل عسكر الدلاة القادمين وجعلوا على كل بلد عشرين اردب فول و عشرين خروفا وعشرين رطل سمن وعشرين رطل بن وعشرة قناطير عيش وربع اردب وسدس ارز ابيض ومثله برغل وكلفة المطبخ ألف فضة وذلك خلاف حق الطريق والاستعجالات المتتابعة وكلها بمقررات وحق الطرقات
وفي يوم الاربعاء ثامن عشرة حضر ططرى من ناحية قبلي واخبر أن العسكر دخلوا الى المنية وملكوها فضربوا مدافع كثيرة من القلعة وعملوا شنكا واظهر العثمانية واغراضهم الفرح والسرور وكأنهم ملكوا مالطة وبالغوا في الاخبار والروايات الكذب في القتلى وغير ذلك والحال أن الاخصام خرجوا منها وزحموها ولم يبقوا بها ما ينقره الطير ولم يقع بينهم كبير قتال بل أن العسكر لما دهموها من الناحية القبلية ولم يكن بها الا القليل من المصريين وباقيهم خارجها من الناحية الاخرى فتحاربوا مع من بها وهزموهم فولى اصحابهم وتركوهم بالبلدة فدخلوها فلم يجدوا بها شيئا
وفي يوم الخميس وصل اغات المقرر وهو عبد اسود وطلع الى القلعة بموكب وعملوا له شنكا ومدافع وقرأوا المقرر في ذلك اليوم بحضرة الجمع
وفي يوم الاحد ثاني عشرينه وصلت طائفة من العرب بناحية الجيزة فوصل الخبر الى الكاشف الذي بها وهو دملي عثمان كاشف الذي قتل الشيخ احمد البراني المتقدم ذكره فانه بعد تلك الحادثة قلدوه كشوفية الجيزة وذهب اليها واقام بها فلما بلغه ذلك ركب على الفور في نحو خمسة وعشرين خيالا ورمحوا عليهم فانهزموا امامهم فطمع فيهم وذهب خلفهم الى ناحية برنشت فخرج عليه كمين آخر واحتاطوا به وقتلوه

وقطعوا رأسه وستة انفار معه وذهبوا برؤوسهم على مزاريق واقتص الله منه فكان بينه وبين قتله للمذكور دون الشهر وكان مشهورا فيهم بالشجاعة والاقدام
وفيه اجتهدوا في تشهيل علوفة وذخيرة وجبخانة وسفروها مع جملة من العسكر نحو الخمسمائة في يوم الاثنين ثالث عشرينه
وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه وصل الدلاة الى الخانكة فحضر منهم طائفة ودخلوا الى مصر فردوهم الى اصحابهم حتى يكونوا بصحبتهم في الدخول
وفي يوم الخميس نزل كتخدا الباشا وصالح اغاقوش وخرجوا الى جهة العادلية لملاقاة الدلاة المذكورين وكبيرهم يقال له ابن كور عبدالله
وفي يوم الجمعة دخل الدلاة المذكورين وصحبتهم الكتخدا وصالح اغاقوش وكاشف الشرقية وكاشف القليوبية وطوائف العسكر ومعهم نقاقير وطبول وهم نحو الالفين وخمسمائة اجناس مختلفة واشكال مجتمعة فذهبوا الى ناحية مصر القديمة ونواحي الاثار وانقضت السنة وما حصل بها من الغلاء وتتابع المظالم والفرد على البلاد واحداث الباشا له مرتبات وشهريات على جميع البلاد والقبض على افراد الناس بادنى شبهة وطلب الاموال منهم وحبسهم واشتد الضنك في آخر السنة وعدم القمح والفول والشعير وغلا ثمن كل شىء ولولا اللطف على الخلائق بوجود الذرة حتى لم يبق بالرقع والعرصات سواه واستمرت سواحل الغلال خالية من الغلة هذا العام من العام الماضي وبطول هذه السنة امتنع الوارد من الجهة القبلية ومع ذلك اللطف حاصل من المولى جل شأنه ولم يقع قحط ولا موت من الجوع كما رأينا في الغلوات السابقة من عدم الخبز في الاسواق وخطف اطباق العيش والعكعك واكل القشور وما يتساقط في الطرقات من قشور الخضروات وغير ذلك

واما من مات في هذه السنة من الاعيان
فقد مات العمدة العلامة والنحرير الفهامة الفقيه النبيه الاصولي النحوي

المنطقي الشيخ موسى السرسي الشافعي اصله من سرس الليانة بالمنوفية وحضر الى الازهر ولازم الاستفادة وحضور الاشياخ من الطبقة الثانية كالشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الفرموي وغيرهم وتمهروا نجب في المعقولات والمنقولات واقراء الدروس وافاد الطلبة وانطوى الشيخ حسن الكفراوي مدة ورافقه في الافتاء والقضايا ثم الى شيخنا الشيخ احمد العروسي وصار من خاصة ملازميه وتخلق باخلاقه وألزم أولاده بحضور دروسه المعقولية وغيرها دون غيره لحسن القائه وجودة تفهيمه وتقريره واشتهر ذكره وراش جناحه وراج امره بانتسابه للشيخ المذكور واشترى املاكا واقتنى عقارا بمصر وببلده سرس ومنوف ومزارع وطواحين ومعاصر واشترى دار نفيسة بدرب عبد الحق بالازبكية وعدد الأزواج واشترى الجواري والعبيد والحبشيات الحسان وكان حلو المفاكهة حسن المعاشرة عذب الكلام مهذب النفس جميل الاخلاق ودودا قليل الادعاء محبا لاخوانه مستحضرا للفروع الفقهية وكان يكتب على غالب الفتاوى عن لسان الشيخ العروسي ويعتمده في النقول والاجوبة عن المسائل الغامضة والفروع المشكلة وله كتابات وتحقيقات ولم يزل مشتغلا بشأنه حتى تعلل اياما بدار بميدان القطن مطلة على الخليج وتوفي يوم السبت سادس عشرين جمادى الاولى من السنة
ومات الجناب المكرم والمشير المفخم الوزير الكبير والدستور الشهير احمد باشا الشهير بالجزار واصله من بلاد البشناق وخدم عند المرحوم علي باشا حكيم اوغلي وعمل عنده شفاسيا وحضر صحبته الى مصر في ولايته الثانية سنة احدى وسبعين ومائة والف فتشوقت نفسه الى الحج واستأذن مخدومه فأذن له في ذلك واوصى عليه امير الحاج اذ ذاك صالح بك القاسمي فأخذه صحبته واكرمه وواساه رعاية لخاطر علي باشا ورجع معه الى مصر فوجد مخدومه قد انفصل من ولاية مصر وسافر

الى الديار الرومية ووصل نعيه بعد اربعة اشهر من ذهابه فاستمر المترجم بمصر وتزيا بزي المصريين وخدم عند عبدالله بك تابع علي بك بلوط قبان وتعلم الفروسية على طريق الاجناد المصرية فارسل علي بك عبدالله بك بتجريدة الى عرب البحيرة فقتلوه فرجع المترجم مع باقي اصحابه الى مصر فقلده علي بك كشوفية البحيرة وقال له ارجع الى الذين قتلوا استاذك وخلص ثأره فذهب اليهم وخادعهم واحتال عليهم وجمعهم في مكان وقتلهم وهم نيف وسبعون كبيرا وبذلك سمي الجزار ورجع منصورا واحبه علي بك لنجابته وشجاعته وتنقل عنده في الخدم والمناصب والامريات ثم قلده الصنجقية وصار من جملة امرائه ولما خرج علي بك منفيا خرج صحبته ورافقه في الغربة والتنقلات والوقائع ولم يزل حتى رجع علي بك وصحبته صالح بك من الجهة القبلية وقتل خشداشينه وغيرهم ثم عزم على غدر صالح بك واسر بذلك الى خاصته ومنهم المترجم فلم يسهل به ذلك وتذكر ما بينه وبين صالح بك من المعروف السابق فأسر به اليه وحذره فلما اختلى صالح بك بعلي بك عرض له بذلك فحلف له علي بك انه باق على مصافاته وكذب المخبر الى أن كان ما كان من قتلهم وغدرهم لصالح بك كما تقدم واحجام المكترجم وتاخره عن مشاركته لهم في دمه ومناقشتهم له بعد الانفصال فتجسم له الامر فتنكر وخرج هاربا من مصر في صورة شخص جزائرلي وتفقده علي بك واحاط بداره وكان يسكن ببيت شكر فره بالقرب من جامع ازبك اليوسفي فلم يجدوه وسار المذكور الى الاسكندرية وسافر الى الروم ثم رجع الى البحيرة واقام بعرب الهنادي وتزوج هناك ولما ارسل علي بك التجاريد الى ابن حبيب والهنادي حارب المترجم معهم ثم سار الى بلاد الشام فاستمر هناك في هجاج وتنقلات ومحاربات واشترى مماليك واجتمع لديه عصبة واشتهر امره في تلك النواحي ولم يزل على ذلك الى أن مات الظاهر عمر في سنة تسع وثمانين ومائة والف ووصل حسن باشا الجزائرلي الى عكا فطلب من

يكون كفؤا للاقامة بحصتها فذكروا له المترجم فاستدعاه وقلده الوزارة واعطاه الاطواخ والبيرق واقام بحصن عكا وعمر اسوارها وقلاعها وانشا بها البستان والمسجد واتخذ له جندا كثيفا واستكثر من شراء المماليك واغار على تلك النواحي وحارب جبل الدروز مرارا وغنم منهم اموالا عظيمة ودخلوا في طاعته وضرب عليهم وعلى غيرهم الضرائب وجبيت اليه الاموال من كل ناحية حتى ملأ الخزائن وكنز الكنوز وصار يصانع اهل الدولة ورجال السلطنة ويتابع ارسال الهدايا والاموال اليهم وتقلد ولاية بلاد الشام وولى على البلاد نوابا وحكاما من طرفه وطلع بالحج لشامي مرارا واخاف النواحي وعاقب على الذنب الصغير بالقتل والحبس والتمثيل وقطع الآناف والآذان والاطراف ولم يغفر زلة عالم لعلمه اوذى جاه لوجاهته وسلب النعم عن كثير جدا من ذوى النعم واستأصل اموالهم ومات في محبسه مالا يحصى من الاعيان والعلماء وغيرهم ومنهم من اطال حبسه سنين حتى مات واتفق انه استراب من بعض سراريه ومماليكه فقتل من قويت فيه الشبهة وحرقهم ونفى الباقي الجميع ذكورا واناثا بعد أن مثل بهم وقطع آنافهم واخرجهم من عكا وطردهم وشردهم وسخط على من اواهم او تاواهم ولو في اقصى البلاد وحضر الكثير منهم الى مصر وخدموا عند الامراء وانضوى نحو العشرين شخصا منهم وخدموا عند علي بك كتخدا الجاويشية فلما بلغ المترجم ذلك تغير خاطره من طرفه وقطع حبل وداده بعد أن كان يراسله ويواصله دون غيره من امراء مصر وكان ذلك سبب استيحاشه منه الى أن مات ولما فعل بهم ذلك تعصب عليه مملوكاه سليم باشا الكبير وسليمان باشا الصغير وهو الموجود الآن وانضم اليهما المتآمرون من خشداشينهما وغيرهم غيظا على ما فعله بخشداشينهم وعلمهم بوحدته وانفراده وحاصروه بعكا ولم يكن معه الا القليل من العساكر البرانيين والفعلة والصناع الذين يستعملهم في البناء فألبسهم طراطير مثل الدلاة واصعدهم الى الاسوار مع الرماة والطبجية وورآهم المخالفون عليه فتعجبوا وقالوا انه يستخدم الجن

وكبس عليهم في غفلة من الليل وحاربهم وظهر عليهم واذعنوا لطاعته وتفرق عنهم المساعدون لهم ثم تتبعهم واقتص منهم وكاد البلاد وقهر العباد ونصبت الدولة فخاخا لصيده مرارا فلم يتمكنوا من ذلك فلم يسعهم بعد ذلك الا مسالمته ومسايرته وثبت قدمه وطار صيته في جميع الممالك الاسلامية والقرانات الافرنجية والثغور واشتهر ذكره وراسله ملوك النواحي وارسلهم وهادوه وهابوه وبنى عدة صهاريج وملأها بالزيت والسمن والعسل والسيرج والارز وانواع الغلة وزرع ببستانه سائر اصناف الفواكه والنخيل والاعناب الكثيرة وجدد دولته ثانيا واشترى مماليك وجواري بدلا عن الذين ابادهم بالجملة فكان من غرائب الدهر واخباره لا يفي القلم بتسطيرها ولا يسعف الفكر بتذكارها ولو جمع بعضها جاءت مجلدات ولو ولم يكن له من المناقب الااستظهاره على الفرنساوية وثباته في محاربتهم له اكثر من شهرين لم يغفل فيها لحظة لكفاه وكان يقول أن الفرنساوية لو اجتهدوا في ازالة جبل عظيم لازالوا في اسرع وقت وقد تقدم بعض خبر ذلك في محله وكان يقول انا المنتظر وانا احمد المذكور في الجفور الذي يظهر بين القصرين واستخرج له الكثير من الذين يدعون معرفة الاستخراج عبارات تأيلات ورموزا واشارات ويقولون المراد بالقصرين مكانان جهة الشام او المحملان او نحو ذلك من الوساوس ولم يزل حتى توفي في آخر هذا العام على فراشه وكان سليمان باشا تابعه غائب بالحجاز في امارة الحج الشامي فلما علم انه مفارق الدنيا احضر اسماعيل باشا والي مرعش وكان في محبسه يتوقع منه المكروه في كل وقت فأقامه وكيلا عنه الى حضور سليمان باشا من الحج واعطاه الدفاتر وعرفه بعلوفة العسكر واوصاه فلما انقضى نحبه ودفنوه صرف النفقة واتفق مع طه الكردي وصالح الدولة وتحصن بعكا وحضر سليمان باشا فامتنعا عليه ولم يمكنه الدخول اليها فاستمر اسمعيل باشا الى أن اخرجه اتباع المترجمع بحيلة وملكوا سليمان باشا بعد امور لم تحقق كيفيتها وذلك

في السنة التالية
ومات عين الاعيان ونادرة الزمان شاه بندر التجار والمرتقى بهمته الى سنام الفخار النبيه النجيب والحسيب النسيب السيد احمد بن احمد الشهير بالمحروقي الحريري كان والده حريريا بسوق العنبريين بمصر وكان رجلا صالحا منور الشيبة معروفا بصدق اللهجة والديانة والامانة بين اقرانه وولد له المترجم فكان يدعو له كثير في صلاته وسائر تحركاته فلما ترعرع خالط الناس وكتب وحسب وكان على غاية من الحذق والنباهة واخذ واعطي وباع واشترى وشارك وتداخل مع التجار وحاسب على الالوف واتحد بالسيد احمد بن عبدالسلام وسافر معه الى الحجاز واحبه وامتزج به امتزاجا كليا بحيث صارا كالتوأمين او روح حلت بدنين ومات عمدة التجار العرايشي وهو بالحجاز وهو اخو السيد احمد بن عبدالسلام في تلك السنة فاحرز مخلفاته وامواله ودفاتر شركائه فتقيد المترجم بمحاسبة التجار والشركاء والوكلاء ومحاققتهم فوفر عليه لكوكا من الأموال واستأنف الشركات والمعوضات وعد ذلك من سعادة مقدم المترجم ومرافقته له ورجع صحبته الى مصر وزادت محبته له ورغبته فيه وكان لابن عبدالسلام شهرة ووصلة بأكابر الأمراء كأبيه وخصوصا مراد بك فيقضى له ولامرائه لوازمهم اللازمة لهم ولأتباعهم واحتياجاتهم من التفاصيل والاقمشة الهندية وغيرها وينوب عنه المترجم في غالب اوقاته وحركاته ولشدة امتزاج الطبيعة بينهما صار يحاكيه في الفاظه ولغته وجميع اصطلاحاته في الحركات والسكنات والخطرات واشتهر ذكره به عند التجار والأعيان والأمراء واتحدا بمحمد أغا البارودى كتخدا مراد بك اتحاد زائدا واتحفاه بالجرايا وخصصاه بالمزايا فراج به عند مخدومه شأنهما وارتفع بالزيادة قدرهما ولما تأمر اسمعيل بك واستوزر أيضا البارودي استمر حالهما كذلك بل واكثر الى أن حصل الطاعون ومات به السيد احمد بن عبدالسلام في شعبان فاستقر المترجم في مظهره ومنصبه شاه بندر التجار بواسطة

البارودي أيضا وسعايته وسعادة طالعه وسكن داره العظيمة التى عمرها بجوار الفحامين محل دكة الحسبة القديم وتزوج بزوجاته واستولى على حواصله ومخازنه واستقل بها من غير شريك ولا وارث وعند ذلك زادت شهرته وعظم شانه ووجاهته ونفذت كلمته على اقرانه ولم يزل طالعه يسمو وسعده يزيد وينمو وعاد مراد بك والامراء والمصريون بعد موت اسمعيل بك وانقلاب دولته الى امارة مصر فاختص بخدمته وقضاء سائر اشغاله وكذلك ابراهيم بك وباقي الامراء وقدم لهم الهدايا والظرائف وواسى الجميع اعلاهم وادونهم بحسن الصنع حتى جذب اليه قلوب الجميع ونافس الرجال وانعطعفت اليه الآمال وعامل تجار النواحي والأمصار من سائر الجهات والاقطار واشتهر ذكره بالأراضي الحجازية وكذا بالبلاد الشامية والرومية واعتمدوه وكاتبوه وارسلوه واودعوه الودائع واصناف التجارات والبضائع وزوج ولده السيد محمد وعمل له مها ! عظيما افتخر فيه الى الغاية ودعا الأمراء والأكابر والأعيان وارسل اليه ابراهيم بك ومراد بك الهدايا العظيمة المحملة على الجمال الكثيرة وكذلك باقي الأمراء ومعها الأجراس التي لها رنة تسمع من البعد ويقدمها جمل عليه طبل نقارية وذلك خلاف هدايا التجار وعظماء الناس والنصارى الأروام والأقباط الكتبة وتجار الافرنج والأتراك والشوام والمغاربة وغيرهم وخلع الخلع الكثيرة واعطى البقاشيش والإنعامات والكساوي ولا يشغله امر عن اخر يمضيه او غرض ينفذه ويقضيه كما قيل اخو عزمات لايريد على الذي يهم به من مفظع الأمر صاحبا اذا هم القى بين عينيه عزمة فكب عن ذكر العواقب جانبا
وحج في سنة اثنتي عشرة ومائتين والف وخرج في تجمل زائد وجمال كثيرة وتختروانات ومواهي ومسطحات وفراشين وخدم وهجن وبغال وخيول وكان يوم خروجه يوما مشهودا اجتمع الكثير من العامة والنساء وجلسوا بالطريق للفرجة عليه ومن خرج معه لتشييعه ووداعه

من الأعيان والتجار الراكبين والراجلين معه منهم وبأيديهم البنادق والأسلحة وغير ذلك وبعث بالبضائع والذخائر والقومانية والأحمال الثقيلة على طريق البحر لمرساة الينبع وجدة وعند رجوع الركب وصل الفرنساوية الى بر مصر ووصلهم الخبر بذلك وارسل ابراهيم بك الى صالح بك امير الحاج يطلبه مع الحجاج الى بلبيس كما تقدم وذهب بصحبتهم المترجم وجرى عليه ما ذكر من نهب العرب متاعه وحموله وكان شيئا كثيرا حتى ما عليه من الثياب وانحصر بطريق القرين فلم يجد عند ذلك بدا من مواجهة الفرنساوية فذهب الى سارى عسكر بونابارته وقابله فرحب به واكرمه ولامه على فراره وركونه للماليك فاعتذر اليه بجهل الحال فقبل عذره واجتهد له في تحصيل المنهوبات وارسل في طلب المتعدين واستخلص ما امكن استخلاصه له ولغيره وارسلهم الى مصر واصحب معهم عدة من العساكر لخفارتهم ويقدمهم طلبهم وهم مشاة بالاسلحة بين ايديهم حتى ادخلوهم الى بيوتهم ولما رجع ساري عسكر الى مصر تردد عليه واحله محل القبول وارتاح اليه في لوازمه وتصدى للأمور وقضايا التجارة وصار مرعى الجانب عنده ويقبل شفاعته ويفصل القوانين بين يديه ويدي اكابرهم ولما رتبوا الديوان تعين من الرؤساء فيه وكاتبوا التجار واهل الحجاز وشريف مكة بواسطته واستمر على ذلك حتى سافر بونابارته ووصل بعد ذلك عرضي العثمانية والأمراء المصرية فخرج فيمن خرج لملاقاتهم وحصل بعد ذلك ما حصل من نقض الصلح والحروب واجتهد المترجم في ايام الحرب وساعد وتصدى بكل همته وصرف اموالا جمة في المهمات والمؤن الى أن كان ما كان من ظهور الفرنساوية وخروج المحاربين من مصر ورجوعهم فلم يسعه الا الخروج معهم والجلاء عن مصر فنهب الفرنساوية داره وما يتعلق به ولما استقر يوسف باشا الوزير جهة الشام انسة المترجم وعاضده واجتهد في حوائجه واقترض الأموال وكاتب التجار وبذل همته وساعده بمالا يدخل تحت

طوق البشر ويراسل خواصه بمصر سرا فيطالعونه بالأخبار والأسرار الى أن حصل العثمانيون بمصر فصار المترجم هو المشار اليه في الدولة والتزم بالاقتطاعات والبلاد وحضر الوزير الى داره وقدم اليه التقادم والهدايا وباشر الأمور العظيمة والقضايا الجسيمة وما يتعلق بالدولة والدواوين والمهمات السلطانية وازدحم الناس ببابه وكثرت عليه الأتباع والأعوان والقواسة والفراشون وعساكر رومية ومترجمون وكلارجية ووكلاء وحضرت مشايخ البلاد والفلاحون الكثيرة بالهدايا والتقادم والأغنام والجمال والخيول وضاقت داره بهم فاتخذ دورا بجواره وانزل بها الوافدين وجعل بها مضايف وحبوسا وغير ذلك
ولما قصد يوسف باشا الوزير السفر من مصر وكله على تعلقاته وخصوصياته وحضر محمد باشا خسرو فاختص به أيضا اختصاصا كليا وسلم اليه المقاليد الكلية والجزئية وجعله امير الضربخانة وزادت صولته وشهرته وطار صيته واتسعت دائرته وصار بمنزلة شيخ البلد بل اعظم ونفدت اوامره في الاقليم المصري والرومي والحجازي والشامي ودرك من العز والجاه والعظمة مال يتفق لامثالة من اولاد البلد وكان ديوان بيته اعظم الدواوين بمصر وتغرب وجهاء الناس لخدمته والوصول لسدته ووهب واعطى وراعى جانب كل من انتمى اليه واغدق عليه وكان يرسل الكساوي في رمضان للاعيان والفقهاء والتجار وفيها الشالات الكشميري ويهب المواهب وينعم الانعامات ويهادي احبابه ويسعفهم ويواسيهم في المهمات وعمل عدة اعراس وولائم وزار محمد باشا المذكور في داره مرتين او ثلاثة باستدعاء وقدم له التقادم والهدايا والتحاليف والرخوت المثمنة والخيول والتعابي من الاقمشة الهندية والمقصبات ولما ثارت العسكر على محمد باشا وخرج فارا كان بصحبته في ذلك الوقت فركب ايضا يريد الفرار معه واختلف بينهما الطرق فصادفه طائفة من العسكر فقبضوا عليه وعروا ثيابه وثياب ولده ومن معه واخذوا منه جوهرا

كثيرا ونقودا ومتعا فلحقه عمر بك الارنؤدي الساكن ببولاق وادركه وخلصه من ايديهم واخذه الى داره وحماه وقابل به محمد علي وغيره وذهب الى داره واستقر بها الى أن انقضت الفتنة وظهر طاهر باشا فساس امره معه حتى قتل وحضر الأمراء المصريون فتداخل معهم وقدم لهم وهاداهم واتحد بهم وبعثمان بك البرديسي فأبقوه على حالته ونجز مطلوبات الجميع ولم يتضعضع للمزعجات ولم يتقهقر من المفزعات حتى انهم لما ارادوا تقليد الستة عشر صنجاقافي يوم احضره البرديسي تلك الليلة واخبره بما اتفقوا عليه ووجده مشغول البال متحيرا في ملزوماتهم فهون عليه الأمر وسهله وقضى له جميع المطلوبات واللوازم للستة عشر اميرا في تلك الليلة وما اصبح النهار الا وجميع المطلوبات من خيول ورخوت وفراوي وكساوي ومزر كشات وذهب وفضة برسم الإنعامات والبقاشيش ومصروف الجيب حاضر لديه بين يديه حتى تعجب هو والحاضرون من ذلك وقال له مثلك من يخدم الملوك واعطاه في ذلك اليوم فارسكور زيادة عما بيده ولما ثارت العسكر على الأمراء المصريين واخرجوهم من مصر واحضروا حمد باشا خورشيد من سكندرية وقلدوه ولاية مصر وكان كبعض الأغوات مختصر الحال هياله رقم الوزارة والرخوت والخلع واللوازم في اسرع وقت واقرب مدة ولم يزل شأنه في الترفع والصعود وطالعه مقارنا للسعود وحاله مشهور وذكر منشور حتى فاجاته المنية وحالت بينه وبين الامنية وذلك انه لما دعا الباشا في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر شعبان نزل الى داره وتغدى عنده واقام نحو ساعتين ثم ركب وطلع الى القلعة فارسل في اثره هدية جليلة صحبة ولده والسيد احمد الملاترجمانة وهي بفج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وتحايف وخيول مرختة وبدونها برسمة ورسم كبار اتباعه ومضى على ذلك خمسة ايام فلما كان ليلة الأحد ثاني عشرين شعبان المذكور جلس حصة من الليل مع اصحابه يحادثهم ويملي الكتبة والمراسلات والحسابات فأخذته رعدة وقال

اني اجد بردا فدثروه ساعة ثم ارادوا ايقاظه ليدخل الى حريمه فحركوه فوجدوه خالصا قد فارق الدنيا من تلك الساعة التي دثروه فيها فكتلوا امره حتى ركب ولده السيد محمد الى الباشا في طلوع النهار واخبره ثم رجع الى داره وحضر ديوان افندي والقاضي وختموا على خزانته وحواصله واشهروا موته وجهزوه وكفنوه وصلوا عليه بالأزهر في مشهد حافل ثم رجعوا به الى زاوية العربي تجاه داره ودفنوه مع السيد احمد بن عبد السلام وانقضى امره ثم أن الباشا البس ولده السيد محمد فروة وقفطانا على الضر بخانة وما كان عليه والده من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي ثم ذهب الى داره بارك الله فيه واعانه علىلا وقته
ومات الأمير المبجل على أغا يحيى واصله مملوك يحيى كاشف تابع احمد بك السكري الذي كان كتخدا عند عثمان بك الفقاري الكبير المتقدم ذكرهما ولما ظهر علي بك وارسل محمد بك ومن معه الى جهة قبلى بعد قتل صالح بك كان الأمير يحيى في جملة الأمراء الذين كانو بأسيوط ووقع لهم ما تقدم ذكره من الهزيمة وتشتتوا في البلاد فذهب الأمير يحيى الى اسلامبول وصحبته مملوكة المترجم واقام هناك الى أن مات فحضر الامير على تابعه الى مصر في ايام محمد بك وتزوج ببنت استاذه وسكن بحارة السبع قاعات واشتهر بها وعمل كتخدا عند سليمان أغا الوالي الى أن تقلد سليمان أغا المذكور اغاوية مستحفظان فصار المترجم مقبولا عند ويتوسط للناس عنده في القضايا والدعاوي واشتهر ذكره من حينئذ وارتاح الناس عليه في غالب المقتضيات وباشر فصل الحكومات بنفسه وكان قليل الطمع لبن الجانب ولما تقلد مخدومه الصنجقية في الأمور الجسيمة عند الأمراء ولما حضر حسن باشا وخرج مخدومه من مصر مع من خرج وظهر شأن اسمعيل بك والعلويين استوزره حسن بك الجداوي وعظم امره

أيضا في ايامه مع مباشرته لوازم مخدومه الاول وقضاء اشغاله سرا واشترى دار مصطفى أغا الجراكسة التي بجوار العربي بالقرب من الفحامين وانتقل من السبع قاعات وسكن بها وسافر مرارا الى الجهة القبلية سفيرا بين الأمراء البحرية والقبلية في المراسلات والمصالحات وكذلك في بعض المقتضيات بالبلاد البحرية ولم يزل وافر الحرمة حتى كانت دولة العثمانيين ونما امر السيد احمد المحروقي فانضوى اليه لقرب داره منه فقيده ببعض الخدم وجبي الأموال من البلاد الجسيمة فأرسله قبل موته الى جهة بشبيش فمرض بها فلما تأمر حسن بك اخو طاهر باشا على التجريدة الموجهة الى ناحية قبلى طلبوا رجلا من المصريين يكون رئيسا عاقلا يكون كتخدا فأشاروا على المترجم فطلبه الباشا من السيد احمد المحروقي فارسل اليه بالحضور فوصل في اليوم الذي توفي فيه المحروقي فاقام اياما حتى قضى اشغاله وسافر وهو متوعك وتوفي بسملوط في ثالث القعدة وحضر برمته في ليلة الجمعة ثامنه وخرجوا بجنازته من بيته وصلوا عليه بالازهر ودفنوه بالقرافة رحمه الله تعالى وغفر له

واستهلت سنة عشرين ومائتين والف
فكان ابتداء المحرم يوم الإثنين ولما نزل الدلاة جهة البساتين وتلك النواحي فأكلوا زروعات الناس ونهبوا دورابدير الطين وطلبوا علوفات زائدة رتب لهم الباشا الجرايات والعليق والجامكية وقدرها ستمائة كيس في كل شهر
وفي ثامنه سافر اناس كثيرة لزيارة مولد سيدي احمد البدوي المعتاد وسافر أيضا الشيخ الشرقاوي وحضر هناك كاشف الغربية وحصل منه قبائح كثيرة وقبض على خلائق كثيرة وبلصهم وحبسهم وخوزق اناسا كثيرة من غير ذنب ولا يقبل شفاعة احد في شئ
وفيه اشيع قدوم محمد علي وحسن باشا الى مصر وذلك انهما لما

سمعا بوصول طائفة الدلاة وان احمد باشا ارسل اليهم وطلبهم ليتعاضد بهم ويقوي بهم ساعده على الارنؤدية عزموا على الرجوع الى مصر ليتلافوا امرهم قبل استفحال الامر
وفي يوم الخميس حادي عشره طلب الباشا المشايخ وعمر افندي النقيب والوجا قليلة وارباب الديوان فلما اجتمعوا قال لهم أن محمد علي وحسن باشا راجعان من قبلي من غير اذن وطالبان شرافاما لن يرجعا من حيث اتيا ويقاتلا المماليك واما أن يذهبا الى بلادهما او اعطيهما ولايات ومناصب في غير اراضي مصر ومعي امر من السلطان ووكيل مفوض ودستور مكرم اعزل من اشاء واولي من اشاء واعطي من اشاء وامنع من اشاء ثم اخرج من جيبه ورقة صغيرة في كيس حرير اخضر واخبرهم انها بخط السلطان بماذكر فانتم تكونون معي وتقيمون عندي صحبة كبار الوجاقلية فقالوا له أن الشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ المهدي غائبون عن مصر فقال نرسل لهم بالحضور فكتبوا لهم اوراقا من الباشا وارسلوها اليهم مع السعاة يستعجلونهم للحضور ثم اتفقوا على أن يبيت عنده بالقلعة في كل ليلة اثنان من المتعممين واثنان من الوجاقلية واعدو لهم مكانا بالضربخانة وامر بان يذهب الدلاة والعسكر الباقية الى ناحية طرا الجيزة واخذوا مدافع وجبخانة ووصل محمد علي وحسن باشا الى ناحية طرا ومعهم عساكرهم فلم يجسر الدلاتية على مما نعتهم وكادلهم محمد علي مكايد منها انه ارسل اليهم يقول انما جئنا في طلب العلائف ولسنا مخالفين ولا معاندين فقال الدلاتية لبعضهم اذا كان الأمر كذلك فلاوجه للتعرض لهم واخلوا من طريقهم ودخل الكثير من طوائف عساكرهم ورجع الدلاتية الى اماكنهم بدير الطين وقصر العيني والآثار ونزل كتخدا الباشا وعمر بك الأرنؤدي فتكلما مع الدلاتية فقالوا أن القوم لم يكن عندهم خلاف ولاتعدوا اذا كنتم تمنعون وتحاربون من يطلب حقه فكذلك تفعلون معنا اذا خدمناكم زمنا ثم طلبنا علائفنا فرجع الكتخدا وعمر بك الارنؤدي

وتتابع دخول اولئك في كل يوم طائفة بعد اخرى وسكنوا الدور والبيوت
وفي يوم الاربعاء ذهب اليهم سعيد اغا وقابجي باشا الأسودان وسلما على محمد علي وحسن باشا ثم رجعا
وفي يوم الجمعة تاسع عشره دخل محمد علي بعد العصر وذهب الى بيته بالازبكية ودخل حسن باشا في صبحها ودخلت طوائفهم واخذوا الحمير والبغال وجمال السقائين لينقلوا عليها متاعهم ودخلوا البيوت وازعجوا السكان واخرجوهم من مساكنهم وفتحوا البيوت المسدودة وكثرت اخلاطهم بالاسواق ومنع الباشا المشايخ والوجاقلية من الذهاب الى محمد علي والسلام عليه واستمر الامر على القلقلة واللقلقة والتوحش واخذ محمد علي في التدابير على احمد باشا وخلعه

شهر صفر الخير سنة
استهل بيوم الاربعاء والامر على ما هو عليه وسعيد أغا ساع ومجتهد في اجراء الصلح ويركب تارة الى الباشا وتارة الى محمد علي والى حسن باشا ويطلع من المشايخ في كل ليلة اثنان وكذلك اثنان من الوجاقلية يبيتون لمكان في دار الضرب وينزلون في الصباح ولم يعقل لذلك معنى وفي كل وقت يقع التشاحن بين افراد العسكر في الطرقات ويقتلون بعضهم بعضا وحضر سليمان كاشف البواب ومر من خلف الجيزة وذهب الى جهة وردان وطلب الاموال من البلاد والكلف وعدى خازنداره الى بر المنوفية ومعه عدة كثيرة من العربان بطلب الاموال من البلاد ومن عصى عليهم من البلاد ضربوهم ونهبوهم وحرقوا اجرانهم وكاشف المنوفية داخل منوف لا يقدر على الخروج الى خارج وحضر أيضا محمد بك الألفي الى ناحية أبي صير الملق وانتشرت طوائفه وعربانه بأقليم الجيزة ومصر مشحونة باخلاط العسكر واجناسهم المختلفة داخل المدينة وخارجها والدالاتية جهة مصر القديمة وقصر العيني والآثار ودير الطين يأكلون

الزروعات ويخطفون ما يجدونه مع الفلاحين والمارين ويأخذون ما معهم ويخطفون النساء والاولاد بل ويلوطون في الرجال الاختيارية
وفي اوله حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا الى جهة الجامع الازهر يشكون ويستخبثون من افعال الدالاتية ويخبرون أن الدالاتية قد اخرجوهم من مساكنهم واوطانهم قهرا عنهم ولم يتركوهم ياخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضا عندهم وما خلص منهم الا من تسلق ونط من الحيطان وحضروا على هذه الصورة فركب المشايخ الى الباشا وخاطبوه في امرهم فكتب فرمانا خطابا للدالاتية بالخروج من الدور وتركها الى اصحابها فلم يمتثلوا ولم يسمعوا ذلك وخوطب الباشا ثانيا واخبروه بعصيانهم فقال انهم مقيمون ثلاثة ايام ثم يسافرون وزاد الضجيج والجمع فاجتمع المشايخ في صبحها يوم الخميس بالازهر وتركوا قراءة الدروس وخرجت سربة من الاولاد الصغار يصرخون بالاسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر الى الباشا بذلك فأرسل كتخداه الى الازهر فلم يجد به احدا وكان المشايخ انتقلوا بعد الظهر الى بيوتهم لاغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم فلما لم ير احدا ذهب الى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر هناك السيد عمر افندي وخلافهفكلموه واوهموه ثم قام وانصرف وفي حال خروجه رجمه الاولاد بالحجارة وسبوه وشتموه وبقي الامر على السكوت الى يوم الجمعة عاشرة والمشايخ تاركون الحضور الى الازهر وغالب الاسواق والدكاكين مغلقة واللغط والوسوسة دائران وبطل طلوع الماشيخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة وفي ذلك اليوم نزل احمد باشا من القلعة ودخل بيت سعيد أغا وذلك انه ورد قاصد من اسلامبول وعلى يده تقليد لمحمد علي بولاية جدة فامتنع من طلوع القلعة فوقع الاتفاق علىان الباشا ينزل الى بيت سعيد أغا ويخلع على محمد علي هناك فلما حضر الباشا هناك وحضر محمد علي وحسن باشا واخوه عابدي بك وتقلد محمد

علي باشا ولاية جدة ولبس فروة وقاووقا وخرج يريد الركوب ثارت عليه العسكر وطلبوا منه العلوفة فقال لهم ها هو الباشا عندكم وركب هو وذهب الى داره بالازبكية وصار يفرق وينثر الذهب بطول الطريق ثم أن العسكر ساروا الى احمد باشا ومنعوه من الركوب فلم يزل الى بعد الغروب فلاطفهم حسن باشا ووعدهم ثم ذهب مع حسن باشا الى داره واشيع في المدينة حبسه وفرح الناس وباتوا مسرورين فلما طلع النهار يوم السبت تبين انه طلع ثانيا الى القلعة في اخر الليل وطلع صحبته عابدي بك فاغتم الناس ثانيا
وفي ذلك اليوم طلب الباشا من ابن المحروقي وجرجس الجوهري الفي كيس اشيع انه عازم على عمل فردة على اهل البلد وطلب اجرة الاملاك بموجب قوائم الفرنساوية
وفيه ركب الدلاة وذهبوا الى قليوب ودخلوها واستولوا عليها وعلى دورها وربطوا خيولهم على اجرانها وطلبوا من اهلها النفقات والكلف وعملوا على الدور دراهم يطلبونها منهم في كل يوم وقرروا على دار شيخ البلد الشواربي كل يوم مائة قرش وحبسوا حريمهم عن الخروج وكان الشواربي بمصر فوصل اليه الخبر بذلك واستمروا على ذلك حتى اخذوا النساء والبنات والاولاد وصاروا يبيعونهم فيما بينهم وبعد ايام ارسل اليهم محمد علي وقرر لهم الكلف على البلاد فصاروا يقبضونها ومن عصى عليهم ضربوه ونهبوه وارسلوا الى بلدة يقال لها أبو الغيط فامتنعت عليهم وخرج اهلها ودفنوا متاعهم بالجزيرة المقابلة للقرية فركبوا عليهم وحاربوهم فقتل من الفلاحين زيادة عن مائة شخص ودلهم بعض الناس من الفلاحين على خباياهم بالجزيرة فذهبوا اليها واستخرجوها وكانت اشياء كثيرة والامر لله وحده لاشريك له والمشايخ تاركون الحضور الى الازهر وغالب الاسواق والدكاكين مغلقة وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة فحضر الاغا الى نواحي الازهر ونادى بالامان وفتح الدكاكين

في العصر فقال الناس واي شئ حصل من الامان وهو يريد سلب الفقراء وياخذ اجر مساكنهم ويعمل عليهم غرامات وباتوا في هرج ومرج فلما اصبح يوم الاحد ثاني عشرة ركب المشايخ الى بيت القاضي واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والاطفال حتى امتلا الحوش والمقعد بالناس وصرخوا بقولهم شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم ومن الاولاد من يقول يا لطيف ومنهم من يقول يارب يامتجلي اهلك العثملي ومنهم من يقول حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك وطلبوا من القاضي أن يرسل باحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع فارسل الى سعيد أغا الوكيل وبشير أغا الذي حضر قبل تاريخه وعثمان أغا قبي كتخدا والدفتردار والشمعدانجي فحضر الجميع واتفقوا على كتابة عرضحال بالمطلوبات ففعلوا ذلك وذكروا فيه تعدي طوائف العسكر والايذاء منهم للناس واخراجهم من مساكنهم والمظالم والفرد وقبض مال الميري المعجل وحق طرق المباشرين ومصادرة الناس بالدعاوي الكاذبة وغير ذلك واخذوه معهم ووعدوه برد الجواب في ثاني يوم وفي تلك الليلة ارسل الباشا مراسلة الى القاضي يرفق فيها الجواب ويظهر الامتثال ويطلب حضوره الية من الغد مع العلماء ليعمل معهم مشورة فلما وصلته التذكرة حضر بها الى السيد عمر افندي واستشاروا في الذهاب ثم اتفقوا على عدم التوجه اليه وغلب على ظنهم انها منه خديعة وفي عزمه شئ اخر لانه حضر بعد ذلك من اخبرهم انه كان اعد اشخاصا لإغتيالهم في الطريق وينسب ذلك الفعل لاوباش العسكر أن لو عوتب بعد ذلك
فلما اصبحوا يوم الإثنين اجتمعوا ببيت القاضي وكذلك اجتمع الكثير من العامة فمنعوهم من الدخول الى بيت القاضي وقفلوا بابيه وحضر اليهم ايضا سعيد أغا والجماعة وركب الجميع وذهبوا الى محمد علي وقالو له انا لا نريد هذا الباشا حاكما علينا ولابد من عزله من الولاية فقال ومن تريدونه يكون واليا قالوا له لانرضى الا بك وتكون واليا علينا

بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير فامتنع اولا ثم رضي واحضروا له كركا وعليه قفطان وقام اليه السيد عمر والشيخ الشرقاوي فألبساه له وذلك وقت العصر ونادوا بذلك في تلك الليلة في المدينة وارسلوا الى احمد باشا الخبر بذلك فقال اني مولى من طرف السلطان فلا اعزل بأمر الفلاحين ولا انزل من القلعة الا بامر من السلطنة واصبح الناس وتجمعوا أيضا فركب المشايخ ومعهم الجم الغفير من العامة وبايديهم الاسلحة والعصي وذهبوا الى بركة الازبكية حتى ملؤها وارسل الباشا الى مصر لعتيقة فحمل جمالا من البقسماط والذخيرة والجبخانة واخذ غلاله من عرصة الرميلة وطلع عمر بك الانؤدي الساكن ببولاق عند الباشا بالقلعة ثم أن محمد علي باشا والمشايخ كتبوا مراسلة الى عمر بك وصالح أغا قوش المعضدين لاحمد باشا المخلوع يذكرون لهما ما اجتمع عليه رأي الجمهور من عزل الباشا ولاينبغي مخالفتهم وعنادهم لما يترتب على ذلك من الفساد العظيم وخراب الإقليم فأرسلا يقولان في الجواب ارونا سندا شرعيا في ذلك فاجتمع المشايخ في يوم الخميس سادس عشرة ببيت القاضي ونظموا سؤالا وكتب عليه المفتون وارسلوه اليهم فلم يتعقلوا ذلك واستمروا على خلافهم وعنادهم ونزل كثير من اتباع الباشا بثيابهم الى المدينة وانحل عنه طائفة الينكجرية ولم يبق معه الا طوائف الارنؤد المغرضون لصالح أغا قوش وعمر أغا
وفي هذه الايام حضر محمد بك الألفي ومن معه من امرائه وعربانه وانتشروا جهة الجيزة واستقر الألفي بالمنصورية قرب الاهرام وانتشرت اتباعه الى الجسر الاسود وارسل مكاتبه الى السيد عمر افندي والشيخ الشرقاوي ومحمد علي باشا يطلب له جهة يستقر فيها هو واتباعه فكتبوا له بان يختار له جهة يرتاح فيها ويتانى حتى تسكن الفتنة القائمة بمصر واستمر احمد باشا المخلوع ومن معه على الخلاف والعناد وعدم النزول من القلعة ويقول لا انزل حتى يأتيني امر من السلطان الذي ولاني وارسل

تذكرة الى القاضي يذكر فيها ان العسكر الذين عنده بالقلعة لهم جامكية منكسرة في المدة الماضية وانهم كانوا محولين على مال الجهات ورفع المظالم سنة تاريخه معجلا فتقبضونها وترسلونها وتعينوا لنا ولهم خراجا ومصاريف الى حين حضور جواب من الدولة وليس في اقامتنا بالقلعة ضرر او خراب على الرعية فاننا لانريد اضرارهم فاجابه القاضي بقوله اما ما كان من الجامكية المحولة فإنها لازمة عليكم من ايراد المدة التي قبضتموها في المدة السابقة ومن قبيل ما ذكرتموه من عدم ضرر الرعية فإن اقامتكم بالقلعة هو عين الضرر فإنه حضر يوم تاريخه نحو الاربعين ألف نفس بالمحكمة وطالبون نزولكم او محاربتكم فلا يمكننا دفع قيام هذا الجمهور وهذا اخر المراسلات بيننا وبينكم والسلام فأجابوه بمعنى الجواب الاول واجتهد السيد عمر افندي النقيب وحرض الناس على الاجتماع والاستعداد وركب هو المشايخ الى بيت محمد علي باشا ومعهم الكثير من المشايخ والعامة والوجاقلية والكل بالاسلحة والعصي والنبابيت ولازموا السهر بالليل في الشوارع والحارات ويسرحون احزابا وطوائف ومعهم المشاعل ويطوفون بالجهات والنواحي وجهات السور ثم اتفقوا على محاصرة القلعة فأرسل محمد علي باشا عساكره في جهات الرميلة والحطابة والطرق النافذة مثل باب القرافة والحصرية وطريق الصليبية وناحية بيت اقبردي وجلسوا بالمحمودية والسلطان حسن وعملوا متاريس في تلك الجهات وذلك في تاسع عشرة ومنعوا من يطلع ومن ينزل من القلعة واغلق اهل القلعة الابواب ووقفوا على الاسوار يبكت بعضهم بعضا بالكلام ويترامون بالبنادق وصعدوا على منارة السلطان حسن يرمون منها الى القلعة
وفي يوم الابعاء ثاني عشرينه ركب السيد عمر افندي والمشايخ ومعهم جمع كثيرة من الناس الى الأزبكية وبعد ركوبهم حضر الجمع الكثير من العامة والعصب وطوائف الأجناد والوجاقلية وعصب النواحي واهل

الحسينية والعطوف والقرافة والرميلة والحطابة والصليبة وجميع الجهات ومعهم الطبول والبيارق حتى غصت بهم الازقة فحضروا الى جهات الجامع الازهر ثم رجعوا الى الازبكية ولحقوا بالمشايخ وخرج المشايخ من عند محمد علي باشا وذهبوا الى حسن بك اخي طاهر باشا ثم رجعوا واستمر الحال على ذلك الى ليلة الجمعة فنزل بين المغرب والعشاء عدة من العسكر كبيرة فتحوا باب القلعة بالرميلة وارادوا الهجوم على المتاريس فتابعوا عليهم بالرمي فلم يزالوا يترامون الى بعد العشاء الأخيرة ثم رجعوا وعند ما سمع الناس صوت الرمي ذهبوا ارسالا الى جهات المتاريس ثم عادوا بعد رجوع المذكورين الى القلعة كل ذلك وحسن باشا طاهر ومن معه من الارنؤد يراعون من بالقلعة من اجناسهم لان غالبهم منهم فلما كان يوم الجمعة رابع عشرينه طلع عابدي بك اخو حسن باشا الى القلعة ونزل عمر بك وامروا برفع المتاريس وتفرق من بها واشيع نزول الباشا من الغد وبات الناس على ذلك ليلة السبت وهم على ماهم عليه من التجمع والسروح والحيرة
وفي صبح يوم السبت مر ثلاثة من العسكر الجمان بناحية مرجوش فصادفوا غلاما حماميا من اللاونجية خرج ليشتري قهوة فارادوا اخذه ففر منهم فضربوه برصاصة وقتلوه وذلك في صلاة الحنفي فتبعهم الناس فواصلوا الى النحاسين وعطفوا على خان الخليلي وارادوا الخلوص الى جهة المشهدالحسيني فأغلقوا في وجوههم البوابة فضربوا على المتبعين لهم فقتلوا شخصا وجرحوا اخر وخرجوا من القبو الى ناحية الصنادقية وفرغ ما معهم من البارود فطلعوا الى ربع وكالة الشبراوي فاجتمع الناس وكسروا باب الربع فنزلوا يريدون الهروب فقتلهم الناس وذهبت ارواحهم الى النار
وفي ذلك اليوم ركب السيد عمر افندي في قلة من الناس وذهب الى بيت حسن بك اخي طاهر باشا وكان هناك عمر بك الذي نزل من القلعة

فوقع بينه وبين السيد عمر مناقشة في الكلام طويلة ومن جملة ما قال كيف تزلون من ولا السلطان عليكم وقد قال الله تعالى اطيعو الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فقال له اولو الأمر العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل وهذا رجل ظالم وجرت العادة من قديم الزمان أن اهل البلد يعزلون الولاة وهذا شئ من زمان حتى الخليفة والسلطان اذا سار فيهم بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه ثم قال وكيف تحصرونا وتمنعون عنا الماء والاكل وتقاتلونا نحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك قال نعم قد افتى العلماء والقاضي بجواز قتالكم ومحاربتكم لانكم عصاة فقال أن القاضي هذا كافر فقال اذا كان قاضيكم كافرا فكيف بكم وحاشاه الله من ذلك انه رجل شرعي لايميل عن الحق وانفصل المجلس على ذلك وخاطبه الشيخ السادات في مثل ذلك فلم يتحول عن الخلاف والعناد هذا الأمر مستمر من اجتماع الناس وسهرهم وطوافهم بالليل واتخاذهم الاسلحة والنبابيت حتى أن الفقير من العامة كان يبيع ملبوسه او يستدين ويشتري به سلاحا وحضرت عربان كثيرة من نواحي الشرق وغيره
وفي يوم الاثنين ركب السيد عمر وصحبته الوجاقلية وامامه الناس بالاسلحة والعدد والاجناد واهل خان الخليلي والمغاربة شئ كثير جدا ومعهم بيارق ولهم جلبة وازدحام بحيث كان اولهم بالموسكي واخرهم جهة الازهر وانفصل الامر على رجوع عمر بك الى القلعة ونزول عابدي بك بعد أن فضوا اشغالهم وعبوا ذخيرتهم واحتياجهم من الماء والزاد والغنم ليلا ونهارا في مدة الثلاثة ايام المذكورة وقد كانوا اشرفوا على طلب الامان وتبين انهم انما فعلوا ذلك من باب المكر والخديعة واتفق الحال على اعادة المحاصرة وصعد المغرضون الى القلعة ونزل اشخاص من المغرضين لاهل البلد اليهم ورجع السيد عمر الى منزله واخذ في اسباب الاحاطة بالقلعة كالاول وذلك بعد العشاء ليلة الثلاثاء ووقع الاهتمام في صبحها بذلك وجمعوا الفعلة والعربجية وشرعوا في طلوع طائفة من العسكر

والعرب وغيرهم الى الجبل واصعدوا مدافع ورتبوا عدة جمال لنقل الأحتياجات والخبز وروايا الماء تطلع وتنزل في كل يوم مرتين وطلع اليهم الكثير من باعة الخبز والكعك والقهاوي وغير ذلك

شهر ربيع الاول استهل بيوم الخميس سنة والامر على ذلك مستمر من تجمع
الناس وسهرهم بالليل في سائر الأخطاط
وفي ليلة الثلاثاء سادسه تحرك العسكر وطلبوا العلوفة من محمد علي فقال لهم ليس لكم عندي علوفة حتى ينزل احمد باشا من القلعة ونحاسبه وتاخذوا علائفكم منه فلم يمتثلوا وتركوا المتاريس التي حوالي القلعة فتفرقوا وذهبوا فذهب جماعة من الرعية وتترسوا مواضعهم
وفي ليلة الخميس ثامنه حضرت طائفة من العسكر الساكنين بناحية المظفر وقت الغروب وضربوا على من بالمتاريس من الاجناد والرعية على حين غفلة وخطفوا عمائم واسلحة واجلوهم عن المتراس وجلسوا به فتسامع اهل الرميلة فاجتمعوا وحضروا اليهم وكبيرهم حجاج الخضري واسمعيل جودة وهجموا عليهم وقتلوا منهم انفارا وانحاز باقيهم الى الوكالة فاغلقوها عليهم فحضر ذو الفقار كتخدا ودافع عنهم واخرجهم ثم ارسل الى محمد علي وامره بالهرب من تلك الجهة
وفي يوم الجمعة قتل العسكر شخصا بناحية المظفر واخر بناحية قنطرة الامير حسين
وفي يوم السبت عاشرة حصل من بعض افراد العسكر قبائح وقتلوا بعض انفار وحمارين وبغلين وقبض العامة أيضا على اشخاص منهم وقتلوا منه ايضا وحضر طائفة من الارنؤد وملكوا سبيل اسكندر بباب الخرق و حضر أيضا طائفة ببيت السيد عمر افندي النقيب فقام فيهم الحرس الواقفون عند باب بالبيت فهرب منهم طائفة خيالة ودخل منهم البعض فحجزوهم ووقع في الناس هوزعات وكرشات ثم احضر حسن أغا نجاتي المحتسب وامر الافندي بالمناداة فمر وامامه المنادي يقول حسبما رسم السيد عمر الافندي

والعلماء لجميع الرعايا بأن يأخذوا حذرهم واسلحتهم ويحترسوا في اماكنهم واخطاطهم واذا تعرض لهم عسكري بإذية قابلوه بمثلها والا فلا يتعرضوا له واخذ الناس يعلمون متاريس في رؤس الاخطاط ثم تركوا ذلك وحضر أيضا شخص من طرف محمد علي ونادى بمثل ذلك ومعه أيضا شخص ينادي بالتركي بمعنى ذلك
وفي الليلة الماضية حضر كتخدا محمد علي ليلا ومعه فرمان ارسله احمد باشا المخلوع الى الدلاة يطلبهم للحضور ويذكر لهم انه يجب عليهم معاونته صيانة لعرض السلطنة واقامة لناموسها وناموس الدين وان الفلاحين محاصرونه ومانعون عنه الاكل والشرب فلما وصل ذلك الفرمان اليهم يقلبون ارسلوه الى محمد علي وارسله محمد علي الى السيد عمر افندي النقيب
وفي يوم الاحد حادي عشرة وقعت ايضا مناوشات وتعدى بعض العسكر ودخلوا باب زويلة ووصلوا الى العقادين فخرجت عليهم طائفة المغاربة وغيرهم فتترس منهم جماعة بجامع الفاكهاني فحصروهم به وقبضوا على نحو العشرة انفار فاخذهم السيد محمد المحروقي ودافع عنهم العامة وقتل من الفريقين بعض انفار وحضر عابدي بك وطلبهم فسلموهم اليه ورجع
وفي تلك الليلة أيضا ذهب جماعة من العسكر الى جهة الرميلة يطلبون انفارا منهم ساكنين بتلك الناحية اخذ اهل الرميلة سلاحهم وحبسوهم عندهم فذهبت امراة من المتزوجات بهم فأخبرتهم فحضر منهم طائفة اواخر النهار وطلبوهم فلم يسلموا فيهم وحاربوهم وهزموهم الى جهة الصليبة وقتل بينهم انفار ورجع العسكر واختلطت القضية واشتبه امرها على اهل البلد فلا يعرف كلا الفريقين الصاحب من العدو فتارة يتشابك العسكر مع اهل البلد وكذلك اهل البلد معهم وتارة يتشابك فرقة منهم مع الكائنين بالقلعة وتارة الفريقان يساعد بعضهم بعضا واذا وقع بين الكائنين بنواحي الرميلة مع

العسكر فرح من بالقلعة واغروا اولاد البلد بهم ومنهم من يغري العسكر على اولاد البلد ويقولون لهم بلسانهم وبالعربي اضربوا الفلاحين ونحو ذلك وبالجملة فهي قضية مشكلة بين اوباش مختلفة وطباع معوجه منحرفة ومضت ليالي المولد الشريف ولم يشعر بها احد
وفيه حضر كبار الدلاة فخلع عليهم محمد علي باشا خلعا وكساوي وسافروا ثم ارتحلوا من قليوب يريدون الذهاب الى محاربة الالفي واتباعه ومن معهم من العرب فإنهم افحشوا في نهب البلاد ونهب الاموال مالم يسمع بمثله ولم يتقدم نظيره فساروا على البلاد والقرى يأخذون الكلف وينهبون ويقتلون ويفسقون في النساء والاولاد ولم يذهبوا الى ما وجهوا اليه
وفي ليلة الاربعاء رابع عشرة حضر كتخدا محمد علي وجرجس الجوهري الى بيت السيد عمر وحضر أيضا الشيخ الشرقاوي والشيخ الامير والقاضي وتشاوروا على امر و رأي رآه محمد علي باشا واما علي باشا السلحدار الذي جهة مصر القديمة فانه اخذ في استمالة العسكر وفتنتهم وانضم اليه كثير منهم ووعدهم بعلائفهم وصار يراسل احمد باشا سرا ويرسل اليه الخبز واللحم والسكر والذخيرة على الجمال من باب صغير فتحوه من عرب اليسار من داخل
وفي لية السبت اجمع راي علي باشا السلحدار على مكيدة يصنعها وهو انه يركب فيمن معه ويهجم على المتاريس من جهة الصليبة وارسل الى مخدومه يعلمه بذلك وانه اذا هجم من تلك الناحية يساعده هو من القلعة برمي المدافع والقنابر على البلد والمتاريس فتنزعج الناس ويتم لهم ما مكروه وكتب رجب أغا وسليمان أغا وهما كبيرا عسكر علي باشا المذكور تذكرة عن عندهما خطابا للسيد عمر افندي النقيب وباقي المشايخ مضمونها انهما يريدان الحضور الى جهة القلعة ويسعيان في امر يكون فيه الراحة للفريقين وتسكين الفتنة ويلتمسان من المخاطبين انهم يرسلون الى من بالمتاريس

من العامة بان يخلوا لهما طريقا ولا يتعرضون لهما فحضر الى السيد عمر افندي النقيب من اخبره بذلك الاتفاق بعد الفجر قبل حضور التذكرة فأرسل الى من بالنواحي والجهات وايقظهم وحذرهم فاستعدوا وانتظروا وراقبوا النواحي فنظروا الى ناحية القرافة فرأوا الجمال التي تحمل الذخيرة الواصلة من علي باشا الى القلعة ومعها انفار من الخدم والعسكر وعدتهم ستون جملا فخرج عليهم حجاج الخضري ومن معه من اهالي الرميلة فضربوهم وحاربوهم واخذوا منهم تلك الجمال وقتلوا شخصين من العسكر وقبضوا على ثلاثة وحضروا بهم وبرؤوس المقتولين الى بيت السيد عمر فارسلهم الى محمد علي باشا فامر بقتل الاخرين فلما رأى من بالقلعة ذلك فعندها رموا بالمدافع والقنابر على البلد وبيت محمد علي وحسن باشا وجهة الازهر ولم يزالوا يراسلون الرمي من اول النهار الى بعد الظهر فلم ينزعج اهل البلد من ذلك لما الفوه من ايام الفرنسيس وحروبهم السابقة ثم رموا كذلك من العشاء الى سادس ساعة من الليل فلم يجبهم احد لم يرموا عليهم شيئا من الجبل مع استعدادهم لذلك واصبحوا يوم الاحد فواصلوا الرمي بطول النهار وكذلك ليلة الاثنين ويوم الاثنين هذا
وفي كل ليلة يطلع الى الجبل اربعة عشر جملا تحمل قرب الماء على كل بعير اربع قرب وستة اقفاص خبز على ثلاثة جمال نقلتين في كل يوم واصعدوا جبخانة وجللا وقنابر وضربوا عليهم في ذلك اليوم ضربا قليلا واستر ذلك ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء فأكثروا الرمي وسقطت قنابر وجلل في عدة اماكن مع الضرر القليل وباتوا على ذلك ليلة الاربعاء ويومه وليلة الخميس ويومه الى اخر النهار وبطل الرمي تلك الليلة فقال الناس انهم تركوا ذلك احتراما لليلة الجمعة
وفي تلك الليلة حضر جماعة من اهل الاطارف ليلا وحرقوا باب الجبل واوقدوا فيه النار فظن اهل الجبل أن اهل القلعة يريدون الخروج فضربوا

عليهم مدافع فتنبه من بالقلعة واسرعوا الى جهة باب الجبل وضربوا بالرصاص فلما تحقق من بالجبل القضية رموا عليهم أيضا وتسامع الناس كثرة ضرب الرصاص فلم يعلموا الحقيقة ورجع من اتى الى الباب من غير طائل فلما طلع النهار ظهر الامر
وفي اليوم الثاني بعد الظهر تسلق جماعة من العسكر القلعاوية على سلالم صنعوها من حبال ونزلوا الى جهة المحجر لاخذ شئ من الاكل والشرب وهم نحو العشرين فتنبه الناس لهم واجتمعوا بالخطة واخذوا ما اخذوه من اهل الدور من الخبز والدقيق وقرب الماء وصعدوا من حيث اتوا واعادوا الرمي بالمدافع والقنابر من عصر يوم الجمعة وليلة السبت واستمروا على ذلك وسقط بسبب ذلك حيطان وبعض من ابنية الدور وخرج كثير من الناس وبعدوا عن جهات الضرب وخصوصا جهة الازهر وذهبوا الى ناحية الحسينية والاطارف وخرجت النساء هاربات الى تلك النواحي وبولاق وانزعجوا من اوطانهم
وفي يوم الاحد ارسل كتخدا محمد علي باشا الى السيد عمر واشار عليه بارسال العتالين والشيالين الى ناحية قلعة الفرنساوية التي بقنطرة الليمون لرفع المدفع الكبير الذي هناك وارسلوا اشخاصا من الانكليز يتقيدون بذلك فجمعوا الرجال والابقار وذهبوا الى هناك واحضروه واخرجوه من باب البرقية يريدون وضعه عند باب الوزير حيث مجرى السيل ليرموا به على برج القلعة واستمروا في جره يومين
وفي ذلك اليوم نزل أيضا ستة اشخاص يريدون اخذ الماء من صهريج جهة الحطابة فضرب عليهم من هناك من المتترسين فهربوا وطلعوا من حيث نزلوا
وفي ليلة الثلاثاء نصبوا المدفع المذكور وضربوا به وضربوا أيضا من اعلى الجبل ومن بالقلعة يضربون على البلد يواصلون الضرب بالمدافع والقنابر والبنبات الكبار والآلات المحرقة واستمروا على ذلك الى ليلة

الجمعة الاخرى فسكن الرمي تلك الليلة واصيب كثير من الدور والحيطان والابنية واصابت اشخاصا قتلتهم ووزن بعض البنبات فبلغ وزنها بما فيها قنطارين

شهر ربيع الثاني سنة
استهل بيوم الجمعة فيه وردت اخبار من ثغر سكندرية بورود قابجي وهو صالح أغا الذي كان سابقا بمصر ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك وعلى يده جوابات بالراحة فحصلت ضجة في الناس وفرحوا ورمحوا بطول ذلك اليوم وعملوا شنكا تلك اليلة التي هي ليلة السبت ورموا سواريخ في سائر النواحي وضربوا بنادق وقرابين بالازبكية وخارج باب الفتوح وباب النصر والمدافع التي على ابراج الابواب ولما سمع من بالقلعة ومن بمصر القديمة ظنوا أن العساكر الذين في قلوبهم مرض تحاربوا مع اهل البلد فرموا من القلعة بالمدافع والنيب ! وحضر علي باشا ومن معه من جهة مصر القديمة ونزل من القلعة طائفة من العسكر جهة عرب اليسار وتترسوا هناك فاجتمع عليهم حجاج واهل الرميلة ومن معهم من عسكر محمد علي وتحاربوا مع المتترسين والواصلين وضربوا من القلعة على محاربيهم وعلى اهل البلد وكذلك من بالجبل ومن بالذنجزية يضربون على القلعة المدافع والسواريخ ونزل أيضا طائفة وهجموا على الذنجزية وارادوا سد فلوة المدع الكبير فضربوا عليهم وقتل كبيرهم ومعه اخر واخذوا سلاحهما ورؤسهما واحضروهما الى السيد عمر وحصل بالبلدة تلك الليلة من ضرب النار من كل ناحية ماهو عجيب من المستغربات واختلط الشنك بالحرب وصار الضرب من الجبل على القلعة بالبنب والمدافع والسواريخ وكذلك من القلعة على البلدة وعلى الذنجرية ومنها على القلعة والمحاربين مع بعضهم البعض والشنك من كل جهة واجتماع الناس والعامة بالاخطاط والنواحي وضربوا طبولا ومزامير ونقرزانات وكانت ليلة من الغرائب واصبحوا على الحال الذي هم عليه من الرمي وبالمدافع والبنب

وفي
يوم الاحد سافرت انفار من الوجاقلية وغيرهم لملاقاة صالح أغا وصحبتهم طائفة من العسكر ارسلها محمد علي باشا في مركب لخفارته وقد كانوا اتفقوا على سفر بعض المتعممين ثم بطل ذلك وارسل السيد عمر افندي باشجاويش والسيد عثمان البكري وسلحدار محمد علي والخواجه عمر المطيلي وبكتاش واحمد اوده باشا
وفي ليلة الثلاثاء اشيع وصول القابجي الى بولاق ليلا فخرج كثير من العامة لملاقاته افواجا واصطفوا في الاسواق للفرجة عليه واستمروا على ذلك الرج بطول النهار ولم يصل احد ثم تبين عدم وصوله وانه وصل الى ثغر رشيد وفي ذلك اليوم وقت الشروق حصلت زلزلة عظيمة ورتجت الارض نحو اربع درجات
وفي يوم الاربعاء سافر جماعة من المتعممين وهم السيد محمد الدواخلي وابن الشيخ الامير والشيخ بدوي الهيثمي وابن الشيخ العروسي واستمر الحال على ذلك اليوم ويو الخميس والجمعة ولم يبطل رمي المدافع والبنب ليلا ونهارا في غالب الاوقات ماعدا ليلة الجمعة ويومها الى العصر
وفي ليلة الاثنين وصل الخبر بوصول القابجي الى قليوب وانه طلع الى بر فوة وسار من هناك وحضر في ذلك اليوم المشايخ الذين كانوا ذهبوا لملاقاته فلما اشيع ذلك اجتمع الناس وطوائف العامة وخرجوا من اخر الليل وهم بالاسلحة والعدد والطبول الى خارج باب النصر ووقفوا بالشوارع والسقائف للفرجة وكذلك النساء والصبيان وازدحموا ازدحاما زائدا ووصل الاغا المذكور وصحبته سلحدار الوزير الى زاوية دمرداش ونزلا هناك وعمل لهما اسمعيل الطبجي الفطور فاكلاه وشربا القهوة وركبا وانجرت الطوائف والغوغاء من العامة وهم يضربون بالبنادق والقرابين والمدافع من اعلى سور باب النصر والفتوح واستمر مرورهم نحو ثلاث ساعات وخرج كتخدا محمد علي واكابر الارنؤد وطائفة من العسكر كبيرة والوجاقلية وكثير من الفقهاء العاملين رؤس العصب واهالي

بولاق ومصر القديمة والنواحي والجهات مثل اهل باب الشعرية والحسينية والعطوف وخط الخليفة والقرافتين والرميلة والحطابة والحبالة وكبيرهم حجاج الخضري وبيده سيف مسلول وكذلك ابن شمعة شيخ الجزارين وخلافه ومعهم طبول وزمور والمدافع والقنابر والبنبات نازلة من القلعة فلم يزالوا سائرين الى أن وصلوا الى الازبكية فنزلوا بيت محمد علي باشا وحضر المشايخ والاعيان وقرؤا المرسوم الذي معه ومضمونه الخطاب لمحمد علي باشا والي جدة سابقا ووالي مصر حالا من ابتداء عشرين ربيع اول حيث رضي بذلك العلماء والرعية وان احمد باشا معزول عن مصر وان يتوجه الى سكندرية بالاعزاز والاكرام حتى يأتيه الامر بالتوجه الى بعض الولايات وسكن صالح أغا القابجي المذكور ببيت الخواجا محمود حسن بالازبكية وسكن السلحدار عند السيد محمد بن المحروقي
وفي يوم الثلاثاء ركب السيد عمر في حمع كثير من العسكر من اولاد البلد والمغاربة والصعائدة والاتراك والكل بالاسلحة وذهب الى عند علي باشا وجلس عنده حصة وذهب الى القابجي وسلم عليه وذهب الى السلحدار أيضا وسلم عليه ورجع
وفيه بطل الرمي من القلعة وكذلك ابطلوا الرمي عليها من الجبل والذنجزية مع بقاء المحاصرة والمتاريس حول القلعة من الجهات ومنع الواصل اليهم واستمرار من بالجبل ويطلع اليهم في كل يوم الجمال الحاملة للخبز وقرب الماء واللوازم واما الدلاة فاستقروا بمحلة أبي علي وطلبوا الفرد والكلف من البلاد ووصل محمد بك الألفي الى دمنهور البحيرة فتمنعوا عليه فحاصر البلد وضرب عليها وضربوا عليه اياما كثيرة
وفيه وقع بباب الشعرية مناوشة بين العسكر واولاد البلد بسبب سكن البيوت كذلك جهة باب اللوق وبولاق ومصر القديمة وقتل بينهم انفار وقتل ايضا المتكلم بمصر القديمة وحصلت زعجات في الناس
وفي يوم الاربعاء مر بعض اولاد البلد بجهة الخرنفش فضربه بعض

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13