كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

بعاصي الشرع ولا أترافع معهم الا في بيت القاضي ولا اطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار فعند ذلك بيتوا امرهم واتفقوا على محاربته
واجتمع عند عبد الرحمن بك اغراضه واحمد أوده باشا البغدادلي ووصله الخبر بركوبهم عليه فضاق صدره وخرج من منزله ماشيا واراد ان يذهب الى الجامع الازهر يقع على العلماء فلما وصل الى باب زويلة لحقه احمد البغدادلي وحسن الحازندار فرده وقالا له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد
وعند الصباح احتاطوا بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر من كل جانب ورموا عليه من جميع الجهات ودخلت طائفة من العسكر الى الجامع المواجه للبيت وصعدوا الى المنارة ورموا بالرصاص فاصيب احمد البغدادلي وحسن الخازندار وماتا وكان الصنجق والطائفة عند النقيب بالاسطبل فاخبروه بموت حسن الخازندار وكان يحبه فطلع الى المقعد فاصيب ايضا ومات
فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة وأولاد الخزنة فخرجوا من البيت مشاة بما عليهم من الثياب ظنوهم من طوائف الصناجق
ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي دخلوا وطلعوا الى المقعد فوجدوا الصنجق ميتا فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم للباشا وعبرت العساكر الى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا عظيمة وسبوا الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم من بنت الصنجق يظنوها جارية فخرجت امها تصرخ من خلفها فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي وطلع بها الى الباشا فانعم عليها بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها مصطفى جاويش وزوجها لبعض مماليك أبيها وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربيع الاول سنة ثلاث عشرة ومائة والف وأما يوسف بك فانه توفي بالسفر ببلاد الروم
ومات الامير علي أغا مستحفظان المشهور تولى أغاوية مستحفظان في

سنة ثمان ومائة والف وفي سنة اثنتي عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة فشا امر الفضة المقاصيص والزيوف وقل وجود الديواني وان وجد اشتراه اليهود بسعر زائد وقصوه فتلف بسبب ذلك أموال الناس
فاجتمع اهل الاسواق ودخلوا الجامع الازهر وشكوا أمرهم للعلماء وألزموهم بالركوب الى الديوان في شأن ذلك فكتبوا عرضحال وقدموه الى محمد باشا فقرأه كاتب الديوان على رؤوس الاشهاد فأمر الباشا بعمل جمعية في بيت حسن أغا بابطال الفضة المقصوصة وظهور الجدد وادارة دار الضرب وعمل تسعيرة وضرب فضة وجدد نحاس ويكون ذلك بحضور كتخدائه وكامل الامراء الصناجق والقاضي والاغوات ونقيب الاشراف وكبار العلماء
وطلب جوابا كافيا وأعطاه ليد كتخدا الجاويشية فأرسل التنابيه مع الجاويشية تلك الليلة
واجتمع الجميع في صبحها بمنزل حسن أغا بلغيه واتفقوا على ابطال المقاصيص وضرب فضة جديدة توزع على الصيارف ويستبدلون المقاصيص بالوزن من الصيارف وان صرف الكلب بثلاثة واربعين نصفا والريال بخمسين والاشرفي بتسعين والطرلي بمائة وقيدوا بتنفيذ ذلك على اغا المذكور وكذلك الاسعار
وشرط عليهم ابطال
الحمايات وعدم معارضته في شيء
وكل من مسك ميزانا فهو تحت حكمي وكذلك الخصاصة وتجار البن والصابون ويركب بالملازمين ويكون معه من كل وجاق جاويش بسبب انفار الابواب
واخبروا الباشا بما حصل وكتب القاضي حجة بذلك وكتب المشايخ عليها وكذلك الباشا واعطوهما لعلي آغا فطلع الى الباب واحضر شيخ الخبازين وباقي مشايخ الحرف واحضر اردب قمح وطحنه وعمل معدله على الفضة الديواني خمسة اوراق بجديدين والبن بأثني عشر فضة الرطل والصابون بثلاثة والسكر النبات بأثني عشر الرطل والخام بخمسة والمنعاد بستة واربعة جدد والمكرر الشفاف بثمانية فضة واربعة جدد والشمع االسكندري باربعة عشر فضة

والعسل الشهد بستة انصاف والسقر بثلاثة واربعة جدد والسائل بنصفين والمرسل الحر بنصف فضة والقطر المنعاد بنصفين والقطر القناني بثلاثة والسمن البقري بثلاثة فضة واربعة والمزهر بنصفين وستة جدد والجاموسي بنصفين وجديدين والزبد البقري بنصفين واربعة جدد والزبد الجاموسي بنصفين وجديدين واللحم الضاني بنصفين والماعز بنصف واربعة جدد والجاموسي بنصف وجديدين والزيت الطيب بنصفين وستة جدد والشيرج بنصفين والزيت الحار بنصف وستة جدد والجبن الكشكبان بثلاثة انصاف فضة والوادي بنصفين واربعة جدد والجاموسي الطري بنصف وأربعة جدد والجبن المنصوري المغسول بنصف وستة جدد والحالوم الطري بنصف وجديدين الرطل والجبن المصلوق بنصف واربعة جدد والشلفوطي والقربش بستة جدد الرطل والعيش العلامة خمسة اواق بجديدين والكشكار ستة اواق بجديدين
وحصل ذلك بحضرة مشايخ الحرف والمغارية وأرسل الاغا بقفل الصاغة ومسبك النحاس وامر باحضار الذهب والفضة المبتاعة والنحاس لدار الضرب واحضر شيخ الصيارفة وامرهم باحضار الذهب والريالات وقروش الكلاب يضرفونها بفضة وجدد نحاس وأعلمهم انه يركب ثالث يوم العيد ويشق بالمدينة وكل من وجد حانوته خاليا من الفضة والجدد قتل صاحبه أو سمره
وكتب القائمة بالاسعار وطلع بها للباشا علم عليها
وركب ثالث يوم من شهر شوال سنة اربع عشرة ومائة والف وعلى رأسه العمامة الديوانية المعروفة بالبيرشانة وامامه القابجية والملازمون والوالي وامين الاحتساب وأوده البوابة بطائفته والسبعة جاويشية خلفه ونائب القاضي في مقدمته وكيس جوخ مملوء عكاكيزشوم على كتف قواس والمشاعلي بيده القائمة وهو ينادي على رأس كل حارة يقف مقدار نصف ساعة
وضرب في ذلك اليوم اثنين قبانية وثلاثة زياتين وجرار لحم خشن ومات الستة من الضرب ورسم على شيخ

القبانية بان لا احد يزن في بيت زيات سمنا ولا جبنا وصار يتفقد الدراهم ويحرر الارطال والصنج ويسأل عن اسعار المبيعات ولا يقبل رشوة وكل من وجده على خلاف الشرط سواء كان فلاحا أو تاجرا او قبانيا بطحه وضربه بالمساوق الشوم حتى يتلف او يموت وغالبهم لم يعش بذلك وصار له هيبة عظيمة ووقار زائد
ولم يقف احد في طريقه سواء كان خيالا أو حمارا أو قرابا الا ويخشاه حتى النساء في البيوت وهو فائت لم تستطع امرأة ان تطل من طاقة واتفق ان اسمعيل بك الدفتردار صادفه بالصليبة فلما رأى المقادم دخل درب الميضاة حتى مر الاغا فقيل له أنت صنجق ودفتردار وكيف انك تذهب من طريقه فقال كذا كتبنا على أنفسنا حتى يعتبر خلافنا
وأقام في هذه التولية ستة أشهر ثم عزل وولي رضوان أغا كتخدا الجاويشية سابقا وذلك أواخر سنة ثمان عشرة وعزل رضوان أغا في جمادى الاولى سنة تسع عشرة ومائة والف وتولى احمد اغا ابن باكير أفندي ثم تولى في ايام الواقعة الكبيرة في اواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة والف ولم يزل حتى مات في يوم الجمعة ثاني شهر شوال بجامع القلعة وذلك انه صلى الجمعة والسنن بعدها وسجد في ثاني ركعة فلم يرفع رأسه من السجود فلما أبطأ حركوه فاذا هو ميت فغسلوه وكفنوه ودفنوه بتربة باب الوزير وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة والف
وتولى بعده في اغاوية مستحفظان محمد افندي كاتب جمليان سابقا الشهير بابن طسلق وركب بالبيرشانة والهيئة وذلك عقيب الفتنة الكبيرة بنحو خمسة اشهر
ولما مات علي اغا وتولى هذا الاغا عملوا تسعيرة ايضا وجعلوا صرف الذهب البندقي بمائة وخمسة عشر نصف فضة والطرلي بمائة والريال بستين والكلب بخمسة واربعين ونودى بذلك وبمنع التجار وأولاد البلد من ركوب البغال والاكاديش ومنع من بيع الفضة بسوق الصاغة وان لاتباع الابرار الضرب وقفل دكاكين الصواغين

ومات الامير الكبير ابراهيم بك المعروف بأبي شنب واصله مملوك مراد بك القاسمي وخشداش ايواظ بك تقلد الامارة والصنجقية مع ايواظ بك وكان من الامراء الكبار المعدودين تولى امارة الحج سنة تسع وتسعين والف وطلع بالحج مرتين ثم عزل عنها باستعفائه لامور وقعت له مع العرب باغراء بعض أمراء مصر
وسافر أميرا على العسكر المعين في فتح كريد في غرة المحرم سنة اربع والف
ولما ركب بالموكب خرج امامه شيخ الشحاتين وجملة من طوائفه لانه كان محسنا لهم ويعرفهم بالواحد
وكان اذا أعطى بعضهم نصفا في جهة ولاقاه في طريقه من جهة اخرى يقول له أخذت نصيبك في المحل الفلاني
ثم رجع الى مصر في شهر ذي الحجة وطلع الى الاسكندرية ووصل خبر قدومه الى مصر فجمع الشحاتون من بعضهم دراهم واشتروا حصانا أزرق عملوا له سرجا مغرقا ورختاور كابا مطليا وعباء زركش ورشمة كلفة ذلك اثنان وعشرون الف فضة ولما وصل الى الحلي قدموه له فقبله منهم وركبه الى داره وذهبت اليه الامراء والاعيان وسلموا عليه وهنوه بالسلامة وخلع على شيخ الشحاتين ونقيبهم كل واحد جوخة ولكل فقير جبة وطاقية وشملة ولكل امرأة قميص وملاية فيومي وأغدق عليهم اغداقا زائدا وعمل لهم سماطا وكان المتعين بالرياسة في ذلك الوقت ابراهيم بك ذو الفقار وفي عزمه قطع بيت القاسمية فأخرج ايواظ بك الى اقليم البحيرة وقانصوه بك الى بني سويف واحمد بك الى المنوفية
ولما حضر ابراهيم بك أبو شنب واستقر بمصر فأتفق ابراهيم بك ذو الفقار مع علي باشا المتولي اذ ذاك على قتله بحجة المال والغلال المنكسرة عليه في غيبته وقدرها اثنا عشر الف اردب واربعون كيسا صيفي وشتوي فأرسل اليه الباشا معين بفرمان يطلبه وكان أتاه شخص من اتباع الباشا انذره من الطلوع فقال للمعلمين تسلم على الباشا وبعد الديوان اطلع اقابله
ففات العصر ولم يطلع فارسل الباشا الى درويش بك وكان خفيرا بمصر القديمة وامره

بالجلوس عند باب السر الذي يطلع على زين العابدين والى الوالي والعسس واوده باشا البوابة يجلس عند بيت ابراهيم ابي شنب
واشبع ذلك وضاق خناق ابراهيم بك ابي شنب واغتنم جيرانه واهل حارته لاحسانه في حقهم وحضر اليه بعض اصحابه يؤانسه مثل ابراهيم جربجي الداودية وشعبان افندي كاتب مستحفظان سابقا واحمد افندي روزنامجي سابقا
فهم على ذلك واذا بسليمان الساعي داخل على الصنجق بعد العشاء فأخبره ان مسلم اسمعيل باشا امير الحاج الشامي ورد الى العادلية وارسل جماعة جوخدارية بقائمقامية الى ابراهيم بك فأمر بدخولهم عليه فدخلوا واعطوه التذكرة فقرأها وعرف ما فيها فسري عنه الغم
وفي التذكرة ان كان غدا أول توت ندخل والا بعد غد وكانت سنة تداخل سنة ست في سنة سبع وكان الباشا أتى له مقرر من السلطان احمد وتوفي وتولى السلطان مصطفى فعزل علي باشا عن مصر وولى اسمعيل باشا حاكم الشام وارسل مسلمه بقائمقامية الى ابراهيم بك فسأل الصنجق احمد افندي عن اول توت فأخبره ان غدا أول توت
فقال لاحمد كاشف الاعسر خذ الحصان الفلاني وعشرة طائفة والجوخدارية ومشعلين واذهبوا الى العادلية وأحضروا بالاغا قبل الفجر
ففعلوا وحضروا به قبل الفجر بساعتين فخلع عليه فروة سمور وقال للمهنار دقوا النوبة قاصد مفرح فلما ضربت النوبة سمعت الجيران قالوا لا حول ولا قوة الا بالله ان الصنجق اختل عقله عارف انه ميت ويدق النوبة
ولما طلع النهار وأكلوا الفطور وشربوا القهوة ركب الصنجق بكامل طوائفه وصحبته الاغا وطلع الى القلعة وجلس معه بديوان الغوري وحضر اليهم كتخدا الباشا فأطلعوه على المرسوم فدخل على الكتخدا فأخبر مخدومه بذلك فقال لا اله الا الله
وتعجب في صنع الله ثم قال هذا الرجل يأكل رؤوس الجميع
ودخلوا اليه فخلع عليه وعلى المسلم ونزل الى داره ووصل الخبر الى اسمعيل بك الدفتردار فركب

اسمعيل بك الى ابراهيم ذي الفقار أمير الحاج فركب معه بباقي الامراء وذهبوا الى ابراهيم بك يهنوه وكذلك بقية الاعيان وخلع على محمد بك اباظة وجعله امين السماط
وتولى المترجم الدفتردارية سنة 1119 واستمر بها الى 1121 ثم عزل وتقلد امارة الحج ثم أعيد الى الدفتردارية في سنة 1127 ولم يزل الى ان مات بالطاعون سنة 1130 وعمره اثنان وتسعون سنة وخلف ولده محمد بك أميرا يأتي ذكره
ومات افرنج احمد اوده باشا مستحفظان الذي تسببت عنه الفتنة الكبيرة والحروب العظيمة التي استمرت المدة الطويلة والليالي العديدة
وحاصلها على سبيل الاختصار هو ان افرنج احمد أوده باشا المذكور لما ظهر امره بعد موت مصطفى كتخدا القازدغلي مع مشاركة مراد كتخدا وحسن كتخدا فلما مات مراد كتخدا في سنة 1117 زاد ظهور امر المترجم ونفذت كلمته على أقرانه وكان جبارا عنيدا فتعصب عليه طائفة وقبضوا عليه على حين غفلة وسجنوه بالقلعة وكان ممن تعصب عليه حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا ابن اخت القازدغلي وكور عبد الله ثم أخرجوه من مصر منفيا
فغاب أياما ورجع بنفسه ودخل الى مصر والتجأ الى وجاق الجملية وطلب غرضه من باب مستحفظان فلم يرضوا بذلك وقالوا لا بد من خروجه الى محل ما كان
ووقع بينهم التشاجر واتفقوا بعد جهد على عدم نفيه وان يجعلوه صنجقا فقلدوه ذلك على كره منه واستمر مدة فلم يهنأ له عيش
وخمل ذكره وانفق ما جمعه قبل ذلك فاتفق مع أيوب بك الفقاري وعصب الوجاقات ونفوا حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله باش أوده باشا وقرا اسمعيل كتخدا ومصطفى كتخدا الشريف واحمد جربجي تابع باكير أفندي وابراهيم أوده باشا الاكنجي وحسين اوده بلضا العنترلي الجميع من باب مستحفظان فأخرجوهم الى قرى الارياف ورمى المترجم الصنجقية ورجع الى بابه وركب الحمار

ثانيا وصار اوده باشا كما كان
وهذا لم يتفق نظيره ابدا وكان يقول عندما استقر صنجقا الذي جمعه الحمار اكله الحصان
ولما فعل ذلك زادت كلمته وعظمت شوكته ثم ان المنفيين المتقدم ذكرهم حضروا الى مصر باتفاق الوجاقات الستة ولم يتمكنوا من الرجوع الى بابهم وذلك ان الوجاقات الستة وبعض الامراء الصناجق ارادوا رجوع المذكورين الى باب مستحفظان وان افرنج احمد يلبس حكم قانونهم او يعمل جربجي وان كور عبد الله اوده باشا يرجع الى بابه ويلبس باش كما كان فعاند افرنج احمد وعضده ايوب بك وانضم اليهم من انضم من الاختيارية والصناجق والاغوات ووقع التفاقم والعناد وافترقت عساكر مصر وامراؤها فرقتين وجرى مالم يقع مثله في الحروب والكروب وخراب الدور
وطالت مدة ذلك قريبا من ثلاثة اشهر وانجلت عن ظهور العزب على الينكجرية
وقتل في اثنائها الامير ايواظ بك ثم كان ما ذكر بعضه آنفا في ترجمة المرحوم ايواظ بك وغيره وهرب ايوب بك ومحمد بك الصعيدي ومن تبعهم ونهبت دور الجميع واحزابهم وانتصر القاسمية ثم انزلوا الباشا بامان وهجمت العساكر على باب مستحفظان وملكوه وقبضوا على المترجم وقطعوا رأسه ورؤوس من معه وفيهم حسن كتخدا واسمعيل افندي وعمر أغات الجراكسية وذهبوا برؤوسهم الى بيت قانصوه بك قائمقام ثم طافوا بها على بيوت الامراء ثم وضعوها على اجسادهم بالرميلة ثم ارسلوهم عند الغروب الى منازلهم وذلك في اوائل جمادى الاولى سنة 1123 وهو صاحب القصر والغيظ المعروف به الذي كان بطريق بولاق ونهبه في ايام الفتنة يوسف بك الجزار وكان به شيء من الغلال والابقار والاغنام والارز والخيل والجاموس والدجاج والاوز والحمام حتى قلع أشجاره وهدم حيطانه
ولما بلغ محمد بك الكبير ما فعله يوسف بك الجزار في

غيظ افرنج احمد عمد هو ايضا الى غيظ حسن كتخدا النجدلي وفعل به مثل ما فعل يوسف بك بغيظ افرنج احمد ووقع غير ذلك امور يطول شرحها
ومات محمد بك المعروف بالدالي وقد كان سافر بالخزينة سنة 1122 ومات ببلاد الروم ووصل خبر موته الى مصر فقلدوا ابنه اسمعيل بك في الامارة عوضا عنه بعد انقضاء الفتنة سنة 1124 وكان جركسي الجنس وعمل أغات متفرقة ثم اغات جمليان سنة 1113 ثم تقلد الصنجقية وسافر بالخزينة ومات بالديار الرومية كما ذكر
ومات الامير حسن كتخدا عزبان الجلفي وكان انسانا خيرا له بر ومعروف وصدقات واحسان للفقراء ومن مآثره انه وسع المشهد الحسيني واشترى عدة اماكن بماله وأضافها اليه ووسعه وصنع له تابوتا من أبنوس مطعما بالصدف مضببا بالفضة وجعل عليه سترا من الحرير المزركش بالمخيش
ولما تمموا صناعته وضعه على قفص من جريد وحمله أربع رجال وعلى جوانبه أربع عساكر من الفضة مطليات بالذهب ومشت امامه طائفة الرفاعية بطبولهم واعلامهم وبين ايديهم المباخر الفضة وبخور العود والعنبر وقماقم ماء الورد يرشون منها على الناس وساروا بهذه الهيئة حتى وصلوا المشهد ووضعوا ذلك الستر على المقام
توفي يوم الأربعاء تاسع شوال سنة 1124 وخرجوا بجنازته من بيته بمشهد عظيم حافل
وصلى عليه بسبيل المؤمن بالرميلة واجتمع بمشهده زيادة عن عشرة آلاف انسان وكان حسن الاعتقاد محسنا للفقراء والمساكين رحمه الله
ومات الامير ابراهيم جربجي الصابونجي عزبان وكان أسدا ضرغاما وبطلا مقداما كان ظهوره في سنة اثنتين وعشرين ومائة والف وشارك في الكلمة احمد كتخدا عزبان امين البحرين وحسن جربجي عزبان الجلفي وعمل اكنجي أوده باشه فلما لبس حسن جربجي الجلفي كتخدائية عزبان

ألبس المترجم باش أوده باشه وذلك في 1123 فزادت حرمته ونفذت بمصر كلمته ولما قتل قيطاس بك الفقاري في سنة 1127 خمدت بموته كلمة احمد كتخدا امين البحرين فأنفرد بالكلمة في بابه ابراهيم جربجي الصابونجي المذكور وصار ركنا من اركان مصر العظيمة ومن ارباب الحل والعقد والمشورة وخصوصا في دولة اسمعيل بك ابن ايواظ
وادرك من العز والجاه ونفاذ الكلمة وبعد الصيت والهيبة عند الاكابر والاصاغر الغاية وكان يخشاه امراء مصر وصناجقها ووجاقاتها ولم يتقلد الكتخدائية مع جلالة قدره
وسبب تسميته بالصابونجي انه كان متزوجا بابنة الحاج عبد الله الشامي الصابونجي لكونه كان ملتزما بوكالة الصابون وكان له عزوة عظيمة ومماليك وابتاع ومنهم عثمان كتخدا الذي اشتهر ذكره بعده ولم يزل في سيادته الى ان مات على فراشه خامس شهر شوال سنة 1131 وخلف ولدا يسمى محمدا قلدوه بعده جربجيا سيأتي ذكره
وسعى له عثمان كاشف مملوك والده وخلص له البلاد من غير حلوان وكان عثمان اذ ذاك جربجيا بباب عزبان
ومات الامير الجليل يوسف بك المعروف بالجزار تابع الامير الكبير ايواظ بك تقلد الامارة والصنجقية في سنة 1123 ايام الواقعة الكبيرة بعد موت أستاذه من قانصوه بك قائمقام اذ ذاك
وكانت له اليد البيضاء في الهمة والاجتهاد والسعي لاخذ ثار سيده والقيام الكلي في خذلان المعاندين
وجمع الناس ورتب الامور وركب في اليوم الثاني من قتل سيده وصحبته اسمعيل بن استاذه واتباعهم وطلع الى باب العزب وفرق فيهم عشرة آلاف دينار وارسل الى البلكات الخمسة مثل ذلك وجر المدافع وخرج بمن انضم اليه الى ميدان محمد بك الصعيدي وطائفته ومن بصحبته من الهوارة حتى هزمهم واجلاهم عن الميدان الى السواقي
واستمر يخرج الى الميدان في كل يوم ويكر ويفر ويدبر الامور وينفق

الاموال وينقب النقوب ويدبر الحروب حتى تم لهم الامر بعد وقائع وأمور ذكرنا بعضها في ولاية خليل باشا وفي بعض التراجم
وتقلد المترجم امارة الحج وطلع به في تلك السنة وتقلد قائمقامية في 1126 عن عابدي باشا
ولما حقدوا على اسمعيل بك بن سيده ودبروا على ازالته في ايام رجب باشا وظهر جركس من اختفائه بعد ان اخرجوا المترجم ومن معه بحجة وقوف العرب وقتلوا من كان منهم بمصر وأخرجوا لهم تجريدة قام المترجم في تدبير الامر واختفى اسمعيل بك ودخل منهم من دخل الى مصر سرا ووزع المماليك والامتعة على ارباب المناصب والسدادرة وأشاع ذهابهم الى الشام مع الشريف يحيى وتصدر هو للامر وكتم أموره ولم يزل يدبر على اظهار ابن سيده واستمال ارباب الحل والعقد وانفق الأموال سرا وضم اليه من الاخصام أعاظمهم وعقلاءهم مثل احمد بك الاعسر وقاسم بك الكبير واتفق معهم على اظهار اسمعيل بك واخيه اسمعيل بك جرجا وعمل وليمة في بيته جمع فيها محمد بك جركس وباقي ارباب الحل والعقد وأبرز لهم اسمعيل بك ومن معه بعد المذاكرة والحديث والتوطئة وتمموا أغراضهم وعزلوا الباشا وأنزلوه من القلعة وتأمر اسمعيل بك وظهر أمره كما كان وتولى الدفتردارية في سنة 1127 بعد انفصاله من امارة الحج ثم عزل عنها واستمر امير مسموع الكلمة وافر الحرمة الى ان مات في سنة 1134 ووقع له مع العرب عدة وقائع وقتل منهم الوفا فلذلك يسمى بالجزار
ولما مات قلدوا مملوكه ابراهيم أغا الصنجقية عوضا عنه
ومات الامير الجليل فانصوه بك القاسمي تابع قيطاس بك الكبير الدفتردار الذي كان بقناطر السباع رباه سيده وأرخى لحيته وجعله كتخداه وسافر معه الى سفر الجهاد في سنة 1126 فمات سيده بالسفر فقلدوه الامارة والصنجقية بالديار الرومية عوضا عن سيده وحضر الى

مصر وتقلد كشوفية بني سويف خمس مرات وكشوفية البحيرة ثلاث مرات
ولما حصلت الفتنة في ايام خليل باشا كعب الشوم الكوسة 1123 كما تقدم غير مرة كان هو أحد الأعيان الرؤساء المشار اليهم من فرقة القاسمية فاجتمعوا وقلدوا المترجم قائمقام وعملوا ديوانهم وجمعيتم في بيته حتى انقضت الفتنة ونزل الباشا واستمر هو يتعاطى الاحكام احدا وتسعين يوما حتى حضر والي باشا الى مصر فعزل وكف بصره ومكث بمنزله حتى توفي على فراشه سنة 1127 وقلدوا امرته وصنجقيته لتابعه الامير ذي الفقار أغا وتزوج بابنته وفتح بيت سيده واحيا مآثره من بعده
ومات الامير اسمعيل بك المنفصل من كتخدائية الجاويشية واصله جلبي بن كتخدا ابري بك وهو من اشراقات اسمعيل بك بن ايواظ قلده الصنجقية سنة 1128 وتولى الدفتردارية سنة 1131 واستمر فيها سنتين وخمسة أشهر وقتله رجب باشا هو واسمعيل أغا كتخدا الجاويشية في وقت واحد عندما دبروا على قتل اسمعيل بك بن ايواظ وهو راجع من الحج فأحتجوا بالعرب وأرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك بن ايواظ واسمعيل بك ولجه لمحاربة العرب فلما بعدوا عن مصر طلع المترجم وصحبته اسمعيل أغا كتخدا الجاويشية وكان اصله كتخدا ايواظ بك الكبير فقتلوهما في سلالم ديوان الغوري غدرا باغراء محمد بك جركس
وفي ذلك الوقت ظهر جركس وركب حصان اسمعيل بك المذكور ونزل الى بيته وكان قتلهما في أوائل سنة 1133 وقتلا ظلما وعدوانا رحمهما الله
ومات الامير حسين بك المعروف بأبي يدك وأصله جرجي الجنس تقلد الامارة والصنجقية سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف وكان مصاهر لسليمان بك بارم ذيله وكان متزوجا بأبنته وكان معدودا من الفرسان والشجعان

الا انه كان قليل المال ولما قتل قيطاس بك الفقاري وهرب محمد بك تابعه المعروف بقطامش الى الديار الرومية اختفى المترجم بمصر وذلك في سنة 1127 بعد ما أقام في الامارة اربعا وعشرين سنة
ثم ظهر مع من ظهر في الفتنة التي حصلت بين محمد بك جركس وبين اسمعيل بك بن ايواظ وكان المترجم من اغراض جركس
فلما هرب جركس هو ايضا فلحقه عبد الله بك صهر بن ايواظ وقتله بالريف وقطع رأسه فكان ظهوره سببا لقتله وذلك في سنة 1131
ومات الامير حسين بك أرنؤد المعروف بأبي يدك وكان أصله أغات جراكسة ثم تقلد الصنجقية وكشوفيات الاقاليم مرارا عديدة وسافر الى الروم أميرا على السفر في سنة 1124 فلما رجع في سنة 1129 استعفى من الصنجقية وسافر الى الحجاز وجاور بالمدينة المنورة
فكانت مدة امارته ثلاثا وعشرين سنة
واستمر مجاورا بالمدينة اربع سنوات ومات هناك سنة 1134 دفن بالبقيع
ومات الامير يوسف بك المسلماني وكان اصله اسرائيليا وأسلم وحسن اسلامه ولبس أغات جراكسة ثم تقلد كتخدا الجاويشية وانفصل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1107 وتلبس كشوفية المنوفية ثم امارة جدة ومشيخة الحرم وجاور بالحجاز عامين
ثم رجع وسافر بالعسكر الى الروم ورجع سالما وأخذ جمرك دمياط وذهب اليها وأقام بها الى ان مات 1120 وأقام في الصنجقية اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وترك ولدا يسمى محمد كتخدا عزبان
ومات الامير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تقلد الامارة عوضا عن سيده سنة 1110 ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة 1116
ومات الامير محمد بك الكبير الفقاري تقلد الامارة بعد سيده سنة 1117 وتولى امارة جرجا وحكم الصعيد مرتين
وكان من أخصاء أيوب

بك المتقدم ذكرهما في الواقعة الكبيرة وأرسل اليه ايوب بك يستنصر به فأجاب دعوته وحضر الى مصر ومعه الجم الغفير من العزبان والهوارة والمغاربة وأجناس البوادي وحارب وقاتل داخل المدينة وخارجها كما تقدم ذكر ذلك غير مرة وكان بطلا هماما وأسدا ضرغاما ولم يزل حتى هرب مع ايواظ بك الى بلاد الروم فقلدوه الباشوية وعين في سفر الجهاد ومات سنة 1133
ومات الامير مصطفى بك المعروف بالشريف وهو بن الامير ايواظ بك الجرجي مملوك حسين أغا وكان والده ايواظ بك المذكور تولى أغاوية العزب سنة 1070 وتزوج ببنت النقيب برهان الدين افندي فولد له منها المترجم فلذلك عرف بالشريف وتقلد والده كتخدا الجاويشية 1079 وعزل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1081 وتولى كشوفية الغربية وتقلد قائمقام مصر وعزل ولم يزل اميرا حتى مات على فراشه وترك ولده هذا المترجم وكان سنه حين مات والده اثنتي عشرة سنة فرباه ريحان اغا تابع والده ثم مات ريحان اغا فعند ذلك اسرف مصطفى جلبي واتلف اموال ابيه وكانت كثيرة جدا وكان المترجم في وجاق المتفرقة وصار فيهم اختيارا الى ان لبس سردارية المتفرقة في سفر الخزينة سنة 1109 فمات صنجق الخزينة درويش بك الفلاح في السفر بالروم فلبس صنجقية المذكور حكم القانون ورجع الى مصر اميرا واستمر في امارته حتى مات سنة 1133 وكان قليل المال
ومات الامير احمد بك الدالي تابع الامير ايواظ بك الكبير القاسمي تقلد الصنجقية يوم الخميس سابع جمادى الاولى سنة 1127 ولبس في يومها قفطان الامارة على العسكر المسافر الى بلاد مورة بالروم عوضا عن خشداشة يوسف بك الجزار وسافر بعد ستين يوما ومات هناك وتقلد عوضه مملوكه علي بك ورجع الى مصر صنجقا وهو علي بك المعروف بالهندي

ومات كل من الامير حسين كتخدا الينكجرية المعروف بحسين الشريف وابراهيم باش أوده باشا المعروف بكدك وذلك انه لما قتل قيطاس بك الفقاري بقراميدان على يد عابدي باشا في شهر رجب سنة 1127 وثارت بعد ذلك الفتنة بين باب الينكجرية والعزب وذلك ان حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله كانوا من عصبة قيطاس بك فلما قتل خافوا على انفسهم فملكوا باب مستحفظان على حين غفلة وقتلوا المذكورين وكانوا يتهمونهما بانهما تسببا في قتل قيطاس بك
ومات ايضا كل من الامير حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله وذلك انه لما ملك المذكورون الباب وقتلوا حسين كتخدا الشريف وابراهيم الباش كما تقدم وذلك في اواخر رجب وسكن الحال انتدب محمد كتخدا كدك لأخذ ثار اخيه وملك الباب على حين غفلة وذلك ليلة الثلاثاء ثالث عشري رمضان وتعصب معه طائفة من اهل بابه وطائفة من باب العزب وقتل في تلك الليلة حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وانزلوهما الى بيوتهما في صبح تلك الليلة في توابيت
وهرب كور عبد الله فقبض عليه محمد بك جركس بعد ستة ايام وحضر به وهو راكب على الحصان وفي عنقه الحديد ومغطى الرأس وطلع به الى عابدي باشا
فلما مثل بين يديه سبه ووبخه وأمره بأخذه الى بابه فأمر محمد كتخدا كدك بحبسه بالقلعة
وقتل في ذلك اليوم وأنزلوه الى بيته بسوق السلاح
ومات ايضا محمد كتخدا كدك المذكور فانه اشتهر صيته بعد هذه الحوادث ونفذت كلمته ببابه ولم يزل حتى مات على فراشه في شهر القعدة 1132
ومات الامير احمد بك المسلماني ويعرف ايضا باسكي نازي وكان اصله كاتب جراكسة وكان يسمى باحمد افندي ثم عمل باش اختيار جراكسة

وحصل له عز عظيم وثروة وكثرة مال وكان أغنى الناس في زمانه وكان بينه وبين اسمعيل بك بن ايواظ وحشة وكان بن ايواظ يكرهه ويريد قتله فالتجأ الى محمد بك جركس
فلما هرب جركس في المرة الاولى اختفى احمد افندي المترجم وبيعت بلاده ومتاعه فلما ظهر جركس ثانيا ظهر احمد افندي وعمل صنجقيا سنة 1133 وصار صنجقيا فقيرا ثم ورد مرسوم بان يتوجه المترجم الى مكة لاجراء الصلح بين الاشراف فتوجه ومكث هناك سنة ثم رجع الى مصر ومكث بها مدة الى 1136 فأرسلوه الى ولاية جرجا ليشهل غلال المبري وكان ذلك حيلة عليه
فلما توجه الى جرجا أرسل محمد باشا فرمانا الى سليمان كاشف خفية بقتله فذهب سليمان كاشف ليسلم عليه فغمز عليه بعض أتباعه فضربوه وقتلوه عند العرمة وقطعوا رأسه في حادي عشرى شهر القعدة سنة 1136
ومات الامير علي كتخدا المعروف بالداودية مستحفظان وكان من اعيان باب الينكجرية وأصحاب الكلمة مع مشاركة مصطفى كتخدا الشريف وكان من الاعيان المعدودين بمصر ولم يزل نافذ الكلمة وافر الحرمة الى أن مات على فراشه في جمادى الاخرة سنة 1133
ومات الامير ابراهيم افندي كاتب كبير الشهير بشهر اوغلان مستحفظان وكان ايضا من الاعيان المشهورين ببابهم مع مشاركة عثمان كتخدا الجرجي تابع شاهين جربجي وانفرد معه بالكلمة بعد مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا بشناق لما خرجهما اسمعيل بك بن ايواظ الى الكشيدة كما تقدم الاشارة الى ذلك
فلما قتل اسمعيل بك رجع مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا ثانيا الى الباب وانحطت كلمة المترجم وعثمان كتخدا ثم عزل ابراهيم افندي المذكور الى دمياط وأهين ومكث هناك اشهر ثم حضروه وجعلوه سردار جداوي وتوجه مع الحج ومات هناك في سنة 1137

ومات النبيه الفطن الذكي حسن افندي الروزنامجي الدمرداشي وكان باش قلفه الروزنامجه فلما حضر اسمعيل باشا واليا على مصر في سنة ست ومائة والف وكانت سنة تداخل فتكلم الباشا مع ابراهيم بك أبي شنب في كسر الخزينة وعرض عليه المرسوم السلطاني بتعويض كسر الخزينة من اشغال العشرين الف عثماني التي كانت عليهم وكان له ميل للعلوم والمعارف وخصوصا الرياضيات والفلكليات ويوسف الكلارجي الفلكي الماهر هو تابع المذكور ومملوكه
وقرأ على رضوان افندي صاحب الازياج والمعارف وكان كثير العناية برضوان افندي المذكور ورسم باسمه عدة آلات وكرات من نحاس مطلية بالذهب واحضر المتفنين من ارباب الصنائع صنعوا له ما اراد بمباشرة وارشاد رضوان افندي وصرف على ذلك اموالا عظيمة وباقي اثر ذلك الى اليوم بمصر وغيرها ونقش عليها اسمه واسم رضوان افندي وذلك سنة 1113 وقبل ذلك وبعدها ولم يزل في سيادته حتى توفي
ومات الامير مصطفى بك القزلار المعروف بالخطاط تابع يوسف أغا القزلاردار السعادة تولى الامارة الصنجقية في سنة 1094 وتقلد قائمقامية بعد عزل اسمعيل باشا وذلك سنة 1109 قهرا عنه وتقلد مناصب عديدة مثل كشوفية جرجا وغيرها ثم تقلد الدفتردارية سنة ثلاث وثلاثين فكان بين لبسه الدفتردارية والقائمقامية اربع وعشرون سنة وبعد عزله من الدفتردارية مكث في منزله صنجقيا بطالا الى ان توفي سنة 1142
ومات الامير المعظم والملاذ المفخم الامير اسمعيل بك بن الامير الكبير ايواظ بك القاسمي من بيت العز والسيادة والامارة نشأ في حجر والده في صيانة ورفاهية وكان جميل الذات والصفات وتقلد الامارة الصنجقية بعد موت والده الشهيد في الفتنة الكبيرة كما تقدم وكان لها اهلا ومحلا وكان عمره اذ ذاك ست عشرة سنة وقد دب عذاره وسمته النساء قشطة

بك
فانه لما اصيب والده في المعركة بالرملة تجاه الروضة وقتل في ذلك اليوم من الغز والاجناد خاصة نحو السبعمائة ودفن والده فلما اصبحوا ركب يوسف الجزار تابع ايواظ بك واحمد كاشف واخذوا معهم المترجم وذهبوا الى بيت قانصوه بك قائمقام فوجدوا عنده ابراهيم بك ابا شنب واحمد بك تابعه وقيطاس بك الفقاري وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش وهم جلوس وعليهم الكآبة والحزن وصاروا مثل الغنم بلا راع متحيرين في امرهم وما يؤول اليه حالهم فلما استقر بهم الجلوس نظر يوسف الجزار الى قيطاس بك فرآه يبكي فقال له لاي شيء تبكي هذه القضية ليس لنا فيها ذنب ولا علاقة واصل الدعوى فيكم معشر الفقارية والآن انحرجنا وقتل منا واحد وخلف مالا ورجالا قلدوني الصنجقية وامير الحاج وسر عسكر وكذلك قلدوا ابن سيدي هذا صنجقية والده فيكون عوضا عنه ويفتح بيته واعطونا فرمانا وحجة من الذي جعلتموه نائب شرع بالمعافاة من الحلوان ونحن نصرف الحلوان على المقاتلين والله يعطي النصر لمن يشاء
ففعلوا ذلك ورجع يوسف بك وصحبته اسمعيل بك ومن معهم الى بيت المرحوم ايواظ بك وقضوا اشغالهم ورتبوا امورهم وركبوا في صبحها الى باب العزب واخذوا معهم الاموال فانفقوا في الست بلكات وغيرهم من المقاتلين ونظموا احوالهم في الثلاثة ايام الهدنة التي كانوا اتفقوا على رفع الحرب فيها بعد موت ايواظ بك
وكان الفاعل لذلك ايوب بك وقصده حتى يرتب اموره في الثلاثة ايام ثم يركب على بيت قانصوه بك ويهجم على من فيه ولو فعل ذلك في اليوم الذي قتل فيه ايواظ بك لتم لهم الامر ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا
ولم يرد الله لهم بذلك وأخذوا في الجد والاجتهاد وبرزوا للحرب في داخل المدينة وخارجها وعملوا المكايد ونصبوا شباك المصايد وأنفقوا الاموال ونقبوا النقوب حتى نصرهم الله على الفرقة الاخرى وهم أيوب

بك ومحمد بك الصعيدي وافرنج احمد وباب الينكجرية ومن تبعهم وقتل من قتل وفر من فر ونهبت دورهم وشردوا في البلاد وتشتتوا في البلاد البعيدة كما ذكر غير مرة واستقر الحال وسافر أميرا بالحج في تلك السنة يوسف بك الجزار واستقر المترجم بمصر وافر الحرمة محتشم المكانة مشاركا لابراهيم بك ابي شنب وقيطاس بك في الامر والرأي وفي نفس قيطاس بك ما فيها من حقد العصبية فصار يناكدهما سرا وسلط حبيب وابنه سالم على خيول اسمعيل بك فجم اذنابها ومعارفها كما ذكر ثم نصب لهما ولمن والاهما شباكا ومكايد ولم يظفره الله بهما ولم يزل على ذلك وهما يتغافلان ويغضيان عن مساويه الخفية الى ان حضر عابدي باشا وارسل قلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع يوسف بك على ابن سيده اسمعيل بك وجعله امين السماط
ولما وصل الباشا الى العادلية وقدمت له الامراء التقادم وقدم له اسمعيل بك المترجم تقدمة عظيمة وتقيد بخدمة السماط أحبه عابدي باشا ومال بكليته اليه ثم انه اختلى معه ومع يوسف بك وسألهما عن سبب موت والده فأخبراه ان مصر من قديم الزمان فرقتان وعرفاه الحال وان قيطامس بك وايوب بك بيت واحد ووقعت بينهما خصومة وأيوب بك أكثر عزوة وجندا فوقع قيطامس بك على ايواظ بك والتجأ اليه فقام بنصرته وفاداه وأنفق بسببه اموالا وتجندلت من رجاله أبطال الى أن مات وقتل وبلغ قيطاس بك بنا ما بلغ فلم يراع معنا جميلا وفي كل وقت ينصب لنا الحبائل ويحفر فينا الغوائل ونحن بالله نستعين فقال الباشا يكون خيرا
وأضمر لقيطاس بك السوء ولم يزل حتى قتله كما ذكر بقراميدان وورد أمر بتقليد المترجم على الحج اميرا وتقليد ابراهيم بك الدفتردارية وألبسهما عابدي باشا الخلع وتسلم أدوات الحج والجمال وأرسل غلال الحرمين وبعث القومانية والغلال الى البنادر وأرسل أناسا وعينهم لحفر الآبار المردومة وتنقية الاحجار من طريق الحجاج

وضم اليه جماعة من الفقارية مثل حسين بك ابي يدك وذي الفقار معتوق عمر أغا بلغيه واصلان وقبلان وأمثالهم واخذوا يحفرون للمترجم وينصبون له الغوائل واتفقوا على غدره وخيانته ووقف له طائفة منهم بطريق الرميلة وهو طالع الى الديوان فرموا عليهم الرصاص فلم يصب منهم سوى رجل قواس ورمح اسمعيل بك وأمراؤه الى باب القلعة ونزل بباب العزب وكتب عرضحال وأرسله الى علي باشا صحبة يوسف بك الجزار مضمونه الشكوى من محمد بك جركس وانه جامع عنده المفاسيد ويريدون اثارة الفتن في البلد
فكتب الباشا فرمانات الى الوجاقات باحضار محمد بك جركس وان أبي فحاربوه وركب جركس بالمنضمين اليه وهم قاسمية وفقارية وذلك بعد ابائه وعصيانه فصادف المتوجهين اليه فحاربهم بالرميلة وآل الامر الى انهزامه وتفرق من حوله ولم يتكمن من الوصول الى داره وخرج هاربا من مصر وقبض عليه العربان وأحضروه الى اسمعيل بك أسيرا عريانا في أسوأ حال فكساه واكرمه والبسه فروة سمور واشار عليه احمد كتخدا امين البحرين وعلي كتخدا الجلفي بقتله فلم يوافقهما على ذلك
وقال انه دخل الى بيتي وحل في ذمامي فلا يصح ان اقتله ثم نفاه الى قبرص
ولما سافر محمد بك بن ابي شنب الى اسلامبول بالخزينة في تلك السنة وصى قاسم بك بالارسال الى جركس واحضاره الى مصر ففعل وحضر الى مصر سرا واختفى عنده ولما وصل محمد بك بالخزينة واجتمع بالوزير الاعظم دس اليه كلاما في حق المترجم وقال له ان أهملتم أمره استولى على الممالك المصرية وطرد الولاة ومنع الخزينة فان الامراء والدفتردارية وكبار الامراء والوجاقات صاروا كلهم أتباعه ومساليكه ومماليك ابيه والذي ليس كذلك فهم صنائعه وعلي باشا المتولى لا يخرج عن مراده في كل ما يأمر به
وأخرج من مصر وأقصى كل ناصح في خدمة الدولة مثل محمد بك جركس ومن يلوذ به وعمل للوزير

أربعة آلاف كيس على ازالة اسمعيل بك والباشا وتولية خلافة ويكون صاحب شهامة وتدبير وكان ذلك في دولة السلطان احمد فأجابوه الى ذلك وعينوا رجب باشا امير الحاج الشامي ورسموا له رسوما باملاء محمد بك أبي شنب ملخصها قتل الباشا واسمعيل بك وعشيرته ما عدا علي بك الهندي
ولما حضر رجب باشا الى مصر وقد كان قاسم بك احضر محمد جركس واخفاه وكان اسمعيل بك بن ايواظ طالعا بالحج سنة 1131 فاليوم الذي وصل فيه رجب باشا الى العريش ووصل المسلم الى مصر كان خروج اسمعيل بك بالحج من مصر وارسل رجب باشا مرسوما الى احمد بك الاعسر وجعله قائمقام وامره بانزال علي باشا الى قصر يوسف والاحتفاظ به ففعلوا ذلك ووصل رجب باشا فأحضر علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وامرهم بعمل حسابه ثم امر بقتله فقتلوه ظلما وسلخوا رأسه وأرسلها الى الروم وضبط مخلفاته ودبر معه أمر بن ايواظ
وأما ما كان من امر الباشا وجركس ومن بمصرفانه فانه لما سافر يوسف بك الجزار ومن معه على الرسم المتقدم عملوا شغلهم وقتلوا اسمعيل بك الدفتردار واسمعيل اغا كتخدا الجاويشية وظهر محمد بك جركس ونزل من القلعة الى بيته وهو راكب ركوبة الدفتردار واستقر الباشا أحمد بك الاعسر دفتردار
ولما وصل المتوجهون الى سطح العقبة نزل يوسف بك الجزار وترك محمد بك بن ايواظ واسمعيل بك جرجا في السطح فلما دخل على الصنجق وسلم عليه اشتغل خاطره وقال له لاي شيء جئت فقال أنا لست وحدي بل صحبتي اخوك محمد بك واسمعيل بك جرجا وعبد الرحمن أغا ولجه
فقال لا اله الا الله كيف انكم تتركون البلد وتأتون اما تعلموا ان لنا أعداء والعثمانية ليس لهم امان ولا صاحب ويصيدون الارنب بالعجلة فأعدوا العدة وسافروا الى مصر وبعد ايام وصل مرسوم بالامان والرضا

لاسمعيل بك وجماعته وولوا على مصر محمد باشا من حيث أتى بعدما دفع المائة وعشرين كيسا التي اخذها من دار الضرب وصرفها على تجريدة اجرود ولم يزل محمد بك جركس ومحمد بك بن سيده ومن يلوذ بهم مصرين على حقدهم وعداوتهم للمترجم وهو يتغافل عنهم ويغضي عن مساويهم ويسامح زلاتهم حتى غدروا به وقتلوه بالقلعة على حين غفلة وذلك انه لم يزل ذو الفقار تابع عمر اغا يطالب بفائظ حصته في قمن العروس ويكلم جركس يشفع له عند اسمعيل بك فيقول له اطرد الصيفي من عندك وأرسل الي بعد ذلك ذا الفقار ويأخذ الذي يطلع له عندي الى ان ضاق خناق ذي الفقار من الفشل والاعدام فطلع الى كتخدا الباشا وشكا اليه حاله فقال له وما الذي تريد نفعله قال اريد ان اقتل ابن ايواظ عندما يأتي الى هنا واعطوني صنجقية وعشرين كيسا فائظ من بلاده وكشوفية المنوفية فدخل الكتخدا واخبر مخدومه بذلك فأجابه الى مطلوبه على شرط ان لا يدخلنا في دمه
فنزل ذو الفقار واخبر جركس بما حصل وطلب ان يكون ذلك بحضوره هو وابراهيم بك فارسكور فأجابه الى ذلك ولما اجتمعوا في ثاني يوم عند كتخدا الباشا دخل ذو الفقار وقدم له عرضحال الى اسمعيل بك فاخذه وشرع يقرأ فيه واذا بذي الفقار سحب الخنجر وضرب الصنجق به في مدوده وكان معه قاسم بك الصغير واصلان وقبلان وخلافهم مستعدين لذلك فعندما رأوه ضرب اسمعيل بك سحبوا سيوفهم وضربوا ايضا اسمعيل بك جرجا فقتلوه فهرب صاري علي وكتخدا الجاويشية مشاة الى باب الينكجرية وقطعوا راس الاميرين وشالوا جثثهما الى بيوتهما فغسلوهما وكفنوهما ودفنوهما بمدفن ابي الشوارب الذي بطريق الازبكية عند غيظ الطواشي وذلك في سنة 1136
ثم ارسلوا رأسيهما مسلوخين فدفنوهما ايضا وانقضت دولة اسمعيل بك ابن ايواظ
وكانت

ايامه سعيدة وافعاله حميدة والاقليم في امن وامان من قطاع الطريق واولاد الحرام وله وقائع مع حبيب واولاده يطول شرحها وسيأتي استطراد بعضها في ترجمة سويلم وكان صاحب عقل وتدبير وسياسة في الاحكام وفطانة ورياسة وفراسة في الامور وله عدة عمائر ومآثر منها انه جدد سقف الجامع الازهر وكان قد آل الى السقوط وانشأ مسجد سيدي ابراهيم الدسوقي بدسوق وكذلك انشأ مسجد سيدي علي المليجي على الصفة التي هما عليها الآن
ولما تمم بناء المسجد المليجي سافر اليه ليراه وذلك في منتصف شهر شعبان سنة 1135
ومن افاعيله الجميلة كان يرسل غلال الحرمين في اوانها ويرسل القومانية الى البنادر ويجعل في بندر السويس والمويلح والينبع غلال سنة قابلة في الشون تشحن السفائن وتسافر في اوانها ويرسل خلافها على هذا النسق
ولما بلغ خبر موته لاهل الحرمين حزنوا عليه وصلوا عليه صلاة الغيبة عند الكعبة وكذلك اهل المدينة صلوا عليه بين المنبر والمقام ومات وله من العمر ثمان وعشرون سنة وطلع امير بالحج ست مرات آخرها سنة ثلاث وثلاثين
وكان منزله هو بيت يوسف بك بدرب الجماميز المجاور لجامع بشناك المطل على بركة الفيل وقد عمره وزخرفه بانواع الرخام الملون وصرف عليه اموالا عظيمة وقد خرب وصار حيشانا ومساكن للفقراء وطريقا يسلك منها المارة الى البركة ويسمونها الخرابة ولما مات لم يخلف سوى ابنة صغيرة ماتت بعده بمدة يسيرة وحملين في سريتين ولدت احداهن ولدا وسموه ايواظ عاش نحو سبعة اشهر ومات وولدت الاخرى بنتا ماتت في فصل كو دون البلوغ فسبحان الحي الذي لا يموت
ومات الامير اسمعيل بك جرجا وكان اصله خازندار ايواظ بك الكبير وامره اسمعيل بك وقلده صنجقا ومنصب جرجا فلذلك لقب بذلك ولم يزل حتى قتل مع ابن سيده في ساعة واحدة ودفن معه في مدفن رضوان

بك ابي الشوارب
ومات كل من الامير عبد الله بك والامير محمد بك بن ايواظ والامير ابراهيم بك تابع الجزار قتل الثلاثة المذكورون في ليلة واحدة وذلك انه لما قتل الامير اسمعيل بك بن ايواظ بالقلعة بيد ذي الفقار بممالأة محمد بك جركس في الباطن وعبد الله بك لم يكن حاضرا انضمت طوائف الامراء المقتولين ومماليكهم الى عبد الله بك لكونه زوج اخت المرحوم اسمعيل بك ومن خاصة مماليك ايواظ بك الكبير
وكان كتخداه في حياته وقلده اسمعيل بك الامارة والصنجقية وطلع اميرا بالحج في السنة الماضية التي هي سنة خمس وثلاثين ورجع سنة ست وثلاثين
فلما وقع ذلك انضموا اليه لكونه أرأس الموجودين واعقلهم واقبلت عليه الناس يعزونه في ابن سيده اسمعيل بك وازدحم بيته بالناس وتحقق المبغضون انه ان استمر موجودا ظهر شأنه وانتقم منهم فاعملوا الحيلة في قتله وقتل امرائهم
وطلع في ثاني يوم ذو الفقار قاتل المرحوم اسمعيل بك الى القلعة فخلع عليه الباشا وقلده الامرية والصنجقية وكاشف اقليم المنوفية
ونزل الى بيت جركس ومعه تذكرة من كتخدا الباشا مضمونها انه يجمع عنده عبد الله بك ومحمد بك ابن ايواظ وابراهيم بك الجزار ويعمل الحيلة في قتلهم
فكتب جركس تذكرة الى عبد الله بك وارسلها صحبة كتخداه بطلبه للحضور عنده ليعمل معه تدبيرا في قتل قاتل المرحومين فلما حضر كتخدا جركس الى بيت عبد الله بك بالتذكرة وجد البيت مملؤا بالناس والعساكر والاختيارية والجربجية وواجب رعاياه وعنده علي كتخدا الجلفي عزبان وحسن كتخدا حبانية تابع يوسف كتخدا تابع محمد كتخدا البيوقلي وغيرهم نفر وطوائف كثيرة فأعطاه التذكرة فقرأها ثم قال لعلي بك الهندي خذ محمد بك وابراهيم بك واذهبوا الى بيت محمد بك جركس وانظروا كلامه وارجعوا فاخبروني بما يقول

فركبوا وذهبوا عند جركس فدخلوا عليه فوجدوا عنده ذا الفقار بك وهو يتناجى معه سرا فادخلهم الى تنهة المجلس وارسل في الحال الى كتخدا الباشا يخبره بحضور المذكورين عنده ويقول له أرسل إلى عبدالله بك واطلبه فان طلع اليكم وعوقتموه ملكنا غرضنا في باقي الجماعة
فارسل الكتخدا يقول لجركس ان لا يتعرض لعلي بك الهندي لان السلطان اوصى عليه وكذلك صاري علي اوصى عليه الباشا لانه امين العنبر وناصح في الخدمة
وارسل في الحال تذكرة الى عبد الله بك ياخذ خاطره ويعزيه في العزيز ابن سيده ويطلبه للحضور عنده ليدبر معه امر هذه القضية وقتل قاتل المرحوم
فراج عليه ذلك الكلام والتمويه
وركب في الحال لاجل نفاذ المقدور وقال لعلي كتخدا اجلس هنا ولا تفارق حتى ارجع وطلع الى القلعة ومعه عشرة من الطائفة ومملوكان والسعادة فقط ودخل على كتخدا الباشا فتلقاه بالبشاشة ورحب به وشاغله بالكلام الى العصر وعندما بلغ محمد بك جركس ركوب عبد الله بك وطلوعه الى القلعة صرف علي بك الهندي ووضع القبض على محمد بك ابن ايواظ وابراهيم بك الجزار وربط خيولهما بالاسطبل وطردوا جماعتهم وطوائفهم وسراجينهم ولم يزل كتخدا الباشا يشاغل عبد الله بك ويحادثه ويلاهيه الى قبيل الغروب حتى قلق عبد الله بك واراد الانصراف فقال له كتخدا الباشا لا بد من ملاقاتك الباشا ومحادثتك معه
وقام يستأذن له ودخل ورجع اليه وقال له ان الباشا لا يخرج من الحريم الا بعد الغروب وانت ضيفي في هذه الليلة لاجل ما نتحادث مع الباشا في الليل
وحسن له ذلك وتركه الى الصباح فطلع محمد بك جركس وابن سيده محمد بك ابن ابي شنب وذو الفقار بك وقاسم بك وابراهيم بك فرسكور واحمد بك الاعسر الدفتردار فخلع الباشا على محمد بك اسمعيل وقلده امير الحاج وقلد عمر اغا كتخدا

جاويشية عوضا عن عبد الله اغا وقلد محمد اغا لهلوبة والي ونزلوا الى بيوتهم
وطلعت طوائف عبد الله بك واتباعه وانتظروه حتى انقضى امر الديوان ولم ينزل
فاستمروا في انتظاره الى بعد العصر ثم سألوا عنه فقالوا لهم انه جالس مع الباشا في التنهة فنزلوا وارسل محمد بك جركس لهلوبة الوالي الى بيت كتخدا الباشا فقعد به الى بعد العشاء فدخلت الجو خدارية الى عبد الله بك فاخذوا ثيابه وما في جيوبه وانزلوه وسلموه الى الوالي فاركبه على ظهر كديش ونزل به من باب الميدان وساروا به الى بيت جركس فاوقفوه عند الحوض المرصود ونزلوا بمحمد بك ابن ايواظ وابراهيم بك الجزار فاركبوهما حمارين وسار بهم ابراهيم بك فارسكور والوالي على جزيرة الخيوعية وانزلوهم في المركب وصحبتهم المشاعل فقتلوهم وسلخوا رؤوسهم ورموهم الى البحر ورجعوا وانقضى امرهم وتغيب حالهم وما فعل بهم اياما
وكانت قتلتهم في شهر ربيع الاول سنة 1136
ومات عبد الله بك وهو متقلد امارة الحج وعمره ست وثلاثون سنة وكان حليما سموح النفس صافي الباطن
ومات محمد بك ابن ايواظ بك وسنه ست وعشرون سنة وكان اصغر من اخيه المرحوم
ومات الامير قاسم بك الكبير وهو مملوك ابراهيم بك ابي شنب وخشداش محمد بك جركس تقلد الامارة والصنجقية بعد قتل قيطاس بك في سنة 1126 في ايام عابدي باشا ولما هرب جركس وقبض عليه العربان واحضروه الى اسمعيل بك ونفاه الى قبرص اتفق محمد بك ابن ابي شنب مع قاسم بك سرا على احضاره الى مصر وسافر محمد بك الى الروم بالخزينة واشتغل شغله هناك على قتل اسمعيل بك وارسل في الخفية واحضره الى مصر واخفاه حتى حضر رجب باشا وفعلوا ما تقدم

ذكره
ولم يزل اميرا ومتكلما بمصر حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار بك والمحاربة الكبيرة التي خرج فيها جركس من مصر فقتل قاسم بك المذكور في بيته اصيب برصاصة من منارة الجامع كما تقدم وعندما علم جركس بموته حضر اليه والحرب قائم وكشف وجهه فرآه ميتا وذلك سنة 1138
ومات الامير قاسم بك الصغير وهو ايضا من اتباع ابراهيم بك ابي شنب وكان فرعون هذه الطائفة في دولة محمد بك جركس وهو من جملة المتعصبين مع ذي الفقار على قتل اسمعيل بك ابن ايواظ والضارب فيه ايضا وفي اسمعيل بك جرجا ولم يزل حتى مات في رمضان بولاية البهنسا سنة 1137
ومات محمد اغا متفرقة سنبلاوين وكان اغات وجاق المتفرقة وصاحب وجاهة ومات مقتولا باغراء من محمد بك جركس
ومات الامير ابراهيم افندي كتخدا العزب المذكور قتله سليمان اغا ابو دفية وسليمان كاشف وخازندار ابن ايواظ بالرميلة في حادثة ظهور ذي الفقار كما تقدم ذكر ذلك في ايام علي باشا وملكوا في ذلك الوقت باب العزب وحضر محمد باشا وعلي باشا ووقعت الحروب مع محمد بك جركس حتى خرج من مصر وذلك سنة ثمان وثلاثين وسيأتي تتمة ذلك في ترجمة جركس
ومات الامير عبد الرحمن بك ملتزم الولجة وهو من اتباع ايواظ بك الكبير القاسمي وامره ابنه اسمعيل بك ابن ايواظ وقلده الصنجقية وسافر بالخزينة 1135 وقتل اسمعيل بك في غيابه فلما حضر الى مصر خلع عليه محمد بك ابن ابي شنب الدفتردار قائمقام قفطان ولاية جرجا واستعجله في الذهاب والسفر الى قبلي فقضى اشغاله وبرز خيامه الى ناحية الآثار وخرجت الامراء والاغوات والاختيارية والوجاقات ومشوا في

موكبه على العادة ونزلوا بصيوانه وشربوا القهوة والشربات وودعوه ورجعوا الى منازلهم
ثم أنه قال للطوائف والأتباع اذهبوا الى منازلكم واحضروا بعد غد بمتاعكم وانزلوا بالمراكب ونسير على بركة الله تعالى
ثم أنه تعشى هو ومماليكه وخواصه وعلق على الخيول والجمال وركب وسار راجعا من خلف القلعة الى جهة سبيل علام الى الشرقية ولم يزل سائرا الى ان وصل الى بلاد الشام ومنها الى بلاد الروم هذا ما كان من امره
واما جركس فانه احضر علي بك وقاسم بك وعمر بك امير الحاج وامرهم بالركوب بعد العشاء بالطوائف ويأخذوا لهم راحة عند السواقي ثم يركبوا بعد نصف الليل ويهاجموا وطاق عبد الرحمن بك ولجة على حين غفلة ويقتلوه ويأخذوا جميع ما معه ففعلوا ذلك وساروا قرابة فلم يجدوا غير الخيام فاخذوها ورجعوا ولم يزل المترجم حتى وصل الى اسلامبول واجتمع برجال الدولة فاسكنوه في مكان واخذ مكتوبا من أغات دار السعادة خطابا الى وكيله بمصر يتصرف له في حصصه بموجب دفتر المستوفي ويرسل له الفائظ كل سنة واستمر هناك الى ان مات
ومات الامير الشهير محمد بك جركس واصله من مماليك يوسف بك القرد وكان معروفا بالفروسية بين مماليك المذكور فلما مات يوسف بك في سنة 1107 اخذه ابراهيم بك ابو شنب وارخى لحيته وعمله قائمقام الطرانة وتولى كشوفية البحيرة عدة مرار ثم امارة جرجا وسافر الى الروم سر عسكر على السفر في سنة 1128 فضم اليه المبغضين له من الفقارية وغيرهم وتوافقوا على اغتياله ورصد له طائفة منهم ووقفوا له بالرميلة وضربوا عليه بالرصاص فنجاه الله من شرهم وطلع اسمعيل بك وصناجقة الى باب العزب وطلب جركس الى الديوان ليتداعى معه فعصي وامتنع وتهيأ للحرب والقتال فقوتل وهزم وخرج هاربا من مصر فقبض عليه العربان واحضروه اسيرا الى اسمعيل بك فاشاروا عليه بقتله

فأبى وقال انه دخل حيا الى بيتي فلا سبيل الى قتله
وانزله بمكان واحضر له الطبيب فداوى جراحته واكرمه واعطاه ملابس وخلع عليه فروة سمور والف دينار ونفاه الى قبرص حسما للشر
واستمر الحقد في قلوب خشداشينه ومحمد بك ابن ابي شنب ابن استاذهم واتفقوا على احضار جركس سرا الى مصر
وسافر ابن ابي شنب بالخزينة الى دار السلطنة فاغرى رجال الدولة ورشاهم وجعل لهم اربعة آلاف كيس على ازالة اسمعيل بك وعشيرته
ووقع ما تقدم ذكره في ولاية رجب باشا
وحضر جركس الى مصر في صورة درويش عجمي واختفى عند قاسم بك ودبروا بعد ذلك ما دبروه من قتل الباشا وما تقدم ذكره في ترجمة اسمعيل بك
ونجا اسمعيل بك ايضا من مكرهم وظهر عليهم وسامحهم في كل ما صدر منهم مع قدرته على ازالتهم
ولم يزالوا مضمرين له السوء حتى توافقوا على قتله غدرا وخانوه وقتلوه بالديوان وازالوا دولته
وصفا
وصفا عند ذلك الوقت لمحمد بك جركس وعشيرته فلم يحسن السير وطغى وتجبر وسار في الناس بالعسف والجور واتخذ له سراجا من اقبح خلق الله واظلمهم وهو الذي يقال له الصيفي ورخص له فيما يفعله ولا يقبل فيه قول احد واتخذ له اعوانا من جنسه وخدما وكلهم على طبقته في الظلم والتعدي فكانوا يأخذون الاشياء من الباعة ولا يدفعون لها ثمنا ومن امتنع عليهم ضربوه بل وقتلوه وصاروا يخطفون النساء والاولاد
وصاروا يدخلون بيوت التجار في رمضان بالليل فلا ينصرفون حتى ضاق صدر الباشا وابرز مرسوما من الدولة برفع صنجقية محمد بك جركس وكتب فرامانات وارسلها الى الوجاقات ومشايخ العلم والبكري وشيخ السادات ونقيب الاشراف بالاخبار بذلك وبالمنع من الاجتماع عليه او دخول منزله
ووصل الخبر الى محمد بك جركس فكتب في الحال تذاكر وارسلها الى اختيارية الوجاقات والمشايخ بالحضور

ساعة تاريخه لسؤال وجواب فذهب اليه الاختيارية فاكرمهم واجلهم واجلسهم ثم حضر المشايخ فلما تكامل المجلس اوقف طوائفه ومماليكه بالاسلحة ثم قال لهم تكونوا معي او اقتلكم جميعا
فلم يسعهم الا انهم قالوا له جميعا نحن معك على ما تريد
فقال اريد عزل الباشا ونزوله فقالوا نحن معك على ما تختار
ثم انهم كتبوا فتوى مضمونها ما قولكم في نائب السلطان اراد الافساد في المملكة وتسليط البعض على البعض وتحريك الفتن لاجل قتلهم واخذ اموالهم فماذا يلزم في ذلك فكتب المشايخ بوجوب ازالته وعزله قمعا للفساد وحقنا للدماء
فاخذ الفتوى منهم وقام واخذ معه رجب كتخدا ومصطفى كتخدا وابراهيم كتخدا عزبان ودخل الى داخل وترك الجماعة في المقعد والحوش وعليهم الحرس وباتوا على ذلك من غير عشاء ولا دثار فلما اصبح صباح يوم الجمعة عاشر القعدة ارسل احمد بك الاعسر الى الباشا يقول له انت تنزل او تحارب وكان ارسل قاسم بك الكبير الى ناحية الجبل بنحو الخمسمائة خيال فقال بل انزل وانظروا الى مكانا انزل فيه
ونزل في ذلك اليوم قبل الصلاة الى بيت محمد اغا الدالي بقوصون ولم يخرج جركس من بيته ولا احد من المعوقين سوى قاسم بك واحمد بك
ثم انه كتب عرضا على موجب الفتوى وختم عليه المشايخ والوجاقات وكتبوا فيه انه باع غلال الحرمين وغلال الانبار وباع من غلال الدشائش والخواسك ثمانية وعشرين الف اردب وختم عليه القاضي ايضا وارسله صحبة ستة انفار من الوجاقلية في غرة الحجة سنة 1137
ولما فعل ذلك اقام محمد بك الدفتردار ابن استاذه قائمقام فصار يعمل الدواوين في منزله ولم يطلع الى القلعة الا في يوم نزول الجامكية
ولما فعل جركس ذلك صفا له الوقت وعزل مملوكه محمد اغا الوالي وقلده الصنجقية وسماه جركس الصغير والبس على اغا مملوكه ابن اخي قاسم بك الصغير

صنجقية عمه واعطاه بلاده وماله وجواره وقلد على المحرمجي مملوكه الصنجقية ايضا وكذلك احمد الخازندار مملوك احمد بك الاعسر وسليمان اغا جميزة تابع احمد اغا الوكيل صناجق البسهم الجميع قائمقام في بيته
ولم يتفق نظير ذلك وحضر جن علي باشا وطلع الى القلعة فلم يقابله جركس الا في قصر الحلي وكمل له من الامراء ثلاثة عشر صنجقا واستولوا على جميع المناصب والكشوفيات
ولما تأمر ذو الفقار بعد قتل اسمعيل بك انضم اليه كثير من الفقارية وسافر الى المنوفية فاراد ان يجرد عليه وطلب من الباشا فرمانا بذاك فامتنع فتغير خاطره من الباشا واستوحش كل من الآخر وحصل ما تقدم ذكره من عزل الباشا ثم جرد علي ذي الفقار فاختفى ذو الفقار وتغيب بمصر الى ان حضر علي باشا والي جريد واستقر بالقلعة ودبروا في ظهور ذي الفقار كما تقدم في خبر محمد باشا
وخرج محمد بك جركس هاربا من مصر فنهبوا بيته وبيوت اتباعه وعشيرته فاخرجوا من بيته شيئا لا يحد ولا يوصف حتى انه وجد به من صنف الحديد اكثر من الف قنطار ومن الغنم ازيد من الالف خروف
وبعدما احاطوا بما فيه من المواشي والامتعة ونهبوها هدموه واخذوا اخشابه وشبابيكه وابوابه
ولم يمض ذلك النهار حتى خرب عن آخره
ولم يبق به مكان قائم الاركان وقد اقام يعمر فيه نحو اربع سنوات فخرب جميعه من الظهر الى قبيل المغرب
وقتلوا كل من وجدوه من اتباعه واختفى منهم من اختفى ومن ظهر بعد ذلك قتلوه ايضا ونهبوا دياره
واخرج خلفه ذو الفقار تجريدة فلم يدركوه وذهب من خلف الجبل الاخضر الى درنه فصادف مركبا من مراكب الافرنج فنزل فيها مع بعض مماليكه وتفرق من كان معه من الامراء بالبلاد القبلية وسافر المترجم الى بلاد الافرنج فاكرموه وتشفعوا فيه عند العثماني بواسطة الالجي فقبلوا شفاعتهم فيه واخذوا له

مرسوما بالعودة الى مصر واخذها ان قدر على ذلك بعد ان عرضوا عليه الولاية والباشوية ببعض الممالك فلم يقبل
ولم يرض الا بالعودة الى مصر فوصل الى مالطة وانشأ له سفينة وشحنها بالجبخانة والآلات والمدافع ورجع الى درنة فطلع من هناك وامر الرؤساء بالذهاب بالسفينة الى ثغر اسكندرية
وحضر اليه بعض امرائه واتباعه المتفرقين فركب معهم وذهب الى ناحية البحيرة فصادف حسين بك الخشاب فهرب من وجهه فنهب حملته وخيامه وذهب الى الاسكندرية وكانت سفينته قد وصلت فاخذ ما فيها من المتاع والجبخانة والآلات ورجع الى قبلي على حوش ابن عيسى واجتمع عليه الكثير من العربان وسار الى الفيوم فهجم على دار السعادة وهربت الصيارف فاخذ ما وجده من المال ونزل على بني سويف وكان هناك علي بك المعروف بالوزير فنزل اليه وقابله ثم سار الى القطيعة بالقرب من جرجا ثم عرجا جهة الغرب قبلي جرجا وارسل الى سليمان بك وطلبه للحضور اليه بمن عنده من القاسمية فعدى اليه سليمان بك ومن معه وقابله واطلعه على ما بيده من المرسوم والامان والعفو
وحضر اليه احمد بك الاعسر وجركس الصغير فركب بصحبة الجميع وانحدر الى جهة بحري فتعرض لهم حسن بك والسدادرة وعسكر جرجا وحاربوهم فقتل حسن بك وطائفته ولم ينج منهم الا من دخل تحت بيارق العسكر
ونزل جركس بصيوان حسن بك وانزلوا مطابخهم وعازقهم في المراكب وسار بمن معه طالبين مصر ووصلت اخبارهم الى ذي الفقار بك فعمل جمعية واخذ فرمانا بسفر تجريدة وأميرها عثمان بك تابع ذي الفقار وعلي بك قطامش وعساكر اسباهية وغيرهم فقضوا اشغالهم وعدوا الى ام خنان وصحبتهم الخبيري
وساروا الى وادي البهنسا فتلاقوا مع محمد بك جركس فتحاربوا معه يوما وليلة وكان مع جركس طائفة من الزيدية والهوارة وعرب نصف

حرام فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى محمد جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وقتل منهم نحو مائة وسبعين جنديا وحال بينهم الليل ورجع المهزومون لمصر وقالوا لذي الفقار بك ان لم تتداركوا امركم والا دخلوا عليكم البيوت
فجمع ذو الفقار بك الامراء واتفقوا على تشهيل تجريدة اخرى واحتاجوا الى مصروف فطلبوا من الباشا فرمانا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري او من مال البهار على السنة القابلة فامتنع الباشا فركبوا عليه وعزلوه وانزلوه ولبسوا محمد بك قطامش قائمقام واخذوا منه فرمانا وجهزوا امر التجريدة فاخرجوا فيها مدافع كبار واحضروا سالم بن حبيب ومعه نصف سعد ونزل عثمان جاويش القازدغلي بجماعة جهة البدرشين وصحبته علي كتخدا الجلفي بالمراكب ورتبوا امورهم واشغالهم ووصل جركس ومن معه ناحية دهشور والمنشية ووقعت بينهم حروب ووقعت الهزيمة على جركس وقتل سليمان بك ونزلت القرابة المراكب وسارت الخيالة صحبة العرب مقبلين
وسار عثمان جاويش القازدغلي خلف قرا مصطفى جاويش ليلا ونهارا حتى ادركه عند ابي جرج فقبض عليه ومعه ثلاثة واخذ ما وجده معه وانزلهم في المركب واتى بهم الى مصر وقطعوا رؤوسهم وارسلوا فرمانا برجوع التجريدة ولحوق الصنجقيين وأغات البلك والاسباهية وسالم بن حبيب بجركس أينما توجه
فسافروا خلفه اياما ثم عدى الى جهة الشرق ومعه عرب خويلد واقام هناك ينتظر حركة القاسمية بمصر وكانوا عدوا معه سرا على قتل ذي الفقار بك فعدى اليه علي بك قطامش والعسكر وسالم بن حبيب فتلاقوا معه ووقع بينهم مقتلة عظيمة انجلت عن انهزام جركس ومن معه حتى القوا بأنفسهم في البحر
وأما جركس فانه خلع لجام الحصان واراد ان يعدي به بمفرده الى البر الاخر فانغرز الحصان في روبة وتحتها الماء عميق فنزل من على ظهره ليخلصه فزلقت رجله وغرق

بجانبه وكان بالقرب منه شادوف وعليه رجلان من الفلاحين ينقلان الماء الى المزرعة فنزلا اليه فوجدا الحصان ميتا وهو غاطس بجانبه ولم يعلما من هو فجراه من رجله وأخذا سلاحه وزرخه وثيابه وما في جيوبه ودفناه بالجزيرة
ومر بهما قارب صياد فطلباه ووضعاه فيه وكان علي بك جالسا بجنب البحر ومعه سالم بن حبيب فنظر سالم الى القارب وهو مقبل فقال ما هذا الا سمكة عظيمة واصلة الينا فأوقفوا القارب في ناحية من البر وتقدم أحد الشدافين الى الصنجق وباس يده فقال له ما خبرك قال وجدنا جنديا من المهزومين وهو غرقان بحصانه فلعله من المطلوبين والا رميناه البحر فلما رآه عرفه ورجع الى الصنجق فأمر باخراجه من القارب ووضع احد الرجلين في الحديد وقال للثاني اذهب فآت بكامل ما أخذتماه وانا أطلق لك رفيقك وأمر بسلخ رأسه وغسلوه وكفنوه ودفنوه ناحية شرونة وارتحلوا وساروا الى مصر
وكان القاسمية الذين بمصر فعلوا فعلهم وقتلوا ذا الفقار بك وذلك في أواخر رمضان والبلد في كرب والقاسمية منتظرون قدوم جركس وأبواب المدينة مقفلة وعلى كل باب أمير من الصناجق والوجاقلية داثرون بالطوف في الشوارع وبأيديهم الاسلحة
فلما وصل علي بك قطامش الى الآثار النبوية وأرسل عرفهم بما حصل خرج اليه عثمان بك ودخل صحبته بموكب والرأس امامهم محمولة في صينية فكان ذلك اليوم يوم سرور عند الفقارية وحزن عظيم عند القاسمية
فطلعوا بالرأس الى القلعة فخلع عليهم الباشا الخلع السمور ونزلوا الى منازلهم وأتتهم التقادم والهدايا فكان بين موت جركس وذي الفقار خمسة ايام ولم يشعر أحدهما بموت الآخر
ثم تتبعوا القاسمية وقتلوا منهم الوفا
وبهذه الحوادث انقطعت دولة القاسمية والسبب في دمارهم محمد بك جركس المترجم وابن استاذه محمد بك بن أبي شنب وسوء أفعالهما وخبث

نياتهما فان جركس هذا كان من أظلم خلق الله واتباعه كذلك وخصوصا سراجه المعروف بالصيفي وطائفته وكانت ايامه شر الايام وحصل منهم من انواع الفساد والافساد مالا يمكن ضبطه وكان موته في اواخر رمضان سنة 1142
ومات الامير علي بك المعروف بالهندي وهو مملوك احمد بك تابع أيواظ بك الكبير جرجي الجنس تقلد الامارة والصنجقية بالديار الرومية وذلك انه لما قلد اسمعيل بك بن ايواظ استاذ احمد بك الصنجقية والامارة على السفر الى بلاد مورة في سنة 1127 عوضا عن يوسف بك الجزار جعل عليا هذا كتخداه فلما توجهوا الى هناك وتلاقوا في مصاف الحرب هجم المصريون على طابور العدو بعد انهزام الروميين فكسروا الطابور وانهزم العدو واستشهد احمد بك امير العسكر المصري
فلما رجعوا الى اسلامبول ذكروا ذلك وحكوه لرجال الدولة فانعموا على علي الهندي وأعطوه صنجقية استاذه احمد بك واعطوه مرسوما بنظر الخاصكية قيد حياته زيادة على ذلك ورجع الى مصر ولم يزل معدودا في الامراء الكبار مدة دولة اسمعيل بك ابن سيد استاذه حتى قتل اسمعيل بك وأراد قتله محمد بك جركس هو وعلي بك الارمني المعروف بأبي العدبات فدافع عنهما محمد باشا وقال إن الهندي منظور مولانا السلطان والأرمني أمين العنبر وناصح في بخدمته وضمن عائلتهما الباشا فاستمروا في إمارتهما فلما استوحش جركس من ذي الفقار وجرد عليه وهو في كشوفية المنوفية هرب وحضر إلى مصر ودخل عند علي بك الهندي المذكور فاخفاه عنده خمسة وستين يوما ثم انتقل إلى مكان آخر والمترجم يكتم أمره فيه وجركس واتباعه يتجسسون ويفحصون عليه ليلا ونهارا وعزل جركس محمد باشا وحضر علي باشا ودبروا أمر وظهور ذي الفقار مع عثمان كتخدا القاذرغلي

واحضروا اليهم المترجم وصدروه لذلك وأعانوه بالمال وفتح بيته وجمع اليه الايواظية والخاملين من عشيرتهم وكتموا امرهم وثاروا ثورة واحدة وأزالوا دولة جركس كما تقدم
وظهر امر ذي الفقار وتلقد علي بك الهندي الدفتردارية بموجب الشرط المتقدم وحضر محمد بك قطامش من الديار الرومية باستدعاء المصريين بتقليد الدفتردارية من الدولة فلم يمكنه المترجم منها حتى ضاقت نفسه منه ووجه عزمه الى ذي الفقار بك والح عليه وهو يعده ويمنيه ويأمره بالصبر والتأني الى ان حضر المملوك الواشي واخبر علي بك باجتماع مصطفى بك بن ايواظ وأبي العدب ومن معهم وذكر له ما قالوه في حال نشوتهم فلم يتغافل عن ذلك وقال لذلك المملوك اذهب الى ذي الفقار بك فأخبره
فذهب اليه فعرفه صورة الحال فأوقع بهم ما تقدم ذكره من قتلهم بيد الباشا وكان يظن مصافاة ذي الفقار له ويعتقد مراعاة حقه له وبهذه النكتة صار علي بك وحيدا فطمع فيه العدو واختلى محمد بك قطامش بذي الفقار بك وتذاكر معه امر الدفتردارية وعدم نزول علي بك عنها وقال لا بد من قتلي اياه فقال له ذو الفقار لا ادخل معك في دمه فان له في عنقي جميلا فان كنت ولا بد فاعلا فاذهب الى يوسف كتخدا البركاوي ورضوان أغا وعثمان جاويش القازدغلي ودبر معهم ما تريد ولكن ان قتلتم الهندي فلازم من قتل محمد بك الجزار وذي الفقار قانصوه
فقال محمد قطامش ان ابن الجزار له في عنقي جميل فانه صان بيتي وحريمي في غيابي كوالده من قبل فقال ذو الفقار بك وانا كذلك اقمت في الاختفاء بمنزل علي بك وبغيره باطلاعه
وانحط الامر بينهم على الخيانة والغدر وذهب محمد بك فاجتمع بيوسف البركاوي ومن ذكر وتوافقوا على ذلك
فاحضر يوسف كتخدا البركاوي باش سراجينه وكلمه على قتل الهندي ووعده بالاكرام فأخذ معه في صحبها خمسة انفار ووقف

بهم عند باب االعزب
فلما اقبل علي بك في طائفته ابتكر ذلك السراج مشاجرة مع بعض السراجين وتسابوا فقيل لهم اما تستحوا من الصنجق فأخرج ذلك السراج الطبنجة وضربها في صدر الصنجق علي بك جواده الى جهة المحجر وسار على باب زويلة وذهب الى داره بحارة عابدين وحضر اليه طوائفه واغراضه واصحابه وامتلأ البيت والشارع وباتوا تلك الليلة وعند الفجر ركب محمد بك قطامش وحضر عند ذي الفقار بك فركب معه الى جامع السلطان حسن وحضر عندهم رضوان اغا وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وباقي الأغوات فارسلوا من طرفهم جاسوسا الى بيت الهندي فرجع وعرفهم بمن عنده فقال رضوان اغا انا أذهب اليه واحضره بحيلة الى بيت ذي الفقار بك ويأتي اغات مستحفظان فيأخذه اليكم
فركب رضوان اغا وارسلوا الى ذي الفقار بك وقانصوه أتى عندهم ايضا
فلما دخل رضوان اغا على علي بك الهندي وده شعلة نار فجلس معه وحادثه وخادعه وقال له بلغني ان ذو الفقار بك في بيتك خمسة وستين يوما وبينك وبينه عهد وميثاق فقم بنا الى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم منه ودع الجماعة ينتظرونا الى ان نعود اليهم
فطلب الحصان فاشار عليه علي كتخدا الجلفي بعدم الذهاب فلم يسمع وركب في قلة من اتباعه وصحبته مملوكان فقط وذهب مع رضوان اغا فدخل معه بيت ذي الفقار بك وتركه وسار ليأتي اليه بذي الفقار بك ذهب اليهم وعرفهم حصوله في بيت ذي الفقار
فارسلوا اليه اغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت ذي الفقار بك واخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له اكديشا عريانا فقام عثمان تابع صالح كتخدا عزبان الرزاز واخذ كليما قديما فوق الاكديش وميل عليه وقال له هذا جزاء من يقص جناحه بيده
واركبوه عليه وذهبوا به الى السلطان حسن

فلما رآه ذو الفقار بك قال خذوا هذا ايضا واشار الى ذي الفقار قانصوه وكان رجلا وجيها ولحيته بيضاء عظيمة وعليه هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على اقدامهما الى سبيل المؤمن وقطعوا رؤوسهما ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما الى بيوتهما فما شعر الجماعة الجالسون في بيت الهندي الا وهم داخلون عليهم برمته فغسلوه وكفنوه ومشوا في جنازته وذهبوا الى منازلهم وانفض الجميع
وركب ذو الفقار ومن معه وطلعوا الى القلعة وتمموا اغراضهم
وكان المترجم سليم الصدر وعنده الحلم والعفة وسماحة النفس وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف ونظر الخاصكية بامر سلطاني قيد حياته
فلما ترأس محمد بك جركس وابن استاذه محمد بك ابن ابي شنب الدفتردارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية والبسه محمد باشا قفطانا بذلك فلم يمتثل محمد بك ابن ابي شنب ولم يمكنه منها فورد بعد ذلك مرسوم كذلك بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطانا وبعث الى محمد بك يطلب منه المفاتيح فوعده بذلك
ثم احضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية فاعطاها الى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي ومن كل بلك واحد وفتحوا الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فاخذ حجة بذلك
وكان موت المترجم في اوائل سنة 1140
ومات الامير ذو الفقار بك قانصوه وهو تابع قانصوه بك الكبير الايواظي القاسمي تقلد الامارة والصنجقية في سابع شعبان سنة 1128 ولبس عدة مناصب كثيرة مثل كشوفية بني سويف والبحيرة
ولما حصلت الحوادث وقتل اسمعيل بك ابن ايواظ اعتكف في بيته ولازم داره ولم يتداخل معهم في شيء من الامور فلما تعصب ذو الفقار بك ومحمد بك قطامش ومن معهم على قتل علي بك الهندي واخماد فرقة القاسمية عزم على قتل ذي الفقار قانصوه ايضا وارسل اليه واحضره الى جامع السلطان حسن

وهو لم يخطر بباله انهم يغدرونه لأنجماعه عنهم
فلما احضروا علي بك الهندي على الصورة المتقدمة وسحبوه الى القتل فقال ذو الفقار بك خذوا هذا ايضا واشار الى المترجم لحزازة قديمة بينهما او لعلمه بانه من رؤساء القاسمية وقاعدة من قواعدهم
فقال لهم وما ذنبي خذوا عني الامرية والبلاد ولا تقتلوني ظلما
فلم يمهلوه ولم يسمعوا لقوله فسحبوه ماشيا مع الهندي وقتلوهما تحت سبيل المؤمن بالرميلة وكان انسانا عظيما وجيها منور الشبيبة عظيم اللحية رحمه الله تعالى
ومات الامير محمد بك ابن يوسف بك الجزار تقلد الامارة والصنجقية في شعبان سنة 1138 بعد واقعة محمد بك جركس وخروجه من مصر
ولما قتل علي بك الهندي وذو الفقار بك قانصوه كان هو في كشوفية المنوفية فعينوا له تجريدة وعليها اسمعيل بك قيطاس واخذ صحبته عربان نصف سعد وكان قد وصل اليه الخبر فاخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وارتحل الى جسر سديمة
فلحقوه هناك واحتاطوا به وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم اجناد وعرب وحمى نفسه الى الليل
ثم احضر مركبا فنزل فيها وصحبته مملوكان لا غير وفراش واخراج وذهب الى رشيد وترك اربعة وعشرين مملوكا خلاف المقتولين
فاخذوا الهجن وساروا ليلا متحيرين حتى جاوزوا وطاق اسمعيل بك
وتخلف منهم شخص فحضر الى وطاق اسمعيل بك قيطاس فاخبره فارتحل كتخداه بطائفة فردوهم واخذهم عنده فخدموه الى ان مات
ودخل محمد بك الجزار ثغر رشيد فاختفى في وكالة فنمي خبره الى حسين جربجي الخشاب السردار فحضر اليه وقبض عليه وسجنه مع احد المملوكين وكان الثاني غائبا بالسوق فتغيب ولم يظهر الا بعد مدة وارخى لجنة وفتح له دكانا يبيع ويشتري ولم يعرفه احد
وارسل حسين جربجي الخبر الى مصر مع الساعي الى ذي الفقار بك ويستأذن في امره بشرط ان يجعلوه صنجقا

ويعطوه كشوفية البحيرة عن سنة 1140
فأجيب الى ذلك وارسلوا له فرمانا بقتل محمد بك الجزار وقتل مملوكه وان يأتي هو الى مصر ويعطوه مراده ومطلوبه
ومع الفرمان اغا معين من طرف الباشا فقتلوا محمد بك ومعه مملوكه وسلخوا رؤوسهما
ورجع بهما الاغا المعين الى مصر
ومات الامير محمد بك ابن ابراهيم بك ابي شنب القاسمي وتقلد الامارة والصنجقية في حياة والده في سنة 1127 ولما توفي والده انتقل الى بيته الذي بالقرب من جامع اينال بالقرب من قناطر السباع وتولى عدة كشوفيات بالاقاليم في ايام المرحوم اسمعيل بك ابن ايواظ
وكان يحقده ويحسده ويكرهه باطنا هو ومماليك ابيه وخصوصا محمد بك جركس
وارادوا اغتياله واوقفوا له في طريقه من يقتله ونجاه الله منهم فظفر بهم واخرج جركس منفيا الى قبرص كما تقدم وسافر محمد بك المترجم بالخزينة فاغرى به رجال الدولة واوشى في حقه وحصل ما تقدم ذكره وايده الله عليهم ايضا في تلك المرة
ولما قتل اسمعيل بك واستقل محمد جركس فتقلد المترجم دفتردار وصار اميرا كبيرا يشار اليه ويرجع اليه في جميع الامور ولما عزلوا محمد باشا النشنجي تقلد المترجم ايضا قائمقام وعمل الدواوين في بيته ولم يطلع الى القلعة كعادة الوكلاء والنواب وقلد المناصب والامريات في منزله وصار كأنه سلطان
وكان على نسق مملوك ابيه محمد جركس في العسف وسوء التدبير ولا يخرج احدهما عن مراد الآخر
ولم يزل على ذلك حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار وخرج محمد بك جركس ومن معه هاربين واختفى المترجم
ثم ان جماعة من العامة وجدوه ميتا بالجامع الازهر
ومات ايضا عمر بك امير الحاج تابع عبد الرحمن بك جرجا المتقدم ذكره انطوى الى محمد بك جركس وامره وجعله امير الحاج في ايامه

وكان غنيا وصاحب فائظ كثير ومات في واقعة جركس
ومات رضوان بك وهو من مماليك محمد بك جركس ويقال له رضوان الخازندار قلده الصنجقية واخذ نظر الخاصكية من علي بك الهندي واعطاها له
وتنافس بسببها مع جركس وانجمع كل منهما عن الآخر مدة طويلة
ولما وقع لجركس ما وقع اختفى رضوان بك المذكور عند يوسف بك زوج هانم فاخبر عنه واخذه سليمان اغا وقتله فسمي لذلك يوسف الخائن
ومات الامير علي بك المعروف بالارمني ويعرف ايضا بالشامي وهو من اتباع ابن ايواظ وكان امين العنبر ويعرف ايضا بابي العدب تقلد الصنجقية في عشري شهر القعدة سنة 1135 ولما اراد اسمعيل بك تأميره لم يجدوا له امرية في المحلول
فانعم عليه الباشا بصنجقية كتخداه رعاية لخاطر ابن ايواظ
ومات ايضا مصطفى بك ابن ايواظ وهو اخو اسمعيل بك تقلد الامارة والصنجقية ايام ظهور ذي الفقار كما تقدم وصار من الامراء القاسمية المعدودين فلما احضر الباشا علي بك الارمني وقتله وامر بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك المذكور واحضروه على حمار وصحبته المقدم تابعه فقتلوهما تحت ديوان قايتباي بعد قتل علي بك بيومين
ومات الامير صاري علي بك ويقال له علي بك الاصغر لان صاري بمعنى الاصغر وهو من اتباع ايواظ بك تقلد الامارة والصنجقية غاية شعبان سنة 1135 ولبس كشوفية الغربية ولما قتل ابن استاذه اسمعيل بك استعفى من الصنجقية وعمل جربجيا بباب العزب واعتكف ببيته ولم يتداخل في امر من الامور ثم اعيد وسافر اميرا بالعسكر الى الروم وتوفي بدار السلطنة سنة 1141
ومات الامير احمد كتخدا عزبان المعروف بامين البحرين وكان من

الاعيان المشهورين نافذ الكلمة وافر الحرمة
وكان بينه وبين الامير اسمعيل بك ابن ايواظ وحشة وكان يكرههه فلما ظهر اسمعيل بك خمدت كلمة المترجم واستمر في خموله ثم انضم الى اسمعيل بك وتحابب له وصار من اكبر اصدقائه
وعمل باش اوده باشه ثم تولى الكتخدائية وعمل امين البحرين ثالث مرة
وسمعت كلمته ونمي صيته فلما قتل اسمعيل بك رجع الى خموله
ثم نفي الى ابي قير بمعرفة اختيارية الباب وتعصب ابراهيم كتخدا افندي عليه وكان اذ ذاك ضعيف المزاج فارسلوا له الفرمان صحبة كمشك جاويش ومعه نحو المائتين نفر فدخلوا عليه منزله بدرب السادات مطل على بركة الفيل على حين غفلة واركبوه من ساعته وهم حوله الى بولاق وارسلوه الى ابي قير
ثم ارسلوا له فرمانا بالسفر الى سفر العجم مع صاري علي وجعلوه سردار العزب ومع الفرمان القفطان وفيه الامر له بان يجهز نفسه ويسافر من ابي قير الى الاسكندرية
توفي في سنة 1141
ومات الامير علي قاسم وهو ابن اخي قاسم بك الصغير ويلقب بالملفق ولما مات قاسم بك بالبهنسا كما تقدم قلد محمد بك جركس عليا هذا الصنجقية عوضا عن قاسم بك ونزل في منصبه واعطاه فائظه
ولم يزل اميرا حتى خرج محمد بك جركس من مصر هاربا وخرج معه من خرج واختفى المترجم فمين اختفى ببيت امرأة دلالة في كوم الشيخ سلامة ومات به
ومات الامير رجب كتخدا سليمان الاقواسي وذلك انه لما انقضى امر جركس قلدوا رجب كتخدا سردار جداوي وجعلوا الاقواسي يمق وجهزوا امورهما واحمالهما وخرجا الى البركة ليذهبا الى السويس فخرج اليهما صنجق من الامراء وصحبته جاويش من الباب فاتياهما آخر الليل وقتلاهما وقطعا رؤوسهما وضبطا ما وجداه من متاعهما وسلماه لبيت المال بالباب

ومات الامير احمد افندي كاتب الروزنامة ابن محمد افندي التذكرجي خنقة محمد باشا النشنجي في واقعة جركس وظهور ذي الفقار بك ولما خرج جركس من مصر هاربا خرج معه الى وردان وكان جسيما فانقطع مع بعض المنقطعين واخذت ثيابهم العرب وقبضوا على من قبضوا عليه وفيهم احمد افندي الروزنامجي واتوا بهم الى مصطفى تابع رضوان اغا وكان في الطرانة قائمقام
فاخذهم وقتل منهم اناسا وارسل رؤوسهم وارسل احمد افندي بالحياة فحضرواا به الى بيت الدفتردار وهو راكب على ظهر حمار سوقي فارسله علي بك الهندي الدفتردار الي ذي الفقار لم يلتفت اليه ولم يخاطبه وارسله الى الباشا فمثل بين يديه وكان يوم ديوان وذلك بعد الواقعة بخمسة ايام فارسله الباشا الى كتخداه فبات عنده تلك الليلة ثم ارسله الى كتخدا مستحفظان فحبسه بالقلعة وخنقوه تلك الليلة وانزلوه الى بيته فغسلوه وكفنوه ودفنوه
ومات محمد جربجي المرابي وكان ذا مال عريض وضبط موجودة الفي كيس ولم يعقب اولادا الا اولاد سيده وزوجته بنت استاذه واوصى لشخص يقال له عمر اغا بثلاثين كيسا ولآخر بالفي دينار ولآخر بالف ولكل مملوك من مماليكه الف دينار ولمجاوري الازهر خمسمائة دينار
توفي في عشرين رمضان سنة 1138
ومات المعلم داود صاحب عيار خنقه محمد باشا النشنجي بعد خروج محمد بك جركس فقبضوا عليه وحبسوه بالعرقانة وخنقوه وهو الذي ينسب اليه الجدد الداودية
وفي سنة 1137 الماضية حضر من الديار الرومية امين ضربخانة وصاحب عيار وصناع دار الضرب وصحبتهم سكة الفندقلي والنصف فندقلي وان يكون عياره ثلاثة وعشرين قيراطا وصرف الفندقلي مائة واربعة وثلاثون نصفا والنصف سبعة وستون فاحضر الباشا المعلم داود وطلب منه سكة الجنزرلي واعطاه سكة الفندقلي وختم

على سكة الجنزرلي في كيس واودعها في خزانة الديوان
وعندما سمع داود بهذه الاخبار قبل حضورهم الى مصر تدارك امره وفرق علي الباشا وكتخدا الباشا ومحمد بك جركس والمتكلمين عشرين الف دينار
فلما قرىء المرسوم بالديوان قالوا سمعنا واطعنا في امر السكة واما صاحب عيار فان لا يتغير فقال الباشا كذلك لكن يكون الاغا ناظرا على الضربخانة لاجل اجراء المرسوم وتم الامر على ذلك
فلما عزل الباشا اجتمع الموردون للذههب عند المعلم داود وكلموه في اخراج سكة الجنزرلي لانهم هابوا سكة الفندقلي وامتنعوا من جلب الذهب
وتعطل الشغل فرشا قائمقام واخرج له سكة الجنزرلي وسلمها لداود فاخذها الى داره بالجيزة وعمل له فرمانا للذهب واحضر الصناع والذهب من التجار وضرب في ستين يوما وليلة تسعمائة وثمانين الف جنزرلي ونقص من عياره قيراطا ودفع المصلحة وسدد ما عليه من ثمن الذهب وقضى ديونه وكشوفية دار الضرب
فصارت الصيارف تتوقف فيه ويقولون ضرب الجيزة يعجز خمسة انصاف فضة فنقمها محمد باشا على داود فلما عاد الى المنصب في واقعة جركس وذي الفقار قبض عليه وقتله وذلك في اواخر جمادي الاخرة سنة 1138
ومات الامير احمد بك الاعسر وهو من مماليك ابراهيم بك ابي شنب القاسمي تقلد الامارة والصنجقية في عشرين شهر شوال 1123 وتلبس بعده مناصب مثل جرجا والبحيرة والدفتردارية وعزل عنها وهو خشداش جركس وعضده وخرج معه من مصر ولما ذهب جركس الى بلاد الافرنج تخلف عنه واقام عند العرب ونزل عند ابن غازي بناحية درنه
فلما وصل الحاج المغربي ارسل معهم ثلاثة من مماليكه وارسل معهم مكاتيب ومفاتيح الى ولده وذكر له انه يتوجه الى رجل سماه له
فلما وصلت السفينة التي نزلوا بها اعلم القبطان سردار مستحفظان فقبض عليهم

وارسل بخبرهم الى باب مستحفظان فاخبروا الباشا فاحضروا الى الشرطة وامره باحضار ابن احمد بك الاعسر فاحضره فامر بحبسه بالعرقانة فحبسوه وعاقبوه فاقر بان المال عند ابن درويش المزين وهو كان مزين ابراهيم بك ابي شنب فارسلوا اليه وهجموا عليه ليلا وأخذوا كل ما في داره ووجدوا عنده ثلاثة صناديق للاعسر ثم نفوا بعد ذلك ابن احمد بك الى دمياط ولم يزل احمد بك ينتقل مرة عند عرب درنة ومرة عند الهوارة بالصعيد وكذلك باقي جماعة جركس وخشداشينه حتى رجع اليهم جركس وخرجت اليهم التجاريد وقتل في الحرب سنة 1142
ومات الامير مصطفى بك الدمياطي قلده الصنجقية ذو الفقار بك بعد هروب محمد بك جركس وولاه جرجا وكان يقال له مصطفى الهندي فلما نزل الى جرجا وكان بها سليمان بك القاسمي عدى سليمان بك الى البر الشرقي تجاهه وصار كل يوم بعمل نشانا ويضرب الجرة فلم يتجاسر مصطفى بك على التعدية وكان غالب اتباع مصطفى بك وطوائفه قاسمية من اتباع المقتولين فراسلهم سليمان بك وراسلوه سرا ثم اتفقوا على قتل مصطفى بك فقتلوه وغدروه ليلا واخذوا خزانته وما امكنهم من متاعه وعدوا الى سليمان بك وانضموا اليه
فلما اصبح مماليكه وخاصته وجدوا سيدهم مقتولا فغسلوه وكفنوه ودفنوه
وكتب كتخداه بذلك الى ذي الفقار بك فلما وصل اليه الجواب ارسل اليه بالحضور بمخلفاته ومماليكه المشتروات ففعل ذلك وقلد عوضه حسن كاشف من اتباعه الصنجقية وولاية جرجا فارسل قائمقامه ثم جهز اموره ونزل الى منصبه
ومات سليمان بك القاسمي المذكور آنفا وذلك انه لما رجع محمد بك جركس وسار الى ناحية القطيعة ثم انتقل الى جهة الغرب قبلي جرجا فأرسل الى المتجرم يطلب للحضور اليه بمن معه من القاسمية فعدى اليه

بمن ذكر وصحبته قرا مصطفى اوده باشا فقابلوه وارتحل معهم الى بحري فبرز اليهم حسن بك وقتل كما ذكر واستولى جركس على صيوانه ومطابخه وعازقه وارتحل جركس ومن معه الى بحري وخرجت اليهم التجاريد واميرها عثمان بك وعلي بك قطامش فتلاقوا معهم بوادي البهنسا ووقعت بينهم الحروب
وكان مع جركس طوائف الزيدية وخلافهم وانجلت الحرب عن هزيمة المصريين واستولى جركس ومن معه على خيامهم ونزل جركس في وطاق عثمان بك وسليمان بك المترجم في وطاق علي بك ورجع المنهزمون الى مصر وزحف جركس ومن معة الىناحية دهشور وخرجت لهم التجريدة ونصبوا تجاههم فاصبح سليمان بك وتهيأ للركوب والمحاربة فمنعه جركس وقال له هدا اليوم ليس لنا فيه حظ
فقال له كيف اصبر على القعاد والراية البيضاء امامي ثم ركب وهجم على التجريدة وقتل اناسا كثيرا وشتتهم وانحازوا خلف المتاريس وردوه بالمدافع وبرزوا اليهه مرتين وهزمهم وفي الثالثة اصيب جواده برصاصة في فخذه فسقط الى الارض فتحلقت به طوائفه ومماليكه وذهب بعض الخدم ليأتي اليه بمركوب آخر وتابع الاخصام الرمي حتى تفرق من حوله ولم يبق معه سوى مملوك وآخر من الطوائف فأصيب هو والطائفة فوقعا
فهجم عليه سالم بن حبيب واخذوهما الى الصيوان وقطعوا دماغهما ودفنوهما عند الشيمي فلما وقع لسليمان بك ما وقع ارتحل جركس وسار نحو الجبل
ومات قرا مصطفى جاويش وكان اوده باشا فلبسه جركس الضلمة في ايام رجب كتخدا مستحفظان سابقا ثم عمل كجك جاويش ونزل يجمع عمائد الباب من الوجه القبلي فوقع بمصر ما وقع ممن حروب جركس وقتل رجب كتخدا والاقواسي فالتجأ الى سليمان بك المذكور وعدى صحبة الشرق فلما وقعت الحروب وقتل سليمان بك اجتمع اليه الطوائف

العرابة ونزل بهم المراكب وساروا الى قبلي فتبعه عثمان جاويش القازدغلي ليلا ونهارا حتى لحقه وهو راسي تحت ابي جرج وكانت الاجناد الذين بصحبته طلعوا جهة الشرق قرابة من عدم القومانية فقبضوا على مصطفى جاويش المذكور ومعه ثلاثة من الغزنهب عثمان جاويش ما وجده في المراكب وحضر الى مصر فقطعوا رأس مصطفى جاويش المذكور ومن معه
ومات الامير ذو الفقار بك الفقاري وهو مملوك عمر اغا من اتباع بلغية قتل سيده المذكور بعد انفصال الفتنة الكبيرة
لما طلع الامير اسمعيل بك اثر ذلك باب العزب وقتل حسن كتخدا برمق سرو أمر بقتل عمر اغا المذكور فقتلوه عند باب القلعة وامر بقتل المترجم ايضا وكان اذ ذاك خازنداره فالتجا الى علي خازندار حسن كتخدا الجلفي وكان من بدله فحماه وخاصم استاذه من اجله وخلص له نصف قمن العروس وكانت لاستاذه فاخرج له تقسيطها واخذ النصف الثاني اسمعيل بك من المحلول وتصرف في كامل البلد ومات حسن كتخدا الجلفي فانطوى المترجم الى محمد بك جركس وترجاه كي استخلاص فائظة من اسمعيل بك وكلمة بسببه مرارا فلم ينجع
وكلما خاطبه في امره قطب وجهه وقال له اما يكفيك اني تاركه حياء لاجل خاطرك فان اردت قبول شفاعتك فيه اطرد الصيفي من بيتك وارسل الي بعد ذلك المذكور يحاسبني واعطيه الذي له فيسكت جركس وضاق الحال بالمترجم من الفشل والاعدام فاستأذن جركس في غدر ابن ايواظ فقال افعل ما تريد فوقف له مع نظرائه بالرميلة وضربوا عليه الرصاص فلم يصيبوه ووقع بسبب ذلك ما وقع لجركس واخرج من مصر ونفي الى قبرص كما تقدم وتغيب المترجم فلم يظهر حتى رجع جركس وظهر امره ثانيا وعاد الى طلب فائظة والالحاح على جركس بذلك وهو يسوفه ويعده ويمنيه ويعتذر له

الى ان ضاق خناقه وعاد الى حالة الغدر الاولى وفعل ما تقدم من المخاطرة بنفسه وقتله لابن ايواظ بمجلس كتخدا الباشا وكان اذ ذاك من آحاد الاجناد ولم يتقدم له امارة ولا منصب فعندها قلده الصنجقية وكشوفية المنوفية واخذ من فائظ اسمعيل بك عشرين كيسا وانضم اليه الكثير من فرقة الفقارية وحقد عليه القاسمية وحضر رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية عند جركس وتذاكروا امر ذي الفقار وانهم نظروه وهو خارج بالموكب الى كشوفية المنوفية ومعة عصبة الفقارية وامراؤهم راكبين فىموكبه مثل مصطفى بك بليغة ومحمد بك امير الحاج واسمعيل بك الدالى وقيطاس بك الاعور واسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وغيرهم وقالا له ان غفلنا عن هدا الحال قتلتنا الفقاريه فحركا فيه حمية الجاهلية وقتلا اصلان وقيلان بيد الصيفى وطلب من محمد باشا فرمانا بالتجريد على ذي الفقار فامتنع الباشا من ذلك وقال رجل خاطر بنفسه وفعل ما فعله باطلاعكم فكيف اعطيكم فرمانا بقتله
فتحامل جركس على الباشا وعزله وقلد محمد بك ابن استاذه قائمقام واخذ منه فرمانا وجهز التجريدة الى ذي الفقار وكتب بذلك مصطفى بك بلغيه الى ذي الفقار يخبره بما حصل ويأمره بالاختفاء ففعل ذلك وحضر الى مصر واختفى احمد أوده باشا المطر باز أياما وعند علي بك الهندي زيادة عن شهرين وحصل له ما تقدم ذكره من حضور علي باشا والقبطان وقيام الايواظية والفقارية وظهور ذي الفقار ووقوع الحرب بينهم وبين محمد بك جركس وخروجه من مصر وذهابه الى بلاد الافرنج ورجوعه وتجهيز ذي الفقار بك التجاريد اليه وهزمها وزحفه على مصر
وقد كان اوقع بالايواظية في غيبة جركس ما أوقعه من القتل والتشريد ما ذكرناه فلما قرب جركس من ارض مصر راسل القاسمية سرا ومنهم سليمان اغا ابو دفية وهم اذ ذاك خاملون ومتغيبون

ومختفون وذو الفقار بك يخص عنهم ويأمر الوالي والاغا والاوده باشة البوابة بالتجسس والتفتيش على كل من كان من القاسمية وخصوصا يعسوبهم سليمان آغا المذكور
وقرب ركاب جركس من مصر بعد ما كسر التجاريد وعدى الى جهة الشرق واشتد الكرب بذي الفقار واجتهد في تحصين المدينة واجلس امراءه وصناجقه على الابواب وفي النواحي والجهات ولازم ارباب الدرك والمقادم الطواف والحرس وخصوصا بالليل وفتائل البندق مشعلة بالنار في الازقة والشوارع والقاسمية منتظرون الفرصة والوثوب من داخل البلدة
فلما تراسل جركس سليمان أغا أباد فيه الوثوب واعمال الحيلة على قتل ذي الفقار بك باي وجه أمكن توافقوا فيما بينهم على وقت معين واجتمع ابو دفية وخليل اغا تابع محمد بك قطامش وجمعوا اليم ثلاثين أود باشا من القاسمية وأعطاهم الفا ومائتي جنزرلي وان يضم كل واحد منهم اليه عشرة أنفار ويقفوا متفرقين جة باب الخرق وجامع الحين وقت آذان العشاء وجمع الي خليل أغا نحو سبعين نفرا من القاسمية ولبسوا كملابس أتباع أود باشة البوابة ومن داخل ثيابم الاسلحة وبايديم النبابيت
ولبس خليل اغا هيئة الاودة باشا وزيه وكان شبيا به في الصورة وأخذوا معم سليمان اغا ابادفية وو مغطى الرأس وبيده القرابينة ودخلوا الى بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهم يقولون قبضنا على أبي دفية وكان المترجم جالسا بالمقعد ومع الحاج قاسم الشرايبي وآخرون وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء فلما وقفوا بين يديه وقف على أقدامه وقال اين هو فقال خليل أغا ها هو وكشفوا رأسه فاراد ان يكلمه ويوبخه فاطلق ابو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة ما معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد فنط قاسم الشرايبي ومن معه من المقعد الى الحوش ونزلوا على

الفور فوجدوا سراجه المسمى بالشتوي فقتلوه في سلالم المقعد وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه ايضا وهو داخل يظنوه مصطفى بك بلغيه واذا بعلي الخازندار يقول باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض القاسمية الى آخر الدهر
ولم يقم لهم بعدها قائم ابدا فانهم لما سمعوا قول الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم وتفرق جمعهم فذهب ابو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل اغا فاختفوا بمكان يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ الذي هو مختفي فيه وأربعة من اعيانهم اختفوا في دار عند مطبخ الازهر واما الجماعة المجتمعون بباب الخرق في انتظار اذان العشاء فما يشعرون الا بالكرشة في الناس فتفرقوا واختفوا فلو قدر الله انه اجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم محرمون في صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية ولكن لم يرد الله بذلك
ثم ان علي الخازندار ارسل الى مصطفى بك بلغيه فحضر اليه بجمعه واذا برجل سراج من العصبة المتقدمة حضر اليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك وجاهة عندهم فحبسوه الى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعلي كتخدا الجلفي ومحمد بك قطامش وخليل افندي جراكسة فغروا على الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش دم الصنجق عندك فان القاتل لاستاذنا مملوكك خليل اغا فقال انا طارده من يوم عزل من اغاوية العزب ووقت ما تجدوه اقتلوه ثم احضروا ذلك السراج بين ايديهم وسأله عثمان جاويش فعرفه انه ينكجري فارسلوه الى الباب ليقرروه على اسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى المؤمنين ودفنوه بالقرافة وطلعوا الى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا ايضا صالح

كاشف تابع محمد بك قطامش وعزلوا محمد بك من امارة الحج باستعفائه لعدم قدرته
وارسلوا الى خشداشة عثمان بك فحضر من التجريدة وسكن ببيت استاذه وسكن علي بك في بيت محمد اغا تابع اسمعيل باشا في الشيخ الظلام وتزوج بزوجة سيده بعد ذلك وقطعوا فرمانا في اليوم الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية ومات محمد بك جركس بعد موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد موت ذي الفقار بك بخمسة ايام
وانقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى افنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في اواخر شهر رمضان سنة 1142 وكان الامير ذو الفقار بك اميرا جليلا شجاعا بطلا مهيبا كريم الاخلاق مع قلة ايراده وعدم ظلمه وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع الامراء والاعيان والوجاقات ويرسل لاهل العلم بالازهر ستين كسوة ودراهم تفرق على الفقراء المجاورين بالازهر ومن انشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها
ومات الامير يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ بك وتزوج بها بعد موت عبد الله بك واصل يوسف بك من مماليك ايواظ بك وقلده الامارة والصنجقية اسمعيل بك وعرف بالخائن لانه لما هرب عنده رضوان بك خازندار جركس اخبر عنه وخفر ذمة نفسه وسلمه اليهم فقتلوه فسماه اهل مصر الخائن
ولما حصل ما تقدم ذكره من قصة اجتماعهم وحديثهم في حال نشوتهم بمنزل علي بك الارمني ونقل عنهم المملوك مجلسهم الى علي بك الهندي وارسله علي بك الى الامير ذي الفقار والباشا فنقل لهما ذلك وقتل الباشا علي بك الارمني ومصطفى بك ابن ايواظ فاختفى المترجم وباقي الجماعة ولم يزل في اختفائه الى ان حضر رجل عطار الى اغات مستحفظان واخبره عن رجل من الفقهاء يأتي الى الجزار

بجواره ويأخذ منه كل يوم زيادة عن عشرة أرطال من اللحم الضاني وكان من عادته ان لا يأخذ سوى رطلين ونصف في يومين ولا بد لذلك من سبب بان يكون عنده اناس من المطلوبين فركب الاغا والوالي الى ذلك البيت فوجدوا به امرأتين عجوزتين وعندهم حلل وقصاع ومعالق وليس بالبيت فراش ولا متاع فطلعوا الى أعلى المكان ونزلوا أسفله فلم يجدوا شيئا فنزل الاغا وهو يشتم العطار واراد ضربه واذا بشخص من الاجناد اراد ان يزيل ضرورة في ناحية فلاح له رأس انسان في مكان متسفل مظلم فلما رأى ذلك الجندي خبأ رأسه وانزوى الى داخل فاخبر الاغا فأوقدوا الطلق واذا بشخص صاعد من المحل وبيده سيف مسلول وهو يقول طريق فتكاثروا عليه وقتلوه ونزلوا بالطلق الى اسفل فوجدوا يوسف بك المترجم ومعه شخصان فقبضوا عليهم وانعم الاغا علي العطار وأخذهم الى الباشا فارسلهم الى عثمان بك ذي الفقار فضربوا رقابهم تحت المقعد
ومات كل من الامير محمد بك جركس الصغير واخ محمد بك الكبير وذلك انه لما انقضى امرمحمد بك جركس الكبير اختفى المذكوران ودخلا الى مصر متنكرين واختفيا في بيت رجل من اتباعهما بخطة القبر الطويل ومعهما مملوكان
فاخلى لهم البيت وباع الخيل وشال العدد واتى الى اغات الينكجرية فاخبره فارسل الاغا والوالي والاوده باشا وحضروا اليهم فرموا عليهم بالرصاص من الجانبين وكامنوهم الى الليل وحضر علي بك ومصطفى بك بلغيه فنقب عليهم مصطفى بك من بيت الى بيت حتى وصل اليهم واوقد نارا من اسفل المكان الذي هم فيه فاحسوا بذلك فقرأ احد المملوكين وهرب وقتل الثاني برصاصة وقبضوا على الاثنين وقتلوهما ودفنوهما
ومات الامير خليل اغا تابع محمد بك قطامش اغات العزب سابقا وهو

الذي انتدب العمل المتصف المتقدم ذكره وتزيا بزي اوده باشا البوابة ودخل الى بيت الامير ذي الفقار وقت اذان العشاء ومعه سليمان ابو دفية وقتلوا ذا الفقار بك كما تقدم
ثم كانت الدائرة عليهم واختفوا ثم وقعوا بخازنداره بالخليج فقبضوا عليه وسجنوه وقرروه فأقر على سيده وغيره فقبضوا على خليل اغا من المكان الذي كان مختفيا فيه وكان بصحبته يوسف بك الشرايبي وسليمان اغا ابو دفية
ففي ذلك الوقت قال ابو دفية قوموا من هذا المكان فان قلبي يختلج
فقال يوسف الشرايبي وانا كذلك
فتقنعا وخرجا واستمر خليل اغا في محله حتى وصلوا اليه في ذلك اليوم وقتل كما ذكر واخذه الاغا الى بيت علي بك ذي الفقار فارسله الى الباشا وارسله الباشا الى عثمان بك فرمى دماغه تحت المقعد وكذلك عثمان اغا الرزاز وغيره
واما ابو دفية فانه لما تقنع هو ويوسف الشرايبي وخرجا وتفرقا فذهب ابو دفية الى بيت مقدمه ولبس زي بعض القواسة وركب فرسه ووضع له اوراقا في عمامته وخرج في وقت الفجر الى جهة الشرقية وذهب مع القافلة الى غزة ثم الى الشام وسافر منها الى اسلامبول
وخرج في السفر وذهب الى عند التترخان فاعطاه منصبا وعمله مرزة وتزوج بقونية ولم يزل هناك حتى مات
واما يوسف بك الشرايبي فذهب الى دار بالازبكية وخفى امره ومات بعد مدة ولم يعلم له خبر
ومات عبد الغفار اغا بن حسن افندي وقد تقدم انه تقلد في ايام ابن ايواظ اغاوية المتفرقة بموجب مرسوم ورد من الدولة بذلك وسببه ان حسن افندي والده كان له يد وشهرة في رجال الدولة وكان من يأتي منهم الى مصر يترددون إليه في منزله ويهادونه ويهاديهم فاتفق انه اهدى الى السلطنة عبدا طواشيا فترقى هناك وارسل الى ابن سيده مرسوما باغاوية المتفرقة وذلك في سنة 1135 بعد موت والده

والبسه الباشا قفطانا بذلك وعند ذلك من النوادر التي لم يسبق نظيرها ووقع بذلك فتنة في البلكات تقدم الالماع يذكر بعضها والتجأ المترجم الى ابن ايواظ وهرب من الباب
ولحديث قتلة نبأ غريب وذلك انه في اثناء تتبع القاسمية وقتلهم ورد مكتوب من كتخدا الوزير الى عبد الله باشا الكبورلي بالوصية على عبد الغفار اغا فقال الباشا لكتخدا الجاويشية عندكم انسان يسمى عبد الغفار اغا قال له نعم كان اغات متفرقة ثم عمل اغات عزب وعزل
فقال ارسل اليه بالحضور
فخرج كتخدا الجاويشية واخبر محمد بك قطامش الدفتردار فقال ارسل اليه واطلبه للحضور
وطلب الوالي فقال له اذا انقضى امر الديوان فأنزل الى باب العزب واجلس هناك وانتظر عبد الغفار اغا وهو نازل من عند الباشا فاركب وسر خلفه حتى يدخل الى بيته فاعبر عليه واقطع رأسه
فلما احضر المترجم صحبة الجاويش ودخل الى الباشا وصحبته كتخدا الجاويشية وعرف الباشا عنه وتركه وخرج وانقضى الديوان وحضر الغداء فاشار الى عبد الغفار اغا فجلس واكل صحبته وحادثه الباشا فقال له انت لك صاحب في الدولة قال نعم كان لابي صديق من أغوات عابدي باشا وكان شهر حوالة وبلغني انه الان كتخدا الوزير وكان اشترى جارية ووضعها عندنا في مكان فكان ينزل ويبيت عندنا ولما عزل عابدي باشا اخذها وسافر فهو الى الان يودنا ويراسلنا بالسلام
فقال له الباشا انه ارسل يوصينا عليك فانظر ما تريد من الحوايج او المناصب
فقال لا اريد شيئا ويكفيني نظركم ودعاؤكم
واخذ خاطر الباشا ونزل الى داره فلما مر بباب العزب ركب الوالي ومشى في اثره ولم يزل سائرا خلفه حتى دخل الى البيت ونزل من على الحصان بسلم الركوبة وكان بيته بالناصرية فعند ذلك قبضوا عليه واخذوا عمامته وفروته وثيابه وسحبوه الى باب الاسطبل فقطعوا رأسه واخذها الوالي

مع الحصان واتى بهما الى بيت محمد بك قطامش فصرخت والدته وزوجته وجواريه وتقنعن وطلعن الى القلعة صارخات فقال الباشا ما خبر هذا الحريم فقالت والدته حيث ان الباشا اراد قتله كان يفعل به ذلك بعيدا عنا فتعجب الباشا وقام من مجلسه وخرج الى ديوان قايتباي واستخبرهن فاخبرته بما حصل فاغتم غما شديدا وطلب الوالي وامر برجوع الحوايج والرأس واعطاهن كفنا ودراهم واعطى والدته فرمانا بكامل ما كان تحت تصرفه من غير حلوان ونزلت الاغوات والنساء فأخذوا الرأس والثياب وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه
ولما طلع محمد بك قطامش الى الديوان قال له الباشا تقتلون الاغوات في بيوتها من غير فرمان
فقال لم نقتله الا بفرمان فانه كان من جملة الثلثمائة المتعصبين على قتل اخينا ذي الفقار بك وعزل الباشا الوالي وقلد خلافه في الزعامة وكان المترجم آخر من قتل من القاسمية المعروفين رحمه الله وكان عند المترجم سبعة مماليك من مماليك محمد بك بن ابي شنب فبلغ خبرهم محمد بك قطامش فارسل من اخذهم من عنده قبل كائنته بنحو ثمانية ايام

الفصل الثاني
في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم اعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة
ووجهه ان بهذا التاريخ كان انقراض فرقة القاسمية وظهور امر الفقارية وخلع السلطان احمد من السلطنة وولاية السلطان محمود خان ووالي مصر اذ ذاك عبد الله باشا الكبورلي بباء معطشة فارسية نسبة الى كبور بلدة بالروم وحضر الى مصر في السنة الخالية وكان من ارباب الفضائل وله ديوان شعر جيد على حروف المعجم ومدحه شعراء مصر لفضله وميله الى الادب وكان انسانا خيرا صالحا منقادا الى الشريعة ابطل المنكرات والخمامير ومواقف الخواطىء والبوظعن بولاق وباب اللوق وطولون ومصر القديمة وجعل للوالي والمقدمين عوضا عن ذلك في كل شهر كيسا من كشوفيات الباشوات وكتب بذلك حجة شرعية وفيها لعن كل من تسبب في رجوع ذلك
ووصل الامر بالزينة في أيامه لتولية السلطان محمود وكان الوقت غير قابل لذلك فعملوا شنكا ومدافع بالقلعة
عزل عبدالله باشا وتولية عثمان باشا الحلبي
وعزل عبدالله باشا المذكور اواخر سنة اربع واربعين ومائة والف وامراء مصر في هذا التاريخ محمد بك قطامش وتابعه علي بك قطامش وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعبدالله كتخدا القازدغلي وسليمان كتخدا القازدغلي وحسن كتخدا القازدغلي ومحمد كتخدا

الداودية وعلي بك ذو الفقار وعثمان بك ذو الفقار خشداشة
ووصل مسلم محمد باشا السلحدار فأخبر بولاية محمد باشا السلحدار وقدم من البصرة سنة 1145 ونزل عبدالله باشا الى بيت شكريره واستمر محمد باشا واليا على مصر الى سنة ست واربعين ثم عزل وتولى عثمان باشا الحلبي ووصل المسلم بقائمقامية الى علي بك ذي الفقار فطلع الى الديوان ولبس القفطان من عثمان باشا ونزل الى بيته وحضر اليه الأمراء وهنوه وخلع علي اسمعيل بك أبي قلتج امين السماط ووصل عثمان باشا الى العريش وتوجهت اليه الملاقاة وارباب الخدم وحضر الى العادلية وعملوا له شنكا وطلع الى القلعة وخلع الخلع وورد قابجي باشا بالسكة وابطال سكة الذهب الفندقلي وضرب الزر محبوب كامل وصرفه مائة نصف فضة وعشرة انصاف وكذلك سكة النصف محبوب وصرفه خمسة وخمسون وزاد في الفندقلي الموجود بايدي الناس اثني عشر نصف فضة فصار يصرف بمائة نصف وستة واربعين نصفا
وحضر مرسوم ايضا بتعيين صنجق للوجه القبلي بتحرير النصارى واليهود وما عليهم من الجزية في كل بلد العال اربعمائة نصف وعشرون نصفا والوسط مائتان وسبعون والدون مائة
فتشاوروا فيمن ينزل بصحبته الاغا والكاتب من الامراء الصناجق لتحرير بلاد قبلي فقال حسين بك الخشاب انا مسافر بمنصب جرجا وينزل بصحبتي الاغا المعين وانظروا من يذهب الى بحري
فقال محمد بك قطامش كل اقليم يتقيد بتحريره الكاشف المتولى عليه ومعه الاغا والكاتب فاتفق الرأي على ذلك
وفي أيامه عمل اسمعيل بن محمد بك الدالي مهما لزواج ولده ودعا عثمان باشا الى منزله الذي ببركة الفيل وعندما حضر الباشا واستقر به الجلوس وضع بين يديه منديلا فيه الف دينار برسم تفرقة البقاشيش على الخدم وارباب الملاعيب وقدم له تقادم خيول هدايا وجوادا مرختا وذلك في شعبان سنة 1147

ومن الحوادث في ايامة ان في اوائل رمضان سنة تاريخه ظهر بالجامع الازهر رجل تكروري وادعى النبوة فاحضروه بين يدي الشيخ احمد العماوي فسأله عن حاله فاخبره انه كان في شربين فنزل عليه جبريل وعرج به الى السماء ليلة سبع وعشرين رجب وانه صلى بالملائكة ركعتين وأذن له جبريل ولما فرغ من الصلاة اعطاه جبريل ورقة وقال له انت نبي مرسل فأنزل وبلغ الرسالة واظهر المعجزات
فلما سمع الشيخ كلامه قال له أنت مجنون فقال لست بمجنون وانما انا نبي مرسل فأمر بضربه فضربوه وأخرجوه من الجامع
ثم سمع به عثمان كتخدا فأحضره وسأله فقال مثل ما قاله للشيخ العماوي فأرسله الى المارستان فاجتمع عليه الناس والعامة رجالا ونساء ثم انهم أخفوه عن اعين الناس
ثم طلبه الباشا فسأله فأجابه بمثل كلامه الاول فأمر بحبسه في العرقانة ثلاثة أيام ثم انه جمع العلماء في منتصف شهر رمضان وسألوه فلم يتحول عن كلامه فأمروه بالتوبة فامتنع واصر على ما هو عليه فامر الباشا بقتله فقتلوه بحوش الديوان وهو يقول فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ثم أنزلوه وألقوه بالرميلة ثلاثة ايام

من الحوادث الغريبة
في ايامه ايضا في يوم الاربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 اشيع في الناس بمصر بان القيامة قائمة يوم الجمعة سادس عشري الحجة وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والارياف وودع الناس بعضهم بعضا ويقول الانسان لرفيقه بقي من عمرنا يومان وخرج الكثير من الناس والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض دعونا نعمل حظا ونودع الدنيا قبل ان تقوم القيامة
وطلع اهل الجيزة نساء ورجالا وصاروا يغتسلون في البحر
ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم ومنهم من صار يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي واعتقدوا

ذلك ووقع صدقه في نفوسهم
ومن قال لهم خلاف ذلك أو قال هذا كذب لا يلتفتون لقوله ويقولون هذا صحيح وقاله فلان اليهودي وفلان القبطي وهما يعرفان في الجفور والزايرجات ولا يكذبان في شيء يقولانه
وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا وفلان ذهب الى الامير الفلاني وأخبره بذلك وقال له احبسني الى يوم الجمعة وان لم تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج الى يوم الجمعة المعين المذكور
فلم يقع شيء
ومضى يوم الجمعة واصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان العالم قال ان سيدي احمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم
فيقول الآخر اللهم انفعنا بهم فاننا يا اخي لم نشبع من الدنيا وشارعون نعمل حظا ونحو ذلك من الهديانات
واقدم عثمان باشا في ولاية مصر الى سنة 1148 فكانت مدة ولايته بمصر سنة واحدة وخمسة اشهر

ولاية باكير باشا
وتولى بعده باكير باشا وهي ولايته الثانية فقدم من جدة الى السويس من القلزم لانه كان واليا بعد انفصاله من مصر فقدم يوم السبت رابع عشرى شوال سنة 1147 ولما ركب بالموكب كان خلفه من اتباعه نحو الثلاثين خيالا ملبسه بالزروخ المذهبة وله من الاولاد خمسة ركبوا امامه في الموكب وصرخت العامة في وجهه من جهة فساد المعاملة وهي الاخشا والمرادي والمقصوص والفندقلي فان الاخشا صار بستة عشر جديد والمرادي باثنى عشر والمقصوص بثمانية جدد وصار صرف الفندقلي بثلثمائة نصف والجنزرلي بمائتين وغلت بسبب ذلك الاسعار وصار الذي كان بالمقصوص بالديواني فلم يلتفت الباشا لذلك
وفي شهر القعدة ورد اغا وعلى يده مرسوم بطلب سفر ثلاثة آلاف عسكري لمحافظة بغداد وان يكون العسكر من اصحاب العتامنة ولا

يرسلوا عسكرا من فلاحي القليوبية والجيزة والبحيرة وشرق اطفيح والمنصورة فقلدوا امير السفر مصطفى بك اباظة حاكم جرجا سابقا وسافر حسن بك الدالي بالخزينة وارتحل من العادلية في منتصف شهر الحجة وكان خروجه بالموكب في اوائل رجب
فاقام خارج القاهرة نحو خمسة اشهر وثمانية عشر يوما وأوكب مصطفى بك بموكب السفر يوم الخميس خامس الحجة وسافر في المحرم سنة ثمان واربعين
وفي عاشر الحجة يوم الاضحية قبل اذان العصر خرجت ريح سوداء غريبة اظلمت منها الدنيا وحجبت نور الشمس فغرق منها مراكب وسقطت اشجار ومن جملتها شجرة جميز عظيمة بناحية الشيخ فمر وهدمت دورا قديمة وشجرة اللبخة بديوان مصر القديمة ثم اعقبها بعد العشاء مطرة عظيمة ووصل أيوب بك امير سفر العجم وطلع الى الديوان والبسه الباشا قفطان القدوم والسدادة واصحاب الدركات وكانت مدة غيابه سنتين وثلاثة أشهر
وفي ايامه ورد أغا وعلى يده مراسيم وأوامر منها ابطال مرتبات الاولاد والعيال ومنها ابطال التوجيهات وان المال يقبض الى الديوان ويصرف من الديوان وان الدفاتر تبقى بالديوان ولا تنزل بها الافندية الى بيوتهم
فلما قرىء ذلك قال القاضي امر السلطان لا يخالف ويجب اطاعته
فقال الشيخ سليمان المنصوري يا قاضي الاسلام هذه المرتبات فعل نائب السلطان وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في مدة الملوك المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشرى ورتبوه على خيرات ومساجد وأسبلة ولا يجوز ابطال ذلك واذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر المرصد لها ذلك فلا يجوز لاحد يؤمن بالله ورسوله ابن يبطل ذلك وان أمر ولي الامر بابطاله لا يسلم له ويخالف امره لان ذلك مخالف للشرع ولا يسلم للامام في فعل ما يخالف الشرع ولا لنائبه

ايضا
فسكت القاضي فقال الباشا هذا يحتاج الى المراجعة ثم قال الشيخ سليمان وأما التوجيهات ففيها تنظيم وصلاح وأمر في محله وانفض الديوان على ذلك وكتب الشيخ عبد الله الشبراوي عرضا في شأن المرتبات من انشائه ولولا خوف الاطالة اسطرته في هذا المجموع ثم انهم عملوا مصالحة على تنفيذ ذلك فجعلوا على كل عثماني نصف جنزرلي وحضروا المرتبات في قائمقامية ابراهيم بك أبي شنب وابن درويش بك وقطامش وعلي بك الصغير تابع ذي الفقار بك من سنة ثلاثين فبلغت ثمانية واربعين الف عثماني فكانت اربعة وعشرين الف جنزرلي فقسموها بينهم وأرسلوا الى عثمان بك ورضوان بك الف جنزرلي فأبيا من قبولها وقالا هذه دموع الفقراء والمساكين فلا نأخذ منها شيئا فان رجع رد الجواب بالقبول كانت مظلمة وان جاء بعدم القبول كانت مظلمتين الطاعون
ووقع الطاعون المسمى بطاعون كو ويسمى ايضا الفصل العائق يأخذ على الرائق ومات به كثير من الاعيان وغيرهم بحيث مات من بيت عثمان كتخدا القازدغلي فقط مائة وعشرون نفسا وصارت الناس تدفن الموتى بالليل في المشاعل
ووقع في ايامه الفتنة التي قتل فيها عدة من الامراء وسببها ان صالح كاشف زوج هانم بنت ايواظ بك كان ملتجئا الى عثمان بك ذي الفقار وتزوج ببنت ايواظ بك بعد يوسف بك الخائن وكان من القاسمية فحرضته على طلب الامارة والصنجقية وتأخذ له فائظ عشرين كيسا وكلم عثمان بك في شأن ذلك فوعده ببلوغ مراده وخاطب محمد بك قيطاس المعروف بقطامش وهو اذ ذاك كبير القوم في ذلك فلم يجبه وقال له تريد ان تفتح بيتا للقاسمية فيقتلونا على غفلة هذا لا يكون ابدا ما دمت حيا
وكان عثمان بك المذكور أخذ كشوفية

المنصورة فأنزل فيها صالح كاشف قائمقام فلما كمل السنة ورجع تحركت الهمة الى طلب الصنجقية وعاود عثمان بك في الخطاب وهو كذلك تكلم مع محمد بك فصمم على الامتناع فوقع على الاغوات والاختيارية فلم يجب ولم يرض ووافقه على الامتناع علي بك تابع المذكور وخليل افندي فذهب صالح كاشف الى عثمان كتخدا القازدغلي واتفق معه على قتل الثلاثة وقال له اعمل تدبيرا في قتلهم فذهب الى رضوان بك امير الحاج سابقا وسليمان بك الفراش فاتفق معهما على قتل الثلاثة في بيت محمد بك الدفتردار باطلاع باكير باشا
وعرفوا محمد بك بذلك فرضي وكتب فرمانا بالجمعية في بيت الدفتردار بسبب الحلوان والخزينة
فركبوا بعد العصر الى بيت محمد بك قطامش وركبوا معه الى بيت الدفتردار وصحبتهم علي بك وصالح بك وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي واختيار من الاسباهية ويوسف كتخدا البركاوي وحضر عثمان بك ذو الفقار وعثمان كتخدا القازدغلي واحمد كتخدا الخربطلي وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة وعلي جلبي الترجمان
فلما تكاملت الجمعية امر محمد بك قطامش بكتابة عرضحال وقال للكاتب اكتب كذا وكذا فطلع الى خارج وصحبته كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا وجلس يكتب في العرض وقد قرب الغروب فارادوا الانصراف فوقف الدفتردار وقال هاتوا شربات
وكان ذلك القول هو الاشارة مع صالح كاشف وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك
ففتحوا باب الخزانة وخرج منها جماعة بطرابيش وهم شاهرون السلاح
فوقف محمد بك قطامش على أقدامه وقال هي خونة فضربه الضارب بالقرابينة في صدره ووقع الضرب وهاج المجلس في دخنة البارودة وظلام الوقت فلم يعلم القاتل من المقتول وعندما سمع كتخدا الجاويشية اول ضربة وهو جالس مع الافندي الكاتب نزل مسرعا وركب وعلي الترجمان القى بنفسه

من شباك الجنينة وعثمان بك ذو الفقار أصابه فقطع شاشه وقاووقه ودفعه صالح كاشف فنجا بنفسه الى اسفل وركب حصان بعض الطوائف وخرج من باب البركة وأصيب باش اختيار مستحفظان البرلي بجراحة قوية فارسلوه الى منزله ومات بعد ثلاثة أيام
ثم اوقدوا الشموع وتفقدوا المقتولين واذا هم محمد بك قطامش وعلي بك تابعه وصالح بك وعثمان بك كتخدا القازدغلي واحمد كتخدا الخربطلي ويوسف كتخدا البركاوي وخليل افندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي والاسباهي تتمة عشرة وباش اختيار الذي مات بعد ذلك في بيته
فعروا المقتولين ثيابهم وقطعوا رؤوسهم واتوا بهم جامع السلطان حسن فوجدوه مغلوقا فاحرقوا ضرفة الباب الذي جهة سوق السلاح ووضعوا الرؤوس العشرة على البسطة ووضعوا عند كل رأس شيئا من التبن وظنوا انهم غالبون
وطلع صالح كاشف الى الباشا من باب الميدان فخلع عليه الصنجقية فطلب منه دراهم يفرقها في العسكر المجتمعين اليه فقال له انزل لاشغالك وأنا أرسل اليك ما تطلب
فنزل الى السلطان حسن فوجد محمد كتخدا الداودية حضر باتباعه وجماعته هناك بظن انهم غالبون وعندما بلغ الخبر سليمان كتخدا الجلفي ركب في جماعة بعد المغرب وطلع الى باب العزب وكان كتخدا الوقت اذ ذاك احمد كتخدا اشراق يوسف كتخدا البركاوي فطرق الباب فقال التفكجية من هذا فعرفهم عن نفسه فقال الكتخدا قولوا له أنت توليت الكتخدائية وتعرف القانون وان الباب لا يفتح بعد الغروب فان كان له حاجة يأتي في الصباح
وأما عثمان بك فانه لما خرج من باب البركة وشاشه مقطوع لم يزل سائر الى باب الينكجرية فوجده ملآن جاويشية وواجب رعايا ونفر وطلع عندهم عمر جلبي بن علي بك قطامش فأخذه حسن جاويش النجدلي ومعه طائفة وطلع به الى الباشا بعد نزول صالح كاشف فخلع عليه صنجقية أبيه

وأعطاه فرمانا بالخروج من حق الذين قتلوا الامراء وحرقوا باب المسجد
ونزل فرد على كتخدا الوقت وصحبته حسن جاويش النجدلي ومعهم بيرق وأنفار وواجب رعايا من المحجر خلف جامع المحمودية وبيت الحصري وزاوية الرفاعي
وكانت ليلة مولده وهي اول جمعة في شهر رجب سنة 1149 فعلموا متريز على باب الدرب قبالة باب السلطان حسن وضربوا عليها بالرصاص وكذلك من باب العزب وبيت الاغا وكان اغات العزب عبد اللطيف افندي روزنامجي مصر سابقا
واما صالح بك فانه انتظر وعد الباشا فلم يرسل له شيئا فأخذ رضوان بك وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك واختفوا في خان الخليلي واختفى ايضا محمد بك اسمعيل ومحمد كتخدا الداودية ندم على ما فعل فركب بجماعته وذهب الى بيت مصطفى بك الدمياطي فوجده مقفولا
فطرق الباب فلم يجبه احد فذهب الى بيت ابراهيم بك بلغيه ودخل هناك ولما بطل الرمي من السلطان حسن هجم حسن جاويش فلم يجد به أحدا ولما طلع النهار ذهبوا الى بيت الدفتردار فنهبوه ونهبوا ايضا بيت رضوان بك وذهبوا الى سليمان بك قتلوه وقطعوا رأسه ونهبوا البيت وأتوا الى الباب
ثم ان السبع وجاقات اجتمعوا في بيت علي كتخدا الجلفي وقالوا له أنت بيت سر يوسف كتخدا البركاوي ولا يفعل شيئا الا باطلاعك وعندك خبر بقتل أمرائنا واعياننا والشاهد على ذلك مجيء خشداشك سليمان كتخدا بعد المغرب بطائفته يملك باب العزب فحلف بالله العظيم لم يكن عنده خبر بشيء من ذلك ولا بمجيء سليمان كتخدا الى الباب ولكن أي شيء جاء بمحمد كتخدا الداودية الى السلطان حسن
ثم أنهم أنزلوا باكير باشا وعزلوه وطيبوا عليه حلوان بلاد المقتولين وكتبوا عرض محضر وسفروه صحبة سبعة أنفار
فحضر مصطفى اغا امير اخور كبير ومعه مرسوم من الدولة بضبط متروكات المقتولين فمكث بمصر شهرين ثم ورد امر بولايته على مصر وتوجيه باكير باشا الى جده

تولية مصطفى باشا وسليمان باشا الشامي
فتولى مصطفى باشا فأقام واليا بمصر الى سنة 1152
وتولى بعده سليمان باشا الشامي الشهير بابن العظم ولما استقر في ولاية مصر أراد ايقاع فتنة بين الامراء فضم اليه عمر بك ابن علي بك قطامش فأرسل اليه من يأمنه على سره واتفق معه على قتل عثمان بك ذي الفقار وابراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي وهم اذ ذاك أصحاب الرياسة بمصر
ووعده نظير ذلك امارة مصر والحاج وان يعطيه من بلادهم فائظ عشرين كيسا فجمع عمر بك خليل أغا وأحمد كتخدا عزبان وإبراهيم جاويش قازذغلي واختلى بهم وعرفهم بالمقصود وتكفل أحمد كتخدا بقتل علي جاويش بعبد الله كتخدا
واذا انفرد ابراهيم بك اخذوه بعد ذلك بحيلة وقتلوه في الديوان
ثم ان احمد كتخدا اغرى بعلي كتخدا الاظ ابراهيم فقتل علي كتخدا عند بيت أقبري وهو طالع الى الديوان وبلغ الخبر عثمان بك فتدارك الامر وفحص عن القضية حتى انكشف له سرها وعمل شغله وقتل احمد كتخدا
وعندما قتل علي كتخدا ظن الباشا تمام المقصد فاراد ان يملك باب الينكجرية بحيلة وأرسل مائتي تفكجي ومعهم مطرجي وجوخدار وهم مستعدون بالاسلحة فمنعهم التفكجية من العبور وطلب الكتخدا شخصين من أعيانهم يسألهما عن مرادهم
فقالا ان الباشا مقصر في حقنا ولم يعطنا علائقنا
فارسل معهم باش جاويش بالسلام على الباشا من الاختيارية والوصية بهم فقبل ذلك ولم يتمكن من مراده
ثم ان حسين بك الخشاب طلع الى باب العزب وتحيل في نزول احمد كتخدا من الباب وملك هو الباب
واجتمعوا بعد ذلك وأمروا الباشا بالنزول الى قصر يوسف
فركب وأراد

ان يدخل الى باب الينكجرية فرفعوا عليه البنادق فدخل الى قصر يوسف فوجده خرابا فاخذ حسن جاويش النجدلي خاطر الينكجرية على نزوله ببيت الاغا وانتقل الاغا الى السرجي فأقام الباشا الى ان نزل ببيت البيرقدار وسافر بعد ذلك فكانت ولايته على مصر الى شهر جمادى الاولى سنة 1153

تولية الوزير علي باشا
ثم تولى بعده الوزير علي باشا حكيم أوغلي وهي توليته الاولى بمصر فدخل مصر في شهر جمادى الاولى سنة ثلاث وخمسين ومكث الى عاشر جمادى الاولى سنة 1154 ونزل سليمان باشا الى بيت البيرقدار وعمل علي باشا اول ديوان بقراميدان بحضرة الجم الغفير وقرىء مرسوم الولاية بحضرة الجميع
ثم قال الباشا أنا لم آت الى مصر لاجل اثارة فتن بين الامراء واغراء ناس على ناس وانما أتيت لاعطي كل ذي حق حقه وحضرة السلطان اعطاني المقاطعات وأنا أنعمت بها عليكم فلا تتعبوني في خلاص المال والغلال وأخذ عليهم حجة بذلك
وانفض المجلس
ثم انه سلم على الشيخ البكري وقال له أنا بعد غد ضيفك ثم ركب وطلع الى السراية وأرسل الى الشيخ البكري هدية وأغناما وسكرا وعسلا ومربات ونزل اليه في الميعاد وأمر ببناء رصيف الجنينة التي في بيته وكان له فيه اعتقاد عظيم لؤيا منامية رآها في بعض سفراته منقولة عنه مشهورة
وكانت أيامه امنا وأمانا والفتن ساكنة والاحوال مطمئنة
ثم عزل ونزل الى قصر عثمان كتخدا القازدغلي بين بولاق وقصر العيني
تولية يحيى باشا
ثم تولى يحيى باشا ودخل الى مصر وطلع الى القلعة في موكبه على العادة وطلع اليه علي باشا وسلم عليه ونزل هو الآخر وسلم على علي

باشا بالقصر ودعاه عثمان بك ذو الفقار وعمل له وليمة في بيته وقدم له تقادم كثيرة وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم ان الباشا نزل الى بيت احد من الامراء في دعوة وإنما الإمراء يعملون لهم الولائم بالقصور فى الخلاء مثل قصر العينى او المقياس
واقام يحيى باشا فى ولاية مصر الى إن عزل فى عشرين شهر رجب سنة 1156

توليةمحمد باشا اليدكشى
وتولى بعده محمد باشا اليدكشى وحضر الى مصر وطلع الى القلعه وفي ايامة كتب فرمان بابطال شرب الدخان فى الشوارع وعلى الدكاكين وابواب البيوت
ونزل الاغا والوالى فنادوا بذلك وشددوا فى الانكار والنكال بمن يفعل ذلك من عال او دون وصار الاغا يشق البلد فى التبديل كل يوم ثلاث مرات
وكل من راى فى يده الة الدخان عاقبه وربما اطعمه الحجر الذى يوضع فيه الدخان بالنار وكذلك الوالي
وفى ايامه ايضا قامت العسكر بطلب جراياتهم وعلائفهم من الشون ولم يكن بالشون اردب واحد فكتب الباشا فرمانا بعمل جمعية فى بيت علي بك الدمياطى الدفتردار وينظروا الغلال فى ذمة أي من كان يخلصونها منه
فلما كان فى ثانى يوم اجتمعوا وحضر الروزنامجى وكاتب الغلال والقلقات واخبروة ان بذمة ابراهيم بك قطامش اربعين الف اردب والمذكور لم يكن فى الجمعيه وانتظروه فلم يات
فارسلوا له كتخدا الجاويشيه واغات المتفرقة فامتنع من الحضور في الجمهور وقال الذي له عندي حاجة يأتي عندي قرجعوا واخبروهم بما قال
فقال العسكر نذهب اليه ونهدم بيته على دماغه فقام وكيل دار السعادة واخذ معه من كل بلك اثنين اختيارية وذهبوا الى ابراهيم بك قطامش
فقال له الوكيل اي شيء هذا الكلام والعسكر قائمة علىاختيارتها قال والمراد أى شيء وليس عندى غلال
قال له الوكيل نجعلها مثمنة

بقدر معلوم
فثمنوا القمح بستين نصف فضة الاردب والشعير باربعين
فقال ابراهيم بك يصبروا حتى يأتينى شيء من البلاد
قال الوكيل العسكر لايصبروا ويحضل من ذلك امر كبير
فجمعوا ميلغ اليكون فبلغ ثمانين كيسا فرهن عند الوكيل بلدين لاجل معلوم
وكتب بذلك تمسك واخذ التقاسيط ورجع الوكيل الى محل الجمعية واحضر مبلغ الدارهم وكل من كان عليه غلال اورد بذلك السعر وهده كانت اول بدعة ظهرت فى تثمين غلال الانبار للمستحقين
واستمر محمد باشا فى ولاية مصر حتى عزل سنة 1158

تولية محمد باشا راغب
ووصل مسلم محمد باشا راغب وتقلد ابراهيم بك بلغيه قائمقام وخلع عليه محمد باشا القفطان وعلى محمد بك امين السماط
ثم وردالساعى من الاسكندري فأخبر بورود حضرة محمد باشا راغب الى ثغر الاسكندرية فنزل أرباب العكاكيز لملاقاته وحضروا صحبته الى مصر وطلع الى القلعة وحصل بينه وبين حسين بك الخشاب محبة ومودة وحلف له انه لا يخونه ثم أسر اليه ان حضرة السلطان يريد قطع بيت القطاشة والدمايطة فأجاب الى ذلك
واختلى بابراهيم جاويش وعرفه بذلك فقال له الجاويش عندك توابع عثمان بك قرقاش وذو الفقار كاشف وهم يقتلون خليل بك وعلي بك الدمياطي في الديوان
فقال له يحتاج ان يكون صحبتهم أناس من طرفك والا فليس لهم جسارة على ذلك
فقال له أنا اتكلم مع عثمان أغا ابي يوسف بطلب شرهم لانه من طرفي
فلما كان يوم الديوان وطلع حسين بك الخشاب وقرقاش وذو الفقار وجماعته وطلع علي بك الدمياطي وصحبته محمد بك وطلع في اثرهم خليل بك أمير الحاج وعمر بك بلاط جلسوا بجانب المحاسبة فحضر عثمان أغا أغات المتفرقة عند خليل بك فقال له لماذا لم تدخل عند

الباشا
فقال له قد تركناه لك
فقال كأني لم اعجبك
واتسع بينهما الكلام فسحب ابو يوسف النمشة وضرب خليل بك واذا بالجماعة كذلك أسرعوا وضربوا عمر بك بلاط
قتلوه ودخلوا برأسيهما الى الباشا فقام علي بك الدمياطي ومحمد بك ونزلا ماشيين ودخلا الى نوبة الجاويشية فارسل الباشا للاختيارية يقول لهم انهما مطلوبان للدولة
وأخذهما وقطع رأسيهما ايضا
وكتبوا فرمانا الى الصناجق والاغوات واختيارية السبع وجاقات بأن ينزلوا بالبيارق والمدافع الى ابراهيم بك وعمر بك وسليمان بك الالفي وكان سليمان بك دهشور مسافرا بالخزينة
فنزلت البيارق والمدافع فضربوا أول مدفع من عند قنطرة سنقر فحمل الثلاثة احمالهم وخرجوا بهجنهم وعازقهم الى جهة قبلي ودخل العساكر الى بيت ابراهيم بك فنهبوه وكذلك بيت خليل بك وذهبوا الى بيت علي بك فوجدوا فيه صنجقيا من الصناجق ملكة بما فيه ولم يتعرضوا ليوسف بك ناظر الجامع الازهر ورفعوا صنجقية محمد بك صنجق ستة وماتت سته ايضا وذهب الى طندتا وعمل فقيرا بضريح سيدي أحمد البدوي
ولما رجع سليمان بك دهشور من الروم رفعوا صنجقيته وأمروه بالاقامة برشيد وقلدوا عثمان كاشف صنجقية وكذلك كجك أحمد كاشف وقلدوا محمد بك اباظة اشراق حسين بك الخشاب دفتردارية مصر
وانقضت تلك الفتنة
ثم ان الباشا قال لحسين بك الخشاب مرادي ان نعمل تدبيرا في قتل ابراهيم جاويش قازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي وتصير أنت مقدام مصر وعظيمها
فاتفق معه على ذلك وجمع عنده علي بك جرجا وسليمان بك مملوك عثمان بك ذي الفقار وقرقاش وذي الفقار كاشف ودار القال والقيل وسعت المنافقون وعلم ابراهيم جاويش ورضوان كتخدا ما يراد بهما
فحضر ابراهيم جاويش عند رضوان كتخدا وامتلأ باب الينكجرية وباب العزب بالعسكر والاودة باشية

واجتمعت الصناجق والاغوات االسبعة في سبيل المؤمن والاسباهية بالرميلة وأرسلوا يطلبون فرمانا من الباشا بالركوب على بيت حسين بك الخشاب الذي جمع عنده المفاسيد أعدائنا وقصده قطعنا
فلما طلع كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا إلى راغب باشا وطلبوا منه فرمانا بذلك فقال الباشا رجل نفذ امر مولانا السلطان وخاطر بنفسه ولم ينكسر عليه مال ولا غلال كيف أعطيكم فرمانا بقتله الصلح أحسن ما يكون
فرجعوا وردوا عليهم بجواب الباشا فأرسلوا له من كل بلك اثنين اختيارية بالعرضحال وقالوا لهم ان ابي قولوا له ينزل ويولى قائمقام ونحن نعرف خلاصنا مع بعضنا
فنزل بكامل اتباعه من قراميدان ولما صار في الرميلة اراد ان ينزل علي شيخون الى بيت حسين بك الخشاب يكرنك معه فيه واذا بعزب المرابطين في السلطان حسن ردوه بالنار فقتل اغا من اغواته فنزل الى بيت آقبردي الى بيت ذي عرجان تجاه المظفر فارسلوا له ابراهيم بك بلغيه صحبة كتخدا الجاويشية خلع عليه قفطان القائمقامية ورجع الى بيته واخذوا منه فرمانا بجر المدافع والبيارق من ناحية الصليبية
وسارت الصناجق يقدمهم عمر بك امير الحاج ومحمد بك الدالي وابراهيم بك بلغيه ويوسف بك قطامش وحمزة بك وعثمان بك ابو سيف واحمد بك ابن كجك محمد واسمعيل بك جلفي وعثمان بك واحمد بك قازدغلية ورضوان بك خازندار عثمان كتخدا قازدغلي واحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الاربع جهات
فحارب بالبندق من الصبح الى الظهر حتى وزع ما يعز عليه وحمل أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين وذهب الى جهة الصعيد فدخل العسكر الى بيته
فلم يجدوا فيه شيء ولا الحريم
وهرب ايضا ابراهيم بك قيطاس الى الصعيد وعمر بك ابن علي بك وصحبته طائفة من الصناجق وهربوا الى أرض الحجاز وكان ذلك اواخر سنة

فكانت مدة محمد باشا راغب في ولاية مصر سنتين ونصفا ثم سار الى الديار الرومية وتولى الصدارة
وكان انسانا عظيما عالما محققا وكان اصله رئيس الكتاب وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وفاته والله اعلم
ذكر من مات في هذه السنين من اعيان العلماء والاكابر والعظماء
مات الامام الكبير والاستاذ الشهير صاحب الاسرار والانوار الشيخ عبد الغنى بن اسمعيل النابلسى الحنفى الصالحى
ولد سنة 1050 واحواله شهيرة واوصافه ومناقبة مفردة بالتأليف
ومن مؤلفاتة المقصود فى وحدة الوجود وتحفة المسألة بشرح التحفه المرسلة والاصل للشيخ محمد فضل الله الهندى والفتح الربانى والفيض الرحمانى وربع الافادات فىربع العيادات وهو مؤلف جليل فى مجلد ضخم فى فقه الحنيفة نادر الوجود والرحلة القدسية وكوكب الصبح فى ازالة القبح والحديقة الندية فى شرح الطريقة المحمدية واالفتح الملكى واللمح الملكى وقطرالسماء ونظرة العلماء والفتح المدنى فى النفس اليمنى وبدبعيتان احداهما لم يلتزم فيها اسم النوع وشرحها والثانية التزمه فيها شرحها القلعى مع البديعيات العشر
توفي رضي الله عنه سنة 1143 عن ثلاث وتسعين سنة
ومات امام الائمة شيخ الشيوخ واستاذ الاساتذة عمدة المحققين والمدققين الحسيب النسيب السيد علي بن علي اسكندر الحنفى السيواسى الضرير اخذ عن الشيخ احمد الشوبرى والشرنبلالي والشيخ عثمان ابن عبدالله التحريري الحنفين وأخذ الحديث عن الشيخ البابلي والشبراملسي وغيرهم
وسبب تلقيبه باسكندرانه كان يقرأ دروسا بجامع اسكندر باشا بباب الخرق وكان عجيبا في الحفظ والذكاء وحدة الفهم وحسن الالقاء وكان الشيخ العلامة محمد السجيني اذا مر بحلقة

درسه خفض من مشيته ووقف قليلا وأنصت لحسن تقريره وكان كثير الاكل ضخم البدن طويل القامة لايلبس زي الفقهاء بل يعتم عمامه لطيفة بعذبة مرخية وكان يقول عن نفسه أنا آكل كثيرا واحفظ كثيرا
وسافر مرة الى دار السلطنة وقرأ هناك دروسا واجتمع عليه المحققون حين ذاك وباحثوه وناقشوه واعترفوا بعمله وفضله وقوبل بالاجلال والتكريم وعاد الى مصر ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي في ذي القعدة سنة 1148 عن ثلاث وسبعين سنة وكسور اخذ عنه كثير من الاشياخ كالشيخ الحفني واخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ الدمياطي والشيخ الوالد والشيخ عمر الطحلاوي وغيرهم
وكان يقول بحرمة القهوة واتفق انه عمل مهما لزواج ابنه فهاداه الناس وبعث اليه عثمان كتخدا القازدغلي فردين فامر بطرحه في الكنيف لانه يرى حرمة الانتفاع بثمنه ايضا مثل الخمر ودليله في ذلك ما ذكر في وصف خمرة الجنة في قوله تعالى لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون بان الغول ما يعتري شارب الخمر بتركها وهذه العلة موجودة في القهوة بتركها بلا شك
توفي الى رحمة الله تعالى سنة 1146
ومات الامام العلامة والمحقق الفهامة شيخ مشايخ العلم الشيخ محمد عبد العزيز الزيادي الحنفي البصير أخذ عن الشيخ شاهين الارمناوي الحنفي عن العلامة البابلي واخذ عنه الشمس الحفني والدمنهوري والشيخ الوالد والدمياطي وغيرهم توفي في اواخر ربيع الاول سنة 1148
ومات الشيخ الفقيه العلامة المتقن المتفنن الشيخ عيسى بن عيسى السقطي الحنفي أخذ عن الشيخ ابراهيم بن عبد الفتاح بن أبي الفتح الدلجي الفرضي الشافعي وعن الشيخ احمد الاهناسي وعن الشيخ احمد ابن ابراهيم التونسي الحنفي الشهير بالدوقدوسي وعن السيد علي ابن السيد علي الحسيني الشهير باسكندر والشيخ محمد بن عبد العزيز بن

ابراهيم الزيادي ثلاثتهم عن الشيخ شاهين الارمناوي واخذ ايضا عن الشيخ العقدي والشيخ ابراهيم الشرنبلالي والشيخ حسن بن الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي ثلاثتهم عن الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير
توفي المترجم في سنة 1143
ومات الاستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي الضرير أخذ عن الشيخ الشرنبالي ولازمه ملازمة كلية وأخذ ايضا عن الشيخ عبد ربه الديوي واهل طبقته مثل الشيخ مطاوع السجيني وغيره وكان اماما عظيما فقيها نحويا أصوليا منطقيا أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائهم
توفي سنة 1158
ومات الامام العلامة والبحر الفهامة امام المحققين شيخ الشيوخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد اللطيف بن احمد بن علي البشبيشي الشافعي خاتمة محققي العلماء وواسطة عقد نظام الاولياء العظماء ولد ببشبيش من اعمال المحلة الكبرى واشتغل علي علمائها بعد ان حفظ القرآن ولازم ولي الله تعالى العارف بالله الشيخ علي المحلي الشهير بالاقرع في فنون من العلم واجتهد وحصل واتقن وتفنن وتفرد وتردد على الشيخ العارف حسن البدوي وغيره من صوفية عصره وتأدب بهم واكتسى من أنوارهم ثم ارتحل الى القاهرة سنة 1081 وأخذ عن الشيخ محمد ابن منصور الاطفيحي والشيخ خليل اللقاني والزرقاني وشمس الدين محمد بن قاسم البقري وغيرهم واشتهر علمه وفضله ودرس وأفاد وانتفع به اهل عصره من الطبقة الثانية وتلقوا عنه المعقول والمنقول ولازم عمه الشهاب في الكتب التي كان يقرأها مع كمال التوحش والعزلة والانقطاع الى الله وعدم مسايرة احد من طلبة عمه والتكلم معهم بل كان الغالب عليه الجلوس في حارة الحنابلة وفوق سطح الجامع حتى كان يظن من لا يعرف حاله أنه بليد لا يعرف شيئا الى ان توجه عمه الى

الديار الحجازية حاجا سنة 1094 وجاور هناك فأرسل له بان يقرأ موضعه
فتقدم وجلس وتصدر لتقرير العلوم الدقيقة والنحو والمعاني والفقه
ففتح الله له باب القبض فكان يأتي بالمعاني الغريبة في العبارات العجيبة وتقريره اشهى من الماء عند الظمآن وانتفع به غالب مدرسي الازهر وغالب علماء القطر الشامي ولم يزل على قدم الافادة وملازمة الافتاء والتدريس والاملاء حتى توفي في منتصف رجب سنة 1143
ومات الاستاذ الامام صاحب الاسرار وخاتمة سلسلة الفخار الشيخ احمد بن عبد المنعم بن محمد ابو السرور البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية بمصر اجازه ابو الاحسان بن ناصر وغيره وكان للوزير علي باشا بن الحكيم فيه اعتقاد عظيم كما تقدمت الاشارة الى ذلك وعندما ذهب الاستاذ للسلام عليه تلقاه وقبل يديه وأقدامه وقال هذا الذي كنت رأيته في عالم الرؤيا وقت كربنا في السفرة الفلانية ولعله الشيخ البكري كما أخبرني عن نفسه
فقيل له هو المشار اليه فاقبل بكليته عليه واستجازه في الزيارة بعد الغد وأرسل اليه هدية سنية ونزل لزيارته مرارا
توفي سنة 1153 ودفن بمشهد اسلافه عند ضريح الامام الشافعي
ومات الامام العلامة والعمدة الفهامة المتقنن المتفن المتبحر الشيخ محمد صلاح الدين البرلسي المالكي الشهير بشلبي اخذ عن الشيخ احمد النفراوي والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وروى عن البصري والنخلي وعنه اخذ الاشياخ المعتبرون
توفي ليلة الخميس سابع عشر صفر سنة 1154
ومات الامام العالم العلامة والعمدة الفهامة أستاذ المحققين وصدر المدرسين الشيخ احمد بن احمد بن عيسى العماوي المالكي اخذ عن الشيخ محمد الزرقاني والعلامة الشبراملسي والششخ محمد الاطفيحي

والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ منصور المنوفي والشيخ احمد النفراوي كما نقلت ذلك من خطة واجازته للمغفور له عبد الله باشا كبورلي زاده وكان قد قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ وسنن ابي داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والمواهب قراءة لبعضها دارية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفية المصطلح من اولها الى اخرها دراية ولبعضها رواية ولباقيها اجازة وألفيه المصطلح من اولها الى آخرها العلامة الشبراملسي تصدر للاقراء والإفادة في محله وانتفع به الطلبة وكان حلو التقرير فصيحا كثير الاطلاع مستحضرا للاصول والفروع والمناسبات والنوادر والمسائل والفوائد تلقى عنه غالب اشياخ العصر وحضروا دروسه الفقهية والمعقولية كما هو مذكور في تراجمهم
ولم يزل مواظبا وملازما على الاقراء والافادة واملاء العلوم حتى وافاه الاجل المحتوم
وتوفي سابع جمادي الاولى من سنة 1155 وخلف بعده ابنه استاذنا الامام المحقق والتحرير المدقق بركة الوقت وبقية السلف الشيخ عبد المنعم ادام الله النفع بوجوده وأطال عمره مع الصحة والعافية آمين
ومات الامام العلامة الوحيد والبحر الخضم الفريد روض العلوم والمعارف وكنز الاسرار واللطائف الشيخ محمد بن محمد الغلاني الكثناوي الدانرانكوي السوداني كان اماما دراكا متقنا متفننا وله يد طولى وباع واسع في جميع العلوم ومعرفة تامة بدقائق الاسرار والانوار
تلقى العلوم والمعارف ببلاده عن الشيخ الامام محمد ابن سليمان بن محمد النوالي البرناوي الباغرماوي والاستاذ الشيخ محمد بندو والشيخ الكامل الشيخ هاشم محمد فودو ومعناه الكبير
قال وهو أول من حصل لي على يديه الفتح وعليه قرأت اكثر كتب الادب ولازمته حضرا وسفرا نحو اربع سنوات فأخذ عنه الصرف والنحو حتى أتقن ذلك وصار شيخه المذكور يلقبه بسيبويه
وكان يلقبه قبل

ذلك بصاحب المقامات لحفظه لها واستحضاره لالفاظها استحضارا شديدا بحيث اذا ذكرت كلمة يأتي بما قبلها بالبديهة وعدم الكلفة
وتلقى عن الشيخ محمد بند وعلم الحرف والاوفاق وعلم الحساب والمواقيت على اسلوب طريقة المغاربة والعلوم السرية بانواعها الحرفية والوفقية وآلاتها الحسابية والميقاتية
وحصلت له منه المنفعة التامة قال وقرأت عليه الاصول والمعاني والبيان والمنطق وألفية العراقي وجميع عقائد السنوسي الستة
وسمع عليه البخاري وثلاثة ارباع مختصر الشيخ خليل من اول البيوع الى آخر باب السلم ومن اول الاجارة الى آخر الكتاب ونحو الثلث من كتاب ملخص المقاصد وهو كتاب لابن زكري معاصر الشيخ السنوسي في الف بيت وخمسمائة بيت في علم الكلام وأكثر تصانيفه الى غير ذلك
قال وسمعت منه كثيرا من الفوائد العجيبة والحكايات الغريبة والاخبار والنوادر ومعرفة الرجال ومراتبهم وطبقاتهم
ذكر ذلك في برنامج شيوخه المذكورين وكان للمترجم همة عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلوم المتوقف عليه تحصيل الكتب وكان يقول عن نفسه ان مما من الله علي به أني لم أقرأ قط من كتاب مستعار وانما ادنى مرتبتي اذا حاولت قراءة كتاب لم يكن موجودا عندي ان اكتب متنه موسع السطور لاقيد فيه ما أردته من شروحه او ما سمعته من تقريرات الشيخ عند قراءته واعلاها ان اكتب شرحه وحاشيته بدليل انه لولا علو همتي وصدق رغبتي في تحصيل العلوم لما فارقت اهلي وانسي وطلقت راحتي وبدلتهما بغربتي ووحشتي وكربتي مع كون حالي مع اهلي في غاية الغبطة والانتظام فبادرت في اقتحام الاخطار لكي ادرك الاوطار
ولما استأذن شيخه في الرحلة والحج فمر في رحلته بعدة ممالك واجتمع بملوكها وعلمائها فمن اجتمع به في كاغ برن الشيخ محمد كرعك واخذ عنه اشياء كثيرة من علوم الاسرار والرمل

واقام هناك خمسة اشهر وعنده قرأ كتاب الوالية للكردي وهو كتاب جليل معتبر في علم الرمل وقرأ عليه هو الرجراجي وبعض كتب من الحساب
وله رحلة تتضمن ما حصل له في تنقلاته وحج سنة اثنتين واربعين ومائة والف وجاور بمكة وابتدأ هناك بتأليف الدر المنظوم وخلاصة السر المكتوم في علم الطلاسم والنجوم وهو كتاب حافل رتبه على مقدمة وخمسة مقاصد وخاتمه وقسم المقاصد ابوابا واتم تبييضه بمصر المحروسة في شهر رجب سنة ست واربعين ومن تأليفه كتاب بهجة الآفاق وايضاح اللبس والاغلاق في علم الحروف والاوفاق رتبه على مقدمة ومقصد وخاتمة وجعل المقدمة ثلاثة ابواب والمقصد خمسة ابواب وكل باب يشتمل على مقدمة وفصول ومباحث وخاتمة
وله منظومة في علم المنطق سماها منح القدوس وشرحها شرحا عظيما سماه ازالة العبوس عن وجه منح القدوس وهو مجلد حافل نحو ستين كراسا
وله شرح بديع على كتاب الدر والترياق في علم الافاق
ومن تآليفه بلوغ الارب من كلام العرب في علم النحو وله غير ذلك
توفي سنة 1154 بمنزل المرحوم الشيخ الوالد وجعله وصيا على تركته وكتبه وكان يسكن اولا بدرب الاتراك وهو الذي اخذ عنه علم الاوفاق وعلم الكسر والبسط الحرفية والعددية ودفنه الوالد ببستان العلماء بالمجاورين وبنى على قبره تركيبة وكتب عليها اسمه وتاريخه
ومات جامع الفضائل والمحاسن طاهر الاعراق والاوصاف السيد علي افندي نقيب السادة الاشراف ذكره الشيخ عبد الله الادكاوي في مجموعته واثنى عليه وكان مختصا بصحبته
وحج مع المترجم سنة 1147 وعاد الى مصر ولم يزل على احسن حال حتى توفي في الليلة الثامنة عشرة من شهر شوال سنة 1153
ومات الاستاذ العارف الشيخ ابو العباس احمد بن احمد العربي

الاندلسي التلمساني الازهري المالكي اخذ الحديث عن الامام ابي سالم عبد الله بن سالم البصري المكي وابي العباس احمد بن محمد النخلي المكي الشافعيين وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب اخذ عنه الشيخ ابو سالم الحفني والسيد علي بن موسى المقدسي الحسيني وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب
وتوفي سنة 1151
ومات الامام العلامة والنحرير الفهامة شمس الدين محمد بن سلامة البصير الاسكندري المكي البليغ الماهر اخذ العلم عن الشيخ خليل اللقاني والشهاب احمد السندوبي والشيخ محمد الخرشي والشيخ عبد الباقي الزرقاني والشبرخيتي والابيذري وهو الشهاب احمد الذي روى عن البرهان اللقاني والبابلي واخذ ايضا عن الشيخ يحيى الشاوي والشهاب احمد البشبيشي وله تأليفات عديدة منها تفسير القرآن العزيز نظما في نحو عشر مجلدات
وقد اجاز الشيخ ابا العباس احمد بن علي العثماني واملي عليه نظما وذلك بمنزلة بالجانب الغربي من الحرم الشريف وعمر ابن احمد بن عقيل ومحمد بن علي بن خليفة الغرياني التونسي وحسين ابن حسن الانطاكي المقري اجازه في سنة 1131 في الطائف واسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم
توفي في ذي الحجة سنة 1149
ومات الشيخ الامام العالم العلامة صاحب التآليف العديدة والتقريرات المفيدة ابو العباس احمد بن عمر الديربي الشافعي الازهري اخذ عن عمه الشيخ علي الديربي قرأ عليه التحرير وابن قاسم وشرح الرحبية واخذ عن الشيخ محمد القليوبي الخطيب وشرح التحرير والشيخ خالد علي الآجرومية وعلى الازهرية وعن الشيخ ابي السرور الميداني والشيخ محمد الدنوشري المشهور بالجندي علم الحساب والفرائض واخذ عن الشيخ الشنشوري ومن مشايخه يونس بن الشيخ القليوبي والشيخ علي السنبطي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ محمد النفراوي المالكي واخوه

الشيخ احمد النفراوي والشيخ خليل اللقاني والشيخ منصور الطوخي والشيخ ابراهيم الشبرخيتي والشيخ ابراهيم المرحومي والشيخ عامر السبكي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ شمس الدين محمد الحموي والشيخ ابو بكر الدلجي والشيخ احمد المرحومي والشيخ احمد السندوبي والشيخ محمد البقري والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد المعطي المالكي والشيخ محمد الخرشي والشيخ محمد النشرتي والشيخ ابو الحسن البكري خطيب الازهر وانتشر فضله وعلمه واشتهر صيته وافاد والف وصنف
فمن تآليفه غاية المرام فيما يتعلق بانكحة الانام وكتب حاشية عليه مع زيادة احكام وايضاح ما خفي فيه على بعض الانام وغاية المقصود لمن يتعاطى العقود على مذهب الائمة الاربعة والختم الكبير على شرح التحرير المسمى فتح الملك الكريم الوهاب بختم شرح تحرير تنقيح اللباب وغاية المراد لمن قصرت همته من العبادة وختم على شرح المنهج سماه فتح الملك الباري بالكلام على آخر شرح المنهج للشيخ زكريا الانصاري وختم على شرح الخطيب وعلى شرح ابن قاسم وكتابه المشهور المسمى فتح الملك المجيد لنفع العبيد جمع فيه ما جربه وتلقاه من الفوائد الروحانية والطبية وغيرها
وهو مؤلف لا نظير له في بابه وله رسالة على البسملة وحديث البداءة ورسالة تسمى تحفة المشتاق فيما يتعلق بالسنانية ومساجد بولاق ورسالة تسمى تحفة االصفا فيما يتعلق بابوي المصطفى والقول المختار فيما يتعلق بابوي النبي المختار ومناسك حج على مذهب الامام الشافعي وتحفة المريد في الرد على كل مخالف عنيد وفتح الملك الجواد بتسهيل قسمة التركات على بعض العباد بالطريق المشهورة بين الفريضيين في المسائل العائلة ورسالة في سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه والوقوف في المحشر والشفاعة العظمى واربعون حديثا وتمام الانتفاع لمن ارادها من الانام وجاشية على شرح ابن قاسم

الغزي ورسالة تتعلق بالكواكب السبعة والساعات الجيدة وبضرب المنادل العلوية والسفلية واحضار عامر المكان واستنطاقه وعزله ولوح الحياة والممات وغير ذلك
توفي سابع عشرين شعبان سنة 1151
ومات الامام العلامة والبحر الفهامة شيخ مشايخ العصر ونادرة الدهر الصالح الزاهد الورع القانع الشيخ مصطفى العزيزي الشافعي ذكره الشيخ محمد الكشناوي في آخر بعض تآليفه بقوله وكان الفراغ من تأليفه في شهر كذا سنة ست واربعين وذلك في ايام الاستاذ زاهد العصر الفخر الرازي الشيخ مصطفى العزيزي وناهيك بهذه الشهادة
وسمعت وصفه من لفظ الشيخ الوالد وغيره من مشايخ العصر من انه كان ازهد اهل زمانه في الورع والتقشف في المأكل والملبس والتواضع وحسن الاخلاق ولا يرى لنفسه مقاما
وكان معتقدا عند الخاص والعام وتأتي الاكابر والاعيان لزيارته ويرغبون في مهاداته وبره فلا يقبل من احد شيئا كائنا ما كان مع قلة دنياه لا كثيرا ولا قليلا واثاث بيته على قدر الضرورة والاحتياج
وكان يقرأ دروسه بمدرسة السنانية المجاورة لحارة سكنه بخط الصنادقية بحارة الازهر ويحضر دروسه كبار العلماء والمدرسين ولا يرضىللناس بتقبيل يده ويكره ذلك فاذا تكامل حضور الجماعة وتحلقوا حضر من بيته ودخل الى محل جلوسه بوسط الحلقة فلا يقوم لدخوله احد
وعندما يجلس يقرأ المقري واذا تم الدرس قام في الحال وذهب الى داره وهكذا كان دأبه
توفي سنة اربع وخمسين واقام عثمان بك ذا الفقار وصيا على ابنته
ومات الامام العمدة المتقن الشيخ رمضان بن صالح بن عمر بن حجازي السفطي الخانكي الفلكي الحيسوني اخذ عن رضوان افندي وعن العلامة الشيخ محمد البرشمسي وشارك الجمال يوسف الكلارجي والشيخ الوالد وحسن افندي قطة مسكين وغيرهم واجتهد وحسب وحرر وكتب

بخطة كثيرا جدا وحسب المحكمات وقواعد المقومات على اصول الرصد السمرقندي الجديد وسهل طرقها بادق ما يكون واذا نسخ شيئا من تحريراته رقم منها عدة نسخ في دفعة واحدة فيكتب من كل نسخة صفحة بحيث يكمل الاربع نسخ او الخمسة على ذلك النسق فيتم الجميع في دفعة واحدة
وكان شديد الحرص على تصحيح الارقام وحل المحلولات الخمسة ودقائقها الى الخوامس والسوادس وكتب منها عدة نسخ بخطه وهو شيء يعسر نقله فضلا عن حسابه وتحريره
ومن تصانيفه نزهة النفس بتقويم الشمس بالمركز والوسط فقط والعلامة باقرب طريق واسهل ما اخذ واحسن وجه مع الدقة والامن من الخطا وحرر طريقة اخرى على طريق الدر اليتيم يدخل اليها بفاضل الايام تحت دقائق الخاصة ويخرج منها المقوم بغاية التدقيق لمرتبة الثوالث في صفحات كبيرة متسعة في قالب الكامل
واختصرها الشيخ الوالد في قالب النصف ويحتاج اليها في عمل الكسوفات والخسوفات والاعمال الدقيقة يوما يوما
ومن تآليفه كفاية الطالب لعلم الوقت وبغية الراغب في معرفة الدائر وفضله والسمت والكلام المعروف في اعمال الكسوف والخسوف والدرجات الوريفة في تحرير قسي العصر الاول وعصر ابي حنيفة وبغية الوطر في المباشرة بالقمر ورسالة عظيمة في حركات افلاك السيارة وهيآتها وحركاتها وتركيب جداولها على التاريخ العربي على اصول الرصد الجديد وكشف الغياهب عن مشكلات اعمال الكواكب ومطالع البدور في الضرب والقسمة والجذور وحرك ثلثمائة وستة وثلاثين كوكبا من الكواكب الثابتة المرصودة بالرصد الجديد بالاطوال والابعاد ومطالع الممر ودرجاته لاول سنة 1139 والقول المحكم في معرفة كسوف النير الاعظم ورشف الزلال في معرفة استخراج قوس مكث الهلال بطريقي الحساب والجدول
واما كتاباته وحسابياته في اصول الظلال واستخراج

السموت والدساتير فشيء لا ينحصر ولا يمكن ضبطه لكثرته وكان له بالوالد وصلة شديدة وصحبة اكيدة ولما حانت وفاته اقامة وصيا على مخلفاته وكان يستعمل البرشعثا ويطبخ منه في كل سنة قزانا كبيرا ثم يملأ منه قدورا ديدفنها في الشعير ستة اشهر ثم يستعمله بعد ذلك ويكون قد حان فراغ الطبخة الاولى وكان يأتيه من بلده الخانكة جميع لوازمه وذخيرة داره من دقيق وسمن وعسل وجبن وغير ذلك ولا يدخل لداره قمح الا لمؤنة الفراخ وعلفهم فقط واذا حضر عنده ضيوف وحان وقت الطعام قدم لكل فرد من الحاضرين دجاجة على حدته
ولم يزل حتى توفي ثاني عشر جمادي الاولى سنة 1158 يوم الجمعة ودفن بجوار تربة الشيخ البحيري كاتب القسمة العسكرية بجوار حوش العلامة الخطيب الشربيني
ومات قاضي قضاة مصر صالح افندي القسطموني
كان عالما بالاصول والفروع صوفي المشرب في التورع ولي قضاء مصر سنة 1154 وبهامات سنة 1155 ودفن عند المشهد الحسيني
ومات السيد زين العابدين المنوفي المكب احد السادة المشهورين بالعلم والفضل توفي سنة 1151
ومات اسيد الشريف حمود بن عبد الله ابن عمرو النموي الحسيني المكي احد اشراف آل نمي كان صاحب صدارة ودولة واخلاق رضية ومحاسن مرضية حسن المذاكرة والمطارحة لطيف المحاضرة والمحاورة
توفي ايضا سنة 1151
ومات الاجل الفاضل المحقق احمد افندي الواعظ الشريف التركي كان من اكابر العلماء امارا بالمعروف ولا يخاف في الله لومة لائم وكان يقرأ الكتب الكبار ويباحث العلماء على طريق النظار ويعظ العامة بجامع المرداني فكانت الناس تزدحم عليه لعذوبة لفظه وحسن بيانه وربما

حضره بعض الاعيان من امراء مصر فيسبهم جهرا ويشير الى مثالهم وربما حنقوا منه وسلطوا عليه جماعة من الاتراك ليقتلوه فيخرج عليهم وحده فيغشى الله على ابصارهم
مات في حادي عشري الحجة سنة 1161
ومات القطب الكامل السيد عبد الله بن جعفر بن علوى مدهر باعلوى نزيل مكة ولد بالشحر وبها نشأ ودخل الحرمين وتوجه الى الهندي ومكث في دهلي مدة تقرب من عشرين عاما ثم عاد الى الحرمين واخذ عن والده واخيه العلامة علوي ومحمد بن احمد بن علي الستاري وابن عقيلة وآخرين
وعنه اخذ الشيخ السيد وشيخ والسيد عبد الرحمن العيدروس
وله مؤلفات نفيسة منها كشف اسرار علوم المقربين ولمح النور بباء اسم الله يتم السرور واشرق النور وسناه من سر معنى الله لا نشهد سواه والاصل اربعة ابيات للقطب الحداد واللآلىء الجوهرية على العقائد البنوفرية وشرح ديوان شيخ بن اسمعيل الشحري والنفحة المهداة بانفاس العيدروس بن عبد الله والايفا بترجمة العيدروس جعفر بن مصطفى وديوان شعر ومراسلات عديدة وله كرامات شهيرة
توفي بمكة سنة 1160
ومات السيد الاجل عبد الله بن مشهور بن علي بن ابي بكر العلوي احد السادة اصحاب الكرامات والاشراقات كان مشهورا برؤية الخضر ادركه السيد عبد الرحمن العيدروس وترجمه في ذيل المشرع واثنى عليه وذكر له بعض كرامات
توفي سنة 1144
ومات الاستاذ النجيب الماهر المتفنن جمال الدين يوسف بن عبد الله الكلارجي الفلكي تابع حسن افندي كاتب الروزنامة سابقا
قرأ القرآن وجود الخط وتوجهت همته للعلوم الرياضية كالهيئة والهندسة والحساب والرسم فتقيد بالعلامة الماهر رضوان افندي واخذ عنه واجتهد وتمهر

وصار له باع طويل في الحسابيات والرسميات وساعده على ادراك مأمولة ثروة مخدومه فاستنبط واخترع ما لم يسبق به والف كتابا حافلا في الظلال ورسم المنحرفات والبسائط والمزاول والاسطحة جمع فيه ما تفرق في غيره من اوضاع المتقدمين بالاشكال الرسمية والبراهين الهندسية والتزم المثال بعد المقال والف كتابا ايضا في منازل القمر ومحلها وخواصها وسماها كنز الدرر في احوال منازل القمر وغير ذلك
واجتمع عنده كتب وآلات نفيسة لم تجتمع عند غيره ومنها نسخة الزيج السمرقندي بخط العجم وغير ذلك
توفي سنة 1153
ومات الامام العلامة والعمدة الفهامة مفتي المسلمين الشيخ احمد بن عمر الاسقاطي الحنفي المكنى بابي السعود تفقه على الشيخ عبد الحي الشرنبلالي والشيخ علي العقدي الحنفي البصير وحضر عليه المنار وشرحه لابن فرشته وغيره والشيخ احمد النفراوي المالكي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ احمد ابن عبد الرزاق الروحي الدمياطي الشناوي والشيخ احمد الشهير بالبناء واحمد بن محمد بن عطية الشرقاوي الشهير بالخليفي والشيخ احمد بن محمد المنفلوطي الشافعي الشهير بابن الفقيه والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وغيرهم كالشيخ عبد ربه الديوي ومحمد بن صلاح الدين الدنجيهي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح البهوتي ومهر في العلوم وتصدر لالقاء الدروس الفقيهة والمعقولية وافاد وافتى والف واجاد وانتفع الناس بتآليفه ولم يزل يملي ويفيد حتى توفي سنة 1159
ومات الاستاذ الكبير والعلم الشهير صاحب الكرامات الساطعة والانوار المشرقة اللامعة سيدي عبد الخالق بن وفا قطب زمانه وفريد اوانه وكان على قدم اسلافه وفيه فضيلة وميل للشعر وامتدحه الشعراء واجازهم الجوائز السنية وكان يحب سماع الآلات
توفي رحمه الله في ثاني عشر ذي الحجة سنة 1161

ومات الاستاذ شيخ الطريقة والحقيقة قدرة السالكين ومربي المريدين الامام المسلك السيد مصطفى بن كمال الدين المذكور في منظومة النسبة لسيدي عبد الغني النابلسي كما ذكره السيد الصديقي في شرحه الكبير على ورده السحري البكري الصديقي الخلوتي نشأ ببيت المقدس على اكرم الاخلاق واكملها رباه شيخه الشيخ عبد اللطيف الحلبي وغذاه بلبان اهل المعرفة والتحقيق ففاق ذلك الفرع الاصل وظهرت به في افق الوجود شمس الفضل فبرع فهما وعلما وابدع نثرا ونظما ورحل الى جل الاقطار لبلوغ اجل الاوطار كما دأب على ذلك السلف لما فيه من اكتساب المعالي والشرف
ولما ارتحل الى اسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث فيها سنة لم يؤذن له بارتحال ولم يدر كيف الحال
فلما كان آخر السنة قام ليلة فصلى على عادته من التهجد ثم جلس لقراءة الورد السحري فاحب ان تكون روحانية النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك المجلس ثم روحانية خلفائه الاربعة والائمة الاربعة والاقطاب الاربعة والملائكة الاربعة
فبينما هو في اثنائه اذ دخل عليه رجل فشمر عن اذياله كأنه يتخطى اناسا في المجلس حتى انتهى الى موضع فجلس فيه ثم لما ختم الورد قام ذلك الرجل فسلم عليه ثم قال ماذا صنعت يا مصطفى فقال له ما صنعت شيئا
فقال له الم ترني اتخطى الناس قال بلى انما وقع لي اني احببت ان تكون روحانية من ذكرناهم حاضرة
فقال له لم يتخلف احد ممن اردت حضوره وما اتيتك الا بدعوة والآن أذن لك في الرحيل
وحصل الفتح والمدد والرجل المذكور هو الولي الصوفي السيد محمد التافلاتي ومتى عبر السيد في كتبه بالوالد فهو السيد محمد المذكور وقد منحه علوما جمة
ورحل ايضا الى جبل لبنان والى البصرة وبغداد وما والاهما وحج مرات وتآليفه تقارب المائتين واحزابه واوراده اكثر من ستين واجلها ورده السحري اذ هو باب الفتح وله عليه ثلاثة شروح اكبرها في مجلدين
وقد شاد اركان هذه الطريقة واقام

رسومها وابدى فرائدها واظهر فوائدها ومنحه الله من خزائن الغيب ما لا يدخل تحت حصر
قال الشيخ الحنفى انه جمع مناقب نفسه فىمؤلف نحو اربعين كراسا تسويدا فى الكامل ولم يتم
وقد راى النبى صلى الله عليه و سلم فى النوم وقال له من اين لك هذا المدد فقال منك يارسول الله
فأشار ان نعم ولقى الخضر عليه السلام ثلاث مرات وعرضت عليه قطبانية المشرق فلم يرضها وكان اكرم من السيل وامضى فى السر من السيف واوتى مفاتيح العلوم كلها حتى اذعن له اولياء عصره ومحققوه فى مشارق الارض ومغاربها واخد على على رؤساء الجن العهود وعم مدده سائر الورود ومناقبه تجل عن التعداد وفيما اشرنا اليه كفاية لمن اراد
واخذ عنه طريق السادة الخلوتية الاستاذ الحفني وارتحل لزيارته والاخذ عنه الى الديار الشامية كما سيأتي ذلك في ترجمته وحج سنة احدى وستين ثم رجع الى مصر وسكن بدار عند قبة المشهد الحسيني وتوفي بها في ثاني عشر ربيع الثاني 1162 ودفن بالمجاورين ومولده في آخر المائة الالف بدمشق الشام
ومات العلامة الثبت المحقق المحرر المدقق الشيخ محمد الدفري الشافعي اخذ العلم عن الاشياخ من الطبقة الاولى وانتفع به فضلاء كثيرون منهم العلامة الشيخ محمد المصيلحي والشيخ عبد الباسط السنديوني وغيرهما
توفي سنة 1161
ومات الاجل المكرم عبد الله افندي الملقب بالانيس احد المهرة في الخط الضابط كتب على الشاكري وغيره واشتهر امره جدا وكان مختصا بصحبة مير اللواء عثمان بك ذي الفقار امير الحاج وكتب عليه جماعة ممن رأيناهم ومنهم شيخ الكتبة بمصر اليوم حسن افندي مولى الوكيل المعروف بالرشدي وقد اجازه في مجلس حافل
توفي سنة 1159
ومات الامام الفقيه المحدث شيخ الشيوخ المتقن المتفنن المتجر الشيخ

احمد بن مصطفى بن احمد الزبيري المالكي الاسكندري نزيل مصر وخاتمة المسندين بها الشهير بالصباغ ذكر في ذكر شيوخه انه اخذ عن ابراهيم بن عيسى البلقطري وعلي بن فياض والشيخ محمد النشرتي الزرقاني واحمد الغزاوي وابراهيم الفيومي وسليمان الشبرخيتي ومحمد زيتونه التونسي نزيل الاسكندرية وابي العز العجمي واحمد بن الفقيه والكبنكسي ويحيى الشاوي وعبد الله البقري وصالح الحنبلي وعبد الوهاب الشنواني وعبد الباقي القليني وعلي الرميلي واحمد السجيني وابراهيم الكتبي واحمد الخليفي ومحمد الصغير والوزراري وعبده الديوي وعبد القادر الواطي واحمد بن محمد الدرعي
ورحل الى الحرمين فاخذ عن البصري والنخلي والسندي ومحمد اسلم وتاج الدين القلعي ووالسيد سعد الله
وكان المترجم اماما علامة سليم الباطن معمور الظاهر قد عم به الانتفاع
روى عنه كثيرون من الشيوخ وكان يذهب في كل سنة الى تغر الاسكندرية فيقيم بها شعبان ورمضان وشوالا ثم يرجع الى مصر يملي ويفيد ويدرس حتى توفي في سنة 1162 ودفن بتربة بستان المجاورين بالصحراء
ذكر من مات في هذه السنين من الامراء المشهورين والاعيان
مات الامير علي بك ذو الفقار وهو مملوك ذي الفقار بك وخشداش عثمان بك ولما دخلوا على استاذه وقت العشاء وقتلوه كما تقدم كان هو إذ ذاك خازنداره كما تقدم فقال المترجم باعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح
فكانت هذه الكلمة سببا لهزيمة القاسمية واخمادهم الى آخر الدهر وعد ذلك من فطانته وثبات جأشه في ذلك الوقت والحالة
ثم ارسل الى مصطفى بك بلغيه فحضر عنده وجمع اليه محمد بك قطامش وارباب الحل والعقد وارسلوا الى عثمان بك فحضر من التجريدة ورتبوا

امورهم وقتلوا القاسمية الذينن وجدوهم في ذلك الوقت
ولما وقف العرب بطريق الحجاج في العقبة سنة سبع واربعين وكان امير الحاج رضوان بك ارسل الى محمد بك قطامش فعرفه ذلك فاجتمع الامراء بالديوان وتشاوروا فيمن يذهب لقتال العرب فقال المترجم انا اذهب اليهم واخلص من حقهم وانقذ الحجاج منهم ولا آخذ من الدولة شيئا بشرط ان اكون حاكم جرجا عن سنة ثمان واربعين فأجابوه الى ذلك والبسه الباشا قفطانا وقضى اشغاله في اسرع وقت وخرج في طوائفه ومماليكه واتباع استاذه وتوجه الى العقبة وحارب العرب حتى انزلهم من الحلزونات واجلاهم وطلع امير الحاج بالحجاج وساق هو خلف العرب فقتل منهم مقتلة عظيمة ولحق الحجاج بنخل ودخل صحبتهم
ولما دخل ترت سافر الى ولاية جرجا فاقام بها اياما ومات هناك بالطاعون
وامت الامير مصطفى بك بلغيه تابع حسن اغا بلغيه تقلد الامارة والصنجقية في ايام اسمعيل بك ابن ايواظ سنة 1135 ولم يزل اميرا متكلما وصدرا من صدور مصر اصحاب الامر والنهي والحل والعقد الى ان مات بالطاعون على فراشه سنة 1148
ومات ايضا رضوان اغا الفقاري وهو جرجي الجنس تقلد اغاوية مستحفظان عندما عزل علي اغا المقدم ذكره في اواخر سنة 1118 ثم تقلد كتخدا الجاويشية ثم اغات جملية في سنة 1120 وكان من اعيان المتكلمين بمصر وفر من مصر وهرب مع من هرب في الفتنة الكبرى الى بلاد الروم ثم رجع الى مصر سنة خمس وثلاثين باتفاق من اهل مصر بعدما بيعت بلاده وماتت عياله ومات له ولدان
فمكث بمصر خاملا الى سنة ست وثلاثين ثم قلده اسمعيل بك بن ايواظ آغاوية الجملية فاستقر بها نحو خمسين يوما
ولما قتل اسمعيل بك في تلك السنة نفي المترجم الى ابي قير خوفا من حصول الفتن فاقام هناك ثم رجع الى مصر واستمر بها الى

ان مات في الفصل سنة 1148
ومات كل من اسمعيل بك قيطامس واحمد بك اشراق ذي الفقار بك الكبير وحسن بك وحسين بك كتخدا الدمياطي واسمعيل كتخدا تابع مراد كتخدا وخليل جاويش قباجيه وافندي كبير عزبان وحسن جاويش بيت مال العزب وافندي صغير مستحفظان واحمد اوده باشا المطرباز ومحمد اغا ابن تصلق اغات مستحفظان وحسن جلبي بن حسن جاويش خشداش عثمان كتخدا القازدغلي وغير ذلك مات الجميع في الفصل سنة ثمان واربعين
ومات احمد كتخدا الخربطلي وهو الذي عمر الجامع المعروف بالفاكهاني الذي بخط العقادين الرومي بعطفة خوش وقدم وصرف عليه من ماله مائة كيس واصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان اتمامه في حادي عشر شوال سنة 1148 وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وجعل مملوكه علي ناظر عليه ووصيا على تركته
ومات المترجم في واقعة بيت محمد بك الدفتردار سنة 1149 مع من مات كما تقدم الالماع بذكر ذلك في ولاية باكير باشا
ومات الامير عثمان كتخدا القازدغلي تابع حسن جاويش القازدغلي والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العماير
تنقل في مناصب الوجاقات في ايام سيده وبعدها الى ان تقلد الكتخدائية ببابه وصار من ارباب الحل والعقد واصحاب المشورة واشتهر ذكره ونما صيته وخصوصا لما تغلبت الدول وظهرت الفقارية
ولما وقع الفصل في سنة ثمان واربعين ومات الكثير من اعيان مصر وامرائها غنم اموالا كثيرة من المصالحات والتركات وعمر الجامع المعروف بالازبكية بالقرب من رصيف الخشاب في سنة سبع واربعين وحصلت الصلاة فيه ووقع به ازدحام عظيم حتى ان عثمان بك ذا الفقار حضر للصلاة في ذلك اليوم متأخرا فلم يجد له محلا فيه فرجع

وصلى بجامع ازبك
وملأوا المزملة بشربات السكر وشرب منه عامة الناس وطافوا بالقلل لشرب من بالمسجد من الاعيان وعمل سماطا عظيما في بيت كتخداه سليمان كاشف برصيف الخشاب وخلع فى ذلك اليوم على حسن افندى ابن البواب الخطيب والشيخ عمر الطهلاوي المدرس وارباب الوظائف خلعا وفرق عل الفقراء دراهم كثيرة وشرع فى بناء الحمام بجواره بعد تمام الجامع والسبيل والكتاب وبنى زاوية العميان بالازهر ورحبة رواق الاتراك والرواق ايضا ورواق السليمانيه ورتب لهم مرتبات من وقفه وجعل مملوكه سليمان الجوخدار ناظرا ووصيا والبسه الضلمة
ولم يزل عثمان كتخدا اميرا ومتكلما بمصر وافر الحرمة مسموع الكلمة حتى قتل مع من قتل ببيت محمد بك الدفتردار مع ان الجمعية كانت باطلاعه ورأية ولم يكن مقصودا بالذات فى القتل
ومات الامير الكبير محمد بك قيطاس المعروف بقطاش وهو مملوك قيطاس بك جرجي الجنس وقيطاس بك مملوك ابراهيم بك ابن ذي الفقار بك تابع حسن بك الفقارى تولى الامارة والصنجقية فىحياة استاذه وتقلد امارة الحج سنة خمس وعشرين وطلع بالحج مرتين وتقلد ايضا امارة الحج سنة 1146 و 1148 ولما قتل عابدى باشا استاذه بقراميدان سنة 1126 كما تقدم ذكر ذلك عصى المترجم وكرنك فى بيته هو وعثمان بك بارم ذيله وطلب بثار استاذه ولم يتم له امر وهرب الى بلاد الروم فاقام هناك الى ان ظهر ذو الفقار فى سنة ثمان وثلاثين وخرج جركس هاربا من مصر فارسل عند ذلك اهل مصر يستدعون المترجم ويطلبون من الدولة حضوره الى مصر وارسلو الى مصر وانعموا عليه بالدفتردارية
ولما وصل الى مصر لم يتمكن منها حتى قتل علي بك الهندى فعند ذلك تقلد الدفتردارية وظهر امره ونما ذكره وقلد مملوكه علي صنجقا وكذلك اشراقه ابراهيم بك
ولما عزل باكير باشا تقلد المترجم قائمقامية

وذلك سنة ثلاث واربعين
وبعد قتل ذى الفقار بك صار المترجم اعظم الامراء المصرية وبيده النقض والابرام والحل والعقد وصناجقه علي بك ويوسف بك وصالح بك وابراهيم بك ولم يزل اميرا مسموع الكلمة وافر الحرمة حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار كما تقدم وقتل معه ايضا من امرائه علي بك وصالح بك
ومات معهم ايضا يوسف كتخدا البركاوي وكان اصله جربجيا بباب العزب وطلع سردار بيرق في سفر الروم ثم رجع الى مصر فأقام خاملا قليل الحظ من المال والجاه فلما حصلت الواقعة التي ظهر فيها ذو الفقار واجتمع محمد باشا وعلي باشا والامراء وحصرهم محمد بك جركس من جهات الرميلة من ناحية مصلى المؤمنين والحصرية وتلك النواحي وتابعوا رمي الرصاص على من بالمحمودية وباب العزب والسلطان حسن بحيث منعوهم المرور والخروج والدخول وضاق الحال عليهم بسبب ذلك فعندها تسلق المترجم وخاطر بنفسه ونط من باب العزب إلى المحمودية والرصاص نازل من كل ناحية وطلع عند الباشا والامراء وطلب فرمانا خطا بالكتخدا العزب بانه يفرد قايبر بمائة نفر واوده باشه ويكون هو سر عسكر ويطرد الذين في سبيل المؤمنين وهو يملك بيت قاسم بك ويفتح الطريق فاعطوه ذلك وفعل ما تقدم ذكره وملك بيت قاسم بك وجرى بعد ذلك ما جرى
ولما انجلت القضية جعلوه كتخدا باب العزب وظهر شأنه من ذلك الوقت واشتهر ذكره وعظم صيته
وكان كريم النفس ليس للدنيا عنده قيمة ولم يزل حتى قتل في واقعة بيت الدفتردار
ومات الامير قيطاس بك الاعور وهو مملوك قيطاس بك الفقاري المتقدم ذكره تقلد الامارة في ايام استاذه ولما قتل استاذه كان المترجم مسافرا بالخزينة ونازلا بوطاقة بالعادلية وكان خشداشة محمد بك قطامش نازلا بسبيل علام فلما بلغه قتل استاذه ركب هو وعثمان بك بارم

ذيله وأتيا اليه وطلباه للقيام معهما في طلب ثار استاذهم فلم يطاوعهما على ذلك وقال أنا معي خزينة السلطان وهي في ضماني فلا أدعها وأذهب معكما في الامر الفارغ وفيكم البركة
وذهب محمد بك وفعل ما فعله من الكرنكة في داره ولم يتم له امر وخرج بعد ذلك هاربا من مصر ولحق بقيامطس بك المذكور وسافر معه الى الديار الرومية واستمر هناك الى ان رجع كما ذكر وعاد المترجم من سفر الخزينة فاستمر أميرا بمصر وتقلد امارة الحج سنة اثنتين واربعين وتوفي بمنى ودفن هناك
ومات الامير علي كتخدا الجلفي تابع حسن كتخدا الجلفي المتوفي سنة 1124
تنقل في الامارة بباب عزبان بعد سيده وتقلد الكتخدائية وصار من اعيان الامراء بمصر وارباب الحل والعقد ولما انقضت الفتنة الكبيرة وطلع اسمعيل بك بن ايواظ الى باب العزب وقتل عمر اغا استاذ ذي الفقار بك وامر بقتل خازنداره ذي الفقار المذكور استجار بالمترجم وكان بلديه وكان اذ ذاك خازندار عند سيده حسن كتخدا فأجاره وأخذه في صدره وخلص له حصة قمن العروس كما تقدم فلم يزل يراعي له ذلك حتى ان يوسف كتخدا البركاوي انحرف منه في ايام امارة ذي الفقار وأراد غدره واسر بذلك الى ذي الفقار بك فقال له كل شيء اطاوعك فيه الا الغدر بعلي كتخدا فانه كان السبب في حياتي وله في عنقي ما لا انساه من المنن والمعروف وضمانه علي في كل شيء
وقلده الكتخدائية وسبب تلقبهم بهذا اللقب هو ان محمد اغا مملوك بشير اغا القزلار استاذ حسن كتخدا كان يجتمع به رجل يسمى منصور الزتاحرجي السنجلفي من قرية من قرى مصر تسمى سنجلف وكان متمولا وله ابنة تسمى خديجة فخطبها محمد اغا لمملوكه حسن اغا استاذ المترجم وزوجها له وهي خديجة المعروفة بالست الجلفية
وسبب قتل المترجم ما ذكر

في ولاية سليمان باشا بن العظم لما أراد ايقاع الفتنة واتفق مع عمر بك ابن علي بك قطامش على قتل عثمان بك ذي الفقار وابراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي والمترجم وهم المشار اليهم اذ ذاك في رياسة مصر
واتفق عمر بك مع خليل بك واحمد كتخدا عزبان البركاوي وابراهيم جاويش القازدغلي وتكفل كل منهم بقتل احد المذكورين فكان احمد كتخدا ممن تكفل بقتل المترجم فأحضر شخصا يقال له لاظ ابراهيم من اتباع يوسف كتخدا البركاوي وأغراه بذلك فانتخب له جماعة من جنسه ووقف بهم في قبو السلطان حسن تجاه بيت آقبردي ففعل ذلك ووقف مع من اختارهم بالمكان المذكور ينتظر مرور علي كتخدا وهو طالع الى الديوان وارسل ابراهيم جاويش انسانا من طرفه سرا يقول لا تركب في هذا اليوم صحبة احمد كتخدا فانه عازم على قتلك
وبعد ساعة حضر اليه احمد كتخدا فقام وتوضأ وقال لكاتبه التركي خذ من الخازندار الفلاني الف محبوب ندفعها فيما علينا من مال الصرة
فاخذها الكاتب في كيس وسبقه الى الباب وركب مع احمد كتخدا وابراهيم جاويش وخلفهم حسن كتخدا الرزاز واتباعهم فلما وصلوا الى المكان المعهود خرج لاظ ابراهيم وتقدم الى المترجم كانه يقبل يده فقبض على يده وضربه بالطبنجة في صدره فسقط الى الارض واطلق باقي الجماعة ما معهم من آلات النار
وعبقت الدخنة فرمح ابن امين البحرين وذهب الى بيته وطلع احمد كتخدا وصحبته حسن كتخدا الرزاز الى الباب
ولما سقط علي كتخدا سحبوه الى الخرابة وفيه الروح فقطعوا راسه ووضعوها تحت مسطبة البوابة في الخرابة وطلعوا الى الباب وعندما طلع احمد كتخدا واستقر بالباب اخذ الالف محبوب من الكاتب وطرده واقترض من حسن كتخدا المشهدي الف محبوب ايضا وفرق ذلك على من الباب من أوده باشيه والنفر
ومن مآثر علي كتخدا المترجم القصر

الكبير الذي بناحية الشيخ قمر المعروف بقصر الجلفي وكان في السابق قصر صغيرا يعرف بقصر القبرصلي وأنشأ ايضا القصر الكبير بالجزيرة المعروفة بالفرشة تجاه رشيد الذي هدمه الامير صالح الموجود الآن زوج الست عائشة الجلفية في سنة 1202 وبااع أنقاضه وله غير ذلك مآثر كثيرة وخبرات رحمه الله
ومات احمد كتخدا المذكور قاتل علي كتخدا المذكور ويعرف بالبركاوي لانه اشراق يوسف كتخدا البركاوي
وخبر قتله انه لما تم ما ذكر ونزل احمد كتخدا من باب العزب بتمويهات حسين بك الخشاب وملكه اتباع عثمان بك ندم على تفريطه ونزوله وعثمان بك يقول لا بد من قتل قاتل صاحبي ورفيق سيدي قبل طلوعي الى الحج والا ارسلت خلافي وأقمت بمصر وخلصت ثار المرحوم
وارسل الى جميع الاعيان والرؤساء بانهم لا يقبلوه وطاف هو عليهم بطول الليل فلم يقبله منهم احد فضاقت الدنيا في وجهه وتوفي في تلك الليلة محمد كتخدا الطويل فاجتمع الاختيارية والاعيان ببيته لحضور مشهده فدخل عليهم احمد كتخدا في بيت المتوفي وقال أنا في عرض هذا الميت
فقال له اطلع الى المقعد واجلس به حتى نرجع من الجنازة
فطلع الى المقعد كما أشاروا اليه وجلس لاظ ابراهيم بالحوش وصحبته اثنان من السراجين فلما خرجوا بالجنازة أغلقوا عليهم الباب من خارج وتركوا معهم جماعة حرسجية وأقاموا مماليك احمد كتخدا في بيته يضربون بالرصاص على المارين حتى قطعوا الطريق وقتلوا رجلا مغربيا وفراشا وحمارا
فارسل عثمان بك الى رضوان كتخدا يأمره بارسال جاويش ونفر وقابجية بطلب محمد كتخدا من بيته ففعل ذلك فلما وصلوا الى هناك ويقدمهم ابو مناخير فضة وجدوا رمي الرصاص فرجعوا ودخلوا من درب المغربلين وأرادوا ثقب البيت من خلفه فأخبرهم بعض الناس وقال لهم الذي مرادكم فيه

دخل بيت الطويل فاتوا الى الباب فوجدوه مغلوقا من خارج فطلبوا حطبا وأرادوا ان يحرقوا الباب فخاف الذين أبقوهم في البيت من النهب فقتلوا لاظ ابراهيم ومن معه وطلعوا الى احمد كتخدا فقتلوه ايضا وألقوه من الشباك المطل على حوض الداودية فقطعوا رأسه واخذوها الى رضوان كتخدا فأعطاهم البقاقيش وقطع رجل ذراعه وذهب بها الى الست الجلفية واخذ منها بقشيشا ايضا
ورجع من كان في الجنازة وفتحوا الباب وأخرجوا لاظ ابراهيم ميتا ومن معه وقطعوه قطعا
واستمر احمد كتخدا مرميا من غير رأس ولا ذراع حتى دفنوه بعد الغروب ثم دفنوا معه الرأس والذراع
ومات الامير سليمان جاويش تابع عثمان كتخدا القازدغلي الذي جعله ناظرا ووصيا وكان جوخداره ولما قتل سيده استولى على تركته وبلاده ثم تزوج بمحظية استاذه الست شويكار الشهيرة الذكر ولم يعط الوارث الذي هو عبد الرحمن بن حسن جاويش استاذ عثمان كتخدا سوى فائظ اربعة اكياس لا غير
وتواقع عبد الرحمن جاويش على اختيارية الباب فلم يساعده احد فحنق منهم واتسلخ من بابهم وذهب الى باب العزب وحلف انه لا يرجع الى باب الينكجرية ما دام سليمان جاويش حيا
وكان المترجم صحبة استاذه وقت المقتلة ببيت الدفتردار فانزعج وداخله الضعف ومرض القصبة ثم انفصل من الجاويشية وعمل سردار قطار سنة احدى وخمسين وركب في الموكب وهو مريض وطلع الى البركة في تختروان وصحبته الطبيب فتوفي بالبركة وامير الحاج اذ ذاك عثمان بك ذو الفقار وكان هناك سليمان أغا كتخدا الجاويشية وهو زوج ام عبد الرحمن جاويش فعرف الصنجق بموت سليمان جاويش ووارثه عبد الرحمن جاويش واستأذنه في احضاره وان يتقلد منصبه عوضه فأرسلوا اليه وأحضروه ليلا وخلع عليه عثمان بك قفطان السردارية واخذ عرضه من

باب العزب وطيب سليمان اغا خاطر الباشا بحلوان وكتب البلاد باسم عبد الرحمن جاويش واتباعه وتسلم مفاتيح الخشاخين والصناديق والدفاتر من الكاتب وجاز شيئا كثيرا وبرفي قسمه ويمينه
ومات الامير محمد بك بن اسمعيل بك الدفتردار وقتل الامراء المتقدم ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسن اغا بلغيه
وخبر موته أنه لما حصل ما حصل وانقلب التخت عليهم اختفى المترجم في مكان لم يشعر به احد فمرضت والدته مرض الموت فلهجت بذكر ولدها فذهبوا اليه وقنعوه وأتوا به اليها من المكان المحتفي فيه بزي النساء فنظرت اليه وتأوهت وماتت ورجع الى مكانه
وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت الى اغات الينكجرية واخبرته بذلك فركب الى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا البيت وقبضوا عليه وركبوه حمارا وطلعوا به الى القلعة فرموا عنقه وكانوا نهبوا بيته قبل ذلك في أثر الحادثة وكان موته اواخر 1149
ومات عثمان كاشف ورضوان بك امير الحاج سابقا ومملوكه سليمان بك فانهم بعد الحادثة وقتل الامراء المذكورين وانعكاس امر المذكورين اختفوا بخان النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت ايواظ الذي هو السبب في ذلك فاستمروا في اخفائهم مدة ثم انهم دبروا بينهم رأيا في ظهورهم واتفقوا على ارسال عثمان كاشف الى ابراهيم جاويش قازدغلي فغطى راسه بعد المغرب ودخل الى بيت ابراهيم جاويش فلما رآه رحب به وسأله عن مكانهم فأخبره انهم بخان النحاس وهم فلان وفلان يدعون لكم ويعرفون همتكم وقصدهم الظهور على أي وجه كان
فقال له نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام الى بعد العشاء عندما اراد ان يقوم فقال له اصبر وقام كأنه يزيل ضرورة
فأرسل سراجا الى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمان كاشف بانه عنده فأرسل اليه

طائفة وسراجين وقفوا له في الطريق وقتلوه
ووصل الخبر الى ولده ببيت ابي الشوارب فحضر اليه وواراه واخذ ولده المذكور ابراهيم جاويش وطلع في صبحها الى الباب فأخبر أغات مستحفظان فنزل وكبس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبته ثلاثة فأحضرهم الى الباشا فقطع رؤوسهم
واما صالح كاشف فانه قام وقت الفجر فدخل الى الحمام فسمع بالحمام قتل عثمان كاشف في حوض الداودية فطلع من الحمام وهو مغطى الرأس وتأخر في رجوعه الى خان الخليلي
ثم سمع بما وقع لرضوان بك ومن معه فضاقت الدنيا في وجهه فذهب الى بيته وعبأ خرج حوايج وما يحتاج اليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خداما ومملوكا راكبا حصانا وركب وسار من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية وكلما أمسى عليه الليل يبيت في بلد حتى وصل عربان غزة
ثم ذهب في طلوع الصيف الى اسلامبول ونزل في مكان
ثم ذهب عند دار السعادة وكان اصله من اتباع والد محمد بك الدفتردار فعرفه عن نفسه فقال له انت السبب في خراب بيت ابن سيدي واستأذن في قتله فقتلوه بين الابواب في المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة وطلبهم الظهور من الاختفاء كالباحث على حتفه بظلفه
ومات الامير خليل بك قطامش امير الحاج سابقا تقلد الامارة والصنجقية سنة تسع واربعين بالحج اميرا سنة ثمان وخمسين ولم يحصل في امارته على الحجاج راحة وكذلك على غيرهم
وكان اتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب الى المناخ من غير ثمن ومنع عوائد العرب وصادر التجار في اموالهم بطريق الحج
وكانت اولاد خزنته ومماليكه اكثرهم عبيد سود يقفون في حلزونات العقبة ويطلبون من الحجاج دراهم مثل الشحاتين
وكان الامير بك ذو الفقار يكرهه

ولا تعجبه احواله ولما وقع للحجاج ما وقع في امارته ووصلت الاخبار الى مولاي عبد الله صاحب المغرب وتأخر بسبب ذلك الراكب عن الحج في السنة الاخرى ارسل مكتوبا الى علماء مصر واكابرهن ينقم عليهم في ذلك ويقول فيه وان مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور اهل الدين والسنة اي انصداع وضاقت من اجله الارض على الخلائق وتحمل من فيه ايمان لذلك ما ليس بطائق من تعدى امير حجكم على عباد الله واظهار جرأته على زوار رسول الله فقد نهب المال وقتل الرجال وبذل المجهود في تعدية الحدود وبلغ في خبثه الغاية وجاوز في ظلمه الحد والنهاية فيالها من مصيبة ما اعظمها ومن داهية دهماء ما اجسمها فكيف يا امة محمد صلى الله عليه و سلم يهان او يضام حجاج بيت الله الحرام وزائرو نبينا عليه الصلاة و السلام وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك وافصحت لنا علماء الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك فياللعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من اعيانها لا يقومون بتغيير هذا المنكر الفادح بشيوخها وشبانها
فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام الى آخر ما قال فلما وصل الجواب واطلع عليه الوزير محمد باشا راغب أجاب عنه بأحسن جواب وأبدع فيما اودع من درر وغرر تسلب عقول اولي الالباب يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام ينهي بعد ابلاغ دعاء نبع من عين المحبة وسما وملأ بساط ارض الود وطما ان كتابكم الذي خصصتم الخطاب به الى ذوي الافاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخرة الصديقية اخواننا مشايخ السلسلة البكرية تشرفت انظارنا بمطالعة معانية الفائقة والتقطت انامل أذهاننا درر مضامينه الكافية الرائقة التي ادرجتم فيها ما ارتكبه امير الحاج السابق في الديار المصرية في حق قصاد بيت الله الحرام وزوار روضة النبي الهاشمي عليه افضل الصلاة والسلام
فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل

اكثر مما تحويه بطون السطور لكن الزارع لا يحصد الا من جنس زرعه في حزن الارض وسهله ولا يحيق المكر السيء الا باهله لان الشقي المذكور لما تجاسر الى بعض المنكرات في السنة الاولى حملناه الى جهالته واكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونته وتكشف عيون هدايته فلم تفد في السنة الثانية الا الزيادة في العتو والفساد ومن يضلل الله فما له من هاد
ولما تيقنا ان التهديد بغير الايقاع كالضرب في الحديد البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد هممنا باسقائه من حميم جراء افعاله لان كل أحد من الناس مجزى باعماله فوفقني الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع ثلاثة من رفقائه العاضدين له في الشرور وطردنا بقيتهم بانواع الخزي الى الصحاري فهم بحول الله كالحيتان في البراري وولينا امارة الحج من الامراء المصريين من وصف بين أقرانه بالانصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة
والحمد لله حق حمده رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصا من جماعة ركبوا غارب الاغتراب بقصد زيارة البلد الامين
فان كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر السالف فقد انقضى أوان غدره على ما شرحناه وصار كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف والحمد لله على ما منحنا من نصرة المظلومين وأقدرنا على رغم أنوف الظالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين والحمد لله رب العالمين تحريرا في سادس عشر المحرم افتتاح سنة 1161
واجاب ايضا الاشياخ بجواب بليغ مطول اعرضت عن ذكره لطوله ومات خليل بك المذكور قتيلا في ولاية راغب باشا سنة 1160 قتله عثمان أغا ابو يوسف بالقلعة وقتل معه ايضا عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش الذي كان تولى الصنجقية وسافر بالخزينة سنة سبع وخمسين عوضا عن عمر بك ابن علي بك ونزلت البيارق والعسكر والمدافع لمحاربة ابراهيم بك وعمر بك سليمان

بك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم من مصر الى قبلى ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وبعض من هم من عصبتهم
ومات محمد بك المعروف باباظة وذلك انه لما حصلت واقعة حسين بك الخشاب وخروجه من مصر كما تقدم في ولاية محمد باشا راغب حضر محمد بك المذكور الى مصر وصحبته شخص آخر فدخلا خفية واستقرا بمنزل بعض الاختيارية من وجاق الجاويشية فوصل خبره الى ابراهيم جاويش فأرسل اليه اغات الينكجرية فرمى عليه بالرصاص وحاربه
وحضر ايضا بعض الامراء الصناجق فلم يزل يحاربهم حتى فرغ ما عنده من البارود فقبضوا عليه وقتلوه في الداودية ورموا رقبة بباب زويلة
ومات الاجل الامثل المبجل الخواجا الحاج قاسم بن الخواجا المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيادة والامارة والتجارة وسبب موته انه نزلت بانثيية نازلة فاشاروا عليه بفصدها واحضروا له حجاما ففصده فيها بمنزله الذي خلف جامع الغورية
ثم ركب الى منزله بالازبكية فبات به تلك الليلة
وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصد لم يصادف المحل فضربه بالريشة ثانيا فأصابت فرخ الانثيين ونزل منه دم كثير
فقال له قتلتني انج بنفسك
وتوفي في تلك الليلة وهي ليلة السبت ثاني عشر ربيع الاخر سنة 1147 فقبضوا على ذلك المزين وأحضروه الى اخيه سيدي احمد فأمرهم باطلاقه فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجق والاغوات والاختيارية والكواخي حتى ان عثمان كتخدا القازدغلي لم يزل ماشيا امام نعشه من البيت الى المدفن بالمجاورين
ومات الامير حسن بك المعروف بالوالي الذي سافر بالخزينة الى الديار

الرومية فتوفي بعد وصوله الى اسلامبول وتسليمه الخزينة بثلاثة ايام ودفن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه امارته وذلك في اوائل جمادى الاولى سنة 1148
ومات الوزير المكرم عبد الله باشا الكبورلي الذي كان واليا في مصر في سنة 1143 وقد تقدم انه من ارباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له معرفة بالفنون والادبيات والقراءات وتلا القرآن على الشهاب الاسقاطي وأجازه وعلى محمد بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة

الامير عثمان بك ذو الفقار
هو وان لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد اليها الى ان مات بالروم وانقطع امره من مصر فكأنه صار في حكم من مات
وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه لانه عاش بعد خروجه من مصر نيفا وثلاثين سنة
ولجلالة شأنه جعل اهل مصر سنة خروجه منها تاريخا لاخبارهم ووقائعهم ومواليدهم الى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب اعني سنة 1220 فيقولون جرى كذا سنة خروج عثمان بك وولدت سنة خروج عثمان بك او بعده بكذا سنة او شهر
هو تابع الامير ذي الفقار تابع عمر اغا تقلد الامارة والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور استاذه من اختفائه وخروج محمد بك جركس من مصر فتقلد الامارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا الى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فاخبرهم العرب انه ذهب من خلف الجبل الاخضر الى درنة
فعاد بالعسكر الى مصر وتقلد عدة مناصب وكشوفيات الاقاليم في حياة استاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين واربعين خرج اليه بالعسكر وجرى ما تقدم ذكره من الحروب والانهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش ولما قتل سيده

بيد خليل آغا وسليمان ابي دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم ارسلوا اليه وحضر من التجريدة وجلس ببيت استاذه وتقلد خشداشة على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل براسه علي قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على امير منهم احضروه الى محمد باشا فيرسله الى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى افنوا الطائفة القاسمية قتلا وطردا وتشتتوا في البلاد واختفوا في النواحي والتجأ الكثير منهم الى اكابر الهوارة ببلاد الصعيد ومنهم من فر الى بلاد الشام والروم ولم يعد الى مصر حتى مات ومات خشداشه علي بك بولاية جرجا سنة ثمان واربعين فقلد عوضه مملوكه حسن الصنجقية
ولما حصلت كائنة قتل الامراء الاحد عشر ببيت الدفتردار وكان المترجم حاضرا في ذلك المجلس واصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخرج من باب البركة وسار الى باب الينكجرية واجتمع اليه الاعيان من الاختيارية والجاويشية واحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلدوه إمارة أبيه وضموا إليهم باب العزب وعملوا متاريس وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم وتفرقوا واختفوا كما تقدم وعزلوا الباشا
وظهر امر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت اليه رياسة مصر وقلد امراء من اشراقاته وحضر اليه مرسوم من الدولة بالامارة على الحج فطلع بالحج سنة احدى وخمسين ورجع سنة اثنتين وخمسين في امن وامان وسخاء ورخاء
ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علي كتخدا الجلفي تعصب المترجم ايضا لطلب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد اتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضا عن استاذه واحاط باحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ ابراهيم كما تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله اميرا على الحج وسافر به سنة ثلاث وخمسين

ورجع سنة اربع وخمسين في امن وامان وطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة اربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين
ثم ورد امر للمترجم بامارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا
وفي تلك السنة عمل المترجم وليمة ليحيى باشا في بيته وحضر اليه وقدم له تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بان الباشا نزل الى بيت احد من الامراء وانما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصر مثل قصر العيني او المقياس
وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في امن وامان وانتهت اليه الرياسة وشمخ على امراء مصر ونفذ احكامه عليهم قهرا عنهم وعمل في بيته دواوين لحكومات العامة وانصاف المظلوم من الظالم وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصا ولا يجري احكامه الا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر امور الحسبة بنفسه
وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقارء ومنع المحتسب من اخذ الرشوات وهجج الشهود من المحاكم
وكان يرسل الخاصكية اتباعه في التعايين حتى على الامراء ولم يعهد عليه انه صادر احدا في ماله واخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الاغنياء وارباب الاموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه لشيء من اموالهم
ولما ورد الامر بابطال المرتبات وجعلوا على تنفيذها مصلحة للباشا وغيره افرزوا له قدرا امتنع من قبوله واقتدى به رضوان بك وقال هذا من دموع الفقراء وان حصلت الاجابة كانت مظلمة وان لم تحصل كانت مظلمتين
وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب اقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب وامنت الطرق والسبل البرية والبحرية في ايامه وله حسن تدبير في الامور طاهر الذيل شديد االغيرة
ولم يأت بعد اسمعيل بك ابن ايواظ في امراء مصر من يشابهه او

يدانيه لولا ما كان فيه من حدة الطبيعة اذ قال كلاما او عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس الا ارباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد احمد النخال والشيخ عبد الله الادكاوي والشيخ يوسف الدلجي وسيدي مكي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها له بخطة التعليق الحسن في خمسين جزأ لطافا كل مقامة على حدتها والف لاجله مناسك الحج المشهورة في جزء لطيف وبالجملة فكان المترجم من خيار الامراء لولا ما كان فيه من الحدة حتى استوحشوا منه وحضر اليه يوما على باشجاويش اختيار مستحفظان الدرندلي في قبضة فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه واراد ان يضربه وغير ذلك

السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر
مبدأ ذلك تغير خاطره من ابراهيم جاويش وتغير خاطر ابراهيم جاويش منه لامور وحقد باطني لا تخلو عنه الرياسة والامارة في الممالك
والثاني ان علي كاشف له حصة بناحية طحطا وباقي الحصة تعلق عبد الرحمن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فاجرها لعثمان بك ونزل علي كاشف فيها على حصته وحصة مخدومه فحضر اليه رجل واغراه على قتل حماد شيخ البلد وياخذ من اولاده مائة جنزرلي وحصانا ويعمل واحدا منهم شيخا عوضا عن ابيه ففعل ذلك ووعده الى ان يذهب منهم شخص الى مصر ويأتي بالدراهم من الامين وضمنهم الذي كان السبب في قتل ابيهم فحضر شخص منهم الى مصر وطلب من الامين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فاخذه واتى به الى ابراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف باغراء سالم شيخ البلد وانه ضمنهم ايضا في المائة جنزرلي وقد اتى في غرضين تمنع عنه علي كاشف وتخلص ثاره من سالم
فركب ابراهيم جاويش واتى بيت عبد الرحمن جاويش وصحبته الولد فقص

عليه القصة وفمهما ثم انهم ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي فسلموا وجلسوا فقال ابراهيم جاويش نحن قد اتينا في سؤال قال الصنجق خير
فذكر القصة ثم قال له ارسل اعزل علي كاشف وارسل خلافه
فقال الصنجق صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح اني اعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود
وتراددوا في الكلام الى ان احتد الصنجق وقال ابراهيم جاويش انت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وانا استأجرت الحصة
فقال له الصنجق انزل اعمل كاشفا فيها على سبيل الهزل
فقام ابراهيم جاويش منتورا وقام صحبته عبد الرحمن جاويش وذهبوا الى بيت عمر بك فوجدوا عنده خليل اغا قطامش واحمد كتخدا البركاوي صنجق ستة فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال احمد كتخدا عزبان الجمل والجمال حاضران اكتب ايجار حصة اخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبها فرمانا بالتصرف في الناحية فاحضروا واحدا شاهدا وكتبوا الايجار
وبلغ الخبر عثمان بك فارسل كتخداه الى الباشا يقول لا تعط فرمانا بالتصرف في ناحية طحطا لابراهيم جاويش فلما خرجت الحجة ارسلها للباشا صحبة باشجاويش فامتنع الباشا من اعطاء الفرمان فقامت نفس ابراهيم جاويش من عثمان بك وعزم على غدره وقتله
ودار على الصناجق والوجاقلية وجمع عنده انفارا فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وارسل ابراهيم جاويش ابن حماد وقال له لما تطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهور الخيل ولما يأتيكم سالم اقتلوه واخرجوا من البلد حتى ينزل كاشف من طرفي ارسل لكم ورقة امان ارجعوا وعمروا
فنزل الولد وفعل ما قاله له الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم احدا وارسل ابراهيم جاويش كاشفا من طرفه

بطائفة ومدافع ونقارية وورقة امان لاولاد حماد
واستمر علي كتخدا يسعى حتى اصلح بين الصنجق والجاويش والذي في القلب في القلب كما قيل ... ان القلوب اذا تنافر ودها ... مثل الزجاج كسرها لا يجبر ...
ولما اخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر الى مصر قبل نزول الكاشف الجديد وكانت هذه القضية اوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتردار وقتل الامراء
واما النفرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط وهو ان شيخ العرب همام رهن عند ابراهيم جاويش ناحية برديس تحت مبلغ معلوم لاجل معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعاد فارسل همام الى المترجم يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لابراهيم جاويش فاخبر عثمان بك الباشا وقال له هوارة قبلي راهنون عند ابراهيم جاويش بلدا وارسلوا يقولون ان اوقع فيها فراغه وارسل لها كاشفا قتلناه وقطعنا الجالب فانتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فانهم يوقفون المال والغلال
فلم يتمكن ابراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه وطالت الايام وعثمان بك مستمر على عناده وابراهيم جاويش يتواقع على الامراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه باشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات ونحو ذلك الى ان ضاق خناق ابراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وانجمعوا على رضوان كتخدا وكان انفصل من كتخدائية الباب فقالوا له اما ان تكون معنا واما ان ترفع يدك من عثمان بك
فلم يطاوع وقال هذا لا يكون وكيف اني افوت انسانا بذل مجهوده في تخليص ثارنا من اخصامنا ولولا هو لم يبق منا انسان
وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصا بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع امر بمصر الا بيدهم ومعونتهم
فلما ايسوا منه قالوا له اذا كان

كذلك فانت سياق عليه في قضية اخينا ابراهيم جاويش فوعدهم بذلك وذهب الى عثمان بك وكلمه في خصوص ذلك
فقال هذا شيء لا يكون ولا يفرحون به فألح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له اترك هذا الكلام واشار الى وجهة بالمذبة فانجرح انفه فاخذ في نفسه رضوان كتخدا واغتم وقال له حيث انك لم تقبل شفاعتي دونك واياهم ولا ادخل بينك وبينهم
وركب الى بيته وارسل الى ابراهيم جاويش عرفه بذلك فركب في الوقت واخذ صحبته حسن جاويش النجدلي وذهبوا الى عمر بك فوجدوا عنده خليل بك ومحمد بك صنجق ستة فاجمعوا امرهم واتفقوا على الركوب على عثمان بك يوم الخميس على حين غفلة وهو طالع الى الديوان فاكمنوا له في الطريق فلما ركب في صبح يوم الخميس وصحبته اسمعيل بك ابو قلنج خرج عليه خليل بك ومن معه وهجم على عثمان بك شخص وضربه بالسيف في وجهه فزاغ عنه ولم يصب الا طرف انفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة الى بيت مناو وراس الخيمية وخاف من رجوعه على بيت ابراهيم جاويش ومر على قصبة رضوان على حمام الوالي وهرب ابو قلنج الى بيت نقيب الاشراف
وبلغ الخبر عبد الله كتخدا فركب في الحال ليتدارك القضية ويمنعه من الركوب فوجده قد ركب ولاقاه عند حمام الوالي فرجع صحبته الى البيت واذا بابراهيم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافرة واحاطوا بالجهات وهجموا على بيوت اتباعه واشراقاته واوقعوا فيها النهب واحرقوها بالنار وركبوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة وأخذوا ينقبون عليه البيت
فلما رأى ذلك الحال امر بشد الهجن وركب وخرج من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه الا بعض نقود مع اعيان المماليك وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من باب الحديد وذهب الى بولاق

ونزل في جامع الشيخ ابي العلا ولم يذهب احد خلفه بل غم امره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر الى بيته ونهبوه وسبوا الحريم والجواري واخرجوا منه ما يجل عن الوصف واغتنى كثير من السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارا واكابر ولم يزالوا في النهب حتى قلعوا الرخام والاخشاب واوقدوا النار
وحضر اغات الينكجرية اواخر النهار واخرج العالم وقفل الباب واعطى المفتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار وأقامت النار وهم يطفئونها يومين وكان امرا شنيعا
واما عثمان بك فانه لما نزل بمسجد ابي العلا وصحبته عبد الله كتخدا اقاما الى بعد الغروب فارسل عبد الله كتخدا الى داره فاحضر خياما وفراشا وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا الى جهة قبلي من ناحية الشرق فلم يزالا الى ان وصلا الى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا واجتمعت عليه طوائف القاسمية الهاربين الكائنين بشرق اولاد يحيى وغيرهم
واما ما كان من ابراهيم جاويش القازدغلي فانه جعل مملوكه عثمان اغات متفرقة وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه اسمعيل اغات عزب وشرعوا في تشهيل تجريدة وجعلوا خليل بك قطامش امير العسكر
ووعدوه بولاية جرجا اذا قبض على عثمان بك
فجهزوا انفسهم وجمعوا الاسباهية وسافروا الى ان قربوا من ناحية اسيوط فارسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعوا واخبروا انهم نحو خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان وبشير كاشف وطوائفهم فاشاروا على عثمان بك بالهجوم على خليل بك ومن معه فلم يرض وقال المتعدي مغلوب
ثم انهم ارسلوا الى ابراهيم جاويش يطلبون منه تقوية فانهم في عزوة كبيرة فشرع في تجهيز نفسه واخذ صحبته علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل اتباعهم وانفارهم وسافروا الى ان وصلوا عند خليل بك
ووصل الخبر الى عثمان بك فتفكر في نفسه ساعة ثم قال لعبد الله

كتخدا القازدغلي انتم لم تفوتوا بعضكم
واشار عليه بان يطلع الى عند السردار وطلع عند السردار وعدى عثمان بك ومن معه وانعم على القاسمية الواصلين اليه ورجعوا الى اماكنهم
وسار هو من جهة الشرق الى السويس ثم ذهب الى الطور فاقام عند عرب الطور مدة اياما
ووصل ابراهيم جاويش ومن معه الى اسيوط فوجدوه قد ارتحل وحضر اليهم السردار فاخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده فارسل اليه علي جاويش الطويل فاحضره الى ابراهيم جاويش وعاتبه وارتحل في ثاني يوم خوفا من دخول عثمان بك الى مصر
ولما وصل ابراهيم جاويش الى مصر اتفقوا على نفي عبد الله كتخدا الى دمياط فسافر اليها بكامل اتباعه ثم هرب الى الشام وتوفي هناك ورجعت اتباعه الى مصر بعد وفاته
ولما وصل عثمان بك الى السويس ارسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشف بطوائفهم وانهم اخذوا من البندر سمنا وعسلا وجبنا ودقيقا وذهبوا الى الطور فعملوا جمعية في بيت ابراهيم بك قطامش واتفقوا على ارسال صنجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما اغات بلوك واسباهية وكتخدا ابراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا الى الباشا فخلع عليهم قفاطين وجهزوا انفسهم واخذوا مدفعين وجبخانة وساروا
ووصل الخبر الى عثمان بك فخاف على العرب وركب بمن معه واتى قرب اجرود فتلاقى معهم هناك ووقعت بينهم معركة ابلى فيها علي بك وسليمان بك وبشير كاشف وقتل كتخدا ابراهيم بك وكان عثمان بك نازلا بعيدا عن المعركة فارسل اليهم وامرهم بالرجوع وارتحل الى الطور
واما التجريدة فانهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها مصر وكان عثمان بك ارسل مكاتبة سرا الى محمد افندي كاتبه التركي يطلبه ان يأتيه الى الطور فحضر محمد افندي المذكور الى ابراهيم جاويش الذي احضر رجلا بدويا طوريا

وسلمه له فاركبه هجينا وسار به الى الطور فلما وصل اليه واجتمع به زين له الذهاب الى اسلامبول وحسن له ذلك وانه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الامور امور
فوافق على ذلك وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمد افندي ومعهم جماعة عرب اوصلوهم الى الشام ومنها ذهب الى اسلامبول ودخل علي بك وسليمان بك وبشير اغا الى مصر وبعد مدة ظهر بشير اغا فارسله ابراهيم جاويش قائمقام على امانة في الصعيد
ولما وصل المترجم الى اسلامبول وقابل رجال االدولة اكرموه وانزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمة وعينوا له كفايته من كل شيء
واجتمع بالسلطان وسأله عن احوال مصر فاخبره فقال له من جملة الكلام وما صنعت مع اخوانك حتى تعصبوا عليك واخرجوك قال لكوني اقول الحق واقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على الفي كيس ومن وسايا البلاد والخيار الشنبر الف كيس وحلوان بلادي الف كيس
فامر بكتابة مرسوم وطلب اربعة آلاف كيس وعينوا بذلك قابجي باشا ويكرمي سكزجلبي الذي كان الجي في بلاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى مصر في ايام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشي وذلك اواخر سنة سبع وخمسين
فلما قرىء ذلك المرسوم قالوا في الجواب اما البيت فقد نهبته العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته اتباعه وخدمه والعرب والفلاحون واما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقال لهم يكرمي سكزجلبي حرروا ثمن البلاد والخيار الشنبر واخصموا منه ما عليه وما بقي اكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجي باشا ويرجع لكم بالجواب
ففعلوا ذلك وذهب قابجي باشا وصحبته اسمعيل بك ابو قلتج بخزينة سنة ست وخمسين ولما عرض قابجي باشا

العرض بحضرة عثمان بك قال ليس في جهتي هذا القدر ولكن ارسلوا يطلب الرزنامجي واحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وارسلوه صحبة جوخدار معين خطابا الى محمد باشا ويكرمي سكن جلبي وذكروا فيه ان يكرمي سكزجلبي يحضر بثلث الحلوان بولصة
فلما وصل الجوخدار جمع الباشا الصناجق والاغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم
فقالوا في الجواب ان من يوم هروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب واما الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا يمكنه النقص ولا الزيادة لان حساب المبري محرر في المقاطعات والحال ان ابن السكري كان ممن نافق على استاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه ابراهيم جاويش عنده وجعله كتخدا وبعد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو احمد بك السكري استاذ يحيى كاشف استاذ علي كتخدا الموجود الان الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها اشتهر
ثم انهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا ثم اعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية
ثم انهم ارسلوا عثمان بك الى برصا فأقام بها مدة سنين ثم رجع الى اسلامبول واستمر بها الى ان مات في حدود سنة 1190
واما يوسف وجيش فالتجأ الى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي ولما سافر عثمان بك من اجرود الى الشام وارتاحوا من قبله قلد ابراهيم جاويش عثمان اغات تابعه المتفرقة وجعله صنجقا وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي وهو اول امرائه وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه اسمعيل اغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي
وتقلد امارة الحج سنة 1156 ابراهيم بك بلغيه ورجع مريضا في تختروان سنة 1157
وترك المترجم

بمصر ولدين عاشا لحاهما وبنتا تزوج بها بعض الامراء واتفق انه سافر الى اسلامبول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقدر أحد على ذكره له مطلقا لشدة غيرته وحدة طبيعته وفي اواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان
فاذا استوى راكبا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته
ومات مصطفى بك الدفتردار من اشراقات عثمان بك وذلك انه سافر أميرا على العسكر الموجه الى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155
ومات ايضا اسمعيل بك ابو قلنج وكان سافر ايضا بالخزينة عن سنة 1156 ومات باسلامبول ودفن هناك
ومات الامير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الامارة والصنجقية سنة 1149 في رجب بعد واقعة بيت محمد بك الدفتردار ولما قتل والده علي بك مع استاذ محمد بك اجتمع الامراء والاختيارية بباب الينكجرية وأحضروا المترجم وطلعوا به الى الباشا وقلدوه الامارة ليأخذ بثار أبيه وجرى ما جرى على اخصامهم
وظهر شأن المترجم ونما امره واشتهر صيته وتقلد امارة الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معه بالديوان سنة 1160 فخرج المترجم هاربا من مصر الى الصعيد ثم ذهب الى الحجاز ومات هناك
ومات علي بك الدمياطي ومحمد بك قتلا في اليوم الذي قتل فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولاية محمد باشا راغب كما تقدم ومحمد بك المذكور من القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة الى عمر بك ابن علي بك المذكور فقلده الصنجقية وسافر بالخزينة عوضا عنه سنة سبع وخمسين ومائة وألف

ومات ابو مناخير فضة وذلك انه كان ببيت استاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه و سلم وكان جعله باش نفر عنده فأقام يتفرج الى نصف الليل وأراد الذهاب الى بيته فركب حماره وسار وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الامير حسين واذا بجماعة من اتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا انه مات فتركوه ثم رجعوا اليه بعد ساعة فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو من الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهم طائفة وشالوه ودفنوه في صحبها
وأرسل رضوان كتحدا فعزل الاوده باشة وولى خلافه وذلك في اواخر قبل واقعة الدمايطة
ومات علي كاشف قرقرش وهو من اتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الاوده باشه الذي كمل قتل ابي مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلس عند قنطرة سنقر واذا بانسان جائز بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه ابراهيم جاويش فأمر الوالي بقتله
فقتله والله أعلم بالحقائق

في ذكر حوادث مصر وتراجم اعيانها وولاتها
من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة والف الى اواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة والف وذلك بحسب التيسير والامكان ومالا يدرك كله لا يترك كله
فنقول لما عزل الجناب المكرم حضرة محمد باشا راغب في الواقعة التي خرج فيها حسن بك الخشاب ومحمد بك اباظة ونزل من القلعة

الى بيت دوعزجان تجاه المظفر كما تقدم ثم سافر في اواخر سنة احدى وستين ومائة والف كما تقدم الى ثغر رشيد

ولاية احمد باشا المعروف بكور وزير
ووصل حضرة الجناب الافخم احمد باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه بذلك انه كان بعينه بعض حول فطلع الى ثغر سكندرية ووصلت السعاة ببشائر قدومه فنزلت اليه الملاقاة وارباب العكاكيز واصحاب الخدم مثل كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وكاتب الحوالة وغيرهم وكان الكاشف بالبحيرة اذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هناك
فأرسل عمر بك لكتخداه حسن أغا المذكور عوضا عن مخدومه المتوفى حتى تتم السنة وخرج عمر بك من مصر واستمر المذكور بالبحيرة الى ان احضر احمد باشا المذكور الى اسكندرية فحضر اليه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركوب أغواته واتباعه والجمال لحمل اثقاله وقدم له تقادم وعمل له السماط بالمعدية حكم المعتاد وعرفه بحاله ووفاة استاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا صنجقية استاذه واعطاه بلاده من غير حلوان وذلك قبل وصول الملاقاة
ووصل خبر ذلك الى مصر فارسل المتكلمون الى كتخدا الجاويشية يقولون له ان المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك فاغتاظ فسكتوا ووصل الى رشيد واجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر فيها احمد باشا وحضر الى مصر وطلع بالموكب المعتاد الى القلعة في غرة المحرم سنة 1162 وضربوا له المدافع والشنك من ابراج الينكجرية وعمل الديوان وخلع الخلع على الامراء والاعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصؤ وأمارتها الى ابراهيم جاويش ورضوان كتخدا وقلد ابراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو

الذي عرف بالغزاوي صنجقيا وكذلك حسين أغا وهو الذي عرف بكشكش
وكذلك قلد رضوان كتخدا احمد أغا خازنداره صنجقيا فصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق وهم عثمان وعلي وحسين الابراهيمية واسمعيل واحمد ومحمد الرضوانية
ثم ان ابراهيم جاويش عمل كتخدا الوقت ثلاثة اشهر وانفصل عنها
وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلي من الحجاز وعمل كتخدا الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء المساجد وأبطل الخمامير
وسيأتي تتمة ذلك في ترجمته سنة وفاته
واقام احمد باشا في ولاية مصر الى عاشر شوال سنة 1163 وكان من ارباب الفضائل وله رغبة في العلوم الرياضية
ولما وصل الى مصر واستقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الازهر ةوالشيخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه العلوم فتعجب وسكت
وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة بجامع السراية ويطلع في كل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة وربما تغدى معه ثم يخرج الى المسجد ويأتي الى الباشا في خواصه فيخطب الشيخ ويدعو للسلطان وللباشا ويصلي بهم ويرجع الباشا الى مجلسه وينزل الشيخ الى داره
فطلع الشيخ على عادته في يوم الجمعة واستأذن ودخل عند الباشا يحادثه فقال له الباشا المسموع عندنا بالديار الرومية ان مصر منبع الفضائل والعلوم وكنت في غاية الشوق الى المجيء اليها فلما جئتها وجدتها كما قيل تسمع بالمعيدي خير من ان تراه
فقال له الشيخ هي يا مولانا كما سمعتم معدن العلوم والمعارف فقال وأين هي وأنتم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم اجد عندكم منها شيئا وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد
فقال

له نحن لسنا أعظم علمائها وانما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند ارباب الدولة والحكام وغالب اهل الازهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية الا بقدر الحاجة الموصلة الى علم الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار
فقال له وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هو من شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت واستقبال القبلة وأوقات الصوم والاهلة وغير ذلك
فقال نعم معرفة ذلك من فروض الكفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج الى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والامور العطاردية واهل الازهر بخلاف ذلك غالبهم فقراء واخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك
فقال وأين البعض فقال موجودون في بيوتهم يسعى اليهم
ثم أخبره عن الشيخ الوالد وعرفه عنه وأطنب في ذكره فقال التمس منكم ارساله عندي
فقال يا مولانا انه عظيم القدر وليس هو تحت امري
فقال وكيف الطريق الى حضوره
قال تكتبون له ارسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع
ففعل ذلك وطلع اليه ولبى دعوته وسر برؤياه واغتبط به كثيرا
وكان يتردد اليه يومين في الجمعة وهما السبت والاربعاء وأدرك منه مأموله وواصله بالبر والاكرام الزائد الكثير ولازم المطالعة عليه مدة ولايته
وكان يقول لو لم أغنم من مصر الا اجتماعي بهذا الاستاذ لكفاني
ومما اتفق له لما طالع ربع الدستور واتقنه طالع بعده وسيلة الطلاب في استخراج الاعمال بالحساب وهو مؤلف دقيق للعلامة المارديني فكان الباشا يختلي بنفسه ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده مطابقا
فاتفق له عدم المطابقة في مسألة من المسائل فاشتغل ذهنه وتحير فكره الى ان حضر اليه الاستاذ في الميعاد فاطلعه على ذلك وعن السبب

في عدم المطابقة فكشف له علة ذلك بديها
فلما انجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحا وحلف ان يقبل يده ثم احضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار ثم اشتغل عليه برسم المزاول والمنحرفات حتى اتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات على الواح كبيرة من الرخام صناعة وحفرا بالازمير كتابة ورسما

ولاية عبد الله باشا
وصل الخبر بولاية الشريف عبد الله باشا ووصل الى اسكندرية ونزل احمد باشا الى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة للباشا الجديد ثم وصل الى مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلع الى القلعة فأقام في ولاية مصر الى سنة 1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل الى القصر بقبة العزب وهاداه الامراء ثم سافر الى منصبه
ووصل محمد باشا امين فطلع الى القلعة وهو منحرف المزاج فأقام في الولاية نحو شهرين وتوفي في خامس شهر شوال سنة 1166 ودفن بجوار قبة الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه
قصد نصارى القبط الحج الى بيت المقدس
وفي هذا التاريخ احضر بطرك الاروام مرسوما سلطانيا بمنع طائفة النصارى الشوام من دخولهم كنائس الافرنج وان دخلوا فانهم يدفعون للدولة الف كيس
فارسل ابراهيم كتخدا فأخذ اربعة قسوس من دير الافرنج وحبسهم وأخذ منهم مبلغا عظيما من المال
واستمر نصارى الشوام يدخلون كنائس الافرنج ولعلها من تحيلات ابراهيم كتخدا
ومن الحوادث ايضا في نحو هذا التاريخ ان نصارى الاقباط قصدوا الحج الى بيت المقدس وكان كبيرهم اذ ذاك نوروز كاتب رضوان كتخدا فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هدية والف دينار

فكتب له فتوى وجوابا ملخصه ان أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم
فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل أغراضهم وخرجوا في هيئة وابهة واحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم واولادهم ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيا عند قبة العزب واحضروا العربان ليسيروا في خفارتهم واعطوهم اموالا وخلعا وكساوي وانعامات
وشاع امر هذه القضية في البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبدالله الشبراوي الى بيت الشيخ البكري كعادته وكان علي افندي اخو سيدي بكري متمرضا فدخل اليه بعوده فقال له اي شيء هذا الحال يا شيخ الاسلام على سبيل التبكيت كيف ترضى وتفتي النصارى وتأذن لهم بهذه الافعال لكونهم رشوك وهادوك
فقال لم يكن ذلك
قال بل رشوك بالف دينار وهدية وعلى هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بازيد من ذلك ويصنعون لهم محملا ويقال حج النصارى وحج المسلمين وتصير سنة عليك وزرها الى يوم القيامة
فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظا وأذن للعامة في الخروج عليهم ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الازهر فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق ونهبوا ما معهم وجرسوهم ونهبوا ايضا الكنيسة القريبة من دمرداش وانعكس النصارى في هذه الحادثة عكسة بليغة وراحت عليهم وذهب ما صرفوه وانفقوه في الهباء

ولاية مصطفى باشا وعزله وولاية علي باشا اوغلي الثانية
وحضر مصطفى باشا وطلع الى القلعة ثالث عشر ربيع الاول 1167 واستمر واليا على مصر الى ان ورد الخبر بعزله في اوائل شهر ربيع الاول سنة 1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم اوغلي وهي ولايته الثانية
وطلع الى سكندرية ونزلت اليه الملاقاة وارباب المناصب

والعكاكيز
ثم حضر الى مصر وطلع الى القلعة يوم الاثنين غرة شهر جمادى الاولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته المعهودة وسلك طريقته المشكورة المحمودة فاحيا مكارم الاخلاق وادر على رعيته الارزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا له طبعا وصدر رحب لا يضيق بنازله ذرعا
واستمر في ولاية مصر الى شهر رجب سنة 1171

ذكر من مات في هذه الاعوام من العلماء والاعيان
مات الامام العلامة شيخ المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الازهري وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة منها انه كان ينفق من الغيب لانه لم يكن له ايراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من احد شيئا وينفق انفاق من لا يخشى الفقر واذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم الذهب والفضة واذا دخل الحمام دفع الاجرة عن كل من فيه
توفي سنة 1164
ومات الشيخ الامام الفقيه المحدث المسند محمد بن احمد بن يحيى بن حجازي العشماوي الشافعي الازهري تفقه على الشيخ عبده الديوي والشهاب احمد بن عمر الديربي وسمع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن تلميذه الشهاب احمد بن عبد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الاسناد واخذ عنه غالب فضلاء العصر
توفي يوم الاربعاء ثاني عشري جمادى الاولى سنة 1167 ودفن بتربة المجاورين
ومات الشيخ الامام العلامة سالم بن محمد النفراوي المالكي الازهري المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة احمد النفراوي الفقه واخذ الحديث عن الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته بالازبكية والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورا بمعرفة فروع المذهب واستحضار الفروع الفقهية
وكانت حلقة درسه اعظم الحلق

وعليه مهابة وجلالة
توفي يوم الخميس سادس عشر من شهر صفر سنة 1168
ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن عمر بن الولي العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي احد الصدور المشار اليهم ولد سنة 1087 بالنقيطة احدى قرى المنصورة وقدم الازهر فأخذ عن شيوخ المذهب كشاهين الارمناوي وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالي وابي الحسن علي بن محمد العقدي وعمر الزهري وعثمان النحريري وقائد الابياري شارح الكنز فاتقن الاصول ومهر في الفروع ودارت عليه مشيخة الحنفية ورغب الناس في فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة مقبول الشفاعة
توفي سنة 1169
ومات الشيخ الامام الفاضل الصالح الشاعر الاديب عمر بن محمد بن عبد الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان قرأ على أفاضل عصره وتكمل في الفنون والقى دروسا بالازهر
توفي في رجب سنة 1167
ومات الاجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو استاذ الامراء المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسون الى القازدغلية
وكان متمولا ذا ثروة عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من قرية من قرى المنوفية يقال لها الراهب
وكان خادما لبعض اولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهن ولده عند الملتزم وهو علي كتخدا الجلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران فاقاما ببيت علي كتخدا حتى غلق أبوه ما عليه من المال واستلم ابنه ليرجع به الى بلده فامتنع صالح وألف المقام ببيت الملتزم واستمر به يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيها خفيف الروح والحركة
ولم يزل يتنقل في الاطوار حتى صار من ارباب الاموال واشترى المماليك والعبيد والجواري ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والايراد

ويدخلهم في الوجاقات والبلكات بالمصانعات والرشوات لارباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب الجليلة كتخدا آت واختيارية وأمراء طبلخانات وجاويشية وأوده باشية وغير ذلك حتى صار من مماليكه ومماليكهم من يركب في العذارات فقط نحو المائة وصار لهم بيوت واتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافذة وعزوة كبيرة
وكان يركب حمارا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه ومات في سن السبعين ولم يبق في فمه سن وكان يقال له صالح جلبي والحاج صالح وبالجملة فكان من نوادر الزمن وكان يقرض ابراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر وكذلك غيرهم ويخرج الاموال بالربا والزيادة وبذلك امحقت دولتهم وزالت نعمهم في أقرب وقت وآل امرهم الى البوارهم واولادهم وبواقيهم لذهاب ما في ايديهم وصاروا اتباعا واعوانا للامراء المتأخرين
ومات الامير ابراهيم كتخدا تابع سليمان كتخدا القازدغلي وسليمان هذا تابع مصطفى كتخدا الكبير القازدغلي وخشداش حسن جاويش استاذ عثمان كتخدا والد عبد الرحمن كتخدا المشهور لبس الضلمة في سنة 1148 وعمل جاويشا وطلع سردار قطار في الحج في امارة عثمان بك ذي الفقار سنة 1153
وفي تلك السنة استوحش منه عثمان بك باطنا لانه كان شديد المراس قوي الشكيمة وبعد رجوعه من الحج في سنة 1152 نما ذكره وانتشر صيته ولم يزل من حينئذ ينمو أمره وتزيد صولته وتنفذ كلمته وكان ذا دهاء ومكر وتحيل ولين وقسوة وسماحة وسعة صدر وتؤدة وحزم واقدام ونظر في العواقب
ولم يزل يدبر على عثمان بك وضم اليه كتخداه احمد السكري ورضوان كتخدا الجلفي وخليل بك قطامش وعمر بك بسبب منافسة معه على بلاد هوارة كما تقدم حتى أوقع به على حين غفلة وخرج عثمان بك من مصر على الصورة المتقدمة

فعند ذلك عظم شأنه وزادت سطوته واستكثر من شراء المماليك وقلد عثمان مملوكه الذي كان اغات متفرقة صنجقا وهو اول صناجقه وهو الذي عرف بالجرجاوي
ولما قتل خليل بك قطامش وعمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك في ايام راغب باشا بمغامرة حسين بك الخشاب ثم حصلت ايضا كائنة الخشاب وخروجه ومن معه من مصر وزالت دولة القطامشة والدمايطة والخشابية وعزلوا راغب باشا في اثناء ذلك كما تقدم فعند ذلك انتهت رئاسة مصر وسيادتها للمترجم وقسيمه رضوان كتخدا الجلفي ونفذت كلمتهما وعلت سطوتهما على باقي الامراء والاختيارية الموجودين بمصر وتقلد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة اشهر ثم انفصل عنها
وذلك كما يقال لاجل حرمة الوجاق وقلد مملوكية عليا وحسينا صنجقين وكذلك رضوان كتخدا كما سبق وصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق
واشتعل المترجم بالاحكام وقبض الاموال الميرية وصرفها في جهاتها وكذلك العلوفات وغلال الانبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة وقسيمة رضوان كتخدا مشتغل بلذاته ومنهمك على خلاعاته ولا يتداخل في شيء مما ذكر والمترجم يرسل له الاموال ويوالي بر الجميع ويراعي خواطرهم وينفذ اغراضهم وعبد الرحمن كتخدا مشتغل بالعمائر وفعل الخيرات وبناء المساجد
واستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الامريات والمناصب وقلد امارة الحج لمملوكه علي بك الكبير وطلع بالحج ورجع سنة 1167
وفي تلك السنة نزل على الحجاج سيل عظيم بمنزلة ظهر حمار فأخذ معظم الحجاج بجمالهم واحمالهم الى البحر ولم يرجع من الحجاج الا القليل
ومما يحكى عنه انه رأى في منامه ان يديه مملوءتان عقارب فقصها على الشيخ الشبراوي فقال هؤلاء مماليك يكونون مثل العقارب ويسري شرهم وفسادهم لجميع الناس
فان العقرب لدغت النبي صلى

الله عليه وسلم في الصلاة فقال صلى الله عليه و سلم لعن الله العقرب لا تدع نبيا ولا غيره الا لدغته وكذا يكون مماليكك
وكان الامر كذلك وليس للمرتجم مآثر أخروية ولا افعال خيرية يدخرها ميعاده ويخفف عنه بها ظلم خلقه وعباده بل كان معظم اجتهاده الحرص على الرياسة والامارة وعمر داره التي بخط قوصون بجوار دار رضوان كتخدا والدار التي بباب الخرق وهي دار زوجته بنت البارودي والقصر المنسوب اليها أيضا بمصر القديمة
والقصرالذي عند سبيل قيماز بالعادلية وزوج الكثير من مماليكه نساء الامراء الذين ماتوا وقتلوا وأسكنهم في بيوتهم وعمل وليمة لمصفي باشا وعزمه في بيته بحارة قوصون في سنة 1166 وقدم له تقادم وهدايا وادرك المترجم من العز والعظمة ونفاذ الكلمة وحسن السياسة واستقرار الامور ما لم يدركه غيره بمصر ولم يزل في سيادته حتى مات على فرشه في شهر صفر سنة 1168
ومات بعده رضوان كتخدا الجلفي وهو مملوك علي كتخدا الجلفي تقلد كتخدائية باب عزبان بعد قتل استاذه بعناية عثمان بك ذي الفقار كما تقدم ولم يزل يراعي لعثمان بك حقه وجميلة حتى اوقع بينهما ابراهيم كتخدا كما تقدم
ولما استقرت الامور له ولقسيمه ترك له الرياسة في الاحكام واعتكف المترجم على لذاته وفسوقه وخلاعاته ونزهاته وانشأ عدة قصور واماكن بالغ في زخرفتها وتأنيقها وخصوصا داره التي انشأها على بركة الازبكية واصلها بيت الدادة الشرايبي وهي التي على بابها العامودان الملتفان المعروفة عند اولاد البلد بثلاثة وليه وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة منقوشة بالذهب المحلول واللازورد والزجاج الملون والالوان المفرحة والصنائع الدقيقة ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة بحيث جعلها بركة عظيمة وبنى عليها قصرا مطلا عليها وعلى الخليج الناصري من الجهة الاخرى
وكذلك

انشأ في صدر البركة مجلسا خارجا بعضه على عدة قناطر لطيفة وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية وبوسطه بحيرة تمتلىء بالماء من اعلى ويصب منها الى حوض من اسفل ويجري الى البستان لسقي الاشجار
وبنى قصرا آخر بداخل البستان مطلا على الخليج وعلى الاعلاق من ظاهره
فكان يتنقل في تلك القصور وخصوصا في ايام النيل ويتجاهر بالمعاصي والراح والوجوه الملاح وتبرج النساء ومخاليع اولاد البلد
وخرجوا عن الحد في تلك الايام ومنع اصحاب الشرطة من التعرض للناس في افاعيلهم
فكانت مصر في تلك الايام مراتع غزلان ومواطن حور وولدان كأنما اهلها خلصوا من الحساب ورفع عنهم التكليف والخطاب
وهو الذي عمر باب القلعة الذي بالرميلة المعروف بباب العزب وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الآن
وقصدته الشعراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيح واعطاهم الجوائز السنية وداعب بعضهم بعضا فكان يغري هذا بهذا ويضحك منهم ويباسطهم واتخذ له جلساء وندماء منهم الشيخ علي جبريل والسيد سليمان والسيد حمودة السديدي والشيخ معروف والشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي صاحب المدامة الارجوانية في المدائح الرضوانية ومحمد افندي المدني
وامتدحه العلامة الشيخ يوسف الحفني بقصائد طنانة وللشيخ عمار القروي فيه مدحا في المترجم ومداعبة للسيد حمودة السديدي المحلاوي
ولم يزل رضوان كتخدا وقسيمة على امارة مصر ورئاستها حتى مات ابراهيم كتخدا كما تقدم فتداعى بموته ركن المترجم ورفعت النيام رؤوسها وتحركت حفائظها ونفوسها وظهر شان عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وراج سوق نفاقه واخذ يعضد مماليك ابراهيم كتخدا ويغريهم ويحرضهم على الجلفية لكونهم مواليه
فيخلص له بهم ملك مصر ويظن انهم يراعون حق ولائه وسيادته جده فكان الامر

عليه بخلاف ذلك كما ستراه وهم كذلك يظهرون له الانقياد ويرجعون الى رايه ومشورته ليتم لهم به المراد
وكل من امراء ابراهيم كتخدا متطلع للرياسة ايضا بالبلدة من الاكابر والاختيارية واصحاب الوجاهة مثل حسن كتخدا ابي شنب وعلي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا الشعراوي وقرا حسن كتخدا واسمعيل كتخدا التبانة وعثمان اغا الوكيل وابراهيم كتخدا مناو وعلي اغا توكلي وعمر اغا متفرقة وعمر افندي محرم اختيار جاويشان وخليل جاويش حيضان مصلي وخليل جاويش القازدغلي وبيت الهياتم وابراهيم اغا بن الساعي وبيت درب الشمسي وعمر جاويش الداودية ومصطفى افندي الشريف اختيارية متفرقة وبيت بلغيه وبيت قصبة رضوان وبيت الفلاح وهم كثيرون اختيارية واوده باشيه ومنهم احمد كتخدا واسمعيل كتخدا وعلي كتخدا وذو الفقار جاويش واسمعيل جاويش وغيرهم فأخذ اتباع ابراهيم كتخدا يدبرون في اغتيال رضوان كتخدا وازالته وسعت فيهم عقارب الفتن فتنبه رضوان كتخدا لذلك فاتفق مع اغراضه وملك القلعة ولابواب والمحمودية وجامع السلطان حسن واجمع اليه جمع كثير من امرائه وغيرهم ومن انضم اليهم وكاد يتم له الامر فسعى عبد الرحمن كتخدا ولاختيارية في اجراء الصلح وطلع بعضهم الى رضوان نصحهم لانه كان سليم الصدر ففرق الجمع ونزل الى بيته الذي بقوصون فاغتنموا عند ذلك الفرصة وبيتوا امرهم ليلا وملكوا القلعة والابواب والجهات والمترجم في غفلته آمن في بيته مطمئن من قبلهم ولا يدري ما خبىء له فلم يشعر الا وهم يضربون عليه بالمدافع وكان المزين يحلق له رأسه فسقطت على داره الحلل فأمر بالاستعداد وطلب من يركن اليهم فلم يجد احدا وجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحي فحارب فيهم الى قريب الظهر وخامر عليه اتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل

لبيت الراحة فاصابته في ساقه وهرب مملوكه الى الاخصام وكانوا وعدوه بأمرية ان هو قتل سيده
فلما حضر اليهم وأخبهم بما فعل أمر علي بك بقتله
ثم امر رضوان بك بالخيول وركب في خاصته وخرج من نقب نقبه في ظهر البيت وتألم من الضربة لانها كسرت عظم ساقه فسار الى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة فلم يتبعه احد ونهبوا داره ثم ركب وسار الى جهة الصعيد فمات بشرق اولاد يحيى ودفن هناك
فكانت مدته بعد قسيمه قريبا من ستة اشهر
ولما مات تفرقت صناجقه ومماليكه في البلاد وسافر بعضهم الى الحجاز من ناحية القصير ثم ذهبوا من الحجاز الى بغداد واستوطنوها وتناسلوا وماتوا وانقضت دولتهما
فكانت مدتهما نحو سبع سنوات ومصر في تلك المدة هادية من الفتن والشرور والاقليم البحري والقبلي امن وامان والاسعار رخية والاحوال مرضية واللحم الضاني المجروم من عظمه رطله بنصفين والجاموسي بنصف والسمن البقري عشرته باربعين نصف فضة اللبن الحليب عشرته باربعة انصاف والرطل الصابون بخمسة انصاف والسكر المنعاد كذلك والمكرر قنطاره بالف نصف والعسل القطر قنطاره بمائة وعشرين نصفا واقل والرطل البن القهوة باثني عشر نصفا والتمر يجلب من الصعيد في المراكب الكبار ويصب على ساحل بولاق مثل عرم الغلال ويباع بالكيل والارداب والارز اردبه باربعمائة نصف والعسل النحل قنطاره بخمسمائة نصف وشمع العسل رطله بخمسة وعشرين نصفا وشمع الدهن باربعة انصاف والفحم قنطاره باربعين نصفا والبصل قنطاره بسبعة انصاف وفسر على ذلك
يقول جامعة اني ادركت بقايا تلك الايام وذلك ان مولدي كان في سنة 1167 ولما صرت في سن التمييز رأيت الاشياء على ما ذكر الا قليلا وكنت اسمع الناس يقولون الشيء الفلاني زاد سعره عما كان في سنة كذا وذلك في مبادىء دولة ابراهيم كتخدا

وحدوث الاختلال في الامور وكانت مصر اذ ذاك محاسنها باهرة وفضائلها ظاهرة ولاعدائها قاهرة يعيش رغدا بها الفقير وتتسع للجليل والحقير وكان لاهل مصر سنن وطرائق في مكارم الاخلاق لا توجد في غيرهم
ان في كل بيت من بيوت جميع الاعيان مطبخين احدهما اسفل رجالي والثاني في الحريم
فيوضع في بيوت الاعيان السماط في وقتي العشاء والغداء مستطيلا في المكان الخارج مبذولا للناس ويجلس يصدره امير المجلس وحوله الضيفان ومن دونهم مماليكه واتباعه
ويقف الفراشون في وسطه يفرقون على الجالسين ويقربون اليهم ما بعد عنهم من القلايا والمحمرات ولا يمنعون في وقت الطعام من يريد الدخول اصلا ويرون ان ذلك من المعايب حتى ان بعض ذوي الحاجات عند الامراء اذا حجبهم الخدام انتظروا وقت الطعام ودخلوا فلا يمنعهم الخدم في ذلك الوقت فيدخل صاحب الحاجة ويأكل وينال غرضه من مخاطبة الامير لانه اذا نظر على سماطه شخصا لم يكن رآه قبل ذلك ولم يذهب بعد الطعام عرف ان له حاجة
فيطلبه ويسأله عن حاجته فيقضيها له وان كان محتاجا واساه بشيء
ولهم عادات وصدقات في ايام المواسم مثل ايام اول رجب والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان والاعياد وعاشوراء والمولد الشريف يطبخون فيها الارز باللبن والزردة ويملأون من ذلك قصاعا كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين
ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزردة
ويعطونهم بعد ذلك دراهم ولهم غير ذلك صدقات وصلات لمن يلوذ فيهم ويعرفون منه الاحتجاج وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية والشريك على المدافن والترب في الجمع والمواسم
وكذلك اهل القرى والارياف فيهم من مكارم الاخلاق مالا يوجد في غيرهم

من اهل قرى الاقاليم
فان اقل ما فيهم اذا نزل به ضيف ولو لم يعرفه اجتهد وبادر بقراه في الحال وبذل وسعة في اكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا مشايخ البلاد والمشاهير من كبار العرب والمقادم فان لهم مضايف واستعدادات للضيوف ومن ينزل عليهم من السفار والاجناد
ولهم مساميح واطيان في نظير ذلك خلفا عن سلف الى غير ذلك مما يطول شرحه ويعسر استقصاؤه
ويموت رضوان كتخدا لم يقم لوجاق العزب صوله
ومات الاجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج احمد بن محمد الشرايبي وكان من اعيان التجار المشتهرين كاسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم واولاد مماليكهم من اعيان مصر جربجية وامراء ومنهم يوسف بك الشرايبي
وكانوا في غاية من الغنى والرفاهية والنظام ومكارم الاخلاق والاحسان للخاص والعام ويتردد الى منزلهم العلماء والفضلاء ومجالسهم مشحونة بكتب العلم النفيسة للاعارة والتغيير وانتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها وقفية ولا يدخلونها في مواريثهم
ويرغبون فيها ويشترونها باغلى ثمن ويضعونها على الرفوف والخزائن والخورنقات وفي مجالسهم جميعا
فكل من دخل الى بيتهم من اهل العلم الى اي مكان يقصد الاعارة او المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في اي علم كان من العلوم ولو لم يكن الطالب معروفا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فان رده في مكانه رده وان لم يرده واختص به او باعه لا يسأل عنه وربما بيع الكتاب عليهم واشتروه مرارا ويعتذرون عن الجاني بضرورة الاحتياج وخبزهم وطعامهم مشهور بغاية الجودة والاتقان والكثرة وهو مبذول للقاصي والداني مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة اسلافهم واخلاقهم جميلة واوضاعهم منزهة عن كل نقص ورذيلة
ومن

اوضاعهم وطرائقهم انهم لا يتزوجون الامن بعضهم البعض ولا تخرج من بيتهم امرأة الا للمقبرة فاذا عملوا عرسا اولموا الولائم واطعموا الفقراء والقراء على نسق اعتادوه وتنزل العروس من حريم ابيها الى مكان زوجها بالنساء الخلص والمغاني والجنك تزفها ليلا بالشموع وباب البيت مغلوق عليهن وذلك عندما يكون الرجال في صلاة العشاء بالمسجد الازبكي المقابل لسكنهم وبيتهم يشتمل على اثني عشر مسكنا كل مسكن بيت متسع على حدته
وكان الامراء بمصر يترددون اليهم كثيرا من غير سبق دعوة وكان رضوان كتخدا يتفسح عند المترجم في كثير من الاوقات مع الكمال والاحتشام ولا يصحبة في ذلك المجلس الا اللطفاء من ندمائه واذا قصده الشعراء بمدح لا يأتونه في الغالب الا في مجلسه لينالوا فضيلتين ويحرزوا جائزتين
وكان من سنتهم انهم يجعلون عليهم كبيرا منهم وتحت يده الكاتب والمستوفي والجابي فيجمع لديه جميع الايراد من الالتزام والعقار والجامكية ويسدد الميري ويصرف لكل انسان راتبه على قدر حاله وقانون استحقاقه
وكذلك لوازم الكساوي للرجال والنساء في الشتاء والصيف ومصروف الجيب في كل شهر وعند تمام السنة يعمل الحساب ويجمع ما فضل عنده من المال ويقسمه على كل فرد بقدر استحقاقه وطبقته
واستمروا على هذا الرسم والترتيب مدة مديدة فلما مات كبارهم وقع بينهم الاختلاف واقتسوا الايراد واختص كل فرد منهم بنصيبه يفعل به ما يشتهي
وتفرق الجمع وقلت البركة وانعزل المحبون وصار كل حزب بما لديهم فرحون وكان مسك ختامهم صديقنا واخانا في الله اللوذعي الاريب والنادرة المفرد النجيب سيدي ابراهيم بن محمد بن الدادة الشرايبي الغزالي
كان رحمه الله تعالى ملكي الصفات بسام الثنايات عذب المورد رحيب النادي واسع الصدر للحاضر والبادي قطعنا معه اوقاتا كانت لعين الدهر قرة وعلى

مكتوب العمر عنوان المسرة
وما زال يشتري متاع الحياة بجوهر عمره النفيس مواظبا على مذاكرة العلم وحضور التدريس حتى كدر الموت ورده وبدد الحسود بنوائبه عقده كما يأتي تتمة ذلك في سنة وفاته وانمحت بموته من بيتهم المآثر وتبدد بقية عقدهم المتناثر
ومات احمد جلبي ابن الأمير علي والأمير عثمان وتزوج مماليك القازدغلية نساءهم وسكنوا في بيتهم
ومنهم سليمان اغا صالح وتقلد الزعامة وصار بيتهم بيت الوالي وتوفي سنة 1171

وفاة السلطان محمود خان وتولية السلطان عثمان
ومات سلطان الزمان السلطان محمود خان العثماني وكانت مدته نيفا وعشرين سنة وهو آخر بني عثمان في حسن السيرة والشهامة والحرمة واستقامة الاحوال والمآثر الحسنة توفي ثامن صفر سنة 1168
وتولى السلطان عثمان بن أحمد اصلح الله شأنه
ومات النبيه النبيل والفقيه الجليل والسيد الاصيل السيد محمد المدعو حمودة السديدي احد ندماء الامير رضوان كتخدا ولد بالمحلة الكبرى وبها نشأ وحفظ القرآن واشتغل بطلب العلم فحصل مأموله في الفقه والمعقول والمعاني والبيان والعروض وعانى نظم الشعر وكان جيد القريحة حسن السليقة في النظم والنثر والانشاء وحضر الى مصر واخذ عن علمائها واجتمع بالامير رضوان كتخدا عزبان الجلفي المشار اليه وصار من خاصة ندمائه وامتدحه بقصائد كثيرة طنانة وموشحات ومزدوجة بديعة والمقامة التي داعب بها الشيخ عمار القروي واردفها بقصيدة رائية بليغة في هجو المذور سامحهما الله
وكل ذلك مذكور في الفوائح الجنائية لجامعه الشيخ عبد الله الادكاوي
حج رحمه الله ومات وهو آريب باجرود سنة 1163

ومات الاجل المكرم محمد جلبي ابن ابراهيم جربجي الصابونجي مقتولا وخبره انه لما توفي ابوه واخذ بلاده وبيتهم تجاه العتبة الزرقاء على بركة الازبكية فتوفى ايضا عثمان جربجي الصابونجي بمنفلوط وذلك سنة 1147 ومات غيره كذلك من معاتيقهم وكان محمد جربجي مثل والده بالباب ويلتجيء الى يوسف كتخدا البركاوي فلما مات البركاوي خاف من علي كتخدا الجلفي فالتجأ الى عبد الله كتخدا القازدغلي وعمل ينكجري فاراد ان يقلده اوده باشه ويلبسه الضلمة فقصد السفر الى الوجه القبلي وذلك في سنة اربع وخمسين فسافر واستولى على بلاد عثمان جربجي ومعاتيقه وقام هناك وكان رذلا نجيلا طماعا شرها في الدنيا وكان مماليكه يهربون منه وكانت اخته زوجا لعمر أغا خازندار أبيه ولم يفتقدها بشيء
ولما مات ابراهيم كتخدا الجلفي القازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي بدأ أمر اتباع ابراهيم كتخدا في الظهور وكان المتعين بالامارة منهم عثمان بك الجرجاوي وعلي بك الذي عرف بالغزاوي وحسين بك الذي عرف بكشكش وهؤلاء الثلاثة تقلدوا الصنجقية والامارة في حياة استاذهم
والذي تقلد الامارة منهم بعد موته حسين بك الذي عرف بالصابونجي وعلي بك بلوط قبان وخليل بك الكبير
واما من تأمر منهم بعد قتل حسين بك الصابونجي فهم حسن بك جوجه واسمعيل بك ابو مدفع
واما من تأمر بعد ذلك بعناية علي بك بلوط قبان عندما ظهر امره فهو اسمعيل بك الاخير الذي تزوج ببنت استاذه وكان خازنداره وعلي بك السروجي
فلما استقر امرهم بعد خروج رضوان كتخدا وزوال دولة الجلفية تعين بالرياسة منهم على اقرانه عثمان بك الجرجاوي فسار سيرا عنيفا من غير تدبر وناكد زوجة سيدة بنت البارودي وصادرها في بعض تعلقاتها

فشكت امرها الى كبار الاختيارية فخاطبوه في شأنها وكلمه حسن كتخدا ابو شنب فرد عليه ردا قبيحا فتحزبوا عليه ونزعوه من الرياسة وقدموا حسين بك الصابونجي وجعلوه شيخ البلد
ولم يزل حتى حقد عليه خشداشينه وقتلوه
وخبر موت حسين بك المذكور انه لما مات ابراهيم كتخدا قلدوا المذكور امارة الحج وطلع سنة 1169 وسنة 1170 ثم تعين بالرياسة وصار هو كبير القوم والمشار اليه وكان كريما جوادا وجيها وكان يميل بطبعه الى نصف حرام لان اصله من مماليك الصابونجي فهرب من بيته وهو صغير وذهب الى ابراهيم جاويش فاشتراه من الصابونجي ورباه ورقاه ثم زوجه بزوجة محمد جربجي ابن ابراهيم الصابونجي وسكن بيتهم وعمره ووسعه وانشأ فيه قاعة عظيمة فلذلك اشتهر بالصابونجي
ولما رجع من الحجاز قلد عبد الرحمن اغا اغاوية مستحفظان وهو عبد الرحمن اغا المشهور في شهر شعبان من سنة 1171 وطلع بالحج في تلك السنة محمد بك بن الدالي ورجع في سنة 1172 ثم ان المترجم اخرج خشداشة علي بك المعروف ببلوط قبان ونفاه الى بلده النوسات واخرج خشداشة ايضا عثمان بك الجرجاوي منفيا الى اسيوط واراد نفي علي بك الغزاوي واخرجه الى جهة العادلية فسعى فيه الاختيارية بواسطة نسيبه علي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا ابي شنب فالزمه أن يقيم بمنزل صهره علي كتخدا المذكور ببركة الرطلي ولا يخرج من البيت ولا يجتمع باحد من اقرانه وأرسل الى خشداشة حسين بك المعروف بكشكش فاحضره من جرجا وكان حاكما بالولاية فأمره بالاقامة في قصر العيني ولا يدخل الى المدينة
ثم ارسل اليه يأمره بالسفر الى جهة البحيرة وأحضروا اليه المراكب التي يسافر فيها ويريد بذلك تفرق خشداشينه في الجهات ثم يرسل اليهم ويقتلهم لينفرد بالامر والرياسة ويستقل بملك مصر ويظهر

دولة نصف حرام وهو غرضه الباطني
وضم اليه جماعة من خشداشينه وتوافقوا معه على مقصد ظاهرا وهم حسن كاشف جوجه وقاسم كاشف وخليل كاشف جرجي وعلي اغا المنجي واسمعيل كاشف ابو مدفع وآخر يسمى حسن كاشف
وكانوا من اخصائه وملازميه فاشتغل معهم حسين بك كشكش واستمالهم سرا واتفق معهم على اغتياله فحضروا عنده في يوم الجمعة على جري عادتهم وركبوا صحبته الى القرافة فزاروا ضريح الامام الشافعي ثم رجع صحبتهم الى مصر القديمة فنزلوا بقصر الوكيل وباتوا صحبته في انس وضحك
وفي الصباح حضر اليهم الفطور فأكلوه وشربوا القهوة وخرج المماليك ليأكلوا الفطور مع بعضهم وبقي هو مع الجماعة وحده وكانوا طلبوا منه انعاما فكتب الى كل واحد منهم وصولا بالف ريال والف اردب قمح وغلال ووضعوا الاوراق في جيوبهم ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه وقطعوه قطعا ونزلوا من القصر واغلقوه على المماليك والطائفة من خارج
وركب حسن كاشف جوجه ركوبة حسين بك وكان موعدهم مع حسين بك كشكش عند المجراة فانه لما احضروا له مراكب السفر تلكأ في النزول وكلما ارسل اليه حسين بك يستعجله بالسفر يحتج بسكون الريح او ينزل بالمراكب ويعدي الى البر الآخر ويوهم انه مسافر ثم يرجع ليلا ويتعلل بقضاء اشغاله
واستمر على ذلك الحال ثلاثة ايام حتى تمم اغراضه وشغله مع الجماعة ووعدهم بالامريات
واتفق معهم انه ينتظرهم عند المجراة وهم يركبون مع حسين بك ويقتلونه في الطريق ان لم يتمكنوا من قتله بالقصر
فقدر الله انهم قتلوه وركبوا حتى وصلوا الى حسين بك كشكش فاخبروه بتمام الامر فركب معهم ودخلوا الى مصر وذهب كشكش الى بيت حسين بك بالداودية وملكه بما فيه وارسل باحضار خشداشيه المنفيين
وعندما وصل الخبر الى علي بك الغزاوي ببركة الرطلي ركب في الحال مع القاتلين وطلعوا الى القلعة

واخذوا في طريقهم اكابر الوجاقلية ومنهم حسن كتخدا ابو شنب وهو من اغراض حسين بك المقتول وكان مريضا بالآكلة في فمه
فلما دخلوا اليه وطلبوه نزل اليهم من الحريم فاخبروه بقتلهم حسين بك فطلبوه للركوب معهم فاعتذر بالمرض فلم يقبلوا عذره فتطيلس وركب معهم الى القلعة وولوا علي بك كبير البلد عوضا عن حسين بك المقتول وكان قتله في شهر صفر سنة 1171 ثم ان مماليكه وضعوا اعضاءه في خرج وحملوه على هجين ودخلوا به الى المدينة فادخلوه الى بيت الشيخ الشبراوي بالرويعي فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة
وسكن علي بك المذكور بيت حسين بك الصابونجي الذي بالازبكية واحضروا علي بك من النوسات وعثمان بك الجرجاوي من اسيوط وقلدوا خليل كاشف صنجقية واسمعيل ابو مدفع كذلك وقاسم كاشف قلدوه الزعامة ثم قلدوا بعد اشهر حسن كاشف المعروف بجوجه صنجقية ايما وكان ذلك في ولاية علي باشا ابن الحكيم الثانية فكان حال حسين بك المقتول مع قاتليه كما قال الشاعر ... واخوان تخذتهمو دروعا ... فكانوها ولكن للاعادي ... وخلتهمو سهاما صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي ...
واما من مات في هذا التاريخ من الاعيان خلاف حسين بك المذكور فالشيخ الامام الفقيه المحدث الاصولي المتكلم الماهر الشاعر الاديب عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي الشافعي ولد تقريبا في سنة 1092 وهو من بيت العلم والجلالة فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الاميني في الخلاصة ووصفه بالحفظ والذكاء فاول من شملته اجازته سيدي محمد بن عبد الله الخرشي وعمره اذ ذاك نحو ثمان سنوات وذلك في سنة 1100 وتوفي الشيخ الخرشي المالكي في سابع عشرين الحجة سنة 1101 وتولى بعده مشيخة الازهر الشيخ محمد النشرتي

المالكي وتوفي في ثامن عشري الحجة سنة 1120 ووقع بعد موته فتنة بالجامع الازهر بسبب المشيخة والتدريس بالاقبغاوية وافترق المجاورون فرقتين تريد الشيخ احمد النفراوي والاخرى تريد الشيخ عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرا بمصر فتعصب له جماعة النشرتي وارسلوا يستعجلونه للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ احمد النفراوي وحضر للدتريس بالاقبغاوية فمنعه القاطنون بها وحضر القليني فانضم اليه جماعة النشرتي وتعصبوا له فحضر جماعة النفراوي الى الجامع ليلا ومعهم بنادق واسلحة وضربوا بالبنادق في الجامع واخرجوا جماعة القليني وكسروا باب الاقبغاوية واجلسوا النفراوي مكان النشرتي
فاجتمعت جماعة القليني في يومها بعد العصر وكبسوا الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة انفار وانجرح بينهم جرحى كثيرة وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديل
وحضر الوالي فاخرج القتلى وتفرق المجاورون ولم يبق بالجامع احد
ولم يصل فيه ذلك اليوم وفي ثاني يوم طلع الشيخ احمد النفراوي الى الديوان ومعه حجة الكشف على المقتولين فلم يلتفت الباشا الى دعواه لعلمه بتعديه وامره بلزوم بيته وامر بنفي الشيخ محمد شنن الى بلده الجدية وقبضوا على من كان بصحبته وحبسوهم في العرقانة وكانوا اثنى عشر رجلا
واستقر القليني في المشيخة والتدريس
ولما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن وكان النفراوي قد مات
ولما مات الشيخ شنن تقلد المشيخة الشيخ ابراهيم ابن موسى الفيومي المالكي
ولما مات في سنة سبع وثلاثين انتقلت المشيخة الى الشافعية فتولاها الشيخ عبد الله السبراوي المترجم المذكور في حياة كبار العلماء بعد ان تمكن وحضر الاشياخ كالشيخ خليل بن ابراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ احمد النفراوي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ

محمد المغربي والشيخ عيد النمرسي
وسمع الاولية واوائل الكتب من الشيخ عبد الله بن سالم البصري ايام حجه ولم يزل يترقى في الاحوال والاطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار اعظم الاعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والامراء ونفذت كلمته وقبلت شفاعته وصار لاهل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام واقبلت عليه الامراء وهادوه بانفس ما عندهم وعمر دارا عظيمة على بركة الازبكية بالقرب من الرويعي وكذلك ولده سيدي عامر عمر دارا تجاه دار أبيه وصرف عليها اموالا جمة
وكان يقتني الظرائف والتحائف من كل شيء والكتب المكلفة النفسية بالخط الحسن وكان راتب مطبخ ولده سيدي عامر في كل يوم من اللحم الضاني راسين من الغنم السمان يذبحان في بيته وكان طلبة العلم في ايام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي في غاية الادب والاحترام
ومن آثاره كتاب مفائح الالطاف في مدائح الاشراف وشرح الصدر في غزوة بدر الفها باشارة علي باشا ابن الحكيم وذكر في اخرها نبذة من التاريخ وولاة مصر الى وقت صاحب الاشارة
وله ديوان يحتوي على غزليات واشعار ومقاطيع مشهور بايدي الناس وغير ذلك كثير توفي في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة ختام سنة 1171 وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة تقريبا
ومات الشيخ الامام الاحق بالتقديم الفقيه المحدث الورع الشيخ حسن ابن علي بن احمد بن عبد الله الشافعي الازهري المنطاوي الشهير بالمدابغي اخذ العلوم عن الشيخ منصور المنوفي وعمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ عيد النمرسي والشيخ محمد بن احمد الوزازي ومحمد بن سعيد التنبكتي وغيرهم خدم العلم ودرس بالجامع الازهر وافتى والف واجاد منها حاشيته على شرح الخطيب على ابي شجاع نافعة للطلبة وثلاثة شروح

على الآجرومية وشرح الصيغة الاحمدية وشرح الدلائل وشرح على حزب البحر وشرح حزب النووي شرحا لطيفا
واختصر شرح الحزب الكبير للبناني ورسالة في القراءات العشر واخرى في فضائل ليلة القدر واخرى في المولد الشريف وحاشيته على جمع الجوامع المشهورة وحاشيته على شرح الاربعين لابن حجر واختصر سيرة ابن الميت وحاشية التحرير وحاشية علي الاشموني وشرح قصيدة المقري التي اولها سبحان من قسم الحظوظ وحاشية على الشيخ خالد وغير ذلك
ومات العلامة القدوة شمس الدين محمد بن الطيب بن محمد الشرفي الفاسي ولد بفاس سنة 1110 واستجاز له والده من ابي الاسرار حسن ابن علي العجمي من مكة المشرفة وعمره اذ ذاك ثلاث سنوات فدخل في عموم اجازته وتوفي بالمدينة المنورة سنة 1170 وتاريخه مغلق عن ستين عاما رحمه الله تعالى
ومات الشيخ داود بن سليمان بن احمد بن محمد بن عمر بن عامر بن خضر الشرنوبي البرهاني المالكي الخربتاوي ولد سنة 1080 وحضر على كبار اهل العصر كالشيخ محمد الزرقاني والخرشي وطبقتهما وعاش حتى الحق الاحفاد بالاجداد وكان شيخا معمرا مسندا له عناية بالحديث
توفي في جمادى الثانية سنة 1170
ومات الشيخ القطب الصالح العارف الواصل الشيخ محمد بن علي الجزائي القاسمي الشهير بكشك ورد مصر صغيرا وبها نشأ وحج واخذ الطريقة عن سيدي احمد السوسي تلميذ سيدي قاسم وجعله خليفة القاسمية بمصر فلو حظ بالانوار والاسرار ثم دخل المغرب ليزور شيخه فوجده قد مات قبل وصوله بثلاثة ايام واخبره تلامذة الشيخ ان الشيخ اخبر بوصول المترجم واودع له امانة فاخذها ورجع الى مصر وجلس للارشاد واخذ العهود ويقال إنه تولى القبطانية توفي سنة 1170

ومات الشيخ الفاضل العلامة محمد بن احمد الحنفي الازهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ سليمان المنصوري والسيد محمد ابي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب ودرس بالازهر وبمسجد الحنفي ومسجد محرم في انواع الفنون ولازم الشيخ العقيقي كثيرا ثم اجتمع بالشيخ احمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زي الفقراء ثم باع ما ملكت يداه وتوجه الى السويس فركب في سفينة فانكسرت فخرج مجردا يساتر العورة
ومال الى بعض خباء الاعراب فاكرمته امرأة منهم وجلس عندها مدة يخدمها ثم وصل الى الينبع على هيئة رثة واوى الى جامعها
واتفق له انه صعد ليلة من الليالي على المنارة وسبح على طريقة المصريين فسمعه الوزير اذ كان منزله قريبا من هناك فلما اصبح طلبه وسأله فلم يظهر حاله سوى انه من الفقراء فانعم عليه ببعض ملابس وامره ان يحضر الى داره كل يوم للطعام ومضت على ذلك برهة الى ان اتفق موت بعض مشايخ العربان وتشاجر اولاده بسبب قسمة التركة فاتوا الى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فراى الوزير ان يكتب السؤال ويرسله مع الهجان باجرة معينة الى مكة يستفتي العلماء فاستقل الهجان الاجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع الزيادة للهجان وامتنع اكثرهم ووقعوا في الحيرة
فلما راى المترجم ذلك طلب الدواة والقلم وذهب الى خلوة له بالمسجد فكتب الجواب مفصلا بنصوص المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ تعجب واكرمه الوزير واجله ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس الفقه والحديث هناك حتى اشتهر امره واقبلت عليه الدنيا
فلما امتلأ كيسه وانجلى بؤسه وقرب ورود الركب المصري رأى الوزير تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم يجد بدا عاهده على انه يحج ويعود اليه فوصل مع الركب الى مكة واكرم وعاد الى

مصر ولم يزل على حالة مستقيمة حتى توفي عن فالج فيه جلس فيه شهورا في سنة 1170 وهو منسوب الى سفط الصائم احدى قرى مصر من اعمال الفشن بالصعيد الادنى ولم يخلف في فضائله مثله رحمه الله
ومات الامام الاديب الماهر المتفنن اعجوبة الزمان علي بن تاج الدين محمد ابن عبد المحسن بن محمد بن سالم القلعي الحنفي المكي ولد بمكة وتربى في حجر ابيه في غاية العز والسيادة والسعادة وقرأ عليه وعلى غيره من فضلاء مكة واخذ عن الورادين اليها ومال الى فن الادب وغاص في بحره فاستخرج منه اللآلىء والجواهر وطارح الادباء في المحاضر فبان فضله وبهر برهانه ورحل الى الشام في سنة 1142 واجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي فاخذ عنه وتوجه الى الروم وعاد الى مكة وقدم الى مصر سنة ستين ثم غاب عنها نحو عشر سنين ثم ورد عليها وحينئذ كمل شرحه على بديعيته وعلى بديعيتين لشيخه الشيخ عبد الغني وغيره ممن تقدم وهي عشر بديعيات وشرحه على بديعيته ثلاث مجلدات قرظ عليه غالب فضلاء مصر كالشبراوي والادكاوي والمرحومي ومن اهل الحجاز الشيخ ابراهيم المنوفي وكان للمترجم بالوزير المرحوم علي باشا ابن الحكيم التئام زائد لكونه له قوة يد ومعرفة في علم الرمل وكان في اول اجتماعه به في الروم اخبره بامور فوقعت كما ذكر فازداد عنده مهابة وقبولا
ولما تولى المذكور ثاني توليته وهي سنة سبعين قدم اليه من مكة من طريق البحر فاغدق عليه ما لا يوصف ونزل في منزل بالقرب من جامع ازبك بخط الصليبة وصار يركب في موكب حافل تقليدا للوزير
ورتب في بيته كتخدا وخازندار والمصرف والحاجب على عادة الامراء وكان فيه الكرم المفرط والحياء والمروءة وسعة الصدر في اجازة الوافدين مالا وشعرا
ومدحه شعراء عصره بمدائح جليلة منهم الشيخ عبد الله الادكاوي له فيه عدة قصائد وجوزي بجوائز سنية
ولما عزل مخدومه

توجه معه الى الروم فلما ولى الختام ثانيا زاد المترجم عنده ابهة حتى صار في سدة السلطنة احد الاعيان المشار اليهم واتخذ دارا واسعة فيها اربعون قصرا ووضع في كل قصر جارية بلوازمها
ولما عزل الوزير ونفي الى احدى مدن الروم سلب المترجم جميع ما كان بيده ونفي الى الاسكندرية
فمكث هناك حتى مات في سنة 1172 شهيدا غريبا ولم يخلف بعده مثله
وله ديوان شعر ورسائل منها تكميل الفضل بعلم الرمل ومتن البديعية سماه الفرج في مدح عالي الدرج اقترح فيها بانواع منها وسع الاطلاع والتطريز والرث والاعتراف والعود والتعجيب والترهيب والتعريض وامثلة ذلك كله موضحة في شرحه على البديعية
ولما تغيرت دولة مخدومه وتغير وجه الزمان عاد روض انسه ذابل الافنان ذا احزان واشجان لم يطب له المكان ودخل اسم عزه في خبر كان وتوفي في نحو هذا التاريخ
ومات العمدة الاجل النبيه الفصيح المفوه الشيخ يوسف بن عبد الوهاب الدلجي وهو اخو الشيخ محمد الدلجي كلاهما ابنا خال المرحوم الوالد وكان انسانا حسنا ذا ثروة وحسن عشرة وكان من جملة جلساء الامير عثمان بك ذي الفقار ولديه فضيلة ومناسبات ويحفظ كثيرا من النوادر والشواهد وكان منزله المشرف على النيل ببولاق مأوى اللطفاء والظرفاء ويقتني السراري والجواري توفي سنة 1171 عن ولديه حسين وقاسم وابنة اسمها فاطمة موجودة في الاحياء الى الان
ومات الشيخ النبيه الصالح علي بن خضر بن احمد العمروسي المالكي اخذ عن السيد محمد السلموني والشهاب النفراوي والشيخ محمد الزرقاني ودرس بالجامع الازهر وانتفع به الطلبة واختصر المختصر الخليلي في نحو الرابع ثم شرحه وكان انسانا حسنا منجمعا عن الناس مقبلا على شأنه توفي سنة 1173

ومات الاستاذ المبجل ذو المناقب الحميدة السيد شمس الدين محمد ابو الاشراق بن وفي وهو ابن اخي الشيخ عبد الخالق ولما توفي عمه في سنة 1161 خلفه في المشيخة والتكلم وكان ذا ابهة ووقار محتشما سليم الصدر كريم النفس بشوشا
توفي سادس جمادى الاولى سنة 1171 وصلي عليه بالازهر وحمل الى الزاوية فدفن عند عمه وقام بعده في الخلافة الاستاذ مجد الدين محمد ابو هادي ابن وفي رضي الله عنهم اجمعين
ومات الامام العلامة الفريد الفقيه الفرضي الحيسوبي الشيخ حسين المحلي الشافعي كان وححيد دهرة وفريد عصره فقها واصولا ومعقولا جيد الاستحضار والحفظ للفروع الفقيه
واما في علم الحساب الهوائي والغباري والفرائض وشباك ابن الهائم والجبر والمقابلة والمساحة وحل الاعداد فكان بحرا لا تشبهه البحار ولا يدرك له قرار وله في ذلك عدة تآليف ومنها شرح السخاوية وشرح النزهة والقلصاوي وكان يكتب تآليفه بخطه ويبيعها لمن يرغب فيها ويأخذ من الطالبين اجرة على تعليمهم فاذا جاء من يريد التعلم وطلب ان يقرأ عليه الكتاب الفلاني تعزز عليه وتمنع ويساومه على ذلك بعد جهد عظيم وكان له حانوت بجوار باب الازهر يتكسب فيه ببيع المناكيب لمعرفة الاوقات والكتب وتسفيرها
والف كتابا حافلا في الفروع الفقيهة على مذهب الامام الشافعي وهو كتاب ضخم في مجلدين معتبر مشهور معتمد الاقوال في الافتاء وله غير ذلك كثير
وبالجملة فكان طودا راسخا تلقى عنه كثير من اشياخ العصر ومنهم شيخنا الشيخ محمد الشافعي الجناحي المالكي وغيره
توفي سنة 1170
ومات الشيخ الامام المعمر القطب احد مشايخ الطريق صاحب الكرامات الظاهرة والانوار الساطعة الباهرة عبد الوهاب بن عبد السلام بن احمد

ابن حجازي بن عبد القادر بن ابي العباس بن مدين بن ابي العباس بن عبد القادر بن ابي العباس بن شعيب بن محمد بن القطب سيدي عمر الرزوقي العفيفي المالكي البرهاني يتصل نسبة الى القطب الكبير سيدي مرزوق الكفافي المشهور ولد المترجم بمنية عفيف احدى قرى مصر ونشأ بها على صلاح وعفة ولما ترعرع قدم الى مصر فحضر على شيخ المالكية في عصره الشيخ سالم النفراوي اياما في مختصر الشيخ خليل واقبل على العبادة وقطن بالقاعة بالقرب من الازهر بجوار مدرسة السنانية وحج فلقي بمكة الشيخ ادريس اليماني فأجازه وعاد الى مصر وحضر دروس الحديث على الامام المحدث الشيخ احمد بن مصطفى الاسكندري الشهير بالصباغ ولازمه كثيرا حتى عرف به
واجازه مولاي احمد التهامي حين ورد الى مصر بطريقة الاقطاب والاحزاب الشاذلية والسيد مصطفى البكري بالخلوتية
ولما توفي شيخه الصباغ لازم السيد محمد البليدي في دروسه من ذلك تفسير البيضاوي بتمامه
وروى عنه جملة من افاضل عصره كالشيخ محمد الصبان والسيد محمد مرتضى والشيخ محمد بن اسمعيل النفراوي وسمعوا عليه صحيح مسلم بالاشرفية وكان كثيرا لزيارة لمشاهد الاولياء متواضعا لا يرى لنفسه مقاما متحرزا في مأكله وملبسه لا ياكل الا ما يؤتى اليه من زرعه من بلده من العيش اليابس مع الدقة وكانت الامراء تأتي لزيارته ويشمئز منهم ويفر منهم في بعض الاحيان
وكل من دخل عنده يقدم له ما تيسر من الزاد من خبزه الذي كان يأكل منه
وانتفع به المريدون وكثروا في البلاد ونجبوا ولم يزل يترقى في مدارج الوصول الى الحق حتى تعلل اياما بمنزله الذي بقصر الشوك
وتوفي في ثاني عشر صفر سنة 1172 ودفن سيدي عبد الله المنوفي ونزل سيل عظيم وذلك في سنة 1178 فهدم القبور وعامت الاموات فانهدم قبره وامتلأ بالماء فاجتمع اولاده ومريدوه وبنوا له قبرا في العلوة على يمين

تربة الشيخ المنوفي ونقلوه اليه قريبا من عمارة السلطان قايتباي وبنوا على قبره قبة معقودة وعملوا له مقصورة ومقاما من داخلها وعليه عمامة كبيرة وصيروه مزارا عظيما يقصد للزيارة ويختلط به الرجال والنساء
ثم أنشأوا بجانبه قصرا عاليا عمره محمد كتخدا اباظة وسوروا له رحبة متسعة مثل الحوش لموقف الدواب من الخيل والحمير دثروا بها قبورا كثيرة بها كثير من اكابر الاولياء والعلماء والمحدثين وغيرهم من المسلمين والمسلمات
ثم انهم ابتدعوا له موسما وعيدا في كل سنة يدعون اليه الناس من البلاد القبلية والبحرية فينصبون خياما كثيرة وصواوين ومطابخ وقهاوي ويجتمع العالم الاكبر من اخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الارياف وارباب الملاهي والملاعب والغوازي والبغايا والقزادين والحواة فيملأون الصحراء والبستان فيطأون القبور ويوقدون عليها النيران ويصبون عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلا ونهارا ويستمر ذلك نحو عشرة ايام او اكثر ويجتمع لذلك ايضا الفقهاء والعلماء وينصبون لهم خياما ايضا ويقتدي بهم الاكابر من الامراء والتجار والعامة من غير انكار بل ويعتقدون ان ذلك قربة وعبادة
ولو لم يكن كذلك لانكره العلماء فضلا عن كونهم بفعلونه فالله يتولى هدانا اجمعين
ومات الشيخ الاجل المعظم سيدي محمد بكري احمد بن عبدالمنعم ابن محمد بن ابي السرور محمد بن القطب ابي المكارم محمد ابيض الوجه ابن ابي الحسن محمد بن الجلال عبد الرحمن بن احمد بن محمد بن احمد ابن محمد بن عوض بن محمد بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن الحسن بن موسى بن يحيى بن يعقوب بن نجم بن عيسى بن شعبان ابن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن ابي بكر الصديق وكان يقال له سيدي ابو بكر البكري شيخ

السجادة بمصر ولاه ابوه الخلافة في حياته لما تفرس فيه النجابة مع وجود اخوته الذين هم اعمامه وهم ابو المواهب وعبد الخالق ومحمد بن عبد المنعم
فسار في المشيخة احسن سير وكان شيخا مهيبا ذا كلمة نافذة وحشمة زائدة تسعى اليه الوزراء والاعيان والامراء
وكان الشيخ عبد الله الشبراوي يأتيه في كل يوم قبل الشروق يجلس معه مقدار ساعة زمانية ثم يركب ويذهب الى الازهر
ولما مات خلفه ولده الشيخ سيد احمد وكان المترجم متزوجا بنت الشيخ الحنفي فاولدها سيدي خليلا وهو الموجود الآن تركه صغيرا فتربى في كفالة ابن عمه السيد محمد افندي ابن علي افندي الذي انحصرت فيه المشيخة بعد وفاة ابن عمه الشيخ سيد احمد مضافة الى نقابة السادة الاشراف كما يأتي ذكر ذلك ان شاء الله
وكانت وفاة المترجم في اواخر شهر صفر سنة 1171
ومات ايضا في هذه السنة السلطان عثمان خان العثماني
وتولى السلطان مصطفى بن احمد خان وعزل علي باشا ابن الحكيم وحضر الى مصر محمد سعيد باشا في اواخر رجب سنة 1171 واستمر في ولاية مصر الى سنة 1173
وفي تلك السنة نزل مطر كثير سالت منه السيول
ومات افضل النبلاء وانبل الفضلاء بلبل دوحة الفصاحة وغريدها من انحازت له بدائعها طريفها وتليدها الماجد الاكرم مصطفى اسعد اللقيمي الدمياطي وهو احد الاخوة الاربعة وهم عمر ومحمد وعثمان والمترجم اولاد المرحوم احمد بن محمد بن احمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي الشافعي سبط العنبوسي وكلهم شعراء بلغاء توفي في سنة 1173
ومات اديب الزمان وشاعر العصر والاوان العلامة الفاضل شمس الدين الشيخ محمد سعيد بن محمد الحنفي الدمشقي الشهير بالسمان ورد الى مصر في سنة 1144 فطارح الادباء وزاحم بمناكبه الفضلاء ثم عاد الى وطنه وورد الى مصر ايضا في سنة 1172 وكان ذا حافظة وبراعة وحسن عشرة وصار بينه وبين الشيخ عبد الله الادكاوي محاضرات ومطارحات

وذكره في مجموعته واثنى عليه واورد له من شعره كثيرا ثم توجه الى الشام وقد وافاه الحمام ودفن بالصالحية سنة ثلاث وسبعين ومائة والف
ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم الناثر الشيخ عامر الانبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء لهيب شراره محرق كان يأتي من بلده يزور العلماء والاعيان
وكلما راى لشاعر قصيدة سائرة قلبها وزنا وقافية الى الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك
وكان الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسبه ويقول له يا شيخ عامر لا تزفر قصيدتي الفلانية وهذه جائزتك
ومن بعده الشيخ الحفني كان يكرمه ويغدق عليه ويستأنس لكلامه
وكان شيخا مسنا صلحا مكحل العينين دائما عجيبا في هيئته ومن نظمه الفية الطعام على وزن الفية ابن مالك واولها ... يقول عامر هو الانبوطي ... احمد ربي لست بالقنوطي ...
ومات الامير الكبير عمر بك بن حسن بك رضوان وذلك انه لما قلد ابراهيم كتخدا تابعه علي بك الكبير امارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167 ونزل عليهم السيل العظيم يظهر حمار والقى الحجاج واحمالهم الى البحر ولم يرجع منهم الا القليل تشاوروا فيمن يقلدونه امارة الحج فاقتضى راي ابراهيم كتخدا تولية المترجم وقد صار مسنا هرما فاستعفى من ذلك فقال له ابراهيم كتخدا اما أن تطلع بالحج او تدفع مائتي كيس مساعدة
فحضر عند ابراهيم كتخدا فرأى منه الجد
فقال اذا كان ولا بد فاني اصرفها واحج ولو اني اصرف الف كيس
ثم توجه الى القبلة وقال اللهم لا ترني وجه ابراهيم هذا بعد هذا اليوم اما اني اموت او هو يموت
فاستجاب الله دعوته ومات ابراهيم كتخدا في صفر قبل دخول الحجاج الى مصر بخمسة ايام
وتوفي عمر بك المذكور سنة 1171
ومات الرجل الفاضل النبيه الذكي المتفنن المتقن الفريد الاوسطي

ابراهيم السكاكيني كان انسانا حسنا عطارديا يصنع السيوف والسكاكين ويجيد سقيها وجلاءها ويصنع قراباتها ويسقطها بالذهب والفضة ويصنع المقاشط الجيدة الصناعة والسقي والتطعيم والبركارات للصنعة واقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك
وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون الخطوط لا تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرا مثل مقامات الحريري وكتب ادبية ورسائل كثيرة في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته وصفاته وصناعته لم يخلف بعده مثله
توفي في حدود هذا التاريخ وكان حانوته تجاه جامع المرداني بالقرب من درب الصياغ
وفي تلك السنة اعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه السيول واعقبه الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي اخذ المليح والمليحة
مات به الكثير من الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصى ثم خف واخذ ينقر في سنة 1172 وكان قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفى مولود في تلك السنة وورد الامر بالزينة في تلك الايام
وهذا المولود هو السلطان سليم المتولي الآن ولما قتل حسين بك القازدغلي المعروف بالصابونجي وتعين في الرياسة بعده علي بك الكبير واحضر خشداشينه المنفيين واستقر امرهم وتقلد امارة الحج سنة 1173 فبيت مع سليمان بك الشابوري وحسن كتخدا الشعراوي وخليل جاويش حيضان مصلي واحمد جاويش المجنون واتفق معهم على قتل عبد الرحمن كتخدا في غيبته واقام عوضه في مشيخة البلد خليل بك الدفتردار فلما سافر استشعر عبد الرحمن كتخدا بذلك فشرع في نفي الجماعة المذكورين فاغرى بهم على ذلك بلوط قبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي واحمد جاويش الى الحجاز من طريق السويس على البحر ونفى حسن كتخدا الشعراوي وسليمان بك الشابوري مملوك خشداشه الى فارسكور
فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج الى العقبة وصل اليه

الخبر فكتم ذلك وامر بعمل شنك يوهم من معه بان الهجان اتاه بخبر سار ولم يزل سائرا الى ان وصل الى قلعة نخل فانحاز الى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهم الحجاج والمحمل وركب في خاصته وسار الى غزة وسار الحجاج من غير امير الى ان وصلوا الى أجرود فأقبل عليهم حسين بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل الى مصر واستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة شهر واكثر وكاتب الدولة بواسطة باشة الشام فارسلوا اليه واحدا اغا ووعدوه ومنوه وتحيلوا عليه حتى استقصوا ما معه من المال والاقمشة وغير ذلك
ثم حضر الى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي واغرااضه ومات بعد وصوله الى مصر بثمانية ايام
يقال ان بعض خشداشينه شغله بالسم حين كان يطوف عليهم للسلام

ولاية مصطفى باشا واحمد باشا كامل
وفي تلك السنة حضر مصطفى باشا واليا على مصر واستمر الى اواخر سنة 1174 ونزل الى القبة متوجها الى جدة فاقام هناك
وحضر احمد باشا كامل المعروف بصبطلان في اواخر سنة 1174
وكان ذا شهامة وقوة مراس فدقق في الاحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الانبار والغلال فتعصبت عليه الامراء وعزلوه واصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه الى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا خازنداره الى جدة وكيلا عنه
ولما وصل العرض الى الدولة وكان الوزير اذ ذاك محمد باشا راغب فوجهوا احمد باشا المنفصل الى ولاية قندية ومصطفى باشا الى حلب ووجهوا باكير باشا والي حلب الى مصر فحضر وطلع الى القلعة واقام نحو شهرين ومات ودفن بالقرافة سنة 1175 وحضر حسن باشا في اواخر

سنة ست وسبعين ثم عزل
وحضر حمزة باشا في سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر الحال وتقلد في امارة الحج حسين بك كشكش وطلع سنة 1174 ووقف له العرب في مضيق وحضر اليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم فاحضر كاتبه الشيخ خليل كاتب الصرة والصراف وامرهم بدفع مطلوبات العرب
فذهبوا معه الى خيمته واحضر المال وشرع الصراف يعد لهم الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشهيل فقال لهم حينئذ لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا حتى ينزل الحج في المحطة يحصل المطلوب
وسار الحج حتى خرج من ذلك المضيق الى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فامر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن آخرهم وفيهم نيف وعشرون كبيرا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هزاع المذكور وامر بالرحيل وضربوا المدفع وسار الحج وتفرق قبائل العرب ونساؤهم يصرخون بطلب الثأر
فتجمعت القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق وهو يسوق عليهم من امام الحج وخلفه ويحاربهم ويقاتلهم بمماليكه وطوائفه حتى وصل الى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال
ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الامراء من خشداشينه وغيرهم وقال له علي بك بلوط قبن انك افسدت علينا العرب واخربت طريق الحج ومن يطلع بالحج في العام القابل بعد هذه الفعلة التي فعلتها فقال انا الذي اسافر بالحج في العام القابل ومني للعرب اصطفل
فطلع ايضا في السنة الثانية وتجمع عليه العرب ووقفوا في كل طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال واستعدوا له بما استطاعوا من الكثرة من كل جهة فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من امام الحج ومن خلفه حتى شردهم واخافهم وقتل منهم الكثير ولم يبال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة

فانه لم يكن معه الا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والاجناد وعسكر المغاربة
وكان يبرز لحربهم حاسرا راسه مشهورا حسامه فيشتت شملهم ويفرق جمعهم فهابوه وانكمشوا عن ملاقاته وانكفوا عن الحج
فلم تقم للعرب معه بعد ذلك قائمة
فحج اربع مرات اميرا بالحج آخرها سنة 1176 ورجع سنة 1177 ولم يتعرض له احد من العرب ذهابا وايابا بعد ذلك
وكذلك اخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفلاحي ويسلبون الناس فكان يخرج اليهم على حين غفلة فيقتلهم وينهب مواشيهم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في اشناف على الجمال فارتدععوا وانكفوا عن أفاعيلهم
وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك
وفي هذه المدة ظهر شأن علي بك بلوط قبن واستفحل امره وقلد اسمعيل بك الصنجقية وجعله اشراقه وزوجه هانم بنت سيده وعمل له مهما عظيما احتفل به للغاية ببركة الفيل
وكان ذلك في أيام النيل سنة 1174 فعملوا على معظم البركة أخشابا مركبة على وجه الماء يمشي عليها الناس للفرجة
واجتمع بها ارباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الاصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الاصناف والانواع وعلقوا القنناديل والوقدات على جميع البيوت المحيطة بالبركة وغالبها سكن الامراء والاعيان اكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك ابراهيم كتخدا ابي العروس
وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات
واستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلا ونهارا للحظ والفرجة من جميع النواحي
ووردت على علي بك الهدايا والصلات من اخوانه الامراء والاعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والاقباط والافرنج والاروام واليهود والمدينة عامرة بالخير والناس مطمئنة

والمكاسب كثيرة والاسعار رخية والقرى عامرة
وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربان ومقادم الاقاليم والبنادر بالهدايا والاغنام والجواميس والسمن والعسل وكل من الامراء الابراهيمية كأنه صاحب الفرح والمشار اليه من بينهم صاحب الفرح علي بيك
وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بانواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الاعيان والجاويشية والملازمين والسعاة والاغوات امام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك المهاترة والطبالون وغيرهم من المقدمين والخدم والجاويشية والركبدارية والعروس في عربة
وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك ابو الذهب ماشيا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها اولاد خزنات الامراء ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات
فمن ذلك الوقت اشتهر امر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد ايضا علي بك المعروف بالسروجية
ولما كان عبد الرحمن كتخدا ابن سيدهم ومركز دائرة دولتهم انضوى الى ممالأته ومال هو الآخر الى صداقته ليقوى به على ارباب الرياسة من اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الامر لنفسه
حتى ان عبد الرحمن كتخدا لما اراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا على احمد جاويش المجنون ما يقتضي نفيه ثم عرضوا ذلك على عبد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك واظهر الغيظ واصبح في ثاني يوم اجتمع عنده الاختيارية والصناجق على عادتهم
فلما تكامل حضور الجميع عين عبد الرحمن كتخدا غاديا الى بيت علي بك وكذلك باقي الامراء والاختيارية وصار الجميع والديوان في بيته من ذلك اليوم ولبس الخلعة من الباشا على ذلك
ثم انهم طلعوا ايضا في ثاني يوم الى الديوان واجتمعوا بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي احمد جاويش وخليل

جاويش وسليمان بك الشابوري فقال عبد الرحمن كتخدا واكتبوا معهم حسن كتخدا الشعراوي ايضا
فكتبوه واخرجوا فرمانا بذلك ونفوهم كما ذكر واستمروا في نفيهم
وعمل احمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش اقام ايضا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك يمهد لنفسه واستكثر من شراء المماليك وشرع في مصادرة الناس
ويتحيل على اخذ الاموال من ارباب البيوت المدخرة والاعيان المستورين مع الملاطفة وادخال الوهم على البعض بمثل بمثل النفي والتعرض الى الفائظ ببعض المقنضيات ونحو ذلك

حادثة سماوية
ومن الحوادث السماوية ان في يوم السبت تاسع عشر جمادى الاولى هبت ريح عظيمة شديدة نكباء غربية غرق منها بالاسكندرية ثلاثة وثلاثون مركبا في مرسى المسلمين وثلاثة مراكب في مرسى النصارى
وضجت الناس وهاج البحر شديدا وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة اشجار
وطلع علي بك اميرا بالحج في سنة 1177 ورجع في اوائل سنة 1178 في ابهة عظيمة وارخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم
فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بابي الذهب
ثم قلد مملوكه ايوب اغا ورضوان قرابينه وابراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق ايضا
وانقضت تلك السنة وامر علي بك يتزايد
وشهلوا امور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والانبار وخرج المحمل على القانون المعتاد واميره حسن بك رضوان
ولما رجعوا من البركة بعد ارتحال الحج طلع علي بك

وخشداشينه واغراضه وملكوا ابواب القلعة وكتبوا فرمانا واخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين
فاما عبد الرحمن كتخدا فارسلوه الى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصله إلى السويس
ونفوا باقي الجماعة الى جهة بحري وارتجت مصر في ذلك اليوم وخصوصا لخروج عبد الرحمن كتخدا فأنه كان اعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة وبه ارتفع قدر الينكجرية على العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك واتباع وعساكر مغاربة وغيرهم حتى ظن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم
فلم يحصل شيء من ذلك سوى ما نزل بالناس من البهتة والتعجب
ثم ارسل الى صالح بك فرمانا بنفيه الى غزة فوصل اليه الجاويش في اليوم الذي نزل فيه عبد الرحمن كتخدا في المركب وسافر وذهب صالح بك الى غزة فاقام بها مدة قليلة ثم ارسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به الى ناحية بحري واجلسوه برشيد ورتب له علي بك ما يصرفه وجعل له فائظا في كل سنة عشرة اكياس
فاقام برشيد مدة فحضرت اخبار وصول الباشا الجديد وهو حمزة باشا الى ثغر سكندرية فارسلوا الى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به الى دمياط يقيم بها وذلك لئلا يجتمع بالباشا
فلما وصلت اليه الاخبار بذلك ركب بجماعته ليلا وسار الى جهة البحيرة وذهب من خلف جبل الفيوم الى جهة قبلى فوصل الى منية ابن خصيب فاقام بها واجتمع عليه اناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد وبنى له ابنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقة مع شيخ العرب همام واكابر الهوارة واكثر البلاد الجارية في التزامه جهة قبلي
واجتمع عليه الكثير منهم وقدموا له التقادم والذخيرة وما يحتاج اليه

ووصل المولى حفيد افندي القاضي وكان من العلماء الافاضل ويعرف بطرون افندي وكان مسنا هرما فجلس على الكرسي بجامع المشهد الجسيني ليملي درسا فاجتمع عليه الفقهاء الازهرية وخلطوا عليه وكان المتصدي لذلك الشيخ احمد بن يونس والشيخ عبد الرحمن البراذعي فصار يقول لهم كلموني بآداب البحث أما قرأتم آداب البحث
فزادوا في المغالطة فما وسعه الا القيام فانصرفوا عنه وهم يقولون عكسناه
وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده فارسل اليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الامراء والاختيارية والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمة بالارز والسمن والعسل والسكر وكذلك امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي واجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم واستمر ذلك عدة أيام والناس تغدو وتروح للفرجة
وسعت العلماء والامراء والاعيان والتجار لدعوته
وفي يوم الزفة ارسل اليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقم الباشا من الاغوات والسعاة والجاويشية والنوبة التركية واركبوا الغلام بالزفة الى بيت علي بك فالبسه فروة سمور ورجع الى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان مهما مشهودا واتحد هذا القاضي بالشيخ الوالد وتردد كل منهما على الآخر كثيرا وحضر مرة في غير وقت ولا موعد في يوم شديد الحر فلما صعد الى اعلى الدرج وكان كثيرا فاستلقى من التعب على ظهره لهرمه فلما تروح وارتاح في نفسه قال له الشيخ يا افندي لاي شيء تتعب نفسك أنا آتيك متى شئت
فقال انا اعرف قدرك وانت تعرف قدري
وكان نائبه من الاذكياء أيضا
ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليا على مصر وطلع الى القلعة عرضوا له امر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال

والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه وتقلد حسين بك كشكش حاكم جرجا وامير التجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد بك ابو الذهب وحسن بك الازبكاوي فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيرة ثم توجه وعدى الى شرق أولاد يحيى وكان حسين بك شبكة مملوك حسين بك كشكش نفاه علي بك الى قبلي فلما ذهب صالح بك الى قبلي انضم اليه وركب معه فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق اولاد يحيى انفصل عنه وحضر الى سيده حسين بك وانضم إليه كما كان ورجع محمد بك وحسن بك الى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور يريد الذهاب الى منصبه بجرجا وأقام في المنية فارسل اليه علي بك فرمانا بنفيه الى جهة عينها له فلم يتمثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وامرائه وحضر الى مصر ليلا فوجد الباب الموصل لجهة قناطر السباع مغلوقا فطرقه فلم يفتحوه فكسره ودخل وذهب الى بيته وبقي الامر بينهم على المسالمة أياما فاراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونا للباءة فوضع له السم في المعجون واحضره له فامره ان يأكل منه اولا فتلكأ واعتذر فامر بقتله
وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيا روميا يلبس على رأسه قلبق سمور وكان وجيها جميل الصورة فصيحا متكلما يعرف التركية والعربية والرومية والطليانية
وعلم حسين بك انها من عزيمة علي بك فتأكدت بينهما الوحشة واضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك او اخراجه فوافقوه ظاهرا واشتغل حسين بك على اخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته وانتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم عليه
فعند ذلك أرسل اليهم يسألهم عن مرادهم فحضر اليه منهم من يأمره بالركوب والسفر فركب

واخرجوه منفيا الى الشام ومعه مماليكه وأتباعه وذلك في اواخر شهر رمضان سنة 1179 واقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى عملوا حسابه وحساب أتباعه وهم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع حتى فرغوا من الحساب واستخلصوا ما بقي على طرفهم ثم سافروا الى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى من امراء مصر انه اذا خرج الى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته من ميري وخلافة وان لم يكن معه ما يوفي ذلك باع اساس داره ومتاعه وخيوله ولا يذهب الا خالص الذمة
وسافر صحبة علي بك امراؤه وهم محمد بك وايوب بك ورضوان بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي واحمد جاويش وسليمان جاويش وقيطاس كتخدا وباقي اتباعه
واستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي جماعتهم وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالح بك رجع من شرق اولاد يحيى الى المنية واستقر فيها وحصنها
فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريدة وبرزوا الى جهة البساتين
وفي تلك الايام رجع علي بك ومن معه على حين غفلة ودخل الى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وايوب بك دخل منزل ابراهيم أغا الساعي فاجتمع الامراء بالاثار وعملوا مشوره في ذلك
فاقتضى الرأي بان يرسلوه الى جدة فاجتمع الرأي بان يعطوه النوسات ويذهب اليها فرضي بذلك وذهب الى النوسات وأقام بها وأرسلوا محمد بك وأيوب بك ورضوان بك الى قبلي بناحية اسيوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الاسيوطي فانضموا اليه وصادقوه وسفروا التجريدة الى صالح بك فهزمت فارسلوا له تجريدة اخرى واميرها حسن بك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم الا بعض مناوشات ورجعوا أيضا كانهم مهزومون وارسلوا له ثالث ركبة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13