كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
على عدة كتب كان يقرأها حتى صارت مجلدات وانتفع بها الطلبة انتفاعا عاما ودرس في حياة شيخه سنينا عديدة واشتهر بالفتوح وكان الشيخ الصعيدي يأمر الطلبة بحضوره وملازمته وكان فيه اتصاف زائد وتؤدة ومروءة وتوجه الى الحق ولديه اسرار ومعارف وفوائد وتمائم وعلم بتنزيل الاوفاق والوفق المئيني العددي والحرفي وطرائق تنزيله بالتطويق والمربعات وغير ذلك ولما توفي الشيخ محمد حسن جلس موضعه للتدريس باشارة من أهل الباطن ولما توفي الشيخ احمد الدردير ولي مشيخة رواق الصعايدة وله مؤلفات منها مسائل كل صلاة بطلت على الامام وغير ذلك ولم يزل على حالته وافادته وملازمه ودروسه والجماعة حتى توفي في هذه السنة ودفن في تربة المجاورين رحمه الله تعالى عليه
ومات العلامة الفاضل الفقيه الشيخ احمد بن ابراهيم الشرقاوي الشافعي الازهري قرأ على والده وتفقه وانجب ولم يزل ملازما لدروسه حتى توفي والده فتصدر للتدريس في محله واجتمعت عليه طلبة ابيه وغيرهم ولازم مكانه بالازهر طول النهار يملي ويفيد ويفتي على مذهبه ويأتي اليه الفلاحون من جيزة بلادهم بقضاياهم وخصوماتهم وانكحتهم فيقضي بنيهم ويكتب لهم الفتاوي في الدعاوي التي يحتاجون فيها الى المرافعة عند القاضي وربما زجر المعاند منهم وضربه وشتمه ويستمعون لقوله ويمتثلون لاحكامه وربما اتوه بهدايا ودراهم واشتهر ذكره وكان جسيما عظيم اللحية فصيح اللسان ولم يزل على حالته حتى اتهم في فتنة الفرنسيس المتقدمة ومات مع من قتل بيد الفرنساوية بالقلعة ولم يعلم له قبر
ومات الشيخ الامام العمدة الفقيه الصالح القانع الشيخ عبد الوهاب الشبراوي الشافعي الازهري تفقه على أشياخ العصر وحضر دروس الشيخ عبد الله الشبراوي والحفني والبراوي وعطية الاجهوري وغيرهم وتصدر للاقراء والتدريس والافادة بالجوهرية وبالمشهد الحسيني ويحضر درسه فيه الجم الغفير من العامة ويستفيدون منه ويقرأ به كتب الحديث كالبخارى ومسلم وكان حسن الالقاء سلس التقرير جيد الحافظة جميل
السيرة مقبلا على شأنه ولم يزل ملازما على حالته حتى اتهم في اثارة الفتنة وقتل بالقلعة شهيدا بيد الفرنسيس في اواخر جمادى الاولى من السنة ولم يعلم له قبر
ومات الشاب الصالح والنبيه الفالح الفاضل الفقيه الشيخ يوسف المصيلحي الشافعي الازهري حفظ القرآن والمتون وحضر دروس اشياخ العصر كالشيخ الصعيدي والبراوي والشيخ عطية الاجوري والشيخ احمد العروسي وحضر الكثير على الشيخ محمد المصيلحي وأنجب وأملى دروسا بجامع الكردي بسويقة اللالا وكان مهذب النفس لطيف الذات حلو الناطقة مقبول الطلعة خفيف الروح ولم يزل ملازما على حاله حتى اتهم ايضا في حادثة الفرنسيس وقتل مع من قتل شهيدا بالقلعة
ومات العمدة الشهير الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان بزاويتهم المعروفة الان بالشنواني تولى شيخا على العميان المذكورين بعد وفاة الشيخ الشبراوي وسار فيهم بشهامة وصرامة وجبروت وجمع بجاههم اموالا عظيمة وعقارات فكان يشتري غلال المستحقين المعطلة بالابعاد بدون الطفيف ويخرج كشوفاتها وتحاويلها على الملتزمين ويطالبهم بها كيلا وعينا ومن عصى عليه ارسل اليه الجيوش الكثيرة من العميان فلا يجد بدا من الدفع وان كانت غلاله معطلة صالحة بما أحب من الثمن وله أعوان يرسلهم الى الملتزمين بالجهة القبلية يأتون اليه بالسفن المشحونة بالغلال والمعاوضات من السمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك ويبيعها في سني الغلوات بالسواحل والرقع بأقصى القيمة ويطحن منها على طواحينه دقيقا ويبيع خلاصته في البطط بحارة اليهود ويعجن نخالته خبزا لفقراء العميان يتقوتون به مع ما يجمعونه من الشحاذة في طوافهم آناء الليل وأطراف النهار بالاسواق والازقة وتغنيهم بالمدائح الخرافات وقراءة القرآن في البيوت ومساطب الشوارع وغير ذلك ومن مات منهم ورثة الشيخ المترجم المذكور وأحرز لنفسه ما جمعه ذلك الميت وفيهم من وجد له الموجود العظيم ولا يجد له معارضا في ذلك
واتفق ان الشيخ الحفني نقم عليه في شيء فأرسل اليه من أحضره موثوقا مكشوف الرأس مضروبا بالنعالات على دماغه وقفاه من بيته الى بيت الشيخ بالموسكي بين ملأ العالم ولما انقضت تلك السنون وأهلها صار المترجم من أعيان الصدور المشار اليهم في المجالس تخشى سطوته وتسمع كلمته ويقال قال الشيخ كذا وأمر الشيخ بكذا وصار يلبس الملابس والفراوي ويركب البغال واتباعه محدقة به وتزوج الكثير من النساء الغنيات الجميلات واشتر السراري البيض والحبش والسود وكان يفرض الاكابر المقادير الكثيرة من المال ليكون له عليهم الفضل والمنة ولم يزل حتى حمله التفاخر في زمن الفرنسيس على تولية كبر أثارة الفتنة التي أصابته وغيره وقتل فيمن قتل بالقلعة ولم يعلم له قبر وكان ابنه معوقا ببيت البكري فلما علم بموته قلق وكاد يخرج من عقله خوفا على ما يعلم مكانه من مال أبيه حتى خلص في ثاني يوم بشفاعة المشايخ ولم يكن مقصودا بالذات بل حضر ليعود أباه فحجزه القومه عليهم زيادة في الاحتياط
ومات الاجل المفوه العمدة الشيخ اسمعيل البراوي بن احمد البراوي الشافعي الازهري وهو ابن اخي الشيخ عيسى البراوي الشهير الذكر تصدر بعد وفاة والده في مكانه وكان قليل البضاعة الا انه تغلب عليه النباهة واللسانة والسلاطة والتداخل وذلك هو الذي أوقعه في حبائل الفرنساوية وقتل مع من قتل شهيدا ولم يعلم له قبر غفر الله لنا وله
ومات الوجيه الاجل الامثل السيد محمد كريم وخبره انه كان في اول أمره قبانيا يزن البضائع في حانوت بالثغر وعنده خفة في الحركة وتودد في المعاشرة فلم يزل يتقرب الى الناس بحسن التودد ويستجلب خواطر حواشي الدولة وغيرهم من تجار المسلمين والنصارى ومن له وجاهة وشهرة في ابناء جنسه حتى أحبه الناس واشتهر ذكره في ثغر الاسكندرية ورشيد ومصر واتصل بصالح بك حتى كان وكيلا بدار السعادة وله الكلمة النافذة في ثغر رشيد وتملكها وضواحيها واسترق أهلها وقلد
أمرها لعثمان خجا فاتحد وبمخدومه السيد محمد المذكور واتصل بمراد بك بعد صالح أغا فتقرب اليه ووافق منه الغرض ورفع شأنه على اقرانه وقلده أمر الديوان والجمارك بالثغر ونفذت كلمته واحكامه وتصدر لغالب الامور وزاد في المكوسات والجمارك ومصادرات التجار خصوصا من الإفرنج ووقع بينه وبين السيد شهبة الحادثة التي أوجبت له الاختفاء بالصهريج وموته فيه فلما حضر الفرنسيس ونزلوا الاسكندرية قبضوا على السيد محمد المذكور وطالبوه بالمال وضيقوا عليه وحبسوه في مركب ولما حضروا الى مصر وطلعوا الى قصر مراد بك وفيها مطالعته بأخبارهم وبالحث والاجتهاد على حربهم وتهوين أمرهم وتنقيصهم فاشتد غيظهم عليه فأرسلوا وأحضروه الى مصر وحبسوه فتشفع فيه ارباب الديوان عدة مرار فلم يمكن الى ان كانت ليلة الخميس فحضر اليه مجلون وقال له المطلوب منك كذا وكذا من المال وذكر له قدرا يعجز عنه واجله اثنتي عشرة ساعة وان لم يحضر ذلك القدر والا يقتل بعد مضيها فلما اصبح ارسل الى المشايخ والى السيد احمد المحروقي فحضر اليه بعضهم فترجاهم وتداخل عليهم واستغاث وصار يقول لهم اشتروني يا مسلمون وليس بيدهم ما يفتدونه به وكل انسان مشغول بنفسه ومتوقع لشيء يصيبه وذلك في مبادىء امرهم فلما كان قريب الظهر وقد انقضى الاجل اركبوه حمارا واحتاط به عدة من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبل يضربون عليه وشقوا به الصليبة الى ان ذهبوا الى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحا وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم فيمن يقتلونه ثم قطعوا رأسه ورفعوها على نبرت وطافوا بها بجهات الرميلة والمنادى يقول هذا جزاء من يخالف الفرنسيس ثم ان اتباعه اخذوا رأسه ودفنوها مع جثته وانقضى أمره وذلك يوم الخميس خامس عشرى ربيع الاول
ومات الامير ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب وتقلد الزعامة بعد موت استاذه ثم تقلد الامارة
والصنجقية في أواخر جمادى الاولى سنة 1192 وهو اخو سليمان بك المعروف بالاغا وعندما كان هو واليا كان أخوه أغات مستحفظان واحكام مصر والشرطة بينهما وفي سنة سبع وتسعين تعصب مراد بك وابراهيم بك على المترجم واخرجوه منفيا هو واخوه سليمان بك وأيوب بك الدفتردار ولما أمروه بالخروج ركب في طوائفه ومماليكه وعدى الى بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظه ولاجين بك ولحقوا حملته عند المعادى فحجزوها وأخذوها وأخذوا هجنه ومتاعه وعدوا خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه وردوه الى قصر العيني ثم سفروه الى ناحية السرو ورأس الخليج فأقام بها اياما وكان أخوه سليمان بك بالمنوفية فلما أرسلوا بنفيه الى المحلة ركب بطوائفه وحضر الى مسجد الخضيري وحضر اليه أخوه المترجم وركبا معا وذهبا الى جهة البحيرة ثم ذهبا الى طندتا ثم ذهبا الى شرقية بلبيس ثم توجها من خلف الجبل الى جهة قبلي وكان أيوب بك المنصورة فلحق بهما ايضا كان بالصعيد عثمان بك الشرقاوي ومصطفى بك فالتفا عليهما وعصى الجميع وارسل مراد بك وابراهيم بك محمد كتخدا اباظة واحمد اغا شويكار الى عثمان بك ومصطفى بك يطلبانهما الى الحضور فأبيا وقالا لا نرجع الى مصر الا بصحبة اخواننا والا فنحن معهم أينما كانوا ورجع المذكوران بذلك الجواب فجهزوا لهم تجريدة وسافر بها ابراهيم بك الكبير وضمهم وصالحهم وحضر بصحبة الجميع الى مصر فحنق مراد بك ولم يزل حتى خرج مغضبا الى الجيزة ثم ذهب الى قبلي وجرى بينهما ما تقدم ذكره من ارسال الرسل ومصالحة مراد بك ورجوعه واخراج المذكورين ثانيا فخرجوا الى ناحية القليوبية وخرج مراد بك خلفهم ثم رجعوهم الى جهة الاهرام وقبض مراد بك عليهم ونفيهم الى جهة بحرى وأرسل المترجم الى طندتا ثم ذهبوا الى قبلي خلا مصطفى بك وايوب بك ثم رجعوا الى مصر بعد خروج مراد بك الى قبلي واستمر امرهم على ما ذكر حتى ورد حسن باشا وخرج الجميع وجرى ما تقدم ذكره وتولى المترجم امارة
الحاج ولم يسافر به ولما رجعوا الى مصر بعد الطاعون وموت اسمعيل بك ورجب بك صاهره ابراهيم بك الكثير وزوجه ابنته كما تقدم ولم يزل في سيادته وامارته حتى حضر الفرنساوية ووصلوا الى بر انبابة ومات هو في ذلك اليوم غريقا ولم تظهر رمته وذلك يوم السبت سابع صفر من السنة
ومات الامير علي بك الدفتردار المعروف بكتخدا الجاويشية وأصله مملوك سليمان افندي من خشداشين كتخدا ابراهيم القازدغلي وكان سيده المذكور رغب عن الامارة ورضي بحاله وقنع بالكفاف ورغب في معاشرة العلماء والصلحاء وفي الانجماع عن ابناء جنسه والتداخل في شؤونهم وكان يأتي في كل يوم الى الجامع الازهر ويحضر دروس العلماء ويستفيد من فوائدهم ولازم دروس الشيخ أحمد السليماني من الفقه الحنفي الى ان مات فتقيد بحضور تلميذه الشيخ احمد الغزي كذلك واقترن في حضوره بالشيخ عبد الرحمن العريشي وكان اذ ذاك مقتبل الشبيبة مجردا عن العلائق فكان يعيد معه الدروس فاتحد به لما رأى فيه من النجابة فجذبه الى داره وكساه وواساه واستمر يطالع معه في الفقه ويعيد معه الدروس ليلا وزوجه واغدق عليه وكان هو مبدأ زواجه ولم يزل ملازما حتى توفي سليمان افندي المذكور في سنة 1175 فتزوج المترجم بزوجة سيده واستمر هو وخشداشه الامير أحمد بمنزل استاذهما وتتوق نفس المترجم للترفع والامارة فتردد الى بيوت الامراء كغيره من الاجناد فقلده علي بك الكبير كشوفية شرق اولاد يحيى في سنة 1182 فتقلدها بشهامة وقتل البغاة واخاف الناحية وجمع منها أموالا واستمر حاكمها بها الى ان خالف محمد بك أبو الذهب على سيده علي بك وخرج من مصر الى الجهة القبلية فلما وصل الى الناحية كان المترجم أول من اقبل عليه بنفسه وما معه من المال والخيام فسر به محمد بك وقربه وادناه ولم يزل ملازما لركابه حتى جرى ما جرىوتملك محمد بك الديار المصرية فقلده اغاويه المتفرقة اياما قليلة ثم خيره في تقليده الصنجقية أو
كتخدا الجاويشية فقال له حتى استخير في ذلك وحضر الى المرحوم الشيخ الوالد وذكر له ذلك فأشار عليه بان يتقلد كتخدا الجاويشية فانه منصب جليل واسع الايراد وليس على صاحبه تعب ولا مشقة غفر ولا سفر تجاريد ولا كثرة مصايف فكان كذلك وذلك في سنة ست وثمانين وسكن ببيت سليمان اغا كتخدا الجاويشية بدرب الجماميز على بركة الفيل ونما امره واتسع حاله واشتهر وانتظم في عداد الامراء ولم يزل على ذلك الى ان مات محمد بك فاستقل بأمارة مصر ابراهيم بك ومراد بك فكان المترجم ثالثهما واتحد بابراهيم بك اتحادا عظيما حتى كان ابراهيم بك لا يقدر على مفارقته ساعة زمانية وصار معه كالاخ الشقيق والصاحب الشفيق وصار في قبول ووجاهة عظيمة وكلمة نافذة في جميع الامور ولم يزل على ذلك حتى حضر حسن باشا بالصورة المتقدمة وخرج ابراهيم بك ومراد بك وباقي الامراء فتخلف عنهم المترجم وقد كان راسل حسن باشا سرا فلما استقر حسن باشا اقبل عليه وسلمه مقاليد الامور وقلده الصنجقية واضاف اليه الدفتردارية وفوض اليه جميع الامور الكلية والجزئية فانحصرت فيه رياسة مصر وصار عزيزها واميرها ووزيرها وقائدها جيوشها ولا يتم امر الا عن مشورته ورأيه واجتمعت ببيته الدواوين وقلد الامريات والمناصب كما يختار وقرب وادنى وابعد واقصى من يختار واشتهر ذكره في اقليم مصر والشام والروم واشار بتقليد مراد كاشف الصنجقية وامارة الحاج وسموه محمد بك المبدول كراهة في اسم مراد واشتهر بالمبدول ونجزله لوازم الحاج والصرة في أيام قليلة وسافر بالحاج على النسق المعتاد وشهل ايضا التجاريد والعساكر خلف الامراء المطرودين واستمر مطلق التصرف في مملكة مصر بقية السنة
ولما استهل رمضان ارسل لجميع الامراء والاعيان البلكات والكساوي لهم ولحريمهم ومماليكهم بالاحمال وكذلك الى العلماء والمشايخ حتى الفقهاء الخاملين المحتاجين وظن ان الوقت قد صفا له ولم يزل على ذلك
حتى استقر اسمعيل بك وسافر حسن باشا وظهر له امر حسن بك الجداوي وخشداشينه أخذ يناكد المترجم ويعارضه في جميع اموره وهو يسامح له في كل ما يتعرض له فيه ويساير حاله بينهم ويكظم غيظه ويكتم قهره وهو مع ذلك وافر الحرمة واعتراه صداع في راسه وشقيقة زال ألمه بها ووجعه أشهرا وأتلف احدى عينيه وعوفى قليلا واستمر على ذلك حتى وقع الطاعون بمصر سنة خمس ومات ابن له مراهق احزنه موته وكذلك ماتت زوجته واكثر جواريه ومماليكه ومات اسمعيل بك وامراؤه ومماليكه ورضوان بك العلوي وبقي هو وحسن بك الجاوي فتجاذبا الامارة ولم يرض احدهما بالاخر فوقع الاتفاق على تأمير عثمان بك طبل تابع اسمعيل بك ظنا منهما انه يصلح لذلك وانه لا يمالىء الاعداء فكان الامر بخلاف ذلك وكره الامارة هو ايضا لمناكدة حسن بك له وراسل الامراء القبليين سرا حتى حضر واعلى الصورة المتقدمة وقصد حسن بك وعلي بك الاستعداد لحربهم وخرجوا الى ناحية طرا وتأهبوا لمبارزتهم وصار عمثان بك يثبطهما ويظهر لهما انه يدير الحيل والمكايد ولم يعلما ضميره ولم يخطر ببالهما ولا غيرهما خيانته بل كان كل منهما يظن بالآخر حتى حصل ما تقدم ذكره في محله وفر المترجم وحسن بك الى ناحية قبلي فاستمر هناك مدة ثم انفصل عن حسن بك وسافر من القصير الى بحر القلزم وطلع الى المويلح وارسل بعض ثقاته فأخذ بعض الاحتياجات سرا وذهب من هناك الى الشام واجتمع بأحمد باشا الجزار ونزل بحيفا واقام بها مدة راسل الدولة في امره فطلبوه ايهم فلما قرب من اسلامبول ارسلوا اليه من أخذه وذهب به الى برصا فأقام هناك وعينوا له كفايته في كل شهر وولد له هناك اولاد ثم احضروه في حادثة الفرنسيس واعطوه مراسيم الى ابراهيم باشا سارى عسكر في ذلك الوقت فلما وصل بيروت راسل احمد باشا واراد الاجتماع به علم احمد باشا ما بيد من المرسومات الى ابراهيم باشا فتنكر له وانحرف طبعه منه وارسل اليه يأمره بالرحيل وصادف ذلك عزل ابراهيم باشا
فارتحل مقهورا الى نابلس فمات هناك بقهره وحضر من بقى من مماليكه الى مصر وسكنوا بداره التي بها مملوكه عثمان كاشف وابنته التي تركها بمصر صغيرة وقد كبرت وتأهلت للزواج فتزوج بها خازنداره الذي حضر وهو الآن مقيم معها صحبة خشداشينه ببيتها الذي بدرب الحجر
وكان المترجم اميرا لا بأس به يميل الى فعل الخير حسن الاعتقاد ويحب اهل العلم والفضائل ويعظمهم ويكرمهم ويقبل شفاعاتهم وفيه رقة طبع وميل للخلاعة والتجاهر غفر الله له وسامحه
ومات ايضا الامير ايوب بك الدفتردار وهو من مماليك محمد بك تولى الامارة والصنجقية بعد موت استاذه وقد تقدم ذكره غير مرة وكان ذا دهاء ومكر ويتظاهر بالانتصار للحق وحب الاشراف والعلماء ويشتري المصاحف والكتب ويحب المسامرة والمذاكرة وسير المتقدمين ويواظب على الصلاة في الجماعة ويقضي حوائج السائلين والقاصدين بشهامة وصرامة وصدع للمعاند خصوصا اذا كان الحق بيده ويتعلل كثير بمرض البواسير وسمعت من لفظه رؤيا رآها قبل ورود الفرنسيس بنحو شهرين تدل على ذلك وعلى موته في حربهم
ولما حصل ذلك وحضروا الى بر انبابة عدى المترجم قبل بيومين وصار يقول انا بعت نفسي في سبيل الله فلما التقى الجمعان لبس سلاحه بعد ما توضأ وصلى ركعتين وركب في مماليكه وقال اللهم اني نويت الجهاد في سبيلك واقتحم مصاف الفرنساوية والقى نفسه في نارهم واستشهد في ذلك اليوم وهي منقبة اختص بها دون اقرانه بل ودون غيرهم من جميع أهل مصر
ومات الامير صالح بك أمير الحاج في تلك السنة وهو ايضا من مماليك محمد بك ابي الذهب وتولى زعامة مصر بعد ابراهيم بك الوالي واحسن فيها السيرة ولم يتشك منه احد ولم يتعرض لاحد بأذية وتقلد ايضا كتخدا الجاويشية عندما خرج ابراهيم بك مغاضبا لمراد بك وكان خصيصا به فلما اصطلحا ورجع ابراهيم بك وعلي اغا كتخدا الجاويشية
تقلد على منصبه كما كان واستمر المنترجم بطالا لكنه وافر الحرمة معدودا في الاعيان ولما خرجوا من مصر في حادثة حسن باشا ارسله خشداشينه الى الروم وكاد يتم لهم الامر فقبض عليه حسن باشاوكان اذ ذاك بالعرضي في السفر ولما رجعوا الى مصر بعد موت اسمعيل بك سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته وهي ام ايوب التي كانت سرية مراد بك ثم سافر ثانيا الى الروم بمراسلة وهدية وقضى اشغاله ورجع بالوكالة واخذ بيت الحبانية من مصطفى اغا وعزله من وكالة دار السعادة وسكن بالبيت واختص بمراد بك اختصاصا زائدا وبنى له دار بجانبه بالجيزة وصار لا يفارقه قط وصار هو بابه الاعظم في المهمات وكان فصيح اللسان مهذب الطبع يفهم بالاشارة يظن من يراه انه من اولاد العرب لطلاقة لسانه وفصاحة كلامه ويميل بطبعه الى الخلاعة وسماع الالحان والاوتار ويعرف طرقها ويباشر الضرب عليها بيده ثم ولى الصنجقية وتقلد امارة الحج سنة 1212 وتمم اشغاله وأموره ولوازمه على ما ينبغي وطلع بالحج في تلك السنة في أبهة عظيمة على القانون القديم في أمن وأمان ورخاء وسخاء وراج موسم التجار في تلك السنة الى الغاية
وفي أيام غيابه بالحج وصل الفرنساوية الى القطر المصري وطار اليهم الخبر بسطح العقبة وارسلوا من مصر مكاتبة بالأمان وحضوره بالحج في طائفة قليلة فأرسل اليهم ابراهيم بك يطلبهم الى بلبيس فعرج المترجم بالحاج الى بلبيس وجرى ما تقدم ذكره ولم يزل حتى مات بالديار الشامية وبعد مدة أرسلت زوجته فأحضرت رمته ودفنتها بمصر بتربة المجاورين
ومات العمدة الفاضل والنحرير الكامل الفقيه العلامة السيد مصطفى الدمنهوري الشافعي تفقه على أشياخ العصر وتمهر في المعقولات ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي ملازمة كلية واشتهر بنسبته اليه ولما ولى مشيخة الازهر صار المترجم عنده هو صاحب الحل والعقد في القضايا والمهمات والمراسلات عند الاكابر والاعيان وكان عاقلا ذكيا وفيه ملكة واستحضار جيد للفروع الفقهية وكان يكتب على الفتاوى على لسان
شيخه المذكور ويتحرى الصواب وعبارت سلسلة جيدة وكان له شغف بكتب التاريخ وسير المتقدمين واقتنى كتبا في ذلك مثل كتاب السلوك والخطط للمقريزي واجزا من تاريخ العيني والسخاوي وغير ذلك ولم يزل حتى ركب يوما بغلته وذهب لبعض أشغاله فلما كان بخطبة الموسكي قابله خيال فرنساوي يخج فرسه فجفلت بغلة السيد مصطفى المذكور والقته من على ظهرها الى الارض وصادف حافر فرس الفرنساوي أذنه فرض صماخه فلم ينطق ولم يتحرك فرفعوه في تابوت الى منزله ومات من ليلته رحمه الله
ومات عبد الله كاشف الجرف وهو عبد اسمعيل كاشف الجرف تابع عثمان بك ذي الفقار الكبير وكان معروفا بالشجاعة والاقدام كسيده وأدرك بمصر إمارة وسيادة ونفاذ كلمة واشترى المماليك الكثيرة والخيول المسومة والجواري والعبيد وعنده عدة من الاجناد والطوائف وعمر دارا عظيمة داخل الدرب المحروق ولم يزل حتى قتل يوم السبت تاسع صفر بحرب الفرنساوية بأنبابة وكان جسيما أسود ذا شهامة وفروسية مشهورة وجبروت
ثم دخلت سنة اربع عشر ومائتين وألف
استهل شهر المحرم بيوم الاربعاء فيه حضر جماعة من الفرنسيس الى العادلية فضربوا خمسة مدافع لقدومهم فلما كان في ثاني يوم عملوا الديوان وأبرزوا مكتوبا مترجما ونسخته صورة جواب من العرضي قدام عكا وفي سابع عشرين فريبال الموافق لحادي عشر شهر الحجة 1213 من بونابارته سارى عسكر أمير الجيوش الفرنساوية الى محفل ديوان مصر نخبركم عن سفره من بر الشام الى مصر فاني بغاية العجلة بحضوري لطرفكم نسافر بعد ثلاثة أيام تمضي من تاريخه ونصل عندكم بعد خمسة عشر يوما وجائب معي جملة محابيس بكثرة وبيارق ومحقت سراية الجزار وسور عكا وبالقنبر هدمت البلد ما أبقيت فيها حجرا على حجر وجميع سكانها انهزموا من البلد الى طريق البحر والجزار مجروح ودخل بجماعته داخل برج من ناحية البحر وجرحه يبلغ لخطر الموت ومن جملة ثلاثين مركبا موسوقة عساكر الذين حضروا يساعدون الجزار ثلاثة غرقت من كثرة مدافع مراكبنا واخذنا منها أربعة موقره مدافع والذي أخذ هذه الاربعة فرقاطه من بتوعنا والباقي تلف وتبهدل والغالب منهم عدم واني بغاية الشوق الى مشاهدتكم لاني بشوف انكم عملتم غاية جهدكم من كل قلبكم لكن جملة فلاتية دائرون بالفتنة لاجل ما يحركون الشر في وقت دخولي كل هذا يزول مثل ما يزول الغيم عند شروق الشمس ومنتوره مات من تشويش هذا الرجل صعب علينا جدا والسلام ومنتوره هذا ترجمان سارى عكسر وكان لبيبا متبحرا ويعرف باللغات التركية والعربية والرومية والطلبياني والفرنساوي ولما عجز الفرنساوية عن أخذ عكا وعزموا على الرجوع الى مصر ارسل بونابارته مكاتبة الى الفرنساوية المقيمين بمصر يقول فيها ان الامر الموجب للانتقال عن محاصرة عكا خمسة عشر سببا
الاول الإقامة تجاه البلدة وعدم الحرب ستة ايام الى ان جاءت الانكليز وحصنوا عكا باصطلاح الافرنج
الثاني الستة مراكب التي توجهت من الاسكندرية فيها المدافع الكبار أخذها الانكليز قدام يافا
الثالث الطعون الذي وقع في العسكر ويموت كل يوم خمسون وستون عسكريا
الرابع عدم الميرة لخراب البلاد قريب عكا
الخامس وقعة مراد بك مع الفرنساوية في الصعيد مات فيها مقدار ثلثمائة فرنساوي
السادس بلغنا توجه اهل الحجاز صحبة الجيلاني لناحية الصعيد
السابع المغربي محمد الذي صار له جيش كبير وادعى انه من سلاطين المغرب
الثامن ورود الانكليز تجاه الاسكندرية ودمياط
التاسع ورود عمارة الموسقو قدام رودس
العاشر ورود خبر نقض الصلح بين الفرنساوية والنيمساء
الحادي عشر ورود جواب مكتوب منا لتيبو احد ملوك الهند كنا ارسلناه قبل توجهنا لعكا وتيبوا هذا هو الذي كان حضر الى اسلامبول بالهدية التي من جملتها طائران يتكلمان بالهندية والسرير والمنبر من خشب العود وطلب منه الامداد والمعاونة على الانكليز المحاربين له في بلاده فوعدوه ومنوه وكتبوا له أوراقا واوامر وحضر الى مصر وذلك في سنة 1202 ايام السلطان عبد الحميد وقد سبقت الاشارة اليه في حوادث تلك السنة وهو رجل كان مقعدا تحمله اتباعه في تخت لطيف بديع الصنعة على اعناقهم ثم انه توجه الى بلاد فرنسا واجتمع بسلطانها وذلك قبل حضوره الى مصر واتفق معه على أمر في السر لم يطلع عليه أحد غيرهما ورجع الى بلاده على طريق القلزم فلما قدم الفرنساوية لمصر كاتبه كبيرهم بذلك السر لانه اطلع عليه عند قيام الجمهور وتملكه خزانة كتب السلطان ثم ان تيبوا المذكور بقي في حرب الانكليز الى ان ظفروا به في هذه السنة وقتلوه وثلاثة من اولاده فهذا ملخص معنى السبب
الثاني عشر موت كفرللي الذي عملت المتاريس بمقتضى رأيه واذا تولى امرها غيره يلزم نقضها ويطول الامر وكفرللي هذا هو المعروف بابي خشبة المهندس
الثالث عشرة سماع ان رجلا يقال له مصطفى باشا أخذه الانكليز من اسلامبول ومرادهم أن يرموه على بر مصر
الرابع عشر ان الجزار أنزل ثقله بمراكب الانكليز وعزم على انه عندما تملك البلد ينزل في مراكبهم ويهرب معهم
الخامس عشر لزوم ومحاصرة عكا ثلاثة شهور أو أربعة وهو مضر لكل ما ذكرناه من الاسباب انتهى
وفي يوم الثلاثاء سابعه حضر جماعة ايضا من العسكر بأثقالهم وحضرت
مكاتبة من كبير الفرنساوية انه وصل الى الصالحية وأرسل دوجا الوكيل ونبه على الناس بالخروج لملاقاته بموجب ورقة حضرت من عنده يأمر بذلك
فلما كان ليلة الجمعة عاشره أرسلوا الى المشايخ والوجاقات وغيرهم فاجتمعوا بالازبكية وقت الفجر بالمشاعل ودقت الطبول وحضر الحكام والقلقات بمواكب وطبول وزمور ونوبات تركية وطبول شامية وملازمون وجاويشية وغير ذلك وحضر الوكيل وقائمقام وأكابر عساكرهم وركبوا جميعا بالترتيب من الازبكية الى أن خرجوا الى العادلية فقابلوا سارى عسكر بونابارته هناك وسلموا عليه ودخل معهم الى مصر من باب النصر بموكب هائل بعساكرهم وطبولهم وزمورهم وخيولهم وعرباتهم ونسائهم وأطفالهم في نحو خمس ساعات من النهار الى ان وصل الى داره بالازبكية وانفض الجمع وضربوا عدة مدافع عند دخولهم المدينة وقد تغيرت ألوان العسكر القادمين واصفرت ألوانهم وقاسوا مشقة عظيمة من الحر والتعب وأقاموا على حصار عكا أربعة وستين يوما حربا مستقيما ليلا ونهارا وأبلى أحمد باشا وعسكره بلاء حسنا وشهد له الخصم
وفيه قبضوا على اسمعيل القلق الخربطلي وهو المتولي كتخدا العزب وكان ساكنا بخط الجمالية وأخذوا سلاحه واصعدوه الى القلعة وحبسوه والسبب في ذلك انه عمل تل الليلة وليمة ودعا أحبابه وأصدقاءه وأحضر لهم آلات اللهو والطرب وبات سهرانا بطول الليل فلما كان اخر الليل غلب عليهم السهر والسكر فناموا الى ضحوة النهار وتأخر عن الملاقاة فلما أفاق ركب ولاقاهم عند باب النصر فنقموا عليه بذلك وفعلوا معه ما ذكر ولما وصل سارى عسكر الفرنساوية الى داره بالازبكية تجمع هناك أرباب الملاهي والبهالوين وطوائف الملاعبين والحواة والقرادين والنساء الراقصات والخلابيض ونصبوا أراجيح مثل ايام الاعياد والمواسم واستمروا على ذلك ثلاثة ايام وفي كل يوم من تلك الايام يعملون شنكا وحراقات ومدافع وسواريخ ثم انفض الجمع بعد ما أعطاهم سارى عسكر دراهم وبقاشيش
وفي يوم الاحد عزلوا دستان قائمقام وتولى عوضه دوجا الذي كان وكيلا عن سارى عسكر وتهيأ المعزول للسفر الى جهة بحرى وأصبح مسافرا وصحبته نحو الآلف من العسكر وسافر ايضا منهم طائفة الى جهة البحيرة
وفيه طلبوا من طوائف النصارى دراهم سلفة مقدار مائة وعشرين ألف ريال
وفي خامس عشرة أرسلوا الى زوجات حسن بك الجداوي وختموا على دورهن ومتاعهن وطالبوهن بالمال وذلك لسبب ان حسن بك التف على مراد بك وصار يقاتل الفرنسيس معه وقد كانت الفرنسيس كاتبت حسن بك وأمتته وأقرته عل ما بيده من البلاد وان لا يخالف ويقاتل مع الاخصام فلم يقبل منهم ذلك فلما وقع لنسائه ذلك ذهبن الى الشيخ محمد المهدي ووقعن عليه فصالح عليهم بمبلغ ثلاثة آلاف فرانسة
وفي تاسع عشرة هلك مخاييل كحيل النصراني الشامي وهو من رجال الديوان الخصوصي فجأة وذلك لقهره وغمه وسبب ذلك أنهم قرروا عليه في السلفة ستة آلاف ريال فرانسة وأخذ في تحصيلها ثم بلغه أن أحمد باشا الجزار قبض على شريكه بالشام واستصفى ما وجده عنده من المال فورد عليه الخبر وهو جالس يتحدث مع اخوانه حصة من الليل فخرجت روحه في الحال
وفيه كتبوا أوراقا وطبعوها والصقوها بالاسواق وذلك بعد ان رجعوا من الشام واستقروا وهي من ترصيف وتنميق بعض الفصحاء
وصورتها من محفل الديوان الخصوصي بمحروسة مصر خطابا لاقاليم مصر الشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والجيزة والبحيرة النصيحة من الايمان قال تعالى في محكم القرآن ولا تتبعوا خطوات الشيطان وقال تعالى وهو اصدق القائلين في الكتاب المكنون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فعلى العاقل يتدبر في الامور قبل أن يقع في المحذور نخبركم معاشر
المؤمنين انكم لا تسمعوا كلام الكاذبين فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وقد حضر الى محروسة مصر المحمية امير الجيوش الفرنساوية حضرة بونابارته محب الملة المحمدية ونزل بعسكره في العادلية سليما من العطب والاسقام ودخل الى مصر من باب النصر يوم الجمعة في موكب عظيم وشنك جليل فخيم وصحبته العلماء والوجاقات السلطانية وأرباب الاقلام الديوانية وأعيان التجار المصرية وكان يوما عظيما مشهودا وخرجت اهل مصر لملاقاته فوجدوه وهو الامير الاول بذاته وصفاته وظهر لهم ان الناس يكذبون عليه شرح الله صدره للاسلام والذي أشاع عنه الاخبار الكاذبة العربان الفاجرة والغز الهاربة ومرادهم بهذه الاشاعة هلاك الرعية وتدمير اهل الملة الاسلامية وتعطيل الاموال الديوانية لا يحبون راحة العبيد وقد أزال الله دولتهم من شدة ظلمهم ان بطش ربك لشديد وقد بلغنا ان الالفي توجه الى الشرقية مع بعض المجرمين من عربان بلى والعيايدة الفجرة المفسدين يسعون في الارض بالفساد وينهبون أموال المسلمين ان ربك لبالمرصاد ويزورون على الفلاحين المكاتيب الكاذبة ويدعون ان عساكر السلطان حاضرة والحال انها ليست بحاضرة فلا أصل لهذا الخبر ولا صحة لهذا الأثر وانما مرادهم وقوع الناس في الهلاك والضرر مثل ما كان يفعل ابراهيم بك في غزة حيث كان ويرسل فرمانات بالكذب والبهتان ويدعى انها من طرف السلطان ويصدقه أهل الارياف خسفاء العقول ولا يقرأون العواقب فيقعون في المصائب وأهل الصعيد طردوا الغز من بلادهم خوفا على أنفسهم وهلاك عيالهم وأولادهم فان المجرم يؤخد مع الجيران وقد غضب الله على الظلمة ونعوذ بالله من غضب الديان فكان اهل الصعيد احسن عقلا من اهل بحرى بسبب هذا الرأي السديد ونخبركم ان احمد باشا الجزار سموه بهذا الاسم لكثرة قتله الانفس ولا يفرق بين الاخبار والاشرار وقد جمع الطموش الكثيرة من العسكر والغز والعرب واسافل العشيرة وكان مراده الاستيلاء على مصر وأقاليمها واحبوا اجتماعهم عليه لاجل اخذ اموالها
وهتك حريمها ولكن لم تساعده الأقدار والله يفعل ما يشاء ويختار وقد كان ارسل بعض هذه العساكر الى قلعة العريش ومراده ان يصل الى قطيا فتوجه حضرة سارى عسكر امير الجيوش الفرنساوية وكسر عسكر الجزار الذين كانوا في العريش ونادوا الفرار الفرار بعدما حصل بعسكرهم القتل والدمار وكانوا نحو ثلاثة آلاف وملك قلعة العريش واخذ غزة وهرب من كان فيها وفروا ولما دخل غزة نادى في رعيتها بالامان وامر باقامة الشعائر الاسلامية واكرام العلماء والتجار والاعيان ثم انتقل الى الرملة واخذ ما فيها من بقسماط وارز وشعير وقرب اكثر من الفي قربة كبار كان قد جهزها الجزار لذهابه الى مصر ثم توجه الى يافا وحاصرها ثلاثة ايام ثم اخذها واخذ ما فيها من ذخائر الجزار بالتمام ومن نحوسات اهلها انهم لم يرضوا بأمانة ولم يدخلوا تحت طاعته واحسانه فدور فيهم السيف من شدة غيظه وقوة بأسه وسلطانه وقتل منهم نحو اربعة آلاف او يزيدون بعدما هدم سورها واكرم من كان بها من اهل مصر واطعمهم وكساهم وجهزهم في المراكب الى مصر وغفرهم بعسكره خوفا عليهم من العربان واجزل عطاياهم وكان في يافا نحو خمسة آلاف من عسكر الجزار هلكوا جميعا وبعضهم ما نجاه الا الفرار ثم توجه من يافا الى جبل نابلس فكسر من كان فيه من العساكر بمكان يقال له فاقوم وحرق خمسة بلاد من بلادهم وما قدر كان ثم اخرب سور عكا وهدم قلعة الجزار التي كانت حصينة لم يبق فيها حجر على حجر حتى انه يقال كان هناك مدينة وقد كان بني حصارها وشيد بنيانها في نحو عشرين من السنين وظلم في بنيانها عباد الله وهكذا عاقبة بنيان الظالمين ولما توجه اليه أهل بلاد الجزار من كل ناحية كسرهم كسرة شنيعة فهل ترى لهم من باقية نزل عليهم كصاعقة من السماء ثم توجه راجعا الى مصر المحروسة لاجل شيئين
الاول انه وعدنا برجوعه الينا بعد أربعة أشهر والوعد عند الحردين
والسبب الثاني انه بلغه ان بعض المفسدين من الغز والعربان يحركون
في غيابه الفتن والشرور في بعض الاقاليم والبلدان فلما حضر سكنت الفتنة وزالت الاشرار والفجرة من الرعية وحبه لمصر واقليمها شيء عجيب ورغبته في الخير لاهلها ونيلها بفكره وتدبيره المصيب ويرغب ان يجعل فيها احسن التحف والصناعة ولما حضر من الشام أحضر معه جملة من الاسارى من خاص وعام وجملة مدافع وبيارق اغتنمها في الحروب من الاعداء والاخصام فالويل كل الويل لمن عاداه والخير كل الخير لمن والاه فسلموا يا عباد الله وارضوا بتقدير الله وامتثلوا لاحكام الله ولا تسعوا في سفك دمائكم وهتك عيالكم ولا تتسببوا في نهب أموالكم ولا تسمعوا كلام الغز الهربانين الكاذبين ولا تقولوا ان في الفتنة اعلاه كلمة الدين حاشا الله لم يكن فيها الا الخذلان وقتل الانفس وذل أمة النبي عليه الصلاة و السلام والغز والعربان يطمعوكم ويغروكم لاجل أن يضروكم فينهبوكم واذا كانوا في بلد وقدمت عليهم الفرنسيس فروا هاربين منهم كأنهم جند ابليس ولما حضر سارى عسكر الى مصر أخبر أهل الديوان من خاص وعام انه يحب دين الاسلام ويعظم النبي عليه الصلاة و السلام ويحترم القرآن ويقرأ منه كل يوم باتقان وأمر بأقامة شعائر المساجد الاسلامية واجراء خيرات الاوقاف السلطانية واعطى عوائد الوجاقلية وسعى في حصول اقوات الرعية فانظروا هذه الالطاف والمزية ببركة نبينا اشرف البرية وعرفنا ان مراده ان يبني لنا مسجدا عظيما بمصر لا نظير له في الاقطار وانه يدخل في دين النبي المختار عليه افضل الصلاة واتم السلام انتهى بحروفه
وكان أشيع بمصر قبل مجيئهم وعودهم من الشام بان سارى عسكر يونابارته مات بحرب عكا وتناقله الناس وانهم ولو اخلافه فهذا هو السبب في قولهم في ذلك الطومار وقد حضر سليما من العطب فوجدوه هو الامير الاول بذاته وصفاته الى آخر السياق المتقدم
وفي ثاني عشرينه أرسل سارى عسكر جماعة من العسكر وقبضوا على ملا زاده ابن قاضي العسكر ونهبوا بعضا من ثيابه وكتبه وطلعوا به
الى القلعة فانزعج عليه عياله وحريمه ووالدته انزعاجا شديدا وفي صبحها اجتمع أرباب الديوان بالديوان وحضر اليهم ورقة من كبير الفرنسيس قرئت عليهم مضمونها أن سارى عسكر قبض على ابن القاضي وعزله وانه وجه اليكم أن تقترعوا وتختاروا شيخا من العلماء يكون من أهل مصر ومولودا بها يتولى القضاء ويقضي بالاحكام الشرعية كما كانت الملوك المصرية يولون القضاء برأى العلماء للعلماء فلما سمعوا ذلك أجاب الحاضرون بقولهم اننا جميعا نتشفع ونترجى عنده في العفو عن ابن القاضي فإنه انسان غريب ومن أولاد الناس الصدور وان كان والده وافق كتخدا الباشا في فعله فولده مقيم تحت أمانكم والمرجو انطلاقه وعوده الى مكانه فان والدته وجدته وعياله في وجد وحزن عظيم عليه وسارى عسكر من اهل الشفقة والرحمة وتكلم الشيخ السادات بنحو ذلك وزاد في القول بان قال وايضا انكم تقولون دائما ان الفرنساوية احباب العثمانية وهذا ابن القاضي من طرف العثملي فهذا الفعل مما يسيء الظن بالفرنساوية ويكذب قولهم وخصوصا عند العامة فاجاب الوكيل بعدما ترجم له الترجمان بقوله لا بأس بالشفاعة ولكن بعد تنفيذ امر سارى عسكر في اختيار قاض خلافه والا تكونوا مخالفين ويلحقكم الضرر بالمخالفة فامتثلوا وعملوا القرعة فطلعت الاكثرية باسم الشيخ احمد العريشي الحنفي ثم كتبوا عرضحال بصورة المجلس والشفاعة وكتب عليه الحاضرون وذهب به الوكيل الى سارى عسكر وعرفه بما حصل وبما تكلم به الشيخ السادات فتغير خاطره عليه وأمر باحضاره آخر النهار فلما حضر لامه وعاتبه فتكلم بينهما الشيخ محمد المهدي ووكيل الديوان الفرنساوي بالديوان حتى سكن غيظه وامره بالانصراف الى منزله بعد ان عوقه حصة من الليل فلما اصبح يوم الجمعة عملوا جمعية في منزل دوجا قائمقام وركبوا صحبته الى بيت سارى عسكر ومعهم الشيخ احمد العريشي فألبسه فروة مثمنة وركبوا جميعا الى المحكمة الكبيرة بين القصرين ووعدهم بالافراج عن ابن القاضي بعد اربع وعشرين ساعة
وقد كانت عياله انتقلوا من خوفهم الى دار السيد احمد المحروقي وجلسوا عنده ولما كان في ثاني يوم افرجوا عنه ونزل الى عياله وصحبته أرباب الديوان والاغا ومشوا معه في وسط المدينة ليراه الناس ويبطل القيل والقال
وفي تلك الليلة قتلوا شخصين احدهما علي جاويش رئيس الريالة الذي كان بالاسكندرية عند حضور الفرنسيس والثاني قبطان آخره فلم يزالا بمصر يحبسونهما أياما ثم يطلقونهما فحبسوهما آخرا فلم يطلقوهما حتى قتلوهما
وفي صبيحة ذلك اليوم قتلوا شخصين ايضا من الاتراك بالرميلة
وفيه افرجوا عن زوجات حسن بك الجداوي
وفي ثامن عشرينه جمعوا الوجاقلية وكتبوا أسماءهم
وفي تاسع عشرينه قبضوا على ثلاثة انفار أحدهم يسمى حسن كاشف من اتباع ايوب بك الكبير وآخر يسمى ابو كلس والثالث رجل تاجر من تجار خان الخليلي يسمى حسين مملوك الدالي ابراهيم فسجنوهم بالقلعة فتشفع الشيخ السادات في حسين التاجر المذكور فأطلقوه على خمسة آلاف فرانسة
واستهل شهر صفر الخير بيوم الجمعة سنة
فيه افرجوا عن بعض قرابة كتخدا الباشا وكان محبوسا بالجيزة ثم نقل الى القلعة مع كتخدا قريبة فانطلق وبقي الاخروفي يوم الاحد ثالثه حضر السيد عمر افندي نقيب الاشراف سابقا من دمياط الى مصر وكان مقيما هناك من بعد واقعة يافا ونزل مع الذين انزلوهم من يافا الى البحر وفيهم عثمان افندي العباسي وحسن افندي كاتب الشهر واخوه قاسم افندي واحمد افندي عرفة والسيد يوسف العباسي والحاج قاسم المصلي وغيرهم فمنهم من عوق بالكرنتيلة ومنهم من حضر من البرخفية فحضر بعض الاعيان لملاقاة السيد عمر وركبوا معه بعد ان مكث هنيهة بزاوية علي بك التي بساحل بولاق حتى وصل الى
داره وتوجه ثاني يوم مع المهدي وقابل سارى عسكر فبش له ووعده بخير ورد اليه بعض تعلقاته واستمر مقيما بداره والناس تغدو وتروح اليه على العادة
وفي رابعة حضر ايضا حسن كتخدا الجربان بامان وكان بصحبته عثمان بك الشرقاوي وفيه اشيع ان مراد بك ذهب الى ناحية البحيرة فرار من الفرنسيس الذين بالصعيد
وفي خامسة قتلوا عبد الله آغا امير يافا وكان اخذ اسيرا وحبس ثم قتل
وفيه قتل ايضا يوسف جربجي ابو كلس ورفيقه حسن كاشف
وفي سادسه عمل الشيخ محمد المهدي وليمة عرس لزواج احد أولاده ودعا سارى عسكر وأعيان الفرنساوية فتعشوا عنده وذهبوا
وفيه أحضروا اربعة عشر مملوكا اسرى واصعدوهم الى القلعة قيل انهم كانوا لاحقين بمراد بك بالبحيرة فآوو الى قبة يستظلون بها وتركوا خيولهم مع السواس فنزل عليهم طائفة من العرب فأخذوا الخيول فمروا مشاة فدل الفلاحون عليهم عسكر الفرنسيس فمسكوهم وقيل انهم آووا الى بلده وطلبوا منهم غرامة فصالحوهم فلم يرضوا بذلك بدون ما طلبوا فوعدوهم بالدفع من الغد وكانوا أكثر من ذلك وفيهم كاشف من جماعة عثمان بك الطنبرجي فذهب الفلاحون الى الفرنسيس واعلموهم بمكانهم فحضروا اليهم ليلا وفر من فر منهم وقتل من قتل وأسر الباقي
وأما الكاشف فيسمى عثمان التجأ الى كبير الفرنسيس فحماه واخذه عنده وأحضروا الاسرى الى مصر وعليهم ثياب زرق وزعابيط وعلى رؤوسهم عراقي من لباد وغيره وأصعدوهم الى القلعة وقتلوا منهم في ثاني ليلة أشخاصا
وفي تاسعه احضروا ايضا ستة اشخاص من المماليك واصعدوهم الى القلعة وفي ذلك اليوم قتلوا أيضا نحو العشرة من الاسرى المحابيس
وفي يوم الاحد عاشره ركب في عصريته سارى عسكر وعدى الى بر الجيزة وتبعته العساكر ولم يعلم سبب ذلك ولما صاروا بالجيزة ضربوا
نجع البطران ودهشور بسبب نزول مراد بك عندهم وفي هذا اليوم ظهر ان مراد بك رجع ثانيا الى الصعيد وشاع الخبر ايضا ان عثمان بك الشرقاوي وسليمان اغا الوالي وآخرين مروا من خلف الجبل وذهبوا الى ناحية الشرق فخرج عليهم جماعة من العسكر وفيهم برطلمين يني الرومي رئيس عسكر الاروام ومعهم عدة وافرة من اخلاط العسكر اروام وقبط والمماليك المنضمة اليهم وبعض فرنساوية فأدركوهم بالقرب من بلبيس واتوهم من خلاف الطريق المسلوكة فدهموهم على حين غفلة وكان عثمان بك يغتسل فلما احسوا بهم بادروا للفرار وركبوا وركب عثمان بك بقميص واحد على جسده وطاقية فوق رأسه وهربوا وتركوا ثيابهم ومتاعهم وحملتهم وقدور الطعام على النار ولم يمت منهم الا مملوكان واسروا منهم اثنين ووجدوا على فراش عثمان بك مكاتبة من ابراهيم بك يستدعيهم الى الحضور اليه بالشام
وفي ليلة الاثنين حادي عشره وردت اخبار ومكاتيب مع السعاة لبعض الناس من الاسكندرية وابي قير واخبروا بانه وردت مراكب فيها عسكر عثمانية الى أبي قير فتبين ان حركة الفرنساوية وتعديتهم الى البر الغربي بسبب ذلك واخذوا صحبتهم جرجس الجوهري وفي ضحوة اليوم الثاني عدى الكثير من العسكر ايضا واهتم حنا بينو المتولي على بحر بولاق بجمع المراكب وشحنها بالقومانية والذخيرة وداخل الفرنساوية من ذلك وهم كبير ولما عدى كبيرهم الى بر الجيزة أقام يوم الاثنين عند الاهرام حتى تجمعت العساكر وبعث بالمقدمة وركب هو في يوم الثلاثاء ثاني عشره وأرسل مكتوبا الى ارباب الديوان بالسلام عليهم والوصية بالمحافظة وضبط البلد والرعية كما فعلوا في غيبته السابقة
وفي سادس عشره ورد الخبر بأن عثمان خجا وصل الى قلعة أبي قير صحبة السيد مصطفى باشا فضربوا على القلعة وقاتلوا من بها من الفرنساوية وملكوها وأسروا من بقي بها وعثمان خجا هذا هو الذي كان متواليا امارة رشيد من طرف صالح بك وحج معه ورجع صحبته الى الشام فلما
توفي صالح بك سافر الى الديار الرومية وحضر صحبة مصطفى باشاالمذكور فلما تحققت هذه الاخبار كثر اللغط في الناس وأظهروا البشر وتجاهروا بلعن النصارى واتفق انه تشاجر بعض المسلمين بحارة البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة مع بعض نصارى السوام فقال المسلم للنصراني ان شاء الله تعالى بعد أربعة ايام نشتقي منكم وكلام من هذا المعنى فذهب ذلك النصراني الى الفرنسيس مع عصبة من جنسه واخبروهم بالقصة وزادوا وحرفوا وعرفوهم ان قصد المسلمين اثارة فتنة فأرسل قائممقام الى الشيخ المهدي وتكلم معه في شأن ذلك وحاججه وأصبحوا فأجتمعوا بالديوان فقام المهدي خطيبا وتكلم كثيرا ونفى الريبة وكذب أقوال الاخصام وشدد في تبرئة المسلمين عما نسب اليهم وبالغ في الحطيطة والانتقاص من جانب النصارى وهذا المقام من مقاماته المحمودة ثم جمعوا مشايخ الاخطاط والحارات
وفي ثامن عشره وردت أخبار وعدة مكاتيب لكثير من الاعيان ولتجار وكلها على نسق واحد تزيد عن الماءة مضمونها بأن المسلمين وعسكر العثمانيين ومن معهم ملكوا الاسكندرية في ثالث ساعة من يوم السبت سادس عشر صفر فصار الناس يحكي بعضهم لبعض ويقول البعض أنا قرأت المكتوب الواصل الى فلان التاجر ويقول الآخر مثل ذلك ولم يكن لذلك أصل ولا صحة ولم يعلم من فعل هذه الفعلة واختلق هذه النكتة ولعلها من فعل بعض النصارى البلديين ليوقعوا بها فتنة في الناس ينشأ منها القتل فيهم والاذية لهم وسبحان الله علام الغيوب
وفي ليلة الاربعاء عشرينه اشيع أن الفرنساوية تحاربوا مع العساكر الواردين على ابي قير وظهروا عليهم وقتلوا الكثير منهم ونهبوهم وملكوا منهم قلعة أبي قير وأخذوا مصطفى باشا أسيرا وكذلك عثمان خجا وغيرهما واخبر الفرنسيس انه حضرت لهم مكاتبة بذلك من اكابرهم فلما طلع النهار ضربوا مدافع كثيرة من قلعة الجبل وباقي القلاع المحيطة وبصحن الازبكية وعملوا في ليلتها أعني ليلة الاربعاء حراقة بالازبكية
من نفوط وبارود وسواريخ تصعد في الهواء
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه وصلت عدة مراكب وبها اسرى وعساكر جرحى وكذلك يوم الجمعة تاسع عشرينه حضرت مكاتبة من الفرنسيس بحكاية الحالة التي وقعت لم اقف على صورتها
واستهل ربيع الاول بيوم السبت سنة
في ثانيه وصلت مراكب من بحري وفيها جرحى من الفرنساويةوفيه قبضوا على الحاج مصطفى البشتيلي الزيات من اعيان اهالي بولاق وحبسوه ببيت قائممقام والسبب في ذلك ان جماعة من جيرانه وشوا عنه بانه يدخل بعض حواصله الذي في وكالته عدة فدور مملوءة بالبارود فكبسوا على الحواصل فوجدوا بها ذلك أخبر الواشي فأخذوها وقبضوا عليه وحبسوه كما ذكر ثم نقلوه الى القلعة
وفي سادسه حضر ايضا جملة من العسكر وكثر لغط الناس على عادتهم في رواية الاخبار
وفيه حضرت حجاج المغاربة ووصلوا صحبة الحج الشامي وأخبروا انهم حجوا صحبته وأمير الحاج الشامي عبد الله باشا ابن العظم
وفي ليلة الاحد تاسعه حضر سارى عسكر الفرنساوية بونابارته ودخل الى داره بالازبكية وحضر صحبته عدة اناس من اسرى المسلمين وشاع الخبر بحضوره فذهب كثير من الناس الى الازبكية ليتحققوا الخبر على جليته فشاهدوا الاسرى وهم وقوف في وسط البركة ليراهم الناس ثم انهم صرفوهم بعد حصة من النهار فأرسلوا بعضهم الىجامع الظاهر خارج الحسينية واصعدوا باقيهم الى القلعة وأما مصطفى باشا سارى عسكر فانهم لم يقدموا به لمصر بل ارسلوه الى الجيزة مكرما وابقوا عثمان خجا بالاسكندرية ولما استقر بونابارته في منزله ذهب للسلام عليه المشايخ والاعيان وسلموا عليه فلما استقر بهم المجلس قال لهم على لسان الترجمان ان سارى عسكر يقول لكم انه لما سافر الى الشام كانت حالتكم طيبة في غيابه وأما في هذه المرة فليس كذلك لانكم كنتم تظنون أن الفرنسيس لا يرجعون بل يموتون عن آخرهم فكنتم فرحانين ومستبشرين وكنتم
تعارضوا الاغا في احكامه وان المهدي والصاوي ما هم بونوأى ليسوا بطيبين ونحو ذلك وسبب كلامه هذا الحكاية المتقدمة التي حبسوا بسببها مشايخ الحارات فان الاغا الخبيث كان يريد ان يقتل في كل يوم اناسا بادنى سبب فكان المهدي والصاوي يعارضانه ويتكلمان معه في الديوان ويوبخانه ويخوفانه سوء العاقبة وهو يرسل الى سارى عسكر فيطالعه بالاخبار يشكو منهما فلما حضر عاتبهم في شأن ذلك فلاطفوه حتى انجلى خاطره وأخذ يحدثهم على ما وقع له من القادمين الى أبي قير والنصر عليهم وغير ذلك
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل المولد النبوي بالازبكية ودعا الشيخ خليل البكري سارى عسكر الكبير مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده وضربوا ببركة الازبكية مدافع وعملوا حراقة وسواريخ ونادوا في ذلك اليوم بالزينة وفتح الاسواق والدكاكين ليلا واسراج قناديل واصطناع مهرجان وورد الخبر بان الفرنسيس احضروا عثمان خجا ونقلوه من الاسكندرية الى رشيد فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس حافي القدمين وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم حتى وصلوا به الى داره فقطعوا رأسه تحتها ثم رفعوا رأسه وعلقوها من شباك داره ليراها من يمر بالسوق
وفي ثالث عشره أشيع بان كبير الفرنسيس سافر الى جهة بحري ولم يعلم أحد أي جهة يريد وسئل بعض اكابرهم فأخبر ان سارى عسكر المنوفية دعاه لضيافته بمنوف حين كان متوجها الى ناحية ابي قير ووعده بالعود اليه بعد وصوله الى مصر وراج ذلك على الناس وظنوا صحته
ولما كان يوم الاثنين سادس عشره خرج مسافرا من آخر الليل وخفى امره على الناس
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه الموافق التاسع مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك فنودى بوفائه على العادة وخرج النصارى البلدية من القبطة والشوم والاروام وتأهبوا للخلاعة والقصف والتفرج واللهو والطرب
وذهبوا تلك الليلة الى بولاق ومصر العتيقة والروضة واكثروا المراكب ونزلوا فيها وصحبتهم الآلات والمغاني وخرجوا في تلك الليلة عن طورهم ورفضوا الحشمة وسلكوا مسلك الامراء سابقا من النزول في المراكب الكثيرة المقاذيف وصحبتهم نساؤهم وقحابهم وشرابهم وتجاهروا بكل قبيح من الضحك والسخرية والكفريات ومحاكاة المسلمين وبعضهم تزيابزي امراء مصر ولبس سلاحاوتشبه بهم وحاكى الفاظهم على سبيل الاستهزاء والسخرية وغير ذلك واجرى الفرنساوية المراكب المزينة وعليها البيارق وفيها انواع الطبول والمزامير في البحر ووقع في تلك الليلة بالبحر وسواحله من الفواحش والتجاهر بالمعاصي والفسوق مالا يكيف ولا يوصف وسلك بعض غوغاء العامة وأسافل العلام ورعاعهم مسالك تسفل الخلاعة ورذالة الرقاعة بدون ان ينكر احد على احد من الحكام او غيرهم بل كل انسان يفعل ما تشتهيه نفسه وما يخطر بباله وان لم يكن من امثاله
واكثر الفرنسيس في تلك الليلة وصباحها من رمي المدافع والسواريخ من المراكب والسواحل وباتوا يضربون انواع الطبول والمزامير وفي الصباح ركب دوجا قائممقام وصحبته اكابر الفرنسيس واكابر اهل مصر وحضروا الى قصر السد وجلسوا به واصطفت العساكر ببر الروضة وبر مصر القديمة باسلحتهم وطبولهم وبعضهم في المراكب لضرب المدافع المتتالية الى ان انكسر السد وجرى الماء في الخليج فانصرفوا
وفي خامس عشرينه طلبوا من كل طاحون من الطواحين فرسا
وفي سادس عشرينه كتبوااوراقا والصقوها بالاسواق مضمونها ان الناس يذهبون الى بولاق يوم التاسع والعشرين ليحضروا سوق الخيل ويشتروا ما احبوا من الخيل
وفيه الصقوا اوراقا ايضا مضمونها بأن من كان عليه مال ميري ملزوم بغلاقه ومن لم يغلق ما عليه بعد مضي عشرين يوما عوقب بما يليق به ونادوا بموجب ذلك بالاسواق
وفي سابع عشرينه كتبوا اوراقا ايضا مضمونها انقضاء سنة مؤاجرات اقلام المكوس ومن اراد استثمار شيء من ذلك فليحضر الى الديوان وياخذ ما يريد بالمزاد
وفيه افرج عن الانفار التي قدم بها الفرنساوية من غزة وحبست بالقلعة على مصلحة خمسة وسبعين كيسا دفعوا بعضها وضمنهم اهل وكالة الصابون في البعض الباقي فانزلوهم من القلعة على هذا الاتفاق بشرط ان لا يسافر منهم احد الا بعد غلاق ما عليه
وفي ثامن عشرينه تشفع ارباب الديوان في اهل يافا المسجونين بالقلعة ايضا فوقع التوافق معهم على الافراج عنهم بمصلحة مائة كيس فاجتمع الرؤساء والتجار وترووا واشتوروا في مجلس خاص بينهم فاتفق الحال على تقسيطها وتاجيلها في كل عشرين يوما خمسة وعشرون كيسا فدفع التجار خمسة وعشرين كيسا وافرج عنهم من القلعة واجلوا الباقي على الشرح المذكور
وفيه ورد من بونابارته سارى عسكر الفرنساوية كتاب من الاسكندرية خطا بالاهل مصر وسكانها فأحضر قائممقام دوجا الرؤساء المصرية وقرأ عليهم الكتاب مضمونه انه سافر يوم الجمعة حادي عشرين الشهر المذكور الى بلاد الفرنساوية لاجل راحة اهل مصر وتسليك البحر فيغيب نحو ثلاثة أشهر ويقدم مع عساكره فإنه بلغه خروج عمارتهم ليصفوا له ملك مصر ويقطع دابر المفسدين وان المولى على أهل مصر وعلى رياسة الفرنساوية جميعا كلهبر سارى عسكر دمياط فتحير الناس وتعجبوا في كيفية سفره ونزوله البحر مع وجود مراكب الانكليز ووقوفهم بالثغر ورصدهم الفرنساوية من وقت قدومهم الديار المصرية صيفا وشتاء ولكيفية خلوصة وذهابه أنباء وحيل لم أقف على حقيقتها
وفي يوم السبت تاسع عشرينه قدم سارى عسكر كلهبر صبيحة ذلك اليوم فضربوا لقدومه المدافع من جميع القلاع وتلقته كبار الفرنساوية وأصاغرهم وذهب الى بيت بونابارته الذي كان ساكنا به وهو بيت الالفي
بالازبكية وسكن مكانه وفي ذلك اليوم قدمت طائفة من العسكر من جهة الشرقية وصحبتهم منهوبات كثيرة من بلد عصت عليهم فضربوها ونهبوها ومعهم نحو السبعين من الرجال والصغار وبعض النساء وهم موثقون بالحبال فسجنوهم بالقلعة
وفيه ذهب أكابر البلد من المشايخ والاعيان لمقابلة سارى عسكر الجديد للسلام عليه فلم يجتمعوا به ذلك اليوم ووعدوا الى الغد فانصرفوا وحضروا في ثاني يوم فقابلوه فلم يروا منه بشاشة ولا طلاقة وجه مثل بونابارته فإن كان بشوشا ويباسط الجلساء ويضحك معهم
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاحد سنة
في اوائله ابتدأوا في عمل مولد المشهد الحسيني وقهروا الناس وكرروا المناداة بفتح الحوانيت والسهر ووقود القناديل عشر ليال متوالية آخرها ليلة الخميس ثاني عشرةوفيه طلب سارى عسكر الجديد من نصارى القبط مائة وخمسين الف ريال فرانسة في مقابلة بواقي سنة 1212 وشرعوا في تحصيلها
وفي يوم الجمعة سادسه ركب سارى عسكر الجديد من الازبكية ومشى في وسط المدينة في موكب حافل حتى صعد الى القلعة وكان امامه نحو الخمسمائة قواس وبأيديهم النبابيت وهم يامرون الناس بالقيام والوقوف على الاقدام لمروره وكان صحبته عدة كثيرة من خياله الافرنج وبأيديهم السيوف المسلولة والوالي والاغا وبرطلمين بمواكبهم وكذلك القلقات والوجاقلية وكل من كان مولى من جهتهم ومنضما اليهم ماعدا رؤساء الديوان من الفقهاء فلم يطبلوهم للحضور ولا للمشي في ذلك الموكب ولما صعد الى القلعة ضربوا له عدة مدافع وتفرج على القلعة ثم نزل بذلك الموكب الى داره
وفي يوم السبت سابعه ركب اغاة الينكجرية في ابهة عظيمة وجبروت وامامه عدة من عسكر الفرنسيس وامامه المنادى يقول حكم مارسم سارى عسكر خطابا للاغا ان جميع الدعاوى والقضايا العامية لا تعمل
الا ببيت الاغا وكل من تعدى من الرعايا او وقع منه قلة ادب يستأهل ما يجري عليه
وفيه ركب سارى عسكر الكبير في موكب دون الاول ووصل الى بيت رئيس الديوان الشيخ عبد الله الشرقاوي ثم رجع الى داره
وفي يوم الاحد ثامنه عمل سارى عسكر وليمة في بيته ودعا الاعيان والتجار والمشايخ فتعشوا عنده ثم انصرفوا الى دورهم
وفي يوم الثلاثاء عاشره وكان آخر المولد الحسيني وحضر سارى عسكر الفرنساوية مع اعيانهم الى بيت شيخ السادات بعد العصر في موكب عظيم وأمامه الاغا والوالي والمحتسب وعدة كبير من عسكرهم وبيدهم السيوف المسلولة فتعشوا هناك وركبوا بعد المغرب وشاهدوا وقود القناديل
وفي سادس عشرة نودى بنشر الحوائج وكتبوا بذلك اوراقا والصقوها بالاسواق وشددوا في ذلك بالتفتيش والنظر بجماعة من طرف مشايخ الحارات ومع كل منهم عسكرى من طرف الفرنساوية وامرأة ايضا للكشف على اماكن النساء فكان الناس يأنفون من ذلك ويستثقلونه ويستعظمونه وتحدثهم أوهامهم بأمور يتخيلونها كقولهم انما يريدون بذلك الاطلاع على أماكن الناس ومتاعهم مع أنه لم يكن شيء سوى التخوف من العفونة والوباء
وفي عشرينه نودى بعمل مولد السيد علي البكري المدفون بجامع الشرايبي بالازبكية بالقرب من الرويعي وأمروا الناس بوقود قناديل بالازقة في تلك الجهات وأذنوا لهم بالذهاب والمجيء ليلا ونهارا من غير حرج وقد تقدم ذكر بعض خبر هذا السيد وانه كان رجلا من البله وكان يمشي بالاسواق عريانا مكشوف الرأس والسوأتين غالبا وله أخ صاحب دهاء ومكر لا يلتئم به واستمر على ذلك مدة سنين ثم بدا لاخيه في أمر لما رأى من ميل الناس لاخيه واعتقادهم فيه كما هي عادة أهل مصر في أمثاله فحجر عليه ومنعه من الخروج من البيت وألبسه ثيابا وأظهر للناس
انه اذن له بذلك وانه تولى القطبانية ونحو ذلك فأقبلت الرجال والنساء على زيارته والتبرك به وسماع الفاظه والانصات الى تخليطاته وتأويلها بما في نفوسهم وطفق أخوه المذكور يرغبهم ويبث لهم في كراماته وانه يطلع على خطرات القلوب والمغيبات وينطق بما في النفوس فانهمكوا على الترداد اليه وقلد بعضهم بعضا واقبلوا عليه بالهدايا والنذور والامدادات الواسعة من كل شيء وخصوصا من نساء الامراء والاكابر وراج حال أخيه واتسعت امواله ونفقت سلعته وصادت شبكته وسمن الشيخ من كثرة الاكل والدسومة والفراغ والراحة حتى صار مثل البو العظيم فلم يزل على ذلك الى أن مات في سنة سبع بعد المائتين كما تقدم فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع وعمل عليه مقصورة ومقاما وواظب عنده بالمقرئين والمداحين وأرباب الاشاير والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم ومدحهم ونحو ذلك ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم وصار ذلك المسجد مجمعا وموعدا فلما حضر الفرنساوية الى مصر تشاغل عنه الناس واهمل شانه في جملة المهملات وترك مع المتروكات فلما فتح امر الموالد والجمعيات ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات أعيد هذا المولد مع جملة ما أعيد
واستهل شهر جمادى الاولى بيوم الجمعة سنة
فيه اهتم الفرنسيس بعمل عيدهم المعتاد وهو عند الاعتدال الخريفي وانتقال الشمس لبرج الميزان فنادوا بفتح الاسواق والدكاكين ووقود القناديل وشددوا في ذلك وعملوا عزائم وولائم واطعمة ثلاثة ايام آخرها يوم الاثنين ولم يعملوه على هيئة العام الماضي من الاجتماع بالازبكية عند الصارى العظيم المنتصب والكيفية المذكورة لان ذلك الصارى سقط وامتلآت البركة بالماء فلما كان يوم الاحد نبهوا على الامراء والاعيان بالبكور الى بيت سارى عسكر فاجتمع الجمع في صبح يوم الاثنين فركب سارى سكر معهم في موكب كبير وذهبوا الى قصر العيني فمكثوا هناك حصة وعرضت عليهم العساكر جميعها على اختلاف انواعها من خيالة ورجالة وهم بأسلحتهم وزينتهم ولعبوا لعبهم في ميدان الحرب وخلع سارى عسكر على الشيخ الشرقاوي والقاضي واغاة الينكجرية خلع سمور ثم رجع الى منازلهم ثم نودى في جميع الاسواق بوقود اربع قناديل على كل دكان في تلك الليلة ومن لم يفعل ذلك عوقب ثم عملوا بالازبكية حراقة نفوط ومدافع وسواريخ ولعبوا في المراكب طول ليلهم
وفي سابعه بعد عيد الصليب نقص ماء النيل وكان من اول زيادته قاصرا عن العادة وزيادته شحيحة فضج الناس وانكبوا على شراء الغلة وازدحموا في الرقع والسواحل وطلب باعة الغلة الزيادة في السعر فجمع الفرنساوية كل من كان له مدخل في تجارة الغلال وزجروهم وخوفوهم وقالوا لهم هذه الغلة الموجودة الان انما هي زراعة العام الماضي واما هذا العام 2 فلا تخرج زراعته الا في العام المستقبل فانزجروا وباعوا بالسعر الحاضر وقد كاد يقع الغلاء العظيم لولا الطاف الله ورحمته ونعمه العميمة الشاملة حصلت
وفيه ارسلوا جملة عساكر من الفرنساوية الى مراد بك بناحية الفيوم وعليهم كبير فوقع بينهم وبينه امور لم اتحقق تفصيلها وترددت بينه وبين سارى عسكر الرسل والمراسلات ووقع بينه وبينهم الهدنة والمهاداة واصطلح معهم على شروط منها تقليده امارة الصعيد تحت حكمهم وفي هذا الشهر كثرت الاشاعة باجتماع عساكر عثمانية جهة الشام فكثر اهتمام الفرنساوية باخراج الجبخانات والمدافع وآلات الحرب والقومانية والعساكر وتحصين الصالحية والفرين وبلبيس
واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة
وفيه كثرت الاقوال وتواترت الاخبار بوصول الوزير الاعظم يوسف باشا الى الديار الشامية وصحبته نصوح باشا وعثمان أغا كتخدا الدولة وحسين اغا نزله امين ومصطفى افندي الدفتردار وباقي رجال الدولة وعسفوا في البلاد الشامية وضربوا عليهم الضرائب العظيمة وجبوا الاموال وفعلوا مالا خير فيه من الظلم وقتل الانفس بسبب استخلاص الاموال فلما كان في منتصفه وردت الاخبار بوصولهم الى غزة العريش وانهم حاصروا قلعة العريش وقاتلوا من بها من عسكر الفرنساوية حتى ملكوها في تاسع عشره واحتووا على ماكان فيها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وصعد مصطفى باشا الذي باشر اخذ القلعة مع جملة من العسكر وبعض الاجناد المصرية وضربت النوبة وحصل لهم الفرح العظيم فاتفق انه وقعت نار على مكان الجبخانة والبارود المخزون بالقلعة وكان شيئا كثيرا فاشتعلت وطارت القلعة بمن فيها واحترقوا وماتوا وفيهم الباشا المذكور ومن معه ومحمد اغا ارنؤد الجلفي وغيره من المصرلية ومات كثير ممن كان خارجا عنها وبقربها مما نزل عليهم من النار والاحجار المتطايرة في اسرع وقت ولما تحقق الفرنساوية اخذ العريش وان عساكر العثمانيين زاحفة الى جهة الصالحية نهيأ سارى عسكر الفرنساوية واستعد للخروج والسفر في اسرع وقت وخرج بعساكره وجنوده الى الصالحية وقد كان قبل أخذ العثمانيين قلعة العريش ارسل الفرنساوية الى سينت كبير الانكليز مراسلات ليتوسط بينهم وبين العثمانيين ثم ورد فرمان من حضرة الوزير قبل وصوله لجهة العريش خطابا الى جمهور الفرنساوية باستدعاء رجلين من رؤسائهم وعقلائهم ليتشاور معهم ويتفق معهم على أمر يكون فيه المصلحة للفريقين على ما سيشترطونه بينهم فوجهوا اليه من طرفهم بوسليك رئيس الكتاب وديزه سارى عسكر الصعيد فنزلوا في البحر على دمياط وطالت مدة غيابهم وبعث كلهبر سارى عسكر رسلا من طرفه لاستفسار الاخبار
واستهل شهر شعبان المعظم سنة
فورد الخبر بقدومهما في اثنين وعشرين فيه الى الصالحية فارسلوا لهما الخيول وما يحتاجان اليه وحضرا الى مصر وشاع أمر الصلح وحضر من طرف العثمانيين رئيس الكتاب والدفتردار لتقرير الصلح وجنح كل من الفريقين الى ذلك لما فيه من كف الحرب وحقن الدماء وأظهر الفرنساوية الخداع والخضوع حتى تم عقد الصلح على اثنين وعشرين شرطا رسمت وطبعت في طومار كبير وورد الخبر بذلك الى مصر وفرح الناس بذلك فرحاشديدا وأرسل سارى عسكر الفرنساوية مكاتبة بصورة الحال الى دوجا قائممقام فجمع اهل الديوان وقرأ عليهم ذلكولما ورد ذلك الطومار المتضمن لعقد الصلح والشروط وعربوه وطبعوا منه نسخا كثيرة فرقوا منها على الاعيان وألصقوا منها بالاسواق والشوارع
وصورته بما فيه من الفصول والشروط بالحرف الواحد ما عدا ترجمة الاسطر التي باللغة الفرنساوية وهذه صورة الشروط الواقعة لخلو مصر ما بين حضرة الجنرال ديزة متفرقة وحضرة بسليغ مدير الحدود العام نواب سرى العسكر العام كلهبر المفوضين بكامل السلطان وجناب سامي المقام مصطفى رشيد افندي دفتردار ومصطفى راسيسه أفندي رئيس كتاب الوكلاء المفوضين بكامل السلطان عن جناب حضرة الوزير سامي المقام ان للجيش الفرنساوي بمصر عندما قصد ان يوضح ما في نفسه من وفور الشوق لحقن الدماء ويرى نهاية الخصام المضر الذي قد حصل ما بين المشيخة الفرنساوية والباب العالي فقد ارتضى ان يسلم بخلو الاقليم المصري بحسب هذه الشروط الآتي ذكرها يأمل ان بهذا التسليم يمكن أن يتجه ذلك الى الصلح العام في بلاد المغرب قاطبة
الشرط الاول أن الجيش الفرنساوي يلزمه ان يتنحى بالاسلحة والعزال بالامتعة الى الاسكندرية ورشيد وابو قير لاجل ان يتوجه وينتقل بالمركب الى فرانسا ان كان ذلك في مراكبهم الخاص بهم ام في
تلك التي يقتضي للباب العالي ان يقدمها لهم بقدر الكفاية ولاجل تجهيز المراكب المذكورة بأقرب نوال فقد وقع الاتفاق من بعد مضي شهر واحد من تقرير هذه الشروط يتوجه الى قلعة اسكندرية نائب من قبل الباب العالي وصحبته خمسون نفرا
الشرط الثاني فلا يدعن المهلة وتوقيف الحرب بمدة ثلاثة اشهر بالاقليم المصري وذلك من عهد امضاء شروط الاتفاق هذه واذا صادف الامر ان هذه المهلة تمضي قبل ان المراكب الواجب تجهيزها من قبل الباب العالي تحضر جاهزة فالمهلة المذكورة يقتضي مطاولتها الى ان ينجز الرحيل على التمام والكمال ومن الواضح انه لا بد عن اصراف الوسايط الممكنة من قبيل الفريقين لكي لا يحصل ما يمكن وقوعه من التجسس ان كان ذلك من الجيش من اهل البلاد اذا كانت هذه المهلة قد حصل الاتفاق بها لاجل راحتهم
الشرط الثالث فرحيل الجيش الفرنساوي يقتضي تدبيره بيد الوكلاء القادمين لهذه الغاية من قبل الباب الاعلى وسرى العسكر كلهبر واذا حصل خصام ما بين الوكلاء المذكورين بوقت الرحيل في هذا الصدد فلينتخب من قبل حضرة سيد نهى سميت رجل لينهى المخاصمات المذكورة بحسب قواعد السياسة البحرية السالكون عليها ببلاد الانكليز
الشرط الرابع قطية والصالحية لا بد عن خلوهما عن الجيش الفرنساوية في ثامن يوم وأعظم ما يكون في عاشر يوم من امضاء شروط الاتفاق هذه ومدينة المنصورة يكون خلوها من بعد خمسة عشر يوما واما دمياط وبلبيس من بعد عشرين يوما واما السويس فيكون خلوه ستة ايام قبل مدينه مصر واما المحلات الكائنة في الجهة الشرقية من بحر النيل فيكون خلوها في اليوم العاشر والدلطا أي الاقليم البحرية يكون خلوها خمسة عشر يوما من بعد خلو مصر والجهة الغربية وما يتعلق بها تستمر بيد الفرنسيس الى حد خلو مدينة مصر ولكن من حيث انها لا بد ان تستمر بيد الفرنساوية الى ان يكون انحدار العسكر من جهات
الصعيد فجهة الغربية وتعلقاتها كما ذكر فممكن انه لا يتيسر خلوها الا من بعد انقضاء وقت المهلة المعين اذا لم يمكن خلوها قبل هذا الميعاد والمحلات التي تترك من الجيش فتسلم الى الباب الاعلى كما هي في حالها الآن
الشرط الخامس ثم ان مدينة مصر ان امكن ذلك يكون خلوها بعد اربعين يوما واكثر ما يكون بمدة خمسة واربعين يوما من وقت امضاء الشروط المذكورة
الشرط السادس انه لقد وقع الاتفاق صريحا على ان الباب الاعلى يصرف كل اعتناء في ان الجيش الفرنساوي الموجود في الجهة الغربية من بحر النيل عندما يقصد التنحي بكامل ماله من السلاح والعزال لنحو معسكرهم لاتصير عليه مشقة ولا أحد يشوش عليه ان كان ذلك مما يتعلق بشخص كل واحد منهم او بامتعته او بكرامته وذلك اما من اهالي البلاد واما من جهة العسكر السلطاني العثملي
الشرط السابع وحفظا لاتمام الشرط المذكور اعلاه وملاحظة لمنع ما يمكن وقوعه من الخصام والمعاداة فلا بد عن استعمال الوسائط في ان عسكر الاسلام يكون دائما متباعدا عن العسكر الفرنساوي
الشرط الثامن فمن تقرير وامضاء هذه الشروط فكل من كان من الاسلام ام من باقي الطوائف من رعايا البلم الاعلى بدون تمييز الاشخاص اولئك الواقع عليها الضبط ام الذين واقع عليهم الترسيم ببلاد فرانسا أو تحت أمر الفرنساوية بمصر يعطى لهم الاطلاق والتعلق وبمثل ذلك فكل الفرنساوية المسجونين في كامل البلدان والاساكل من مملكة العثملي وكذلك كامل الاشخاص من ايما طائفة كانت اولئك الذين كانوا في تعلق خدمة المراسلات والقناصل الفرنساوية لا بد عن انعتاقهم
الشرط التاسع فترجيع الاموال والاملاك المتعلقة بسكان البلاد والرعايا من الفريقين أم دفع مبالغ اثمانها لاصحابها فيكون الشروع به حالا من بعد خلو مصر والتدبير في ذلك يكون بيد الوكلاء في اسلامبول
المقامين بوجه خاص من الفريقين لهذا المقصد
الشرط العاشر فلا يحصل التشويش لاحد من سكان الاقليم المصري من أي ملة كانت وذلك لا في اشخاصهم ولا في اموالهم نظرا الى ما يمكن ان يكون قد حصل من الاتحاد ما بينهم وبين الفرنساوية من اقامتهم بارض مصر
الشرط الحادي عشر ولا بد ان يعطى للجيش الفرنساوي ان كان من قبل الباب الاعلى او من قبل المملكتين المرتبطين معه اعني بها مملكة انكلترة ومملكة المسكوب فرمانات الاذن وأوراق المحافظة بالطريق وبمثل ذلك السفن اللازمة لرجوع الجيش المذكور بالامن والامان الى بلاد فرانسا
الشرط الثاني عشر وعند نزول الجيش الفرنساوي المذكور الكائن بمصر الان فالباب الاعلى وباقي الممالك المتحدة معه يعاهدون بأجمعهم انهم من وقت ينزلون بالمراكب الى حين وصولهم الى أراضي فرانسا لا يحصل عليهم شيء قط مما يكدرهم وبنظير ذلك فحضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام يعاهد من قبله وصحبته الجيش الفرنساوي الكائن بمصر بانه لا يصدر منهم مما يؤول الى المعاداة على الاطلاق ما دامت المدة المذكورة وذلك لا ضد العمارة ولا ضد بلدة من بلدان الباب الاعلى وباقي الممالك المرتبطة معه وكذلك ان السفن التي يسافر بها الجيش المشار اليه ليس لها أن ترى في حد من الحدود الا بتلك التي تختص باراضي فرانسا ما لم يكن ذلك في حادث ما ضروري
الشرط الثالث عشر ونتيجة ما قد وقع الاتفاق عليه من الامهال المشترط أعلاه بما يلاحظ خلو الاقليم المصري فالجهات الواقع بينهم هذا الاشتراط قد اتفقوا على انه اذا حضر في حد هذه المدة المذكورة مركب من بلاد فرانسا بدون معرفة غلايين الممالك المتحدة ودخل بمينا اسكندرية فلازم عن سفره حالا وذلك من بعد ان يكون قد تحوج بالماء والزاد اللازم ويرجع الى فرانسا وذلك بسندات أوراق الاذن من قبل الممالك
المتحدة واذا صادف الامران مركبا من هذه المراكب يحتاج الى الترقيع فهذه لا غير يباح لها الاقامة الى أن ينتهي اصلاحها المذكور وفي الحال من ثم تتوجه الى بلاد فرانسا نظير التي قد تقدم القول عنها عند أول ريح يوافقها
الشرط الرابع عشر وقد يستطيع حضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام أن يرسل خبرا الى آرباب الاحكام الفرنساوية في الحال ومن يصحب هذا الخبر لا بد أن تعطى له اوراق الاذن بالاطلاق كما يقتضي ليسهل بهذه الواسطة وصول الخبر الى اصحاب الحكم بفرانسا
الشرط الخامس عشر واذا قد اتضح ان الجيش الفرنساوي يحتاج الى المعاش اليومي ما دامت الثلاثة اشهر المعينة لخلو الاقليم المصري وكذلك لمعاش الثلاثة الاشهر الاخرى التي يكون مبتدأها من يوم نزولهم بالمراكب فقد وقع الاتفاق على انه يقدم له مقدار ما يلزمه من القمح واللحم والارز والشعير والتبن وذلك بموجب القائمة التي تقدمت الان من وكلاء الجمهور الفرنساوي ان كان ذلك مما يخص اقامتهم او ما يلاحظ سفرم والذي يكون قد أخذه الجيش المذكور مقدار ما كان من شؤونه وذلك من بعد امضاء هذه الشروط فينخصم مما قد لزم ذاته بتقدمته الباب الاعلى
الشرط السادس عشر ثم ان الجيش الفرنساوي منذ ابتدأ وقوع امضاء هذه الشروط المذكورة ليس له ان يفرد على البلاد فردة ما من الفرائد قطعا بالاقليم المصري لا بل وبالعكس فانه يخلى للباب الاعلى كامل فر المال وغيره مما يمكن توجيه قبضه وذلك الى حين سفرهم وبمثل ذلك الجمال والهجن والجبخانة والمدافع وغير ذلك مما يتعلق بهم ولا يريدون أن يحملوه معهم ونظير ذلك شون الغلال الوارد نعلهم من تحت المال واخيرا مخازن الخراج فهذه كلها لا بد عن الفحص عنها وتسعيرها من اناس وكلاء موجهين من قبل الباب الاعلى لهذه الغاية ومن أمين البحر الانكليزي وبرفقة الوكلاء المتصرفين بأمر الجنرال كلهبر سرى العسكر وهذه الامتعة لا بد عن قبولها من وكلاء الباب الأعلى المتقدم
ذكرهم بموجب ما وقع عليه السعر الى حد قدر مبلغ ثلاثة آلاف كيس التي تقتضي للجيش الفرنساوي المذكور لسهولة انتقاله عاجلا ونزوله بالمراكب واذا كانت الاسعار في هذه الامتعة المذكورة لا توازي المبلغ المرقوم أعلاه فالخسيس والنقص في ذلك لا بد عن دفعه بالتمام من قبل الباب الاعلى على جهة السلفة تلك التي يلزم بوفائها ارباب الاحكام الفرنساوية بأرواق التمسكات المدفوعة من الوكلاء المعنين من الجنرال كلهبر سرى العسكر العام لقبض واستلام المبلغ المذكور
الشرط السابع عشر ثم أنه اذا كانت تقتضي للجيش الفرنساوي بعض مصاريف لخلوهم مصر فلا بد ان نقبض وذلك من بعد تقرير تمسك الشروط المذكورة القدر المحدد اعلاه بالوجه الآتي ذكره أعني فمن بعد مضي خمسة عشر يوما خمسمائة كيس وفي غلاق الثلاثين يوما خمسمائة كيس اخرىوبتمام الاربعين يوما ثلثمائة كيس اخرى وعند تمام الخمسين يوما ثلثمائة كيس شرحه وعند غلاق الستين يوما ثلثمائة كيس أخرى وفي السبعين يوما ثلثمائة كيس أخرى وعند تمام الثمانين يوما ثلثمائة كيس اخرى وعند غلاق التسعين يوما خمسمائة كيس أخرى وكل هذه الاكياس المذكورة هي عن كل كيس خمسمائة غرش عثملي ويكون قبضها على سبيل السلفة من يد الوكلاء المعينين لهذه الغاية من قبل الباب الاعلى ولكي يسهل اجراء العمل بما وقع الاعتماد عليه فالباب الاعلىمن بعد وضع الامضاء علىالنسختين من الفريقين يوجه حالا الوكلاء الى مدينة مصر والى بقية البلاد المستمر بها الجيش
الشرط الثامن عشر ثم ان فرد المال الذي يكون قد قبضه الفرنساوية من بعد تاريخ تحرير الشروط المذكورة وقبل أن يكون قد اشتهر هذا الاتفاق في الجهات المختلفة بالاقليم المصري فقد تخصم من قدر مبلغ الثلاثة آلاف كيس المتقدم القول عنها
الشرط التاسع عشر ثم انه لكي يسهل خلو المحلات سريعا فالنزول في المراكب الفرنساوية المختصة بالحمولة والموجودة في المين بالاقليم
المصري مباح به ما دامت مدة الثلاثة اشهر المذكورة المعينة للمهلة وذلك من دمياط ورشيد حتى الى الاسكندري ومن اسكندرية حتى الى رشيد ودمياط
الشرط العشرون فمن حيث انه للطمأن الكلي في جهات البلاد الغربية يقتضي الاحتراس الكلي لمنع الوبا الطاعوني عن انه يتصل هناك فلا يباح ولا لشخص من المرضى او من اولئك الذين مشكوك بهم برائحة من هذا الداء الطاعوني ان ينزل بالمراكب بل ان المرضى بعلة الطاعون او بعلة اخرى اينما كانت تلك التي بسببها لا يقتضي ان يسمح بسفرهم بمدة خلو الاقليم المصري الواقع عليها الاتفاق يستمرون في بيمارستان المرضى حيث هم الآن تحت امان جناب الوزير الاعظم عالي الشأن ويعالجونهم الاطباء من الفرنساوية اولئك الذين يجاورونهم بالقرب منهم الى ان يتم شفاهم يسمح لهم بالرحيل الشيء الذي لا بد عن اقتضاء الاستعجال به بأسرع ما يمكن ويحصل لهم ويبدو ونحوه ما ذكر في الشرطين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الاتفاق نظير ما يجري على باقي الجيش ثم ان امير الجيش الفرنساوي يبذل جهده في ابراز الاوامر الاشد صرامة لرؤساء العساكر النازلة بالمراكب بان لا يسمحوا لهم بالنزول بمينا خلاف المين التي تتعين لهم من رؤساء الاطباء تلك المين التي يتيسر لهم بها ان يقضوا أيام الكارنتينة بأوفر السهولة من حيث انها من مجرى العادة ولا بد عنها
الشرط الحادي والعشرون فكل ما يمكن حدوثه من المشاكل التي تكون مجهولة ولم يمكن الاطلاع عليها في هذه الشروط فلا بد عن نجازها بوجه الاستحباب ما بين الوكلاء المعينين لهذا لقصد من قبل الجناب الوزير الاعظم عالي الشأن وحضرة الجنرال كلهبر سرى العسكر العام بوجه يسهل ويحصل الاسراع بالخلو
الشرط الثاني والعشرون وهذه الشروط لا تعد صحيحة الا من بعد اقرار الفريقين وتبديل النسخ وذلك بمدة ثمانية أيام ومن بعد حصول هذا
الاقرار لا بد عن حفظ هذه الشروط الحفظ اليقين من الفريقين كليهما
صح وثبت وتقرر بختوماتنا الخاصة بنا بالمعسكر حيث وقعت المداولة بحد العريش في شهر يلويوز سنة ثمان من اقامة المشيخة الفرنساوية وفي رابع عشرين شهر شعبان هلالية سنة 1224 هجرية الممضين الجنرال متفرقة ذره البلدي بوسيهلغ المفوضين بكامل سلطانه الجنرال كلهبر وجناب سامي مقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيسه افندي رئيس الكتاب المفوضين بكامل سلطان جناب الوزير الاعظم عالي الشأن منقولة عن النسخة الاصلية الموافقة لتلك الموجهة بالفرنساويةالى الوكلاء العثملي بدلا من التي قد وجهوها باللغة التركية ممضي درزه وبوسيهلغ تقرير الجنرال سرى العسكر العام محرر في آخر السنة التركية التي بقيت محفوظة بيد الوزير الاعظم انني انا الواضع اسمي ادناه الجنرال سري العسكر العام أمير الجيش الفرنساوية بالاقليم المصري اثبت واقرر شروط الاتفاق المذكور اعلاه للحصول على اجرائه بالعمل بالنوع والصورة ان كان من اللازم ان اتيقن بان الاثنين وعشرين شرطا المشروحة الى الان هي موافقة على التدقيق باللغة الفرنساوية الممضي عليها من الوكلاء اصحاب ولاية الوزير الاعظم والمقررة من جناب عالي الشأن الترجمة التي لا بد عن الاعتماد بأجرائها كل مرة ان كان لسبب أم لآخر ممكن حصول بعض الاختلافات ومن ثم فتقلد بعض المشاكل
صح وجرى بمحل العسكر العام بالصالحية في ثامن شهر بلويوز سنة ثمان من المشيخة ممضي كلهبر عن نسخة صحيحة الجنرال متفرقة راس صاحب ختام في الجيش الفرنساوية ممضى داماس انتهى بحروفه وما فيه من خطأ او تحريف فهو طبق الاصل المطبوع بالمطبعة الفرنساوية باللغة العربية ولم أغير منه سوى ما في تواريخ الاشهر والسنين بالارقام الهندية والله أعلم
استهل شهر رمضان المعظم بيوم الاحد سنة
في ثانيه حضر سارى عسكر الفرنساوية كلهبر الى ناحية العادلية وصحبته اغا من رجال الدولة العثمانية يسمى محمد اغا فأرسل سارى عسكر الى حسن اغا نجاتي المحتسب يأمره بأن يتلقاه وينزله في بيته ويكرمه اكراما زائدا فلما كان بعد العشاء دخل ذلك الاغا الى مصر في موكب فحصل للناس ضجة عظيمة وازدحموا على مشاهدتهم له والفرجة عليه وارتفعت اصواتهم وعلا ضجيجهم وركبوا على مصاطب الدكاكين والسقائف وانطلقت النساء والزغاريت من الطيقان واختلفت آراؤهم في ذلك القادم ولم يعلموا ما هو فدخل من باب النصر وشق القاهر ولم يزل سائرا حتى وصل الى بيت حسن اغا بسويقة اللالا فنزل هناك فلما استقر به الجلوس ازدحم الناس والاعيان للسلام عليه ولمشاهدته بالمشاعل والفوانيس فلما كان صبح تلك الليلة عمل ديوانا وجمع العلماء والوجاقلية واعيان الناس وكبار النصارى من الاقباط والشوام فلما تكاملوا ابرز لهم فرمانا من الوزير فقرىء عليهم بالمجلس فدل مضمونه على انه اغات الجمارك أي المكوس بمصر بولاق ومصر القديمة وفيه التحكير على جميع الواردات من اصناف الاقوات فيشتريها بالثمن الذي يسعره هو بمعرفة المحتسب ويودعه في المخازن وابرز فرمانا آخر قرى بالمجلس مضمونه ان الوزير اقام مصطفى باشا الذي كان اسر بأبي قير وكيلا عنه وقائممقام بمصر الى حين حضوره وان السيد أحمد المحروقي كبير التجار ملزوم ومقيد بتحصيل الثلاثة آلاف كيس المعينة لترحيل الفرنساويةوانفض المجلس على ذلك وأخذ السيد احمد المحروقي في تحصيل ذلك القدر من الناس وفرضوه عل التجار وأهل الاسواق والحرف وشرعوا في تحكير الاقوات فغلت أسعارها وضاقت مؤن الناس ودهى الناس من أول احكامهم بهاتين الداهيتين وكان أول قادم منهم أمير المكوسات ومحكر الاقوات وأول مطلوبهم مصادرة الناس وأخذ المال
منهم وتغريمهم واجتهد السيد احمد الحروقي في توزيع ذلك وجمعه في ايام قليلة فكان كل من توجه عليه مقدار من ذلك اجتهد في تحصيله واخرجه عن طيف قلب وانشراح خاطر وبادر بالدفع من غير تأخير لعلمه ان ذلك لترحيل الفرنساوية ويقول سنه مباركة ويوم سعيد بذهاب الكلاب الكفرة كل ذلك بمشاهدة الفرنسيس ومسمعهم وهم يحقدون ذلك عليهم وحضر مصطفى باشا من الجيزة وسكن ببيت عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين
وارسل الوزير فرامانات الى البلاد وعين المعينين والمباشرين بطلب المال والغلال والكلف من الاقاليم وأرسل الى البنادر وجعل في كل بندر اميرا ووكيلا لجمع الغلال والمطلوبات من الذخيرة وجمعها بالحواصل ولا يخفي ما يحصل في ضمن ذلك من الجزئيات التي سيتضح بعضها فيما بعد وأما الرعايا وهمج الناس من اهل مصر فانهم استولى عليهم سلطان الغفلة ونظروا للفرنسيس بعين الاحتقار وأنزلوهم عن درجة الاعتبار وكشفوا نقاب الحياء معهم بالكلية وتطاولوا عليهم بالسبب واللعن والسخرية ولم يفكروا في عواقب الامور ولم يتركوا معهم للصلح مكانا حتى ان فقهاء المكاتب كانوا يجمعون الاطفال ويمشون بهم فرقا وطوائف حسبة وهم يجهرون ويقولون كلاما مقفى بأعلى أصواتهم بلعن النصارى وأعوانهم وافراد رؤسائهم كقولهم الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان ونحو ذلك وظنوا فروغ القضية ولم يملكوا لانفسهم صبرا حتى تنقضي الايام المشروطة على ان ذلك لم يثمر الا الحقد والعداوة التي تأسست في قلوب الفرنسيس وأوجبت ما حصل بعد ذلك من وقوع العذاب البئيس
وقال الشعبي من جملة كلام وصادفنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء وأخذ الفرنساوية في اهبة الرحيل وشرعوا في مبيع امتعتهم وما فضل عن سلاحهم ودوابهم وسلموا غالب الثغور والقلاع كالصلحية وبلبيس ودمياط والسويس ثم ان العثمانين تدرجوا في دخول
مصر وصار في كل يوم يدخل منهم جماعة بعد جماعة واخذوا يشاركون الناس في صناعاتهم وحرفهم مثل القهوجية والحمامية والخياطين والمزينين وغيرهم فاجتمع العامة واصحاب الحرف الى مصطفى باشا قائمقام وشكوا اليه فلم يلتفت لشكواهم لان ذلك من سنن عساكرهم وطرائفهم القبيحة
وورود الخبر بوصول حضرة الوزير الى بلبيس وصحبته الامراء المصرية وارسلوا الى مراد بك ومن معه بالحضور الى العرضي فأجاب بالاعتذار عن الحضور لانه في الصعيد فلم يقبلوا عذره فأكدوا عليه بالحضور فاستأذن الفرنساوية سرا فاستأذنوا له في المقابلة وكان سفيره في ذلك عثمان بك البرديسي ثم انه حضر وقابل الوزير بصحبة ابراهيم بك وخلع عليهما ورجع مراد بك فخيم جهة العادلية وحضر حسن أغا نزله أمين ودخل مصر واخلى الفرنساوية قلعة الجبل وباقي القلاع التي احدثوها ونزلوا منها فلم يطلع اليها احد من العثمانيين ولم يلتفتوا لتحصينها ولا ربطها بالعساكر والجبخانة واعرضوا عن المحاذرة وركبهم الغرور لاجل نفاذ المقدور وحضر ايضا غالب المصريين الفارين من مصر وقت مجيء الفرنساوية اليها من الاغوات والوجاقلية والافندية والكتبة مثل ابراهيم افندي الروزنامجي وثاني قلفة وغيرهما بنسائهم وأولادهم يظنون فروغ القضية والذي خافوا منه وقعوا فيه كما ستراه وأرسل ابراهيم بك الى السيد احمد المحروقي يطلب كساوى وثيابا وطرابيش وسراويل للمماليك ولخاصة نفسه فأرسل اليه مطلوبه وأخرجت لهم الخيام والتراتيب والنظام وهيأت نساء الامراء والاجناد احتياجاتهم وترتيباتهم وجروا على عادتهم في الثغالى ولازمت الخدم والفراشون الغدو والرواح الى خيم ساداتهم وهم راكبون البغال والرهونات والحمير الفارهة وفي حجورهم تعابي الثياب والبقج المزركشة بالذهب والفضة وكذلك الخدم الذين يحملون الخوانات وطبالي الاطبخة والاطعمة وعليها الاغطية الحرير والوشي الملون وهم يتغنون برفع أصواتهم ويتجاوبون بكلام وسخريات ولعن للنصارى
البلدية والفرنسيس بمرآى منهم ومسمع الى غير ذلك مما يحرك الحفائظ ويوغر الصدور
ولما استقر الوزير بمدينة بلبيس وذلك في الثاني والعشرين من شهر رمضان استأذن العلماء والتجار والاعيان المصرية مصطفى باشا في التوجه للسلام فاستأذن ثم اذن لهم فذهبوا ايضا الى سارى عسكر كلهبر واستأذنوه فأذن لهم ايضا فذهبوا عند ذلك للسلام عليه فوصلوا الى نصوح باشا والي مصر وسلموا عليه وباتوا بوطاقه فلما وصلوا اليه واستقر بهم الجلوس سأل عن أسمائهم وكذلك عن التجار واكابر النصارى ثم خلع عليهم خلعا وانصرفوا من عنده فطافوا على اكابر الدولة بالعرضي وكذلك على الامراء المصرية ورجعوا الى مصر ودخلوها وعليهم تلك الخلع وصحبتهم قاضي العسكر وهو لابس قبوط اسود ووصل نصوح باشا والامراء الى جهة الخانكاه ثم الى المطرية
وفيه حضر درويش باشا والي الصعيد الى خارج القاهرة جهة الشيخ قمر فمكث اياما ثم توجه الى قبلي وصحبته نحو المائة نفر وكذلك ذهبت طائفة الى السويس والى دمياط والمنصورة وانبثوا في البلاد ودخلوا مصر شيئا فشيئا
واستهل شهر شوال سنة
في سابعه وقعت حادثة بين عسكر الفرنساوية والعثمانية وهي اول الحوادث التي حصلت بينهم وهو ان جماعة من عسكر العثمانية تشاجروا مع جماعة من عسكر الفرنساوية فقتل بينهم شخص فرنساوي ووقعت في الناس زعجة وكرشة واغلقوا الحوانيت وعمل العثمانية متاريس وتترسوا بها بناحية الجمالية وما والاها واجتمعوا هناك ووقع بينهم مناوشة قتل فيها اشخاص قليلة من الفريقين وكادت تكون فتنة وباتوا ليلتهم عازمين على الحرب فتوسطت بينهم كبراء العسكر في تمهيد ذلك وازالوا المتاريس وانكف الفريقان وبحث مصطفى باشا عمن اثار الفتنة وهم ستة انفار فقتلهم وارسلهم الى سارى عسكر الفرنساوية فلم يطب خاطره بذلك وقال لا بد من خروج عسكرهم الى عرضيهم حتى تنقضي الايام المشروطة واذا دخل منهم احد الى المدينة لا يدخلون الا بطريقة وبدون سلاح فعند ذلك أمر مصطفى باشا بخروج الداخلين من العساكر ولا يبقى منهم احد ووقف جماعة من الفرنساوية خارج باب النصر فاذا اراد احد من العسكر او من اعيان العثمانية الدخول الى المدينة فعند وصوله اليهم ينزل عندهم وينزع ما عليه من السلاح ويدخل وصحبته شخص او شخصان موكلان به يمشيان امامه حتى يقضي شغله ويرجع فاذا وصل الى الفرنساوية الملازمين خارج البلد اعطوه سلاحه فيلبسه ويمضي الى اصحابه فكان هذا شأنهم
وفي منتصفه توجه جماعة من اعيان الفرنساوية الى الاسكندرية بمتاعهم واثقالهم وفيهم قائممقام وديزه سارى عسكر الصعيد وبوسليك رئيس الكتاب ومدير الحدود ونزل جماعة منهم الى البحر يريدون السفر الى بلادهم فتعرض لهم الانكليز يريدون معاكستهم فأرسلوا الى سارى عسكر بمصر وعرفوه الحال فأرسل بذلك الى الوزير فأجابه بجواب لم يرتضه واصبح زاحفا الى سطح الخانكاه وكان ذلك آخر ايام المهلة المتفق عليها في دخول الوزير الى مصر وخروج الفرنساوية منها فلما رأوا ذلك طلبوا ثمانية ايام اجلة زيادة على ايام المهلة فأجيبوا الى ذلك ووصل الامراء المصرية وعرضي نصوح باشا وجملة من العساكر العثمانية الى ناحية المطرية ونصبوا خيامهم ووطاقهم هناك ثم ان الفرنساوية جعلوا الثمانية ايام المذكورة ظرفا لجمع عساكرهم وطوائفهم من البلاد القبلية والبحرية ونصبوا وطاقهم بساحل البحر متصلا باطراف مصر ممتدا من مصر القديمة الى شبرا وترددوا الى نواحي القلاع وهي لم يكن بها احد وشرعوا واجتهدوا في رد الجبخانة والذخيرة وآلات الحرب والبارود والجلل والمدافع والبنب على العربات ليلا ونهارا والناس يتعجبون من ذلك ومصطفى باشا قائممقام ومن معه يشاهدون ذلك ولا يقولون شيئا والبعض يقول ان الوزير أرسل اليهم وأمرهم برد ذلك كما كان ونحو
ذلك من الخرافات التي لا تروج على الفطن ويقال ان الفرنساوية أرسل اليهم بعض اصدقائهم من الانكليز وعرفوهم ان الوزير اتفع مع الانكليز على الاحاطة بالفرنساوية اذا صاروا بظاهر البحر فلما حصل منهم معهم ما سبقت الاشارة اليه تحققوا ذلك وارسلوا ليوسف باشا بذلك فلم يجبهم بجواب شاف وعجل بالرحيل والقدوم الى ناحية مصر وقد كان الفرنساوية عندما تراسلوا وترددوا جهة والعرضي تفرسوا في عرضي العثمانيين وعساكرهم وأوضاعهم وتحققوا حالهم وعلموا ضعفهم عن مقاومتهم فلما حصل ما ذكر تأهبوا للمقاومة والمحاربة وردوا آلاتهم الى القلاع فلما تمموا أمر ذلك وحصنوا الجهات وأبقوا من ابقوه وقيدوه بها من عساكرهم واستوثقوا من ذلك خرجوا بأجمعهم الى ظاهر المدينة جهة قبة النصر وانتشروا في تلك النواحي ولم يبق بداخل المدينة منهم الا من كان بداخل القلاع وأشخاص ببيت الالفي بالازبكية وبعض بيوت الازبكية وغلب على ظن الناس أنهم برزوا للرحيل
وفي العشرين منه طلبوا مصطفى باشا وحسن أغا نزله امين فلما حضرا اليهم أرسلوهما للجيزة فلما كان اليوم الثالث والعشرين من شوال ركب سارى عسكر كلهبر قبل طلوع الفجر بعساكره وصحبتهم المدافع وآلات الحرب وقسم عساكره طوابير فمنهم من توجه الى عرضي الوزير ومنهم من مال على جهة المطرية فضربوا عليهم فلم يسعهم الا الجلاء والفرار وتركوا خيامهم ووطاقهم وركب نصوح باشا ومن كان معه وطلبوا جهة مصر فتركهم الفرنساوية ولحقوا بالذاهبين من اخوانهم الى جهة العرضي فلما قاربوه ارسلوا الى الوزير يأمرونه بالرحيل بعد أربع ساعات فلم يسعه الا الارتحال والفرنساوية في أثره وغالب عساكره مفرقون ومنتشرون في البلاد والقرى والنواحي لجمع المال ومقررات الفرض وظلم الفقراء
وأما أهل مصر فانهم لما سمعوا صوت المدافع كثر فيهم اللغط والقيل والقال ولم يدركو حقيقة الحال فهاجوا ورمحوا الى أطارف البلد وقتلوا أشخاصا من الفرنساوية صادفوهم خارجين من البلد ليذهبوا الى أصحابهم
وذهبت شرذمة من عامة أهل مصر فانتهبت الخشب وبعض ما وجدوه من نحاس وغيره حيث كان عرضي الفرنساويةوخرج السيد عمر افندي نقيب الاشراف والسيد احمد المحروقي وانضم اليهم اتراك خان الخليلي والمغاربة الذين بمصر وكذلك حسين أغا شتن أخو ايوب بك الصغير وتبعهم كثير من عامة اهل البلد وتجمعوا على التلول خارج باب النصر وبأيدي الكثير منهم النبابيت والعصي والقليل معه السلاح وكذلك تحزب كثير من طوائف العامة والاوباش والحشرات وجعلوا يطوفون بالازقة وأطارف البلد ولهم صياح وضجيج وتجاوب بكلمات يقفونها من اختراعاتهم وخرافاتهم وقاموا على ساق وخرج الكثير منهم الى خارج البلدة على تلك الصورة فلما تضحى النهار حضر بعض الاجناد المصريين ودخلوا مصر وفيهم المجاريح وطفق الناس يسألونهم فلم يخبروهم بشيء لجهلهم ايضا حقيقة الحال ثم لم يزل الحال كذلك الى أن دخل وقت العصر فوصل جمع عظيم من العامة ممن كان خارج البلدة ولهم صياح وجلبة على الشرح المتقدم وخلفهم ابراهيم بك ثم اخرى وخلفهم سليم أغا ثم اخرى كذلك وخلفهم عثمان كتخدا الدولة ثم نصوح باشا ومعه عدة وافرة من عساكرهم وصحبتهم السيد عمر النقيب والسيد أحمد المحروقي وحسن بك الجداوي وعثمان بك المرادي وعثمان بك الاشقر وعثمان بك الشرقاوي وعثمان أغا الخازندار وابراهيم كتخدا مراد بك المعروف بالسنارى وصحبتهم مماليكهم واتباعهم فدخلوا من باب النصر وباب الفتوح ومروا على الجمالية حتى وصلوا الى وكالة ذي الفقار فقال نصوح باشا عند ذلك للعامة اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم فعندما سمعوا منه ذلك القول صاحوا وهاجوا ورفعوا أصواتهم ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى القبط والشوام وغيرهم فذهبت طائفة الى حارات النصارى وبيوتهم التي بناحية بين الصورين وباب الشعرية وجهة الموسكي فصاروا يكبسون الدور ويقتلون من يصادفونه من الرجال والنساء والصبيان وينهبون ويأسرون حتى اتصل ذلك بالمسلمين المجاورين لهم فتحزبت
النصارى واحترسوا وجمع كل منهم ما قدر عليه من العسكر الفرنساوي والاروام وقد كانوا قبل ذلك محترسين وعندهم الاسلحة والبارود والمقاتلون لظنهم وقوع هذا الامر فوقع الحرب بين الفريقين وصارت النصارى تقاتل وترمى بالبندق والقرابين من طبقات الدور على المجتمعين بالازقة من العامة والعسكر ويحامون عن أنفسهم والاخرون يرمون من اسفل ويكبسون الدور ويتسورون عليها وبات نصوح باشا وكتخدا الدولة وابراهيم بك وبعض من صناجق مصر والكشاف والاتباع وطوائف من العسكر بخط الجمالية بوكالة الجمالية بوكالة ذي الفقار فلما أصبح الصباح ارسلوا الى المطرية وأحضروا منها ثلاثة مدافع فوجدوها مسدودة الفالية فعالجوها حتى فتحوها وقام ناصف باشا وشمر عن ساعديه وشد وسطه ومشى وصحيته الامراء المصرية على أقدامهم وجروا امامهم الثلاثة مدافع وسحبوها الى الازبكية وضربوا منها على بيت الالفي وكان به اشخاص مرابطون من عساكر الفرنساوية فضربوهم ايضا بالمدافع والبنادق واستمر الحرب بين الفريقين الى آخر النهار فسكن الحرب وباتوا ينادون بالسهر وفي هذا اليوم وضع أهل مصر والعسكر متاريس بالاطراف كلها وبجهة الازبكية وشرعوا في بناء بعض جهات السور واجتهدوا في تحصين البلد بقدر الطاقة وبات الناس في هذه الليلة خلف المتاريس فلما اظلم الليل اطلق الفرنساوية المدافع والبنب على البلد من القلاع ووالوا الضرب بالخصوص على خط الجمالية لكون المعظم مجتمعا بها فلما عاين ذلك الجميع اجمع رأى الكبراء والرؤساء على الخروج من البلد في تلك الليلة لعجزهم عن المقاومة وعدم آلات الحرب عزة الاقوات والقلاع بيد الفرنساوية ومصر لا يمكن محاصرتها لاتساعها وكثرة اهلها وربما مطال الحال فلا يجدون الأقوات لان غالب قوت اهلها يجلب من قراها في كل يوم وربما امتنع وصول ذلك اذا تجسمت الفتنة فاتفقوا على الخروج بالليل وتسامح الناس بذلك فتجهز المعظم للخروج وغصت خطة الجمالية وما والاها من الاخطاط بازدحام الناس الذين يريدون الخروج من المدينة
وركب بعضهم بعضا وازدحمت تلك النواحي بالحمير والبغال والخيول والهجن المحملة بالاثقال وباتوا على تلك الصورة ووقع للناس في هذه الليلة من الكرب والمشقة والانزعاج والخوف مالا يوصف وتسامع اهل خان الخليلي من الالداشات وبعض مغاربة الفجامين والغورية ذلك فجاءوا للجمالية وشنعوا على من يريد الخروج وعضدهم طائفة عساكر الينكجرية وعمدوا الى خيول الامراء فحبسوها ببيت القاضي والوكائل واغلقوا باب النصر وبات في تلك الليلة معظم الناس على مساطب الحوانيت وبعض الاعيان في بيوت اصحابهم بالجمالية وفي ازقة الحارات ايضا وكل متهيء للخروج
فلما حصل ذلك واصبح يوم السبت فتهيأ كبراء العساكر والعساكر ومعظم أهل مصر ماعدا الضعيف الذي لاقوه له للحرب وذهب المعظم الى جهة الازبكية وسكن الكثير في البيوت الخالية والبعض خلف المتاريس واخذوا عدة مدافع زيادة عن الثلاثة المتقدمة وجدت مدفونة في بعض بيوت الامراء واحضروا من حوانيت العطارين من المثقلات التي يزنون بها البضائع من حديد واحجار استعملوها عوضا عن الجلل للمدافع وصاروا يضربون بها بيت سارى عسكر بالازبكية واستمر عثمان كتخدا بوكالة ذي الفقار بالجمالية وكان كل من قبض على نصراني ويهودي او فرنساوي اخذه وذهب به الى الجمالية حيث عثمان كتخدا ويأخذ عليه البقشيش فيحبس البعض حتى يظهر امره ويقتل البعض ظلما وربما قتل العامة من قتلوه واتوا برأسه لاجل البقشيش وكذلك كل من قطع راسا من رؤوس الفرنساوية يذهب بها اما لنصوح باشا بالازبكية واما العثمان كتخدا بالجمالية ويأخذوا في مقابلة ذلك الدراهم وبعد ايام اغلقوا باب القرافة وباب البرقية وباقي الابواب التي في اطراف البلد وزاد الناس في اصطناع المتاريس وفي الاحتراس وجلس عثمان بك الاشقر عند متاريس باب اللوق وناحية المدابغ وعثمان بك طبل عند متاريس المحجر ومحمد بك المبدول عند الشيخ ريحان ومحمد كاشف ايوب وجماعة ايوب
بك الكبير والصغير عند الناصرية ومصطفى بك الكبير بقناطر السباع وسليمان كاشف المحمودي عند سوق السلاح واولاد القرافة والعامة وزعر الحسينية والعطوف عند باب النصر مع طائفة من الينكجرية وباب الحديد وباب القرافة وجماعة خان الخليلي والجمالية عند باب البرقية المعروف الآن بالغريب وبالجملة كل من كان في حارة من اطراف البلد انضم الى العسكر الذي بجهته بحيث صار جميع اهل مصر والعساكر كلها واقفة باطراف البلد عند الابواب والمتاريس والاسوار وبعض عساكر من العثمانية وما انضم اليهم من اهل مصر المتسلحين مكثت بالجمالية اذا جاء صارخ من جهة من الجهات بطائفة من هؤلاء وصار جميع اهل مصر اما بالازقة ليلا ونهارا وهو من لا يمكنه القتال واما بالاطراف وراء المتاريس وهو من عنده اقدام وتمكن من الحرب ولم ينم احد ببيته سوى الضعيف والجبان والخائف وناصف باشا وابراهيم بك وجماعاتهم وعسكر من الينكجرية والارنؤد والدلاة وغيرهم جهة الازبكية ناحية باب الهواء والرحبة الواسعة التي عند جامع ازبك والعتبة الزرقا وانشأ عثمان كتخدا معملا للبارود ببيت قائد اغا بخط الخرنفش واحضر القندفجية والعربجية والحدادين والسباكين لانشاء مدافع وبنبات واصلاح المدافع التي وجدوها في بعض البيوت وعمل العجل والعربات والجلل وغير ذلك من المهمات الجزئيه واحضروا لهم ما يحتاجون اليه من الاخشاب وفروع الاشجار والحديد وجمعوا الى ذلك الحدادين والنجارين والسباكين وارباب الصنائع الذين يعرفون ذلك فصار هذا كله يصنع ببيت القاضي والخان الذي بجانبه والرحبة التي عند بيت القاضي من جهة المشهد الحسيني واهتم لذلك اهتماما زائدا وانفق اموالا جمة وارسلوا فأحضروا المدافع الكائنة بالمطرية فكانوا كلما ادخلوا مدفعا ادخلوه بجمع عظيم من الاوباش والحرافيش والاطفال ولهم صياح ونباح وتجاوب بكلمات مثل قولهم الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان وغير ذلك وحضر محمد بك الالفي في ثاني يوم وتترس بناحية السويقة
التي عند درب عبد الحق وعطفه البيدق وصحبته طوائفه ومماليكه واشخاص من العثمانية وبذل الهمة وظهرت منه ومن مماليكه شجاعة وكذلك كشافة وخصوصا اسمعيل كاشف المعروف بأبي قطية فانه لم يزل يحارب ويزحف حتى ملك ناحية رصيف الخشاب وبيت مراد بك الذي اصله بيت حسن بك الازبكاوي وبيت احمد اغا شويكار وتترس فيهما وحسن بك الجداوي تترس بناحية الرويعي وربما فارق متراسه في بعض الليالي لنصرة جهة اخرى وحضر ايضا رجل مغربي يقال انه الذي كان يحارب الفرنسيس بجهة البحيرة سابقا والتف عليه طائفة من المغاربة البلدية وجماعة من الحجازية ممن كان قدم صحبة الجيلاني الذي تقدم ذكره وفعل ذلك الرجل المغربي امورا تنكر عليه لان غالب ما وقع من النهب وقتل من لا يجوز قتله يكون صدوره عنه فكان يتجسس على البيوت التي بها الفرنسيس والنصارى فيكبس عليهم ومعه جمع من العوام والعسكر فيقتلون من يجدونه منهم وينهبون الدار ويسحبون النساء ويسلبون ما عليهم من الحلي والثياب ومنهم من قطع رأس البنية الصغيرة طمعا فيما على رأسها وشعرها من الذهب وتتبع الناس عورات بعضهم البعض وما دعتهم اليه حظوظ أنفسهم وحقدهم وضغائنهم واتهم الشيخ خليل البكري بأنه يوالي الفرنسيس ويرسل اليهم الاطعمة فهجم عليه طائفة من العسكر مع بعض اوباش العامة ونهبوا داره وسجنوه مع اولاده وحريمه واحضروه الى الجمالية وهو ماش على اقدامه ورأسه مكشوفة وحصلت له اهانة بالغة وسمع من العامة كلاما مؤلما وشتما فلما مثلوه بين يدي عثمان كتخدا هالة ذلك واغتم غما شديدا ووعده بخير وطيب خاطره واخذه سيدي احمد بن محمود محرم التاجر مع حريمه الى داره اكرمهم وكساهم واقاموا عنده حتى انقضت الحادثة وباشر السيد احمد المحروقي وباقي التجار ومساتير الناس الكلف والنفقات والمآكل والمشارب وكذلك جميع اهل مصر كل انسان سمح بنفسه وبجميع ما يملكه وأعان بعضهم بعضا وفعلوا ما في وسعهم وطاقتهم من المعونة
وأما الفرنساوية فانهم تحصنوا بالقلاع المحيطة بالبلد وبيت الالفي وما والاه من البيوت الخاصة بهم وبيوت القبطة المجاورين لهم واستمر الناس بعد دخول الباشا والامراء ومن معهم من العسكر الى مصر اياما قليلة وهم يدخلون ويخرجون من باب الفتوح وباب العدوى وأهل الارياف القريبة تأتي بالميرة والاحتياجات من السمن والجبن واللبن والغلة والتبن والغنم فيبيعونه على اهل مصر ثم يرجعون الى بلادهم كل ذلك ولم يعلم احد حقيقة حال الفرنساوية المتوجهين مع كبيرهم للحرب واختلفت الروايات والاخبار وأما الوزير فأنه لما ارتحل بالعرضي تخلف عنه ببلبيس جملة من العسكر وأما عثمان بك حسن وسليم بك أبو دياب ومن معهما فأنهما تقاتلا مع الفرنساوية ثم رجعا الى بلبيس فحاصروا من بها وكان عثمان بك وسليم بك وعلي باشا الطرابلسي وبعض وجاقلية خرجوا منها وذهبوا الى ناحية العرضي فحارب الفرنساوية من بلبيس من العسكر ولم يكن لهم بهم طاقة فطلبوا الامان فأمنوهم وأخذوا سلاحهم واخرجوهم حيث شاؤا فذهبوا اشتاتا في الارياف يتكففون الناس ويأوون الى المساجد الخربة ومات اكثرهم من العرى والجوع ثم لما لحق عثمان بك ومن معه بالعرضي ناحية الصالحية وتكلموا مع الوزير واوجعوه بالكلام فاعتذر اليهم باعذار ومنها عدم الاستعداد للحرب وتركه معظم الجبخانة والمدافع الكبار بالعريش اتكالا على امر الصلح الواقع بين الفريقين وظنه غفلة الفرنساوية عما دبره عليهم مع لانكليز فقال له عثمان بك ارسل معنا العساكر وانتظرنا هنا فخاطب العسكر وبذل لهم الرغائب فامتنعوا ولم يمتثل منهم الا المطيع والمتطوع وهم نحو الالف وعادوا على أثرهم وجمعوا منهم من كان مشتتا ومنتشرا في البلاد ورجعوا يريدون محاربة الفرنساوية فنزلوا بوهدة بالقرب من القرين لكونهم نظروه في قلة من عسكره وعلمهم بقرب من ذكر منهم فضاربوهم بالنبابيت والحجارة وأصيب سرج سارى عسكر بنبوت فانكسر وسقط ترجمانة الى الارض وتسامع المسلمون فركبوا لنجدتهم واستصرخ
الفرنساوية عساكرهم فلحقوا بهم ووقع الحرب بين الفريقين حتى حال بينهما الليل فانكف الفريقان وانحاز كل فريق ناحية فلما دخل الليل واشتد الظلام احاط العسكر الفرنساوي بعساكر المسلمين فاصبح المسلمون وقد رأوا احاطة العسكر بهم من كل جانب فركبت الخيالة وتبعتهم المشاة واخترقوا تلك الدائرة وسلم منهم من سلم وعطب من عطب ورجعوا على اثرهم الى الصالحية فعند ذلك ارتحل الوزير ورجع الى الشام واما مراد بك فان بمجرد ما عاين هجوم الفرنسيس على الباش والامراء بالمطرية وكان هو بناحية الجبل ركب من ساعته هو ومن معه ومروا من سفح الجبل وذهب الى ناحية دير الطين ينتظر ما يحصل من الامور واقام مطمئنا على نفسه واعتزل الفريقين واستمر على صلحه مع الفرنساوية هذا حاصل خبر الشرقيين ولما تحقق الباشا والامراء الذين انحصروا بمصر ذلك اخفوه بينهم واشاعوا خلافة لئلا تنحل عزائم الناس عن القتال وتضعف نفوسهم واستمر الباشا يظهر كتابة المراسلات وارسال السعاة في طلب النجدة والمعونة وربما افتعلوا اجوبة فزوروها على الناس فتزوج عليهم وتسرى في غفلتهم ويقولون للناس في كل وقت ان حضرة الصدر الاعظم مجتهد في محاربة الفرنسيس وفي غد او بعد غد يقوم بالعساكر والجنود بعد قطع العدو وعند حضوره ووصوله يحصل تمام الفتح وتهدم العساكر القلاع وتقلبها على من يبقى من الفرنساوية وبعد ذلك ينظم البلاد ويريح العباد واجتهدوا فيما انتم فيه وتابعوا المناداة على الناس والعسكر باللسان العربي والتركي بالتحريض والاجتهاد والحرص على لصبر والقتال وملاقاة العدو ونحو ذلك ووصل طائفة من عسكر الفرنساوية ورجعوا من عرضيهم نجدة لاصحابهم الذين بمصر فقويت بهم نفوس الكائنين بمصر ووقفت منهم طائفة خارج باب النصر وخارج باب الحسينية ونهبوا زاوية الدمرداش وما حولها كقبة الغوري والمنيل وحضر نحو خمسمائة من عسكر الارنؤد وهم الذين كان الوزير وجههم الى القرى لقبض الكلف والفرض فلما قربوا من مصر عارضهم عسكر الفرنساوية الواقفة على التلول
الخارجة فحاموا ودافعوا عن انفسهم وخلصوا منهم ودخلوا الى مصر وفرح الناس لقدومهم وضجت القلعة بحضورهم واشتدت قواهم واتفقوا ان يقولوا للناس اذا سئلوا انهم حاضرون مددا وسيأتي في اثرهم عشرون الفا وعليهم كبير ونحو ذلك واما بولاق فانها قامت على ساق واحد وتحزم الحاج مصطفى البشتيلي وامثاله وهيجوا العامة وهيأوا عصيهم واسلحتهم ورمحوا وصفحوا واول ما بدؤا به انهم ذهبوا الى وطاق الفرنسيس الذي تركوه بساحل البحر وعنده حرسية منهم فقلتوا من ادركون منهم ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره ورجعوا الى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع التي للفرنساوية واخذوا ما احبوا منها وعملوا كرانك حوالي البلد ومتاريس واستعدوا للحرب والجهاد وقوى في رأسهم العناد واستطالوا على من كان ساكنا ببولاق من نصارى القبط والشوام فأوقعوا بهم بعض النهب وربما قتل منهم اشخاص هذا ما كان من امر هؤلاء واما ما كان من امر سارى عسكر الفرنساوية ومن معه فانه لما استوثق بهزيمة والوزير وعدم عوده ونجاته بنفسه لم يزل خلفه حتى بعد عن الصالحية فأبقى بها بعضا من عسكر الفرنسيس محافظين وكذلك بالقرين وبليس ورجع الى مصر وقد بلغت الاخبار بما حصل من دخول ناصف باشا والامراء وقيام الرعية فلم يزل حتى وصل الى داره بالازبكية واحاطت العساكر الفرنساوية بالمدينة وبولاق من خارج ومنعوا الداخل من الدخول والخارج من الخروج وذلك بعد ثمانية ايام من ابتداء الحركة وقطعوا الجالب عن البلدين واحاطوا بها احاطة السوار بالمعصم فكانت جماعة من المفوضين لهم المحصورين داخل المدينة كبعض القبطة ونصارى الشوام وغيرهم يهربون اليهم ويتسلقون من الاسوار والحيطان بحريمهم واولادهم فعند ذلك اشتد الحرب وعظم الكرب واكثروا من الرمي المتتابع بالمكاحل والمدافع واكثروا وأوصلوا وقع القنابر والبنبات من اعالي التلول والقلعات خصوصا البنبات الكبار على الدوام والاستمرار آناء الليل واطراف النهار في الغدو والبكور
والاسحار وعدمت الاقوات وغلت اسعار المبيعات وعزت المأكوت وفقدت الحبوب والغلات وارتفع وجود الخبز من الاسواق وامتنع الطوافون به على الاطباق وصارت العساكر الذين مع الناس بالبلد يحفظون ما يجدونه بأيدي الناس من المأكل والمشارب وغلا سعر الماء المأخوذ من الآبار او الاسبلة حتى بلغ سعر القربة نيفا وستين نصفا واما البحر فلا يكاد يصل اليه احد وتكفل التجار ومساتير الناس والاعيان بكلف العساكر المقيمين بالمتاريس المجاورة لهم فألزموا الشيخ السادات بكلفة الذين عند قناطر السباع وهم مصطفى بك ومن معه من العساكر واما اكابر القبط مثل جرجس الجوهري وفلتيوس وملطي فانهم طلبوا الامان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وهم في وسطهم وخافوا على نهب دورهم اذا خرجوا فارين فارسلوا اليهم الامان فحضروا وقابلوا الباشا والكتخدا والامراء وأعانوهم بالمال واللوازم وأما يعقوب فانه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعدادا كبيرا بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الاولى فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه هذا والمناداة في كل وقت بالعربي والتركي على الناس بالجهاد والمحافظة على المتاريس وانهم مصطفى أغا مستحفظان بموالاته للفرنساوية وانه عنده في بيته جماعة من الفرنسيس فهجمت العساكر على داره بدرب الحجر فوجدوا انفارا قليلة من الفرنسيس فقاتلوا وحاموا عن أنفسهم وقتل منهم البعض وهرب البعض على حمية حتى خلصوا الى الناصرية وأما الاغا فأنهم قبضوا عليه واحضروه بين يدي عثمان كتخدا ثم تسلمه الانكشارية وخنقوه ليلا بالوكالة التي عند باب النصر ورموا جيفته على مزبلة خارج البلد واستقر عوضه شاهين كاشف الساكن بالخرنفش فاجتهد وشدد على الناس وكرر المناداة ومنعهم من دخول الدور وكل من وجده داخل داره مقته وضربه فكان الناس يبيتون بالازقة والاسواق حتى الامراء والاعيان وهلكت البهائم من الجوع لعدم وجود العلف من التين والفول والشعير والدريس
بحيث صار ينادي على الحمار او البغل المعدد الجذى قيمته ثلاثون ريالا وأكثر بمائة نصف فضة او ريال واحدا واقل ولا يوجد من يشتريه وفي كل يوم يتضاعف الحال وتعظم الاهوال وزحف المسلمون على جهة رصيف الخشاب وترامى الفريقان بالمدافع والنيران حتى احترق ما بينهم من الدور وكان اسمعيل كاشف الالفي تحصن ببيت أحمد أغا شويكار الذي كان بيته وقد كان الفرنساوية جعلوا به لعما بالبارود المدفون فاشتعل ذلك اللغم ورفع ما فوقه من الابنية والناس وطاروا في الهواء واحترقوا عن آخرهم وفيهم اسمعيل كاشف المذكور وانهدم جميع ما هناك من الدور والمباني العظيمة والقصور المطلة على البركة واحترق جميع البيوت التي من عند بين المفارق بقرب جامع عثمان كتخدا الى رصيف الخشاب والخطة المعروفة بالساكت بأجمعها الى الرحبة المقابلة لبيت الالفي سكن سارى عسكر الفرنساوية وكذلك خطة الفوالة بأسرها وكذلك خط الروبعي بالسباط العظيمين وما في ضمن ذلك من البيوت الى حد حارة النصارى وصارت كلها تلالا وخرائب كأنها لم تكن مغني صبابات ولا مواطن أنس ونزاهات وقد جنت عليها ايدي الزمان وطوارق الحدثان حتى تبدلت محاسنها وأفقرت مساكنها وهكذا عقبى سوء ما عملوا فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا
وارسلوا الى مراد بك يطلبونه للحضور او يرسل الامراء والاجناد التي عنده فأرسل يعتذر عن الحضور ويقول انه محافظ عل الجهة التي هو فيه فأرسلوا اليه بالارسال والاستكشاف عن امر الوزير فأرسل يخبر أنه ارسل هجانا الى الشرق من نحو عشرة ايام والى الآن لم يحضر وان الفرنساوية اذا ظفروا بالعثمانية لا يقتلونهم ولا يضربونهم وانتم كذلك معهم فأقبلوا نصحي واطلبوا الصلح معهم واخرجوا سالمين فلما بلغهم تلك الرسالة حنق حسن بك الجداوي وعثمان بك الاشقر وغيرهم وسفهوا رأية وقالوا كيف يصح هذا الأمر وقد دخلنا الى البلد وملكناها فكيف نخرج منها طائعين ونحو ذلك هذا مما لا يكون ابدا فأشار
ابراهيم بك برجوع البرديسي وصحبته عثمان بك الاشقر ليقول الاشقر لمراد بك ما يقوله فلما اجتمع به ورجع لم يرجع على ما كان عليه حال ذهابه وفترت همته وجنح لراي مراد بك واستمر الحال على ما هو عليه من اشتعال نيران الحرب وشدة البلاء والكرب ووقوع البنبات على الدور والمساكن من القلاع والهدم والحرق وصراخ النساء من البيوت والصغار من الخوف والجزع والهلع مع القحط وفقد المآكل والمشارب وغلق الحوانيت والطوابين والمخابز ووقوف حال الناس من البيع والشراء وتفليس الناس وعدم وجدان ما ينفقونه ان وجدوا شيئا واستمر ضرب المدافع والقنابر والبنادق والنيران ليلا ونهارا حتى كان الناس لا يهنأ لهم نوم ولا راحة ولا جلوس لحظة لطيفة من الزمن ومقامهم دائما ابدا بالازقة والاسواق وكأنما على رؤوس الجميع الطير واما النساء والصبيان فمقامهم بأسفل الحواصل والعقودات تحت طباق الابنية الى غير ذلك
وفي اثناء ذلك فرضوا على الناس من اهل الاسواق وغيرهم مائة كيس فردوها على بعض الناس كالسادات والصارى وصار مؤونة غالب الناس الارز ويطبخونه بالعسل وباللبن ويبيعون ذلك في طشوت واوان بالاسواق وفي كل ساعة تهجم العساكر الفرنساوية على جهة من الجهات ويحاربون الذين بها ويملكون منهم بعض المتاريس فيصيحون على بعضهم بالمناداة يتسامع الناس ويصرخون على بعضهم البعض ويقولون عليكم بالجهة الفلانية الحقوا اخوانكم المسلمين فيرمحون الى تلك الخطة والمتاريس حتى يجلوهم عنها وينتقلون الى غيرها فيفعلون كذلك وكان المتحمل لغالب هذه المدافعات حسن بك الجداوي فإنه كان عند ما يبلغه زحف الفرنساوية على جهة من الجهات يبادر هو ومن معه للذهاب لنصرة تلك الجهة ورأى الناس من اقدامه وشجاعته وصبره على مجالدة العدو ليلا ونهارا ما ينبىء عن فضيل نفس وقوة قلب وسمو همة وقل ان وقع حرب في جهة من الجهات الا وهو مدير رحاها ورئيس كماتها هذا والاغا والوالي يكررون المناداة وكذلك المشايخ والفقهاء والسيد احمد
المحروقي والسيد عمر النقيب يمرون كل وقت ويأمرون الناس بالقتال ويحرضونهم على الجهاد وكذلك بعض العثمانية يطوفون مع اتباع الشرطة وينادون باللغة التركية مثل ذلك وجرىعلى الناس مالا يسطر في كتاب ولم يكن لاحد في حساب ولا يمكن الوقوف على كلياته فضلا عن جزئياته منها عدم النوم ليلا ونهارا وعدم الطمأنينة وغلو الاقوات وفقد الكثير منها خصوصا الادهان وتوقع الهلاك كل لحظة والتكليف بما لا يطاق ومغالبة الجهلاء على العقلاء وتطاول السفهاء على الرؤساء وتهور العامة ولفط الحرافيش وغير ذلك مما لا يمكن حصره ولم يزل الحال على هذا المنوال الى نحو عشرة ايام وكل هذا والرسل من قبل الفرنساوية وهم عثمان بك البرديسي تارة ومصطفى كاشف ورستم تارة اخرى والاثنان من اتباع مراد بك يترددون في شأن الصلح وخروج العساكر العثمانية من مصر والتهديد بحرقها وهدمها اذا لم يتم هذا الغرض واستمروا على هذا العناد ثم نصب الفرنساوية في وسط البركة فساطا لطيفا وأقاموا عليه علما وأبطلوا الرمي تلك الليلة وأرسلوا رسولا من قبلهم الى الباشا والكتخدا والامراء يطلبون المشايخ يتكلمون معهم في شأن هذا الامر فأرسلوا الشرقاوي والمهدي والسرسي والفيومي وغيرهم فلما وصلوا الى سارى عسكر وجلسوا خاطبهم على لسان الترجمان بما حاصله أن سارى عسكر قد أمن اهل مصر أمانا شافيا وان الباشا والكتخدا ومن معهما من العساكر العثمانية يخرجون من مصر ويلحقون بالعرضي وعلى الفرنساوية القيام بما يحتاجون اليه من المؤونة والذخيرة حتى يصلوا الى معسكرهم وأما الاجناد المصرية الداخلة معهم فمن اراد منهم المقام بمصر من المماليك والغز الداخلين معهم فليقم وله الاكرام ومن اراد الخروج فليخرج والجرحى من العثملي يجردون من سلاحهم وان كان يأخذه الكتخدا فليأخذه وعلينا ان نداويهم حتى يبرأوا ومن اقام بعد البرء منهم فعلينا مؤونته ومن اراد الخروج بعد برئه فليخرج وعلى اهل مصر الامان فانهم رعيتنا وتوافقوا على ذلك وتراضوا عليه ولما كان
الغد وشاع امر الموادعة واستفيض أمر الصلح على هذا قالوا لهم لأي شيء تفعلون هذا الفعل وهذه المحاربات والوزير ولى مهزوما ورجع هاربا ولا يمكن عوده في هذا الحين الا أن يكون بعد ستة أشهر فاعتذروا له بأن هذا من فعل ناصف باشا وكتخدا الدولة وابراهيم بك ومن معهم فانهم هم الذين اثاروا الفتنة وهيجوا الرعايا ومنوا الناس الاماني الكاذبة والعامة لا عقول لهم فقالوا لهم بعد كلام طويل قولوا لهم يتركون القتال ويخرجون فيلحقون بوزيرهم فانهم لا طاقة لهم على حربنا ويكونون سببا لهلاك الرعية وحرق البلدين مصر وبولاق فقالوا له نخشى انهم اذا امتثلوا وجنحوا للموادعة وخرجوا وذهبوا الى سارى عسكرهم تنتقمون منا ومن الرعايا بعد ذلك فقالو لا نفعل ذلك فانهم اذا رضوا ومنعوا الحرب اجتمعنا معكم واياهم وعقدنا صلحا ولا نطالبكم بشيء والذي قتل منا في نظير الذي قتل منكم وزودناهم واعطيناهم ما يحتاجون من خيل وجمال وأصبحنا معهم من يوصلهم الى مأمنهم من عسكرنا ولا نضر أحدا بعد ذلك فلما رجع المشايخ بهذا الكلام وسمعه الانكشارية والناس قاموا عليهم وسبوهم وشتموهم وضربوا الشرقاوي والسرسي ورموا عمائهم وأسمعوهم قبيح الكلام وصاروا يقولون هؤلاء المشايخ ارتدوا وعملوا فرنسيس ومرادهم خذرن المسلمين وانهم اخذوا دراهم من الفرنسيس وتكلم السفلة والغوغاء من امثال هذا الفضول وتشدد في ذلك الرجل المغربي الملتف عليه اخلاط العالم ونادى من عند نفسه الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر عنه ضرب عنقه وكان السادات ببيت الصارى فتحير واحتال بان خرج وامامه شخص ينادى بقوله الزموا المتاريس ليقي بذلك نفسه من العامة ووافق ذلك اغراض العامة لعدم ادراكهم لعواقب الامور فألتفوا عليه وتعضد كل بالآخر وان غرضه هو في دوام الفتنة فان بها يتوصل لما يريد من النهب والسلب والتصور بصورة الامارة باجتماع الاوغاد عليه وتكفل الناس له بالمأكل والمشرب هو ومن انضم اليه واشتطاط في المأكل مع فقد الناس لا دون ما يؤكل حتى انه
كان اذا نزل جهة من جهات المدينة لاظهار انه يريد المعونة او الحرس فيقدمون له بالطعام فيقول لا آكل الا الفراخ ويظهر أنه صائم فيكلف أهل تلك الجهة انواع المشتقات والتكلفات بتعنته في هذه الشدة بطلب أفحش المأكولات وما هو مفقود ثم هو مع ذلك لا يغني شيئا بل اذا دهم العدو تلك الجهة التي هو فيها فارقها وانتقل لغيرها وهكذا كان ديدنه ثم هو ليس ممن له في مصر ما يخاف عليه من مسكن أو اهل أو مال أو غير ذلك بل كما قيل لا ناقتي فيها ولاجملي فإذا قدر ما قدر تخلص مع حزبه الى بعض الجهات والتحق بالريف أو غيره وحينئذ يكون كآحاد الناس ويرجع لحالته الاولى وتبطل الهيئة الاجتماعية التي جعلها لجلب الدنيا فخا منصوبا ومخرق بها على سخاف العقول وإخفاء الاحلام وهكذا حال الفتن تكثر فيها الدجاجلة ولو أن نيته ممحضة لخصوص الجهاد لكانت شواهد علانيته اظهر من نار على علم او اقتحم كغيره ممن سمعنا عنهم من المخلصين في الجهات وفي بيع انفسهم في مرضاة رب العباد لظا الهيجاء ولم يتعنت على الفقراء ولم يجعل همته في السلب مصروفة وحال سلوكه عند الناس ليست معروفة ... ومهما تكن عند امرىء من خليقة ... وان خالها تخفى على الناس تعلم ...
وبالجملة فكان هذا الرجل سببا في تهدم أغلب المنازل بالازبكية ومن جملةما رميت به مصر من البلاء وكان ممن ينادى به عليه حين اشيع امر الصلح وتكلم به الاشياخ الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر ضرب عنقه وهذا منه افتيات وفضول ودخول فيما لا يعني حيث كان في البلد مثل الباشا والكتخدا والامراء المصرية فما قدر هذا الاهوج حتى ينقض صلحا أو يبرمه وأي شيء يكون هو حتى ينادي او ينصب نفسه بدو ان ينصبه احد لذلك لكنها الفتن يستنسر بها البغات سيما عند هيجان العامة وثوران الرعاع والغوغاء اذ كان ذلك مما يوافق أغراضهم عل ان المشايخ لم يأمروا بشيء ولم يذكروا صلحا ولا غيره انما بلغوا صورة المجلس الذي طلبوا لاجله لحضرة الكتخدا فبمجرد ذلك قامت عليهم
العامة هذا المقام وسبوهم وشتموهم بل وضربوهم وبعضهم رموا بعمامته الى الارض واسمعوهم قبيح الكلام وفعلوا معهم ما فعلوا وصاروا يقولون لولا ان الكفرة الملاعين تبين لهم الغلب والعجز ما طلبوا المصالحة والموادعة وأن بارودهم وذخيرتهم فرغت ونحو ذلك من الظنون الفاسدة ولم يردوا عليهم جوابا بل ضربوا بالمدافع والبنادق فأرسلوا ايضا رسلا يسالونهم عن الجواب الذي توجه به المشايخ فأرسل اليهم الباشا والكتخدا يقولان لهم ان العساكر لم يرضوا بذلك ويقولون لا نرجع عن حربهم حتى نظفر بهم أو نموت عن خرنا وليس في قدرتنا قهرهم على الصلح فأرسل الفرنساوية جواب ذلك في ورق يقولون في ضمنها قد عجبنا من قولكم ان العساكر لم ترض بالصلح وكيف يكون الامير أميرا على جيش ولا ينفذ أمره فيهم ونحو لك وأرسلوا ايضا رسولا الى أهل بولاق يطلبونهم للصلح وترك الحرب ويحذرونهم عاقبة ذلك فلم يرضوا وصمموا على العناد فكرروا عليهم المراسلة وهم لا يزدادون الا مخالفة وشغبا فأرسلوا في خامس مرة فرنساويا يقول أمان أمان سواسوا وبيده ورق من سارى عسكر فأنزلوه من على فرسه وقتلوه وظن كامل أهل مصر انهم انما يطلبون صلحهم عن عجز وضعف واشعلوا نيران القتال وجدوا في الحرب من غير انفصال والفرنساوية لم يقصروا كذلك وراسلوا رمي المدافع والقنابر والبندق المتكاثر وحضر الالفي الى عثمان كتخدا برأي ابتدعه ظن ان فيه الصواب وهو ان يرفعوا على هلالات المنارات اعلاما نهارا ويوقدون عليها القناديل ليلا ليرى ذلك العسكر القادم فيهتدي ويعلمون ان البلد بيد المسلمين وانهم منصورون وكذلك صنع معهم أهل بولاق وذلك لغلبة ظن الناس ان هناك عسكرا قادمين لنجدتهم
وظن اهل بولاق ان الباعث على ذلك نصرتهم فصمموا على ذلك للحرب واستمر هذا الحال بين الفريقين الى يوم الخميس ثاني عشرينه
الموافق لعاشر برموده القبطي وسادس نيسان الرومي فغيمت السماء غيما كثيفا وارعدت رعدا مزعجا عنيفا وامطرت مطرا غزيرا وسيلت سيلا كثيرا فسالت المياه في الجهات وتوحلت جميع السكك والطرقات فاشتغل الناس بتجفيف المياه والاوحال ولطخت الامراء والعساكر بسراويلهم ومراكيبهم بالطين والفرنساوية هجموا على مصر وبولاق من كل ناحية ولم يبالوا بالأمطار لانهم في خارج الافنية وهي لا تتأثر بالمياه كداخل الانية وعندهم الاستعداد والتحفظ والخفة في ملابسهم وما على رؤوسهم وكذلك اسلحتهم وعددهم وصنائعهم بخلاف المسلمين فلما حصل ذلك اغتنموا الفرصة وهجموا على البلدين من كل ناحية وعملوا فتائل مغمسة بالزيت والقطران وكعكات غليظة ملوية على اعناقهم معمولة بالنفط والمياه المصنوعة المقطرة التي تشتعل ويقوى لهبها بالماء وكان معظم كبستهم من ناحية الحديد وكوم ابي الريش وجهة بركة الرطلي وقنطرة الحاجب وجهة الحسينية والرميلة فكانوا يرمون المدافع والبنبات من قلعة جامع الظاهر وقلعة قنطرة الليمون ويهجمون ايضا وامامهم المدافع وطائفة خلفهم بواردية يقال لهم السلطات يرمون بالبندق المتتابع وطائفة بأيديهم الفتائل والكعكات المشتعلة بالنيران يلهبون بها السقائف وضرف الحوانيت وشبابيك الدور ويزحفون على هذه الصورة شيئا فشيئا والمسلمون ايضا بذلوا جهدهم وقاتلوا بشدة همتهم وعزمهم وتحول الاغا واكثر الناس الى تلك الجهة وزلزلوا في ذلك اليوم والليلة زلزالا شديدا وهاجت العامة وصرخت النساء والصبيان ونطوا من الحيطان والنيران تأخذ المتوسطين بين الفئتين من كل جهة هذا والامطار تسح حصة من النهار وكذلك بالليل من ليلة الجمعة وكذلك الرعد والبرق وعثمان بك الاشقر الابراهيمي وعثمان بك البرديسي المرادى ومصطفى كاشف رستم يذهبون ويجيئون من الفرنسيس الى المسلمين ومن الفرنسيس اليهم ويسعون في الصلح بين الفريقين
ثم انهم هجموا عل بولاق من ناحية البحر ومن ناحية بوابة ابي العلا بالطريقة المذكورة بعضها وقاتل اهل بولاق جهدهم ورموا بأنفسهم في النيران حتى غلب الفرنسيس عليهم وحصروهم من كل جهة وقتلوا منهم بالحرق والقتل وبلوا بالنهب والسلب وملكوا بولاق وفعلو بأهلها ما يشيب من هوله النواصي وصارت القتلى مطروحة في الطرقات والازقة واحترقت الابنية والدور والقصور وخصوصا البيوت والرباع المطلة على البحر وكذلك الاطارف وهرب كثير من الناس عند ما أيقنوا بالغلبة فنجوا بأنفسهم الى الجهة القبلية ثم احاطوا بالبلد ومنعوا من يخرج منها واستولوا على الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع وملكوا الدور وما بها من الامتعة والاموال والنساء والخوندات والصبيان والبنات ومخازن الغلال والسكر والكتان والقطن والاباريز والارز والادهان والاصناف العطرية وما لاتسعه السطور ولا يحيط به كتاب ولا منشور والذي وجدوه منعكفا في داره أو طبقته ولم يقاتل ولم يجدوا عنده سلاحا نهبوا متاعه وعروه من ثيابه ومضوا وتركوه حيا وأصبح من بقي من ضعفاء اهل بولاق واهلها واعيانها الذين لم يقاتلوا فقراء لا يملكون ما يستر عوراتهم وذلك يوم الجمعة ثالث عشرينه وكان محمد الطويل كاتب الفرنساوية اخذ منهم أمانا لنفسه وأوهم اصحابه أنه يحارب معهم وفي وقت هجوم العساكر انفصل اليهم واختفى البشتيلي فدلوا عليه وقبضوا على وكيله وعلى لرؤساء فحبسوا البشتيلي بالقلعة والباقي ببيت سارى عسكر وضيقوا عليهم حتى منعوهم البول وفي اليوم الثالث اطلقوهم وجمعوا عصبة البشتيلي من العامة وسلموهم البشتيلي وأمروهم ان يقتلوه بأيديهم لدعواهم انه هو الذي كان يحرك الفتنة ويمنعهم الصلح وانه كاتب عثمان كتخدا بمكتوب قال فيه ان الكلب دعانا للصلح فأبينا منه وأرسله مع رجل ليوصله الى الكتخدا فوقع في يد سارى عسكر كلهبر فحركه ذلك على أخذ بولاق وفعله فيها الذي
فعله وقوبل على ذلك بان اسلم الى عصبته وأمروا ان يطوفوا به البلد ثم يقتلوه ففعلو ذلك وقتلوه بالنبابيت وألزم أهل بولاق بان يرتبوا ديوانا لفصل الاحكام وقيدوا فيه تسعة من رؤسائهم ثم بعد مضي يومين الزموا بغرامة مائتي ألف ريال وأما المدينة فلم يزل الحال بها على النسق المتقدم من الحرب والكرب والنهب ولاسلب الى سادس عشرينه حتى ضاق خناق الناس من استمرار الانزعاج والحريق والسهر وعدم الراحة لحظة من الليل والنهار مع ما هم فيه من عدم القوت حتى هلكت الناس وخصوصا الفقراء والدواب وايذاء عسكر العثمانلي للرعية وخطفهم ما يجدونه معهم حتى تمنوا زوالهم ورجوع الفرنسيس على حالتهم التي كانوا عليها والحال كل وقت في الزيادة وأمر المسلمين في ضعف لعدم المير والمدد والفرنساوية بالعكس وفي كل يوم يزحفون الى قدام والمسلمون الى وراء فدخلوا من ناحية باب الحديد وناحية كوم ابي الريش وقنطرة الحاجب وتلك النواحي وهم يحرقون بالفتائل والنيران الموقدة ويملكون المتاريس الى ان وصلوا من ناحية قنطرة الحروبي وناحية باب الحديد الى قرب باب الشعرية
وكان شاهين أغا هناك عند المتاريس فأصابته جراحه فقام من مكانه ورجع القهقري فعند رجوعه وقعت الهزيمة ورجع الناس يدوسون بعضهم البعض
وملك الفرنساوية كوم ابي الريش وصاروا يحاربون من كوم ابي الريش وهم في العلو والمسلمون اسفل منهم وان المحروقي زور كتابا على لسان الوزير وجاء به رجل يقول انه اختفى في طريق خفية ونط من السور وان الوزير يقدم بعد يومين او ثلاثة وانه تركه بالصالحية وان ذلك كذب لا اصل له وان يكتب جوابا عن فرمان كتبوه على لسان المشايخ والتجار وارسلوه الى الوزير في اثناء الواقعة
هذا والبرديسي ومصطفى كاشف والاشقر يسعون في أمر الصلح الى
ان تموه على كف الحرب وان الفرنساوية يمهلون العثمانية والامراء ثلاثة ايام حتى يقضوا اشغالهم ويذهبون حيث اتوا وجعلوا الخليج حدا بين الفريقين لا يتعدى احد من الفريقين بر الخليج الآخر وابطلوا الحرب واخمدوا النيران وتركوا القتال واخذ العثمانية والامراء والعسكر في أهبة الرحيل وقضاء اشغالهم وزودهم الفرنساوية واعطوهم دراهم وجمالا وغير ذلك وكتبوا بعقد الصلح فرمانا مضمونه انهم يعوقون عندهم عثمان بك البرديسي وعثمان بك الاشقر ويرسلون ثلاثة انفار من اعيالهم يكونون بصحبة عثمان كتخدا حتى يصل الى الصالحية وان يوصلهم سارى عسكر داماس بثلثمائة من العسكر خوفا عليهم من العرب وان من جاء منهم من جهة يرجع اليها ومن اراد الخروج من أهل مصر معكم فليخرج ما عدا عثمان بك الاشقر فانه اذا رجع الثلاثة مع الفرنساوية يذهب مع البرديسي الى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة مع الفرنساوية يذهب مع البرديسي الى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة المذكورين الى وكالة ذي الفقار بالجمالية وأجلسوهم بمسجد الجمالي صحبة نصوح باشا الخان ومنع نصوح باشا العامة من الهجوم على المسجد وركب المغربي فتوجه الى الحسينية وطلب محاربة الفرنسيس فحضر اهل الحسينية الى عثمان كتخدا يستأذنونه في موافقة ذلك المغربي أو منعه فأمر بمنعه وكفهم عن القتال وركب المحروقي عند ذلك ومر بسوق الخشب وقدامه المناداة بان لا صلح ولزوم المتاريس ثم فتح باب الوكالة وخرج منها عسكر بالعصي فهاجوا في العامة ففرو وسكن الحال
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة
فيه خرج العثمانية وعساكره وابراهيم بك وامراؤه ومماليكه والالفي واجناده ومعهم السيد عمر مكرم النقيب والسيد احمد المحروقي الشاه بندر وكثيرون من اهل مصر ركبانا ومشاة الى الصالحية وكذلك حسن بك الجداوي واجناده واما عثمان بك حسن ومن معه فرجعوا صحبة الوزير فلم يسع ابراهيم بك وحسن بك ترك جماعتهما خلفهما وذهابهم بأنفسهم الى قبلي بل رجعا بجماعتهما على اثرهما وذاقوا وبال أمرهم وانكشف الغبار عن تعسة المسلمين وخيبة امل الذاهبين والمتخلفين وما استفاد الناس من هذه العمارة وما جرى من الغارة الا الخراب والسخام والهباب فكانت مدة الحرب والحصر بما فيها من الثلاثة ايام الهدنة سبعة وثلاثين يوما وقع بها من الحروب والكروب والانزعاج والشتات والهياج وخراب الدور وعظائم الامور وقتل الرجال ونهب الاموال وتسلط الاشرار وهتك الاحرار وخصوصا ما أوقع الفرنساوية بالناس بعد ذلك مما سيتلى عليك بعضه وخرب في هذه الواقعة عدة جهات من أخطاط مصر الجليلة مثل جهة الازبكية الشرقية من حد جامع عثمان والفوالة وحارة كتخدا رصيف الخشاب وخطة الساكت الى بيت سارى عسكر بالقرب من قنطرة الدكة وكذلك جهة باب الهواء الى حارة النصارى من الجهة القبلية وأما بركة الرطلي وما حولها من الدور والمنتزهات والبساتين فانها صارت كلها تلالا وخرائب وكيمان اتربة وقد كانت هذه البركة من اجل منتزهات مصر قديما وحديثا وبالقرب منها المقصف المعروف بدهليز الملك والبرنج والجسر وكانت تعرف ببركة الطوابين ثم عرفت ببركة الحاجب منسوبة للامير بكتمر الحاجب من امراء الملك الناصر محمد بن قلاوون لانه هو الذي احتفرها واجرى اليها الماء من الخليج الناصري وبنى القنطرة المنسوبة اليه وعمر عليها الدور والمناظر وبنى على الجسر الفاصل بينها وبين الخليج دورا بهية وكان هذا الجسر من أجل المنتزهات وقد خربت منازله في القرن العاشر في واقعة السلطان سليم خان مع الغوري وصار محله بستانا عظيما قطع اشجاره وغالب نخيلة الفرنساوية
ومما تخرب ايضا حارة المقس من قبل سوق الخشب الى باب الحديد وجميع مافي ضمن ذلك من الحارات والدور صارت كلها خرائب متهدمة
محترقة تسكب عند مشاهدتها العبرات ويتذكر بها ما يتلى في حق الظالمين من الآيات فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ان في ذلك لاية لقوم يعقلون وقال تعالى وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا قليلا وكنا نحن الوارثين وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون
وقال تعالى واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
ودخل الفرنساوية الى المدينة يسعون والى الناس بعين الحقد ينظرون واستولوا على ما كان اصطنعه واعده العثمانية من المدافع والقنابر والبارود وآلات الحرب جميعها وقيل انهم حاسبوهم على كلفته ومصاريفه وقبضوا ذلك من الفرنساوية
وركب المشايخ والاعيان عصر ذلك اليوم وذهبوا الى كبير الفرنسيس فلما وصلوا الى داره ودخلوا عليه وجلسوا ساعة ابرز اليهم ورقة مكتوب فيها النصرة لله الذي يريد ان المنصور يعمل بالشفقة والرحمة مع الناس وبناء على ذلك سارى عسكر العام يريد ان ينعم بالعفو العام والخاص على أهل مصر وعلى اهل بر مصر ولو كانوا يخالطون العثملي في الحروب وانهم يشتغلون بمعايشهم وصنائعهم ثم نبه عليه بحضورهم الى قبة النصر بكرة تاريخه
ثم قاموا من عنده وشقوا المدينة وطافوا بالاسواق وبين ايديهم المناداة للرعية بالاطمئنان والامان فلما اصبح ذلك اليوم ركبت المشايخ والوجاقلية وذهبوا الى خارج باب النصر وخرج ايضا القلقات والنصارى القبط والشوام وغيرهم فلما تكامل حضور الجميع رتبوا موكبا وسادوا ودخلوا من باب النصر وقدامهم جماعة من القواسة يأمرون الناس بالقيام وبعض فرنساوية راكبين خيلا وبأيديهم سيوف مسلولة ينهرون الناس
ويأمرونهم بالوقوف على اقدامهم ومن تباطأ في القيام أهانوه فاستمرت الناس وقوفا من ابتداء سير الموكب الى انتهائه ثم تلا الطائفة الآمرة للناس بالوقوف جمع كثير من الخيالة الفرنساوية بأيديهم سيوف مسلولة وكلهم لابسون جوخا أحمر وعلى رؤوسهم طراطير من الفراوي على غير هيئة خيالتهم ومشاتهم ثم تتالى بعد هؤلاء طوائف العساكر ببوقاتهم وطبولهم وزمورهم واختلاف اشكالهم واجناسهم وملابسهم من خيالة ورجالة ثم الاعيان والمشايخ والوجاقلية واتباعهم الى ان قدم سارى عسكر الفرنساوية وخلف ظهره عثمان بك البرديسي وعثمان بك الاشقر وخلفهم طوائف من خيالة الفرنسيس
ولما انقضى امر الموكب نادوا بالزينة فزينت البلد ثلاثة ايام آخرها يوم الثلاثاء مع السهر ووقود القناديل ليلا ثم دعاهم في يوم الاربعاء وعمل لهم سماطا عظيما على طريقة المصرلية
وقلدوا في ذلك اليوم محمد اغا الطناني اغات مستحفظان وركب ونادى بالامان واعطواالبكري بيت عثمان كاشف كتخدا الحج وهو بيت البارودي الثاني فسكن به وشرع في تنظيمه وفرشه ولبسوه في ذلك اليوم فروة سمور فقاموا من عنده فرحين مطمئنين مستبشرين
فلما كان يوم الخميس سابعه ذهب الى مراد بك بجزيرة الذهب باستدعاء فمد لهم اسمطة عظيمة وانبسط معنم وافتخر افتخارا زائدا واهدى الى بعضهم هدايا جليلة وتقادم عظيمة واعطاه ما كان ارسله درويش باشا معونة للباشا والامراء من الاغنام وغيرها وكانت نحو الاربعة آلاف رأس وولوه امارة الصعيد من جرجا الى اسنا ورجع عائدا الى داره بالازبكية
فلما كان في صبحها يوم الجمعة ثامنه بكروا بالذهاب الى بيت سارى عسكر ولبسوا افخر ثيابهم واحسن هيآتهم وطمع كل واحد منهم وظن ان سارى عسكر يقلده في هذا اليوم اجل المناصب او ربما حصل التغيير
والتبديل في أهل الديوان فيكون في الديوان الخصوصي فلما استقر بهم الجلوس في الديوان الخارج اهملوا حصة طويلة لم يؤذن لهم ولم يخاطبهم أحد ثم فتح باب المجلس الداخل وطلبوا الى الدخول فيه فدخلوا وجلسوا حصة مثل الاولى ثم خرج اليهم سارى عسكر وصحبته الترجمان وجماعة من اعيانهم فوضع له كرسي في وسط المجلس وجلس عليه ووقف الترجمان واصحابه حواليه واصطف الوجاقلية والحكام من ناحية واعيان النصارى والتجار من ناحية وعثمان بك الاشقر والبرديسي ايضا حاضران وكلم سارى عسكر الترجمان كلاما طويلا بلغتهم حتى فرغ فالتفت الترجمان الى الجماعة وشرع يفسر لهم مقالة سارى عسكر ويترجم عنها بالعربي والجماعة يسمعون فكان ملخص ذلك القول ان سارى عسكر يطلب منكم عشرة آلاف الف الى اخر العبارة الاتية واما هذه العبارة فانه قالها المهدي فقط اننا لما حضرنا الى بلدكم هذه نظرنا ان اهل العلم هم اعقل الناس والناس بهم يقتدون ولامرهم يمتثلون ثم انكم اظهرتم لنا المحبة والمودة وصدقنا ظاهر حالكم فاصطفيناكم وميزناكم على غيركم واخترناكم لتدبير الامور وصلاح الجمهور فرتبنا لكم الديوان وغمرناكم بالاحسان وخفضنا لكم جناح الطاعة وجعلناكم مسموعين القول مقبولين الشفاعة وأوهمتونا أن الرعية لكم ينقادون ولامركم ونهيكم يرجعون فلما حضر العثملي فرحتم لقدومهم وقمتم لنصرتهم وثبت عند ذلك نفاقكم لنا فقالوا له نحن ما قمنا مع العثملي الا عن أمركم لانكم عرفتمونا اننا صرنا في حكم العثملي من ثاني شهر رمضان وان البلاد والاموال صارت له وخصوصا وهو سلطاننا القديم وسلطان المسلمين وما شعرنا الا بحدوث هذا الحادث بينكم وبينهم على حين غفلة ووجدنا انفسنا في وسطهم فلم يمكننا التخلف عنهم فرد عليهم الترجمان ذلك الجواب ثم اجابهم بقوله ولاي شيء لم تمنعوا الرعية عما فعلوه من قيامهم ومحاربتهم بنا فقالو لا يمكننا ذلك خصوصا
وقد تقووا علينا بغيرنا وسمعتم ما فعلوه معنا من ضربنا وبهدلتنا عندما أشرنا عليهم بالصلح وترك القتال فقال لهم واذا كان الامر كما ذكرتم ولا يخرج من يدكم تسكين الفتنة ولا غير ذلك فما فائدة رياستكم وايش يكون نفعكم الا الضرر لانكم اذا حضر اخصامنا قمتم معهم وكنتم واياهم علينا واذا ذهبوا رجعتم الينا معتذرين فكان جزاؤكم ان نفعل معكم كما فعلنا مع أهل بولاق من قتلكم عن آخركم وحرق بلدكم وسبي حريمكم وأولادكم ولكن حيث اننا أعطيناكم الامان فلا تنقض اماننا ولا نقتلكم وانما نأخذ منكم الاموال فالمطلوب منكم عشرة آلاف الف فرنك عن كل فرنك ثماينة وعشرون فضة يكون فيها ألف ألف فرانسة عنها خمس عشرة خزنة رومي بثلاث عشرة خزنة مصري منها خمسمائة الف فرانسة على مائتين على الشيخ السادات خاصة من ذلك خمسمائة وخمسة وثلاثون الفا والشيخ محمد بن الجوهري خمسون ألفا وأخيه الشيخ فتوح خمسون الفا والشيخ مصطفى الصاوي خمسون ألفا والشيخ العناني مائتان وخمسون الفا تقتطعها من ذلك نظير نهب دور الفارين مع العثملي مثل المحروقي والسيد عمر مكرم وحسين أغا شتن وما بقى تدبرون رايكم فيه وتوزعونه على أهل البلد وتتركون عندنا منكم خمسة عشر شخصا انظروا من يكون فيكم رهينة عندنا حتى تغلقوا ذلك المبلغ وقام من فوره ودخل مع اصحابه الى داخل وأغلق بينه وبينهم الباب
ووقف الحرس على الباب الاخر يمنعون من يخرج من الجالسين فبهت الجماعة وامتقعت وجوههم ونظروا الى بعضهم البعض وتحيرت أفكارهم ولم يخرج عن هذا الامر الا البكري والمهدي لكون البكري حصل له ما حصل في صحائفهم والمهدي حرق بيته بمرأى منهم وكان قبل ذلك نقل جميع ما فيه بداره بالخرنفش ولم يترك به الا بعض الحصر ولم يكن به غير بعض الخدم وكان يستعمل المداهنة وينافق الطرفين بصناعته وعادته ولم تزل الجماعة في حيرتهم وسكرتهم وتمنى كل منهم انه لم
يكن شيئا مذكورا ولم يزالوا على ذلك الحال الى قرب العصر حتى بال اكثرهم على ثيابه وبعضهم شرشر ببوله من شباك المكان وصاروا يدخلون على نصارى القبط ويقعون في عرضهم فالذي انحشر فيهم ولم يكن معدودا من الرؤساء أخرجوه بحجة او سبب وبعضهم ترك مداسه وخرج حافيا وما صدق بخلاص نفسه
هذا والنصارى والمهدي يتشاورون في تقسيم ذلك وتوزيعه وتدبيره وترتيبه في قوائم حتى وزعوها على الملتزمين وأصحاب الحرف حتى على الحواة والقردتية والمخمظين والتجار وأهل الغورية وخان الخليلي والصاغة والنحاسين والدلالين والقبانية وقضاة المحاكم وغيرهم كل طائفة مبلغ له صورة مثل ثلاثين ألف فرانسا واربعين ألفا وكذلك بياعون التنباك والدخان والصابون والخردجية والعطارون والزياتون والشواؤن والجزارون والمزينون وجميع الصنائع والحرف وعملوا على اجرة الاملاك والعقار والدور اجرة سنة كاملة ثم انهم استأذنوا للمشايخ الخالص يتوجه حيث اراد والمشبوك يلزمون به جماعة من العسكر حتى يغلق المطلوب منه فأما الصاوي وفتوح بن الجوهري فحبسوهما ببيت قائممقام والعناني هرب فلم يجدوه وداره احترقت فاضافوا غرامته على غرامة الشيخ السادات كملت بها مائة وخمسون الف فراسنة وانفض المجلس على ذلك وركب سارى عسكر من يومه ذلك وذهب الى الجيزة ووكل يعقوب القبطي يفعل في المسلمين ما يشاء وقائممقام والخازندار لرد الجوابات وقبض ما يتحصل وتدبير الامور والرهونات ونزل الشيخ السادات وركب الى داره فذهب معه عشرة من العسكر وجلسوا على باب داره فلما مضت حصة من الليل حضر اليه مقدار عشرة من العسكر ايضا فأركبوه وطلعوا به الى القلعة وحبسوه في مكان فارسل الى عثمان بك البرديسي وتداخل عليه فشفع فيه فقالوا له اما القتل فلا نقتله لشفاعتك واما المال فلا بد من دفعه ولا بد من حبسه وعقوبته حتى يدفعه وقبضوا على فراشه ومقدمه
وحبسوهما ثم انزلوه الى بيت قائممقام فمكث به يومين ثم اصعدوه الى القلعة ثانيا وحبسوه في حاصل ينام على التراب ويتوسد بحجر وضربوه تلك الليلة فاقام كذلك يومين ثم طلب زين الفقار كتخدا فطلع اليه هو وبرطلمان فقال لهم انزلوني الى داري حتى اسعى وابيع متاعي واشهل حالي فاستأذنوا له وانزلوه الى داره فأحضر ما وجده من الدراهم فكانت تسعة آلاف ريال معاملة عنها ستة الاف ريال فرانسة ثم قوموا ما وجدوه من المصاغ والفضيات والفراوي والملابس وغير ذلك بأبخس الثمن فبلغ ذلك خمسة عشر الف فرانسة فبلغ المدفوع بالنقدية والمقومات احدا وعشرين الف فرانسة والمحافظون عليه من العسكر ملازمونه ولا يتركونه يطلع الى حريمه ولا الى غيره وكان وزع حريمه وابنه الى مكان آخر وبعد ان فرغوا من الموجودات جاسوا خلال الدار يفتشون ويحفرون الارض على الخبايا حتى فتحوا الكنيفات ونزلوا فيها فلم يجدوا شيئا ثم نقلوه الى بيت قائممقام ماشيا وصاروا يضربونه خمسة عشر عصا في الصباح ومثلها في الليل وطلبوا زوجته وابنه فلم يجدوهما فأحضروا محمد السندوبي تابعه وقرروه حتى عاين الموت حتى عرفهم بمكانهما فاحضروهما واودعوا ابنه عند اغات الانكشارية وحبسوا زوجته معه فكانوا يضربونه بحضرتها وهي تبكي وتصيح وذلك زيادة في الانكاء ثم ان المشايخ وهم الشرقاوي والفيومي والمهدي والشيخ محمد الامير وزين الفقار كتخدا تشفعوا في نقلها من عنده فنقلوها الى بيت الفيومي وبقي الشيخ على حاله واخذوا مقدمه وفراشه وحبسوهما وتغيب اكثر اتباعه واختفوا ثم وقعت المراجعة والشفاعة في غرامة الشيخ فتوح الجوهري والصاوي فاضعفوها وجعلوها على كل واحد منها خمسة عشر الف فرانسة ورد الباقي على القردة العامة
واما الشيخ محمد ابن الجوهري فانه اختفى فلم يجدوه فنهبوا داره ودار نسيبه المعروف بالشويخ ثم انه توسل بالست نفيسة زوجة مراد بك
فأرسلت الى مراد بك وهو بالقرب من الفشن فأرسل من عنده كاشفا وتشفع فيه فقبلوا شفاعته ورفعوها عنه وردوها ايضا على الفردة العامة ثم انهم وكلوا بالفردة العامة وجميع المال يعقوب القبطي وتكفل بذلك وعمل الديوان لذلك ببيت البارودي والزموا الاغا بعدة طوائف كتبوها في قائمة بأسماء اربابها واعطوه عسكرا وامره بتحصيلها من اربابها وكذلك علي اغا الوالي الشعراوي وحسن اغا المحتسب وعلي كتخدا سليمان بك فنهبوا على الناس بذلك وبثوا الاعوان بطلب الناس وحبسهم وضربهم فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها
ومضى عيد النحر ولم يلتفت اليه أحد بل ولم يشعروا به ونزل بهم من البلاء والذل ما لا يوصف فان احد الناس غنيا كان او فقيرا لا بد وان يكون من ذوي الصنائع أو الحرف فيلزمه دفع ما وزع عليه في حرفته أو في حرفتين وأجرة داره أيضا سنة كاملة فكان يأتي على الشخص غرامتان أو ثلاثة ونحو ذلك وفرغت الدراهم من عند الناس واحتاج كل الى القرض فلم يجد الدائن من يدينه لشغل كل فرد بشأنه ومصيبته فلزمهم بيع المتاع فلم يوجد من يشتري واذا أعطوهم ذلك لا يقبلونه فضاق خناق الناس وتمنوا الموت فلم يجدوه ثم وقع الترجي في قبول المصاغات والفضيات فأحضر الناس ما عندهم فيقوم بأبخس الاثمان واما اثاثات البيوت من فرش ونحاس وملبوس فلا يوجد من يأخذه وامروا بجمع البغال ومنعوا المسلمين من ركوبها مطلقا سوى خمسة انفار من المسلمين وهم الشرقاوي والمهدي والفيومي والامير وابن محرم والنصارى المترجمين وخلافهم لا حرج عليهم وفي كل وقت وحين يشتد الطلب وتنبث المعينون والعسكر في طلب الناس وهجم الدور وجرجرة الناس حتى النساء من أكابر وأصاغر وبهدلتهم وحبسهم وضربهم والذي لم يجدوه لكونه فر وهرب يقبضون على قريبة او حريمه او ينهبون داره فان لم يجدوا شيئا
ردوا غرامته على ابناء جنسه واهل حرفته
وتطاولت النصارى من القبط والنصارى الشوام على المسلمين بالسب والضرب ونالوا منهم اغراضهم واظهروا حقدهم ولم يبقوا للصلح مكانا وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين وايام الموحدين هذا والكتبة والمهندسون والبناؤن يطوفون ويحررون اجر الاماكن والعقارات والوكائل والحمامات ويكتبون اسماء اربابها وقيمتها
وخرجت الناس من المدينة وجلوا عنها وهربوا الى القرى والارياف وكان ممن خرج من مصر صاحبنا النبيه العلامة الشيخ حسن المشار اليه فيما تقدم فتوجه لجهة الصعيد واقام باسيوط فاقام بها نحو ثمانية عشر شهرا
ثم ان اكثر الفارين رجع الى مصر لضيق القرى وعدم ما يتعيشون به فيها وانزعاج الريف بقطاع الطريق والعرب والمناسر بالليل والنهار والقتل فيما بينهم وتعدى القوى على الضعيف واستمرت الطرق محفرة والاسواق معفرة والحوانيت مقفولة والعقول مخبولة والنفوس مطبوقة والغرامات نازلة والارزاق عاطلة والمطالب عظيمة والمصائب عميمة والعكوسات مقصودة والشفاعات مردودة واذا أراد الانسان ان يفر الى ابعد مكان وينجو بنفسه ويرضى بغير أبناء جنسه لا يجد طريقا للذهاب وخصوصا من الملاعين الاعراب الذين هم أقبح الاجناس وأعظم بلاء محيط بالناس وبالجملة فالامر عظيم والخطب جسيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وكذلك أخذ ربك اذا أخذ القرى وهي ظالمة ان اخذه أليم شديد
وفي عشرينه انتقلوا بديوان الفردة من بيت البارودي الى بيت القيسرلي بالميدان ووقع التشديد في الطلب والانتقام بأدنى سبب وانقضى هذا العام وما جرى فيه من الحوادث العظام بأقليم مصر والشام والروم والبيت الحرام
فمنها وهو أعظمها تعطيل الثغور ومنع المسافرين برا وبحرا ووقوف
الانكليز بثغر الاسكندرية ودمياط يمنعون الصادر والوارد وتخطوا ايضا بمراكبهم الى بحر القلزم
ومنها انقطاع الحج المصري في هذا العام ايضا حتى لم يرجع المحمل بل كان مودوعا بالقدس فلما حضر العساكر الاسلامية احضروه صحبتهم الى بلبيس
فيقال ان السيد بذرا ورجع به الى جبل الخليل
ومنها وقوف العرب وقطاع الطريق بجميع الجهات القبلية والبحرية والشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والدقهلية وسائر النواحي فمنعوا السبيل ولو بالخفارة وقطعوا طريق السفار ونهبوا المارين من ابناء السبيل والتجار وتسلطوا على القرى والفلاحين وأهالي البلاد والحرف بالعري والخطف للمتاع والمواشي من البقر والغنم والجمال والحمير وافساد المزارع ورعيها حتى كان اهل البلاد لايمكنهم الخروج ببهائمهم الى خارج القرية للرعي أو للسقي لترصد العرب لذلك ووثب اهل القرى على بعضهم بالعرب فداخلوهم وتطاولوا عليهم وضربوا عليهم الضرائب وتلبسوا بانواع الشرور واستعان بعضهم على بعض وقوى القوى على الضعيف وطمعت العرب في أهل البلاد وطلبوهم بالثارات والعوائد القديمة الكاذبة وآن وقت الحصاد فاضطروا لمسالمتهم لقلة الضم فلما انقضت حروب الفرنسيس نزلوا الى البلاد واحتجوا عليهم بمصادقتهم العرب فضربوهم ونهبوهم وسبوهم وطالبوهم بالمغارم والكلف الشاقة فاذا انقضوا وانتقلوا عنهم رجعت العرب على اثرهم وهكذا كان حالهم وما ان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون
ومنها ان النيل قصر مدة في هذه السنة فشرقت البلاد وارتحل اهل البحيرة الى المنوفية والغربية فاستحسن رحيل عربان البحيرة لانه بقي لهم في الحي نخيل
ومنها انه لما حضرت العثمانية وشاع امر الصلح وخضوع الفرنساوية
لهم نزل طائفة من الفرنسيس الىالموفية وطلبوا من اهلها كلفة لرحيلهم فلما مروا بالمحلة الكبيرة تعصب اهلها واجتمعوا الى قاضيها وخرجوا لحربهم فاكمن الفرنسيس لهم وضربوا عليهم طلقا بالمدافع والبنادق فقتلوا منهم نيفا وستمائة انسان ومنهم القاضي وغيره ولم ينج منهم الا من فر وكان طويل العمر وكذلك اهل طنتداء عند حضورهم اليهم وصل اليهم رجل من الجزارين المنتسبين للعثمانية من جهة الشرق لزيارة سيدي احمد البدوي وهو راكب على فرس وحوله نحو الخمسة انفار وكان بعض الفرنسيس بداخل البلدة يقضون بعض اشغالهم فصاحت السوقة والبياعون عند رؤية ذلك الرجل بقولهم نصر الله دين الاسلام وهاجوا وماجوا ولقلقت النساء بالسنتهن وصاحت الصبيان وسخروا بالفرنسيس وتراموا بما على رؤوسهم وضربوهم وجرحوهم وطردوهم فتسحبوا من عندهم فغابوا ثلاثة أيام ورجعوا بجميع عسكرهم ومعهم الآلات من المدافع فاحتاطوا بالبلدة وضربوا عليهم مدفعا ارتحوا له ثم هجموا عليهم ودخلوا اليهم وبايديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبلهم وطلبوا خدمة الضريح الذين يقال لهم أولاد الخادم وهم ملتزموا البلدة واكابرها ومتهمون بكثرة الاموال من قديم الزمان وكانوا قبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر قبضوا عليهم باغراء القبط وأخذوا منهم خمسة عشر الف ريال فرانسة بحجة مسالمتهم للعرب فلما وصلوا الى دورهم طلبوهم فلم يمكنهم التغيب خوفا على نهب الدور وغير ذلك فظهروا لهم فأخذوهم الى خارج البلد وقيدوهم وأقاموا نحو خمسة ايام خارجها يأخذون في كل يوم ستمائة ريال سوى الاغنام والكلف ثم ارتحلوا وأخذوا المذكورين صحبتهم الى منوف وحبسوهم اياما ثم نقلوهم الى الجيزة أيام الحرابة بمصر
فلما انقضت تلك الايام وسرحوا في البلاد نزلت طائفة الى طنتداء وهم بصحبتهم وقرروا عليهم أحدا وخمسين الف ريال فرانسة وعلى اهل
البلدة كذلك بل أزيد واقاموا حول البلد محافظين عليهم واطلقوا بعضهم وحجزوا المسمى بمصطفى الخادم لانه صاحب الاكثر في الوظيفة والالتزام وطالبوه بالمال وفي كل وقت ينوعون عليه العقاب والعذاب والضرب حتى على كفوف يديه ورجليه ويربطونه في الشمس في قوة الحر والوقت مصيف وهو رجل جسيم كبير الكرش فخرجت له نفاخات في جسده ثم اخذوا خليفة المقام ايضا وذهبوا به الى منوف ثم ردوه وولوه رئاسة جمع الدراهم المطلوبة من البلد فوزعت على الدور والحوانيت والمعاصر وغير ذلك واستمروا على ذلك الى انقضاء العام حتى اخذوا عساكر المقام وكانت من ذهب خالص زنتها نحو خمسة الاف مثقال واما المحلة الكبرى فانهم رجعوا عليها وقرروا عليها نيفا ومائة الف ريال فرانسة واخذوا في تحصيلها وتوزيعها وهجموا دورها وتتبع المياسير من اهلها كل ذلك مع استمرار طلب الكلف الشاقة في كل يوم منها ومن طنتدا والتعنت عليهم وتسلط طوائف الكشوفية التابعين لهم الذين هم اقبح في الظلم من الفرنسيس بل ومن العرب فانهم معظم البلاد ايضا فانهم هم الذين يعرفون دسائس اهل البلاد ويشيعون احولهم ويتجسسون على عوراتهم ويغرون بهم
واستمروا على ذلك ايضا ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون
ومنها انه لما وقع الصلح بين العثمانية والفرنساوية ارسل الوزير فرمانات للثغور باطلاق الاسافيل وحضور المراكب والتجار بالبضائع وغيرها الى ثغر الاسكندرية وصحبتها ثلاثة غلايين سلطانية وسفن مشحونة بالذخيرة لحضرة الوزير ولوازم العسكر العثماني فلما قربوا من الثغر أقاموا البنديرات وضربوا مدافع للشنك فطمعهم الفرنساوية وأظهروا لهم المسالمة وأظهروا لهم بنديرة العثماني فدخلوا الى المينا ورموا مراسيم ووقعوا في فخ الفرنسيس فأستولوا على الجميع وأخذوا مدافعهم وسلاحهم وحبسوا
القبابطين وأعيان التجار وأخذوا الملاحين والمتسببين من البحرية والنصارى الاروام وهم عدة وافرة أعطوهم سلاحا وزيوهم بزيهم واضافوهم الى عسكرهم وارسلوهم الى مصر فكانوا اقبح مذكور في تسلطهم على ايذاء المسلمين ثم اخرجوا شحنة المراكب من بضائع ويميش وحازوه بأجمعه لانفسهم وبقى الامر على ذلك وكان ذلك في اواسط شهر القعدة
ومنها انه بعد نقض الصلح ارسل الفرنسيس عسكرا الى متسلم السويس الذي كان تولاها من طرف العثمانية فتعصب معه اهل البندر فحاربوهم فغلبهم الفرنسيس وقتلوهم عن آخرهم ونهبوا البندر وما فيه من البن والبهار بحواصل التجار وغير ذلك
ومنها ان مراد بك عند توجهه للصعيد بعد انقضاء الصلح اخذ ما جمعه درويس باشا من الصعيد من اغنام وخيول وميرة وكان شيئا كثيرا فتسلم الجميع منه وعدى درويش باشا الى الجهة الشرقية متوجها الى الشام وارسل مراد بك جميع ذلك للفرنساوية بمصر
ومنها ايضا انه بعد انقضاء المحاربة واستيلاء الفرنسيس على المخازن والغلال التي كان جمعها العثمانية من البلاد الشرقية وبعض البلا الغربية والقليوبية وكذلك الشعير والاتبان طلب الفرنساوية مثل ذلك من البلاد وقرروا على النواحي غلالا وشعيرا وفولا وتبنا وزادوا خيلا وجمالا فوقع على كل اقليم زيادة عن الف فرس والف جمل سوى ما يدفع مصالحة على قبولها للوسائط وهو ونحو ثمنا او ازيد وكذلك التعنت في نقض الغلال وغربلتها وغير ذلك وكل ذلك بارشاد القبطة وطوائف البلاد لانهم هم الذين تقلدوا المناصب الجليلة وتقاسموا الاقاليم والتزموا لهم بجمع الاموال ونزل كل كبير منهم الى أقليم واقام بسر الاقليم مثل الامير والعساكر والفرنساوية وهو في أبهة عظيمة وصحبته الكتبة والصيارف والاتباع والاجناد من الغز البطالة وغيرهم والخيام والخدم والفراشون والطباخون والحجاب وتقاد بين يديه الجنائب والبغال
والرهونات والخيول المسومة والقواسة والمقدمون وبأيديهم الحراب المفضضة والمذهبة والاسلحة الكاملة والجمال الحاملة ويرسل الى ولايات الاقليم من جهته المستوفين من القبط ايضا بمنزلة الكشاف ومعهم العسكر من الفرنساوية والطوائف الجاويشية والصارفين والمقدمين على الشرح المذكور فينزلون على البلاد والقرى ويطلبون المال والكلف الشاقة بالعسف ويؤجلونهم بالساعات فان مضت ولم يوفوهم المطلوب حل بهم ما حل من الحرق والنهب والسلب والسبي وخصوصا اذا فر مشايخ البلدة من خوفهم وعدم قدرتهم والا قبضوا عليهم وضربوهم بالمقارع والكسارات على مفاصلم وركبهم وسحبوهم معهم في الحبال واذاقوهم انواع النكال وخاف من بقي فصانعوهم واتباعهم بالبراطيل والرشوات وانضم اليهم الاسافل من القبط والاراطل من المنافقين وتقربوا اليهم بما يستميلون قلوبهم به وما يستجلبونه لهم من المنافع والمظالم وأجهدوا انفسهم في التشفي من بعضهم وما يوجب الحقد والتحاسد الكامن في قلوبهم الى غير ذلك مما يتعذر ضبطه وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون
من مات في هذه السنة
ممن له ذكر مات الامام الفاضل الصالح العلامة الشيخ عبد العليم ابن محمد بن محمد بن عثمان المالكي الأزهري الضرير حضر دروس الشيخ علي الصعيدي رواية ودراية فسمع عليه جملة من الصحيح والموطأ والشمائل والجامع الصغير ومسلسلات بن عقيلة وروى عن كل من الملوى والجوهري والبلدي والسقاط والمنير والدردير والتاودي بن سودة حين حج ودرس وأفاد وكل من البكائين عند ذكر الله سريع الدمعة كثير الخشية وكان يعرف أشياء في الرقي والخواص وفوائد القرينة وام الصبيان ثم ترك ذلك لرؤيا منامية رآها واخبرني بها توفي في هذه السنة ودفن ببستان المجاورين ومات العمدة الفاضل والنبيه الكامل صاحبنا العلامة الوجيه الشيخ شامل احمد بن رمضان بن مسعود الطرابلسي المقرى الازهري حضر من بلده طرابلس الغرب الى مصر في سنة احدى وتسعين وجاور بالازهر وكان فيه استعداد وحضر دروس الشيخ أحمد الدردير والبيلي والشيخ ابي الحسن الغلقي وسمع على شيخنا السيد مرتضى المسلسل بالاولية وغير المسلسل ايضا واخذ منه الاجازة في سنة اثنتين وتسعين ولما مات الخواجا حسن البناني من تجار المغاربة فتوصل الى ان تزوج بزوجته بنت الغرياني وسكن بدارها الواسعة بالكعكبين وتجمل بالملابس وتودد للناس بحسن المعاشرة ومكارم الاخلاق وكان سموح النفس جدا دمت الطباع والاخلاق جميل العشرة ولما عزل السيد عبد الرحمن السفاقسي الضرير من مشيخة رواقهم كان المترجم هو المتعين لذلك دون غيره فتولى مشيخة الرواق بشهامة وكرم ونوه بذكره وزادت شهرته وكان وجيها طويل القامة بهى الطلعة بشوشا ولما حصلت واقعة الفرنسيس خرج تلك الليلة مع الفارين وذهب الى بيت المقدس وتوفي هناك في هذه السنة
ومات السيد الافضل والسند الاكمل المقرى بن المقرى والفهامة الذي بكل فن على التحقيق يدري بدر أضاء في سماء العرفان وعارف وضح دقائق المشكلات باتقان فلله دره من فاضل أبرز درر اللطائف من كنوزها وكشف عن مخدرات الفهوم لثامها فأظهر الانفس من نفيسها والاعز من عزيزها فلا غرو فانه بذلك حقيق كيف لا وما ذكر من بعض صفاته التي به تليق العلامة الشريف الحسن بن علي البدري العوضي ربي في حجر ابيه وحفظ القرآن والمتون وأخذ عن أبيه علم القراءات واتقن القراءات الاربعة عشر بعد ان اتقن العربية والفقه وباقي العلوم وحضر أشياخ الوقت وتمهر وأنجب وقرأ الدروس ونظم الشعر الجيد وشهد له الفضلاء وله ديوان مشهور بأيدي الناس وامتدح الاعيان وبينه بين الصلاحي وقاسم ابن عطاء الله مطارحات ذكرنا منها طرفا في ترجمتهما وله ايضا تآليف
وتقييدات وتحقيقات ورسائل في فنون شتى ورسالة بليغة في قوله تعالى استكبرت أم كنت من العالين وكان الباعث له على تأليفها مناقشة حصلت بينه وبين الشيخ احمد يونس الخليفي في تفسير الآية بمجلس علي بك الدفتردار فظهر بها على الشيخ المذكور واجاره الامير المذكور بان رتب له تدريسا بالمشهد الحسيني ورتب له معلوما بوقته وقدره كل يوم عشرة انصاف فضة يستغلها من جانب الوقف في كل شهر واستمر بقبضها حتى مات في شعبان من هذه السنة رحمه الله ولم يخلف بعده مثله في الفضائل والمعارف
ثم دخلت سنة خمس عشر ومائتين والف
كان ابتداء المحرم يوم الاحد في خامسه اصعدوا الشيخ السادات الى القلعة وكان أرسل الى كبار القبط بان يسعوا في قضيته ورهن حصصه ويغلق الذي عليه فردوا عليه بانه لا بد من تشهيل قدر نصف الباقي اولا ولا يمكن غير ذلك واما الحصص فليست في تصرفه ولما تكرر ارساله للنصارى وغيرهم نقلوهم الى القلعة ومنعوه الاجتماع بالناس وهي المرة الثالثةوفيه اشيع حضور مراكب وغلايين من ناحية الروم الى ثغر سكندرية وسافر سارى عسكر كلهبر وصحبته العساكر الفرنساوية فغاب اياما ثم عاد الى مصر ولم يظهر لهذا الخبر اثر
وفيه طلبوا عسكر من القبط فجمعوا منهم طائفة وزيوهم بزيهم وقيدوا بهم من يعلمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك وارسلوا الى الصعيد فجمعوا من شبانهم نحو الالفين واحضروهم الى مصر واضافوهم الى العسكر
وفي حادي عشرينه اعادوا الشيخ احمد العريشي الى القضاء كما كان وعملوا له موكبا وركب معه أعيان الفرنسيس وسوارى عساكرهم بطبولهم وزمورهم والمشايخ والتجار والاعيان وبجانبه قائممقام عبد الله
منو الذي كان سارى عسكر برشيد فلم يزالوا معه حتى اوصلوه الى المحكمة الكبرى بعد ان شقوا به المدينة
وفي ذلك اليوم اعني يوم السبت وقعت نادرة عجيبة وهو ان سارى عسكر كلهبر كان مع كبير المهندسين يسيران بداخل البستان الذي بداره بالازبكية فدخل عليه شخص حلبي وقصده فاشار اليه بالرجوع وقال له ما فيش وكررها فلم يرجع وأوهمه ان له حاجة وهو مضطر في قضائها فلما دنا منه مد اليه يده اليسار كأنه يريد تقبيل يده فمد اليه الآخر يده فقبض عليه وضربه بخنجر كان اعده في يده اليمنى أربع ضربات متوالية فشق بطنه وسقط الى الارض صارخا فصاح رفيقه المهندس فذهب اليه وضربه ايضا ضربات وهرب فسمع العسكر الذين خارج الباب صرخة المهندس فدخلوا مسرعين فوجدوا كلهبر مطروحا وبه بعض الرمق ولم يجدوا القاتل فانزعجوا وضربوا طبلهم وخرجوا مسرعين وجروا من كل ناحية يفتشون على القاتل واجتمع رؤساؤهم وارسلوا العساكر الى الحصون والقلاع وظنوا انها من فعل اهل مصر فاحتاطوا بالبلد وعمروا المدافع وحرروا القنابر وقالوا لا بد من قتل اهل مصر عن آخرهم ووقعت هوجة عظيمة في الناس وكرشة وشدة انزعاج واكثرهم لا يدري حقيقة الحال ولم يزالوا يفتشون على ذلك القاتل حتى وجدوه منزويا في البستان المجاور لبيت سارى عسكر لمعروف بغيط مصباح بجانب حائط منهدم فقبضوا عليه فوجدوه شاميا فاحضروه وسألوه عن اسمه وعمره وبلده فوجدوه حلبيا واسمه سليمان فسألوه عن محل ماواه فأخبرهم انه يأوي ويبيت بالجامع الازهر فسألوه عن معارفه ورفقائه وهل اخبر احد بفعله وهل شاركه احد في رأيه واقره عل فعله او نهاه عن ذلك وكم له بمصر من الايام او الشهور وعن صنعته وملته وعاقبوه حتى اخبرهم بحقيقة الحال فعند ذلك علموا ببراءة اهل مصر من ذلك وتركوا ما كانوا عزموا عليه من محاربة اهل البلد وقد كانوا ارسلوا اشخاصا من ثقاتهم تفرقوا في الجهات
والنواحي يتفرسون في الناس فلم يجدوا فيهم قرائن دالة على علمهم بذلك ورأوهم يسألون من الفرنسيس عن الخبر فتحققوا من ذلك برائتهم من ذلك ثم انهم أمروا باحضار الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ احمد العريشي القاضي وأعلموهم بذلك وعوقوهم الى نصف الليل والزموهم بأحضار الجماعة الذين ذكرهم القاتل وانه أخبرهم بفعله فركبوا وصحبتهم الاغا وحضروا الى الجامع الازهر وطلبوا الجماعة فوجدوا ثلاثة منهم ولم يجدوا الرابع فأخذهم الاغا وحبسهم ببيت قائممقام بالازبكية ثم انهم رتبوا صورة محاكمة على طريقتهم في دعاوى القصاص وحكموا بقتل الثلاثة أنفار المذكورين مع القاتل وأطلقوا مصطفى افندي البوصلي لكونه لم يخبره بعزمه وقصده فقتلوا الثلاثة المذكورين لكونه اخبرهم بأنه عازم على قصده صبح تاريخه ولم يخبروا عنه الفرنسيس فكأنهم شاركوه في الفعل وانقضت الحكومة على ذلك وألقوا في شأن ذلك أرواقا ذكروا فيها صورة الواقعة وكيفيتها وطبعوا منها نسخا كثيرة باللغات الثلاث الفرنساوية والتركية والعربية وقد كنت أعرضت عن ذكرها لطولها وركاكة تركيبها لقصورهم في اللغة ثم رايت كثيرا من الناس تتشوق نفسه الى الاطلاع عليها لتضمينها خبر الواقعة وكيفية الحكومة ولما فيها من الاعتبار وضبط الاحكام من هؤلاء الطائفة الذين يحكمون العقل ولا يتدينون بدين وكيف وقد تجارى على كبيرهم ويعسو بهم رجل آفاقي أهوج وغدره وقبضوا عليه وقرروه ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الاقرار بعد ان عثروا عليه ووجدوا معه آلة القتل مضمخة بدم سارى عسكرهم وأميرهم بل رتبوا حكومة ومحاكمة وأحضروا القاتل وكرروا عليه السؤال والاستفهام مرة بالقول ومرة بالعقوبة ثم أحضروا من اخبر عنهم وسألوهم على انفرادهم ومجمعين ثم نفذوا الحكومة فيهم بما اقتضاه التحكيم وأطلقوا مصطفى افندي البوصلي الخطاط حيث لم يلزمه حكم ولم يتوجه عليه قصاص كما يفهم جميع ذلك من فحوى المسطور بخلاف ما رأيناه
بعد ذلك من افعال اوباش العساكر الذين يدعون الاسلام ويزعمون انهم مجاهدون وقتلهم الانفس وتجاريهم على هدم البنية الانسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية مما سيتلى عليك بعضه بعد
وصورة ترجمة الاوراق المذكورة
بيان شرح الاطلاع على جسم سارى عسكر العام كلهبر يوم الخامس والعشرين من شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا وخطنا فيه باش حكيم والجرايحي من اول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انتهينا حصة ساعتين بعد الظهر الى بيت سارى عسكر العام في الازبكية بمدينة مصر وكان سبب روحتنا هو اننا سمعنا دقة الطبل وغاغة الناس التي كانت تخبران سارى عسكر العام كلهبر انغدر وقتل وصلنا له فرأيناه في اخر نفس فحصنا عن جروحاته فتحقق لنا انه قد انضرب بسلاح مدبب وله حد وجروحاته كانت اربعة الاول منها تحت البز في الشقة اليمنى الثاني اوطى من الاول جنب السوة الثالث في الذراع الشمال نافذ من شقة لشقة والرابع في الخد اليمين فهذا حررنا البيان بالشرح في حضور الدفنزادر سارتلون الذي وضع اسمه فيه كمثلنا لاجل ان يسلم البيان المذكور الى سارى عسكر مدير الجيوش تحريرا في سراية سارى عسكر العام في النهار والسنة بعد الظهر بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من اول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس نهار تاريخه خمسة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثالثة بعد الظهر نحن الواضعون اسماءنا وخطنا فيه باش حكيم وجرايحي من اول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انطلبنا من الدفتردار سارتلون اننا نعمل بيان شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس وعضو من اعضاء مدرسة العلماء في بر مصر الذي انغدر هو ايضا في جنب سارى عسكر العام كلهبر مدبر الجيوش ومضروب ستة امرار بسلاح مدبب ولهحد وهذا بيان الجروحات الاول في جنب الصدغ الثاني في الكف في عظمة الاصبع الخنصر الثالث بين الضلوع الشمالية الخامس في الشدق الشمالي والسادس في الصدر من الشقة الشمالية وشق نحو العرق ثم الى تأييد ذلك وضعنا اسماءنا وخطنا فيه برفقة الدفتردار سارتلون تحريرا في سراية سارى عسكر مدير الجيوش في اليوم والشهر والساعة المرقومة اعلاه بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من اول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون عن
اول فحص سليمان الحلبي
نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في بيت سارى عسكر داماس مدبر الجيوش واحد فسيال من ملازمين بيت سارى عسكر العام حضر وبيده ماسك راجل من اهل البلد مدعيا ان هذا هو الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر المنهوم المذكور انعرف من الستوين بروتاين المهندس الذي كان مع سارى عسكر حين انغدر لأنه ايضا انضرب برفقته بالخنجر ذاته وانجرح بعض جروحاتثانيا المتهوم المذكور انشاف بين جماعة سارى عسكر من حد الجيزة وانوجد مخبى في الجنينة التي حصل فيها القتل وفي الجنينة نفسها انوجد الخنجر الذي به انجرح سارى عسكر وبعض حوائج ايضا بتوع المتهوم فحالا بدىء الفحص بحضور سارى عسكر منو الذي هو اقدم اقرانه في العسكر وتسلم في مدينة مصر والفحص المذكور صار بواسطة الخواجا براشويش كاتم سر وترجمان سارى عسكر العام ومحرر من يد الدفتردار سارتلون الذي احضره سارى عسكر منو لاجل ذلك المتهوم المذكور
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى سليمان ولادة بر الشام وعمره اربعة وعشرون سنة ثم صنعته كاتب عربي وكانت سكنته في حلب
سئل كم زمان له في مصر فجاوب انه بقي له خمسة اشهر وانه حضر في قافلة وشيخها يسمى سليمان بوريجي
سئل عن ملته فجاوب انه من ملة محمد وانه كان سابقا سكن ثلاث سنين في مصر وثلاث سنين اخرى في مكة والمدينة
سئل هل يعرف الوزير الاعظم وهل له مدة ما شافه فجاوب انه ابن عرب ومثله ليس يعرف الوزير الاعظم
وسئل عن معارفه في مدينة مصر فجاوب انه لم يعرف احدا واكثر قعاده في الجامع الازهر وجملة ناس تعرفه واكثرهم يشهدون في مشيه الطيب
سئل هل راح صباح تاريخه الجيزة فجاوب نعم وانه كان قاصد ينشبك كاتب عند أحد ولكن ما قسم له نصيب
سئل عن الناس الذين كتب لهم أمس فجاوب ان كلهم سافروا
سئل كيف يمكن انه لم يعرف احد من الذين كتب لهم في الايام الماضية وكيف يكونون كلهم سافروا فجاوب انه ليس يعرف الذين كان يكتب لهم وان غير ممكن ان يتفكر اسماهم
سئل من هو الآخر في الذين كتب لهم فجاوب انه يسمى محمد مغر السويسي بياع عرقسوس وانه ما كتب لاحد في الجيزة
سئل ثانيا عن سبب روحته للجيزة فجاوب دائما انه كان قاصدا ان ينشبك كاتبا
سئل كيف مسكوه في جنينة سارى عسكر فجاوب انه ما انمسك في الجنينة بل في عارض الطريق فذاك الوقت انقال له انه ما ينجيك الا الصحيح لان عسكر الملازمين مسكوه في الجنينة وفي المحل ذاته انوجدت السكينة وفي الوقت انعرضت عليه فجاوب صحيح انه كان في الجنينة ولكن ماكان مستخبي بل قاعد لان الخيالة كانت ماسكة الطرق وما كان يقدر ان يروح للمدينة وان ما كان عنده سكينة ولم يعرف ان كان هذا موجود في الجنينة
سئل لاي سبب كان تابع سارى عسكر من الصبح فجاوب انه كان مراده فقط يشوفه
سئل هل يعرف حنة قماش خضرة التي باينة مقطوعة من لبسه وكانت انوجدت في المحل الذي انغدر فيه سارى عسكر فجاوب بان هذه ما هي تعلقه
سئل ان كان تحدث مع احد في الجيزة وفي أي محل نام فجاوب انه ما تكلم مع ناس الا لاجل مشترى بعض مصالح وانه نام في الجيزة في جامع فاشاروا له على جروحاته التي ظاهرة في دماغه وقيل له ان هذه الجروحات بينت انه هو الذي غدر سارى عسكر لان ايضا الستوين بروتاين الذي كان معه عرفه وضربه كم عصاية الذين جرحوه فجاوب انه ما انجرح الا ساعة ما مسكوه
سئل هل كان تحدث نهار تاريخه مع حسين كاشف او مع ممالكيه فجاوب انه ما شافهم ولا كلمهم فلما أن كان المتهوم لم يصدق في جواباته امر سارى عسكر انهم يضربونه حكم عوائد البلاد فحالا انضرب لحد انه طلب العفو ووعد انه يقر بالصحيح فارتفع عنه الضرب وانفكت له سواعده وصار يحكي من اول وجديد كما هو مشروح
سئل كم يوم له في مدينة مصر فجاوب انه له واحد وثلاثين يوما وانه حضر من غزة في ستة ايام على هجين
سئل لاي سبب حضر من غزة فجاوب لاجل ان يقتل سارى عسكر العام
سئل من الذي ارسله لاجل ان يفعل هذا الامر فجاوب انه ارسل من طرف اغات الينكجرية وانه حين رجع عساكر العثملي من مصر الى بر الشام ارسلوا الى حلب بطلب شخص يكون قادرا على قتل سارى عسكر العام الفرنساوي ووعدوا لكل من يقدر على هذه المادة ان يقدموه في الوجاقات ويعطوه دراهم ولاجل ذلك هو تقدم وعرض روحه لهذا
سئل من هم الناس الذين تصدروا له في هذه المادة في بر مصر وهل
سارر احدا على نيته فجاوب ان ما احد تصدر له وانه راح سكن في الجامع الازهر وهناك شاف السيد محمد الغزي والسيد احمد الوالي والشيخ عبد الله الغزي والسيد عبد القادر الغزي الذين ساكنون في الجامع المذكور فبلغهم على مراده فهم أشاروا عليه انه يرجع عن ذلك لان غير ممكن ان يطلع من يده ويموت فرط وان كان لازم يشخصوا واحدا غيره في قضاء هذه المادة ثم انه كل يوم كان يتكلم معهم في الشغل المذكور وان امس تاريخه قال لهم انه رائح يقضي مقصوده ويقتل سارى عسكر وانه توجه الى الجيزة حتى ينظر ان كان يطلع من يده وان هناك قابل النواتية بنوع قنجة سارى عسكر فاستخبر عليه منهم ان كان يخرج برا فسالوه ايش طالب منه فقال لهم ان مقصوده يتحدث معه فقالوا له انه كل ليلة ينزل في جنينة ثم صباح تاريخه شاف سارى عسكر معديا للمقياس وبعده ماشي الى المدينة فتبعه لحين ما غدره هذا الفحص صار من حضرة سارى عسكر منو بحضور باقي سوارى العساكر الكبار وملازمين ببيت سارى عسكر العام ثم انختم بامضاء سارى منو والدفتردار سارتلون في اليوم والشهر والسنة المحررة اعلاه ثم انقرا على المتهوم وهو ايضا خط يده واسمه بالعربي سليمان امضاء سارى عسكر عبد الله منو امضاء سارى عسكر داماس امضاء الجنرال والتين امضاء الجنرال موراند امضاء الجنرال مارتينه امضاء دفتر دار البحر لروا امضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما كان امضاء الترجمان حنا روكه امضاء داميانوس براشويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر العام
فحص الثلاثة مشايخ
المتهمين نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثامنة بعد الظهر حضروا في منزل سارى عسكر العام منو امير الجيوش الفرنساوية السيد عبد الله الغزي ومحمد الغزي والسيد احمد الوالي وهم الثلاثة متهومين في قتل سارى عسكر العام كلهبر فسارى عسكر منو أمر بفحصهم فبدىء ذلك حالا في حضور بعض سوارى العساكر المجتمعين لذلك وبواسطة الستوين لوما كا الترجمان كما يذكر ادناه السيد عبد الله الغزي هو الذي سئل اولا لوحده
سئل عن اسمه وعن مسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى السيد عبد الله الغزي ولادة غزة ومسكنه في مصر في الجامع الازهر وهناك كان كاره مقرىء القرآن وانه لم يعرف كم عمره ولكن تخمينه يجيء ثلاثين سنة
سئل ان كانت سكنته في الجامع الازهر هل يعرف جميع الغرباء الذين يدخلونه فجاوب انه ساكن ليل ونهار ويعرف الغرباء الذين فيه
سئل هل يعرف رجلا حضر من بر الشام من مدة شهر فجاوب ان من مدة خمسين يوم ما شاف احدا حضر من بر الشام فقيل له ان رجلا من طرف عرضي الوزير حضر من مدة ثلاثين يوما قال انه يعرفك والظاهر انك لم تكلم بالصدق فجاوب انه ملهى دائما في وظيفته وانه ما شاف احدا من بر الشام بل سمع أن قافلة كانت وصلت من ناحية الشرق فقيل له ايضا ان ناسا حضروا من بر السام يقولون انهم تكلموا معه ويعرفون فجاوب ان هذا غير ممكن وانهم يقابلوه مع الذي فتن عليه
سئل هل يعرف واحد اسمه سليمان كاتب عربي حضر من حلب من مدة ثلاثين يوما فجاوب لا فقيل له ان هذا الرجل يحقق انه شافه وانه أخبره ببعض أشياء لازمة فجاوب انه ما شافه وان هذا الرجل كذاب وانه يريد ان يموت ان كان ما يحكي الصحيح فحالا سارى عسكر نده الى محمد الغزي الذي هو ايضا متهوم في قتل سارى عسكر وبدىء الفحص كما يذكر
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى الشيخ محمد الغزي وعمره نحو خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وسكن بمصر في الجامع الازهر ثم صنعته مقرىء القرآن من مدة خمس سنين وما يخرج من الجامع
الالكي يشتري ما يأكل
سئل هل يعرف الغرباء الذين يجيئون يسكنون في الجامع فجاوب ان في بعض الاوقات يحضر ناس غرباء واما البواب فهوالذي يقارشهم ومن قبله ينام بعض ليالي في الجامع والبعض في بيت الشيخ الشرقاوي
سئل هل يعرف رجلا يسمى سليمان حضر من بر الشام من مدة ثلاثين يوما فجاوب انه لم يعرفه وانه غير ممكن ان يشوف كل الناس لان الجامع كبير قوي
سئل انه يحكي على الذي تكلم به معه سليمان فان المذكور يحقق انه تكلم معه في الجامع فجاوب انه يعرفه من مدة ثلاث سنين وانه كان عند خبر انه راح مكةواما من بعده ما شافه ولم يعرف ان كان رجع ام لا
سئل هل السيد عبد الله العزي يعرفه ايضا فجاوب نعم فقيل له محقق ان امس تاريخه سليمان المذكور تحدث معه حصة طيبة وان الشواهد موجودة فجاوب ان هذا صحيح سئل لاي سبب كان بدأ يقول انه ما شافه فجاوب ان تخمينه ما قال هذا وان المترجمين غلطوا
سئل هل سليمان المذكور مابلغه عن شيء مذنب قوى وتحقيا لذلك معلوم عندنا انه كان قصده يحوشه فجاوب انه لم يعرف هذا الامر وان سلميان المذكور راح وجاء كام مرة الى مصر وبقي له هنا مقدار شهر فقيل له انه موجود شواهد ان سليمان المذكور كان أخبره ان مراده لن يغدر سارى عسكر العام وانه اراد أن يمنعه فجاوب انه ما بلغه عن هذا الامر بل امس تاريخه قال له انه رائح ويمكن ان ما بقي يرجع فبعده احضرنا عبد الله الغزي لاجل يتفحص ثانيا كما يذكر ادناه
سئل لاي سبب قال انه لم يعرف سليمان الحلبي حين سألوه عنه بحيث ان موجودة شواهد ان هذا له في مصر واحد وثلاثون يوما وانه تقابل واياه جملة مرار وتحدث معه اكثر الايام فجاوب حقا انه لم يعرفه
سئل هل يعرف واحد يسمى محمد الغزي الذي هو مثله مقرى القرآن
في جامع الازهر فجاوب نعم
سئل السيد عبد الله المذكور لاي سبب انكر ذلك فجاوب انهم لخبطوا عليه السؤال وان هذا الوقت بحيث انهم سالوه عن سليمان الذي من حلب فيقر انه يعرفه فقيل له انه معلوم عندنا انه شافه مرارا كثيرة وتحدث معه فجاوب انه بقي له ثلاثة ايام ما شافه
سئل هل انه ما قصد يمنعه عن قتل سارى عسكر العام فجاوب انه ما قال له ابدا على هذا الامر وانه لو كان بلغه منه ذلك كان منعه بكل قدرته
سئل لأي سبب ما يحكى الصحيح بحيث انه موجودة عليه شواهد فجاوب انه غير ممكن يوجد عليه شواهد وانه ما شاف سليمان المذكور الا لاجل ان يسلموا على بعض حين تقابلوا
سئل هل سليمان ما أخبره ابدا عن سبب مجيئه الى مصر فجاوب حاشا فبعد ذلك اخروا الاثنين المذكورين واحضروا السيد احمد الوالي الذي هو متهوم وسئل كما يذكر
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب انه يسمى السيد احمد الوالي ولادة غزة وصنعته مقرى القرآن في الجامع الازهر من مدة عشر سنين ولم يعرف كم عمره
سئل هل يعرف الغرباء الذين يدخلون في الجامع فجاوب ان وظيفته يقرأ ولا ينتبه الى الغرباء فقيل له ان بعض الغرباء الذين حضروا هناك عن قريب يقولون انهم شافوه في الجامع فجاوب انه ما شاف احدا
سئل هل شاف رجلا حضر من بر الشام من طرف الوزير وهذا الرجل قال انه يعرفه فجاوب لا وان كانوا يقدروا يحضروا هذا الرجل حتى يقابله
سئل هل يعرف سليمان الحلبي فجاوب انه يعرف واحدا يسمى سليمان الذي كان يروح يقرأ عند واحد افندي وكان طالب انه يستقيم في الجامع وان هذا الرجل قال انه من حلب ومن مدة عشرين يوما كان شافه وبعدها
ما قابله ثم كان قال له ان الوزير في يافا وان عساكره ما كان عندهم دراهم وكانوا يفوتوه
سئل هل هذا الرجل المذكور ما هو تحت حمايته فجاوب انه لم يعرفه طيبا حتى يضمنه
سئل هل الاثنان الاخران المتهومان معارفه وهل ان الثلاثة تحدثوا سواء عن قريب ام امس تاريخه مع سليمان المذكور فجاوب لا بل انه يعرف ان سليمان المذكور كان حضر لزيارة الجامع وانه وضع في الجامع جملة اوراق مضمونها انه كان قوي متعبد لخالقه
سئل هل المذكور امس ايضا ما وضع اوراقا في الجامع فجاوب ان ما عنده خبر بذلك
سئل هل ما منع سليمان عن فعل ذنب بليغ فجاوب انه ايدا ما حدثه بهذا الشيء ولكن قال له ان مراده يفعل شيء جنون وانه عمل كل جهده حتى يرجعه
سئل ايش هو الجنان الذي قاصد يعمله وحدثه عليه فجاوب انه قال له انه كان مراده يغازي في سبيل الله وان هذه المغازاة هي قتل واحد نصراني وليكن ما اخبره باسمه وانه قصد يمنعه بقوله ان ربنا اعطى القوة للفرنساوية ما احد يقدر يمنعهم حكم البلاد فبعد هذا المتهوم المذكور انشال لمحله وهذا الفحص تحتم بحضور سوارى العساكر المجموعين بامضاء سارى عسكر منو والدفتردار سارتلون الذي هو ذاته حرر هذا الفحص بأمر سارى عسكر منو ثم بعد قراءته على المتهومين وضعوا اسماءهم وخطهم بالعربي تحريرا في اليوم والشهر والسنة المحرر اعلاه ثلاث امضاآت بالعربي امضاء سارى عسكر منو امضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما كا سارى عسكر العام منو امير الجيوش الفرنساوية في مصر
المادة الاولى أن ينشأ ديوان قضاة لاجل أن يشرعوا على الذين غدروا سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال
المادة الثانية القضاة المذكورون يكونوا تسعة وهم سارى عسكر رينيه سارى عسكر فرياند سارى عسكر روبين الجنرال موراند رئيس المعمار بربراند الوكيل رجينيه دفتردار البحر لرو والدفتردار سارتلون في وظيفة مبلغ والوكيل لبهر في وظيفة وكيل الجمهور
المادة الثالثة القضاة المذكورون ينظر لهم كاتم سر
المادة الرابعة القضاةالمذكورين مفوضون الامر في الكشف والتفتيش وحوش كل من يريدوا حتى انهم يطلعوا على الذين لهم حصة في الذنب المذكور او يكون عندهم خبرة
المادة الخامسة القضاة المذكورون يتفقوا على العذاب اللائق الى موت القاتل ورفقائه
المادة السادسة القضاة المذكورون يجتمعوا من نهار تاريخه الذي هو السادس والعشرون من شهر برريال لحد خلاص الشريعة المذكورة امضاء سارى عسكر منو وهذه نسخة من الاصل امضاء الجنرال رنة كتخدا مدبر الجيوش
شرح اجتماع القضاة في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي
في اليوم السادس والعشرين من شهر برريال حكم أمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوي المحرر في نهار تاريخه اجتمعوا في بيت ساري عسكر رينيه المذكور وساري عسكر وبين ودفتردار البحر لو والجنرال مارتينه عوضا عن سارى عسكر فرياند حكم أمر سارى عسكر منو ثم الجنرال موراند ورئيس العسكر جرجه ورئيس العمارة برتراند ورئيس المدافع فاورو الوكيل رجيه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل ابهر في وظيفة وكيل الجمهور لاجل قضاء شريعة قتل سارى عسكر العام كلهبر الذي انغدر امس تاريخه القضاة المذكورون اجتمعوا مع شيخهم سارى عسكر رينيه وعلى قرار أمر سارى عسكر منو المشروح أعلاه وحكم المادة الثالثة المحررة فيه استخصوا كاتم السرلهم الوكيل بينه الذي حلف كما هي العوائد ولزم وظيفته ثم القضاة المذكورون وكلوا سارى عسكر رينيه والمبلغ الدفتردار سارتلون في التفتيش والحبس لكل من اكتشفوا عليه حكم ما هو محرر في المادة الرابعة المحررة اعلاه وهذا لكي يظهروا رفقاء القاتل ثم ان السكينة التي وجدت مع القاتل حين انمسك تبقى عند كاتم السر لاجل يظهرها في الوقت الذي يلزم ثم وعدوا المجلس لصباح تاريخه في الساعة الرابعة قبل الظهر ثم حرروا خط يدهم مع كاتم السر امضاء الوكيل رجنيه امضاء رئيس المعمار بريراند امضاء رئيس المدافع فاور امضاء رئيس العسكر جرجه امضاء الجنرال موراند امضاء الجنرال مارتينه امضاء دفتردار البحر لرو امضاء سارى عسكر روبين امضاء سارى عسكر رينيه امضاء كاتم السر بينه اقرار الشهود نهار تاريخه في ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار سارتلون المسمى من حضرة سارى عسكر العام منو أمير الجيوش وفي وظيفة مبلغ حكم الامر الذي خرج من طرفه
انتشار القضاة في شرع القاتلين سارى عسكر العام كلهبر والسيتوين بينه المسمى من القضاة المذكورين في مرتبة كاتم السر انه حضر بين يدنا يوسف برين عسكرى خيال من الطبجية الملازمين بيت سارى عسكر العام وقال لنا هو ورفيقه خيال ايضا يسمى روبرت مسكوا المسلم سليمان المتهوم في غدر سارى عسكر العام وانهم وجدوه في الجنينة التي معمول فيها الحمامان الفرنساويان الملتزقان بجنينة سارى عسكر وانهم رأوه مخبأ بين حيطان الجنينة المهدودة وان الحيطان المذكورة كانت ملغمطة بدم في بعض نواحي وان سليمان المذكور كان ايضا ملغمطا بدم وانهم مسكوه في هذه الحالة وان بعده التزموا يضربوه بالسيف لاجل يمشوه ثم برين المذكور قال بعد حوشة سليمان بساعة في الموضع ذاته الذي
كان مخبأ فيه شاف سكينة بدمها وانه سلم السكينة في بيت سارى عسكر العام فقربنا اليه اقراره هذا وسألناه هل فيه شيء زائد أم ناقص فجاوب ان هذا كل الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا امضاء برين الخيال امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه ثم حرر ايضا بين أيدينا الشاهد الثاني وهو السيتوين روبرت الخيال أحد الطبجية الملازمين وقال انه حين كان يفتش على الذي قتل سارى عسكر دخل في الجنينة التي فيها الحمامان الفرنساويان لزق جنينة سارى عسكر العام وهناك شاف برفقة برين المذكور سليمان الحلبي مستخبى في ركن حيطان مهدودة وكان ملغمط دم وفي رأسه شرموطة زرقاء وان في هذه الحالة عرفت ان هذا هو القاتل وان الحيطان التي كان فات عليها كانت ايضا ملغمطة دم وان حين مسكوه بان منه وهم وان بعد حوشته بساعة شاف برفقة السيتوين برين في الموضع ذاته سكينة بدمها وانهم سلموها في بيت سارى عسكر العام والسكينة المذكورة كانت مخبية تحت الارض فقرأنا عليه اقراره هذا ثم سألناه ان كان ما فيه زائد ام ناقص فجاوب ان هذا هو الذي فعله وشافه ثم حرر خط يده معنا حرر بمدينة مصر في النهار والشهر والساعة المحررة أعلاه امضاء روبرت الخيال امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه انا الدفتردار سارتلون المبلغ رحت الى بيت السيتوين بروتاين لانه كان راقدا بسبب جروحاته ثم استلمت منه التبليغ الآتي أدناه انا حنا قسطنطين بروتاين المهندس وعضو من أعضاء مدرسة العلم في بر مصر انني كنت أتمشور تحت التكعيبة الكبيرة التي في جنينة سارى عسكر وتطل على بركة الازبكية وكنت برفقة سارى عسكر العام فنظرت رجلا لابسا عثملي خارج من مبتدأ التكعيبة من جنب الساقية فانا كنت بعيد كام خطوة عن سارى عسكر انادى على الغفراء فانتبهت لاجل أشوف السيرة رأيت ان الرجل المذكور يضرب سارى عسكر بالسيكنة ذاتها كام مرة فارتميت على الارض وفي الوقت سمعت سارى عسكر يصرخ ثانيا فهميت ورحت قريبا من سارى عسكر فرايت الرجل
يضربه فهو ضربني ثانيا كام سكينة التي رمتني وغيبت صوابي وما وعدت نظرت شيا غير انني اعرف طبيب اننا قعدنا مقدار ستة دقائق قبل ما أحد يسعفنا فبعده قريت هذا الإقرار على السيتوين بروتاين وسألته هل فيه زائد ام ناقص فجاوب ان هذا الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا إمضاء بروتاين امضاء سارتلون امضاء كاتم السربينه والسيتوين بروتاين بعد ما ختم الورقة أعلاه قال ان مقصوده يضيف عليها ان بعد غدر سارى عسكر بزمان قليل حين شاف سليمان الحلبي الذي هو ذاته الذي كان ضرب سارى عسكر وبعده ضربه سليمان المذكور كام سكينة غيبت صوابه فقرينا عليه ايضا هذه الاضافة فجاوب انها حاوية الحق وما فيها زائد ولا ناقص ثم ختمها معنا أمضاء بروتاين سارتلون امضاء كاتم السر بينه نهار تاريخه سنة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي انا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المأمور في شرع قتلة سارى عسكر العام كلهبر ذهبت الى مساعدين سارى عسكر المذكور لاجل ان اسمع اقرارهم ثم كان معي كاتم السر بينه وهم قالوا لنا كما يذكر أدناه السيتوين فورتونه دهوج ابن اربعة وعشرين سنة فسيال في طابور الخيالة ومساعد عند سارى عسكر كلهبر قال انه في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال كان سارى عسكر العام حين حضر الى الازبكية يشوف بيته الذي كان داير فيه العمارة وانه شاف رجلا بعمة خضراء ودلق وحش وكان دائما تابع سارى عسكر حين كان دائر يتفرج على المحلات وانه هو وخلافه حسبوا هذا الرجل من جملة الفعلة فما أحد سأله ولكن حين نزل سارى عسكر من بيته الى الجنينة لاجل ينفذ الى جنينة سارى عسكر داماس السيتوين دهوج شاف الرجل المذكور مدسوس بين جماعة سارى عسكر فنهره وطرده برا فبعد ساعتين حين انغدر سارى عسكر السيتوين دهوج المذكور عرف دلق الخائن لانه كان رماه جنب سارى عسكر وبعده حين انمسك الرجل
فعرفه انه هو الذي قبل بشويه طرده من الجنينة ثم قرىء هذا المضمون على السيتوين دهوج المذكور لاجل بيان هل يوجد شيء خلافه يزيد ام ينقص فجاوب ان هذا الحق حكم ما عاين وفعل ثم حرر خط يده مع كاتم السر تحريرا في اليوم والشهر والسنة والمحررة أعلاه امضاء السيتوين دهوج امضاء سارتلون امضاء بينه كاتم السر
ثاني فحص سليمان الحلبي
نهار تاريخه سنة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار سارتلون برتبة مبلغ والوكيل بينه في رتبة كاتم سر القضاة المنقامين الى شرع كل من هو متهوم في غدر سارى عسكر العام كلهبر احضر سليمان الحلبي لاجل نساله من اول وجديد عن صورة غدر وقتل سارى عسكر وهذا صار بواسطة السيتوين براشويش كاتم سر وترجمان سارى عسكر العام كما يذكر ادناهسئل المذكور عن قصة سارى عسكر فجاوب انه حضر من غزة مع قافلة حاملة صابون ودخان وانه كان راكب هجين وبحيث ان القافلة كانت خائفة ان تنزل بمصر توجهت الى ريف يسمى الغيظة في ناحية الالفية وهناك استكرى حمارا من واحد فلاح وحضر لمصر ولكن لم يعرف الفلاح صاحب الحمار ثم ان احمد اغا وياسين اغا من اغوات الينكجرية بحلب وكلوه في قتل سارى عسكر العام بسبب انه يعرف مصر طيب بحيث انه سكن فيها سابق ثلاث سنوات وانهم كانوا وصوه أنه يروح ويسكن في الجامع الازهر وأن لا يعطي سره لاحد كليا بل يوعي لروحه ويكب الفرصة في قضاء شفله لانها دعوة تحب السر والنباهة ثم يعمل كل جهده حتى يقتل سارى عسكر لكن حين وصل الى مصر التزم يسارر الاربعة مشايخ الذين أخبر عنهم لانه لو كان ما قال لهم فما كانوا يسكنونه في الجامع وانه كان كل يوم يتحدث معهم في هذا الامر وان المشايخ المذكورين
قصدوا يغيروا عقله عن هذا الفعل بقولهم انه ما يقدر عليه وهو ما دعاهم لمساعدته لانه كان يعرفه بليدين وان اليوم الذي قصد التوجه فيه ليقتل سارى عسكر قابل احدهم الذي هو محمد الغزى فعرفه ان مقصوده ان يتوجه الى الجيزة ليفعل هذا الغدر وان تخمينه انه مثل المجنون من حين اراد ان يقضي هذا الامر لانه لو كان له عقل ما حضر من غزة لهذا الامر وان الاوراق التي وضعها هي بعض آيات من القرآن لانه عوائد الكتبة اولاد العرب وضعوا ذلك في الجامع وانه ما أخذ دراهم من احد في مصر لان الاغوات كانوا أعطوا له كفايته وان الافندي الذي كان يروح يقرأ عنده يسمى مصطفى افندي وكان يقرأ عليه نهار الاثنين والخميس تبع العادة ولكن ما اخبره بسر خوفا ان ينشهر واما من قبل الاربعة مشايخ المذكورين صحيح انه قال لهم كل شيء لانهم من اولاد بلاده ثم حقق لهم انه ناوى ان يغازى في سبيل الله
سئل اين كان هو حين رجع الوزير من بر مصر في ابتداء شهر جرمنيال الموافق لشهر الاسلام ذي القعدة فجاوب انه كان في القدس حاجج من حين كان الوزير اخذ العريش
سئل اين شاف احمد اغا الذي يقول انه عرض عليه مادة قتل سارى عسكر وفي أي يوم قال له ذلك فجاوب انه حين انكسر الوزير رجع الى العريش وغزة في أواخر شوال او في اوائل شهر ذي القعدة الموافق لشهر جرمنيال الفرنساوي وان احمد اغا المذكور هو من جملة اغوات الوزير ولكن كان رسم عليه في غزة من حين اخذ العريش وحين رجع ارسله الى القدس في بيت المتسلم ثم انه يوم وصوله توجه سلم عليه في بيت المتسلم وشكا له من ابراهيم باشا متسلم حلب الذي كان يظلم اباه الذي يسمى الحاج محمد امين بياع سمن وحططوه غرامات زائدة ومن الجملة واحدة قبل سفر الوزير من الشام ثم وقع بعرضه بشأن ذلك ثم انه رجع عند احمد اغا ثاني يوم وان الاغا في وقتها قال له انه محب ابراهيم باشا وانه ما يقصر ويوصيه في راحة ابيه ولكن بشرط انه يروح يقتل امير الجيوش الفرنساوية
ثم في ثالث ورابع يوم كرر عليه ايضا هذا السؤال وحالا ارسله الى ياسين اغا في غزة لاجل ان يعطي له مصروفه وانه من بعد هذا الكلام بأربعة ايام سافر من القدس الى الخليل وهناك قعد كام يوم وما وصله ولا مكتوب من احمد اغا واما احمد اغا المذكور كان ارسل خداما الى غزة لاجل يخبر ياسين اغا بالذي اتفقوا عليه
سئل كام يوم قعد في الخليل فجاوب عشرين يوما
سئل لاي سبب قعد عشرين يوما في الخليل وهل في هذه المدة ما وصله مكاتيب من الاثنين الاغوات فجاوب ان السكة كانت ملانة عرب وأنه خائف منهم فالتزم يستنظر سفر القافلة التي سافر برفقتها وانه كان في غزة في اواخر شهر ذي القعدة الموافق لغرة شهر فلوريال الفرنساوي
سئل ايش عمل في غزة وآيش قال له ياسين اغا فجاوب ان ثاني يوم وصوله راح شاف الاغا والمذكور قال له انه يعرف الشغل الذي هو سبب مشواره هذا وانه اسكنه في الجامع الكبير وهناك مرار عديدة كان يروح يشوفه ليلا ونهارا ويتحدث معه في هذا الامر ووعده انه يرفع الغرائم عن ابيه وانه دائما يجعل نظره عليه في كل ما يلزمه ثم بلغه عن كل الذي كان لازم يفعله كما شرح اعلاه وهذا صار سرا بينهم ثم اعطى له اربعين قرشا لمصروف السفر وبعد عشرة ايام سافر من غزة راكب هجين ووصل هنا بعد ستة ايام كما عرف سابقا وان سفره من غزة كان في اوائل شهر ذي الحجة الموافق الى نصف شهر فلوريال الفرنساوي فبقى باين أنه حين غدر سارى عسكر كان له واحد وثلاثون يوما في مدينة مصر
سئل هل يعرف الخنجر الملغمط دم الذي قتل به سارى عسكر فجاوب نعم يعرفه
سئل من اين احضر هذا الخنجر وهل أحد من الاغوات اعطاه له أم احد خلافهم فجاوب انه ما احد اعطاه له وانما بحيث انه كان قصد قتل سارى عسكر توجه الى سوق غزة واشترى اول سلاح شافه
سئل هل ان احمد أغا او ياسين اغا ما حدثاه اصلا عن الوزير وعشموه بشيء من طرفه ان كان يقدر يقتل سارى عسكر فجاوب لا بل انهم ذاتهم وعدوه انهم يساعدوه في كل ما يلزمه ان كان يخرج هذا الشيء من يده
سئل هل ان الوزير نادى في تلك النواحي بقتل الفرنساوية فجاوب انه لا يعلم بل يعرف ان الوزير كان ارسل طاهر باشا لاجل يعين الذين كانوا بمصر وانه رجع حين شاف العثملي مقبلين لبر الشام من مصر
سئل هل هو فقط الذي توكل في هذه الارسالية فجاوب ان تخمينه هكذا لان هذا الكلام قد حصل سرا ما بينه وبين الاغوات
سئل كيف كان يعمل حتى انه كان يعرف الاغوات بالذي فعله فجاوب انه كان قصده يروح هو بنفسه يخبرهم او يرسل لهم حالا ساعي فبعد خلاص الفحص المذكور انقرأ على المتهوم وهو حرر خط يده مع المبلغ وكاتم السر والترجمان حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة والمحررة اعلاه أمضاء سليمان الحلبي بالعربي امضاء كاتم السر بينه
مقابلة المتهمين مع بعضهم نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي انا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المنقامين لشرع كل من هو متهوم في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا الشيخ محمد الغزي لاجل تجدد فحصه ونقابله مع سليمان الحلبي قاتل سارى عسكر ولهذا كان موجود معنا السيتوين بينه كاتم سر القضاة المذكورين وصار كما يذكر ادناه
سئل الشيخ محمد الغزي هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم
سئل سليمان الحلبي هل يعرف الشيخ محمد الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم
سئل محمد الغزي هل ان سليمان الحلبي ما قال له من قيمة واحد وثلاثين يوما انه حضر من بر الشام من طرف احمد اغا وياسين الاغا لاجل يقتل سارى
عسكر العام وهو كل يوم ماحدثه في هذا الشغل حتى انه في آخر يوم قال له انه رائح الى الجيزة حتى يغدر سارى عسكر فجاوب ان هذا ما له اصل لكن حين شافوا بعضا وقع بينهم سلام فقط ومن قبل آخر يوم الذي نوى فيه سليمان على الرواح الى الجيزة جاب له ورق وحبر وقال له انه ما يرجع الا غدا فقيل انه ما يخبر بالصحيح لان سليمان يحقق انه اخبره بهذه السيرة كل يوم وان عشية قبل غدر سارى عسكر كان قال له انه رائح لقضاء هذا الامر فجاوب ان هذا الرجل يكذب
سئل هل كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي وهل في الايام الاخيرة ما راح بات عنده فجاوب ان من حين دخول الفرنساوية ما راح ابدا بات عنده واما قبل دخول الفرنساوية كان يبيت عنده بعض مرار فقيل له انه ما يحكي الصحيح لان في فحص امس قال انه كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي فجاوب انه ما قال ذلك
سئل سليمان الحلبي هل يقدر يثبت على الشيخ محمد الحاضر بانه كل يوم كان يخبره على نيته في قتل سارى عسكر وخصوصا عشية النهار الذي صباحه صار القتل فجاوب نعم وانه ما قال الا الصحيح وان الشيخ محمد الغزى ما كان يقر بالحق امرنا بضربه كعادة البلد فحالا انضرب لحد انه طلب العفو ووعد انه يحكي على كل شيء فارتفع عنه الضرب
سئل هل سليمان اخبره على ضميره في قتل سارى عسكر فجاوب ان سليمان كان قال له انه حضر من غزة لاجل انه يغازي في سبيل الله بقتل الكفرة الفرنساوية وانه منعه عن ذلك بقوله انه يحصل له من ذلك ضرر وما عرفه انه مراده يغدر سارى عسكر الا الليلة التي راح فيها الى الجيزة وصباحها قتله
سئل لاي سبب ما حضر أخبرنا على سليمان المذكور فجاوب انه ابدا ما كان يصدق ان واحدا مثل هذا يقدر على قتل سارى عسكر والذي الوزير بذاته ما قدر عليه
سئل هل اخبر بالذي قال له عليه سليمان لاحد من المدينة وخصوصا الى الشيخ الشرقاوي فجاوب انه ما اخبر أحدا بذلك وحتى اذا وضعوه تحت القتل ما يقول بذلك
سئل هل يعرف احدا خلاف سليمان حضر لاجل غدر الفرنساوية واين هم قاعدين فجاوب انه ما يعرف وان سليمان ما قال له على احد
سئل سليمان المذكور انه يشهر رفقاءه فجاوب انه لم يعرف احد في مصر وان تخمينه ما فيه غيره الذي قاصد قتله الفرنساوية فبعد هذا صرفنا محمد الغزي المذكور لحبسه وابقينا سليمان لاجل نقابله مع السيد احمد الوالي الذي حالا احضرناه لاجل ذلك
سئل هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم
سئل ايضا سليمان هل يعرف السيد احمد الوالي الموجود ههنا فجاوب هو ايضا نعم
سئل السيد احمد الولاي هل ان سليمان ما أخبره على نيته في قتل سارى عسكر وخصوصا في العشية التي قصد بها التوجه لذلك فجاوب ان سليمان حين وصل من مدة ثلاثين يوما كان قال له انه حضر حتى يغازي في الكفرة وانه نصحه عن ذلك بقوله ان هذا شيء غير مناسب وما أخبره على سيرة سارى عسكر
سئل سليمان المذكور انه يبين هل حدثه احمد الوالي في قتل سارى عسكر وكم يوم له ما حدثه فجاوب ان في أوائل وصوله قال له انه حضر بقصد الغزو في الكفار وان السيد احمد ما رضي له بذلك ثم بعد ستة ايام اخبره على نيته في قتل سارى عسكر ومن بعدما عاد حدثه بذلك وقبل الغدر بأربعة أيام ما كان قابله فقيل للسيد احمد الوالي انه لم يصدق في قوله لانه ينكر ان سليمان ما أخبره بأنه كان ناوي بقتل سارى عسكر فجاوب الان لما فكره سليمان افتكر انه اخبره
سئل لاي سبب ما اشهر سليمان المذكور فجاوب انه ما اشهره لسببين
الاول انه كان يخمن انه يكذب والثاني ما كان مستعنيه في فعل مادة مثل هذه
سئل هل سليمان ما عرفه برفقائه وهل هو ما تحدث مع احد بذلك وخصوصا مع شيخ الجامع الذي هو ملزوم يخبر بكل ما يجري فجاوب ان سليمان ما قال له على رفقائه وهو ما اخبر بذلك احدا ولا ايضا شيخ الجامع
سئل هل يعرف الامر الذي خرج من سارى عسكر العام بأن كل من شاف عثملي في البلد يخبر عنه فجاوب انه ما درى بذلك
سئل هل سكن سليمان بالجامع لسبب انه قال له على مراده في قتل سارى عسكر فجاوب لا لان كل أهل الاسلام تقدر تسكن في الجامع
سئل سليمان هل انه ما قال بأنهم ما كانوا يريدوا يسكنوه لولا انه قال لهم على سبب مجيه لمصر فجاوب ان كامل الغرباء لازم يخبروا عن سبب حضورهم واما هو يقول الحق ان ما احد من المشايخ ارتضى على مقصوده فبعد هذا ارسلنا السيد احمد الوالي الى حبسه وبقي سليمان الحلبي لاجل مقابلة السيد عبد الله الغزي الذي احضرناه في الحال
سئل سليمان هل يعرف السيد عبد الله الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم
سئل السيد عبد الله الغزي هل ما بلغه نية سليمان في قتل سارى عسكر فجاوب واقر ان يوم حضور سليمان عرفه انه حضر يغازي في الكفرة وانه مراده يقتل سارى عسكر وانه قصد يمنعه عن ذلك
سئل لاي سبب ما شكاه فجاوب انه كان يظن ان سليمان المذكور يتوجه عند المشايخ الكبار وان المذكورين كانوا يمنعوه ولكن من الان صار يخبر بالذين يحضرون بهذه النية
سئل هل يعرف ان سليمان اخبر احدا خلافه في مصر فجاوب ان ما عنده علم بذلك
سئل هل يعرف ان موجود بمصر ناس خلاف سليمان متوكلين في قتل الفرنساوية فجاوب ان ما عنده خبر وان تخمينه لم يوجد احد
فبعد ذلك انقرأ هذا الفحص على الاربعة المتهومين وهم سليمان الحلبي ومحمد الغزىوالسيد احمد الولاي والسيد عبد الله الغزى وسألوهم هل جواباتهم هذه صحيحة ولافيها زائد ولا ناقص فأربعتهم جاوبوا لاثم حرروا خط يدهم معنا بالعربي برفقة الاثنين المترجمين وكاتم السر حرر بمدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة اعلاه امضاء المتهومين بالعربي امضاء الترجمان لو ما كان امضاء دمياسومر برا شويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر العام امضاء المبلغ سارتلون امضاء كاتم السر بينه بعد خلاص الفحص المشروح اعلاه انا المبلغ سارتلون سالت الاربعة المتهومين المذكورين انهم يختاروا لهم واحدا ليتكلم عنهم قدام القضاة ويحامي عنهم والمذكورون قالوا ان ما هم عارفون من يختاروا فأورينا لهم الترجمان لوماكا لاجل يمشي لهم في ذلك
بيان فحص مصطفى افندي
نهار تاريخه ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا المبلغ سارتلون وبينه كاتم سر القضاة المنتشرين لشرع كل من كان له جرة في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا مصطفى افندي لكي تفحص منه على الذي قد حصلسئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب بانه يسمى مصطفى أفندي ولادة برصة في بر أناضول وعمره واحد وثمانون سنة وساكن في مصر ثم صنعته معلم كتاب
سئل هل من مدة شهر شاف سليمان الحلبي فجاوب ان هذا الرجل مشدود من مدة ثلاث سنين وانه من مدة عشرة أو عشرين يوما حضر عنده وبات ليلة ومن حيث انه رجل فقير قال له يروح يفتش له على محل غيره
سئل هل سليمان المذكور ما أخبره أنه حضر من بر الشام حتى يقتل
سارى عسكر العام فجاوب لا بل حضر عنده ليسلم عليه فقط لكونه معلمة من قديم
سئل هل سليمان ما عرفه عن سبب حضوره لهذا الطرف وهل هو نفسه ما استخبر عن ذلك فجاوب ان كل اجتهاده كان في انه يصرفه من عنده بحيث انه رجل فقير بل سأله عن سبب حضوره فأخبره لاجل يتقن القراءة
سئل هل يعرف بان سليمان راح عند ناس من البلد وخصوصا عند أحد من المشايخ الكبار فجاوب انه لا يعرف شيئا لانه ما شافه الا قليلا وانه لم يقدر يخرج كثيرا من بيته بسبب ضعفه وكبره
سئل هل انه ما يعلم القرآن الا مشاديده فجاوب نعم
سئل هل ان القرآن يرضي بالمغازاة ويأمر بقتل الكفرة فجاوب انه ما يعرف ايش هي المغازاة التي القرآن ينبي عنها
سئل هل يعمل مشاديده هذه الأشياء فجاوب واحد اختيار مثله ماله دعوة في هذه الاشياء بل انه يعرف ان القرآن ينبي عن المغازاة وان كل من قتل كافرا يكسب اجرا
سئل هل علم هذا الغرض لسليمان فجاوب انه ما علمه الا الكتابة فقط
سئل هل عنده خبر ان أمس تاريخه رجل مسلم قتل سارى عسكر الفرنساوية الذي ما هو من ملته وهل بموجب تعليم القرآن هذا الرجل فعل طيب ومقبول عند النبي محمد فجاوب ان القاتل يقتل واما هو يظن ان شرف الفرنساوية هو من شرف الاسلام واذا كان القرآن يقول غيره شيا هو ما له علاقة فحالا قدمنا سليمان المذكور وقابلناه بمصطفى أفندي ثم سالناه هل شاف مصطفى أفندي مرارا كثيرة وهل بلغه عن نيته فجاوب انه ما شافه سوى مرة واحدة لاجل انه يسلم عليه بحيث انه معلمه القديم
وبما انه رجل اختيار وضعيف قوي ما رأى مناسب يخبره عن ضميره
سئل هل هو من ملة المغازين وهل ان المشايخ سمحوا له في قتل الكفار في مصر ليكتب له أجر ويقبل عند النبي محمد فجاوب انه ما فتح سيرة المغازاة
الا الى الاربعة مشايخ فقط الذين سماهم
سئل هل انه ما تحدث مع الشيخ الشرقاوي فجاوب انه ما شاف هذا الشيخ لانه ما هو من ملته بسبب ان الشيخ الشرقاوي شافعي وهو حنفي فبعد هذا قرينا على سليمان ومصطفى افندي اقرارهم هذا فجاوبوا ان هذا هو الحق وما عندهم ما يزيدوا ولا ينقصوا ثم حرروا خط يدهم برفقة الترجمان ونحن حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة والمحررة اعلاه امضاء الاثنين المتهومين بالعربي امضاء لوماكا الترجمان امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه
هذه الرواية المنقولة في اليوم السابع والعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من اقامة الجمهور الفرنساوي عن الوكيل سارتلون بحضور مجمع القضاة المفوضين لمحاكمة قاتل سارى عسكر العام كلهبر وايضا لمحاكمة شركاء القاتل المذكور يا ايها القضاة ان المناحة العامة والحزن العظيم الذي نحن مشتملون بهما الآن يخبران بعظم الخسران الذي حصل الان بعسكرنا لان سارى عسكرنا في وسط نصراته ومماجده ارتفع بغتة من بيننا تحديد قاتل رذيل ومن يد مستأجره من كبراء ذوي الخيانة والغيرة الخبيثة والان أنا معين ومأمور لاستدعاء الانتقام للمقتول وذلك بموجب الشريعة من القاتل المسفور وشركائه كمثل أشنع المخلوقات لكن دعوني ولو لحظة خالطا فيض دموع عيني وحسراتي بدموعكم ولوعاتكم التي سببها هذا المفدى الاسيف والمكرم المنيف فقلبي احتسب جدا اهتياجه لتأدية تلك الجزية لمستحقها فوظيفتي كأنها ليست في الرؤية الا الما بتغريق المهيب بماء هذه المصنوعة الشنيعة التي بوقوعها ارتبكت سمعتم الان قراءة اعلام وفحص المتهمين وباقي المكتوبات عما جرى منهم وقط ما ظهر سيئة أظهر من هذه السيئة التي أنتم محاكمون فيها من صفة الغدارين ببيان الشهود واقرار القاتل وشركائه والحاصل كل شيء متحد ورامي الضياء المهيب لمناورة ذا القتل الكريه اني أنا راوي لكم سرعة الاعمال جاهد نفسي أن ظفرت لمنع غضبي منهم منها فلتعلم
بلاد الروم والدنيا بكمالها ان الوزير الاعظم سلطنة العثمانية ورؤساء جنود جنود عسكرها رذلوا أنفسهم حتى ارسلوا قتال معدوم العرض الى الجريء والا نجب كلهبر الذي لا استطاعوا بتقهيره وكذلك ضعوا الى عيوب مغلوبيتهم المجرم الظالم بالذي ترأسوا قبل السماء والارض تذكروا جملتكم تلك الدول العثمانية المحاربين من اسلامبول ومن أقاصي أرض الروم وأناضول واصلين منذ ثلاثة شهور بواسطة الوزير لتسخير وضبط بر مصر وطالبين تخليتها بموجب الشروط الذي بمتفقيتهم بذاتهم مانعوا اجراءها والوزير أرق بر مصر وبر الشام بمناداته مستدعي بها قتل عام الفرنساوية وعلى الخصوص هو عطشان لانتقامه لقتل سر عسكرهم وفي لحظة الذين هم اهالي مصر محتفين باغويات الوزير كانوا محرومين شفقات ومكارم نصيرهم وفي دقيقة الذين هم اسارى ومجروحين العثملية هم مقبولين ومرعبين في دور ضيوفنا وضعفائنا تقيد الوزير بكل وجوه بتكميل سوء غفارته تلوه منذ زمان طويل واستخدم لذلك أغا مغضوبا منه ووعد له اعادة لطفه وحفظ رأسه الذي كان بالخطر ان كان يرتضي بذا الصنع الشنيع وهذا المغوى هو احمد اغا المحبوس بغزة منذ ما ضبط العريش وذهب للقدس بعد انهزام الوزير في أوائل شهر جرمينال الماضي والاغا المرقوم محبوس هناك بدار متسلم البلد وفي ذلك الملجأ فهو مفتكر باجراء السوء الخبيث الذي يستثقل التقدير لافهيم ولا معه تدبير سيما هو عامل شيء لاجراء انتقام الوزير وسليمان الحلبي شب مجنون وعمره أربعة وعشرون سنة وقد كان بلا ريب متدنس بالخطايا ظهر عند ذا الاغا يوم وصوله القدس وبترجى صيانته لحراسة أبيه تاجر بحلب من اذيات ابراهيم باشا والى حلب يرجع له سليمان يوم غدره فقد كان استفتش الاغا عن احتيال اصل وفصل ذا الشب المجنون وعلم انه مشتغل بجامع بين قراء القرآن وانه هو الان بالقدس للزيارة وانه قد حج سابقا بالحرمين وان العته النسكي هو منصوب في اعلى رأسه المضطرب من زيغاته وجهالاته بكمالة
اسلامه وباعتمده ان المسمى منه جهاد وتهليك الغير المؤمنين فمما انهى وأيقن ان هذا هوالايمان ومن ذلك الان مارما بقي تردد أحمد اغا في بين ما نوى منه فوعد له حمايته وانعامه وفي الحال ارسله الى ياسين اغا ضابط مقدار من جيوش الوزير بغزة وبعثه بعد أيام لمعاملته واقبضه الدراهم اللازمة له وسليمان قد امتلأ من خباثته وسلك بالطرق فمكث واحد وعشرين يوم في بلد الخليل يجبرون منتظر فيه قبيلة لذهاب البادية وكل مستعجل ووصل غزة في اوائل شهر فلوريال الماضي وياسين اغا مسكنه بالجامع لاستحكام غيرته والمجنون يواجهه مرارا وتكرارا بالنهار والليل مدة عشرة أياما مكثه بغزة يعلمه وبعد ما اعطاه أربعين غرشا أسديا ركبه بعقبيه الهجين الذي وصل مصر بعد ستة ايام وممتن بخنجر دخل بأواسط شهر فلوريال الى مصر التي قد سكنها سابقا ثلاث سنين وسكن بموجب تربياته بالجامع الكبير ويتحضر فيه للسيئة التي هو مبعوث لها ويستدعي الرب تعالى بالمناداة وكتب المناجاة وتعليقها بالسور مكانه بالجامع المذكور علاه وتأنس مع الاربعة مشايخ الذين قرأ والقرآن مثله وهم مثل مولودين ببر الشام وسليمان أخبرهم بسبب مراسلته وكان كل ساعة معهم متؤامرين به لكن ممنوعين بصعوبة ومخطرات الوحدة محمد الغزي والسيد احمد الوالي وعبد الله الغزي وعبد القادر الغزي هم معتمدين سليمان بارتهان ما نواه ولا عاملوا شيء لممانعته او لبيانه وعن مداومة سكونهم به صاروا مسامحين ومشتركين في قبحة القاتل هو منتظر واحد وثلاثين يوم معدودة بمصر فعقبة جزم توجهه الى الجيزة وبذاك اليوم اعقد سره الى الشركاء المذكورين اعلاه وكان كل شيء صار سهل جزم القاتل بمصنوعته الشنيعة وبيوم الغدوة طلع السر عسكر من الجيزة متوجها مصر وسليمان طوى الطرق ولحقه هلقدو حتى لزم ان يطروده مرارا مختلفة لكن هو المكار عقيب غدرا تعداه وفي يوم الخامس والعشرين من شهرنا الجاري وصل واختفى في جنينة السر عسكر لتقبيل يده فالسر عسكر لا أبي عن قيافة
فقره وفي حال ما السر عسكر ترك له يده ضربه سليمان بخنجرة ثلاث جروح وقصد الستوين بروتاين الذي هو رئيس المعمار ومصاحب العرفاء وجاهد لحماية السر عسكر لكن ما نفع جسارته فهو بذاته وقع ايضا مجروح عن يد القاتل المسفور بستة جروحات وبقي لا مستطيع شيء وهكذا وقع بلا صيانة وهو الذي كان من الاماجد في الحرب ومخاطرات الغزا وهو اول الذين مضوا برياسة عسكر دولة الجمهور الفرنساوي المنصور الرهن الرهين وهو فتح ثانيا بر مصر حينئذ بهجوم سحائب من العثمانية فكيف اقتدر واضم الوجع العميق الجملة الى دموع الاجناد الى لوعات الرؤساء وجميع الجنرالية أصحابه بالمجاهدة والمماجدة بالمناحة وموالهة العسكر انتم جميعا تنعوه والمحاسنات تستأهله وتنبغي له القاتل سليمان ما قدر يهرب من مغاشاة الجيوش غضوبين له الدم ظاهر في ثيابه وخنجره واضطرابه ووحشة وجهه وحاله كشفوا جرمه وهو بالذات مقر بذنبه بلسانه ومسمى شركاه وهو كمادح نفسه للقتل الكريه صنع يديه وهو مستريح بجواباته للمسائل وينظر محاضر سياسات عذابه بعين رفيعة والرفاهية هي الثمر المحصول من العصمة والتفاوه فكيف تظهر بوجوه الآثمين ومسامحينهم شركاء سليمان الاثيم كانوا مرتهنين سره للقتل الذي حصل من غفلتهم وسكوتهم قالوا باطلا انهم ما صدقوا سليمان هو مستعدد بذا الاثم وقالوا باطلا ايضا ان لو كانوا صدقوا ذا المجنون كانوا في الحال شايعين خيانته لكن الاعمال شهود تزور وتنبيء انهم قابلوا القاتل وما غيروا له نية الا خوف مهلكتهم ومصممين تهلكة غيرهم ولا هم مستعذرين وجها من الوجوه لا حكى لهم شيء من مصطفى افندي بما ان لا ظهر شيء عند ذاك الشيب يثبت معاقرته بشكل العذاب اللائق للمذنبين هو تحت اصطفاكم بموجب الامر من الذي أنتم مأمورن بعقيبه لمحاكمة السيئين وأظن ان يليق ان تصنعوا لهم من العذابات العادية ببلاد مصر ولكن عظمة الاثم تستدعي ان يصير عذابه مهيبا فان سألتوني أجبت انه يستحق الخوزقة وان قبل كل شيء تحرق
يد ذا الرجل الاثيم وانه هو يموت بتعذيبه ويبقى جسده لمأكول الطيور وبجهة المسامحين له يستحقون الموت لكن بغير عقوبة كما قلت لكم ونبهت فليعلم الوزير والعملية الظالمين تحت امره حد جزاء الآثمين الذين ارتكبوا بقصد انتقامهم لعدم المروءة انهم عدموا من عسكرنا واحد مقدام سبب دائمي دموعنا ولوعتنا الابدية فلا يحسبوا ولا يأملوا بأقلال جزائنا انما خليفة السر عسكر المرحوم هو رجل قد شهر شجاعة ومضى قدماه بصفاء ضمير منير وهو مشار اليه بالبنان لمعرفة بتدبير الجنود والجمهور المنصور وهو يهدينا بالنصرة وأما اولئك المعدومون القلب والعرض فلا احمرت وجوههم بانتقامهم وانهزامهم باق ثم عدم اعتبارهم بالتواريخ لا بد أنهم باقين بالرذالة لا نفع لهم قدام العالم الا اكتساب خجالتهم ولعدم المبالاة حالا كشفتها لهم اثبت محاكمات كما يأتي بيانها
اولا أن سليمان الحلبي مثبت اسمه الكريه بقتل السرعسكر كلهبر فلهذا هو يكون مدحوضا بتحريق يده اليمنى وبتحريقه حتى يموت فوق خازوقه وجيفته باقية فيه لمأكولات الطيور
ثانيا ان الثلاثة مشايخ المسمين محمد الغزى وعبد الله الغزي واحمد الغزي يكونون متبينين منكم انهم شركاء لهذا القاتل فلذلك يكونون مدحوضين بقطع رؤسهم
ثالثا ان الشيخ عبد القادر الغزي يكون مدحوضا بذلك العذاب
رابعا ان اجراء عذابهم يصير بعودة المجتمعين لدفن السر عسكر وامام العسكر وناس البلد لذاك الفعل موجودين فيه
خامسا ان مصطفى افندي تبين غير مثبوت مسامحته وهو مطلوق الى مانرى
سادسا ان ذا الاعلام وبيناته وما جرى بطبع في خمس نسخ ويؤول من لسان الفرنساوي بالعربي والتركي لتلزيقها بمحلات بلاد بر مصر بكمالها بموجب المأمور حرر بمصر القاهرة في اليوم السابع وعشرين من
شهرنا برريال سنة ثمانية من اقامة الجمهور المنصور ممضى سارتلون
الفتوى الخارجة من طرف ديوان القضاة المنتشرين بأمر سارى عسكر العام منو
امير الجيوش الفرنساوية في مصرلاجل شرعية كل من له جرة في غدر وقتل سارى عسكر العام كلهبر في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي وفي اليوم السابع وعشرين من شهر برريال اجتمعوا في بيت سارى عسكر رينيه المذكور وسارى عسكر روبين ودفتردار البحرلرو والجنرال مارتينه والجنرال مورانه ورئيس العسكر جوجه ورئيس المدافع فاور ورئيس المسار برترنه والوكيل رجينه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل لبهر في رتبة وكيل الجمهور والوكيل بينه في رتبة كاتم السر وهذا ما صار حكم أمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية الذي صدر أمس وأقام القضاة المذكورين لكي يشرعوا على الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من الشهر ولكي يحكموا عليه بمعرفتهم فحين اجتمعوا القضاة المذكورون وسارى عسكر رينيه الذي هو شيخهم أمر بقراءة الامر المذكور أعلاه الخارج من يد سارى عسكر منو ثم بعده المبلغ قرأ كامل الفحص والتفتيش الذي صدر منه في حق المتهومين وهم سليمان الحلبي والسيد عبد القادر الغزي ومحمد الغزي وعبد الله الغزي واحمد الوالي ومصطفى أفندي فبعد قراءة ذلك أمر سارى عسكر رينيه بحضور المتهومين المذكورين قدام القضاة وهم من غير قيد ولا رباط بحضور وكيلهم والابواب مفتحة قدام كامل الموجودين فحين حضروا سارى عسكر رينيه وكامل القضاة سألوهم جملة سؤالات وهذا بواسطة الخواجا براشويش الترجمان فهم ما جاوبوا آلا بالذي كانوا قالوه حين انفحصوا فسارى عسكر رينيه سالهم أيضا ان كان مرادهم يقولوا شيأ مناسبا لتبرئتهم فاجاوبوه بشيء فحالا سارى عسكر المذكور أمر بردهم الى الحبس مع الخفراء عليهم ثم ان سارى عسكر رينيه التفت الى القضاة وسالهم ايش رأيهم في عدم حديث المتهومين وأمر
بخروج كامل الناس من الديوان وقفل المحل عليهم لأجل يستشارو بعضهم من غير ان احدا يسمعهم ثم انوضع اول سؤال وقال
سليمان الحلبي ابن أربعة وعشرين سنة وساكن بحلب منهم بقتل سارى عسكر العام وجرح السيتوين بروتاين المهندس وهذا صار في جنينة سارى عسكر العام في خمسة وعشرين من الشهر الجاري فهل هو مذنب فالقضاة المذكورون ردوا كل واحد منهم لوحده والجميع بقول واحد ان سليمان الحلبي مذنب
السؤال الثاني السيد عبد القادر الغزى مقرى قرآن في الجامع الازهر ولادة غزة وساكن في مصر متهوم انه بلغه بالسر في غدر سارى عسكر العام وما بلغ ذلك وقصد الهروب فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
ثم وضع السؤال الثالث وقال محمد الغزى ابن خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وساكن في مصر مقرى قرآن في الجامع الازهر متهوم انه بلغه بالسر في غدر سارى عسكر وانه حين ذلك الغادر كان نوى الرواح لقضاء فعله بلغه أيضا وهو ما عرف أحدا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
السؤال الرابع عبد الله الغزى ابن ثلاثين سنة ولادة عزة ومقرى قرآن في الجامع الازهر متهوم انه كان يعرف في غدر سارى عسكر وانه ما بلغ أحدا بذلك فهو هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
السؤال الخامس احمد الوالي ولادة غزة مقرى قرآن في جامع الازهر متهوم أن عنده خبر في غدر سارى عسكر وانه ما بلغ أحدا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما انه مذنب
السؤال السادس مصطفى أفندي ولادة برصة في براناضول عمره واحد وثمانين سنة ساكن في مصر معلم كتاب ما عنده خبر بغدر سارى عسكر فهل هو مذنب فالقضاة تماما جاوبوا بانه غير مذنب وأمروا باطلاقه
فبعد ذلك القاضي وكيل الجمهور طلب انهم يفتوا بالموت على المذنبين المشروحين أعلاه فالقضاة تشاوروا مع بعضهم ليعتمدوا على جنس عذاب لائق لموت المذنبين أعلاه ثم بدؤا بقراءة خامس مادة من الامر الذي اخرجه امس سارى عسكر منو بسبب ذل والذي بموجبه أقامهم قضاة في فحص وموت كل من كان له جرة في غدر وقتل سارى عسكر العام كلهبر ثم اتفقوا جميعهم ان يعذبوا المذنبين ويكون لائق للذنب الذي صدر وأفتوا ان سليمان الحلبي تحرق يده اليمين وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور وهذا يكون فوق التل الذي برا قاسم بك ويسمى تل العقارب وبعد دفن سارى عسكر العام كلهبر وقدام كامل العسكر وأهل البلد الموجودين في المشهد ثم افتوا بموت السيد عبد الغادر الغزى مذنب ايضا كما ذكر اعلاه وكل ما تحكم يده عليه يكون حلال للجمهور الفرنساوي ثم هذه الفتوى الشرعية تكتب وتوضع فوق البيت الذي مختص بوضع رأسه وأيضا افتوا على محمد الغزى وعبد الله وأحمد الوالي ان تقطع رؤسهم وتوضع على نبابيت وجسمهم يحرق بالنار وهذا يصير في المحل المعين اعلاه ويكون ذلك قدام سليمان الحلبي قبل أن يجري فيه شيء هذه الشريعة والفتوى لازم ان ينطبعا باللغة التركية والعربية والفرنساوية من كل لغة قدر خمسمائة نسخة لكي يرسلوا ويعلقوا في المحلات اللازمة والمبلغ يكن مشهل في هذه الفتوى تحريرا في مدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة اعلاه ثم ان القضاة حطوا خط يدهم باسمائهم برفقة كاتم السر ممضى في اصله ثم هذه الشريعة والفتوى انقرت وتفسرت على المذنبين بواسطة السيتوين لو ما كان الترجمان قبل قصاصهم فهم جاوبوا ان ما عندهم شيء يزيدوا ولا ينقصوا على الذي أقروا به في الاول فحالا قضوا امرهم في ثمانية وعشرين من شهر برريال حكم الاتفاق وقبل نصف النهار بساعة واحدة حرر بمصر في ثمانية وعشرين برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي ثم ختموا باصله الدفتردار سارتلون وكاتم
السر بينه وهذه نسخة من الاصل امضاء بينه كاتم السر آه وهذا آخر ما كتبوه في خصوص هذه القضية ورسموه وطبعوه بالحرف الواحد ولم اغير شيئا مما رقم اذ لست ممن يحرف الكلم وما فيه من تحريف فهو كما في الاصل والله اعلم واحكم
ولما فرغوا من ذلك اشتغلوا بامر عسكرهم المقتول وذلك بعد موته بثلاثة ايام كما ذكر ونصبوا مكانه عبد الله جاك منو ونادوا ليلة الرابع من قتلته وهي ليلة الثلاثاء خامس عشرين المحرم في المدينة بالكنس والرش في جهات حكام الشرطة فلما اصبحوا اجتمع عساكرهم واكابرهم وطائفة عينها القبط والشوام وخرجوا بموكب مشهده ركبانا ومشاة وقد وضعوه في صندوق من رصاص مسنم الغطاء ووضعوا ذلك الصندوق على عربة وعليه برنيطته وسيفه والخنجر الذي قتل به وهو مغموس بدمه وعملوا على العربة اربعة بيارق صغار في اركانها معمولة بشعر أسود ويضربون بطبولهم بغير الطريقة المعتادة وعلى الطبول خرق سود والعسكر بايديهم البنادق وهي منكسة الى اسفل وكل شخص منهم معصب ذراعه بخرقة حرير سوداء ولبسوا ذلك الصندوق بالقطيفة السوداء وعليها قصب مخيش وضربوا عند خروج الجنازة مدافع وبنادق كثيرة وخرجوا من بيت الازبكية على باب الخرق الى درب الجماميز الى جهة الناصرية فلما وصلوا الى تل العقارب حيث القلعة التي بنوها هناك ضربوا عدة مدافع وكانوا أحضروا سليمان الحلبي والثلاثة المذكورين فأمضوا فيهم ما قدر عليهم ثم ساروا بالجنازة الى أن وصلوا باب قصر العيني فرفعوا ذلك الصندوق ووضعوه على علوة من التراب يوسط تخشيبة صنعوها وأعدوها لذلك وعملوا حولها داربزين وفوقه كساء ابيض وزرعوا حوله اعواد سرو ووقف عند بابها شخصان من العسكر ببنادقهما ملازمان ليلا ونهارا يتناوبان الملازمة على الدوام وانقضى أمره واستقر عوضه في السر عسكرية قائممقام عبد الله جاك منو وهو الذي كان متوليا على رشيد من قدومهم وقد كان أظهر انه
اسلم تسمى بعبدالله وتزوج بامرأة مسلمة وقلدوا عوضه في قائمقامية بليار فلما أصبح ثاني يوم حضر قائممقام والاغا الى الازهر ودخلا اليه وشقا في جهاته وأروقته وزواياه بحضرة المشايخ
وفي يوم الخميس حضر سارى عسكر عبد الله جاك منو وقائمقام لو الاغا وطافوا به ايضا وأرادوا حفر أماكن للتفتيش على السلاح ونحو ذلك ثم ذهبوا فشرعت المجاورون به في نقل امتعتهم منه هو نقل كتبهم واخلاء الاروقة ونقلوا الكتب الموقوفة بها الى اماكن خارجة عن الجامع وكتبوا أسماء المجاورين في ورقة وامروهم ان لا يبيت عندهم غريب ولا يؤوا اليهم آفاقيا مطلقا وأخرجوا منه المجاورين من طائفة الترك ثم ان الشيخ الشرقاوي والمهدي والصاوي توجهوا في عصريتها عند كبير الفرنسيس منو واستأذنوه في قفل الجامع وتسميره فقال بعض القبطة الحاضرين للاشياخ هذا لا يصح ولا يتفق فحنق عليه الشيخ الشرقاوي وقال اكفونا شر دسائسكم ياقبطة وقصد المشايخ من ذلك منع الريبة بالكلية فان للازهر سعة لا يمكن الاحاطة بمن يدخل فربما دس العدو من يبيت به واحتج بذلك على انجاز غرضه ونيل مراده من المسلمين والفقهاء ولا يمكن الاحتراس من ذلك فاذن كبير الفرنسيس بذلك لما فيه من موافقة غرضه باطنا فلما اصبحوا قفلوه وسمروا أبوابه من سائر الجهات
وفي غايته جمعوا الوجاقلية وأمروهم باحضار ما عندهم من الاسلحة فأحضروا ما أحضروه فشددوا عليهم في ذلك فقالوا لم يكن عندنا غير الذي احضرناه فقالوا وأين الذي كنا نرى لمعانه عند متاريسكم فقالوا تلك اسلحة العساكر العثمانية والاجناد المصرية وقد سافروا بها
واستهل شهر صفر بيوم الثلاثاء سنة
في اوائله سافر بعض الاعيان من المشايخ وغيرهم الى بلاد الارياف بعيالهم وحريمهم وبعضهم بحث حريمه واقام هو مسافر الشيخ محمد الحريري وصحب معه حريم الشيخ السحيمي وصهره الشيخ المهدي فلما رآهم الناس عزم الكثير منهم على الرحلة واكثروا المراكب والجمال وغير ذلك فلما اشيع ذلك كتب الفرنسيس أوراقا ونادوا في الاسواق بعدم انتقال الناس ورجوع المسافرين ومن لم يرجع بعد خمسة عشر يوما نهبت داره فرجع أكثر الناس ممن سافر او عزم على السفر الا من اخذ له ورقة بالاذن من مشاهير الناس احتج بعذر كائن في خدمة لهم او قبض خراج أو مال أو غلال من التزامه
وفيه قرروا فردة أخرى وقدرها أربعة ملايين وقدر المليون مائة وستة وثمانون الف فرانسة وكان الناس ما صدقوا قرب تمام الفردة الاولى بعد ما قاسوا من الشدائد ما لا يوصف ومات اكثرهم في الحبوس وتحت العقوبة وهرب الكثير منهم وخرجوا على وجوههم الى البلاد ثم دهوا بهذه الداهية أيضا فقرروا على العقار والدور مائتي الف فرانسة وعلى الملتزمين مائة وستين ألفا وعلى التجار مائتي ألف وعلى ارباب الحرف المستورين ستين ألفا واسقطوا في نظير المنهوبات مائة ألف وقسموا البلدة ثمانية اخطاط وجعلوا على كل خطة منها خمسةوعشرين ألف ريال ووكلوا بقبض ذلك مشايخ الحارات والامير الساكن بتلك الخطة مثل المحتسب بجهة الحنفي وعمر شاه وسويقة السباعين ودرب الحجر ومثل ذي الفقار كتخدا جهة المشهد الحسيني وخان الخليلي والغورية والصنادقية والاشرفيةوحسن كاشف جهة الصليبة والخليفة وما في ضمن كل من الجهات والعطف والبيوت فشرعوا في توزيع ذلك على الدور الساكنة وغير الساكنة وقسموها عال وأوسط ودون وجعلوا العال ستين ريالا والوسط اربعين والدون عشرين ويدفع المستأجر قدر ما يدفع المالك والدار التي يجدونها مغلقة وصاحبها غائب عنها ياخذون ما عليها من جيرانها
وفي سادس عشرينه أفرجوا عن الشيخ السادات ونزل الى بيته بعد ان غلق الذي تقرر عليه واستولوا على حصصه وأقطاعه وقطعوا مرتباته وكذلك
جهات حريمه والحصص الموقوفة على زاوية أسلافه وشرطوا عليه عدم الاجتماع بالناس وأن لا يركب بدون اذن منهم ويقتصد في أمور معاشه ويقلل اتباعه
شهر ربيع الاول سنة
فيه نادوا على الناس الخارجين من مصر من خوف الفردة وغيرها بان من لم يحضر من بعد اثنين وثلاثين يوما من وقت المناداة نهبت داره واحيط بموجوده وكان من المذنبين واشتد الامر بالناس وضاقت منافسهم وتابعوا نهب الدور بأدنى شبهة ولا شفيع تقبل شفاعته أو متكلم تسمع كلمته واحتجب سارى عسكر عن الناس وامتنع من مقابلة المسلمين وكذلك عظماء الجنرالات وانحرفت طباعهم عن المسلمين زيادة عن أول واستوحشوا منهم ونزل بالرعية الذل والهوان وتطاولت عليهم الفرنساوية وأعوانهم وأنصارهم من نصارى البلد الاقباط والشوام والاروام بالاهانة حتى صاروا يامرونهم بالقيام اليهم عند مرورهم ثم شددوا في ذلك حتى كان اذا مر بعض عظمائهم بالشارع ولم يقم اليه بعض الناس على أقدامه رجعت اليه الاعوان وقبضوا عليه وأصعدوه الى الحبس بالقلعة وضربوه واستمر عدة أيام في الاعتقال ثم يطلق بشفاعة بعض الاعيانوفيه أنزلوا مصطفى باشا من الحبس وأهدوا اليه هدايا وأمتعة وأرسلوه الى دمياط فأقام بها أياما وتوفي الى رحمة الله تعالى
شهر ربيع الثاني سنة
فيه اشتد أمر المطالبة بالمال وعين لذلك رجل نصراني قبطي يسمى شكر الله فنزل بالناس منه مالا يوصف فكان يدخل الى دار أي شخص كان لطلب المال وصحبته العسكر من الفرنساوية والفعلة وبأيديهم القزم فيأمرهم بهدم الدار ان لم يدفعوا له المقرر وقت تاريخه من غير تأخير الى غير ذلك وخصوصا ما فعله ببولاق فانه كان يحبس الرجال مع النساء ويدخن عليهم بالقطن والمشاق وينوع عليهم العذاب ثم رجع الى مصر يفعل كذلك وفيه اغلقوا جميع الوكائل والخانات على حين غفلة في يوم واحد وختموا على جميعها ثم كانوا يفتحونها وينهبون ما فيها من جميع البضائع والاقمشة والعطر والدخان خانا بعد خان فاذا فتحوا حاصلا من الحواصل قوموا ما فيه بما احبوا بابخس الاثمان وحسبوا غرامته فان بقى لهم شيء أخذوه من حاصل جاره وان زاد له شيء أحالوه علىجاره الاخر كذلك وهكذا ونقلوا البضائع على الجمال والحمير والبغال وأصحابها تنظر وقلوبهم تنقطع حسرة على مالهم واذا فتحوا مخزنا دخله امناؤهم ووكلاؤهم فيأخذون من الودائع الخفيفة أو الدراهم وصاحب المحل لا يقدر على التكلم بل ربما هرب أو كان غائبا
وفيه حرروا دفاتر العشور وأحصوا جميع الاشياء الجليلة والحقيرة ورتبوها بدفاتر وجعلوها اقلاما يتقلدها من يقوم بدفع مالها المحرر وجعلوا جامع أزبك الذي بالازبكية سوقا لمزاد ذلك بكيفية بطول شرحها وأقاموا على ذلك أياما كثيرة يجتمعون لذلك في كل يوم ويشترك الاثنان فاكثر في القلم الواحد وفي الاقلام المتعددة
وفيه كثر الهدم في الدور وخصوصا في دور الامراء ومن فر من الناس وكذلك كثر الاهتمام بتعمير القلاع وتحصينها وانشاء قلاع في عدة جهات وبنوا بها المخازن والمساكن وصهاريج الماء وحواصل الجبخانات حتى ببلاد الصعيد القبلية
واستهل شهر جمادى الاولى سنة
والامور من أنواع ذلك تتضاعف والظلومات تتكاثف وشرعوا في هدم اخطاط الحسينية وخارج باب الفتوح وباب النصر من الحارات والدور والبيوت والمساكن والمساجد والحمامات والحوانيت والاضرحة فكانوا اذا دهموا دارا وركبوها للهدم لا يمكنون أهلها من نقل متاعهم ولا أخذ شيء من أنقاض دارهم فينهبونها ويهدمونها وينقلون الانقاض النافعة من الاخشاب والبلاط الى حيث عمارتهم وأبنيتهم وما بقى يبيعون منه ما أحبوا بأبخس الاثمان ولوقود النيران وما بقى من كسارات الخشب يحزمه الفعلة حزما ويبيعونه على الناس باغلى الاثمان لعدم حطب الوقود ويباشر غالب هذه الافاعيل النصارى البلدية فهدم للناس من الاملاك والعقار مالا يقدر قدره وذلك مع مطالبتهم بما قرر على أملاكهم ودورهم من الفردة فيجتمع على الشخص الواحد النهب والهدم والمطالبة في آن واحد وبعد أن يدفع ما على داره أو عقاره وماصدق أنه غلق ما عليه الا وقد دهموه بالهدم فيستغيث فلا يغاث فترى الناس سكارى وحيارى ثم بعد ذلك كله يطالب بالمنكسر من الفردة وذلك أنهم لما قسموا الاخطاط كما تقدم وتولى ذلك أمير الخطة وشيخ الحارة والكتبة والاعوان وزعوا ذلك برأيهم ومقتضى أغراضهم فاول ما يجتمعون بديوانهم يشرع الكتبة في كتابة التنابيه وهي اوراق صغار باسم الشخص والقدر المقرر عليه وعلى عقاره بحسب اجتهادهم ورأيهم وعلى هامشها كراء طريق المعينين ويعطون لكل واحد من اولئك القراسة عدة من تلك الاوراق فقبل ان يفتح الانسان عينيه ما يشعر الا والمعين واقف بابه وبيده ذلك التنبيه فيوعدوه حتى ينظر في حاله فلا يحد بدا من دفع حق الطريق فما هو الا ان يفارقه حتى يأتيه المعين الثاني بتنبيه آخر فيفعل معه كالاول وهكذا على عدد الساعات فإن لم يوجد المطلوب وقف ذلك القواس على داره ورفع صوته وشتم حريمه أو خادمه فيسعى الشخص جهده حتى يغلق ما تقرر عليه بشفاعة ذي وجاهة أو نصراني وما يظن انه خلص الا والطلب لاحقه ايضا بمعين وتنبيه فيقول ما هذا فيقال له ان الفردة لم تكمل وبقى منها كذا وكذا وجعلنا على العشرة خمسة او ثلاثة أو ما سولت لهم أنفسهم فيرى الشخص أن لا بد من ذلك فما هو الا أن خلص ايضا الاوكرة أخرى وهكذا أمرا مستمرا ومثل ذلك ما قرر على الملتزمين فكانت هذه الكسورات من أعظم الدواهي المقلقة ونكسات الحمى المطبعة
وفي خامسة كان عيد الصليب وهو انتقال الشمس لبرج الميزان والاعتدال
الخريفي وهو أول سنة الفرنسيس وهي السنة التاسعة من تاريخ قيامهم ويسمى عندهم هذا الشهر وتدميير وذلك يوم عيدهم السنوي فنادوا بالزينة بالنهار والوقدة بالليل وعملوا شنكات ومدافع وحراقات ووقدات بالازبكية والقلاع وخرجوا صبح ذلك اليوم بمواكبهم وعساكرهم وطبولهم وزمورهم الى خارج باب النصر وعملوا مصافهم فقرىء عليهم كلام بلغتهم على عادتهم وكأنه مواعظ حربية ثم رجعوا بعد الظهر
وفي هذه السنة زاد النيل زيادة مفرطة لم يعهد مثلها فيما رأينا حتى انقطعت الطرقات وغرقت البلدان وطف الماء من بركة الفيل وسال الى درب الشمسي وكذلك حارة الناصرية وسقطت عدة دور من المطلة على الخليج ومكث زائدا الى آخر توت
واستهل شهر جمادى الثانية سنة
فيه قرروا على مشايخ البلدان مقررات يقومون بدفعها في كل سنة أعلى وأواسط وأدنى فالاعلى وهو ما كانت بلده ألف فدان فأكثر خمسمائة ريال والأوسط وهو ما كانت خمسمائة فأزيد ثلثمائة ريال والادنى مائة وخمسون ريالا وجعلوا الشيخ سليمان الفيومي وكيلا في ذلك فيكون عبارة عن شيخ المشايخ وعليه حساب ذلك وهو من تحت يد الوكيل الفرنساوي الذي يقال له يريدون فلما شاع ذلك ضجت مشايخ البلاد لان منهم من لا يملك عشاءه فاتفقوا على أن وزعوا ذلك على الاطيان وزادت في الخراج واستملوا البلاد والكفور من القبطة فأملوها عليهم حتى الكفور التي خربت من مدة سنين بل سموا اسماء من غير مسمياتوفيه شرعوا في ترتيب الديوان على نسق غير الاول من تسعة أنفار فيه خصوصي وعمومي على ما سبق شرحه بل هو ديوان واحد مركب من الشيخ الأمير والشيخ الصاوي وكاتبه والشيخ موسى السرسي والشيخ تسعة رؤساء هم الشيخ الشرقاوي رئيس الديوان والمهدي كاتب السر خليل البكري والسيد علي الرشيدي نسيب سارى عسكر والشيخ الفيومي
والقاضي الشيخ اسمعيل الزرقاني وكاتب سلسلة التاريخ السيد اسمعيل الخشاب والشيخ علي كاتب عربي وقاسم افندي كاتب رومي وترجمان كبير القس رفائيل وترجمان صغير الياس فخر الشامي والوكيل الكمثارى فوريه ويقال له مدير سياسة الاحكام الشرعية ومقدم وخمسة قواسه متعممين لا غير وليس فيهم قبطي ولا وجاقلي ولا شامي ولا غير ذلك وليس واختاروا لذلك بيت رشوان بك الذي بحارة عابدين وكان يسكنه برطلمان فانتقل منه الى بيت الجلفي بالخرنفش وعمر وبيض وفرشت قاعة الحريم بمجلس الديوان فرشا فاخرا وعينوا عشر جلسات في كل شهر وانتقل اليها فوريه وسكنها بأتباعه واعدوا للمترجمين والكتبة من الفرنساوية مكانا خاصا يجلسون به في غير وقت الديوان على الدوام لترجمة اوراق الوقائع وغيرها وجعلوا لها خزائن للسجلات وفتحوا ايضا بجانبها دارا نفذوها اليها وشرعوا في تعميرها وتأنيقها وسموها بمحكمة المتجر واخذوا يرتبون انفارا من تجار المسلمين والنصارى يجلسون بها للنظر في القضايا المتعلقة بقوانين التجار والكبير على ذلك كله فوريه ولم يتم ذلك المكان الثاني
وفي خامس عشره شرعوا في جلسة الديوان وصورته انه اذا تكامل حضور المشايخ يخرج اليهم الوكيل فوريه وصحبته المترجمون فيقومون له فيجلس معهم ويقف الترجمان الكبير رفائيل ويجتمع ارباب الدعاوي فيقفون خلف الحاجز عند آخر الديوان وهو من خشب مقفص وله باب كذلك وعنده الجاويش يمنع الداخلين خلاف ارباب الحوائج ويدخلهم بالترتيب الاسق فالاسبق فيحكي صاحب الدعوة قضية فيترجمها له الترجمان فان كانت من القضايا الشرعية فإما ان يتمها قاضي الديوان بما يراه العلماء أو يرسلوها الى القاضي الكبير بالمحكمة ان احتاج الحال فيها الى كتابة حجج او كشف من السجل وان كانت من غير جنس القضايا الشرعية كأمور الالتزام أو نحو ذلك يقول الوكيل ليس هذا من شغل
الديوان فان ألح على أرباب الديوان في ذلك يقول اكتبوا عرضا لسارى عسكر فيكتب الكاتب العربي والسيد اسمعيل يكتب عنده في سجله كل ما قال المدعي والمدعى عليه وما وقع في ذلك من المناقشة وربما تكلم قاضي الديوان في بعض ما يتعلق بالامور الشرعية ومدة الجلسة من قبيل الظهر بنحو ثلاث ساعات الى الاذان أو بعده بقليل بحسب الاقتضاء ورتبوا لكل شخص من مشايخ الديوان التسعة أربعة عشر ألف فضة في كل شهر عن كل يوم أربعمائة نصف فضة وللقاضي والمقيد والكاتب العربي والمترجمين وباقي الخدم مقادير متفاوتة تكفيهم وتغنيهم عن الارتشاء وفي اول جلسة من ذلك اليوم عملت المقارعة لرئيس الديوان وكاتب السر فطلعت للشرقاوي والمهدي على عادتهما وكذلك الجاويشية والترجمان وكتبت تذكرة من أهل الديوان خطأ بالسارى عسكر يخبرونه فيها بما حصل من تنظيم الديوان وترتيبه وسر الناس بذلك لظنهم انه انفتح لهم باب الفرج بهذا لديوان ولما كانت الجلسة الثانية ازدحم الديوان بكثرة الناس وأتوا اليه من كل فج يشكون
وفي ثالث عشرينه أمروا بجمع الشحاذين أي السؤال بمكان وينفق عليهم نظار الاوقاف
وفيه ايضا أمروا بضبط ايراد الاوقاف وجمعوا المباشرين لذلك وكذلك الرزق الاحباسية والاطيان المرصدة على مصالح المساجد والزوايا وأرسلوا بذلك الى حكام البلاد والاقاليم
وفي غايته حضر رجل الى الديوان مستغيث بأهله وأن قلق الفرنسيس قبض على ولده وحبسه عند قائممقام وهو رجل زيات وسبب ذلك ان امرأة جاءت اليه لتشتري سمنا فقال لها لم يكن عندي سمن فكررت عليه حتى حنق منها فقالت له كأنك تدخره حتى تبيعه على العثملي تريد بذلك السخرية فقال لها نعم رغما عن انفك وانوف الفرنسيس فنقل عنه مقالته غلام كان معها حتى أنهوه الى قائممقام فأحضره وحبسه ويقول أبوه اخاف
أن يقتلوه فقال الوكيل لا لا يقتل بمجرد هذا القول وكن مطمئنا فان الفرنساوية لا يظلمون كل هذا الظلم فلما كان في اليوم الثاني قتل ذلك الرجل ومعه اربعة لا يدري ذنبهم وذهبوا كيوم مضى
واستهل شهر رجب الفرج سنة
والطلب والنهب والهدم مستمر ومتزايد وأبرزوا أوامر ايضا بتقرير مليون على الصنائع والحرف يقومون بدفعه في كل سنة قدره مائة الف وستة وثمانون ألف ريال فرانسة ويكون الدفع على ثلاث مرات كل أربعة أشهر يدفع من المقرر الثلث وهو اثنان وستون ألف فرانسة فدهى الناس وتحيرت افكارهم واختلطت اذهانهم وزادت وساوسهم واشيع ان يعقوب القبطي تكفل بقبض ذلك من المسلمين ويقلد في ذلك شكر الله واضرابه من شيطاين اقباط النصارى واختلفت الروايات فقيل ان قصده ان يجعلها على العقار والدور وقيل بل قصده توزيعها بحسب الفردة وذلك عشرها لان الفردة كانت عشرة ملايين فالذي دفع عشرة يقوم بدفع واحد على الدوام ولاستمرار ثم قيدوا لذلك رجلا فرنساويا يقال له دناويل وسموه مدبر الحرف فجمع الحرف وفرض عليهم كل عشرة اربعة فمن دفع عشرة في الفردة يدفع اربعة الآن فعورض في ذلك بأن هذا غير المنقول فقال هذا باعتبار من خرج من البلد ومن لم يدخل في هذه الفردة كالمشايخ والفارين فان الذي جعل عليهم أضيف على من بقي فاجتمع التجاروتشاورا فيما بينهم في شأن ذلك فرأوا ان هذا شيء لا طاقة للناس به من وجوه الاول وقف الحال وكساد البضائع وانقطاع الاسفار وقلت ذات اليد وذهاب البقية التي كانت في ايدي الناس في الفرد والدواهي المتتابعة الثاني ان الموكلين بالفردة السابقة وزعوا على التجار والمتسببين وكل من كان له اسم في الدفتر من مدة سنين ثم ذهب ما في يده وافتقر حاله وخلا حانوته وكيسه فالزموه بشقص من ذلك وكلفوه به وكتب اسمه في دفتر الدافعين ويلزمه ما يلزمهم وليس ذلك في الامكان الثالث أن الحرفة التي دفعت مثلا ثلاثين الفا يلزمها ثلاثة آلاف في السنة على الرأي الاول وعلى الثاني اثنا عشر الفا وقد قل عددهم وغلقت اكثر حوانيتهم لفقرهم وهجاجهم وخصوصا اذا ألزموا بذلك المليون فيفر الباقي ويبقى من لا يمكنه الفرار ولا قدرة للبعض بما يلزم الكل
وفيه أمر الوكيل بتحرير قائمة تتضمن اسماء الذين تقلدوا قضاء البلاد من طرف القاضي والذين لم يتقلدوا وأخبر أن السر في ذلك أن مناصب الاحكام الشرعية استقر النظر فيها له وانه لا بد من استئناف ولايات القضاة حتى قاضي مصر بالقرعة من ابتداء سنة الفرنساوية ويكتب لمن تطلع له القرعة تقليد من سارى عسكر الكبير فكتبت له القائمة كما أشار
وفي رابعه قتل جماعة بالرميلة وغيرها ونودى عليهم هذا جزاء من يتداخل في الفرنسيس والعثملي
وفي سادسه عملت القرعة على طهابل زاد تكرارها ثلاث مرات لقاضي مصر واستقرت للعريشي على ما هو عليه وخرج له التقليد بعد مدة طويلة
وفي ثامنه قتل غلام وجارية بباب الشعرية ونودي عليهما هذا جزاء من خان وغش وسعى بالفساد فيقال انهما كانا يخدمان فرنساويا فدسا له سما وقتلاه
وفي تاسعه حضر جماعة من الوجاقلية الى الديوان وهم يوسف باشا جاويش ومحمد اغا سليم كاتب الجاويشية وعلي أغا يحيى باشجاويش الجراكسة ومصطفى اغا ابطال ومصطفى كتخدا الرزاز وذكروا انهم كانوا تعهدوا بباقي الفردة المطلوبة من الملتزمين وقدرها خمسة وعشرين ألف ريال وقد استدانوا لذلك قدرا من البن بخمسة وثلاثين ألف ريال فرانسة ليوفوا ما عليهم من الديوان وانهم أرسلوا الى حصصهم يطالبون الفلاحين بماعليهم من الخراج فامتنع الفلاحون من الدفع وأخبروا ان الفرنساوية خرجوا عليهم ومنعوهم من دفع المال للملتزمين فكتب لهم عرض حال في شأن ذلك وارسل الى سارى عسكر ولم يرجع جوابه
وفي رابع عشره صنع الجرنال بليار المعروف بقائم مقام عزومة لمشايخ
الدويان والوجاقلية وأعيان التجار وأكابر نصارى القبط والشوام ومد لهم اسمطة حافلة وتعشوا عنده ثم ذهبوا الى بيوتهم
وفي ثاني عشرينه طيف بأمرأتين في شوارع مصر بين يدي الحاكم ينادى عليهما هذا جزاء من يبيع الاحرار وذلك انهما باعتا امراة لبعض نصارى الاروام بتسعة ريالات
وفيه طلب الخواجة الفرنسيسي المعروف بموسى كافو من الوجاقلية بقية الفردة المتقدم ذكرها فأجابوا بأن سبب عجزهم عن غلاقها توقف الفلاحين عن دفع المال بأمر الفرنساوية وعدم تحصيلهم المال من بلادهم ثم احيلوا بعد كلام طويل على استيفاء الخازندار لان ذلك من وظائفه لا من وظائف الديوان
وفي سابع عشرنيه حضر الوجاقلية ومعهم بعض الاعيان وحريمات ملتزمان يستغيثون بأرباب الديوان ويقولون انه بلغنا ان جمهور الفرنساوية يريدون وضع أيديهم على جميع الالتزام المفروج عنه الذي دفعوا حلوانه ومغارمه ولا يرفع أيدي الملتزمين عن التصرف في الالتزام جملة كافيةوقد كان قبل ذلك أنهى الملتزمون الذين لم يفرجوا لهم عن حصصهم اما لفرارهم وعودهم بالامان واما لقصر أيديهم عن الحلوان واما لشراقي بلادهم واما لانتظارهم الفرج وعود العثمانيين فيتكرر عليهم لحلوان والمغارم فلما طال المطال وضاق حال الناس عرضوا أمرهم وطلبوا من مراحم الفرنساوية الافراج عن بعض ما كان بأيديهم ليتعيشوا به ووقع في ذلك بحث طويل ومناقشات يطول شرحها ثم ما كفى حتى بلغهم أن القصد نزع المفروج عنه ايضا ونزع ايدي المسلمين بالكلية وانه يستشفعون بأهل الديوان عند سارى عسكر بان يبقى عليهم التزامهم يتعيشون به ويقضون ديونهم التي استدانوها في الحلوان ومغارم الفردة فقال فوريه الوكيل هل بلغكم ذلك من طريق صحيح فقالوا نعم بلغنا من بعض الفرنساوية وقال الشيخ خليل البكري وانا سمعته من الخازندار وقال
الشيخ المهدي مثل ذلك وانهم يريدون تعويضهم من أطيان الجمهور فقال الملتزمون ان بيدنا الفرمانات والتمسكات من سلفكم بونابارته ومن السلاطين السابقين ونوابهم وقائمون بدفع الخراج وانهم ورثوا ذلك عن آبائهم وأسلافهم وأسيادهم واذا اخذ منهم الالتزام اضطروا الى الخروج من البلد والهجاج وخراب دورهم ويصبحون صعاليك ولا يأتمنهم الناس وطالب البحث في ذلك والوكيل مع هذا كله ينكر وقوع ذلك مرة ويناقش اخرى الى أن انتهى الكلام بقوله له ان هذا الكلام في هذا وأمثاله ليس من وظيفتي فإني حاكم سياسة الشريعة لا مدبر أمر البلاد نعم من وظيفتي المعاونة والنصح فقط
وفي خامس عشرينه اتفق ان جماعة من أولاد البلد خرجوا الى النزهة جهة الشيخ قمر ومعهم جماعة الآتية يغنون ويضحكون فنزل اليهم جماعة من العسكر الفرنساوية المقيمين بالقلعة خارج الحسينية وقبضوا عليهم وحبسوهم وأرسلوا شخصا منهم الى شيخ البلد بليار وأخبروه بمكانهم ليستفسر عن شأنهم فلقيه ثم رده الى القلعة الظاهرية تانيا فبات عند اصحابه ثم طلبهم في ثاني يوم فذهبوا وصحبتهم جماعة من العسكر بالبندق تحرسهم فقابلوه ومن عليهم بالاطلاق وذهبوا الى منازلهم
وفيه منعوا الاغا والوالي والمحتسب من عوائدهم على الحرف والمتسببين فانها اندرجت في أقلام العشور ورتبوا لهم جامكية من صندوق الجمهور يقبضونها في كل شهر
واستهل شهر شعبان سنة
فيه أجيب الملتزمون بابقاء التزامهم عليهم وأنكروا ما قيل في رفع أيديهم وعوتب من صدق هذه الاكذوبة وان كانت صدرت من الخازندار فانما كانت على سبيل الهزل او يكون التحريف من الترجمان أو الناقلوفيه حضر التجار الى الديوان وذكروا أمر المليون وان قصدهم أن يجعلوه موزعا على الرؤوس ولا يمكن غير ذلك وطال الكلام والبحث
شأن ذلك ثم انحط الامر على تفويض ذلك لرأي عقلاء المسلمين وانهم يجتمعون ويدبرون ويعملون رأيهم في ذلك بشرط أن لا يتداخل معهم في هذا الامر نصراني أو قبطي وهم الضامنون لتحصيله بشرط عدم الظلم وأن لا يجعلوا على النساء ولا الصبيان ولا الفقهاء ولا الخدامين شيئا وكذلك الفقراء ويراعي في ذلك حال الناس وقدرتهم وصناعتهم ومكاسبهم ثم قالوا نرجو ان تضيفوا الينا بولاق ومصر القديمة فلم يجابوا الى ذلك لكونهم جعلوهما مستقلين وقرروا عليهما قدرا آخر خلاف الذي قرروه على مصر
وفيه لخصوا عرضا ولطفوا فيه العبارة لسارى عسكر فأجيبوا الى طلبهم ما عدا بولاق ومصر القديمة وأخرجوا من أرباب الحرف الصيارفة والكيالين والقبانية وجعلوا عليهم بمفردهم ستين الف ريال خلاف ما يأتي عليهم من المليون ايضا يقومون بدفعها في كل سنة والسر في تخصيص الثلاث حرف المذكورة دون غيرها أن صناعتهم من غير رأس مال
وفيه افدروا ديوانا لذلك ببيت داود كاشف خلف جامع الغورية وتقيد لذلك السيد احمد الزرو وأحمد بن محمود محرم وابراهيم أفندي كاتب البهار وطائفة من الكتبة وشرعوا في تحرير دفاتر باسماء الناس وصناعاتهم وجعلوها طبقات فيقولون فلان من نمرة عشرة أو خمسة أو ثلاثة او اثنين أو واحد ومشوا على هذا الاصطلاح
وفيه أبطلوا عشور الحرير الذي يتوجه من دمياط الى المحلة الكبرى
وفيه أرسل سارى عسكر يسأل المشايخ عن الذين يدورون في الاسواق ويكشفون عوراتهم ويصيحون ويصرخون ويدعون الولاية وتعتقدهم العامة ولا يصلون صلاة المسلمين ولا يصومون هذا جائز عندكم في دينكم أو هو محرم فأجابوه بأن ذلك حرام ومخالف لديننا وشرعنا وسنتنا فشكرهم على ذلك وأمر الحكام بمنعهم والقبض على من يرونه كذلك فان كان مجنونا ربط بالمارستان أو غير مجنون فإما أن يرجع عن حالته
وفيه أرسل رئيس الاطباء الفرنساوي نسخا من رسالة ألفها في علاج الجدري لارباب الديوان لكل واحد نسخة على سبيل المحبة والهدية ليتناقلها الناس ويستعملوا ما اشار اليه فيها من العلاجات لهذا الداء العضال فقبلوا منه ذلك وأرسلوا له جوابا شكر له على ذلك وهي رسالة لا بأس بها في بابها
وفي حادي عشره وجدت امرأة مقتولة بغيط عمر كاشف بالقرب من قناطر السباع فتوجه بسبب الكشف عليها رسول القاضي والاغا وأخذوا الغيطانية وحبسوهم وكان بصحبتهم ايضا القبطان الحاكم بالخط ولم يظهر القاتل ثم أطلقوا الغيطانية بعد أيام
وفيه كمل المكان الذي أنشؤوه بالازبكية عند المكان المعروف بباب الهواء وهو المسمى في لغتهم بالكمرى وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل عشر ليال ليلة واحدة يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل وذلك بلغتهم ولا يدخل أحد اليه الا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة
وفي سادس عشرة ذكروا في الديوان أن سارى عسكر امر وكيل الديوان ان يذكر لمشايخ الديوان ان قصده ضبط واحصاء من يموت ومن يولد من المسلمين وأخبرهم ان سارى عسكر بونابارته كان في عزمه ذلك وان يقيد له من يتصدى لذلك ويرتبه ويدبره ويعمل له جامكية وافرة فلم يتم مرامه والان يريد تتميم ذلك ويطلب منهم التدبير في ذلك وكيف يكون وذكر لهم ان في ذلك حكما وفوائد منها ضبط الانساب ومعرفة الاعمار فقال بعض الحاضرين وفيه معرفة انقضاء عدة الازواج ايضا ثم اتفق الرأي على ان يعلموا بذلك قلقات الحارات واخطاط وهم يقيدون على مشايخ الحارات والاخطاط بالتفحص عن ذلك من خدمة الموتى والمغسلين والنساء القوابل وما في معنى ذلك ثم ذكر الوكيل ان سارى عسكر ولد له مولود
فينبغي أن تكتبوا له تهنئة بذلك المولود الذي ولد له من المرأة المسلمة الرشيدية وجوابا عن هذا الرأي فكتبوا ذلك في ورقة كبيرة وأوصلها اليه الوكيل فوريه
وفي غايته سقطت منارة جامع قوصون سقط نصفها الاعلى فهدم جانبا من بوائك الجامع ونصفها الاسفل مال على الاماكن المقابلة له بعطفة الدرب النافذ لدرب الاغوات وبقي مسندا كذلك قطعة واحدة الى يومنا هذا واظن ان سقوطها من فعل الفرنسيس بالبارود
واستهل شهر رمضان سنة
ثبت هلاله ليلة الجمعة وعملت الرؤية وركب المحتسب ومشايخ الحرف بالطبول والزمور عل العادة وأطلقوا له خمسين ألف درهم لذلك نظير عوائده التي كان يصرفها في لوازم الركبةوفي خامسه وقع السؤال والفحص عن كسوة الكعبة التي كانت صنعت على يد مصطفى أغا كتخدا الباشا وكملت بمباسرة حضرة صاحبنا العمدة الفاضل الاريب الاديب الناظم الناثر السيد اسمعيل الشهير بالخشاب ووضعت في مكانها المعتاد بالمسجد الحسيني وأهمل امرها الى حد تاريخه وربما تلف بعضها من رطوبة المكان وخرير السقف من المطر فقال الوكيل ان سارى عسكر قصده التوجه بصحبتكم يوم الخميس قبل الظهر بنصف ساعة الى المسجد الحسيني ويكشف عنها فان وجد بها خللا أصلعه ثم يعيدها كما كانت وبعد ذلك يشرع في ارسالها الى مكانها بمكة وتكسى بها الكعبة على اسم المشيخة الفرنساوية فقالوا له شأنكم وما تريدون وقرىء في المجلس فرمان بمضمون ذلك
وفي ذلك اليوم قرىء فرمان مضمونه انه وردت مكاتبات من فرانسا بوقوع الصلح بينهم وبين أهل الجزائر وتونس بشروط ممضاة مرضية وقد أطلقوا الأذن للتجار من اهل الجهتين بالسفر للتجارة فمن سافر له الحماية والصيانة في ذهابه وايابه وقامته باسم دولة الجمهور الفرنساوية
الى آخره ولم يظهر لذلك أثر
وفيه قرىء تقليد الشيخ احمد العريشي بقضاء مصر ووصل ايضا تقليد القضاء بدمياط لاحمد أفندي عبد القادر وأبيار للعلامة الشيخ رضوان نجا ومحلة مرحوم للشيخ عبد الرحمن طاهر الرشيدي وذلك على موجب القرعة السابقة من مدة شهرين أو اكثر وقرى ذلك بالديوان ولم يحصل بعد ذلك غيرهم فلما كان صبح ذلك اليوم أرسل شيخ البلد بليار الى العريشي ومشايخ الديوان والوجاقلية فلما تكاملوا خلع على القاضي العريشي فروة سمور بولايته القضاء وركب بصحبته الجميع وجملة من العساكر الفرناسوية وشيخ البلد بجانبه ومشوا من وسط المدينة الى أن وصلوا المحكمة بين القصرين فجلسوا ساعة من النهار وقرىء تقليده بحضرة الجميع ووكيل الديوان فوريه ثم رجعوا الى منازلهم
وفي يوم الخميس الموعود بذكره توجه الوكيل ومشايخ الديوان الى المشهد الحسيني لانتظار حضور سارى عسكر الفرنسيس بسبب الكشف على الكسوة وازدحم الناس زيادة على عاتهم في الازدحام في رمضان فلما حضر ونزل عن فرسه عند الباب وأراد العبور للمسجد رأى ذلك الازدحام فهاب الدخول وخاف من العبور وسأل ممن معه عن سبب هذا الازدحام فقالوا له هذه عادة الناس في نهار رمضان يزدحمون دائما على هذه الصورة في المسجد ولو حصل منكم تنبيه كنا أخرجناهم قبل حضوركم فركب فرسه ثانيا وكر راجعا وقال نأتي في يوم آخر وانصرف حيث جاء وانصرفوا
وفي ليلة السبت تاسعه حصلت كائنة سيدي محمود وأخيه سيدي محمد المعروف بابي دفية وذلك ان سيدي محمود المذكور كان بينه وبين علي باشا الطرابلسي صداقة ومحبة ايام اقامته بالجيزة وحج صحبته في سنة تسع ومائتين وألف فلما وقعت حادثة الفرنساوية وخرج علي باشا
المذكور مع من خرج الى الشام ووردت العساكر العثمانية صحبة يوسف باشا الوزير في العام الماضي وصحبته علي باشا المذكور وله به مزيد الوصلة والعناية والمرجع في المشورة لخبرته بالاقطار المصرية ومعرفته أهالي البلاد استشاره في شخص يعرفه يكون عينا بمصر ليراسله ويطالعه بالاخبار فأشار عليه بمحمود افندي المذكور فكانوا يراسلونه ويطالعهم بالاخبار سرا فلما قدموا الى مصر في السنة الماضية وجرى ما جرى من نقض الصلح ورجوع الوزير ولم يزل سيدي محمود تأتيه المراسلات بواسطة السيد احمد المحروقي ايضا ولان علي باشا ارتحل الى الديار الرومية فيطالعهم كذلك بالاخبار مع شدة الحذر خوفا من سطوة الفرنساوية وتجسس عيونهم المقيدة لذلك فكان يذهب القاصد ويرد له الجواب فلما كان في التاريخ ورد عليه رسول ومعه جواب وأربعة أوراق مكتوبة باللغة الفرنساوية وفيها الامر بتوزيعها ووضعها في أماكن معينة حيث سكن الفرنساوية فوزع اثنين وقصد وضع الثالثة في موضع جمعيتهم فلم يمكنه ذلك الا ليلا فأعطاها خادمة وأمره أن يشكها بمسمار في حائط ذلك المكان وهو بالقرب من الحمام المعروف بحمام الكلاب ففعل وتلكأ في الذهاب فأطلع عليه بعض الفرنسيس من أعلى الدار فنزل اليه وأخذ الورقة وقبضوا على ذلك الخادم وصادف ذلك مرور حسن القلق وهو يتوقع نكتة تكون له بها الوجاهة عند الفرنساوية فأغتنم هذه الفرصة وقبض على الخادم مع الفرنساوية وسيده ينظر اليه من بعيد وعلم انه وقع في خطب لا ينجيه منه الا الفرار فرفع الى داره وتناجى مع أخيه وأستشاره فيما وقع فيه وكيف يكون العمل فأشار عليه بالاختفاء ويستمر أخوه بالمنزل مستهدفا للقضاء وليكون وقاية على منزله وعرضه وليس هو مقصودا بالذات فكان كذلك وتغيب سيدي محمود وأصبح الطلب قاصده فلما لم يجده قبضوا على أخيه سيدي محمد أفندي ومن كان معه بالبيت وهو الشيخ خليل المنير وقرابته اسمعيل حلبي ونسيبه البرنوسي والسقاء وشيخ
حارتهم وحبسوهم ببيت قائممقام وهم سبعة أنفار بالخادم المقبوض عليه اولا واوقفوا حرسا بدراهم واجتهدوا في الفحص عن سيدي محمود وتكرار السؤال عليه من أخيه ورفقائه اياما فلما لم يقفوا له على خبر أحاطوا بالدار ونهبوا ما فيها وصحبتهم الخادم يدلهم على المتاع والمخبأت ثم أصعدوهم الى القلعة وضيقوا عليهم وأرسلوا خلف الشواربي شيخ قليوب ومن كان ينتقل عندهم وألزموهم بأحضاره فانكروه وجحدوه ثم أطلقوا خادمه بعد أن أعطوه خمسين ريالا فرانسة وجعلوا له ألفان إن دلهم عليه وقيدوا به عينا يتبعه أينما توجه فأستمر أياما يغدو ويروح في مظناته لم يقع له على خبر فردوه الى السجن ثانيا عند أصحابه ولم يزالوا حتى فرج الله عنهم وأما المطلوب فوقع له مزيد المشقة في مدة اختفائه وتبرأ منه غالب أصحابه ومعارفه من العربان وغيرهم وتنكروا منه ولم يزل حتى استقر عند شيخ العرب موسى أبي حلاوة وأولاده بناحية أمييه بالقليوبية باطلاع الشواربي فأكرموه وواسوه وأخفوا أمره ولم يزل مقيما عندهم في غاية الاكرام حتى فرج الله عنه
ولما كان يوم الخميس رابع عشره تقيد للحضور بسبب الكشف على الكسوة استوفو خازندار الجمهور وفوريه وكيل الديوان فحضر صحبتهم المشايخ والقاضي والاغا والوالي والمحتسب بعدما أخلى المسجد من الناس وأحضروا خدامين الكسوة الاقدمين وحلوارباطاتها وكشفوا عليها فوجدوا بها بعض خلل فأمروا بإصلاحه ورسموا لذلك ثلاثة آلاف فضة وكذلك رسموا للخدمة الذين يخدمونها ألف نصف فضة ولخدمة الضريح ألف نصف ثم ركبوا الى منازلهم ثم طويت ووضعت في مكانها بعد اصلاحها
وفي رابع عشرينه ضربت مدافع كثيرة بسبب ورود مركبين عظيمين من فرانسا فيهما عساكر وآلات حرب واخبار بأن بونابارته أغار على بلاد النيمسا وحاربهم وحاصرهم وضايقهم وانهم نزلوا على حكمه وبقى الامر بينهم وبينه على شروط الصلح وانه استغنى عن هذه الاشياء المرسلة
وسيأتي في أثرهم مركبان آخران فيهما أخبار تمام الصلح ويستدل بذلك على أن مملكة مصر صارت في حكم الفرنسيس لا يشركهم غيرهم فيها هكذا قالوا في ورقة بالديوان
واستهل شهر شوال سنة
فيه بدا أمر الطاعون فانزعج الفرنساوية من ذلك وجردوا مجالسهم من الفرش وكنسوها وغسلوها وشرعوا في عمل كرنتينات ومحافظاتوفي ثامنه قال وكيل الديوان للمشايخ ان حضرة سارى عسكر بعث الى كتابا معناه ايضاح ما يتعلق بأمر الكرنتينه ويرى رأيكم في ذلك وهل توافقون على رأي الفرنساوي أم تخالفون فقالوا حتى تنظر ما هو المقصود فقال حضرة أرباب الديوان يجب عليهم أن يعملوا الطريق الذي يكون سببا لانقطاع هذه العلة فاننا نبغي لهم ولغيرهم الخير فإن أجابوا فذاك والا فليزموا ولو قهرا وربما استعملنا القصاص ولو بالموت عند المخالفة ومن الذي يتغافل عما يكون سببا لقطع هذا الداء فان رأينا قدانعقد على ذلك ويجب أن يتفق معنا أرباب الديوان لان حفظ الصحة واجب ولذا نرى كثيرا من الناس ولا سيما المتشرعون يستعمل الطبيب عند المرض وغايته حفظ الصحة وما نحن فيه من ذلك ونذكر لكم أن بلاد الغرب قد اعتمدوا فعل الكرنتينة الآن فعلماء القاهرة أولى بأن لا يتأخروا عن استعمال الوسائط اذ قد ربطت الاسباب بالمسببات فقيل له وما الذي تأمرون به أن يفعل فقال هو الحذر لا غير وهو الغاية والنتيجة وهو انه اذا دخل الطاعون بيتا الا يدخل فيه أحد ولا يخرج منه أحد مع ما يترتب على ذلك من القوانين المختصة به وخدمة المريض وعلاجه وسيوضح لكم ذلك فيما بعد يعني أن تذعنوا للطاعة وعدم المخالفة وظل البحث والمناقشة في ذلك بين أرباب الديوان والوكيل وانفض المجلس على ان الوكيل سيفاوض سارى عسكر في ذلك ثم يدبرون أمرا وطريقة يكون فيها الراحة للناس البلدية والفرنساوية فان ذلك فيه مشقة على أهل البلد لعدم الفتهم
لهذه الامور
وفي ثالث عشرة ضربت عدة مدافع من القلاع لا يدري سببها
وفي رابع عشر قرىء فرمان من سارى عسكر بالديوان وألصقت منه نسخ في مفارق الطرق والاسواق
ونصه بعد البسملة والحمدلة من عبد الله جاك منوسر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى كامل الاهالي كبير وصغير غني وفقير المقيمين حالا بمحروسة مصر وبملكة مصر الناس الذين هم من الاشقياء والمفسدين ولا يفتشون الا على الاضرار بالناس واضراركم يظهرون في وسط المدينة بينكم أخبارا رديئة تزويرا لتخويفكم وتخويف المملكةوكل ذلك كذب وافتراء فانما نحن نخبركم جميعا ان كلا من الاهالي المذكورة من أي طائفة وملة كان الذي يثبت عليه بالاشها أو النشر من نفسه بينكم تلك الاخبار الرديئة المكذوبة تخويفا لكم واضلالا بالناس ففي الحال ذلك الرجل يمسك وترمى رقبته بوسط واحدة طرق مصر ويا أهالي مصر انتبهوا وتذكروا هذه الكلمات وكونوا مسترحين البال ومترفهين الحال انما دولة الجمهور الفرنساوي حاضرة لحمايتكم وصيانتكم ولكن ناظر كذلك الى تعذيب العصاة والسلام على من اتبع الهدى والصدق والاستقامة تحرير في شهر وافتور سنة تسع الموافق لحادي عشر شهر شوال انتهى
فعلم الناس من ذلك الفرمان ورودشىء وحصول شيء على حد كاد المرتاب أن يقول خذني وليس للناس ذكر ولا فكر الا في بواقي الفردة وما لزمهم في المليون ولا شغل لكل فرد الا بتحصيل ما فرض عليه ولعل ذلك بسبب الاوراق الواصلة على يد سيدي محمود أبي دفية باللغة الفرنساوية التي تقدم ذكرها واشتهر ايضا أنه وردت عليهم أخبار بوصول مراكب انكليز جهة أبي قير وفي ذلك المجلس سئل الوكيل عن ضرب المدافع لاي شيء فقال لابد وان أحيط علمكم ببعض ذلك في هذا المجلس وهو ان
الفرنساوية كانت تحارب القرانات والآن وقع صلح بينهم وبين القرانات ما عدا الانكليز فإنه الآن مضيق عليه وربما كان ذلك سببا لرضاه بالدخول في الصلح وقد خرج من فرانسا عمارة ربما توجهت على الهند وربما أنهم يقدمون الى مصر وقد وصل لسارى عسكر أمر من المشيخة بوصول مراكب الموسقو التي تحمل الذخائر الى الفرنساوية وأن يمكنهم من دخول اسكندرية وقد خرج سنة غلايين من فرانسا الى بحر الهند فربما قدموا بعد ذلك الى جهة السويس وبورود هذه الاخبار تعين خلوص مصر الى جمهور الفرنساوية وفي سالف الزمان كانت جميع القرانات التي بالجهة الشمالية ضدا للفرنساوية وقد زالت الان هذه الضدية ومتى انقضى أمر الحرب عمت الرحمة والرأفة والنظر بالملاطفة للرعية والذي أوجب الاغتصاب والعسف انما هو الحرب ولو دامت المسالمة لما وقع شيء من هذا فقال بعض أهل الديوان سنة الملوك العفو والصفح وما مضى لابعاد فارحموا واعفوا عما سلف فقال الوكيل قد وقع الامتحان ولم يبق الا السلم والمسامحة
وفيه قبضوا على القلق المعروف بعمر أغا وهو أغات المغاربة المرتبة عندهم عسكرا وعلى شخصين آخرين يدعى أحدهما علي جلبي والاخر مصطفى جلبي وسجنا بالقلعة وسبب ذلك انه حضر الى مصطفى جلبي مكتوب من نسبيه بجهة الشام يطلب منه بعض حوائج فقرىء ذلك المكتوب بحضرة عمر القلق ورفيقه الاخر فوشي بهم رجل قواس فقبضوا على الجميع وكان مصطفى جلبي المذكور سكن ببيته محمد افندي ثاني قلفة فدخلوا يفتشون عليه في الدار فلم يجدوه فالزموا به محمد أفندي المذكور وأزعجوه وأحاط به عدة من العسكر ولم يمكنوه من القيام من مجلسه ولا من اجتماعه بأحد وبعد ان وجدوا ذلك الانسان لم يفرجوا عن محمد أفندي بل استمر معهم في الترسيم ووجدوا مكانا بالدار به أسلحة وأمتعة فنهبوه وانتهبت الدار والحارة وحصل عندهم غاية الكرب والمشقة حتى ان بعض جيران ذلك المحل كبر عنده الخوف وغلب عليه الوهم فمات
فجأة رحمه الله ثم فرج الله عن محمد افندي بعد ثلاثة ايام وأطلق عمر القلق لظهور براءته ولم يكن له جرم غير العلم والسكوت وانتقل محمد افندي من تلك الدار وما صدق بخلاصة مها وبقي علي جلبي ومصطفى جلبي في الحبس وفي سابع عشره استفيضت الاخبار بوصول مراكب الى أبي قير كما تقدم
وفي ثامن عشره خرج جملة من العسكر الفرنساوية وسافروا الى الجهة البحرية برا وبحرا
وفي عشرينه اجتمع اهل الديوان فيه على العادة فبدأ الوكيل يقول انه كان يظن انه يكون حرب ولكن وردت اخبار ان المراكب التي حضرت الى اسكندرية وهي نحو مائة وعشرين مركبا قد رجعت فقيل له وما هذه المراكب فقال مراكب فيها طائفة من الانكليز وصحبتهم جماعة من الاروام ليس فيها مراكب كبار الا قليل جدا وباقيها صغار تحمل الذخيرة ثم قال ان حضرة سارى عسكر قد كان وجه اليكم فرمانا في شأن ذلك قبل أن يتبين الأمر وهو وان كان قد فات موضعه من حيث انه كان يظن ان هناك حرب ولكن من حيث كونه قد برز الى الوجود فينبغي أن يتلى على مسامعكم ثم أمر رفائيل الترجمان بقراءته ونصه من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى جميع الكبير والصغير الاغنياء والفقراء المشايخ والعلماء وجميعهم الذين يتبعون الدين الحق والحاصل لجميع اهالي بر مصر سلمهم الله بمقام السر عسكر الكبير بمصر في أربعة عشر شهر ونتور سنة تسع من قيام الجمهور الفرنساوية واحد ولا ينقسم ثم كتب تحت ذلك البسملة ولفظ الجلالة وتحته ان الله هو هادي الجنود ويعطي النصرة لمن يشاء والسيف الصقيل في يد ملاكه يسابق دائما الفرنساوية ويضمحل أعداؤهم ان الانكليزية الذين يظلمون كل جنس للشرفي كل المواضع فهم ظهروا في السواحل وأن كانوا يتجرؤا يضعوا أرجلهم في البر فيرتدوا في
الحال على اعقابهم في البحر والعثمانيين متحركين كهؤلاء الانكليزية يعلمون ايضا بعض حركات فان كان يقدموا ففي الحال يرتدوا وينقلعوا في غبار وعفار البادية فأنتم يا أهالي مملكة ومحروسة مصراني أنا أخبركم ان كان تسلكوا في طريق الخائفين الله وتبقوا مستريحين في بيوتكم ومقيمين كما كنتم في أشغالكم وأغراضكم فحينئذ لا خوف عليكم ولكن ان كان واحد منكم يسلك للفساد واضلالكم بالعداوة ضد دولة الجمهور الفرنساوي فأقسمت بالله العظيم وبرسوله الكريم ان رأس ذلك المفسد ترمي تلك الساعة فتذكروا في كل المواقع حين محاصرة مصر الاخيرة وجرى دماء آبائكم ونسائكم وأولادكم في كل مملكة مصر وخصوصا محروسة مصر وخواصكم انتهبوا تحت الغارات وطرحوا علكيم فردة قوية غير المعتاد فأدخلوا في عقولكم واذهانكم كل ما قلت لكم الآن والسلام على كل من هو في طريق الخير فالويل ثم الويل على كل من يبعد من طريق الخير ممضي خالص الفؤاد عبد الله جاك منو
وفي ذلك اليوم عملوا شنكا وضربوا عدة مدافع من القلاع فارتاع الناس لذلك واضطربوا شديدا فسئل من الفرنسيس فأخبروا ان ذلك سرور بقدوم مركبين من فرانسة الى اسكندرية
وفي ذلك اليوم ايضا وقع بمجلس الديوان بين الوكيل والمشايخ مفاوضة ومناقشة وذلك أنه لما أشيع خبر ورود المراكب الى أبي قير شحت الغلال وارتفعت من الرقع على العادة وزادت أثمانها فتفاوضوا في شأن ذلك وأنه لا بد من الاعتناء من الحكام وزجر الباعة وطواف المحتسب وشيخ البلد على الرقع والسواحل ولما قرىء الفرمان المذكور قال بعض الحاضرين العقلاء لا يسعون في الفساد واذا تحركت فتنة لزموا بيوتهم فقال الوكيل ينبغي للعقلاء ولامثالكم نصيحة المفسدين فان البلاء يعم المفسد وغيره فقال بعضهم هذا ليس بجيد بل العقاب لا يكون الا على المذنب قال تعالى كل نفس بما كسبت رهينة وقال آخر من أهل المجلس
ولا تزروا وزرة وزر أخرى فقال الوكيل المفسدون فيما وقدم هاجوا الفتنة فعمت العقوبة والمدافع والبنبات لا عقل لها حتى تمير بين المفسد والمصلح فانه لا تقرأ القرآن وقال اخر المخلص نيته تخلصه فقال الوكيل ان المصلح من يشمل صلاحه الرعية فإن صلاحه في حد ذاته يخصه فقط والثاني أكثر نفعا وطال البحث والمناقشة في نحو ذلك فلما كان عصر ذلك اليوم ورد فرمان من سارى عسكر الى وكيل الديوان فأرسل خلف الشيخ اسمعيل الزرقاني فاستدعاه وسلمه اليه وأمره أن يطوف به على مشايخ الديوان في بيوتهم فيقرؤه وهو مبنى على جواب المناقشة المذكورة وصورته بعد البسملة والجلالة من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى كافة المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله تعالى فضائلهم وألهمهم الحكمة الواجبة لاجراء فرائضهم نرسل لحضراتكم يا مشايخ ويا علماء الكرام نداء جديد خطابا الى جميع أهالي مملكة مصر وخصوصا أهل محروسة مصر ولا شبهة لي في تقييدكم لتنبيههم بكل ما هو محرر فيها وغير ذلك تذكروا ان هذا التنبيه هو غرضكم انما حضراتكم ههنا رجال دولة الجمهور الفرنساوي فيبقى في عقولكم وأذهانكم كل وما وقع حين قصاص مصر الاخيرة تفهموا بناء على ذلك كيف هو واجب الى أمنيتكم وراحتكم ضبط الخلائق لانه ان كان يصير أصغر الحركات فلا بدا ثقلها يقع على رؤسكم وغير ذلك ورد لنا في الحال اخبار من فرانسا انه كملت المصالحة مع امبراطور النيمسا وان قيصر الروسيا بيزو أقام المحاربة ضد دولة العثمانية والسلام
ولما أصبح ثاني يوم اجتمع المشايخ ببيت الشيخ عبد الله الشرقاوي وحضر الاغا والوالي والمحتسب وأحضروا مشايخ الحارات وكبراء الاخطاط ونصحوهم وأنذروهم وأمروهم بضبط من دونهم وأن لا يغفلوا أمر عامتهم وحذروهم وخوفوهم العاقبة وما يترتب على قيام المفسدين وجهل
الجاهلين وانهم هم المأخوذون بذلك كما أن من فوقهم مأخوذ عنهم فالعاقل يشتغل بما يعنيه على انه لم يبق في الناس الا رسوم هافتة وانفصلوا على ذلك هذا وديوان المليون يعملون فيه بالجد والاجتهاد وبث المعينين من القواسة والفرنساوية في المطالبة بالثلث والكسرة الباقية من الفردة والتشديد في أمر الكرنتينة وازعاج الناس من ذلك وخوفهم من حصول الطاعون وأشاعوا فيما بينهم أن من أصابه هذا الداء في مكان كشفوا عليه فان كان مريضا بذلك الداء أخذوا ذلك المصاب الى الكرنتينة عندهم وانقطع خبره عن أهله الا أن كان له أجل باق ويشفى من ذلك ويعود اليهم صحيحا والا فلا يراه أهله بعد ذلك أصلا ولا يدري خبره لانه اذا مات أخذه الموكلون بالكرنتينة ودفنوه بثيابه في حفرة وردموا عليه التراب وأما داره فلا يدخلها أحد ولا يخرج منها مدة أربعة أيام ويحرقون ثيابه التي تختص به ويقف على بابه حرس فان مر احد ولمس الباب أو الحد المحدود قبضوا عليه وأدخلوه الدار وكرتنوه وان مات الشخص في بيته وظهر انه مطعون جمعوا ثيابه وفرشه وأحرقوها وغسله الغاسل وحمله الحمالون لا غير وأخرجوه من غير مشهد وامامه ناس تمنع المارين من التقرب منه فان قرب منه أحد كرتنوه في الحال وبعد دفنه يكرتنون على كل من باشره بغسل أو حمل أو دفن فلا يخرجون الا لخدمة أخرىمثلها بشري لامساس فهال الناس هذا الفعل واستبشعوه وأخذوا في الهرب والخروج من مصر الى الارياف لذلك والتوهم وقوع الفتنة بورود أخبار المراكب الى أبي قير وتحذر الفرنساوية واستعدادهم وتأهبهم ونقل أمتعتهم الى القلعة
وفي تاسع عشرة خرجت عساكر كثير بحمولهم وفرشهم وذهبوا الى جهة الشرق وأشيع حضور عرضي العثمانية ووصولهم الى العريش صحبة يوسف باشا الوزير
وفيه أصعدوا الشيخ السادات الى القلعة من غير أهانة
وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه قبضوا ايضا على حسن اغا المحتسب وأصعدوه الى القلعة ايضا بشخص يخدمه فحبسوه بالبرج الكبير فأما الشيخ السادات فسأل الموكل به عن ذنبه وجرمه الموجب لحبسه فقال لم يكن الا الحذر من اثارة تلك الفتن في البلد واهاجه العامة لبغضك الفرنسيس لما سبق لك منهم من الايذاء وأما المحتسب فإن الشيخ البكري والسيد احمد الزرو ذهبا الى قائمقام والى سارى عسكر وتكلما في شأنه فأجابهما بان هذا لم يكن من شغلكما وقيل للسيد احمد انك رجل تاجروذاك أمير وليس من جنسك حتى تشفع فيه فقال اننا محتاجون اليه لاجل مساعدته معنا في قبض المليون ولا نعرف له ذنبا يوجب حبسه لانه ناصح في خدمة الفرنسيس فقالا على لسان الترجمان الله يعلم ذنبه وسارى عسكر وهو ايضا يعلم ذلك من نفسه ولما سجنوه لم يقلدوا مكانه غيره فكان كتخداه يركب مع الاغا وأمامهم الميزان ونوبة الحسبة وفيه نادوا في الاسواق بالامان وعدم الانزعاج من أمر الكرنتينه وان من مات لاتحرق الا ثيابه التي على بدنه لا غير وكان أشيع في الناس ما تقدم وزادوا على ذلك حرق الدار التي يموت فيها ايضا وأن قصدهم ايضا عمل كرنتينه على البلد بتمامها فحصل من هذا المشاع في الناس كرب عظيم ووهم جسيم فنودي بذلك ليسكن روع الناس
وفي يوم الخميس سادس عشرينه ارسل كبير الفرنسيس وطلب رؤساء الديوان والتجار فحضروا الى منزله فأعلمهم أنه مسافر الى بحري وترك بمصر قائمقام بليار وجملة من العسكر والكتبة والمهندسين وأوصاهم بأن يكون نظرهم على البلد وكان في العزم حبسهم رهينة فاستشار في ذلك فاقتضى رأيهم تأخير ذلك وركب من فوره مسافرا ولم يرجع من هذه السفرة الى مصر وحضر الجماعة الى الديوان واجتمعوا بالوكيل فوريه فأخبرهم أنه حضر الى ناحية أبي قير طائفة من الانكليز وصحبتهم طائفة من المالطية وأخرى نابلطية وطلعوا الى قطعة ارض رخوة بين
سلسولين من الماء وان الفرنساوية محيطون بهم من كل جهة
وفي سابع عشرينه رجعت العساكر التي كانت توجهت الى جهة الشرق بحمولهم وأثقالهم وصحبتهم سارى عسكر الشرقية رينه فسافروا من يومهم ولحقوا بكبيرهم برا وبحرا أو أخبروا عنهم لم يزالوا سائرين حتى وصلوا الى الصالحية وأرسلوا هجانة الى العريش فلم يجدوا أحدا فكروا راجعين وأشاعوا أن الجهة الشرقية لم يأت اليها أحد مطلقا وأصل الخبر أن سارى عسكر رينه كاشف القليوبية والشرقية أخبره بعض عربان المويلح بانهم شاهدوا مراكب انكليزية ترددت بالقلزم فأرسل بخبر ذلك الى سارى عسكر منو ويقول له في ضمن ذلك ويشير عليه بأن يتوجه صحبة جانب من العسكر ويحصن نواحي الاسكندرية خوفا من ورود الانكليز تلك الناحية وان رينه يتكفل له بمن يرد الى ناحية الشرق وأكد عليه في ذلك فأجابه سارى عسكر بقوله ان الانكليز لا يأتون من هذه الناحية وانهم يأتون من ساحل الشام ويأمره بالارتحال والذهاب الى الصالحية يرابط فيها فتواني في الحركة وأرسل اليه ثانيا بمعنى الجواب الاول ويحثه على تحصين ثغور الاسكندرية وترددت بينهما المراسلات في ذلك ومضت ايام فيما بين ذلك فورد الخبر للفرنساوية بورود مراكب الانكليز وتردادها تجاه الاسكندرية ثم رجوعها فكتب سارى عسكر منو يقول لرينه انهم تراؤا ليوهموا بأن قصدهم ورود الاسكندرية ثم غابوا وانهم رجعوا ليطلعوا بناحية الطينة ويستحثه على الرحلة والذهاب الى الصالحية فلم يسعه الا الامتثال والارتحال وكتب اليه كتابا يقول فيه انهم لا يريدون الا ثغر الاسكندرية وانما لم يسعفهم الريح فلا تغتر برجوعهم وانه رحل امتثالا للامر ويشير عليه هو ايضا بعدم تأخره عن الذهاب الى الاسكندرية ويقبل اشارته فلم يستمع وتأخر عن ذلك ورحل رينه الى جهة البركة ولم يستعجل الذهاب ثم انتقل الى الزوامل ثم الى بلبيس وفي كل يوم ووقت يرسل
اليه سارى عسكر منو ويأمره بالذهاب الى الصالحية وهو يتلكأ في الرحيل ثم أرسل له آخرا يقول له انه وردت علينا أخبار بأن يوسف باشا الوزير متحرك الى القدوم ويحتم عليه في الرحيل الى الصالحية فعند ذلك جمع رينه سوارى عسكره وعرض عليهم ذلك وسفه رأيه وان هذا الخبر لا اصل له وانا اعلم اننا لا نصل الى الصالحية حتى يأتي الخبر بخلاف ذلك ويأتينا الامر بالرجوع والذهاب الى الاسكندرية فلا نستفيد الا التعب والمشقة وارتحل بمن معه من غير استعجال فوصلوا الى القرين في ثلاثة ايام واذا بمراسلة سارى عسكر منو الى رينه يخبره بان الانكليز وصلوا الى أبي قير وطلعوا الى البر وتحاربوا مع أمير الاسكندرية ومن معه من الفرنساوية وظهروا عليهم ويستعجله في الرجوع والذهاب الى الاسكندرية فقال رينه هذا ما كنت أخمنه وأظنه وارتحل راجعا وعدي على برانبابة بعساكره وتقدم سارى عسكر منو وسبقه الى الاسكندرية
شهر القعدة سنة
في ثالثه أمر وكيل الديوان أرباب الديوان بان يكتبوا السارى عسكر مكتوبا بالسلام ففعلوا ما أمروا بهوفي سادسه توفي محمد أغا مستحفظان مطعونا مرض يوم السبت وتوفي ليلة الاحد فوضعوه في نعش وخرج به الحمالون لا غير وامامه الطرادون ولم يعملوا له مشهدا ولا جماعة وكرتنوا داره واغلقوها على من فيها ولم يقلدوا عواضه احدا بل اذنوا لعبد العال أن يركب عوضا عنه وذلك بمعونة نصر الله النصراني ترجمان قائممقام فاستقر عبد العال المذكور أغات مستحفظان ومحتسبا فكان ذلك من جملة النوادر والعبر فان عبد العال هذا كان من اسافل العامة وكان أجبر البعض نصارى الشوام بخان الحمزاوي يخدمه ثم توسط بمصطفى اغا السابق بسبب معرفته للنصارى المترجمين حتى تقدم بوساطته وقلدوه الاغاوية فجعله كتخداه ومشيره فلما تولى محمد آغا تقيد معه كما كان مع مصطفى آغا
ولكن دون الحالة التي كان عليها مع ذلك لصلاحية محمد أغا المقتول فلما توفي في هذا الوقت ترك لعبد العال أمر المنصب لاشغال الفرنساوية بما هو الاهم من انفتاح الحروب والطاعون وغير ذلك
وفي يوم الثلاثاء تاسعه اشيع في الناس وصول العثمانيين الى ناحية غزة وان جواسيسهم وصلوا الى العريش وقدمت الهجانة الى الفرنساوية بالخبر فلما كان عشاء تلك الليلة طلبوا المشايخ الى الديوان فلما تكامل حضورهم حضر فورية الوكيل وصحبته آخر من الفرنسيس من طرف قائمقام فتكلم فوريه كلاما كثيرا ليزيل عنهم الوهم ويؤانسهم يزخرف القول كقوله انه يحب المسلمين ويميل بطبعه اليهم وخصوصا العلماء وأهل الفضائل ويفرح لفرحهم ويغتم لغمهم ولا يحب لهم الا الخير وسياسة الاحكام تقتضي بعض الامور المخالفة للمزاج وان سارى عسكر قبل ذهابه رسم لهم رسوما وأمرهم بأجرائها والمشي عليها في أوقاتها وانه عند سفره قصد ان يعوق المشايخ واعيان الناس ويتركهم في الترسيم رهينة عن المسلمين فلما ظهر له وتحقق ان الذين وردوا الى أبي قير ليسوا من المسلمين وانما هم انكليزية ونابلطية واعداء للفرنساوية وللمسلمين ايضا وليسوا من ملتهم حتى يتعصبوا من أجلهم والآن بلغنا أن يوسف باشا الوزير وعساكر العثمانية تحركوا الى هذا الطرف فلزم الامر لتعويق بعض الاعيان وذلك من قوانين الحروب عندنا بل وعندكم ولا يكون عندكم تكدر ولا هم بسبب ذلك فليس الا الاعزاز والاكرام أينما كنتم والوكيل دائما نظره معهم ولا يغفل عن تعليل مزاجهم في كل وقت ويوم ثم انتهى الكلام وانقضى المجلسن على تعويق أربعة اشخاص من المشايخ وهم الشيخ الشرقاوي والشيخ المهدي والشيخ الصاوي والشيخ الفيومي فأصعدوهم الى القلعة في الساعة الرابعة من الليل مكرمين وأجلسوهم بجامع سارية ونقلوا الى مكانهم الشيخ السادات فاستمر معهم بالمسجد وأمروا الاربعة الباقية من أعضاء
الديوان وهم البكرى والامير والسرسى وكاتبه ان يكون نظرهم على البلد ويجتمعون بشيخ البلد ولا ينقطعون عنه وان المشايخ المحجوزين لا خوف عليهم ولا ضرروهم معززون مكرمون وأطلقوا لكل شيخ منهم خادما يطلع اليه وينزل ليقضي له أشغاله وما يحتاج اليه من منزله والذي يريد من احبابهم وأصحابهم زيارتهم يأخذ له ورقة بالاذن من قائمقام ويطلع بها فلا يمنع وكذلك اصعدوا ابراهيم أفندي كاتب البهارا وأحمد ابن محمود محرم وحسين قرا ابراهيم ويوسف باشجاويش تفكجيان وعلي كتخدا يحيى آغات الجراكسة ومصطفى آغا ابطال وعلي كتخدا النجدلي ومحمد افندي سليم ومصطفى أفندي جمليان ورضوان كاشف الشعراوي وغيرهم وأمروا المشايخ الباقية والذين لم يحبسوا بتقيدهم ونظرهم الى البلد والعامة وانهم يترددون على بليار قائمقام ويعلمونه بالامور التي ينشأ عنها الشرور والفتن وأهمل ديوان المليون والمطالبة بثلثه وكذلك كسرة الفردة ونفس الله عن الناس وكذلك تسوهل في أمر الكرنتينة واجازة الاموات وعدم الكشف عليهم وتصديق الناس بما يخبرون به في مرض من يموت وذلك لكثرة اشغالهم وحركاتهم وتحصنهم ونقل متاعهم وصناديقهم وفرشهم وذخائرهم الى القلعة الكبيرة على الجمال والحمير ليلا ونهارا والطاعون متعلق فيهم ويموت منهم العدة الكثيرة في كل يوم
وفي حادي عشرة افرجوا عن الشيخ سليمان الفيومي وأنزلوه من القلعة ليكون مع من لم يحبس وأمرهم الوكيل بالتقيد والحضور الى الديوان على عادتهم ولا يهملونه فكانوا يحضرون ويجلسون حصة يتحدثون مع بعضهم ولا يرد عليهم الا القليل من الدعاوي ثم ينصرفون الى منازلهم وكذلك أمروا الشيخ أحمد العريشي القاضي بان يحضر ويجلس من غير سابقة له بذلك وذلك حفظا للناموس لا غير
وفي ثالث عشرة نقل الكمثارى فوريه الوكيل متاعه الى القلعة
وصعد اليها فلم ينزل وارسل الى الشيخ سليمان الفيومي تذكرة يأمره فيها بأن ينقل فراش المجلس ويودعه في مكان بداره ففعل ما أمره به ولم يتركوا به الا الحصر وامر بحضور ارباب الديوان على عادتهم فكانوا يفرشون سجاجيدهم ويجلسون عليها حصة الجلوس ثم ينصرفون
وفي رابع عشره نقلوا حسن آغا المحتسب من البرج الى جامع سارية صحبة المشايخ وكذلك فوريه الوكيل جعل سكنه الجامع المذكور وأظهر ان قصده مؤانستهم وليس الا لضيق مساكن القلعة وازدحام الفرنسيس وكثرة ما نقلوه اليها من الامتعة والذخائر والفلال والاحطاب مع ما هدموه من أماكنها حتى انهم سدوا ابواب الميدان وجعلوه من جملة حقوقها فكانوا ينزلون اليه ويصعدون منه من باب السبع حدرات
وفي تاسع عشره ورد مكتوب من كبير الفرنسيس من ناحية اسكندرية مؤرخ بثالث عشر القعدة وهو جواب عن المكتوب المرسل اليه السابق ذكره وصورته بعد الصدر المعتاد من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا الى كامل المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بالديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله فضائلهم ورد لنا مكتوبكم العزيز ورأينا بكامل السرور كل ما فصلتم لنا به وثبت من مفهومنا صدق ودادكم لنا ولعساكر دولة جمهور الفرنساوية ودمتم حضراتكم وكافة أهالي مصر بالحمية والاستقامة الموعودة ومعلوم على فضائلكم أن الله يهدي كلا فما النصر الا منه ووضعت عليه اعتمادي وما توفيقي الا به وبرسوله الكريم عليه السلام الدائم وان ابتغيت النصرة فما هو الا لسهول خيراتي الى بر مصر وسكان ولايتها وخير أمور اهلها والله تعالى يكون دائما معكم ويكرم وجوهكم بالسلامة
وفيه سمع ونقل عن بعض الفرنسيس انه وقع الحرب بين الفرنساوية والانكليزية وكانت الهزيمة على الفرنساوية وقتل بينهم مقتلة كبيرة
وانحازوا الى داخل الاسكندرية ووقع بينهم الاختلاف وانهم منوسارى عسكر رينه وداماص ورابه منهما ما رابه وكان سببا لهزيمته فيما يظن ويعتقد فقبض عليهما وعزلهما من امارتهما وذلك أن رينه وداماص لما ذهبا على الصورة المتقدمة ونظر رينه وأرسل من كشف على متاريس الانكليز فوجدها في غاية الوضع والاتقان فأجتمعوا للمشورة على عادتهم ودبروا بينهم أمر المحاربة فرأى سارى عسكر منو رأيه فلم يعجب رينه ذلك الرأي وان فعلنا ذلك وقعت الغلبة علينا وانما الرأي عندي كذا وكذا ووافقه على ذلك داماص وكثير من عقلائم فلم يرض بذلك منو وقال انا سارى عسكر وقد رأيت رايي فلم يسعهم مخالفته وفعلوا ما أمر به فوقعت عليهم الهزيمة وقتل منهم في تلك الليلة خمسة عشر ألفا وتنحى رينه وداماص ناحية ولم يدخلا في الحرب بعسكرهما فاغتاظ منه ونسبهما للخيانة والمخامرة عليه وتسفيههم لرايه وأكذ ذلك عنده انهما لما حضرا الى الاسكندرية أخذا معهما أثقالهما وما كان لهما بمصر لعلمهما عاقبة الامر وسوء رأى كبيرهما فاشتد انكاره عليهما وعزل عنهما العسكر وحبسهما ثم اطلقهما ونزلا الى المراكب مع عدة من اكابرهم وسافر الى بلادهما وان منو أرسل الى بونابارته يخبر عن ورود الانكليز ويستنجده فأرسل اليه عسكرا فصادفوا الجماعة المذكورين في الطريق فأخبروهم عن الواقع وردوهم من اثناء الطريق وقد أشاروا لذلك في بعض مكاتباتهم واخبر ايضا المخبرون ان الانكليز اطلقوا حبوس المياه الملحة حتى اغرقت طرق الاسكندرية وصارت جميعها لجة ماء ولم يبق لهم طريق مسلوك الا من جهة العجمي الى البرية وأن الانكليز تترسو اقبالهم من جهة الباب الغربي
وفيه ورد الخبر بأن حسين باشا القبطان ورد بعساكره جهة أبي قير وطلع عسكره من المراكب الى البر وقويت القرائن الدالة على صحة هذه الاخبار وظهرت لوائح ذلك الفرنسيس مع شدة تجلدهم وكتمان
امرهم وتنميق كلامهم
وفيه سدوا باب البرقية المعروف بباب الغريب وبنوه فضاق خناق الناس بسبب الخروج الى القرافة بالاموات فكان الذي مدفنه ببستان المجاورين يخرج بجنازته من باب النصر ويمرون بها من خلف السور المسافة الطويلة حتى ينتهوا الى مدفنهم فحصل للناس مشقة شديدة وخصوصا مع كثرة الاموات فكلم يوم الاحد حادى عشرينه بعض المشايخ قائمقام في شان ذلك فأرسل الى قبطان الحنطة ففتح بابا صغيرا من حائط السور جهة كفر الطماعين على قدر النعش والحمالين والمشاة
وفي ثاني عشرينه سافر جماعة من أعيان الفرنساوية الى جهة بحرى وهم استوف الخازندار العام ومدبر الحدود وفوريه وكيل الديوان وشنانيلو مدبر املاك الجمهور وبرنار وكيل دار الدرب وريج خازندار دار الضرب ولابرت رئيس مدرسة المكتب وحافظ سجلاتهم وكتبهم واخذوا معهم طائفة من رؤساء القبط وفيهم جرجس الجوهري وأشيع في الناس بأن سفرهما لتقرير الصلح وليس كذلك
وفي ثالث عشرينه توكل بحضور الديوان كمثارى يقال له جيرار وحضر يوم الجمعة سادس عشرينه بصحبة كاتب سلسلة التاريخ محبنا الفاضل العمدة السيد اسمعيل المعروف بالخشاب وحضرة قاسم افندي امين الدين كاتب الديوان فلما استقر به الجلوس أخبر أنه ورد كتاب من كبيرهم جاك منو باللغة الفرنساوية مضمونه انه مقيم بسكندرية وهو مؤرخ بعشرين القعدة ومثل ذلك من الكلام الفارغ
وفيه قدم ثلاثة أنفار من العرب صحبة جماعة من الفرنسيس وذهبوا بهم الى بيت قائمقام فاستفسر منهم فاختل كلامهم وتبين كذبهم فأمر بحبسهم
وفيه حضر جماعة من الفرنسيس من جهة الشرق ومعهم دواب كثيرة وآلات حرب ومروا في شارع المدينة ومنعوا الناس من شرب الدخان
خوفا على البارود من النار ولم يعلم سبب قدومهم ثم تبين انهم الذين كانوا محافظين بالصالحية وبعد أيام حضر ايضا الذين كانوا بالقرين وكذلك الذين كانوا ببلبيس وناحية الشرق شيئا بعد شيء
شهر ذي الحجة الحرام سنة
فيه حصل الاجتماع بالديوان وأخبر الوكيل ان كبيرهم قد بعث أخبارا بالامس منها انه قد مات جماعة من كبراء الانكليز وان اكثر عساكرهم مريضون بمرض الزحير والرمد وربما يحصل الصلح عن قريب ويرجعون الى بلادهم وان العطش مضاررهم وبعثوا عدة مراكب لتأتيهم بالماء فتعذر عليهم ذلك ثم سأل عن أحوال البلد وسكون الرعية والغلال والأقوات فأجيب بأن البلد مطمئنة والرعية ساكنة والغلال موجودة فقال لا بد من اعتنائكم بجميع هذه الامور الموجبة للراحةوفيه أشيع ان الانكليز ومن معهم من العثمانية ملكوا ثغر رشيد وابراجها وحاربوا من كان بها من الفرنسيس حتى اجلوهم عنها ودخلوها
وفي ذلك اليوم قبضوا على نيف وستين من مغاربة الفحامين وطولون والغورية ونفوهم وذلك من فعل عبد العال الآغا
وفيه أمر بليار قائمقام بركوب احد المشايخ صحبة عبد العال ويمرون بشوارع المدينة فكان يركب معه مرة الشيخ محمد الامير ومرة الشيخ سليمان الفيومي وذلك لتطمئن الرعية
وفي سادسه قرىء مكتوب زعموا أنه حضر من سارى عسكر منو من جهة الاسكندرية وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر المعتاد الى حضرات كافة المشايخ والعلماء الكرام المستشارين بمحفل الديوان المنيف بمحروسه مصر أدام الله تعالى فضائلهم وما النصرة الا من الله وبشفاعة رسوله الكريم عليه السلام الدائم العساكر الفرنساوية والانكليزية هما الى هذا الان حصيران قبلهما فحصنا أطرافنا بمتاريس وخنادق لا تغلب ولا تهجن وغير ذلك يلزم نخبر حضراتكم لتهدية تمشياتكم ولاجل انتظامها
ان سلطان الروسية المحمية اعلن بواسطة مرسله الى حضرة السلطان سليم أذعن الامر الى عساكره لاجل ما يتجانبوا ويتراووا ويخلو من بر مصر جميعا والا لابد من سلطان الروسيات الجمعية الاقامة بالمحاربة بمعية مائة ألف عسكرية ضد العثمانية وضد قسطنطينية فبناء على ذلك أرسل السلطان سليم أوامره بفرمانه خطابه الى عساكره لتخلية بر مصر ولكامل من بالبر المذكور لكي وثم ولكن ذهب الانكليزية كفا للارتشاء بعض من مقدار العسكر العثمانية وبتقديم امتثالهم الى أوامر سلطانهم فاعلنوا وأخبروا كل ذلك ألى أهالي مصر فانتظموا كما كنتم دائما بالخير واعتمدوا واعتنوا بحماية وصيانة دولة الجمهور الفرنساوية والله تعالى يديم فضائلكم عن الالهام بالخير والسلامات حرر في الخامس والعشرين من شهر جرمينيال سنة تسعة الموافق لثلاثة ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر وكتب بألفاظه وحروفه من خط منشئه لوما كالترجمان ثم قال الترجمان ان الفرنساوي الذي حمل هذا الكتاب نقل لي عن سر عسكر انه ناشر لكم ألوية الشكر على قيامكم بوظائفكم فدوموا على ذلك فأجيب السمع والطاعة تم ان بعض الحاضرين من المشايخ أخبر بأن رجلا من المنوفية يقال له موسى خالد كان الفرنساوية أحسنوا اليه وقدموه على أقرانه فلما خرجوا من المنوفية أفسد في البلاد وقطع الطريق ولا يتمكن أحد من أهل هذه الجهة أن يخرج من بلده لتحصيل معاشه وانه قبض على الشيخ عابدين القاضي وصادره في نحو ثلاثة آلاف ريال وكذلك صادر كثيرا من أغنياء منوف وغيرها وأخذ أموالهم فقال الوكيل ستسكن الفتنة ويعاقب المفسدون ثم أمر بكتابة مكاتيب ممضاة من مشايخ الديوان خطابا للتجار والمتسببين ولمشايخ البلاد يأمرونهم بارسال الغلال والاقوات الى مصر فكتبوا للمحلة الكبرى منوف والمنصورة والفشن وبني سويف
وفيه كتبوا جوابا من مشايخ الديوان لكبير الفرنسيس جوابا عن