كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي

المحتسب ومشايخ الحرف والزمور والطبول واجتماع الناس للفرجة بالأسواق والشوارع وبيت القاضي فبطل ذلك كله ولم تثبت الرؤية تلك الليلة واصبح يوم الحد والناس مفطرون فلما كان وقت الضحوة نودي بالإمساك ولم تعلم

واستهل شهر رمضان بيوم الإثنين سنة
وفي ليلته بين العصر والمغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وأردفوا ذلك بالبنادق الكثيرة المتتابعة وكذلك العسكر الكائنون بالبلدة فعلوا كفعلهم من كل ناحية ومن اسطحة الدور والمساكن وكان شيئا هائلا واستمر ذلك الى بعد الغروب وذلك شنك لقدوم رمضان في دخوله وانقضائه
وفي رابعه انكشفت القضية عن طلب مبلغ الفي كيس بعد جمعيات ومشاورات تارة ببيت السيد عمر النقيب وتارة في امكنة اخرى كبيت السيد المحروقي وخلافه حتى رتبوا ذلك ونظموه فوزع منه جانب على رجال دائرة الباشا وجانب على المشايخ الملتزمين نظير مسموحهم في فرض حصصهم التى اكلوها وهي مبلغ مائتي كيس وزعت على القراريط على كل قيراط ثلاثة آلاف نصف فضة على سبيل القرض لأجل ان ترد او تحسب لهم في الكشوفات من رفع المظالم ومال الجهات يأخذونها من فلاحيهم وفرض من ذلك مبالغ على ارباب الحرف واهل الغورية ووكالة الصابون ووكالة القرب والتجار الآفاقية واستقر ديوان الطلب ببيت ابن الصاوي بما يتعلق بالفقهاء واسمعيل الطوبجي بالمطلوب من طائفة الأتراك واهل خان الخليلي والمرجع في الطلب والدفع والرفع الى السيد عمر النقيب واجتمع الكثير من اهل الحرفكالصرماتية و أمثالهم والتجؤا إلى الجامع الأزهر و أقاموا به ليالي واياما فلم ينفعهم ذلك وانبث المعينون بالطلب وبايديهم الأوراق بمقدار المبلغ المطلوب من الشخص وعليها حق الطريق وهم قواسة اتراك وعسكر ودلاة وقواسة بلدي ودهى الناس بهذه الداهية

في الشهر المبارك فيكون الإنسان نائما في بيته ومتفكرا في قوت عياله فيدهمه الطلب ويأتيه المعين قبل الشروق فيزعجه ويصرخ عليه بل ويطلع الى جهة حريمه فينتبه كالمفلوج من غير اصطباح ويلاطف المعين ويعده ويأخذ بخاطره ويدفع له كراء طريقة المرسوم له في الورقة المعين بها المبلغ المطلوب قبل كل شيء فما يفارقه الا ومعين آخر واصل اليه على النسق المتقدم وهكذا
وفيه حضر محمد كتخدا شاهين بك الألفي بجواب عن مراسلة ارسلها الباشا الى مخدومه فأقام اياما يتشاور مع الباشا في مصلحته مع شاهين بك وحصل الإتفاق على حضور شاهين بك الى الجزيرة ويتراضى مع الباشا على امر وسافر في ثاني عشره وصحبته صالح أغا السلحدار
وفي يوم الخميس ثامن عشره قصد الباشا نفي رجب أغا الأرنؤدي وارسل اليه يأمره بالخروج والسفر بعد أن قطع خرجه واعطاه علوفته فامتنع من الخروج وقال انا لي عنده خمسون كيسا ولا اسافر حتى اقبضها وذلك انه في حياة الألفي الكبير اتفق مع الباشا بأن يذهب عند الألفي وينضم اليه ويتحيل في اغتياله وقتله فان فعل ذلك وقتله وتمت حيلته عليه اعطاه خمسين كيسا فذهب عند الألفي والتجأ اليه واظهر انه راغب في خدمته وكره الباشا و ظلمه فرحب به وقبله واكرمه مع التحذر منه ظلما طال به الأمد ولم يتمكن من قصده رجع الى الباشا فلما امره بالذهاب اخذ يطالبه بالخمسين كيسا من فامتنع الباشا وقال جعلت له ذلك في نظير شيء يفعله لم يخرج من يده فعله فلا وجه لمطالبته به واستمر رجب أغا في عناده وذلك انه لا يهون بهم مفارقة مصر التى صاروا فيها امراء واكابر بعد أن كانوا يحتطبون في بلادهم ويتكسبون بالصنائع الدنيئة ثم انه جمع جيشه اليه من الأرنؤد بناحية سكنه وهو بيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق فأرسل اليه الباشا من يحاربه فحضر حسن أغا سرششمة من ناحية قنطرة باب الخرق وحضر أيضا الجم الكثير من الأتراك وكبرائهم من جهة المدابغ وعمل كل منهم متاريس من الجهتين وتقدموا

قليلا حتى قربوا من مساكن الأرنؤد تجاه بيت البارودي فلم يتجاسروا على الاقدام عليهم من الطريق بل دخلوا من البيوت التى في صفهم ونقبوا من بيت الى اخر حتى انتهوا الى اول منزل من مساكنهم فنقبوا البيت الذي يسكن به الشيخ محمد سعد البكري ونفذوا منه الى المنزل الذي بجواره ثم منه إلى منزل علي أغا الشعراوي الى بيت سيدي محمد واخيه سيدي محمود المعروف بابي دفية الملاصق لمسكن طائفة من الأرنؤد وعبثوا في الدورء وازعجوا اهلها بقبح افعالهم فإنهم عندما يدخلون في اول بيت يصعدون الى الحريم بصورة منكرة من غير دستور ولا استئذان وينقبون من مساكن الحريم العليا فيهدمون الحائط ويدخلون منها الى محل حريم الدار الأخرى وتصعد طائفة منهم الى السطح وهم يرمون بالبنادق في الهواء في حال مشيهم وسيرهم وهكذا ولا يخفى ما يحصل للنساء من الإنزعاج ويصرن يصرخن ويصحن بأطفالهن ويهربن الى الحارات الأخرى مثل حارة قواديس وناحية حارة عابدين بظاهر الدور المذكورة بغاية الخوف والرعب والمشقة وطفقت العساكر تنهب الأمتعة والثياب والفرش ويكسرون الصناديق ويأخذون ما في القدور من الأطعمة في نهار رمضان من غير احتشام ولقد شاهدت اثر قبح فعلهم ببيت أبي دفية المذكور من الصناديق المكسرة وانتشار حشو الوسائد والمراتب التى فتقوها واخذوا ظروفها ولم يسلم لأصحاب المساكن سوى ما كان لهم خارج دورهم وبعيدا عنها او وزعوه قبل الحادثة واصيب محمد افندي أبو دفية برصاصة اطلقها بعضهم من النقيب الذي نقب عليهم نفذت من كتفه وكذلك فعل العساكر التى اتت من ناحية المدابغ بالبيوت الأخرى واستمروا على هذه الأفعال ثلاثة ايام بلياليها فلما كان ليلة الاثنين ثاني عشرينه حضر عمر بك كبير الأرنؤد الساكن ببولاق و صالح قوج إلى رجب أنما المذكور و أركباه و أخذاه إلى بولاق وبطل الحرب بينهم ورفعوا المتاريس في صبحها وانكشفت الواقعة عن نهب البيوت ونقبها وازعاج

اهلها ومات فيما بينهم انفار قليلة وكذلك مات اناس وانجرح اناس من اهل البلد
وفي يوم السبت وصل شاهين بك الألفي إلى دهشور ووصل صحبته مراكب بها سفار وهدية من ابراهيم بك ومحمد بك المرادي المعروف بالمنفوخ برسم الباشا وهي نحو الثلاثين حصانا ومائة قنطار بن قهوة ومائة قنطار سكر واربع خصيان وعشرون جارية سوداء فلما وصل شاهين بك الى دهشور فحضر محمد كتخداه وعلي كاشف الكبير فأرسل الباشا اليه صحبتهما هدية ومعهما ولده وديوان افندي
وفي خامس عشرينه سافر رجب أغا وتخلف عنه كثير من عساكره واتباعه وذهب من ناحية دمياط
وفيه حضر ديوان افندي من دهشور وابن الباشا أيضا وخلع شاهين بك علي ابن الباشا فردة وقدم له تقدمة وسلاحا نفيسا انكليزيا
وفي ثاني عشرينه وصل شاهين بك الى شبرامنت وقد امر الباشا بأن يخلوا له الجيزة وينتقل منها الكاشف والعسكر فعدى الجميع الى البر الشرقي وتسلم علي كاشف الكبير الألفي القصر وما حوله وما به من الجبخانة والمدافع والات الحرب وغيرها

واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة
ولم يعمل العسكر شنكهم تلك الليلة من رميهم الرصاص والبارود الكثير المزعج من سائر النواحي والبيوت والأسطحة لانقباض نفوسهم وانما ضربوا مدافع من القلعة مدة ثلاثة ايام العيد في الأوقات الخمسة
وفي خامسه اعتني الباشا بتعمير القصر لسكن شاهين بك بالجيزة وكان العسكر اخربوه وكذلك بيوت الجيزة ولم يتركوا بها دارا عامرة الا القليل فرسم الباشا للمعمارجية بعمارة القصر فجمعوا البنائين والنجارين والخراطين وحملوا الاخشاب من بولاق وغيرها وهدموا بيت أبي الشوارب واحضروا الجمال والحمير لنقل اخشابه وانقاضه واخرجوا منه اخشابا

عظيمة في غاية العظم ولاثخن ليس لها نظير في هذا الوقت والاوان
وفي سابعه حضر شاهين بك الى بر الجيزة وبات بالقصر وضربوا لقدومه مدافع كثيرة من الجيزة وعمل له علي جربجي موسى الجيزاوي وليمة وفرض مصروفها وكلفتها على اهل البلدة واعطاه الباشا اقليم الفيوم بتمامه التزاما و كشوفية و أطلق له فيها التصرف و أنعم عليه أيضا بثلاثين بلدة من إقليم البهنسامع وكشوفيتها وعشرة بلاد من بلاد الجيزة من البلاد التي ينتقيها ويختارها وتعجبه مع كشوفية الجيزة وكتب له بذلك تقاسيط ديوانية وضم له كشوفية البحيرة بتمامها الى حد الإسكندرية واطلق له التصرف في جميع ذلك ومرسوماته نافذة في سائر البر الغربي
وفي صبح يوم الأربعاء تاسعه ركب السيد عمر افندي النقيب والمشايخ وطلعوا الى القلعة باستدعاء ارسالية ارسلت اليهم في تلك الليلة فلما طلعوا الى القلعة ركب معهم ابن الباشا طوسون بك ونزل الجميع وساروا الى ناحية مصر القديمة وكان شاهين بك عدى الى البر الشرقي بطائفة من الكشاف والمماليك والهوارة فسلموا عليه وكان بصحبتهم طائفة من الدلاة ساروا امام القوم بطبلاتهم وسفافيرهم ومن خلفهم طائفة من الهوارة ومن خلفهم الكشاف والمماليك والسيد عمر النقيب والمشايخ ثم شاهين بك وبجانبه ابن الباشا وخلفهم الطوائف والأتباع والخدم وخلفهم النقاقير فساروا الى ناحية جهة القرافة وزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم ركبوا وساروا الى القلعة وطلعوا من باب العزب الى سراية الديوان وانفصل عنهم المشايخ ونزلوا الى دورهم وقابلوا الباشا وسلم شاهين بك عليه فخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة وسيفا وخنجرا مجوهرا وتعابي وقدم له خيولا بسروجها وعزم عليه ابن الباشا فأذن له أن يتوجه صحبته الى سرايته فركب معه وتغدى عنده ثم ركب بصحبته ونزلا من القلعة وذهب عند حسن باشا فقابله أيضا وسلم عليه وخلع عليه أيضا و قدم له خيولا و ركب صحبتها و ذهبوا عند طاهر باشا ابن اخت الباشا فسلم عليه أيضا

وقدم له تقادم ثم ركب عائدا الى الجيزة وذهب الى مخيمه بسبرامنت واستمر مقيما بالمخيم حتى تمم عمارة القصر وتردد كشافهم واجنادهم الى بيوتهم بالمدينة فيبيتون الليلة والليلتين ويرجعون الى مخيمهم
وفيه قطع الباشا رواتب طوائف من الدلاة وامروا بالسفر الى بلادهم
وفي يوم الجمعة انتقل الألفية بعرضيهم وخيامهم الى بحري الجيزة
وفي يوم السبت ثاني عشره وصل اربعة من صناجق الألفية وهم احمد بك ونعمان بك وحسين بك ومراد بك فطلعوا الى القلعة وخلع عليهم الباشا فراوي و قلدهم سيوفا وقدم لهم تقادم ثم نزلوا إلى حسن باشا فسلموا عليه وخلع عليهم أيضا خلعا ثم ذهبوا الى بيت صالح أغا السلحدار فأقاموا عنده الى اواخر النهار ثم ذهبوا الى البيوت التى بها حريمهم فباتوا وذهبوا في الصباح الى الجيزة
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره عملت وليمة وعقدوا لأحمد بك الألفي على عديلة هانم بنت ابراهيم بك الكبير والوكيل في العقد شيخ السادات وقبل عنه محمد كتخدا بوكالته عن احمد بك ودفع الصداق الباشا من عنده وقدره ثمانية ألاف ريال
وفيه اتفقوا على ارسال نعمان بك ومحمد كتخدا وعلي كاشف الصابونجي الى ابراهيم بك الكبير لإجراء الصلح
وفيه أيضا ارادوا اجراء عقد زينب هانم ابنة ابراهيم بك علي نعمان بك فامتنعت وقالت لا يكون ذلك الا عن اذن أبي وها هو مسافر اليه فليستاذنه ولا اخالف امره فأجيبت الى ذلك واراد شاهين بك أن يعقد لنفسه على زوجة حسين بك المقتول المعروف بالوشاش وهو خشداشه وهي ابنة السفطي فاستأذن الباشا فقال اني اريد أن ازوجك ابنتي وتكون صهري وهي واصلة عن قريب ارسلت بحضورها من بلدي قوله فإن تأخر حضورها جهزت لك سرية وزوجتك اياها
وفي يوم الأربعاء نزل الباشا من القلعة وذهب الى مضرب النشاب

واستدعى شاهين بك من الجيزة وعمل معه ميدانا وترامحوا وتسابقوا ولعبوا بالرماح والسيوف ثم طلع الجميع الى القلعة واستمر شاهين بك عند الباشا الى بعد الظهر ثم نزل مع نعمان بك الى بيت عديلة هانم فمكثا الى قبيل المغرب ثم ارسل اليهما الباشا فطلعا الى القلعة فباتا عنده ونزلا في الصباح و عديا الى الجيزة
قال الشاعر ... أمور تضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها اللبيب ...
وفيه تقلد حسن أغا سرششمه امارة دمياط عرضا عن احمد بك وتقلد عبدالله كاشف الدرندلي امارة المنصورة عوضا عن عزيز أغا
وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه وصل قابجي ومعه مرسومات يتضمن احدها التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر واخر بالدفتردارية باسم ولده ابراهيم واخر بالعفو عن جميع العسكر جزاء عن اخراجهم الإنكليز من ثغر الإسكندرية واخر بالتأكيد في التشهيل والسفر لمحاربة الخوارج بالحجاز واستخلاص الحرمين والوصية بالرعية والتجار وصحبته أيضا خلع وشلنجات فأركبوه في موكب في صبح يوم الخميس وطلع الى القلعة وقرئت المراسيم المذكورة بحضرة الباشا والمشايخ وكبار العسكر وشاهين بك وخشداشينه الألفية وضربوا مدافع وشنكا
وفيه سافر ابراهيم بك ابن الباشا على طريق القليوبية وصحبته طائفة من مباشري الأقباط وفيهم جرجس الطويل وهو كبيرهم وافنديه من افندية الروزنامة وكتبة مسلمين للكشف على الأطيان التى رويت من ماء النيل والشرقي فأنزلوا بالقرى النوازل من الكلف وحق الطرقات وقرروا على كل فدان رواه النيل اربعمائة وخمسين نصف فضة تقبض للديوان وذلك خلاف ما للملتزم والمضاف والبراني وما يضاف الى ذلك من حق الطرق والكلف المتكررة

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة

وفيه فرضوا على مساتير الناس سلف اكياس ويحسب لهم ما يؤخذ منهم من اصل ما يتقرر على حصصهم من المغارم في المستقبل وعينوا العساكر بطلبها فتغيب غالبهم وتوارى لعدم ما بأيديهم وخلو اكياسهم من المال والتجأ الكثير منهم الى ذوي الجاه ولازموا اعتابهم حتى شفعوا فيهم وكشفوا غمتهم
وفي عاشره ورد الخبر من الجهة القبلية بأن الأمراء المصريين تحاربوا مع ياسين بك بناحية المنية وذلك عن امر الباشا وهزموه فدخل الى المنية ونهبوا حملته ومتاعه
وفي اثر ذلك حضر أبو ياسين بك الى مصر وعينت عساكر الى جهة قبلي واميرها بونابارته الخازندار وتقدمهم سليمان بك الألفي في اخرين
وفي عشرينه تعين أيضا عدة عساكر الى ناحية بحري وفيهم عمر بك تابع الأشقر المصرلي لمحافظة رشيد وآخرين الى الأسكندرية ثم تعوق عمر بك عن السفر وسبب ذلك انه ورد قائد الإنكليز الى ثغر سكندرية واخبر بخروج عمارة الفرنسيس الى البحر بسيسيليه وربما استولوا عليها وكذلك مالطه فلما ورد هذا الخبر حضر البطروش قنصل الانكليز المقيم برشيد الى مصر بأهله وعياله
وفي اواخره جمعوا عدة كبيرة من البنائين والنجارين وارباب الأشغال لعمارة اسوار وقلاع الإسكندرية وابي قير والسواحل

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة
في ثاني عشره ورد الخبر بأن سليمان بك الألفي لما وصل الى المنية ونزل بفنائها خرج اليه ياسين بك بجموعه وعساكره وعربانه فوقع بينهما وقعة عظيمة وانهزم ياسين بك وولى هاربا الى المنية فتبعه سليمان بك في قلة وعدى الخندق خلفه فأصيب من كمين بداخل الخندق ووقع ميتا بعد أن نهب جميع متاع ياسين بك وجماله واثقاله وشتت جموعه وانحصر هو وعساكره وعربانه وما بقي منهم بداخل المنية وكانت الواقعة يوم الأربعاء

سادس الشهر فلما ورد الخبر بذلك على الباشا اظهر انه اغتم على سليمان بك وتأسف على موته واقام العزاء عليه خشداشينه بالجيزة وفي بيوتهم وطفق الباشا يلوم على جراءة المصريين واقدامهم وكيف أن سليمان بك يخاطر بنفسه ويلقي بنفسه من داخل الخندق ويقول انا ارسلت اليه احذره واقول له أن ينتظر بونابارته الخازندار ويرسل ياسين بك ويطلعه على ما بيده من المراسيم فان أبى وخالف ما في ضمنها فعند ذلك يجتمعون على حربه وتتقدم عسكر الأتراك لمعرفتهم وصبرهم على محاصرة الابنية فلم يستمع لما قلت له غرر بنفسه وايضا ينبغي لكبير الجيش التاخر عن عسكره فإن الكبير عبارة عن المدير الرئيس وبمصابه تنكسر قلوب قومه وهؤلاء القوم بخلاف ذلك يلقون بأنفسهم في المهالك ولما ارسل جماعة سليمان بك يخبرون بموت كبيرهم وانهم مجتعون على حالتهم ومقيمون بعرضهم ومحطتهم على المنية وانهم منتظرون من يقيمه الباشا رئيسا مكانه فعند ذلك ارسل الباشا الى شاهين بك يعزيه ويلتمس منه أن يختار من خشداشينه من يقلده الباشا امارة سليمان بك فتشاور شاهين بك مع خشداشينه فلم يرض احد من الكبار أن يتقلد ذلك ثم وقع اختيارهم على شخص من المماليك يسمى يحيى وارسلوه الى باشا فخلع عليه وامره بالسفر الى المنية فأخذ في قضاء اشغاله وعدى الى بر الجيزة
وفي منتصفه ورد الخبر بأن بونابارته الخازندار وصل الى المنية بعد الواقعة وياسين بك محصور بها فأرسل اليه يستدعيه الى الطاعة واطلعه على المكاتبات والمراسيم التي بيده من الباشا خطابا له وللأمراء الحاضرين والغائبين المصرية وفي ضمنها أن ابى ياسين بك عن الدخول في الطاعة واستمر على عناده وعصيانه فأن بونابارته والأمراء المصرية يحاربونه فعند ذلك نزل ياسين بك على حكم بونابارته وحضر عنده بعد أن استوثق منه الأمان ووصلت الأخبار بذلك الى مصر وخرجت العربان المحصورون بالمنية بعد أن صالحوا على انفسهم وفتحوا لهم طريقا وذهبوا الى اماكنهم

واستلم بونابارته المنية فأقام بها يومين وارتحل عنها وحضر الى مصر
وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشره حضر ياسين بك الى ثغر بولاق وركب في صبحها وطلع الى القلعة فعوقه الباشا واراد قتله فتعصب له عمر بك الأرنؤدي وصالح قوج وغيرهما وطلعوا في يوم الجمعة وقد رتب الباشا عساكره وجنده واوقفهم بالأبواب الداخلة والخارجة وبين يديه وتكلم عمر بك وصالح أغا مع الباشا في امره وان يقيم بمصر فقال الباشا لا يمكن أن يقيم بمصر والساعة اقتله وانظر اي شيء يكون فلم يسع المتعصبين له الا الإمتثال ثم احضره وخلع عليه فروة وانعم عليه بأربعين كيسا ونزلوا بصحبته بعد الظهر الى بولاق وسافر الى دمياط ليذهب الى قبرص ومعه محافظون
وفي يوم الأحد حضر بونابارته الخازندار من المنية الى مصر وانقضت السنة واما من مات فيها ممن له ذكر فمات الشيخ العلامة بقية العلماء والفضلاء والصالحين الورع القانع الشيخ احمد بن علي بن محمد بن عبدالرحمن بن علاء الدين البرماوي الذهبي الشافعي الضرير ولد ببلده برما بالمنوفية سنة 1138 ونشأ بها وحفظ القرآن والمتون على الشيخ المعاصري ثم انتقل الى مصر فجاور بالمدرسة الشيخونية بالصليبة وتخرج في الحديث على الشيخ احمد البرماوي وحضر دروس مشايخ الأزهر كالشيخ محمد فهرس والشيخ علي قايتباوي والشيخ الدفري والشيخ سليمان الزيات والشيخ الملوي والشيخ المدابغي والشيخ الغنيمي و الشيخ محمد الحنفي و أخيه الشيخ يوسف و عبد الكريم الزيات والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ سالم النفراوي والشيخ عمر الشنواني والشيخ احمد رزة والشيخ سليمان البسوسي والشيخ علي الصعيدي واقرأ الدروس وافاد الطلبة ولازم الإقراء وكان منجمعا عن الناس قانعا راضيا بما قسم له لا يزاحم على الدنيا ولا يتداخل في امورها واخبرني ولده العلامة الفاضل الشيخ مصطفى انه ولدا بصيرا فأصابه الجدري فطمس بصره في صغره فاخذه عم ابيه الشيخ صالح

الذهبي ودعا له فقال في دعائه اللهم كما اعميت بصره نور بصيرته فاستجاب الله دعاءه وكان قوي الإدراك ويمشي وحده من غير قائد ويركب من غير خادم ويذهب في حوائجه المسافة البعيدة ويأتي الى الأزهر ولا يخطيء الطريق وينتحي عما عساه يصيبه من راكب او جمل او حمار مقبل عليه او شيء معترض في طريقه اقوى من ذي بصر فكان يضرب به المثل في ذلك مع شدة التعجب كما قال القائل ما عماء العيون مثل عمى القلوب فهذا هو العمى والبلاء فعماء العيون تغميض عين وعماء القلوب فهو الشفاء ! ولم يزل ملازما على حالته من الإنجماع والإشتغال بالعلم والعمل به وتلاوة القرآن وقيام الليل فكان يقرأ كل ليلة نصف القرآن الى أن توفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول من هذه السنة وله من العمر اربع وثمانون سنة وصلي عليه بجامع ابن طولون ودفن بجوار المشهد المعروف بالسيدة سكينة رضى الله عنها بجانب الشيخ البرماوي رحمه الله وبارك في ولده الشيخ مصطفى واعانه على وقته ومات العمدة الفاضل حاوى الكمالات والفضائل الشيخ محمد بن يوسف ابن بنت الشيخ محمد بن سالم الحفناوي الشافعي ولد سنة 1163 وتربى في حجر جده وتخلق بأخلاقه وحفظ القرآن والألفية والمتون وحضر دروس جده واخي جده الشيخ يوسف الحفناوي وحضر اشياخ الوقت كالشيخ علي العدوى والشيخ احمد الدردير والشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي وغيرهم وتمهر وانجب واخذ طريق الخلوتية عن جده ولقنه الأسماء ولما توفي جده القى الدروس في محله بالأزهر ونشأ من صغره على احسن طريقة وعفة نفس وتباعد عن سفاسف الأمور الدنيئة ولازم الإشتغال بالعلم وفتح بيت جده وعمل به ميعاد الذكر كعادته وكان عظيم النفس مع تهذيب الأخلاق والتبسيط مع الإخوان والممازحة مع تجنبه ما يخل بالمروءة وله بعض تعليقات وحواش وشعر مناسب ولم يزل على حالته الى أن توفي يوم السبت رابع شهر ربيع الأول من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن مع جده في تربة واحدة بمقبرة المجاورين

ولم يخلف ذكورا رحمه الله ومات الشيخ العلامة المفيد والتحرير المجيد محمد الحصافي الشافعي الفقيه النحوي الفرضي تلقى العلوم وحضر اشياخ الطبقة الأولى ودرس العلوم بالأزهر وافاد الطلبة وقرأ الكتب المفيدة وعاش طول عمره منعكفا في زوايا الخمول منعزلا عن الدنيا وهي منعزلة عنه راضيا بما قسم الله له قانعا بما يسره له مولاه لا يدعي في وليمة ولا ينهمك على شيء من امور الدنيا ولم يزل على حالته حتى توفي يوم الأثنين ثالث عشر شوال من السنة ومات العمدة المفضل الشيخ محمد عبدالفتاح المالكي من اهالي كفر حشاد بالمنوفية قدم من بلده صغيرا فجاور بالأزهر وحضر على اشياخ الوقت ولازم دروس الشيخ الامير وبه تخرج وتفقه عليه وعلى غيره من علماء المالكية وتمهر في المعقولات وانجب وصارت له ملكه واستحضار ثم سافر الى بلده واقام بها يفيد ويفتي ويرجعون اليه في قضاياهم ودعاويهم فيقضي بينهم ولا يقبل من احد جعالة ولا هدية فاشتهر ذكره بالاقليم واعتقدوا فيه الصلاح والعفة وانه لايقضي الا بالحق ولا يأخذ رشوة ولا جعالة ولا يجابي في الحق فامتثلوا لقضاياه واوامره فكان اذا قضى قاض من قضاة البلدان بين خصمين رجعا الى المترجم واعادا عليه دعواهما فان رأى القضاء صحيحا موافقا للشرع امضاه وامتثل الخصم الآخر ولا يمانع بعد ذلك ابدا ويذعن لما قضاه الشيخ لعلمه انه لا لغرض دنيوي والا اخبرهم أن الحق خلافه فيمتثل الخصم الآخر ولم يزل على حالته حتى كان المولد المعتاد بطندتا فذهب ابن الشيخ الأمير الى هناك فأتى لزيارة ابن شيخه ونزل في الدار التى هو نازل فيها فانهدمت الجهة التى هو بها وسقطت عليه فمات شهيدا مردوما ومعه ثلاثة انفار من اهالي قرية العكروت وذلك في اوائل شهر الحجة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
ومات الأمير سعيد أغا دار السعادة العثماني الحبشي قدم الى مصر بعد مجيء يوسف باشا الوزير في ابهة ونزل بدرب الجماميز في البيت الذي كان نزل به شريف افندي الدفتردار بعد انتقاله منه وفتح باب التفتيش على جهات اوقاف الحرمين وغيرها واخاف الناس وحضر اليه كتبة الأوقاف

وجلسوا لمقارفة الناس والتعنت عليهم بطلب السندات ويهولون عليهم بالأغا المذكور ويأخذون منهم المصالحات ثم ينهون اليه الأمر على حسب اغراضهم ويعطونه جزأ ويأخذون لأنفسهم الباقي ثم تنبه لذلك فطرد غالبهم وسدد على الباقين وتساهل مع الناس وكان رئيسا عاقلا معدودا في الرؤساء تعمل عنده الدواوين والاجتماعات في مهمات الامور والوقائع كما تقدم ذكر ذلك في مواضعه ثم انه تمرض بذات الرئة شهورا ومات في يوم الاثنين رابع شهر صفر ومات الامير سليمان بك المرادي وهو من الامراء الذين تأمروا بعد مراد بك وكان ظالما غشوما ويعرف بريحه بتشديد الياء كان اذا اراد قتل انسان ظلما يقول لأحد اعوانه خذه وريحه فيأخذه ويقتله ومات في واقعة اسيوط الاخيرة اخذت جلة المدفع دماغه وقطع ذراعه وعرفوا قتله بخاتمه الذي في إصبعه في ذراعه المقطوع ومات سليمان بك الألفي الذي قتل في واقعة ياسين بك بالمنية عند الخندق وغير هؤلاء والله اعلم

واستهلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين والف
فكان اول المحرم يوم الاحد فيه برز القابجي المسمى بيانجي بك الى السفر على طريق البر وخرج الباشا لوداعه وهذا القابجي كان حضر بالأوامر بخروج العساكر للبلاد الحجازية وخلاص البلاد من ايدي الوهابية وفي مراسيمه التى حضر بها التأكيد والحث على ذلك فلم يزل الباشا يخادعه ويعده بإنفاذ الامر ويعرفه أن هذا الامر لا يتم بالعجلة ويحتاج الى استعداد كبير وانشاء مراكب في القلزم وغير ذلك من الاستعدادات وعمل الباشا ديوانا جمع فيه الدفتردار والمعلم غالي والسيد عمرو المشايخ وقال لهم لا يخفاكم أن الحرمين استولى عليها الوهابيون ومشوا احكامهم بها وقد وردت علينا الاوامر السلطانية المرة بعد المرة للخروج اليهم ومحاربتهم وجلائهم وطردهم عن الحرمين الشريفين ولا تخفى عنكم الحوادث والوقائع التى كانت سببا في التأخير عن المبادرة في امتثال الاوامر

والآن حصل الهدوء وحضر قابجي باشا بالتأكيد والحث على خروج العساكر وسفرهم وقد حسبنا المصاريف اللازمة في هذه الوقت فبلغت اربعة وعشرين ألف كيس فاعملوا رأيكم في تحصيلها فحصل ارتباك واضطراب وشاع ذلك في الناس وزاد بهم الوسواس ثم اتفقوا على كتابة عرضحال ليصحبه ذلك القابجي معه بصورة نمقوها
وفي سادسه حضر مرزوق بك وسليم بك المحرمجي وعلي كاشف الصابونجي المرسل فطلعوا الى القلعة وقابلوا الباشا وخلع على مرزوق بك والمحرمجي فروتين ونزلا الى دورهما ثم ترددوا وطلعوا ونزلوا وبلغوا رسائل الامراء القبليين وذكروا مطالبهم وشروطهم وشروط الباشا عليهم والاتفاق في تقرير الصلح والمصالحة عدة ايام
وفيه حضر عرب الهنادي والجهنة وصالحوا على انفسهم وان يرجعوا الى منازلهم بالبحيرة ويطردوا أولاد على وكانوا تغلبوا على الأقليم وحصل منهم الفساد والافساد وكانت مصالحتهم بيد شاهين بك الألفي وسافر معهم شاهين بك وخشداشينه ولم يبق بالجيزة سوى نعمان بك وذهبوا الى ناحية دمنهور وارتحل اولاد علي الى حوش ابن عيسى وذلك اواخر المحرم ثم أن شاهين بك ركب بمن معه وحاربهم ووقع بينهم مقتلة عظيمة وقتل فيها شخصان من كبار الاجناد الالفية وهما عثمان كاشف وآخر ونحو ستة مماليك وقتل جملة كثيرة من العرب وانكشف الحرب عن هزيمة العرب واسروا منهم نحو الاربعين وغنموا منهم غنائم كثيرة من اغنام وجمال وتفرقوا وتشتتوا وذهبوا الى ناحية قبلي والفيوم وذلك في شهر صفر في عاشره حضر شاهين بك الألفي وباقي الالفية

واستهل شهر ربيع الثاني سنة
وفي عشرينه ورد الخبر بموت شاهين بك المرادي فخلع الباشا على سليم بك المحرمجي وجعله كبيرا ورئيسا على المرادية عوضا عن شاهين بك وسافر الى قبلي

وفيه أيضا حضر امين بك الألفي من غيبته وكان مسافرا مع الانكليز الذين كانوا حضروا الى الاسكندرية ورشيد وحصل ما حصل فلم يزل غائبا حتى بلغه صلح خشداشينه مع الباشا فرجع وطلع على ردته فأرسلوا له الملاقاة والخيول واللوازم وحضر في التاريخ المذكور
وفيه زوج الباشا شاهين بك سرية انتقتها زوجة الباشا ونظمتها وفرش له سبعة مجالس بقصر الجيزة وجمعوا لذلك المنجدين وتقيد بتجهيز الشوار والاقمشة واللوازم الخواجا محمود حسن وكذلك زوج نعمان بك سرية اخرى وسكن بيت المشهدي بدرب الدليل بعد أن عمرت له الدار وفرشت على طرف الباشا وكذلك تزوج عمر بك بجارية من جواري الست نفيسة المرادية وجهزتها جهازا نفيسا من مالها وتزوج أيضا علي كاشف الكبير الألفي بزوجة استاذه

شهر جمادي الاول سنة
فيه سافر مرزوق بك بعد تقرير امر الصلح بينه وبين الامراء المصريين القبالي وقلد الباشا مرزوق بك ولاية جرجا وامارة الصعيد والبسه الخلعة وشرط عليه ارسال المال والغلال الميرية فعند ذلك اطمأنت الناس وسافرت السفار والمتسببون ووصل الى السواحل مراكب الغلال والاشياء التي تجلب من الجهة القبلية
واستهل شهر جمادى الثانية سنة
فيه قطع الباشا مرتب الدلاة الاغراب وأخرجهم وعزل كبيرهم الذي يسمى كردى بوالي الساكن ببولاق وقلد ذلك مصطفى بك من اقاربه وجعله كبيرا على طائفة الدلاتية الباقين وضم اليه طائفة من الاتراك البسهم طراطير وجعلهم دلاتية وسافر كردي بوالي لبلاده في منتصف الشهر وخرج صحبته عدة كبيرة من الدلاة
وفي اواخره وردت الاخبار من اسلامبول وذلك أن طائفة من الينكجرية تعصبت وقامت على السلطان سليم وعزلوه واجلسوه مكانه

السلطان مصطفى وابطلوا النظام الجديد وقتلوا دفتردار النظام الجديد وكتخدا الدولة ودفتردار الدولة وغيرهم وقطعوهم في آت ميدان بعد أن تغيبوا واختفوا في اماكن حتى في بيوت النصارى واستدلوا عليهم واحدا بعد واحد فكانوا يستحبون الامير منهم المترفه على صورة منكرة الى آت ميدان فيقتلونه وبعضهم قطعوه في الطريق وسكن الحال على سلطنة السلطان مصطفى بن عبدالحميد وكان السلطان سليم عندما احس بحركة الينكجرية ارسل يستنجد ويستدعي مصطفى باشا البيرقدار وكان يرشق بالروملي بمخيم العرضي المتعين على حرب الموسكوب ووصل خبر الواقعة الى من بالعرضى فأقام أيضا الينكجرية الفتنة بالعرضي وقتلوا آغات العرضي وخلافه عند مصطفى باشا المذكور وقد وصله مراسلة السلطان سليم فحركوا همته على القيام بنصرة السلطان سليم على الينكجرية فركب من العرضي في عدة وافرة وحضر الى اسلامبول وشق بجمعه وعسكره من وسطها في كبكبة حتى وصل الى باب السراية فوجده مغلقا فأراد كسره او حرقه الى أن فتحوه بالعنف وعبر الى داخل السراية وطلب السلطان سليم فعند ذلك ارسل السلطان مصطفى المتولي جماعة من خاصته فدخلوا على السلطان سليم في المكان الذي هو مختف به وقتلوه بالخناجر والسكاكين حتى مات واحضره ميتا الى مصطفى باشا البيرقدار وقالوا له ها هو السلطان سليم الذي تطلبه فلما رآه ميتا بكى وتأسف ثم انه عزل السلطان مصطفى واحضر محمودا اخاه بن عبدالحميد واجلسه على تخت الملك ونودى باسمه وكان ذلك يوم الخميس خامس جمادى الثانية من السنة وعمره ثلاث وعشرون سنة
ومات السلطان سليم وعمره احدى وخمسون سنة لأنه ولد سنة 1172 ومدة ولايته نحو العشرين سنة تنقص شهرا فلما وردت هذه الاخبار وتواترت في مكاتبات التجار والسفار خطب بعض الخطباء يوم الجمعة سادس عشرينه باسم السلطان محمود وبعضهم اطلق في الدعاء

ولم يذكر الاسم
وفيه قوى عزم الباشا على السفر الى جهة دمياط ورشيد والاسكندرية فطلب لوازم السفر ووعد بسفره بعد قطع الخليج وطفق يستعجل بالوفاء ويطلب ابن الرداء المقياسي ويسأله عن الوفاء ويقول اقطعوا جسر الخليج وفي غد او بعد غد فيقول تأمرونا بقطعه قبل الوفاء فيقول لا ويقول ليس الوفاء بأيدينا
فلما كان يوم السبت سابع عشرينه وخامس عشر مسرى القبطي نقص النيل نحو خمسة اصابع وانكشف الحجر الراقد الذي عند فم الخليج تحت الحجر القائم فضج الناس ورفعو الغلال من الرقع والعرصات والسواحل وانزعجت الخلائق بسبب شحة النيل في العام الماضي وهيفان الزرع وموع المظالم وخراب الريف وجلاء اهله واجتمع في ذلك اليوم المشايخ عند الباشا فقال لهم اعملوا استسقاء وامروا الفقراء والضعفاء والاطفال بالخروج الى الصحراء وادعوا الله فقال له الشيخ الشرقاوي ينبغي أن ترافقوا بالناس وترفعوا الظلم فقال انا لست بظالم وحدي وانتم اظلم منى فإني رفعت عن حصتكم الفرض والمغارم اكراما لكم وانتم تاخذونها من الفلاحين وعندي دفتر محرر فيه ما تحت ايديكم من الحصص بلغ الفي كيس ولا بد اني افحص عن ذلك وكل ما وجدته يأخذ الفرضة المرفوعة من فلاحيته ارفع الحصة عنه فقالوا له ذلك ثم اتفقوا على الخروج والتقيا في صبحها بجامع عمرو بن العاص لكونه محل الصحابة والسلف الصالح يصلون به صلاة الاستسقاء ويدعون الله ويستغفرونه ويتضرعون اليه في زيادة النيل وبالجملة ركب السيد عمر والمشايخ واهل الازهر وغيرهم والاطفال واجتمع عالم كثير وذهبوا الى الجامع المذكور بمصر القديمة فلما كان صبحها وتكامل الجمع صعد الشيخ جاد المولى على المنبر وخطب بعد أن صلى الاستسقاء ودعا الله وامن الناس على دعائه وحول رداءه ورجع الناس بعد صلاة الظهر وبات السيد عمر هناك

وفي تلك الليلة رجع الماء الى محل الزيادة الاولى واستتر الحجر الراقد بالماء
وفي يوم الاثنين خرجوا ايضا واشار بعض الناس باحضار النصارى أيضا فحضروا وحضر المعلم غالي ومن يصحبه من الكتبة الاقباط وجلسوا في ناحية من المسجد يشربون الدخان وانفض الجمع أيضا
وفي تلك الليلة التى هي ليلة الثلاثاء زاد الماء ونودى بالوفاء وفرح الناس وطفق النصارى يقولون أن الزيادة لم تحصل الا بخروجنا
فلما كانت ليلة الاربعاء طاف المنادون بالرايات الحمر ونادوا بالوفاء وعمل الشنك والوقدة تلك الليلة على العادة
وفي صبحها حضر الباشا والقاضي واجتمع الناس وكسروا السد وجرى الماء في الخليج جريانا ضعيفا لعلو ارض الخليج وعدم تنظيفه من الاتربة المتراكمة فيه من مدة سنين وكان ذلك يوم الاربعاء غرة شهر رجب وتاسع عشر مسرى القبطى
واستهل شهر رجب بيوم الاربعاء سنة في ثانية يوم الخميس وصل الى بولاق راغب افندي وهو اخو خليل افندي الرجائي الدفتردار المقتول على يده مرسوم باجراء الخطبة باسم السلطان محمد بن عبدالحميد وانزلوه ببيت ابن السباعي بالغورية وضربوا مدافع بالقلعة وشنكا ثلاثة ايام في الاوقات الخمسة وخطب الخطباء في صبحها بإسم السلطان محمود الدعاء له في جميع المساجد
وفي ليلة الاحد خامسه سافر محمد علي باشا الى بحري ونزل في المراكب وارسل قبل نزوله بأيام بتشهيل الاقامات والكلف على البلاد من كل صنف خمسة عشر واخلوا لمن معه بيوت البنادر مثل المنصورة ودمياط ورشيد والمحلة والاسكندرية وفرض الفرض والمغارم على البلاد على حكم القراريط التى كانوا ابتدعوها في العام الماضى على كل قيراط سبعة آلاف وسبعمائة نصف فضة وسماها كلفة الذخيرة وامر بكتابة دفتر لذلك فكتب

اليه الروزنامجي أن الخراب استولى على كثير من البلاد فلا يمكن تحصيل هذا الترتيب فأرسل من المنصورة يأمر بتحرير العمار بدفتر مستقل والخراب بدفتر آخر فلما فعل الروزنامجي ذلك ادخل فيها بلاد بها بعض الرمق لتخلص من الفرضة وفيها ما هو لنفسه فلما وصلت اليه امر بتوزيع ذلك الخراب على اولاده واتباعه واغراضه وعدتها مائة وستون بلدة وامر الروزنامجي بكتابة تقاسيطها بالاسماء التى عينها له فلم يمكن الروزنامجي أن يتلاقى ذلك فتظهر خيانته ووزعت وارتفعت عن اصحابها وكذلك حصل باقليم البحيرة لما عمها الخراب وتعطل خرابها وطلبوا الميري من الملتزمين فتظلموا واعتذروا بعموم الخراب فرفعوها عنهم وفرقها الباشا على اتباعه واستولوا عليها وطلبوا الفلاحين الشاردة والمتسحبة من البلاد الاخر وامروهم بسكناهم وزادوا في الطنبور نقمات وهو انهم صاروا ينتبعون اولاد البلد ارباب الصنائع الذين لهم نسبة قديمة بالقرى وذلك باغراء اتباعهم واعوانهم فيكون الشخص منهم جالسا في حانوته وصناعته فما يشعر الا والاعوان محيطون به ويطلبونه الى مخدومهم فإن امتنع او تلكأ سحبوه بالقهر وادخلوه الى الحبس وهو لا يعرف له ذنبا فيقول وما ذنبي فيقال له عليك مال الطين فيقول واي شيء يكون الطين فيقولون له طين فلاحتك من مدة سنين لم تدفعه وقدره كذا وكذا فيقول لا اعرف ذلك ولااعرف البلد ولا رأيتها في عمرى لا انا ولا أبي ولا جدي فيقال له الست فلانا الشيراوي الو الميناوي مثلا فيقول لهم هذه نسبة قديمة سرت الي من عمي او خالي او جدي فلا يقبل منه ويحبس ويضرب حتى يدفع ما الزموه به او يجد شافعا يصالح عليه وقد وقع ذلك لكثير من المتسببين والتجار وصناع الحرير وغيرهم ولم يزل الباشا في سيره حتى وصل الى دمياط وفرض على اهلها اكياسا واخذ من حكامها هدايا وتقادم ثم رجع الى سمنود وركب في البر الى المحلة وقبض ما فرضه عليها وهو خمسون كيسا نقصت سبعة اكياس عجزوا عنها بعد الحبس والعقاب وقدم له حاكمها ستين جملا

واربعين حصانا خلاف الاقمشة المحلاوية مثل الززدخانات والمقاطع الحرير وما يصنع بالمحلة من انواع الثياب والامتعة صناعة من بقي بها من الصناع ثم ارتحل عنها ورجع الى بحر منوف وذهب الى رشيد والاسكندرية ولما استقر بها اعبى هدية الى الدولة وارسل الى مصر فطلب عدة قناطير من البن والاقمشة الهندية وسبعمائة اردب ارز ابيض اخذت من بلاد الارز وارسل الهدية صحبة ابراهيم افندى المهردار وحضر اليه وهو بالاسكندرية قابجي من طرف مصطفى باشا البيرقدار الوزير برسالة ورجع بالجواب على اثره ولم يعلم ما دار بينهما
وفي منتصفه اعنى ! شعبان حضر محمد علي باشا من غيبته وطلع على ساحل بولاق ليلة الخميس خامس عشره وذهب الى داره بالازبكية ثم طلع في ثاني يوم الى القلعة وضربوا لحضوره مدافع

واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة
فيه وردت الاخبار بحرق القمامة القدسية وظهر حريقها من كنيسة الاروام
وفيه سافر عدة من العسكر والدلاة وعمر بك الالفي ومعه طائفة من المماليك الى البحيرة بسبب عربان اولاد علي فإنهم كانوا بعد الحوادث المتقدمة نزلوا باقليم وشاركوا وزرعوا مثل ما كان عليه الهنادي والجهنة فلما اصطلح الالفية مع الباشا توسط شاهين بك في صلح الهنادى والجهنة على قدر وذلك لما كان بينهم وبين استاذه من النسابة ونزل صحبتهم الى البحيرة وغمرهم بأرضها كما كانوا اولاد وطرد اولاد علي وحاربهم ومكن الهنادي والجهنة ورجع الى الجيزة فراسل اولاد علي باشا بوساطة بعض اهل الدولة وعملوا للباشا مائة ألف ريال على رجوعهم للبحيرة واخراج الهنادي فأجابهم طمعا في المال فحنق اولئك وعصوا وحاربوا اولاد علي ونهبوا ونالوا منهم بعد أن كانوا ضيقوا عليهم وحصلت اختلافات وامتنع اولاد علي من دفع المال الذي قرروه على انفسهم واجتمعوا بحوش ابن عيسى فأرسل اليهم الباشا عمر بك المذكور ومن معه فحاربوهم مع الهنادي

فظهر عليهم اولاد علي وهزموهم وقتل من الدلاة اكثر من مائة وكذلك من العسكر ونحو الخمسة عشر من المماليك فأمر الباشا بسفر عساكر أيضا وصحبتهم نعمان بك وخلافه وسافرت طائفة من العرب الى ناحية الفيوم فأرسلوا لهم عدة من العسكر
وفي اواخره سافر أيضا شاهين بك وباقي الالفية خلاف احمد بك فإنه اقام بالجيزة
وفيه نودى على المعاملة بأن يكون صرف الريال الفرنسا بمائتين وعشرين وكان بلغ في مصارفته الى مائتين واربعين والمحبوب بمائتين وخمسين فنودى على صرفه بمائتين واربعين وذلك كله من عدم الفضة العددية بأيدي الناس والصيارف لتحكيرهم عليها ليأخذها تجار الشام بفرط في مصارفتها تضم للميري فيدور الشخص على صرف القرش الواحد فلا يجد صرفه الا بعد جهد شديد ويصرفه الصراف او خلافه للمضطر بنقص نصفين او ثلاثة
وفيه سافر أيضا حسن الشماشرجي ولحق بالمجردين
وفي اواخره ورد الخبر بأن محو بك كاشف البحيرة قبض على السيد حسين نقيب الاشراف بدمنهور واهانه وضربه وصادره واخذ منه الفي ريال بعد أن حلف انه لم يأت بها في مدة اربع وعشرين ساعة والا قتله فوقع في عرض النصارى المباشرين فدفعوها عنه حتى تخلص بالحياة وكذلك قبض على رجل من التجار وقرر عليه جملة كثيرة من المال فدفع الذي حصلته يده وبقي عليه باقي ما قرره عليه فلم يزل في حبسه حتى مات تحت العقوبة فطلب اهله رمته فحلف لا يعطيها لهم حتى يكون ابنه في الحبس مكانه
ومن الحوادث السماوية أن في سابع عشرين رمضان غيمت السماء بناحية الغربية والمحلة الكبرى وامطرت بردا في مقدار بيض الدجاج واكبر واصغر فهدمت دورا واصابت انعاما غير انها قتلت الدودة من الزرع البدري

واستهل شهر شوال بيوم الاحد سنة
وفي اواخره حضر شاهين بك الألفي من ناحية البحيرة وذلك بعد ارتحال اولاد علي من الاقليم
وفيه أيضا حضر سليمان كاشف البواب من ناحية قبلي وصحبته عدة من المماليك واربعة من الكشاف فقابل الباشا وخلع عليه وانزله ببيت طنان بسويقة العزى وسكن بها وحضر مطرودا من اخوانه المرادية
واستهل شهر القعدة بيوم الاثنين سنة
وفيه عزل الباشا السيد المحروقي عن نظارة الضربخانه ونصب بها شخصا من اقاربه
وفي ثالث عشره نزل والى الشرطة وامامه المناداة على ما يستقرضه الناس من العسكر بالربا والزيادة على أن يكون على كل كيس ستة عشر قرشا في كل شهر لا غير والكيس عشرون ألف نصف فضة وهو الكيس الرومي وذلك بسبب ما انكسر على المحتاجين والمضطرين من الناس من كثرة الربا لضيق المعاش وانقطاع المكاسب وغلو الاسعار وزيادة المكوس فيضطر الشخص الى الاستدانة فلا يجد من يداينه من اهل البلد فيستدين من احد العسكر ويحسب عليه على كل كيس خمسين قرشا في كل شهر واذا قصرت يد المديون عن الوفاء اضافوا الزيادة على الاصل وبطول الزمن تفحش الزيادة ويؤل الامر لكشف حال المديون وجرى ذلك على كثير من مساتير الناس وباعوا املاكهم ومتاعهم والبعض لما ضاق به الحال ولم يجد شيئا خرج هاربا وترك اهله وعياله خوفا من العسكري وما يلاقي منه وربما قتله فعرض بعض المديونين الى الباشا فامر بكتابة هذا البيور لدي ونزل به والي الشرطة ونادى به في الاسواق فعد ذلك من غرائب الحكام حيث ينادى على الربا جهارا في الاسواق من غير احتشام ولا مبالاة لأنهم لا يرون ذلك عيبا في عقيدتهم

وفي رابع عشرينه غضب الباشا على محو بك الكبير الذي كان كاشفا بالبحيرة ونفاه الى أبي قير واخذ امواله وانعم ببيته وهو بيت حسين أغا شنين بحارة عابدين وما بها من الخيل والجمال والجوار والخيام والمتاع على محو بك الصغير الاورفلي

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء سنة
وفيه وصلت الاخبار من اسلامبول بوقوع فتنة عظيمة وانه لما حصل ما حصل في منتصف السنة من دخول مصطفى باشا البيرقدار على الصورة المذكورة وقتل السلطان سليم وتولية السلطان محمود وخذلان الينكجرية وقتلهم ونفيهم وتحكم مصطفى باشا في امور الدولة واستمر من بقي منهم تحت الحكم فاجمعوا امرهم ومكرا مكرهم وحذر بعضهم مصطفى باشا من المذكورين فلم يكترث بذلك واستهون امرهم واحتقر جانبهم وقال اي شيء هؤلاء منا ولري بمعنى انهم بياعون الفاكهة فكان حاله كما قيل فلا تحتقر كيد العدو فربما تموت الافاعي من سموم العقارب ثم انهم تحزبوا وحضروا الى سرايته على حين غفلة بعد السحور ليلة السابع والعشرين من رمضان وجماعته وطائفته متفرقون في اماكنهم فحرقوا باب السراية وكبسوا عليه فقتل من قتل من اتباعه وهرب من هرب على حمية واختفى مصطفى باشا في سرداب فلم يجدوه واوقعوا بالسراية الحرق والهدم والنهب وخاف السلطان لأن سراية الوزير بجانب السراية السلطانية ففتح باب السراية التى بناحية البحر وارسل يستعجل قاضى باشا بالحضور وكذلك قبطان باشا فحضرا الى السراية واشتد الحرب بين الفريقين واكثر الينكجرية من الحريق في البلدة حتى احرقوا منها جانبا كبيرا فلما عاين السلطان ذلك هاله وخاف من عموم حريق البلدة وهو ومن معه محصورون بالسراية يوما وليلة فلم يسعه الا تلافي الامر فراسل كبار الينكجرية وصالحهم وابطلوا الحرب وشرعوا في اطفاء الحريق وخرج قاضي باشا هاربا وكذلك قبودان باشا وهو عبدالله رامز افندي الذي كان في ايام الوزير بمصر ثم انهم

اخرجوا مصطفى باشا من المكان الذي اختفى فيه ميتا من تحت الردم وسحبوه من رجليه الى خارج وعلقوه في شجرة ومثلوا به واكثروا على رمته من السخرية وعند وقوع هذه الحادثة ومجيء قاضي الباشا وكان من اغراض السلطان مصطفى المنفصل فخاف السلطان أن قاضي باشا أن غلب على الينكجرية فيعزله ويولي اخاه ويرده الى السلطنة فقتل السلطان محمود اخاه مصطفى خنقا ثم لما سكن الحال عينوا على قاضي باشا وقتلوه وكذلك عبدالله افندي رامز قبودان باشا وكان مصطفى باشا البيرقدار هذا مشكور السيرة يحب اقامة العدل والوقت بخلاف ذلك
وفيه قوي الاهتمام بسد ترعة الفرعونية وتعين لذلك شخص يسمي عثمان السلانكلي الذي كان مباشرا على جسر الاسكندرية
وفي منتصفه سافر الباشا وصحبته حسن باشا لمباشرة الترعة التي يريدون سدها وامر بوسق الاحجار وافردوا لذلك عدة كثيرة من المراكب تشحن بالاحجار والاخشاب الكثيرة وترجع فارغة وتعود موسوقة في كل يوم مرة وامر بجمع الرجال من القرى للعمل
وفيه أيضا شرع الباشا في انشاء ابنية بساحل شبرا الشهيرة الآن بشبرا المكاسة واشيع أن قصده انشاء سواقي وعمائر وبساتين ومزارع واخذ في الاستيلاء على ما يحاذي ذلك من القرى والاطيان والرزق والاقطاعات من ساحل شبرا الى جهة بركة الحاج عرضا
وفي سابع عشره خرجت عساكر كثيرة الى البر الغربي بقصد الذهاب الى الفيوم صحبة شاهين بك والالفية بسبب اولاد علي الذين كانوا بالبحيرة
وفي ثاني عشرينه وصل واحد قابجي واشيع انه طلع من بولاق وذهب الى بيت الباشا وعلى يده مرسومان احدهما تقرير للباشا على ولاية مصر والثاني يذكر فيه أن يوسف باشا المعدني الصدر السابق تعين بالسفر على جهة الشام لتنظيم بلاد العرب والحجاز أن يقوم محمد علي باشا بلوازمه

وما يحتاج اليه من ادوات وذخير وغير ذلك ولم يظهر لذلك الكلام اثر ولما اصبح النهار وحضر القابجي في موكب الى بيت الباشا وحضر الاشياخ والاعيان وكان الباشا غائبا في الترعة كما تقدم وعوضه كتخدا بك واكابر دولتهم وقرئت المراسيم تحقق الخبر وانقضت السنة بحوادثها التى لا يمكن ضبط جزئياتها لعدم الوقوف على حقيقتها فمن الحوادث العامة توالي الفرض والمظالم المتوالية واحداث انواع المظالم على كل شىء والتزايد فيها واستمرار الغلاء في جميع اسعار المبيعات والمأكل والمشارب بسبب ذلك وفقر اهل القرى وبيعهم لمواشيهم في الغارم فقل اللحم والسمن والجبن واخذ مواشيهم واغنامهم من غير ثمن في الكلف ثم رميها على الجزارين بأغلى ثمن ولا يذبحونها الا في المذابح ويؤخذ منهم اسقاطها وجلودها ورؤوسها ورواتب الباشا واهل دولته ثم يذهبون بما يبقى لهم لحوانيتهم فتباع على اهل البلد بأغلى ثمن حتى يخلص للجزار رأس ماله واذا عثر المحتسب على جزار ذبح شاة اشتراها في غير المذبح قبض عليه واشهره واخذ ما في حانوته من اللحم من غير ثمن ثم يحبس ويضرب ويغرم مالا ولا يغفر ذنبه ويسمى خائنا وفلاتيا ومنها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي الناس عن الحج والحال ليس كذلك فانه لم يمنع احدا يأتي الحج على الطريقة المشروعة وانما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التى لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الاسلحة وقد وصل طائفة من حجاج المغاربة وحجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله ولم يتعرض لهم احد بشيء ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي وانقطع عن اهل المدينة ومكة ما كان يصل اليهم من الصدقات والعلائف والصرر التى كانوا يتعيشون منها خرجوا من اوطانهم باولادهم ونسائهم ولم يمكث الا الذي ليس له ايراد من ذلك واتوا الى مصر والشام ومنهم من ذهب الى اسلامبول يتشكون من الوهابي ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها من اجراء الارزاق واتصال

الصلات والنيابات والخدم في الوظائف التى بأسماء رجال الدولة كالفراشة والكناسة ونحو ذلك ويذكرون أن الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر والجواهر ونقلها واخذها فيرون أن اخذه لذلك من الكبائر العظام وهذه الاشياء ارسلها ووضعها خساف العقول من الاغنياء والملوك والسلاطين الاعاجم وغيرهم اما حرصا على الدنيا وكراهة أن يأخذها من يأتي بعدهم او لنوائب الزمان فتكون مدخرة ومحفوظة لوقت الاحتياج اليها فيستعان بها على الجهاد ودفع الاعداء فلما تقادمت عليها الازمنة وتوالت عليها السنين والاعوام الكثيرة وهي في الزيادة فارتدت معنى لاحقيقة وارتسم في الاذهان حرمة تناولها وانها صارت مالا للنبي صلى الله عليه و سلم فلا يجوز لأحد اخذها ولا انفاقها والنبي عليه الصلاة و السلام منزه عن ذلك ولم يدخر شيئا من عرض الدنيا في حياته وقد اعطاه الله الشرف الاعلى وهو الدعوة الى الله تعالى والنبوة والكتاب واختار أن يكون نبيا عبدا ولم يختر أن يكون نبيا ملكا
وثبت في الصحيحين وغيرهما انه قال اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا
وروى الترمذي بسنده عن أبي امامة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا قلت لا يارب ولكن اشبع يوما واجوع يوما او قال ثلاثا او نحو ذلك فإذا جعت تضرعت اليك وذكرتك واذا شعبت شكرتك وحمدتك ثم ان كانوا وضعوا هذه الذخائر والجواهر صدقة على الرسول ومحبة فيه فهو فاسد فهو لقول النبي صلى الله عليه و سلم أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد انما هي اوساخ الناس ومنع بنى هاشم من تناول الصدقة وحرمها عليهم والمراد الانتفاع في حال الحياة لا بعدها فان المال اوجده المولى سبحانه وتعالى من امور الدنيا لا من امور الآخرة قال الله تعالى انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد وهو من جملة السبعة

التى ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب فهذه السبعة تكون الخبائث والقبائح وليست هي في نفسها امورا مذمومة بل قد تكون معينة على الآخرة اذا صرفت في محلها
وعن مطرف عن ابيه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقرا الهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالي مالي فهل لك يا ابن ادم من مالك الا ما اكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فأمضيت الى غير ذلك ومحبة الرسول بتصديقه واتباع شريعته وسنته لا بمخالفة اوامره وكنز المال بحجرته وحرمان مستحقيه من الفقراء والمساكين وباقي الاصناف الثمانية وان قال المدخر اكنزها لنوائب الزمان ليستعان بها على مجاهدة الكفار والمشركين عند الحاجة اليها قلنا قد رأينا شدة احتياج ملوك زماننا واضطرارهم في مصالحات المتغلبين عليهم من قرانات الافرنج وخلو خزائنهم من الاموال التى افنوها بسوء تدبيرهم وتفاخرهم ورفاهيتهم فيصالحون المتغلبين بالمقادير العظيمة بكفالة احدى الفرق من الافرنج المسالمين لهم واحتالوا على تحصيل المال من رعاياهم بزيادة المكوس والمصادرات والطلبات والاستيلاء على الاموال بغير حق حتى افقروا تجارهم ورعاياهم ولم يأخذوا من هذه المدخرات شيئا بل ربما كان عندهم او عند خونداتهم جوهر نفيس من بقايا المدخرات فيرسلونه هدية الى الحجرة ولا ينتفعون به في مهماتهم فضلا عن اعطائه لمستحقه من المحتاجين واذا صار في ذلك المكان لا ينتفع به احد الا ما يختلسه العبيد الخصيون الذين يقال لهم اغوات الحرم والفقراء من اولاد الرسول واهل العلم والمحتاجون وابناء السبيل يموتون جوعا وهذه الذخائر محجور عليها وممنوعة منها الى أن حضر الوهابي واستولى على المدينة واخذ تلك الذخائر فيقال انه عبى اربعة سحاحير من الجواهر المحلاة بالالماس والياقوت

العظيمة القدر ومن ذلك اربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة الماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام ونحو مائة سيف قراباتها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها الماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك وسلاحها من الحديد الموصوف كل سيف منها لا قيمة له وعليها دمعات باسم الملوك والخلفاء السالفين وغير ذلك
ومنها أن الباشا عزم على عمارة المجراة التى تنقل الماء الى القلعة وقد خربت وتلاشى امرها وتهدمت قناطرها وبطل نقل الماء عليها من نحو عشرين سنة فقيد بعمارتها محمد افندي طبل ناظر المهمات فعمرها واجرى الماء بها في اواخر الشهر الماضي
ومنها احداث عدة مكوس على اصناف كثيرة منها على بضاعة اللبان عن كل قطعة ثلثمائة نصف فضة وكذلك على صنف الحناء عن كل مخلة عشرة انصاف وكذلك الموزونات كل مائة درهم اربعة دراهم على البائع درهمان وعلى المشتري درهمان وغير ذلك حوادث كثيرة لا نعلمها

واما من مات بها ممن له ذكر
فمات الاجل المبجل والمحترم المفضل السيد خليل البكري الصديقي ووالدته من ذرية شمس الدين الحنفي وهو اخو الشيخ احمد البكري الصديقي الذي كان متوليا على سجادتهم ولما مات اخوه لم يلها المترجم لما فيه من الرعونة وارتكابه امورا غير لائقة بل تولاها ابن عمه السيد محمد افندي مضافة لنقابة الاشراف فتنازع مع ابن عمه المذكور وقسموا البيت الذي هو مسكنهم بالازبكية نصفين وعمر منابه عمارة متقنة وزخرفة وانشأ فيه بستانا زرع فيه اصناف الاشجار والفواكه فلما توفي السيد محمد افندي تولى المترجم مشيخة السجادة وتولى نقابة الاشراف السيد عمر مكرم الاسيوطي فلما طرق البلاد الفرنساوية تداخل المترجم فيهم وخرج السيد عمر مع من خرج هاربا من الفرنساوية الى بلاد الشام وعرف المترجم الفرنساوية أن النقابة كانت لبيتهم وانهم غصبوها منه

فقلدوه اياها واستولى على وقفها وايرادها وانفرد بسكن البيت وصار له قبول عند الفرنساوية وجعلوه من اعاظم رؤساء الديوان الذي كانوا نظموه لاجراء الاحكام بين المسلمين فكان وافر الحرمة مسموع الكلمة مقبول الشفاعة عندهم فازدحم بيته بالدعاوى والشكاوى واجتمع عنده مماليك من مماليك الامراء المصرية الذين كانوا خائفين ومتغيبين وعدة خدم وقواسة ومقدم كبير وسراجين واجناد واستمر على ذلك الى أن حضر يوسف باشا الوزير في المرة الاولى التى انتقض فيها الصلح ووقعت الحروب في البلدة بين العثمانية والفرنساوية والامراء المصرية واهل البلدة فهجم على داره المتهورون من العامة ونهبوه وهتكوا حريمه وعروه عن ثيابه وسحبوه بينهم مكشوف الرأس من الازبكية الى وكالة ذى الفقار بالجمالية وبها عثمان كتخدا الدولة فشفع فيه الحاضرون واطلقوه بعد أن اشرف على الهلاك واخذه الخواجا احمد بن محرم الى داره واسكن روعه والبسه ثيابا واكرمه وبقي بداره الى أن انقضت ايام الفتنة وظهرت الفرنساوية على المحاربين لهم وخرجوا من البلدة واستقر بها الفرنساوية فعند ذلك ذهب اليهم وشكا لهم ما حل به بسبب موالاته لهم فعوضوا عليه ما نهب له ورجع الى الحالة التي كان عليها معهم وكانت داره اخربها النهابون فسكن ببيت البارودي بباب الخرق ثم انتقل منه الى بيت عبدالرحمن كتخدا القازدغلي بحارة عابدين وجدد بها عمارة وكان له ابنة خرجت عن طورها في ايام الفرنسيس فلما اشيع حضور الوزير والقبودان والانكليز وظهر على الفرنساوية الخروج من مصر فقتل ابنته المذكورة بيد حاكم الشرطة فلما استقرت العثمانية بالديار المصرية عزل المترجم عن نقابة الاشراف وتولاها السيد عمر مكرم كما كان قبل الفرنساوية ولما حضر محمد باشا خسرو انهى اليه الكارهون له بأنه مرتكب للموبقات ويعاقر الشراب وغير ذلك وأن ابنته كانت تذهب الى الفرنسيس بعلمه وانه قتلها خوفا وتبرئة لنفسه من الشهرة التى لا يمكنه سترها ولا يقبل عذره

فيها ولا التنصل منها وانه لايصلح لمشيخة سجادة السادة البكرية وعرفوه أن هناك شخصا من سلسلتهم يقال له الشيخ محمد سعد وهو من جملة اتباع المترجم ولكنه فقير لايملك شيئا ولا دابة بركبها فقال الباشا انا اواسيه واعطيه فاحضروه له بعد أن البسوه تاجا كبيرا وثيابا وهو رجل مبارك طاعن في السن فالبسه فروة سمور وقدم له حصانا معددا وقيد له ألف قرش وسكن دار بناحية باب الخرق وتريش حاله وخمل امر المترجم واشترى دارا بدرب الجماميز بعطفه الفرن وكان بظاهرها قطعة جنينة فاشتراها وغرس بها اشجارا وحسنها واتقنها وبنى له مجلسا مطلا عليها وبالاسفل مساطب ولواوين جلوس لطيفة واشترى دارين من دور الامراء المتقدمين بظاهر ذلك وهدمهما وبنى بانقاضهما واخشا بها وباع ما كان تحت يده من حصص الالتزام وسد بأثمانها ديونه واقتصر على ايراده فيما يخصه من وقف جده لامه الاستاذ الحنفي وتصدى لفاقمته واذيته انفار من المتظاهرين مثل السيد عمر مكرم النقيب والشيخ محمد وفا السادات وخلافهما حتى انه كان عقد لأبنه سيدي احمد على بنت المرحوم محمد افندي البكري فتعصبوا عليه بعد عزله من المشيخة والنقابة وابطلوا العقد وفسخوا النكاح ببيت القاضي وتسلط عليه من له دين او دعوى او مطالبة حتى بيعوه حصصه وكان قد اشترى مملوكا في ايام الفرنساوية جميل الصورة فلما حصل له ماحصل ادعى عليه البائع انه اخذه بدون القيمة ولم يدفع له الثمن فلم يثبت عليه ذلك وكان المملوك ذهب من عنده وتم الامر والمصالحة على ان عثمان بك المرادي اخذ ذلك المملوك لنفسه وقد تقدم ذكر قصته في الحوادث السابقة ولم يزل المترجم على حالة خموله حتى تحرك عليه داء الفتق ومات على حين غفلة في منتصف شهر ذي الحجة وصلى عليه بمسجد جده لامه الشيخ شمس الدين أبو محمد الحنفي ودفن عند اسلافه بمشهد السادة البكرية بالقرافة رحمه الله وعفا عنا وعنه

ومات الامير شاهين بك المرادي ويعرف بباب اللوق لأنه كان ساكنا هناك وهو من مماليك مراد بك واصله جركسي الجنس ولما اعتقه مراد بك انعم عليه بكشوفية اقليم الغربية ثم رجع الى مصر واقام بطالا متطلعا للامارة ويرى انه احق بها من غيره ولما رجع المصريون الى مصر بعد قتل طاهر باشا وكان الألفي غائبا ببلاد الانكليز انضم اليه عثمان بك البرديسي ووافقه على كراهة الألفي الباطنية وكان هو احد المباشرين والضاربين لحسين بك الوشاش بالبر الغربي ليلة خروجهم وتعديتهم لملاقاة الألفي ثم خرج من مصر مع عشيرته ولم يزل حتى مات في منتصف شهر ربيع الاول من السنة المذكوره والله اعلم

سنة اربع وعشرين ومائتين والف
استهل شهر المحرم بيوم الخميس وفي تلك الليلة اعني ليلة الجمعة ثانيه مرت سحابة سوداء مظلمة في وقت العشاء وحصل فيها رعد مزعج وبرق مستنير شديد اللمعان وامطرت في محلات قليلا وفي اخرى كثيرا ثم انجلت السماء سريعا فظهرت النجوم وبعد ايام اخبر الواردون من ناحية بلاد السماحات بالغربية انها امطرت بتلك الناحية في تلك الليلة بردا كبيرا وصغيرا والكبير في مقدار حجر الطاحون والصغير في مقدار بيض الدجاج وتهدمت منها دور وقتلت مواشي وآدمية واهلكت زروعا كثيرة
وفي يوم الاحد رابعه قتل الباشا حسين بن الخبيري وهو بترعه الفرعونية وارسل راسه الى مصر فعلقت بباب زويله
وفي اواخره حضر الباشا من ترعة الفرعونية وقد عجز عن سدها بعد أن بذل جهده وفرض الفرض العظيمة على البلاد واشغلوا المراكب في نقل الاحجار ليلا ونهارا والسيد محمد المحروقي متقيد لذلك ومقيم بمسجد الآثار لتشهيل الحجارين ووسقها بالمراكب وقطعها من الجبل قطعا وصخورا فكانوا يشقون الجبل بالغام البارود مثل عمل الافرنج وظهر في قطعهم كهوف ومغارات وتجاويف وتحدث الناس بذلك بانواع الاكاذيب والخرافات

كقولهم ظهر في الجبل باب من حديد وعليه اقفال ففتحوه ونظروا من داخله اشخاصا على خيول الى غير ذلك
وفيه حضر قاصد من قبودان باشا بطلب عوائده بالاسكندرية فقال له حاكم الاسكندرية ينبغي أن تذهب الى الباشا بالترعة وتقابله فذهب اليه وقابله عند السد فبات تلك الليلة واصبح ميتا فاخرجوه الى المقبرة ثم حضر قاصد آخر يخبر بوصول قابجي وعلى يده مرسومان احدهما الاخبار عن صلح الدولة مع الانكليز والموسكوب وانفتاح البحر وامن المسافرين والثاني الامر بالسفر والخروج الى فتح الحرمين وطرد الوهابية عنهما وان يوسف باشا الصدر السابق المعروف بالمعدن تعين بالسفر للحرمين على طريق الشام وكذلك سليمان باشا والي بغداد متعين أيضا بالسفر من ناحيته على الدرعية واحضر للباشا تقريرا بالولاية مجددا وخلعه وسيفا

واستهل شهر صفر بيوم السبت سنة
فيه حضر الآغا الواصل الى بولاق فركب لملاقاته آغات الينكجرية والوالي وارباب العكاكيز فأربكوه في موكب ودخلوا به من باب النصر وطلع الى القلعة وقرؤا المراسيم بحضرة الجمع وبعد الفراغ من قراءتها ضربوا مدافع وشنكا
وفي ذلك اليوم غيمت السماء بالسحاب وامطرت كثيرا ونزل مطر ببركة الحاج وجدوا فيه سمكا صغيرا من جنس السمك الذي يعرف بالقاروص وصار يتنطط على الارض واحضروا منه الى مصر وشاهدناه وهو في غاية البرودة
وفيه اهتم الباشا باخراج تجريدة الى الامراء القبليين وذلك انه تقدم بالارسال اليهم يطالبهم بالغلال والاموال الميرية المرار العديدة ويعدون ولا يوفون ووصل اليه من عندهم رضوان كتخدا البرديسي وهو بالترعة ومعه اجوبة وهدية وفيها خيول وجوار

وعبيد وسنكر وخصيان فاغتاظ الباشا من قال انا لست اطلب احسانهم وصدقاتهم حتى انهم يضحكون على ذقني بهذه الامور وحيث انهم لايرجعون عن الكامن في رؤوسهم فلا بد من خروجي اليهم ومحاربتهم وارسل الى من بمصر من الاكابر يأمرهم بالبراز والخروج فخرج حسن باشا وصالح أغا قوج وطاهر باشا واحمد بك والكثير من اعيانهم بعساكرهم وعدوا الى بر الجيزة ونصبوا وطاقهم وخيامهم ثم أن رضوان كتخدا لم يزل يلاطفه حتى توافق معه على وعد مقدار مسافة ذهاب الجواب ورجوعه اياما معدودة فلما حضر من الترعة اخذ في التشهيل والخروج فانتقلت العساكر الى البر الغربي واخذ يستحث في المطلوبات وخروج الخيام وجمع المراكب وسافر قبودان بولاق الى جهة بحرى لجمع المراكب وفرضوا على القرى غلالا وجمالا وذلك في عقب ما فرضه عليهم في مهمات الترعة المتقدمة وخلافها من بشارة القبطان والتقرير وما في ضمن ذلك من حق طرق المباشرين والمعينين مع ما الناس فيه من القحط والغلاء في الغلال وغيرها وعدم وجود الغلة والذين لايقدورن على تحصيل الغلة يلزمونهم بدفع ثمنها بأقصى القيمة بعد مصانعة المباشرين لذلك واعطائهم الرشوات وحضر أيضا نعمان سراج باشا من عند ابراهيم بك وقابل الباشا على الترعة فلم ينفع حضوره أيضا ولم يسمع له قول ورجع مزيفا
وفي خامسه حضر علي بك ايوب وصحبته اخر يقال له رضوان بك البرديسي فطلعا الى القلعة وتقابلا مع الباشا وانخضع له علي بك ايوب وقبل رجله وترجى عنده في عدم خروج التجريدة وكلمه في امر الغلال المنكسرة والجديدة وعلى انهم يقومون بدفع الغلال القديمة بالثمن والجديدة بالكيل وليس عندهم مخالفة والقصد الامهال الى حصاد الغلال فقال انهم اذا حصدوا الغلال اخذوها وفروا الى الجبال واستمر هذا القيل والقال نحو اربعة ايام ثم اشيع في ثامنه الصلح وفرح الناس

واستبشروا بذلك لما يترتب وما يحصل من الفساد واكل الزروعات وخراب البلدان فانهم اكلوا في الاربعة ايام التي ترددوا فيها بالجيزة نيفا وخمسمائة فدان ولما اشيع بالجهة القبلية خروج العساكر للتجريدة انزعجوا وايسوا من زروعاتهم وخرجوا من اوطانهم على وجوههم لا يدرون اين يذهبون بأولادهم ونسائهم وقصاعهم وتفرقوا في مصر والبلاد البحرية
وفي صبحها اعيد امر التجريدة واشيع خروج العساكر ثانيا فانقبضت النفوس ثانيا وباتوا في نكد وطلبت السلف من المساتير والملتزمين وكتبت الدفاتر وحولت الاكياس وانبثت المعينون للطلب
وفي عاشره بطل صبحها اعيد امر التجريدة وانقضى امر الصلح على شروط وهي انهم التزموا بثلث ما عليهم من غلال الميري وقدره مائة ألف اردب وسبعة آلاف اردب بعد مناقشات ومحققات والذي تولى المناقشات معهم مساعدا للباشا شاهين بك الألفي والموعد احد وثلاثون يوما وسافر علي بك ايوب ورضوان بك البزديسي واكرمهما الباشا وخلع عليهما
وفي حادي عشره قتل الباشا مصطفى آغا تابع حسن بك في قصبة رضوان ظلما وسبب ذلك انه لما نزل قبودان بولاق لجمع المراكب المطلوبه لسفر التجريدة فصادف شخصا من الارنؤد الذين يتسببون في بيع الغلال في مركب ومعه غلة وذلك عند قرية تسمى سهرجت فحجزه لياخذ منه السفينة فقال كيف تأخذها وفيها غلتي قال اخرج غلتك منها على البر واتركها فانها مطلوبه لمهمات الباشا فلم يرض وخاف على تبددها ولم يجد سفينة اخرى لأن جميع السفن مطلوبه مثلها وقال له عندما اصل بها الى مصر وانقل منها الغلة ارسل معي من ياخذها فقال القبودان لاسبيل الى ذلك وتشاجرا فحنق القبودان على الارنؤدي وسل عليه سيفه ليضربه فعاجله الارنؤدي وضربه بالطبنجة فقتله فاراد اتباع القبودان القبض عليه ففر منهم الى البلدة وبها جماعة من الدلاة معينون لقبض الفرضة فلجأ اليهم فمانعوا عنه وتنازع الفريقان وكان مصطفى أغا المذكور ملتزم البلدة هناك

وغائبا في بعض شؤونه فبلغه الخبر فحضر اليهم وخاف من وقوع قتل او شر يقع بالبلدة فيكون سببا لخراب الناحية فقال يا جماعة اذهبوا بنا الى الباشا ليرى رأيه فرضوا بذلك وحضر بصحبتهم والقاتل معهم وطلعوا الى ساحل بولاق فعندما وصلوا الى البر هرب القاتل وذهب عند عمر بك الارنؤدي الساكن ببولاق فتبعه الامير مصطفى المذكور فقال له عمر بك اذهب الى الباشا واخبره انه عندي وانت لا باس عليك ففعل فقال له الباشا ولأي شيء لم تحتفظ عليه وتتركه حتى يهرب فاعتذر بعدم قدرته على ذلك من الدلاتية الملتجيء اليهم وكأنهم هم الذين افلتوه فأمر بحبسه فأرسل الى عمر بك فحضر الى الباشا وترجى في اطلاقه فوعده انه في غد يطلقه اذا حضر القاتل فقال انه عند ازمير أغا وهو لايسلم فيه وركب الى داره فلما كان في الصباح امر بقتل الامير مصطفى المذكور فانزلوه الى الرميلة ورموا رقبته عند باب القلعة ظلما
وفي صبحها أيضا قتلوا شخصا من الدلاة بسبب هذه الحادثة
وفي ثاني يوم قتل الارنؤد شخصين من الدلاة أيضا
وفي يوم الخميس ثالث عشره ارسل الباشا وطلب الارنؤدي القاتل للقبودان من عمر بك وشدد في طلبه وقال ان لم يرسله وإلا احرقت عليه داره فامتنع من ارساله وجمع اليه طائفة الارنؤد وصالح أغا قوج جاره وركب الباشا وذهب الى ناحية الشيخ فرج وحصل ببولاق قلقة وانزعاج ثم ركب الباشا راجعا الى داره بالازبكية وقت الغروب كثرت الارجاف والقلقة بين الارنؤد والدلاتيه
وفي خامس عشره قتل الارنؤد شخصين من الدلاتيه أيضا جهة قناطر السباع ثم أن القاتل الذي قتل القبودان إلتجأ الى كبير من كبار الارنؤد فأرسل الباشا الى حسن باشا يطلب منه ذلك الكبير واكد في طلبه او انه يقطع رأس القاتل ويرسلها فكأنه فعل وارسل اليه براس ملفوفة في ملاية تسكينا لحدته وبردت القضية وسكنت الحدة وراحت على من راحت عليه

وفي اواخره امر الباشا بتحرير دفاتر فرضه الاطيان وزادوا فيها عن عام الشرقي الماضي الثلث وربطوها ورتبوها اربع مراتب تزيد كل ضريبة عن الاخرى مائة نصف فضة اعلاها يبلغ ثمانمائة نصف فضة على أن الفرضة الماضية بقي الكثير منها بالذمم لخراب القرى وعجزهم واختلى لتنظيم ذلك من الافندية والاقباط بجهات متباعدة الافندية بربع ايوب ببولاق والاقباط بدير مصر العتيقة حتى حرروا ذلك وتمموه ورتبوه في عدة ايام ووقع الطلب في جانب معجلا سموه الترويجة
وفيه امر الباشا عمر بك الارنؤدي بالسفر من مصر وقطع خرجه ورواتبه هو وعسكره فلم تسعه المخالفة وحاسب على المنكسر له ولعسكره من العلائف وكذلك حلوان البلاد التي في تصرفه فبلغ نحو ستمائة كيس وزعت على دائرة الباشا وخلافهم وكان الباشا ضبط جملة من حصص الناس واستولى عليها من بلاد القليوبية بحرى شبرا واختصها لنفسه فلما استولى على حصص غمر بك ودفع حلوانها وهي بالمنوفية والغربية والبحرية عوض بعض من يراعي جانبه من ذلك واخذ عمر بك ومن يلوذ به في تشهيل انفسهم وقضاء حوائجهم

واستهل شهر ربيع الاول سنة
فيه شرع السيد عمر مكرم نقيب الاشراف في عمل مهم لختان ابن ابنته ودعا الباشا والاعيان وارسلوا اليه الهدايا والتعابي وعمل له زفة يوم الاثنين سادس عشره مشى فيها ارباب الحرف والعربات والملاعيب وجمعيات وعصب صعايدة وخلافهم من اهالي بولاق والكفور والحسينية وغيرها من جميع الاصناف وطبول وزمور وجموع كثيرة فكان يوم مشهودا اكتريت فيه الاماكن للفرجة وكان هذا الفرح هو اخر طنطنة السيد عمر بمصر فانه حصل له عقيب ذلك ما سيتلى عليك قريبا من النفي والخروج من مصر
وفيه كمل سد ترعة الفرعونية واستمر العمل فيها وفي تأبيد السد بالاحجار والمشمعات والاتربة نحو ستة اشهر وصرف عليها من الاموال

مالا يحصى وجرى مجرى البحر الشرقي وغزر ماؤه وجرت فيه السفن من دمياط بعد أن كان مخاضه وملحت عذوبة النيل بما انعكس فيه وخالطه من ماء البحر الملح الى قبلي فارس كور واقام بالسد عمر بك تابع الاشقر لخفارته وتعهد الخلل وكتم الجسر من النشع والتنفيس وسكن هناك ولم يفارقه واستمر في هذه الوظيفة والخدمة ولم يقم بمصر
وفي هذا الشهر وما قبله تشحطت الغلال وغلا سعرها حتى بلغ الاردب القمح الفا وستمائة نصف فرضة وعز وجوده بالرقع والعرصات واما السواحل فلا يكاد يوجد بها شيء من الغلة بطول السنة ولولا لطف الله بوجود الذرة لهلكت الخلائق ومع ذلك استمرار المغارم والفرض حتى فرض الغلة عين وكذلك تبن وجمال وما ينضاف الى ذلك مما سمعته غير مرة مما يطول شرحه
وفيه نودي على صرف الفرانسة والمحبوب والمجر كما نودي في العام الماضي لأنه لما نودي بنقص صرفها ومضى نحو الشهر او الشهرين رجع الصرف الى ماكان عليه وزيادة فأعيد النداء كذلك وسيعود الخلاف ما دام الكرب والضيق بالناس على أن هذه المناداة والاوامر بالنقص والزيادة ليست من باب الشفقة على الناس ولا الرحمة وانما هي بحسب اغراضهم وزيادة طمعهم فإنه اذا توجهت المطالبات بالفرض والمغارم نودي بالنقص ليزيد الفرط وتتوفر لهم الزيادة ويحصل التشديد والمعاقبة على من يقبض بالزيادة من اهل الاسواق واذا كان الدفع من خزانتهم في علائف العسكر او لوازمهم الكبيرة قبضوها بأزيد من الزيادة التي نادوا عليها من غير مبالاة ولا احتشام تناقض مالنا الا السكوت عنه
وفي اواخره تواجدت الغلال وانحل سعرها وحضر الفلاحون ببدارى الغلة وانحط السعر والحمد لله

واستهل شهر ربيع الثاني سنة
في سادسه وردت مراسيم من الروم وبشارة بمولودة ولدت للسلطان

وسموها فاطمة وفي المراسيم الامر بالزينة فاقتضى الرأي أن يعملوا شنكا ومدافع من القلعة تضرب في الاوقات الخمسة سبعة ايام وهذا شئ لم يسمع بمثله فيما سبق أن يعملوا للانثى شنكا او زينة او يذكر ذلك مطلقا وانما يعمل ذلك للمولود الذكر من بدع الاعاجم
وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر من الامراء المصريين القبالي مرزوق بك ابن ابراهيم بك وسليم أغا مستحفظان وقاسم بك سلحدار مراد بك وعلي بك ايوب حسب الاتفاق المتقدم في تقرير الصلح ولكن لم يكن سليم أغا مذكورا في الحضور بل كان منجمعا وممتنعا عن التداخل في هذه الاحوال والسبب في حضوره أن زوجته توفيت من نحو نصف شهر فحضر لأجل تركتها ومتاعها ومتاعه الذي عندها وحصصها ولما حضر وجد الباشا استولى على ذلك واخذ المتاع والمصاغ والجواهر والعقار واخذ الحصص واخذ حلوانها وذلك بيد محمود بك الدويدار فلما حضر سليم اغا لم يجد شيئا لا دار ولا عقار ولا نافخ نار فنزل عند علي بك ايوب بمنزله بشمس الدولة فحضر اليه محمود بك الدويدار والترجمان واخذ بخاطره وطمناه واخبراه أن الباشا سيعوض عليه ماذهب منه وزيادة وزرعا له فوق السطوح فلم يسعه الى التسليم
وفيه سقط سقف القصر الذي انشأه الباشا بشبرا وشرعوا في تعمير ثانيا
وفيه وصل الخبر بحضور زوجة الباشا ام اولاده وابنه الصغير واسمه اسمعيل وابن بونابارته الخازندار وكثير من اقاربهم واهاليهم حضر الجميع من بلدهم قوله الى اسكندرية فانهم لما طابت لهم مصر واستوطنوها وسكنوها وتنعموا فيها ارسلوا الى اهاليهم واولادهم واقاربهم بالحضور فكانوا في كل وقت يأتون افواجا افواجا نساء ورجالا واطفالا فلما وصل خبر وصولهم الى اسكندرية سافر لملاقاتها ابنها ابراهيم بك الدفتردار وذلك حادي عشره

وفي ثالث عشره حضر المذكور قبل حضور الواصلين ولما وصلوا نزل الباشا لملاقاتهم الى بولاق
وفي يوم الاثنين رابع عشره نبهوا على جميع النساء والخوندات وكل من كانت لها اسم في الالتزام أن يركبن بأسرهن ويذهبن الى ملاقاة امراة الباشا ببولاق وذلك صبح يوم الاربعاء واعتذرت الست نفيسة المرادية بانها مريضة ولا تقدر على الحركة والخروج فلم يقبلوا لها عذرا فلما كان صبح يوم الاربعاء اجتمع السواد الاعظم من النساء بساحل بولاق على الحمارة المكارية وهم ازيد من خمسمائة مكاري حتى ركبت زوجة الباشا وساروا معها الى الازبكية وضربوا لوصولها وحلولها بمصر عدة مدافع كثيرة من القلعة والازبكية ثم وصلت الهدايا والتقادم واقبلت من كل ناحية الهدايا المختصة بالاولاد والمختصة بالنساء
واستهل شهر جمادي الاولى سنة 1224
في ثالثه يوم السبت نزل عمر بك الارنؤد الى المراكب من بيته من بولاق وسافر على طريق دمياط ليذهب الى بلاده وسافر معه نحو المائة وهم الذين جمعوا الاموال واجتمع لعمر بك المذكور من المال والنوال اشياء كثيرة عباها في صناديق كثيرة واخذها معه وذلك خلاف ما ارسله الى بلاده في دفعات قبل تاريخه
وفي يوم الخميس خامس عشره سافر علي بك ايوب وسليم أغا مستحفظان الى ناحية قبلي واستمر بمصر مرزوق بك وقاسم بك المرادي
وفيه طلب الباشا ألف كيس من المعلم غالي والزمه بها فوزعها على المباشرين والكتبه وجمعها في اقرب زمن
وفيه حضر سلحدار الوزير يوسف باشا وعلى يده مرسوم مضمونه طلب ما كان احدثه حين كان بمصر على اوراق الاقطاعات والفراغات وتقاسيط الالتزام الذي سموه قصر اليد وخرج القلم وجعل ايراد ذلك لنفسه فأرسل يطلب ذلك من تاريخ سنة 1217 سبعة عشر ومائتين والف الى وقت تاريخه

حسب قدر ذلك فبلغ نيفا واربعة آلاف كيس
وفيه شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين ودفتر آخر بفرض مال على الرزق الاحباسية المرصدة على المساجد والاسبلة والخيرات وجهات البر والصدقات وكذلك اطيان الاوسية المختصة أيضا بالملتزمين وكتبو ا بذلك مراسيم الى القرى والبلاد وعينوا بها معينين وحق طرق من طرف كشاف الاقاليم بالكشف على الرزق المرصدة على المساجد والخيرات وتقدموا الى كل متصرف في شيء من هذه الاطيان وواضع عليها يده بأن يأتي بسنده الى الديوان ويجدد سنده ويقوي بمرسوم جديد وان تأخر عن الحضور في ظرف اربعين يوما يرفع عنه ذلك ويمكن منه غيره وذكروا في مرسوم الامر عله وحجه لم يطرق الاسماع نظيرها بانه اذا مات السلطان او عزل بطلت تواقيعه ومراسيمه وكذلك نوابه ويحتاج الى تجديد تواقيع من نواب المتولي الجديد ونحو ذلك ثم ليعلم أن هذه الارصادات والاطيان موضوعة من ايام الملك الناصر يوسف صلاح الدين الايوبي في القرن الخامس من مصاريف بيت المال ليصل الى المستحقين بعض استحقاقهم من بيت المال بسهولة ثم اقتدى به في ذلك الملوك والسلاطين والامراء الى وقتنا هذا فيبنون المساجد والتكايا والربط والخوانق والاسبله ويرصدون عليها اطيانا يخرجونها من زمام اوسيتهم فيستغل اخراجها او غلالها لتلك الجهة وكذلك يربطون على بعض الاشخاص من طلبة العلم والفقراء على وجه البر والصدقة ليتعيشوا بذلك ويستعينوا به على طلب العلم واذا مات المرصد عليه ذلك قرر القاضي او الناظر خلافه ممن يسحق ذلك وقيد اسمه في سجل القاضي ودفتر الديوان السلطاني عند الافندي المقيد بذلك الذي عرف بكاتب الرزق فيكتب له ذلك الافندي سندا بموجب التقرير يقال له الافراج ثم يضع عليه علامته ثم علامة الباشا والدفتردار ولكل اقليم من الاقاليم القبلية والبحرية دفتر مخصوص عليه طرة من خارج مكتوب فيها اسم ذلك الاقليم ليسهل الكشف والتحرير

والمراجعة عند الاشتباه وتحرير مقادير حصص ارباب الاستحقاقات ولم يزل ديوان الرزق الاحباسية محفوظا مضبوطا في جميع الدول المصرية جيلا بعد جيل لايتطرفه خلل الا ما ينزل عنه ارباب لشدة احتياجهم بالفراغ لبعض الملتزمين بقدر من الدراهم معجل ويقرر للمفرغ على نفسه قدرا مؤجلا دون القيمة الاصلية في نظير المعجل الذي دفعه للمفرغ ويسمونها حينئذ داخل الزمام لم تزل على ذلك بطول القرون الماضية وتملك الفرنساوية الديار المصرية فلم يتعرضوا الشيء من ذلك ولما حضر شريف افندي الدفتردار بعد دخول يوسف باشا الوزير ووجه الطلب على الملتزمين بأن يدفعوا للدولة حلوانا جديدا على النظام والنسق الذي ابتدعوه للتحيل على تحصيل المال بأي وجه زاعمين أن ارض مصر صارت دار حرب بتملك الفرنساوية وانهم استنقذوها منهم واستولوا عليها بإستيلاء جديد وصارت جميع اراضيها ملكا لهم فمن يريد الاستيلاء على شيء من ارض وغيرها فليشتره من نائب السلطان بمبلغ الحلوان الذي قدروه واطلعو على التقاسيط وفي بعضها ما رفع عنه الميري الذي يقبض للخزينة بأذن الولاة بعد المصالحات والتعويض من المصاريف والمصارف الميرية كالعلائف والغلال والبعض تمم ذلك بمراسيم سلطانية كما يقولون شريفة بحيث يصير الالتزام مثل الرزق الاحباسية ويسمونه خزينة بند ومنهم من ابقى على التزامه شيئا قليلا سموه مال الحماية فلم يسهل بهم ابطال ذلك بل جعل عليها الدفتردار الميري الذي كان مقيدا عليها او اقل او زيد بحسب واضع اليد واكرامه ان كان ممن يكرم وضمه الى مال الحماية الاصلي او المستجد فقط وضيع على الناس سعيهم وما بذلوه من مرتباتهم وعلائفهم التي وضعوها وقيدوها في نظير جعلها خزينة بند كما ذكر ثقتقيد لكتابة الاعلامات عبد الله افندي رامز القبودان وقاضي باشا وسمي في ذلك الوقت بكاتب الميري وتوجه نحوه الناس لأجل كتابة الاعلامات لثبوت رزقهم الاحباسية وتجديد سنداتها فتعنت عليهم بضروب من التعنت كأن

يطلب من صاحب العرضحال اثناب استحقاقه فاذا ثبت له لا يخلوا اما أن يكون ذلك بالفراغ او المحلول فيكلفه احضار السندات واوراق الفراغات القديمة فربما عدمت او بليت لتقادم السنين او تركها واضع اليد لاستغنائه عنها بالسند الجديد او كان القديم مشتملا على غير المفروغ عنه فيخصم بهامشه بالمنزول عنه ويبقى القديم عند صاحب الاصل فإن احضره اليه تعلل بشيء آخر واحتج بشبهة اخرى فاذا لم يبق له شبهة طالبه بحلوانها عن مقدار ايرادها ثلاث سنوات والا فخمس سنوات وذلك خلاف المصاريف فضج الناس واستغاثوا بشريف افندي الدفتردار فعزل عبد الله افندي رامز المذكور عن ذلك وقيد احد كتابه بكتابة الاعلامات وقرر على كل فدان عشرة انصاف فضة فما دونها يرسمها في السند الجديد وجعلها مال حماية وأوهم الناس أن مال الحماية يكون زيادة في تأكيد الاحباس وحماية له من تطرق الخلل فاستسهل الناس ذلك وشاع في الاقليم المصري فأقبل الناس من البلاد القبلية والبحرية لتجديد سنداتهم فطفقوا يكتبون السندات على نسق تقاسيط الالتزام لا على الوضع القديم ويعلم عليها الدفتردار فقط واما الصورة القديمة فكانت تكتب في كاغد كبير بخط غربي مجرد وعليها طرة بداخلها اسم والي مصر وممهورة بختمه الكبير وعليها علامة الدفتردار وبداخلها صورة اخرى تسمى التذكره مستطيلة على صورة التقسيط الفرمة ممهورة أيضا وعليها العلامة والختم وهي متضمنه ما في الكبيرة وعلى ذلك كان استمرار الحال الى هذا الاوان من قرون خلت ومدد مضت
وفيه أيضا حرروا دفتر الاقليم البحيرة بمساحة الطين الري والشراقي واضافوا اليه طين الاوسية والرزق وكتبوا بذلك مناشير واخرج المباشرون كشوفاتها بإسماء الملتزمين فضج الناس واجتمعوا الى مشايخ الازهر وتشكوا فوعدوهم بالتكلم في شأن ذلك بعد التثبت
وفيه قبض اغات التبديل على شخص من اهل العلم من اقارب السيد

حسن البقلي وحبسه فأرسل المشايخ يترجون في اطلاقة فلم يفعل وارسله الى القلعة
وفيه سعى محمد افندي طبل ناظر المهمات لصديقه السيد سلامه النجاري عند الباشا في انعام ووظيفة وسبب ذلك أن المذكور ارسل جملة طاقات من الاقمشة الهندية الغريبة المقصبة وغيرها وحصانا من اعظم خيول المصريين كان اشتراه منهم هدية الى محمد افندي المذكور فاقتضت مروأته انه اخذها وقدمها للباشا وقال له أن السيد سلامة احضر هذه الهدية لافندينا شكرا لانعامه السابق عليه فقبلها الباشا وانعم عليه بعشرة اكياس وامر محمد افندي بأن يجعله في وظيفة معه
وفيه أيضا شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين بأنواع الاقمشة وباعة النعالات التي هي الصرم والبلغ وجعلوا عليها ختمية فلا يباع منها شيء حتى يعلم بيد الملتزم ويختم وعلى وضع الختم والعلامة قدر مقدر بحسب تلك البضاعة وثمنها فزاد الضجيج واللغط في الناس
وفي يوم السبت سابع عشره حضر المشايخ بالازهر على عادتهم لقراءة الدروس فحضر الكثير من النساء والعامة واهل المسجون وهم يصرخون ويستغيثون وابطلوا الدروس واجتمع المشايخ بالقبلة وارسلوا الى السيد عمر النقيب فحضر اليهم وجلس معهم ثم قاموا وذهبوا الى بيوتهم ثم اجتمعوا في ثاني يوم وكتبوا عرضحال الى الباشا يذكرون فيه المحدثات من المظالم والبدع وختم الامتعة وطلب مال الاوسية والرزق والمقاسمة في الفائظ وكذلك اخذ قريب البقلي وحبسه بلا ذنب وذلك بعد أن جلسوا مجلسا خاصا وتعاهدوا وتعاقدوا على الاتحاد وترك المنافرة وعند ذلك حضر ديوان افندي وقال الباشا يسلم عليكم ويسأل عن مطلوباتكم فعرفوه بما سطروه اجمالا وبينوه له تفصيلا فقال ينبغي ذهابكم اليه وتخاطبونه مشافهة بما تريدون وهو لايخالف اوامركم ولا يرد شفاعتكم وانما القصد أن تلاطفوه في الخطاب لانه شاب مغرور جاهل

وظالم غشوم ولا تقبل نفسه التحكم وربما حمله غروره على حصول ضرر بكم وعدم انفاذ الغرض فقالوا بلسان واحد لانذهب ابدا ما دام يفعل هذه الفعال فإن رجع عنها وامتنع عن احداث البدع والمظالم عن خلق الله رجعنا اليه وترددنا عليه كما كنا في السابق فاننا بايعناه على العدل لا على الظلم والجور فقال لهم ديوان افندي وانا قصدي أن تخاطبوه مشافهه ويحصل انفاذ الغرض فقالوا لانجتمع عليه ابدا ولا نثير فتنة بل نلزم بيوتنا ونقتصر على حالنا ونصبر على تقدير الله بنا وبغيرنا واخذ ديوان افندي العرضحال ووعدهم برد الجواب ثم بعد رجوعه اطلقوا قريب السيد حسن البقلي الذي كان محبوسا ولم يعلم ذلك ثم انتظروا عودة ديوان افندى فابطأ عليهم وتأخر عوده الى خامس يوم بعد الجمعية فاجتمع الشيخ المهدي والشيخ الدواخلي عند محمد افندي طبل ناظر المهمات وثلاثتهم في نفسهم للسيد عمر ما فيها وتناجوا مع بعضهم ثم انتقلوا في عصريتها وتفرقوا وحضر المهدي والدواخلي الى السيد عمر وأخبره ان محمد افندي ذكر لهم ان الباشا لم يطلب مال الاوسية ولا الرزق وقد كذب من نقل ذلك وقال انه يقول اني لااخالف اوامر المشايخ وعند اجتماعهم عليه ومواجهته يحصل كل المراد فقال السيد عمر اما انكاره طلب مال الرزق والاوسية فها هي اوراق من اوراق المباشرين عندي لبعض الملتزمين مشتمله على الفضة ونصف الفائظ ومال الاوسية والرزق واما الذهاب اليه فلا اذهب اليه ابدا وان كنتم تنقضون الايمان والعهد الذي وقع بيننا فالرأي لكم ثم انفض المجلس واخذ الباشا يدبر في تفريق جمعهم وخذلان السيد عمر لما في نفسه منه من عدم انفاد اغراضه ومعارضته له في غالب الامور ويخشى صولته ويعلم أن الرعية والعامة تحت امره ان شاء جمعهم وان شاء فرقهم وهو الذي قام بنصره وساعده واعانه وجمع الخاصة والعامة حتى ملكه الاقليم ويرى انه إن شاء فعل بنقيض ذلك فطفق يجمع اليه بعض افراد من اصحابه المظاهر ويختلي معه ويضحك اليه

فيغتر بذلك ويرى انه صار من المقربين وسيكون له شأن ان وافق ونصح فيفرغ له جراب حقده ويرشده بقدر اجتهاده لما فيه من المعاونه ثم في ليلتها حضر ديوان افندي وعبد الله بكتاش الترجمان وحضر المهدي والدواخلي الجميع عند السيد عمر وطال بينهم الكلام والمعالجة في طلوعهم ومقابلتهم الباشا ورقرق لذلك كل من المهدي والدواخلي والسيد عمر مصمم على الامتناع ثم قالوا لابد من كون الشيخ الامير معنا ولانذهب بدونه فاعتذر الشيخ الامير بانه متوعك ثم قام المهدي والدواخلي وخرجا صحبة ديوان افندي والترجمان وطلعوا الى القلعة وتقابلوا مع الباشا ودار بينهم الكلام وقال في كلامه انا لا ارد شفاعتكم ولا اقطع رجاءكم والواجب عليكم اذا رأيتم مني انحرافا أن تنصحوني وترشدوني ثم اخذ يلوم على السيد عمر في تخلفه وتعنته ويثني على البواقي وفي كل وقت يعاندني ويبطل احكامي ويخوفني بقيام الجمهور فقال الشيخ المهدي هو ليس الا بنا واذا خلا عنا فلا يسوي بشيء ان هو الا صاحب حرفة او جابي وقف يجمع الايراد ويصرفه على المستحقين فعند ذلك تبين قصد الباشا لهم ووافق ذلك ما في نفوسهم من الحقد للسيد عمر والشيخ الدواخلي حضوره نيابة عن الشيخ الشرقاوي وعن نفسه ثم تناجوا معه حصة وقاموا منصرفين مذبذبين ومظهرين خلاف ما هو كامن في نفوسهم من الحقد وحظوظ النفس غير مفكرين في العواقب وحضروا عند السيد عمر وهو ممتليء بالغيظ مما حصل من الشذوذ ونقض العهد فأخبروه بأن الباشا لم يحصل منه خلاف وقال انا لا ارد شفاعتكم ولكن نفسي لاتقبل التحكم والواجب عليكم اذا رأيتموني فعلت شيئا مخالفا أن تنصحوني وتشفعوا فأنا لا اردكم ولا امتنع من قبول نصحكم واما ما تفعلونه من التشنيع والاجتماع بالازهر فهذا لايناسب منكم وكأنكم تخوفوني بهذا الاجتماع وتهيج الشرور وقيام الرعية كما كنتم تفعلون في زمان المماليك فأنا لاافزع من ذلك وان حصل من الرعية امر ما فليس لهم عندي الا السيف

والانتقام فقلنا له هذا لايكون ونحن لانحب ثوران الفتن وانما اجتمعنا لاجل قراءة البخاري وندعو الله برفع الكرب ثم قال اريد أن تخبروني عمن انتبذ لهذا الامر ومن ابتدا بالخلف فغالطناه وانه وعدنا بابطال الدمغة وتضعيف الفائظ الى الربع بعد النصف وانكر الطلب بالاوسية والرزق من اقليم البحيرة ثم قاموا منصرفين وانفتح بينهم باب النفاق واستمر القال والقيل وكل حريص على حظ نفسه وزيادة شهرته وسمعته ومظهر خلاف ما في ضميره

واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الجمعة سنة
فيه حضر ديوان افندي وعبد الله بكتاش الترجمان واجتمع المشايخ ببيت السد عمر وتكلموا في شأن الطلوع الى الباشا ومقابلته فحلف السيد عمر انه لايطلع اليه ولايجتمع به ولايرى له وجها الا اذا ابطل هذه الاحدوثات وقال أن جميع الناس يتهموني معه ويزعمون انه لايتجارأ على شيء يفعله الا بإتفاقي معه ويكفي ما مضى ومهما تقادم يتزايد الظلم والجور وتكلم كلاما كثيرا فلما لم يجبهم الى الذهاب وقالوا اذا يطلع المشايخ وارسلوا الشيخ الامير فاعتذر بأنه متوعك الجسم ولايقدر على الحركة ولا الركوب ثم اتفقوا على طلوع الشيخ عبد الله الشرقاوي والمهدي والدواخلي والفيومي وذلك على خلاف غرض السيد عمر وقد ظن انهم يمتنعون لامتناعه للعهد السابق والايمان فلما طلعوا الى الباشا وتكلموا معه وقد فهم كل منهم لغة الآخر الباطنية ثم ذاكروه في امر المحدثات فأخبرهم انه يرفع بدعة الدمغة وكذلك يرفع الطلب عن الاطيان والاوسية وتقرير ربع الفائظ وقاموا على ذلك ونزلوا الى بيت السيد عمر واخبروه بما حصل فقال واعجبكم ذلك قالوا ثلاث قال انه ارسل يخبرني بتقرير ربع المال الفائظ فلم ارض وابيت الا رفع ذلك بالكلية فإنه في العام السابق لما طلب احداث الربع قلت له هذه تصير سنة متبعة فحلف انها اثنين قوله قالوا قال الخ هكذا في جميع النسخ التي معنا

ولعله قالوا لا او نعم أو نحو ذلك كذا بهامش الاصل لاتكون بعد هذا العام ( ولعله قالوا او نعم او نحو ذلك كذا بهامش الاصل لاتكون بعد هذا العام ) وذلك لضرورة النفقة وان طلبها في المستقبل يكون ملعونا ومطرودا من رحمة الله وعاهدني على ذلك وهذا في علمكم كما لايخفاكم قالوا نعم واما قوله انه رفع الطلب عن الاوسية والرزق فلا اصل لذلك وهاهي اوراق البحيرة وجهوا بها الطلب فقالوا اننا ذكرنا له ذلك فأنكر وكابرناه بأوراق البحيرة الطلب فقال أن السبب في طلب ذلك من اقليم البحيرة خاصة وان الكشافين لما نزلوا للكشف على اراضي الري والشراقي ليقرروا عليها فرضة الاطيان حصل منهم الخيانة والتدليس فإذا كان في ارض البلدة خمسمائة فدان ري قالوا عليها مائة وسموا الباقي رزقا واوسية فقررت ذلك عقوبة لهم في نظيرته لبسهم وخيانتهم فقال السيد عمر وهل ذلك امر واجب فعله اليس هو مجرد جور وظلم احدثه في العام الماضي وهي فرضة الاطيان التي ادعى لزومها لاتمام العلوفة وحلف انه لايعود لمثلها فقد عاد وزاد وانتم توافقونه وتسايرونه ولا تصدونه ولاتصدعونه بكلمة وانا الذي صرت وحدي مخالف وشاذا ووجه عليهم اللوم في نقضهم العهد والايمان وانفض المجلس وتفرقت الاراء وراج سوق النفاق وتحركت حفائظ الحقد والحسد وكثر سعيهم وتناجيهم بالليل والنهار والباشا يراسل السيد عمر ويطلبه للحضور اليه والاجتماع به ويعده بانجاز ما يشر عليه به وارسل اليه كتخدا ليترفق به وذكر له أن الباشا يرتب له كيسا في كل يوم ويعطيه في هذا الحين ثلثمائة كيس خلاف ذلك فلم يقبل ولم يزل الباشا متعلق الخاطر بسببه ويتجسس ويتفحص عن احواله وعلى من يتردد عليه من كبار العسكر وربما اغرى به بعض الكبار فراسلوه سرا واظهروا له كراهتهم للباشا وانه ان انتبذ لمفاقمته ساعدوه وقاموا بنصرته عليه فلم يخف على السيد عمر مكرم ولم يزل مصمما وممتنعا عن الاجتماع به والامتثال اليه ويسخط عليه والمترددون أيضا ينقلون ويحرفون بحسب الاغراض والاهواء واتفق في اثناء ذلك أن الباشا امر بكتابة عرضحال

بسبب المطلوب لوزير الدولة وهي الاربعة آلاف كيس ويذكر فيه انها صرفت في المهمات منها ما صرف في سد ترعة الفرعونية ومبلغه ثمانمائة كيس وعلى تجاريد العساكر لمحاربة الامراء المصرية حتى دخلوا في الطاعة كذلك مبلغا عظيما وما صرف في عمارة القلعة والمجراة التي تنقل المياه اليها مبلغا ايضا وكذلك في حفر الخلجان والترع ونقص المال الميري بسبب شراقي البلاد ونحو ذلك وارسله الى السيد عمر ليضع خطه وختمه عليه فامتنع وقال اما ما صرفه على سد الترعة فان الذي جمعه وجباه من البلاد يزيد على ما صرفه اضعافا كثيرة واما غير ذلك فكله كذب لا اصل له وان وجد من يحاسبه على ما اخذ من القطر المصري من الفرض والمظالم لما وسعته الدفاتر فلما ردوا عليه واخبروه بذلك الكلام حنق واغتاظ في نفسه وطلبه للاجتماع به فامتنع فلما اكثر من التراسل قال ان كان ولا بد فاجتمع معه في بيت السادات واما طلوعي اليه فلا يكون فلما قيل له في ذلك ازداد حنقه وقال انه بلغ به أن يزدريني ويرذلني ويأمرني بالنزول من محل حكمي الى بيوت الناس
ولما اصبح يوم الاربعاء سابع عشرينه ركب الباشا وحضر الى بيت ولده ابراهيم بك الدفتردار وطلب القاضي والمشايخ المذكورين وارسل السيد عمر رسولا من طرفه ورسولا من طرف القاضي يطلبه للحضور ليتحاقق ويتشارع معه فرجعا واخبرا بأنه شرب دواء ولا يمكنه الحضور في هذا اليوم وكان قد احضر شيخ السادات الوفائية والشيخ الشرقاوي فعند ذلك احضر الباشا خلعة والبسها لشيخ السادات على نقابة الاشراف وامر بكتابة فرمان بخروج السيد عمر ونفيه من مصر يوم تاريخه فتشفع المشايخ في امهاله ثلاثة ايام حتى يقضي اشغاله فاجاب الى ذلك ثم سأله في أن يذهب الى بلده اسيوط فقال لايذهب الى اسيوط ويذهب اما الى سكندرية او دمياط فلما ورد الخبر على السيد عمر بذلك قال اما منصب النقابة فإني راغب عنه وزاهد فيه وليس فيه الا التعب واما النفي فهو غاية

مطلوبي وارتاح من هذه الورطة ولكن اريد أن يكون في بلدة لم تكن تحت حكمه اذا لم ياذن لي في الذهاب الى اسيوط فلياذن لي في الذهاب الطور او الى ورثه فعرفوا الباشا فلم يرض الا بذهابه الى دمياط ثم أن السيد عمر امر بأشجاويش أن يأخذه الجاويشية ويذهب بهم الى بيت السادات واخذ في اسباب السفر
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه الموافق لخامس مسري القبطي اوفي النيل المبارك ونودي بالوفاء تلك الليلة وخرج الناس لاجل الفرجة والضيافات في الدور والمطلة على الخليج فلما كان آخر النهار برزت الاوامر بتأخير الموسم لليلة السبت بالروضة فبرد طعام اهل الولائم والضيافات وتضاعفت كلفهم ومصاريفهم وحصلت الجمعية ليلة السبت بالروضة وعند قنطرة السد وعملوا الحراقات والشنك وحضر الباشا واكابر دولته والقاضي وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج وانفض الجمع
وفي ذلك اليوم اعتنى السيد محمد المحروقي بأمر السيد عمر وذهب الى الباشا وكلمه واخبره بأنه اقامه وكيلا على اولاده وبتيه وتعلقاته فأجازه بذلك وقال هو آمن من كل شيء وانا لم ازل اراعي خاطره ولا افوته ثم ارسل السيد المحروقي فأحضر بن ابنه السيد عمر فقابل به الباشا وطمن خاطره ولكن قال لابد من سفره الى دمياط وعندما طلب السيد المحروقي الغلام الى الباشا اشيع في الناس وقوع الرضا وتناقل الناس ذلك وفرح اهل منزله وزغرطوا وسروا واستمروا على ذلك حتى رجع الغلام وتبين انه لاشيء فانقلب الفرح بالترح وتعين بالسفر صحبة السيد عمر كتخدا الألفي الى دمياط

واستهل شهر رجب بيوم الاحد سنة
فيه اجتمع المودعون للسيد عمر ثم حضر محمد كتخدا المذكور فعند وصوله قام السيد عمر وركب في الحال وخرج صحبته وشيعه الكثير من المتعممين وغيرهم وهم يتباكون حوله حزنا على فراقه وكذلك اغتم الناس

على سفره وخروجه من مصر لأنه كان ركنا وملجأ ومقصدا للناس ولتعصبه على نصرة الحق فسار الى بولاق ونزل في المركب وسافر من ليلته باتباعه وخدمه الذين يحتاج اليهم الى دمياط
وفي صبح ذلك اليوم حضر الشيخ المهدي عند الباشا وطلب وظائف السيد عمر فأنعم عليه الباشا بنظر اوقاف الامام الشافعي ونظر وقف سنان باشا ببولاق وحاسب على المنكسر له من الغلال مدة اربع سنوات فامر بدفعها له من خزينته نقدا وقدرها خمسة وعشرون كيسا وذلك في نظير اجتهاده في خيانة السيد عمر حتى اوقعوا به ما ذكر
وفيه تقيد الخواجا محمود حسن بزرجان باشا بعمارة القصر والمسجد الذي يعرف بالآثار النبوية فعمرها على وضعها القديم وقد كان آل الى الخراب
وفي يوم الثلاثاء خلع الباشا على ثلاثة من الاجناد المصرية المنسوبين لسليمان بك البواب وقلدهم صناجق وامراء الوقت وضم اليهم عساكر اتراك وارنؤد ليسافر الجميع الى الجهة القبلية بسبب عصيان الامراء المرادية وتوقفهم عن دفع المال والغلال وكذلك عين للسفر أيضا احمد أغا لاظ وصالح قوج وبونابارته وحسن باشا وعابدين بك فارتجت البلد وطلبوا المراكب فتعطل المسافرون الى الجهة القبلية والبحرية وكذلك امتنع مجيء الواصلين بالغلال والبضائع خوفا من التسخير وقد كان حصل بعض الاطمئنان وسلوك الطريق القبلية ووصول المراكب بالغلال والمجلوبات
وفي عاشره سافر احمد أغا لاظ وصالح قوج خرجوا بعساكرهم ونزلوا في المراكب وذهبوا الى قبلي
وفيه حضر محمد كتخدا الألفي من دمياط راجعا من تشييع السيد عمر ووصوله الى دمياط واستقراره بها
وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر من كان متأخرا الى الجهة القبلية ولم يبق منهم احد

وفي ثالث عشرينه نادى منادي المعمار على ارباب الاشغال في العمائر من البنائين والحجارين والفعله بأن لايشتغلوا في عمارة احد من الناس كائنا من كان وان يجتمع الجميع في عمارة الباشا بناحية الجبل
وفي تاسع عشرينه وردت اخبار عن التجريدة ازعجت الباشا فاهتم اهتماما عظيما وقصد الذهاب بنفسه ونبه على جميع كبراء العساكر بالخروج وان لايتخلف منهم احد حتى اولاده ابراهيم بك الدفتردار وطوسون بك وانه هو المتقدم عنهم في الخروج في يوم الخميس واستعجل التشهيل والطلب وامر بتحرير دفتر فرضة ترويجة على اقليم المنوفيه والغربية والشرقية القليوبية وذكروا انها من اصل حساب الشهرية المبتدعة
وفيه تقلد حسن أغا الشماشرجي كشوفيه المنوفيه وارخى لحيته على ذلك

استهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة
فيه نمق مشايخ الوقت عرضحال في حق السيد عمر بأمر الباشا ليرسله صحبة السلحدار وذكروا فيه سبب عزله ونفيه عن مصر وعدوا له مثالب ومعايب وجنحا وذنوبا منها انه ادخل في دفتر الاشراف اسماء اشخاص ممن اسلم من القبط واليهو ومنها انه اخذ من الألفي في السابق مبلغا من المال ليملكه مصر في ايام فتنة احمد باشا خورشيد ومنها انه كاتب الامراء المصريين أيضا في وقت الفتنة حين كانوا بالقرب من مصر ليحضروا على حين غفلة في يوم قطع الخليج وحصل لهم ماحصل ونصر الله عليهم حضرة الباشا ومنها انه اراد ايقاع الفتن في العساكر لينقض دولة الباشا ويولي خلافه ويجمع عليه طوائف المخاربة والصعائدة واخلاط العوام وغير ذلك وذلك على حد من اعان ظالما سلط عليه وكتبوا عليه اسماء المشايخ وذهبوا به اليهم ليضعوا ختومهم عليه فامتنع البعض من ذلك وقال هذا كلام لا اصل له ووقع بينهم محاججات ولام الاعاظم الممتنعين على الامتناع وقالوا لهم انتم لستم بأروع منا واثبت لنفسه ورعا وحصل بينهم منافسات

ومخالفات ومقابحات ثم غيروا صورة العرضحال بأقل من التحامل الاول وكتب عليه بعض الممتنعين وكان من الممتنعين اولا وآخرا السيد احمد الطحطاوي الحنفي فزادوا في التحامل عليه وخصوصا شيخ السادات او الشيخ الامير وخلافهما واتفق انه دعى في وليمة عند الشيخ الشنواني بحارة خوشقدم وتأخر حضوره عنهم فصادفهم حال دخوله الى المجلس وهم خارجون فسلم عليهم ولم يصافحهم لما سبق منهم في حقه من الايذاء فتطاول عليه ابن الشيخ الامير ورفع صوته بتوبيخه وشتمه لكونه لم يقبل يد والده ويقول له في جملة كلامه اليس هو الا قليل الادب والحياء ثالث طبقة للشيخ الوالد ونحو ذلك
وفي ثالثه سافر الباشا الى الجهة القبلية وتبعه العساكر
وفي منتصفه خرجت الدلاة والارنؤد وباقي الاجناد والعسكر واقام الباشا كتخدا بك قائم مقامه واقام بالقلعة
وفيه اتفق الاشياخ والمتصدرون على عزل السيد احمد الطحطاوي من افتاء الحنفية واحضروا الشيخ حسين المنصوري وركبوا صحبته وطلعوا به الى القلعة بعد أن مهدوا القضية فالبس قائمقام الشيخ حسينا فروة ثم نزلوا ثم طاف للسلام عليهم وخلعوا هم عليه أيضا خلعهم فلما بلغ الخبر السيد احمد الطحطاوي طوى الخلع التي كانوا البسوها له عند ما تقلد الافتاء بعد موت الشيخ ابراهيم الحريري في جمادي الاولى بقرب عهد وارسلها لهم وكان الشيخ السادات البسه حين ذاك فروة فلما ردها عليه احتد وغتاظ واخذ يسبه ويذكر لجلسائه جرمه ويقول انظروا الى هذا كأنه يجعلني مثل الكلب الذي يعود في قيئه ونحو ذلك
واما السيد احمد فإنه اعتكف في داره لايخرج منها الا الى الشيخونية بجواره واعتزلهم وترك الخلطة بهم وتباعد عنهم وهم يبالغون في ذمه والحط عليه لكونه لم يوافقهم في شهادة الزور والحامل لهم على ذلك كله الحظوظ النفسانية والحسد مع أن السيد عمر كان ظلا ظليلا عليهم وعلى

اهل البلدة ويدافع ويرافع عنهم وعن غيرهم ولم تقم بعد خروجه من مصر راية ولم يزالوا بعده في انحطاط وانخفاض
واما السيد عمر فأن الذي وقع له بعض ما يستحقه ومن اعان ظالما سلط عليه ولايظلم ربك احدا
وفي ثالث عشره سافر حسن باشا وعساكر الارنؤد وتتابعوا في الخروج وتحدث الناس بروايات عن الباشا والامراء المصرين وصلحة معهم وان عثمان بك حسن ومحمود بك المنفوخ ومحمد بك الابراهيمي وصلوا عند الباشا وقابلوه وانه ارسل الى ابراهيم بك الكبير ولده طوسون باشا فتلقاه واكرمه وارسل هو أيضا ولده الصغير الى الباشا فأكرمه ووصل الى مصر بعض نساء حريمه وحريم الامراء

واستهل شهر رمضان بيوم الاربعاء سنة
وفي اواخره وصل طائفة من الدلاتية من ناحية الشام ودخلوا الى مصر وهم في حالة رثة كما حضر غيرهم وصحبتهم من المخنثين المعروفين بالخولات الذين يتكلمون بالكلام المؤنث ومعهم دفوف وطنابير
وفي اواخره حرروا دفتر الاطيان على ضريبة واحدة عن كل فدان خسمة ريالات غير البراني والخدم ولم يحصل في ذلك مراجعة ولا كلام ولا مرافعة في شيء كما وقع في العام الماضي والذي قبله في المراجعة بحسب الري والشراقي واما في هذه السنة فليس فيها شراقي فحسابها بالمساحة الكاملة لعموم الري فإن النيل في هذه السنة زاد زيادة مفرطة وعلا على الاعالي وتلف بزيادته المفرطة الدراوي والاقصاب بقبلي وكذلك غرق مزارع الارز والسمسم والقطن وجنائن كثيرة بالبحر الشرقي بسبب انسداد ترعة الفرعونية بتلك الناحية ولما تمموا تحرير الدفاتر على النسق المطلوب والباشا بقبلي وارسل بطلبها ليطلع عليها فسافر اليه بها المعلم غالي واخذ صحبته احمد افندي اليتيم من طرف الروزنامة وعبد الله بكتاش الترجمان فذهبوا اليه باسيوط واطلعوه عليها فحتم عليها وانقضى

شهر مضان

واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة
في ثالث عشرة حضر المعلم غالي واحمد افندي وبكتاش وغيرهم من غيبتهم وحضر أيضا في اثرهم المعلم جرجس الجوهري وقد تقدم انه خرج من مصر هاربا الى الجهة القبلية واختفى مدة ثم حضر بأمان الى الباشا وقابله واكرمه ولما حضر نزل في بيته الذي بحارة الونديك وفرشه له المعلم غالي وقام له بجميع لوازمه وذهب الناس مسلمهم ونصرانيهم وعالمهم وجاهلهم للسلام عليه
وفي يوم الثلاثاء عشرينه وصل الباشا على حين غفلة الى مصر في تطريدة وقد وصل من اسيوط الى ناحية مصر القديمة في ثلاثين ساعة وصحبته ابنه طوسون وبونابارته الخازندار وسليمان أغا الوكيل سابقا لاغير فركبوا حميرا متنكرين حتى وصلوا الى القلعة من ناحية الجبل وطلع من باب الجبل وعند طلوعه من السفينة امر ملاحيها أن لايذكروا لاحد وصوله حتى يسمعوا ضرب المدافع من القلعة ثم طلع الى سرايته ودخل الى الحريم فلم يشعروا به الا وهو بالحريم وعند ذلك امر بضرب المدافع واشيع حضوره فركب كتخدا بك وغيره مسرعين لملاقاته ثم بلغهم طلوعه الى القلعة فرجعوا على اثره وكان الخواجا محمود حسن البزرجان خرج لملاقاته قبل وصوله بثلاثة ايام الى ناحية الاثار واخرج معه مطابخ واغناما واستعد لقدومه استعدادا زائدا وذهب تعبه في الفارغ البطال ثم بعد وصول الباشا بثلاثة ايام وصلت طوائف العسكر وعظائمهم ومعهم المنهوبات من الغلال والاغنام والفحم والحطب والقلل وانواع التمر وغير ذلك حتى اخشاب الدور وابوابها
وفي يوم الاثنين وصل حسن باشا وطوائف الارنؤد وصالح قوج والدلاة والترك ووصل أيضا شاهين بك الألفي وصحبته محمد بك المنفوخ المرادي ومحمد بك الابراهيمي وهم الذين حضورا في هذه المرة

من المخالفين وقيل أن البواقي اخذوا مهلة لبعد التحضير واما ابراهيم بك تابع الاشقر ومحمد أغا تابع مراد بك الصغير وصحبتهما عساكر فذهبا الى ناحية السويس بسبب وصول طائفة من العربات قالوا انها من التابعة للوهابيين حضروا واقاموا عند بئر الماء ومنعوا السقيا منها

واستهل شهر ذي القعدة بيوم السبت سنة
وفيه حضر ابراهيم بك ابن الباشا وباقي العسكر وسكنوا الدور وازعجوا الناس واخرجوهم من مساكنهم ومنازلهم ببولاق ومصر وغيرهما واتفق أن بعض ذوي المكر من العسكر عندما اراد السفر الى جهة قبلي ارسل لصاحب الدار التي هو غاصبها وساكن فيها فأحضره وسلمه المفتاح وهو يقول له تسلم يا اخي دارك واسكنها بارك الله لك فيها وسامحني وابريء ذمتي فربما اني اموت ولاارجع ولان الكثير منهم تولى المناصب والامريات بالجهة القبلية وعندما يتسلم صاحب الدار داره يفرح بخلاصها ويشرع في عمارتها واعادة ما تهدم منها فيكلف نفسه ولو بالدين ويعمرها فما هو الا أن تمم العمارة والمرمة في مدة غيبتهم فما يشعر الا وصاحبه داخل عليه بحصانه وجمله وخدمه فما يسع الشخص الا الرحلة ويتركها لغريمه وقد وقع ذلك لكثير من الناس المغفلين
وفيه وصلت اخبار بأن عمارة الفرنساوية نزلت الى البحر وعدة مراكبهم مائتان وسبعة عشر مركبا محاربين لايعلم قصدهم أي جهة من الجهات وحضر ثلاثة اشخاص من الططر المعدين لتوصيل الاخبار وبيدهم مرسوم مضمونه الامر بالتحفظ على الثغور فعند ذلك امر الباشا بالاستعداد وخروج العساكر الى الثغور
وفي يوم السبت ثامنه سافر جملة من العسكر الى ناحية بحرى فسافر كبير منهم ومعه جملة من العسكر الى سكندرية وكذلك سافر خلافه الى رشيد والى دمياط وابي قير والبرلس
وفي ليلة الاثنين ثامن عشره ركب الباشا ليلا وخرج مسافرا الى

السويس ليكشف قلاع القلزم وقام له بالاحتياجات من احمال الماء والعليق والزوادة واللوازم السيد محمد المحروقي وكان خروجه ومن معه على الهجن
وفي ليلة الاحد رابع عشرينه حضر الباشا من السويس وكان وصوله ليلا وطلع الى القلعة

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الاحد سنة
فيه شرع الباشا في انشاء مراكب ببحر القلزم فطلب الاخشاب الصالحة لذلك وارسل المعينين لقطع اشجار التوت والنبق من القطر المصري القبلي والبحري وغيرها من الاخشاب المجلوبة من الروم وجعل بساحل بولاق ترسخانة وورشات وجمعوا الصناع والنجارين والنشارين فيهيؤنها وتحمل اخشابا على الجمال ويركبها الصناع بالسويس سفينة ثم يقلفونها ويبيضونها ويلقونها في البحر فعملوا اربع سفائن كبار احداها تسمى الابريق وخلاف ذلك ادوات لحمل السفار والبضائع
ومن الحوادث في آخره أن امرأة ذهبت الى عرصة الغلة بباب الشعرية واشترت حنطة ودفعت في ثمنها قروشا فلما ذهبت نظروها ونقدوها فاذا هي من عمل الزغلية ثم عادت بعد ايام فاشترت الغلة ودفعت الثمن قروشا أيضا فذهب البائع معها الى الصيرفي فوجدها مزغولة مثل الاولى فعلموا انها الغريمة فقال لها الصيرفي من اين لك هذا فقالت من زوجي فقبضوا عليها واتوا بها الى الاغا فسألها الآغا عن زوجها فقالت هو عطار بسوق الازهر فأخذها الآغا وحضر بها الى بيت الشيخ الشرقاوي بعد العشاء واحضروا زوجها وسألوه فقال انا اخذتها من فلان تابع الشيخ الشرقاوي فانفعل الشيخ وقال ان يكن هو ابني فأنا برئ منه وطلبوه فتغيب واختفى واخذ الآغا المرأة وزوجها وقررهما فأقر الرجل وعرف عن عدة اشخاص يفعلون ذلك وفيهم من مجاوري الازهر فلم يزل يتجسس ويتفحص ويستدل على البعض بالبعض وقبض على اشخاص ومعهم العدد والالات

وحبسهم أيضا بالقلعة عند كتخدا بك وفر ناس من مجاوري الازهر من مصر لما قام بهم من الوهم وفي كل يوم يشاع بالتنكيل والتجريس للمقبوض عليهم وقتلهم ولم يزل الآغا يتجسس حتى جمعوا ست عشرة عدة وارسلوها الى بيت محمد افندي ناظر المهمات وسألوا الحدادين عمن اصطنع هذه العدد منكم فأنكروا وجحدوا وقالوا هذا من صناعة الشام ثم كسروها وابطلوها وطال امر المحبوسين والتفحص عن غيرهم فكان بعض المقبوض عليهم يعرف عن غيره او شريكه فكانت هذه الحادثة من اشنع الحوادث خصوصا بنسبتها لخطة الازهر فكان كل من اشتري شيئا ودفع الثمن للبائع قروشا ذهب بها الى الصيرفي لأن في ذاك الوقت لم يكن موجودا بايدي الناس خلافها وكانوا يقولون في ذهابهم الى الصيرفي لربما تكون ازهرية ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وانقضت السنة بحوادثها التي منها ما ذكر
ومنها احداث بدعة المكس على النشوق وذلك أن بعض المتصدرين من نصارى الاروام انهى الى كتخدا بك امر النشوق وكثرة المستعملين له والدقاقين والباعة وانه اذا جمعت دقاقوه وصناعه في مكان واحد ويجعل عليهم مقادير ويلتزم به ويضبط رجاله وجمع ماله وايصاله الى الخزينه من يكون ناظرا وقيما عليه كغيره من اقلام المكوس التي يعبرون عنها بالجمارك فانه يتحصل من ذلك مال له صورة فلما سمع كتخدا بك ذلك انهاه الى مخدومه فأمر في الحال بكتابة فرمان بذلك واختار الذي جعلوه ناظرا على ذلك خانا بخطة بين الصورين ونادوا على جميع صناع النشوق وجمعوهم بذلك الخان ومنعوهم من جلوسهم بالاسواق والخطط المتفرقة والقيم على ذلك يشتري الدخان المعد لذلك من تجاره بثمن معلوم حدده لايزيد على ذلك ولايشتريه سواه وهو يبيعه على صناع النشوق بثمن حدده ولاينقص عنه ومن وجده باع شيئا من الدخان او اشتراه او سحق نشوقا خارجا عن ذلك الخان ولو لخاصة نفسه قبضوا عليه وعاقبوه

وغرموه مالا وعينوا معينين لجميع القرى والبلدان القبلية والبحرية ومعهم من ذلك الدخان فيأتون الى القرية ويطلبون مشايخها ويعطونهم قدرا موزونا ويلزمونهم بالثمن المعين بالمرسوم الذي بيدهم فيقول اهل القرية نحن لا نستعمل النشوق ولا نعرفه ولا يوجد عندنا من يصنعه وليس لنا به حاجة ولا نشتريه ولا نأخذه فيقال لهم ان لم تأخذوه فهاتوا ثمنه فإن اخذوه أو لم يأخذوه فهم ملزومون بدفع القدر المعين المرسوم ثم كراء طريق المعينين وكلفتهم وعليق دوابهم
ومنها أيضا النطرون فرقوه وفرضوه على القرى محتجين أيضا باحتياج الحياكة والقزازين اليه لغسل غزل الكتان وبياض قماشه ونحو ذلك واشنع من ذلك كله انهم ارادوا فعل مثل هذا في الشراب المسكر المعروف بالعرقي والزام اهل القرى باخذه ودفع ثمنه ان اخذوه او لم يأخذوه فقيل لهم في ذلك فقالوا ان شربه يقوى ابدانهم على اعمال الزرع والزراعة والحرث والكد في القطوة والنطالة والشادوف ثم بطل ذلك
ومنها أن الباشا شرع في عمل زلاقة تجاه باب القلعة المعروف بباب الجبل موصلة الى اعلى الجبل المقطم فجمعوا البنائين والحجارين والفعلة للعمل وحرقوا عدة قمينات للجير بجانب العمارة وطواحين للجبس ونودى بالمدينة على البنائين والفعلة بأن لا يشتغلوا في عمارة احد من الناس كائنا من كان ويجتمع الجميع في عمارة الباشا بالقلعة والجبل الى أن كمل عملها في السنة التالية طريقا واسعا منحدرا من الاعلى الى الاسفل ممتدا في المسافة سهلا في الطلوع الى الجبل او الانحدار منه بحيث يجوز عليه الماشي والراكب من غير مشقة ولا تعب كثير
واما من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات العلامة المفيد والتحرير الفريد النبيه الشيخ ابراهيم ابن الشيخ محمد الحريري الحنفي مفتى مذهب السادات الحنفية كوالد تفقه على والده وحضر في المعقولات على اشياخ الوقت كالبيلي والدردير والصبان وغيرهم وانجب وتمهر

وصارت فيه ملكة جيدة واستحضار للفروع الفقهيه ولما مات والده في شهر رجب سنة عشرين ومائتين والف تقلد منصب والده في الافتاء وكان لها اهلا مع التحري والمراجعة في المسائل المشكلة والعفة والصيانة والديانة والتباعد عن الامور المخلة بالمروءة مواظبا لوظائفه ودروسه ملازما لداره الا ما دعته الضرورة اليه من المواساة وحضور المجالس مع ارباب المظاهر وكان مبتلى بضعف البصر وبآخرته اعتراه داء الباسور وقاسي منه شدة وانقطع بسببه عن الخروج من داره ووصف له حكيم بدمياط فسافر اليه لاجل ذلك وقصد تغيير الهواء وذلك باشارة نسيبه الشيخ المهدي وقاسى اهوالا في معالجته وقطعه بالآلة فلم ينجح ورجع الى مصر متزايد الالم ولم يزل ملازما للفراش حتى توفي الى رحمة الله سبحانه وتعالى في يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الاولى من هذه السنة وصلى عليه بالازهر ودفن بمدرسة الشعبانية بحارة الدويداري ظاهر حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية بالقرب من الجامع الازهر وخلف ولده النجيب الاديب سيدي محمد الملقب عبدالمعطي بارك الله فيه واعانه على وقته
ومات الامام العلامة والعمدة الفهامة شيخ الاسلام والمسلمين الشيخ عبدالمنعم ابن شيخ الاسلام السيخ احمد العماوي المالكي الازهري وهو من اهل القرن الثاني عشر تفقه على الشيخ الزهار وغيره من علماء مذهبه وحضر الاشياخ المتقدمين كالدفري والحنفي والصعيدي والشيخ سالم النفراوي والشيخ الصباغ السكندري والشيخ فارس وقرأ الدرس وانتفع به الطلبة ولم يزل ملازما على القاء الدروس بالازهر على طريقة المتقدمين مع العفة والديانة والانجماع عن الناس راضيا بحاله قانعا بمعيشته ليس بيده من التعلقات الدنيوية سوى النظر على ضريح سيدي أبي السعود أبي العشائر ولم يتجرأ على الفتيا مع اهليته لذلك وزيادة ولم تطمح نفسه لزخارف الدنيا وسفاسف الامور مع التجمل في الملبس والمركب واظهار الغنى وعدم التطلع لما في ايدي الناس ويصدع بالحق في

المجالس ولا يتردد الى بيوت الحكام والاكابر الا في النادر بقدر الضرورة مع الانفة والحشمة ولا يشكو ضرورة ولا حاجة ولا زمانا ولم يزل على حالته حتى مرض اياما وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذى القعدة عن اربع وثمانين سنة وخرجوا بجنازته من منزله الكائن بدرب الحلفاء بالقرب من باب البرقية فمروا بالجنازة على خطة الجمالية علي النحاسين على الاشرفية ودخلوا من جارة الخراطين الى الجامع الازهر وصلي عليه في مشهد حافل ودفن على والده بتربة المجاورين وخلف من الاولاد الذكور اربعة رجال ذوي لحى صلحاء وخطهم الشيب خلاف البنات رحمه الله وعفا عنا وعنه
ومات الفقيه النبيه الصالح الورع العالم المحقق الشيخ احمد الشهير ببرغوت المالكي ومولده بالبلدة المعروفة باليهودية بالبحيرة تفقه على اشياخ العصر ومهر في الفقه والمعقول واقرأ الدروس وانتفع به الكطلبة واشتهر ذكره بينهم وشهدوا بفضله وكان على حالة حسنة منجمعا عن الناس وراضيا بما قسمه له مولاه منكسر النفس متواضعا ولم يتزى بعمامة الفقهاء يمشي في حوائجه وتمرض بالزمانة مدة سنين يتعكز بعصاه ولم يقطع درسه ولا اماليه حتى توفي الى رحمه الله سبحانه وتعالى يوم الاربعاء خامس شهر صفر من السنة ودفن بتربة المجاورين رحمه الله
ومات العمدة النحرير والنبيل الشهير الشيخ سليمان الفيومي المالكي ولد بالفيوم وحضر الى مصر وحفظ القرآن وجاور برواق القيمة بالازهر وكان في اول عمره يمشي خلف حمار الشيخ الصعيدي وعليه دراعة صوف وشملة صفراء ثم حضر دروسه ودروس الشيخ الدردير وغيرهما واختلط مع المنشدين وكان له صوت شجي فيذهب مع المتذكرين الى بيوت الاعيان في الليالي فينشد الانشادات ويقرأ الاعشار فيعجبون به ويكرمونه زيادة على غيره واختلط ببعض الاعيان الذين يقال لهم البرقوقية من ذرية السلطان برقوق وهم نظار على اوقافه فراج امره وكثرت معارفه

بالاغوات الطواشية وبهم توصل الى نساء الامراء والسعي في حوائجهن وقضاياهن وصار له قبول زائد عندهن وعند ازواجهن وتجمل بالملابس وركب البغال واحدق به المحدقون وتزوج بامرأة بناحية قنظرة الامير حسين وسكن بدارها فماتت فورثها ولما مات الشيخ محمد العقاد تعين المترجم لمشيخة رواق القيمة وبنى له محمد بك المعروف بالمبدول دارا عظيمة بحارة عابدين واشتهر ذكره وعلا شأنه وطار صيته وسافر في بعض مقتضيات الامراء الى دار السلطنة وعاد الى مصر واقبلت عليه الهدايا من الامراء والحريمات والاغوات والاقباط وغيرهم واعتنوا بشأنه وزوجته الست زليخا زوجة ابراهيم بك الكبير ببنت عبدالله الرومي وتصرف في اوقاف ابيها ومنها عزب البر تجاه رشيد وغيرها فاشتهر بالبلاد القبلية والبحرية وكان مع قلة بضاعته في العلم مشاركا بسبب التداخل في القضايا وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل مع حسن المعاشرة والبشاشة والتواضع والمواساة للكبير والصغير والجليل والحقير وطعامه مبذول للواردين ومن اتى في منزله الى حاجة او زائر لا يمكنه من الذهاب حتى يغديه او يعشيه واذا اتاه مسترقد ولم يجد معه اشياء اقترض واعطاه فوق مأموله ولا يبخل بجاهه وسعيه على احد كائنا من كان بعوض وبدونه ومما اتفق له مرارا انه يركب من الصباح في حوائج الناس فلا يعود الا بعد العشاء الاخيرة فيلاقيه آخر ذو حاجة في نصف الطريق او آخره فينهي اليه قصته اما بشفاعة عند امير او خلاص مسجون او غير ذلك فيقف له ويستمع قصته وهو راكب فيقول له في غد نذهب اليه فان الوقت صار ليلا فيقول صاحب الحاجة هو في داره في هذا الوقت فيعود من طريقه مع صاحب الحاجة الى ذلك الامير ولو بعدت داره ويقضي حاجته ويعود بعد حصة من الليل وهكذا كان شأنه ولا ينتظر ولا يؤمل جعالة ولا اجرة نظير سعيه فان اتوه بشىء اخذه او هدية قبلها قلت او كثرت وشكرهم على ذلك فمالت اليه القلوب ووفدت اليه ذوو الحاجات من كل

ناحية فلا يرد احدا ويستقبلهم بالبشاشة وينزلهم في داره ويطعمهم ويكرمهم ويستمرون في ضيافته حتى يقضى حوائجهم ويزودهم ويرجعون الى اوطانهم مسرورين ومجبورين وشاكرين ثم يكافئونه بما امكنهم من المكافآت واذا وصلت اليه هدية وصادف وصولها حضوره بالمنزل فرق منها على من بمجلسه من الحاضرين فبذلك انجذبت اليه القلوب وساد على اقرانه ومعاصريه ولما حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر وارتحل الامراء المصريون الى الصعيد واحاط بدورهم وطلب الاموال من نسائهم وقبض على اولادهم وجواريهم وامهات اولادهم وانزلهم سوق المزاد التجأ الى المترجم الكثير من نساء الامراء الامراء الكبار فآواهن واجهد نفسه في السعي في حمايتهن والرفق بهن ومواساتهن مدة اقامة حسن باشا بمصر وبعدها في امارة اسمعيل بك فلما رجع ازواجهن بعد الطاعون الى امارتهم ازداد قدر المترجم عندهم وقبوله ومحبته ووجاهته واشتهر عندهم بعدم قبوله الرشوة ومكارم الاخلاق والديانة والتورع فكان يدخل الى بيت الامير ويعبر الى محل الحريم ويجلس معهن وينسرون بدخوله عندهن ويقولون زارنا ابونا الشيخ وشاورنا ابانا الشيخ فأشار علينا بكذا ونحو ذلك ولم يزل مع الجميع على هذه الحالة الى أن طرقت الفرنساوية البلاد المصرية واخرجوا منها الامراء وخرج النساء من بيوتهن وذهبن اليه افواجا افواجا حتى امتلأت داره وما حولها من الدور بالنساء فتصدي لهن المترجم وتداخل في الفرنساوية ودافع عنهن واقمن بداره شهورا واخذ امانا لكثير من الاجناد المصرية واحضرهم الى مصر واقاموا بداره ليلا ونهارا واحبه الفرنساوية أيضا وقبلوا شفاعاته ويحضرون الى داره ويعمل لهم الولائم وساس اموره معهم وقرروه في رؤساء الديوان الذي رتبوه لاجراء الاحكام بين المسلمين ولما نظموا امور القرى والبلدان المصرية على النسق الذي جعلوه رتبوا على مشايخ كل بلد شيخا ترجع امور البلدة ومشايخها اليه وشيخ المشايخ المترجم مضافا ذلك لمشيخة الديوان وحاكمهم

الكبير فرنساوي يسمى ابريزون فازدحمت داره بمشايخ البلدان فيأتون اليه افواجا ويذهبون افواجا وله مرتب خاص خلاف مرتب الديوان واستمر معهم في وجاهته الى أن انقضت ايامهم وسافروا الى بلادهم وحضرت العثمانية والوزير والمترجم في عداد العلماء والمتصدرين وافر الحرمة شهير الذكر بعيد الصيت مرعى الجانب مقبول القول عند الاكابر والاصاغر ولما قتل خليل افندي الرجائي الدفتردار وكتخدا بك في حادثة مقتل طاهر باشا التجأ اليه اخو الدفتردار وخازنداره وغيرهما وذهبوا الى داره واقاموا عنده فحماهم وواساهم حتى سافروا الى بلادهم ولم يزل على حالته حتى نزل به خلط بارد فأبطل شقه وعقد لسانه واستمر اياما وتوفي ليلة الاحد خامس عشر ذي الحجة وخرجوا بجنازته من بيته بحارة عابدين وصلى عليه بالازهر في مشهد عظيم جدا مثل مشاهد العلماء الكبار المتقدمين وربما كان جمع النساء خلفه كجمع الرجال في الكثرة ووجدوا عليه ديونا نحو العشرة آلاف ريال سامحه اصحابها ولم يخلف من الاولاد الا ابنتين رحمه الله وسامحه وعفا عنا وعنه آمين سنة خمس وعشرين ومائتين والف
واستهل المحرم بيوم الاثنين فيه وردت الاخبار من الديار الرومية بغلبة الموسكوب واستيلائهم على ممالك كثيرة وانه واقع باسلامبول شدة حصر وغلاء في الاسعار وتخوف وانهم يذيعون في الممالك بخلاف الواقع لأجل التطمين
وفي خامسه حضر ابراهيم افندي القابجي الذي كان توجه الى الدولة من مدة سابقة وعلى يده مراسيم بطلب ذخيرة وغلال وعملوا لقدومه شنكا ومدافع وطلع في موكب الى القلعة
وفيه رجع ديوان افندي من ناحية قبلي وصحبته احمد أغا شويكار فأقاما بمصر اياما ثم رجعا بجواب الى الامراء القبليين
وفي ليلة السبت ثالث عشره حصلت زلزلة عجيبة وارتجت منها

الجهات ثلاث درجات متواليات واستمرت نحو اربع دقائق فانزعج الناس منها من منامهم وصار لهم جلبة وقلقة وخرج الكثير من دورهم هاربين الى الازقة يريدون الخلاص الى الفضاء مع بعده عنهم وكان ذلك في اول الساعة السابعة من الليل واصبح الناس يتحدثون بها فيما بينهم وسقط بسببها بعض حيطان ودور قديمة وتشققت جدران وسقطت منارة بسوس ونصف منارة بام اخنان بالمنوفية وغير ذلك لا نعلمه
وفي عصر يوم السبت أيضا حصلت زلزلة ولكن دون الاولى فانزعج الناس منها أيضا وهاجوا ثم سكنوا ثم كثر لغط العالم بمعاودتها فمنهم من يقول ليلة الاربعاء ومنهم من اسنده لبعض النصاري واليهود وان رجلا نصرانيا ذهب الى الباشا واخبره بحصول ذلك واكد في قوله وقال له احبسني وان لم يظهر صدقي اقتلني وان الباشا حبسه حتى يمضي الوقت الذي عينه ليظهر صدقه من كذبه وكل ذلك من تخيلاتهم واختلافاتهم واكاذيبهم وما يعلم الغيب الا الله
وفي يوم الاحد رابع عشره امر الباشا بالاحتياط على بيوت عظماء الاقباط كالمعلم غالي والمعلم جرجس الطويل واخيه وفلتيوس وفرانسيكو وعدتهم سبعة فأحضروهم في صورة منكرة وسمروا دورهم واخذوا دفاترهم فلما حضروا بين يديه قال لهم اريد حسابكم بموجب دفاتركم هذه وامر بحبسهم فطلبوا منه الامان وان يأذن لهم في خطابه فأذن لهم فخاطبه المعلم غالي وخرجوا من بين يديه الى الحبس ثم قرر عليهم بواسطة حسين افندي الروزنامجي سبعة آلاف كيس بعد أن كان طلب منهم ثلاثين ألف كيس
وفي يوم الخميس ثامن عشره شاع في الناس حصول زلزلة تلك الليلة وهي ليلة الجمعة ويكون ذلك في نصف الليل فتأهب غالب الناس للطلوع بخارج البلد فخرجوا بنسائهم واولادهم الى شاطيء النيل ببولاق ونواحي

الشيخ قمر ووسط بركة الازبكية وغيرها كذلك خرج الكثير من العسكر أيضا ونصبوا خياما في وسط الرميلة وقراميدان والقرافتين وقاسوا تلك الليلة من البرد مالا يكيف ولا يوصف لان الشمس كانت ببرج الدلو وهو وسط الشتاء ولم يحصل شيء مما اشاعوه واذاعوه وتوهموه وتسلق العيارون والحرامية تلك الليلة على كثير من الدور والاماكن وفتشوها فلما اصبح يوم الجمعة كثر التشكي الى الحكام من ذلك فنادوا في الاسواق بأن لا احد يذكر امر الزلزلة وكل من خرج لذلك من داره عوقب فانكفوا وتركوا هذا اللفظ الفارغ
وفيه ظهر انفار يقفون بالليل بصحن الجامع الازهر فاذا قام انسان لحاجته منفردا اخذوا ما معه واشيع ذلك فاجتهد الشيخ المهدي في الفحص والقبض على فاعل ذلك الى أن عرفوا اشخاصهم ونسبهم وفيهم من هو من اولاد اصحاب المظاهر المتعممين فستروا امرهم واظهروا شخصا من رفقائهم ليس له شهرة واخرجوه من البلدة منفيا ونسبوا اليه الفعال وسينكشف ستر الفاعلين فيما بعد ويفتضحون بين العالم كما يأتي خبر ذلك في سنة سبع وعشرين وكذلك اخرجوا طائفة من القوادين والنساء الفواحش سكنوا بحارة الازهر واجتمعوا في اهله حتى أن اكابر الدولة وعساكرهم بل واهل البلد والسوقة جعلوا سمرهم وديدنهم ذكر الازهر واهله ونسبوا له كل رذيلة وقبيحة ويقولون نرى كل موبقة تظهر منه من اهله وبعد أن كان منبع الشريعة والعلم صار بعكس ذلك وقد ظهر منه قبل الزغلية والآن الحرامية وامور غير ذلك مخفية
وفيه طلب الباشا تمهيد الطريق الموصلة من القلعة الى الزلاقة التي انشأها طريقا يصعد منها الى الجبل المقطم السابق ذكرها واراد أن يفرض على الاخطاط والحارات رجالا للعمل بعدد مخصوص ومن اعتذر عن الخروج والمساعدة يفرض عليه بدلا عنه او قدرا من الدراهم يدفعها نظير البدل واشيع هذا الامر واستحضر الاوباش على الطبول والزمور كما كانوا

يفعلون في قضية عمارة محمد باشا وخسرو ثم أن الشيخ المهدم اجتمع بكتخدا بك وادخل عليه وهما أن محمد باشا خسرو لما فعل ذلك لم يتم له امر وعزل ولم تطل ايامه ونحن نطلب دوام دولتكم والاولى ترك هذا الامر فتركوا ذلك ولم يذكروه بعد

واستهل شهر صفر الخير بيوم الاربعاء سنة
فيه قلد الباشا خليل افندي النظر على الروزنامجي وكتابه وسموه كاتب الذمة اي ذمة الميري من الايراد والمصرف وكان ذلك عند فتح الطلب بالميري عن السنة الجديدة فلا يكتب تحويل ولا تنبيه ولا تذكره حتى يطلعوه عليها ويكتب عليها علامته فتكدر من ذلك الروزنامجي وباقي الكتبة وهذه اول دسيسة ادخلوها في الروزنامة وابتداء فضيحتها وكشف سرها وذلك بإغراء بعض الافندية الخاملين انهى اليهم أن الروزنامجي ومن معه من الكتاب يوفرون لانفسهم الكثير من الاموال الميرية ويتوسعون فيها وفي ذلك اجحاف بمال الخزينة وخليل افندي هذا كان كاتب الخزينة عند محمد باشا خسرو ولا يفيق من الشرب
وفيه طلب الباشا ثلاثة اشخاص من كتبة الاقباط الذين كانوا متقيدين بقياس الاراضي بالمنوفية وضربهم وحبسهم لكونه بلغه عنهم انهم اخذوا البراطيل والرشوات على قياس طين اراضي بعض البلاد ونقصوا من القياس فيما ارنوى من الطين وهي البدعة التى حدثت على الطين الري وسموها القياسة وقد تقدم ذكرها غير مرة وحررت في هذه السنة على الكامل لكثرة النيل وعموم الماء الاراضي على انه بقي الكثير من بلاد البحيرة وغيرها شراقي بسبب عدم حفر الترع وحبس الحبوس وتجسير الجسور واشتغال الفلاحين والملتزمين بالفرض والمظالم وعجزهم عن ذلك
وفي خامسه طلب الباشا كشاف الاقاليم وشرع في تقرير فرضة على البلاد بما يقتضيه نظره ونظر كشاف الاقاليم والمعلمين القبط فقرروا على اعلاها ثمانين كيسا والادنى خمسة عشر كيسا ولم يتقيد بتحرير ذلك

احد من الكتبة الذين يحررون ذلك بدفاتر ويوزعونها على مقتضى الحال ولم يعطوا بالمقادير اوراقا لملتزمي الحصص كما كانوا يفعلون قبل ذلك فإن الملتزم كان اذا بلغه تقرير فرضة تدارك امره وذهب الى ديوان الكتبة واخذ علم القدر المقرر على حصته وتكفل بها واخذ منهم مهلة باجل معلوم وكتب على نفسه وثيقة وابقاها عندهم ثم يجتهد في تحصيل المبلغ من فلاحيه وان لم يسعفوه في الدفع وحولوا عليه الطلب دفعه من عنده ان كان ذا مقدرة او استدانه ولو بالربا ثم يستوفيه بعد ذلك من الفلاحين شيئا فشيئا كل ذلك حرصا على راحة فلاحي حصته وتامينهم واستقرارهم في وطنهم ليحصل منهم المطلوب من المال الميري وبعض ما يقتاتون به هم وعيالهم وان لم يفعل ذلك تحول باستخلاص ذلك كاشف الناحية وعين على الناحية الاعوان بالطلب الحثيث وما ينضاف الى ذلك من حق طرق المعينين وكلفهم وان تأخر الدفع تكرر الارسال والطلب على النسق المشروح فيتضاعف الهم وربما ضاع في ذلك قدر الاصل المطلوب وزيادة عنه مرة او مرتين والذي يقبضونه يحسبونه بالفرط وهو في كل ريال عشرة انصاف فضة يسمونها ديواني فيقبض المباشر عن الريال تسعين نصفا فضة ويجعل التسعين ثمانين وذلك خلاف ما يقرره في اوراق الرسم من خدم المباشرين من كتبة القبط فينكشف حال الفلاح ويبيع ما عنده من الغلة والبهيمة ثم يفر من بلدته الى غيرها فيطلبه الملتزم ويبعث اليه المعينين من كاشف الناحية بحق طريق أيضا فربما اداه الحال ان كان خفيف العيال والحركة الى الفرار والخروج من الاقليم بالكلية وقد وقع ذلك حتى امتلأت البلاد الشامية والرومية من فلاحي قرى مصر الذين جلوا عنها وخرجوا منها وتغربوا عن اوطانهم من عظيم هول الجور واذا ضاق الحال بالملتزم وكتب له عرضحال يشكو حاله وحال بلده او حصته وضعف حالها ويرجو التخفيف وتجاسر وقدم عرضحاله الى الباشا يقال له هات التقسيط وخذ ثمن حصتك او بدلها او يعين له ترتيبا بقدر فائظها على بعض الجهات

الميرية من المكوس والجمارك التي احدثوها فان سلم سنده وكان ممن يراعى جانبه حول الى بعض الجهات المذكورة صورة والا اهمل امره وبعضهم باعها لهم بما انكسر عليه من مال الفرض وقد وقع ذلك الكثير من اصحاب الذمم المتعددة انكسر عليه مقادير عظيمة فنزل عن بعضها وخصموا له ثمنها من المنكسر عليه من الفرضة وبقي عليه الباقي يطالب به فان حدثت فرضة اخرى قبل غلاق الباقي وقعد بها وضمت الى الباقي وقصرت يده لعجز فلاحيه واستدان بالربا من العسكر تضاعف الحال وتوجه عليه الطلب من الجهتين فيضطر الى خلاص نفسه وينزل عما بقي تحت يده كالاول وقد يبقى عليه الكسر ويصبح فارغ اليد من الالتزام ومديونا وقد وقع ذلك لكثير كانوا اغنياء ذوي ثروة واصبحوا فقراء محتاجين من حيث لا يشعرون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وفيه تحركت همم الامراء المصريين القبليين الى الحضور الى ناحية مصر بعد ترداد الرسل والمكاتبات وحضور ديوان افندي ورجوعه وحضور محمد بك النمفوخ ايضا وكل من حضر منهم انعم عليه الباشا والبسه الخلع ويقدم له التقادم ويعطيه المقادير العظيمة من الاكياس وقصده الباطني صيدهم حتى انه كان انعم على محمد بك المنفوخ بالتزام جمرك ديوان بولاق ثم عوضه عنه ستمائة كيس وغير ذلك
وفيه قلد الباشا نظر المهمات لصالح بن مصطفى كتخدا الرزاز ونقلوا ورشة الحدادين ومنافخهم وعددهم من بيت محمد افندي طبل الودنلي المعروف بناظر المهمات الى بيت صالح المذكور بناحية التبانة وكذلك العربجية وصناع الجلل والمدافع ونزعوا منه أيضا معمل البارود وكان تحت نظره وكذلك قاعة الفضة وجمرك اللبان وغيره
وفيه وصلت الاخبار من البلاد الرومية والشامية وغيرها بوقوع الزلزله في الوقت الذي حصلت فيه بمصر الا انها كانت اعظم واشد واطول مدة وحصل في بلاد كريت اتلافات كثيرة وهدمت اماكن ودورا كثيرة وهلك

كثير من الناس تحت الردم وخسفت اماكن وتكسر على ساحل مالطة عدة مراكب وحصل أيضا باللاذقية خسف وحكى الناقلون أن الارض انشقت في جهة من اللاذقية فظهر في اسفلها ابنيه انخسفت بها الارض قبل ذلك ثم انطبقت ثانيا
وفيه من الحوادث ما وقع ببيت المقدس وهو انه لما احترقت القمامة الكبرى كما تقدم ذكر حرقها في العام الماضي عرضوا الى الدولة فبرز الامر السلطاني باعادة بنائها وعينوا لذلك أغا قأبجي وعلى يده مرسوم شريف فحضر الى القدس وحصل الاجتهاد في تشهيل مهمات العمارة وشرعوا في البناء على وضع احسن من الاول وتوسعوا في مساحة جرمها وادخلوا فيها اماكن مجاورة لها واتقنوا البناء واتقانا عجيبا وجعلوا اسوارها وحيطانها بالحجر النحيت ونقلوا اليها من رخام المسجد الاقصى فقام بمنع ذلك جماعة من الاشراف الينكجرية وشنعوا على الآغا المعين وعلى كبار البلدة وتعصبوا حماية للدين قائلين أن الكنائس اذا خربت لا يجوز إعادتها الا بانقاضها ولا يجوز الاستعلاء بها ولا تشييدها ولا اخذ رخام الحرم القدسي ليوضع في الكنيسة وما نعوا في ذلك فأرسل ذلك الآغا المعين الى يوسف باشا يعرفه عن المعارضين لاوامر الدولة فأرسل يوسف باشا طائفة من عسكره في عدة وافرة فوصلوا من طريق الغور وهو مسلك موصل الى القدس قريب المسافة خلاف الطريق المعتاد فدهموا الجماعة المعارضين على حين غفلة وحاصروهم في دير وقتلوهم عن اخرهم وهم نيف وثلاثون نفرا وشيدوا القمامة كما ارادوا اعظم واضخم مما كانت عليه قبل حرقها فنسأل المولى السلامة في الدين

واستهل شهر ربيع الاول بيوم الخميس سنة
فيه وصل الامراء المصريون القبالي الى ناحية بني سويف وكثير من الاجناد الى مصر وترددت الى الرسل وحضر ديوان افندي ثم رجع ثانيا اليهم

وفيه امر الباشا الكتاب بعمل حساب حسين افندي الروزنامجي عن السنتين الماضيتين وهما سنة ثلاث وعشرين واربع وعشرين وذلك بإغراء البعض منهم فاستمروا في عمل الحساب ايام فزاد لحسين افندي مائة وثمانون كيسا فلم يعجب الباشا ذلك واستخونهم في عمل الحساب ثم الزمه بدفع اربعمائة كيس وقال انا كنت اريد منه ستمائة كيس وقد سامحته في مائتين في نظير الذي تأخر له وطلع في صبحها الى الباشا وخلع عليه فروة باستقراره في منصبه ونزل الى داره فلما كان بعد الغروب حضر اليه جماعة من العسكر في هيئة مزعجة ومعهم مشاعل وطلبوا الدفاتر وهم يقولون معزول معزول واخذوا الدفاتر وذهبوا وحولوا عليه الحوالات بطلب الاربعمائة كيس فاجتهد في تحصيلها ودفعها ثم ردوا له الدفاتر ثانيا
وفيه حصلت كائنة احمد افندي المعروف باليتيم من كتاب الروزنامة وذلك أن الباشا كان ببيت الازبكية فوصل اليه مكتوب من كاشف اقلم الدقهلية يعرفه فيه انه قاس قطعة ارض جارية في اقطاع احمد افندي المذكور فوجد مساحتها خلاف المقيد بدفتر المقياس الاول ومسقوط منها نحو الخمسمائة فدان وذلك من فعل المذكور ومخامرته مع النصارى الكتبه والمساحين لانهم يراعونه ويدلسون معه لأن دفاتر الروزنامة بيده فلما قرأ المكتوب امر في الحال بالقبض على احمد افندي وسجنه وكان السيد محمد المحروقي حاضرا وكذلك علي كاشف الكبير الألفي فترجيا عند الباشا واخبره بان المذكور مريض بالسرطان في رجله ولايقدر على حركتها واستأذنه السيد المحروقي بأن يأخذه الى داره فإن داره باب من ابوابه فأجابه الى ذلك وركب في الحال ولحق بالمعينين وكانوا قد وصلوا اليه وازعجوه فمنعهم عنه واخذه الى داره وراجع الباشا في امره فقرر عليه ثمانين كيسا بعد أن قال اني كنت اريد أن اقول ثلثمائة كيس فسبق لساني فقلت مائة كيس وقد تجاوزت لأجلك عن عشرين كيسا وهو يقدر على

اكثر من ذلك لأنه يفعل كذا وكذا وعدد اشياء تدل على انه ذو غنية كبيرة منها انه لما سافر الى الباشا بدفتر الفرضة الى ناحية اسيوط طلع الى البلدة في هيئة وصحبته فرش وسحاحير وبشخانات وكرارات وفراشون وخدم وكيلارجية ومصاحجبية والحكيم والمزين فلما شاهد الباشا هيئته سأل عنه وعن منصبه فقيل له انه جاجرت من كتبة الروزنامة فقال اذا كان جاجرت بمعنى تلميذ فكيف يكون باش جاجرت او قلفاوات الاقليم فضلا عن كبيرهم الروزنامجي واي شيء ذلك واسر ذلك في نفسه وطفق يسأل ويتجسس عن احوالهم لأنه من طبعه الحقد والحسد والتطلع لما في ايدي الناس ولما قلد خليل افندي كتابة الذمة في الروزنامة كما تقدم انضم اليه الكارهون للمذكورالذين كانوا خاملي الذكر بوجوده وتوصلوا الى باب الباشا وكتخدا بك وأنهوا فيه انه يتصرف في الاموال الميرية كما يختار وان حسين افندي الروزنامجي لا يخرج عن مراده واشارته وبيته مفتوح للضيفان ويجتمع عنده في كل ليلة عدة من الفقراء يثرد لهم الثريد في القصاع ويواسي الكثير من اهل العلم وغيرهم ويتعهد بكثير من الملتزمين بالفرض التي تقرر على حصصهم ويضمنها في حسابه ويصبر عليهم حتى يوفرها له في طول الزمن ونحو ذلك وكل ما ذكر دليل على سعة الحال والمقدرة واما الذنب الذي اخذه به فإن القدر المذكور من الطين كان من الموات فاتفق المذكور مع شركائه ملتزمي الناحية وجرفوه واحيوه واصلحوه بعد أن كان خرسا ومواتا لاينتفع به وجعلوه صالحا للزراعة وظن أن ذلك لايدخل في المساحة فاسقطه منها فوقع له ما وقع واسقطوا اسمه من كتاب الروزنامة ومنعوه منها وانقطع في داره وزاد به الم رجله
وفيه انحرف أيضا الباشا على الخواجا محمود حسن وعزله من الجمارك والبزرجانية واكل عليه المطلوب له وهو مبلغ الفان وخمسون كيسا

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة
فيه وصلت الاخبار من البلاد الحجازية بنزول سيل عظيم حصل منه

ضرر كثير وهدم دورا كثيرة بمكة وجدة واتلف كثيرا من البضائع للتجار حكوا انه هدم بمكة خاصة ستمائة دار وكان ذلك في شهر صفر
وفيه وصل الامراء المصريون الى ناحية الرقق واوائلهم وصلوا الى دهشور وخرج اليهم الاتباع بالملاقاة من بيوتهم واحبابهم وذهب اليهم مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وديوان افندي ثم الباشا ثم في اثرهم طوسون ابن الباشا وقدم له ابراهيم بك تقادم واقام بوطاقه اياما ثم رجعوا وكثر ترداد المراسلات والاختلافات في امر الشروط
وفي خامسه حضر عثمان بك يوسف وصحبته صنجق آخر فطلعا الى القلعة وقابلا الباشا ثم رجعا وحضرا في ثاني يوم كذلك فخلع عليهما خلعا واعطاهما اكياسا وارسل الى ابرهيم بك هدايا والى سليم بك المحرمجي المرادي ايضا
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره وصل الجميع الى الجيزة ونصبوا وطاقهم خارج الجيزة وصحبتهم عربان وهوارة كثيرة وانتظروا أن الباشا يضرب لحضورهم مدافع فلم يفعل وقال ابراهيم بك سبحان الله ما هذا الاحتقار الم اكن امير مصر نيفا واربعين سنة وتقلدت قائمقامية ولايتها ووزارتها مرارا وبالآخرة صار من اتباعي واعطيه خرجه من كيلاري ثم احضر انا وباقي الامراء على صورة الصلح فلا يضرب لنا مدافع كما يفعل لحضور بعض الافرنج وتأثر من ذلك واشيع في الناس تعدية الباشا من الغد للسلام على ابراهيم بك فلم يثبت وظهر انه لم يفعل واصبح مبكرا الى شبرا وجلس في قصره وحضر اليه شاهين بك الألفي وفي سفينة ووقع بينهما مكالمات ورجع من عنده عائدا الى الجيزة منفعل الخاطر ثم ان الباشا عرض عساكره فاجتمع اليه الجميع وبدا اللغط وكثرت القلقة وعندما وصل شاهين بك الى ا الجيزة ازر حريمة واركبهن وارسلهن الى الفيوم ونقل متاعه وفرشه من قصر الجيزة في بقية اليوم وكسر المرايات وزجاج الشبابيك التي في مجالسه الخاصة ثم ركب في طوائفه واتباعه وخشداشينه

ومماليكه وذهب الى عرضي اخوانه وقبيلته ونصب خيامه ووطاقه بحذائهم واجتمع بهم وتصافى معهم وقد كان حضر اليه عبد الرحمن بك تابع عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحول دماغه واتفق معه على الانضمام اليهم والخروج عن الباشا ففعل ما فعل وجعلوه رئيس الامراء المرادية
وفي ذلك اليوم عدى حسن باشا وصالح أغا قوج الى بر الجيزة وذهبا الى عرضي الامراء وسلما عليهم وتغديا عند شاهين بك وجرى بينهما وبين ابراهيم بك كلام كثير وقال له حسن باشا انكم وصلتم الى هنا لتمام الصلح على الشروط التي حصلت بينكم وبين الباشا والاتفاق الذي جرى بأسيوط ويكون تمامه عند وصولكم الى الجيزة واجتماعكم وقد حصل فقال له ابراهيم بك وما هي الشروط قال هي أن تدخلوا تحت حكمه وطاعته وهو يوليكم المناصب التي تريدونها بشرط أن تقوموا بدفع الفرض التي يقررها على النواحي والغلال الميرية والخراج وتعيين من يريده منكم صحبة العساكر الموجه الى البلاد الحجازية لفتح الحرمين وتكونوا معه امراء مطيعين وهو يعطيكم الامريات والانعامات الجزيلة ويعمر لكم ما تريدونه من الدور والقصور التي لكم ولاتباعكم على طرفه لايكلفكم بشيء من الاشياء وقد رايتم وسمعتم ما فعله من الاكرام والانعام على شاهين بك وما اعطاه من المماليك والجواري الحسان وشفاعاته عنده لاترد واطلق له التصرف في البر الغربي من رشيد الى الفيوم الى بني سويف والبهنسا مما هو تحت حكمه ويراعي بجانبه الى الغاية فقال له ابراهيم بك نعم انه فعل مع شاهين بك مالا تفعله الملوك فضلا عن الوزراء وليس ذلك لسابق معروف فعله شاهين بك معه ليستحق به ذلك بل هو لغرض سوء يكمنه في نفسه وشبكة يصطاد بها غيره فاننا سبرنا احواله وخيانته وشاهدنا ذلك في كثير ممن خدموه ونصحوا معه حتى ملكوه هذه المملكة قال ومن هم قال اولهم مخدومه محمد باشا خسرو ثم كتخداه وخازنداره عثمان أغا جنج الذي خامر معه وملك مع اخيه المرحوم طاهر

باشا القلعة واحرق سرايته ثم سلط الاتراك على طاهر باشا حتى قتلوه في داره واظهر موالاتنا وصداقتنا ومساعدتنا وصبر نفسه من عسكرنا واتحد بعثمان بك البرديسي واظهر له خلوص الصداقة والاخوة وعاهده بالايمان حتى اغراه على علي باشا الطرابلسي وجرى ما جرى عليه من القتل ونسب ذلك الينا ثم اشتغل معه على خيانته لاخيه الألفي واتباعه ثم سلط علينا العساكر يطلب العلوفة واشار على عثمان بك بطلب المال من الرعية حتى وقع لنا ما وقع وخرجنا من مصر على الصورة التي خرجنا عليها ام احضر احمد باشا خورشيد وولاه وزيرا وخرج هو لمحاربتنا ثم اتضح امره لاحمد باشا واراد الايقاع به فعجل العود الى مصر واوقع بينه وبين جنده حتى نفروا منه ونابذوه والقى الى السيد عمر والقاضي والمشايخ أن احمد باشا يرد الفتك بهم فهيجوا العامة والخاصة وجرى ما جرى من الحروب وحرق الدور وبذل السيد عمر جهده في النصح معه بما يظهره له من الحب والصداقة وراجت عليه احواله حتى تمكن امره وبلغ مراده واوقع به ما اوقع واخرجه من مصر وغربه عن وطنه ونقض العهود والمواثيق التي كانت بينه وبينه كما فعل بعمر بك وغيره وكل ذلك معلوم ومشاهد لكم ولغيركم فمن يأمن لهذا ويعقد معه صلحا واعلم يا ولدي اننا كنا بمصر نحو العشرة آلاف او اقل او اكثر ما بين مقدمي الوف وامراء وكشاف واكابر وجاقات ومماليك واجناد وطوائف وخدم واتباع مرفهي المعاش بانواع الملاذ كل امير مختص ومعتكف باقطاعه مع كثرة مصارفنا وانعامتنا على اتباعنا ومن ينتسب الينا واسمطة الجميع ممدودة في الاوقات المعهودة ولا نعرف عسكرا ولا علوفة عسكر والقرى والبلاد مطمئنة والفلاحون ومشايخ البلاد مرتاحون في اوطانهم ومضايفهم مفتوحة للواردين والضيفان مع ما كان يلزم علينا من المصارف الميرية ومرتبات الفقراء وخزينة السلطان وصرة الحرمين والحجاج وعوائد العربان وكلف الوزراء المتولين والاغوات والقابجية المعينين وخدمهم

والهدايا السلطانية وغير ذلك وافندينا ما كفاه ايراد الاقليم وما احدثه من الجمارك والمكوس وما قرره على القرى والبلدان من فرض المال والغلال والجمال والخيول والتعدي على الملتزمين ومقاسمتهم في فائظهم ومعاشهم وذلك خلاف مصادرات الناس والتجار في مصر وقراها والدعاوي والشكاوي والتزايد في الجمارك وما احدثه في الضربخانة من ضرب القروش النحاس واستغرقها اموال الناس بحيث صار ايراد كل قلم من اقلام المكوس بايراد اقليم من الاقاليم ويبخل علينا بما نتعيش به ونحن وعيالنا ومن بقي معنا من اتباعنا ومماليكنا بل وقصده صيدنا وهلاكنا عن اخرنا فقال حسن باشا حاش لله لم يكن ذلك ودائما يقول والدنا ابراهيم بك ولكن لايخفاكم أن الله اعطاه ولاية هذا القطر وهو يؤتى الملك من يشاء ولا ترضى نفسه من يخالف عليه او يشاركه بالقهر والاستيلاء فاذا صار الصلح ووقع الصفاء اعطاكم فوق ما مولكم فهز ابراهيم بك رأسه وقال صحيح يكون خيرا وانفض المجلس ورجع حسن باشا وصالح قوج وعديا الى بر مصر
وفي تلك الليلة خرج الجميع من كان بمصر من الامراء والاجناد المصرية بخيلهم وهجنهم ومتاعهم وعدوا الى بر الجيزة ولم يبق منهم الا القليل واجتمعوا مع بعضهم وقسموا الامر بينهم ثلاثة اقسام قسم للمرادية وكبيرهم شاهين بك وقسم للمحمدية وكبيرهم علي بك ايوب وقسم للابراهيمية وكبيرهم عثمان بك حسن وكتبوا مكاتبات وارسلوها الى مشايخ العربان لم اقف على مضمونها
وفي يوم الجمعة رابع عشره اوقفوا عساكر على ابواب المدينة يمنعون الخارجين من البلد حتى الخدم ومنعوا التعدية الى البر الغربي وجمعوا المراكب والمعادي الى البر الشرقي ونقلوا البضائع التي في مراكب التجار المعدة لسفر رشيد ودمياط المعروفة بالرواحل واخذوها اليهم وشرعوا في التعدية بطول يوم الجمعة والسبت وعدى الباشا آخر النهار دخل الى قصر

الجيزة الذي كان به شاهين بك وكذا عدوا بالخيام والمدافع والعربات والاثقال واجتمعت طوائف العسكر من الاتراك والارنؤد والدلاة والسجمان بالجيزة وتحققت المفاقمة والامراء المصرية خلف السور في مقابلتهم واستمروا على ذلك الى ثاني يوم والناس متوقعون حصول الحرب بين الفريقين ولم يحصل وانتقل المصرية وترفعوا الى قبلي الجيزة بناحية دهشور وزنين
وفي يوم الاثنين والثلاثاء انفق الباشا على العسكر وكان له مدة شهور لم ينفق عليهم
وفي ليلة الثلاثاء ركب الباشا ليلا وسافر الى ناحة كرداسة على جرائد الخيل ورجع في ثاني ليلة وكان سبب ركوبه انه بلغه أن طائفة من العربان مارين يريدون المصرية فأراد أن يقطع عليهم الطرق فلم يجد احدا وصادف نجعا مقيمين في محطة فنهب مواشيهم ورجع تعبا وانقطع عنه افراد من العسكر ومات بعضهم من العطش
وفي يوم الجمعة ارتحل المصرية وترفعوا الى ناحية جرزا الهوى بالقرب من الرقق
وفيه حضر مشايخ عربان اولاد علي للباشا فكساهم وخلع عليهم والبسهم شالات كشميري عدتها ثمان شالات وانعم عليهم بمائة وخمسين كيسا وحضر عند المصرية عربان الهنادي ومشايخهم وانضموا اليهم وفي يوم الاحد ثالث عشرينه عدى الباشا الى بر مصر وذهب الى بيته بالازبكية فبات به ليلتين ثم طلع في يوم الثلاثاء الى القلعة وقد تكدر طبعه من هذه الحادثة بعد أن حصلوا بالجيزة وكاد يتم قصده فيهم وخصوصا ما فعله شاهين بك الذي انفق عليه الوفا من الاموال ذهبت جميعها في الفارغ البطال
وفي هذه الايام اعني منتصف شهر بشنس القبطي زاد النيل زيادة ظاهرة اكثر من ذراع ونصف واستمر اياما ثم رجع الى حاله الاول وهذا

من جملة عجائب الوقت
واستهل شهر جمادي الاولى بيوم الاحد سنة 1225
فيه عمل الباشا ميدان رماحه بالجيزة فتقنطر به الحصان ووقع به الارض فأقاموه واصيب غلام من مماليكه برصاصة فمات ويقال أن الضارب لها كان قاصدا الباشا فأخطأته واصابت ذلك المملوك والاجل حصن
وفيه نبهوا على العسكر بالخروج فسعوا بالجد والعجلة في قضاء اشغالهم ولوازمهم وطفقوا يخطفون حمير الناس وجمالهم ومن يصادفونه ويقدرون عليه من اهل البلد وخلافهم ويقولن في غد مسافرون وراحلون لمحاربة المصريين والمصريون أيضا مستمرون في منزلتهم لم ينتقلوا عنها
وفي خامسه خرج حسن باشا وبرز خيامه بناحية الاثار وخرج ايضا محو بيك بعسكره وطوائفه ومعهم بيارق وسافر جملة عساكر في المراكب ليرابطوا في البنادر فأنها خالية ليس بها احد من المصريين وفي كل يوم يخرج عساكر ثم يرجعون الى المدينة وهم مستديمون على خطف الدواب وحمير البطيخ وجمال السقائين والباشا يعدي الى بر مصر في كل يومين او ثلاثة ويطلع الى القلعة ثم يعود الى مخيمه في الجيزة وامتنع سفر المسافرين قبلي وبحري
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرة بلغ الباشا أن الامراء المرادية والابراهيمية وغالب المصرية لهم مراسلات ومعاملات مع السيد سلامة النجاري واخيه وابن اخيه وانه يرسل لهم جميع ما يلزم من اسلحة وامتعة وخلافها بواسطة بعض عملائهم من العربان خفية وانه اشترى جملة اسلحة وخيول وثياب وغيرها واخذ اشياء من بيوت بعضهم لاجل أن يرسل الجميع اليهم وان جميع ذلك موجود عند المذكور الآن ومن جملة ايام حضر رسول من عندهم بدارهم ومعه حصان نعمان بك وهو غنده ! أيضا فأمر بجلبه وحبسه وهجم منزله وضبط اوراقه وضبط ما يوجد بها ففعلوا ذلك وحبسوا معه ابن اخيه وازعجوهما وهجموا منزله فوجدوا فيه خمسة خيول وجملة

اسلحة فطغوا وبغوا ونهبوا متاعه وبددوا شمل كتب ابيه ولم يجدوا مكاتبات من الامراء القبالي ولا اثر لذلك بل انهم وجدوا جوابا من اخيه السيد احمد مضمونه اننا عند وصولنا الى مكة المشرفة اشترينا اربعة خيول نجدية بها العلامات التي افدتمونا عنها وهي مرسلة لكم عسى أن تفوزوا بتقديمها لافندينا ولما سئل عن الاسلحة والخيول التي عنده قال أن السلاح عندنا من قديم وله مدد ورؤيته تدل على ذلك واما الخيول فمنها اربعة احضرتها هدية لأفندينا وجاءت ضعيفة فأبقيتها عندي حتى تتقوى واقدمها اليه والحصان الخامس اشتريته لنفسي من رجل عميلنا اسمه عطوان احمد من اهالي كفر حكيم اخبرني انه اشتراه من ناحية صول ولما رأيت فيه علامات الجودة وجاءت الاربعة خيول تركت ركوبه وابقيته معها حتى اقدم الجميع لأفندينا فعند ذلك توجه محمد افندي طبل للباشا وفهمه براءة ذمة المذكور واخبره بما صار وما وجدوه وما قاله المذكور وسعى في ازالة هذه التهمة عنه وعرفه أن هذا الرجل مستقيم الاحوال وانه من وقت توظيفه معه لم ينظر عليه ما يخالف وصدق عليه الحاضرون فلما ظهر للباشا كذب التهمة وتحقق براءته وانه احضر هذه الخيول هدية له امر باطلاقه من السجن واسترجاع ما نهبته الاعوان من منزله وتخلق عليهم بسبب ذلك ثم امر بإحضاره واحضار الخيول المهداة له فقبلها منه ثم سأله عن علامات الجودة وما يحمد في الخيل وما يذم فيها فأجابه بأجوبة مفيدة استحسنها فأنعم عليه وضاعف مرتبه واحال عليه نظر مشتري الخيول
وفيه وصلت الاخبار بأن حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك وعساكر الارنؤد وصلوا الى ناحية صول والبرنبل فوجدوا المصريين جعلوا متاريس ومدافع علي البر ليمنعوا مرور المراكب فحاربوهم حتى اجلوهم عنها وملكوا المتاريس وقتل رجل من الاجناد وهو الذي كان محافظا على المتاريس يقال له ابراهيم أغا سقط به الجرف الى البحر فأخذوه اليهم ومعه

آخر وقتلوهما وقطعوا رؤسهما وارسلوهما صحبة المبشرين الى الباشا فعلقوا الرأسين بباب زويلة ولما بلغ الامراء المصريين اخذ المتاريس تأهبوا وساروا من اول الليل وهي ليلة السبت رابع عشره مكمنين وكاتمين امرهم فدهموا الارنؤد من كل ناحية فوقع بينهم مقتله عظيمة واخذوا منهم عدة بالحياة واخذوا منهم اشياء وكان حسن باشا واخوه عابدين بك صعدا بمراكبهما الى قبلي المتاريس فاحترق من مراكب اخيه مركب والقى من فيها بأنفسهم الى البحر فمنهم من نجا ومنهم من غرق واما مراكب حسن باشا فإنه ساعدها الريح أيضا فسارت الى ناحية بني سويف ثم أن المصريين عدى منهم طائفة الى شرق اطفيح وانتقل بواقيهم راجعين الى ناحية الجيزة قريبا من عرضي الباشا
وفي ليلة الخميس تاسع عشره عدى الباشا الى بر مصر وطلع الى القلعة فلما كان الليل وصل طائفة من المصريين الى المرابطين لخفارة عرضي الباشا واحتاطوا بهم وساقوهم اليهم فانزعج العرضي وحصل فيهم غاغة فارسل طوسون باشا الى ابيه فركب ونزل من القلعة في سادس ساعة من الليل وعدى الى البر الغربي ومما سمعته أن الباشا عندما نزل المعدية وسار بها في البحر سمع واحدا يقول لآخر قدم حتى نقتل المصريين ونبدد شملهم ويكرر ذلك فأرسل الباشا مركبا وارسل بعض اتباعه بها لينظروا هذين الشخصين ولأي شيء نزلا البحر في هذا الوقت فلما ذهبوا الى الجهة التي سمع منها الصوت لم يجدوا احدا وتفحصوا عنهما فلم يجدوهما فاعتقد من له اعتقاد منهم انهما من الاولياء وان الباشا مساعد بأهل الباطن
وفي عشرينه ظهر التفاشل بين الامراء المصريين وتبين أن الذين كانوا عدوا الى البر الشرقي هم ثلاثة امراء من الالفية وهم نعمان بك وامين بك ويحيى بك وذلك انهم لما تصالحوا مع الباشا واميرهم شاهين بك وهو الرئيس المنظور اليه ومطلق التصرف في معظم البر الغربي والفيوم يتحكم

فيهم وفي طوائف العربان واهالي البلاد والفلاحين بما يريد وكذلك اموال المعادي بناحية الاخصاص وانبابة والخبيري وغير ذلك وهو شيء له قدر كبير وزاد فيهم أيضا اضعاف المعتاد فيأخذ جميع ذلك ويختص به وذلك خلاف انعامات الباشا عليه بالمئتين من الاكياس ويشترى المماليك والجواري الحسان ولا يدفع لهم ثمنا فيشكون الى الباشا فيدفعه الى اليسرجية من خزينته وهو منشرح الخاطر واخوانه يتأثرون لذلك وتاخذهم الغيرة ويطمعون في جانبه وهو يقصر في حقهم ولا يعطيهم الا النزر مع المن والتضجر وفيهم من هو اقدم منه هجرة ويرى في نفسه انه احق بالتقدم منه لما دنت وفاة استاذهم احضر شاهين بك وسلمه خزينته واوصاه بان يعطي لكل امير من خشداشينه سبعة آلاف مشخص ولم يعطهم وطفق كلما اعطاهم شئيا حسبه عليهم من الوصية حتى اذا اعطى اليلك والبنش لنعمان بك مثلا يعطيه له انقص من بنش امين بك نصف دراع ويقول هو قصير القامة ونحو ذلك فيحقدون ذلك عليه ويتشكون من خسته وتقصيره في حقهم ويعلم الباشا ذلك فلما نقض شاهين بك عهده وانضم الى المخالفين وخشداشينه المذكورون معه بالتنافر القلبي راسلهم الباشا سرا ووعدهم ومناهم بأنهم اذا حضروا اليه وفارقوا شاهين بك الخائن المقصر في حقهم انزلهم منزلة شاهين بك وزيادة واختص بهم اختصاصا كبيرا فمالت نفوسهم لذلك القول واعتقدوا بخسافة عقولهم صحته وانهم اذا رجعوا اليه هذه المرة ونبذوا المخالفين اعتقد صداقتهم وخلوصهم وزاد قدرهم ومنزلتهم عنده وتذكروا عند ذلك ما كانوا فيه مدة اقامتهم بمصر من التنعم والراحة في القصور التي عمروها بالجيزة والبيوت التي اتخذوها بداخل المدينة والرفاهية والفرش الوطيئة وتحركت غلمتهم للنساء والسراري التي انعم عليهم الباشا بها وقالوا مالنا والغربة وتعب الجسم والخاطر والانزعاج والجروب والالقاء بنفوسنا في المهالك وعدم الراحة في النوم واليقظة فردوا الجواب بالاجابة وتمنوا عليه أيضا ما حاك في نفوسهم بشرط طرح

المؤاخذة والعفوا الكامل بواسطة من يعتمد صدقه فاجابهم لكل ما سألوه وتمنوه بواسطة مصطفى كاشف المورلي وهو معدود سابقا منهم وانفصل عنهم وانتمى الى كتخدا بك وصار من اتباعه فعند ذلك شرعوا في مناكدة اخيهم شاهين بك ومفارقته وعقدوا معه مجلسا وقالوا له قاسمنا في ربع المملكة التي خصونا به في القسمة التي شرطوها فإننا شركاؤك فإن ابراهيم بك قسم مع جماعته وكذلك عثمان بك وعلي بك ايوب فقال لهم وما هو الذي ملكناه حتى اقاسمكم فيه فقالوا انت تجحف علينا وتختص بالشيء دوننا فإنك لما اصطلحنا معك مع الباشا وصرفك في البر الغربي اختصيت بإيراده وهو كذا وكذا دوننا ولم تشركنا معك في شيء ولولا أن الباشا كان يراعينا ويواسينا من عنده لمتنا جوعا فنحن لانرافقك ولانصحبك ولانحارب معك حتى تظهر لنا ما نقاتل معك عليه وتزايدوا معه في المكالمة والمعاتبة والمفاقمة ثم انفصلوا عنه ونقلوا خيامهم الى ناحية البحر واعتزلوه وفارقوا عرضي الجميع فلما علم بذلك ابراهيم بك الكبير تنكد خاطره وقال لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم أي شئ هذا الفشل وخسافة العقل والتفرق بعد الالتئام والاجتماع وذهب اليهم ليصالحهم ويضمن لهم كل ما طلبوه وطمعوا فيه عند تملكهم وقال لهم ان كنتم محتاجين في هذا الوقت لمصرف انا اعطيكم من عندي عشرين ألف ريال اقسموها بينكم وعودوا لمضربكم معنا فامتنعوا من صلحهم مع شاهين بك فرجع ابراهيم بك يريد اخذ شاهين بك اليهم فامتنع من ذهابه اليهم وقال انا لست محتاجا اليهم وان ذهبوا قلدت امراء خلافهم وعندي من يصلح لذلك ويكون مطيعا لي دونهم فإن هؤلاء يرون انهم احق مني بالرياسة والجماعة شرعوا في التعدية وانتقلوا الى البر الشرقي وحال البحر بين الفريقين ووصل اليهم مصطفى كاشف المورلي بمرسوه الباشا واجتمعوا معه عند عبد الله أغا المقيم بناحية بني سويف وضرب لهم شنكا ومدافع ثم انهم عزموا على الحضور الى مصر فوصلوا في يوم الخميس خامس عشرينه وقابلوا الباشا وخلع عليهم

واعطاهم تقادم ورجعوا الى مضربهم ناحية الآثار وصحبتهم ستة عشر من كشافهم والجميع يزيدون عن المائتين وانعم عليهم الباشا بمائتي كيس لكل كبير من الاربعة عشرون كيسا ومائة وعشرون كيسا لبقيتهم واشتروا دورا واسعة وشرعوا في تعميرها وزخرفتها علىطرف الباشا فاشترى امين بك دار عثمان كتخدا المنفوخ بدرب سعادة من عتقائه ودفع له الباشا ثمنها وامر لكل امير منهم بسبعة آلاف ريال ليصرفها فيما يحتاج اليه في العمارة واللوازم وحولهم بذلك على المعلم غالي ولما تحقق شاهين بك انفصالهم قلد اربعة من اتباعه امرياتهم واعطاهم بيرقا وخيولا وضم لهم مماليك وطوائف وتمت حيلة الباشا التي احكمها بمكره وعند ذلك اشيع في الاقليم القبلي والبحري تفرقهم وتفاشلهم ورجع من كان عازما من القبائل والعربان عن الانضمام اليهم وطلبوا الامان من الباشا وحضروا اليه ودخلوا في طاعته وانعم عليهم وكساهم وكانت اهالي البلاد عندما حصلت هذه الحادثة عصت عن دفع الفرض والمغارم وطردوا المعينين وتعطل الحال وخصوصا عندما شاع غلبة المصريين على الارنؤد وتفرقت عنهم العربان الذين كانوا انضموا اليهم واطاع المخالف والعاصي والممانع وكلها اسباب لبروز المقدور والمستور في غيبه سبحانه وتعالى
وفي اواخره حضر كثير من عسكر الدلاة من الجهة الشامية وكذلك حضر اتراك من على ظهر البحر كثيرون

واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الثلاثاء سنة
في ثالثه يوم الخميس قلد الباشا ديوان افندي نظر مهمات الحرمين والتأهب لسفر الحجاز لمحاربة الوهابية وسكن ببيت قصبة رضوان كل ذلك مع توجه الهمة والاستعداد لمحاربة الامراء المصريين والمذكورون بناحية قنطرة اللاهون
واما حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك ومن معهم فإنهم صعدوا الى قبلي وملكوا البنادر الى حد جرجا واستقر دبوس اوغلي بمنية ابن خصيب

وفي يوم السبت خامسه ارتحل الباشا بعساكره من الجيزة وانتقل الى جزيرة الذهب ونودي في المدينة بخروج العساكر المقيمين بمصر ولا يختلف منهم احد فزاد تعديهم وخطفهم الحمير والجمال والرجال الفلاحين وغيرهم لتسخيرهم في خدمتهم وفي المراكب عوضا عن النوتيه والملاحين الذين هربوا وتركوا سفائنهم فكانوا يقبضون على كل من يصادفونه ويحبسونهم في الحواصل ببولاق واتفق انهم حبسوا نحو ستين نفرا في حاصل مظلم واغلقوه عليهم وتركوهم من غير اكل ولا شرب اياما حتى ماتوا عن آخرهم وانحدر قبطان بولاق واعوانه في طلب المراكب من بحر النيل فكانوا يقبضون على المراكب الواصلة الى مصر بالغلال والبضائع والسفار فيلقون شحنها التي لاحاجة لهم بها على شطوط الملق ويأتون بالمراكب الى بولاق والجيزة الا أن يعطوهم براطيل على تركهم الغلة بالمراكب حتى يصلوا بها الى ساحل بولاق فيخرجونها منها ثم يأخذون المركب وهكذا كان دأبهم بطول هذه المدة
وفي عاشره ارتحل الباشا من جزيرة الذهب يريد محاربة المصريين
وفي منتصفه ورد الخبر بأن حسين بك تابع حسين بك المعروف بالوشاش الألفي اراد الهروب والمجيء الى الباشا فقبض عليه شاهين بك واهانه وسلب نعمته وكتفه واركبه على جمل مغطى الرأس وارسله الى الواحات فاحتال وهرب وحضر الى عرضي الباشا فأكرمه وانعم عليه واعطاه خمسين كيسا واستمر عنده
وفي خامس عشرينه وصلت الاخبار بان الباشا ملك قناطر اللاهون وان المصريين ارتحلوا الى ناحية البهنسا ولم يقع بينهم كبير محاربة وان الباشا استولى على الفيوم وارسل الباشا هدايا لمن في سرايته ولكتخدا بك من ظرائف الفيوم مثل ماء الورد والعنب والفاكهة وغير ذلك واستولى على ماكان مودعا للمصريين من الغلال بالفيوم
وفي اواخره وصلت اخبار من ناحية الشام بأن طائفة من الوهابية

جردوا جيشا الى تلك الجهة فتوجه يوسف باشا الى المزيريب وحصن قلعتها واستعد اليهم بجيش وحاربوهم وطردوهم ثم اضطربت الاخبار واختلفت الاقوال

واستهل شهر رجب بيوم الخميس سنة
فيه وردت الاخبار بورود قزلا راغا من طرف الدولة وعلى يده اوامر وخلعة وسيف وخنجر لمحمد علي باشا وصحبته أيضا مهمات وآلات مراكب ولوازم حروب لسفر البلاد الحجازية ومحاربة الوهابية وهو يسمى عيسى أغا وانه طلع الى ثغر سكندرية
وفي يوم السبت عاشره الموافق لسادس مسرى القبطي اوفي النيل وحصلت الجمعية وحضر كتخدا بك القاضي وباقي الاعيان وكسر السد بحضرتهم في صبحها يوم الاحد وجرى الماء في الخليج
وفيه وصل الاغا شبرا وعملوا له هناك شنكا وحراقات وتعليقات قبالة القصر الذي انشأه الباشا بساحل شبرا وخرجوا لملاقاته في صبحها بعد ثلاث ليال في يوم الثلاثاء ثالث عشرة وعملوا له موكبا عظيما وطلع الى القلعة وضربوا عند طلوعه الى القلعة مدافع وهذا الآغا اسمر اللون حبشي مخصي لطيف الذات متعاظم في نفسه قليل الكلام وفي حال مروره كان بجانبه شخصان ينثران الذهب والفضة الاسلامبولي على الناس المتفرجين وحضر صحبته وصحبة اتباعه السكة الجديدة التي ضربت باسلامبول من الذهب والفضة وهي دراهم فضة خالصة سالمة من الغش زنة الدرهم منها درهم وزنى كامل ستة عشر قيراطا يصرف بخمسة وعشرين نصفا من الانصاف المعاملة العددية المستعملة في معاملة الناس الآن وكذلك قطعة مضروبة وزن درهمين بالدرهم الوزني تصرف بخمسين وكذلك قطة مضروبة وزنها اربعة دراهم وتصرف بمائة نصف وقطعة وزنها ثمانية دراهم وتصرف بمائتين وكذلك ذهب فندقلي اسلامي يصرف باربعمائة نصف واربعين نصفا ونصفه وربعه

وفي يوم الجمعة سادس عشره حضر الآغا المذكور الى المسجد الحسيني وصلى به الجمعة وخرج وهو يفرق على الفقراء والمستجدين ارباع الفنادقة واعطى خدمة الضريح وخدمة المسجد قروشا اسلامبولي في صرر اقل مافي الصرة الواحدة عشرة قروش
وفي يوم السبت سابع عشره عملوا ديوانا بالقلعة واحضروا خلعة وصلت صحبة الاغا المذكور ارسلها صحبة خازنداره والبسوها لابن الباشا وجعلوه باشا مير ميران وابن الباشا المذكور ولد مراهق صغير يسمى اسمعيل وضربوا شنكا ومدافع واشيع انه وصلت مبشرون من الجهة القبلية بنصرة الباشا على المصريين وارسلوا بذلك اوراقا للاعيان اخبروا فيها بوقوع الحرب بين الفريقين ليلة السبت او يوم السبت عاشر رجب
وفي ليلة الثلاثاء عشرينه ارسلوا تنابية الى المشايخ بالحضور من الغد لانفار عدوها ويكون حضورهم بالمشهد الحسيني فبات الناس في ارتياب وظنون وتخامين فلما اصبح اليوم حضر شيخ السادات وهو الناظر على اوقاف المشهد الى قبة المدفن وحضر الشيخ البكري واغلقوا باب القبة ومنعوا الناس من العبور بالمسجد متشوفين لثمرة هذا الاجتماع وكل من حضر من الاشياخ المشاهير استأذنوا له وادخلوه الى القبة وحضر الشيخ الامير والشيخ المهدي وتأخر حضور الشيخ الشرقاوي لكونه كان ببيت في بولاق ثم حضر الآغا المذكور ودخل الى القبة وصحبته ظرف من خشب ففتحه واخرج منه لوحا طوله ازيد من ذراعين في عرض ذراع ونصف مكتوب فيه البسملة بخط الثلث مموه بالذهب وهي بخط يد السلطان محمود وتحتها طرة العلامة السلطانية فعلقوه على مقصورة المقام وقرأوا الفاتحة ودعا السيد محمد المنزلاوي خطيب المسجد بدعوات للسلطان ولما فرغ دعا أيضا السيد بدر الدين المقدسي ثم خلع على المشايخ خلعا وفرق ذهبا ثم خرج الجميع وركبوا الى دورهم فكان هذا الجمع جمع

سخف لاغير
وفي يوم الجمعة ركب الآغا المذكور وذهب الى ضريح السادات غير واضحة بالقرافة صحبة الشيخ المتولي خلافتهم فزار مقابرهم وعلق هناك نوحا أيضا وفرق دراهم وخلع على الشيخ المذكور خلعه
ومن الحوادث البدعية من هذا القبيل أن عثمان أغا المتولي اغات مستحفظان سولت له نفسه عمارة مشهد الرأس وهو رأس زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ويعرف هذا المشهد عند العامة بزين العابدين وبذلك اشتهر ويقصدونه بالزيارة صبح يوم الاحد فلما كانت الحوادث ومجيء الفرنسيس اهملوا ذلك وتخرب المشهد واهيلت عليه الاتربة فاجتهد عثمان أغا المذكور في تعمير ذلك فعمروه وزخرفه وبيضه وعمل به سترا وتاجا ليوضعا على المقام وارسل فنادى على اهل الطرق الشيطانية المعروفين بالاشاير وهم السوقة وارباب الحرف المرذولة الذين ينسبون انفسهم لارباب الضرائح المشهورين كالاحمدية والرفاعية والقادرية والبرهامية ونحو ذلك واكد في حضورهم قبل الجمع بأيام ثم انهم اجتمعوا في يوم الاحد خامس عشرينه بأنواع من الطبول والزمامير والبيارق والاعلام والشراميط والخرق الملونه والمصبغة ولهم انواع من الصياح والنياح والجلبة والصراخ الهائل حتى ملؤا النواحي والاسواق وانتظموا وساروا وهم يصيحون ويترددون ويتجاوبون بالصلوات والآيات التي يحرفونها وانواع التوسلات ومناداة اشياخهم أيضا المنتسبين اليهم بأسمائهم كقولهم برفع الصوت وضرب الطبلات وقولهم ياهو ياهو ياجباوي ويابدوي ويادسوقي ويابيومي ويصحبهم الكثير من الفقهاء والمتعممين والآغا المذكور راكب معهم والستر المصنوع مركب على اعواد وعليه العمامة مرفوعة بوسط الستر على خشب ومتحلقين حوله بالصياح والمقارع يمنعون ايدي الناس الذين يمدون ايديهم للتمسح والتبرك من الرجال والنساء والصبيان المتفرجين ويرمون

الخرق والطرح حتى انهم يرخونها من الطيقان بالحبال لتصل الى ذلك التمثال لينالوا جزأ من بركته ولم يزالوا سائرين به على هذا النمط والخلائق تزداد كثرة حتى وصلوا الى ذلك المشهد خارج البلدة بالقرب من كوم الجارح حيث المجراة وصنع في ذلك اليوم والليلة اطعمة واسمطة للمجتمعين وباتوا على ذلك الى ثاني يوم
وفيه بعث عيسى أغا الواصل نجيب افندي الى الباشا يخبره بحضوره وبالغرض الذي حضر من اجله ويستدعيه للمجيء
وفي يوم الجمعة غايته وردت اخبار بوقوع حرابة بين الباشا والمصريين وقتل بين الفريقين مقتلة عظيمة عند دلجة والبدرمان وكانت الغلبة للباشا على المصريين واخذوا منهم اسرى وحضر الى الباشا جماعة من الامراء الالفية بامان وهرب الباقون وصعدوا الى قبلي فعلموا لذلك اليوم شنكا ومدافع ثلاثة ايام كل يوم ثلاث مرات

واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة
فيه حضر الباشا وقت الغروب في تطريدة وصحبته جماعة قليلون وطلع من البحر من برطرا والمعيصرة وركب من هناك خيولا من خيول العرب وطلع الى القلعة على حين غفلة فضربوا في ذلك الوقت مدافع اعلاما بحضوره
وفي ثاني ليلة صعد اليه عيسى أغا المذكور عند الغروب وقابله وسلم عليه
وفي يوم الاثنين ثالثه عمل الباشا ديوانا وركب ذلك الآغا من بيت عثمان أغا الوكيل الكائن بدرب الجماميز في موكب وطلع الى القلعة وقرأ المرسوم الذي وصل صحبته بالمعنى السابق وهو الامر بالخروج الى الحجاز ولبس الباشا الخلعة والسيف بحضرة الجمع وضربوا مدافع كثيرة عقيب ذلك
وفيه وردت الاخبار بمجييء يوسف باشا والي الشام الى ثغر دمياط وكان

من خبر وروده على هذه الصورة انه لما ظهر امره واتته ولاية الشام فاقام العدل وابطل المظالم واستقامت احواله وشاع امر عدله النسبي في البلدن فتقل امره على غيره من الولاة واهل الدولة لمخالفته طرائقهم فقصودا عزله وقتله فارسلوا له ولوالي مصر اوامر بالخروج الى الحجاز فحصل التواني وفي اثناء ذلك حضر فرقة من العربان الوهابيين وخرج اليهم يوسف باشا المذكور وحصن المزيريب كما تقدم ورجع الى الشام وتفرقت الجموع ثم وصل عيسى أغا هذا وعلى يده مراسيم بولاية سليمان باشا على الشام وعزل يوسف باشا واشاعوا ذلك وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا في جمع وخرج يوسف باشا بجموعه أيضا فتحاربا فانهزم يوسف باشا ونزل بالمزة واستعجل الرجوع الى الشام فقامت عليه عساكره ونهبوا متاعه وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا وتفرقوا عنه فما وسعه الا الفرار وترك ثقله وامواله ونزل في مركب ومعه نحو الثلاثين نفرا وحضر الى مصر ملتجئا لواليها محمد علي باشا لأن بينهما صداقة ومراسلات فلما وصلت الاخبار بوصوله ارسل الى ملاقاته طاهر باشا وحضر صحبته الى مصر وانزله بمنزل مطل على بركة الازبكية وعين له ما يكفيه وارسل اليه هدايا وخيولا وما يحتاج اليه
وفي هذه الايام اختل سد ترعة الفرعونية وانفتح منه شرم واندفع فيه الماء فضج الناس وتعين لسدها ديوان افندي واخذ معه مراكب واحجارا واخشابا وغاب يومين ثم رجع واتسع الخرق واستمر عمر بك تابع الاشقر مقيما عليها لخفارتها وليمنع مرور المراكب ويقوي ردمها لئلا تنحرها المياه فيزداد اتساع الخرق
وفي هذه الايام توقفت زيادة النيل فكان يزيد من بعد الوفاة قليلا ثم ينقص قليلا ثم يرجع النقص وهكذا فأشار البعض بالاجتماع بالاستسقاء بالازهر فتجمع القليل ثم تفرقوا وذلك يوم الثلاثاء رابعه وخرج النصارى الاقباط يستسقون أيضا واجتمعوا بالروضة وصحبتهم القساقسه والرهبان

وهم راكبون الخيول والرهوانات والبغال والحمير في تجمل زائد وصحبتهم طائفة من اتباع الباشا بالعصي المفضضة وعملوا في ذلك اليوم سيانة وحانات وقهوات واسمطة وسكردانات عند جميز العبد ويقولون أن النيل لما توقفت زيادته في العام الذي قبل العام الماضي وخرد الناس يستسقون بجامع عمرو وخرج النصارى في ثاني يوم فزاد النيل تلك الليلة وذلك لا اصل له على انه لا استغراب للزيادة في اوانها وهذه الايام أيضا اواخر مسرى وايام النسيئ وفيها قوة الزيادة وايام النوروز
وفي يوم السبت خرج المشايخ والناس الى جامع عمرو بمصر القديمة وارسلوا تلك الليلة فجمعوا الاطفال من مصر وبولاق فحضر الكثير وخطبوا وصلوا واضر بالمجتمعين الجوع في ذلك اليوم ولم يجدوا ما ياكلونه
وفي ثاني يوم نقص النيل واستمر ينقص في كل يوم
وفي يوم الخميس ثالث عشره حضرت العساكر والتجريدة الى نواحي الآثار والبساتين ودخلوا في صبيحة يوم الجمعة رابع عشره بطموشهم وحملاتهم حتى ضاقت بهم الارض وحضر صحبتهم الكثير من الاجناد المصرية اسرى ومستأمنين
وفيه حضر يوسف باشا المنفصل عن الشام ونزل بقصر شبرا وضربوا لحضوره مدافع ثم انتقل الى الازبكية وسكن هناك كما تقدم ذكره
وفي خامس عشرينه زاد النيل ورجع ماكان انتقصه وزاد على ذلك نحو قيراطين وثبت الى اواخر توت واطمأن الناس
وفي غايته سافر عيسى أغا بعد ما قبض ما اهداه اليه الباشا له ولمخدومه من الهدايا والاكياس والتحف والسكاكر والشرابات والاقمشة الهندية وغير ذلك ونزل لتشييعه عثمان أغا الوكيل وسافر صحبته نجيب افندي
وفي اواخره سافر سليمان بك البواب لمصالحة الامراء المنهزمين على يد حسن باشا

واستهل شهر رمضان بيوم الاحد سنة
في سابع عشره قبض الباشا على المعلم غالي كبير المباشرين الاقباط والمعلم فلتيوس والمعلم جرجس الطويل والمعلم فرنسيس اخي المعلم غالي وباقي اعيان المباشرين فأما غالي وفلتيوس فنزلوا بهما تلك الليلة الى بولاق وانزلوهما في مركب ليسافرا الى دمياط وحبسوا الباقين بالقلعة وختموا علىدورهم وجدوا عند المعلم غالي نيفا وستين جارية بيضاء وسوداء وحبشية ثم قلدوا المباشرة الى المعلم منصور ضريمون الذي كان معلم ديوان الجمرك ببولاق سابقا والمعلم بشارة ورزق الله الصباغ مشاركان معه ثم انزلوا النصارى المعتقلين من القلعة الى بيت ابراهيم بك الدفتردار بالازبكية وفيهم جرجس الطويل واخوه حنا وجرجس وفرنسيس اخو غالي ويعقوب كاتبه وغيرهم واشاعوا عمل حسابهم ثم دار الشغل وسعت الساعون في المصالحة على غالي ورفقائه الى أن تم الامر على اربعة وعشرين ألف كيس ونزل له فرمان الرضا والخلع والبشائر وذلك في اخر رمضان
واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة
فيه نزلت طبلخانة الباشا الى بيت المعلم غالي واستمروا يضربون النوبة التركية ثلاثة ايام العيد ببيته وكذلك الطبل الشامي وباقي الملاعيب وترمى لهم الخلع والبقاشيش
وفي سابعه حضر المعلم غالي وطلع الى القلعة وخلع عليه الباشا خلع الرضا والبسه فروة سمور وانعم عليه ونزل له عن اربعة آلاف كيس من اصل الاربعة وعشرين ألف كيس المطلوبة في المصالحة ونزل الى داره وامامه الجاويشية والاتباع بالعصى المفضضة وجلس بدكة داره واقبل عليه الاعيان من المسلمين والنصارى للسلام عليه والتهنئة له بالقدوم المبارك واما المعلم منصور ضريمون فجبروا خاطره بأن قيدوه بخدمة بيت ابراهيم بك ابن الباشا الدفتردار وقيدوا رفيقيه في خدم اخرى

وفي يوم الخميس عاشر شوال حضر شاهين بك الألفي ومن معه الى مصر ونصب وطاقه بناحية البساتين وذلك بعد أن تمموا الصلح على يد حسن باشا بواسطة سليمان بك البواب فلما استقر بخيامه وعرضيه ببر مصر حضر مع رفقائه وقابل الباشا وهو ببيت الازبكية فبش في وجهه فقال شاهين بك نرجو سماح افندينا وعفوه عما اذنبناه فقال نعم من قبل مجيئكم بزمان وهو مصر لهم على كل كريهة واخلى له بيت محمد كتخدا الاشقر بجوار طاهر باشا بالازبكية وفرشوه ونظموه ووعده برجوعه الى الجيزة في مناصبه كما كان حتى يتحول منها محرم بك صهر الباشا لانه عند انتقال شاهين بك من الجيزة عدى اليها محرم بك بحريمة وهي ابنة الباشا وسكن القصر بعسكره وكذلك اسكن كبار اتباعه وخواصة القصور التي كان يسكنها الالفية وكذلك البيوت والدور فوعده بالرجوع الى محله وظن بخسافة عقله صحة ذلك وحضر صحبة شاهين بك جملة من العسكر والدلاة وغيرهم واستمرت حملاتهم وامتعتهم تدخل الى المدينة ارسالا في عدة ايام
وفي يوم الجمعة عمل الباشا ديوانا بالازبكية في بيت ابنة ابراهيم بك الدفتر دار واجتمع عنده المشايخ والوجاقلية وغيرهم فتكلم الباشا وقال يا احبابنا يخفاكم احتياجي الى الاموال الكثيرة لنفقات العساكر والمصاريف والمهمات والايراد لايكفي ذلك فلزم الحال لتقرير القرض على البلاد والاطيان وقد اجحف ذلك باهليها حتى جلت وخرجت القرى وتعطلت المزارع وبارت الاطيان ولايمكنني رفع ذلك بالكلية والقصدان تدبروا لنا تدبيرا وطريقا لتحصيل المال من غير ضرر ولا اجحاف على اهل القرى وتعود مصلحة التدبير عليهم وعلينا فقال الجميع الراي لك فقال اني فوضت الرأي في تدبير الامور السابقة لجماعة الكتبة وهم الافندية والاقباط فوجدت الجميع خائنين واني دبرت رأيا لاتدخله التهمة وهو أن من المعلوم أن جميع الحصص لها سندات ومعين بها مقدار الميري والفائظ

فنقرر على كل حصة قدر ميريها وفائظها اما سنة او سنتين فلا يضر ذلك بالملتزمين ولا بالفلاحين فانتبذ ايوب كتخدا الفلاح وهو كبير الاختيارية وقال لكن يا افندينا الى مساواة الناس فان حصص كثير من المشايخ مرفوع ما عليها من المغارم ويرجع تتميم الغرامة على حصص الشركاء فحنق من كلامه الشيخ الشرقاوي وقال له انت رجل سوء وثار عليه باقي المشايخ الحاضرين وزاد فيهم الصياح فقام الباشا من المجلس وتركهم وذهب بعيدا عنهم وهم يتراددون ويتشاجرون فأرسل اليهم الباشا الترجمان وقال انكم شوشتم على الباشا وتكدر خاطره من صياحكم فسكتوا وقاموا من المجلس وذهبوا الى دورهم وهم منفعلون المزاج ولعل كلام ايوب كتخدا وافق غرض الباشا او هو باغرائه ثم شرعوا في تحرير الدفاتر وتبديل الكيفيات وكان في العزم اولا أن يجعلها على ذمم الاطيان شارقا وغارقا بما فيها من الاوسية التي للملتزمين والارزاق ومسموح مشايخ البلاد وذكر ذلك في المجلس فقيل له أن الاوسية معايش الملتزمين والرزق قسمان قسم داخل في زمام اطيان البلد ومحسوب في مساحة فلاحتها وقسم خارج عن زمامها والقسمان من الارصادات على الخيرات وعلى جهات البر والصدقة والمساجد والاسبلة والمكاتب والأحواض لسقي الدواب وغير ذلك فيلزم منه ابطال هذه الخيرات وتعطيلها فقال الباشا أن المساجد غالبها متخرب ومتهدم فقالوا له عليك بالفحص والتفتيش والزام المتولي على المسجد بعمارته اذا كان ايراده رائجا الى آخر ماقيل
وفي يوم الاثنين حادي عشرينه قتلوا شخصا من الاجناد الالفية وقطعوا رأسه بباب الخرق بسبب انه قتل زوجته من غير جرم يوجب قتلها

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الاربعاء سنة
وفي ثانيه سافر الباشا الى ثغر سكندرية ليكشف على عمارة الابراج والاسوار ويبيع الغلال التي جمعها من البلاد في الفرض التي فرضت عليهم وكذلك ما احضره من البلاد القبلية فجمعوا المراكب وشحنوها

بالغلال وارسلها الى الاسكندرية ليبيعها على الافرنج فباع عليهم ازيد من مائتي ألف اردب كل اردب بمائة قرش وسعرها بمصر ثمانية عشر قرشا وهو لم يشترها ولم تكن عليه بمال بل اخذها من زراعات الفلاحين من اصل مافرضه عليهم من الظلم مع تطفيف الكيل عليهم والزامهم بكلفة شيله واجره نقله الى المحل الذي يلزمونهم بوضعه فيه واخذ من الافرنج في ثمنه اصناف النقود من الذهب المشخص البندقي والمجر والفرانسة وعروض البضائع من الجوخ المتنوعة والدودة التي يقال لها القرمز والقزدير واصناف البضائع الافرنكية واحدث وهو بالاسكندرية احداثا ومكوسا

واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الاحد سنة
في ثاني عشرينه حضر الباشا من الاسكندرية الى مصر وذلك يوم الجمعة اواخر النهار وحضر في العشية الى بيت الازبكية وبات عند حريمه وطلع في صبح يوم السبت الى القلعة وضربوا مدافع كثيرة لحضوره وبذلك علم الناس حضوره وانقضت السنة بحوادثها التي قصصنا بعضها اذ لا يمكن استيفاؤها للتباعد عن مباشرة الامور وعدم تحققها على الصحة وتحريف النقلة وذياتهم ونقصهم في الرواية فلا اكتب حادثه حتى اتحقق صحتها بالتواتر والاشتهار وغالبها من الامور الكلية التي لاتقبل الكثير من التحريف وربما اخرت قيد حادثة حتى اثبتها ويحدث غيرها وانساها فأكتبها في طيارة حتى افيدها في محلها أن شاء الله تعالى عند تهديب هذه الكتابة وكل ذلك من تشويش البال وتكدر الحال وهم العيال وكثرة الاشتغال وضعف البدن وضيق العطن
ومن حوادثها احداث عدة مكوس زيادة على ما احدث على الارز الكتان والحرير والحطب والملح وغير ذلك مما لم يصل الينا خبره حتى غلت اسعارها الى الغاية وكان سعر الدرهم الحرير نصفين فصار بخمسة عشر نصفا وكنا نشتري القنطار من الحطب الرومي في اوانه بثلاثين نصفا وفي غير اوانه باربعين نصفا فصار بثلثمائة نصف وكان الملح يأتي من ارضه بثمن

القفاف التي يوضع فيها لاغير ويبيعه الذين ينقلونه الى ساحل بولاق الاردب بعشرين نصفا واردبه ثلاثة ارادب ويشتريه المسبب بمصر بذلك السعر لان اردبة اردبان ويبيعه أيضا بذلك السعر ولكن اردبه واحد فالتفاوت في الكيل لا في السعر فلما احتكر صار الكيل لايتفاوت سعره الآن اربعمائة وخمسون نصفا والتزم به من التزم واوقف رجاله في موارده البحرية لمنع من يأخذ منه شيئا من المراكب المارة بالسعر الرخيص من اربابه ويذهب به الى قبلي او نحو ذلك
ومنها وهي من الحوادث الغريبة انه ظهر بالتل الكائن خارج رأس الصوة المعروفة الآن بالحطابة قبالة الباب المعروف بباب الوزير في وهدة بين التلول نار كامنة بداخل الاتربة واشتهر امرها وشاع ذكرها وزاد ظهورها في اواخر هذه السنة فيظهر من خلال التراب ثقب ويخرج منها الدخان بروائح مختلفة كرائحة الخرق البالية وغير ذلك وكثر ترداد الناس للاطلاع عليها افواجا افواجا نساء ورجالا واطفالا فيمشون عليها ويجدون حرارتها تحت ارجلهم فيحفرون قليلا فتظهر النار مثل نار الدمس فيقربون منها وان غوصوا فيها خشبة او قصبة احترقت ولما شاع ذلك واخبروا بها كتخدا بك نزل اليها بجمع من اكابره واتباعه وغيرهم وشاهد ذلك فأمر والي الشرطة بصب الماء عليها واهالة الاتربة من اعالي التل فوقها ففعلوا ذلك واحضروا السقائين وصبوا عليها بالقرب ماء كثيرا واهالوا عليها الاتربة وبعد يومين صارت الناس المتجمعة والاطفال يحفرون تحت ذلك الماء المصبوب قليلا فتظهر النار ويظهر دخانها فيقربون منها الخرق والحلفاء واليدكات فتورى وتدخن واستمر الناس يغدون ويروجون للفرجة عليها نحو شهرين وشاهدت ذلك في جملتهم ثم بطل ذلك
ومنها انه نودي اواخر السنة على صرف المحبوب بزيادة صرفه ثلاثين نصفا وكان يصرف بمائتين وخمسين من زيادات الناس في معاملاتهم فكانوا ينادون بالنقص ورجوعها الى ما كان قبل الزيادة ويعاقبون على

التزايد
وفي هذه الايام نودي بالزيادة وذلك بحسب الاغراض والمقاصد والمقتضيات ومراعاة مصالح انفسهم لاالمصلحة العامة هذا مع نقص عياره ووزنه عما كان عليه قبل المناداة وكذلك نقصوا وزن القروش وجعلوا القرش على النصف من القرش الاول ووزنه درهمين وكان اربعة دراهم وفي الدرهمين ربع درهم فضة هذا مع عدم الفضة العددية ووجودها بايدي الناس والصيارف واذا اراد انسان صرف قرش واحد من غيره صرفه بنقص ربع العشر واخذ بدله قطعا صغارا افرنجية يصرف منها الواحدة باثني عشر واخرى بعشرة واخرى بخمسة ولكنها جيدة العيار وهم الآن يجمعونها ويضربونها بما يزاد عليها من النحاس وهو ثلاثة ارباعها قروشا لأن القطعة الصغيرة التي تصرف بخمسة انصاف وزنها درهم واحد وزني فيصيرونها اربعة قروش فتضاعف الخمسة الى ثمانين وكل ذلك نقص واختلاس اموال الناس من حيث لايشعرون
واما من مات في هذه السنة ممن له ذكر فمات الفقيه الفريد والعلامة المفيد الشيخ علي الحصاوي الشافعي ولا اعلم له ترجمة وانما رأيته يقرر الدروس ويفيد الطلبة في الفقه والمعقول ويشهد الفضلاء بفضله ورسوخه وكان على طريقة المتقدمين في الانقطاع للافادة وعدم الرفاهية والرضا بما قسم له منعكفا في حاله وتمرض بالبرودة ولم ينقطع عن ملازمة الدروس حتى توفي في منتصف جمادي الثانية من السنة وصلى عليه بالازهر ودفن في تربة المجاورين بالصحراء ومات المعلم جرجس الجوهري القبطي كبير المباشرين بالديار المصرية وهو اخو المعلم ابراهيم الجوهري ولما مات اخوه في زمن رياسة الامراء المصرية تعين مكانه في الرياسة على المباشرين والكتبة وبيده حل الامور وربطها في جميع الاقاليم المصرية نافذ الكلمة وافر الحرمة وتقدم في ايام الفرنسيس فكان رئيس الرؤساء وكذلك عند مجييء الوزير والعثمانيين وقدموه واجلسوه ولما يسديه اليهم من الهدايا

والرغائب حتى كانوا يسمونه جرجس افندي ورأيته يجلس بجانب محمد باشا خسرو وبجانب شريف افندي الدفتردار ويشرب بحضرتهم الدخان وغيره ويراعون جانبه ويشاورونه في الامور وكان عظيم النفس ويعطي العطايا ويفرق على جميع الاعيان عند قدوم شهر رمضان الشموع العسلية والسكر والازر والكساوي والبن ويعطي ويهب وبنى عدة بيوت بحارة الونديك والازبكية وانشأ دارا كبيرة وهي التي يسكنها الدفتردار الآن ويعمل فيها الباشا وابنه الدواوين عند قنطرة الدكة وكان يقف على ابوابه الحجاب والخدم ولم يزل على حالته حتى ظهر المعلم غالي وتداخل في هذا الباشا وفتح له الابواب لأخد الاموال والمترجم يدافع في ذلك واذا طلب الباشا طلبا واسعا من المعلم جرجس يقول له هذا لايتيسر تحصيله فيأتي المعلم غالي فيسهل له الامور ويفتح له ابواب التحصيل فضاق خناق المترجم وخاف على نفسه فهرب الى قبلي ثم حضر بأمان كما تقدم وانحط قدره ولازمته الامراض حتى مات في اواخر شعبان وانقضى وخلا الجو للمعلم غالي وتعين بالتقدم ووافق الباشا في اغراضه الكلية والجزئيه وكل شيء له بداية وله نهاية والله اعلم

واستهلت سنة ست وعشرين ومائتين والف
فكان اول المحرم يوم السبت فيه اظهر الباشا الاهتمام بأمر الحجاز والتجهيز للسفر وركب في ليلة الجمعة سابعه الى السويس وسافر صحبته السيد محمد المحروقي وقام باحتياجاته ولوازمه فلما وصل الى السويس حجز الداوات التي وصلت بالمحمل وسفر عدة من المراكب التي انشأها ليقبضوا على الداوات والسفن التي بالاساكل وحوزها واستولى على البن الذي وجده ببندر السويس للتجار فلما وصل خبر ذلك الى مصر فغلا سعر البن وزاد حتى وصل الى خمسين ريالا فرانسة بعد أن كان بستة وثلاثين عنها اثنا عشر ألف فضة وخمسمائة نصف فضة

واستهل شهر صفر الخير بيوم الاحد سنة
في ثانيه يوم الاثنين حضر الباشا من السويس الى مصر في سادس ساعة من الليل فضربوا في صبحها عدة مدافع لحضوره وقد حضر علي هجين بمفرده ولم يصحبه الا رجل بدوي على هجين أيضا ليدله على الطريق وقطع المسافة في احدى عشرة ساعة وحضر من كان بصحبته في ثاني يوم وهم مجدون السفر وحضر السيد محمد المحروقي بحموله في اليوم الثالث واخبروا أن الباشا انزل من ساحل السويس خمسة مراكب من المراكب التي انشأها باحتياجاتها ولوازمها وعساكرها ووجههم الى ناحة اليمن ليقبضوا على ما يجدونه من المراكب وان الصناع مجتهدون في العمل في مراكب كبار لحمل الخيول والعساكر واللوازم
فيه حضر صالح أغا قوج حاكم اسيوط وتناقلت الاخبار عن الامراء المصريين القبليين بأنهم حضروا الى الطينة ورجعوا الى ناحية قنا وقوض وخرج اليهم احمد اغالاظ وتحارب معهم وقتل من عساكره عدة وافرة
وفيه قلد الباشا ابنه طوسون باشا ساري عسكر الركب الموجه الى الحجاز واخرجوا جيشهم الى ناحية قبة العزب ونصبوا عرضيا وخياما واظهر الباشا الاجتهاد الزائد والعجلة وعدم التواني ونوه بتسفير عساكر لناحية الشام لتمليك يوسف باشا لمحله وساري عسكرهم شاهين بك الألفي ونحو ذلك من الايهامات وطلب من المنجمين أن يختاروا وقتا صالحا لإلباس ابنه خلعة السفر فاختاروا له الساعة الرابعة من يوم الجمعة فلما كان يوم الخميس رابعه طاف الاي جاويش بالاسواق على صورة الهيئة القديمة في المناداة على المواكب العظيمة وهو لابس الضلمة والطبق على رأسه وراكب حمار عال وامامه مقدم بعكاز وحوله قابجية ينادون بقولهم يارن الاي ويكررون ذلك في اخطاط المدينة وطافوا بأوراق التنابية على كبار العسكر والبينبات والامراء المصرية الالفية وغيرهم يطلبونهم للحضور في باكر النهار الى القلعة ليركب الجميع بتجملاتهم وزينتهم اما الموكب فلما اصبح يوم الجمعة سادسه ركب الجميع وطلعوا الى القلعة وطلع

المصرية بمماليكهم واتباعهم واجنادهم فدخل الامراء عند الباشا وصبحوا عليه وجلسوا معه حصة وشربوا القهوة وتضاحك معهم ثم انجر الموكب على الوضع الذي رتبوه فانجر طائفة الدلاة واميرهم المسمى ازون علي ومن خلفهم الوالي والمحتسب والاغا والوجاقلية والالداشات المصرية ومن تزيا بزيهم ومن خلفهم طوائف العسكر الرجالة والخيالة والبيكباشيات وارباب المناصب منهم وابراهيم اغا آغات الباب وسليمان بك البواب يذهب ويجيء ويرتب الموكب وكان الباشا قد بيت مع حسن باشا وصالح قوج الكتخدا فقط غدر المصرية قتلهم واسر بذلك في صبحها ابراهيم أغا آغات الباب فلما انجر الموكب وفرغ طائفة الدلاة ومن خلفهم من الوجاقلية والالداشات المصرية وانفصلوا من باب العزب فعند ذلك امر صالح قوج بغلق الباب وعرف طائفته بالمراد فالتفتوا ضاربين بالمصرية وقد انحصروا باجمعهم في المضيق المنحدر الحجر المقطوع في اعلي باب العزب مسافة ما بين الباب الاعلى الذي يتوصل منه الى رحبة سوق القلعة الى الباب الاسفل وقد اعدوا عدة من العساكر اوقفوهم على علاوي النقر الجحر والحيطان التي به فلما حصل الضرب من التحتانيين اراد الامراء الرجوع القهقري فلم يمكنهم ذلك لانتظام الخيول في مضيق النقر واخذهم ضرب البنادق والقرابين من خلفهم أيضا وعلم العسكر الواقفون بالاعلى المراد فضربوا أيضا فلما نظروا ما حل به سقط في ايديهم وارتبكوا في انفسهم وتحيروا في امرهم ووقع منه اشخاص كثيرة فنزلوا عن الخيول واقتحم شاهين بك وسليمان بك البواب وآخرون في عدة من مماليكهم راجعين الى فوق والرصاص نازل عليهم من كل ناحية ونزعوا ما كان عليهم من الفراوي والثياب الثقيله ولم يزالوا سائرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا الى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الاعمدة وقد سقط اكثرهم واصيب شاهين بك وسقط الى الارض فقطعوا رأسه واسرعوا بها الى الباشا ليأخذوا عليها البقشيش وكان الباشا عندما ساروا

بالموكب ركب من ديوان السراية وذهب الى البيت الذي به الحريم وهو بيت اسمعيل أفندي الضربخانه وأما سليمان بك البواب فهرب من حلاوة الروح وصعد الى حائط البرج الكبير فتابعوه بالضرب حتى سقط وقطعوا رأسه أيضا وهرب كثير الى بيت طوسون باشا يظن الالتجاء به والاحتماء فيه فقتلوهم وأسرف العسكر في قتل المصريين وسلب ماعليهم من الثياب ولم يرحموا أحدا وأظهروا كامن حقدهم وضبعوا فيهم وفيمن رافقهم متجملا معهم من اولاد الناس واهالي البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب وهم يصرخون ويستغيثون ومنهم من يقول انا لست جنديا ولا مملوكا وآخر يقول انا لست من قبيلتهم فلم يرقوا لصارخ ولا شاك ولا مستغيث وتتبعوا المتشتتين والهربانين في نواحي القلعة وزواياها والذين فروا ودخلوا في البيوت والاماكن وقبضوا على من أمسك حيا ولم يمت من الرصاص او متخلفا عن الموكب وجالسا مع الكتخدا كأحمد بك الكيلارجي ويحيى بك الألفي وعلي كاشف الكبير فسلبوا ثيابهم وجمعوهم الى السجن تحت مجلس كتخدا بك ثم احضروا أيضا المشاعلي لرمي اعناقهم في حوش الديوان واحدا بعد واحد من ضحوة النهار الى أن مضى حصة من الليل في المشاعل حتى امتلأ الحوش من القتلى ومن مات من المشاهير المعروفين وانصرع في طريق القلعة قطعوا رأسه وسحبو حثته الى باقي الجثث حتى انهم ربطوا في رجلي شاهين بك ويديه حبالا وسحبوه على الارض مثل الحمار الميت الى حوش الديوان هذا ما حصل بالقلعة واما اسفل المدينة فأنه عند ما اغلق باب القلعة وسمع من بالرميلة صوت الرصاص وقعت الكرشة في الناس وهرب من كان واقفا بالرميلة من الاجناد في انتظار الموكب وكذلك المتفرجون واتصلت الكرشة بأسواق المدينة فأنزعجوا وهرب من كان بالحوانيت لانتظار الفرجة واغلق الناس حوانيتهم وليس لأحد علم بما حصل وظنوا ظنونا وعندما تحقق العسكر حصول الواقعة وقتل الامراء انبثوا كالجراد المنتشر الى بيوت الامراء المصريين ومن

جاورهم طالبين النهب والغنيمة فولجوها بغتة ونهبوها نهبا ذريعا وهتكوا الحرائر والحريم وسحبوا النساء والجواري والخوندات والستات وسلبوا ما عليهن من الحلي والجواهر والثياب وأظهروا الكامن في نفوسهم ولم يجدوا مانعا ولا رادعا وبعضهم قبض على يد امرأة ليأخذ منها السوار فلم يتمكن من نزعها بسرعة فقطع يد المراءة وحل بالناس في بقية ذلك اليوم من الفزع والخوف وتوقع المكروه مالا يوصف لأن المماليك والاجناد تداخلوا وسكنوا في جميع الحارات والنواحي وكل امير له دار كبيرة فيها عيالة واتباعه ومماليكه وخيوله وجماله وله دار وداران صغار في داخل العطف ونواحي الازهر والمشهد الحسيني يوزعون فيها ما يخافون عليه لظنهم بعدها وحمايتها بحرمة الخطة وصونها عند وقوع الحوادث وكثير من كبار العسكر مجاورون لهم في جميع النواحي ويرمقون احوالهم ويطلعون على أكثر حركاتهم وسكناتهم ويندخلون فيهم ويعاشرونهم ويسامرونهم بالليل ويظهرون لهم الصداقة والمحبة وقلوبهم محشوة من الحقد عليهم والكراهة لهم بل ولجميع ابناء العرب فلما حصلت هذه الحادثة بادروا لتحصيل مأمولهم واظهروا ما كان مخفيا في صدورهم وخصوصا من التشفي في النساء فإن العظيم منهم كان اذا خطب ادنى امرأة ليتزوج بها فلا ترضى به وتعافه وتأنف قربه وان الح عليها استجارات بمن يحميها منه والا هربت من بيتها واختفت شهورا وذلك بخلاف ما اذا خطبها اسفل شخص من جنس المماليك اجابته في الحال واتفق انه لما اصطلح الباشا مع الالفية وطلبوا البيوت ظهر كثير من النساء المستترات المخفيات وتنافسن في زواجهم وعملن لهم الكساوي وقدمن لهم التقادم وصرفن عليهم لوازم البيوت التى تلزم الازواج لزوجاتهم كل ذلك بمرأى من الاتراك يحقدونه في قلوبهم وفيهم من حمى جاره وصان دياره ومانع اعلاهم ادناهم وقليل ما هم وذلك لغرض يبتغيه وامر يرتجيه فانه بعد ارتفاع النهب كانوا يقبضون عليهم من البيوت فيستولي الذي حماه ودافع عنه على داره وما

فيها وانهبت دور كثيرة من المجاورين لهم او لدور اتباعهم بأدنى شبهة او يدخلون بحجة التفتيش ويقولون عندكم مملوك او سمعنا أن عندكم وديعة لمملوك وبات الناس واصبحوا على ذلك ونهب في هذه الحادثة من الاموال والامتعة ما لا يقدر قدره ويحصيه الا الله سبحانه وتعالى ونهبت دور كثيرة من دور الاعيان الذين ليسوا من الامراء المقصودين ومن المتقيدين بخدمة الباشا مثل ذو الفقار كتخدا المتولي خوليا على بساتين الباشا التى انشأها بشبرا وبيت الامير عثمان أغا الورداني ومصطفى كاشف المورلي والافندية الكتبة وغيرهم واصبح يوم السبت والنهب والقتل والقبض على المتوارين والمختفين مستمر ويدل البعض على البعض او يغمز عليه وركب الباشا في الضحوة ونزل من القلعة وحوله امراؤه الكبار مشاة وامامه الصفاشية والجاويشية بزينتهم وملابسهم الفاخرة والجميع مشاة ليس فيهم راكب سواه وهم محدقون به وامامه وخلفه عده وافرة والفرح والسرور بقتل المصريين ونهبهم والظفر بهم طافح من وجوههم فكان كلما مر على ارباب الدرك والقلقات والضابطين وقف عليهم ووبخهم على النهب وعدم منعهم لذلك والحال انهم هم الذين كانوا ينهبون اولا ويتبعهم غيرهم فمر على العقادين الرومي والشوائين فخرج اليه شخص من تجار المغاربة يسمى العربي الحلو وصرخ في وجهه وهو يقول ايش هذا الحال وايش لنا علاقة حتى ينهبنا العسكر ونحن ناس فقراء مغاربة متسببون ولسنا مماليك ولا اجناد فوقف اليه وارسل معه نفرا الى داره فوجدوا بها شخصين احدهما تركي والآخر بلدي وهما يلتقطان آخر النهب وما سقط من النهابين فأمر بقتلهما فأخذوهما الى باب الخرق وقطعوا رؤوسهما ثم انه عطف على جهة الكعكيين فلاقاه من اخبره بأن المشايخ مجتمعون ونيتهم الركوب لملاقاته والسلام عليه والتهنئة بالظفر فقال انا اذهب اليهم ولم يزل في سيرة حتى دخل الى بيت الشيخ الشرقاوي وجلس عنده ساعة لطيفة وكان قد إلتجأ الى الشيخ شخصان من الكشاف المصرية فكلمه في شأنهما

وترجى عنده في اعتاقهما من القتل وان يؤمنهما على انفسهما وقال له لا تفضح شيبتي يا ولدي واقبل شفاعتي واعطهما محرمة الامان فاجابه الى ذلك وقال له شفاعتك مقبولة ولكن نحن لا نعطي محارم وانا اماني بالقول او نكتب ورقة ونرسلها اليك بالامان فاطمأن الشيخ لذلك ثم قام الباشا وركب وطلع الى القلعة وارسل ورقة الى الشيخ بطلبهما فقال لهما الشيخ أن الباشا ارسل هذه الورقة يؤمنكما ويطلبكما اليه فقالا وما ي يفعل بذهابنا اليه فلاشك في انه يقتلنا فقال الشيخ لا يصلح ذلك ولا يكون كيف انه يأخذكم من بيتي ويقتلكم بعد أن قبل شفاعتي فذهبا مع الرسول فعندما وصلا الى الحوش وهو مملوء بالقتلى وضرب ذرب الرقاب واقع في المحبوسين والمحضرين قبضوا عليهما وادرجا في ضمنهم وفي ذلك اليوم نزل طوسون ابن الباشا وقت نزول ابيه وشق المدينة وقتل شخصا من النهابين أيضا فارتفع النهب وانكف العسكر عن ذلك ولولا نزول الباشا وابنه في صبح ذلك اليوم لنهب العسكر بقية المدينة وحصل منهم غاية الضرر اما القبض على الاجناد والمماليك فمستمر وكذلك كل من كان يشبههم في الملبس والزي واكثر من كان يقبض عليهم عساكر حسن باشا الارنؤدي فيكبسون عليهم في الدوراو في الاماكن التى تواروا فيها واستدلوا عليهم فيقبضون على من يقبضون عليه وينهبون من الاماكن ما يمكنهم حمله وثياب النساء وحليهن ويسحبون الواحد والاثنين او اكثر بينهم ويأخذون عمائمهم وثيابهم وما في جيوبهم في اثناء الطريق واذا كان كبيرا او اميرا يستحى منه طلبوه بالرفق فاذا ظهر لهم قالوا له سيدنا حسن باشا يستدعيك اليه فلا تخش من شىء ويطمئن قليلا ويظن انهم يجبرونه وعلى اي حال لا يسعه الا الاجابة لأنه ان امتنع اخذوه قهرا فإذا خرج من الدار استصحبه جماعة منهم وطلع البواقي الى الدار فأخذوا ما قدروا عليه ولحقوا بهم وجرى على الماخوذ ما يجري على امثاله من المأخوذين والبعض توارى والتجأ الى طائفته الدلاة الفلاحات اللاتي يبعن الجلة والجبنة وذهبوا في ضمنهم وفر من نجا منهم

وتزيا بشكلهم ولبس له طرطورا واجاروه وهرب كثير في ذلك اليوم وخرجوا الى قبلي وبعضهم تزيا بزي نساء الفلاحين وخرج في ضمن الى الشام وغيرها واما كتخدا بك فإنه لشدة بغضه فيهم صار لا يرحم منهم احدا فكان كل من احضروه ولو فقيرا هرما من مماليك الامراء الاقدمين يامر بضرب عنقه وارسل اوراقا الى كشاف النواحي والاقاليم بقتل كل من وجدوه بالقرى والبلدان فوردت الرؤوس في ثاني يوم من النواحي فيضعونها بالرميلة وعلى مصطبة السبيل المواجه لباب زويلة وكان كثير من الاجناد بالارياف لتحصيل الفرض التى تعهدوا بدفعها عن فلاحيهم وانقضت اجلتهم وطولبوا بالدفع والفلاحون قصرت ايديهم ولم يقبلوا للملتزمين عذرا في التأخير فلم يسعهم الا الذهاب بأنفسهم لاجل خلاص المطلوب منهم للديوان فعندما وصلت الاوامر الى كشاف الاقاليم بقتل الكائنين بالبلاد بادروا بقتل من يمكنهم قتله ومن بعد عنهم ارسلوا لهم العساكر في محلاتهم فيدهمونهم على حين غفلة ويقتلونهم وينهبون متاعهم وما جمعوه من المال ويرسلون برؤوسهم او يتحيلون على القبض عليهم وقتلهم فصار يصل في كل يوم العدد من الرؤوس من قبلي وبحري ويضعونها على باب زويلة وباب القلعة ولم يقبلوا شفاعة في احد ابدا ويعطون الامان للبعض فاذا حضروا قبضوا عليهم وشلحوهم ثيابهم وقتلوهم والباشا يعلم من كتخداه شدة الكراهة لجنس المماليك ففوض له الامر فيهم حتى انه كان بينه وبين محمد أغا كتخدا الجاويشية سابقا بعض منافرة من مدة سابقة او لكونه صاهر بعض الالفية وزوجه ابنته وكان غائبا ببلدة يقال لها الفرعونية جارية في اقطاعه وتعهد بسا ! عليها من الفرضة فذهب اليها بنفسه ليستخلص منها الفرضة والمال الميري فارسل الكتخدا بك الى كاشف المنوفية قبل الحادث بيوم يامره فيه بأمره فأرسل اليه طائفة من العسكر دخلوا عليه في الفجرية وهو يتوضأ لصلاة الصبح فقتلوه وقطعوا رأسه واحضروها الى مصر وكانوا يأتون بأشخاص

من بقايا البيوت القديمة فيمثلونهم بين يدي الكتخدا فيسألهم فيخبرون عن انفسهم ونسبتهم فيكذبهم ويامر بهم الى الحبس الاعلى حتى يتبين امرهم فأما تدركهم الالطاف فينجون بعد معاينة الموت وهذا في النادر فقتل في هذه الحادثة اكثر من ألف انسان وامراء واجناد وكشاف ومماليك ثم صاروا يحملون رممهم على الاخشاب ويرمونهم عند المغسل بالرميلة ثم يرفعونهم ويلقونهم في حفر من الارض فوق بعضهم البعض لا يتميز الامير عن غيره وسلخوا عدة رؤوس من رؤوس العظماء والقوا جماجمهم المسلوخة على الرمم في تلك الحفر فكانت هذه الكائنة من اشنع الحوادث التى لم يتفق مثلها ولم ينج الالفية الا احمد بك زوج عديلة هانم بنت ابراهيم بك الكبير فإنه كان غائبا بناحية بوش وامين بك تسلق من القلعة وهرب الى ناحية الشام وعمر بك أيضا الألفي كان مسافرا في ذلك اليوم الى الفيوم فقتلوه هناك وبعثوا برأسه بعد خمسة ايام ومعها نحو الخمسة عشر رأسا وارسل دبوس اوغلي حاكم المنية خمسة وثلاثين رأسا وحضر من ناحية بحري غير ذلك كثير
واما من قتل في ذلك اليوم ممن له ذكر وبلغني خبره
فهم شاهين بك كبير الألفية ويحيى بك ونعمان بك وحسين بك الصغير ومصطفى بك الصغير ومراد بك وعلي بك وهؤلاء من الالفية ومن غيرهم احمد بك الكيلارجي ويوسف بك أبو دياب وحسن بك صالح ومرزوق بك بن ابراهيم الكبير وسليمان بك البواب واحمد بك تابعه ورشوان بك وابراهيم بك تابعاه وقاسم بك تابع مراد بك الكبير وسليم بك الدمرجي ورستم بك الشرقاوي ومصطفى بك ايوب ومصطفى بك تابع عثمان بك حسن وعثمان بك ابراهيم وذو الفقار تابع جوجر وهو رجل كبير من الاقدمين البطالين هرب هو ومصطفى بك الجداوي وآخر عند صالح بك السلحدار والتجؤا اليه وطمنهم وارسل بخبرهم فحضر الامر بقطع رؤوسهم فأحضر المشاعلي وقطع رؤوسهم في مقعده وارسلها

ومن الامراء الكشاف الالفية فهم علي كاشف الخازندار وعثمان كاشف الحبشي ويحيى كاشف ومرزوق كاشف وعبد العزيز كاشف وروشوان كاشف وسليم كاشف ططر وقايد كاشف وجعفر كاشف وعثمان كاشف ومحمد كاشف ابو قطية واحمد كاشف الفلاح واحمد كاشف صهر محمد أغا وخليل كاشف وعلي كاشف قيطاس واحمد كاشف وموسى كاشف وغير ذلك ممن لم يحضرني اسماؤهم وهم كثيرون وختم الله للجميع بالخير فانه بلغني ممن عاينهم بالحبوس وفي حال القتل انهم كانوا يقرأون القرآن وينطقون بالشهادتين والاستغفار وبعضهم طلب ماء وتوضأ وصلى ركعتين قبل أن يرمى عنقه ومن لم يجد ماء تيمم ولاشتغال اهل المقتولين بأنفسهم وما حصل لهم من النهب والسلب والتشتيت عن اوطانهم لم يعوا ولم يسألوا عن موتاهم غير ام مرزوق بك بن ابراهيم بك الكبير فإنها وجدت عليه وجدا عظيما وطلبته في القتلى فعرفوا جثته بعلامة فيه وجمجمته بكونه كان كريم العين فأخرجوه وكفنوه ودفنوه في تربتهم وذلك بعد مضي يومين من الحادثة واجتمع عندها الكثير من اهل المقتولين ونسائهم واقاموا على ذلك شهورا
وفي الحادثة ارسل محرم بك صهر الباشا حاكم الجيزة فجمع مال المصرية بإقليم الجيزة في الربيع من الخيول والجمال والهجن وغيرها فكان شيئا كثيرا
وفي ثامنه نودى على نساء المقتولين بالامان وان يحضرن الى بيوتهن ويسكن فيها كونها صارت بلاقع فرجع البعض وهن اللاتي لم يحصل لهن كثير الضرر وبقي البعض في اختفائه وانعم الباشا على خواصه بالبيوت بما فيها فنزلوها وسكنوها والبسوا النساء الخواتم وجددوا الفرش والاواني وغالبها من المنهوبات وانعم ببيت شاهين بك على حسين أغا من اقاربه ولم يحصل به ما حصل بغيره لكونه ملاصقا لبيت طاهر باشا

وارسل الباشا طائفة من العسكر جلسوا على بابه واما احمد بك الألفي فانه وصله النذير فانتقل من بوش وذهب عند الامراء القبالي ولما وصلتهم خبار هذه الحادثة وبلغ ابراهيم بك موت ولده على هذه الصورة اقاموا العزاء على اخوانهم ولبسوا السواد
وفي ثاني يوم الوقعة حضر احد الكشاف رسولا من عند الامراء القبليين يطلبون العفو من الباشا وان يعطيهم جهة يتعيشون منها فوعده برد الجواب في غير الوقت فاهمله وما ادري ما تم له
وفيه قلد الباشا مصطفى بك ابن اخته وجعله كبيرا على طائفة الدلاة وكان احضره من ناحية الشرقية ليذهب الى قبلي واقام بدله في كشوفية الشرقية علي كاشف بن احمد كتخدا من المصرلية
وفي ثامن عشره عدى مصطفى بك المذكور الى بر الجيزة ليسافر الى قبلي ونصب طاقه بحري بالقصر وعدى ايضا الباشا واقام بالقصر وشرع عسكره الدلاة في التعذية ليلا ونهارا
وفيه أيضا خرج عدة من العسكر الدلاة نحو الخمسمائة نفر الى ناحية قبة العزب ليسافروا الى بلادهم فاستمروا في قضاء اشغالهم اياما ثم سافروا
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه ارتحل مصطفى بك وانتقل الى ناحية الشيخ عثمان مسافرا الى قبلي وعدى الباشا راجعا الى مصر
وفيه حضر ططريان من الروم يبشران بالعفو عن يوسف باشا المنفصل عن الشام وقبل فيه ترجى باشة مصر وشفاعته
وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه احضروا من ناحية قبلي اربعةوستين شخصا واكثرهم من الذين كانوا مستوطنين بالبلاد من بقايا البيوت القديمة السنين العديدة ومحترفين فلما احضروهم الى مصر القديمة ابقوهم الى الليل في محبس ثو اوقدوا المشاعل بساحل البحر وقطعوا رؤوسهم ورموا بجثثهم الى البحر واتوا بالرؤوس فوضعوها تجاه باب زويلة ليراها

الناس كما راوا غيرها

واستهل شهر ربيع الاول بيوم الثلاثاء سنة
وفي يوم الاحد سادسه عمل الباشا لابنه طوسون باشا موكبا عظيما ونبهوا في ليلتها على اجتماع العسكر في صبحها ونزل هو الى جامع الغورية ليتفرج على الموكب وصحبته حسن باشا واستعد لذلك السيد المحروقي وفرش له بالجامع المذكور فروشا ومراتب ووسائد فمر الموكب وفي اوله طائفة الدلاة فلما فرغوا مروا بعشرة مدافع كبار على عربيات وعربيتين تحملان هونين قنابر وخلفهم طوائف العسكر الرجالة ارنؤد واتراك وسجمان وهم كثيرون مختلطون من غير ترتيب مدة طويلة ثم كبارهم ركبانا بطوائفهم ثم الوالي والمحتسب واغات مستحفظان ثم طوائف صاحب الموكب وجنائبه وكذا هجنه ثم الجاويشية والسعاة والملازمون ثم طوسون باشا وخلفه اتباعه واغواته ثم الكتخدا وهو محمد كتخدا المعروف بالبرديسي وهو الذي كان كتخدا الألفي وصحبته الخازندار وخلفهم النوبة التركية ولما انقضى امر الموكب دعاه المحروقي الى منزله فنزل معه من باب السر الذي بالجامع المعروف بالغوري وصحبته حسن باشا وتوجهوا الى بيت المحروقي وتعدى عنده هو واتباعه وخواصيه واحضر له الات الطرب واستمر هناك الى آخر النهار في حظ وكيف وقدم له المحروقي تعابي هدية ثم ركب عائدا الى محله
وفي يوم الاثنين رابع عشره نزل الباشا الى ترعة الفراعونية للاهتمام بسدها ونقل الاحجار في المراكب مستمر فاقام عند السد اربع ليال وذهب الى الاسكندرية عندما اتته الاخبار بورود مراكب الانكليز لاجل مشتري الغلال فذهب ليبيع عليهم الغلال التى جمعها فباع عليهم كل اردب بمائة قرش رومي عنها اربعة آلاف فضة واكثر واجتهد ببناء اسوار الاسكندرية وجدد بها ابراجا وحصونا وارسل بطلب البنائين والصناع فجمعوهم من كل ناحية وطالت غيبته هناك واقامته لتتميم اغراضه وامن

مشايخ عربان اولاد على المتسولين على البحيرة وتحيل عليهم فلما حضروا اليه قبض عليهم وقرر عليهم اموالا عظيمة ثم خلع عليهم وعوقهم وارسل العساكر فنهبت نجوعهم وسبوا نساءهم واولادهم ومواشيهم واما كتخدا بك فإنه بمصر يقرر الفرض على البلاد هو و الكتبة حسب اوامر مخدومه ونظموا كيفية اخرى وهي انهم جمعوا الميري المضاف والفائظ والرزق ايراد اربع سنوات وكتبوا بها مراسيم بنصف المقرر ليقبض في دفعتين وبعد أن تقرر النصف الاول وتحصل منه ما تحصل وبقى الباقي مع النصف الآخر ويطلب من اربابه ولا بد لا مسامحة في شىء منه ومن نكفل بما تقرر على حصته والزم نفسه بدفعه وكتب على نفسه وثيقة لاجل طولب به حتى قبل حلول الاجل لاحتياج المهمات فتتوجه عليه الحوالات بيد العساكر فينزلون بداره ويلازمونه ويضيقون انفاسه ويكلفونه ما لا يطيق فلا يجد ملجأ ولا خلاصا الا باحد الشيئين اما الدفع باي وجه كتان واما أن ينزل عن حصته بالفراغ للديوان ولا يبقى بيده ما يتقوت به هو وعياله ويصبح فقيرا لا يملك شيئا ان لم يكن له ايراد من جهة اخرى

واستهل شهر ربيع الثاني سنة
والكتخدا يتنوع في استجلاب الاموال ويتحيل في استخراجها بانواع من الحيل فمنها انه يرسل الى اهل حرفة من الحرف ويامرهم ببيع بضاعتهم بنصف ثمنها ويظهر انه يريد الشفقة والرأفة بالناس ويرخص لهم في اسعار المبيعات وان ارباب الحرف تعدوا الحدود في غلاء الاسعار فجتمع اهل الحرفة ويضجون ويأتون بدفاترهم وبيان رأس امالهم وما ينضاف اليه من غلو جريئات تلك البضاعة وما استحدث عليها من الجمارك والمكوس وغلو الاجر في البحر والبر فلا يستمع لقولهم ولا يقبل لهم عذرا ويامر بهم الى الحبس فعند ذلك يطلبون الخلاص ويصالحون على انفسهم بقدر من المال يدفعونه ويوزعون ذلك على افرادهم فيما بينهم

ثم يزيدون في سعر تلك البضاعة ليعوضوا غرامتهم من الناس معتذرين بتلك الغرامة وما حل بهم من الخسارة ثم تستمر الزيادة على الدوام واظن استمرار الغرامة أيضا فجمع بهذه الكيفية اموالا عظيمة وهي في الحقيقة سلب اموال الناس من الاغنياء والفقراء
وفي اواخره حضر الباشا من الاسكندرية على حين غفلة فبات بقصر شبرا ثم حضر الى بيت الازبكية فأقام به يومين ثم طلع الى القلعة
وفيه وصلت عساكر كثيرة من الارنؤد والاتراك حتى غصت بهم المدينة فلا يكاد المار يقع بصره الا عليهم امام وخلف وبداخل الازقة والعطف وذلك خلاف الذين اقرهم وابقاهم في الاسكندرية ومن هو بالجهات والاقاليم القبلية والبحرية وما يعلم جنود ربك الا هو
وفيه اهتم الباشا بتشهيل العرضى اهتماما زائدا وفرض على البلاد جمالا واتبانا وغلالا

واستهل جمادى الاولى سنة
وفيه ورد قاصد من الديار الرومية وعلى يده بشارة بأنه ولد للسلطان مولودة انثى فعملوا لها شنكا وهي مدافع تضرب من ابراج القلعة في الاوقات الخمسة ثلاثة ايام
وفيه فرضوا فرضة بغال على مياسير الناس واهل الحرف بغلة وبغلتين وثلاثة والذي لم يكن عنده بغلة تلزم بالشراء او انه يدفع ثمنها كيسا عشرون ألف فضة
وفيه انقطع الوارد من الديار الحجازية وغلا سعر البن حتى وصل الى مائتين وسبعين نصف فضة كل رطل وقل وجوده من الاسواق والدكاكين فلا يوجد الا مع المشقة وصنع الناس القهوة من انواع الحبوب المحمصة كالشعير والقمح والفول وبزر العاقول وغيره مخلوطا مع البن وبغير خلط
واستهل شهر جمادى الثانية سنة
وفي عشرينه خرج الباشا الى البركة وطلب الجمال وقوافل العرب وشهل

طائفة من العسكر للسفر الى السويس فاهتموا بالدخول والخروج من المدينة وطفقوا يخطفون الحمير والبغال والجمال وكل ما صادفوه من الدواب ومن وجدوه راكبا ولو من وجهاء الناس انزلوه عن دابته وركبوها فانقبض الناس وانكمش غالبهم عن الركوب لمصالحهم واخفوا حميرهم وبغالهم واقام الباشا ثلاثة ايام جهة البركة ثم ركب الى السويس
وفيه وردت مراكب وداوات وفيها البن وذلك باستدعاء الباشا لها من ناحية جدة واليمن لاجل حمل العساكر واللوازم وانحل سعر البن قليلا

واستهل شهر رجب سنة
وفي ثاني عشرينه يوم الاثنين الموافق لسابع مسرى القبطي اوفى النيل اذرعه وكسر السد في صبحها يوم الثلاثاء بحضرة كتخدا بك والباشا غائب بالسويس
واستهل شهر شعبان سنة
وفي ثانيه سافر ديوان افندي بمن بقي من العساكر البحرية وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر الباشا من السويس وشرع في تشهيل العساكر البرية
وفي خامس عشره خرج الباشا الى العادلية واجتهد في تشهيل سفر العساكر البرية اجتهادا كبيرا وجمع من اهل كل حرفة طائفة وكذلك من اهل كل صنعة والذي يعجز عن السفر يخرج عنه بدلا بدى وتعين من الفقهاء للسفر الشيخ محمد المهدي من الشافعية ومن الحنفية السيد احمد الطحطاوي وشيخ حنبلي وصل من ناحية الشام وكانوا رسموا بإحضار السيد حسين كريت المالكي من رشيد والشيخ علي خفاجي من دمياط فحضرا واعتذرا فاعفيا من السفر ورجعا الى بلديهما
وفي هذا الشهر ظهر نجم له ذنب في جهة الشمال
بين بنات نعش الصغرى وبين منار بنات نعش الكبرى رأسه جهة المغرب وذنبه صاعدا الى جهة المشرق وله شعاع مستطيل في مقدار الرمح واستمر يظهر في كل ليلة والناس ينظرون اليه ويتحدثون به ويسألون

الفلكيين عنه ويبحثون عن دلائله وعن الملاحم المصنفة في ذوات الاذناب واستمر ظهوره قريبا من ثلاثة اشهر واضمحل بعض جرمه ومشى الى ناحية الجنوب وقرب من النسر الطائر

واستهل شهر رمضان بيوم الاربعاء سنة
وفي يوم الخميس تاسعه ارتحل العسكر من الحصوة ونزلوا ببركة الحج
وفي يوم الاحد ثاني عشره ارتحلوا من البركة فكان مدة مكث العرضى من يوم خروج الموكب الى يوم ارتحالهم من البركة قريبا من ستة اشهر ونصف والناس في امر مريج في كل شيء
وفيه خرج السيد محمد المحروقي ليسافر صحبة الركب وخرج في موكب جليل لأنه هو المشار اليه في رياسة الركب ولوازمه واحتياجاته وامور العربان ومشايخها واوصى الباشا ولده طوسون باشا امير العسكر بان لا يفعل شيئا من الاشياء الا بمشورته واطلاعه ولا ينفذ امرا من الامور الا بعد مراجعته
وفيه وردت الاخبار بأن العساكر البحرية ملكوا ينبع البحر ونهبوا ما كان فيه من ودائع التجار وذلك انه كان بمرساة الينبع عدة مراكب وادوات والشريف غالب امير مكة يكاتب الباشا ويراسله ويظهر له النصح والصداقة وخلوص المودة والباشا أيضا يراسله ويكاتبه وارسل له السيد سلامة النجاري والسيد احمد المنلا الترجمان المحروقي بمراسلات وجوابات مرارا عديدة فكأناهما السفيرين بينهما وايضا الشريف في كل كتابة مع كل مرسل يعاهد الباشا ويعاقده ويواعده بنصر عساكره متى وصلت وينافق للطرفين الذي هو العثماني والوهابي ويداهنهما اما الوهابي فلخوفه منه وعدم قدرته عليه فيظهر له الموافقة والامتثال وانه معه على العهود التى عاهده عليها من ترك الظلم واجتناب البدع ونحوذلك ويميل باطنا للعثمانيين لكونه على طريقتهم ومذاهبهم وتعاقد مع الباشا انه متى

وصلت عساكره قام بنصرتهم وساعدهم بكليته وجميع همته وارسل الى المراكب الكائنة بمرساة الينبع بأن ينقلوا ما فيها من مال التجار وغيرهم ويودعوه قلعة الينبع تحت يد وزيره وترك معه نحو الخمسمائة من عسكره واخذ المراكب فأوسقها من بضائعه وبهاره وبنه وارسلها الى السويس لتباع بمصر ثم توسق بمهمات العسكر البحرية فلما وصلت مراكب العساكر البحرية والقت مراسيها قبالة الينبع احتاجوا الى الماء فلم يسعفوهم بالماء فطلع طائفة من العسكر الى البر في طلب عين الماء فمانعهم من عندها مرابط فقاتلوهم وطردوهم ومنعوهم عن الماء وفي حال رجوعهم رموا عليهم من القلعة المدافع والرصاص والحال أن الامر مبهم على الفريقين فعند ذلك استعدت العساكر لمحاربة من بالقلعة واحتاطوا بها وضربوا عليها القنابر والمدافع وركبوا على سورها سلالم وصعدوا عليها وتسلقوا على سور القلعة من غير مبالاة بالرصاص النازل عليهم من الكائنين بالقلعة فملكوا القلعة وقتلوا من كان بها ولم ينج منهم الا الوزير ومعه ستة انفار خرجوا هاربين على الخيول ونهبوا كل ما كان بالينبع من الودائع والاموال والاقمشة والبن وسبو النساء والبنات الكائنات بالبندر واخذوهن اسرى يبيعوهن على بعضهم البعض ووصل المبشرون بذلك في عشرينه فضربوا لذلك مدافع من القلعة كثيرة وعملوا شنكا وطافت المبشرون على بيوت الاعيان ليأخذوا منهم البقاشيش وارسلوا بتلك البشارة شخصا معينا كبيرا الى اسلامبول يبشرون اهل الدولة وسلطان الاسلام وكان ذلك اول فتح حصل

واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة
وكان حقه أن يكون بيوم السبت لأن الهلال لم يكن موجودا ليلة الجمعة ولم يره ليلة السبت الا النادر من الناس وكان قوسه ليلة السبت عشر درجات
وفي سادس عشره وصلت هجانة ومكاتبات من عساكر البر يخبرون

بوصولهم الى بندر المويلح في اليوم السابع من الشهر وكان العيد عندهم بمغاير شعيب يوم السبت
وفيه خرجت تجريدة لتسافر الى قبلي لمحاربة من بقي من الامراء المصريين بناحية ابريم

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الاحد سنة
وفيه وصلت حجاج مغاربة في عدة مراكب على ظهر البحر وتلف منهم نحو ثلاثة مراكب وحضر بعدهم بأيام الركب الطرابلسي ونزل بساحل بولاق
وفي سادسه حضر أيضا الركب الفاسي وفيهم ابن سلطان الغرب مولاي ابراهيم ابن مولاي سليمان فاعتنى الباشا بشأنه وارسل كتخدا بك لملاقاته وقدم له تقادم واعدوا له منزل علي كاشف بالقرب من بيت المحروقي لينزل فيه وتقيد بخدمته الرئيس حسن المحروقي وحواشيهم لمطبخه وكلف طعامه فلما عدى طلع الى القلعة وقابل الباشا ونزل الى المنزل الذي اعده له وامامه قواسة اتراك وطرادون واسخاص اتراك يضربون على طبلات وامامه جميع المغاربة مشاة ويامرون الناس الجالسين بالحوانيت بالقيام على اقدامهم فأقام خمسة ايام حتى قضى اشغاله وفي تلك المدة تغدو اليه وتروح رسل الباشا وارسل له هدية وذخيرة من كل صنف سكر وعسل وسمن ودقيق وبقسماط واشياء اخر وبارود واعطى له ألف بندقية لضرب الرصاص وبرز في عاشره وسافروا في ثاني عشره
وفي يوم الخميس تاسع عشره وصلت هجانة على ايديهم مكاتبات خطابا الى الباشا وغيره وفيهم خبر بان العسكر البري قد اجتمع مع العسكر البحري واخذوا ينبع البر من غير حرب وان العربان اتت اليهم افواجا وقابلوا طوسون باشا وكساهم وخلع عليهم ثم انقطعت الاخبار
واستهل شهر ذي الحجة سنة

في منتصفه وصلت هجانة ومعهم رؤوس قتلى ومكاتبات مؤرخة في منتصف شهر القعدة مضمونها انهم وصلوا الى ينبع البر في حادي عشرين شوال واجتمع هناك العسكران البري والبحري وانهم ملكوا قرية ابن جبارة من الوهابية وتسمى قرية السويق وفر ابن جبارة هاربا وحضرت عربان كثيرة وقابلوا ابن الباشا وانهم مقيمون وقت تاريخه في منزله الينبع منتظرين وصول الذخيرة وعاق المراكب ريح الشتاء المخالف وانه ورد عليهم خبر ليلة اربعة عشر شهره بأن جماعة من كبار الوهابية حضروا بنحو سبعة آلاف خيال وفيهم عبدالله ابن مسعود وعثمان المضايفي ومعهم مشاة قصدوا أن يدهموا العرضي على حين غفلة فخرج اليهم شديد شيخ الحويطات ومعه طوائفه ودلاة وعساكر فوافاهم قبل شروق الشمس ووقع بينهم القتال والوهابية يوقولون هاه يا مشركون وانجلت الحرب عن هزيمة الوهابية وغنموا منهم نحو سبعين هجينا من الهجن الجياد محملة ادوات وكانت الحرب بينهم مقدار ساعتين هذا ملخص ما ذكره وفي الاجوبة التى حضرت
وفي يوم الجمعة خامس عشرينه وصلت قافلة من السويس وحضر فيها جاويش باشا وصحبته مكاتبات وحضر أيضا السيد احمد الطحطاوي والسيخ الحنبلي واخبروا أن العرضى ارتحل من ينبع البر في سابع عشر ذي القعدة ووصلوا الى منزله الصفراء الجديدة ونصبوا عرضيهم وخيامهم ووطاقاتهم بالقرب من الجبال فوجدوا هناك متاريس واحجارا فحاربوا على اول متراس حتى اخذوه ثم اخذوا متراسا آخر وصعدت العساكر الى قلل الجبال فهالهم كثرة الجيش وسارت الخيالة في مضيق الجبال هذا والحرب قائمة في اعلى الجبال يوما وليلة الى بعد الظهيرة من يوم الاربعاء ثالث عشر ذي القعدة فما يشعر السفلانيون الا والعساكر الذين في الاعالي هابطون منهزمون فانهزموا جميعا وولوا الادبار وطلبوا جميعا الفرار وتركوا خيامهم واحمالهم واثقالهم وطفقوا ينهبون ويخطفون

ما خف عليهم من امتعة رؤسائهم فكان القوي منهم يأخذ متاع رفيقه الضعيف ويأخذ دابته ويركبها وربما قتله واخذ دابته وساروا طالبين الوصول الى السفائن بساحل البريك لأنهم كانوا اعدوا عدة مراكب بساحل البريك من باب الاحتياط ووقع في قلوبهم الرعب واعتقدوا أن القوم في اثرهم والحال انه لم يتبعهم احد لأنهم لا يذهبون خلف المدبر ولو تبعوهم ما بقي منهم شخص واحد فكانوا يصرخون على القطائر فتأتي اليهم القطيرة وهى لا تسع الا القليل فيتكاثرون ويتزاحمون على النزول فيها فيصعد منهم الجماعة ويمنعون البواقي من اخوانهم فإن لم يمتنعوا مانعوهم بالبنادق والرصاص حتى كانوا من شدة حرصهم وخوفهم واستعجالهم على النزول في القطائر يخوضون في البحر الى رقابهم وكأنما العفاريت في اثرهم تريد خطفهم وكثير من العسكر والخدم لما شاهدوا الازدحام على اسكلة البريك ذهبوا مشاة الى ينبع البحر ووقع التشتيت في الدواب والاحمال والخلائق من الخدم وغيرهم ورجع طوسون باشا الى ينبع البحر بعد أن تغيب يوما عن معسكره حتى انهم ظنوا فقده ورجع أيضا المحروقي وديوان افندي واستقروا بالينبع وترك المحروقي خيامه بما فيها فنزل بها طائفة من العسكر المنهزمين وهم على جهد من التعب والجوع فوجدوا بها المآكل والحلاوات وانواع الملبسات والكعك المصنوع بالعجمية والسكر المكرر والغربيات والخشكنانكات والمربيات وانواع الشرابات فوقعوا عليها اكلا ونهبا ولما تحققوا أن العرب لم تتبعهم ولم تأت في اثرهم اقاموا على ذلك يومين حتى استوفوا اغراضهم وشبعت بطونهم وارتاحت ابدانهم ثم لحقوا بإخوانهم فكانوا هم اثبت القوم واعقلهم ولو كان على غير قصد منهم فكان مدة اقامة المعسكر والعرضي بينبع البر اربعة وعشرين يوما واما الخيالة فإنهم اجتمعوا وساروا راجعين الى المويلح وقد اجهدهم التعب وعدم الذخيرة والعليق حتى حكوا انهم كانوا قبل الواقعة يعلقون على الجمل بنصف قدح قمح مسوس وكانت

علائفهم في كل يوم اربعمائة وخمسين اردبا واما المحروقي فإن كبار العسكر قامت عليه واسمعوه الكلام القبيح وكادوا يقتلونه فنزل في سفينة وخلص منهم وحضر من ناحية القصير وحضر الكثير من اتباعه وخدمه متفرقين الى مصر فأما الذين ذهبوا الى المويلح فهم تأمر كاشف وحسين بك دالي باشا وآخرون فأقاموا هناك في انتظار اذن الباشا في رجوعهم الى مصر او عدم رجوعهم واما صالح أغا قوج فانه عندما نزل السفينة كر راجعا الى القصير واستقل برأيه لانه يرى في نفسه العظمة وانه الاحق بالرياسة ويسفه رأى المحروقي وطوسون باشا ويقول هؤلاء الصغار كيف يصلحون لتدبير الحروب ويصرح بمثل هذا الكلام واذيد منه وكان هو اول منهزم وعلم كا ذلك الباشا بمكاتبات ولده طوسون فحقده في نفسه وتمم ذلك بسرعة رجوعه الى القصير ولم ينتظر اذنا في الرجوع او المكث ولما حصل ذلك لم بتزلزل الباشا واستمر على همته في تجهيزه عساكر اخرى وبرزوا الى خارج البلدة وفرض على البلاد جمالا ذكر انها من اصل الغرائم والفرض في المستقبل وكذلك فرض غلالا فكان المفروض على اقليم الشرقية خاصة اثني عشر ألف اردب بعناية علي كاشف قابله الله بما يستحق وانقضت السنة بحوادثها التى منها هذه الحادثة واظنها طويلة الذيل
ومنها أن النيل هبط قبل الصليب بأيام قليلة بعد أن بلغ في الزيادة مبلغا عظيما حتى غرق الزرع الصيفي والدراوي ولما انحسر عن الارض زرعوا البرسيم والوقت صائف والحرارة مستجنة في الارض فتولدت فيه الدودة واكلت الذي زرع فبدروه ثانيا فاكلته أيضا وفحش امر الدودة جدا في الزرع البدري وخصوصا بإقليم الجيزة والقيلوبية والمنوفية بل وباقي الاقاليم
ومنها أن الباشا احدث ديوانا ورتبوه ببيت البكري القديم بالازبكية واظهر أن هذا الديوان لمحاسبة ما يتعلق به من البلاد ومحاسبتها والقصد

الباطني غير ذلك وقيد به ابراهيم كتخدا الرزاز والشيخ احمد يوسف كاتب حسين افندي الروزنامجي وما انضم اليهم من الكتبة المسلمين دون الاقباط ليحرروا به قوائم المصروف المضاف والبراني فكانوا يجلسون لذلك كل يوم ما عدا يوم الجمعة ثم تطرق الحال لسور بلاد الباشا وهو أن الكثير من الفلاحين لما سمعة ذلك اتوا من كل ناحية الى مصر وكتبوا عرضحالات الى كتخدا بك وللباشا ويتظلمون من استاذيهم وينهون انهم يزيدون عليهم زيادات في قوائم المصروف ويشددون عليهم في طلب الفرض او بواقيها فيدفعهم الباشا او الكتخدا الى ذلك الديوان المحدث لينظر في امرورهم ويصحبهم معين تركي مباشر يأتي بالملتزم أيضا والفلاحين والشاهد والصراف وقوائم المصروف لاجل المحاققة فعند ذلك يتعنت ابراهيم كتخدا في القوائم ويطلب قوائم السنين الماضية المختومة ونحو ذلك ولما فشا هذا الامر واشيع في البلدان اتت طوائف الفلاحين افواجا الى هذا الديوان يطلبون الملتزمين ةويخاصمونهم ويكافحونهم فيكون امرا مهولا وغاية في الزحام والعياط والشباط وكذلك رفعوا المعلم منصور ومن معه من الكتبة من مباشرة ديوان ابنه ابراهيم بك الدفتردار وقيدوا بدلهم السيد محمد غانم الرشيدي ومحمد افندي سليم ومن انضم اليهم واظهر الباشا انه يفعل ذلك لما علمه من خيانة الاقباط والقصد الخفي خلاف ذلك وهو الاستيلاء والاستحواذ الكلي والجزئي وقطع منفعة الغير ولو قليلا فيضرب هذا بهذا والناس اعداء بعضهم لبعض وقلوبهم متنافرة فيغرى هذا بذاك وذاك بهذا ومن الناس من سمى هذا الديوان ديوان الفتنة
ومنها الزيادة الفاحشة في صرف المعاملة والنقص في وزنها وعيارها وذلك أن حضرة الباشا ابقى دار الضرب على ذمته وجعل خاله ناظرا عليها وقرر لنفسه عليها في كل شهر خمسمائة كيس بعد أن كان شهريتها ايام نظارة المحروقي خمسين كيس في كل شهر ونقصوا وزن القروش نحو

النصف عن القرش المعتاد وزادوا في خلطه حتى لا يكون فيه مقدار ربعه من الفضة الخالصة ويصرف باربعين نصفا وكذلك المحبوب نقصوا من عياره ووزنه ولما كان الناس يتساهلون في صرف المحبوب والريال الفرانسة ويقبضونها في خلاص الحقوق من المماطلين والمفلسين وفي المبيعات الكاسدة بالزيادة لضيق المعايش حتى وصل صرف الريال الى مائتين وخمسين نصفا والمحبوب الى مائتين وثمانين ثم زاد الحال في التساهل في الناس بالزيادة أيضا عن ذلك فينادي الحاكم بمنع الزيادة ويمشي الحال اياما قليلة ويعود لما كان او ازيد فتحصل المناداة أيضا ويعقبونها بالتشديد والتنكيل بمن يفعل ذلك ويقبض عليه اعوان الحاكم ويحبس ويضرب ويغرمونه غرامة وربما مثلوا به وخرموا انفه وصلبوه على حانوته وعلقوا الريال في انفه ردعا لغيره وفي اثناء ذلك اذا بالمناداة بان يكون صرف الريال بمائتين وسبعين والمحبوب بثلثمائة وعشرة فاستمع وتعجب من هذه الاحكام الغريبة التى لم يطرق سمع سامع مثلها هذا مع عدم الفضة العديدة في ايدي الناس فيدور الشخص بالقرش وهو ينادي على صرفه بنقض اربعة انصاف نصف يوم حتى يصرفه بقطع افرنجية منها ما هو باثنى عشر او خمسة وعشرين او خمسة فقط او يشترى من يريد الصرف شيئا من الزيات او الخضري او الجزار ويبقى عنده الكسور الباقية يعده بغلاقها فيعود اليه مرارا حتى يتحصل عنده غلاقها وليس هو فقط بل امثاله كثير وسبب شحة الفضة العددية انه يضرب منها كل يوم بالضربخانة الوف مؤلفة يأخذها التجار بزيادة مائة نصف في كل ألف يرسلونها الى بلاد الشام والروم ويعوضون بدلها في الضربخانة الفرانسة والذهب لانها تصرف في تلك البلاد بأقل مما تصرف به في مصر وزاد الحال بعد هذا التاريخ حتى استقر على صرف الالف مائتين وتقرر ذلك في حساب الميري فيدفع الصارف ثلاثين قرشا عنها ألف ومائتان ويأخذ الفا فقط والفرانسة والمحبوب بحسابه المتعارف بذلك الحساب والامر لله وحده

واما من مات في هذه السنة ممن له ذكر
فلم يمت من مشاهير الفقهاء من له شهرة ولا ذكر
واما الامراء فقد تقدم ذكرهم
وما وقع لهم ومقتلهم اجمالا فأغنى عن التكرار فالله يرحمنا اجمعين
ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين والف
وما تجدد بها من الحوادث فكان ابتداء المحرم بالرؤية يوم الخميس في عاشره وصل كثير من كبار العسكر الذين تخلفوا بالمويلح فحضر منهم حسين بك دالي باشا وغيره فوصلوا الى قبة النصر جهة العادلية ودخلت عساكرهم المدينة شيئا فشيئا وهم في اسوأ حال من الجوع وتغير الالوان وكآبة المنظر والسحن ودوابهم وجمالهم في غاية العي ويدخلون الى المدينة في كل يوم ثم دخل اكابرهم الى بيوتهم وقد سخط عليهم الباشا ومنع أن لا يأتيه منهم احد ولا يراه وكأنهم كانوا قادرين على النصرة والغلبة وفرطوا في ذلك ويلومنهم على الانهزام والرجوع وطفقوا يتهم بعضهم البعض في الانهزام فتقول الخيالة سبب هزيمتنا القرابة وتقول القرابة بالعكس ولقد قال لي بعض اكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع اين لنا بالنصر واكثر عساكرنا على غير الملة وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهبا وصحبتنا صناديق المسكرات ولا يسمع في عرضينا اذان ولا تقام به فريضة ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين والقوم اذا دخل الوقت اذن المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف امام واحد بخشوع وخضوع واذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة اذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الاخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون من ذلك لانهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون في معسكرهم هلموا الى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط الشاربين الخمور التاركين للصلاة والآكلين الربا القاتلين الانفس المستحلين المحرمات وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر فوجدوهم غلفا غير مختونين

ولما وصلوا بدرا واستولوا عليها وعلى القرى والخيوف وبها خيار الناس وبها أهل العلم والصلحاء نهبوهم واخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم فكانوا يفعلون فيهم ويبيعونهم من بعضهم لبعض ويقولون هؤلاء الكفار الخوارج حتى اتفق أن بعض أهل بدر الصلحاء طلب من بعض العسكر زوجته فقال له حتى تبيت معي هذه الليلة وأعطيها لك من الغد
وفيه خرج العسكر المجرد إلى السويس وكبيرهم بونا بارته الخازندار ليذهب لمحافظة الينبع صحبة طوسون باشا
وفيه وصل جماعة من الانكليز وصحبتهم هدية إلى الباشا وفيها طيور ببغا هندية خضر الألوان وملونة وريالات فرانسة نقود معبأة في براميل وحديد وآلات ومجيئهم وحضورهم في طلب اخذ الغلال وفي كل يوم تساق المراكب المشحونة بالغلال إلى بحري وكلما وردت مراكب سيرت إلى بحري حتى شحت الغلال وغلا سعرها وارتفعت من السواحل والرقع ولا يكاد يباع الا مادون الويبة وكان سعر الأردب من أربعمائة نصف إلى ألف ومائتين والفول كذلك وربما كان سعره ازيد من القمح لقلته فانه هاف زرعه في هذه السنة ولم يتحصل من رميه إلا نحو التقاوى وحصل للناس في هذه الأيام شدة بسبب ذلك ثم بعد قليل وردت غلال وانحلت الأسعار وتواجدت الغلال بالسواحل والرقع
وفي منتصفه حضر رجل نصراني من جبل الدروز وتوصل إلى الباشا وعرفه انه يحسن الصناعة بدار الضرب ويوفر عليه كثيرا من المصاريف وأنها بها نحو الخمسمائة صانع وان يقوم بالعمل بأربعين شخصا لا غير وانه يصنع آلات وعدد الضرب القروش وغيرها ولا تحتاج إلى وقود نيران ولا كثير من العمل فصدق الباشا قوله أمر بأن يفرد له مكان ويضم اليه ما يحتاجه من الرجال والحدادين والصناع ليعمل لصناعته العدد والآلات التي يحتاجها وشرع في اشغاله واستمر على ذلك شهورا
وفيه التفت الباشا إلى خدمة الضربخانة وافنديتها وطمعت نفسه في

مصادرتهم واخذ الأموال لما يرى عليهم من التجمل في الملابس والمراكب لان من طبعه داء الحسد والشره والطمع والتطلع لما في أيدي الناس وارزاقهم فكان ينظر إليهم ويرمقهم وهم يغدون ويروحون إلى الضربخانة هو وأولادهم راكبون البغال والرهوانات المجملة وحولهم الخدم والاتباع فيسأل عنهم ويستخبر عن أحوالهم ودورهم ومصارفهم وقد اتفق انه رأى شخصا خرج آخر الصناع وهو راكب رهوانا وحوله ثلاثة من الخدم فسأل عنه فقيل له أن هذا البواب الذي يغلق باب الضربخانة بعد خروج الناس منها ويفتحه لهم في الصباح فسأل عن مرتبه في كل يوم فعرفوا أن له في كل يومين قرشين لا غير فقال أن هذا المرتب له لا يكفي خدمة الذين هم حوله فكيف بمصرف داره وعليق دوابه وجميع لوازمه مما ينفقه ويحتاجه في تجملاته وملابسه وملابس أهله وعياله أن هؤلاء الناس كلهم سراق وكل ما هم فيه من السرقة والاختلاس ولا بد من إخراج الأموال التي اختلسوها وجمعوها وتناجى في ذلك مع العلم غالي وقرنائه ثم طلب أولا اسمعيل أفندي ليلا وهو ألافندي الكبير وقال له عرفني خيانة فلان النصراني وفلان اليهودي المورد فقال لا اعلم على أحد منهم خيانة وهذا شيء يدخل بالميزان ويخرج بالميزان ثم صرفه واحضر النصراني وقال له عرفني بخيانة اسمعيل افندي وأولاده والمداد وإبراهيم أفندي الخضراوي الختام وغيره فلم يرد على ما قاله اسمعيل أفندي ثم احضر الحاج سالم الجواهرجي وهدده فلم يزد على قول الجماعة شيئا فقال الجميع شركاء لبعضهم البعض متفقون على خيانتي ثم أمر بحبس الحاج سالم واحضر شخصا آخر من الجواهرجية يسمى صالح الدنف والبسه فروة وجعله في خدمة الحاج سالم ثم ركب الباشا إلى بيت الأزبكية وطلب اسمعيل أفندي ليلا هو وأولاده فأحضرهم بجماعة من العسكر في صورة هائلة وهددهم بالقتل وأمر بإحضار المشاعلي فأحضروه وأوقدوا المشاعل وسعت المتكلمون في العفو عنهم من القتل وقرروا عليهم مبلغا عظيما من الأكياس التزموا بدفعها خوفا من

القتل ففرضوا على الحاج سالم بمفرده سبعمائة وخمسين كيسا وعلى إبراهيم المداد مائتي كيس وعلى احمد أفندي الوزان مائتي كيس وعلى أولاد الشيخ السحيمي مائتي كيس لان لهم بها آلات ختم ووظائف يستغلون أجرتها واخذ الجماعة في تحصيل ما فرض عليهم فشرعوا في بيع أمتعتهم وجهات إيرادهم ورهنوا وتداينوا بالربا وحولت عليهم الحوالات لطف الله بنا وبهم

واستهل شهر صفر الخير بيوم الجمعة سنة
في سابعه يوم الخميس حضر السيد محمد المحروقي إلى مصر ووصل من طريق القصير ثم ركب بحر النيل ولم يحضر الشيخ المهدي بل تخلف عنه بقنا وقوص لبعض اغراضه
وفيه ألبس الباشا صالح أغا السلحدار خلعة وجعله سر عسكر التجريدة المتوجهة على طريق البر إلى الحجاز وكذلك البس باقي الكشاف
وفي يوم الأحد عاشره ورد قابجي وعلى يده مرسوم ببشارة مولود ولد للسلطان محمود وتسمى بمراد وصحبته أيضا مقرر للباشا على ولاية مصر فضربوا مدافع لوروده وطلع الى القلعة في موكب وقرئت المراسيم وعملوا شكنا ومدافع تضرب في الأوقات الخمسة سبعة أيام من القلعة والازبكية وبولاق والجيزة
واستهل شهر ربيع الأول سنة
فيه حضر إبراهيم بك ابن الباشا من الجهة القبلية
وفي منتصفه حضر احمد أغا لاظ الذي كان أمير بقنا وقوص وباقي الكشاف بعد أن راكوا جميع البلاد القبلية والأراضي وفرضوا عليها الأموال على كل فدان سبعة ريالات وهو شيء كثير جدا واخصوا جميع الرزق الاحباسية المرصدة على المساجد والبر والصدقة بالصعيد ومصر فبلغت ستمائة آلف فدان أشاعوا بأنهم يطلقون للمرصد على المساجد خاصة نصف المفروض وهو ثلاثة ريال ونصف فضجت أصحاب الرزق

وحضر الكثير منهم يستغيثون بالمشايخ فركبوا إلى الباشا وتكلموا معه في شأن ذلك وقالوا له هذا يترتب عليه خراب المساجد فقال وأين المساجد العامرة الذي لم يرضى بذلك يرفع يده وانا اعمر المساجد المتخربة وارتب لها ما يكفيها ولم يفد كلامهم فائدة فنزلوا إلى بيوتهم
وفي أواخره انتقل السيد عمر مكرم النقيب من دمياط إلى طندتا وسكن بها
وسبب ذلك انه لما طالت إقامته بدمياط وهو ينتظر الفرج وقد أبطأ عليه وهو ينتقل من المكان الذي هو فيه إلى مكان آخر على شاطيء البحر وتشاغل بعمارة خان أنشأه هناك والحرس ملازمون له فلم يزل حتى ورد عليه صديق أفندي قاضى العسكر فكلمه بأن يتشفع له عند الباشا في انتقاله إلى طندتا ففعل واجاب الباشا إلى ذلك

واستهل شهر ربيع الآخر سنة
في رابعه وصل الحجاج المغاربة ووصل أيضا مولاي إبراهيم ابن السلطان سليمان سلطان المغرب ! وسبب تأخرهم إلى هذا الوقت انهم اتوا من طريق الشام وهلك الكثير من فقرائهم المشاة واخبروا انهم قضوا مناسكهم وحجوا وزاروا المدينة واكرمهم الوهابية إكراما زائدا وذهبوا ورجعوا من غير طريق العسكر
وفي عاشره حضر تامر كاشف ومحو بك وعبدالله أغا وهم الذين كانوا حضروا إلى المويلح بعد الهزيمة فأقاموا به مدة ثم ذهبوا إلى ينبع البحر عند طوسون باشا ثم حضروا في هذه الأيام باستدعاء الباشا وكان محو بك في مركب من مراكب الباشا الكبار التي انشأها فانكسر على شعب وهلك من عسكره أشخاص ونجا هو بمن بقي معه واخبروا عنه انه كان أول من تقدم في البحر هو وحسين بك فقتل من عسكرهما الكثير من دون البقية الذين استعجلوا الفرار
وفيه خرجت اوراق الفرضة على نسق العام الأول عن أربع سنوات

مال وفائظ ومضاف وبراني ورزق واوسية واستقر طلبها في دفعة واحدة ويؤخذ من اصل حسابها الغلال من الاجران بحساب ثمانية ريال كل أردب ويجمع غلال كل إقليم في نواحي عيونها لتساق إلى الإسكندرية وتباع على الإفرنج فشخت الغلال وغلا سعرها مع كون الفلاح لا يقدر على رفع غلته المتحصلة له من زراعة أرضه التي غرم عليها المغارم بطول السنة بل تؤخذ منه قهرا مع الاجحاف في الثمن والكيل بحيث يكال الأردب أردبا ونصفا ثم يلزمونه بأجره حملها للمحل المعد لذلك ويلزم أيضا باجرة المعادي وبعض البلاد يطلق له الأذن بدفع المطلوب بالثمن والبعض النصف غلال والنصف الآخر دراهم حسب رسم المعلم غالي وأوامره واذنه فإنه هو المرخص في الآمر والنهي فيبيع المأذون له غلته بأقصى قيمة بمرأي من المسكين الآخر الذي لم تسعده الأقدار وحضر الكثير من الفلاحين وازدحموا بباب المعلم غالي وتركوا بيادرهم وتعطلوا عن الدراس
وفي ليلة الاثنين خامس عشره ذهب الباشا إلى قصر شبرا وسافر تلك الليلة إلى ثغر الإسكندرية ورجع ابنه إبراهيم بك إلى الجهة القبلية وكذلك احمد أغا لاظ لتحرير وقبض الأموال
وفيه ورد خبر بأن العسكر القبلي ذهبوا خلف الأمراء القبليين الفارين إلى خلف ابريم وضيقوا عليهم الطرق وماتت خيولهم وجمالهم وتفرق عنهم خدمهم واضمحل حالهم وحضر عدة من مماليكهم وأجنادهم إلى ناحية أسوان بأمان من الأتراك فقبضوا عليهم وقتلوهم عن آخرهم وفعلوا قبل ذلك بغيرهم كذلك
وفي أواخره سافر عدة من عسكر المغاربة إلى الينبع ووصل جملة كبيرة من عسكر الاروام إلى الإسكندرية فصرف عليهم الباشا علائف وحضروا إلى مصر وانتظموا في سلك من بها ويعين منهم للسفر من يعين
وفيه وقعت حادثة بخط الجامع الازهر وهو انه من مدة سابفة من

قبل العام الماضي كان يقع بالخطة ونواحيها من الدور والحوانيت سرقات وضياع أمتعة وتكرر ذلك حتى ضج الناس وكثر لغطهم وضاع تخمينهم فمن قائل انه مسترعيات يدخلون من نواحي السور ويتفرقون في الخطة ويفعلون ما يفعلون ومنهم من يقول أن ذلك فعل طائفة من العسكر الذين يقال لهم الحيطة في بلادهم إلى غير ذلك ثم في تاريخه سرق من بيت امرأة رومية صندوق ومتاع فاتهمت أشخاصا من العميان المجاورين بزاويتهم تجاه مدرسة الجوهرية الملاصقة للأزهر فقبض عليهم الآغا وقررهم فأنكروا وقالوا لسنا سارقين وإنما سمعنا فلانا وسموه وهو محمد ابن ابى القاسم الدرقاوي المغربي المنفصل عن مشيخة رواق المغاربة ومعه اخوته وآخرون ونعرفه بصوته وهم يتذاكرون في ذلك ونحن نسمعهم فلما تحققوا ذلك وشاع بين الناس والاشياخ ذهب بعضهم إلى ابى القاسم وخاطبوه وكلموه سرا وخوفوه من العاقبة وكان المذكور جعل نفسه مريضا ومنقطعا في داره فغالطهم فقالوا له نحن قصدنا بخطابك التستر على أهل الخرقة المنتسبين إلى الأزهر في العمل بالشريعة واخذ العلم او ما علمت ما قد جرى في العام السابق من حادثة الزغل وغير ذلك فلم يزالوا به حتى وعدهم انه يتكلم مع أولاده ويفحصون على ذلك بنباهتهم ونجابتهم
وفي اليوم الثالث وقيل الثاني أرسل أبو القاسم المذكور فأحضر السيد احمد الذي يقال له جندي المطبخ وابن أخيه وهما اللذان يتعاطيان الحسبة والأحكام بخط الأزهر ويتكلمان على الباعة والخضرية والجزارين الكائنين بالخطة فلما حضرا عنده عاهدهما وحلفهما بأن يسترا عليه وعلى أولاده ولا يفضحاهم ويبعدا عنهم القضية واخبرها بان ولده لم يزل يتفحص بفطانته حتى عرف السارق ووجد بعض الأمتعة ثم فتح خزانة بمجلسه واخرج منها أمتعة فسألوه عن الصندوق فقال هو باق عند من هو عنده ولا يمكن إحضاره في النهار فإذا كان آخر الليل انتظروا ولدي

محمد هذا عند جامع الفكهاني بالعقادين الرومي وهو يأتيكم بالصندوق مع سارقه فاقبضوا عليه واتركوا أولادي ولا تذكروهم ولا تتعرضوا لهم فقالوا له كذلك وحضر الجندي وابن أخيه في الوقت الذي وعدهم به وصحبتهما أشخاص من أتباع الشرطة ووقفوا في انتظاره عند جامع الفكهاني فحضر إليهم وصحبته شخص صرماتي فقالا لهم مكانكم حتى نأتيكم ثم طلعا إلى ربع بعطفة الانماطيين ورجعا في الحال بالصندوق حامله الصرماتي على رأسه فقبضوا على ذلك الصرماتي واخذوه بالصندوق إلى بيت الآغا فعاقبوه بالضرب وهو يقول انا لست وحدي وشركائي ابن ابى القاسم وأخواه وآخر يسمى شلاطة وابن عبدالرحيم الجميع خمسة أشخاص فذهب الآغا واخبر كتخدا بك فأمره بطلب أولاد أبي القاسم فأرسل اليه ورقة يطلبهم فأجابه بأن اولاده حاضرون عنده بالازهر من طلبة العلم وليسوا بسارقين فبالاختصار اخذهم الآغا واحضر ذلك الصرماتي معهم لأجل المحاققة فلم يزل يذكر لابن أبي القاسم ما كانوا عليه في سرحاتهم القديمة والجديدة ويقول له اما كنا كذا وكذا وفعلنا ما هو كذا في ليلة كذا واقتسمنا ما هو كذا وكذا ويقيم عليه ادلة وقرائن وامارات ويقول له انت رئيسنا وكبيرنا في ذلك كله ولا نمشي إلى ناحية ولا سرحة الا بإشارتك فعند ذلك لم يسع ابن أبي القاسم الانكار واقر واعترف هو واخوته وحبسوا سوية واما شلاطة ورفيقه فإنهما تغيبا وهربا واختفيا وشاعت القضية في المدينة وكثر القال والقيل في الازهر ونواحيه وتذكروا قضية الدراهم الزغل التى ظهرت قبل تاريخه وتذكروا اقوالا أخرى واجتمع كثير من الذين سرق لهم فمنهم رجل يبيع السمن اخذ من مخزنه عدة مواعين سمن وصينية الفطاطري التى يعمل عليها الكنافة وامتعة وفروش وجدت في ثلاثة اماكن وخاتم ياقوت ذكروا انه بيع بجملة دنانير وعقد لؤلؤ وغير ذلك واستمروا اياما والناس يذهبون إلى الآغا ويذكرون ما سرق لهم ويسالهم فيقرون باشياء دون اشياء ويذكرون ضياع اشياء

تصرفوا فيها وباعوا وأكلوا بثمنها ثم اتفق الحال على المرافعة في المحكمة الكبيرة فذهبوا بالجميع واجتمع العالم الكثير من الناس واصحاب السرقات وغيرهم نساء ورجالا وادعوا هؤلاء الاشخاص المقبوض عليهم فاحضروا بعض ما ادعوا به عليهم وقالوا اخذنا ولم يقولوا سرقنا وبرا محمد بن ابي القاسم اخويه وقال انهما لم يكونا معنا في شيء من هذا وحصل الاختلاف في ئبوت القطع بلفظ اخذنا وقد حضرت دعوى اخرى مثل هذه على رجل صباغ ثم ان القاضي كتب اعلاما للكتخدا بك بصورة الواقع وفوض الامر اليه فأمر بهم الى بولاق وانزلوهم عند القبطان وصحبتهم ابوهم ابو القاسم فاقاموا اياما ثم ان كتخدا بك امر بقطع ايدي الثلاثة وهم محمد بن ابي القاسم الدرقاوي ورفيقة الصرماني والصباغ الذي ثبتت عليه السرقة في الحادثة الاخرى فقطعوا ايدي الثلاثة في بيت القبطان ثم انزلوهم في م مركب وصحبتهم ابوهم ابو القاسم وولداه الآخران اللذان لم تقطع ايديهما وسفروهم الى الاسكندرية وذلك في منتصف شهر جمادى الاولى من السنة

واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الخميس سنة
فيه حضر الثلاثة اشخاص المقطوعين الايدي وذلك انهم لما وصلوا الى الاسكندرية وكان الباشا هناك تشفع فيهم المتشفعون عنده قائلين انه جرى عليهم الحد بالقطع فلا حاجة الى نفيهم وتغريبهم فأمر بنفي ابي القاسم وولديه الصغيرين الى ابي قير ورجع ولده الآخر م مع رفيقه الصرماتي والصباغ الى مصر فحضروا اليها وذهبوا الى دورهم واما ابن ابي القاسم فذهب الى داره وسلم على والدته ونزل الى السوق يطوف على اصحابه ويسلم عليهم وهو يتألم مما حصل في نفسه ولا يظهر ذلك لشدة وقاحته وجمودة صدغه وغلاظة وجهه بل يظهر التجلد وعدم المبالاة بما وقع له من النكل وكسوف البال ومر في السوق والاطفال حوله وخلفه وامامه يتفرجون عليه ويقولون انظروا الحرامي وهو لايبالي بهم ولا يلتفت

اليهم حتى قيل انه ذهب إلى مسجد خرب بالباطنية ودعا اليه غلام يهواه بناحية الدرب الاحمر فجلس معه حصة من النهار ثم فارقه وذهب إلى داره واشتد به الالم لان الذي باشر قطع يده لم يحسن القطع فمات في اليوم الثالث
وفي هذا الشهر وما قبله وردت عساكر كثيرة من الاتراك وعينوا للسفر وخرجوا إلى مخيم العرضى خارج بابي النصر والفتوح فكانوا يخرجون مساء ويدخلون في الصباح ويقع منهم ما يقع من اخذ الدواب وخطف بعض النساء والاولاد كعادتهم
وفي ليلة الخميس ثاني عشرينه حضر الباشا من الاسكندرية ليلا وصحبته حسن باشا إلى القصر بشبرا وطلع في صبحها إلى القلعة وضربوا لقدومه مدافع من الابراج فكان مدة غيبته في هذه المدة شهرين وسبعة ايام واجتهد فيها عمارة سور المدينة وابراجها وحصنها وتحصينها عظيما وجعل بها جبجانات وبارودا ومدافع وآلات حرب ولم تزل العمارة مستمرة بعد خروجه منها على الرسم الذي رسمه لهم واخذ جميع ما ورد عليه من مراكب التجار من البضائع على ذمته ثم باعه للمتسببين بما احب من الثمن وورد من ناحية بلاد الافرنج كثير من البن الافرنجي وحبه اخضر وجرمه اكبر من حب البن اليمني الذي ياتي إلى مصر في مراكب الحجاز واخذه في جملة ما اخذ في معاوضة الغلال ورماه على باعة البن بمصر بثلاثة وعشرين فرانسة القنطار والتجار يبيعونه بالزيادة ويخلطونه مع البن اليمني وفي ابتداء وروده كان يباع رخيصا لأنه دون البن اليمني في الطعم واللذة في شربه وتعاطيه وبينهما فرق ظاهر يدركه صاحب الكيف البتة
وفيه وصل مرسوم صحبة قابجي من الديار الرومية مضمونه وكالة دار السعادة باسم كتخدا بك وعزل عثمان أغا الوكيل تابع سعيد أغا فعمل الباشا ديوانا يوم الأحد وقريء المرسوم وخلع على كتخدا بك خلعة الوكالة وخلعة أخرى باستمراره في الكتخدائية على عادته وركب في مركب

إلى داره فلما استقر في ذلك أرسل في ثاني يوم فأحضر الكتبة من بيت عثمان أغا وامرهم بعمل حسابه من ابتداء سنة 1221 لغاية تاريخه فشرعوا في ذلك واصبح عثمان أغا المذكور مسلوب النعمة بالنسبة لما كان فيه ويطالب بما دخل في طرفه وانتزعت منه بلاد الوكالة وتعلقات الحرمين وأوقافهما وغير ذلك
وفي يوم الخميس غايبته وصل صالح قوج ومحو بك وسليمان أغا وخليل أغا من ناحية الينبع على طريق القصير من الجهة القبلية وذهبوا إلى دورهم

واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة
في ثالثه طلع الجماعة الواصلون إلى القلعة وسلموا على الباشا وخاطره منحرف منهم ومتكدر عليهم لانه طلبهم للحضور مجردين بدون عساكرهم ليتشاور معهم فحضروا بجملة عساكرهم وقد كان ثبت عنده انهم هم الذين كانوا سببا للهزيمة لمخالفتهم على ابنه واضطراب رأيهم وتقصيرهم في نفقات العساكر ومبادرتهم للهرب والهزيمة عند اللقاء ونزولهم بخاصتهم إلى المراكب وما حصل بينهم وبين ابنه طوسون باشا من المكالمات فلم يزالوا مقيمين في بيوتهم ببولاق ومصر والأمر بينهم وبين الباشا على السكوت نحو العشرين يوما وأمرهم في ارتجاج واضطراب وعساكرهم مجتمعة حولهم ثم أن الباشا أمر بقطع خرجهم وعلائفهم فعند ذلك تحققوا منه المقاطعة
وفي رابع عشرينه أرسل إليهم علائفهم المنكسرة وقدرها ألف وثمانمائة كيس جميعها ريالات فرانسة وأمر بحملها على الجمال ووجه إليهم بالسفر فشرعوا في بيع بلادهم وتعلقاتهم وضاق ذرعهم وندر طبعهم إلى الغاية وعسر عليهم مفارقة ارض مصر وماصاروا فيه من التنعم والرفاهية والسيادة والأمارة والتصرف في الأحكام والمساكن العظيمة والزوجات والسرارى والخدم والعبيد والجورى فإن لأقل منهم له البنتان والثلاثة من بيوت

الأمراء ونسائهم اللاتي قتلت أزواجهن على أيديهم وظنوا أن البلاد صفت لهم حتى أن النساء المترفهات ذوات البيوت والإيرادات والالتزامات صرن يعرضن أنفسهن عليهم ليحتمين فيهم بعد أن كن يعفنهم ويأنفن من ذكرهم فضلا عن قربهم
وفيه ورد أغا قابجي من دار السلطنة وعلى يده مرسوم بالبشارة بمولود ولد للسلطان فعملوا ديوانا يوم الأحد رابع عشرينه وطلع الأغا المذكور في موكب إلى القلعة وقرئ ذلك المرسوم وصحبته الأمراء وضربوا شنكا ومدافع واستمروا على ذلك ثلاثة أيام في وقت كل آذان كأيام الأعياد
وفي يوم الثلاثاء مات احمد بك وهو من عظماء الارنؤد وأركانهم وكان عندما بلغه قطع خرج المذكورين أرسل إلى الباشا يقول له اقطع خرجي واعطني علوفة عساكري وأسافر مع أخواني فمنعه الباشا واظهر الرأفة به فتغير طبعه وزاد قهره وتمرض جسمه فأرسل إليه الباشا حكيمه فسقاه شربه وفصده فمات من ليلته فخرجوا بجنازته من بولاق ودفنوه بالقرافة الصغرى وخرج أمامه صالح أغا وسليمان أغا وطاهر أغا وهم راكبون أمامه وطوائف الانؤد عدد كبير مشاة حوله

وإستهل شهر شعبان بيوم الأحد سنة
في رابعه يوم الأربعاء الموافق لسابع مسرى القبطي أو في النيل المبارك ادرعه ونزل الباشا في صبح الخميس في جم غفير وعدة وافرة من العساكر وكسر السد بحضرته وحضرة القاضى وجرى الماء في الخليج ومنع المراكب من دخولها الخليج
وفي منتصفه سافر سليمان أغا ومحو بك بعد أن قضوا أشغالهم وباعوا تعلقاتهم وقبضوا علائفهم
وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر صالح أغا قوج وصحبته نحو المائتين ممن اختارهم من عساكره الارنؤدية وتفرق عنه الباقون وانضموا

إلى حسن باشا وأخيه عابدين بك وغيرهما
وفي يوم الجمعة برزت خيام الباشا خارج باب النصر وعزم على الخروج والسفر بنفسه إلى الحجاز وقد اطمان خاطره عندما سافر الجماعة المذكورين لأنه لما قطع خرجهم ورواتبهم وامرهم بالسفر جمعوا عساكرهم إليهم وخيولهم واخذوا الدور والبيوت ببولاق وسكنوها وصارت لهم صورة هائلة وكثرت القالة وتخوف الباشا منهم وتحذرونبه على خاصته وسفاشيته وغيرهم بالملازمة والمبيت بالقلعة وغير ذلك
وفي يوم السبت حادي عشرينه اجتمعت العساكر وانجر الموكب من باكر النهار فكان أولهم طوائف الدلاة ثم العساكر وأكابرهم وحسن باشا واخوه عابدين بك وهو ماش على أقدامه في طوائفه أمام الباشا ثم الباشا وكتخدا بك واغواتهم الصقلية وطوائفهم وخلفهم الطبلخانات وعند ركوبه من القلعة ضربوا عدة مدافع فكان مدة مرورهم نحو خمس ساعات وجروا أمام الموكب ثمانية عشر مدفعا وثلاث قنابر

واستهل شهر رمضان بيوم الاثنين سنة
في رابع عشرينه وردت هجانة مبشرون باستيلاء الأتراك على عقبة الصفراء والجديدة من غير حرب بالمخادعة والمصالحة مع العرب وتدبير شريف مكة ولم يجدوا بها أحدا من الوهابيين فعندما وصلت هذه البشارة ضربوا مدافع كثيرة تلك الليلة من القلعة وظهر فيهم الفرح والسرور
وفي تلك الليلة حضر احمد أغا لاظ حاكم قنا ونواحيها وكان من خبره انه لما وصلت اليه الجماعة الذين سافروا في الشهر الماضي وهم صالح أغا وسليمان أغا ومحو بك ومن معهم واجتمعوا على المذكور وبثوا شكواهم واسروا نجواهم واضمروا في نفوسهم انهم إذا وصلوا إلى مصر ووجدوا الباشا منحرفا منهم أو أمرهم بالخروج والعود إلى الحجاز امتنعوا عليه وخالفوه وان قطع خرجهم وأعطاهم علائفهم بارزوه ونابذوه وحاربوه واتفق احمد أغا المذكور معهم على ذلك وانه متى حصل هدا المذكور

أرسلوا اليه فيأتيهم على الفور بعسكره وجنده وينضم اليه الكثير من المقيمين بمصر من طوائف الارنؤد كعابدين بك وحسن باشا وغيرهم بعساكرهم لاتحاد الجنسية فلما حصل وصول المذكورين وقطع الباشا راتبهم وخرجهم وأعطاهم علائفهم المنكسرة وأمرهم بالسفر أرسلوا لأحمد أغا لاظ المذكور بالحضور بحكم اتفاقهم معه فتقاعس واحب أن يبدي لنفسه عذرا في شقاقه مع الباشا فأرسل إليه مكتوبا يقول له فيه ان كنت قطعت خرج أخواني وعزمت على سفرهم من مصر وإخراجهم منها فاقطع أيضا خرجي ودعني أسافر معهم فأخفى الباشا تلك المكاتبة وأخر عود الرسول ويقال له الخجا لعلمه بما ضمروه فيما بينهم حتى أعطى للمذكورين علائفهم على الكامل ودفع لصالح أغا كل عاما طلبه واده حتى انه كان انشأ مسجدا بساحل بولاق بجوار داره وبنى له منارة ظريفة واشترى له عقارا وأمكنه وقفها على مصالح ذلك المسجد وشعائره فدفع له الباشا جميع ما صرفه عليه وثمن العقار وغيره ولم يترك لهم مطالبة يحتجون بها في التأخير وأعطى الكثير من رواتبهم لحسن باشا وعابدين بك أخيه فمالوا عنهم وفارقهم الكثير من عساكرهم وانضموا إلى أجناسهم المقيمين عند حسن باشا وأخيه فرتبوا لهم العلائف معهم وأكثرهم مستوطنون ومتزوجون بل ومتناسلون ويصعب عليهم مفارقة الوطن وما صاروا فيه من التنعم ولا يهون بمطلق الحال استبدال النعيم بالجحيم ويعملون عاقبة ما هم صائرون إليه لأنه فيما بلغنا أن من سافر منهم إلى بلاده قبض عليه حاكمها واخذ منه ما معه من المال الذي جمعه من مصر وما معه من المتاع وأودعه السجن ويفرض عليه قدرا فلا يطلقه حتى يقوم بدفعه على ظن أن يكون أودع شيئا عند غيره فيشتري نفسه به أو يشتريه أقاربه أو يرسل إلى مصر مراسلة لعشيرته وأقاربه فتأخذهم عليه الغيرة فيرسلون له ما فرض عليه ويفتدونه والا فيموت بالسجن أو يطلق مجردا أو يرجع إلى حالته التي كان عليها في السابق من الخدم الممتهنة والاحتطاب من الجبل والتكسب بالصنائع الدنيئة ببيع

الإسقاط والكروش والمؤاجرة في حمل الأمتعة ونحو ذلك فلذلك يختارون الإقامة ويتركون مخاديمهم خصوصا والخسة من طباعهم هذا والباشا يستحث صالح أغا ورفقاءه في الرحيل حيث لم يبق له عذر في التأخير فعندما نزلوا في المراكب وانحدروا في النيل احضر الباشا الخاجا المذكور وهو عبارة عن ألافندي المخصوص بكتابة سره وإيراده ومصرفه وأعطاه جواب الرسالة مضمونها تطمينه وتأمينه ويذكر له انه صعب عليه وتأثر من طلبه المقاطعة وطلبه المفارقة وعدد له أسباب انحرافه عن صالح أغا ورفقائه وما استوجبوا به ما حصل لهم من الإخراج والابعاد وأما هو فلم يحصل منه ما يوجب ذلك وانه باق على ما يعهده من المودة والمحبة فان كان ولا بد من قصده سفره ! فهو لا يمنعه من ذلك فيأتي بجميع أتباعه ويتوجه بالسلامة أينما شاء والابان صرف عن نفسه هذا الهاجس فليحضر في القنجة في قلة ويترك وطاقه وأتباعه ليواجهه ويتحدث معه في مشورته وانتظام أموره التي لا يتحملها هذا الكتاب ويعود إلى محل ولايته وحكمه مكرما فراج عليه ذلك التمويه وركن إلى زخرف القول وظن أن الباشا لا يصله بمكروه ولا يواجهه بقبيح من القول فضلا عن الفعل لأنه كان عظيما فيهم ومن الرؤساء المعدودين صاحب همة وشهامة واقدام جسورا في الحروب والخطوب وهو الذي مهد البلاد القبلية وأخلاها من الأجناد المصرية فلما خلت الديار منهم واستقر هو بقنا وقوص وهو مطلق أغا قوج بالاسيوطية ثم أن الباشا وجه صالح أغا إلى الحجاز وقلد ابنه إبراهيم باشا ولاية الصعيد فكان يناقض عليه احمد أغا المذكور في أفعاله ويمانعه التعدي على أطيان الناس وأرزاق الأوقاف والمساجد ويحل عقد ابراماته فيرسل إلى أبيه بالأخبار فيحقد ذلك في نفسه ويظهر خلافه ويتغافل واحمد أغا المذكور على جليته وخلوص نيته فلما وصلته الرسالة اعتقد صدقه وبادر بالحضور في قلة من أتباعه حسب إشارته وطلع إلى القلعة ليلة السبت وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فعبر عند الباشا وسلم عليه فحادثه وعاتبه ونقم

عليه أشياء وهو يجاوبه ويرادده حتى ظهر عليه الغيظ فقام كتخدا بك وإبراهيم أغا فأخذاه وخرجا من عند الباشا ودخلا إلى مجلس إبراهيم أغا وجلسوا يتحدثون وصار الكتخدا وإبراهيم أغا يلطفان معه القول وأشارا عليه بأن يستمر معهما إلى وقت السحور وسكون حدة الباشا فيدخلون إليه ويتسحرون معه فأجالهم إلى رأيهم وأمر من كان بصحبته من العسكر وهم نحو الخمسين بالنزول إلى محلهم فامتنع كبيرهم وقال لا نذهب ونتركك وحيدا فقال الكتخدا وما الذي يصيبه وهو همشري ومن بلدي وان أصيب بشيء كنت أنا قبله فعند ذلك نزلوا وفارقواه وبقي عنده من لا يستغنى عنه في الخدمة آتاه من يستدعيه إلى الباشا فلما كان خارج المجلس قبضوا عليه واخذوا سيفه وسلاحه ونزلوا به إلى تحت سلم الركوب وأشعل الضوى المشعل واداروا كتافه ورموا رقبته ورفعوه في الحال وغسلوه وكفنوه ودفنوه وذلك في سادس ساعة من الليل واصبح الخبر شائعا في المدينة واحضر الباشا الخجا وطولب بالتعريف عن أمواله وودائعه وعين في الحال باشجاويش ليذهب إلى قناويختم على داره ويضبط ماله من الغلال والأموال وطلبت الودائع ممن هي عنده التي استدلوا عليها بالأوراق فظهر له ودائع في عدة أماكن وصناديق مال وغير ذلك ولم يتعرض لمنزله ولا لحريمه

واستهل شهر شوال بيوم الأربعاء سنة
في رابعه يوم السبت قدم قابجي من اسلامبول وعلى يده مقرر للباشا بولاية مصر على السنة الجديدة ومعه فروة لخصوص الباشا فلما وصل إلى بولاق فنزل كتخدا بك لملاقاته فركب في موكب جليل وخلفه النوبة التركية وشق من وسط البلد وصعد إلى القلعة وحضر الأشياخ وأكابر دولتهم وقرئ المرسوم بحضرة الجميع فلما انقضى الديوان ضربوا عدة مدافع من القلعة
وفيه البس شيخ السادات ابن أخيه سيدي احمد خلعة وتاجا وجعله

وكيلا عنه في نقابة الأشراف واركبه فرسا بعباءة ومشى أمامه أيضا الجاويشية المختصين بنقيب الأشراف وأمره بأن يذهب إلى الباشا ويقابله ليخلع عليه وأرسل صحبته محمد أفندي فقال مبارك وأشار إليه محمد أفندي بان يخلع عليه فروة فقال الباشا أن عمه جعله نائبا عنه ووكيلا له فليس له عندي تلبيس لأنه لم يتقلد بالأصالة من عندي فقام ونزل من غير شيء إلى داره بجوار المشهد الحسيني
وفي يوم الخميس ثالث وعشرينه سافر مصطفى بك دالي باشا بجميع الدلاة وغيرهم من العسكر إلى الحجاز وحصل للناس في هذا الشهر عدة كربات منها وهو أعظمها عدم وجود الماء العذب وذلك في وقت النيل وجريان الخليج من وسط المدينة حتى كاد الناس يموتون عطشا وذلك بسبب أخذهم الحمير للسخره والرجال لخدمة العسكر المسافرين وغلو ثمن القرب التي تشترى لنقل الماء فإن الباشا اخذ جميع القرب الموجودة بالوكالة عند الخليلية وما كان بغيرها أيضا حتى أرسل إلى القدس والخليل فأحضر جميع ما كان بهما وبلغت الغاية في غلو الأثمان حتى بيعت القربة الواحدة التي كان ثمنها مائة وخمسين نصفا بآلف وخمسمائة نصف يأخذون أيضا الجمال التي تنقل الماء بالروايا الى الاسبلة والصهاريج وغيرهما من الخليج فامتنع الجمع عن السراح والخروج واحتاج العسكر أيضا إلى الماء فوقفوا بالطرق يرصدون مرور السقائين وغيرهم من الفقراء والذين ينقلون الماء بالبلاليص والجرار على رؤوسهم فيوجد على كل موردة من الموارد عدة من العسكر وهم واقفون بالأسلحة ينتظرون من يستقى من السقائين أو غيرهم فكان الخدم والنساء والفقراء والبنات والصبيان ينقلون بطول النهار والليل بالأوعية الكبيرة والصغيرة على رؤوسهم بمقدار ما يكفيهم للشرب وبيعت القربة الواحدة بخمسة عشر نصف فضة واكثر وشح وجود اللحم وغلافي الثمن زيادة على سعره المستمر حتى بيع بثمانية عشر نصف فضة كل رطل هذا ان وجد والجاموسي الجفيط بأربعة عشر وطلبوا للسفر

طائفة من القبانية ومن الخبازين ومن أرباب الصنائع والحرف وشددوا عليهم الطلب في أواخر الشهر فتغيبوا وهربوا فسمرت بيوتهم وحوانيتهم وكذلك الببازون والفرانون بالطوابين والأفران حتى عدم الخبز من الأسواق ولم يجد أصحاب البيوت فرنا يخبزون فيه عجينهم فمن الناس القادرين على الوقود من يخبز عجينه في داره أو عند جاره الذي يكون عنده فرن أو عند بعض الفرانين الذي تكون فرنه بداخل عطفة مستورة خفية أو ليلا من الخوف من العسس والمرصدين لهم وكذلك عدم وجود التبن بسبب رصد العسكر في الطرق لأخذ ما يأتي به الفلاحون من الأرياف فيخطفونه قبل وصوله إلى المدينة وحصل بسبب هذه الأحوال المذكورة شبكات ومشاجرات وضرب وقتل وتجريح أبدان ولولا خوف العسكر من الباشا وشدته عليهم حتى بالقتل إذا وصلت الشكوى إليه لحصل اكثر من ذلك

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الجمعة سنة
في سابعه يوم الخميس سافر الباشا هجانا إلى السويس وصحبته حسن باشا
وفي يوم الجمعة خامس عشره وصل مبشرون من ناحية الحجاز وهم أتراك على الهجن والخبر عنهم أن عساكرهم وصلوا إلى المدينة المنورة ونزلوا بفنائها
وفي يوم الأحد سابع عشره رجع الباشا من ناحي السويس إلى مصر
وفيه وردت أخبار لطائفة الفرنساوية وقنصلهم المقيمين بمصر بأن بونابارته وعساكر الفرنساوية زحفوا في جمع عظيم على بلاد المسكوب ووقع بينهم حروب عظيمة فكانت الهزيمة على المسكوب وانكسروا كسرة قوية وكتبوا بذلك أوراقا الصقوها بحيطان دوائرهم وحاراتهم ولما حضر الباشا طلع إليه القنصل واخبره بتلك الأخبار واطلعه على الكتب الواردة من بلادهم

وفي ليلة الثلاثاء عدى الباشا إلى بر الجزيرة وأمر بخروج العساكر إلى البر الغربي وعدى أيضا كتخدا بك بسبب أن عربان أولاد علي نزلوا بناحية الفيوم بجمع عظيم وأكلوا الزروعات فخرج إليهم حسن أغا الشماشرجي فوزن نفسه معهم فرأى انه لا يقاومهم لكثرتهم فحضر إلى مصر واخبر الباشا وتحرك الباشا للخروج إليهم ثم بعقيبه أرسل لهم وخادعهم فحضر إليه عظماؤهم فاخذ منهم رهائن وخلع عليهم وكساهم وأعطاهم راحتهم وعين لهم جهات وشرط عليهم أن لا يتعدوها ثم رجع وعدى إلى بر مصر في ليلة الخميس حادي عشرينه
وفي سادس عشرينه نهب العرب القافلة القادمة من السويس بحمل بضائع التجار وغيرهم وقتلوا العسكر الذين بصحبتهم وخفارتهم واخذوا الجمال بأحمالها وذهبوا بها لناحية الوادي والجمال المذكورة على ملك الباشا وأتباعه لأنهم صيروا لهم جمالا واعدوها لحمل البضائع ويأخذون أجرتها لأنفسهم بدلا عن جمال العرب وذلك من جملة الأمور التي احتكروها طمعا وحسدا في كل شيء ولم ينج من الجمال إلا البعض الذين سبقوهم وهم لكتخدا بك فحنق لذلك الباشا وأرسل في الحال مراسلات إلى سليمان باشا محافظ عكا يعلمه بذلك ويلزمه بإحضارها ويتوعده ان ضاع منها عقال بعير والذي ذهب بالمراسلة إبراهيم أفندي المهردار

واستهل شهر ذي الحجة بيوم السبت سنة
في عاشره يوم الأضحى وردت هجانة من ناحية الحجاز وعلى يدهم البشائر بالاستيلاء على قلعة المدينة المنورة ونزول المتولي بها على حكمهم وان القاصد الذي أتت بشائره وصل إلى السويس وصحبته مفاتيح المدينة فحصل للباشا بذلك سرور عظيم وضربوا مدافع وشنكا بعد مدافع العيد وانتشرت المبشرون على بيوت الأعيان لأجل اخذ البقاشيش
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره وصل القادمون إلى العادلية فعملوا لقدومهم شنكا عظيما وضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة

وخارج قبة العزب حيث العرضي المعد للسفر وأيضا ضربوا بنادق كثيرة متتابعة من جميع الجهات حتى من اسطحة البيوت الساكنين بها واستمر ذلك اكثر من ساعتين فلكيتين فكان شيئا مهولا مزعجا أشيع في الناس دخول الواصلين في موكب واختلفت رواياتهم وخرج الباشا إلى ناحية العادلية فاصطف الناس على مساطب الدكاكين والسقائف للفرجة فلما كان قريب الغروب دخل طائفة من العسكر وصحبتهم بعض أشخاص راكبين على الهجن وفي يد أحدهم كيس اخضر وبيد الآخر كيس احمر بداخلهما المكاتبات والمفاتيح وعاد الباشا من ليلته وصعد إلى القلعة هذا والمدافع والشنك يعمل في كل وقت من الأوقات الخمسة وفي الليل وفي صبح يوم الأربعاء شق الأغا والوالي وأغات التبديل وأمامهم المناداة على الناس بتزيين الأسواق وما فيها من الحوانيت والدور ووقود القناديل والتعاليق ويسهرون ثلاث ليال بأيامها او لها يوم الخميس وآخرها يوم السبت الذي هو خامس عشره واخرجوا وطاقات وخياما إلى خارج بابي النصر والفتوح وخرج الباشا في ثاني يوم إلى ناحية العادلية وهو ليلة يوم الزينة وعملوا حراقات ونفوطا وسواريخ ومدافع من كل ناحية مدة أيام الزينة وكتبت البشائر إلى جميع النواحي وانعم الباشا بامريات ومناصب على عشرين شخصا من خواصه وعين لطيف بك أغات المفتاح للتوجه إلى دار السلطنة بالبشائر والمفاتيح صحبته وسافر في صبح يوم الزينة على طريق البر وتعين خلافه أيضا للسفر بالبشائر إلى البلاد الرومية والشامية والاساكل الإسلامية مثل بلاد الأناضول والرومنلي ورودس وسلانيك وازمير وكريت وغيرها
وفي أواخره وردت الأخبار المترادفة بوقوع الطاعون الكثير بإسلامبول فأشار الحكماء على الباشا بعمل كورنتينة بالإسكندرية على قاعدة اصطلاح الإفرنج ببلادهم فلا يدعون أحدا من المسافرين الواردين في المراكب من الديار الرومية يصعد إلى البر إلا بعد مضي أربعين يوما من

وروده وإذا مات بالمركب أحد في أثناء المدة استأنفوا الأربعين
وفيه وشى بعض اليهود على الحاج سالم الجواهرجي المباشر لايراد الذهب والفضة إلى الضربخانة وانعزل عنها كما ذكر في وسط السنة وذلك عند ورود الرجل النصراني الدرزي الشامي بأنه كان في أيام مباشرته للإيراد يضرب لنفسه دنانير خارجة عن حساب الميري خاصة به فامر الباشا بإثبات ذلك وتحقيقه فحصل كلام كثير والحاج سالم يجحد ذلك وينكره فقال له أيوب تابعك الذي كان ينزل آخر النهار بالخرج على حماره في كل يوم بحجة الانصاف العددية التي يفرقها على الصيارف بالمدينة واكثر ما في الخرج خاص بك فاحضروا أيوب المذكور وطلبوه للشهادة فقال لا اشهد بما لا اعلم ولم يحصل هذا مطلقا ولا يجوز لي ولا يخلصني من الله أن اتهم الرجل بالباطل فقال اليهودي هذا رفيقه وصاحبه وخادمه ولا يمكنه انه يخبر ويقر إلا إذا خوف وعوقب وإذا ثبت قولي فانه يطلع عليه ستة آلاف كيس فلما سمع الباشا قول اليهودي ستة آلاف كيس أمر بحبس الحاج سالم ثم احضروا اخوته والحاج أيوب وسجنوهم وضربوهم والباشا يطلب ستة آلاف كيس كما قال اليهودي واستمروا على ذلك أياما وذلك الحبس عند قرأ علي بجوار بيت الحريم بالازبكية وسبب خصومة شمعون اليهودي مع الحاج سالم انهم احتجوا على اليهودي بأشياء وقرروا عليه غرامة أيضا فطلب من الحاج سالم المساعدة وقال له ساعدني كما ساعدتك في غرامتك فقال الحاج سالم انك لم تساعدني بمال من عندك بل هو من حسابي معك فقال اليهودي الست كنت أدارى عليك فيما تفعله واتسع الكلام بينهما وحضرة الباشا وأعوانه مترقبون لحادث يستخرجون به الأموال بأي وجه كان ويتقولون ويوقعون بين هذا وهذا والناس أعداء لبعضهم البعض تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ثم أن السيد محمد المحروقي خاطب الباشا في شأن الحاج سالم وحلف له أن الغرامة الأولى تأخر عليه منها ثلثمائة كيس استدانها من الأوربيين ودفعها وهي

باقية عليه إلى الآن ومطلوبة منه وذلك بعد أن باع أملاكه وحصة التزامه فإذا كان لا بد من تغريمه ثانيا فإننا نمهل أصحاب الديون ونقوم بدفع الثلمائة كيس المطلوبة للمداينين وندفعها للخزينة فأجابه لذلك وأمر بالإفراج عن الحاج سالم واخوته ومن معه فدفعوا القرا على المتولي سجنهم وعقوبتهم سبعة أكياس
وفيه اشتد الأمر على اسمعيل أفندي امين عيار الضربخانة وأولاده بالطلب من أرباب الحوالات مثل دالي باشا وخلافه وضيق العسكر المعينون عليهم منافسهم ولازموا دورهم ولم يجدوا شافعا ولادافعا ولارافعا فباعوا أملاكهم وعقاراتهم وفراشهم ومصاغ حريمهم وأوانيهم وملابسهم وكان الباشا اخذ من إسماعيل أفندي المذكور داره آلتي بالقلعة عندما انتقل إلى القلعة فأمره بإخلائها ففعل ونزل إلى دار بحارة الروم بالقرب من دار ابنه محمد أفندي فاتخذ الباشا دار اسمعيل أفندي دارا لحريمه وأسكنهم بها لأنها دار عظيمة جليلة عمرها المذكور وصرف عليها في الأيام الخالية أموالا جمة فلما استولى عليها الباشا اسكن بها حريمه وجواريه وسراريه ولما قرر عليه غرامته اسقط عنه منها عشرين كيسا لا غير وجعلها في ثمن داره المذكورة وذلك لا يقوم بثمن رخامها فقط فلما اشتد الحال بإسمعيل أفندي أشار عليه بعض المتشفعين بأن يكتب له عرضحال ويطلع به إلى الباشا صحبة المعلم غالي كبير الأقباط المباشرين ففعل ودخل معه المعلم غالي إلى الباشا فعندما رآه مقبلا صحبة المذكور أشار إليه بالرجوع ولم يدعه يتكلم فرجع بقهره ونزل إلى داره فمرض وتوفي بعد أيام إلى رحمة الله تعالى ومات قبله ولده حسن أفندي وبقي جميع الطلب على ولده محمد أفندي فحصل له مشقة زائدة وباع أثاث بيته وأوانيه وكتبه التي اقتناها وحصلها بالشراء والاستكتاب فباعها بأبخس الآثمان على الصحافين وغيرهم وطال عليه الحال وانقضت مواعيد المداينين له فطالبوه وكربوه فتداين من غيرهم بالربا والزيادة وهكذا والله يحسن لنا وله العاقبة

وفيه قدم إلى الإسكندرية قليون من بلاد الإنكليز فيه بضائع وأشياء للباشا ومنها خمسون آلف كيس نقودا ثمن غلال وخيول يأخذونها من مصر إلى بلادهم فطفقوا يطلبون لهم الخيول من أربابها فيقيسون طولها وعرضها وقوائمها بالأشبار فإن وجدوا ما يوافق غرضهم ومطلوبهم في القياس والقيافة أخذوه ولو بأغلى ثمن وإلا تركوه
وفيه أيضا أرسل الباشا لجميع كشاف الوجه القبلي بحجز جميع الغلال والحجر عليها لطرفه فلا يدعون أحدا يبيع ولا يشتري شيئا منها ولا يسافر بشيء منها في مركب مطلقا ثم طلبوا ما عند أهل البلاد من الغلال حتى ما هو مدخر في دورهم للقوت فأخذوه أيضا ثم زادوا في الأمر حتى صاروا يكبسون الدور ويأخذون من الغلال قل أو كثر ولا يدفعون له ثمنا بل يقولون لهم نحسب لكم ثمنه من مال السنة القابلة ويشحنون بذلك جميع مراكب الباشا التي استجدها وأعدها لنقل الغلال ثم يسيرون بها إلى بحري فتنقل إلى مراكب الإفرنج بحساب مائة قرش عن كل أردب وانقضت السنة ولم تنقض حوادثها بل استمر ما حدث بها كالتي قبلها وزيادة
فمنها ما أحاط به علمنا وذكرنا بعضه ومنها ما لم يحط به علمنا أو أحاط ونسيناه بحدوث غيره قبل التثبت ومنها أن الباشا عمل ترسخانه عظيمة بساحل بولاق واتخذ عدة مراكب بالإسكندرية لخصوص جلب الأخشاب المتنوعة وكذلك الحطب الرومي من أماكنها على ذمته ويبيعه على الحطابين بما حدده عليهم من الثمن ويحمل في المراكب المختصة به باجرة محددة أيضا ويأتي إلى ديوان الكمرك ببولاق فيؤخذ كركه أي مكسه وهو راجع إليه أيضا إلى أن استقر سعر القنطار الواحد من الحطب بثلثمائة وخمسة عشر نصف فضة واجرة حمله من بولاق إلى مصر ثلاثة عشر نصف وأجرة تكسيره مثل ذلك فيكون مجموع ذلك ثلثمائة وأربعين نصف فضة القنطار وقد اشتريناه قبل استيلاء هذه الدولة بثلاثين نصفا وأجرة حمله في المركب

عشرة أنصاف وأجرته من بولاق إلى مصر ثلاثة أنصاف وتكسيره كذلك فيكون مجموع ذلك ستة وأربعين نصفا وكذلك فعل في أنواع الأخشاب الكرسنة والحديد والرصاص والقصدير وجميع المجلوبات واستمر ينشىء في المراكب الكبار والصغار التي تسرح في النيل من قبلي إلى بحري ومن بحري إلى قبلي ولا يبطل الإنشاء والأعمال والعمل على الدوام وكل ذلك على ذمته ومرمتها وعمارتها ولوازمها وملاحوها بأجرتهم على طرفه لابالضمان كما كان في السابق ولهم قومة ومباشرون متقيدون بذلك الليل والنهار
ومنها وهي من الحوادث الغريبة التي لم يتفق في هذه الإعصار مثلها أن في أواخر ربيع الآخر احترق بحر النيل وجف بحر بولاق وكثرت فيه الرمال وعلت فوق بعضها حتى صارت مثل التلول وانحسر الماء حتى كان الناس يمشون إلى قريب انبابة بمداساتهم وكذلك بحر مصر القديمة بقي مخاضا وفقدت أهل القاهرة الماء الحلو واشتد بالناس العطش بسبب ذلك وبسبب تسخير السقائين ونادى الأغا والوالي على أن يكون حمل القربة للمكان البعيد بإثني عشر نصف فضة واستهل شهر بشنس القبطي فزد النيل في أوله في ليلة واحدة نحو ذراع ثم كان يزيد في كل يوم وليلة مثل دفعات أواخر أبيب ومسرى وجرى بحر بولاق ومصر القديمة وغطى الرمال وسارت فيه المراكب الكبار منحدرة ومقلعة وغرقت المقافيء مثل البطيخ والخيار والعبد اللاوى وما كان مزروعا بالسواحل وهو شيء كثير جدا واستمرت الزيادة نحو عشرين يوما حتى تغير وابيض وكاد يحمر وداخل الناس من ذلك وهم عظيم من هذه الزيادة آلتي في غير وقتها حتى اعتقدوا انه يوفي أذرع الوفاء قبل نزول النقطة ولم يعهد مثل ذلك وكان ذلك رحمة من الله بعبيده الفقراء العطاش ثم أنى طالعت في تاريخ الحافظ المقريزي المسمى بالسلوك في دول الملوك فذكر مثل هذه النادرة في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ولما ترادفت هذه الزيادات خرج الوالي إلى قنطرة

السد وجمع الفعلة للعمل في سد فم الخليج ونادى على نزح الخليج وتنظيفه وكسح أوساخه وقطع أرضه ثم وقفت الزيادة بل نقص قليلا وزاد في اوان الزيادة على العادة وأوفى أذرعه في أيامه المعتادة فسبحان الفعال
ومنها شحة الغلال وخلو السواحل منها فلا يجد الناس إلا ما بقي بأيدي فلاحي الجهات البحرية القريبة فيحملونه على الحمير إلى العرصات والرقع ويبيعونه على الناس كل أردب بأربعة وعشرين قرشا خلاف المكس والكلف واستفر مكس الأردب الواحد أربعة وثلاثين ونصف فضة وأجرته إذا كان من طريق البحر من المنوفية أو نحوها مائة نصف واقل واكثر وأجرته من بولاق إلى مصر خمسة وعشرون نصفا
ومنها انه لما انتظم له ملك بلاد الصعيد ولم يبق له فيه منازع وقلد إمارته لابنه إبراهيم باشا ورسم بان يضبط جميع أطيان بلاد الصعيد حتى الرزق الاحباسية المرصدة على المساجد والخيرات الكائنة بمصر وغيرها وأوقاف سلاطين مصر المتقدمين وخيراتهم ومساجدهم ومكاتبهم وصهاريجهم ووظائف المدرسين والمقرئين وغير ذلك ففعل ذلك وراك الأراضي بأسرها وشاع انه جعل على كل فدان من أراضى الرزق والأوقاف ثلاثة ريالات لا غير وعلى كل باقي فدادين الأطيان ثمانية ريالات خلاف النبارى وهو مزارع الذرة فجعل على كل عود من عيدان القطوة سبعة ريالات فرضي أصحاب الرزق والأطيان بهذا التنظيم وظنوا استمراره فإن الكثير من المرتزقة ما كان يحصل له من مزارعي رزقته مقدار ما يحصل له على هذا الحساب
ومنها انه رسم له بالحجر على جميع حصص الالتزام فلم يبق لأربابها شيئا إلا ما ندر وهو شىء قليل جدا واحتج في ذلك باستيلاء الأمراء المصريين عليها عندما خرجوا من مصر وأقاموا بالبلاد القبلية فوضعوا أيديهم على ذلك وانه حاربهم وطردهم وقتلهم وورث ما كان بأيديهم بحق أو باطل وسموه المضبوط وأما ما كان بأيدي أربابه أيام استيلاء المصريين وهم الملتزمون القانطون بالبلاد القبلية أو بمصر ممن يراعى جانبه فإنه إذا

عرض حاله وطلب أذنا في التصرف واخبر بأنه كان مفروجا عنه أيام استيلاء المصريين واثبت ذلك بالكشف من الروزنامه وغيرها فأما أن يؤذن له في التصرف أو يقال له نعوضك بدلها من البلاد البحرية ويسوف وتتمادى الأيام أو يحيل ذلك على ابنه إبراهيم باشا ويقول أنا لا علقه لي في البلاد القبلية والامر فيها لإبراهيم باشا وإذا ذهب لإبراهيم باشا يقول له أنا أعطيك الفائظ فان رضي أعطاه شيئا نزرا ووعده بالإعطاء وان لم يرض قال له هات لي أذنا من أفندينا وكل منهما أما مرتحل أو مسافر او احدهما حاضر والآخر غائب فيصير صاحب الحاجة كالجملة المعترضة بين الشارط والمشروط وأمثال ذلك كثير
ومنها الاستيلاء على جميع مزارع الأرز بالبحر الغربي والشرقي ورتب لهم مباشرين وكتابا يصرفون عليهم من الكلف والتقاوى والبهائم ويؤخذ ذلك جميعه من حساب الفرض التي قررها على النواحي وعند استغلال الأرز يرفعونها بأيديهم ويسعرونها بما يريدونه ويستوفون المصاريف ومعاليم القومة والمباشرين المعين لهم وان فضل بعد ذلك شىء أعطوه للمزارع أو أخذوه منه وأعطوه ورقة يحاسب بها في المستقبل وفرض على كل دائرة من دوائر الأرز خمسة أكياس في كل سنة خلاف المقرر القديم وعلى كل عود ثلاثة أكياس فإذا كان وقت الحصاد وزنوه شعيرا على أصحاب الدوائر والمناشر حتى إذا صلح وابيض حسبوا كلفه من اصل المقرر عليهم فإن زاد لهم شيء أعطوهم به ورقة وحاسبوا بها من قابل وابطل تعامل المزارعين مع التجار الذين كانوا معتادين بالصرف عليهم واستقر الحال إلى أن صار جميعه أصلا وفرعا لديوان الباشا ويباع الموجود على ذمته لأهل الإقاليم المتسببين وغيرهم وهو عن كل أردب مائة قرش بل وزيادة وللإفرنج وبلاد الروم والشام بما لا أدرى
ومنها انه حصل بين عبدالله أغا بكتاس الترجمان وبين النصراني الدرزي منافسة وهو الذي حضر من جبل الدروز ويسمى الياس واجتمع

بمصر على من أوصله إلى الباشا وهو بكتاش وخلافه وعرفوه عن صناعته وانه يعمل آلات بأسهل مما يصنعه صناع الضربخانه ويوفر على الباشا كذا وكذا من الأموال التي تذهب في الدواليب والكلف وما يأخذه المباشرون من المكاسب لأنفسهم وافرد له بقعة خاصة به بجانب الضربخانة وأمر بحضور ما يطلبه إليه من الحديد والصناع واستمر على ذلك شهورا ولما تمم الآلة صنع قروشا وضربها ناقصة في الوزن والعيار وجعل كتابتها على نسق القروش الرومية ووزن القرش درهمان وربع وفيه من الفضة الخالصة الربع بل اقل والثلاثة أرباع نحاس وكان المرتب في الأموال من النحاس في كل يوم قنطارين فضوعف إلى ستة قناطير حتى غلا سعر النحاس والأواني المتخذة منه فبلغ سعر الرطل النحاس المستعمل مائة وأربعين نصف فضة بعد أن كان سعره في الأزمان السابقة أربعة عشر نصفا والفراضة سبعة أنصاف أو اقل ثم زاد الطلب للضربخانة إلى عشرة قناطير في كل يوم والمباشر لذلك كله بكتاش أفندي ثم أن بكتاش أفندي المذكور انحرف على ذلك الدرزي وذلك بإغراء المعاير وحصل بينهما مناقشة بين يدي الباشا والمعلم غالي بينهم وانحط الآمر في ذلك المجلس على منع الدرزي من مباشرة العمل ورتب له الباشا أربعة أكياس لمصرفه في كل شهر ومنعوا أيضا من كان معه من نصارى الشوام من الطلوع الضربخانة واستمر بكتاش أفندي ناظرا عليها ودقق على أرباب الوظائف والخدم ليأخذ بذلك وجاهة عند مخدومه ثم أن الباشا بعد أيام أمر بنفي الدرزي من مصر وجميع أهله وأولاده وانقضى أمره بعد أن تعلموا تلك الصناعة منه وفي تلك المدة بلغ ايراد الضربخانه لخزينة الباشا في كل شهر آلفا وخمسمائة كيس وكان الذي يرد منها في زمن المصريين ثلاثين كيسا في كل شهر أو اقل من ذلك فلما التزم بها السيد احمد المحروقي أوصلها إلى خمسين واستمرت على ابنه السيد محمد كذلك مدة فانتبذ لها محمد أفندي طبل المعروف بناظر المهمات وزاد عليها ثلاثين كيسا وبقيت تحت نظارة المحروقي بذلك القدر ثم أن الباشا عزل

السيد محمد المحروقي عنها وأبقاها على ذمته وقيد خاله في نظارتها ولم يزل الباشا يلعب هذه الملاعيب حتى بلغت هذا المبلغ المستمر وربما تزيد وذلك خلاف الغرامات والمصادرات لأربابها ثم وشى له عبدالله أغا بكتاش بأنه يزيد في وزن القروش وينقص منه عن القدر المحدود فإذا حسب القدر المنقوص وعمل معدله في مدة نظارته تحصل منه مقدار عظيم من الأكياس فلما نوقش في ذلك قال هذا الآمر يسئل فيه صاحب العيار فأحضروه وأحضروا محمد أفندي ابن اسمعيل أفندي بدفتره وتحاققوا في الحساب فسقط منهم خمسة أكياس لم تدخل الحساب فقالوا أين ذهبت هذه الخمسة أكياس فطفقوا ينظرون إلى بعضهم فقال المورد الحق أن هذه الخمسة أكياس من حساب محمد أفندي ومطلوبة له وتجاوز عنها لفلان اليهودي المورد من مدة سابقة فالتفت الباشا إلى محمد أفندي وقال له لاي شيء تجاوزت لليهودي عن هذا القدر فقال لعلمي انه خلي ليس عنده شيء فأخذتني الرافة عليه وتركت مطالبته حتى يحصل له اليسار فقال كيف تنعم بمالي على اليهودي فقال انه من حسابي فقال ومن أين كان لك ذلك وأمر به فبطحوه وضربوه بالعصي ثم أقاموه وأضافوا الخمسة أكياس على باقي الغرامة المطلوبة منه التي هو متحير في تحصيلها ولو بالإستدانة من الربويين كما قال القائل شكوت جلوس إنسان ثقيل فجأوني بمن هو منه أثقل فكنت كمن شكا الطاعون يوما فزادوه على الطاعون دمل ومحمد أفندي هذا من وجهاء الناس وخيارهم يفعل به هذه الفعال ثم انحط الحال مع بكتاش أفندي على أن فرض عليه ستمائة كيس يقوم بدفعها فقال ويعفوني أفندينا من نظارة الضربخانة فلم يجبه إلى ذلك واستمر في تلك الخدمة مكرها خائفا من عواقبها
ومنها أن الريال الفرانسه بلغ في مصارفته من الفضة العددية إلى مائتين وثمانين نصفا بل وزيادة خمسة أنصاف فنودى عليه بنقص عشرة وشددوا في ذلك وبعد أيام نودى بنقص عشرة أخرى فخسر الناس حصة من أموالهم

ثم أن ذلك القرش الذي يضاف إليه من الفضة ربع درهم ووزن الريال تسعة دراهم فضة فيكون الريال الواحد بما يضاف إليه من النحاس على هذا الحساب ستة وثلاثين قرشا يخرج منها ثمن الريال ستة قروش ونصف وكلفة الشغل في الجملة قرش أو قرشان يبقى بعد ذلك سبعة وعشرون قرشا ونصف وهو المكسب في الريال الواحد وهو من جملة سلب الأموال لأن صاحب الريال إذا أراد صرفه أخذ بدله ستة قروش ونصفا وفيها من الفضة درهم ونصف وثمن وهي بدل التسعة دراهم التي هي وزن الريال ثم زيد في الطنبور نعمة وهي الحجر على الفضة العددية فلا يصرفون شيئا منها للصيارف ولا لغيرهم إلا بالفرط وهو أربعة قروش على كل ألف فيعطي للضربخانة تسعة وعشرون قرشا زلاقط ! وبأخذ الف فضة عنها خمسة وعشرون قرشا ثم زادوا بعد ذلك في الفرط فجعلوه خمسة قروش فيعطي الفا ومائتين ويأخذ بدلها الفا فانظر إلى هذه الزيادة والرذالة وكذا السفالة
ومنها استمرار غلاء الأسعر في كل شيء وخصوصا في الأقوات التى لا يستغني عنها الغني والفقير في كل وقت بسبب الإحداثات والمكوس التي ترتب على كل شيء ومنها المأكولات كاللحم والسمن والعسل والسكر وغير ذلك مثل الخصارات وإبطال جميع المذابح خلاف مذبح الحسينية والتزم به المحتسب بمبلغ عظيم مع كفاية لحم الباشا وأكابر دولته بالثمن القليل ويوزع الباقي على الجزارين بالسعر الأعلى الذي يخرج منه ثمن لحوم الدولة من غير ثمن فينزل الجزار بما يكون معه من الغنمة أو الاثنين الجفيط إلى بيت أو عطفة مستورة فتزدحم عليه المتبعون له والمنتظرون إليه ويقع بينهم من المضاربة والمشاجرة مالا يوصف وثمن الرطل اثنا عشر نصفا وقد يزيد على ذلك ولا ينقص عن الاثنى عشر وكذلك الخضروات التي كانت تباع جزافا تباع بأقصى القيمة حتى ان الخس مثلا الذي كان يباع كل عشرة أعداد بنصف واحد صارت الواحدة تباع بنصف وقس على ذلك باقي الخضروات وان الباشا لما وضع يده على الأراضي القريبة وانشأ

السواقي تجاه القصر والبساتين بناحية شبرا وحرث الاراضي الخرس وزرع فيها انواع الخضراوات واجرى عليها المياه وقيد لخدمتها المرابعين أيضا والمزارعين بالمؤاجرة والمباشر على ذلك كله ذو الفقار كتخدا وعندما يبدو صلاح البقول والخضراوات يبيعها المتسببين فيها بأغلى ثمن وهم يبيعونها على الناس بما احبوا وشاع بين الناس اضافة ذلك الى الباشا فيقولون كرنب الباشا ولفت الباشا وملوخية الباشا وفجل الباشا وقرنبيط الباشا وزرع أيضا بستانه من انواع الزهور العجيبة المنظر المتنوعة الاشكال من الاحمر والاصفر والازرق والملون اتوا بنقائلها من بلاد الروم فنتجت وافلحت وليس لها الاحسن المنظر فقط ولا رائحة لها اصلا
ومنها أن ديوانا المكس ببولاق الذي يعبرون عنه بالكمرك لم يزل يتزايد فيه المتزايدون حتى اوصلوه الى ألف وخمسمائة كيس في السنة وكان في زمن المصريين يؤدى من يلتزمه ثلاثين كيسا مع محاباة الكثير من الناس والعفو عن كثير من البضائع لمن ينسب الى الامراء واصحاب الوجاهة من اهل العلم وغيرهم فلايتعرضون له ولو تحامى في بعض اتباعهم ولو بالكذب ويعاملون غيرهم بالرفق مع التجاوز الكثير ولا ينبشون المتاع ولارباط الشيء المحزوم بل على الصندوق او المحزوم قدر يسير معلوم فلما ارتفع امره الى هذه المقادير صاروا لايعفون عن شئ مطلقا ولايسامحون احدا ولو كان عظيما من العلماء او من غيرهم وكان من عادة التجار اذا بعثوا الى شركائهم محزوما من الاقمشة الرخيصة مثل العاتكي والنابلسي جعلوا بداخل طيها اشياء من الاقمشة الغالية في الثمن المقصبات الحلبي والكشميري والهندي ونحو ذلك فتندرج معها في قلة الكمرك وفي هذا الاوان يحلون رباط المحزوم ويفتحون الصناديق وينبشون المتاع ويهتكون ستره ويحصون عدده ويأخذون عشره أي من كل عشرة واحدا او ثمنه كما يبيعه التاجر غاليا او رخيصا حتى البوابيج والاخفاف والمسوت التي تجلب من الروم يفتحون صناديقها ويعدونها بالواحد ويأخذون

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13