كتاب : البصائر والذخائر
المؤلف : أبو حيان التوحيدي

وأما الرز فمصدر رزت الجرادة وغرزت وهو الولادة، هكذا قال أبو حنيفة صاحب النبات.
وأما الشز فالتقبض، وما أعرف منه أكثر مما قلته.
وأما العز فالغلب - محركة اللام - ، ومنه قوله تعالى " وعزني في الخطاب " ص: 23 أي غلبني.
وأما الفز فولد البقرة.
وأما القز فضرب من الإبريسم، وأما الفز أيضاً بالفاء: القعود على غير طمأنينة.
وأما الكز فالقليل الخير، يقال: هو كز بين الكزازة أي ضيق العطن.
وأما اللز فلزوم الشيء، وكذلك الإلزاز، وقال الشاعر: البسيط
وابن اللبون إذا ما لز في قرن
وأما النز فرشح الماء من الأرض، والنز أيضاً السخي من الرجال، ويقال: ظليم نز لا يكاد يستقر.
وأما الهز فمصدر هز الدابة وغيرها والسيف وغيره هزاً، واهتز هو في نفسه، والهز أيضاً هو النكاح كأنه كناية.
وأما الوز فطائر.
وأما الأز فمن قوله تعالى " تؤزهم أزاً " مريم: 83.
وأما الجهر فهو خلاف السر، قال الله تعالى " ولا تجهر بصلاتك " الإسراء: 110، وفعل كذا مجاهرة أي مكاشفة، ويقال إن الأجهر والجهراء هما اللذان لا يبصران بالنهار إبصاراً محموداً، ويقال: فلان جهير الصوت، ويقال: جهوري الصوت.
وأما البهر يقال: بهرته إذا غلبته، وهو أيضاً ربو الرئة عند العدو والإعياء، ويقال له: بهراً أي عجباً وانبهر هو، كلام صحيح، فأما أبهرته فمردود ولم يجوزه العلماء.
وأما الدهر فمعروف، وفيه جواب ليس من قبيل حديث اللغة، وإنما هو شيء يمر في كلام الفلاسفة، وسيمر فيما تتصفحه في جملة نظائره في حدود الأسماء والمعاني كلها إن شاء الله.
يقال: دهره إذا غلبه، ويقال: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر فإنه الله جل جلاله، وجوابه مضموم إلى ما يكون وفقاً له مما يليق بالحكاية معه من كلام العلماء، والله المعين.
وأما الصهر فالإذابة، يقال: صهرته الشمس، في القرآن " يصهر به ما في بطونهم " الحج: 20.
وأما الطهر - بالطاء - فإنه جانب الوادي، وما أنا على حقيقة.
وأما الظهر فمعروف من الإنسان، وفلان ظهر فلان إذا استظهر به أو تظاهر به، والظهارة من الظهور والظاهر، والبطانة من البطون والباطن، ورجل مظهر إذا كان قوي الظهر، وظهر إذا كان ظهره يوجعه، ومظهور إذا أصيب ظهره، ومبطون إذا أصيب بطنه، ويقال إن الله تعالى ظاهر بالقدرة وباطن بالحكمة، أي يظهر قدرته ويبطن حكمته، والظهر أيضاً: ما غلظ من الأرض.
والعهر الفجور، يعني به الزنا.
وأما الفهر فيقال إنه مجامعة الرجل امرأته على عرك.
وأما الكهر فالانتهار.
وأما النهر فمعروف، ويقال أيضا: النهر، والسكون والحركة يتعاقبان الهاء، وليس أحدهما أولى من الآخر، لا في المعنى ولا في السماع، وكذلك البعر والشمع والزهر.
وأما المهر: فهو للمرأة إذا تزوجت، وهو الصداق، وهو ما يستحل به بضعها، وهو مصدر مهرتها مهرا، وقد يقال: أمهرتها، كذا روى أبو يعقوب في " فعلت وأفعلت " والمثل يدل على أن الكلمة من " خدمت " وهو قولهم كالممهورة إحدى خدمتيها، والخدمة: الخلخال. قال خالد بن الوليد: الحمد لله الذي فض خدمتكم، وفرق كلمتكم.
وأما الشهر: فمعروف، وجمعه شهور، وقولهم: فلان يعمل مشاهرة كلام صحيح، كما يقولون: معاومة من العام، ومياومة من اليوم، وملايلة من الليل، ومساوعة من الساعة، ولا تقل مساعاً فإن المعنى ينقلب، وقد رأيت من قالها فسخر منه؛ والشهر أيضاً مصدر شهرت الأمر شهراً، والشهير: المشهور، وأشهرت خطأ، إنما يقال: أشهرنا أي دخلنا في الشهر، كما قالوا: أحرمنا أي دخلنا في الحرم، وكأن الشهر سمي به لشهرته.
وأما القهر فمصدر قهرته قهراً، والمقهور: الخلوف، وفي أسماء الله تعالى: القهار، وهو الغلاب.
فهذا آخر الحروف التي تقدم الوعد بذكرها، ولعل الجزء الثامن يتضمن نظائرها مع أشياء غيرها، إن شاء الله.
قال أبو سعيد السيرافي " هو " عبارة عن كل اسم منكور كما أن قولنا " فلان " عبارة عن كل اسم علم ما يعقل.
وأنشد: الطويل
وكم موطن لولاي كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوي
وأنشد الخليل ويونس وقالا: هو لعمران بن خطان: الوافر
ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني
قال أبو سعيد: في عساك وعساني ثلاثة أقوال:

أحدها قول سيبويه، وهو أن عسى حرف بمنزلة لعل ينصب ما بعدها وهو الاسم، والخبر مرفوع، والكاف اسمها وهي منصوبة، واستدل على النصب في عساك بقول: عساني، والنون والياء فيما آخره الألف لا تكون إلا للنصب.
والقول الثاني قول الأخفش: إن الكاف والياء والنون في موضع رفع، وحجته أن لفظ النصب استعير للرفع في هذا الموضع كما استعير له لفظ الجر في لولاي ولولاك.
والقول الثالث قول المبرد: إن الكاف والياء والنون في عساك وعساني في موضع نصب بعسى، فإن اسمها فيها مرفوع، وجعله كقولهم: عسى الغوير أبؤساً، وحكي انه قدم فيها الخبر لأنها فعل، وحذف الفاعل لعلم المخاطب به فعل صحيح لا يدخله الاختلاف فيه.
طلب عبيد الله بن زياد غلاماً عاقلاً، فقال سعيد بن فلان: عندي ذاك أيها الأمير، قال: هاته، فوجه إليه ابنه وباعه بعشرة آلاف رهم، وحصل المال، فلما خرج سعيد بكى الغلام فقال عبيد الله: ما شأنك؟ قال: أنا ابنه، قال: انطلق لعنة الله عليه؛ رواه المدائني.
يقال: لم يوجد ثلاثة مكافيف على نسق غير عبد الله بن العباس، فإنه كف، والعباس بن عبد المطلب، وعبد المطلب بن هاشم. قال: ومن ها هنا قال معاوية لابن عباس: يا بني هاشم، ما لكم تصابون بأبصاركم؟ قال ابن عباس: بدلاً مما تصابون في بصائركم.
قال الواثق لابن أبي دواد: والله إني حنثت في يمين سبقت مني فما كفارتها؟ قال: مائة ألف درهم، فقال الزيات: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، فقال أحمد: يا أمير المؤمنين، ما هذه الكفارة له ولا لآبائه، إن الكفارة على قدر المعرفة بالله تعالى، ولا نعلم أحداً أعلم بالله من أمير المؤمنين، فضحك الواثق وأخرج مائة ألف درهم.
أخبرنا أبو سعيد السيرافي قال: أنا ابن مجاهد قال، ثنا ثعلب قال، حدثني محمد بن سلام قال، ثنا زائدة بن أبي الرقاد عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأم عطية: إذا خفضت فلا تنهكي فإنه أضوأ للوجه، وأحظى عند الزوج. هكذا قرأت عليه تنهكي - بفتح التاء والهاء - ، وقال: هو من نهكه ينهكه وأنهك من هذا الطعام أي أكل منه على المبالغة.
قال الجاحظ في كتاب الحيوان في الجزء الأول: الكتب توجد في كل أوان، وتقرأ بكل مكان، على تفاوت ما بين الأعصار، وتباعد ما بين الأمصار.
قال رجل لمحمد بن واسع: الحمد لله على إحسانه، خرجت أبغي جليساً صالحاً، فقال محمد: إن كان أجابك فإني بدعائك أسعد منك.
قال الأصمعي: من ملح أحاديث الأعراب أنهم قالوا: كانت امرأة تحاجي الرجال، فلا يكاد أحد يغلبها، فأتاها جني في صورة إنسان فقال لها: حاجيتك، فقالت له: قل، فقال: كاد، فقالت: كاد العروس أن يكون ملكاً، فقال: كاد، فقالت: كاد البيان أن يكون سحراً، فقال: كاد، فقالت: كاد المنتعل أن يكون راكباً، فقال: كاد، فقالت: كاد المسافر أن يكون أسيراً، ثم ولى ليذهب فقالت: حاجيتك، فرجع فقالت: عجبت، فقال: عجبت من الحجارة لا يعظم صغيرها، ولا يصغر كبيرها، فقالت: عجبت، فقال: عجبت من السبخة لا يجف ثراها، ولا ينبت مرعاها، فقالت: عجبت، فقال: عجبت من حفيرة بين رجليك لا يدرك قعرها، ولا يمل حفرها، فاستحيت وتركت المحاجاة.
يقال: كانت ملوك الروم لا ترسم أحداً للطب حتى تلسعه حية وتقول له: آشف نفسك فإن نجوت عرفنا حذقك وإلا كانت التجربة واقعة بك.
ويقال إن الحيات إذا عشيت أبصارهن صرن إلى أصول الرازيانج فحككن بها أعينهن فأبصرن من ساعتهن.
قال بعض الأوائل: لكل شيء علاج ولكن ربما جهل، كالحقنة، زعموا انه لم يكن لها أصل حتى رأوا طائراً يحقن نفسه من ماء البحر، ويقال إن هذا حكاه أفلاطون. وزعم الأطباء أن القدح في العين لم يعرف حتى رأوا كبشاً أعمى، وكان يرعى، فقدحت عينه شوكة فأبصر.
وكان بعض الملوك إذا أتاه طبيب يقدم إليه مائدة ويقول: ركب من هذه الأطعمة ما يكون تقوية للمجاهدين، وإذاء للمترفين، وتدبيراً للناقهين، ودواء للمرضى، وسما للعدى، فإذا فعل ذلك حباه وأعطاه، وإذا عجز أقصاه ونحاه.

قال العتبي: كتب معاوية إلى عاملة بالكوفة، وهو النعمان بن بشير الأنصاري، بزيادة عشرات في أرزاق أهل الكوفة، فلم ينفذها لهم، وكان النعمان إذا صعد المنبر بكى فقال: لا أحسبكم ترون بعدي على هذا المبنر من يحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، وكان يكثر تلاوة القرآن، فقال ابن همام السلولي: الطويل
زيادتنا نعمان لا تحبسنها ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو
فإنك قد حملت فينا أمانة ... بما عجزت عنها الصلادمة البزل
فلا تك باب الشر تحسن فتحه ... علينا وباب الخير أنت له قفل
وقد نلت سلطاناً عظيما فلا يكن ... نداك لقوم غيرنا ولنا البخل
وأنت امرؤ حلو اللسان بليغه ... فما باله عند الزيادة لا يحلو
وقبلك ما قد كان فينا أئمة ... يهمهم تقويمنا وهم عصل
إذا انتصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول خالفه الفعل
يذمون دنيانا وهم يرضعونها ... أفاويق حتى ما يدر لها ثعل
فيا معشر الأنصار إني أخوكم ... وإني لمعروف أتى منكم أهل
ومن أجل إيواء النبي ونصره ... يحبكم قلبي وعندكم الأصل
يقال: كان من دعاء مكحول: يا رازق النعاب في عشه. وذلك أن الغراب إذا فقص عن فراخه فقص عنها بيضاً، فإذا رآها كذلك نفر عنها، فتفتح أفواهها فيرسل الله عليها ذباباً فيدخل أفواهها فيكون إذاءها حتى تسود، ثم ينقطع الذباب ويعود الغراب.
قال الأصمعي: كتب المنصور إلى سوار القاضي في شيء كان عنده بخلاف الحق، فلم ينفذ سوار كتابه وأمضى الحكم عليه، فاغتاظ أبو جعفر عليه وتوعده، فقيل له: يا أمير المؤمنين إنما عدل سوار مضاف إليك وزين لخلافتك، فأمسك عنه.
تمنى قوم عند يزيد الرقاشي أماني، فقال يزيد: أتمنى كما تمنيتم؟: قالوا: تمن قال: ليتنا لم نخلق، وليتنا إذ خلقنا لم نمت، وليتنا إذا متنا لم نحاسب، وليتنا إن حوسبنا لا نعذب، وليتنا إن عذبنا لم نخلد.
قال الأصمعي، قال الخليل، قال طلحة الطلحات: ما بات لي رجل على موعد مذ عقلت إلا القليل، وذلك أنه يتململ على فراشه ليغدو فيظفر بحاجته، فلأنا أشد تململاً من الخروج إليه من وعدي خوفاً لعارض من خلف، إن الخلف ليس من أخلاق الكرام.
وقال أعرابي في دعائه: يا معدن الوائد والنعم، ويا محل المحامد والكرم، أملي متعلق بفضلك، ولساني طلق بشكرك، فلا على رجائي أخاف التخييب، ولا على أملي أخشى التكذيب، صنتني عن المطالب بجودك، وألبستني الكفاية برفدك.
كاتب في رأيك عوض من كل حظ، ودرك لكل أمل.
كاتب جعل الله يدك بالخيرات مبسوطة، كما جعل الرغبات بك منوطة.
كاتب إن الآمال في غيرك خواطئ وظنون، وهي فيك حقائق ويقين، لأن سؤددك مضمون بشرف درجتك، ومكارمك مر تهنة بعلو رتبتك، ومن لم يرق به العز طأطأ به التواضعن ومن طالت به النعمة خفض به الشكر، فليس كتف تحمل أعباء غير كتفك، ولا ظل يستر مؤملاً غير ظلك.
كاتب آخر: مؤملك يعتمدك واثقاً، وينقلب عنك إن عضدته إليك، فإن انفرد برجائك اكتفى بك، وكانت شفاعته فيك أقوى من شفاعة مستعطفك عليك.
قال أعرابي في رجل: هو أحفظ الورى للذمم، وأعرفهم بالجود والكرم، وأجمعهم لحميد السجايا والشيم.
اعتراض رجل المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل من العرب، قال: ما ذاك بعجب، قال: وإني أريد الحج، قال: الطريق أمامك نهج، قال: ليست لي نفقة، قال: قد سقط عنك الفرض، قال: إني جئتك مستجدياً لا مستفتياً، فضحك وأمر له بصلة.
كان بالبصرة رجل يلقب بقبة الإسلام من موالي سليمان بن علي، وكان له ابن خليع، وكان أبوه ينهاه عن المجون فلا ينتهي، فجاءه يوما وقال له: يا أبه، إني أريد الحج، فسر بذلك أبوه، قال: ولا أحج إلا مع خواص إخواني، قال: سمهم لن قال: منهم أبو سرقينة، وعثمان خراها، أبو السلاح، وعمر خرية، فقال له وأبوه: ويلك تريد أن تسمد الكعبة بهؤلاء؟! والله لا أذنت لك بالخروج إلى مكة صحبة هؤلاء، ولكن إن شئت أن تخرجهم إلى ضيعتي فإنها أحوج إلى السماد، فافعل.

كاتب: أما بعد، فإني استجبت لإخائك ثقة مني بكرمك ووفائك. فلما أن عرفت فضلك، وسرت مسيرك، واستفرعتني بمودتك، واستغرقتني مقتك، فاجأتني بتغيير لونك، وانزواء ركنك، وفاحش لفظك، وشانئ لحظك.
شاعر: الوافر
ستنكت نادماً في الأرض مني ... وتعلم أن رأيك كان عجزا
كاتب: عقدوا ألوية الفتنة، وأطلقوا أعنة البدعة.
قال بعض السلف: الحمد لله الذي جعل الدنيا دار قلعة ومجاز، ومحل شتات وأوفاز، ومضمار أهبة وجهاز، والآخرة دار القرار، وقرة عين الأبرار.
وصف أعرابي رجلاً فقال: فيه جور مع الأكفاء، وعجز عن الأعداء، وإسراع إلى الضعفاء، وكلب على الفقراء، وإقدام على البرية، واهتضام للرعية.
قال أعرابي لقومه: كسروا أجنحة الضغائن في قلوبكم، واغرسوا أشجار الإحن في صدوركم، وأوقدوا نيران الأحقاد بينكم.
قال أعرابي: أنت تنظر بعين قد منعها الهوى من العدل، وتقول بلسان قد حالت المحاباة بينه وبين تحري الحق.
مدح رجل رجلا عند الفضل بن الربيع، فقال له الفضل: يا عدو الله، ألم تذكره عندي بكل قبيح؟ فقال: ذاك في السر، جعلت فداك.
وقع في بعض الثغور نفير، فخرج رجل من أهلها ومعه قوس بلا نشاب، فقيل له: أين النشاب؟ فقال: يجيء إلينا الساعة من عند العدو، قالوا: فإن لم يجئ، قال: فلا يكون بيننا وبينهم حرب.
نظر الجماز الشاعر إلى رجل يخفف الصلاة فقال: لو رآك العجاج لهزج بك، قال: كيف؟ قال: لأن صلاتك أرجوزة.
قال أعرابي لرجل أناله خيراً أبقاك الله للجميل حتى تعمر طريقه، وللفضل حتى يغمر به صديقه.
قال بعض السلف: في القلم حكمتان: بلاغة المنطق وجلالة الصمت، وفي دمغة الأقلام امتحان عقول الأنام والفرق بين النقض والإبرام، وسمة أسنان الأقلام في صحون المكاتب أحسن من حمرة الخجل في خدود الكواعب، وفي مشق القلم مجة الأفعى وبلوغ غاية المنى، وسن القلم عند الغضب نار وعند الرضا جار، والخط نتاج اليد وسراج الذكر والبيان، واللسان شافع ووجيه وافد نبيه، ورب إشارة أبلغ من عبارة، ونعم المرتبتان: الرواء الأنيق واللسان الذليق، وطعن اللسان انكى من طعن السنان، وللخط وسيلة هي أهدى من الحيلة.
كاتب: ولئن كان الشكر مني غير بادي الشخص لضؤولته في جنب أياديك وعوارفك، إنه لحقيق بخلوصه وترقيه درجة الوفاء، واستيفاء حكم الأداء.
قيل لملاح: كم بيننا وبين العصر؟ قال: مقدار مردي السفية.
قيل لبنان: كم كان عدد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر رغيفاً.
قال أعرابي في دعائه: اللهم إني أدعوك دعاء ملح لا يمل دعاء مولاه، وأتضرع إليك تضرع من قد أقر بالحجة على نفسه لمولاه في دعواه؛ إليه، لو عرفت اعتذاراً من الذنب أبلغ من الاعتراف لأتيته، فهب لي ذنبي بالاعتراف، ولا تردني عن طلبتي عند الانصراف.
قال عبد الصمد بن أبي شبيب عن أبيه: الأديب العاقل هو الفطن المتغافل.
قال الأحنف: رأس مال الأدب المنطق وفصاحته، ولا خير في قول إلا بفعل، ولا في مال إلا بجود، ولا في صديق إلا بوفاء، ولا في ثقة، ولا في ثقة إلا بورع، ولا في صدقة إلا بنية، ولا في حياة إلى بصحة وأمن.
قال الأصمعي: قال أعرابي: استطرد لعدوك، وبلج له بحسن المداراة وإعلان الرضا عنه، حتى تبصر فرصتك، ثم واثبه وهو على حال غرة، غير معتد لك.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: الصبر المحمود أن تكون للنفس اللجوج غلوباً وللأمور المعضلة متحملاً، وللهوى عند الرأي رافضاً، وللحزم عند الهوى مؤثراً، وللهوى عند نازلة الأمور مبارحاً.
قال شبيب بن شيبة: إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا، هم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء.
قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: الزهادة في الدنيا مفتاح الرغبة في الآخرة.
وقال أيضا: سمعت يحيى بن خالد البرمكي يقول: الدنيا دول، والدار عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، ولمن بعدنا فينا عبرة.
قال: وسمعت أعرابيا يقول: الشر مخوف من كل وجه، والنفع مرجو من كل ناحية، وما أكثر ما يأتي الخير من وجه الخوف، ويأتي الشر من ناحية الرجاء.
قال: وسمعت أعرابيا يقول: المعتذر من غير ذنب يوجب الذنب على نفسه.
وقال آخر: إرشاد المستشير قضاء بحق النعمة في الرأي.
قال الشعبي: الكلام مصائد العقول.

قال أعرابي لرجل: لا تكن مضحاكاً من غير عجب، ولا مشاء إلى غير أرب، وأعلم انه من نأى عن الحق ضاق مذهبه.
قال الأصمعي، قال أعرابي: إذا كنت فطناً فعد نفسك زمناً.
قال الأحنف: لا ينبغي للوالي أن يدع تفقد لطيف أمور الرعية اتكالاً على نظره في جسيمها، لأن للّطيف موضعاً ينتفع به، وللجسيم مكاناً لا يستغنى عنه.
قال خالد بن صفوان: إن جعلك الوالي أخاً فاجعله سيداً، ولا يحدثن لك الاستئناس به غفلة وتهاوناً.
وقال أيضاً: من صحب السلطان بالصحة والنصيحة كان أكثر عدواً ممن صحبه بالغش والخيانة، لأنه يجتمع على الناصح عدو الوالي وصديقه بالعداوة والحسد، فصديق الوالي ينافسه في منزلته، وعدوه يعاديه لنصحيته.
قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: البلاغة لهجة صوالة، وهي سرعة الحز وإصابة المفصل.
قال رجل لأبي جعفر لما عفا عن أهل الشام: يا أمير المؤمنين، الانتقام عدل، والتجاوز فضل، والمتفضل قد جاوز حد المنصف، فنحن نعيذ أمير المؤمنين أن يرضى لنفسه باوكس النصيبين، وأن لا يرتفع إلى أعلى الدرجتين.
قال الأصمعي: جمع الرشيد أربعة من الأطباء: عراقياً ورومياً وهندياً وسوادياً، فقال: ليصف كل واحد منكم الدواء الذي لا داء فيه، فقال العراقي: الدواء الذي لا داء فيه حب الرشاد الأبيض، وقال الرومي: الدواء الذي لا داء فيه الهليج الأسود، وقال الهندي: الدواء الذي لا داء فيه الماء الحار، فقال السوادي: حب الرشاد يولد الرطوبة، والماء الحار يرخي المعدة، والهليلج الأسود يرقق المعدة، قالوا: فأنت فما تقول؟ قال: الدواء الذي لا داء معه أن تقعد على الطعام وأنت تشتهيه، وتتركه وأنت تشتهيه.
قال شبيب بن شيبة: تكلم رجل من الحكماء عند عبد الملك بن مروان في معنى رجل فقال: ذاك رجل آثر الله على خلقه، وآثر الآخرة على الدنيا، فلم تكترثه المطالب، ولم تعنه المطامع، نظر قلبه إلى إرادته فسما نحوها ملتمساً لها، فهو دهره محزون، ببيت إذا نام الناس ذا شجون، ويصبح مغموماً كالمسجون، انقطعت من همته الراحة دون منيته، فشفاؤه القرآن، ودواؤه الكلمة من الحكمة، والموعظة الحسنة، لا يرى الدنيا منها عوضاً، ولا يستريح إلى ما لديه شوقاً. فقال عبد الملك: أشهد أن هذا أرخى بالاً مني وأنعم عيشاً.
قال الأصمعي: الطلحات المعروفون بالكرم: طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي، وهو الفياض، وطلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، وهو طلحة الجواد، وطلحة بن عبد الله بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو طلحة الندي، وطلحة بن الحسن بن علي، وهو طلحة الخير، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، وهو طلحة الطلحات، وسمي بذلك لأنه كان أجودهم.
قال بعض السلف: فضل نساء السند على سائر النساء طول الشعور، ورخص المهور، ودقة الخصور، واستواء النهود، وعظم الأكفال، والصبر عند الجماع، وحرارة الأرحام.
أنشد لابن أبي خسثمة: البسيط
بيضاء لو برزت من خدر قيمها ... ما ضل من حسنها في ظلمة سار
لو أن وجدي بها والنار في قرن ... لكان وجدي بها أذكى من النار
وأنشد للهجيمي: الرجز
إذا رأيت بازلاً صار جذع ... فاحذر إذا لم تر سوءاً أن تقع
لا تأمن الأيام فالدهر خدع ... خذ من صفاء العيش من قبل الجزع
أنشد ابن الأعرابي وقد مر من قبل تفسير هذه الأبيات، ولا أعلم كيف موقع الغلط فيها: الكامل المجزوء
المرء يكدح للحياة وحسبه خبلاً حياته
يرفت ماضغه ويهدا بعدما انصاتت قناته
وبكل ناظره ويكمه سمعه وتهي حصاته
وتقف جلدته وتعرى من ملابسها شواته
ويغيب شاهده ويشهد غيبه وتموت ذاته
ويمل من برم بنوه به وتسأمه بناته
وهب الحياة له تدوم وليس يتبعها وفاته
لا شمل إلا سوف يعقب بعد ألفته شتاته
ما خير عيش المرء منفرداً وقد فرطت لداته
كالفحل عيب شوله عنه وأسلمه رعاته
استشار عمر ابن عباس رضي الله عنهما في تولية حمص رجلا فقال: لا يصلح إلا أن يكون رجلا منك، قال: فكنه، قال: لا تنتفع بي لسوء ظنك بي.

قال محمد بن أبي قتيبة: كتبت إلى ابن عمر أسأله عن العلم فقال: إنك كتبت إلي تسألني عن العلم، والعلم أكثر من أن أكتب به إليك، ولكن إن استطعت أن تلقي الله كاف اللسان عن أعراض المسلمين، خفيف الظهر من دمائهم، فافعل.
لبعض أهل المشرق: المنسرح
يا راكبي البحر آملين غنى ... أما تخافون ويحكم خطره
عدوا عن البحر واقصدوا ملكا ... سؤاله عنده ذوو الأثره
فأبحر الأرض سبعة ولنا ... أنامل الفضل أبحر عشره
أنا الذي مذ لبست نائله ... لبست للفقر جلدة النمره
قدم هرم بن حيان من الشام فقالوا له: كيف تركت المعيشة بها؟ فقال: أف لهذا الكلام، ما ظننت أن أحداً يتهم الله جل جلاله في رزقه، أدلكم على طريق الجنة وتسألونني عن طريق النار؟! قال أبو الدرداء: إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام.
وقال ابن عباس رحمه الله: كل ما شئت والبس ما شئت، وما أخطأك اثنان: سرف ومخيلة.
قال ابن عيينة: ليس من حبابك الدنيا طلبك ما لا بد منه.
وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قبر مرثد بن حوشب فقال: يرحمك الله يا مرثد، لقد شيعت عمرك بالتوحيد، وعفرت وجهك بالسجود، وإن قال الناس مذنب فمه، فأينا لم يذنب؟! قال الربيع بن خثيم: لو كانت الذنوب تفوح لما جلس أحد إلى أحد.
قال بعض النحويين: الكلام يدور على ثمانية عشر بناء سمي فاعله، ثلاثة منها ثلاثية، وأربعة رباعية، وستة خماسية، وخمسة سداسية.
فأما الثلاثي ففعل نحو: جلس، وضرب، وحدث؛ وفعل نحو: عمل؛ وفعل نحو: ظرف وكرم.
وأما الرباعي فأن يكون على فعلل نحو: دحرج، ويلحق به حوقل، وجلب؛ وفاعل نحو: قاتل وعالج؛ وفعل نحو: كرّم ويسّر؛ وأفعل نحو: أكرم وأقفل.
والخماسي نحو: انفعل كقولك: انطلق واندفع؛ وافتعل كقولك: استمع وارتبط؛ وافعل نحو: احمّر واشهّب؛ وتفعلل كقولك: تدحرج وتجلبب؛ وتفاعل كقولك: تعالج؛ وتفعل كقول: تحرك وتكسر.
والسداسي نحو: استفعل كقولك: استغفر واستخرج؛ وافعال نحو: احمارّ وابياضّ؛ وافعّول نحو: اعلّوط، واجلوط؛ وافعوعل نحو: اخلولق واغدودق؛ وافعنلل نحو: احرنجم واخرنطم.
كتب بشر بن عياث إلى رجاء بن أبي الضحاك كتاباً: أما بعد، فإني قد وجهت إليك بفلان أنا، وأنا أنت، فكن أنا أنت لفلان والسلام.
قال أحمد بن يزيد: سمعت المنتصر يقول - وأنا صبي - في مناظرة مع قوم: لا عز ذو باطل ولو طلع من جبينه القمر، ولا ذل ذو حق ولو أصفق العالم عليه.
شاعر: الطويل
شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها
وقال الراجز: الرجز
إن الرفيق لاصق بقلبي ... إذا أضاف جنبه لجنبي
أبذل نصحي وأكف شعبي ... ليس كمن يفحش أو يحظنبي
الحظنباء: الغضب؛ هكذا سمعت الثقة.
قال الخياط المتكلم شيخ أبي القاسم الكعبي: ما قطعني إلا غلام قال لي: ما تقول في معاوية؟ قلت: إني أقف فيه، قال: فما تقول في ابنه يزيد؟ فقلت: ألعنه، قال: فما تقول فيمن يحبه؟ قلت: ألعنه، قال: أفترى معاوية كان لا يحب ابنه يزيد؟ فقطعني.
شاعر: البسيط
الله يعلم أنا في تلفتنا ... يوم الفراق إلى جيراننا صور
وأنني حيث ما يثني الهوى بصري ... من حيث ما سلكوا أدنوا فأنظور
أعرابي: الكامل
إن الكريم أخو الكريم وإنما ... يصل اللئيم حباله بلئام
هشام بن أبيض أحد بني عبد شمس: الرجز
إني وإن أفنى الزمان نحضي ... وأسرعت أيامه في نقضي
وابتزني بعضي وأبقى بعضي ... موف لمن قارضني بالقرض
ينفع حبي ويضر بغضي
آخر: الرجز
أصبحت لا يحمل بعضي بعضي ... منقها أروح مثل النقض
إن الليالي أسرعت في نقضي ... طوين طولي وطوين عرضي
ثم انتحين عن عظامي نحضي
قيل للمفضل: لم لا تقول الشعر وأنت من العلماء به؟ قال: علمي به يمنعني منه.
لأبي الأسد: الطويل
وإني على عدمي لصاحب خمة ... لها مذهب بين المجرة والنسر

قال العتابي: من أعظم مكايد الشيطان ازدراؤك من علماء دهرك من عنده المخرج مما أشكل عليك، وتهمتك من يلزمك الاقتباس منه.
وصف أعرابي خيلا فقال: سامية العيون، لاحقة البطون، مصغية الآذان، أفتاء الأسنان، ضخام الركبات، مشرفات الحجبات، رحاب المناخر، صلاب الحوافر، وقعها تحليل، ورفعها تعليل، إن طلبت نالت، وإن طلبت فاتت.
شاعر: الطويل
كأنك لم تشهد إذا كنت غائباً ... ولم تك يوما غائباً حين تشهد
وصف أعرابي قوما فقال: كأن خدودهم ورق المصاحف، وكأن أعناقهم أباريق الفضة، وكأن حواجبهم الأهلة.
يقال: أطراف الحديد خياره، مثل الطرف من الرجال، ومن الخيل الطروف.
قال أبو الدرداء: كان الناس ورقاً لا شوك فيه، وهم اليوم شوك لا ورق فيه.
قال ابن الأعرابي: مر عقال الناسك بمرداس بن حذالم الكندي فاستسقاه لبناً فصب له خمراً وعلاه باللبن، فشربه وسكر فلم يتحرك ثلاثة أيام، فأنشأ مرداس يقول: الطويل
سقينا عقالاً بالثوية شربة ... فمالت بلب الكاهلي عقال
فقلت تجرعها عقال فإنما ... هي الخمر خيلنا لها بخيال
قرعت بأم الخل حبة قلبه ... فلم يستفق منها ثلاث ليال
آخر: الهزج
أما تنظر في عين ... ي عنوان الذي أبدي
أما تفهم ما أضم ... ر في إسعاف ما أبدي
وفي دون الذي أظه ... ر ما دل على وجدي
عيوناً تسرق اللحظ ... من المولى إلى العبد
قيل لجمين: ما تشتهي؟ قال: نشيش مقلى، بين غليان قدر، على رائحة شواء.
قال أبو مسحل: خرج قيس بن زهير العبسي - وكانوا قد أجدبوا - ممتاراً، فبصر بنار فأمها، ثم أبت نفسه السؤال فصار إلى شجر ذات ورق لها سم فأكل منها ثم مال إلى الوادي فنام في الشمس فمات، فقال الربيع بن زياد العبسي يرثيه: المديد
إن قيساً كان ميتته ... أنفاً والمرء منطلق
راء ناراً بالعراء بدت ... وشجاع البطن يحتفق
جاء حتى كاد ثمأبى ... ولدت الوادي له ورق
فحشاه جوف جفرته ... ثم أغفى وهو مطرق
في دريس لا يغيبه ... رب حر ثوبه خلق
اختصم إلى أسد بن عبد الله اثنان في كبة غزل، فقال أحدهما: هذه كبتي وجاء ببينة، وقال الآخر: هذه كبتي وجاء ببينة، فقال لأحدهما: على ماذا كببت؟ قال: على لوزة، وقال للآخر: على ماذا كببت؟ فقال شيئاً آخر، فنقضت الكبة فوجدت على لوزة، فأعطاها صاحب اللوزة.
جاء طفيلي إلى باب عرس فمنع من الدخول، فأخذ إحدى نعله في كمه وعلق الآخر في يده وأخذ خلالاً وجعل يتخلل، ودنا من الباب فمنع من الدخول، فقال للبواب: يا هذا قد أكلت، فقال البواب: إنما منعتك من الغداء فإذا تغذيت فادخل، فدخل وأكل.
وجاء طفيلي آخر إلى باب عرس فمنع من الدخول، فرهن نعليه على سكرجات عند البقال وعاد إلى الباب فدخل، وجعل السكرجات في كمه، ثم قعد وأكل، فلما فرغ ردها على البقال وقال: ليس يرضونها، يريدون شامية جيدة.
أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شعيراً من ذهب، فأرسل به إلى المشركين يكف به أذى رؤسائهم، وأبى كل رئيس أن يقبله، وكان نصيب بني عبد مناف إلى أبي سفيان فقبله، وخرج إلى البطحاء، واجتمعت قريش وغيرها فأقبل يدعوهم، فإذا جاء الرجل قال له أبو سفيان: خذ ما بدا لك وانظر إلى ما خلفك، واعلم انهم كثير، فانصرفوا حامدين له.
مر زياد بأبي العريان وهو مكفوف، فقال: من هذا؟ قالوا: الأمير زياد، فقال: رب أمر قد نقضه الله، وعبد قد رفعه الله، فسمعها زياد فكره الإقدام عليه، وكتب بها إلى معاوية، فأمره معاوية أن يبعث إليه بألف دينار ويمر به فيسمع ما يقول، ففعل، ثم مر به، فقال: من هذا؟ فقالوا: زياد، فقال: رحم الله أبا سفيان فكأنها تسليمته ونعمته، فكتب بها زياد إلى معاوية، فكتب معاوية إلى أبي العريان: البسيط
ما ألبثتك الدنانير التي حملت ... ان غيرتك أبا العريان ألوانا
فدعا أبو العريان ابنه فأملى عليه إلى معاوية:
من يسد خيراً يجده حيث يطلبه ... ويسد شرا يجده حيث ما كانا

نام جحا مع أمه فضرطت، فأحبت أن تعلم ما عنده فقالت: يا أبا الغصن هل صاح الديك؟ فقال: أما ديكك فقد صاح، وأما ديوك الناس لا.
دخل جحا البيت فإذا جارية أبيه نائمة، فاتكأ عليها فانتبهت وقالت: من ذا؟ قال: اسكتي أنا أبي.
خطب عبد الملك بن مروان فقال: أيها الناس اعملوا لله تعالى رهبة أو رغبة، فإنكم نبات نعمته وحصيد نقمته، ولا تغرس لكم الآمال إلا ما تجنيه الآجال، أقلوا الرغبة فيما يورث العطب، فكل ما تزرعه لكم العاجلة تجنيه دونكم الآجلة، واحذروا الجديدين فهما يكران عليكم باقتسام النفوس، وهدم المأسوس، كفانا الله وإياكم سطوة القدر، وأعاننا على الحذر، من شر الزمن، ومضلات الفتن.
قال أحمد بن عبد الله بن العباس الصولي: القرطاس أمره ما لم تكحله ميل الدواة.
ورأى جرير رجلا أسود وعليه ثياب جدد فقال: الرجز
كأنه لما بدا للناس ... أير حمار لف في قرطاس
قدم أشعب بغداد أيام المهدي فقال: سمعت ظلمة القوادة تقول: إذا أنا مت فاحرقوني واجعلوا رمادي في صرة وتربوا به الكتب بين المتحابين فإنهم يجتمعون، أعطوا منه الختانات ليذروا به على الصبيات المطهرات، فإنهن يلهجن بالزب ولا يفارقنه.
قالت علية بنت المهدي: الوافر
تكاتبنا برمز في الحضور ... وإيحاء يلوح على سطور
سوى مقل تخبر ما عناها ... بكف الوهم في ورق الصدور
قال روح بن عبادة القيسي: كنا عند شعبة، فذكر حديثاً فسمع صرير الميل في الألواح فغضب وقال: أما تحفظون حديثاً واحداً؟! والله لا حدثت اليوم إلا ضريراً، فقام رجل فقال: يا أبا بسطام، قد سمعنا اليمين فهل يجوز بأعور؟ فضحك وحدث وكفر عن يمينه.
خطب سليمان بن عبد الملك بالجابية وقال: أيها الناس، عظوا أنفسكم، ولا تستسلموا إلى الغفلة فتؤديكم إلى الحسرة، ولا تركنوا إلى الآمال في استسعاف التفريط فتبيدكم الآجال بسيف المنون، أصارنا الله وإياكم ممن حسن في الخير أثره، دعاء مسموعاً، وعملاً مرفوعاً.
قال الشعبي لأصحابه: لا تقدموا على أمر تخافون أن تقصروا دونه، فإن العاقل يحجزه عن مراتب المتقدمين ما يرى من فضائح الأولين المقصرين، ولا تعدوا أحداً عدة لا تستطيعون، إنجازها، فإن العاقل يحجزه عن الكذب ما يرى من المذمة في الحلف، ولا تحدثوا بين الناس من تخافون تكذيبه، فإن العاقل يلزمه الصمت ما يرى من مذمة التكذيب، ولا تسألوا أحداً من الناس تخافون منعه، فإن العاقل يحجزه عما ناله السائلون ما يرى من الدناءة في الطمع.
خطب يوسف بن عمر فقال: اتقوا الله عباد الله، فكم من مؤمل أملاً لا يبلغه، وجامع مالاً لا يأكله، ومانع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، ولعدو خلفه، قد احتمل إصره، وباء بوزره، وورد على ربه أسفاً لاهفاً، خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
قال داود بن علي في خطبة له: لا تنطق بطرا، ولا تسكت حصراً.
قال أعرابي لصاحبه: أما إنك لست صدوق اللهجة، ولا صحيح الحجة.
قال بعض السلف: إذا افتقر الرجل اتهمه من كان له مؤتمناً، وأساء به الظن من كان ظنه به حسناً، وإن أذنب غيره سبقت الظنة إليه، وليست كلمة هي للغني مديح إلا وهي للفقير ذم، إن كان حليما سمي ضعيفا، وإن كان وقوراً سمي بليداً، إن كان صموتاً سمي عيياً، وإن كان لسناً سمي مهذاراً، وإن كان شجاعاً سمي أهوج.
قال بعض الأدباء: الفقر سالب للعقل والمروءة، مذهبة للعلم والأدب، معدن للتهم، جامع للمكاره، لأن صاحبه لا يجد بداً من اطراح الحياء، ومن ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره مقت، ومن مقت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن ذهب عقله، واستنكر حفظه وفهمه، وكان الأمر عليه لا له.
قال عتبة لأهل مصر: قد طالت معاتبتنا إياكم بأطراف الرماح، وظبات السيوف، حتى صرنا شجىً في لهاتكم ما تسيغه حلوقكم، وقذى في عيونكم ما تطرف عليه جفونكم، فحين اشتدت عرى الحق عليكم عقدا، وانحلت عرى الباطل حلاً، أرجفتم بموت الخليفة، وأردتم توهين الخلافة، وخضتم الحق إلى الباطل، وأبعد عهدكم حديث به، فأريحوا أنفسكم إذ خبرتم دنياكم وآخرتكم، واعلموا أن لنا سلطاناً على أبدانكم دون قلوبكم، فأصلحوا لنا ما ظهر نكفكم ما بطن، وأبدوا خيراً وإن أسررتم شراً، وبالله نستعين.

وقال أيضاً عتبة: يا أهل مصر، لا مبرأ من الذنب، ولا عتق من الرب، وقد تقدمت مني إليكم عقوبات قد كنت أرجو الأجر يومئذ فيها، وأنا أخاف اليوم الوزر علي منها، فليتني لا أكون أصلحت دنياي بفساد معادي، وأنا أستغفر الله منكم، وأتوب إليه فيكم، وقد أصبحت أخاف ما كنت أرجو ندماً عليه، وأرجو ما كنت أخاف اعتباطاً به، وقد شقي من هلك بين عفو الله ورحمته، والسلام عليكم سلام من لا أراه عائداً إليكم.
وقال ابن الأعرابي: جاء خالد بن صفوان إلى باب بعض ولاة البصرة فإذا هو بروح بن حاتم فقال: يا ابن أخي، والله ما غدوت قط ولا رحت على أبواب هؤلاء إلا وأنت هناك، أكل هذا طلباً للدنيا وحرصاً عليها؟ قال: فأجللته عن الجواب، ثم قلت: كفى بك حرصاً أن تراني في هذه الأوقات، قال: إن قلت ذاك يا ابن أخي، لقد ذهب ذمار القلب، وحسام الصلب، ورونق الوجه، وماء الشباب، وقربت عهاد العلل، ووالله ما مرت بنا ساعة من أعمارنا إلا ونحن نؤثر الدنيا على ما سواها، فما تزداد عندنا إلا تحلياً، ولا عنا إلا تولياً.
قال بعض السلف: الأسرار ثلاثة: سر لا طريق إلى إعلانه لأن فيه اجتياح النفس، وسر تفشيه إلى وكيلك لسقوط الحشمة ليفرح به، وسر عند العدو ليتغيظ منه.
قال عبد الرحمن بن عوف، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين، ثم شددت عليهم حتى خشيت الله في الشدة، فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يجر رداءه ويقول: أف لهم بعدك، وقال عمر: اللهم تعلم أني منك فيهم أشد فرقاً منهم مني.
سمعت القاضي أبا حامد يقول: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا كثر عليه الخصوم صرفهم إلى زيد، فلقي رجلاً ممن صرفهم إلى زيد فقال له: ما صنعت؟ قال: قضى عليّ يا أمير المؤمنين، قال: لو كنت أنا لقضيت لك، قال: فما يمنعك وأنت ولي الأمر؟ قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله وسنة نبيه فعلت، ولكني أردك إلى الرأي، والرأي مشترك.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اجتمع رأيي ورأي عمر رضي الله عنه في أمهات الأولاد أن لا يبعن، ثم رأيت بعد أن يبعن.
قال أبو عبيدة: رأي رجلين في الجماعة أحب إلي من رأي رجل واحد في الفتنة، هكذا حدثنا به أبو حامد، وقد جفا أبو عبيدة في قوله، والله يرحمه.
قيل للحسن: ما لتوكل؟ قال: أن لا يكون شيء في قلب العبد أوثق من ربه.
قال رجل للوليد بن عبد الملك: إن فلاناً نال منك، قال: أتريد أن تقتص أوتارك من الناس بي قال المدلئني: تزوج الوليد بن عبد الملك بن مروان امرأة من العرب، فلما صار إليها قالت: رفغ رفغ، قبح الله أما عودتك ما أرى.
نام جحا مع أمه فضرطت، وأحبت أن تعلم ما عنده فقالت له: بكم اشترى أبوك هذه القطيفة؟ قال: بأربعين درهم، وإن بقي ضراطك فيها أصبحت لا تساوي أربعة دراهم.
نظر بهارة المخنث إلى جارية سوداء في رجلها خلخال من الفضة فقال: انظر بالله إلى ساقها كأنه أير مضبب.
قيل لرجل من دارم، وكانت به قرحة: إنك لعلى خير، قال لهم: وما ذاك؟ قالوا: قد نرى نفثك أخضر، قال: والله لو نفثت كل زمردة في الأرض لمت.
قال الأصمعي: قدم رسول على الحجاج، فلما قرأ كتابه قال: ما بطأ بك؟ قال: البرد، قال: ما بلغ من شدته؟ قال: صحو الليل، وغيم النهار، وقطر مطر تتبعه شمال؛ قال الحجاج: هذا وأبيك البرد حقاً.
قال الصمعي: أتى رجل جبلة بن عبد الرحمن فقال: كلم الحجاج في كذا وكذا، فقال: ليست من الحوائج التي يقضيها، قال: كلمه فربما يوافق قدرٌ فيقضيها وهو كاره، فدخل فكلمه فقال: أعلمه أنا قضيناها ونحن كارهون.
قال المفجع، حدثنا بعض أصحابنا قال: مر بي رجل من بني تميم، قال: وكنت أشد على رجل بحضرتي، فسألته الصراع فقال: أنت تصارعني؟ فخذ بحلقي واجهد جهدك، فأخذت بحلقه، فجعل يأكل وكأن حلقه ليست تطبق يدي فيه.
قال ابن الأعرابي، قالت قريبة الأعرابية: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذل.
وقال ابن الأعرابي أيضاً: حدثني رجل من عبد القيس عن عبد الصمد بن المفضل الراقشي انه هنا فتى أراد البناء على أهله فقال: بالبركة وشدة الحركة، والظفر عند المعركة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الحاجة مسألة، والدعاء زيادة، والحمد شكر، والندم توبة.

قال عطاء الخراساني: الحوائج عند الشبان أسهل منها عند الشيوخ، ألم تسمع قول الله تعالى عن يوسف في إخوته " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم " يوسف: 92، وقال يعقوب " سوف أسغفر لكم ريي " يوسف: 98.
قال مصعب بن الزبير: يقال: لا يصدق القتال إلا ثلاثة: مستبصر في دينه، أو غيران على النساء، أو ممتعض من ذل.
قال إبراهيم بن العباس: الناس ثلاثة: رجل فوقك، ورجل دونك، ورجل مثلك، فتكبرك على من هو فوقك جنون، وعلى من هو دونك لؤم، وعلى من هو مثلك ظلم.
قال ابن عائشة، حدثني أبي قال: كنت يوما جالساً في المسجد الجامع بالبصرة فإذا أنا بخالد بن صفوان الأهتمي قد أقبل إلينا، فلما رأيته زحفت عن صدر المجلس ووسعت له، فجاء وجلس ثم أقبل إلي وقال لي: ابن من أنت؟ فقلت: أنا محمد بن حفص، قال: ابن عم موسى؟ قلت: نعم، قال: والله إن كان أبوك لمثابة، قال: فأخبرني عدة من شيوخ المسجد انهم لم يسمعوا مدحاً يحرف واحد أحسن من هذا.
قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: اللهم إنك للذي أنت أهل من عفوك أحق مني بالذي أنا له أهل من عقوبتك.
قال بعض السلف: نعمة لا تشكر، كسيئة لا تغفر.
قال عروة بن الزبير: كان الرجل فيما مضى إذا أراد أن يشين جاره أو صاحبه طلب حاجة إلى غيره.
قال بعض السلف: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، ولعدوك عدلك وإنصافك.
قال يزيد بن كثير العنبري: طرحنا الحشمة فيما بيننا وبين حفظتنا طرح من لا يؤمن أنهم معه يعلمون ما يقول ويفعل.
وصف أعرابي رجلاً فقال: كان قصير الشبر، صغير القدر، ضيق النفس والصدر، لئيم النجر، عظيم الكبر، كثير الفخر.
قال ابن عباس: ما رأيت رجلاً أوليته خيراً إلا أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلا فرط مني إليه سوء إلا أظلم ما بيني وبينه.
قال المدائني: أتي الوليد بن عبد الملك برجل من عبس، فسأل عن حاله وذهاب عينه فقال: ما كان في الأرض يا أمير المؤمنين عبسي أكثر مالاً مني وولداً، فأتى السيل ليلاً فلم يبق لي مالاً ولا أهلاً ولا ولدا إلا بنيا صغيراً وبعيراً، فحملت الصبي، وند البعير فوضعت الصبي وتبعته فنفحني برجله ففقأ عيني، فجرعت إلى ابني فإذا الذئب يلغ في دمه، فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة بن الزبير ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه.
قيل لأبي ذر: تحب أن تحشر في مسلاخ أبي بكر؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: لأني من أمري على ثقة، ومن أمري غيري على شك. هذا جواب مستجفى.
قال سفيان بن عيينة، قيل لبعض السلف: أترجو الأجر فيما أحل الله لك؟ قال: نعم، قيل: أرأيت لو فعلت شيئاً هو حرام أكنت تخاف الإثم فيما حرم الله عليك؟ قال: نعم، قال: فارج الأجر فيما أحل الله، كما تخاف الإثم فيما حرم الله عليك.
قال عبد الرحمن: سمعت شيخاً يعظ ويقول: يا ابن آدم، كم من مدخل لو دخلت فيه افتضحت، صرفه عنك ربك.
وكان زيد بن أسلم يقو: لا تدعوا العلم رغبة عنه، ولا رضى بالجهل منه، ولا استحياء من التعلم له.
وقال بعض السلف إنما يحمل العبد على الزهد في العلم قلة انتفاعه بما علم.
نظر سالم بن عبد الله إلى رجل فقال: من أنت؟ قال: رجل مظلوم بطال، فقال سالم: ويل لك من يوم يخسر فيه المبطلون.
حج سليمان بن عبد الملك فدخل البيت فرأى سالم بن عبد الله فقال: ارفع حوائجك، فقال: والله لا أسأل في بيت الله غير الله.
قال وهب كونوا في الدنيا كقوم أيسوا منها رغبة عنها، وإيثاراً لغيرها، علموا فيها بما يبصرون، وبادروا فيها بما يحذرون، تتقلب أبدانهم بين ظهراني أهل الآخرة.
قال سعيد بن جبير: حضر بشر بن المنصور الموت، فرأيناه يسر بالموت، فقيل له: إنا نراك تسر بالموت، فقال: أتجلعون قدومي على خالق مرجو كمقامي مع مخلوق مخوف؟!

قال عتاب بن أسيد: أراد أهل البصرة أبا قلابة على القضاء فأبى وهرب إلى اليمامة، فأراده أهلها على القضاء فهرب إلى الشام، فقال والي الشام: لعلك تراني مثل والي البصرة ووالي اليمانة، فبكى الشيخ وقال: إن للقضاء مثلاً فاسمعه مني ثم اعمل ا بدا لك، قال: وما مثله؟ قال: مثل قوم ألقوا في بحر، فمنهم السابح الماهر، ومنهم من لا يحسن السباحة، فأما من لا يحسن السباحة فهلك في أول وهلة، وأما السابح الماهر فيسبح يوماً أو يومين في البحر ولم يصب مخلصاً فغرق في الثالث؛ فرحمه الوالي وخلى سبيله.
سمع القاسم بن محمد رجلا يقول: ما أجرأ فلاناً على الله، فقال: ابن آدم أذل وأحقر من أن يكون جريئاً على الله، ولكن قل: ما أغر فلاناً بالله تعالى.
سمع ابن عباس رحمه الله أعرابياً يقرأ " وكنت على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها " آل عمران: 103 فقال الأعرابي: والله ما أنقذهم منها وهو يعيدهم فيها، قال ابن عباس: خذوها من غير فقيه.
قال الشعث بن قيس لقومه: إنما أنا رجل منكم، ليس لي فضل عليكم، ولكني أبسط لكم وجهي، وأبذل لكم مالي، وأحفظ حريمكم، وأعود مريضكم، فمن فعل مثل هذا فهو مثلي، ومن زاد عليه فهو خير مني، ومن قصر عنه فأنا خير منه، فقيل له: ما يدعوك إلى هذا؟ قال: أحضهم على السؤدد ومكارم الأخلاق.
قال الهيثم، قال أسد بن عبد الله لرجل من بني شيبان: بلغني أن السؤدد فيكم رخيص، فقال: أما نحن أيها الأمير فلا نسود إلا من يوطئنا رحله، ويفرشنا عرضه، ويعطينا ماله، فقال: والله إن السؤدد فيكم لغال.
قال ابن عمر: إنا معاشر قريش نعد الحلم والجود سؤدداً، ونعد العفاف وإصلاح المال مروءة.
قال عوانة: كانت العرب تسود على أشياء مختلفة، فأما مضر فتسود أسنها، وأما ربيعة فتسود من أطعم منها، وأما اليمن فتسود على النسب.
قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: بلغني انك تسرف في إنفاقك، فقال: يا أمير المؤمنين حبس الموجود سوء ظن بالمعبود.
قال العتبي: دخل دعفل بن حنظلة النسابة على معاوية، فقال معاوية: حدثني ببعض أحاديثك، فقال: سمعت زياد بن عبيد القيسي يحدث قال: كنت عشيقاً لعقيلة من عقائل الحي، أركب لها الصعب والذلول، لا أليق مطرحاً فيه متجر وربح إلا أتيته، يلفظني السهل إلى الجبل والجبل إلى السهل، فانحدرت مرة إلى الشام بخرثي وأثاث كثير أريد لبة العرب ودهماء الموسم، وإذا بقباب شامية مع شعف الجبل، مجللة بالأنطاع، وإذا جزر تنحر وأخرى تساق، وإذا وكلة وحثثة على الطهاة يقولون: العجل العجل، وإذا برجل جهوري الصوت على نشز من الأرض ينادي: يا وافد الله الغداء، وإذا يآخر على مدرجة ينادي: ألا من طعم فليخرج للعشاء، فأعجبني ما رأيت، فمضيت أريد عميد الحي، فوجدته جالساً على عرش ساج، قد ائتزر بيمنة وتردى بحبرة، وعلى رأسه عمامة سوداء تظهر من تحتها جمة فينانة، وكأن الشعرى تطلع من جبينه، وإذا بمشيخة جلة خفوق ماسكي الذقان ما يفيض أحدهم بكلمة، وإذا خوادم حواسر عن أنصاف سوقهن، فأكبرت ما رأيت، وقد كان نمي إلى حبر من أحبار اليهود أن النبي التهامي هذا أوان مبعثه ووقت توكفه فخلته إياه، وقلت: عله أو عساه، ودنوت مه فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: لست به وليتني به، فسألت رجلاً: من هذا؟ فقال: هذا هاشم بن عبد المناف، فقلت: هذا والله السناء والمجد؛ فقال معاوية: لاها الله! ما رأيت كلاماً أفصح من هذا، وأشهد أن قيساً قد أخذت لباب الفصاحة.
قال الأصمعي، أنشد أعرابي خالد بن عبد الله: " الطويل "
تبرعت لي بالجود حتى نعشتني ... وأعطيتني حتى حسبتك تلعب
فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى ... حليف الندى ما للندى عنك مذهب
فأجزل جائزته.
العرب تقول: العصا من العصية، هل تلد الحية إلا حية.
يقال: طارت عصا فلان شققاً.
ةينشد في العصا: البسيط
ومن يدب على المنساة من دبر ... فقد تقادم منه اللهو والغزل
وأنشد: الكامل المجزوء
طبع الكريم على وفائه ... وعلى التفضل في إخائه
تغني عنايته الصدي ... ق عن التعرض لاقتضائه
وفتى كماء المزن أو ... ل ما تهلل من سمائه
لم يقذ في صوب الغما ... م ولا تغير في إنائه

قابلته بوسائل ال ... حرم البعيدة من فنائه
فأجابني بوداده ... وبحفظه وبحسن رائه
كثرت محاسنه فن ... بهت الكرام على رجائه
حسب الكريم حياؤه ... فكل الكريم إلى حيائه
قال الحسن البصري: كان يقال: من رمى أخاه بذنب قد تاب منه ابتلاه الله عز وجل به.
لما مات ذر بن أبي ذر الهمذاني، وكان موته فجاءة، جاءه أبوه فدخل منزله وهو مسجى فقال: اكشفوا الثوب عن وجهه، فكشفوه، فلما نظر إليه قال: رحمك الله يا بني فلقد سررتني مولوداً وناشئاً، وما رأيتك قط في منظر أحب إلي من ساعتك هذه.
ونظر إلى أهله يبكون فقال: مه، إنا والله ما ظلمنا ولا قهرنا، ولا ذهب بحق لنا، ولا أخطئ بنا، ولا أريد غيرنا، ولا لنا معول إلا على الله تعالى.
فلما وضعه في قبره قام عليه فقام: اللهم هذا ابني وفيته رزقه، وأكملت له أجله، اللهم مهما آتيتني له على مصيبتي من أجر وثواب فهو له صلة مني، فلا تعذبه، ولا تعرفه قبيحاً إنك غفور رحيم.
فلما دفن قال: يا ذر ما بنا إليك فاقة، ولا لنا إلى أحد سوى الله من حاجة، يا ذر والله ما ذهبت لنا برزق، ولا أورثتنا كلا، شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك، يا ذر لولا هول المطلع ومختبره لتمنيت ما صرت إليه، يا ذر ليت شعري ما فعلت وما فعل بك؟ وما قلت وما قيل لك؟ ثم قال: اللهم إنك وعدتني بالصبر على ذر صلواتك ورحمتك، اللهم فقد وهبت ما جعلته لي من أجري على ذر لذر فتجاوز عنه، فإنك أرحم بي وبه؛ اللهم هب لذر إساءته إلى نفسه وذنوبه إليك، فإنك أكرم مني وأجود.
فلما هم أن ينصرف قال: يا ذر انصرفنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك؛ إنما حسبك مولاك.
قيل لزهراء الأعرابية: أين منزلك؟ قالت: ما لي منزل، إنما أشتمل الليل إذا عسعس، وأظهر في الصبح إذا تنفس، ثم اتخذت منزلاً فقيل لها: كم بيننا وبين منزلك؟ فقالت: الطويل
فأما على كسلان وان فساعة ... وأما على ذي حاجة فقريب
قال السعيدي، قلت لأبي أويس: هل تروي على وزن هذا البيت شيئاً وهو: المقتضب
أعرضت فلاح لنا ... عارضان كالبرد
فقال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على سيرين أخت مارية وهي تصفق وتقول: المقتضب
هل علي ويحكما ... إن لهوت من حرج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال سعيد: فصار سرورنا بالحديث أكثر من سرورنا بالبيت.
قال ابن الأعرابي: تزوج رجل فقيل له: كيف وجدتها؟ قال: رصوفاً أنوفاً رشوفاً؛ الرصوف: التي في فرحها ضيق، والأنوف: التي تأنف مما لا خير فيه، والرشوف: الطيبة المقبل.
قيل لعبد اله بن جعفر عليهما السلام: قد غلب عليك الغناء، قال: تعتريني عنده أريحية إن لقيت عندها أبليت، وإن سئلت أعطيت.
قال المدائني: يقال: العلم يرشدك، وترك ادعائه ينفي الحسد عنك، والمنطق يبلغك الحاجة، والصمت يلبسك المحبة.
قال إسحاق، قال جالينوس: الولع بالجماع مقتبس من نور الحياة، فليكثر منه أو فليقل.
قال إسحاق: لا تصادق مخنثاً فإنه يعد من الجفاء مؤانسة بلا نيك.
وكتب ابن السماك إلى عمرو بن بانة: إن الدهر قد كلح فجرح، وطمح فطفح، فأفسد ما أصلح، فإن لم تعن عليه فضح.
قال محمد بن القاسم: كان يحيى بن سعيد خفيف الحال، فاستقضاه أبو جعفر المنصور وارتفع شأنه فلم يغير من حاله، فقيل له في ذلك فقال: من كانت نفسه واحدة لم يغيره المال والإكثار.
قال يزيد بن المهلب: ما رأيت عاقلاً ينوء به أمر إلا كان معوله على لحيته.
ويقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا اهتم أكثر من مس لحيته.
قال يونس: اليمن تقولك منا الملوك في الجاهلية، والأنصار في الإسلام، ومضر تقول منا النبي والخلفاء، فما تقول ربيعة؟ قال رجل لعمرو بن عبيد إني أصبت مالاً من غير وجهه فاستملكته، فانا نادم تائب إلى الله تعالى، ولست أقدر على رده، قال: إنه علم الله عز وجل منك أنك لو قدرت على رده ما رددته، قال: نعم، قال: فإن خفت أن يسألك الله عنه فخوفك أشد من أخذك المال.
قال بعض السلف: الغرة بالله أن يصر العبد على المعصية، ويتمنى على الله المغفرة.

قال زيد لرجل من الخوارج: زعموا أنك تقول: عثمان أشجع من علي، قال: صدقوا، كأنك لا تعلم ذلك، إنما كانت شجاعة علي حين كان صحيح البصيرة، فلما ذهبت بصيرته وركن إلى الدنيا ذهب ذلك؛ وقيل لعثمان: اخلعها واذهب حيث شئت، فأبى وقال: لا أخلع قميصاً قمصنيه الله، حتى قتل؛ وقيل لعلي: حكم أبا موسى وعمرو بن العاص وإلا قتلناك، ففعل.
قال ابن سلام: سمعت الربيع بن عبد الرحمن يقول: قد خيرت فلا تأخذن خديعة وتدع شريعة، ولا تأخذن ما يرديك وتدع ما ينجيك، ولا تأخذن الأرذل وتدع الأفضل.
وقال ابن سلام: سمعت أبان بن عثمان يقول، قال الحجاج: والله لطاعتي أوجب عليكم من طاعة الله تعالى، إن الله تعالى يقول " فاتقوا الله ما استطعتم " التغابن: 16 فجعل فيها مثنوية، وقال: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " النساء: 59 فلم يجعل فيها مثنوية، ولو قلت لرجل منكم: ادخل من هذا الباب فلم يدخل لحل لي دمه وقتله.
العرب تقول: الغنى كالمنعة، أي من كان له مال فهو كمن له قوم ينصرونه؛ المنعة جمع مانع كقولهم لطلاب العلم طلبة والواحد طالب، وجهلة جمع جاهل، والمنعة - بالسكون - جائزة وهي فعلة من المنع، فأما المنعة - بكسر الميم - فمردود، هكذا قال أبو حاتم.
قال بهز بن حكيم: صلى بنا زرارة بن أوفى الصبح فقرأ المدثر فلما بلغ " فذلك يومئذ يوم عسير " المدثر: 9 خر ميتاً فواريناه.
مات لبعض السلف ابن فعزاه رجل فقال: ما ترك لي حزني يوم القيامة أسى على فائت، ولا فرحا بآت.
قال بعض السلف: العز والغنى يجولان، فإذا لقيا القناعة استقراً.
قال سعيد بن حجر: كان يقال: إذا كنت من قيس ففاخر بغطفان وحارب بسليم وكاثر بهوازن، وإذا كنت من تميم ففاخر بدارم وحارب بيربوع وكاثر بسعد، وإذا كنت من بكر ففاخر بشيبان وكاثر بشيبان وحارب بشيبان.
قال عوانة: باع عبد الله بن عتبة بن مسعود أرضاً بثمانين ألفاً، فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا المال ذهراً، فقال: بل أجعل هذا المال ذخراً لي عند الله وأجعل الله ذخراً لولدي، وقسم ذلك المال.
قال محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم: إن الله عز وجل رضي الآباء للأبناء فحذروهم فتنتهم، ولم يرض الأبناء للآباء فأوصهم بهم وإن شر الأبماء من دعاه التقصير إلى العقوق وشر الأباء من دعاه البر إلى الإفراط.
قال العتبي: أذن معاوية للأحنف، وجرير بن عبد الله بالباب، ثم أذن لجرير فدخل فقال: يا أمير المؤمنين إنك أذنت للأحنف قبلي ووالله إنه لوافر النصيب من عداوتك، عظيم الشعلة في حربك، فقال معاوية: أحبكم غلينا أشدكم علينا إذا هو صار معنا بعد عداوته لنا وعرف لنا حقنا وفضلنا بعد جهل مه به، فأما من تربص بنا الأمور فلا حاجة لنا فيه، كما لم يكن له حاجة فينا ولا رأي لنا فيه كما لم يكن له رأي فينا، فسكت جرير.
قال ابن عباس رحمه الله وقد سمع قوماً يتكلمون في القدر فقال: إن الله عباداً خشيتهم من غير خرس، وإنهم الألباء البلغاء العلماء ولكنهم إذا نظروا في عظمة الله طاشت عقولهم فرقاً، فإذا سري عنهم سارعوا إلى الله تعالى بالأعمال الزكية، فأين أنتم عنهم؟ فتفرقوا.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: القدر سر من سر الله تعالى، وحرز من حرز الله، مكنون في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، سابق في علم الله، قد وضع الله عن عباده علمه، ورفعه فوق منتهى رأيهم، ومبلع عقولهم، فلم ينالوه بحقيقة الربانية، ولا عظمة الوحدانية وعزة الفردانية، فهو بحر زاخر غامض، عمقه ما بين الأرض والسماء، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، يعلو أوله ويسفل آخره، قعره شمس تضيء، ولا ينبغي أن يراها إلا الفرد القديم، فمن طالعها فقد حاد الله في ملكه، ونازعه في سلطانه، وكشف عن سر ستره، وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
وقف رجل على قبر معاوية فقال: يا أبا عبد الرحمن، لو لفظتك الأرض إلينا لرايت ما يصنع بنا يزيد، ورأينا ما صنع الله بك.
قال معاذ: مثل الشيطان كمثل الذئب يأخذ الشاة الشاذة القاصية، فعليكم بالجماعة.
وقال قطري بن الفجاءة لرجل من الخوارج أسره الحجاج ثم من عليه: راجع قتلا عدو الله، قال: هيهات غل يداً مطلقها، واسترق رقبة معتقها، وأنشد الكامل
أأقاتل الحجاج عن سلطانه ... بيد تقر بأنها مولاته

إني إذاً لأخو الدناءة والذي ... عفت على حسناته جهلاته
هذا وما ظني بجبن إنني ... فيكم لمطرق مشهد وعلاته
ماذا أقول إذا وقفت إزاءه ... في الصف واحتجت له فعلاته
أأقول جار علي لا، إني إذاً ... لأحق من جارت عليه ولاته
وتحدث الأقوام أن صنائعاً ... غرست لدي فحنظلت نخلاته
قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر، قيل له: مثل ماذا؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه: للفارس سهمان وللراجل سهم، فقال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن؛ وأشعر رسول الله صلى الله عليه البدن، وقال أبو حنيفة: الإشعار مثلة؛ وقال رسول الله صلى الله عليه: البائعان بالخيار ما لم يتفقا، وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار؛ وكان رسول الله صلى الله عليه يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً، وأقرع أصحابه، قال أبو حنيفة: القرعة قمار.
وقال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله لأخذ كثيراً من قولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن؟ قال أبو عقيل العمي: إن الأمور لا تدرك بالرأي المفرد، فليستعن مكدود بوادع، ومشغول بفارغ.
خطب الحجاج فقال: أيها الناس، إنكم أغراض حمام، وفرضة هلكة، وقد أنذركم القرآن وصفر برحيلكم الجديدان، وإن لكم موعداً لا تؤخر ساعته، ولا تدفع هجمته، وكأن قد دلفت إليكم نازلته، فنعق بكم، وحثكم حث مستقص، فماذا هيأتم للرحيل، وما أعددتم للتحويل؟ ومن لم يأخذ أهبة الحذر، نزل به مرهوب القدر.
أنشد الصولي للعلوي في تشبيه ثلاثة بثلاثة: الخفيف
خطرت خطرة فهاجت مراحي ... وأراحت إلى التصابي رياحي
لا، ووجه ومقلتين وثغر ... مثل ورد ونرجس وأقاح
لا تسليت عن هواها ولا أص ... غيت فيها إلى مقالة لاح
قال علي بن عبيدة: ما رأيت بيتاً يجمع الشراب والشرب والساقي إلا قول الشاعر: الكامل
فكأنها وكأنهم وكأنه ... قمر يدور على النجوم بشمس
لابن دريد: الخفيف
كل يوم يروعني بالتجني ... من أراه مكان روحي مني
مشبه للهلال والظبي والغص ... ن بوجه ومقلة وتثني
جمع الله شهوة الناس فيه ... فهو في الحسن غاية المتمني
أمن العدل أن أرق ويجفو ... ني وأشتاقه ويصبر عني
قال المدائني: أتي وال برجل قد جنى فأمر بضربه فمد، فلما أخذه الضرب قال للوالي: بحق رأس أمك عليك لما عفوت عني، قال: اضرب، قال: بحق عينيها، قال: اضرب، قال: بحق خديها، قال: اضرب، قال: بحق نحرها، كل ذلك يقول اضرب، فقال الوالي: ويحكم خلوه لئلا ينحدر.
قال أبو بكر الصيرفي لبعض الفضلاء من الحشوية بلغني أنك لا تحضر الجمعة، قال، فقال: ما فاتني ولا شهدتها؛ قال: يعني أنه لا يراها فيقول لم تفتني، وما شهدتها للقائي الأئمة.
وقال بعض السلف لرجل: كيف أقبل شهادتك وقد سمعتك تقول لمغينة: أحسنت؟ قال: أليس لم أقل ذلك إلا بعد سكوتها؟ فأجاز شهادته.
خرج شريح من عند زياد في علته فسئل عنه فقال: تركته يأمر وينهى، فقام الواعية فقيل له: ألم تقل كذا وكذا؟ قال: تركته يأمر بالوصية وينهى عن النوح.
ولي أعرابي البحرين، فجمع اليهود فقال لهم: ما تقولون في عيسى؟ قالوا: قتلناه وصلبناه، قال: لا تخرجوا من السجن حتى تؤدوا ديته.
دخلت أم أفعى العبدية على عائشة رضي الله عنها فقالت: يا أم المؤمنين ما تقولين في امراة قتلت ابناً لها صغيراً؟ قالت: وجبت عليها النار، قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً؟ قالت: خذوا بيد عدوة الله.
شاعر: الكامل المجزوء
الصبر من كرم الطبيعة ... والمن مفسدة الصنيعه
والخير أمنع انباً ... من قلة الجبل المنيعه
والشر أسرع جرية ... من جرية الماء السريعه
ترك لتعهد للصدي ... ق يكون داعية القطيعه
قال إسحاق: أخذ مزبد المديني وهو سكران، فقال الوالي: استنكهوا الخبيث، ففعلوا، فلم يجدوا له رائحة، قال: قيئوه، قال مزبد: فمن يضمن لي عشاي؟

ذكر الله عز وجل المثرين في كتابه فقال: " في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " المعارج: 24 - 25، وجعلتم انتم في أموالكم حقاً للقيان - كذا كان يقول الحسن.
قال المدائني: كان عندنا بالمدائن دهقان يقال له دينارويه، وكان خبيثاً، فقال له والي المدائن: إن كذبت كذبة لم أعرافها فلك عندي زق شراب ومسلوخ ودراهم، فقال دينارويه: هرب لي غلام فغاب عني دهراً لا أعرف له خبراً، فاشتريت يوماً بطيخاً فشققت واحدة فإذا الغلام فيها يعمل قفافاً فإذا هو إسكاف، قال العامل: قد سمعت بهذا. قال: كان عندي برذون فدبر، فوصف لي قشور الرمان فألقيته على دبره فخرجت على ظهره شجرة رمان عظيمة، قال العامل: وقد سمعت بهذا. قال: كان لي غلام وله فروة فوقع فيها القمل فطرحها فحملها القمل ميلين، قال: سمعت بهذا. فلما رأى أنه يبطل عليه كل ما جاء به قال: إني وجدت في كتب أبي صكاً فه أربعة آلاف درهم والصك عليك، قال: ما سمعت بهذا، قال: فهات الزق والمسلوخ والدراهم.
استعمل معاوية أبا الأعور السلمي على مصر بدل عمرو بن العاص، وكتب إليه كتاباً بالعزل، فلما قدم على عمرو احتال عمرو حتى وضع الكتاب من يده وشغله بالأكل ودس من سرق كتابه، فلما فرغ ادعى العمل فقال له عمرو: إنما جئت زائراً ونحن نصلك، فبلغ ذلك معاوية، فضحك من دهاء عمرو.
كاتب: وصل كتابك فرأيتك قد حليته زخارف أوصافك، وأخليته من حقائق إنصافك.
قال أعرابي: هذه نعم تفني الأحقاب، وتسم الأعقاب.
كتب معاوية إلى زياد لما ولاه العراق: ليكن حبك وبغضك قصداً، فإن الغرة كامنة، واجعل للرجوع والنزوع بقية في قلبك، واحذر صولة الانهماك فإنها تؤدي إلى الهلاك.
قال أشعب: جاءتني جارية بدينار وقالت: هذه وديعة، فجعلته بين ثني الفراش، فجاءت بعد أيام وقالت: ناولني الدينار، فقلت: ارفعي الفراش وخذي ولده، وتركت إلى جنبه درهماً، فتركت الدينار وأخذت الدرهم، وعادت بعد أيام فوجدت معه درهماً آخر فأخذته وعادت الثالثة كذلك، فلما رأيتها في الرابعة بكيت فقالت: ما يبكيك؟ فقلت: مات دينارك في نفاسه، قالت: سبحان الله، أيموت الدينار في النفاس؟ قلت: يا فاسقة، تصدقين بالولادة ولا تصدقين بالنفاس؟ قال المدائني: سمع أعرابي قوماً يقولون: النساء لا يقمن مع الرجال على غير نكاح، فأحب تجربته فقال لامرأته: إن أيري قد اصطلم، فسكتت، واعتزل فراشها فقالت له: يا هذا خل سبيلي فليس لي فيك حاجة، فداراها فأبت إلا الفراق وطالبته بثمن خاتم كان لها عليه، فوثب عليها وأخذ برجلها ودفع فيها وهو يرتجز: الرجز
فلست بالجلد ولا بالحازم ... إن لم أجأ هناك بالعجارم
وجأ ينسيك طلاب الخاتم
فلما فرغ قال لها: ما رأيك؟ قالت: ما أقبح بمثلي التردد إلى البعول، قال: فما قولك في ثمن الخاتم؟ قالت: كيف تقضيني وأنت مضيق، ولكن إذا اتسعت، وأقول واحدة: قد وهبت لك ثمن الخاتم.
قال النضر بن شميل: كان يمرو قاض فأتاه رجل من وجوه أهلها يدعي على رجل مالاً، وأتاه بشاهد واحد وحلف له فأبى أن يقبل منه، فقال: أيها القاضي، أترى مثلي في قدري وحالي في العامة أدعي على هذا الرجل هذا القدر اليسير باطلاً؟ فزاده إباء فقال: الحمد لله الذي ولى أحكامنا مثلك، فوالله ما لي على هذا شيء، ولكنني أحببت أن أمتحنك وأعرف صلابتك في الحق، وكذلك شاهدي هذا.
قيل للمنصور: إن سواراً يحابي في الحكم، فتكلف عطسة وحمد الله تعالى في نفسه، ثم عطس أخرى فحمد الله وأسمع، فشمته سوار في الثانية، فقال المنصور: يزعمون أنك تحابي وما تحابيني في عطسة.
ما أعجب أحاديثنا إذا أضفتها إلى هؤلاء.
كان أبو الأدباء الكوفي إذا أتى شرباً تسمع فإن سمع أحدهم يقول: هذا قدحي، علم أن نبيذهم قليل، وإن سمع: ما هذا قدحي، علم أن نبيذهم كثير، فدخل.
لوالبة بن الحباب: السريع
ثالبني عمرو وثالبته ... قد أثم المثلوب والثالب
قلت له خيراً وقال الخنى ... كل على صاحبه كاذب
كان على خاتم الحسن بن الحسين بن زيد: توليت الله وحذه، ومحمداً عبده، وعلياً بعده وقال: أخذتها من قول الله عز وجل " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " المائدة: 56.

سمع جعفر بن سليمان امرأة تتكلم بالرفث فقال: إنكن صويحبات يوسف، فقالت: واعجبا، نحن دعوناه إلى اللذة، وأنتم أردتم قتله، فكم بيننا؟! قال ابن القاص: نيك الخادم أوله بكاء وآخره ضحك، قيل: وكيف ذاك؟ قال: إذا ناك المرأة عضها فتبكي، وإذا صب ضرط فتضحك.
تزوج أعمى امرأة قبيحة فقالت له: رزقت أحس الناس وأنت لا تدري، فقال لها: يا نظراء وأين كان عنك البصراء؟ قيل للجماز: ما بقي من شهوتك للنساء؟ قال: القيادة عليهن.
لأبي عثمان الناجم: المتقارب
وكم فيشة ما لها حقة ... وكم من حر مال له من طبق
يعلل هذا يسحاقة ... وذا بعميرة عند الشبق
قال عبد الله بن جعفر، وكان نبيلاً: الجود حارس الأعراض.
قال أبو العيناء لبعض الولاة: إذا سألنا الولاة كف الأذى سألناك بث الندى، وإذا سألناهم الإنصاف سألناك التفضل.
قال فيلسوف: كم من مهروب منه أصلح من مستغاث به.
كان أهل الجاهلية إذا رأوا الهلال قالوا: مرحباً بمن يحل ديناً. ويقرب حيناً.
شكا رجل امرأته إلى أبي العيناء، فقال له أبو العيناء: أتحب أن تموت هي؟ قال: لا والله الذي لا غله إلا هو، قال: لم ويحك وأنت معذب بها؟ قال: أخشى والله أن أموت من الفرح.
قيل لغلام: أتحب أن يموت أبوك؟ قال: لا، ولكني أحب أن يقتل، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأرث ديته فإنه فقير.
قال فتى من العرب لشيخ منهم: قد آن لك أن تجزز، أي تموت، قال الشيخ: وتحتضرون، أي تموتون على خضرة الشباب.
قيل: لما فرغ علي بن أبي طالب رضي الله عنه من دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل عن أمر السقيفة فقيل له: إن الأنصار قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال: ضل القوم والله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فكيف تقع الوصاة بهم والأمر فيهم؟ قيل لبلال: من سبق؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: سألناك عن الخيل، قال: وأنا أجبتكم عن الخير.
قال رجل لهشام بن الحكم: أليس احتكم العباس وعلي إلى عمر؟ قال: بلى، قال: فأيهما الظالم؟ قال: ما فيهما ظالم، فقال: سبحان الله، كيف يتخاصم اثنان وليس فيهما ظالم؟ قال: كما تخاصم الملكان وليس فيها ظالم.
قال الأصمعي: العرب تسمي السنة شهرين شهرين، فتشربين وتشرين: الوسمي، وكانون وكانون: الشتاء، وشباط وآذار: الربيع، ونيسان وأيار: الصيف، وحزيران وتموز: الحميم، وآب وأيلول: الخريف.
لعبد الصمد بن المعذل: المتقارب
ترجي قفولي لها بالغنى ... لعل المنية دون القفول
رأت عدمي فاستراثت رحيلي ... سبيلك إن سواها سبيلي
لعمر التي وعدتك الثراء ... بجدوى النسيب ورفد الخليل
لقد قذفت بك صعب المرام ... واستجملت لك غير الجميل
سأقني الكفاف وأرضى العفاف ... فليس غنى المرء حوز الخيول
ولا أتصدى لمدح الجواد ... ولا أستعد لذم البخيل
وأعلم أن بنات الرجاء ... تحل العزيز محل الذليل
وأن ليس مستغنياً بالكثير ... من ليس مستغنياً بالقليل
قال أبو سعيد السيراقي: " حاشا " عند سيبويه حرف جر ولي باسم ولا فعل، وأما الجر بها فلا خلاف فيه بين النحويين؛ قال الشاعر: الكامل
حاشا أبي ثوبان إن به ... ضنا عن الملحاة الشتم
قال: وأكثر الناس يخالف سيبويه فيها، وهم مع خلافهم سيبويه مختلفون فيها؛ فأما الفراء فزعم أن حاشا فعل، وزعم انه لا فاعل له، وهذا طريف وهو كالمحال، لأن الفعل لا يكون بغير فاعل، وزعم أن الأصل: حاشا لزيد، فكثروا الكلام بها حتى أسقطوا اللام وخفضوا بها؛ وقال المبرد: هي حرف جر كما قال سيبويه وتكون فعلاً ينصب مثل خلا وعدا، واستدل على ذلك بتصرف الفعل، وقولهم: حاشيت زيداً أحاشيه كقول النابغة: البسيط
ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من القوام من أحد

ومما احتج به في قوله: حاشا لزيد، لو كان حاشا حرف جر لم يجز دخولها على اللام. قال أبو سعيد: أما احتجاجه بحاشيت فلقائل أن يقول: حاشيت إنما هو تصريف فعل من لفظ حاشا الذي هو حرف يستثنى به، وليس بحاشيت يقع الاستثناء ولا بحاشا، ومنزلة حاشيت من حاشا كمنزلة هلل، وحوقل، وبسمل، وقد صرق الفعل بما ليس بفعل، قال: ومما يقوي قول أبي العباس أن أبا عمرو الشيباني وغيره حكى أن العرب تخفض بها وتنصب. وقال الزجاج: حاشا لله في معنى برأه الله، وهي مشتقة من قولك: كنت في حشا فلان أي في ناحيته، كما قال الشاعر: الطويل
بأي الحشا أمسى الخليط المباين
وإذا قال: حاشا لزيد فمعناه تنحى زيد من هذا وتباعد عنه، وكما أنك إذا قلت: قد تنحى من هذا صار في ناحية منه، فكذلك تحاشا من هذا، أي قد صار في حشا منه، أي في ناحية، وعلى طريقة. الزجاج: قال بعض أصحابنا: حاشا في معنى المصدر؛ قال: ويقال: حاشا الله، وحاشا لله، كما يقال: لاه الله، ولاه لله، ويدخله النقص فيقال: حشا الله وحشا لله، كما يقال في النقص في غدو: غد، وفي مهلاً: مه، ولا يقال ذلك في الحروف. وتستعمل حاشا لتبرئة الاسم الذي بعدها عند ذكر سوء في غير أو فيه، وربما تبرئة الإنسان من سوء، ثم يبرئون من أرادوا تبرئته، وتكون تبرئتهم لله تعالى على جهة التعجب والإنكار على من ذكر السوء فيمن برأوه، قال الله تعالى " قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء " يوسف 51، ومذهب حاشا لله كمذهب معاذ الله وسبحان الله في الإنكار والتعجب، وإذا استثنوا بحاشا فاستثناؤهم أيضاً بها على طريق التبرئة للأسم السمتثنى بها من سوء أدخلوا فيه غيره.
هذا آخر كلام أبي سعيد، سقته لأنه تمام المعنى في لفظ مختلف فيه.
قال الشعبي: سمعت النعمان بن بشير يقول على المنبر: أيها الناس خذوا على أيدي سفهائكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: إن قوماً ركبوا البحر في سفينة فاقتسموها وأخذ كل رجل مكاناً، فأخذ بعضهم الفأس فنقر مكانه، فقالوا له: ما تصنع؟ قال: مكاني أصنع به ما شئت، فإن أخذوا على يده نجوا، وإن تركوه هلكوا.
قال رجل من أهل الشام لابن سيرين: بلغني أنك نلت مني، فقال: نفسي أعز علي من ذلك.
عاب رجل رجلاً عند بعض الأشراف فقال: استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيوب الناس، لأن طالب العيوب يطلبها بقدر ما فيه منها.
كان الرشيد يجمع العلماء ويسمع كلامهم، فحضروا ذات يوم وفيهم أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، والكسائي يذكر النحو، فقال له: أحذق الناس به يكون معلماً، فقال له الكسائي: أسالك عن مسألة في الفقه، قال: سل، قال: ما تقول في غلام لك قتل فاتهمت به رجلين فسألتهما عن أمره فقال أحدهما: أنا قاتل غلامك، وقال الآخر: أنا قاتل غلامك، أيهما القاتل عندك؟ قال أبو يوسف: جميعاً، قال الكسائي: أخطأت، قال: فأيهما القاتل عندك؟ قال: والذي قال: أنا قاتلٌ غلامك، لأن قوله: أنا قاتل غلامك يريد أنا قتلته، والذي قال: أنا قاتل - بالتنوين - غير قاتل، أراد: سأقتل غلامك، فهو تهدد، قال الله تعالى " فالق الإصباح وجعل الليل سكناً " الأنعام: 96 المعنى فلق الإصباح، فندم أبو يوسف على كلامه.
قال عبد الملك بن مروان: القلم شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة.
وأنشد: الطويل
لعمرك ما الدنيا بدار لأهلها ... ولو عقلوا كانوا جميعاً على رحل
فما تبحث الساعات إلا عن البلى ... ولا تنطوي الأيام إلا على ثكل
دعا أعرابي فقال: اللهم ذلل صعوبة هذا الأمر، وسهل لي حزونته، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف.
كاتب: ومن حدود فضائل الرؤساء مقابلة سوء من أساء بالإحسان، ولا نعمة أجزل من الظفر بالمجرم، ولا عقوبة لمجرم أبلغ من الندم، وقد ظفرت وندمت، والسلام.
قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنهما: أنت أبر الناس ولا نراك تواكل أمك، قال: أخاف أن أمد يدي إلى ما سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها.
قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت وأرى غروب الشمس وطلوعها يأخذان مني كل يوم جزءاً، وكم عسى أن يدوم عدد ليس له مدد حتى يبيد وينفد.

قال يحيى بن معاذ الرازي: أشهد أن السماوات آيات بينات، وشواهد قائمات، كل يؤدي عنك بالحجة، ويقر لك بالربوبية، وهي موسومة بآثار قدرتك، ومعالم تدبيرك التي تجليت بها لخلقك، وأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر، ورجم الظنون، فهي على اعترافها بك، وولهها إليك شاهدة بأنك لا تحيط بك الصفات، ولا تحدك الأوهام.
قال أبو عبيد الله الكاتب: ما رأيت مثل خالد بن برمك: بلاغته أعرابية، وطاعته أعجمية، وآدابه عراقية، وفصالحته شامية، وكتابته سوادية.
كان يزيد الرقاشي يقول: إنه ليخيل لي أن كلامي لو أنجح في قلب قائله أنجح في قلوبكم، خذوا الذهب من الحجر، خذوا اللؤلؤ من البحر، خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها فإن الله تعالى يقول " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " الزمر: 18. أراك رفيقاً للمنعمين عليك، أفما لله عندك مكافأة مطعمك ومشربك في ليلك ونهارك، إن سرك أن تنظر إلى الدنيا بما فيها من ذهبها وفضتها وزخرفها، فاذهب إلى القبر فاحتمل ما فيه، لست آمرك أن تحمل تربته، ولكن تحمل فكرته، وأنشد: الطويل
فإن لم تكن أنت المسيء بعينه ... فإنك ندمان المسيء وصاحبه
آخر: السريع
يا معمل الوجناء بالفجر ... وقاطعاً للسبسب القفر
وهارباً من زمن جائر ... يجني الملمات على الحر
يأوي به الليل إلى منزل ... ممتنع أو جبل وعر
أبشر فإن اليسر يأتي الفتى ... أحوج ما كان إلى اليسر
واصبر فما استشفعت في مطلب ... بشافع خير من الصبر
قال منصور بن عمار: أتيت الليث بن سعد فأعطاني أربعة آلاف دينار وقال: صن بها الحكمة التي آتاك الله تعالى؛ وكان دخل الليث بن سعد في كل شهر خمسة آلاف دينار، وكان يفرقها في الصدقة وصلة الأرحام.
قال أبو حامد: خلف عبد الله بن مسعود تسعين ألف درهم.
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما دون أربعة آلاف درهم نفقة، وما فوقها كنز.
قال معاوية: ما رأيت سرفاً إلا وإلى جانبه حق مضاع.
يقال: الحلال يقطر، والحرام يسيل.
قيل للزبير: كيف نلت هذا البسار؟ قال: لم أرد ربحاً، ولم أستر عيباً.
كان سعيد بن العاص إذا سأله رجل حاجة من ماله ولم يجد قال له: اكتب علي بحاجتك سجلاً إلى أن أجد فأعطيك.
اشترى عبيد الله بن أبي بكرة جارية بستين ألف درهم فطلبت دأبة تحمل عليها فلم توجد في الوقت، فجاء رجل بدابته فحملت عليها، فقال عبيد الله: قد وجب حقك علي اذهب إلى منزلك.
قال فيلسوف: الندامة على الفائت تضيع وقت ثان.
استحمل رجل معن بن زائدة فأمر له بفرس عتيق وجمل وبغل وحمار وجارية وقال: لو وجدنا مركوباً غير هذه لأعطيناكه.
كان تميم الداري يشتري مصلى بألف درهم، وكان ابن عباس يرتدي برداً قيمته ألف درهم.
وقال يحيى بن خالد: ما رأيت رجلاً قط إلا هبته حتى يتكلم، فإن كان فصيحاً عظم في صدري، وإن كان مقصراً سقط من عيني.
قال الزبير بن بكار: بدت لي إلى المتوكل على الله حاجة، فلذت بالفتح بن خاقان وكلفته إياها وأنشدته: الكامل
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... يرجى النجاح بقوة الأسباب
إني دعوتك للخطوب وإنما ... يدعى الطبيب لشدة الأوصاب
لمحمد بن عبد العزيز بن سهل - من أمراء الجبل من آل دلف - : الكامل
وظللت من ماء الكروم كأنني ... غصن أمالته الصبا فتأودا
أرمي بعيني الرياض فأجتني ... من حليهن لآلئا وزبرجدا
حمراء ناصعة وأصفر فاقعاً ... ومزعفراً في لونه وموردا
يفتر مبتسماً كأن ومبضه ... شرر أصابته الصبا فتوقدا
وهو الذي يقول: البسيط
ما لي وللنأي يرميني بأسهمه ... وما له ترة عندي ولا ثار
إذا اصطفيت خليلاً أو أخا ثقة ... لا ينثني عنه أو تنأى به الدار

ويقال في مسائل اللغة: ما الحرد، وما البرد، وما السرد، وما السرد أيضاً، وما الصرد، والصرد أيضاً، وما العرد، وما الغرد، وما الفرد، وما القرد، وما الكرد، وما الرد، وما النرد، وما الشرد، وما الجرد، وما الهرد، وما الطرد، وتفسيرها يتبعها بعد أوراق على العادة في ذلك إن شاء الله، وإنما باعدنا بين الفصول لتنفى السآمة ويثبت النشاط.
قال السيرافي: لو قلت: زيد أفضل إخوته لم يجز، فإذا قلت: زيد أفضل الإخوة جاز، والفصل بينهما أن إخوة زيد هم غير زيد، وزيد خارج عن جملتهم، والدليل على ذلك أنه لو سأل سائل وقال: من إخوة زيد؟ لم يجز أن تقول: زيد وبكر وعمرو وخالد، وإنما تقول: عمرو وبكر وخالد، ولا يدخل زيد في جملتهم، فإذا كان خارجاً عن إخوته كان غيرهم فلم يجز أن تقول: أفضل إخوته، كما لم يجز أن يقال: حمارك أفره البغال لأن الحمار غير البغال، كما أن زيداً غير إخوته، وإذا قلت: زيد خير الإخوة جاز لأنه أحد الإخوة والاسم يقع عليه وعلى غيره، فهو بعض الإخوة، ألا ترى لو أنه قيل لك: من الإخوة؟ عددته فيهم فقلت: زيد وعمرو وبكر وخالد، فيكون بمنزلة قولك: حمارك أفره الحمير لأنه داخل تحت الاسم الواقع على الحمير، فلما كان على ما وصفنا جاز أن يضاف إلى واحد منكور يدل على الجنس فتقول: زيد أفضل رجل، وحمارك أفره حمار، فيدل رجل على الجنس، كما دل حمار على الجنس.
وأنشد: الطويل
فيا رب حي الزائري كليهما ... وحي دليلاً بالفلاة هداهما
فليتهما ضيفان لي كل ليلة ... مدى الدهر محتوم علي قراهما
وليتهما لا ينزلان ببلدة ... ولا منزل إلا وعيني تراهما
قال الناشئ أبو العباس الكبير: أول الشعر إنما يكون بكاء على دمن، أو تأسفاً على زمن، أو نزوعاً لفراق، أو تلوعاً لاشتياق، آو تطلعاً لتلاق، آو إعذاراً إلى سفيه، أو تغمداً لهفوة، أو تنصلاً من زلة، أو تحضيضاً على أخذ بثأر، أو تحريضاً على طلب أوتار، أو تعديداً للمكارم، أو تعظيماً لشريف مقاوم، أو عتاباً على طوية قلب، أو إعتاباً من مقارفة ذنب، أو تعهدا لمعاهد أحباب، أو تحسراً على مشاهدة أطراب، أو ضرباً لأمثال سائرة، أو قرعا لقوارع غائرة، أو نظماً لحكم بالغة، أو تزهيداً في حقير عاجل، أو ترغيباً في جليل آجل، أو حفظاً لقديم نسب، أو تدويناً لبارع أدب.
للناشئ: الطويل
لأقتحمن الدهر مني بعزمة ... تخوف أعدائي وتمنع جاري
وأفضي إلى هذا الكريم بنائلي ... وآخذ من هذا اللئيم بثاري
وإلا فلا أهوت أنامل خلتي ... للوث خمار أو لوضع إزار
وحاشيت أبصار العداة ترقباً ... لشرب عقار أو لخلع عذار
ألية بر إن عشت عين باخل ... إلى ضوء ناري فاستضاء بناري
وإني لأوصي الأهل إن رام زورتي ... وإن ضافني ألا يحل بداري
وكيف يزور القوم أو يستضيفهم ... فتى لا يرى للزور حق مزار
قيل لصوفي: ما غاية المراد في الطلب؟ قال: نيل ما يعرض من أجله العطب.
وقيل لآخر: هل سبيل إلى سكون النفس؟ قال: لا، ما دامت في سلطان الحس.
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الله جل جلاله أمر بما لم يرد، ونهى عما أراد، أمر إبليس بالسجود ولم يرد أن يسجد، ولو أراد أن يسجد، ولو أراد أن يسجد لما غلبت إرادة إبليس إرادة الله جل سلطانه، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأحب أن يأكل منها، ولو لم يحب أن يأكل منها لما غلبت محبة آدم محبة الله تعالى.

هكذا أصبت هذا الجزء وهو حق، فإذا سرك الاتساع فيه فتصفح الكتاب حتى ترى شواهده وتجد دلائله، وتعلم أن الله سبحانه أنشأ العبد ثم تولاه ولم يخله من يده، وأن العبد يتصرف بين علمه وإرادته وأمره ونهيه في ظاهر تكليفه، وطرفاهما بين الحالتين يلتقيان، وكلتاهما مستويتان، واعلم أن الخلق ظهر منه وثبت به، وانقلب إليه، أعني أنه أبدأه وأنشأه في الأول، وهو إذاه وأنماه في الثاني، وهو قبضة ورقاه في الثالث باستطاعته، واستبد بقدرته، وانفرد بحوله وقوته، واستغنى عن موجده وحاظفه، وإنما ركدت الشبهة على قوم من جهة أنهم تخطوا الأمر والنهي وهما أس التكليف، وأوجبوا التمكين والتخيير، وظنوا أن هذا القدر يفصل الحال بيننا وبين الله عز وجل فلا نؤتى إلا من قبلنا، ولا نلام إلا على فعلنا. واعلم أن الإنسان مطلق في صورة مقيد، ومختار في هيئة مضطر، ومرسل في حلية ممنوع، يبين لك ذلك أنه ينقض حاله نقضاً، ويقيس متوسطة على طرفيه، فإنه يدلك بالعبرة الواضحة والعبارة المفصحة، انه ما فعل فعلاً باختيار حمداً أو ذماً الإوقع إليه ما سبق اختيارة من خزاطره ودواعيه ما استحق به استحق به عذراً وتسليماً، لكنه عن طرق العلم والإرادة محجوب، وبلسان الأمر والنهي محجوج، ومتى حاول ذلك الخروج عما أريد به حاول عسيراً، ومتى احتج عن نفسه بما علم منه احتج جاهلاً، فليس له إلا أن يقف حيث وقف، ويعترف بما عرف، ويسكت عما خفي ولا يستكشف.
الناشئ: الوافر
عدمت من الحبيبة رجع كف ... إلى حل المؤزر والنطاق
وهنت فلم أصل وقت اصطباح ... لندماني بأوقات اغتباقي
لئن آخيت في الدنيا بخيلاً ... ولو بلغ النهاية في وفاقي
أصافي المرء يألفني فنجري ... جميعاً باختلاف واتفاق
وعهد الود محفوظ إذا ما ... أمنا في الوداد من النفاق
وأقطع كل ذي بر وصول ... إذا مزج الخليفة باختلاق
وكم من معقب حسن اجتماع ... يسر به بسوء الافتراق
قال رجل لشريك: أخبرني عن قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه للحسن: ليت أباك كان مات قبل هذا اليوم بعشرين سنة، أقاله إلا وهو شاك في أمره؟ فقال له شريك: أخبرني عن قول مريم " ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً " " مريم: 23 أقالته شاكة في عفتها؟ فسكت الرجل.
وأنشد: الخفيف المجزوء
قل لماش على العصا ... كيف أمسى وأصبحا
ما حوتها يد امرئ ... بعد موسى فأفلحا
عرضت جارية على المتوكل فقال لأبي العيناء: هذه عرضت على أنها شاعرة، فقل شيئاً لتجيز، فقال أبو العيناء: الرمل المجزوء
أحمد الله كثيراً
فقالت:
حين أنشاك ضريرا
قال: يا أمير المؤمنين قد أحسنت في إساءتها.
لدعبل: الكامل
قالت وقد ذكرتها عهد الصبا ... باليأس تقطع عادة المعتاد
إلا الإمام فإن عادة جوده ... موصولة بزياة المزداد
لأبي الغمر الرازي: الخفيف
مكفهر ترتج أعطافه رجا ... كما جاوب المطي المطي
وتولى كأنما في حشاه ... جبل حان وضعه حولي
ظل يحكي بجوده جود كفي ... ملك سيبه هني مري
قال جعفر بن محمد الأنماطي: رأيت رواشن الأشنان والمحلب في دار المأمون مقدمة بقطن، وسمعت المأمون يقول لصاحب الشراب: أحسنت يا بني، إنما يباهي بالذهب والفضة من قلا عنده، فأما نحن فإنما ينبغي أن نباهي بالأفعال الجميلة، والأخلاق المرضية، والشيم الكريمة، فذلك بالملوك أبهى أجمل.
قال بعض السلف: لا تسبوا الغوغاء فإنهم يطفئون الحريق، ويخرجون الغريق، ويسدون البثوق.
قالت أخت عمرو ذي الكلب: المتقارب
وخرق تجاوزت مجهوله ... بوجناء خرق تشكى الكلالا
فكنت النهار به شمسه ... وكنت دجى الليل منه الهلالا
فأقسمت يا عمرو لو نبهاك ... إذاً نبها منك داء عضالا
إذاً نبها ليث عريسة ... مفيداً مفيتاً نفوساً ومالا
استأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه فقال: لا عدمت من قومي من إذا شاء حجبني.
وأنشد: الخفيف

قد أطلنا بالباب امس القعودا ... وجفينا به جفاء شديدا
وذممنا العبيد حتى إذا نح ... ن بلونا المولى عذرنا العبيدا
كتب عبد الملك إلى الحجاج: جنبني دماء آل أبي طالب فإني رأيت آل حرب لما قتلوا حسيناً نزع الله منهم الملك.
شاعر: الخفيف
عش بجد ولا يضرك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود
رب ذي إربة مقل من الما ... ل وذي عنجهية مجدود
شاعر: البسيط
الحذر ينفع ما لم ينزل القدر ... فإن أتى قدر لم ينفع الحذر
وليس من قدر إلا له سبب ... وليس من سبب إلا له قدر
ليس الكريم الذي يؤذي مجاوره ... بل الكريم الذي يؤذي فيصطبر
إن الشباب لهم عذر وإن جهلوا ... وليس يقبل من ذي شيبة عذر
قال ابن عباس رحمه الله: أتيتم بأبي موسى مبرنساً فقلتم: لا نرضى إلا بهذا، وأيم الله ما استفدنا منه علما ولا انتظرنا منه غائباً، ولا أمنا ضعفه ولا رجونا توبة صاحبه، وما أفسد بما صنعا العراق ولا أصحا الشام، ولا أماتا حق علي ولا أحييا باطل معاوية، ولا يذهب الحق فلتة رأي ولا نغمة شيطان.
الناشئ الكبير: السريع
القصد شيء كل ما دونه ... نقص وما جاوزه فضل
وكل هذين رأيناهما ... جوراً وما بينهما عدل
كتب الوليد إلى الحجاج: اكتب إلي سيرتك، فكتب إليه: إني أيقظت رأيي وأنمت هواي، وأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الجلد الحازم في أمره، وقلدت الخراج المؤثر لأمانته، وجعلت لكل خصم من نفسي خصماً يعطيه حظاً من نظري ولطف عنايتي، وصرفت السيف إلى المسيء، فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب.
شاعر: الرجز
ما قد مضى قد انقضى ... وما بقي كما مضى
وإنما أعمارنا ... مثل ديون تقتضي
جاء رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيت زياد بن علاقة راكباً فيلاً يهوي به في البحر، فقال: الفيل شيطان والبحر جهنم.
قال بشر الحافي: لو كنت لا أعلم لكان أروح لقلبي؛ وأنشد: الكامل
الصعود يرتع في الرياض وإنما ... حبس الهزار لأنه يترنم
لو كنت أجهل ما علمت لسرني ... جهلي كما قد ساءني ما أعلم
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا سأل العبد الله الشهادة وعلم أنه من خلوص نيته كتبها له وإن توفاه على فراشه.
قيل لابن عباس: لم لا تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان، وبراءة نزلت بالسيف ولا أمان فيها.
من دعاء بعض السلف: اللهم إنك أنت أنت، انقطع الرجاء إلا منك.
وقال بعض السلف في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من نظرة غيظ نفذت من عين حاسد، غائبها الحرب، وشاهدها سلم.
وأنشد: الوافر
إذا امتنع المقال عليك فامدح ... أمير المؤمنين تجد مقالاً
فتى ما إن تزال له ركاب ... وضعن مدائحاً وحملن مالا
لدعبل: المتقارب
وميثاء خضراء زريبة ... بها النور يزهر من كل فن
ضحوكاً إذا لاعبته الرياح ... تأود كالشارب المرجحن
فشبه صحبي نواره ... بديباج كسرى وعصب اليمن
فقلت بعدتم ولكنني ... أشبه بجناب الحسن
أنشد بعض من وفد على عثمان في خلافته وقد سأله عن حصن بناحية هراة: الطويل
محلقة دون السماء كأنها ... غمامة صيف زل عنها سحابها
ولا يبلغ الأروى شماريخها العلى ... ولا الطير إلا نسرها وعقابها
وما خوفت بالذئب ولدان أهلها ... ولا نبحت إلا النجوم كلابها
شاعر: الخفيف المجزوء
ريما خير الفتى ... وهو للأمر كاره
وأتاه السرور من ... حيث تأتي المكاره
آخر: الكامل المجزوء
يا صاح قلبي غير صاح ... لج الهوى بي في جماح
جسد كسي ثوب الضنى ... فالروح منه على رواح
قالت مزحت بهجره ... والقتل ليس من المزاح

قال أبو سعيد: " زيتون " يجوز أن يكون فيعولاً وفعلوتاً وهو أولي لأنه من الزيت وقد لزم الواو.
وقال الناشئ أبو العباس في نقد الشعر: الشعر قيد الكلام، وعقال الأدب، وسور البلاغة، ومحل البراعة، ومجال الجنان، ومسرح البيان، وذريعة المتوسل، ووسيلة المتوصل، وذمام الغريب، وحرمة الأديب، وعصمة الهارب، وعذر الراهب، وفرحة المتمثل، وحاكم الإعراب، وشاهد الصواب.
شاعر: الوافر
أما والراقصات بذات عرق ... ومن قد طاف بالبيت العتيق
لقد دب الهوى لك في فؤادي ... دبيب دم الحياة إلى العروق
قال أعرابي لآخر في حديث له: والله لو نظرت إلى أجفانه وقد تجافت عن سحابة عينه تهطل رذاذاً كأنها تغازل معشوقاً، تعاتب تارة وتصالح أخرى، وكأن إنسان مقلته ناثر دراً على عروس وجنتيه لأهميت حسرة على حسرة، وأطلقت زفرة على زفرة، ولشققت مرارة على مرارة، وبكيت أهل العشق رحمة.
لما ماتت أخت بشر بن الحارث الحافي حزن بشر، فقيل له في ذلك فقال: والله ما حزني عليها ولكن يقال: إذا قصر العبد في طاعة الله سلبه الله ما كان يأنس به في دار الدنيا.
قيل لبشار: أي شيء تتمنى له البصر؟ قال: السماء، لقول الله تعالى " وزينا السماء الدنيا بمصابيح " فصلت: 12 وما زينة الله ووصفه يجب أن يكون حسناً.
لأحد بني طاهر بن الحسين: السريع
يا سائلي عن موقع الحظ وال ... عقل انصرف بالحجج القاهره
الحظ للدنيا التي تنقضي ... والعقل للدنيا وللآخرة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا لم يستقيموا لكم فضعوا السيوف على عواتقكم ثم أبيدوا خضراءهم.
وروي عنه صلى الله عليه: لا تهزمن قريش ما استرحموا فرحموا، وقسموا فعدلوا، فإن لم يفعلوا فعليهم لعنة الله.
شاعر: الطويل
ولما علاها الماء قنع رأسها ... بدرع حباب صيغ من لؤلؤ رطب
أرق من الشكوى وأحلى من المنى ... وأعذب من حب يزيد هوى حب
يقال هما للراضي.
لإبراهيم بن سيار النظام المتكلم: المتقارب
ذكرتك والراح في راحتي ... وشبت المدام بدمع غزير
فإذا ينفد الدمع فرط الأسى ... بكاك الفؤاد بدمع الضمير
لابن طباطبا العلوي: الكامل
لم يكف ما قد سامني بغيابه ... حتى تلقاني بسيف عتابه
نفسي الفداء لغائب عن ناظري ... ومحله في القلب دون حجابه
لولا تمتع مقلتي بجماله ... لوهبتها لمبشري بإيابه

قال أبو عثمان: إن الله تعالى قد قسم الصنع بين جميع أفعاله: محبوبها ومكروهها، فأضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وعافى وابتلى، وعاقب وعفا، ولم يعطل البلاء من تكليف الصبر، كما لم يعطل النعمة من تكليف الشكر، وجعل الشكر لا ينال إلا بالصبر، كما جعل الصبر لا ينال إلا بالعزم وجعل العزم لا ينال إلا بالعلم، كما جعل العلم لا ينال إلا بالعقل، وجعل الخيرة مقرونة بالمكروه، كما جعل الشكر موصولاً بالمزيد، وجعل طول النصب استنفاداً للقوة، فجعلنا نعالج الجمام بالكد، كما نعالج بالجمام، وكل ذلك ليردنا إلى الاقتصاد، ويعرفنا أن الفضيلة في تعديل الأمور، وجعل النسيان حظاً من الخيرة، ولذلك قال الحسن: إن الله تعالى " ......... " ولولا ذلك لما انتفع النبيون والصديقون بالعيش وهو الأمل والأجل والنسيان، فجعل النسيان ركناً من أركان المصالح، ولو اجتمع في حفظ الإنسان وذكره توقع مكروه يجوز وقوعه، وفوت كل مرجو يجوز فوته، وذكر كل جناية جناها على من لا تؤمن مكافأته، وجناها جان ثم عجز عن مجازاته، ثم ذكر ذلة المعجزة وخمول ذي القلة، وذكر مع ذلك كل قاذورة كانت منه في شبيبته، وكل فسولة كانت منه في كهولته، لشغلة ذلك عن كسب ما لا بد منه من مرمة دنياه، وإصلاح أمر آخرته، وكذلك صنيع الله في الجد والمزاح في إمتاعه بالمنى والضحك وهما وإن كانا في ظاهر الأمر لا يعجلان عليك نفعاً معروف المكان، فإنهما يحدثان خيراً في باطن النفس، ويثمران نفعاً عند تعقب الأمور، لأن المنى استراحة وتفرغ، والضحك سرور وتنشيط، وفرق بين الأماني والآمال أن الآمال مقيدة بالأسباب، والأماني منطلقة لا يجوزها حد، ولا يحلبها سبب، وإصلاح موقع الأماني بتوقع الأماني من النفوس صارت النفوس كلها لا تمنع منها، ولا تخلو من الذهاب معها.
والنفس الحية الحاسة لا يجوز أن تبقى فارغة ممسكة عن جميع الأفعال، فتكون هي والموتى سواء، ومتى لم يحضر للقلب عزم على أمر معروف أو منكر في حاجة قائمة، عاجلة وآجلة، فلا بد للقلب من أن ينصرف إلى عمل من الأعمال، وليس بعد الاعتزال إلا المنى، فقد صارت الأمنية من أكبر الآفات، وأثبت الأركان، وليس في طاقة القلب أن يكون أبداً محتملاً لوحشة الفكر وثقل الاعتبار، وللنظر في ملكوت السموات والأرض، ولكل يوم أجل، ولكل استطاعة غاية فأطلق المباح، وألزم الفرض، وخير في النفل وأرغب فيه ولم يفرضه، وأعطى عليه الثواب ولم يوجبه، وركب الدنيا على الصميمين والفصلين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أمزح ولا أقول إلا الحق، وقال: قد جئتكم بالحنيفية السمحة غير القاسية ولا الغالية، وأمرت بالإفطار والصوم والصلاة والنوم، ولو حمل الناس أنفسهم على حد الجد في كل حال ومر الحق في كل مذهب، لا نحلت القوى، وانتقضت المنن، ولذلك قالوا: دين الله بين الغالي والمقصر، وقالوا: خير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة، وقالوا: بينهما يرمي الرامي، وقالوا في المثل: لا تكن حلوا فتبلع، ولا مراً فتلفظ، ولولا أن النفس مكدودة متعبة ومعناة نصبة من حين لا يعرف، ومن ضربان عرق لا يفتر، واختلاج عصب لا يسكن، ومعالجة القلب الهموم، ومدافعة الطباع الأغذية، وطلب الاستمرار من تنفس الرئة واسترواح النفس من حد المنخرين، واستراحتها إلى التثاؤب والتمطي، ومضادة الطبائع للنفس، ومنازعة الشهوات إلى ما تدعو إليه، ومعالجة الأمراض وألم الجسد.
وقال: المؤمن بين أربع: بين كافر يجاهره، ومنافق يبغضه، وشيطان يفتنه، ومؤمن يحسده، مع غير هؤلاء من الأمور التي تساره تارة، وتعالنه أخرى.
أنا ألهج - أيدك الله - بكلام أي عثمان ولي فيه شركاء من أفاضل الناس، فلا تنكر روايتي لكلامه فإن لي فيه شفاء، وبه تأدباً ومعرفة، قد يسلم على أكثر الناس، ولم يبر إلا على متخلف ساقط دونه.
قال أبو بكر بن دريد: أوضح الدلالة على ضعف الرجل في صناعته أن يكون محظوظاً منها، لأنه لا تكاد تجد متناهياً في حذاقته إلا وجدته متناهياً في حرفته.
قال أعرابي: إياك والعجلة فإن العرب كانت تكنيها أم الندامات لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكر، ويقطع قبل أن يقدر، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعد الحمد، ومن كان كذلك صحب الندامة، واعتزل السلامة.
شاعر: الوافر

خلا من دهره خمسون عاماً ... وأدبه التجارب والزمان
فلا أحد يدوم على وفاء ... ولا للدهر من حدث أمان
إذا ما كان عندي قوت يوم ... ألا فعلي بالدنيا هوان
كأن القوم قد مسخوا كلاباً ... لهم عن كل مكرمة حران
فدعني لا تعرضني لقوم ... فقد بينت لو نفع البيان
ولي شأن طويت عليه همي ... وكل فتى له هم وشان
قال الجاحظ: قلت مرة للحرامي: قد رضيت بقول الناس إنك بخيل؟ قال: لا أعدمني الله هذا الاسم، قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأنه لا يقال فلان بخيل إلا وهو ذو مال، فإذا سلم لي مالي فادعني بأي اسم شئت، قلت: ولا يقال سخي إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد، وجمع ذلك الاسم المال والذم، قال: بينهما فرق، قلت: هاته، قال: في قولهم بخيل تثبيت لإقامة المال في ملكه، واسم البخيل اسم فيه حزم وذم، واسم الصخاء فيه تضييع وحمد، والمال نافع ومكرم لأهله معز، والحمد ريح وسخرية، واستماعه ضعف وفسولة، وما أقل والله غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعري جلده، وضاع عياله وشمت عدوه.
قيل لجعفر بن يحيى: ما البلاغة؟ قال: أن يكون للكلام حد لا يدخل فيه غيره، قيل: مثل ماذا؟ قال: مثل قول علي رضي الله عنه: أين من سعى واجتهد، وجمع عدد، وزخرف ونجد، وبنى وشيد؛ فأتبع كل حرف من جنسه، ولم يقل سعى ونجد، وزخرف وعدد، وول قال زخرف وعدد لكان كلاماً، ولكن بينهما ما بين السماء والأرض.
قيل لعلي رضي الله عنه: كم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة، قيل: فكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس، قيل: فكيف يحاسب الله يوم القيامة الخلق على كثرة عددهم؟ قال: كما يرزقهم في الدنيا على كثرة عددهم.
قيل لأفلاطون: أي الأمور أعجب؟ قال: أن يكون العمل على خلاف العلم.
قيل لأعرابي: أما تتأذى برائحة الودك؟ قال: فقدي له أشد أذى.
قيل لفيلسوف: لم لا يشتد فرحك بأخيك في حياته كشدة حزنك عليه بعد وفاته؟ قال: لأني كنت أعلم في حياته أنه يموت، والآن أعلم بعد وفاته أنه لا يعيش.
قال أعرابي: أتيت فلاناً قبل أن ينطق الديك فخرس عن جوابي، ورجعت إلى أهلي خفيف الظهر وافر العرض.
قال ابن السماك في دعائه: اللهم أصلحني قبل الموت، وارحمني عند الموت، واغفر لي بعد الموت.
قيل لمحمد بن واسع: كسف أصبحت؟ قال: أصبحت والله طويلاً أملي، قصيراً أجلي، سيئاً عملي.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عون بن عبد الله يعزيه بابنه: أما بعد، فإنا ناس من أهل الآخرة أسكنا الدنيا أموات أبناء أموات، فالعجب لميت يكتب إلى ميت يعزيه عن ميت والسلام.
قيل لفيلسوف: من الحكيم؟ قال: م تظهر أفعاله وأقواله متساوية متشابهة.
كتب إبراهيم بن يحيى إلى بعض الخلفاء: أما بعد، فإن من عرف حق الله فيما أخذ منه عظم حق الله تعالى عليه فيما أبقى له؛ واعلم أن الماضي قبلك هو الباقي بعدك، والباقي بعدك هو الماضي قبلك، وأن أجر الصابرين فيما يصابون به أعظم من النعمة عليهم فيما يعاقبون عليه.
قال أبو تميم الهجيمي: إن أقواماً غرهم ستر الله تعالى، وفتنهم ثناء الناس، فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله تعالى وإياك أن نكون مغرورين بالستر، مفتونين بالثناء.
وقال فيلسوف: ينبغي للعاقل أن يفعل الواجب من غير أن يجب عليه، ويمتنع مما لا يجب من غير أن يمنع منه.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودارغنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله تعالى، ومصلى أنبيائه، ومسجد أوليائه، واكتسبوا فيها الحسنة، ونالوا الرحمة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ودعت إلى خرابها، ترغيباً وتخويفاً، فيا أيها الذام للدنيا متى استذمت إليك؟ متى غرتك؟ أبمنازل آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك في الثرى؟ ثم أشرف على أهل المقابر فقال: يا أهل الغربة، ويا أهل التربة، أما المنازل فقد سكنت، وأما الأزواج فقد هديت، وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا، فليت شعري ما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه وقال: والذي نفسي بيده لو أذن لهم في الكلام لأجابوا: ألا إن خبر الزاد التقوى.

قال الحسن البصري: لا تجاهد في الطلب جهاد المغلب، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم، فإن ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً؛ الرزق مقسوم، والأجل محتوم، وفي الحرص اكتساب المآتم.
قال جابر بن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتم بعد حلم، ولا رضاع بعد فطام، ولا صمت يوما إلى الليل، ولا وصال في الصيام، ولا نذر في معصية، ولا تعرب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح، ولا طلاق قبل النكاح، ولا عتق قبل ملك، ولا يمين لزوجة مع زوح، ولا يمين لولد مع والد، ولا يمين لمملوك مع سيده والسلام.
هذا آخر الجزء الخامس من كتاب البصائر، والله أسأل الانتفاع به والعمل ببعض ما فيه فإنه قد تحمل أدباً جماً، وعلما غزيراً وفضلاً بارعاً، وأساله عز وجل أن ينفعك به ويتم نعمه عليك إن شاء الله تعالى، والله الموفق.

بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن برحمتك
الجزء السادس
اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الطلب إلا منك، ومن الرضا إلا عنك، ومن الذل إلا في طاعتك، ومن الصبر إلا على بابك، وأسالك أن تجعل الإخلاص قرين عقيدتي، والشكر على نعمتك شعاري ودثاري، والنظر في ملكوتك دأبي وديدني، والانقياد لك شأني وشغلي، والخوف منك أمني وإيماني، واللياذ بذكرك بهجتي وسروري.
اللهم تتابع برك،، واتصل خيرك، وعظم رفدك، وتناهي إحسانك، وصدق وعدك، وبر قسمك، وعمت فواضلك، وتمت نوافلك، ولم تبق حاجة إلا قد قضيتها وتكلفت بقضائها، فاختم ذلك كله بالرضا والمغفرة، إنك أهل ذلك والقادر عليه والملي به.
هذا الجزء - أبقاك الله - الجزء السادس من كتاب البصائر والذهائر، وإليه وقع الانتهاء، وعليه وقف العزم، وعنده بلغ النشاط، لأن المراد تم به، وما في النفس سكن معه، فقد كان يجول في النفس ما يعسر تدوينه، ويصعب تضمينه، مع تحول الحال، ونحول البال، وذلك لأن الكتاب طال طولاً يمل الناسخ، ويضجر القارئ، ويقبض المنبسط، ويكل النشيط، ويفتر الشهوات، ويفل غرب الحريص، ويتعب الطالب والراغب، ويصير ما أردنا أن يكون سبباً لاجتبائه سبباً لاجتنابه، وما أحببنا أن يكون باعثاً على طلابه مؤيساً من وجدانه، وهكذا كل ما طال وكثر، وازدحم وانتشر، وليس يصير هذا عيباً إلا عند فسولتنا في طلب العلم، وسوء رغبتنا في إفشاء الحكمة، وقلة طاعتنا للحق، أعراضنا عن الحظ، واستبدالنا للخير، واعتيادنا للهو، وجهلنا بعواقب الدنيا، ولو صدقت النية، وانبعثت الهمة، وأذعنت الشهوة، وذلت النقيبة، وساعد التوفيق، كان ما استبعد في هذا الباب قريباً، وما استوعر سهلاً، وما استغلي رخيصاً، وما استثقل خفيفاً، وما استكثر قليلاً، ولكن من يصبر على هذا السوم، ويصير إلى هذا الحكم، ويأنف من هذا الطعن، وينفر من هذه اللائمة، مع ضميره المدخول، وعادته الفاسدة، ومنشئه الردي، وقرينه الفاضح، وحبه للراحة، واختطافه للذة، وتعجله للممكن، وتسويفه في الخير، وتوصله إلى الشر، وهذا قطرة من البحر، وحصاة من الجبل، مع تنكر الزمان، وفساد الدهر، واختلاف المقالات، وتشابه الآراء، وتكافؤ الجدال، وتزاحم الشبه، وتراكم الحجج، وسوء بيان العلماء، وقلة إنصاف الحكماء، وقبح أخلاق الأدباء.
أنا رأيت شيخاً قد انتهى في السن، وبلغ الغاية في الحكمة، وأشرف على نهاية التجربة، قد قسم حاله بين إرجاف بالسلطان، أو وقيعة في الإخوان، أو شكوى من الزمان، هذا عين ما قد وجده واستفاده، وهو بزعمه وزعم ناصره - فرد أوحدي، ونقاب لوذعي؛ وهكذا مشايخ دينك، وأنصار شريعتك، وأعلام ملتك، والمتكلمون في بلادك، فماذا أتوقع لنفسي إذا كنت آخذاً عنهم، ومقتدياً بهم، ونازعاً إليهم؟

قلت يوماً لابن الخليل: كيف صرت في الشكوى أخطب من قس، وأبلغ من سحبان، وأنطق من شبيب، وأفصح من صفوان؟ قال: وكيف لا أكون كذلك وأنا في زمان إن ذكرت أهله بما يستسرونه ويتباهون به، ويشتملون عليه ويتهالكون فيه، هتم فمي، وسفك دمي، وشهد علي بالكفر، ولم يرض لي إلا بالصلب؛ قلت: فبح بما في نفسك، على اختصار لفظك، وإيجاز قولك، قال: اعلم أني قد أصبحت بين إمام لا يعدل، ووزير لا يفضل، وعالم لا يتأله، وناسك لا يتنزه، وغني لا يواسي، وفقير لا يصبر، وجليس لا يحلم، وواعظ لا يعف، وحاسد لا يكف، وصديق لا يعين، وجار لا يستر، وجاهل لا يتعلم، ومتعلم لا يتحرج، وقاض لا ينصف، واشهد لا يصدق، وتاجر لا يتورع، وعدو لا يتقي، ومؤذ لا يفتر، فهل ترى لمثلي بعد ما عددته قراراً، أو تجد لأحد عليه اصطباراً؟ والله لو عن لي رأي في الصبر عليه لملكته، ولو بدا لي طريق في السكوت عنه لسلكته، ولكني ذو صدر جياش، وعقل مفتون.
وأقطع حديث هذا الرجل، فإنه كان يكثر من هذا الفن، ويأتي فيه بكل ما توهم وظن، وكان ذا عارضة عريضة، ولسان بليل، وقلب مكوي، وركية غزيرة، وله مذاهب استأثر بها، وتوحد فيها، وأشياء طريفة كان يكتمها، ولا يعرب عنها، وكان من كبار المعتزلة، ولكنه خالفهم، وأفرط في التشنيع عليهم، وتناهى في تتبع قبائحهم. ولقد قال هذا لرجل قولاً، ووجد عيباً، فركب جواداً، وسلك جدداً، وأصاب بدداً، وعرف داء، وطلب دواء، ولو استوى لك أن تكذبه، وتزيف قوله، وترد عليه دعواه لفعلت، ولكن كما قد علمت أن ما طوى أكثر مما نشر، وما دفن أخبث مما أنشر، وما أشار إليه أقبح مما نص عليه، وما روي عنه أفحش مما أفصح به.
فانتفع - حفظك الله - بسماع ما روي لك، وعرض على عقلك، ونيط بفهمك، وقرب من سمعك، ولاح لعينك، وعالج نفسك بمقت الهوى، وأودع قلبك برد اليقين، وحدث سرك بالإقلاع، وخف عاقبة الإصرار، وراقب إلهك في السر والجهر، والتفت إلى حظك بالاختيار والقهر، وجانب كل ما جنبك الخير، واهجر كل ما أعلقك الذم، وأورثك الندم، وثبت على طاعة الله قدميك، واستحفظ نعم الله تعالى قبلك، واشهد آلاءه عندك، واعترف له بالربوبية، وتذلل بين يديه بشمائل العبودية، واعلم أنك منه بمرأى مسمع ومطلع، واجعل أساس أمرك، وخميرة حالك، وزبدة تدبيرك، وعمدة شأنك، الزهد في الدنيا، وإزجاءها بما طف منها، والرضا بالبلغة فيها، فإنك إذا فعلت ذلك هان عليك ما عداه، وقرب منك ما تهواه.
الزهد في الدنيا باب السعادة، ودرجة السلامة، ووعاء النجاة، وظرف الراحة؛ بالزهد تملك هواك عن الجماح، وطرفك عن الطماح، ونفسك عن اللجاج، وطباعك عن الغي، وظاهرك عن الهجنة، وباطنك عن الفتنة، فبه يذل لك كل ما نشأ عنه، وصار فرعاً عليه. هناك تتفرغ لحسابك، وتتصفح ما يخصك، اعتبار ما يكون صلاحه منوطاً بك، وفساده منفياً عنك، وآثاره راجعة إليك، وريعه واقفاً عليك، فلا تعتقد إلا حقاً يصحبه البرهان، ولا تقول إلا صواباً يشهد له الدليل، ولا تعمل إلا صالحاً يؤيده القول والحق، ومتى خلصت إلى هذه الرتبة حفت بك السعادة، وتواصلت إليك الزيادة، وكان جليسك منك بين ملحوظ يقتدي بك فيه، وملفوظ يمتثل أمرك به، ولن تحوز هذه الحال، ولن تفوز بهذا الكمال، حتى تبرأ من الجدال في الدين، وتهجر هذيان المتكلمين، وتبعد عن مجالس المشككين، وتألف عادة الصالحين، وتأخذ بهدي المسلمين، وتحسم طبعك عن معرفة أسرار رب العالمين، في هذا الخلق أجمعين.

نعم، وحتى تترك الخوض في الجزء والطفرة، والجوهر والعرض، والكمون والظهور، والمداخلة والمجاورة، وما مراد الله في كذا، وما علته في كذا، وما سببه في كذا، وواجب عليه أن يفعل كذا، ويستحيل عليه فعل كذا، ولو فعل كذا لكان كذا، وهذا تحكك بالإله، وتمرس بالرب، وليس لك من ذلك إلا ما ألقاه إليك، وعرضه عليك، وسهله لك، ورفع الشبهة عنك؛ فأما ما غمض واستتر، وخفي واستسر، فإياك أن تتعرض له، وتحوم حوله، وتطلب قياسه ونظيره، فإنك إما أن تكل دون بلوغه، أو تضل قبل مناله، لأن الله تعالى لم يبن هذه الدار، ولم يرتب هذا العالم، ولم ينظم هذا الفلك، على قدر عقلك الضعيف، ولم يستشر استحسانك واستقباحك، ولم يجعل لك إلى شيء من ذلك سبيلاً إلا على حسب ما أعارك من القوة، وأعلمك بالتكليف، وألهمك بالتوفيق، فإن تعديت طورك، وتعليت قدرك، نكسك وردك على عقبيك، وأسرك بعجزك، وعراك من لبوس عزك، وجعلك عبرة للناظر إليك، وآية للمعتبرين بك، وأحدوثة للغابرين بعدك.
فاحذر التخطي إلى سياج ربك ومعالم إلهك، والزم حدودك في عبوديتك، فبهذا أمرت، واستقم كما أمرت، لعل الله تعالى يرى فقرك فيغنيك، وضعفك فيقويك، وانحطاطك فيعليك، وذر الذين يخوضون فيما ليس إليهم، يتكلفون ما ليس عليهم، فسيعلمون أي منقلب ينقلبون.
حرس الله علينا وعليك الدين، ووفر حظنا وحظك من اليقين، وجعلنا وإياك من عباده المتقين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
هذا الكتاب - حفظك الله - وإن كان قد تأبط هزلاً، واستبطن سخفاً، وتحمل مزاحاً، فإنه قد تضمن أدباً وعلماً، وتوشح حكمة وفصاحة، ودعا إلى الله أمراً وزجراً، ودل على الخير إيجازاً وإطناباً، ونشر حكم الله رواية واستخراجاً، وأمتع النفس سراراً وجهاراً، فلا تجعل نصيبك منه الخطأ والخطل، وقد اعترض لك منه العلم والفائدة، ولا تحكم على مصنفه وجامعه إلا بعد أن تستظهر بالحجة، وتعتقد الإنصاف، وتعتمد على الحق. وإنما أوصيك بهذا خوفاً من أن يقول ما يقول من لا يشفق على عرضه، ولا يتعقب فرطات حكمه، ولا يفلي مواقع رأيه، ولا يملك خطام لسانه، ولا يبالي بما ووجه به.
واستيقن أن الكتاب قد حوى من الذهن لواقحه، ومن العقل قرائحه، ومن العلم غنائمه، ومن الفهم نتائجه، ومن الصدر ذخائره، ومن الدهر سرائره، ومن الأدب أرواحه، ومن البال خواطره، ومن الروية جواهرها، ومن الحكمة حقائقها، ومن التجربة أعيانها، ومن الأمم ودائعها، ومن الحنكة فرائدها، ومن الأخلاق محاسنها، ومن العرب بيانها، ومن الفرس سياستها، ومن اليونان دقائقها ومن الشريعة رقائقها، فهو إذن للكليل شحذ، وللوسنان يقظة، وللعقل سمة، وللعي بلاغة، وللأخرس ترجمان، وللناسي تذكرة، وللغزير تجربة، وللأديب عدة، وللعالم عمدة، وللخامل نباهة، وللمجهول علامة، وللجاد محجة، وللهازل مفكهة، وللناسك بصيرة، وللعائل نصيحة، جمعت فيه كل عرة لائحة، وحجة واضحة، وبرهان مبين، وقول متين، ونادرة ملهية، وموعظة مبكية، وللرفيع فيه مرتع، وللمتوسط إليه مفزع، وللدني به مقمع، وأفنيت في ذلك وأطنبت، وصعدت فيه وصوبت.
فلا تحرمني عفوك عند زلة أفتضح بها عندك، ولا تبخل علي بمدحك في صواب عليك، وأجهزه إليك، وكن من إخوان الصدق، وأعوان الحق، ولعمري لك علي مقال فيه، ومتعلق به، ومدخل منه، لأني قد شعثت أعراض قوم، وأعلنت أسرار ناس، وزدت في بعض ذلك مستثيباً، ونقصت مجانباً، وألممت معرضاً، وكاشفت مصرحاً، وطويت محسناً، ونشرت مقبحاً، ولكن ذاك مع توخي الحق مقبول، وفي خلال الصواب مستحسن، وفي جمهور الصدق نافع.
ومن هذا الذي تصدى لمثل هذا الكتاب، مع طوله وكثرة عدد أوراقه، وتصرف راويه، واختلاف أساليبه ومعانيه، مع ضيق الصدر، وغروب الصبر، وخفة ذات اليد، وسوء الظن باليوم أو غد، فلم يهرف، ولمخرف، ولم يظلم ولم يجزف؟ هذا ضمان لا يصح الوفاء به، ووعد لا يبعد من الخلف فيه، وحكم لا يبرأ الشطط منه، وإذا مزج حقه بباطله، وقرن خيره وشره، وأضيف سقيمه إلى صحيحه، كان قوام الجميع للحق، وكنت إذ ذاك في طبقة من يسامح بما كره له لبلوغه الغاية فيما أصاب فيه. على أنا نلجأ إلى الله في كل عسر ويسر، وعليه نتوكل في كل صغير وكبير، وإياه نستعين في جميع الأمور، فبيده الخير وهو على كل شيء قدير.

لما ولى عمر بن الخطاب عبد الله بن مسعود قال له: يا ابن مسعود، اجلس للناس طرفي النهار، وأقرئ القرآن وحدث عن السنة وصالح ما سمعت عن نبيك صلى الله عليه وسلم، وإياك والقصص والكلف وصلة الحديث، فإذا انقطعت بك الأمور فاقطعها، ولا تستنكف إذا سئلت عما لا تعلم أن تقول لا أعلم، وقل إذا علمت، واصمت إذا جهلت، وأقلل الفتيا، فإنك لم تحط بالأمور علماً، وأجب الدعوة، ولا تقبل الهدية، وليست بحرام، ولكني أخاف عليك القالة، والسلام.
قال إبراهيم الإمام: إن البصرة أفواه البحار ومواضع التجار، فأنزلوها سليمان بن علي، وإن الكوفة فم الحجاز وطريق الحاج، فأنزلوها عيسى بن علي، وإن الشام عش بني أمية وباب المغرب ومادة العراق، فأنزلوها أبا جعفر المهدي؛ وأنزل كل رجل ممن ذكره في الموضع الذي ذكر له.
قال علي بن عبد الله: السواد معصفر الرجال.
قال عبد الله بن عباس: البياض جمال لأحيائكم، وتكفن فيه موتاكم، ولو كان البياض صبغاً لتنافس فيه الرجال.
دعي ابن عون إلى وليمة فجيء بماء يصب على يده قبل الطعام فقال: ما أحسب غسل اليد قبل الطعام إلا من توقير النعمة.
قال المكي، قال أبو العبناء: أعطاني فلان بره تفاريق وعقوبته جملة.
ذم أبو العيناء رجلاً فقال: له ضحك كالبكاء، وتودد كالسباب والافتراء، ونوادر كندب الموتى.
عزى أبو العيناء رجلاً بامرأته فقال: تقديم الحرمة من جزيل النعمة، فأنت إلى التهنئة بالنعمة في هذه المصيبة أولى منك بالتعزية، فالحمد لله الذي جعل لك أجرها، ولم يجعلك لها ثواباً، وإن عظم الفقد لطول الأنس والصحبة، فثواب الله أعظم وأجزل.
عزى أبو العيناء بعض الرؤساء فقال: كان العزاء لك لا بك، والفناء لنا لا لك.
قال الأصمعي: ضل لأعرابي شيء فقال: اللهم ضوئ عنه، أي أظهره.
قال يعقوب: الأكمة الصغيرة والرويبية يقال لها: فرط.
ماع يميع إذا سال، واماع السمن إذا ذاب وأماث.
مر يدأل: إذا قرمط في مشيته، ويقال: مر يذأل إذا مر مرا خفيفاً، ومنه سمي الذئب ذؤالة.
التثفين أن تمس الثفن الأرض؛ السامد الشاخص من الخيل، والمذمر الموضع الذي يلمس.
يقال: صاد ثوراً وحماراً وظبياً وأرنباً وذئباً وثعلباً وضبعاً وضباً وورلاً ويربوعاً وجراداً وطائراً وكمأة، والكمأة صيد، وجنى نعامة وبيض نعامة.
السرب: القطيع من البقر والظباء؛ ويقال: إجل من بقر، وربرب، وصوار، وعانة من حمير، ورعلة من قطا، ورجل من جراد، وخرقة من جراد، وفيء من طير، وفيء من غربان ومن نسور.
قال الأصمعي: قيل لبني عبس: كيف صبرتم وكيف كانت حالكم؟ قالوا: طاحت والله الغرائب من النساء فما بقي إلا بنات العم، وما بقي معنا من الإبل إلا الحمر الكلف، وما بقي من الخيل إلا الكميت الوقاح، وطاح ما سوى ذلك من الأهلين والمال.
ذم أعرابي قوما فقال: لهم بيوت تدخل حبوا إلى غير نمارق ولا شبارق، فصح الألسنة برد السائل، جذم الأكف عن النائل.
سئل أعرابي عن ابن أخيه فقال: سكير لا يفيق، يتهم الصديق ويعصي الشفيق.
قيل لأعرابي: في خلافة من ولدت؟ قال: في خلافة يوسف بن عمر، أو كسرى بن هرمز، وأعوذ بالله أن أقول على الله إلا حقاً.
قال أعرابي: الدراهم مواسم، تسم جميلاً أو دميماً، فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له.
وصف أعرابي مملوكاً له فقال: الرجز
يزعزع الدلو ... وما يزعزعه
يكفيه من جم ... ع البنان إصبعه
تكاد آذان ... الدلاء تتبعه
كاتب: كرم الوزير ورغبته في المعروف يطلقان الألسن بالمسألة، ويقربان الطالب من البغية، وعوائد إحسانه وترادف امتنانه يضمنان النجح ويؤكدان الثقة.
كان الشعبي يجلس إلى خياط، فقال له يوماً: إذا حدثت فلا تكذب، فقال له الشعبي: ما أحوجك إلى محدرج شديد الفتل، لين المهزة، أصلع الرأس، عظيم الثمرة، ياخذ من عجب الذنب إلى مغرز العنق، فيوضع منك على مثل ذلك، فيكثر له رقصك من غير جذل، فقال: وما يا هو أبا عمرو؟ قال: شيء لنا فيه أرب، ولك فيه أدب.
قال أعرابي: العبوس بوس، والبشر بشرى، والحاجة تفتق الحيلة، والحيلة تشحذ الطبيعة.
قال بعض أهل العلم: العرب تتبرك بالجنوب لأنها تجمع السحاب وتؤلفه، وتتشاءم بالشمال لأنها تفرقه وتذهبه.
لحميد بن ثور: الطويل

ليالي أبصار الغواني ولحظها ... إلي وإذا ريحي لهن جنوب
قال الحسين بن سعيد: أفئدة العلماء ينابيع الحكم، ومعادن، جواهر الفطن، إذا جرت مياه فكرها في جداول الاستنباط، ثم مشت في عروق مغارس الإحساس، نضرت أصول بدائع الروية، وأورقت غرائب الأفهام، وأثمرت أفنان حكم الآراء، فاجتنبها أنامل كرم الطباع، وتفكه بها أهل التجربة والانتفاع.
كلام نبيل وقمر رؤيته تعجب، وقد رأيت من يؤثره ويستحسنه.
كاتب: أنا صب إلى قربك، صاد إلى لقائك، ومن ظمئي إلى غرتك أستحق الري من رؤيتك، فقصر يومنا الطويل بأنسك الذي يشفي الغليل.
كاتب: قد أهديت إليك مودتي رغبة، ورضيت منك بقبولها مثوبة، وأنت بالقبول قاض لحق، ومالك لرق.
وأنشد أبو الفضل ابن العميد لأعرابي: الوافر
وما ذو شقة نفض يمان ... بنجد ظل مغترباً نزيعاً
يمارس راعياً لا لين فيه ... وقيداً قد أضر به وجيعاً
إذا ما البرق لاح له سناه ... حجازياً سمعت له سجيعاً
بأكثر لوعة مني ووجداً ... لو أن الشعب كان بنا جميعاً
قال رجل لأبي المجيب: إني لأودك، فقال: إني لأجد رائد ذلك.
وأنشد: الطويل
أهن عامراً تكرم عليه فإنما ... أخو عامر من مسه بهوان
قال أعرابي: مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر.
العرب تقول: أشد العرب بأساً العماليق، وأعظمهم أجساماً وأحلاماً عاد، وأكثرهم نجداً ونفيراً حمير.
قال بعض السلف: لا شيء أضيع من مودة عند من لا وفاء له، وبلاء عند من لا شكر له، وأدب عند من لا ينتفع به، وشعر عند من لا حصافة معه.
وقال أعرابي لآخر: إيت فلاناً فإنه لم ينظر في قفا محروم قط.
قال ثمامة: الخمول كل الخمول ألا يعرف الرجل بخير فيؤمل، ولا بشر فيحذر، قاتل الله الهاجي حيث يقول: الهزج
أرى العلباء كالعلبا ... ء لا حلو ولا مر
حمار من بني الجار ... د لا خير ولا شر
قال المبرد، قال بعض السلف: أعجب ما في هذا الإنسان قلبه، وله مواد من الحكمة، وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذلة الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعده الرضا نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع له الأمر استلبته العزة، وإن أقاد مالاً أطغاه الغنى، وإن عارضته فاقة فضحه الجزع، وإن جهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة، فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد.
شاعر: الطويل
لعمري لئن أصبحت في دار غربة ... خميص إلى إني بها لشريف
أمر بأكناف القصور كأنني ... أخو بطنه والثوب فيه نحيف
وما أنا ممن تعتريه شراهة ... لمدخل باب يعتري ويطيف
أخو كرم يكفيه خمسين ليلة ... من الماء نزر بارد ورغيف
ومن شق فاه الله قدر رزقه ... وربي بمن يلجا إليه لطيف
وأنشد: الوافر
ألا حييت عنا يا لميس ... علانية فقد بلغ الرسيس
رغبت إليك كيما تنكحيني ... فقلت: فإنه رجل سريس
ولو جربتني في ذاك يوماً ... رضيت وقلت: أنت الدردبيس
سلي عني ابنة الطماح سعدي ... غداة أتيت قبتها أريس
ألم تصرم ثلاثاً من وقاعي ... إذا نهضت ترنح أو تكوس
أغرك أنني رجل دميم ... دحيدحة وأنك عيطموس

قال ثعلب في المجالسات: حدثني عمر بن شبة، حدثني معمر بن عمر قال: حدثنا أبو يوسف القاضي عن محمد بن عبد الرحمن بن سلمة عن مروان بن الحكم قال: اشتكى علي بن أبي طالب رضي الله عنه شكوى أدنف منه، فأتاه عثمان عائداً وأنا معه، فقال: كيف أنتن كيف تجدك؟ حتى إذا فرغ من مسألة العيادة قال: والله ما أدري أنا بموتك أسر أم ببقائك، ولئن مت لا أجد لك خلفاً، ولئن بقيت لا أعدم طاعناً عائباً يتخذك عضداً أو يعدك كهفاً، لا يمنعني إلا مكانه منك ومكانه منه، فأنا منك كأبي العاق، إن مات فجعه وإن عاش عقه، فإنا سلم فتسالم، وإما حرب فتباين، ولا تجعلنا بين السماء والماء، إنك والله إن قتلتني لا تجد مني خلفاً، ولئن قتلتك لا أجد منك خلفاً، ولن يلي هذا الأمر بادي فتنة وإن أتم الناس بها المرابض مع العنز؛ قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن فيما تكلمت فيه لجواباً، ولكني عن جوابك مشغول، ولكني أقول كما قال العبد الصالح " فصبر جميل والله المستعا " يوسف: 18؛ قال: فقلت: إنا إذن والله لنكسرت رماحنا، ولنقطعن سيوفنا، ولا تكون في هذا حياة لما ولا خير لمن بعدنا.
شاعر: الكامل المجزوء
إنا إذا صيغ الكلا ... م فللكلام الجزل صاغه
طبن بأنحاء البلا ... غة شاغل فيها فراغه
مستجمع شرف البدي ... هة والإصابة في البلاغة
قال ثعلب: الإسب: شعر الفرج، والجميع: الآساب.
أنشد ثعلب لسلمي بن عويه: الكامل
لا يبعدن عهد الشباب ولا ... لذاته ونباته النضر
والمرشقات من الخدود كإي ... ماض الغمام صواحب القطر
وطراد خيل مثلها التقتا ... لحفيظة ومقاعد الخمر
لولا أولئك ما حفلت متى ... عوليت في حرج إلى قبر
هزئت زنيبة أن رأت ثرمي ... وأن انحنى لتقادم ظهري
من بعد ما عهدت فأدلفني ... يوم يجيء وليلة تسري
حتى كأني خاتل قنصاً ... والمرء بعد تمامه يحري
لا تهزني مني زنيب فما ... في ذاك من عجب ومن سخر
أو لم تري لقمان أهلكه ... ما اقتات من سنة ومن شهر
وبقاء نسر كلما انقرضت ... أيامه عادت إلى نسر
ما طال من أبد على لبد ... رجعت محورته إلى قصر
ولقد حلبت الدهر أشطره ... وعلمت ما آتي من الأمر
قال أبو العيناء: كتب بعض الحمقى إلى آخر: بسم الله الرحمن الرحيم، وأمتع بك، حفظك الله، وأبقى لك من النار سوء الحساب؛ كتبت إليك والدجلة تطفح، وسفن الموصل هيا هيا، والخبز رطلين، فعليك بتقوى الله، وإياك والموتفإنه طعام سوء، وكتب لإحدى وعشرين بقيت من عاشوراء سنة افتصد عجيف مولى أمير المؤمنين.
قال أبو العيناء: قال أبو توبة القاص: احمدوا ربكم، تشترون شاة سوداء، وتعلفونها حشيشاً أخضر، وتحلبونها لبناً أبيض، وتتبخرون في ثيابكم فيعبق البخور، وتفسون في ثيابكم فلا يعبق.
قال أبو العيناء: رأيت رجلاً وقد حمل كرة بنصف درهم، فلما أراد الرجوع اكترى إلى ذلك الموضع حماراً بأربعة دوانيق.
قال أبو العيناء: كتب بعض الهاشميين إلى السندي بن شاهك: بسم الله وأمتع بك؛ إن أخانا أحد خادمي أخذ رجلاً من الشرط بسبب كلب يقال له موسى، وموسى عندنا ليس بذاعر، فإن رأيت أن تأمر بسبيل تخليته فعلت إن شاء الله.
قال أبو العيناء: كتب أبو جعفر ابن المتوكل إلى أبي أحمد ابن الموفق: أطال الله بقاءك يا عمي، وأدام عزك وأبقاك، أنا وحق النبي صلى الله عليه وسلم أحبك أشد من المتوكل، وأشد من والدي، ولا أحتشمك أيضاً، وقد جابوا لك مطبوخ من عكبرا، فأحب أن تبعث إلي منه خمس دنان، وإلا ثلاث خماسيات، ولا تردني فأحرد، بحياتي.
قال علي بن عبيدة الريحاني: في جوهر من خلا أنت، وفي محل من مات مقيم.

قال الأصمعي: كان بالبصرة أعرابي من بني تميم يطفل على الناس، فعاتبته في ذلك فقال: والله ما بنيت المنازل إلا لتدخل، ولا وضع الطعام إلا ليؤكل، وما قدمت هدية فأتوقع رسولاً، وما أكره أن أكون كلا ثقيلاً على من أراه بخيلاً وأقتحم عليه مستأنساً، وأضحك إن رأيته عابساً، فآكل برغمه وأدعه لغمه، وما احترق في اللهوات طعام أطيب من طعام لا تنفق فيه درهماً، ولا تعني إليهخادماً، ثم أنشد: الخفيف
كل يوم أدور في عرصة الحي ... ي أشم القتار شم الذئاب
فإذا ما رأيت آثار عرس ... أو ختان أو مجمع الأصحاب
لم أروع دون التقحم لا أر ... هب دفعاً أو لكزة البواب
مستهيناً بما هجمت عليه ... غير مستأذن ولا هياب
فتراني ألف بالرغم منه ... كل ما قدموه لف العقاب
ذاك أدنى من التكلف والغر ... م وغيظ الخباز والقصاب
قال الأصمعي: رأيت أعرابية بالنباج فقلت لها: أتنشدينني؟ فقالت: إيها والله، إني لأنشد وأقول، فقلت: فأنشديني، فقالت: البسيط
لا بارك الله فيمن كان يخبرني ... أن المحب إذا ما شاء ينصرف
وجد المحب إذا ما بان صاحبه ... وجد الصبي بثديي أمه الكلف
فقلت: فأنشديني من قولك، فقالت: الوافر
بنفسي من هواه على التنائي ... وطول الدهر مؤتنف جديد
ومن هو في الصلاة حديث نفسي ... وعدل الروح عندي بل يزيد
قال أبو العيناء: سمعت الأصمعي يقول: رأيت أعرابياً يرفع صوته على وال صرفه عند جعفر بن سليمان فقال: والله إنه ليقبل الرشوة، ويقضي بالعشوة، ويطيل النشوة، ولقد بنى حماماً زندقة وكفراً.
قال الأصمعي: جلس إلي رجل تقتحمه العين، والله ما ظننته يجمع بين كلمتين، فاستنطقته فإذا نار تأجج، فقلت: أتحسن شيئاً من الحكمة تفيدنيه؟ فقال: الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام، والعطية بعد المنع أحمد من المنع بعد العطية، والإقدام على العمل بعد التأني فيه أحسن من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه؛ قال: فعظم والله في عيني حتى ملأ قلبي هيبة.
قال الأصمعي: حججت، فبينا أنا بالأبطح إذا شيخ في سحق عباء، صعل الرأس أثط أخزر أزرق، كأنما ينظر من فص زجاج أخضر، فسلمت فرد علي التحية، فقلت: ممن الشيخ؟ قال: من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة، قلت: فما الاسم؟ قال: خميصة بن قارب. ثم قال: أعرابي أنت؟ قلت: نعم، قال: من أية؟ قلت: من أهل البصرة، قال: فإلى من تعتزي؟ قلت: إلى قيس عيلان، قال: لأيهم؟ قلت: أحد بني بغيض، وأنا أقلب ألواحاً معي، قال: ما هذه الخشبات المقرونات؟ قلت: أكتب فيهن ما اسمع من كلامكم، قال: وإنكم مخلون إلى ذلك؟ قلت: نعم وأي خلة، فصمت ملياً ثم قال في وصف قومه: كانوا كالصخرة الصلدة تنبو عن صفحتها المعاول، ثم زحمها الدهر بمنكبه فصدعها صدع الزجاجة ما لها من جابر، فأصبحوا شذر مذر، أيادي سبا، ورب قوم - والله - عارم قد أحسنوا تأديبه، ودهر غاشم قد قوموا صعره، ومال صامت قد شتتوا تألفه، وخطة بوس قد حسمها أسوهم، وحرب عبوس ضاحكتها أسنتهم، أما والله يا أخا قيس لقد كانت كهولهم جحاجح، وشبانهم مراجح، ونائلهم مسفوح، وسائلهم ممنوح، وجنابهم ربيع، وجارهم منيع. فنهضت لأنصرف فأخذ بمجامع ذيلي فقال:اجلس لقد أخبرتك عن قومي حتى أخبرك عن قومك، فقلت في نفسي: إنا لله، سينشد في قيس والله وصمة تبقى على الدهر، فقلت: حسبك، لا حاجة بي إلى ذكرك قومي، قال لي: بلى والله، هم هضبة ململمة، العز أركانها، والمجد أغصانها، تمكنت في الحسب العد، تمكن الأصابع في اليد؛ فقمت مسرعا مخافة أن يفسد علي ما سمعت.

قال أبو عطاء مولى عتبة: قدم علينا ابن عباس سنة إحدى وأربعين وهو كالقرحة المنبجسة، وكان عتبة قليل الكلام، فنظر ابن عباس إلى عتبة يحد النظر إليه ويقل الكلام معه، فقال: يا أبا الوليد، ما بالك تحد النظر إلي وتقل الكلام معي؟ ألعقلة طالت أم لموجدة دامت؟ فقال عتبة: أما قلة كلامي معك فلقلته مع غيرك، وأما كثرة نظري إليك فلما أرى من أثر سبوغ النعمة عليك، ولئن سلطت الحق على نفسك لتعلمن أنه لا يعرض عنك إلا مبغض، ولا ينظر إليك إلا محب، ولئن كان هذا الكلام شفى منك داء، وأظهر منك مكتوماً، فما أحب غيره؛ فقال ابن عباس: أمهيت يا أبا الوليد، - يقال أمهيت الحديدة إذا حددتها - أي بلغت الغاية في الغدر، ولو كنت على يقين مما ظننت بك لكفاني، أو لأرضاني دون ما سمعت منك، فتبسم معاوية ثم قال: الرجز
دعوت عركاً ودعاً عراكا ... جندلتان اصطكتا اصطكاكا
من ينك العير ينك نياكا
لا تدخلوا بين بني عبد مناف، فإن الحلم لهم حاجز، والداخل بينهم عاجز، وإن فطنة ابن عباس مقرونة بعلمه، ثم تمثل: الطويل
سمين قريش مانع منك شحمه ... وغث قريش حيث كان سمين
قال ابن عائشة، قال عمرو بن عبيد: تعريف الجاهل أيسر من تغيير المنكر.
قال بعض الموالي لعمرو بن عتبة: يا مولاي، أعتقني أعتقك الله من النار، فقال له: يا بني، إنك لم تخرف، أي لم تدرك - يقال: أخرفت النخلة إذا بلغت أن تخرف - فقال: يا مولاي، إن التمرة تجتني زهراً قبل أن تكون مغراً، فقال: قاتلك الله ما أحسن ما استعتقت، قد وهبتك لواهبك لي.
قال محمد بن سلام، قال نحوي لرجل: أتشتعر حمارك؟ أي تعلفه الشعير. سألت الثقة عن هذا فأبى وقال: هو منكر، ولعله مقيس على كلام العرب، وهو مجهول الأصل.
قال العتبي: سأل أبي رجل عن السرور فقال: هو أن تنال ما تحب وإن قل، فإن من فارق ما يحب صار إلى ما يكره، والمحبة لا تختار الكثير رغبة عن القليل، ولا تغرب عن القليل اختياراً للكثير، ولكنه أطباع مختلفة، وأهواء مؤتلفة، توصف بجملتها، ويضيق القول في تفسيرها، وتوصف إذا كان، ولا تعرف بصفة قبل أن تكون.
قال العتبي لابنه: يا بني، اجعل دنياك وصلة إلى دينك، ولا ترض بها عوضاً منها، فإن الله تعالى لم يرضها ثواباً لمن رضي عنه من أهلها، ولا عقاباً لمن سخط عليه فيها.
قال العتبي: كان عمي ينفق ماله كأنه مال أعدائه، فكلمته زوجته في ذلك فقال: البسيط
هبت تلوم وتلحاني على خلق ... عودته عادة والخير تعويد
قلت اتركيني أبع مالي بمكرمة ... يبقى ثنائي بها ما أورق العود
إنا إذا ما أتينا أمر مكرمة ... قالت لنا أنفس عتبية عودوا
يقال: من الشعر القديم قول القائل: الخفيف
عين جودي على عبيل وهل ير ... جع ما فات فيضها بانسجام
عمروا يثرباً وليس بها شف ... ر ولا صارخ ولا ذو سنام
غرسوا لينها بمجرى معين ... ثم حفوا النخيل بالآجام
ولي عبد الملك بن عمير القضاء بعد الشعبي فقال هذيل الأشجعي: الطويل
أتاه وليد بالشهود يسوقهم ... على ما ادعى من صامت المال والخول
يقود إليه كلثما وكلامها ... شفاء من الداء المخامر والخبل
فأدلى وليد عند ذاك بحجة ... وكان وليد ذا مراء وذا جدل
وكان لها دل وعين كحيلة ... فأدلت بحسن الدل منها وبالكحل
وما برحت تومي إليه بناظر ... وتومض أحيانا إذا خصمها غفل
فأفتنت القبطي حتى قضى لها ... بغير قضاء الله في محكم الطول
فلو كان من في القصر يعلم علمه ... لما استعمل القبطي فينا على عمل
له حين يقضي للنساء تخاوص ... وكان وما فيه التخاوص والحول
إذا ذات دل كلمته بحاجة ... فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل
وبرق عينيه ولاك لسانه ... يرى كل شيء ما خلا شخصها جلل
قال أبو العتاهية: الهزج
فصغ ما كنت حليت ... به سيفك خلخالا
فما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتالا

كان شريح إذا جلس للقضاء يلهج بهولاء الكلمات: سيعلم الظالمون حظ من نقصوا، إن الظالم ينتظر العقاب، وإن المظلوم ينتظر النصر.
كان الشعبي يقول في القاذف: يقبل اله تعالى توبته وتردون شهادته؟ وكان يقول: تقبل شهادته إذا تاب.
قال عبد الرحمن الأعرج: لا تجوز شهادة الظنة والحنة والجنة.
كان العشبي يجيز شهادة الرجل على شهادة الرجل إذا كان قد مات، ولا يجيز شهادته إذا كان حياً ولو كان بالصين.
قال الأعمش: أخبرني تميم بن سلمة أن رجلاً شهد عند شريح وعليه جبة ضيقة الكمين، فقال شريح: أتتوضأ وعليك جبتك؟ قال: نعم، قال: احسر عن ذراعيك، فحسر فلم يبلغ كم جبته إلى نصف الساعدين، فرد شهادته.
وكان شريح يقول إذا ما أتاه الشاهدان: ما دعوتكما ولا أنها كما أن ترجعا إن شئتما، وما أنا أقضي على هذا المسلم، إن يقض عليه إلا خيركما، وإني متق بكما فاتقيا.
كان الشعبي يقول: إذا ارتهن الرجل الجارية فقبضها فليس للراهن أن يقربها حتى يفتكها.
قال ابن سيرين: كان لرجل قبل رجل حق إلى أجل، فغاب، فأتى أهله فتقاضاهم حقه على صاحبه، فقضوه إياه قبل محله؛ ثم إن الرجل قدم فأخبروه، فخاصمه إلى شريح، فقال شريح: رد على الرجل ماله، ولحبسه بقدر ما تعجلته قبل محله.
قال زياد بن سليمان: أمر ابن عمر رجلاً أن يشتري له متاعاً، فاشتراه له، ثم أتاه فرضيه ابن عمر ودفع إليه الثمن، فانطلق إلى صاحبه فدفع إليه الثمن واستوضعه دينارين ثم أتى بهما ابن عمر فأخبره، فقال ابن عمر: قد رضينا المتاع، فبأي شيء تأخذ هذين الدينارين؟ ردهما على الرجل.
قال: وأمر رجلاً أن يشتري متاعاً فاشتراه، فدفع إليه الثمن فقال: انطلق فادفعه إلى صاحبه، فلم يفعل، واحتبس الدراهم عنده، فلما طال على صاحب المتاع جاء إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، أريد أن أذكر لك شيئاً وأنا منه مستحي، قال: ما هو؟ قال: ثمن ذلك المتاع، قال: أو ما دفعه إليك فلان؟ قال: لا، فأرسل إليه فقال: ما منعك أن تدفع إلى الرجل ماله؟ أعطه مثله فليحبسه بقدر ما احتبست عندك من حقه.
قال: ومات مولى له فأتى بميراثه فاشترى به رقاباً فأعتقهم.
ساوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعرابياً بفرس له، فلما قامت على ثمن أخذها عمر على أنه فيها بالخيار، إن شاء أمسك وإن كره رد، فحمل عمر عليها رجلاً فسورها، قال: فوقع في بئر فهلكت الفرس، فقال الأعرابي: ضمنت فرسي يا أمير المؤمنين قال: كلا إني لم أضمنها قال الأعرابي. فاجعل بيني وبينك رجلاً من المسلمين، فجعلا بينهما شريحاً، فقص عليه القصة فقال: ضمنت يا أمير المؤمنين فرس الرجل لأنك أخذتها على شيء معلوم فأنت لها ضامن حتى تردها عليه؛ قال: فقبل ذلك عمر رضي الله عنه وبعث شريحاً على قضاء الكوفة.
قال الشعبي: لما بعث عمر رضي الله عنه شريحاً على قضاء الكوفة قال له: ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحداً، وما لم يتبيه لك في كتاب الله فاتبع سنة رسول الله، وما يتبين لك في السنة فاجتهد برأيك.
قال شريح: الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق من الجار، والجار أحق ممن سواه.
قال أبو العيناء: كتب زنقاح الهاشمي إلى علي بن يحيى المنجم: بسم الله الرحمن الرحيم، أستوهب الله تعالى المكاره كلها يا سيدي فيك برحمته: أحب سيدي أنت أن تسقيني زبيب وعسل، فإن عندي رجل يشرب المطبوخ إن شاء الله.
قال أبو العيناء: وكتب أيضاً صديق له: فدتك نفسي برحمته، أنا وحدي والجواري عندي، وأنا وإسحاق وأبي العباس في البستان، موفقاً إن شاء الله.
قال أبو العيناء: وكتب أيضاً إلى صديق له يستعير دابة: أردت الركوب في حاجة إن شاء الله، فكتب إليه الرجل: في حفظ الله.
قال أبو العيناء: شكا بعض جيران محمد بن عبد الله بن المهدي أذى غلمانه للجيران وسأله أن ينهاهم، فكتب إليه محمد: صبحك الله، أنا في الخبر عن شكوى الغلمان بسبب الجيران وهو مملوكين، وكم ثمن دارك، ولو مثل قصر الخليفة حتى لم أكن أمتنع من هبتها لغلامك، ولو خرجت عن دخول بغداد، أي والله؛ ولو كنت حارسي الكلب إذا كنت غاسياً عنها، وأعوذ بالله لو كلمتك عشر سنين، فانظر الآن أنت إلي، علي المشي إلى بيت الله، أعني به الطلاق وثلاثين حجة أحرار لوجه الله، وسبيلي في دواب الله فعلت، موقناً إن شاء الله.

قال العتابي: ابتلي بعض ملوك الأعاجم بصمم فقال لهم: إن كنت أصبت بسمعي، فلقد متعت ببصري، ثم نادى مناديه: من ظلم فليلبس ثوباً مصبوغاً، وليقم حتى أراه فأدعوه به، وأنظر في أمره.
قال بعض أهل اللغة في شيات الدواب: إذا لم يكن بالدابة شية فهو بهيم، ومن الشيات: القرحة، وهو بياض كالدرهم بجبهة الفرس، يقال فرس أقرح، فإذا سال البياض على وجهه ولم ينتشر فهو أغر شمراخ، فإذا انتشر في الوجه وذهب عرضاً فهو أغر شادخ، فإذا كان في وجهه بياض كثير أوسع وأكبر من القرحة فهي الغرة؛ فإذا كان البياض في العينين فهو مغرب، وإذا كان البياض بمقدار الدرهم على الجحفلة فهو أرثم، وإذا كان البياض في حد واحد فهو ملطوم، وإذا كان البياض في البطن فهو أنبط، وإذا كان أبيض القوائم فهو محجل، وإذا كان بإحدى رجليه بياض فهو أرجل، وإذا كانت رجلاه بيضاوين قيل: به شكال، وإذا كانت رجل واحدة بيضاء فهو اليمنى أو اليسرى، وإذا كان أبيض اليدين فهو مقيد، وإذا كان البياض وإذا كان البياض في اليدين وفي رجل قيل محجل بثلاث ومطلق واحدة بيد واحدة فهو اعصم وإذا كان في اليد اليمنى والرجل اليسرى قبل: به شكال مخالف.
قال: ومن الألوان: الأدهم وهو الأسود، والأدغم وهو الديزج إلى الحمرة يضرب، والأحمر وهو أدنى شيء إلى الدهمة، وكميت أشقر يعلوه سواد أو أصفر أشقر، وفرس ورد وهو بين الكميت والأشقر، والأشهب: الأبيض، والملمع: الذي في جسده لمع متفرقة، والغيهب: أشدها سواداً، والأدهم: الأدغم وهو الذي لون وجهه ومناخره ديزج، وأدهم أورق وهو الذي يشبه الرماد، وأحوى أحم وهو الذي بين الدهمة والخضرة، وأحوى أكهب وهو قلة الماء وكدورة اللون، وكيمت أحم وهو قريب من الحوى، وكميت عندمي وهو كأنه خضب بالحناء يضرب إلى الصفرة، والورد الأغبس وهو السمند، وأبرش ألمع وهو الذي يجتمع فيه من كل لون نكتة، وأشهب أحمر وهو الذي يعلوه سواد، وأبلق مطرف وهو الذي اسود رأسه وذنبه أو احمر أو ابيض، وأبلق مولع وهو الذي بلقه يتشحط في استطالة، والأصدأ الذي قد اشتدت حمرته حتى قاربت السواد، والمبرقع: الذي قد ابيض وجهه، والأشعل: الذي في ذنبه وهج، والصنابي على لون الخردل.
ويقال: أزرق العين اليمنى واليسرى، أو بخده الأيمن أو الأيسر، أو بكلفه سمة أو دارة، فإذا لم يكن من ذلك شيء فهو غفل؛ والذي يشبه الجلجون وسمند بالسواد وأشهب الحمرة وسمند ببياض، والمغرب الذي تبيض أشفار عينيه.
قال القاضي أبو حامد: حضرت مجلس ابن المغلس وعلي إذ ذاك مئزران، فرأيت شيخاً بهياً قد وشحته الطرز، وذاك انه كانت عليه عمامة مطرزة، وإزار مطرز، وقميص مطرز وهو على مساور مطرزة، وكان يتكلم في التيمم ويقول: التيمم إلى الكوع، وإن إطلاق اليد في الآية إلى الكوع ينتهي، فقلت: أنا أكلمك، إن ظاهر الآية ينتهي إلى المرافق، فقال لي: أنا لا أكلم من ليس طبقته طبقتي، فقلت: ولا تكلم أيضاً إلا من ثيابه ثيابك، وشيبته شيبتك، فقام إليه إنسان ووصفني له فقال: هات كلامك.
سمعت أبا حامد يقول: كلمت ابن المغلس في القياس فقال: لا يخلو إيجاب الربا في البر من معان، إما أن يحرم بالمعنى وحده، أو بالاسم والمعنى، أو بالاسم دون المعنى، قال: فإن قلتم بالاسم، أو بالاسم والمعنى، فالاسم غير موجود في الأرز، وإن قلتم بالمعنى فما الفائدة في النص على اسم البر، وقد كان يمكن أن ينص على العلة؟ قال أبو حامد: فقلت له: إن الله وصف القرآن فقال: " منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " آل عمران: 7 فبين أن منها ما يجل ومنها ما يدق، ثم فضل العلماء بعضهم على بعض، ولم يكن هذا الفضل إلا لاجتهادهم في إدراك المتشابه، فنص على البر ليتفاضل في إدراك المعنى ويكثر صواب من أصاب الحق، ولو لم يكن ذلك كذلك لسقط العلم؛ قال أبو حامد: قال ابن المغلس: كيف يصح القول بالمعاني وقد كانت موجودة قبل الشرع ولا حكم، فسكت.

قال أبو حامد: سأل رجل جعفر بن محمد فقال له: ما الدليل على الله تعالى ولا تذكر لي العالم والعرض والجسم؛ فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم، قال: فهل عصفت بكم الريح حتى خفتم الغرق؟ قال: نعم، قال: فهل انقطع رجاؤك من المركب ومن الملاحين؟ قال: نعم، قال: فهل تتبعت نفسك أن ثم من ينجيك؟ قال: نعم، قال: فإن ذلك هو الله تعالى. قال الله عز وجل: " ضل من تدعون إلا إياه " الإسراء: 67، وقال: " ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " النحل 53.
تكلم الداركي الفقيه يوماً في مجلس ابن معروف، وكان على قضاء القضاة - أعني ابن معروف - وكان ابن الدقاق يكلمه، فلحن الداركي، فقال له ابن الدقاق: لحنت، فقال الداركي: رايت أبا الفرج المالكي يناظر أبا إسحاق المروزي فقال له في النظر: إنك تلحن، فلو أصلحت من لسانك، فقال له أبو إسحاق: هذا أول انقطاعك، لأنك تعلم أني قد لحنت قبل هذا مراراً فلم تنكر علي، لما لزمك المعنى الآن صرت تعيب علي اللفظ، ثم قال الداركي: أنا ألحن وألحن، ولكن كلموني على المعاني إن كان لكم إليها سبيلاً.
كذا قال، وقد مضغ الداركي ذات بطنه بهذا الكلام، لأن المعاني ليست في وجهة والألفاظ في جهة، بل هي متمازجة متناسبة، والصحة عليها وقف، فمن ظن أن المعاني تخلص له مع سوء اللفظ وقبح التأليف والإخلال بالإعراب فقد دل على نقصه وعجزه.
سمعت أبا حامد يقول: قدمت امرأة بعلها إلى أبي عمر القاضي فادعت عليه مالاً فاعترف به فقالت: أيها القاضي، خذ بحقي ولو بحبسه، فتلطف بها لئلا تحبسه فأبت إلا ذلك، فأمر به، فلما مشى خطوات صاح أبو عمر بالرجل وقال له: ألست ممن لا يصبر على النساء؟ ففطن الرجل فقال: بلى، أصلح الله القاضي، فقال: خذها معك إلى الحبس، فلما عرفت الحقيقة ندمت على لجاجها وقالت: ما هذا أيها القاضي؟ فقال لها: لك عليه حق وله عليك حق، وما لك عليه لا يبطل ما له عليك، فعادت إلى السلاسة والرضا.
نظر عمر بن الخطاب إلى رجل يظهر النسك، متماوت، فخفقه بالدرة وقال: لا تمت علينا ديننا أماتك الله.
اعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة من أمر بلغه عنه، فعذره ثم قال: يا هذا لا يحملنك الخروج من أمر تخلصت منه على الدخول في أمر لعلك لا تتخلص منه.
وكان الرشيد يأتزر في الطواف، فيدير إزاره ويباعد بين خطاه، فإذا رجع بيده كاد يفتن من رآه، فعند ذلك مدح وقيل فيه: المتقارب
جهير الكلام جهير العطاس ... جهير الرواء جهير النغم
ويخطو على ألأين خطو الظليم ... ويعلو الرجال بخلق عمم
قال يعقوب: يقال للرجل: صعد في الجبل وأسهل في الحضيض، وقال: يقال: صعد فيه البصر وصوب؛ وقال: الإيماض خطرات البرق.
لما قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك قام يزيد بن الوليد بن عبد الملك فخطب وقال: والله ما خرجت أشراً ولا بطراً، ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في المال، وما بي إطراء نفسي، وإني لظلوم لها إن لم يرحمني الله، ولكني خرجت غضباً لله ولدينه، وداعياً إلى كتاب الله جل وعز وسنة نبيه صلى الله عليه، إذ انهدمت معالم الهدى، وطفئ نور التقوى، وظهر الجبار العنيد مستحلاً كل حرمة وراكباً كل بدعة، لا يصدق بالكتاب، ولا يؤمن بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في النسب، وكفيي في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله عز وجل في أمره، وسألته أن لا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك بقوة الله وحوله، لا بقوتي وحولي. أيها الناس: إن لكم علي ألا أضع حجراً على حجر، ولا أستأثر بذهر، ولا أنقل مالاً من بلد إلى بلد، حتى أسد ثغر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم، فإن فضل شيء نقلته إلى البلد الذي يليه لأهل الحاجة إليه، ولا أجمركم في ثغوركم فأفتنكم وأفتن أهليكم، ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل عل أهل جزيتكم ما يجليهم ويقطع نسلهم، وإن لكم عندي أعطياتكم في كل سنة، وأرزاقكم في كل شهر، حتى تستدر المعيشة بين المسلمين، فيكون أقصاهم كأدناهم، فإن وفيت لكم بذلك فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة، وإن أنا لم أف لكم فلكم أن تخلعوني، إلا أن تستتيبوني فأتوب، فإن علمتم أن أحداً يوثق من صلاحه، ويعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم وأردتم أن تبايعوه، فأنا أول من بايعة ودخل في طاعته.

أيها الناس، إنه لا طاعة لخلوق في معصية الخالق، ولا وفاء بنقض عهد الله تعالى، فمن أطاع الله فأطيعوه، فإذا عصى الله فهو أهل أن يعصى ويقتل؛ أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم، إنه واسع كريم.
قال فيلسوف: من نظر بعين الهوى حار، ومن حكم على الهوى جار.
قال أعرابي: ربما أبصر الأعمى رشده، وأضل البصير قصده.
قال يحيى بن خالد: من بر العامة مدح، ومن توقاها حمد، ومن حماها رأس، ومن نصب لها افتضح، ومن تتبع عيوب الناس سقطت مروءته.
قال عمر بن شبة، قال أعرابي سئل عن حاله: إن لي قلب نزوعاً، وطرفاً دموعاً، فما يصنع كل واحد منهما بصاحبه، على أن داءهما دواؤهما، وسقمهما شفاؤهما.
قال رجل لذي النون: دلني على عمل واختصره، فقال له: قف طرفك في آلاء الله وعظمته حتى كأنك مشاهد لمسألته، فإنك إذا فعلت ذلك حسمت عينيك عن النظر، وقلبك عن المطالبات للمعاصي بالفكر.
قال بعض النساك لجارية: ما أحسن ساعدك؟ قالت: أجل لكنه لمن يخص به، فغض بصر جسمك عما ليس لك حتى ينفتح لك بصر عقلك، فترى ما لك وما ليس لك.
وقال بعض الصوفية: عشق العين سريع الانحلال بطيء العودة، فاحذر أن يؤول بك إلى عشق القلب فيصعب المرام.
رأى سقراط رجلاً من تلامذته يتفرس في وجه أورجيا، وكانت فائقة الجمال، فقال له: ما هذا الشعل الذي قد منعك الروية والفكر؟ فقال: أتعجب من آثار حكمة الطبيعة في صورة أورجيا، فقال له: لا يصيرن نظرك مركباً لشهوتك، فيجمح بك في الوحول اللازبة، ولتكن نفسك منك على بال، فإن آثار الطبيعة في أورجيا الظاهرة تمحق بصرك، وإن فكرك في صورتها الباطنة يحد نظرك.
قال مسلم الخواص، قلت لمحمد بن علي الصوفي أوصني، فقال: إياك وإعمال النظر إلى كل ما دعاك إليه طرفك، وشوقك إليه قلبك، فإنهما إن ملكاك لم تملك شيئاً من جوارحك حتى تبلغ كرهاً ما يطالبانك به، وإن ملكتهما كنت الداعي لهما إلى ما أردت، فلم يعصيا لك قولاً، ولم يرداً لك أمراً.
نظر محمد بن سيار الصوفي إلى أبي المثنى الشيباني وقد كرر النظر فيوجه غلام أمرد فقال له: إياك وإدمان النظر، فإنه يكشف الخبر، ويفضح الستر، ويطول به المكث في سقر.
قال فيلسوف: العيون طلائع القلوب أرتج على عبد الله بن عامر بن كريز وهو على منير البصرة في يوم أضحى، فسكت ملياً ثم قال: والله لا أجمع عليكم عياً ولؤماً، من أخذ شاة من السوق فهي له، وثمنها علي.
قال أبو العنبس الصيمري: أنا وأخي توأمان، وخرجت أنا وهو من البصرة في يوم واحد وساعة واحدة، ودخلنا سر من رأى في يوم واحد، فولي هو القضاء، وصيرت أنا صفعان، فمتى يصح أمر النجوم؟ كان عبد الملك بن مروان إذا أراد أن يولي رجلاً عمل البريد سأل عن صدقه ونزاهته وأناته، ويقول: كذبه يشكك في صدقه، وشرهه يدعوه في الحق إلى كتمانه، وعجلته تهجم بمن فوقه على ما يؤثمه ويندمه.
كان حاتم إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا سوبق سبق، وإذا أسر أطلق.
لما قدم طلحة والزبير البصرة قام مطرف بن عبد الله بن الشخير خطيباً في مسجدها فقال: أيها الناس، إن هذين الرجلين - يعني طلحة والزبير - لما أضلا دينهما ببلدهما جاءا يطلبانه في بلدكم، ولو أصاباه عندكم ما زاداكم في صلاتكم ولا صومكم ولا زكاتكم ولا في حجكم ولا في غزوكم، وما جاءا إلا لينالا دنياهما بدينكم، فلا يكونن دنيا قوم آثر عندكم من دينكم، والسلام.
اشترى معاوية جارية وعنده صعصعة بن صوحان فقال له: كيف تراها؟ فقال: أراها فاترة الطرف، ذات شعر وحف، وفم ألمى كأقاحي تندى في رجراج الثرى، رضا العين مقبلة، وشفاء النفس مدبرة، إن تم منها شيء واحد، قال: ما هو؟ قال: المنطق إن عذب، فاستنطقت فلما نطقت قال: شهي كمجاج نحل جني، فهل عنها يا أمير المؤمنين مزحل؟ فقال: أما دون أن نبلو الخبر ونقضي الوطر فلن تدركها.
سمعت بعض العلماء يقول: لا تكون المائدة مائدة حتى يكون عليها طعام، وإلا فهي خوان، ولا يكون الرمح رمحاً حتى يكون عليه سنان إلا فهي قناة، ولا تكون الكأس كأساً حتى يكون فيها شراب وإلا فهو قدح، ولا تكون الأريكة أريكة حتى تكون عليها حجلة وإلا فهو سرير، ولا تكون الذنوب ذنوباً حتى يكون فيها ماء وإلا فهي دلو، وكذلك السجل، ولا تكون الشعيلة شعيلة حتى يكون فيها نار وإلا فهي فتيلة.

قال يحيى بن خالد: احرس عقلك من شهوتك، وشيبك من عادتك، ونفسك من الآثام، وبدنك من الهموم، وصمتك من التيه، وكلامك من الزلل، ولا حراسة إلا بأناة.
قال أعرابي: اللهم اغفر لي، فإن عدت إلى الذنب فعد بالغفران قبل أن يفنى الأمل، وينقطع الأجل.
كاتب: كتب فلان محشوة من فصها إلى مقاطعها بذكرك وشكرك.
وأنشد: الطويل
هي الخمر في حسن وكالخمر ريقها ... ورقة ذاك اللون في رقة الخمر
فقد جمعت فيها خمور ثلاثة ... وفي واحد سكر يزيد على السكر
قال أبو العيناء: سمعت إبراهيم بن المهدي يقول: وذكر عفو المأمون عنه فقال: والله ما عفا عني تقرباً إلى الله، ولا صلة للرحم، ولكن قامت له سوق في العفو فكره أن تكسد بقتلي؛ قال: فذكرت هذا الحديث ليعقوب بن سليمان بن جعفر فقال: " قتل الإنسان ما أكفره " عبس: 17، أما المأمون فقد والله فاز بحفظها، كفر من كفر، وشكر من شكر.
قال الأصمعي: افتقر أعرابي وساءت حاله، فكان يسأل ويقول: الرجز
ألا فتى أروع ذو جمال ... من عرب الناس أو الموالي
يعينني اليوم على عيالي ... وصبية قد ضاق عنهم مالي
وساقهم جدب وسوء حال ... إليكم يا سادة الرجال
فقد مللت كثرة السؤال ... والله يجزيكم على الإفضال
قال أبو العيناء، حدثنا الأصمعي قال: لما أفضى الأمر إلى معاوية تكافت الشعراء عن مدحه حتى بدر الأخطل ذات يوم وعليه ثوب خز ومطرف خز وعمامة خز، فركدبين الصفين ثم قال: الكامل
تسمو الوفود إلى إمام عادل ... معطى المهابة نافع ضرار
وترى عليه إذا العيون شزرنه ... سيما الحليم وهيبة الجبار
فتهافت الناس بعده في مدحه.
قال الأصمعي: استأذن الشعبي على عبد الملك بن مروان وعنده الأخطل فأذن له، فلما مثل بين يديه قال: أنا الشعبي يا أمير المؤمنين، قال عن علم بك أذن لك، قال الشعبي: فعقدت أولة إلى أن قال: من أشعر الناس؟ فقال الأخطل: أنا ولم أعرفه فقلت: كذبت يا شيخ، امرؤ القيس أشعر منك، قال: صدقت، ولكن أمير المؤمنين سألني عن أهل زمانه فخبرته، فإذا كذبت امرءاً فاعرف ما خطب قولك، فعقدت في يدي ثانية أخطأت فيها، فنهض الشيخ فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين، فوجم، وعلمت أني قد أخطأت ثالثة، إذ صيرت أمير المؤمنين ولي مسألتي، فالتفت إلي عبد الملك فقال لي: هذا الأخطل؛ يا شعبي، لا يهولنك ما كان منك، فإن مع خطائك صواباً كثيراً.

قال الزبيري: حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن الهيثم عن أبيه قال: كان المنصور ضم الشرقي بن القطامي إلى المهدي حين وضعه بالري، وأمره أن يأخذه بالحفظ لأيام العرب ومكارم أخلاقها ودراسة أخبارها وقراءة أشعارها، فقال له المهدي ذات ليلة: يا شرقي، ارح قلبي الليلة بشيء يلهيه، قلت: نعم أصلح الله الأمير، ذكروا أنه كان في ملوك الحيرة ملك له نديمان قد نزلا من قلبه منزلة نفسه عند نفسه، فكانا لا يفارقانه في لهوه وبأسه ومنامه ويقظته، وكان لا يقطع أمراً دونهما ولا يصدر إلا عن رأيهما، فغبر كذلك دهراً طويلاً؛ قال: فبينما هو ذات ليلة في شغله ولهوه إذ غلب عليه الشراب فأثر فيه تأثيراً أزال عقله، فدعا بسيفه فانتضاه وشد عليهما فقتلهما، وغلبته عيناه فنام، فلما أصبح سأل عنهما فأخبر بما كان، فأكب على الأرض حزناً لهما وأسفاً عليهما وجزعاً لفراقهما، امتنع من الطعام والشراب، وتسلب عليهما، ثم حلف ألا يشرب شراباً يخرج عقله ما عاش، وواراهما وبنى على قبريهما قبتين، وسن ألا يمر بهما أحد من الملك فمن دونه إلا سجد لهما، وكان إذا سن الملك سنة توارثوها وأحيوا ذكرها وأوصى بها الآباء أعقابهم؛ قال: فغبر الناس بذلك دهراً لا يمر بالقبر أحد صغير ولا كبير إلا سجد لهما، فصار ذلك سنة لازمة، وأثراً كالشريعة والفريضة، وحكم في من أبى أن يسجد لهما بالقتل بعد أن يحكم له في خصلتين يجاب إليهما، كائناً ما كان؛ فمر بهما يوماً قصار ومعه كارة ثيابه، وفيها مدقته، فقال الموكلون بالقبرين للقصار: اسجد، فأبى أن يفعل، فقالوا: إنك مقتول، فأبى، فرفع إلى الملك وأخبر بقصته فقال: ما منعك أن تسجد؟ قال: قد سجدت ولكن كذبوا علي، قال: الباطل قلت، فاحكم في خصلتين فإنك تجاب إليهما وإني قاتلك، قال: ولا بد من قتلي بقول هؤلاء؟ قال: لا بد من ذلك، قال: فإني أحكم أن أضرب رقبة الملك بمدقتي هذه ضربتين، قال له الملك: يا جاهل، لو حكمت علي بما يجدي على من تخلف كان أصلح، قال: ما أحكم إلا بضربة لرقبة الملك، فقال الملك لوزرائه: ما ترون فيما حكم هذا الجاهل؟ قالوا: نرى أن هذه سنة أنت سننتها، وأنت تعلم ما في نقض السنن من العار والبوار وعظيم الإثم، وأيضاً فإنك متى نقضت سنة نقضت أخرى، ثم يكون ذلك لمن بعدك، فتبطل السنن، قال: فاطلبوا إلى القصار أن يحكم بما شاء ويعفيني من هذه فإني أجيبه إلى ذلك ولو بلغ شطر ملكي، فطلبوا إليه فأبى فقال: ما أحكم إلا بضربة في رقبته، فلما رأى الملك ما عزم عليه القصار قعد له مجلساً عاماً، وأحضر القصار فأبدى مدقته فضرب بها عنق الملك ضربة وخر الملك مغشياً عليه، فأقام وقيذاً ستة أشهر، وبلغت به العلة حداً كان يجرع فيها الماء بالقطن؛ فلما أفاق وتكلم وطعم وشرب سأل عن القصار، فقيل له إنه محبوس، فأمر بإحضاره وقال: قد بقيت لك خصلة فاحكم فإني قاتلك لا محالة، فقال القصار: فإذا كان لا بد من قتلي فإني أحكم أن أضرب الجانب الآخر من رقبة الملك ضربة أخرى، فلما سمع بذلك الملك خر على وجهه من الجزع فقال: ذهبت والله إذن نفسي، ثم قال للقصار: ويلك دع عنك ما لا ينفعك فإنه لا ينفعك ما مضى، فاحكم بغيره أنفذه لك كائناً ما كان، قال: ما أحكم إلا في ضربة أخرى، فقال الملك لوزرائه: ما ترون؟ قالوا: هذه السنة، قال: ويلكم، إنه والله إن ضرب الجانب الآخر لم أشرب البارد أبداً، لأني أعلم ما قد مر بي، قالوا: فما عندنا حيلة، فلما رأى ذلك قال القصار: أخبرني، ألم أكن سمعتك تقول يوم جاء بك الشرط إنك سجدت وإنهم كذبوا عليك؟ قال: قد كنت قلت ذلك فلم أصدق، قال: فكنت قد سجدت؟ قال: نعم، فوثب من مجلسه وقبل رأسه وقال: أشهد أنك أصدق من أولئك وأنهم كذبوا عليك، فانصرف راشداً، فحمل كارته ومضى.
فضحك المهدي حتى فحص برجليه وقال: أحسنت والله، ووصله وبره

قال يونس بن عبد الأعلى: قدم على الليث بن سعد منصور بن عمار يسمع الحديث منه، فقال له: إني قد أتيت شيئاً أريد أن أعرضه عليك، فإن كان حسناً أمرتني أن أذيعه، وإن كان مما تكرهه انزجرت، قال: ما هو؟ قال: كلام الفقه ومواعظ القصاص، قال: ليس شيء غير القرآن والسنة، وما خالف ذلك فليس بشيء، قال: فتستمع وتتفضل، وكان عنده جماعة فأشاروا عليه بان يسمع منه، فابتدأ بمجلس القيامة، فلم يزل الليث يبكي ومن معه، وأمره يذيعه ولا يضمره، ولا يأخذ عليه أجراً، ووهب له ألف دينار.
يقال إن منصور بن عمار كان كاتباً لأبي عبيد الله كاتب المهدي.
قال الزبير بن بكار: كانت الخيزران كثيراً ما تكلم موسى في الحوائج، وكان يجيبها إلى كل شيء تسأل عنه، حتى مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته فانثال الناس عليها وطمعوا فيها، فكانت المواكب تغدو إلى بابها؛ قال: فكلمته يوماً في أمر لم يجد إلى إجابتها سبيلاً، فاعتل فيه بعلة، فقالت: لا بد من إجابتي، قال: لا أفعل، قالت: فإني تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك، قال: فغضب موسى وقال: ويلي على ابن الزانية، وقد علمت أنه صاحبها، والله لقضيتها لك، قالت: إذن والله لا أسألك حاجة أبداً، قال: إذن والله لا أبالي، وغضب، وقامت مغضبة فقال: مكانك تستوعبي كلامي، والله، وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن بلغني انه وقف أحد من قوادي وخاصتي وخدمي على بابك لأضربن عنقه ولأقبضن ماله، فمن شاء فليرم ذلك من هذه المواكب التي تغدو إلى بابك كل يوم؛ أما لك مغزل فيشغلك، أو مصحف يذكرك، أو بيت يصونك، إياك ثم إياك ما فتحت فاك في حاجة لملي أو ذمي والسلام. قال: فانصرفت وما تعقل ما تطأ، ولم تنطق عنده بحلو ولا مر بعدها.
قال أبو العيناء: كتب زنقاح الهاشمي - وهو محمد بن أحمد بن علي بن المهدي - إلى طبيبه: والك يا يوحنا، وأتم نعمته عليك، قد شربت الدواء خمسين مقعداً، والمغص والتقطع يقتل بطني، والرأس فلا تسل عنه، مصدعاً بعصابة منذ بعد أمس، فلا تؤخر احتباسك عني، فسوف أعلم أني سأموت وتبقى أنت فلا أنا، فعلت موفقاً إن شاء الله.
قال أبو العيناء: وكتب زنقاح إلى صديق له يسأله بخوراً: شممت اليوم منك، وحق الله، أعزك الله، رائحة طيبة، وذلك، وحياتك، باطراح الحشمة، موفقاً إن شاء الله.
قال رجل لأبي العيناء: كان أبوك أكمل منك، قال أبو العيناء: إن أبي كنت به ولم يك بي، وهو أولى بالكمال مني.
قال أبو العيناء: وقف علي أعرابي ما أحسبه بلغ ولا قارب، وخرج لي غلام أسود من الماء وقد اغتسل وهو يرعد، وكان غلاماً خبيثاً، فقلت وأومأت إلى الأسود: الرجز
كأنه ذئب غضى أزل
أجزيا يا غلام أهب لك، فقال:
بات الندى يضربه والطل
فعجبت من بديهته ووهبت له دراهم.
قال أبو العيناء: أقبل جحظة ذات يوم يعظ عبادة المخنث، فقال له عبادة: مخنث مسلم مقر، خير من زنديق فاجر مصر.
قال أبو العيناء: قلت لمديني شكا سوء الحال إلي: أبشر فإن الله قد رزقك الإسلام والعافية، قال: أجل، ولكن بينهما جوع يقلقل الكبد.
قال المبرد: كان في أخلاق الحسن بن رجاء شراسة وفي كفه ضيق، فكتبت إليه: الناس أعز الله الأمير رجلان: حر وعبد، فثمن الحر الإكرام، وثمن العبد الإنعام. فأصلحه الله بهذا القول لي ولغيري مدة، ثم رجع إلى طبعه.
قال المبرد: إذا قال الرجل شعراً أو وضع كتاباً استهدف، فإن أحسن استشرف، وإن أساء استقذف.
وذكر أبو العباس يوماً النحو فقال: هو عيار الأشياء، وحلي الألسن، وجلاء الأسماع.
وقال المبرد: أحسن المراثي ما خلط مدحاً يتفجع، واشتكاء بفضيلة، لأنه يجمع إلى التشكي الموجع مدحاً، والمدح الباذخ اعتباراً، فإذا وقع نظم ذلك بكلام صحيح ولهجة معربة ونظم غير متفاوت، فهو الغاية من كلام المخلوقين.
قال اللحياني: العرب تقول: فلان نادم سادم، وندمان سدمان، والمرأة ندمى سدمى، وقوم ندامى سدامى، والسادم: المهموم.
وقال بعضهم: الحزين وحيد محيد؛ وسليخ مليخ: الذي لا طعم له وأنشد: المتقارب
سليخ مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر
وفيه سلاخة وملاخة؛ ويقال مليه سليه.

قال: ويقال: بخ بخ وبه به إذا عظمت إنساناً، وعابس كابس؛ وحكي عن أعرابي: ما تصنع في ما كنك وسواك وغطاك وأرغمك وأدغمك؛ ويقال: رغماً دغماً شنغماً؛ ويقال: فعلت ذلك عن رغمه وشنغمه، ومعناه كله واحد؛ ويقال: إنه لفظ بظ؛ ويقال: له من فرقه أصيص وكصيص، أي انقباض وذعر؛ ويقال: يوم عك أك إذا كان شديد الحر، وليلة عكة أكة، وقد عكت تعك عكة، والعكة شدة الحر مع لثق واحتباس ريح؛ وهو لك أبداً سرمداً؛ وأنه لشكس لكس، أي عسر، ويقال للخب الخبيث: إنه لسملع هملع، وهو من نعت الذئب. هكذا قاله اللحياني.
وأنشد في كتاب الشدة: الطويل
ونوم كحسو الطير نازعت صحبتي ... على شعب الأكوار بين الحوارك
وشعث يشجون الفلا في رؤوسه ... إذا حولت أم النجوم الشوابك
إذا رجعوا وهناً كست حيث موتت ... من الجهد أنفاس الرياح الحواشك
طعنت بهم أثباج ليل تخدرت ... به القور يثني زمل القوم حالك
قال إبراهيم الخواص: العارف لا يكدره شيء، ويصفو به كدر كل شيء.
قال أبو حمزة: رأيت أبا جعفر الحداد في البادية، وقد انكسر ساقه وهو يتثنى ويجره فقلت له: جر البلاء جر، فإن البلاء ممدود، فالتفت إلي وقال: إنما تحمل بلاياه مطاياه.
وقال عيسى بن مريم عليه السلام: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة ليوم لم يره.
هلال بن العلاء: الطويل
تحمل إذا ما الدهر أولاك غلظة ... فإن الغنى في النفس لا في التمول
يزين لئيم القوم كثرة ماله ... وما زين الأخيار مثل التجمل
آخر: الرجز
تطاول الليل على من لم ينم ... واحتمت العين احتمام ذي السقم
لبشار: الرمل
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيف ألم
الجهار: التراب الدقيق، والمسحول أيضاً. والعشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي قد مضى لها عشرة أشهر من لقاحها، والعشر: ضرب من الشجر، والعشر: الإبل تبقى تسعة أيام لا تسقى ثم ترد اليوم العاشر.
وأنشد أيضاً فيه: الكامل
أجنوب لو أبصرتني وفوارسي ... بالشعب حين تبادر الأشرار
سعة الطريق مخافة أن يهلكوا ... والخيل تتبعهم وهم فرار
حاشا الغلام المازني فإنه ... يوم الكريهة خلفهم كرار
حوس الفؤاد إذا الكماة تقارعوا ... لا طائش رعش ولا خوار
وكذاك كان أبوه في أعصاره ... يحمي إذا ما ضيع الإدبار
ويكر خلف الموجفين إذا دعوا ... كر المنيح أعاده الأيسار
أخاذ ألوية الحفاظ بحقها ... وبه يكون الورد والإصدار
في كل غمرة مأزق يصلى بها ال ... فرسان لا كشف ولا أغمار
يدعون سواراً إذا احمر القنا ... ولكل يوم عظيمة سوار
فيجيب أروع في اللقاء بخيله ... يحمى المضاف وتدرك الأوتار
حامي الحقيقة بالتراث مطلب ... للموت تحت لوائه صبار
إذ لا يزال مقلص عبل الشوى ... بجبينه ولبانه آثار
يدمين من وقع الأسنة والقنا ... وعلى فوارسها الكرام وقار
في فيلق لجب يشب ضرامه ... زرق الأسنة والقنا الخطار
والمعلمون على شوازب ضمر ... قد لاحها التعداء والتكرار
شبه السيوف تسل من أغمادها ... لا يجبنون ولا هم غدار
ورثوا المكارم كابراً عن كابر ... وإليهم بالصالحات يشار
قوم بهم منع الإله حماءه ... وبهم على الملك الغشوم يجار

هذه أبيات قرئت على السيرافي وأنا أسمع، من كتاب الشدة، ومد الحمى، وهو عند أصحابنا مقصور، والشعر عربي عليه فجاجة المحرمين وسيما العنجهيين، ولا يطرد على مثله اعتراض، بل الواجب أن يقتدي به ويرجع إليه؛ وفي الأبيات كلمات غريبة تقتضي التفسير، ولكن أكره التثقيل والتطويل، فإن الكتاب قد أسأم القارئ وأمل الناظر وخيب الطالب ومنع جانبه المستنسخ، والرأي فيما هذا حاله التخفيف والاسترسال، والأخذ بما أمكن في الحال، وعلى ذلك قد جرينا، وإليه انتهينا، والله المعين.
قال أبو العيناء في رجلين فسد ما بينهما: تنازعا ثوب العقوق حتى صدعاه صدع الزجاجة ما لها من جابر.
قال: وقيل لأعرابي وهو على ركية ماء ملح: كيف هذا الماء؟ فقال: يخطئ الفؤاد ويصيب الأست.
قيل لأعرابي: ما تقول في الجري؟ قال: تمرة وسنانة غراء الطرف، صفراء السائر، عليها مثلها من الزبد أحب إلي منه، وما أحرمه.
قال أعرابي: بأبي وأمي رسول رب العالمين، ختمت به الدنيا وفتحت الآخرة.
قال يوسف بن أسباط لعلي النسائي: يا أبا الحسن، أتدري لم اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟ قال: لا، قال: قال الله تعالى: يا إبراهيم تدري لم اتخذتك خليلاً قال: لا، قال: لأنك تأخذ وتعطي.
قيل لأعرابي: لا أقل من الرجاء، قال: بلى والله، اليأس الصريح.
قال بعض أهل اللغة: المنسر: ما بين الأربعين إلى السبعين، والرعلة: ما بين السبعين إلى المائة، والمقنب: من المائة إلى المائتين، والخميس: الخمسمائة، والفيلق: الألف، والجحفل: أربعة آلاف.
شاعر: الهزج
إذا ما كنت ذا مال ... ولم تبن به مجدا
ولم تحي به ذكراً ... ولم تور به زندا
ولم تحرز به أجراً ... ولم تكسب به حمدا
فإن شئت فكن كلباً ... وإن شئت فكن قردا
وإن شئت فخنزيراً ... ترى أسنانه دردا
وإن شئت فكن هزلاً ... وإن شئت فكن جداً
وإن شئت فكن سلحاً ... إلى مخرأة يهدي
قال ابن عمار: تذاكرنا ضيق المنازل، فقال الجماز: كنا على نبيذ لنا، فكان أحدنا إذا دخل الكنيف وجاءه القدح مد يده إلى الساقي فناوله إياه.
قال الفزاري: رأيت مجنوناً يسوي رأس سكران ويقول: توبوا، والله لا أفلحت أبداً.
دخل لص دار قوم فلم يجد فيها شيئاً إلا دواة، فكتب على الحائط: عز علي فقركم وغناي.
لبعض الأشراف يصف كتاباً ورد عليه: الخفيف
صدف شق عن لآل ودر ... أم كتاب قد فض عن نظم شعر
وقواف مقومات لدى الأل ... باب موزونة بقسطاس فكر
أنشد لابن النقاش: الرجز
قلت لها لا تكثري ... خذي فؤادي أو ذري
حبك ما فارقني ... في سفري أو حضري
فليت شعري ما الذي ... عندك لي قالت حري
قلت: فهاتيه إذاً ... قالت: نعم في السحر
فلم أزل في ليلتي ... مغتبطاً بالنظر
حر كبير أملس ... في حسن وجه الخزر
مشاكل منظره ... لما أتى في الخبر
كأنه الأرنب في ... مجثمه للكبر
لم تر عيني مثله ... إلا حر أم البحتري
قال أعرابي لرجل: كن حلو الصبر عند مر النازلة.
سمعت أبا حامد يقول: قرأ عبد الله بن أحمد بن حنبل في الصلاة: اقرأ باسم ربك الذي خلق، فقيل له: أنت وأبوك على طرفي نقيض، زعم أبوك أن القرآن ليس بمخلوق، وأنت تزعم أن الرب مخلوق.
وحكى أيضاً أن المحاملي المحدث قرأ: وفاكهة وإباً، فقيل له: الألف مفتوحة، فقال: هو في كتابي مضبوط.
حكي أن ابن أبي حاتم الرازي قرأ: فصيام ثلاثة أيام في الحج وتسعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة، فقيل: ما أقل بصرك بالحساب.
قال أعرابي: اجتناب أفعاله العامة من المروءة التامة.
نظر مزبد إلى امرأته تصعد في درجة، فقال لها: أنت طالق إن صعدت أو وقفت أو نزلت، فرمت بنفسها من حيث بلغت فقال: فداك أبي وأمي، إن مات مالك احتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم.
وأنشد في سعد صاحب عبيد الله: الكامل
يا سعد إنك قد خدمت ثلاثة ... كل عليه منك وسم لائح

وبدأت تخدم رابعاً لتبيره ... رفقاً به فالشيخ شيخ صالح
يا حاجب الوزراء إنك عندهم ... سعد ولكن أنت سعد الذابح
قال ابن أبي حية: كان عندنا شيخ من الشيعة يتأله، فرأى ابنه يوماً وقد أدخل غلاماً ليعبث به فقال: ما هذا يا فاسق؟ قال: إنه ناصي، قال: فادخل عليه ابن الفاجرة.
دعا محمد المخلوع عبد الله بن أبي عفان ليصطبح فأبطأ عنه، فلما جاء قال: أظنك أكلت؟ قال: لا والله، قال: أتصدق؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فدعا بحكاك فحك أضراسه السفلى، فلما ذهب ليحك العليا قال: يا أمير المؤمنين دعها لغضبة أخرى.
قال أبو مسعود الكسائي: دخلت طاقات العلز فوطئت في شيء حار، فمسسته فإذا هو لين، فشممته فإذا هو منتن، فذقته فإذا هو مر، فنظرت إليه في السراج فإذا هو أصفر، فأريته أبا الشيص فإذا هو خرا، وأنا لا أعرفه.
قال أهل اللغة: التمتمة: الترديد في التاء، والفأفاة: في الفاء، والعقلة: التواء اللسان عند إرادة الكلام، والحبسة: تعذر الكلام، واللفف: إدخال حرف على حرف، والرتة: كالرتج يمنع منه، واللكنة: اللغة الأعجمية، واللثغة: عدل حرف إلى حرف.
قال أعرابي: العذر الجميل أحسن من المطل الطويل، فإن أردت الإنعام فأنجح، وإن تعذرت الحاجة فأفصح.
لجعيفران الموسوس: المجتث
يا سيدس وأليفي ... ومؤنسي وحليفي
أيست من كل خير ... عند ابن سعد الوصيفي
خرجت لا بطفيف ... ولا بغير طفيف
إلا طعاماً يسيراً ... خلفته في الكنيف
أبو العنبس: الهزج
أنا أفديك من بطن ... وثلثاك حر تحتي
وشفران غليظان ... قويان على النحت
أنا أدفع من فوق ... وهي تدفع من تحت
أعرابي:
جارية إحدى بنات الفرس ... تحمل معشوقاً وطيء الجس
يطلى بمسك أذفر وورس ... أولجت فيه أعجراً كالقلس
يشبه في العين بني عرس
أعرابي: الرجز
جارية من شعب ذي رعين ... قد خرجت من أهلها بعيني
يا قوم خلوا بينها وبيني ... أشد ما خلي بين اثنين
آخر: الرجز
جارية من مالك بن مالك ... عزت عن الحسن ولم تشارك
ويحك يا أختي لم بدا لك ... إن تفعلي الخير فقد أنى لك
والله ما أمدح من نوالك ... ولا عطاء من جزيل مالك
بيدك اليمنة ولا شمالك ... إلا امتلاء العين من جمالك
ويلي عليك وعلى أمثالك
أعرابي: الرجز
جارية إحدى بنات الحيره ... ترفل بالعجيزة الكبيره
تأتي الذي تأتيه بالبصيره ... بالركب الوافر ذي الوثيره
تربو لدى النائك كالخميره ... طيبة الخلوة والسريره
تنبأ رجل أيام المأمون فقال: أنا أحمد النبي، فحمل إليه فقال له: أمظلوم أنت فتنصف؟ فقال له: ظلمت في ضيعتي، فتقدم بإنصافه، ثم قال: ما تقول؟ قال: أنا أحمد النبي، فهل تذمه أنت؟ سئل إبراهيم النخعي عن رجل يحيل صاحبه في حقه على رجل آخر، فقال، قال شريح: هو كابن الظئرين يرضع من أيهما شاء.
أتى رجل إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: إن هذا زعم أنه احتلم على أمي، قال: أقمه في الشمس واضرب ظله.
وسئل الشعبي عن رجل مر بغنم فعقره كلبها فقال: إن كان هو الداخل على الغنم فلا ضمان على صاحب الغنم، وإن لم يكن داخلاً عليها فعقره الكلب فصاحب الكلب ضامن.
أسماء مكة: مكة وبكة والنساسة وأم رحم وأم القرى ومعاد والحاطمة؛ ومن أسماء المدينة: طيبة ويثرب.
قيل: العلم يمنح ممتهن نفسه في طلبه صبابة لا إذالة معها، ويصفيه نعمة لا إحالة لها.
قال اللحياني: ويقال إنه أحمق بلغ ملغ - بالكسر فيهما جميعاً، والملغ النذل؛ وإنه لمعفت ملفت إذا كان يعفت كل شيء ويلفته أي يدقه؛ وإنه لسغل وغل، وساغل واغل بين السغولة والوغولة؛ ويقال: ما عنده تعريج على أصحابه ولا تعريج أي إقامة؛ وإنه حقير نقير، وحقر نقر؛ وإنه لعفريت نفريت، وعفرية نفرية.

ويقال: تركتهم في حيص بيص وكصيصة الظبي، وفي حيص بيص أي تركتهم في ضيق، وحكي: تركتهم في حيص بيص؛ وكصيصة الظبي وكصيصه: موضعه الذي يكون فيه.
قال ملك من ملوك الأعاجم: قد خفت أن يكون المظلوم يحجب عني، فجعل لبعض بيوته باباً إلى الطريق، ثم نادى مناديه: من ظلم فليقف حيال هذا الباب إلى الطريق مرة في كل يوم، فمن رآه واقفاً بحياله دعاه فنظر في أمره؛ وكان ذلك الباب يسمى: درسيو ميدان.
قال أنوشروان: قد خفت أن يحجب عني المظلوم، فعلق على أقرب البيوت إلى بيته ستراً، وعلق عليه الأجراس، ونادى مناديه: من ظلم فليحرك هذا الستر حتى أسمع صوت الأجراس فأدعو به.
قال يعقوب: أغرت على العدو إغارة وغارة، ومثلها: أجبته إجابة وجابة، وأجرته أجيره إجاره وجاره، وأعرته عارة وإعارة، وأطفته إطافة وطافة، وأطعته إطاعة وطاعة.
شاعر: الوافر
أحن إليكم إن غبت عنكم ... وما أنا إن دنوت بمستريح
وآتيكم على علم بأني ... أؤوب بحسرة القلب القريح
قال عبد الصمد بن المعذل: هذه القصيدة مما ظلم صاحبها وأخمل ذكره، وصيرها شاذة لا يعرف قائلها، ولولا كراهتي ظلم الأدب لادعيتها، وهي: الكامل
ولقد قضيت من المدامة والصبا ... وطراً ولاعبت الغزال الأكحلا
ومججت في فيه العقار ومجه ... في في ثم غمزته فتدللا
وأتيت أخرى فانثني متمايلاً ... فلثمت خداً وارتشفت مقبلاً
وأباحني من ريقه بلسانه ... عذباً يراح له الفؤاد معسلا
ولويت معصمه فصد بوجهه ... خجلاً ومال وساءني أن يخجلا
كمطوقين تدانيا فتقابلا ... حتى إذا خافا الأنيس تزيلا
فعففت عنه وقد قدرت ولم أزل ... آتى الأعف من الأمور الأجملا
ولقد أروح إلى الندامى لاحفاً ... للأرض هداب الإزار مرجلا
ولقد أنازعها على علاتها ... متراخياً سبط البنان مرفلا
مستهلكاً للمال في لذاته ... يمضي للذته ويعصي العذلا
وإذا لحاه العاذلون وأكثروا ... ولى وقال رؤوسكم والجندلا
عاطيته مما تعتق بابل ... صهباء أرخت عظمه والمفصلا
جريالة تحذي اللسان كأنما ... ذرت مرارتها عليها الفلفلا
طبخت بنار الشعريين ومسها ... برد الشمال فباخ منها ما علا
ومضت لها حجج فمدت دونها ... ستراً بنته العنكبوت مهلهلا
حتى إذا فضت تضوع ريحها ... وكأن تفاحاً بها وسفرجلا
وكأن نكهتها إذا هي صفقت ... مسك يخالط عنبراً وقرنفلا
طابت وأدمنها فأرخت طرفه ... فيخال أحول وهو ليس بأحولا
وأقول: ها خذها إليك وعاطني ... فيقول: هات وكان قبل يقول: لا
ما زلت أعدل بالزجاجة ميله ... حتى تقوم ميله فتعدلا
وإذا الزجاجة عقدت من صعبه ... ناولته أخرى بها فتحللا
داويته منها بها فشفيته ... وشحذت منه بالأخير الأولا
وجرت مجاريها الشمول فسهلت ... من طبعه ما خفت أن لا يسهلا
فكأنه والتاج فوق جبينه ... قمر تراءته العيون مكللا
ولقد شربت بكاسها وبطاسها ... وعدلت بالقاقوزنين القنقلا
وشفيت منها واشتفيت ولم أدع ... في لذة لي بعدها متعللا
يا صاحبي قفا نحي المنزلا ... وتلبثا لي ساعة لا تعجلا
إني تذكرني المنازل أهلها ... فيشوقني ألا أعوج فأسألا
قال القاسم بن عبد الرحمن: اشترى رجل من رجل شاة فوجدها تأكل الذبان، فخاصمه إلى شريح فقال شريح: لبن طيب وعلف مجان.
وقال الحسن البصري: ما أحرزت أم الولد في حياة سيدها فهو لها.
قال الشعبي: من ربط دابة على طريق من طرق المسلمين فهو ضامن.
قال قتادة في الطبيب إذا بط فقتل: هو ضامن إذا أخذ أجراً.

قال حمزة الزيات عن حمران بن أعين: إن رجلاً من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليه يا نبيء الله، وهمز، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لست بنبيء الله ولكن نبي الله.
قال بعض العلماء: أفما ترى إلى إنكار رسول الله صلى الله عليه وسلم الهمز، لأنه لم يجعله من أنبأتك بالأمر، ولا يجوز أن يكون ذهب إلى ترك الحجازيين للهمز، لأنه لو ذهب إلى ذلك كان نبي الله إذا أعطى الحرف حقه، ونبييء الله إذا خفف، فكيف يقول: لست بنبيء الله، وقوله الحق.
قال الأصمعي: سمعت مولى لآل عمر بن الخطاب يقول: أخذ عبد الملك رجلاً كان يرى رأي الخوارج فقال: ألست القائل: الطويل
ومنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
فقال الرجل: إنما قلت: ومنا - أمير المؤمنين - شبيب - بالنصب - أي يا أمير المؤمنين، فخلى سبيله؛ قال ابن قتيبة: أما ترى تيقظه ونقله الكلام بالإعراب عن سبيل هلكته إلى سبيل تجاته؟ وهل يجوز لذي تمييز ولب أن يقول إن هذا لا يعرف المعنى الذي فرق بين الإعرابين؟ وبلغني أن أعرابياً سمع مؤذناً يقول: أشهد أن محمداً رسول الله - بالنصب - ، فقال: ويحك! يفعل ماذا؟ لأنه إذا رفع كان خبراً، وإذا نصب كان وصفاً فاحتاج الكلام إلى خبر، قال: ومثل هذا في الكلام الذي يتم وينقص بالإعراب قولك: كان عبد الله أخانا، هذا كلام تام، فإنك رفعت الأخ نقص الكلام فاحتاج إلى الخبر.
وأم الحجاج قوماً فقرأ: " والعاديات ضبحاً " العاديات: 1، فقال في آخرها " أنَّ ربَّهم " - بالنصب - ثم تنبه على اللام في لخبير، وأن إن قبلها لا تكون إلا مكسورة فحذف اللام فقال: خبير، فكان نقص الكلام أسهل عليه من اللحن.
قال رجل لأعرابي: كيف أهلك؟ فقال الأعرابي: صلباً، ظن أنه سأل عن هلكته كيف تكون، وإنما سأله عن أهله.
قال: وهذا وأشباهه يدلك على معرفة العرب بالمعاني التي اختلف لها الإعراب، وتلك المعاني هي العلل.
وقالت بنت لأبي الأسود لأبيها: ما أطيب الرطب؟ فقال: جنس كذا، أرادت التعجب وذهب هو إلى الاستفهام.
فأما الرفع والنصب والخفض والهمز والإدغام والإمالة وأشباه ذلك فألقاب وضعها النحويون للمتعلمين من العجم والمنطيقيين ليقربوا بها عليهم البعيد ويجمعوا الشتيت، فإذا قال المعلم للمتعلم: حركة كذا رفع، وكل فاعل رفع، وحركة كذا نصب، وكل مفعول به نصب، وحركة كذا جر، وكل مضاف مجرور، وكذا ظرف، والظرف منصوب، وكذا حال، والحال منصوب، كفاه بهذه الجمل على كثرته واعتبار بعضه ببعض؛ وأما العرب فإنها لا تعرف مواضع هذه الألقاب: قيل لأعرابي: أتهمز إسرائيل؟ قال: إني إذن لرجل سوء.
وقيل لآخر: أتجر فلسطين؟ قال: إني إذن لقوي.
وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ قال: الهرة تهمزها.
فكلاهما عرف موضع الهمز، إلا أنه لم يعلم الموضع الذي وضعه النحويون.
ولم يؤت المبطلون للعلل في غلطهم على العرب إلا من جهة الألقاب، لأنهم رأوا التحويين يقولون: رفعت العرب كذا بكذا، ورأوا العرب لا تعرف الرفع ولا النصب ولا الجر، فقضوا عليهم بالكذب وعلى عللهم بالبطلان، ولو أنعموا النظر لميزوا بين المعنيين، ومثل هذا كمن يحيل على العرب بالاستدلال من غير سماع منها لاشتقاق في الجوارح أنها اليدان والرجلان، لأن الاجتراح الاكتساب، وهي الكواسب، وكذلك الجراح في البدن هي الجنايات؛ وتقول في جلده الحد إنه إصابة الجلد بالضرب، لما سمعنا العرب تقول: رأسه وبطنه، قلنا كذا جلده، أي أصاب جلده.
قال بعض السلف: إذا عشت عيش السفهاء ومت موت الجهال، فماذا ينفعني ما جمعت من غرائب العلم؟ مدح أعرابي قوماً فقال: أدبتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تغرهم السلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التسويف الذي قطع به الناس مسافة آجالهم، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال.
دخل أبو حفص الكرماني على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في المداعبة؟ فقال: وهل العيش إلا فيها، قال: يا أمير المؤمنين، ظلمتني وظلمت غسان بن عباد، قال: ويلك، وكيف ذلك؟ قال: رفعت غسان فوق قدره، ووضعتني دون قدري، إلا أنك لغسان أشد ظلماً، قال: وكيف؟ قال: لأنك أقمته مقام هزؤ وأقمتني مقام رحمة، فقال المأمون: قاتلك الله ما أهجاك.

قيل لأعرابي: ما وقفك ها هنا؟ قال: وقفت مع أخ لي يقول بلا علم، ويأخذ بلا شكر، ويرد حشمة.
قال الأصمعي: وصف رجل طعاماً علمه، فقال له أعرابي: هل دعوت عليه أحداً من جيرانك؟ قال: لا، قال: فهل أطعمت يتيماً؟ قال: لا، قال: فجعله الله في بطنك حشاً وقذاذاً.
قال عدي بن حاتم لابن أقيصر: كيف ترى فرسي هذا؟ قال: ما أرى به بأساً إلا انه يعثر، قال: وما يدريك؟ قال: شعرته ميتة لم ينضجها الرحم، فكان كما قال.
قال أبو حاتم: قيل لميمون بن مهران: إن رقية امرأة هشام ماتت فأعتقت كل مملوك لها، قال ميمون: يعصون الله مرتين، يتجملون به وهو في أيديهم بغير حق، فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه.
وأنشد: البسيط
عندي لراجي من ثنتين واحدة ... رد جميل وإرفاق بما أجد
معجل ذاك أو هذا فلا تعب ... ولا عناء ولا من ولا نكد
قال العتبي: خطب زياد الناس فقال: الأمور جارية بأقدار الله، والناس متصرفون بمشيئة الله، وهم بين متسخط وراض، وكل يجري إلى اجل وكتاب، ويصير إلى ثواب وعقاب، ألا رب مسرور لا نسره، وخائف من ضرنا لا نضره.
قال الرياشي: مدح أعرابي رجلاً فقال: كان يفتح ببياته مغلق الحجة، ويسد على خصمه سواء المحجة، ويقبل من العار وجوهاً مسودة، ويفتح للبر أبواباً منسدة.
أنشد أبو عمرو بن العلاء لنهار بن توسعة: الطويل
أمية يعطيك اللها ما سألته ... وإن أنت لم تسأل أمية أضعفا
ويعطيك ما أعطاك جذلان ضاحكاً ... إذا عبس الكز اليدين وقفقفا
هنيئاً مريئاً جود كف ابن خالد ... إذا الممسك الرعديد أعطى تكلفا
قيل لعلي بن أبي طالب: ما بين الخلج وبين قريش؟ فقال: ما بين جحفلة الحمار وخرطوم الخنزير.
قال أبو عثمان النهدي: كان عمر ميزاناً لا يقول هكذا ولا هكذا.
قال الشعبي: دعا عمر حجاماً ليأخذ من شعره، فتنحنح عمر فضرط الحجام، فأعطاه أربعين درهماً.
قال أبو عمران الجوني: جاء يهودي إلى عمر بالشام فقال: يا أمير المؤمنين، أهذا في العدل؟ أخذتم كسبي وأنا قوي، حتى إذا ما كبرت سني، وضعف ركني، تركتموني أهلك ضيعة؟! فقال عمر: ما أنصفناك، ففرض له فريضة وأمر عامله أن شهراً بشهر.
قال ابن عباس: خطب عمر فقال: إياكم والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة مفسدة للجسم مؤدية إلى السقم، وعليكم بالقصد في قوتكم، فإنه أبعد من السرف وأصح للبدن وأقوى على العبادة، وإن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.
ابن المعتز: الوافر
إذا ما المرء خلف أطيبيه ... وأخلق بعد ملبوس جديد
تعذرت الحياة عليه إلا ... حشاشات تردد في الوريد
ويمشي حين يمشي من قريب ... وينظر حين ينظر من بعيد
قال ابن المعتز: ذكرت العراق لمخنث من أهل حمص فقال: لعن الله العراق، لا يشرب ماؤها أو يصلب، ولا يشرب نبيذها أو يضرب.
وقال الصوفي: هي الشميطاء الخرفة، والعجوز المتدللة، والعمياء المكتحلة، والشلاء المختضبة، هواؤها دخان، ونسيمها ضرام، تنقبض فيها أنفس المستغنين، وتصغر فيها أنفس المفضلين، تجارها أسد مفترسون، وصناعها لصوص مختلسون، وهمجها أعفار متسرعون، وجارها حاسد، وهواؤها فاسد.
وقال الصوفي: في عرق أهل بغداد زيت.
لما بنى محمد بن عمران اليزيدي قصره حيال قصر المأمون قيل له: يا أمير المؤمنين باراك وباهاك، فدعاه وقال له: لم بنبت هذا القصر حذائي؟ قال: يا أمير المؤمنين، أحببت أن ترى أثر نعمتك علي غدوة وعشية فجعلتها نصب عينيك، فاستحسن قوله وأجزل عطيته.
لما بنى الحجاج قصره قال له رستم الدهقان: اكسه وحله، قال: بماذا؟ قال: اكسه بالجص وحله بالنقش، ففعل.
وقال الحجاج لإسماعيل بن الأشعث، وكان يحمق: كيف ترى قصري؟ قال: أرى قصراً أستعظم المؤونة على من أراد هدمه، قال: قبحك الله، ويلك، ما خالف بك إلى ذكر الهدم؟! قال أعرابي: أعطت الدنيا ثم استرجعت، والدنيا لئيمة الاقتضاء.

قال عبد الله ابن المعتز: قال الجاحظ عن بعض أصدقائه، قال: رأيت لبعض الملوك تختين من جلدتي حنش، قال: ورأيت في زمان أبي حباباً يمنعني صباي في ذلك الوقت من أن أحكم لطولها بعشرين ذراعاً، وقد قاربتها في ظني، وكنت أراها في صحن الكامل ملقاة قد أمنوا انسيابها وضياعها من كبرها، ورأيت عناقاً لها شهر ولها ضرع تحتلب، ورأيت شظية من ضرس يكون فيها خمسة أرطال.
قال ابن المعتز: كتب إلي القاسم بن أحمد الكاتب رقعة يسألني فيها أن أبعث له بسنور: تعمد أن تكون من الإناث العفيفات عن الأقذار، مساورة فراخ الأطيار، وكشف القدور، وسوء الآثار فيما يحضر من الطعام، وبلاحظ من الالتقام، بمداومة الصفاء والاضطرام، وحرصاً على الظفر بما يظهر، والاحتواء على ما يدخر.
قال عبد الله بن المعتز: أخبرني بعض الكتاب أن أبا العباس ابن الفرات أعلمه أن قيم الفيلة بسر من رأى أخبره أن الفيل يأكل أربعمائة وخمسين رطلاً ويشرب ألفاً وخمسمائة رطلاً من الماء والنبيذ.
قال، وقال الصوفي: ما في الرؤيا أصح من الجنابة.
قال عبد الله: كتب ابن المهدي لأبي يعقوب الخريمي في الشطرنج: الوافر
وخيل قد رأيت إزاء خيل ... تساقي بينها كأس الذباح
بميمنة وميسرة وقلب ... كتعبئة الكتائب للنطاح
إذا ما قتلوا نشروا وعادوا ... صحاحاً لم يصابوا بالجراح
بغير عداوة كانت قديماً ... ولكن لتلذذ والمزاح
وقال عبد الله بخطه، قال رجل لعلي بن أبي طالب عليه السلام: متى أضرب حماري؟ قال: إذا لم يذهب في حاجتك كما ينصرف إلى البيت.
قال بعض ولاة الحجاج: إن رأى الأمير أن يستهديني ما شاء فليفعل، قال أستهديك بغلة على شرطي، قال: وما شرطك؟ قال: بغلة قصير ثفرها، طويل عنانها، همها أمامها، وسوطها لجامها، ما تستبين منها الغفلة، ولا تهز لها الركبة.
العتابي: البسيط
طاف الخيال بنا ليلاً فحيانا ... أهلاً به من ملم زار عجلانا
ما ضر زائرنا المهدي تحيته ... في النوم إذ زارنا لو زار يقظانا
أنى اهتدى وسواد الليل معتكر ... على تباعد مسراه ومسرانا
إن الأماني قد خيلن لي سكناً ... ردت تحيته قلبي كما كانا
حتى إذا هو ولى وانتبهت له ... هاجت زيارته شوقاً وأحزانا
قال رقبة بن مصقلة: ما رأيت مثل هؤلاء الذين يتكئون في المسجد، فإذا حضرت الصلاة قال أحدهم: ما نمت، وقد خري.
قال عبد الله بخطه، قال علي بن محمد بن نصر: الوافر
وكان خيالها يشفي سقاما ... فضنت بالخيال على الخيال
وقال التمار: الوافر
قطعت بها تنائف كل سهب ... وقد قبض الكرى مهج النيام
وقال، قال بعض الظرفاء: للنبيذ حدان: حد لا هم فيه، وحد لا عقل معه، فعليك بالأول واتق الثاني.
وقال ابن المعتز، قال الصوفي وفي يده قدح دو شاب: هذا الليل إذا عسعس؛ وأومأ بيده إلى قدح مطبوخ، وقال: وذاك الصبح إذا تنفس.
قال: وسألته عن أبي جهل وأبي لهب أيهما خير؟ فقال: كلاهما يواري سوءة أخيه.
قال حماد، قلت لإبراهيم: رجل شرب عشرة أقداح فلم يسكر، فشرب أحد عشر سكر، ما الذي حرم عليه؟ قال: القدح الذي أسكره.
قال عبد الله، أنشد علوي عمرياً: الكامل المجزوء
وإذا طرقت فما حضر ... وإذا دعوت فلا تذر
قال: وذاك مأخوذ من قول علي بن أبي طالب عليه السلام: إذا طرقك إخوانك فلا تدخر عنهم ما في المنزل، ولا تكلف ما وراء الباب.
قال جحظة: دعاني فلان فقدم إلي قلية من سنجاب وقطائف ممقورة، أي قدمت حتى حمضت.
كان بعضهم ينفخ زبد القدح ويقول: إذا شرب هذا اجتمعت منه ضرطه.
وقال بعضهم: ليكن النقل كافياً وإلا أبغض بعضنا بعضاً.
قال، وقال بعض الظرفاء: لا أحب المتبختر إلى المستراح والداعي بالرطل بعد خروجه مه بقليل، فإن ذلك من فعله يخبر بالراحة مما لقي.
قال، وقال بعضهم: إذا جمشت فلا تنهب مثل المجنون، ولكن لسع وطر.
وقال آخر: أحب المتبختر في السمط.
قال، وقيل لبعضهم: ألا تصلي؟ قال: ألا يكفيني أن أدوس الأرض حتى أنطحها؟! شاعر: الطويل

إذا ما بحثت الناس عن سر أمرهم ... وفتشت عن مكتومهم جاءك الهم
فعاشر على الإجمال كل مصاحب ... بإظهاره خيراً يكون له سلم
ولا تكشفن الدهر عن سر صاحب ... فترجع حرباً أو عدواً له رغم
قال، وكان على فص أبي العتاهية: أبا زند تق، فكان الناس يتأولونه: أنا زنديق؛ واسم أبي العتاهية زند.
قال، وقال بعضهم: يجتمع في الفرش الطبري فضيلتان في الصيف: برد جسمه، ومجانسة لونه لون الحبة الخضراء، فالنفس تسكن إليه من جهتين.
قال، وقال الصوفي: في النبيذ الدوشاب في الشمس بستندود.
قال، وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي لسعيد بن وهب: انزل حتى أطعمك طعاماً صرفاً، وأسقيك نبيذاً صرفاً، وأغنيك غناء صرفاً، فأطعمه الكباب، وسقاه نبيذاً صرفاً بغير مزاج، وغناه مرتجلاً.
وقال بعضهم: باب السلامة الاقتصاد.
وقال بعض الموسومين بالبخل: فرحة السكر قلة الاحتشام، وفرحة الخمار قلة الإنفاق.
وقال آخر: من كثرت نفقته كثر ندمه، ومن كثر ندمه قلت دعواته.
قال، وقال الصوفي: من جلس على المائدة فأكثر كلامه غش بطنه.
قال علي بن محمد بن نصر: الخفيف
اطرد الهم بالمدامة واعلم ... أن في الراح راحة للنفوس
رب هم أشد من غصص المو ... ت وجدنا دواءه في الكؤوس
وقال أعرابي يحذر قومه وقد صافوا بعض أصحاب السلطان: يا قوم، أحذركم من نشاب معهم في جعاب كأنها نيوب الفيلة، وقسي كأنها العتل، ينزع أحدهم فيها حتى يتفرق شعر إبطه، ثم يرسل نشابة كأنها رشاء متقطع، فما بين أحدكم وبين أن تصدع قلبه منزلة، أو تغلغل في امته حاجز؛ قال: فطاروا والله رعباً قبل اللقاء.
قال العباس بن عبد المطلب يوم حنين: الطويل
وكيف رددت الخيل وهي مغيرة ... بزوراء تعطي في اليدين وتمنع
كأن السهام المرسلات كواكب ... إذا أدبرت عن عجسها وهي تلمع
قال، والعرب تقولك البازي أعجمي، والصقر عربي، والكلاب للصعاليك والفتيان.
قال، وقال أبو حاتم: حدثني فتى من موالي الأنصار قال: بلغني أن عصفوراً كان واقعاً على شجرة، فجاءت حية فصعدت تريده، فلما دنت منه طار وطلب حسكة وجاء بها في منقاره، وأرتقت الحية حتى دنت منه، فلما فتحت فاها ألقى فيها الحسكة، فما زالت تعالجها حتى ماتت.
قال الأصمعي: اتخذ أعرابي كلباً فقيل له: أما علمت أن الملائكة لا تدخل داراً فيها كلب؟ قال: وما أصنع بالملائكة؟ يرون أسراري ويحصون علي.
قال عبد الله، قال بعض الملاح: إن الناس قد مسخوا خنازير، فإذا وجدت كلباً فتمسك به.
وقال: سألت العقيلي كيف تصيدون القطا فقال: ننصب الشباك على الحسي أو الحوض ونطويه ليناً بغير لف حتى يطيع الجاذب، ونجعل تحته عصاً ترفعه، فإذا أخذن الماء جذبنا العصا بحبل في آخرها فوقعت وامتدت أثناء الشباك، فإذا هن يتبحبحن حوله.
قال أبو حاتم: تسمى الرخمة حفصة، وتكنى بأم عجيبة.
قال: وسكن بعض الظرفاء طرفاً من أطراف بلدة كثيرة الخراب، فسمع بعض أهله صوت رخمة، فصاح بها وطردها فقال: لا تنكروا هذا منها، فإنا نحن النازلون عليها، وإنما ينكر صوتها في العمران، فأما الخراب فإن أصواتنا فيه أنكر من صوتها.
قال: وكان بالمدينة رجل من موالي قيس أعرج، وكان مليحاً، فرأى طائراً لبعض موالي هشام بن عروة في القفص فقال: يا أبا المنذر، برئت إلى الله إن كنت رأيت طائراً أملح منه، كأن جناحيه جناحا شاهين، وكأن ذنبه ذنب خطاف، وكأن عينيه عينا غرنوق، وكأن منقاره منقار باز، وإذا هدر تدلى عن حمام، فقال هشام: يسرك أنه لك؟ قال: وددت أنه لي وأن قلفتي مثل المنارة أختن منها كل يوم أنملة.
؟وصف بعضهم طائراً فقال: كأنما ينظر من جمرتين، ويتنفس من تحت درتين، ترويه الغبة، وتكفيه الحبة، إذا أرسل سموه، وإذا أقبل فدوه.

؟قال، وحدثني ابن حمدون قال: كنت قدام المتوكل يوماً، فرأى في البستان طواويس قد نشرت، فأراد أن يقول: قد تشوشت هذه الطواويس، فقال: قد تطوست، فقلت أنا: هذه التشاويش، فنظر إلي وسكت، فلما شرب وعمل فيه النبيذ سمعني وأنا أقول سراً وأتبسم: قد تطوست هذه التشاويش فقال: هيه يا ابن حمدون، قد تطوست هذه التشاويش!! ولم يزل يرددها وأكاد أن أموت خوفاً، والفتح يدخل بيني وبينه ويسكنه حتى نسيها وشغل عنها.
انتهى ما حكيناه عن ابن المعتز.
يقال: كان على خاتم أبي نواس: إخوان هذا الزمان دود وورد وزوان.
قال نطاحة: ليس للمضطر اختيار ولا عليه اعتذار.
وقال نطاحة: سلطان العقل على باطن العاقل أشد من سلطان السيف على ظاهر الأحمق.
قال أسد بن عمرو: دخل قتادة الكوفة فنزل دار أبي بردة، فخرج عليهم وقال: لا يسألني أحد عن مسألة من الحلال والحرام إلا أجبته، فقام أبو حنيفة فقال: يا أبا الخطاب، ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواماً فظنت امرأته أنه قد مات فتزوجت، ثم رجع زوجها الأول وقد ولدت ولداً، فنفاه الأول وادعاه الثاني، فكل واحد منهما قذفها أو قذفها الذي أنكرها، ما جوابها؟ ونظر أبو حنيفة إلى أصحاب قتادة وقال: إن قال فيها برأيه ليخطئن، وإن روى فيها حديثاً ليكذبن، فقال قتادة: ويحك، أوقعت هذه المسألة؟ قال: لا، قال: ولم تسأل عنها؟ قال أبو حنيفة: إنا نستعد للبلاء قبل نزوله، فإذا وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه، فقال قتادة: والله لا حدثتكم بشيء من الحلال والحرام، فسلوني عن التفسير؛ فقام أبو حنيفة فقال: يا أبا الخطاب، ما تقول في قول الله تعالى: " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " النمل: 40 قال: نعم هذا آصف بن برخيا كاتب سليمان، وكان يعلم اسم الله الأعظم، قال: وهل كان يعرف الاسم سليمان؟ قال: لا، قال: أفيجوز أن يكون في زمان نبي من هو أعلم من النبي؟ قال قتادة: والله لا حدثتكم بشيء من التفسير، سلوني عما اختلف فيه العلماء؛ فقام أبو حنيفة فقال: يا أبا الخطاب، أمؤمن أنت؟ قال: أرجو، قال: ولم؟ قال: لقول الله تعالى: " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " الشعراء: 82 قال أبو حنيفة: فهلا قلت كما قال إبراهيم حين قال الله تعالى: " أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " البقرة: 260 فقام قتادة مغضباً، وحلف أن لا يحدثهم بشيء البتة.
وأنشد: الطويل
وبيت خلا من كل خير فناؤه ... فضاق علينا وهو رحب الأماكن
كأنا مع الجدران في جنباته ... دمى في انقطاع الرزق لا في المحاسن
سمعت أبا الجياب يقول: أنا لا اشتهي أنيك غلاماً ...... يقول.... نعمة؛ وكان يقول: ما عرفنا الإدخال ببغداد حتى جاءنا الديلم.
قال أبو الغادي: سمعت غلاماً ظريفاً بخراسان يقول: لا تؤاجروا إلا مع الشيخ والغريب: الشيخ يموت، والغريب يغيب.
لمنصور:الطويل
بإصغاء من يهوي إليك بخده ... لتلثمه عند الفراق على رعب
تجاوز لنا عن سالف الذنب منعاً ... وزرنا فقد تبنا من الذنب
وأنشد لأبي علي ابن مقلة: الخفيف
لست ذا ذلة إذا عضني الده ... ر ولا شامخاً إذا واتاني
أنا نار في مرتقى نفس الحا ... سد ماء جار مع الإخوان
وأنشد أبو الفضل ابن العميد: الطويل
فما مغزل ترعى وهاداً خصيبة ... تهامية أجنى بشامها
بأحسن لا والركن من أم هاشم ... إذا التثمت أو زل عنها لثامها
لقد خفت نفسي أن تكون شقية ... بحبيك هذا أو يلم حمامها
فيا لك عيناً بالدموع شقية ... ويا لك نفساً مستباناً سقامها
قالت قوادة: عندي والله حر أضيق من قلب البخيل، يعلوه وجه أحسن من العافية، بحلق ابن سريج، وترنم معبد، وتيه ابن عائشة، وتخنيث طويس، أجمع هذا كله في بدن واحد بأصفر سليم، قيل لها: وما أصفر سليم؟ قالت: دينار يومك وليلتك.
قال رجل لجارية: أيري يقرأ على حرك السلام، قالت: حري لا يرد السلام إلا مشافهة.
قال رجل لطبيب: أجد قرقرة وبربرة وجرجرة في بطني، فقال الطبيب: لا بأس عليك، هذا ضراط لم ينضج بعد.

سمعت مخنثاً يشتم آخر ويقول: يا سفل السفل، انظروا يا قوم إلى فمه كأنه فقحة، انظروا إلى عينيه كأنهما خصيتين في است ملاح، يا طاعون يا ملمع، يا أوحش من هول المطلع، يا زحير الحاج، يا خرا الأعلاج، يا مصاص الأوداج، رأين في بطنك ألف خراج.
لا تنكر لحناً في خلاله فذاك هو المنقول.
قال عبد الله بن عمرو بن العاصي: من عجائب الدنيا مرآه كانت معلقة بمنارة الإسكندرية، فكان الإنسان يجلس تحتها فيرى من بقسطنطينية وبينهما عرض البحر؛ وفرس من نحاس بأرض الأندلس عليه راكب من نحاس يشير بكفه أن ليس خلفي مسلك، ولم يسلك أحد وراءه إلا هلك؛ ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض عاد، فإذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء فيشرب الناس ويسقون نعمهم ويملأون حياضهم، فإذا انقضت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء؛ وشجرة من نحاس عليها سودانية من نحاس بأرض رومية، فإذا كان أوان الزيتون صفر السودانية التي من النحاس فتجيء كل سودانية في اقطار الأرض ومعها ثلاث زيتونات، زيتونة بمنقارها وزيتونتان بين رجليها، وتلقي ذلك على تلك السودانية من النحاس فيأخذه أهل رومية، ويكفيهم سنتهم لأكلهم وسرجهم.
قال المدائني: نزل رجل من الخوارج على أخ له من الخوارج في استتاره من الحجاج، وأراد المنزول عليه شخوصاً إلى بلد لبعض الحاجة فقال لامرأته: يا زرقاء، أوصيك بضيفي هذا خيراً، نفذ لوجهه، فلما عاد بعد شهر قال لها: يا زرقاء كيف رأيت ضيفنا؟ قالت: ما أشغله بالعمى عن كل شيء، وكان الضيف أطبق عينيه فلم ينظر إلى المراة والمنزل إلى أن عاد زوجها.
حلف أبو عباد الكاتب بالطلاق أن يقلع عين كل غلام يحجب من يحبه وقال: حملين على هذه اليمين ما لقيت من شدة حجاب الناس لي بعد موت أبي.
قال بعض السلف: ما لقينا كتيبة فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أوصى بعضنا إلى بعض.
قال أبو حامد: جلي رجل إلى قوم، فصاح به إنسان من خلفه فقال له: كيف أنت؟ فالتفت فمات، فقيل لابنه: كيف مات أبوك؟ فحكى لهم كيف مات أبوه، فمات هو.
وأنشد: الكامل
حب الأديب على الأديب فريضة ... كمحبة الآباء للولدان
وإذا الأديب مع الأديب تجالساً ... كانا من الآداب في بستان
لا شيء أحسن منهما في مجلس ... يتناثران جواهراً بلسان
لعوف بن محلم في عبد الله بن طاهر، وكان شيخاً كبيراً سلم عليه عبد الله فلم يسمع، فلما أخبر أنشأ يقول: السريع
يا ابن الذي دان له المشرقان ... طراً وقد له المغربان
إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وبدلتني بالشطاط انحنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان
وقاربت مني خطاً لم تكن ... مقاربات وثنت من عنان
وبدلتني من زماع الفتى ... وهمه هم الجبان الهدان
ولم تدع في لمستمتع ... إلا لساني وبحسبي لسان
أدعو به الله أثني به ... على الأمير المصعبي الهجان
فقرباني بأبي أنتما ... من وطني قبل اصفرار البنان
وقبل منعاي إلى نسوة ... أوطانها حران والرقتان
دخل أبو الهذيل على الواثق، فقال له الواثق: يا أبا الهذيل من الذي يقول: المنسرح
ما مر في صحن قصر أوس ... إلا تسجى له قتيل
فإن يقف فالعيون نصب ... وإن تولى فهن حول
فقال أبو الهذيل: رجل يقال له أبو حيان الدرامي، وهو بصري يقول بإمامة المفضول، وله من كلمة: الطويل
أفضله والله قدمه على ... صحابته بعد النبي المكرم
بلا بغضة والله مني لغيه ... ولكنه أولاهم بالتقدم
لأبي الأسد: المنسرح
ليتك أدرتني بواحدة ... تقنعني منك آخر الأبد
تحلف ألا تبرني أبداً ... فإن فيها برداً على كبدي
اشف فؤادي مني فإن به ... علي قرحاً نكأته بيدي
إن كان رزقي إليك فارم به ... في ناظري حية على رصد
قد عشت دهراً وليس يقنعني ... هذا الذي قد كفيت من أحد

وكيف أخطأت لا أصبت ولا ... نهضت من عثرة إلى سدد
لو كنت حراً كما زعمت وقد ... كددتني بالمطال لم أعد
لكنني عدت ثم عدت فإن ... عدت إلى مثل هذه فعد
الآن أيقنت بعد فعلك بي ... أني عبد لأعبد قفد
فصرت من سوء ما رميت به ... أدعي أبا الكلب لا أبا الأسد
آخر: الراجز
يا ناعش الجد إذا الجد عثر ... وجابر العظم إذا العظم انكسر
أنت ربيعي والربيع ينتظر ... وخير أنواء الربيع ما ابتكر
قال أبو العيناء، حدثني القحذمي قال، قال خالد بن صفوان: حبس يزيد بن المهلب ابن أخ لي، فصرت إلى بابه أنظم له كلاماً كما تنظم الفتاة عقدها لعيدها، ثم أذن لي، وبين يديه جارية كأنها مهاة وفي يدها مجمرة ذهب، فلما رأيتها سلبت الكلام الذي كنت أعددته، وحضرتني كلمتان فقلت: والله ما رأيت صدأ المغفر ولا عبق العنبر بأحد أليق به منكم، قال: حاجتك؟ قلت: ابن أخي محبوس، قال: يسبقك إلى المنزل، فجئت إلى المنزل وقد سبقني إليه.
قال أبو العيناء، قال محمد بن عباد: دخلت إلى أمير المؤمنين المأمون فجعل يعممني بيده، وجارية على رأسه تبسم، فقال: مم تضحكين؟ فقلت: أنا أخبركم يا أمير المؤمنين، تتعجب من قبحي ومن إكرامك لي، قال: فلا تعجبي، فإن تحت هذه العمة مجداً وكرماً.
قال أبو العيناء، أنشدني السندي: الطويل
وإني لأهوى ثم لا أتبع الهوى ... وأكرم خلاني وفي صدود
وي النفس عن بعض التضرع غلظة ... وفي العين عن بعض البكاء جمود
وأنشد أبو محلم: الرجز
قد أغتدي والليل في جريمه
معسكراً في الغر من نجومه
والصبح قد نشم عن أديمه
يدعه بدفتي حيزومه
دع الوصي لحيي يتيمه
فقال: أراد لحيي فحرك، ونشك فلان في الشيء إذا بدأ فيه ولم يتممه، ودفنا الشيء: جانباه، والدعن: الدفع.
سمع أعرابي المغيرة بن شعبة يقولك من زنى تسع زنيات وعمل حسنة واحدة محيت عنه التسع وكتبت له الحسنة، فقال الأعرابي: هلموا إذاً نتجر في الزنا.
قال ابن دريد: يقال: عال الرجل يعيل إذا تبختر في مشيته، قال الشاعر:
عيال بأوصال
وقيل بآصال؛ وعال يعول إذا جار، وأعال يعيل إذا كثر عياله، عال الأمر إذا أثقل، والعالة: شجرة يقطعها الراعي فيطرحها على شجرتين متقاربتين ليكثف ظلها لغنمه، ولفاعل معول، والعويل: تردد البكاء في الجوف، والمعول: الفأس الذي تكسر به الحجارة، وهو مفعل من العول كأنه من الثقل، والمعاول: بطن من العرب ينسب إليهم معول، ومن قال: معولي فقد أخطأ، ويقال: عال يعيل عيلة إذا افتقر.
قال فيلسوف: قل من حاولت استيفاء الحق منه إلا أنكرته، وقل من أنكرته إلا أغضبته، وقل من أغضبته إلا عاداك أو عاديته.
قال الكسائي: أصابت الأعراب مجاعة، فتحولت طائفة منهم من البدو إلى الحضر، فصرت إليهم لأسأل عن أهل بيوتات كنت أعرفهم بالفصاحة، إذ سمعت شيخاً منهم وفي حجره صبي ابن أربع سنين، يزيد أو ينقص، يبكي، فنادى الشيخ: يا كلب، فأجابه صبي خماسي عليه مدرعة شعر قد أخذت من صدره إلى حجزته، وسائر جسده مكشوف، فقال: ها أنا ذا يا أبة، فقال: ما لك أبكيت أخاك؟ فقال: والله ما فعلت ، غير أني كنت ماشياً وهو يفوقني إذ بصرت بتميرات مطروحات، فأهويت نحوهن لآهذهن فعازني عليهن فدفعته عنهن، فأقبل إليك باكياً، وقد والله يا أبة أعطيته شطر ما أخذت، ما وترته من ذلك شيئاً، فقال الصبي: كلا والله يا أبة، إنه لباطل ما قال، لكني بصرت بهن قبله، فأهويت لآخذهن، فلطمني لطنة أغطشت منها عيناي حتى، فابتزهن من يدي وحال دون أخذهن، فلطمني لطمة أغطشت منها عيناي حتى اغرورقتا بالدموع، فابتزهن من يدي وحال دون أخذهن، ولا والله يا أبة، وإلا فجعلن لي آخر زاد، إن كنت رزأته أو أرزأني منهن شيئاً؛ فكتبت قول الصبيين وانصرفت.
قال يحيى بن زياد: المتقارب
أقول لذي طرب فاتك ... إذا مل ذو النسك من نسكه
دع النسك ويحك لا تبغه ... وعاون أخاك على فتكه
ولا تقع الدهر في صاحب ... وإن أكثروا فيه بل زكه

ولا تبكين على ناسك ... وإن مات ذو طرب فابكه
ونك من وجدت من العالمين ... فإن الندامة في تركه
قال يعقوب: يقال: كلم فلان فلاناً فما أرجعه بشيء: أي سأله فلم يعطه.
فافتخرت جاريتان من العرب بقوسي أبويهما، فقالت الواحدن: قوس أبي طروح مروح تعجل الظبي أن يروح، وقالت الأخرى: قوس أبي كزة لزة تعجل الظبي النقزة؛ هكذا رواه يعقوب وقال: النقزة: القفزة.
كاتب: قل من يضبط في وجهه صفرة الفرق، حمرة الخجل، وإشراق السرور، وكمد الحزن، وسكون البراءة، واضطراب الريبة.
كاتب: قل من أجمع أمراً جليلاً إلا كاد القلق به يبدو في حركاته إلى أن يمضيه؛ فكذلك قلقه في وقت إمضائه كاد يكشف مستوره.
قال يعقوب: خزن لسان الرجل، وخزن الرجل لسانه؛ وقال: العاثي: المفسد، يقال: عاث يعيث، وعثا يعثو، وعثى يعثي.
يقال: إن أزدشير ومن تقدمه من ملوك الفرس كانوا لا يثبتون في ديوانهم الطبيب إلا بعد أن يلسعوه أفعى ثم يقال له: إن شفيت نفسك فأنت الطبيب حقاً، وإن مت كانت التجربة عليك لا علينا؛ وكان ملوك الروم إذا اعتل طبيب أسقطوه من يدوانهم وقالوا له: أنت مثلنا؛ فهذا كله من الظلم المبرح والتحكم الفاحش.
وكان بعض ملوك العرب إذا جاءه طبيب قدم إليه مائدة وأمره أ، يركب فيها إذاء لتقويه أبدان المجاهدين، وعلاجاً للمرضى، وتدبيراً للناقهين، وتفكهاً للمترفين، وسبباً ممرضاً وسماً قاتلاً للأعداء، فإذا فعل ذلك كله أثابه وإلا صرفه.
وهذا الملك كان إذا أراد قتل إنسان خبز رغيفاً، فإذا أكله آكل اعتل بعد ثلاثين يوماً، ومات في اليوم العشرين والمائة، سواء، وهذا لا يقدر عليه إلا الماهر بالطب.
حدثني بهذا كله فيروز الطبيب، وكان ظريفاً وكان طويل اللسان كثير الكلام. وسمعت ابن المرزبان الفقيه في علته يقول: ما طالت علي العلة إلا من هذيات فيروز؛ وكان مع ذلك مولعاً بالكيمياء، وزعم انه وقف منه على سر الأسرار، وعلى غنيمة الغنائم، وعلى حقيقة الأمر، وكان يعرف بالتزيد، وقل من طال لسانه وبذؤ لفظه إلا كان مرمياً بالكذب، معروفاً بالخنا، ملوماً على الفحش.
وكنت أحب أن أشفي قرمك بالكلام في الكيمياء، وأحكي لك مدار القول على صحته، وغاية ما يمكن في إبطاله أو تحقيقه، ولكن الكتاب قد تهنق في آخره جداً لبقية أنا عاجز عن تتميمها والتلوم عليها، وجمع أطرافها وضم نشرها، وإذا رأيت لذلك وجهاً، ووجدت عليه معونة، وإليه داعياً، فعلت مفيداً ومستفيداً، فحظي فيما أبينه عند الدرس المذاكرة ضعفاً حظ الواقف عليه من المقتدين منه.
نعود الآن إلى حال بالنا في وآية البقية من الكتاب لعل شمله ينتظم، وأمري به يلتئم، فقد غمرني غامره، وأعياني مختلفه، وسد متنفسي شتيته، وعرضني لسهام الطاعنين جملته وتفصيله، والله يأخذ باليد، ويصل كفاية اليوم بالغد، فالرجاء فه قوي، وهو لكل خير أهل، وبكل فضل ملي.
يقال إن بعض الأطباء قال: كان القدح مجهولاً على قديم الدهر إلى أن رأوا كبشاً كان عمي بنزول الماء في عينيه، فقدحته شوكة وهو يرعى فأبصر؛ وكان العلاج بالحقنة مجهولاً إلى أن رأوا طائراً يحقن نفسه بماء البحر فتعلم منه؛ وقال جالينوس: الأفاعي والحيات إذا عشيت أبصارها تطلب أصول الرازيانج وتحك أعينها بها فتبصر؛ ويقال: إن الطبيب الحاذق يشبه الملاح الحاذق في البحر، وحذق الملاح قبل هيجان الريح ما يرى من مخايله، فإن وجد مرسى بادر إليه، وإن منعه عظم اللجة احترز بالرفق.

قال الحسن بن علي قاضي مرو: كان أبو حنيفة من أفطن الناس، وذلك أن رجلاً كان يتجمل بالستر الظاهر والسمت البين، وكان يلبس على ذلك، فقدم رجل فأودعه مالاً خطيراً وخرج حاجاً، فلما قضى نسكه عاد إلى صاحبه وطلب وديعته فجحده، فألح عليه فتمادى، وكاد يهيم الرجل، واستشار ثقة له: كف عنه وصر إلى أبي حنيفة فدواؤك عنده، فانطلق الرجل إليه وخلا به وأعمله شأنه وشرح له قصته، فقال له أبو حنيفة: لا تعلم بها أحداً، وامض راشداً وعد إلي غداً، فلما أمسى أبو حميفة جلس كعادته واختلف الناس إليه، فجعل يتنفس الصعداء كلما سئل عن شيء، فقيل له في ذلك قال: إن هؤلاء - يعني السلطان - قد احتاجوا إلى رجل يعثوبه قاضياً إلى مكان، فقال الناس: اختر من أحببت فما يحضرك إلا نجم، ثم أسبل كمه وخلا بصاحب الوديعة وقال له: أترغب حتى أسميك؟ فذهب يتمنع عليه، فقال له أبو حنيفة: اسكت فإني أبلغ لك ما تريد، فانصرف الرجل مسروراً يظن الظنون بالجاه العريض والحال الحسنة، وصار رب المال إلي أب حنيفة فقال له: امض إلى صاحبك ولا تخبره بما بيننا ولوح بذكري، وكفاك، فمضى صاحب الوديعة إلى الرجل لك وفاه ماله، فصار الرجل إلى أبي حنيفة وأعلمه رجوع المال إليه، فقال: استر عليه، ولما غدا الرجل إلى أبي حنيفة طامعاً في القضاء، نظر إليه أبو حنيفة وقال: إنه قد نظرت في أمرك فرفعت قدرك عن القضاء.
قال بقراط: لا ينبغي أن يقدم أحد بسقي الدواء للتجربة، فإنه ربما ضر قوماً، مثال ذلك ماء الحندقوق فإنه إذا صب على موضع نهش الأفاعي والرتيلا سكن الوجع من ساعته، وإذا صب على موضع لم تنهشه الأفاعي عرض له مثل ما يعرض من نهش الأفاعي، وقد يحتال قوم من الأطباء في سقي ذلك للمفلوج الذي قد يئس من برئه.
وقالوا: الطبيب الحاذق يصير بحذقه السم دواء نافعاً، والجاهل يصير الدواء سماً قاتلاً، مثال ذلك أن الجاهل بالطب إذا أخذ الصندل فسحقه كالكحل ثم طلاه على بدن رجل كثير الحرارة طلياً ثهيناً دخلت تلك الأجزاء الدقيقة في منافس الجسد ومسامه، فتهيج حرارة البدن بما أدخل عليها من برد الصندل. والطبيب الحاذق يأخذ العود الهندي فيسحقه سحقاً جريشاً ثم يطليه على البدن طلياً فيقاً، فيصل ا فيه من الرطوبة إلى حرارة البدن فيبردها، ويجد الحر سبيلاً إلى الخروج، فتصير حرارة العودة مبردة للبدن بتدبير الطبيب الحاذق؛ قال: ولذلك قيل: لا ينبغي للإنسان أن يسكن بلداً ليس فيه أربعة أشياء: ملك عادل، وماء جار، وطبيب عالم، وواد عظيم.
وقال معبد بن مسلم: الوافر
جزى الله الموالي عن أخيهم ... فكل صحابة لهم جزاء
بما فعلوه إن خيراً فخير ... وإن شراً كما امتثل الحذاء
فما أنصفتم والنصف يرضى ... به الإسلام والرحمن البواء
أردتهم النصيحة من لدني ... فمجوا النصح ثم ثنوا فقاءوا
وقلت فدى لكم عمي وخالي ... فما قبل التودد والإخاء
وةكيف بهم وإن أحسنت قالوا ... اسأت ولو غفرت لهم أساءوا
لجاهلي: الكامل المجزوء
أأمام إن الدهر أه ... لك صرفه إرماً وعادا
وابتز داوداً وأخ ... رج من مساكنه إيادا
وسما فأدرك أسعد ال ... خيرات قد جمع العتادا
البيض والحلق المضا ... عف نسجه وحوى التلادا
وله كتائب يجنبو ... ن الخيل شقرا أو ورادا
فسعى لهم والدهر يح ... دث بعد صالحه فسادا
وكأن ذلك لم يكن ... إلا التذكر حين بادا
أبني إن القدر لم ... تفضح أباك ولا الرمادا
أبني كن كأبيك يط ... رق في الملمة أو يغادى
قال أبو الفضل ابن العميد: لكل صباح صبوح، ومع المخض يبدو الزبد، ومن الحبة تنشأ الشجرة؛ ونسبخا إلى العرب.
قال أنس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو كان لأحدكم عسل وله إناءان، أين كان يجعله عسله؟ قالوا: في أنظفهما أو أطهرهما، قال: فكذلك الله تبارك وتعالى، لا يجعل العلم إلا في أنظف القلوب وأحبها إليه.

قال إسماعيل بن أبي أويس: سمعت مالك بن أنس يقول: لم يزل الناس على أن الإيمان قول وعمل حتى نشأ بالعراق مشؤوم يقال له أبو حميفة فابتلي وابتلي الناس به، وأكثر ما ابتلى به أهل خراسان.
قال ابن عمر: إذا جعلت المشرق على يسارك، والمغرب على يمينك، ففيهما بينهما القبلة.
قال أبو هريرة: " فإن له معيشة ضنكاً " طه: 124: عذاب القبر.
قال أنس، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا بني.
قالت عائشة: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد.
قال أنس بن مالك: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبيان في المكتب فسلم عليهم.
قال أبو الدرداء، قال النبي عليه السلام: مثل الذي يعتق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع.
قال أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الاقتصاد نصف العيش، وحسن الخلق نصف الدين.
أنشد الآمدي لأعرابي: الرجز
بيضاء في وجنتيها احمرار ... يعيبها جاراتها القصار
هن الليالي وهي النهار
قال فيلسوف: محل الملك من رعيته محل الروح من البدن، فالروح تأمل لألم كل عضو من أعضاء البدن، وسائره لا يألم لألم غيره، وفي فساد الروح فساد جميع البدن، وقد يفسد بعض البدن وغيره من سائر البدن ليس بفاسد.
قال فيلسوف: أفضل الناس من كان سخياً شحيحاً، خفيفاً ثقيلاً، جريئاً جباناً، أصم سميعاً، قائلاً عيياً، ضريراً بصيراً؛ يقال: أراد بذلك من كان سخياً بدنياه شحيحاً بدينه، خفيفتً إلى طاعة الله ثقيلاً في معصيته، جريئاً في الحق جباناً عن الباطل، أصم عن الجهل سميعاً للعلم، قائلاً للصواب عيياً بالخطأ، ضريراً في المنكر بصيراً في المعروف.
قال أبو محمد القرشي النحوي، وهو من القدماء، يقال: هي السلاح وهو السلاح، وهي الذراع وهو الذراع، وهي الكراع وهو الكراع، وهي الطباع وهو الطباع، وهي اللسان وهو اللسان، وهي السبيل وهو السبيل، وهو الكلأ وهو الكلأ، وهو السوق وهو السوق، وهو الروح وهو الروح، وهي النخل وهو النخل، وهي النحل، وهو النحل، وهي الأنعام وهو الأنعام، وهي القفا وهو القفا؛ قال الشاعر: الوافر
فما المولى وإن عرضت قفاه ... بأحمل للمحامل من حمار
ويقال: هي الشعير وهو الشعير، وهو البر وهو البر، وهي السلم وهوالسلم، وهي الفرس وهو الفرس، وهو الخمر وهو الخمر، ومضى له سن ومضت له سن، وهي الحال وهو الحال، وهي الإزار وهو الإزار، وهو الرداء وهي الرداء، وهو السراويل وهو السروايل، وهو العراق وهي العراق، وهو الشام وهو الشام، وهي العقب وهو العقب، وهو العنق وهي العنق، وهي الدرع وهو الدرع، ودرع المرأة يذكر، وهو السلطان وهي السلطان، وهي السكين وهو السكين، وهي الدلو وهو الدلو، وهي الإبط وهو الإبط، وهي السلم وهو السلم ومعناه الصلح، وهي الوراء وهو الوراء، ويقال فلان وربه فلان، ووريئة تصغير؛ وهي القدام وهو القدام، وهو القمطر وفي القمطر، وهي الطست وهو الطست، وهو الفلك وهل الفلك، وهو الآجر وهي الآجر، وهي البسر وهو البسر، وهو المتن وهي المتن، وفي الصاع والصواع، قال الله تعالى: " قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " يوسف: 72، وقال تعالى: " ثم استخرجها من وعاء أخيه " يوسف: 76، وسقط النار يذكر ويؤنث، وهي العنكبوت هو العنكبوت، وهي العاتق وهو العاتق، وهي العجز وهو العجز؛ قال الأصمعي: يقال: عجز المرأة وعجز وعجز وعجز؛ قال: ومثله عضد وعضد وعضد وعضد؛ ويقال هو نمير وهو نمر.
العتبي: الكامل
الصبر بحسن في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه مذموم
من كان أغلفه الزمان فقد سطت ... كف علي من الزمان غشوم
حتى بكى لي من رآني رحمة ... إن المصاب بشيبه مرحوم
فدع الزمان فليس يعتب عاتباً ... إن الذي لام الزمان ملوم
كان طلحة بن عبد الله بن طاهر ينادم أحمد بن أبي خالد الأحول، فأطال منادمته، وبلغه أن عليه عيلة وديناً فوجه إليه أحمد بن أبي خالد ألف ألف درهم، فحلف الطاهري أن لا يقبلها، فبلغ إبراهيم بن العباس فقال: لله در أحمد متبرعاً، ودر الطاهري متنزهاً.

جرى بين الرشيد وزبيدة حديث نزاهة نفس عمارة بن حمزة فقالت له: ادع به وهب له سبحتي هذه، فإن شراءها خمسون ألف دينار، فإن ردها عرفنا نزاهة نفسه؛ فوجه وراءه فحضر، فحادثه ساعة ورمى بالسبحة إليه فقال: هي ظريفة تصلح لك، فجعلها عمارة بين يديه، فلما قام تركها، فقالت: نسيها، فأتبعوه خادماً بالسبحة فقال للخادم: هي لك، فرجع فقال: وهبها لي عمارة، فما أخذتها من الخادم إلا بألف دينار.
قال جحظة: فقدت مشربة من فضة في دار بعض الرؤساء الجلة، فوجه إلى ابن خامان المنجم فحسب فقال: المشربة سرقت نفسها، فضحك منه فغاظه ذلك فقال: هل في الدار جارية يقال لها فضة؟ فأحضرناها فقال: هذه أخذتها، فسألناها فأقرت، فقال: الفضة أخذت الفضة، وخرج غضبان، فوصل بمال، فحلف بالطلاق أنه لا يقبل شيئاً.
وافتقدت امرأة بعض التجار خاتماً من ياقوت كان يدها، فوجهت إلى أبي معشر، فحسب فقال: الخاتم الله عز وجل أخذه، فتعجب منه، ثم عادت تطلبه فوجدته في أثناء ورق المصحف.
- لهذه - حفظك الله - أخوات قد طال السمر بها، وفي عرض الكتاب ما يستوفي التعجب منك، ويوكل العجب بك، وفيه المختلق وفيه المحقق، وعلم النجوم حق، أعني أن آثار الأسباب العلوية واصلة إلى المواد السفلية لأن بعضها مرتبط ببعض، ولكل واحد منها مفعول فيها، ولكل مؤثر متأثر، والجميع جار على نظامر لا خلل فيه لا دخل عليه، ولكن إدراك خفاياها صعب عسير بل ممتع مستحيل، وذلك أن الأدلة كثية، ويه مع كثرتها مختلفة، ومع اختلافها ملتبسة، مع التباسها خفية، ومع خفائها بعسدة نائية، وطالب حقائقها ذو قوة قصيرة، ينفلت منه في حال تحصيله أضعاف ما يظفر به، فلهذا ما يقل صوابه ويكثر خطاؤه، ولكن الناس لهجون في باب النجوم خاصة برواية ما أصيب فيه وإخفاء ما أخطى به، وبسط العذر فيما عرض له تقصير وإطالة القول فيما صحبه أدنى بيان، لو جمع صواب البارع من أهل الصناعة لما كان إلا مثل صواب الزراق وصاحب الإكران، والمولع بالحدس ومرسل الخاطر نحو الشيء. على أن أصحاب التحصيل منهم يعترفون بأن الغيب لا دليل عليه ولا سبيل بوجه إليه.
وقد كان غلام زحل، وكان شيخ هذا الشأن، وله صواب مدون وخطأ مدفون، وحسن ظاهر، وقبح مستور، وصدق مروي وكذب متأول، قال: إن عضد الدولة سيدخل بخيله ورجله مصر ويطمئن بها مدة ويكون له بها شأن شهير، حدثني بهذا شيخ موثوق به؛ قال، فقلت له: أنا أنا بغير النجوم فأزعم انه لا يكون من هذا قليل ولا كثير. فما مرت الليالي حتى صح حدس هذا الشيخ، وبطل حكم ذلك الشيخ؛ وقد قال أرسطاطا ليس: الناس كلهم يعلمون الغيب، ولكن بعد أن يتم الأمر.
وكان بعض أصحابنا يقول أيضاً في لفظ أحكام النجوم كلاماً طرياً - زعم أنه لو صح علم النجوم وأمكن إدراكه لكان الخلاف في أمر الدين والدنيا يسقط، وذلك أنا مثلاً إذا أردنا أن نعلم أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق، أو الباري يرى بالأبصار أو لا يرى، أو الشفاعة حق أو لا، أو عذاب القبر صحيح أم لا، وأبو بكر أفضل أم علي، أو الحجاج يدخل النار أو لا، وهل سفشو مذهب فلان أو لا، يرجع إلى الصناعة، ويستنبط منها الحق من الباطل، واليقين من الشك، وتنفى المكاره بالواجب، ولا يباشر ما يلام فيه ولا يأتي ما يندم عليه، وهكذا إذا أردنا أمر الدنيا في عقد دولة لا تزول، وإقامة دعوة لا تدرس، وبث حال لا تمحى، وتغليب من لنا فيه هوى، وتقديم من له عندنا يد، وتمليك من ننتعش بسلطانه، ونهيش في كنفه، وهذا أمر معجوز عنه، ما يؤمن منه، وقد ضرب دونه الأسداد.

وكان يقول أيضاً: هذا العلم من شرف منصبه، ودقة مذهبه، وبعد مأخذه، عار من الفائدة، خال من العائدة، يبين لك ذلك بمثال أنصبه، ومثل أضربه: اعلم أنك لو قلت لنحوي: ما فائدة علمك بالنحو، وما غاية غرضك فيه؟ لقال: معرفة المعاني، وتجلية ملتبسها، والتوغل في دقائق معاني كلام الله رب العالمين، وكلام المبعوث بالحق إلى الخلق أجميعن، ولولا علمي بالنحو لبطل مراد كثير، وجهل باب كبير، فتقول له: ما أحسن ما توخيت، إنك لسعيد؛ ولو قلت لفقيه: ما منتهى أمرك في الفقه؟ لقال: إن الدين محيط بحلال أو حرام، وواجب ومستحجب، وعلة وحكم، وقضاء وفصل، وكل ذلك مقرون بعلم وعمل، ومتى جهلت العلم أفسدت العلم، وعند ذلك ترى اختياره أشد اختيار، ورأيه أثقب رأي؛ وكذلك جواب الطبيب والمهندي، ومن شئت من أصحاب الصنائع المهيأة بالعلم، والعلم الموصول بالعمل؛ وما هكذا المنجم، فإنه إذا وجب عنده باقتران كوكبين، ومناظرة شكلين، واجتماع نحسين أمر، فلا سبيل له إلى اتقائه والهرب منه، إنما عجز عن ذلك لأنه تابع للفلك، وليس الفلك تابعاً له؛ وإذا كان كونه في العالم ضرورياً فصورة كونه تابعة لأصل كونه.
وقد كان بعض المتحذلقين تعسف في هذا المعنى قولاً، وذلك أنه قال: النفس فوق الفلك، وقد أرى الشيء بالحساب على نحو ما، فأعدل عنه بقوة النفس إلى نحو آخر، فأكون منتفعاً بما علمت؛ وهذا كلام لا نور عليه ولا حقيقة له، لأنه إن عدل من جهة إلى جهة فذلك العدول بأثر ظاهر أو علة خافية، وليس له منه أكثر من انقياده من جهة إلى جهة بقائد علوي ظاهر أو خفي، وإن عسر عليه العدول فقد جاء ما أقول من الاضطرار القائم والواجب اللازم.
وكان يقول: الأمور كلها جارية بالقضاء والقدر، فسألته عن معنى القضاء والقدر، فأملى علي ما أنا حاكيه الآن، وإن كنت قد أمللت بما أطلت، وثقلت بما نقلت: زعم أن المرجع من هذين الاسمين في المعنى على التحصيل إنما هو إلى اتساق الأمور واطادها وتتابعها على وجوهها، فإن تعلق بعضها بالاختيار فليس الاختيار أنشاه، ولكن بالاختيار كان منشأه، وقال: ليس العجر أن بالاختيار كان اتساقه، ولكن العجب أنه كان على الاضطرار مساقه.
وقال أيضاً: ومن علم أن العقل قد قسم فاعلاً على الإطلاق، ومنفعلا " ً على الإطلاق، ووسيلة تتشبه بالفاعل فوقه فيفعل، وتتشبه بالمنفعل فينفعل، فكأنها تأخذ من الأول، ويأخذ منها الثاني، وكأنها تقبل من فوقها ويقبل مها ما تحتها، علم أن اطراد هذا الباب لم يدع للاختيار شعبة إلا ما ترك الاضطرار.
وقال أيضاً: ومن الاضطرار أن يكون الامتيار، وليس من الاختيار أن يكون اضطرار، فكأن الاضطرار يوجب الاختيار في كونه اختياراً، وليس الاختيار موجباً للأضرار في كونه اضطرار من سنخ العالم وسوسه، والاختيار من حشو العالم وغروسه.
قال: وإنما أشكل المعنى في هذه الدعوى من وجه طريف، وذلك أنه وضع الواضع أن الأمور ثلاثة: واجب وممتنع - وهما الطرفان - وممكن بينهما، وهذا الموضع صحيح لكنه راجع إلى الضرورة، أعني انه من الضرورة أن يكون الممتنع ممتنعاً والممكن ممكناً والواجب واجباً، وكأن الضرورة قد عمت الثلاثة، وقصرتها على ما انقسمت عليه حتى لا ينقلب الواجب عن حد الوجوب إلى حد الإمكان، ولا الممكن إلى الممتنع؛ قال: والذي يؤنسك بهذه القضية، ويجعلك منها على جلية، أنك متى فرضت الواجب واجباً لم تقسمه إلى واجب دون واجب، وكذلك إذا فرضت الممتنع ممتنعاً لن تقسمه ممتنعاً فوق ممتنع، ولا تجدك تفعل ذلك في الممكن، فإنك تقول: الممكن على ثلاثة أنحاء: ممكن قريب من الواجب، وممكن قريب من اممتنع، وممكن متوسط على حسب القرب والبعد من الطرفين، فقد وضح لك أن الممكن موقوف على توهمك وحرصك، وأنه لم يستقل بنفسه، ولم يتحيز بطبعه، ولم ينفرد بقوامه، ولسنا نريد بالممتنع عيناً شأنها الامتناع، فإنه لو كان كذلك كان لا يبعد أن ينقلب ما من شأنه الامتناع مرة إلى ما شأنه الوجوب.

قال: بل أشير بالممتنع إلى نفي صورة الواجب، وإلى رفع فواته، وإلى خلع ما يميل منه؛ قال: قد حال الواجب في كل شيء عدواً، وهو الاضطرار، حتى كأن الممكن واجب أن يكون ممكناً، والممتنع واجب أن يكون ممتنعاً، والواجب واجب أن يكون واجباً، ومتى كان كل شيء من ذلك واجباً كان العالم كله واجباً أي الاضطرار، ومتى كان كله واجباً فحكم كل جزء يشار إليه حكم كله إذا نص عليه. وقال: ألا ترى أن العالم كله موجود، فحكم كل جزء منه أنه موجود، قال: فقد تناول الرزق والحياة والموت والإصابة والحرمان والسعادة والشقاء والقبول والاطراح، وليس لشيء من جميع ذلك في هذا الحكم اختصاص يخرجه عن نظام العالم وتأسيسه في كونه ووجوبه، وفرض الأرض ووضع الواضع لا يخرج من عوارض العالم، ولكنه لا يدخل في جوهر العالم، وإنما ذلك لعلو أفق العلوية، وقوة سلطان العلم، وبه يرى الشيء متلوناً مختلفاً وهو في حقيقته منتظم مؤتلف.
هذا بعض كلام هذا الرجل، ولو استقصيته لاحتجت إلى استئناف كتاب، واحتجت أنت إلى تفريغ بال، وفيا نقشته لك، ونمقته فيعينك، ما يبعث بصيرتك، ويشحذ خاطرك، ويعرض الحق عليك، ويجمع فنون الدليل إليك، فتناول ما تتناول عن كثب بلا دأب ولا تعب، وتتحكم تحكم الآمر المتمكن، فاذكر عند هذه الأحوال حق من سعى لك، وسهر بسببك، وبحث من أجلك، ثم نظمه بين يديك حتى استشففته متخيراً، وأخذت ما أخذت منه مقتدراً، فوفر عليه قسطه من تعظيمك، ونصيبه من حسن ذكرك وطيب تنائك، ولا تفته صيانة العرض من بعد كما أفته منية النفس من قرب، ولا تقبحه بما استاقه إلا أن تجمله بما هو أحسن منه، والسلام.
تداعى - أديك الله - هذا الحديث واضطراب حتى ليس يبين مكان جنابتي من اعتذاري، ولا استسلامي من انتصاري، وذلك كله لعلل وأسرار لو شرتها أو بحت بها لم ترض لي في النار داراً، ولا الدرك الأسفل قراراً، والحمد لله على كل حال، فرضيها متصل بالأمل، ومسخوطها مقرون بالحسرة، وظاهرها متلقى بالتسليم، وباطنها مردود إلى الحي القيوم، وسهلها متناول بالشكر، وعسيرها محتمل بالصبر، ولذيذها مستزاد بالافتقار، ومريرها متجرع بالاضطرار، وقريبها مأخوذ بالحاجة، وبعيدها متمنى بالاضطرار، فهو أهل الحمد ومستحقه، ونحن عبيده وخلقه، يؤتي الملك من يشار وينزع الملك عمن يشار، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
قال أحمد بن الطيب المنطقي في مراح الروح: حكي عن بعض الأطباء أنه وصف لإنسان شكا إليه علته فقال: خذ من المقفس المربى قدر روثة، وصب عليها ماء حاراً قدر محجمة، ثم دقه حتى يصير كأنه مخاط ثم اشربه، فقال المريض: أما دون أن أضرب بالسياط فلا أفعل.
قال احمد: وقد أحسن المريض فإن هذا وصف يستعجل مه سقوط القوة، لأن المريض إذا سمع مكروهاً غمه، وإذا غمه غارت غريزته، وإذا غارت غريزته انحلت قوته، وإذا انحلت قوته ركبه المرض بأضعف أسبابه، والطبيب الرفيق الماهر بخدمة المرضى يقول لن يريد أن ينهاه عن أكل اللحم لحدة مرضه، واحتام حرارته: إياك والزهومة، فإذا عزم على إطعامه اللحم عند البرء لرد قوته وحفظ صحته قال له: كل الدسم، والذي نهاه عنه أولاً هو الذي أمره به آخراً، إلا أنه سماه أولاً زهومة لتكريهه عند النفس، وسماه ثانياً دسماً لتقريبه من النفس.
قال أحمد: ومثل هذا من سوء الاختيار في اللفظ ما يحوى عن حمزة بن نصر، مع جلالته عند سلطانه وموضعه من ولايته، أنه دخل على امرأته، وعند ثوب وشي، فقالت له: كيف هذا الثوب؟ قال: بكم اشتريتيه؟ قالت: بألف درهم، قال: قد والله وضعوا في آستك مثل ذا، وأشار بكفه مقبوضة مع ساعده، فقال: لم أدفع الثمن بعد، قال: فخصاهم بعد في يدك، قالت: فأختك قد اشترت شراً منه، قال: إن أختي نضرط من آست واسعة، قالت: ولكن أمك عرض عليها فلم ترده، قال: لأن تلك في آستها شعر، قال أحمد: وهذا كلام الخرس أحسن منه.
وأنشد للمرعق: البسيط
أثني عليك ولي حال تكذبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس
قد قلت إن أبا حفص لأكرم من ... يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي
أبو عطاء السندي: الوافر
ثلاث حكتهن لرهط قيس ... ظلمت بها الأخوة والثناء
رجعن على حواجبهن صوف ... وعند الله نحتسب الجزاء

قال أعرابي نظر إلى خط: كواكب الحكم في ظلم المداد.
وقال أديب: خط الأقلام صورة هي في الأبصار سود، وفي البصائر بيض.
قال أعرابي: الخط مركب البيان.
قيل لوراق:خطك مغرس الألحاظ ومجتنى الألفاظ.
أنشد أبو قلابة الرقاشي لأبي حيان البصري: الكامل
يا صاحبي دعا الملام وأقصرا ... ترك الهوى يا صاحبي خساره
كم لمت قلبي كي يفيق فقال لي ... لجت يمين ما لها كفاره
ألا أفيق ولا أتر لحظة ... إن أنت لم تعشق فأنت حجاره
الحب أول ما يكون نظرة ... وكذا الحريق بدوه بشراره
يا من أحب ولا أسمي باسمه ... إياك أعني واسمعي يا جاره
لمنصور الفقيه: المحتث
لا يوحشنك مني ... ما كان منك إليا
فأنت مع كل جرم ... أعز خلق عليا
وقال أبو سعيد السيرافي: في السماء المصرفة ما إذا صغر منع الصرف، وفي السماء ما لاينصرف، وإذا صغر صرف، وفيها ما لا ينصرف في مصغر ولا مكبر: فأما ما ينصرف وإذا صغر لم ينصرف فهو الاسم المعرفة الذي في أوائله من زوائد الفعل، وفيه حرف زائد يخرجه عن بناء الفعل، فينصرف لخروجه عن بناء الفعل كرجل سميناه يضارب أو نضارب فهو منصرف، فإذا صغرناه قلنا يضيرب ونضيرب كأنا صغرنا يضرب ونضرب ونضرب، وأما ما لا ينصرف فإذا صغرناه انصرف فنحو عمر وبكر، فإذا صغر تصغير كتصغير عمرو وبكر، فينصرف لزوال الفظ العدل، وكذلك رجل سمي بمساجد فلا ينصرف لأن هذا البناء يمنع من الصرف، فإذا صغرناه أسقطنا الألف فقلنا: مسيجد كتصغير مسجد فينصرف. وأما ما لا سنصرف في مصغر ولا مكبر فما كان في أوله زيادة الفعل نحو رجل اسمه تغلب ويزيد وما اشبه ذلك، تقول: هذا تغيلب، قال الشاعر:
قد عجبت مني ومن تغيلبا
وأما ما ينصرف في المصعر والمكبر كمحو زيد وبكر وما أشبه ذلك تقول: هذا زيدز زييد، ومررت بزييد.
لمنصور الفقيه: الهزج
إذا الفوت تأثى ل ... ك والصحة والأمن
وأصبحت أخا حزن ... فلا فارقك الحزن
قال عبد الرحمن بن كثير: خرج بعض ملوك الأعاجم إلى نزهة فانفرد عن أصحابه وانتهى إلى بستان، فرأى فيه امرأة ذات هيئة فقال لها: أيتها المرأة، إن مثلك لا ينبغي أن يكون في هذا الموضع، فما أخرجك من منزلك؟ قالت: كذلك يكون الناس إذا لم يكن لهم من ينظر في أمورهم، قال: وما ذاك؟ قالت: إن زوجي مات وترك علي عيالاً وترك ضيعة كنا نعيش بها، فعدا علينا وزير الملك فأخذها، فأتيت إلى القاضي أستعديه عليه فلم ينصفني، فأتيت الحاجب ليدخلني على الملك فلم يفعل، ثم أتيت صاحب الشرطة فلم يفعل، فقال لها: خذي هذا الكتاب وامضي به إلى احب الشطرة فأعطيه إياه فإنه سينصفك، قالت: ما أرجو الإنصاف، قال: ليس يضرك هذا الكتاب إن لم ينفعك، وكتب لها كتاباً وأعطاها إياه، فمضت به إلى صاحب الشرطة فناولته الكتبا، فقبله ثم دعا بالجلادين فقال: إن هذا كتاب الملك أمرني أن أقوم لتجلدوني بالسياط حتى يستنقع عقبي في دمي، ثم قام فضربوه حتى استنقع عقباه في الدم، ثم قال: إن الملك أمرني في هذا الكتاب أن أسود وجهي وأركب الجمل وأحول وجهي إلى ذنب الجمل، ويقاد الجمل وأنا عليه حتى أنتهي إلى باب الملك؛ قال: فلما انتهى إلى باب الملك قال له الملك: ما حملك على أن أتتك امرأة متظلمة فلم تنصفها؟ قال: خفت وزيرك، فأمر به فضرب عنقه ثم دعا بحاجبه فقال: إنما اتخذتك حاجباً لتحجب عني المظلوم! ثم أمر به فضرب عنقه، ثم دعا بالوزير فضرب عنقه، ثم رد الضيعة على المرأة وولدها وقال: إن الملك لا يدوم إلا بالعدل، فإذا كان بالظلم فذلك غلة وليس بملك.

قال المأمون: لله نعم لا تحصى في أثناء المكروه: لقد شري بدني مرة زائداً على ما كنت أعهده في كل حول، حتى نبا جنبي عن المهاد، وفقدت معه القرار وتمنيت الموت، فبينا أنا على ذلك ليلة، والحشم نوم والدنيا مقمرة، وأنا ساقط القوة لطول الحمية وخوف الزيادة في العلة، قد تنغصت بالحياة وبرمت بالعيش، حتى ثارت من أسفل قائمة السرير عقرب شائلة الذنب تطير، فقلت في نفسي: إنا لله، هذا الموت، ولم يكن في طوق فأتحرك أو أنادي، فاستسلمت، فما زالت تعدو على سننها حتى بلغت أوائل جسمي، ثم دبت على أطرافي، وبلغت ناحية أضلاعي، ثم ضربتيني بقوتها كلها، وغمست حمتها، فغشي علي من هول المنظر ومن ألم الضرب، واتصلت عشيتي بالنوم، فلم أنتبه إلا مع قرن الشمس، فلما أفقت لم أجد مما أمسيت عليه قليلاً ولا كثيراً، ونهضت من وقتي، واستعديت عادتي وراجعت صحتي وكأني لم أكن صاحب القصة.
منصور المصري: السريع
ما اجتمع المال وحسن الثنا ... مذ كانت الدنيا لإنسان
فأي هذين تخيرته ... ضنا به فاله عن الثاني
وله مصراع: الرجز
علي أن أزوركم ... ولا علي أن أصل
كان الشعبي يضمن الأجير المشترك كالصباع والقصار والخياط سئل إبراهيم النخعي عن حائك مشى بليل بشعلة نار فاحترق الغزل فقال: هو ضامن.
قال الشعبي: كل أجير ضامن إلا أجير يده مع يدك.
قال ابن أبي المر قال أوب الخيثم العطار: استأجرت حمالاً فحمل لي ستوقة فيها دهن، فوقعت منه فانكسرت، فأردته على الصلح فأبى، فاختصمنا إلى شريح فضمنه قيمة الدهن.
قال الشعبي في المستعير والمستودع: إذا خالفا ضمنا قال الحكم: شهد رجلان عند شريح على رجل، فشهد أحدهما بالف وخمسمائة دينار وشهد الآخر بألف، فقضى شريح بأقل المالي، فقال الرجل: أتقضي علي وقد اختلفا؟ فقال شريح: إنهما قد اجتمعا على ألف.
وقال مجاهد: اختصم إلى شريح في ولد هرة فقال: ضعوها، فإن هي قرت ودرت فهي له، وإن هي فرت واسبطرت فليست له.
قال ابن سيرين: اشترى رجل بغلة فوجدها حمارة، فخاصم فيها إلى شريح فقال: أدخلوها داراً لها بابان ثم أخرجوا البغال من باب والحمير من باب، فإن اتبعت الحمير فهي حمارة، وإن اتبعت البغال فليست بحمارة.
قال هشام بن محمد: تزوج رجل ابنة عبد خياط، فولدت غلاماً فانتفى منه، فارتفعت إلى شريح فقال لها: اكشفي عن وجه الصبي فكشفت، فقال شريح: لو كنت حالفاً لحلفت أنه ابنك، ولكن الذي حملك على أن تتزوج ابنة عبد خياط، وأنت رجل من العرب في شرف من العطاء هو الذي حملك على أن تنتفي منه؛ اذهبي فداعبيه.
قال عبد الرحمن بن عوف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا الشجرة وفاطمة فرعها وعلي أغصانها الحسن والحسين ثمرتها وشيعتنا ورقها.
قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ.
قال ابن عباس: كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب في ريطتين بيضاوين سحوليين وفي برد حبرة.
قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد، فقلت: إني حائض، قال: إنها ليست بيدك.
قال سماك: سمعت جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكل العينين منهوس العقب.
قال أبو هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع الخبز بالسكين.
قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشكنب درد؟ قم فصل فإن في الصلاة شفاء.
حدثنا ابن بشران بأبلة البصرة عن ابن الأنباري عن عبد الله بن خلف عن عبد الله بن بشير الطوسي قال، حدثنا عثمان بن عمر عن أبيه قال، سمعت يزيد بن هارون يقول: كان أبو شيبة القاضي من ألحن الناس، كان يقول: حدثنا أبي إسحاق الأسود عن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعه رقبة بن مصقلة فقال: يا أبا شيبة، لو كان لحنك من الذنوب لكان من الكبائر التي لا يغفرها الله.

وأنا سمعت ابن شاهين المحدث في جامع المنصور يقول في الحديث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تشقيق الحطب، فقال قوم من بعض الملاحين كيف نعمل والحاجة ماسة إلى الحطب؟ وقال ابن شاهين مرة أخرى في وجوه قوله تعالى: " وثيابك فطهر " المدثر: 4، قيل: لا تلبسها على عذرة. ولي شهود بهذين الخبرين منهم عبد العزيز بن الخضر الكاتب التستري. وإنما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تشقيق الخطب كأنه كره للخطيب أن يتكلف، والتكلف مكروه لأنه زائد عما يحتاج إليه، والمنقوص عما يحتاج إليه أخف على النفوس من الزائد، وذلك أن الزيادة على المقدار نقص مكرر، والتقصير عن المقدار نقص غير مكرر.
وأما التصحيف الثاني وإنما هو فثيابك فطر أي لا تلبسها على عذرة، وذلك أن العرب تعد العذرة نجاسة - وتسمي العذار نجساً - ويقال رجل نجس ونجس، فكأنه إذا لوحظ المسمى أنبأ عليه بالكسر، وإذا أريد الصفة أنبأ بالفتح.
قال أبو هريرة: رأيت هنداً بمكة جالسة كأن وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعاوية صبي يلعب، فمر رجل فنظر إليه فقال: إني لأرى غلاماً إن عاش ليسودن قومه، فقالت هند: إن لم يسد إلا قومه فأماته الله.
أنشد في رجل ولي الحكم: الكامل
أبكي وأندب مهجة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكام
إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأراك بعض حوادث الأيام
وأنشد أيضاً: الطويل
تمنيت من أهوى فلما رأيته ... بهت فلم أعمل لساناً ولا طرفا
وأطرت إجلالاً له ومهابة ... وحاولت أن يخفي الذي بي فلم يخفى
وأنشد لأعرابي: الطويل
وكم قد رأينا من فتى متجمل ... يظل ويمسي ليس يملك درهما
يبيت يراعي النجم من جوع بطنه ... ويصبح يلقي قومه متبسماً
وما يسأل الأقوام ما في رحالهم ... ولو مات جوعاً عفة وتكرما
قال حمزة الزيات، قال رجل للحسن البصري: ما تقول في رجل مات وترك أبيه وأخيه، فقال: ترك رجل أباه وأخاه، قال: فما لأباه وأخاه، فقال الحسن: فمما لأبيه وما لأخيه، فقال الرجل: إني أراك كلما طاوعتك تخالفني.
قال أبو حامد: كان المزني إذا فاتته الجماعة صلى خمساً وعشرين صلاة، فقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة: أيها الشيخ، لجلوسك مع أصحابك أفضل من صلاتك هذه، يعني التطوع، فقال له المزني: لم؟ فقال: لأن صلاتك هذه لا تعدوك، وتعليمك إياهم يعدوك إليهم، فتعم بركاته وتتم عاقبته، فقال: صدقت، ولكني أجمع بين الأمرين: ألقي عليهم المسألة ويعملون فكرتهم فيها، وآخذ في تطوعي، فإلى أن يفرغوا أفرغ، فقال ابن خزيمة: ها هنا زيادة وهي أنك إذا ألقيت المسألة عليهم ثم أقبلت بوجهك إليهم كنت معيناً لهم على استخراج المسألة، قال: كذلك هو.
قال بعض الفلاسفة: جوامع شرف الإنسان وكماله في أربعة أشياء: في عرق صريح، وعقل صحيح، ولسان فصيح، وأخ نصيح.
قال مزدك: العاقل يلتمس علم ما أصابه بالطيرة والفال، كما يلتمس علم ما مضى بالإشارة والأمثال.
قال الشافعي: رأيت علي بن أبي طالب في المنام فقال: ناولني كتبك، فناولته فأخذها فبددها هكذا وهكذا، فأصبحت أخا كآبة، فأتيت الجعد فأخبرته فقال: سيرفع الله شأنك وينشر علمك. حكى لنا هذه الحكاية ابن القطان الفقيه شيخ أصحاب الشافعي.
لمنصور الفقيه: الطويل
إذا نحن زرنا أحمد بن محمد ... وأحمد للأمر المبرح فارج
نطقنا لديه بالذي في صدورنا ... ولم تتكسر في الصدور الحوائج
قال يعقوب: امرأة متعاونة وهي التي لا تستشب من صغر، ولا يرغب عنها من كب، قال: ومعنى تستشب أي تقول هي صغيرة انتظر بها أن تشب.

قال أبو يوسف: بقيت على باب الرشيد حولاً لا أصل إليه حتى حدثت مسألة، وذلك أن بعض أهله كانت له جارية فحلف أن لا يبيعة إياها ولا يهبها له، وأراد الرشيد شراءها فلم يجد أحداً يفتيه، فقلت للفضل: أعلم أمير المؤمنين أن بالباب رجلاً من الفقهاء عنده الشفاء من هذه الحادثة، فدخل فأخبره فأذن لي، فلما وصلت مثلت فقال: ما تقول فيما قال الفضل بن الربيع؟ قلت: يا أمير المؤمنين أأقوله لك وحدك أو بحضرة الفقهاء؟ فقال: بحضرة الفقهاء ليكون الشك أبعد واليقين أقعد؛ فأمر باحضار الفقهاء وأعيد عليهم السؤال فكل قال: لا حيلة عندنا، فأقبل أبو يوسف فقال: المخرج أن يهب لك نصفها ويبيعك نصفها، فإنه لا يقع الحنث، فقال القوم: صدق، فعظم أمري عند الرشيد، وعلم أني أتيت بما عجزوا عنه، فقال: أريد أن أطأها اليوم، قلت: يا أمير المؤمنين أعتقها ثم تزوجها، فسري عنه.
وإنما قال ذلك لأن مذهب أبي يوسف أن العتق إذا طرأ على الأمة سقط عنها الاستبراء.
قال المزني: سئل الشافعي عمن رؤي في الحمام مكشوفاً هل تقبل شهادته؟ قال: لا.
قال الربيع، سمعته يقول: العلم ما استودعته نفسك فحفظته عليك، ثم أردت ذكره في وقته فأدته إليك.
قال جابر بن عبد الله: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: ما بال صاحبكم هذا؟ قالوا: صائم، قال: إنه ليس من البر الصوم في السفر، فعليكم برخصة الله فاقبلوها.
قال يعقوب: المؤثل: المثمر، يقال: تأثل فلان أي نبت له نبت كثير الأثلة، ويقال: تأثل: اكتسى، أثل أهله أي كساهم، بيت أثيل.
أنشد دعبل لحطان بن المعلى أبياتاً وقال: وددت أنها حظي من الشعر وهي: الطويل
يذكرنيك الخير والشر والحجا ... وقيل الخنا والعلم والحلم والجهل
فألقاك عن مذمومها متنزها ... وألقاك في محمودها ولك الفضل
وأحمد من أخلاقك البخل إنه ... بعرضك لا بالمال حاشا لك البخل
كتب عمرو بن مسعدة: وأنا أحب أن يتقرر عندك أن أملي فيك أقعد من أن أختلس الأمور منك اختلاس ن يرى أن في عاجلك عوضاً من آجلك، وفي الذاهب من يومك بدلاً من المأمول في غدك.
كان الرشيد جالساً ذات يوم وعنده سليمان بن أبي جعفر وعيسى بن جعفر وعبد الملك بن صالح، فقال الرشيد لعبد الملك: كيف أرض كذا؟ قال: خضاب حمر، وبراث عبر، قال: فأرض كذا؟ قال: فيافي فاسحة، وجبال متناوحة، قال: فأرض كذا؟ قال: تربة حمراء، وشجرة خضراء وسبيكة صفراء، قال: فأرض كذا؟ قال: مسافي ريح، ومنابت شيح، فقال عيسى لسليمان: ما ينبغي أن نرضى لأنفسنا بالدون من الكلام.
قال سفيان بن عيينة، قال عبد الله بن مسعود لأصحابه: أنتم جلاء قلبي، ثم أقبل سفيان على أصحابه وقال: ولكنكم غطاء قلبي.
قال بعض السلف: سالم الزمان بحسن المعاشرة يتأت بك قليلاً، ولا تحمله شططاً فتعصف عليك ريحه، وأخر معاتبتك لا يكاشفك بالمكروه، ووادعه بالرضا عنه تقل همومك، فإنه إن عسفك لم تنتصر منه ولم تدفع ضيمه.
قال يعقوب: الجزارة حق الجازر؛ وحقه الرأس والفراسين بأوظفها والفرع والعجب في برمة من لحمها وشحمها؛ وثنيا الجزور أن بيبع الرجل ناقة من إبله تريد أن تموت ويستثني رأسها وضرعها وذنبها ومعه فقرة العجب، وهي فقرة القحقح، بنظير أن يذهب ضرعها ورأسها.
شاعر يمدح عبد الله بن طاهر: الوافر
أظن الشام يشمت بالعراق ... إذا عزم الأمير على انطلاق
يقول محمد تفديك نفسي ... أما تبقي علي من الفراق
فإن تدع العراق وساكنيها ... فقد تبلي المليحة بالطلاق
قال ابن عباس: تبكي على الرجل البقاع التي كان يصلي فيها، ويصعد عمله منها، فذلك قوله: " فما بكت عليهم السماء والأرض " الدخان: 29.
كان القاضي ابنقريعة في مجلس المهلبي فوردت عليه رقعة فيها: ما يقول القاضي - أعوه الله - في رجل دخل الحمام وجلس في الأبزن لعلة كانت به، فخرجت منه ريح تحول الماء بها زيتاً، فتخاصم الحمامي والضارط فادعى كل واحد منهما أنه يستحق جميع الزيت لحقه فيه؟

فكتب القاضي في الجواب: قرأت هذه الفتيا الطريفة في هذه القصة السخيفة، وأخلق بها أن تكون عبثاً باطلاً، وكذبا ماحلاً، وإن كان ذلك كذلك، فهو من أعاجيب الزمان، وبدائع الحدثان؛ والجواب وبالله التوفيق أن للضارط نصف الزيت بحق وجعئه، وللحمامي نصف الزيت بقسط مائه، وعليهما أن يصدقا المبتاع له عن خبث أصله وقبح فصله، حتى يستعمله في مسرجته، ولايدخله في أغذيته.
كان المهلبي قد تقدم إلى ابن قريعة أن يشرف على البناء في داره، وأن لا يطلق شيء إلا بتوقيعه، فحضر يوماً بعض السوقة فقال: أصلح الله القاضي، إن لي ثمن ثلاثين بيضة استعملها المزوقون في البناء، فقال: بين عافاك الله، قال: قد بينت أيها القاضي، قال: إنما سمعنا بيضاً، وأجناس البيض كثيرة، قال: أيها القاضي أعني بيض الدنيا، قال: فكأنا ادعينا أن في الآخرة بيضاً! ويحك، إن البيض منه الهندي والنبطي والبطي والحمامي والعصافيري والدجاجي، فأي بيض بيضك؟ قال: بيض الدجاج النبطي، قال: فأعد دعواك، قال: لي أعز الله القاضي ثمن ثلاثين بيضة ن بي الدجاج النبطي، فقال لكاتبه: اكتب: ذكر أبو جعفر البياض خبط ونبط أن له ثمن ثلاثين بيضة دجاجياً، لا نبطياً ولا هندياً؛ ارجع - أعزك الله - إلى دفتر حسابك وميزان عملك، فإن وجدته صادقاً فقد وجب له ما يجب للصادقين من البر والإكرام وإعطاء الثمن على الوفاء والتمام، وإن كان كاذباً فعليه ما على الكاذبين من اللعن والرجم، ثم الحرمان والامتهان، وقل له: باعدك الله من حريمه ما اقل وفاءك لشيبك.
سمعت أبا حامد العلوي يقول، قيل على مائدة بخيل: ما أحسن كثرة الأيدي على المائدة، فقال: نعم إذا كانت مقطعة.
وقال بعض الغوغاء في كلامه: فلان يأخذ من الحافي نعله. وسمعت آخر يقول: لعن الله فلاناً يطر والله من العريان كمه.
يقال: إن العرب كانت إذا أرادت أن يعين رجل رجلاً، أي يصيبه بالعين، يجوع ثلاثاً ثم ينصفه فيصرعه.
قال أعرابي: إن أحق من خفف عنه، واكتفي باليسير مه، رئيس مكثور عليه، وسيد منظور إليه.
كان إسماعيل القاضي لا يجلس في العشر، فجاء خصمان إلى رجل كان على بابه يعرف بالرضيع، وضمنا له عشرين درهماً وقالا: علمنا ما نرتفع به إليه وتفصيلي ما شجر بيننا بين يديه، فقال لهما: إذا امتنع من النظر بينكما في هذه الأيام فقولا: أيها القاضي هل تأخذ من السلطان رزق هذه الأيام؟ فتقدما وقالا ذلك، فلما سمع إسماعيل جلس للحكم، فأول من تقدم الرضيع مع الرجلين، فقال القاضي: يا رضيع هذا من فعلاتك؟ قال: نعم أصلح الله القاضي، امتنعت من الحكم فاضطررت إلى القوت، وضمنا لي عشرين درهماً، فقال إسماعيل: يا غلام أخرج إليه عشرين ديناراً.
سمعت أبا حامد يقول: رأيت بعض الصحابة في النوم فقلت له: ما الدلالة على التوحيد؟ فقال: " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " آل عمران: 190.
قال أبو مسمع البصري: كنا نجالس أبا الهذيل في مجلسه فجاءنا شاب له رواء ومنظر وسمت، فقعد فأجللناه لظاهره، فقال أبو الهذيل: ليس للعجم كتاب أجل من الكتاب المترجم بجاويدان خرد وقد استفصح مؤلفه بثلاث كلمات ليس لهن نظير، منها أنه قال: من أخبرك ا، عاقلاً لم يصبر على مضض المصيبة فلا تصدقه، ومن أخبرك أن عاقلاً أساء إلى من أحسن إليه فلا تصدقه، ومن أخبرك أن حماة أحبت كنة فلا تصدقه؛ فانبرى الغلام وجثا وقال: حدثني أبي عن جدي بثلاث أحسن منهن، فقال أبو الهذيل: من علينا بهن، فقال، قال جدي رحمه الله، من أخبرك أن الجائع كالشبعان فلا تصدقه، ومن أخبرك أن النائم كاليقظان فلا تصدقه، ومن أخبرك أن الراضي كالغضبان فلا تصدقه؛ فقلنا له: أمن العرب أنت أم من العجم؟ قال: من بينهما، قلت: من أي بلد؟ قال: من دوين السماء وفويق الأرض، فقال له الجاحظ: ما أسمك؟ قال: لجام، قلنا: فالكنية؟ قال: أبو السرج، فقال له: فما لك لا تنهق وأنت حمار؟ فقام مغضباً يجر إزاره ويقول: ليس الذنب لكم، الذنب لي كيف جالست أمثالكم وأنتم لا تدرون ما طحاها.
قال ابن أبي بشر: إنما بايع الناس أبا بكر رضي الله عنه لأنهم سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحق مع عمر بعدي، فلما رأوا عمر مد يمينه لبيعة أبي بكر رضوا بذلك لما سبق إليهم.

قال أبو الجهم السامي الصوفي: الشرف شرفان: شرف بواسطة وشرف بلا واسطة، وإنما أعز الله تعالى الإسلام بخلافة أبي بكر رضي الله عنه لأنه شابه شرفه شرف النبي عليه السلام في عدم الوسائط، وما هكذا علي، فإن شرفه كان بوسائط كثيرة، فسبق لذلك.
ذكر أعرابي امرأة فقال: رحم الله فلانة إن كانت لقريبة بقولها بعيدة بفعلها، يكفها عن الخنا إسلامها، ويدعونا إلى الهوى كلامها؛ كانت والله تقصر عليها العين، ولا يخاف من أفعالها الشين.
كاتبك أنت - جعلت فداك - فتى العسكر، ومعدن الحرمة، ووطن الأدب، ومن كانت هذه صفاته فالخروج عن مودته خمور فضلاً عن الدخول في عداوته، وأنا وأنت أخوا مودة، ورحم المودة أمس من رحم القرابة، فكيف رميت بسهامك؟ أم كيف امتحنت بعداوتك؟ ولكنه كما قال الشاعر: الطويل
بلى قد تهب الريح من غير وجهها ... ويقدح في العود الصحيح القوادح
قال الحراني الصوفي: التقى متعاشقان فقال أحدهما لصاحبه: أين تريد؟ قال: شغلاً، قال الآخر: أو لك شغل غيري؟ اذهب فأنت حري بالهجر.
قال جعفر بن محمد لأبي ولاد الكاهلي: أرأيت عمي زيداً؟ قال: نعم رأيته مصلوباً، ورأيت الناس فيه بين شامت حنق ومحزون ومحترق، فقال جعفر: أما الباكي فمعه في الجنة، وأما الشامت فشريك في دمه.
قال عيسى بن مريم عليه السلام: لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كل حال، فإن كثرة المال تنسي الذنوب، وترك ذكري يقسي القلوب.
قال زيد بن علي عليه السلام: لا يسأل العبد عن ثلاث يوم الحساب: عما أنفق في مرضه، وعما أنفق في إفطاره، وعما أنفق في قرى ضيفه.
قال عمر لعثمان رضي الله عنهما: توأدت، يعني تأخرت وشغلت القلوب، هذا حين أبطأ عن صلاة الجمعة.
أنشد سعيد بن حميد لخزامى جارية ابن المعتز: الطويل
ذكرتكم ليلاً فنور ذكركم ... دجى الليل حتى انجاب عني دياجره
فوالله ما أري أضوء مسجر ... لذكركم أم يسجر الليل ساجره
وبت أسقى الشوق حتى كأنني ... صريع مدام لم ينهنهه دائره
وظلت أكف الشوق لما ذكرتكم ... تمثل لي منكم خيالاً أسايره
ولو كنتم أقصى البلاد لزرتكم ... إلى حيث يفنى ورده ومصادره
أرى قصراً بالليل حتى كأنما ... أوائله مما تدانى أواخره
سمعت بعض العلماء يقول: الفناء سعة أمام الدار، وقال: أفانين الشباب: أوله.
وسمعت الأنصاري يقول: الأشياء كلها: نام وصامت وناطق، فالناس كالنبات، والصامت كالجبل، والناطق مثل الإنسان، فقيل له: فما تقول في البهائم والطير؟ فسكت انقطاعاً؛ فحكيت لأبي حامد فقال: قصر في القسمة فافتضح بالوصمة، وإنما النامي كالنبات والشجر، والجامد كالجبال والحجر، والصامت كالبهائم والطير، وأما الحكل فلا صوت لها.
سأل أعرابي ابن الزبير فحرمه، فقال الأعرابي: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال عبد الله: إن وراكبها، أي أجل.
وقال بعض العلماء: " إن هذان لساحران " طه: 63 إن بمعنى ما، واللام في موضع إلا، كأنه قال: ما هذان إلا ساحران.
ورجل أننة والجمع أنن، وقولك: أنى بمعنى كيف ومن أي شيء، قال الكميت: المنسرح
أنى ومن أين آبك الطرب ... من حيث لا صبوة ولا ريب
وقوله تعالى " أنى لك هذا " آل عمران: 37 أي من أين لك هذا؛ وقوله تعالى " أنى يكون له الملك علينا " البقرة: 247 أي كيف يكون.
وقال بعض العلماء في قوله تعالى: " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " البقرة 223 على معنى كيف شئتم في الحال والهيئة، وأنى شئتم، على معنى في أي مكان شئتم في القبل والدبر.
سمعت الأندلسي يقول، سمعت العماني يقول، سمعت الزجاج يقول في قول الشاعر: الكامل
تالله قد سفهت أمية رأيها ... فاستجهلت حلماؤها سفهاؤها
معناه: تالله قد سفهت أمية رأيها سفهاؤها فأبدل سفهاؤها من أمية ثم قال: واستجهلت حلماؤها أي صارت في جملة الجهال.
قال: وسئل الزجاج عن قابوس فقال: إذا جعلته أعجمياً لم تصرفه، وإن اشتققته من قولك: فبستك ناراً فهو فاعول صرفته، قيل: فجاموس؟ قال: اصرفه لأنه جنس، قال: ولم صرفته؟ قال: لأن العرب أخرجته من العجمة بالألف واللام فأجري مجرى أجناس العربية.

وقال الزجاج: لا نولك أن تفعل هو في موضع: لا ينبغي لك أن تفعل، تقول بغيت الشيء فانبغي لي، فعلى هذا ينبغي لي أن أفعل، أي يطاوعني هذا الفعل، ولا يحسن قولك: مني، وهو في موضع لا تناول أن تفعل ولا ينال لك أن تفعل، أي لا يصلح الفعل.
قال أبو إسحاق الكلابزي: تخرق كتاب سيبويه في كم المازني نيفاً وعشرين سنة.
قال إسماعيل بن إسحاق القاضي، سمعت نصراً يحكي عن أبيه قال: قال لي سيبويه حين أراد أن يضع كتابه: تعال حتى نتعاون على إحياء علم الخليل، يعني بنصر نصر بن علي الهضمي.
قال بعض الأوائل: إن المسك الخالص كلما سحق ازداد طيباً، والرجيع كلما سيط ازداد نتناً.
قال أعرابي لآخر: لا كل لسانك عن البيان، ولا أسكتك الزجر والهوان.
قال كسرى لمريم بنت قيصر حين زفت إليه: أنت من جوارحي قلبي، ومن عمادها روحي، وفي الهوى منتهى منية نفسي.
قال قيصر: مال الحيلة فيما أعيا إلا الكف عنه، ولا الرأي فيما لا ينال إلا اليأس منه.
قال أعرابي: فلان أسود الكبد، أي أحرقت العداوة كبده.
قال بعض النحويين في قوله تعالى: " حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " الأنفال: 63 إذا توجهت كان الله كافيك ومن اتبعك، فمن منصوب بكافيك، وإذا توهمت أن الله يكفيك ويكفيك من اتبعك فمن مرفوع بالفعل.
قال: حمل بهرام فلما رآه أخوه كرك استقبله في الميمنة، فاضطربا ملياً فلم ير إلا وهما يتمارسان ويتغالان ولا أسدين غضبانين يتنازلان ويتصاولان، ولا فيلين سكرانين يتنايبان ويتراكلان، ولا فحلين حانقين يتكادمان ويتساوران، ولا أسودين بتلازمان ويتناهشان.
قال أبو عثمان: من لم يوثق بعقله ولم ترج فيئته ضاع القول في مكالمته، وضل الرأي في مخاطبته، لأن العاقل لا يبذر في أرض لا تنبت، ولا يغرس شجراً لا يثمر، ولا هو إن لم يثمر ينتفع بعوده وورقه، والحكماء عل محكم أقوالهم أشح منهم على مقدار الاستحقاق.
قال إبراهيم بن عبد الصمد: لما عمل كسرى القاطول أضر ذلك بأهل الأسافل وانقطع عنهم الماء حتى افتقرا وذهبت أموالهم، فخرج أهل ذلك البلد إلى كسرى يتظلمون، فوافقوه في مسيره، فعرضوا له وقالوا: أيها الملك، جئناك متظلمين، قال: وممن تتظلمون؟ قالوا: منك، فثنى رجله عن دابته وجلس على الأرض، فأتاه بعض من معه بشيء يقعد عليه فأبى أن يقعد عليه وقال: لا أجلس إلا على الأرض إذ أتاني قوم يتظلمون، ثم قال: ما مظلمتكم؟ قالوا: أحدثت القاطولن قطع عنا شربنا فذهبت رواتبنا، قال: فإني آمر بسده حتى يرجع إليكم الماء وتعود أحوالكم، قالوا: أيها الملك لا نجشمك هذا، ولكن مر من يعمل مجرى الماء من فوق هذا القاطول، فعمل لهم مجرى مائهم من فوق القاطول شبه القروج فجرى فيه الماء فعمرت بلادهم ورجعت أحوالهم، وهو أول ما عرف القورج.
وكانت ملوك الفرس إذا بلغهم أن كلباً مات بقرية لا يعرف لموته سبب، كتب الملك أن خذوا أهل هذه القرية بالبينة أن الكلب مات حتف أنفه ولم يمت جوعاً، وكانوا يأخذون أهل الحروث بحرث نصف أرضهم في العام وتبويرها في القابل، فيحرثون ما بوروه، ويبورون ما حرثوا.
أنشد أحمد بن الطيب لشاعر: البسيط
لا أعشق الأبيض المنفوخ من سمن ... لكنني أعشق السمر المهلازيلا
فقيل لي أنت خوان فقلت لهم ... لا تكثرن علي القال والقيلا
شرطي الشريطي لا أبغي به بدلاً ... تخاله من نحول الجسم مسلولا
إني امرؤ أركب المهر المضمر في ... يوم البراز فدع أن أركب الفيلا
قال أحمد بن الطيب: المسيخ من الألوان المغسول من حوادث الأبصار.
لأبي حفص الشطرنجي: السريع
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحده
مصراع لمنصور الفقيه: مجزوء الخفيف
ذم من شئت منهم ... فهو للذم موضع

قال المفجع، قال المبرد: كان الأعشى كثير التطواف، فأصبح من ليلة كان يطوفها بأبيات علقمة بن علاثة، فلما نظر قائده إلى قباب الأدم قال: واسوء صباحاه! هذه والله أبيات علقمة، وخرج فتيان الحي فقبضوا على الأعشى فأتوا به علقمة، فلما مثل بين يديه قال علقمة: الحمد لله الذي أظفرني بك بغير عقد ولا ذمة، قال الأعشى: أو تدري لم ذاك جعلت فداك؟ قال: لتقواك علي الباطل من غير جرم، قال: لا ولكن ليبلو الله قدر حلمك في، فأطرق علقمة فانبعث الأعشى يقول: المتقارب
أعلقم قد صيرتني الأمور ... إليك وما كان بي منكص
كساكم علاثة أثوابه ... وقلدكم حلمه الأحوص
فهب لي ذنوبي فدتك النفوس ... ولا زلت تنمي ولا تنقص
فقال: قد فعلت، ووالله لو قلت في ما قلت في ما قلت في عامر ابن عمي لأغنيتك حياتك، ولو قلت فيه ما قلته في ما أذاقك برد الحياة.
كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن ناساً قبلنا لا يؤدون ما قبلهم من الخراج إلا أن يمسهم شيء من العذاب، فكتب إليه عمر: أما بعد، فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب البشر، كأني جنة لك من عذاب الله، أو كأن رضاي ينجيك من سخط الله، إذا أتاك كتابي هذا فمن أعطاك ما قبله عفواً فاقبله، وإلا فاستحلفه، فوالله لأن يلقوا الله بخيانتهم أحب إلي من أن ألقى الله بعذابهم.
العتابي: الطويل
ألفنا دياراً لم تكن من ديارنا ... ومن يتألف بالكرامة يألف
شاعر: البسيط
جاء الشتاء ولم أعدد له فنكاً ... إلا ارتعاداً وتصفيقاً بأسنان
وقد لبست قميصي في أوائله ... منكم على دمن أقوت بقضبان
قال ابن عباس: ثلاثة من عازهم عادت معازته إلى ذل: السلطان والوالد والغريم.
قال فيلسوف: الخوف على ثلاثة أناء: دين يخاف معاداً، وحر يخاف عاراً، وسفلة يخاف ردعاً.
قال فيلسوف: النيران أربع: نار تأكل وتشرب وهي نار المعدة، ونار تأكل ولا تشرب وهي نار الوقود، ونار تشرب ولا تأكل وهي نار الشجر، ونار لا تأكل ولا تشرب وهي نار الحجر.
قال فوثاغورس: الصورة ذكر، والهيولي أنثى، والطبيعة رباط بينهما.
كتب المعتصم لما فتح عمورية إلى المأمون: كتبت في الوقت الذي فتح الله المصر على أعدائه والكفرة به، ودخلت عمورية وقتلت أكثر مقاتليها إلا القل اليسير، وسبيت جميع ذراريها، وجاءني هذا كتاب منه للخبر لا يعتد بالأثر.
وكتب ابن الفرات وعلي بن عيسى ومحمد بن داود ومحمد بن عبدون رقعة إلى العباس بن الحسن الوزير يستزيدونه فيها، فوقع بخطه عل ظهرها: ما حالكم حال مستزيد، ولا فوق ما أنا عليه لكم مزيد، فإن تكن الاستزادة من مال فهو موور عليكم، وإن تكن من رأي فالأعمال لكم، ولي اسمها وعلي عبئها وثقل تدبيرها؛ وأقول لعلي بن محمد من بينكم الذي ما يطيق نفسه تذللاً واعتدالاً: أمن بؤس كانت هذه الاستزادة أم من بطر النعمة ودلال الترفه؟ ولي في أمر جماعتكم نظر ينكشف عن قريب، وحسبي وحسبكم الله ونعم الحسيب.
وكتب النعمان بن عبد الله إلى ولي الدولة كتاباً يستزيده فيه في رزقه، فوعق على ظهره: قد أعجبت بنفسك تعرفها، فإن أحببت أن أعرفكها عرفتك.

فكتب إليه النعمان: كنت كتبت إلى الوزير - أعزه الله - كتاباً أستزيده في رزقي، فوقع على ظهره تويع ضجر، لم يخرج فيه مع ضجره شيء من حياطته ونظره وقال - أيده الله - إنه قد حدث لعبده عجب بنفسه، وقد صدق - صدق الله قوله وأعلى طوله - لقد شرفني الله بخدمته، وأعلى ذكري بجميل ذكره، ونبه على كفايتي باستكفائه، ورفعني وكثرني عند نفسي، فإن أعجبت فبنعمة الله عندي، وجميل تطوله علي، ولا عجب؛ وهل خلا الوزير من قوم يصطفيهم بعد قلة، ويرفعهم بعد خمول، ويحدث لهم همماً رفيعة وأنفساً عليه، وفيهم شاكر وكفور، وأرجو أن أكون أشكرهم للنعمة أقومهم بحقها؛ وقال - أعزه الله - إن عرف نفسه وإلا عرفناه إياها، فما أنكرها، وهي نفس أنشأتها نعمة الوزير - أيده الله - وأحدثت فيها ما لم تزل تحدثه في نظرائها من سائر عبيده وخدمه؛ وأنكر - أيده الله - إخباري عما لم أشاهده، وهو - أيده الله - يعلم أن الخبر المجتمع عليه يقوم مقام العيان فيحققه من لميشاهده ولا ينكر عليه ذلك، وليس في المملكة أحد يذكر ارتفاعاً إلا حائن مغرور يصرعه حينه، واله يعلم ما يأخذ به نفسه من خدمة الوزير عنده، إما عادة ووراثة، وإما تأدباً وهيبة، وإما شكراً واستدامة للنعمة.
قال عبيد الله بن سليمان: كنت أكتب بين يدي أبي سليمان فقال لي يوماً: أصلح قلمك واكتب: أطال الله بقاءك، وأدام عزك وأكرمك، وأتم نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك، كتب الوكيل - أعزك الله - متصلة بشكرك، والضيعة ضيعتك، وكل ما تأيته في أمرها فموقعه يحسن مني، وشكري عليه يتضاعف - وخطاباً في هذا المعنى، وكانت هذه المخاطبة لا يخاطب بها إلا صاحب مصر أو فارس، فقلت: قد ابتاع ضيعة بأحد الموضعين، ثم أصلح الكتاب وقال: عنونه إلى الرخجي، وكان يتقلد النهروان الأوسط.
ثم رمى إلي كتاباً آخر لصاحب بريد فقال: وقع عليه: أنت - أعزك الله - تقف على ما تضمنه هذا الكتاب، ولئن كان ما تضمنه هذا الكتاب حقاً لأفعلن ولأضعن؛ وخطاباً غلظ فيه، ثم أصلح الكتاب وقال: عنونه إلى الرخجي، فعجبت من الكتابين، وكأنه علم ما في نفسي فقال لي: إني أظنك قد أنكرت الخطابين، هذه تناءتين خدمتها، وهذا حق سلطاني استوفيته.
قال ابن أبي الأصبغ: كنت بحضرة عبيد الله بن سليمان وهو يكتب للمعتضد أيام إمارته حين وردت عليه رقعة من أبي الحسين جعفر بن محمد بن ثوابة نسختها: قد فتحت للمظلوم بابك، ورفعت عنه حجابك، فأنا أحاكم الأيام إلى عدلك، وأشكو صروفها إلى فضلك، واستجير من لؤم غلبتها بكرم قدرتك وحسن ملكتك، فإنها تؤخرني إذا قدمت، وتحرمني إذا قسمت، فإن أعطت يسيراً، وإن ارتجعت كثيراً، ولم أشكها إلى أحد قبلك، ولا اعتمدت للانتصاف منها إلا فضلك، ولي مع ذمام المسألة لك، وحق الظلامة إليك، ذمام تأميلك، وقدم صدق في طاعتك، والذي يملأ من النصفة يدي، ويفرغ الحق علي، حتى تكون إلي محسناً، وأكون بك إلى الأيام مقرباً، أن تخلطني بخواص خدمك الذين نقلتهم من حد الفراغ إلى الشغل، ومن الخمول إلى النباهة والذكر، فإن رأيت أن تعديني فقد استعديت إليك، وتنصرني فقد عذت بك، وتوسع لي كنفك فقد أويت إليه، وتسمني بإحسانك فقد عولت عليه، وتستعمل يدي ولساني فيما يصلحان له من خدمتك، فقد درست كتب أشلافك، وهم القدوة في البيان، واستضأت بآرائهم، واقتفرت آثارهم اقتفاراً جعلني بين وحشي الكلام وإنسيه، ووقفني منه على جاة متوسطة يرجع إليها الغالي، ويلحق بها المقصر التالي، فعلت إن شاء الله.
قال: فجعل عبيد الله يرددها، ويستحسنها ثم قال: هذا أحق بديوان الرسائل.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هلاك العرب أبناء بنات فارس.
دخل عمرو بن معدي كرب على عمر بن الخطاب وهو يحد الصمصامة، فقال له الأشعث بن قيس: يا عمرو، إلى متى تحد سيفك وقد فشا الإسلام، وأظهر الله الدين؟ قال عمرو: وماذا يريبك منه، فوالله إنه لسيف مازني بامرأة أبيه قط، ولا ارتد عن الإسلام، فقال له رجل زبيدي يا عمرو أللسيد تقول هذا؟ قال: اسكت فوالله ما أنت إلا بمنزلة النعرة التي تقع في أنف الحمار، فقال له الزبيدي: يا عمرو أما عملت أنها ربما أضرطته؟ فخجل عمرو.
المعلهج: الأحمق؛ انكفت: انقبض.

قال نور بن يزيد: كان عمر بن الخطاب يعس بالمدينة في الليل، فارتاب بالحال فتسور، فوجد رجلاً عنده امرأة وعنده خمر، فقال له: يا عدو الله، أكنت ترى أن الله يسرك وأنت على معصيته؟ فقال الرجل: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين، إن كنت عصيت اللهفي واحد فقد عصيته أنت في ثلاث: قال الله تعالى: " ولا تجسسوا " الحجرات: 12 وقد تجسست، وقال: " وأتوا البيوت من أبوابها " البقرة: 189 وقد تسورت، وقال: " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " النور: 27 وأنت دخلت بغير سلام؛ فقال له عمر: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، والله لئن عفوت عني لا أعود لمثلها أبداً، فعفا عنه.
كتب عمر إلى معاوية: الزم الحق ينزلك الحق منازل أهل الحق، يوم لا يقضي إلا بالحق.
قال ابن عباس: لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون: انتصف القوم منا.
قال المدائني: نظر عمر إلى أعرابي يصلي صلاة خفيفة، فلما قضاها قال: اللهم زوجني العين، فقال عمر: أسأت النقد وأعظمت الخطبة.
قال أبو زياد الفقيمي: أهدى رجل إلى عمر جزوراً ثم خاصم إليه بعد ذلك في خصومة، فجعل يقول: افصلها يا أمير المؤمنين كفصل رجل الجزور، فاغتاظ عليه عمر فقال: يا معشر المسلمين، إياكم والهدايا، فإن هذا منذ أيام أهدى إلي رجل جزور، فوالله ما زال يرددها حتى خفت أن أحكم بخلاف الحكم.
قال إبراهيم بن ميسرة، قال لي طاووس: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي الزوائد: ما يمنعك من التزويج إلا عجز أو فجور.
جلس رجل إلى عمر رضي الله عنه فأهذ من رأسه شيئاً فسكت عنه، ثم صنع به ذاك يوماً آخر، فأخذ بيده وقال: ما أراك أخذت شيئاً، فإذا هو كذلك، فقال: انظروا إلى هذا، صنع بي مراراً، إذا أخذ أحدكم من رأس أخيه شيئاً فليره، قال الحسن: نهاهم والله أمير المؤمنين عن الملق.
قال الحكم بن عتيبة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: القاضي لا يصانع ولا يصارع، ولا يتبع المطامع، يصارع: يميل إلى أحد الخصمين؛ كذا كان التفسير مع الحديث.
قال أبو هريرة: لما استخلف عمر صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني نظرت إلى الإيمان فوجدته يقوم على أربع خصال، فقام إليه عمار بن ياسر فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تقوى الله في جمع المال من أبواب حله، فإذا جمعته عففت عنه، وإذا عففت عنه وضعته في مواضعه حتى لا يبقى عندي منه دينار ولا درهم ولا عند آل عمر خاصة؛ والثانية: أعرف للمهاجرين حقهم وأقرهم على منازلهم؛ والثالثة: الأنصار الذين آووا ونصروا، أحفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فأقبل من محسنهم وأتجاوز عم مسيئهم وأكون أنا عيالهم حتى ينصرفوا إلى منازلهم؛ والرابعة: أهل الذمة، أفي لهم بعدهم وأقاتل من ورائهم ولا أكلفهم إلا طاقتهم؛ قال: إذا فعلت ذلك كنت معترفاً عند الله - جل اسمه - بالذنوب.
وقال أيضاً على المنبر: اقرأوا القرآن تعرفوا به، واعلموا به تكونوا من أهله، إنه لن يبلغ من حق ذي حق أن يطاع في معصيتة الله، ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي ايتيم، إن استغنيت عففت، إن افتقرت أكلت بالمعروف تقرم البهمة الأعرابية: القضم لا الخضم.
مات أبو عبيد سنة تسع ومائتين وله أربع وتسعون سنة، وقيل له في علته: ما بك؟ فقال: هذا النوشجاني دخلت إليه مسلماً فجاء بموز كأنه أيور المساكين، فأكثرت منه فكان سبب علتي.
قال أبو عبيدة: اسم السلام هو السلام، كما تقول: هذا وجه الأمر، وهذا وجه الحق، وثم وجه الله عز وجل، أي الله.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9