كتاب : البصائر والذخائر
المؤلف : أبو حيان التوحيدي

فتى عرضه عند أعدائه ... مصون وأمواله تبتذل
وأيامه دول للصديق ... وأفعاله في الأعادي مثل
فلو كان غيثاً لعم البلاد ... ولو كان سيفاً لكان الأجل
ولو كان معطى على قدره ... لأغنى النفوس وأفنى الأمل
يقال في الأثر: إن الإبل لحومها وألبانها شفاء.
قال الأصمعي: سمعت أبا عرارة يقول: من أكل سبع موزات وشرب من لبن الأوارك تجشأ بخور الكعبة.
قيل لإبراهيم بن سيار: هل رأيت شيئاً واحداً يشتمل على عامة الطيبات؟ قال: النحلة، والشاة: منها اللبن، والجذا، واللبأ، والزبد، والسلاء، ثم الجبن والمصل والرخفة واللوقة، والأقط والشيراز والكوامخ والمضيرة، والمصلية والكشكية والغربية وغير ذلك، كذا قال الجاحظ عن إبراهيم.
قال ابن الجهم: في محمد بن عبد الملك الزيات: السريع
ما أحوج الناس إلى مطرة ... تذهب عنهم وضر الزيت
فأجابه محمد:
قيرتم الملك فلم ينقه ... سواده شيء سوى الزيت
أنشد لأبي دلف: السريع
لست لريحان ولا راح ... ولا على الهجران نواح
بلى إذا أبصرتني قائماً ... فبين أسياف وأرماح
ترى فتى تحت ظلال القنا ... يقبض أرواحاً بأرواح
كان أشعب عند الحسن بن الحسن عليهما السلام، فدخل عليهما أعرابي أحمر العينين، مختلف الخلقة، متنكب قوسه وكنانته، فازدراه أشعب لسوء منظره، فقال للحسن: بأبي أنت، أتأذن لي أن أسلح عليه، فأخذ الأعرابي سهماً فوضعه في كبد قوسه ثم فوقه نحو أشعب وقال: والله لئن سلحت لتكون آخر سلحة سلحتها، فقال أشعب للحسن: أخذني يا ابن رسول الله القولنج.
شاعر: الوافر
وما قارورة ملئت عبيراً ... وكان المسك بعد لها ختاما
بأطيب من ثنايا أم عمرو ... إذا الأحلام أيقظت النياما
قيل لصوفي: كيف ترى ربك؟ قال: مستوراً عني بعلمه في، ومستصلحاً لي بتفضله علي.
قالت أعرابي: والله ما غمامة بكر، تدلت عليها الرياح في قفر، بأنقع للظمآن من ريق صخر.
قال الأصمعي: سمعت جعفر بن سليمان يسأل أعرابياً: ما بال الأرنب أحب إلى الصقر من الحبارى؟ قال: لأن الحبارى تكلح في وجهه، وتسلح على سبلته.
قيل لأعرابي: فلان يعيبك، قال: ذاك المائل عن المجد رجلاً، المطلي باللؤم وجهاً، ولكن قد ينبح القمر الكلب.
قال أعرابي وذكر شبابه قيل له: ثم مه، قال: ثم مللت راحة الصبا، وسقيت سلوة عن الهوى، وأعلم أن أغنى الناس من كثرت حسناته، وأفقرهم من قل نصيبه منها.
شاعر: الكامل
هذا الربيع كأنما أغصانه ... أبناء فارس في بنات الروم
بسط البسيطة سندساً وتبرقعت ... قلل المياه بلؤلؤ منظوم
والورد يحكي في ذرى أغصانه ... قضب الزبرجد نظمت بنجوم
في الأمثال: أنا الغريق فما خوفي من البلل ومنها: إن الدلاء ملاكها الوذم قال بعض الحكماء: لكل شيء آفة، وآفة العلم النسيان، وآفة الظرف الصلف، وآفة العبادة الفترة، وآفة الحديث الكذب، وآفة الشجاعة البغي، وآفة الحاجة الكبر، وآفة الحسب البطر، وآفة الحلم الذل، وآفة الجود السرف، وآفة القصد البخل، وآفة الحذق العجب، وآفة الجلد الفحش، وآفة المودة إخوان السوء، وآفة العقل الهوى، وآفة العفاف الضيق، وآفة الرأفة الجزع، وآفة الحياء البلادة، وآفة التواضع التصنع، وآفة اللطف الملق، وآفة الأنبساط عادة السوء، وآفة المداراة المداهنة، وآفة السرور البطر، وآفة الحزن التهالك، وآفة الغضب الغيظ، وآفة الإحسان التزكية، وآفة الأنتباه القنوط، وآفة الكسب الكد، وآفة الواعظ العنف، وآفة الموعوظ الملل، وآفة السائل الإلحاف، وآفة المسؤول الشح، وآفة الفقر الضراعة، وآفة الغنى الطغيان، وآفة الرأي الأستبداد، وآفة الأناة التفريط، وآفة السرعة العثرة، وآفة المشورة غش المستشار، وآفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترك العمل بهما.
قال أعرابي: العاجز هو الشاب القليل الحيلة، الملازم للحليلة.

قال المأمون لعبد العزيز المكي: أليس قال الله تعالى " ما فرطنا في الكتاب من شيء " الأنعام: 38 قال: بلى، قال: فلقد قرأت القرآن فلم أجد فيه ذكر الجواسيس، فقال عبد العزيز: ألم تسمع قوله تعالى: " يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم " التوبة: 47، وهؤلاء ينقلون الأحاديث ويرفعون الأخبار.
شاعر: الطويل
ألا فأسقني والفجر يلمع في الدجى ... شراباً له في الدن عهد ثمود
كأن الثريا والصباح يكدها ... قناديل رهبان دنت لخمود
كأن حباب الماء في جنباتها ... وجوه عذارى في ملاحف سود
وللصبح سلطان على الليل قاهر ... يرحله عنا بغير جنود
من الأمثال:
أبشري أم خالد ... رب ساع لقاعد
قال عبادة المخنث لرجل كبير الأنف رآه عند المتوكل: يا أمير المؤمنين، لو كان له ملء أنفه دقيقاً لكان يكفيه وعياله سنة.
سمع مخنث رجلاً يقول: دعا أبي أربعة أنفس أنفق عليهم أربعمائة درهم، فقال: يا ابن البغيضة، ولعله ذبح لهم مغنيتين وزامر، وإلا فأيش أنفق أربعمائة درهم؟! شاعر: الخفيف المجزوء
هب لعيني رقادها ... وآنف عنها سهادها
كن صلاحاً لها كما ... كنت دهراً فسادها
وأرحم المقلة التي ... صرت فيها سوادها
سمع مخنث رجلاً يؤذن بأعلى صوته في مسجد صغير فقال له: يا هذا أذن على قدر مسجدك، ولا تعد طورك.
قال شيخ لفرفر المخنث: أبو من؟ قال: أم أحمد فديتك نظرت امرأة إلى مخنث في قطيفة فقالت: ويلي، مخنث في قطيفة؟! فقال: يا بظراء، لو كان لي مثل الكانون الذي بين فخذيك جلست في غلالة.
لما أفلت عمر بن هبيرة من سجن خالد مر بالرقة السوداء، فإذا امرأة من بني سليم على سطح لها تحدث جاراتها ليلاً وهي تقول: لا والذي أسأله أن يخلص عمر بن هبيرة مما هو فيه، فوقف عمر وقال لأصحابه: هل معكم شيء؟ فأتوه بمائة درهم، فصيرها في صرة فرمى بها كلها وقال لها: قد خلص الله ابن هبيرة مما كان فيه، فطيبي نفساً.
قيل لدغفل: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وزهير إذا رغب.
من أمثال العرب: وليس القدر إلا بالأثافي.
شاعر: الكامل
خافت سلوي وآنقطاع وسائلي ... فغدت بدمع سائل ومسائل
ورأت فتى كالسيف إلا أنه ... شخت الضلوع قليل لحم الكاهل
مثل الذبالة ضوءها لك معجب ... والنار تأكل جسمها من داخل
فضحكت مما قد بكاني حاسدي ... وبكيت مما قد رثى لي عاذلي
هبت ريح شديدة فقال الناس: قد قامت القيامة، فقال زبدة المخنث: هذه قيامة على الريق بلا خروج دجال ولا دابة الأرض ولا المهدي، نسأل الله بركة قدومه.
قيل لمخنث: ويلك، تناك في أستك؟! فقال: يا قوم فلي موضع غيرها؟! كان العباس يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، ومن الذنب للمصر، ومن الحكم للمقر، وهو عندهم أرفع من السماء، وأعذب من الماء، وأحلى من الشهد، وأذكى من الورد، خطأه صواب، وسيئته حسنة، وقوله مقبول، يغشى مجلسه، ولا يمل حديثه؛ والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا الكظة، ومن مرآة اللقوة، ومن سحاب تموز، لا يسأل عنه إن غاب، ولا يسلم عليه إن قدم، إن غاب شتموه، وإن حضر حقروه، وإن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقرانه يقطع الصلاة، أثقل من الأمانة، وأبغض من الملحف الملزم.
قال أعرابي: أجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق، وتطعم الجردق.
قيل لأعرابي: ما السرور؟ قال: كثرة المال، وقلة العيال.
قيل لفيلسوف: فيم السرور؟ قال: في إيضاح حق قد ألتبس بباطل، وإزالة باطل قد جار على الحق.
قيل لصوفي: فيم السرور؟ قال في توحيد يقام شاهده، ومقام يصدق وارده.
أنشد ابن الأعرابي: الكامل
إني لألبسكم على علاتكم ... لبس الشفيق على العتيق المخلق
ولقد أرى ما لو أشاء عتبته ... فأصد عنه ببقيتي وترفقي
ليرى العدو قناتنا لم تنصدع ... ويكون ذاك كأنه لم يخلق
وإذا تتبعت الذنوب فلم تدع ... ذنباً قطعت قوى القرين المشفق

وسمعت أو نقلت إليك مقالة ... عوراء يطلقها صموت المنطق
نظر رجل إلى مخنث وهو ينتف لحيته فقال له: لم تنتف لحيتك وهي جمال وجهك؟ قال: يسرك أن يكون لأستك مثلها؟ قال: لا، قال: فشيء لا تحب أن يكون في أستك مثله أتركه أنا على وجهي؟! أدخل رجل علوي بيته قحبة، فلما أرادها قالت: الدراهم، قال: دعي عنك هذا ويحك مع قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: دع هذا، عليك بقحاب قم، هذا لا ينفق على قحاب بغداد.
ما أقبح النقص بالشريف!! كان جحا نائماً إلى جنب أمه، فضرطت فتشورت فقالت: يا بني رأيت رؤيا فيها رعد وبرق ودوي، فقال: يا أمي، إن صدقت الرؤيا مطرنا خرا.
شاعرة من العرب: المتقارب
ألم ترنا عزنا ماؤنا ... سنين فظلنا نكد البئارا
فلما عدا الماء أطواره ... وجف الثماد فصارت حرارا
وعجب عجيجاً إلى ربها ... رؤوس العضاه تنادي السرارا
وفتحت الأرض أفواهها ... عجيج الجمال وردن الجفارا
لبسنا لدى عطن ليلة ... على اليأس أثوابنا والخمارا
وقلنا: أعيروا الندى حقه ... وصبر الحفاظ وموتوا حرارا
فإن الندى لعسى مرة ... يرد إلى أهله ما أستعارا
فبينا نؤثل أحسابنا ... أضاء لنا عارض فاستطارا
وأقبل يزحف زحف الكسير ... سياق الرعاء البطاء العشارا
تغني وتضحك حافاته ... خلال الغمام وتبكي مرار
كأنا تضيء لنا حرة ... تشد إزاراً وترخي إزارا
فلما رأينا بأن لا نجاء ... وألا يكون قرا قرارا
أشار له آمر فوقه ... هلم فصار إلى ما أشارا
رئي جحا في جنازة أبي العباس النحوي وهو يقول: يا أبا العباس رحمك الله، في حر أمنا بعدك يا أبا العباس.
سرق رجل جملاً بالليل، فرفع إلى السلطان فقال له: لم سرقت؟ قال: كنت سكران، قال: فلم لم تأخذ كلباً؟ فقال: ما ميزت بين الجمل والكلب.
عطش جحا يوماً فقال لأمه: أسقيني ماء، فقالت: من أين أسقيك؟ اشرب من حافرك؛ وعطشت هي أيضاً يوماً فقالت: يا بني اسقني، فأراد أن يقول لها كما قالت له فقال: اشربي من حرك، يريد: من حافرك.
كان للشاعر المعروف بالدقيش أنف طويل وأسنان كبار، فقالت امرأته، أي شيء تشبه؟ قال: لا أدري والله، قالت: يشبه أنفك هذا الطويل وفمك وأسنانك كأنك والله ديك يطله في كوز في فمه قرطم، فقال لها: لعنك الله، أنا شاعر ولا أحسن هذا التشبيه.
دعا أبو سالم القاص يوماً على المنبر بنصيبين فقال: اللهم أمسخهم كلاباً، وأمسخنا ذئاباً حتى نقرض جلودهم.
زار رجل رئيسا، فقال الرئيس: يا جارية، هاتي لضيفنا المسكين السكر والشيرج وأصلحي الفالوذج، قالت: يا مولاي ليس عندنا سكر ولا عسل، قال لها: ويلك هاتي قطيفة إبريسم حتى ينام فيها، قالت: يا مولاي استعاروها، فقال الضيف: جعلت فداك، ما بين هذين رغيف وقطعة جبن.
نظر الفرزدق إلى جارية مليحة بالمدينة فقال لها: أيري في أستك، فقالت له: يا بغيض، ما يضرك أن تضعه في يدي فأضعه حيث أشتهي، فقال: قد وضعته في يدك، قالت: فإني قد وضعته في حر أمك.
قيل لطفيلي: كل من قدامك، قال: يا قوم، ترى هو ذا آكل من خلفي؟! وقع نحوي مرة في كنيف، فجاؤوه بكناسين، فكلمه أحدهما لينظر أهو في الحياة، فقال له النحوي: أطلبا لي حبلاً دقيقاً، وشدا شداً وثيقاً، وأجذباني جذباً رفيقاً؛ فقال أحدهما لصلحبه: أما أنا والله لا أخرجته، هذا في الخرا إلى الحلق وليس يدع الفضول.
أخذ الحكم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية في ظنة الخوارج، فقال له الحكم بن أيوب: إنك لخارجي منافق، ائتني بكفيل، فقال: ما أجد أعرف بي منك، فقال: وما علمي بك وأنا رجل من الشام وأنت من أهل العراق؟ قال إياس: ففيم هذا الثناء منذ اليوم؟! فضحك وخلى سبيله.

قال سديف في خطبته: قد صار فيئنا دولة بعد القسمة، وإمامتنا غلبة بعد المشورة، وعهدنا ميراثاً بعد الأختيار للأمة، واشتريت المعارف والملاهي بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشا المؤمنين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة؛ اللهم قد استجيد الباطل، وبلغ نهيته، وزخرف وليده، واستجمع طريده، وضرب بجرانه؛ اللهم فأتح له من الحق يداً حاصدة تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صورة، وأتم نورة.
قال إبراهيم بن أدهم: نظرت فلم أجد الخلق أتوا في أفعالهم إلا من ثلاثة أشياء: من الفرج بالموجود، والحزن على المفقود، والسرور بالمدح، لأن من فرج بالموجود حرص، والحريص محروم، ومن حزن على المفقود سخط، والساخط معذب، ومن سر بالمدح أعجب، والمعجب ممقوت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس: لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك، قالوا: يا رسول الله، وأي شيء أكبر من ذلك؟ قال العجب.
مدح أبو مقاتل الضرير الحسن بن زيد بقصيدة أولها: الرمل
لا تقل بشرى ولكن بشريان ... غرة الداعي ويوم المهرجان
فكره الحسن ابتداءه ب لا تقل بشرى فقال: لو قلت:
غرة الداعي ويوم المهرجان ... لا تقل بشرى ولكن بشريان
لكان أحسن، لأن الأبتداء ب لا قبيح، فقال له أبو مقاتل: لا كلمة أشرف من التوحيد، وابتداؤه ب لا.
قيل لسقراط: متى أثرت فيك الحكمة؟ قال: مذ بدأت أحقر نفسي.
قال أبو بكر الدلال: رئي غزوان الضرير في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: الخفيف المجزوء
حاسبونا فدققوا ... ثم منوا فأعتقوا
قيل لزيد بن علي: يا ابن رسول الله، أما ترى فقيراً يستغني، وغنياً يفتقر، وشيخاً يبقى، وطفلاً يخترم، وأحوالاً هذه سبيلها خارجة عن العادة، فكيف ذلك؟ قال: نؤخذ في كل حال حتى لا نأمن في حال.
سمعت علي بن الحسين العلوي يقول: الموت طريق تستوي فيه الأقدام، ويسلكه المقصر والمقدام.
قيل لأعرابي: ما يغنيك؟ قال: السلامة في الدنيا، والكرامة في الآخرة.
نظر رجل إلى سقراط في ثياب لا تواريه فقال: أهذا سقراط واضع النواميس؟ وأكثر التعجب منه، فقال له سقراط: ليس علة نواميس الحق الكساء الجديد، ولا علة ناموس الباطل الكساء الخلق.
قيل لصوفي: خذ حظك من الدنيا فإنك فان عنها، قال: الآن آخذ حظي منها.
شاعر: البسيط
تباً لذي أدب يرضى بمعجزة ... لم لا يكون كباز فوق قفاز
يطوي الدكادك والعقبان معترضاً ... حتى يموت عزيزاً فوق معجاز
أو يستريح من الدنيا وساكنها ... فقد بلينا بدهر خائن خاز
ما للأديب به حظ ولا خطر ... والحظ فيه لصفعان وطناز
وقال أبو الحسن العامري الفيلسوف، وشاهدته ببغداد سنة ستين، وقد حضر مجلس أبي حامد المروروذي وتكلم في مسألة فقهية وهي تحليل الخمر، فاستطرفت كلامه في الفقه بألفاظ الفلاسفة، ثم شاهدته بعد ذلك سنة أربع وستين وقد صحب ركاب ذي الكفايتين، وله حديث مع الفلاسفة البغداديين، قال: القوة الشهوانية إذا أفرطت كانت شرهاً، وإذا نقصت كانت جموداً، وإذا توسطت كانت عفة؛ والقوة الغضبية إذا أفرطت كانت تهوراً، وإذا أستخذت كانت جبناً، وإذا اعتدلت كانت شجاعة؛ والقوة النطقية إذا أفرطت كانت جهرة، وإذا ضعفت كانت غباوة، وإذا توسطت كانت فطنة.
وسمعته يقول: الأسم والحد متطابقان أبداً، غير أن الأسم يدل دلالة مجملة، والحد يدل دلالة مفصلة.
وقال أيضاً: من عرف إنيته سلم من التعطيل، ومن عرف وحدانيته سلم من الشرك، ومن عرف نعوته سلم من التشبيه.
وسمعت صوفياً يقول: سيدي، علائقي منك تشوقي إليك، وعوائقي عنك تلهفي عليك.
وقال أعرابي لرجل: قربني إليك قطع مفازة وركوب أخرى، وملاطمة هواجر النهار ومراعاة نجوم الليل، ورميي بالنجب المناجي أثباج الليل الداجي.
الأثباج: جمع ثبج، والثبج وسط الشيء، والداجي: الساتر، ومنه دجا نور الإسلام أي حين سبغ وكثف، وكأنه عنى كثافة النظام.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أدري كيف أعامل أهل الكوفة، إن أرسلت إليهم مؤمناً ضعفوه، وإن أرسلت إليهم قوياً فجروه، قال المغيرة: يا أمير المؤمنين الضعيف إيمانه له وعليك ضعفه، والفاجر قوته لك وعليه فجوره، فولاه الكوفة.
أنشد لموسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وكان شاعراً: الطويل
إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر
وأنشد لمسلم بن حذافة: البسيط
من ذا يندد بين الناس معذرتي ... إن رد جار أبي وهو مقتول
ينازع الطير في البطحاء حسوته ... فقال من جاز هذا غاله غول
فلست أسلم أوساً لامرىء أبداً ... حتى أرد وثغر النحر مبلول
أو أبلغ في أوس فيعذرني ... فيه الرجال إذا ما ينشر القيل
لمسلمة بن عبد الملك بن مروان: البسيط
لا شيء أحسن في الدنيا وساكنها ... من وامق قد خلا فرداً بموموق
كذاك ليس بها أشجى لذي نظر ... من عاشق هاضع قدام معشوق
نفسي الفداء لظبي بات يسعدني ... ليلاً على قبض أرواح الأباريق
قال بعض السلف: ضربة الناصح خير من تحية الشانئ، ولا فضل للمرائي بالود على مظهر الشنآن، والتواضع زيادة في الشرف، والعجز مرده إلى الخمول. إن عجز مالك عن المشتكي، أو دواؤك عن المريض، فلا تعجزن عنه برحمتك وعيادتك، فإن أدنى منازل الخيرات نصائح القلوب. قرب الهرم من الموت كقرب الثمرة اليانعة من السقوط عند هبوب الريح.
قال سقراط: الحسن الحق هوالعدل لأنه على كل حسن، والحسن كل معتدل، وكذلك الجور هو القبح أنه علة كل قبيح كذلك، والقبيح خارج عن الاعتدال.
قال ابن الأعرابي، قال وهب: في الجاردة سبع خلق جبارة: رأسها راس فرس، وعنقها عنق ثور، وجناحها جناح نسر، ورجلاهان رجلا حمار، وذنبها ذنب حيةن وبطنهان بطن عقرب، وصدرها صدر سبع.
قيل للجرذ القراد: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح من يرجو آخر هذا؟ وأشار إلى القرد.
كتب سهل بن هارون إلى ذي الرياستين: إن للأمنية فرحاً يرجو من ولاة فرحها، ولأيامها دولاً فخذ حظك من دولتك فيها، ولدولها تصرفاً فتزود قبل أوان تسرفها، فإن تعاظمك ما أنبأتك عنه فانظر في جوانبها بأخذك الوعظة من جميع نواحيها، واعتبر بذلك الاعتبار على أنك مسلم مما سلم لك منها.
قال موسى بن قيس المازني، قلت لأبي فراس المجنون: أنت النهار كله ماش، أفنشكتي بدنك بالليل؟ فقال: المتقارب
إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع
فقلت: يا أحمق، أسألك عن حالك فتنشدني الشعر، قال: قد أجبتك يا ابن الزطية، فقلت: ألي تقول هذا وأنا سيد من صادات الأنصار؟! فقال: الطويل
وإن بقوم سودوك لفاقة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد
ثم ضرط في ديه ولطم عينيه وقالك هكذا يكون الجواب المقشر.
قال بعض الأوائل: اعتد الزهد واقتنه فإن فيه راحة للبدن من النصب، وإعتاق للنفس من العبودية، وقطعاً للحسرة، وإذهاباً للندامة، وتخفيفاً للسأم؛ أما التواضع فليكن من الشيم المحبوبة عندك، فإنه يقربك إلى ربك، ويذهب عنح حسد الناس، ويوجب محبتهم وعطفهم. ولتكن سيرتك فيمن دونك من الناس الرأفة بهم، والرحمة لهم، والسد لما قويت عليه من فائتهم، وحب السعة في معايشهم، والسلامة لهم في أبدانهم، فإنك إذا فعلت ذلك عمهم جودك وخيرك.
قال أبو هفان: فلان أثقل م الموت على المعصية.
قيل لابن سوار الكاتب: إن غلامك قد امتهنك هذا الأسود، قال: بلى أنا قد امتهنته، عمدت إلى أكرم علق فيه فاستعملته في أقذر مدخل في.
دخل زهر المخنث حماماً فرأى شيخاً قد أنعظ، قال: فديتك ما لهذا قائماً؟ قال: ذكر صديقاً له بالعراق، قالك أفتأذن في تقبيله فقد انقطع الوفاء إلا منه.
كتب الرشيد إلى الفضل بن يحيى: أطال الله يا أخي مدتك، وأدام نعمتك، والله ما منعني من إتيانك إلا التطير من عيادتك، فاعذر أخاك، فو الله ما قلاك ولا سلاك، ولا استبدل بك سواك.

وكتب أيوب بن غسان: الخير مرغوب فيه، والكريم مكثور عليه، ومن عود شيئاً طلبه، ومن فتح عليه باب قرعه، والأوائل بالأواخر، وكما قيل: الفواتح بالخواتم، والتعرض للمعروف أوجب من البر فيه، لأ، الحظ فيه أوفر، والنعمة أعظم، فاخترنا لك أعلى الدرجتين، وأحظى الحظين، ودعوناك إلى رب صنيعك، وتثمير نعمتك.
احفظ فصول الكتاب فإنها نافعة في الفهم مرة والبلاغة مرة.
لمنظور بن فروة: الطويل
إذا أنت أكثرت المجاهل كدرت ... عليك من الأخلاق ما كان صافيا
فلا تك حفاراً بظلفك إنما ... تصيب سهام الغي من كان راميا
كان سقراط يتشرق في الشمس على ظهر الحب الذي يأوي فيه، فوقف عليه الملك فقالك يا سقراط، ما الذي منعك من إتياننا؟ فقال له: الشغل أيها الملك بما يقيم الحياة، فقال الملك: لو أتيتنا كفيناك، فقال له سقراط: لو علمت أني أجد ذلك لزمتك ما لزمتني الحاجة إلى ذلك، فقال له الملك: فسل حاجتك، قال: حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعتني المرفق بالشمس؛ فدعا له بكسى فاخرة من الديباج وغيره ويذهب، فقال له سقراط: وعدت بما يقيم الحياة، وبذلت نعيم الأموان، ليس لسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود؛ الذي يحتاج إليه سقراط معه حيث يتوجه. فقال مزاح كان مع الملك: لقد حرمت نفسك نعيم الدنيا أيها الرجل، قال سقراط: وما نعيم الدنيا يا هذا؟ قال المزاح: أكل اللحمان، وشرب الخمر، والمناكح والملابس، فقال سقراط: ليس بمستنكر أن يكون نعيم الدنيا هذا عند من رضي بمشابهة الدود من نفسه، وأن سجعل بظنه مقبرة للحيوان، ويؤثر عمارة الفانية على الباقية.
كاتب: أما بعد فإن خير الناس الواصل لمن قطعه، وشرهم القاطع لمنوصله، وقد وصلناك فقطعتنا، وقطعناك فلم تصلنا.
وقال الشاعر: الطويل
إذا ا،ت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه
قيل لرجل كان يسرف في الجماع: إنا نخاف عليك العمى، فقال: قد وهبت بصري لذكري.
شاعر: الطويل
وقد يقرض الشعر البكيء لسانه ... وتعيي القوافي المرء وهو خطيب
مطرود بن عرفطة، جاهلي: البسيط
إن سلولاً عراك الموت عادتها ... لولا سلول لمستنا أبابيلا
الضاربون إذا خفت نعامتنا ... والقائلون إذا لم نحسن القيلا
والضامنون لمولاهم غرامته ... لا زال واديهم بالغيث مطلولا
سمع شاهك المهنث رجلاً يصف الكرفس فقال: لأيش يصلح؟ قال: لفتح لاسد، فقال: لا كان الله لك، أنا إلى سد الفتح أحوج.
أنشد ليحيى بن عروة بن الزبير: الطويل
أشرتم بلبس الخز لما لبستم ... ومن قبل ما تدرون من فتح القرى
قعوداً بأبواب الفجاج وخيلنا ... تسامي سمام الموت تكدس بالقنا
فلما أتاكم فيئنا برماحنا ... تكلم مكفي لمن كانقد كفى
قيل لعبد الله بن يعقوب: ما تشتهي أ، تكون؟ قال: أشتهي أن أكون دابة تأكل الليل والنهار.
دعبل: الكامل
أما الهجاء فدق عرضك دونهوالمدح فيك كما علمت جليل
فاهذب فأنت طليق عرضك إنه ... عرض عززت به وأنت ذليل
كتب ابن المعتز إلى عبيد الله بن سليان: علم الوزير - أعزه الله - بذهائر الأجر يغنيني عن ترغيبه فيه، وسبقه إلى الصبر يكفيني تذكيره به، لكن لولي الوزير - أيده الله - مواضع إن أخلاها دخل في جملة المضيعين لحقه، اللاهين عما عناه.
أنشد: الهزج
وقلبي بك مسغول ... وعقلي بك قد زالا
لقد ألسني الدهر من الأحزان سروالا
ومذ فارقت من أهوى ... لقد لاقيت أهوالا
أرى ليلي قد طال ... ويومي فيك قد حالا
قال عبد الله بن الزبير في وصف الدنيا: إن تقبل لا آخذها أهذ الأشر البطر، وإن تدبر لا أبك عليها بكاء الخرف المهتر.
قال رجللأحول: بلغني أنكم ترون الشيء شيئين، وكان بين يديه ديك، فقال: كيف لا أرى هذين الديكين أربعة؟! قال بعض السلف: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متكئاً.
أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: لا تقتل السامري فإنه جواد.
قال الزيدي: النثيثة: ذكر الرجل بعد موته بما أتى من قبيح وحسن، وأنشد: الطويل

وما كنت مبتاع الحياة بسبة ... ينثي بها عاراً علي بنو سعد
أنشد ثعلب: الطويل
وما وجد مغلول بصنعاء موثق ... بساقيه من ماء الحديد كبول
قليل الموالي مسلم بجريرة ... له بعد نوبات العشاء أليل
يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غد أو مسلم فقتيل
بأكثر مني لوعة يوم راعني ... فراق حبيب ما إليه سبيل
وأنشد أيضاً: الطويل
حفرنا على أضغان بكر بن وائل ... ببطن فليج والأسنة متح
وقد غضبوا حتى إذا ملأوا الثرى ... رأوا أن إقراراً على الضيم أروح
أنشد اليزيدي: الرجز
إن كنت تدري ما المخبآت ... فما لطاف الطي مدرجات
لهن منهن قلنسيات ... وهن للأثقال حاملات
يعني الأصابع.
يقالك إذا ألقي الزيتون أو خشب التين على النار وفي البيت آدر اشتدت القرقرة في خصيتيه.
قال أبو القاسم علي بن عيسى الوزير: حدثني أبو الفرج قدامة بن جعفر قال: كنت مروياً في أمر آيته أو أذره، فأنشدت في المنام إنشاداً: الطويل
فلا تكن النفس التي نيط أمرها ... بنفسين نفسي تائق وعزوف
كتب المختار بن أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس ومن قبله: أما بعد، فإن الأحنف مورد قومه سقر، حيث لا يستطيع لهم الصدر، وإني لا أملك ما خط القدر؛ وقد بلغني أنكم تكذبونني، وقد كذبت الأنبياء من قبلي، ولست بخير من كثير.
الجوع والجود والنسناس والقسقاس والغرث والسغب واحد.
العرب تقول: نعوذ بالله من طئة الذليل.
وقال: يقولون بيني وبينهم شجنة، أي وصلة ورحم.
ابن الأعاربي: أتى النخط - هو بالخاء المعجمة - أي الناس؛ وزرم: إذا انقطع؛ ورزم: لم يبرح.
أنشد الشعبي: الطويل
وما زلت في ليلى لدن طر شاربي ... إل اليوم أبدي إحنة وأداجن
وأضمر في ليلى لقوم ضغينة ... وتضمر في ليلى علي الضغائن
سمعت السيرافي يقول: إياك أن تنشد: طر شاربي، لإن طر قطع، ومنه الطار والطرار، ومنه طرة الغلام وطرة الثوب، فأما طر - بالفتح - فمعناه نبت، يقال: طر وبر الناقة إذا بدا صغاره وناعمه.
وقال الشعبي: لا يكون الرجل سيداص حتى يستعمل بيتي الهذلي، قيل: وما هما؟ قالك قوله: الطويل
وإني للباس على المقت والقلى ... بني العم منها كاشح وحسود
أذب وأرمي بالحصى من ورائهم ... وأبدأ بالحسنى لهم وأعود
قال ابن الأعرابي: يقال فلان قموص الحنجرة، أي كذوب.
وقال أبو عبيد في غريب الحديث: أول خلفك، أي آسكت.
سمعت نحوياً يقولك " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً " طه 132 لا يحوز جزم نسألك، وكذلك قوله تعالى " فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك " النساء: 84، فلو جزم بطل المعنى، وذلك أن الجزم يدل على أن من أمر اله بالصلاة لا يسأله رزقاً، والله تعالى يسأله رزقاً قبل ذلك وبعده، وكذلك في القتال.
قال خلف الأحمر: قلت لابن كبشة بنت القبثري: ما الهلباجة؟ قال: فتردد في نفسه من خبث الهلباجة ما لم يستطع أن يخرجه بحرف، فقال: الهلباجة الأحمق المائق القليل العقل الخبيث الذي لا خير فيه ولا عمل عنده، وبلى: يستعمل وعمله ضعيف، وضرره أشد من عمله، ولا يحاضرن القوم، وبلى: يحضر ولا يتلكم.
قال يعقوب: سمعت رجلاص من قيس وآخر من تميم يقولان: قعدت في الظل ألتمس الرائحة، يريد بها الراحة.
حط السعر وانحط إذا فترن ونزا إذا غلا.
قال ابن الأعرابي في النوادر: قال قوم من أهل الشام لعلي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - يثورون ما عنده في عثمان: إن عثمان نافق، قال: لا، ولكنه ولي فاستأثر، وجزعنا فأسأنا الجزع، وكل سيرجع إلى حكم عدل.
العرب تقولك أغضى فلان على أثارة غضب، أي بقية. يمتي يمدد، وكأن متى منه.
العرب تقول: هذا قرة لعي أي ثقيل، أهذ م الوقر، والوقر: الحمل، والوقر - بالفتح: ثقل في الأذن، والوقار: رزانة الجسم وسكون الأطراف ووقع الطائر.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الجياف؛ كأنه يطلب الجيفة وهي الميت.
فرانق: هو البريد؛ رجل فرانس: يفرس كل شيء، النون زائدة.
شاعر: الطويل

ولست بقوال لمولاي إن حبا ... هلكت ولا إن ضافك القوم أفرد
لست بقوال لذي الزاد أبقه ... فإنك إلا تبق زادك بنفد
لعبد الرحمن بن الحكم في أخيه مروان: الوافر
ألا من مبلغ مروان عني ... رسولاً والرسول من البيان
فلو كنا على مهل سواء ... جريت وأنت مضطرب العنان
ولست بواجد طرداً لحر ... كإلصاق به طرق الهوان
في الحديث أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيضر الغبط؟ قال: نعم، كضر الشجر الخبط. الغبط شقيق الحسد، وقد فصل بينهما ما لا بيان من ظاهر اللفظ عليه، وذلك أنه قيل: الحسد هو أن تتمنى زوال نعمة صاحبك حسب، والغبط أن تحب مثل نعمته لنفسك من غير زوال مالصاحبك.
يقال: ما البغط، وما الخبط، وما العبط، وما الربط، وما السبط، وما اللبط، وما الزنط، وما الهبط.
أما الغبط فكأنه من غبط يغبط إذا فرح، ومنه الغبطة وهو مهاية الفرح، وفي الألفاظ المحفوظة أن السرور والحبور والغبطة والبجة الجذل والفرح والارتياح على معنى واحد.
وأما خبط الشجر فضربك إياه بالعصا لينتثر الورق، والخبط: المنتثر منه.
وأما العبط فأخذك الشيء طرياً، ومنه: اعتبط فلاهن إذا مانت على شبابه. والعبيط الدم اطري، ومنه الخبر: لو كانت الدنيا دماً عبيطاً لكان قوت المؤمن فيها حلالاً. ومنه اعتبط الناقة إذا نحرها من غير علة بها.
وأما الربط فالشد، والرباط مثله، والرباط: المكان الذي تربط فيه الخيل للغزو والسفر.
وأما السبط فيقال: شعر سبط إذا كان غير مفلفل، والكلام السبط: المتلاحم الأجزاء، المتفق التأليف، الذي لا تنبو طباعك عنه، ولا تقشعر أذنك منه.
فأما اللبط فمن قولك: لبط به، إذا خبل به، كأنه صرع من الشيطان أو ضرب من الجنون.
وأما الزنط فتضعضع الحال، يقال: زنط أمر بني فلان.
وأما الهبط فالهبوط، وهو النزول، وهبط عليه الملك أي نزل.
شاعر: الطويل
والله لو أني اخاصم حية ... إلى فقعس ما أنصفتني فقعس
إذا قلت مات الداء بيني وبينها ... أتى حاطب منهم لآخر يقبس
فما لكم طلساً إلي كأنكم ... دئاب الغضا والذئب بالليل أطلس
وقد جعلت بعد التمرس قامتي ... وحسن القري مما تقولون تمرس
القامة: البكرة، والقري: جمع الماء في الحوض؛ تمرس: ينشب الحبل بين الخطاف والبكرة؛ يقول: فسد ما كان بيني وبينكم.
شاعر: الطويل
ما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظاً وينوي من سفاهته كسري
أعود على ذي الذنب والجهل منهم ... بحلمي ولو عاقبت غرقهم بحري
أناة وحلماً وانتظاراً بهم غداً ... فما أنا بالواني ولا الضرع الغمر
أظن صروف الدهر والجهل منهم ... ستحميلهم مني على مركب وعر
الم تعلموا أني تخاف عرامتي ... وأن قناتي لا تلين على الكسر
وإني وإياكم كمن نبه القطا ... ولو لم تنبه باتت الطير لا تسري
سمعت السيرافي يقول: وتر قوس النداف هو الكسل، والقوس منفحة؛ وقال غيره: القوس مجراف والوتر مصب.
شاعر: الوافر
لعمر أبيك ماخلقي بوعر ... وما أنا بالدني ولا المدني
قال زياد بن أبيه: إن تأخير جزاء المحسنين لؤم، وتعجيل عقوبة المسيء دناءة، والتثبت في العقوبة ربما أدى إلى سلامة منها، وتأخير الإحسان ربما أدى إلى ندم لا يمكن صاحبه أن يتلافاه لما فرط منه.
قال عبيد الله بن زياد لحارثة بن بدر الغداني: مابك؟ قال: ركبت الأشقر فلجلج بي في مضيق، قال: لو ركب الأشهب لم يصبك هذا عنى حارثة شرب الخمر، وعنى عبيد الله اللبن.
يقال: الفيج: السذاب، والفيجن أيضاً.
رجل نومة: كثير النوم، فأما النومة فالخامل؛ في الخبر: خير الناس يومئذ النومة.
سمع ابن السكيت عند المتوكل جارية تغني: الكامل
أسليم إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام تحية ظلم

فلتحققه بالإعراب شغل عن تأمل عجز البيت وحكم على صدره، فقال: هذا خطأ، والصواب أن تقولي: رجل، وزعم أن خبر إن، فلم تلتفت الجارية إليه وأقامت على قولها وما علمها أستاذها، ونصرها غيره من الندماء وحاكموها إلى أبي عثمان المازني، فأمر المتوكل بإشخاصه من البصرة على البريد، فأحضر وذكر له البيت، فأعلمهم أن الوصاب مع الجارية، وأن خبر إن في ظلم والتقدير: إن إصابتكم رجلاً أهدى السلام ظلم، والرجل منصوب بالمصدر وهو من صلته؛ فأجيز على ذلك ألفين، ووهبت له الجارية جملة اخرى.وبسبب هذا الخبر قال الكرماني في شخوص أبي عثمان المازني: السريع
أقول لما جاءني حمله النح ... و والنحوي قد أشخصا
ألجأنا الدهر إلى جاهل ... بحذفنا من جهله بالحصى
العود يوناني، صنعه أصحاب الهندسة على هيئة طبائع الإنسان، فإن اعتدلت أو تاره على الأقدار الشريفة جانس الطباع فأطرب، والطرب رد النفس إلى الحال الطبيعية دفعة؛ هذا كله من كتاب أدب النديم لكشاجم.
وصف رجل رجلاً عند رئيس فقال: والله لقد نهض فما انفتل ولا انخزل، ولقد خطا فما ارمد ولا اعطوط، ولقد سلم فما جأر ولا نأم، ولقد جلس فما دنا ولا نأى.
قوله: ارمد: استع في الخطو، والجأر: الصوت في تضرع واستكانة، والنئيم: دون الرنين.
ودخل رجل على بعض العلماء، فأومأ إلى موضع يجلس فيه، فعدل عنه إلى جهة اخرى، وكانت العين تقع هناك على ما يجب ستره، فقال له: اجلس بحيث أجلستك فإني أعلم بعوار منزلي.
جميل: الطويل
لعمر ابنة الضمري بثنة إنني ... إذا الشيء ولى مدبراً لصبور
وإني عن الماء الذي يجمع القذى ... إذا كان طرقاً آجناً لصدور
وقال كشاجم، قال رجل من الأدباء: إذا رافق السماع من الشارب ما ذكا عرفه، وعذب على اللهوات طعمه، وأخلص من شوائب العكر جرمه، وناب عن مرقص الآل شعاعه، وتحلى بزي العقبان لونه، وكان المنادمون عليه إخواناً ألباء، وخلاناً أدباء، مساميح الأخلاق، كرام الأعراق، قد أذكتهم المعرفة، وأدبتهم الحكمة وكان الغرض في الشرب غير الإفراط المؤدي بإكثاره إلى النوازل، لتعديل الطبائع، وإياثر المنافع، ونفي الخلاف، وغيجاب الائتلاف، وحسم السخائم، ونبذ النمائم، على وجه سماء، وصبو هواء، وصفو ماء، وخضرة كلأ، من كف بارع الظرف، ساحر الطرف، فائق الوصف، مصيب الخدمة، ذكي الفطنة، صادق الكمال، واصل الحبال، كأنه خوط بان، أو جدل عنان، كان نهاية الحبور، وغاية السرور.
وصف آخر السماع فقال: من فضيلته انه يبعث مع التنائي على الأشجان، ويحدو على التلهي في موضع الأحزان، ويؤنس الخلو الوحيد، يسر العاشق الفريد، ويبرد غليل القلوب، ويثير من خواطر الفتيان خطرة ليست من الملاهي لغيره، يسري رقها في أجزاء الجسد فيهيج النفس، ويقوي الحس. وحق من أمتعك بسماعه، وأشركك في أخص لذاته، وسوى بينك وبينه في استماع نغمة من لعله يغار عليه من ظله، ويحسد قميصه على مماسة جلده، أن تجعل ثوابه على هذه التكرمة، وجزاءه على هذه المقة، والاتنامة غض طرفك عن الجهة التي تلي الستارة، والناحية التي تأتي منها النغمة، حتى لا يكون باطن الستارة بأخفى عنك من ظاهرها، وأن تعظم من حرمتها ما صغره غيرك.
هذا كلام كشاجم.
جميل: الكامل
وذكرت بثنة أن عرفت ديارها ... إني لبثية واصل ذكار
زعمت بثينة أن حبي كاذب ... جهلاً وأني مازح غدار
لو تعلمين وقبل ما جربتني ... فالعلم ينفع والعمى ضرار
لعلمت أني للمغيبة حافظ ... للسر منك وأنني بصار
إلا أنلك فسوف يعذر طالب ... يا بثن فيك وقصره الإعذار
ولقد عملت على التكاليف التي ... تشقي القلوب ويغلب المقدار
كان البوشنجي في دعوة بخراسان مع أصحابه، فمد صوفي من أصحابه يده إلى جام فيه الخبيص وهور الصومعة من السكر، فقال له البوشنجي: ارفق قليلاً حتى تبلغ من ناحيتك إليها، فقال الصوفي: أيها الشيخ، أملي أقصر من أن أحدث نفسي ببلوغ ذلك المكان، فبكى قوم من لفظه، وضحك قوم من ملحته.
تقول الفرس: مطرة في نيسان خير من ألف شان.

يقال: جزاك الله والرحمة خيراً، والرحم أيضاً؛ وغذا قلت: جزيت الرحم - بالنصب لا غير.
يقال: أقرد الرجل إذا سكت ذلاً، وأخرد إذا سكت حياء.
قال إسحاق بن حنين، قال سقراط: الجهل بالفضائل عدل الموت.
قيل لسقراط: إن الكلام الذي قلته لأهل مدينة كذا لم يقبل، فقال: ليس يكربني ألا يقبل، وإنما يكربني ألا يكون صواباً.
وقيل له: من الفاضل؟ قال: الفاضل في الطبقة العليا الذي يبتغي الفضائل من تلقاء نفسه، والفاضل في الطبقة الدنيا هو الذي يتحرك لها إذا سمعها من غيره، ومن أخطأه الأمران فهو الساقط الدنيء.
قال فيلسوف لابنه: دع المزاح فإنه لقاح الضغائن.
ثيل لفيلسوف: لم كان الحياء في الصبي أحمد من الخوف؟ قال: لأن الحياء يدل على خوف، والخوف على جبن.
قال سيبويه: زعم الخليل أن الذين قالوا: الحسن والحارث والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا هو الشيء بعينه، ولم سجعلوه مسمى، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه، ومن قال: حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيد.
قال أعرابي لابنه: اسكت يا ابن الأمة، فقال: والله إنها لأعذر منك لأنها لم ترض إلا حراً.
قال كشاجم: أما الرئيس ذو الملك والأمر النافذ فلو كان السكر أو ما قاربه حلالاً لا اختلاف فيه لكان عليه خاصاً حراماً، لأن البادرة منه إلى نفسه، وعثرته لا تستقال، وأمره لا يراجع، وأنه يقهر ولا يقهر ويحجر ولا يحجر عليه، وقلماسمعنا بحادثة فظيعة، وغدرة قبيحة، وسطوة عظيمة، استجازها ملك، وجناها على نفسه، أو على نديمة وحميمه وسائر من يخصه من لحمته وبطانته إلى على سكر، ثم يقع عليه بعد ذلك الندم والسدم، ويلحقه ما لا يتلافاه من العار والشنار.
وممن تهيأ ذلك عليه من ملوك الجاهلية جذيمة بن مالك الدوسي صاحب الحيرة الذي ذكره وندمانيه متمم بن نويرة في مرثيته أخاه، وذلك بقوله: الطويل
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن سيتصدعا
فلما تفرقنا كأنس ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وكان من خبره في السكر أنه كان ملكاً شديد الحمية، عظيم الأفنة والغيرة، فرغب عن النساء لهذه العلة، فلم يكن له زوجة يسكن إليها، ولا ولد تقر به عينه، فاتخذ جذيمة النديمين المضروب بهما المثل واصطفاهما وعاقرهما دهراً طويلاً، ولم يمللهما ولا آثر عليهما سواهما، حتى طرأ عليه رجل من لخم يقال له عدي، جميل الوجه، ظريف اللسان، حسن العبارة، كثير الما، فلما رأى هيئته وسمع منطقه أحب منادمته، فنادمه، وأشرف جذيمة على الشراب سروراً باللخمي، فلما تبين له ذلك خطب إليه أخته، وذكر أنه لم يقصده إلا لذلك، فزوجه إياها، وساق اللخمي المهر من وقته واستشهد ذينك النديمين على الترويج، ودخل عليهل فواقعها فعلقت منه عمراً الذي قيل له: شب عمرو على الطوق؛ وأصبح فخرج إلى شوارع الحيرة فلم تمر به ناقة ولا جمل إلا نحره، ودفع إلى أربابها أثمانها، وفرق على الصدار والوارد لحومها. وركب جذيمة يعقب ذلك، فلما رأى اللحام مقسمة والدماء مهراقة سأل عن السبب، فأخبربه، فصار إلى أخته فوقف بالباب آخذاً بعضادتيه ثم قال: الخفيف
حدثيني وأنت لا تكذبيني ... أبحر زنيت ام بهجين
أم بعيد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون
فقالت: بل زوجتني ونديماك شاهدان على ذلك، فسألهما فشهدا، فاضطغن ذلك عليهما. وتخوف عدي ان يحتال عليه فنجا ولحق بأهله. ثم أن جذيمة سكر أيضاً كسكرة ليلة التزويج فتل ندمانيه ودفنها بباب الكوفة، وبنى عليهما قبرين وسماهما الغربين؛ وكان له يوما بؤس ونعيم، فإذا خرج يوم البؤس فلقي بباب الكوفة غريباً قتله، وغرى قبريهما بدمه، فلذلك سميا الغريين، وما زالا على حالهما إلى ظهور الإسلام.
ومن ملوك بني أمية الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فإنه لم يزل يهمل الأمر ويصبح سكران حتى انتشر أمره، واضطرب حبله، فقتل. وقد أجمعوا أن الرشيد لم يأمر في جعفر بن يحيى بما أمر إلا بعد أن أثمله الشراب.
قيل لفيلسوف: ما أسرع ما أجاب الناس إلى طاعة الإسكندر، قال: ذاك لما ظهر لهم بسرعة من حسن سيرته.
بايت المفضل الضبي المهدي، فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى ذكر حماد الراوية، فقال المهدي: ما فعل عياله ومن أين يعيشون؟ قال: من ليلة مثل هذه كانت مع الوليد بن يزيد.

قيل لفيلسوف: أين مسكن الخير ولاجود؟ قالك أنفس الحكماء.
قال إسحاق بن حنين، قال سقراط: ما أصعب في الشهراني أن يكون فاضلاً.
وكان سقراط يقول: ما اخترت أن تحيا به فمت دونه.
دخل خالد بن صفوان على هشام بن عبد الملك في يوم شديد الحر وهو في بركة فيها مجالس من السرو كالكراسي، فجلس على بعضها مؤتزرا بمنديل ناوله إياه الغلام، فقال له هشام: يا خالد، رب خالد قد قعد مقعدك هذا، حديثه أحلى من جنى الشهد - قال خالد: يريد خالد بن عبد الله القسري - قلت: ما يمنع من إعادته إلى ما كان عليه؟ قال: هيهات، أدل فأمل،وأوجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعاً، ولا لعودة موضعاً، ألا أخبرك يا ابن صفوان؟ قلت: إن شاء أمير المؤمنين، قال: ما بدأني بسؤال حاجة قط حتى أكون المبتدئ بها، قلت: فذاك أحرى أن تعيده إلى منزلته، فقال: الطويل
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... غليه بوجه آخر الدهر تقبل
ثم قال: حاجتك؟ قلت: أزاد في عطائي عشرة دنانير، فأطرق ثم قال: فيم؟ وعلام؟ وبم؟ ألعبادة أحدثتها؟ أم لبلاء أبليته أمير المؤمنين حسن، أم لأي شيء يا ابن صفوان؟ إذن يكثر السؤال ولا يحتمل بيت المال، فقلت: وفقك الله يا أمير المؤمنين وسددك، فأنت كما قال أخو خزاعة: الطويل
إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة قربى أو صديق توامقه
منعت وبعض المنع حزم وقوة ... فلم يفتلتك المال إلا حقائقه
قال خالد: فلما صرت إلى البصرة قيل لي: ما حملك على تزيينك الإمساك لأمير المؤمنين؟ قلت: أحببت أن يمنع غيري فيكثر من يلومه.
لأبي دهبل: الطويل
سللن سيوفاً من عيون قواتل ... ولم أر سيفاً تنتضيه المحاجر
وقفنا لتجديد العهود وبيننا ... دموع وأنفاس وداء مخامر
أبت زفرات البين أن نكتم الهوى ... فتظهر ما تطوى عليه الضمائر
وما بحت لولا الدمع بالوجد كله ... ولكن يوم البين تبلى السرائر
وقال فيلسوف: العفو أصل حسن السياسة.
دخل ابن المعذل على عيسى بن جعفر بن المنصور وقد بنى قصره على نهر ابن عمر بالبصرة على النيل، فاراد منه أن يصف بناءه فقال:أعز الله الأمير، بنيت أحسن بناء، بأوسع فضاء، وأخصب فناء، على أصفى ماء، وأغذى هواء، وبين صراري ورعاء، وحيتان وظباء؛ فقال: والله لكلامك أحسن من بنائي، ووصله وخلع عليه.
قال رجل لأعرابي بحضرة قوم يتخاصمون: أما ترى أجيج اليوم؟ قال: إن ضجيج القوم أشد من أجيج اليوم.
قيل لأعرابي: ما أعددت لحالي فقرك والغنى؟ قال: الذي أعددته لحفظ الغنى هو الذي أعددته لصرف الفقر.
كتب عبد الله بن عباس إلى عبد الملك بن مروان لما خرج محمد ابن الحنفية إلى الشام: إنه خرج إليك رجل منا، لا يبدأك بالشر ولا يمالئ على الظلم، يتحرى الحق ولا ينوي الباطل، فاحفظنا فيه. فأجابه عبد الملك: ما أسرني لصلة رحمك وحفظ توصيك، وكل ما سألت مفعول، وكل ما هويت متبع.
معنى قوله: يتحرى الشيء أي يطلب حراه أي مكانه وفناءه، يقال: نزلت بحراه وذراه وكنفه وعقوته؛ وأما ما مالأت فلاناً فإن السيرافي سأل أهل المجلس يوماً عنه فقال بعضهم: ما ملأتهم نفسي ولاملأوني، فكأنه مفاعلة من المء، فقال: قاربت، ولكن معناه الصحيح: ما دخلت في ملإهم، وإنما قيل للمإ الملأ لأنهم يملأون العين جهارة والنفس جلالة.
لما مات قرد زبيدة ساءها ذلك، فكتب إليها ابو هارون المعلم: أيتها السيدة، إن موقع الخطب بذهاب الصغير المعجب كموقع السرور من نيل الكبير المفرح، ومن جهل قدر التعزية عن التافه الخفي عمي عن حال التهنئة بالجليل السني، فلا نقصك الله الزائد في سرورك، ولا حرمك قدر هذا الذاهب من صغيرك وكبيرك؛ قال: فأمرت له بمال؛ قال: فكان أبو هارون يقول: رحم الله كل قرد.
سمعت لغوياً يقول: الغضار: خشب مشهور، والنضار جمع نضر، وهو الذهب.
سمعت شيخاً من النحويين يقول: ليس في كلام العرب فعل يفعل من المضعف إلا في شده يشده، وعله يعله، وهره يهره، ونم الحديث ينمه.
يقال: حرى يحري أي نقص، وأحراه الله: نقصه.
شاعر: الطويل
فما ضاعني تعريضه واندراؤه ... علي وإني بالعلا لجدير
ألم تر للنشوان يشتم أسرتي ... وإني به من واحد لخبير

أي ما حركني، والنشوان: الخفيف الجسم.
والنيطل: الداهية، والنيطل: الدلو، والناطل: مكيال الخمر، والضغيل: صوت مص الحجام؛ التياز: القصير العريض؛ والزردق: صف؛ ومعنى قول العرب: رابت الفرس أس سقيته اللبن، وفي الأمثال: إن من القرف التلف، أي في بعض ما تقارف يكون الحذر؛ الطاهي: الطابخ، يقال: طها يطهو طهوت وطهيت.
قال أحمد بن أبي خيثمة: أول من سمي في الإسلام أحمد، أبو الخليل، والخليل فرهودي، والفراهيد: صغار الغنم، وكان الخليل يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت.
قال إراهيم بن سيار: ما أحسنن ما قال الخليل: بحسب امرئ من الشر أن يرى من نفسه فساداً لا يصلحه، ومن علم بفساد نفسه علم بصلاحها، وأقبح التحول أن يتحول المرء من ذنب إلى ذنب من غير توبة منه وإقلاع عنه.
قال الخليل: كان يقال: من أساء فاحسن جعل له من نفسه حاجزاً يردعه عن مثل إساءته.
قال إبراهيم الحراني: كان البصرة أربعة من النحويين أصحاب سنة، وسائرهم قدرية: الخليل وأبو عمرو بن العلاء ويونس والأصمعي.
قال محمد بن سلام: حدثنا يونس النحوي قال، قلت للخليل: ما بال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنهم تؤام واحدة وعلي كأنه ابن علة؟ فقال: من أين لك هذا السؤال؟ فقلت: أريد أن تخبرني، قال: على أن تكتم عني ما دمت حياً؟ قلت: أجل، قال لي: تقدمهم إسلاماً، وبذهم شرفاً، وفاقهم علماً، ورجحهم حلماً، وكثرهم زهداً، فحسدوه، والناس إلى أمثالهم وأشكالهم أميل.
وقال الخليل: من الأبواب ما لو نشاء أن نشرحه حتى يستوي في عمله القوي والضعيف لفعلنا، ولكنا نحب أن يكون للعالم مزية.
قال النضر: حدثني الخليل قال: أتينا أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا عليه فقال لنا: استووا، فبقينا متحيرين، فقال لنا أعرابي بجبنه: إنه يقول: ارتفعوا، فاستخرجها الخليل من قول الله تعالى: " ثم استوى إلى السماء " البقرة: 29 أي ارتفع، فصعدنا، فقال:هل لكن في خبز فطير، ولبن نجير، وماء نمير؟ فقلنا: لا، قال: سلاماً، فبقينا حائرين، فقال الأعرابي: إنه سألهم متاركة، لا خير ولا شر، فاستخرجها الخليل من قول الله سبحانه " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " الفرقان: 63.
قال الخليل: النحو للسان بمنزلة الطعام للأبدان.
وقال أيضاً: إن لم تعلم الناس ثواباً فعلمهم لتدرس بتعليمهم علمك، ولا تجزع من تفرع السؤال فإنه ينبهك على علم ما لم تعلم.
لصخر بن الجعد الخضري: الوافر
ولست بنائم إلا نزوراً ... ولا مستيقظاً إلا مروعا
وإنك لو نظرت فدتك نفسي ... إلى كبدي وجدت بها صدوعا
أرجي أن ألاقي آل كأس ... كما يرجو ذوو السنة الربيعا
لعبد الحميد بن سعيد المساحقي: البسيط
إني وإن قيل لا يحمى له غضب ... إذا غضبت كأني الحية الذكر
يذكي القراع إذا قورعت من غضبي ... ناراً تأجج ما يطفى لها شرر
ألوى المريرة صرام لخلته ... رحب الذراع بما يأتي وما يذر
لا يستكين لما يأتي به حدث ... كأنه عند ما يرمى به حجر
قال بعض السلف: لا تغتر بطول السلامة مع تضييع الشكر، ولا تعمل بنعمة الله في معصيته، فإن أول ما يجب لمهيديها ألا تجعلها ذريعة إلى مخالفته، واعلم أن كفران النعمة بوار، وقلما اقشعت نافرة فرجعت في نصابها، فاسترجع شاردها بالتوبة، واستدم راهنها بكرم الجوار، واستفتح باب المزيد بحسن التوكل، ولا تحسبن أن سبوغ ستر الله غير مقلص عما قليل إذا أنت لم ترج لله وقاراً.
قيل لابن عون الزاهد، وقد جرى ذكر الأرزاق: يا أبا عون، ما تتمنى منها؟ قال: إني لأستحيي أن أتمنى عليه ما قد ضمنه.
دخل الأوزاعي على المهدي فقال له: إن الله قد آتاك فضيلة الدنيا وكفاك طلبها، فاطلب فضيلة الآخرة فقد فرغك لها.
قال الأصمعي: دخلت على الخليل وهو جالس على صحير صغير، فقال لي: تعال اجلس، فقلت: أضيق عليك، فقال: مه! الدنيا بأسرها ما تسع متباغضين، وإن شبراً في شبر ليسع متحابين.
قال النضر، قال الخليل:الأيام ثلاثة، معهود ومشهود وموعود؛ فالمعهود أمس، والمشهود اليوم، والموعود غد.

قال نصر بن علي، قال الخليل: الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال.
وقال الخليل، وقد قيل له: إن استفساد الصديق أهون من استصلاح العدو، قال: نعم كما أن تحريق الثوب أهون من نسجه.
قال الرياشي، قال الخليل: ما غلب جدل إلا جاء جدل آهر فغلبه، وما شيء أضر على الأديان ولا أفسد بين الإخوان من الجدل.
قال بعض السلف: الغناء نوح إبليس حين خرج منها.
وقال بعض السلف: لسان الإنسان مثقاله الذي يوزن به.
قال أعرابي: رجز
ما أقرب الخير من السلامة
ما أقرب الشر من الندامة
ما أولع الحاسد بالملامة
كاتب: ما أحوجك إلى أخ كريم الأخوة، كامل المروة، إذا غبت خلفك، وإذا حضرت كنفك، وإن لقي صديقك استزاده لك، وإن لقي عدوك كفه عنك، وإذا دانيته ابتهجت، وإذا اباثثته استرحت.
لأبي دلف الخزرجي في ابن عباد: الرمل المجزوء
يا ابن عباد بن عبا ... س بن عبد الله حرها
تنكر الجبر وقد أد ... خلت في العالم كرها
قيل لجعفر بن محمد إن هشام بن الحكم يقول إن البارئ جسم، فقال: أخطأ، اما علم أن الجسم والجسم يتفقان، والشيء والشيء يفترقان، لأن الجسم اسم لكل محدود، والشيء اسم لك لموجود.
شاعر: الوافر
أراك فلا أغض الطرف كي لا ... يكون حجاب رؤيتك الجفون
ولو أني نظرت بكل عين ... لما استوفت محاسنك العيون
قال بعض الزهاد: من أطعمه التراب أكله التراب.
كاتب: عرفني وقتاً أوافيك فيه جالساً، لا تزاحمني الألسن فيه على محادثتك، ولا الأعين على النظر إليك، لأقضي وطر الود، وآخذ بثأر الشوق.
وصف الخليل بن أحمد أرضاً حمد مشتريها رأيه: البسيط
ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت ... عن المعاطش فاستعنت بسقياها
فاعتم بالطلح والزيتون أسفلها ... ومال بالنخل والرمان أعلاها
وصار يحسده من كان يعذله ... ولائم لامفيها قد تمناها
أبا معاوية اشكر فضل واهبها ... وكلما جئتها فاعمر مصلاها
قال المبرد، قال المازني، قال الأصمعي: رأيت الخليل يأخذ كتب أبي حنيفة فينظر فيها، فقلت له: كيف تراه؟ فقال: أراه يأخذ الحق فيمسخه.
قد دل الخليل بهذا على اختلاله، لأن الفقه ليس من شأنه، وأبو حنيفة يجل عن مثل هذه الحال.
قيل للكرخي: لم لا تضع لنا كلاماً في الأصول على مذاهب المتكلمين؟ قال: أخاف التقصير وأكره النقص، فإني رأيت الجبائي وقد ألم في كتبه بشيء من الفقه فبدت سوءته، وأمل الحاسد الوقيعة فيه.
قيل لفيلسوف: كيف الله؟ قال: باطن لكنه لا يخفي، وظاهر لكنه لا يرى.
شاعر: البسيط
تقول لي وكلانا يوم فرقتنا ... نوعان أدمعنا در وياقوت
أقم بأرضك هذا العام قلت لها ... كيف الثواء وما في منزلي قوت
وما بأرضك قوم أستعين بهم ... إلا بخيل فمملول وممقوت
فايتعبرت ثم قالت فالإياب متى ... فقلت إن ربيع العام موقوت
قال بعض المتقدمين: الكتاب إذا كثر جده ثقل، كما انه إذا كثر هزله استخف.
من كتاب أدب النديم لكشاجم: كان عبد الملك بن مروان ولى بشراً الكوفة ووجه معه روح بن زبناع الجذامي وقال: يا بني، روح عمك والذي لا ينبغي أن تقطع أمراً دونه لصدقه وعفافه ومحبته لنا أهل هذا البيت، وقال لروح: اخرج مع ابن أخيك، فخرج معه حتى قدما الكوفة. وكان بشر ظريفاً أديباً، يحب الشعر ولاسمر والسماع والندام، فراقب روحاص واحتشمه وقال: أخاف أن يكتب روح إلى أمير المؤمنين بأخبارنا فتقبل منه، وإني لأحب من الأنس والاجتماع ما يحبه الشباب، ولكنني أتجنب ذلك لمكانه، فضمن له النديم كفاية أمره ورده إلى عبد الملك من غير سخط ولا لائمة، فسر بذلك بشر ووعده مكافأته عليه بأعظم الحباء.
وكان روح غيرواً، إذا خرج عن منزله أقفله وختمه بخاتمه حتى يعود فيفضهم بيده، فأخذ الفتى دواة ثم أتى منزل روح ممسياً، فوقف بالقرب منه مستخفياً، فخرج روح إلى الصلاة، فتوصل الفتى إلى أن دخل الدهليز فكمن تحت درجة فيه، وعاد روح ففتح الباب وأغلقه من داخله، فلم يزل الفتى يحتال ويتلطف به حتى وصل، فكتب على حائط في أقرب المواضع من مرقد ورح: البسيط

يا روح م لبنيات وأرملة ... إذا نعالك لأهل المغرب الناعي
إن ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع
ولا يغرنك أبكار منعمةفاسمع هديت مقال الناصح الداعي
ثم رجع إلى مكانه من الدهليز فبات به، فلما أصبح روح خرج إلى الصلاة، فتبعه الفتى متنكراً وخرج. وكان روح قبل خروجه أقفل على الموضع الذي كتب فيه الفتى، فلما عاد إلى الموضع وأسفر الصبح تبين الكتاب، فراعه وأنكره وقال: ما هذا، فوالله ما دخل حجرتي إنسي سواي، ولا حظ لي في المقام بالعراق، ثم نهض إلى بشر فقال: أوصني يما أحببت من حاجة أو سبب عند أمير المؤمنين، قال: أو تريد الشخوص يا عم؟ قال: نعم، قال: ولم ذاك؟ هل أنكرت شيئاً أو رأيت قبيحاً لم يسعك المقام عليه؟ فقال: لا والله، بل جواك الله عن نفسك وعن سلطانك خيراًن ولكن أمر حدث ولا بد لي من الانصراف، فأقسم عليه أن يخبره فقال: إن أمير المؤمنين ميت إلى أيام، قال: ومن أين علمت ذلك؟ فأخبره بخبر الكتبا، فقال بشر: أقم فإني أرجو ألا يكون لهذا حقيقة، فلم يثنه شيء، وصار إلى الشام، وأقبل بشر على الشراب والطرب. فلما لقي روح عبد الملك أنكر امره وقال له: ماأقدمك؟ ألحادثة حدثت على بشر أم لأمر كرهته؟ فأثنى على بشر وقال: بل حدث أمر لا يمكنني ذكره حتى نخلو، فقال عبد الملك: إذا شئتم. وخلا بروح فأخبره بقصته وأنشد الأبيات، فضحك عبد الملك حتى استغرب وقال: ثقل مكانك على بشر وأصحابه حتى احتالوا لك بما رأيت، فلا ترع.
ووفي بشر لنديمه بما وعده، وزاد ما كان منه في أمر روح في حاله عنده ومكانته منه.
قال الجاحظ في فصل من رسالة إلى محمد بن عبد الملك الزيات: حاجتي والله أن أخف على قلبك، وأن أحلو في صدرك، ولربما ميلت بين ألا تكون على قلبك مني مؤونة، وبين أن أكون عندك من الأوفياء الساترين، فأجدني إلى تلك أميل مني إلى هذه.
فصل لأبي عثمان أيضاً: والكتاب يحتاج مع صحة أديمه، وكرم جوهره، وبراءة ساحته، وسلامة ناحيته، إلى شفيع في قلب المكتوب إليه وإن لم يكن هناك شفيع ولا دليل، فالكلام كله يحتمل التوجيه والتصريف، والتوهم والظنون.

وقال في فصل آخر: سألت - أبقاك الله - أن أصف لك فلاناً: اعلم أني دخلت على رجل ضخم فدم، غليظ اللسان غليظ المعاني، عليه من الكلام أشد المؤونة، وفي معانيه اختلاف ليس شيء منه يؤاتي صاحبه ولا يعاونه، بل لا يتاركه ويسالمه حتى يرى إرادته في شق ولسانه في شق، وحتى يظن ان كلامه كلام محموم أو مخمور، وأن كل واحد من هذا يقطع نظام المعالي، ويخلط بين الأسافل والأعالي؛ وكنت كأني رجل من النظارة، وكان يظن الظن ثم يقيس عليه، وينسى أن بدأه كان ظناً، فإذا اطرج ذلك لهواتسق جزم عليه، وحكاه عن صاحبه حكاية المستبصر في صحة معناه، ولكنه كان لا يقول: سمعت، ولا رأيت، فكان كلامه إذا خرج مخرج الشهادة القاطعة لم يشك السامع أنه إنما تجلى ذلك عن سماع قد امتحنه، ومعانية قد قهرته. ورأيته يزعم أن منكراً أفضل من نكير، وأن يأجوج أفضل من مأجوج، وأن هاروت خير من ماروت، حتى زعم أن الجانب الأيمن أفضل من الجانب الأيسر، واعتل ان الكبد للشق الأيمن؛ فقلت له: فإن الطحال للشق الأيسر، فقال: الكبد أرفع منزلة من الطحال، فقلت: فإن الفؤاد الذي هو سيد الأعضاء مركب في الجوف مما يلي اليسار دون اليمين، فهذه فضيلة لليسار على اليمين، فانقطع. ورخجت عنه، فلما رجعت إلى منزلي وردت علي رقعة مكتوب على عنوانها: هذه مسائل من فقر الحكمة ومكنون علم الفلسفة، وفككتها فإذا فيها: خبرنا عن تعادي الأضداد، وحركات الكون والفساد، إذا استحوذت على الأجرام الجسمية، فتلاشت قوى الطبيعة، هل يكون للحركات العنصرية أعراض بدنية أم جواهر وهمية وأعيان عقلية؟ وخبرنا عن النواميس الخفية والشرائع الإلهية: هل لهما أسرار طبيعية أو رسوم عقلية؟ فلما وردت علي ونظرت فيها، علمت أنه لم يتأت له هذا الكلام إلا بخذلان الله تعالى، وأن ا؛داً من أهل إقليم بابل لا يطرد له حبة من الكلام المحال ما يطرد له، وأيقنت انه قد نسي أنه أنفذ الرقعة إلي، وأنه لا يذكر شيئاً مما كتب، فرجعت عليه سائلاً، والتمست الإجابة منه، فوقع تحت كل مسألة مما قد كتبت إليك منه: مسألتك هذه لها وجهان، فإن أردت باب اليقين فلا، وإن أردت من باب التصور فنعم.
قال الأصمعي، قال أبو هلال الراسبي، قال أبو الصهباء - يعني صلة بن أشيم: طلبت الرزق في مظانة فأعياني، إلا رزقي يوماً بيوم، وغن امرءاً يرى هذا ولايعلم أنه قد خير له لعاجز.
قال ابن عباس: قلت لهند بن أبي هالة، وكان ربيباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعل أن تكون أثبتنا به معرفة، قال: كان بأبي وأمي طويل الصمت، دائم الفكر، متواتر الأحزان، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم، لا فضل ولا تقصير، إذا حدث أعاد، وإذا خولف أعرض وأشاح، يتروح إلى حديث أصحابه، يعظم النعمة وإن دقت، ولا يذم ذواقاً، ويبتسم عن مثل حب الغمام.
جاء سلمان يخطب امرأة من قريش ومعه أبو الدرداء، فذكر سلمان وسابقته في الإسلام وفضله، فقالوا: أما سلمان فما نزوجه ولكن إن أردت أنت زوجناك، فتزوجها أبو الدرداء، فلما خرج قال: يا أخي قد صنعت شيئاً، وأنا أستحي منك، وأخبره، فقال له سلمان: أنا أحق أن أستحي منك، أخطب امرأة كتبها الله لك.
قال عبد الله بن عمر: المؤمن أكرم على الله من الكعبة الحرام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، ما رددت في شيء أنا فاعله ما ردتت في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولايزال عبدي يتنفل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً، إذا دعاني أجبته، وغذا سألني أعطيته، نصح إلي فنصحت له، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك،ن وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إمانه إلا السقم، ولو أصححته أفسده، ذلك أني أدبر عبادي بعلمي، إني عليم خبير.
هذا الحديث كما ترى، وله نظائر، ومتى حملته على صرف المتكلمين ونقد الناقدين تعذر متنه، وتحللت عراه، وانفتق رتيقه، وإن توسعت قليلاً في مجازه وقاربت في تأويله، وعاد عليك نافعه وسقط عنك ضاره.

قال سهل بن زيد، قلت لموسى بن عمران الخلقاني، وكان امرأ صدق زاهداً: أبشر يا أبا عمران، إن هذا الضيق الذي أنت فيه يأتيك من الله بسعة رزق، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أتروني أخاف ان يحبس الله عني الرزق؟ والله لأنا بالدفقة تدفق في صدري من الدنيا يكون فيها فساد ديني وقلبي أخوف من أن يحبس الله عني الرزق.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع، ومن العلماء من يخزن علمه ولا يحب أن يوجد عند غيره، فذلك في الدرك الأول من النار؛ ومن العلماء من يكون في عمله بمنزلة السلطان، فإن رد عليه شيء من قوله أو تهوون بشيء من حقه غضب، فذلك في الدرك الثاني من النار؛ ومن العلماء من يجعل حديثه وغرائب علمه لأهل الشرف واليسار ولا يرى أهل الحاجة له أهلاً، فذلك في الدرك الثالث من النار؛ ومن العماء من استفزه الزهو والعجب فإن وعظ عنف، وإن وعظ أنف، فذلك في الدرك الرابع من النار؛ ومن العلماء من ينصب للفتيا فيفتي بالخطأ، والله يبغض المتكلفين، فذاك في الدرك الخامس من النار؛ ومن العلماء من يتكلم بكلام اليهود والنصارى ليتعزز علمه، فذلك في الدرك السادس من النار؛ ومن العلماء من يتخذ علمه مروءة ونبلاً وذكراً في الناس، فذلك في الدرك السابع من النار.
عليك بالصمت فبه تغلب السلطان.
إياك أن تضحك من غير عجب، أو تمشي في غير أرب. هذا بكلام الحسن البصري اشبه.
قال أنس: إن عمر رضي الله عنه قرأ: " وفاكهة وأباً " عبس: 31 فقال: هذه الفاكهة قد علمنا، فما الأب؟ ثم وضع يديه على رأسه وقال: إن هو لهو التكليف، وما عليك يا ابن أم عمر ألا تعرف ما الأب؟! هذا طريف، إن عمر فوق ما ظن به الراوي؛ عمر رضي الله عنه يوزن به بشر كثير لسعة علمه وحلمه وفضله، واللغة لسانه وليس عليه نصب في معرفتها ولا مشقة. والأب: يقال للبهائم بمنزلة الفاكهة للناس، ويقال: هو المرعى.
قال عبد الله بن مسعود: إن في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنة، إن أعطاه حمد غير الله، وإن منعه ذم غير الذي منعه.
قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد تزودت زاداً، وابتعت راحلة، وقضيت لبانتي - أي حاجتي - أفأرتحل إلى البيت المقدس؟ فقال له علي: كل زادك، وبع راحلتك، وعليك بهذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - فإنه أحد المساجد الربعة، ركعتان فيه تعدلان عشراً فيما سواه من المساجد، والبركة منه إلى اثني عشر ميلاً من حيثما أتيته، وقد نزل فيه من أسه ألف ذراع، وفي زاويته فار التنور، وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم عليه السلام، وقد صلى فيه ألف نبي وألف وصي، وفيه عصا موسى نوح، وفيه مسير جبل الأهواز، ويحشر فيه يوم القيامة سبعون ألفاً ليس عليهم حساب ولا عذاب، ووسطه عرى روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث أعين: عين من لبن وعين من دهن وعين من ماء جانبه الأيمن ذكر، وجانبه الأيسر فكر، ولو يعلم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبواً.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الكوفة كنو الإيمان، وجمجمة العرب، وهم رمح الله الأطول.
قال مطرف: وجدت ابن آدم بين ربه وبين الشيطان، فإن اختاره الله نجا، وإن خلى بينه وبين الشيطان غلب عليه.
وشتم ديوجانس رجل فسكت عنه، فقيل له: لم لم تغضب حين شتمك؟ فقال: كفاه مسبه له أنه يشتم ولا يشتم.
وكان يقول لتلامذته: محصوا خطاياكم بالصدقة، وأيامكم بالرحمة.
وقال سقراط: ينبغي أن يكون كلامك بالليالي حيث لا يتكون أعشاش الخفافيش؛ قال: أراد الخلوة وأن لا ينظر في أمر الهيولانيات.
قال الجاحط: وإنما يستريح البدن من كد تعب الروية إلى برد اليقين، ولولا تأميل الراحة لتضاعف ثقله، ولقطع الجهد سبب صابحه من معاودته، ولو كان ذلك تدبيراً لما جعل الله تعالى الليل سكناً والنهار مسرجاً، بل إن الأغلب على طبائع البشر حب الكفاية واستثقال الرواية وسرعة السآمة.
وقال: الأرض وإن كانت حرة، والفرس وإن كان كريماً، والزمان وإن كان معتدلاً، فلا بد له من تعهد، ولاينتفع بالماء الساكن في الأرض، ولا بالذهب ما لم يستخرج، ولا بالعلم ما دام مكنوناً.
وقال أبو عثمان أيضاً: وكيف أنساك وأنا إن رأيت حسناً ذكرتك مشبهاً، أو قبيحاً ذكرتك به مبايناً.

وقال: السيد من أورى ناره، وحمى ذماره، ومنع جاره.
وقال: الحمار إن أطلقته ولى، وغن أوقفته دلى، كثير الروث، قليل الغوث، سريع إلى العرارة، بطيء في الغارة، لايحلب في إناء، ولا ترفأ به الدماء، ولا تمهر به النساء.
وقال أبو عثمان: بقتك فيل وحصانك جبل.
وقال أيضاً: جماع الخير يجول بين الثناء والدعاء، فالثناء للدنيا والدعاء للآخرة.
قال واعظ: إني لأخشى أن ياتيك أمر الله بغتة، واحذ الإملاء فهو أوقى مغبة، وأثبت في الحجة، لأن تعمل ولا تعلم خير من أن تعلم ولا تعمل، لأن الجاهل العامل لم يؤت من سوء نية، ولا استحفاف بربوبية، ولا هو كمن قهرته الحجة، وأعرب له الحق مفصحاً عن نفسه فآثر الغفلة به والخسيس من الشهوة على الله، فأسحمحت فنسه عن الجنة، أسلمها بالأيدي لعقوبة. فاستشر عقلك، وراجع نفسك، وادرس نعم الله عليك، وتذكر إحسانه إليك، فإنه مغلبة للحياء، ومردعة للشهوة، ومشحذة على الطاعة، وقد أظل البلاء، وكأن قد كفكف عليك غرب شؤبوبه، وجوائح سطوته إن لم تستكف ذلك بسرعة النزوع، وطول التضرع، ودوام البكاء، والندم في أعقاب الزلات، واعتقاد الترك لها، والمعاودة في شيء منها.
تحاكم إلى الإسكندرية رجلان من أصحابه فقال لهما: إنما الحكم يرضي أحدكما ويغضب الآخر، فاستعملا الحق يرضيكما جميعاً.
أحضر بين يدي الإسكندر لص فأمر بصلبه فقال: أيها الملك، فعلت ما فعلت وأنا كاره، قال: وتصلب أيضاً وأنت للصلب كاره.
قيل لصوفي: ما الذي تطلب؟ قال: أطلب الراحة في الدنيا، قيل: فهل وجدتها؟ قال: قد وجدت أني لا أجدها.
وتكلم رجل رث الهيئة بين يدي الإسكندر بكلام حسن، فقال: الإسكندر: ليكن حسن ثوبك موافقاً لحسن منطقك، فقال: أيها الملك، أما الكلام فأقدر عليه، وأما الكسوة فلا أقدر عليها؛ فخلع عليه.
وقام بين يدي الإسكندر خطيب فخطب وأطال، فزبره وقال: ليس حسن الخطبة بحسب طاقة الخاطب ولكن على طاقة السامعز خطب رجلان إلى دميانوس بنته، وكان أحدهما فقيراً والآخر غنياً، فاختار الفقير، فسأله الإسكندر عن ذلك فقال: لأن الغني كان جاهلاً فكان يخاف عليه الفقر، والفقير كان عاقلاً فكان يرتجى له الغنى.
قال الأصمعي: وصفت أعرابية قومها فقالت: كانوا والله لرحى الحرب ثفالاً، ولقدرها جفالاً، وللأعداء نكالاً، وفي الندى أزوالاً، وعلى الخصوم ثقالاً، أنحى عليهم الدهر بشفرتيه فأطفأ جاحمهم، واقتص ناجمهم، وطمس آثارهم، وأباد غضراءهم، فأصبحت المنازل دراسة، والأعلام طامسة، وبذلك جرت عادة الدهر.
قيل لرجل: إن أباك كان فقيراً فأثرى، فكيف كان سيرته؟ فقال: كان في مسكنته تقياً نقياً، وفي غناه رضياً سرياً.
وأخبر ابن الأعرابي أن لصين من الأعراب تصدياً لجارية ترعى غنماً، فقال أحدهما لصاحبه: اشغلها عني، فحفر حفرة ودخلها وتغطى بالثمام وأخرج متاعه قائماً، فنظرت إليه فقالت:أطرثوث ولا رملة، أذؤنون ولا عضاه له؟! ثم بركت عليه لتقضي حاجتها، فاطرد الآخر الغنم، فلما فرغت من أمرها التمست الغنم فإذا هي قد بعدت، فتبعتها، وخرج الآخر من الحفرة فعارض صاحبه فاطرد الغنم فذهبا بها.
وقال ابن الأعرابي، قال أبو صخر الكناني: وقف أعرابي على قوم من الحاج فقال: بدء شأني، والذي ألجأني إلى مسألتكم، أن الغيث كان قد قوي عنا، ثم تكرفأ السحاب، وشصا الرباب، وادلهم سيقه، وارتجس ريقه، وقلنا: هذا عام باكر الوسمي، محمود السمي، ثم هبت له الشمال، فاحزالت طخاريره، وتقزع كرفئة متياسراً، ثم تتابع لمعان البرق، حيث تشيمه الأبصار، وتحده النظار، ومرت يد الجنوب ماءه، فقوض الحي مزلئمين نحوه، فسرحنا فيه المال فكان وخماً وخيماً، فأساف المال، وأضف الحال، فبقينا لا تيسر لنا حلوبة، ولا تنسل لنا قتوبه، وفي ذلك يقول شاعرنا: الطويل
ومن يرع بقلا من سويقة يغتبق ... قراحاً ويسمع قول كل صليق
أي يسمع العذل يقولون قد نهيناك. أما قوله: قوي: أي احتبس، يقال: الثمام شر ما احتبس تكرفأ: ذهب، وشصا: ذخب، الرباب: المطر، والوسمي: أول مطر يسم الرض، والسمي: جمع سماء، واحزألت: تفرقت، تشيمه البصار: تدركه، ومرت - خفيفة - استخرجت، فقوض الحي أي تفرقوا، ومنه تقوض الحي، ومنه تقوض الخباء إذا حط.

قال ابو نوفل: قتل الحجاج ابن الزبير وصلبه على عقبة، فجعلت قريش تمر به والناس، حتى مر به عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد نهيتك عن هذا وكنت عنه غنياً، أما والله لقد كنت ما علمتك صواماً قواماص، وصولاً لرحم، والله إن أمة أنت شرها لأمة صدق؛ قال: ثم نفذ، فبلغ الحجاج موقفع فبعث إليه ثم استنزله ثم أمر به فألقي في قبور اليهود، ثم بعث غلى اسماء بنت أبي بكر بعد ما عميت أن تأتيه فأبت، فقال: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، فقال: والله لا ىتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، قال: أروني سبتي، فأخذ نعليه وجعل يتوذف حتى دخل عليها فقال: كيف رأيتني فعلت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليكآخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره وتقول: يا ابن ذات النطاقين، فقد ولاله كنت ذات نطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه طعامهما من الذباب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا يستغني عنه، فبأي ذلك ويلمك تعيره، وقد سمعت رسول الله حروف يقول: في ثقيف كذاب ومبير؟ أما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه.
قال الحسن: أوحى الله إلى آدم: أربع هن جماع لك ولولدك، واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين الناس؛ أما التي فتعبدني ولا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فعملك آجرك به أفقر ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين الناس فاصحبهم بالذي تحب أن يصحبوك به.
قال مجاهد: لما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قال: يا رب كيف أقول؟ قال: قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم، قال: فوقرت في قلب كل مسلم مؤمن. ولو قال: أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم، ولكنه قال: أفئدة من الناس.
قال أبو هريرة: مثلت الدنيا على طائر، فالبصرة ومصر الجناحان، والشام والجزيرة الجؤجؤ، واليمن الذنب.
قال القاسم بن محمد: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاماً لهن إبل ولي إبل، فماذا يحل لي من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبتغي ضالها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسقي عللها، فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في حلب.
قال أبو صالح، قال أبو هريرة: اللسان ترجمان، والعينان مسلحة، والأذن قمع، واليدان الجناحان، والرجلان بريد، والطحال ضحك، والكبد برد، والكلية مكر، والرئة نفس، والقلب الملك، فإذا صلح القلب صلحت الجوارح، وإذا فسد فسدت.
قال سفيان بن عيينة، قال أبو حازم: اشتدت مؤونة الدنيا، فما تمد يدك منها إلى شيء تطلبه إلا وجدت عليه فاجراً قد سبقك، وأما مؤونة الدين فما تجد أحداً يعينك عليه.
وقال ابن أبي زياد: جاء ثعبان فحال بين الناس وبين الطواف، فدعا أهل مكة فجاء طائر أظل نصف مكة حتى اختطف الثعبان فرمى به في البحر.
قال الحسن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الناسلم يؤتوا في الدنيا شيئاً هو خير لهم من اليقين والمعافاة، فسلوهما الله عز وجل.
قال الحسن: صدق والله نبي الله؛ باليقين طلبت الجنة، وباليقين هرب من النار، وباليقين أديت الفرائض، وباليقين صبر على الحق، وفي معافاة الله خير كثير، قد والله رأيناهم يتقاربون في العافية فإذا نزل البلاء تباين القوم.
قال الحسن، قال غزوان بن زيد الرقاشي: لله علي ألا يراني ضاحكاً، حتى ألحق بالله عز وجل.
قال مغيرة: كنت كثير الضحك فلم يقطعه عني إلا قتل زيد بن علي.
لما احتضر معاذ قال: قد كنت أخشاك وأنا اليوم أرجوك.
قال عبد الله بن أبي الهذيل: إن كان أحدهما ليبول فيتسمح بالتراب مخافة أن تقوم الساعة.
قيل لأعرابي: ما أضنك بالخمر؟ قال: سبحان الله، كيف لا أضن بها وهي تسرج في عيني نورها، وفي سرورها.
قال العتبي: كان معاوية يقوم لرجل من أهل الشام، وكان شيخاً مسناً قد بلغ التسعين، فقيل له: أتقوم لهذا؟ فقال: إن فيه شبهاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أقوم للنبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر أعرابي شيبه فقالك كنت أنكر البيضاء فصرت أنكر السوداء.
قال ابن الأعرابي: أنشدني عبد الله بن شبيب: الكامل
من يأمر القوام بعد قبيلة ... درجوا وتوبع بينهم من واقف

كانوا دعائهم قومهم وعمادهم ... وملاذ غارمهم مأوى الخائف
أخذوا بغرة طائر غروا بها ... سبب جرى لهم بحتف حاتف
لم يبق من آثارهم وعيونهم ... عين تؤمل ذات شفر طارف
لم يبق من آثارهم وعيونهم ... عين تؤمل ذات شفر طارف
والدهر ذو صرف يشب فأهله ... وصحابه موصولة بمتالف
لا تجزعن من الزمان وريبه ... واصبر لذلك صبر حر عارف
قال الأصمعي: دخل مالك بن هبيرة السكوني على معاوي فأدناه وقربه، وكان شيخاً فانياً حسن الجسم، فخدرت رجله فبسطها، فقال له معاوية: ليت لنا يا ابا سعيد جارية لها مثل ساقك، فقال: يا أمير المؤمنين، ولاساق متصل بمثل عجيزتك، فقال معاوية: البادئ أظلم.
قال الأعمش: دخل رجل داراً فسرق طستاً، فلما خرج رأى عل باب الدرا نفراً، فالتفت إلى الدار فقال: إن لم يشتر بسبعة أبيعة بستة؟ يوهمهم أنه دفع إليه ليبيعه.
قال أسقف فارس: لو أنشر من مات لأخبر أكثرهم أنه مات بشماً.
شاعر: الكامل
الحرص عون للزمان على الفتى ... والصبر نعم العون للأزمان
لا تجزعن فإن دهرك إن رأى ... منك الخنوع أمده بهوان
وغذا رآك وقد نصرت لصرفه ... بالصبر لاقى الصبر بالإذعان
سمعت السيرافي يقول: شواية كل شيء ضعفه، وأشويته: أطعمته الشواء، والشوي: الشاء.
وسألت السيرافي عن قوله " قائماً بالقسط " آل عمران: 18 بم انتصبت قائماً؟ قال: بالحجال، قلت: أين الحال؟ قال: لله تعالى، قلت: أيقال لهل حال؟ قال: غن الحال هي للفظ لا لمن يلفظ بالحال عنه. ولكن الرحمة لا تستوفي حقيقة المعنى في النفس إلا بعد تضوع الوهم. هذه الأشياء صناعة تسكن إليها النفس ويقنع بها القلب.
قال رجل لابن المقفع: أنا بالصديق آنس مني بالأخ، فقال: صدقت، الصديق نسيب الروح والأخ نسيب الجسم.
سألت السيرافي عن قولهم وبررت إذا قالوا: صدقت وبررت، فقالك صدقت صدقاً نافعاً كأنك لم تصدق صدقاً بحتاص، ولكنك وصلته بالبر، والراء مكسورة في بررت.
سمعت ابن خضر الكاتب البغدادي يقول: قال أبو عبد الله الواساني الرئيس في مجلسه: إنا - ذرية محمد حروف من بطن فاطمة عليها السلام - سعدنا بشفاعتها لأن الله حفظ فرجها، فقال ابن رزام المتكلم: أعز الله الشريف، فمن ذا الذي يقول: إن حواء زنت؟! شاعر: الوافر
غدا ناعيك حين غدا بخطب ... يبث الشيب في رأس الوليد
ويقعد قائماً يخشى حماه ... ويبعث للقيام حبى القعود
وأضحت خشعاً منه نزار ... مركبة الرواجب في الخدود
قال أعرابي: ما رأيت عيناً أخرق لظلمة ليل من عينه، ولا لحظاً أشبه بحريق النار من لحظه، له طرة كطرة السيف إذا غضب، وجرأة كجرأة الليث إذا حرب.
وصفت الخنساء أخاها فقالت: لقد كان كريم الحدب، واضح الجدب، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد.
كاتب: إن للظلم دائرة بكل ذي حذر على غرر، وتمنع كل وارد عن الصدر، وتقحم كل آمل على أجل، وتقضي لكل آمل على وجل.
هذا والله الكلام العزيز الجانب، المصون العرض، الجليل القدر، يعمل والله في القلب عمل الغيث في الجدب، وليس في كل قلب، ولكن في القلب الذي قد فطر على الخير، وحبب إليه الأدب، وظهر من أدناس الجهل، وكل محلاً للتوفيق، وأهلاً للملاطفة.
خطب أعرابي فقال: الحمد لله رب العالمين، ولا إله إلا الله خلافاً على الجاحدين، وصلى على محمد خاتم النبيين، وإن أحق ما استمع له كلام رب العالمين، قال الله تعالى " وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين م عباطم " النور: 32.
شاعر: الوافر
تبدل بالمطامع منه يأساً ... وبالضرع القناعة فاستراحا
فلا طمع ينازعه بكوراً ... ولا أمل ينازعه رواحا
سمعت أعرابياً بفيد يقول: ستساق إلى ما أنت لاق.
وقال أعرابي: من أفاده الدهر أفاد منه.
شاعر: السريع
يا أيها السائل عن حال من ... أصبح في عسر وإفلاس
لا تسأل المعسر عن حاله ... واسأل لمن ألجا إلى الناس

قال ثابت البناني للحسن: إنك تريد الحج وأنا أريد، أفأصحبك؟ فقال الحسن: دعنا نتعايش الله، إني أكره أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
قال أبو مجلز: قلت لرجل مديني: كيف صار الثقيل اثقل من الحمل الثقيل؟ قال: لأن الحمل الثقيل يشارك الجسد في حمله، والرجل الثقيل تنرد الروح بحمله.
ركب يزيد نهشل بعيراً له: فلما استوى في غرزة قال: اللهم إنك قلت " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " الزخرف: 13، اللهم إني أشهدك أني له مقرن، فنفر البعير وتعلقت رجله في الغرز، والبعير يجمز به، حتى مات.
حدثت بهذا الحديث أبا حامد المروروذي فقال: إن بعض خلعاء أصحاب الحديث قال يوماً وهو فيجماعة من طلاب الحديث يمشون إلى شيخ للرواية عنه: امشوا قليلاً قليلاً، فإن طالب العلم يمشي على أجنحة الملائكة ما دام في طلب العلم حتى لا يتكسر الجناح، متهزئاً بهذا الحديث، فعثر عثرة عرج منها عند هذا الكلام.
فحدثت بهذا الحديث ملأ من الصوفية والغرباء والجوالين في الآفاق، السائحين في الدنيا، الحافظين للعبر، المقتبسين للأدب، فقال شيخ منهم - وكان من مصر: لهذين الحديثين عندي ثالث: كان بالمغرب ورواق، وكان معروفاً بالإلحاد لظاهر مجونه، وإفراطه في جنونه، فكتب مضحفاً في ستة أيام، فتعجب الناس منه، فقال له رجل: في كم كتبت هذا؟ قال: " في ستة أيام وما مسنا من لغوب " ق: 38، فحشت يده. هذا لفظ الشيخ، ومعناه يبست، والحشيش منه ليبسه، فأما ما رطب فهو كلأ.
والبحث عن هذا الفن صعب لأن بعضه يقع اتفاقاً، وبعضه يقع استحقاقاً، والاعتبار يجمعهما، وإن كانت الحقيقة لا تميزهما، والأولى بالمرء المتحرج أن يهجر اللعب بالله جل وعلا، وبالإهيته وبكلامه وأفعاله، فإن الله عز وجل لا يغفل عما يقال، ولا يحفى عليه ما يفعل، ومن علم أنه بعينه طال صمته، واشتد فرقه، وقل إعراضه، واتسعت عبره، وكان من وراء الزاد للمعاد، وغذا كان جميع ما تتقلب فيه كظل المتفيء وحلم الراقد إلا ما جعله الله سلماً غليه، ورفداً في نيل ما لديه؛ ما أحوجنا إلى محاسبة أنفسنا، والأخذ لها منها قبل عطبها وبوارها.
قيل لبعض الأغنيا: ما أحسن القمر!! قال: إي والله، خاصة بالليل.
قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك؟ قال: على أربع خصال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلم أهتم به، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعملت أن الموت يأتيني بغتة فأنا مبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال فاستحييت منه.
حدثنا بعض أصحابنا قال: رأيت بدوياً يخاصم رجلاً من الحاج بالكوفة عند منصرف الناس، فقيل له: أتخاصم رجلاً قد حج؟ فقال على البديهة: الطويل
يحج ليكما يغفر الله ذنبه ... ويرجع قد حطت عليه ذنوب
والتقى ناسكان بالموقف فقال أحدهما لصاحبه: ما تبغي ها هنا؟ قال: الزيادة، قال: يا هذا، ما كان لك في رؤية هذا المكان من الفوائد، ما أغناك عن طلب الزوائد؟! قال القناد وقد نظر غلى بعض أصحابه: يا هذا ليس كل من ينفذ نفذ، ولا كل من حصل وصل، ولا كل من وقف بالباب صار من الأحباب.
قال بعض الواعظين: ثلاث هن أسرع فيالعقل من النار في يبيس العرفج: إهمال الفكرة، وطول التمني، والاستشراء في الضحك. إن الله لم يخلق النار عبثاً، ولا الجنة هملاً، ولا الإنسان سدى، فاعرف نزق العبودية، وعجز البشرية، فكل زائد ناقص، وكل مقيم شاخص، وكل قرين مفارق، وكل غني محتاج، وإن عصفت به ريح الخيلاء، وأبطره العجب، وصال على الأقران، لأنه مدبر مقهور ومبتئس، إن جاع سخط المحبة، وإن شبع بطر النعمة، ترضيه اللمحمة فيستشري مرحاً، وتغضبه الكلمة فيستطير شفقاً حتى تتفسخ منته، وتنتقض مريرته،وتضطرب فريصته، وتنسد عليه حجته.
كاتب: كتابي - جعلت فداك - من غربة في غير صحبة، وعن خيبة في طول غيبة.
كتب هاشمي إلى يحيى بن خالد: علمي بمودتك يمنعني من استحثاثك، ورضى إخائي بك يشكو إليك تقصيرك، وأملي فيه يصبرني على تأبيك.
وقال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سر صاحبك وانج بنفسك، فقال: إلي تقول هذا، وما ذاق أحد كأساً لا مذاق لها أمر من الغدر؟ والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة ذكره ناهيان عنه.
قال كشاجم في كتاب النديم: ندام النظراء أنعم وأرق، وندام العظماء أجل وأشرف.

يقال: خمس يورثن الفقر: الأكل على الجنابة، والادلاك بالنخالة، وتقليم الأظافر بالأسنان، ونتف الشيب، ونومة الضحى.
لو وصل هذا الأدب بعلله وأسبابه لكانت النفس إليه أسكن، والعمل به أكثر، والمصير إليه أسرع، وما أكثر ما يرسلون هذه الأمور إرسال الجاهل بما يقول!! شاعر: الوافر
فإن يك صدر هذا اليوم ولى ... فإن غداً لناظره قريب
قال فيلسوف: المقادير لا تدفع بالمغالبة، والأرزاق المكتوبة لا يزيد فيها الشرة والمكالبة.
دخل أبو العباس العطافي إلى بعض القصاص وقد أخذ القاص في غزاة خيبر فقال: بارك الله عليك، ما أحسن ما تؤدي كلام منصور بن عمار! وحضر القطيعي مع قوم جنازة، فنظر إلى أخي الميت فقال: أهذا الميت أم أخوه؟ فانقلب المأتم ضحكاً.
خرج إسحاق بن مسلم العقيلي مع المنصور إلى مكة فأمعن في السير وطوى المراحل، فقال إسحاق: إنا ق هلكنا يا أمير لمؤمنين، فما هذهالعجلة؟ قال: نخاف أن يفوتنا الحج، قال: فاكتب إليهم ليؤخروه عدة أيام.
قال أبو العيناء: كنت بحمص فمات لجار لي بنت، فقيل له: كم كان عمرها؟ قال: لا والله لا ادري، ولكنها ولدت أيام البراغيث.
قال أبو سالم القاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كانت هند بنت عتبة حين لاكت كبد حمزة أحارتها إلى جوفها ما مستها النار؛ فقال المبردي: اللهم أطعمنا من كبد حمزة.
قال بزرجمهر: الركون غلى الدنيا مع ما نعاين من الموت جهل، والتقصير في احسن الأعمال إذ عرفنا فضيلة الثواب عجز، والطمأنيية إلى أحد قبل الاختبار حمق.
خرج رجل في ابتغاء الرزق فأعيا في طلبه، فجلس مستريحاً مقابله حائط، فقرأ فيه: الكامل
لما رأيتك قاعداً مسقبلي ... أيقنت أنك للهموم قرين
هون عليك وكن بربك واثقاً ... فأخو التوكل شأنه التهوين
طرح الذى عن نفسه في رزقه ... لما تيقن أنه مضمون
فرجع إلى بلده.
سمعت شيخاً من أهل الكوفة يقول: الزعزعة: شرب الريق من الفم، والصعصعة: التفريق.
كاتب: الحمد لله الذي حقق أملي فيك، وصدق ظني بك، وذكر المنة لك علي، وجعلك مولى الصنيعة وسبب المكرمة في، فلم يسبقك احد إلى الإحسان إلي، ولم يحاصك في الإنعام علي، ولم تتقسم الأيادي شكري فهو لك موفر عليك، ولم يخلق وجهي فهو بك مصون جديد، ولم يزل ذمامي مضاعاً حتى رعيته، وحقي مبخوساً حتى قضيته، فأنصفتني من دهر طالما ظلمني، وأخذت بيدي من العثرة، وأبعدتني من الصرعة، وسررت الولي الودود، وأرغمت بي العدو الحسود، ورفعت أملي بعد انخفاضه، وبسطت رجائي بعد انقباضه، وأمطت خمي وقويت منتي، فلست أعتد يداً إلا منك، ولا أعرف معروفاً إلا لك، ولا أوجه رغبة إلا إليك.
أعرابي: البسيط
إن كنت جاهلة فاستخبري خبري ... هل أصدر الأمر لا يسطاع بالحيل
وهل أرد شبا خصمي محاسمة ... يلقى الألد حجاج الخصم بالجدل
شبا كل شيء: حده، والحاسمة: القاطعة، والألد: الشديد الخصومة، يقال: فيه لدد وله مدد.
سعيد بن حميد: الكامل المجزوء
لا تعتبن على النوائب فالدهر يرغم كل عاتب
واصبر على حدثانه ... إن الأمور لها عواقب
والدهر أولى ما صبر ... ت له على كدر المشارب
فلكل خالصة قذى ... ولكل صافية شوائب
كم فرحة مطوية ... لك بين اثناء النوائب
ومسرة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
قال المفضل: كانت العرب تقول: لا تشتر خمسة من خمسة: فرساً من أسدي، ولا جملاً من نهدي، ولا عنزاً من فهري، ولا عبداً من بجلي، ولا حماراً من إيادي.
لما قتل العباس بن الحسن الوزير ببغداد، دفع ابنه محمد أبو جعفر، وكان أديباً، إلى خراسان، فقال: الهزج
لئن أصحبت منبوذاً ... بأقطار خراسان
وموقوذاً نبت عن لذ ... ذة التغميض أجفاني
ومحمولاً على الأصع ... ب من إعراض سلطاني
ومحصوصاً بحرمان ... من الأعيان أعياني
وصرف عند شكواي ... من الآذان آذاني
ملقى بين أظلاف ... وأخفاف توطاني

ومكلوماً بأظفار ... ومدوماً بأسنان
كأن القصد من أحدا ... ث ازماني إزماني
فكم مارست في إصلا ... ح شاني ما فرى شاني
وعاينت خطوباً جر ... رعتني ماء خطبان
أفاد الشيب فودي ... وأفناني وأفناني
أغصتني بأرياقي ... لدن إيراق أغصاني
ونادتني إلى من ه ... و عني عطفه ثاني
سوىأني أرى في الفض ... ل فرداً ما له ثاني
ولو أنصفت ما أبع ... دني فضلي بل ادناني
كأن البخت إذ كش ... ف عني كان عطاني
وهل ينفعني جدي ... وتشميري وإدماني
إذا الجد تحدان ... ي والحد تعداني
وكل بالذي في شم ... ن أرداني أرداني
سأستنجد صبري إن ... ه من خير أعواني
واسترفد عزمي إن ... ه والحزم سيان
وانضو الهم عن قلبي ... وإن أنصب جثماني
وأقضي بنجاء إن قضاء الله نجاني
إلى أرض جناها من ... جنى جنة رضوان
غلى أرضي التي أرضى ... وترضيني وترضاني
هواء كهوى النفس ... تصافاه صفيان
رقيق الآل كالآل ... وفيه أمن إيمان
رخاء كرخاء فر ... ج الكربة عن عان
وماء مثل قلب الصب ... ب مرتاعا بهجران
فإن سلمني الله ... وبالصنع تولاني
وأخلى ذرعي الدهر ... وخلاني وخلاني
فإني لا أعود الده ... ر ما عاد الجديدان
إلى الغربة حتى تغ ... رب الشمس بشروان
فإن عدت لها يوماص ... فسجاني سجاني
وله من أبيات يهجو رجلاً أبخر: الهزج
سفت نتنا سوافيك ... إذا سيقت سوافيكا
وأطراف المساويك ... تجلت عن مساويكا
فما جارحة فيك ... لنا أجرح من فيكا
قيل لمدينية: أيهما أحب غليك النيك أم التمر؟ قالت: التمر ما أحببته قط.
جامع رجل قصير امرأة طويلة، فلما قبلها خرج متاعه من بطنها، فقالت له: نحن والله في طرائف، كل ما ربحناه من فوق خسرناه من أسفل.
رأى مزبد خاتماً من ذهب في يد جارية فقال لها: ناوليني خاتمك أذكرك به، قالت: هذا ذهب وأخشى أن تذهب، ولكن خذ هذا العود فعسى أن تعود.
شيع أبو العلاء المنقري جنازة أحمد بن يوسف الكاتب فظل يبكي، وكان مكتحلاً فسال كحله على وجهه، فنظرت إليه امرأة فقالت: سخنت عينك، كأنك والله مطبخ يكف، أيش هذه السماجة؟! فأضحك أهل الجنازة.
أدخل الجماز قحبة، فلما ركبها لم ينتشر عليه، ففي حركته ضرط فخجل، فقال لها: بالله لك زوج؟ فقالت له: لو كان لي زوج لم أدعك تخرا علي.
وقالت أخرى لآخر لم ينتشر عليه: لو كان لي زوج لم أدعك تجعل حري طنبوراً تضرب عليه، لأنه كان يدلك أيره على شفريها.
سمعت امرأة بغدادية تقول لجارتها وهي تصف رجلاً: لعنه الله، إذا أطبقفمه كأنه جحر مشنج، وغذا فتحه كأنه كس مفحج.
أنشد أبو دلف مسعر بن مهلهل الخزرجي: الهزج
تركت اللحم للإفلا ... س والدشة والضيق
فقالوا بل تثوبون ... بظن غير تحقيق
ولو مر بنا ماني ... أكلنا على الريق
قال ابن عبدوس في كتاب الوزراء كان عمرو بن ميمون بن حاتم يتقلد ديوان الخاتم للمهدي، فخرج يوماً متوكئاً على عصا، فلقيه محمد بن سالم اليماني، وسالم كاتب هشام بن عبد الملك، وكان محمد في كتاب المهدي، فقال لعمرو: ما عصام هذه بعضا موسى، فقال عمرو: ولا الوادس الذي اغتصبه أبوك بالأردن أيام هشام بالوادي المقدس.
الجواب يجب أن يتقى، ففيه ما يعمل عمل السم.
رأيت رجلاً من العلماء قال لأبي حامد المروروذي: هل شاهدت عبد ال بن زياد النيسابوري صاحب المزني في بغداد؟ قال: نعم، قال: فإني ما رأيتك عنده، يغض منه، فقال أبو حامد: إنك لو رأيتني لكان خيراً لك.

قال العتيبي: قال عبد الملك بن مروان لزفر بن الحارث: ما بقي من حبك للضحاك بن قيس؟ قال: ما لا ينفعه ولا يضرك، قال: لشد ما أحببتموه يا معاشر قيس: قال: أحببناه ولم نواسه، ولو كنا فعلنا أدركنا ما فاتنا منه، قال: فما منعك من مواساته يوم المرج؟ قال: الذي منع أباك مواساة عثمان يوم الدار.
وهذا أيضاً جواب مر.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لرجل: جنبك الله الأمرين، وكفاك شر الأجوفين، وأذاقك البردين الأمرين: الفقر والعري، والأجوفان: البطن والفرج، والبردان: برد الغنى وبرد العافية.
شاعر: الطويل
لنا جلساء ما نمل حديثهم ... ألباء مأمون غيباً ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم من مضى ... وحكماً وتأديباً ورأياً مسددا
بلا كلف يخشى ولا سء عشرة ... ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا
فإن قلت أحياء فلست بكاذب ... وإن قلت هم موتى فلست مفندا
قال بعض النساك: عجبت ممن لا يملك أجله كيف يملك أمله، ومن يعجز عن دفع ما عراه كيف له الأمان مما يخشاه.
شاعر: الطويل
وإن امرءاً دنياه أكثر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور
مر تميم الداري يوماً بأصحابه فقال: كيف أصبحتم؟ فقالوا: أصبحنا نرجو ونخاف، فقال: والله ما أدري ما رجاء قوم لا يتحملون ما يكرهون لما يرجون، وما أدري ما خوف قوم لا يدعون ما يشتهون لما يخافون.
شاعر: الوافر
سكون النفس يعقبه راء ... وحرص النفس يدني للهوان
وليس بزائد في الرزق حرص ... وليس بناقص منه التواني
إذا ما الله سبب رزق عبد ... أتاه في التنائي والتداني
قيل لصوفي: أين حط العارفون رحالهم؟ قال: حيث ناجاهم الحق وبدا لهم.
سأل أعرابي قوماً فحرموه فقال: اللهم اشغلنا بذكرك، وأعذنا من سخطك، فقد ضن خلقك على خلقك بروقك، ولا تشغلنا بما عندهم عن طلب ما عندك.
العرب تقول: فلان نقي الجيب، عفيف الإزار، طيب الحجزة.
كان أبو ذر يقول: يا أيها الناس، إني لكم ناصح، وعليكم شفيق، صلوا في الليل لوحشة القبور، وصوموا في الهاجرة لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير، وحجوا لعظيم الأمور.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إياكم واتباع الهوى، وطول الأمل، فإن اتباع الهوى يبعد عن الحق، وطول الأمل ينسي الآخرة.
قال عطاء السلمي: اللهم ارحم غربتي في الدنيا، ومصرعي عند الموت، ووحشتيفي القبر.
يقال: ما رؤي فاطمي أنصح لعباد الله من زيد.
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: إن قوماً لزموا سلطانهم لغرماء بحق الله عليهم، فأكلوا بخلافهم، وعاشوا بأليسنتهم، وخلفوا الأمة بالمكر والخديعة والخيانة، وكل ذلك في النار، ألا فلا يصحبنا من أولئك أحد ولا سيما خالد بن عبد الله وعبد الله بن الأهتم، فإنهما رجلا بيان، وإن بعض البيان يشبه بالسحر، فمن صحبنا فلخمس خصال: فأبلغنا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ودلنا على ما لا نهتدي إليه من العدل، وأعاننا على الخير، وسكت عما لا يعنيه، وأدى الأمانة التي حملها منا من عامة المسلمين فحيلا به، ومن كل على غير ذلك ففي حل من صحبتنا والدخول علينا.
قال سفيان بن عيينة: قال أمير المؤمنين لأبي حازم: أوصني، قال: هين يسير، لا تأهذن شيئاً إلا بحقه، ولا تمنعن شيئاً من حقه، قال: يا أبا حازم، من يطيق هذا؟ قال: من طلب الجنة وهرب من النار.
أنشد اليزيدي: الخفيف
ويصاد القطا فينجو سليماً ... بعد يأس ويهلك الصياد
ومثله لابن الجهم: الكامل
كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود
قال الأصمعي: ما تطلي به المأة عينها من الزعفران عند الولادة يقال له الدمام، ويقال للذي تصلح به القدر وتطلى: الدمام، ويقال للناقة: قد دمها الني دماً إذا ملأها الشحم.
قال: والنغض إشارتك برأسك إلى فوق، وإذا عوجت فمك من احد شقيه وأخرجت له صوتاً فهو مض، وأنشد: الرجز
سألتها الوصل فقالت مض ... وحركت لي رأسها بالنغص
قال ثعلب: الطل: إبطال الحق، والضهل: تصغيره، والطفشل من الرجال: لضعيف الأحمق.
وأنشد أبو خليفة الجمحي قال، أنشد التوزي: الطويل

بنفسي من لا أستطيع لقاءه ... على حالة إلا قلبي خائف
ومن حبه داء ومبذول نفعه ... شفاء ومن دون الشفاء متال
وأنشدني: الطويل
لا تعذلينا في الزيارة إننا ... وإياك كالظمآن والماء بارد
يراه قريباً صافياً غير أنه ... تحول المناي دونه والراصد
قال ابن الأعرابي: الهسر يكون في الخير والشر، والأرق لا يكون إلا في المكروه.
قال أبو محلم، حدثني رجل من قريش قال: مررت بحي من العرب وأنا حاج، فرأيت فيهم جارية كأنها مهاة، قد برعت جواري الحي، فسألت عن أبيها فدللت عليه،فأتيته فانتسبت إليه فأكرمني ورفعني، ثم خطبتها إليه وبذلت له مهراص سنياً يرغب في مثله، فقال: يا ابن أخي، لقد ذكرت شرفاً شامخاً، وبذلت بذلاً سنياً، ولكن الغريبة عن قومخا أمة لمن انتقلت إليه، ومستذلة فيمن حلت فناءه، لبعد ناصرها، وغيبة حماتها، وما اغتربت منا امرأة قط، ولو أمكن ذلك لكنت أول راغب؛ فقمت من عنده، فأقبل علي رجل في إثر رده إياي فقال: يا ابن أخي، لست أول من رد عن هذه الجارية، أما سمعت قول الشاعر فيها: البسيط
يظل خطابها ميلاً عمائمهم ... كأن أنضاءهم أنضاء حجاج
لها أب سيد ضخم وإخوتها ... مثل الأهلة لا يستبهم هاجي
قال أبو محلم في قول الراجز: الرجز
أما تاره وإلى آستوائها ... وحسنها في العين وامتلائها
لا ترهب الذئب على أطلائها ... وإن أحاط الليل من ورائها
يعني نخلة.
قال عمر بن شبة: أنشدني العريان: الطويل
فإنك لا تدري، فلا تعر جانباً ... من المبتغى: أي الأمور المساعف
فيا ري كره جاء من حيث لم تخف ... وميسور أمر في الذي انت خائف
وما الناس إلا كالسيوف خاتلافهم ... فكل محلى الجفن والبعض قاطف
قال عمر بن شبة: أنشدني عبد الملك بن الوليد من ولد الحجاج ابن يوسف، وكان طفيلياً في البصرة، وكان أدياً شاعراً: الكامل المجوء
لا تحتشم دا القري ... ب ومنزل الفظ مريد
واهجم على هذا وذا ... ك هجوم شيطان مريد
وادخل كأنك خابز ... بيديك جردقة الثريد
وإذا دخلت مخففاً ... فاحمل كحملات الأسود
واختك ثرائدهم ولا ... تكفف عن اللحم النضيد
ودع الحياء فإنما ... وجه المطفل من حديد
كان الباقر عليه السلام يقول: سلاح اللئام قبح الكلام.
قال المبرد: أنشدنا دعبل في أبي سعد المخزومي: الرمل المجزوء
أنا بشرت أبا سع ... د فأعطاني بشاره
بأب صيد له بالأم ... س من دار الإماره
كل يوم لأبي سع ... دعلى الأنساب غاره
فهو يوماً من تميم ... وهو يوماً من فزاره
خزمت مخزوم فاه ... فادعاها بالإشارة
قال المبرد: أنشدت لأبي العتاهية: الوافر
لقد نهج الطريق إليك قصداً ... فما أحد بريدك يستدل
إذا ورد الشتاء فأنت شمس ... وإن ورد المصيف فأنت ظل
قال محمد بن علي الباقر رضي الله عنه لأصحابه: أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدراهم والدنانير؟ قالوا: لا، قال: لستم بغخوان إذن.
أنشد الأخفش لحداد بسر من رأى: البسيط
مطارق الشوق في قلبي لها أثر ... يطرقن سندان قلب حشوه الفكر
ونار كير الهوى في الجسم موقدة ... ومبرد الشوق ما يبقي ولا يذر
كيف اصطبار امرئ لاقى على مضض ... من زبرة الهجر ما لم يلقه بشر
قد أنحلت كلبات الشوق مهجته ... إذ قفل باب الرضا عن خرمه عسر
قال أبو الفرج الصفهاني في بيت الأعشى: البسيط
نازعتهم قضب الريحان متكئاً ... وقهوة مزة راووقها خضل
أنه عنى الحديث.
قال زيد بن علي: الداعي إلى الله بغير عمل كالرامي بغير وتر.
قال ابن الأعرابي: سأل ابن ميادة أيوب بن سلمة المخزومي حاجة فلم يحمده فقال: الطويل
ظللنا وقوفاً عند باب ابن أختنا ... وظل عن المعروف والجود في شغل

للشام الطاعة والطاعون، وللعراق النعمة والشقاق، وللبادية الصحة والشقوة.
قال مسلمة بن عبد الملك: ما ركب الناس مثل بغلة قصيرة العذار طويلة العنان.
يقال: لم يمت قوم في سفر عطشاً إلا وهم على ماء.
يقال: إذا كان فقه الرجل حجازياً، وسخاؤه عراقياً، وطاعته شامية، فقد كمل.
قال: حمى خيبر، وطحال البحرين، ودماميل الجزيرة، وطواعين الشام.
قال ابن عباس: الكوفة مثلها مثل اللهاة في البدن، يأتيها الماء ببرده وعذوبته، ومثل البصرة مثل المثانة، يأتها الماء بعد تغيره وفساده.
شاعر: الكامل
تحت المحاجر أعين دعج ... من فوقهن حواجب زج
وافين مكة للحجيجفلم ... يسلم بهن لمسلم حج
قال بعض أهل الهند لبعض ولاة الحرب: احذر عدوك على كل حال: احذر مواثبته إن قرب، وغارته إن بعد، وكمينه إن انكشف، واستطراده إن ولى، ومكره إن انفرد.
قال الحسن: جربنا وجرب لنا المجربون، فلم نر شيئاً أنفع وجداناً ولا أضر فقداناً من الصبر: به تداوى الأمور ولا يداوى هو بغيره.
سألرجل علياً عن عثمان رضي الله عنهما فقال: خذله أهل بدر، وقتله أهل مصر، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني؛ والله ما أمرت به، ولا نهيت عنه، ولو أمرت لكنت قائلاً، ولو نهيت لكنت نصراً، واستأثر عثمان فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع.
قال أبو حامد عند هذه الحكاية: إن أمر عثمان ليس بمشكل، ولئن أشكل لقد جل خطبنا، فما خفي أشد من خفائه، قيل له: كيف لك؟ قال: لأنه لا يخلو من أن يكون فارق الدين فلا مرية في خروجه من الإمامة لو أتى بما فيه تأويل، فلا يستحق به القيل من القائل، ولا الخذل من الخاذل. قيل له: إن الصحابة لم تقث عنه إلا لإعضال القضية وخبث الحال، قال: إن الصحابة لا ينبغي أن تعقد عن موعظة الإمام وتنبيهه وإعانته وتقويمهورده إلى الرشد، وإعادته إلى القصد، فإن جمح به المنكر وصد عن سواء السبيل فعليها خلعه والاستبدال به، والمصيبة فيها إن قعدت عن نصرته إن كان مظلوماً، أو حين لم تعظه ولم تخلعه حين كان مظنوناً، أعطم من المصيبة فيه، وإن كان لا تأويل فيما أتى ولا وجه لما ارتكب، فكيف ولا شيء مما قنم عليه إلا وفيه باب واسع فيه التأويل، وفقه صحيح المخرج بالاعتبار؟ وكان يقول في هذا المعنى كلاماً كثيراً يتصل بأصول السياسة وآدابها، وأحكام الشريعة وتأويلاتها، وعلى قدر ما تعين في ذلك أرويه وأكتبه إليك، على أن معرفة الحقائق في سيرة قديمة ذات أحوال مشتبهة من الصعب العسير.
ذكر أعرابي قوماً فقال: لا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب.
قال ابن أم كلاب: الطويل
صفاً صلدة عند الندى ونعامة ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها الثعل
قال ابن الأعرابي: كان أعرابي إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم إني أكفر بك لما كفر به محمد، وأومن بكل ما آمن به محمد، ثم يضع رأسه.
يقال في أمثال العرب: نعم كلب في بؤس أهله.
قال ثعلب عن ابن الأعرابي، قال أبو البيداء: ما طلعت الجوزاء إلا جدت علينا السباع، قال: وقبل طلوعها هي ساكنة هادئة.
أنشد اليزيدي: الطويل
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بأسفل واد ليس فيه أراني
وهل آكلن ضباً بأسفل تلعة ... وعرفج أكماع المديد حواني
أقوم إلى وقت الصلاة وريحه ... بكفي لم أغسلها بشنان
وهل أشربن ماء الحفيرة شربة ... على عطش من سور أم أبان
وأنشد اليزيدي: الكامل
يوكون ذنباً للسلوب سنامها ... حتى يعض بساقها المأثور
يقول: سمنها دعا إلى نحرها فهو ذنبها.
وأنشد اليزيدي أيضاً: الطويل
وقومي وإن شارعتهم حومة الردى ... أمر جناباً من جناب القبائل
قيا ابن أبي لا تغترب إن غربتي ... سقتني بكأس الضيم ماء الحناظل
وما يرأب الصداع المهم لقومه ... من الناس إلا كامل وابن كامل

سمعت أبا النفيس الرياضي يقول: واشوقاه إلى قوم عقدوا قلوبهم بالله، وتابوا من ذنوبهم لوجه الله، وأحبوا إخوانهم في ذات الله، واعتمدوا في مصارفهم على الله، وطلبوا منازلهم عند الله، وتابوا قارئين لكتاب الله، وظلوا عاملين بأمر الله، ورضوا في السراء والضراء عن الله، فنالوا الراحة والمنى. أيها السامع، الدنيا قنطرة والجواز عليها سلامة، والآخرة دار القرار والوصول إليها كرامة، المفتون من اغتر بدنياه، والمغبون من فاته مولاه، متى تعون وأنتم لا تسمعون، ومتى تسمعون لا تحضرون، ومتى تحضرون وأنتم لا تزهدون، ومتى تزهدون وأنتم لا ترغبون، ومتى ترغبون وأنتم لا تعرفون، ومتى تعروفن وأنتم لا تؤمنون، ومتى تؤمنون وأنتم لا توقنون؟ مالي لا أرى شمائلكم تنثني شوقاً وارتياحاً، ما لي لا أرى عيونكم تدمع مساء وصباحاً، ما لي لا أرى ألوانكم مصفرة من البعادة، ما لي لا أرى قلوبكم تحن إلى الزهادة، ما لي لا أرى أعمالكم تخلص، ما لي لا أرى قلوبكم تحن إلى الزهادة، ما لي لا أرى أعمالكم تخلص، ما لي لا أرى آمالكم تنقص؟ أظنكم مطرودين من باب الله، أجدكم مخيبيب مما عند الله، لقد خاب من ليس له عند الله نصيب.
جحظة: الكامل المجزوء
لما حجبت بباب دا ... رك والدهور لها تشاكل
أشرعت سير حميرتي ... وعلمت أنك كنت تاكل
قال بنان الطفيلي: عصعص عنز خير من قدرباقلي.
لبعض الكلبيين: الطويل
فقالت بحق الله إلا أتيتنا ... إذا كان لون الليل شبه الطيالس
فجئت وما في النوم نقصان قدرها ... وقد نام عنها كل وال وحارس
فبتنا بليل طيب نستلذه ... جميعاً ولم أقلب بها كف لامس
قيل لأشعب: كيف ترى أهل دهرك؟ قال: يسألوننا عن أحاديث الملوك ويعطون عطاه العبيد.
قال بنان: صلاح الأمر في خصلة: الطعام لايؤكل إلا على شهوة.
وقيل له: أي الطعام أطيب؟ قال: ما اتسع صدر صاحبه.
قال بعض الأغبياء لصاحب رمان مقد: رمانة مبرسمة لرجل حامض.
قالبنان: كان ابن عمر إذا فرغ من طعامه قال:الحمد لله الذي رزقنا وجلعنا نشتهيه، فرب من يقدر عليه لا يشتهيه.
أنشد ثعلب: البسيط
راحوا ورحنا على آثارهم أصلاً ... محملين من الأحزان أوقارا
كأن أنفسنا لم ترتحل معنا ... أو سرن في أول الحي الذي سارا
قال زيد بن علي لرجل: إنما نفسك واحدة فإذا خسرتها فبم تعتاض عنها؟ قالت الفرس: أفعال الناس وأحوالهم تنقسم خمسة وعشرين قسماً: خمسة بالجد، وخمسة بالختيار، وخمسة بالعادة، وخمسة بالجوهر، وخمسة بالنسب؛ فاما التي بالجد فالحياة والأهل والولد والمال والمملكة؛ وأما التي بالاختيار فالطب والنجوم والفلسفة وافثم والأجر؛ وأما التي بالعادة فالأكل والنوم ولاجماع والمشي والأعمال الصعبة؛ وأما التي بالجوهر فالمحبة والعداوة والخلق والشقاء والاستقامة؛ وأما التي بالنسب فالعقل والدهر والمنطق والحسد والجمال.
أنشد: الكامل
وجزعت يوم فراقكم يا سادتي ... من ذا ليوم فراقكم لا يجزع
سمع الوشاة ببيننا فتغامزوا ... ليت الوشاة ببيننا لم يسمعوا
واهاً لقلبك والهوادح ترفع ... والعيس تحدى والمآقي تدمع
فتوقدت أنفاسنا وقلوبنا ... كل إلى كل يحن ويرجع
قال إسحاق الموصلي: أوصى بعض العرب ابنه فقال: يا نبي، كن كالضب ولا تكن كالجراد، فإن الضب يلتزم جحرة فلا يفارقه، وإن الجارد يسرح فيأكله كل شيء.
قال واعظ: احذر إلف قرين السوء، واذكر الموت، وأدم فيه الفكرة، فإن من لم يعتبر بما رأى لم يعتبر لما لم ير.
أنشد ابن الأعرابي: البسيط
كم لمت نفسي إذ أنفقت في سرف ... وكم أخذت فما اسطيع اقتصد
وأنشد: المنسرح
أصبح وجه الزمان قد قلبا ... وبان معروفه فقد ذهبا
ونكس الدهر فرق لمته ... فأصبح الدهر رأسه ذنبا
وأنشد: البسيط
خلائق المرء في الدنيا تزينه ... وما يزينه طول ولا عظم
قد يخلق المرء والمرآة معجبة ... وقد يسود الفتى في كشحه هضم

كاتب: يحتاج الكاتب البليغ إلى تجنب العويص، والطرق المستوعرة، والألفاظ المستكرهة، وتلزيق المتكلفين، وتغليق أصحاب الأهواء والمتكلمين.
قال أعرابي: أين أعز الظفر عند المنافسة من المنع عند غضب الدالة.
قال ابن السماك: الغرباء في الدنيا الذين يصلحون إذا افسد الناس، كأننا عما يراد بنا نيام.
العيش حلو الدر مر الفطام.
يغيب المرء في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، وقد فارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، غني عنا خلف، وفقير إلى ما قدم.
قال بعض الخطباء: نحن أمراء الكلام، فينا وشجب أعراقه، ولنا تعطفت أعصانه، وعلينا تهدلت ثماره، فنجني منه ما احلولى وعذب، ونترك منه ما املولح وخبث.
قال خطيب آخر: لا مرحباً بقلوب متغاوية وآذن غير واعية، يحفزها الطمع التافه عن موعظة الواعظ، كالنعام المجفل يراع لأول ناعق، ولا يرتد لأول رادع.
قال أعرابي: الدنيا إعلان وإسرار، وإقبال وإدبار، وإحلاء وإمرار.
قال اليونانيون: إفراط الأنس مقدمة الجرأة.
قوة العزم بنيل البغية.
جهل اعلل يوث الحصر، أي الجهل بمعرفة المعاد يؤدي إلى الانقطاع.
تمكن الذعر يدبر الخير جهل القدر يعقب بطراً وخوراً.
أمنك عدوك بغيته.
عادة الصمت تورث عياً.
اللجاجة تسلب الرأي.
الخفة تسلب البهاء.
الحدة تورث الندم.
صديق عدوك حربك.
الضمير على الصمير شاهد عدل.
من ظفر بالجد التذ ومن ظفر به الجد تعب.
رب فوت درك.
من أبطره الغنى أذله الفقر.
من لان إذا خاف وعتا إذا أمر فلا ناصر له.
الحزم آلة الظفر.
ثمرة الأمن التفريط.
آلة الرئاسة سعة الصدر.
الإسراف في النفقة مقدمة ذل الفقر.
من اتسولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة.
ضوع اللفظ يحلل الحقد.
ليس بحي من لم يوثق بعهده.
قال سقراط: إذا أرادت العامة منازل الخاصة حسدتها عليها وتمنت أمثالها.
هذه نوادر كلام اليونانيين، وقد رم في هذا الكتاب ويمر ما إذا جمعته وأفردته، زادك حسنه، وانثالت عليك فائدته؛ فخذ منها ومن غيرها كل حسن بهيج، نفعلك الله بالعلم، وبصرك بالهدى.
قال محمد بن سلام: مدح عبيد الله بن قيس الرقيات عبد الله بن جعفر فأسنى له العطية وأجرى عليه وعلى بغلة له، فقال لوكيل عبد الله: قد نفد علف البغلة، فعرف عبد الله ذلك فدعا بكيس فيه دنانير فجعل يعدها، فطرب ابن قيس على صوتها، فأعطاه ألف دينار وقال: أتراها تكفي لعلف بغلتك؟ قال الجماز: سندية دب إليها مولاها بالليل سراً من امرأته، فلما أصبحت كنست البيت وقالتك يا مولاي، أين أضع هذا التراب؟ فكشف الرجل عن أيره وقال: على هذا يا ستي.
أدخل رجل قحبة في شهر رمضان، فلما دفع فيها وأراد ان يقبلها حولت وجهها، فقال لها: لم لا تقبليني؟ فقالت: بلغني أن القبلة تفطر الصائم.
نظرت امرأة إلى رجل قد بال وهو يدلك أيره في الحائط فقالت: يا عمي ارفق بسلعة عزيزي.
سمعت امرأة مؤذناً يؤذن قبل طلوع الشمس ويقول: الصلاة خير من النوم، فقالت: النوم خير من هذه الصلاة.
أدخل رجل قصير أيره على امرأة طويلة، فكان إذا قبلها خرج أيره من بطنها، وإذا أدخل عليها قصر عن تقبيلها، فقالت له: حبيبي، لا يستوي لك عملين في عمل، إذا ذهبت تسوي دروند الباب خرج المفتاح من الغلق.
قال مزبد لامرأته: ماالذي يعجب النساء من الرجال؟ قالت: شدة الرهز وقلة العجز.
من المروءة مجانية النساء لقلة وفائهن، وضعف عقولهن، وتلون أخلاقهن، وقذر أحوالهن.
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرذفاً أبا بكر، فكان الرجل يلقى أبا بكر فيقول: من هذا بين يديك؟ فيقول: يهديني السبيل، يعني الحق.
أطال قوم العيادة عند بكر بن عبد الله فقال: المريض يعاد، والصحيح يزار.
قدم معاذ بن جبل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو بكر: ارفع حسابك، فقال: أحسابان: حساب من الله وحساب منكم؟ والله لا علمت لكم عملاً أبداً.
شهد رجل عند سوار فقال له: ما صناعتك؟ قال: مؤدب قال: فإنا لا نجيز شهادتك، قال: ولم؟ قال: لأنك تأخذ على تعليم القرآن أجرة، قال: وأنت تأخذ على القضاء بين المسلمين أجرة، قال: إني أكرهت على القضاء، قال: أفأكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلم شهادتك، وأجازها.

شهد قوم عند ابن شبرمة على قراح فيه نخل فسألهم: كم في القراح من نخل؟ قالوا: لا نعلم، فرد شهادتهم، فقال له رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة فكم فيه من أسطوانة؟ فأجازهم.
دق رجل على عمرو بن عبيد الباب فقال: من هذا؟ قال: أنا، قال: لست أعرف في إخواننا أحداً اسمه أنا.
عمل سهل بن هارون كتاباً يمدح فيه البخل وأهداه إلى الحسن بن سهل، فوقع على ظهره: قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه.
قيل لعبد الله بن جعفر وهو يماكس في درهم: تجود بما تجود وتماكس في هذا؟ فقال: ذاك ما لي أجود به، وهذا عقلي بخلت به.
قيل لخالد بن صفوان: لم لا تنفق مالك فإنه عريض؟ قال: الدهر أعرض منه.
لبس ابن أبي دواد طيلساناً جديداً، فزال عن منكبه فقال: ما أحسن أن ألبس الجديد، فقال له أبو العلاء: إن كنت لا تحسن أن تلبسه فإنك تحسن أن تلبسه؛ فوهبه له.
قال معاوية لابن عباس: لم لا تشير على ابن عمك - يعغني علياً عليه السلام - بكذا وكذا؟ قال ابن عباس: إن ابن عمي يرى ما يرى، وليس هو ممن يرى له، فيرى ما يرى.
نظر إلى كثير راكباً ومحمد بن علي يمشي، فقيل له: أتركب وأبو جعفر يمشي؟ فقال: هو أمرني بالركوب، فأنا بطاعته في الركوب أفضل مني في عصيانه بالمشي.
دخل الشعبي الحمام وفيه رجل حاسر، فغمض عينيه، فقال له الرجل: يا شيخ، متى ذهبت عينك؟ فقال: مذ أبدى الله عورتك.
ركب كسرى والموبذ يسامره، فراثت بغلته فعلم أن الملك قد علم فقال كسرى: يا موبذ، ما الذي يستدل به على حمق الرجل؟ قالك أن يعلف دابته في الليلة التي يركب في صبيحتها مع الملك وهو يريد أن يسايره، قال: لهذه الفطنة قدمك آبائي.
ساح أعرابي لعبد الله بن جعفر: يا أبا الفضل، فقيل له: ليست بكنيته، قال: إن لم تكن فإنها صفته.
نشاب وحمد قالا، قال عبد الله بن عمر، إن إبليس قال: أي رب، إنك كنت أخرجتني من الجنة من أجل آدم، وإني لا أسطيعه إلا بتسليطك، قال: فا،ت مسلط، قال: أي رب زدني، قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله، قال: أي رب زدني، قال: صدورهم مساكن لكن وتجرون منهم مجرى الدم، قال: أي رب زدني، قال: " وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما بعدهم الشيطان إلا عروراً " الإسراء:64.
قال آدم: أي رب، إنك قد سلطت علي إبليس، وإني لا أمتنع عليه إلا بك، قال: لا يولد لك ولداص إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء، قال: أي رب زدني، قال: الحسنة عشر أمثالها وأزيد والسيئة واحدة قال. أي رب زدني، قال باب التوبة مفتوح ما دام الروح في الجسد، قال: أي رب زدني، قال: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً " الزمر: 35.
قال مطرف بن عبد الله: لو كانت الدنيا لي فأخذها الله مني بشربة ماء يسقيني يوم القيامة كان قد أعطاني بها ثمناً.
قال ابن شهاب، قال أبو حازم الأعرج: إن العلماء كانوا فيما مضى من الزمان يبلغون بعلمهم ما لا يبلغ أهل الدنيا بدنياهم، وأهل الدنيا تبع لأهل العلم على علمهم، حتى جاء هذا الزمان فصار أهل العلم اليوم تبعاً لأهل الدنياعلى دنايهم، لاتباع أهل العلم غياهم، وزهدوا في العلم لإضاعته عندهم.
هذا - أيدك الله - آخر الجزء الثالث، وقد حوى من فقر البلغاء، ونوادر الأدباء، ومحاسن النساك والحكماء، ما أسال الله أن ينفعك به، والرابع يتلوه على رسمه؛ فوسع بالك للفهم والتفهم، والبيان والتبين، فإن مزيتك على جميع ما عداك إنما هي بهذه الموهبة الشريفة، والنعم السابغة، ومتى قضيت حق الشكر عليها، امتريت الزيادة إليها، وكنت محفوظاً برعاية القلب، مستوجباً لحميد العقبى، مرقى إلى الدرجة العليا، إن شاء الله تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم
ربي أعن بمنك
الجزء الرابع
اللهم، عليك أتوكل وبك أستعين، وفيك أوالي، وإليك أنتسب، ومنك أفرق، ومعك أستأنس، ولك أمجد، وإياك أسأل لساناً سمحاً بالصدق، وصدراً قد ملئ بالحق، وأملاً منقطعاً عن الخلق، وحالاً مكنونها يبوئ الجنة، وظاهرها يحقق النعمة والمنة، وعاقبة تنسي ما سلف، وتتصل بما يتمنىن ويتوكف.

وأسألك اللهم كبداً رجوفاً خوفاً منك، ودمعاً نطوفاً شوقاً إليك، ونفساً عزوفاً إذعاناً لك، وسراً ناقعاً ببرد الإيمان بك، ونهاراً مشتملاً على ما كسب مرضاتك، وليلاً حاوياً لما أزلف لديك.
أشكو إليك اللهم تلهفي على ما يفوتني من الدنيا، وانقيادس في طاعة الهوى، جاهلاً بحقك، ساهياً عن واجبك، ناسياً لما تكرر من وعظك وإرشادك، وبيانك وتنبيهك، حتى كأن حلاوة وعدك لم تلج أذني، ولم تباشر فؤادي، وحتى كأن مرارة عتابك ولائمتك لم تهتك حجابي، ولم تعرض كل أوصابي. إلهي، إليك المفر من دار منهومها لا يشبع، ومسهومها لا ينقع، وطالبها لا يرتع، وواجدها لا يقنع، فالعيش عندك رقيق، والأمل فيك تحقيق.
اللهم كما ابتليت بحكمتك الخفية التي أشكلت على العقول، وحارت معها البصائر، فعاف برحمتك اللطيفة التي تطاولت إليها الأعناق، وتشوفت نحوها السرائر. اللهم واجعل طريقنا إليك أمماً، ونجنا من الشيطان الرجيم، وخذ معنا بالفضل الذي هو إليك منسوب، وعنك مطلوب، وافطم نفوسنا من رضاع الدنيا، والطف بنا بما أنت له أهل، إنك على كل شيء قدير.
اللهم قدنا بأزمة التوحيد إلى محاضر طاعتك، واخلطنا بزمرة المخلصين لذكرك، واجعل إجابتك لنا من فضل ما تفضل بكرم عفوك، ولا تجعل خيبتنا عليك من قبل جهلنا بقدرك، وإضرابنا عن أمرك، فلا سائل أفقر منا، ولا مسؤول أجود منك. اللهم احجز بيننا وبين كل ما دل على غيرك بلسانك، ودعا إلى سواك ببرهانك. اللهم انقلنا عن مواطن العجز مرقياً إلى شرفات العز، فقد استحوذ الشيطان، وخبثت النفس، وساءت العادة، وكثر الصادون عنك، وقل الداعون إليك، وذهب الراعون لأمرك، وفقد الواقفون عند حدودك، وخلت ديار الحق من سكانها، وبيع دينك بيع الخلق، واستخزئ بناصر مجدك، وأقصي المتوسل بك.
اللهم فأعد نضارة دينك، وأفض بين خلقك بركات إحسانك، وامدد عليهم ظل توفيقك، واقمع ذوي الاعتراض عليك، واخسف بالمقتحمين في دقائق غيبك، واهتك أستار الهاتكين لستر دينك، والقارعين أبواب سرك، والقائسين بينك وبين خلقك.
أسألك اللهم أن تخصني بإلهام أقتبس الحق منه، وتوفيق يصحبني وأصحبه، ولطف لا يغيب عني ولا اإيب عنه، حتى أقول إذا قلت لوجهك، وأسكت إذا سكت بإذنك، وأسأل إذا سألت بأمرك، وأبين إذا بينت بحجتك، وأقرب إذا قربت يتأنيسك، وأبعد إذا بعدت بإجلالك، وأعبد إذا عبدت مخلصاً لك، وأموت إذا مت منتقلاً غليك. اللهم فلا تكلني إلى غيرك، ولا تؤيسنس من خيرك.
هذا - أبقاك الله - الجزء الرابع، وبالله ألوذ من شيء آتيه مجتهداً في نيل مدحك، ثم أستحق به غاية خجرك. وإنما رققت هذه الرقة لأن هذا الجزء قد استهدفت فيه لثلب الثالب، وعتب العاتب، لما فيه من النوادر الملهية، والألفاظ السخيفة، والمعاني المهجورة، وإن كان في أثناء ذلك وخلاله، من الحكم البالغة، والحجج الدامغة، والألفاظ الحرة، والمرامي البعيدة، ما يلزمك معه أن تهب إساءتي لإحساني، وتتغمد خطائي لصوابي؛ ولئن كانت السيئات يحبطن الحسنات، إن الحسنات يذهبن السيئات. فهذا عذري وهذاك عتبك، ومتى تجاذبنا أهدابهما، وتنازعنا أسبابهما، كان لنا مقال ومجال، لتصرف التأويل بين دعواي وبينتك، واعتراض الاحتمال عن شبهتي وحجتك. على أني لو رأيت للبيان سوقاً، وللعلم أهلاً، وللحكمة طلاباً، وللأدب محبين، وللعلم مقتبسين، أنفت من هذا الاعتذار، وانصرفت عن هذا التزوير، لأني ما جمعت لك في هذا الكتاب إلا ما اجتناه من عقله أكبر من عقلي، واختياره أبلغ من اختياري، ونقده أحسن من نقدي، وذيله في التجارب أطول من ذيلي، وإنما لي ما تلقطته من أقوالهم بعد التحرير والتقرير، وبين التكرير والتفسير، ولم أنفرد فيه إلا برسالة أشرت بها على تقصيري عند من إن كان أكثر أدباً مني فإنه يوفيني حقي، ثم يأخذ بيدي متفضلاً علي.
وإنما مددت جناح هذا الفصل لأنني سمعت بعض من ليس له من العلم إلا الدعوى يقول: وما في جمع ملح الناس ونوادرهم من علامة الفضل، ودلالة الأدب، وصواب الاختيار حتى يقال: ما قصر أبو حيان في كتاب البصائر: نقد واختار، ونقل وامتار، واعترض وطالب، ودعا ورقق، واعتذر وقرب، واحتج وانتصر، ومن هذا الذي يعجز عن مثل هذا، بل من هذا الذي لا يزيد عليه ولا يأتي بخير منه؟

واعلم - فديتك - أن هذا الكلام لا يولده إلا حسد بعد معرفة بحسن العيب، أو جهل قبل استشفاف الغيب، وأي ذلك كان، فما لي في ورده أرب، ولا لي على فاعله سلطان. بلى، أسأل المنصفين من الأدباء، والمبقين على الإخوان، أن يذكروني بصواب ما أصبت فيه منه قبل أن يذكروني بخطأ ما أخطأت فيه. ولعلهم إذا افتحوا هذا الباب، وتتبعوا هذه المعاملة، أن يشغلهم الأول عن الثاني، ويحملهم على حسن الضمير، وجميل القول، ولسان الصدق، ومحمود الثناء؛ على أن الخصم متى كان الهوى مركبه، والعناد مطلبه، فلن تفلح معه، ولو خرجت اليد بيضاء وانقلبت العصا حية؛ وإذا كنت عندك أيها القارئ المنصف، والناظر المتعرف على ما يحسن بك، فما أبالي أن يفوتني ما أحبه لنفسي، لأن هواي يخدم هواك، وطاعتي تطلب رضاك، ومن واصل حبيبه أين يجد العاذل فيه موقعاً؟ وبعد، فاعلم - أي على رغم الحاسد - أن هذا الجزء قد اجتمع على محاسن تهليك عن السماء إذا ازدانت بمصابيحها، وعن الأرض إذا اقتانت بقيصومها وشيحها، فإنها مواريث عقل ممدود الشعاع على الأولين والآخرين،والعقل به يصح الصحيح ويسقم السقيم، وبمفارقته يهلك الهالك ويجور السائر، فإن كان قد امتزج بهذه المحاسن ما خالف منوال العقل، ونسيج الحق، فذاك لتتبين به حسن الحسن، وقد قيل: والشيء يظهر حسنه الضد؛ وهذا كله، وإن كان منظوماً في سلك واحد، فإن العاقل يميز الطيب من الخبيث، والحق من الباطل، والهزيل من الجد، ويتحلى بالأحسن، ويتخلى من الأقبح، ولو لم يكن جمهوره معروضاً عليه، ولا جمعه مسوقاً إليه، لخيف أن يكل مع أحد الضربين، ويثقل مع أحد الحزبين، فقد لوطف هذا الإنسان وهو لا يدري، وقد يرضى المرء وهو كاره، ويصنع للإنسان وهو عائب، وهل لرضى أنشأه التجني مدى يبلغ، أو غاية تدرك، أو آخر يعلم؟ دع - أيدك الله - هذا كله، فلو هديت لرشدي ما أطعت الهوى وخضت في هذه الخطبة التي لا عائدة لها ولا فائدة فيها، وخذ فيما أخصك به مرشداً، وألقيه إليك ناصحاً، وأباثك به متعللاً: اعلم أنا في دهر الإحسان فيه من الإنسان زلة، والجميل غريب، والخير بدعة، والشفقة ملق، والدعاء حيلة، والثناء خداع، والأدب مسألة، والعلم شبكة، والدين تلبيس، والإخلاص رياء، والحكمة سفه، والقول هذر، والإطراق ترقب، والسكوت نفاق، والبذل مكافأة، والمنع حزم، والإنفاق تبذير. فانج بنفسك إلى الله الذي يحرسك وأنت حالم، ويستأنيك وانت ظالم، ويدعوك إلى حظك وأنت شامس، ويعطفك على مصلحتك وأنت حائس، ويطلف بك وأنت عائف، ويؤمنك وأنت خائف، ويهديك وقد ضللت، وينعضك وقد زللت، ويقويك وقد كللت، وينشطك وقد مللت، أفيجحد من هذا إحسانه، أم يجفى من هذا نظره، أم يهرب عمن هذا عطاؤه، أم يستزاد من هذا ابتداؤه، أم تعشق الدنيا جهلاً بمن هذا معروفة؟ لا والله، ولكن لج بهذا الإنسان طغيانه، وأرخة في يده عنانه، فجرى طلق الجموح، ثم أن أنين المجروح، حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.
فخذ أيها السامع حذرك، واعلم أن ربك بالمرصاد، وأنت منه على ميعاد، واعلم أن أخذه أليم شديد، وإنما يملي لك لتزداد إثماً، ويستدرجك من حيث لا تعلم. وإذا ولج هذا الكلام سمعك، ووقر في صدرك، وتغلغل في فؤادك، وبلغ حاشية روحك، فاندب نفسك، وابك أيامك، وتلهف على ماضي عمرك، وكفكف عبرات عينك، واخل بشجوك وأشجانك، وأبك على تفريطك، فإذا قضيت من ذلك كله وطرك، فعسى الله أن يراك فيعذرك.
ثم ابدأ قبل كل دقيقة وجليلة بطي الأمل وتقصيره، واقمع غربة بحلول الأجل وتكديره، واعلم أنك متى ظفرت من أملك بالقصور، انتظم أمرك، ورجي خيرك، وكان الله كافلك وناصرك؛ ثم ثن تقصير الأمل ببعض الدنيا، ومقت ما زينها في عينك، وحلاها في نفسك، وخبل عليها سلطان عقلك، وغض دونها طرف يقينك؛ ثم ثلث بهجران المتشاغلين عن مهلك، والمزينين لشهوتك،والمتناولين في مرادك، فإن الناس لم يؤتوا في دنياهم إلا من الناس، إن الناس شر من الأفاعي والجرارات والعقارب والسباع. ومتى أحببت أن تعرف حقيقة ما أقول، عرفت عن كثب بلا تعب. ولقد ذكرت في هذا المكان مسألة جرت بحضرة فاضل حضرته فوعيتها، ولعلها تقتضي مكانها من هذا الموضع، فتعلم أن السلامة من السباع الضارية والأفاعي العادية أكثر:

رأيت رجلاً سأل أبا عبد الله الطبري عن الحكمة في خلق الله تعالى الحية والعقرب والأسد، مع ما فيها من الضرر الظاهر والأذى القاهر، فقال أبو عبد الله: حدثني أيها الرجل مذ كم لسعتك عقرب أو لدغتك حية أو افترسك أسد؟ قال: ما أذكر شيئاً من هذا مذ كنت، قال: فمتى عهدك بمن عابك واغتابك، وسبعك وكتم محسانك، ونشر إساءتك، وسعى في هلاكك، وعزم في تلفك، وبذل على فنائك، وسهر في عطبك؟ قال: أقرب عهد، قال: فإن كنت عرفت الحكمة هناك فسقها إلى مسألتك، وإن كنت جهلتها هناك وسلمتها لخالقك فاجهلها هنا وسلم لخالقك. ثم اقبل على السائل فقال له: الدين النصيحة؛ إياك أن تقول فيما بث الله في العالم، وخزنه في هذا الفلك، وطواه من هذا الخلق: لم وكيف؟ فإنك توكل فيه إلى نفسك، وتعجز عن حقيقة ما استأثر به العالم بك؛ فسكت الرجل.
أتيت بهذا الحديث توكيداً لما سلف في ضمن الكتاب، فانتبه لما أوعيتك وأوحيت إليك؛ نعم، واعلم أن الرابعة فيها تمام الوصية: الزم العلم على هدي الصالحين، فلن يخليك الله من يده، ولا أخلاك من رفده إن شاء الله.
قال سيبويه: زعم الخليل أن الذين قالوا: الحسن والحارث والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا هو الشيء بعينه، ولم يجعلوه سمي به، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه، ومن قال: حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيد، وأما ما لزمته الألف واللام ولم يسقطا منه فإنما جعل الشيء الذي يلزمه ما يلزم كل واحد من أمته؛ فأما الدبران والسماك والعيوق وهذا النحو فإنما يلزم الألف واللام من قبل أنه عندهم هو الشيء بعينه. فإن قال قائل: أيقال لكل شيء صار خلف شيء دبران، ولكل شيء عاق عن شيء عيوق، ولكل شيء سمك وارتفع سماك؟ فإنك قائل له: لا، ولكن هذا بمزلة العدل والعديل، فالعديل ما عادلك من الناس، والعدل لا يكون إلا للمتاع وغيره، ولكنهم فرقوا بين البناءين ليفصلوا بين المتاع وغيره، ومثل ذلك: بناء حصين وامرأة حصان، فرقوا بينالبناء والمرأة، وإنما أرادوا أن يخبروا أن البناء محرز لم لجأ إليه، وأن المرأة محرزة لفرجها. ومثله الرزين من الحجارة والحديد، والمرأة رزان، فرقوا بين اما يحمل وبين ما ثقل في مجلسه فلم يخف، وهذا أكثر من أن أصفه لك في كلام العرب. وقد يكون الأسمان مشتقين من شيء والمعنى فيهما واحد، وبناؤهما مختلف، فيكون أحد البنائين مختصاً بشيء دون شيء ليفرق بينهما، فكذلك هذه النجوم اختصت بهذه الأسماء وكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة، وإن كان عربياً نعرفه ولا نعرف الذي اشتق منه؛ وإنما قلنا ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا، أو يكون الآخر لم يصل إليه علم وصل إلى الأول المسمي؛ وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء، وإنما يريد الرابع والثالث، ولكها أخبارها كأخبار زيدوعمرو.
لما نزل بهشام بن عبد الملك الموت جعل ولده يبكون حوله فقال: جاد هشام عليكم بالدنيا وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع وتركتم عليه ما اكتسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له!! قال يحيى بن اليمان؟ رأيت رجلاً بات أسود الرأس واللحية شاباً ملء العين، فنام ليلة فرأى في منامه الناس قد حشروا، وإذا بنهر من لهب النار، وإذا بجسر يجوز الناس عليه يدعون بأسمائهم،فإذا نودي الرجل أجاب فنجا أو هلك؛ قال: فدعي باسمي فدخلت في الجسر، فإذا كحد السيف يمور بي يميناً وشمالاً، قالك فأصبحت أبيض الرأس واللحية.
قال بعض السلف: الحسن الخلق قريب عند البعيد، والسيء الخلق بعيد عند أهله.
قال بزرجمهر: في البطيخ عشر خصال: هو ريحان، وتحية، وفاكهة، وأدم مقنع، وخبيص مهيأ، ودواء للمثانة، وغسل للغمر والزهومة، ومذهب لرائحة النورة عند الاستحمام، وكوز لمن عسر عليه آله الشراب، وهاضوم للثقيل من الطعام.

قال عبد الرحمن بن سمرة: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت البارحة عجباً، رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت عليه السلام ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فمنعه منه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد سلط عليه عذاب القبر فجاء ضوءه فمنعه منه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله تعالى فخلصه منهم؛ ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً، كلما ورد حوضاً منع منه، فجاءه صيام رمضان فأرواه منه؛ ورأيت رجلاً من أمتي، والنبيوت حلقة حلقة، كلما أتى حلقة طرد، فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده وأجلسه إلى جنبي؛ ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة وهو يتسكع في الظلمة، فجاءه حجه وعمرته فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور؛ ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءت صلة الرحم فقالت: يا معشر المؤمنين كلموه، كان واصلاً لرحمه، فكلمه المؤمنون وصافحوه فكان معهم؛ ورأيترجلاً من أمتي يتقي النار وشررها بيده ووجهه، فجاءته صدقته فكانت ظللاً على رأسه، وستراً على وجهه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد أخذته الزبانية من مكان، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فخلصانه من بينهم، وجعلاه مع ملائكة الرحمن؛ ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه، بينه وبين الله تعالى حجاب، فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده وأدخله على الله عز وجل؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته قبل شماله، فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد خفت مزازينه، فجاء القرآن فثقل موازيته؛ ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على شفير جهنم، فجاءه رجاء الله فاستنقذه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في يوم ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكنت رعدته ومضى على الصراط؛ ورأيت رجلاً من أمتي يزحف أحياناً ويحبو أحياناً ويتعلق أحياناً، فجاءت صلاتهفأقامته على قدميه ومضى على الصراط؛ ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، كلما انتهى إلى باب منها أغلق دونه، فجاءت الشهادة - شهادة أن لا إله إلا الله - صادقاً من نفسه ففتحت له الأبواب فدخل فيها.
هكذا أصبت هذا الحديث والثقة رواه لي، وما أحي لأحد أن يسرع لرد مثل هذا، فإن العقل لا يأباه والتأويل لا يعجز عنه، وهو محمول على المثل، وفي المثل إيضاح المعاني في النفس، وأفشارة إليها بقوة الحدس، ومتى أحب السامع أن ينتفع به لم يضره وهي الإسناد وتهمة الرواة، وإنما عليك قبول ما لا ينتفي من العقل، ويستمر على حكم العدل، ويلائم أساس الشريعة ومبنى الدين. ألهمنا الله تعالى الحق، واستعملنا بالصالح من العلم، إنه قدير منان.
شاعر هجا ابن الزيات فقال: المتقارب
ألم تر كيف استدار الفلك ... فبعض تعالى وبعض هلك
فأضحى نجاح به عالياً ... وأخزى الإله ابن عبد الملك
بكى الزيت والرطل حزناً له ... وكانا يتيهان لما ملك
يقال إن معلم أنو شروان ضربه يوماً بلا ذنب، وكان يأخذه بأن يمسك الثلج في يده حتى تكاد كفه تسقط، فآلى أنو شروان إن ملك ليقتلنه، فلما ملك هرب مؤدبه، فجعل له الأمان، فأتاه فقال: لم ضربتين ظلماً؟ قالك لتعرف حقد المظلوم إذا ظلمته، قال: أحسنت، فالثلج الذي كنت تعذبني به؟ قال: ستعرف ذلك. فغزا أنوشروان بلنجر فأصبحوا في غداة باردة فلم يقدر أصحابه على توتير قسيهم، فوترها لهم وقاتل وظهر، فعرف ما أراد مؤدبه.

قال كشاجم في كتاب أدب النديم: كان ينادم إساحاق بن إبراهيم جوهري من جلة التجار ووجوههم، حتى خص به ولطفت منزلته عنده، ولم يكن احد يتجاوزه، وكانت فيه آلة ومعه أدب يستحق به الحظوة؛ قالك وإنه لمعه ذات يوم والكأس محثوثة والستارة منصوبة، إذ وصف للمتوكل فص كبير جليل القدر منقطع الشبيه كان قد وقع إلى هذا الجوهري، فورد توقيعه إل إسحاق بإحضار الرجل ومطالبته بالفص ومناظرته بالثمن. فلما نظر في التوقيع دعا بالجلادين والسياط، وأمر بتجريد الرجل فقال: أيها الأمير ما قصتي؟ فلم يذكر شيئاً حتى نصبه بين العقابين، فكاد السوط أن يأخذه، فلما علم انه قد رهب، ولحقه من الرعب والهيبة ما أنساه الدالة والندام قال له: فص عندك من حاله وقصته كيت وكيت، قال: أحضره، فليأمر الأمير بإطلاقي حتى آتي به، قال: لا سبيل إلى ذلك، فدعا بداوة وقرطاس وكتب هو في احال إلى ثقته في منزله، وتقدم إليه بالتوجيه بالفص، فأحضره، وجعله إسحاق في منديل، وختم عليه وانفذهخ، ثم قام بنفسه إلى الرجل فتولى حل وثاقه بيده واعتنقه، وخلع عليه من فاخر كسوته وقالك لم يكن يجب في حق السلطان إلا ما رأيت، ولو لم أفعل ما فعلته لما أمنت دالتك، ولا كنت أراك تخرجمثل هذه العقدة النفسية، وكان يلحقني من إنكار أمير المؤمنين ما يفسد حالي وحالك، فسكن الرجل إلى عذره وقبله، وجرى معه على أجمل عادته.
قال العتبي عن ابنعيينة: كثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها.
قال عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حلتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزين بهما في يوم عيد أو وفد إن قدم عليه: أبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، رضي الله عنهما.
قال أبو حازم، قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنهما: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كمنزلتهما اليوم وهما ضجيعاه.
قال أبو العيناء: حدثني حجاج بن نصير قال: سمعت إبراهيم بن عبد الله بن حسن في يوم عيد يخطب فقال: اللهم إن هذا يوم أنت ذاكر فيه آباء بأبناء بآباء، فاذكرنا عندك بمحمد صلى الله عليه وسلم.
سمعت الناشئ سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وقد قيل له: ما تقول فيما ترويه الناصبة من قول علي رضي الله عنه أنه قال على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فقال: الخبر صحيح، فاشرأب الناس إليه،وتريثت أنا أيضاً متعجباً، فقال الناس: زد ي البيان، قال: نعم، إنما أشار إلى هذه الأمة الضالة الفاسقة المرتدة، وكان أبو بكر خير هؤلاء ولم يكن خير من عرفتم، فاستحسن أصحابه هذا التأويل وهشوا له.
لعن الله من سب أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمرو بن مسعدة لابن سماعة التيمي: صف لي أصحابك، قال: ولا تغضب؟ قال: لا، قالك كانوا يغارون على أفخوان كما تغارون على القيان.
وقال أبو العيناء، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن سليم عن أبه عن جده قال: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام ومعه عبد الرحمن ابنعوف أو عبيدة وهما على حمارتين قريبتين من الأرض، فتلقاهما معاوية في كبكبة حسناء، فثنى وركه فنزل وسلم بالخلافة، فلم يرد عليه، فقال عبد الرحمن أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أحضرت الفتى فلو كلمته، قالك إنك لصاحب الجيش الذي الذي يقدمك؟ قالك نعم، قالك مع شدة احتجابك ووقوف ذوي الحوائج ببابك؟ قال: أجل، قال: ولم ويلك؟ قال: لأنا ببلاد يكثر فيها جواسيس العدو، فإن لم نتخذ العدو والعديد استخف بنا وهجم على عورتنا، وأنا بعد عاملك فإن وقفتني وقفت، وإن استزدتنس زدت، وإن استنقصتني نقصت، قال: والله لئن كنت كاذباً إنه لرأي أريب، ولئن كنت صادقاً إنه لتدبير مصيب؛ ما سألتك عن شيء قط إلا تركتني في أضيق من رواجب الفرس؛ لا آمرك ولاأنهاك. فلما انصرف قال أبو عبيدة أو عبد الرحمن: لقد أحسن الفتى في إصداره إصدار ما أوردت عليه، قال: لحسن إصداره وإيراده جشمناه.
قال العتبي: سمعت أبي يقول: سئل شريك عن النبيذ، فقال: اشرب منه ما وافقك، ودع ما جنى عليك، وذمه إذا ذم الناس، ولا تنصره فبئس المنصور والله.
قال ابو العيناء، حدثنا محمد بن عائشة عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: كانت ضربات علي مبتكرات ليس فيهن عوان.

وقال العتيبي: تحدث شريك بن عبد الله يوماص في دار المهدي بفضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأكثر، فلما قام قال له رجل من الكوفيين: يا أبا عبد الله، جئت اليوم بالدر بهذه الأحاديث، قال: وكيف لا أحدث عن رجل كان يشبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ فقال الكوفي: عجبت أن تأتي بخير.
قال كشاجم: كان عيسى بن جعفر الهاشمي يطيب نفسه بشيء قبل مواكلة الرشيد، فكان الرشيد يلسه عليه ويذمه منه ويبكته به، فمن ذلك أنه قال في بعض العشيات لجماعة من جلسائه: قد اشتهيت أن آكل في صبحة غد هريسة، وتقدمت باتخاذها وألا يختلط بها غيرها، فاعلموا على البكور، وأجمواشهواتكم ووفروها على الهريسة. وكان بعضهم ملازماً لعيسى خاصاً به، فغلس إلى منزله ليركب معه، ولم يكن يحجب، فتنكر له الحاجب ورام محاجزته عن الدخول، فدفع في صدره ودخل، فألفى عيسى جالساً بن يديه بقية من شمعة قد ملأ سيلانها الطست، وطبق كبير عليه طيفوريتان عظيمتان إحجاهما مملوءة من الهريسة وفي الأخرى ثلاث غضارات صينية فيها مري ودار صيني وفلفل ورقاق ملطف لا يفضل عن الكف، وهو يأخذ الرقاقة فيملؤها ثم يمرها على تلك الغضارات ويزدردها؛ قال، فقلت له: أنسيت - أعزك الله - ما اتفقنا عليهعند أمير المؤمنين؟! قال: لا تعجب فهذه الطيفورية الثالثة؛ فأمسكت يده وجذبت الطبق فاخرته، وأجبرته على غسل يده، وركبنا فوافينا الرشيد على حصيرة الصلاة حين انثنى من صلاته وهو يستتم تسبيحه، وروائح الهريسة قد ملأت الدار، فقال: لقد أبطأتما، ودعا بالطعام فأحضر، فاندفع عيسى يأكل كأنه لم يأكل شيئاً منذ أيام، فلم أتمالكأن ضحكت، فقال أمير المؤمنين: مم ضحكت؟ فقلت: لخبر عيسى، فقال: هاته، فقلت: كان منأمره كيت وكيت، قال: أتراني أشك في أنه يفعل ذلك؟ لو لم يأكل قبلنا لأكلني وأكلك.
وقال كشاجم: وأخبرت عن قاضيين ظريفين من آل حماد، وكانا متجاورين، أن أحدهما وجه إلى الآخر في غداة باردة يدعوه إلى أكل الهريسة ويقول: إنها قد أحكمت ف التنور منالليل، فرد الرسول وقال: قل له قد عققتني ولم ترد بري لأن حكم الهريسة ان يدعى إليها من الليل، فرجع الرسول فقال: ارجع فقل له: قد ذهب عليك الصواب، ليس كل الهوايس يسلم ويجي طيباً فلم أدعك إلا بعد أن تبينت طيبها وصلاحها، فنهض إليه.
وقال كشاجم: وحدثني رجل م أقاربي أنه كان يقوم في مجلس الواثق في رسم نديم، وكان صغير السن دوين المراهق، فلم يكن لذلك يلحق فيالجلوس بمراتب ذوي الأسنان، وكان ذكياً مأذوناً له في الإفاضة مع الجلساء في كل شأن يخوضون فيه، ويتكلم بك لما سنح ويعتلج في صدره من مثل سائر وجواب مسرع، فقال الواثق يوماً - وكان من شدة الشهوة للطعام والنهم على الحالة المشهورة المتعالمة - : ما يختار من النقل؟ فبعض قال: نبات السكر، وبعض قال: رمان، وبعض قال: تفاح، وبعض قال: قصب السكر ينضح بماء الورد ويمص، وقال آخر وقد أخرجته الفلسفة إلى البغض: ملح نفطي، وقال آخر: صبر،تحققاً بمذاهب النبيذيين وتجلداً على سورة الشراب ومرارة النقل، فقال: ما صنعتم شيئاً، فما تقول أنت يا غلام؟ فقال: خشكنانج مشبر، فوافق ذلك إرادته وقرع به ما كان في قلبه، فقال له الواثق: أصبت وأحسنت، بارك الله عليك، فكان ذلك أول جلوسه.
قال أعرابي: الحرب مأيمة، أي تؤيم النسا، أي تجعلن أيامي. والأيم من النساء امراة لا زوج لها، وكذلك من الرجال: من لا امرأة له؛ فأما الأيم: الحية؛ وأما الأيام - مخففة - فالدخان على بيت النحل. وفي الدعاء: ما له آم وعام أي جعله الله تعالى بلا امرأة وأحوجه إلى اللبن، ويقال: عمتإلى اللبن أي اشتهيته؛ فأما عمت فمعناه سبحت.
قال شيخ م أهل الأدب: الاسم ينقسم ثلاثين قسماً، وهذه الأقسام خمسة عشر جنساً، كل جنس له ضد، وتعدادها انه ينقسم إلى: معرب ومبني، وظاهر ومكني، ومعرفة ونكرة، وإنسي ومبهم، وعربي وعجمي، وذكر وأنثى، وممدود ومقصور، وعامل وغير عامل، ومشتق وغير مشتق، ومضارع وغير مضارع، ومعتل وصحيح، وزائد وناقص، ومنصف وغير منصرف، ومفرد ومضاف، ومدعم ومظهر؛ فهذه أقسام الأسم.
أنشدنا أبو سعيد السيرافي قال: أنشدنا أبو علي ابن الأعرابي لنفسه: الوافر
إذا كان الززير أبا الجمال ... ومحتسب البلاد الدانيالي

عن الأيام عد فعن قليل ... ترى اليام في صور الليالي
وأنشدنا أبو سعيد، قال أنشدنا أبو حفص ابن حمدون لابن عمه أب محمد ابن حمدون النديم: الوفار
خذوا مال التجار وسوفوهم ... إلى وقت فإنهم لئام
وليس عليكم في ذاك إثم ... لأن جميع ما جمعوا حرام
وقال لنا أبو سعيد: كان ابن السراج يملي في مجلس كانت له في أيام الآحاد كتاباً أسماه المواصلات، فانتهى إلى ابب فيه ذم التجار، فأنشدته أنا بيتاص كنت سمعته من غيره وهو: الكامل
ما للتجار وللسخاء وإنما ... نبتت لحومهم على القيراط
فكتبه وجعله في الكتاب؛ هذا لفظ أبي سعيد.
قال محمد بن زكريا الطبيب في كتاب له: هل يكون حكيماً من وجد طريقين فسلك أبعدهما وأوعرهما؟ مع كلام طويل، وهذا إنما يشير به إلى ما فعل الله عز وجل بخلقه في هذه الدنيا بالتكليف والأخطار والتعريض، فأبجابه الحارث الوراق في كتاب أفرده لمناقضته بأن قال: نعم يجوز ذلك، ومثاله أنا قد نجد الحكيمما بيننا إذا كان ذا نعمة واسعة ومال كثير وقد يكون له الولد الذي لا يملك غيره والذي ليس له أحد أعز عليه من فيسلمه إلى التجار ليتعلم البيع والشراء، ويسلمه في الصرف ليتعلم النقد، في غير ذلك من الصناعات، فيلقحه في ذلك من النصب والتعب ما يجل عن الوصف، ويتجاوز حد المقدار، يريد بذلك ان يعلم ولده حفظ المال والقيام به لئلا يضيعه متى ملكه إياه فيفتقر، فإذا تعلم وتخرج فوض إليه أمره، ودفع إليهماله، وقد كان قادراً أن يدفع إليه المال من غير أ، يؤدبه ويخرجه ويتعهب ويؤدي، غير أنه يخاف أن دفعه إليه قبل التأديب ان يضيعه ويتلفه، ورجا أن يكون إذا دفعه إليه بعد التأديب ان يحفظه فيزول الفقر عنه، وتتسع عليه نعمته، فسلك به أوعر الطريقين وأطولهما وأشدهما شمقة، فكان بذلك حكيماً غير سفيه، ومصيباً غير مخطئ، وهذا بين والحمد لله. هذا - أيدك الله - لفظ الحارث الوراق.

واعلم ان ابن زكريا والحارث الوراق جميعاً قد خبطا خبط عشواء، ودلاً على قلة المعرفة بأسرار افلهية وأحكام العبودية: أما ابن زكريا فمعترض، والعبد أحقر من أن يعترض على مولاه، وأما الحارث فمتكلف ما حط الله عنه؛ وبيان ما أقول أن الحارث أوضح المعنى الذي أدلى به خصمه بالمثال الذي نصبه، والمثال مردود الأوصل فاسد الأساس، لأن الوالد إنما سلك بودله أوعر الطريقين لعجزه عن سلوك الطريق السهل به، فكان الحزم عنده هذه يقتضيه عقله والنظر له بطباع رحمته أن يبلغ في اجتلاب مصلحته واكتساب منفعته غاية ما يقدر عليه، ويجد سبيلاً إليه، وليس هكذا الأمر في الله عز وجل وعبده، لأن الله عز وجل قادر على إيصال المنافع والمصالح إلى عبده من حيث لا ينصب عبده ولا يخاطر بنفسه، فإن توهم أنه لا يقدر فهذا هو الكفر الصريح،وإن قيل هذا مقدار ما يملكه وغاية ما أصلح العبد به صار العيان جاحداً لهذه الدعوى، والضرورة دافعة لهذه الحجة، فقد جاء م هذا التنقير ا، الوالد بحكم الشفقة بما تجد نفسه من الرقة في باب ولده لا يجد مزيداً على ما أقدم عليه، وما هكذا ربك، فإنه مالك كل شيء وقائم على كل شيء؛ فإذا كان اعتراض ابن زكرياتحكماً بمن استأثر بأحكامه واستبد بأسراره وأعمى عين القلب عن إدراك ما علا عليه وأحاط به، فقد باء بسخط من الله ومأواه جهنم، إلا أن ينزع عن هذه العقيدة، ويطمئن إلى الله عز وجل في صلاح ما جهله، وإتقان ما أشكل عليه؛ وهكذا يقال للحارث الوراق: أنت من أين لك أن أفعال الله الذي خلق الخلق مقيسة إلى أفعال الخلق؟ وأن الذي يستحيل ها هنا يستحيل هناك؟ ومتى أوحي إليك بأن تمثيلك وقيايك ونظرك ميزانت بين الله تعالى وبينك تزن به جميع ما يبدو من إلهك وخالقك ومصورك ورزازقك؟ وإنما وهي ركن الدين وكثرت سنة المبتدعين بأمثالك الذين بسطوا ألسنتهم فيما طوى الله عز وجل عن ملائكته وأنبيائه وأوصياء أنبيائه وعن أحبابه وأصفيائ؛ إنك أيها الحارث لو ذقت حلاوة مناجاة إليهك، أو لو عرفت هول المطلع الغائب عنك، أو لو هبت سلطان ربك، لما فرغت نفسك للهذيان، ولا أعملت علمك بالظنون، ولا وقفت مع قال وقيل، إن لهذا لهو الإفك المبين والضلال القديم. خف الله عز وجل خوفاً يشغلك بتلافي ما سلف من سيئاتك، وإصلاح ما فسد من عمر، ودع عنك فإن كان كذا كان كذا، ولو جاز كذا جاز كذا؛ إن ابن زكريا لا ينهزم بتبكيتك، وإنك لا تصير إلى ما تهدى به في وجهك، فارجع عنه إذن إلى الله عز وجل الذي لو ناقشك الحساب، لا ستحققت العذاب، ودع محمد بن زكريا وضرباءه في غوايتهم فسيعلم الكفار لمن عقبى الدار.
قال أعرابي بفطرته وعنجهيته: لما كان الله تعالى عن حلى خلقه عاطلاً، كان القياس إليه باطلاً؛ صدق والله.
قال عبيد الله بن قيس الرقيات: الكامل المجزوء
شطت رقية عن بلا ... دك فالهوى متشاعب
وعدت نوى عنها شطو ... ن في البلاد وجانب
واستبدلت بي خلتي ... إن النساء خوالب
ولقد تبدلنا بها ... حيا فأنعم راغب
إن البلاد معارف ... ومصارف ومذاهب
دعها وقل في ما عنا ... ك وللخطوب نوائب
هل يبلغن بني ربي ... عة عن أخيهم راكب
ناج على قطرية ... هادي التعسف دائب
إني وفي الدهر الجدي ... د عجائب وتجارب
بدلت بعد بني ربي ... عة والزمان يعاقب
جيران سوء بينهم ... شطر الزمان عقارب
يستأسدون على الصدي ... ق وللعدو ثعالب
وكذلك الأبدان من ... ها نازح مقارب
والدهر فيه لمن تف ... كر عبرة وعجائب
إن يستطيوا يأكلو ... ك وهم لديك أقارب
حاشا رجال فيهم ... لأذى الصديق تحانب
إني امرؤ لايطبي ... ودي الخليل الكاذب
حسن الخليقة والسجي ... ة ما استقام الصاحب
وهنأته سلمي وأع ... لم بعد كيف أحارب
نحن الصريح إذا قري ... ش قام فيها الناسب
من سرها وأرومها ... إذ للأروم مراتب

عندي لجام للرجا ... ل وعدة وكلالب
من ألقه في رأسه ... يلحح عليه القاتب
ويلن له ويسق إلي ... ه كما يساق الجالب
قال المبرد: كنت عند عيسى بن شيخ فاستأذنته فقال: حدثني بحديث حتى آذن لك فقلت: حدثنا شعيب بن صالح قالك تزوج رجل امرأة كسلانة، فكانت لا تنتف شعرتها ولا تحلقها كسلاً، وكانت تمسح يدها من كل شيء بشعرتها، فعجنت مرة عجيناً رقيقاً ومسحت يدها بشعرتها ونامت وشمت الفرأة رائحة العجين فجاءت فجعلت تأكل ما على شعرتها من العجين حتى شبعت ثم ذهبت، فلقيها الجرذ فقال لها: من أين جئت؟ قالت: يا أبا الأغر، من بيت الرخاء، قال: وما القصة؟ قالت: نام الطحان فأكلت من العجين حتى شبعت، قالك فدليني على الطريق، قالت: الزم هذه المحجة، فإلى أن بلغ الجرذ جف العجين على شعرتها، فجاء الجرذ ليأكل من الجعين فنتف منها شعرة، فضرطت، فولى الجرذ هارباً، فلقيته الفرأة فقالت: ما خبرك؟ قال: ويحك انتبه الطحان فرماني بالقفيز فكاد يدق ظهري، فضحك عيسى وخلع عليه وضحكن جواريه خلف الستارة وقلن: اكتب يا أبا العباس حديث الطحان.
قيل لسائل كان يقرأ القرآن: ألا تستحي تسأل بالقرآن؟ قال: اسكتوا فوالله لو جتم كما أجوع لبعتم جبرائيل وميكائيل فضلاً عن القرآن.
وقف سائل على باب فقال: يا أهل الدار، فبادر صاحب الدار قبل أن يتم السائل كلامه فقال: صنع اله لك، فقال السائل: يا ابن اللخماء، أكنت تسمع كلامي عسى جئت أدعوك إلى دعوة.
وقف سائل على باب دار فقال: يا أهل الدار الصالحين، فقال صاحب الدار: أولئك بطرسوس، فقال السائل: يا طالبي ما عند الله، فقال صاحب الدار: أولئك خرجوا إلى مكة، فقال السائل: فمن أنتم يا بني القحاب؟! وقف أعرابي على باب فسأله فأجابه رجل: ليس هناك أحد، فقال السائل: إنك لأحد لو جعل الله فيك بركة.
قال الجماز: سمعت سائلاً يقول: من يعطيني قطعة حباً لهند حماة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال، وكان آخر يقولك من يعطيني قطعة حباً للأمينين جبريل ومعاوية؟ قال ابن الروانيد: اختلف الناس في السماع، فأباحه قوم وحظره آخرون، وأنا أخالف الفريقين وأقول: هو واجب.
قال إسحاق الموصلي: مدار الدنيا على أربعة أشياء: على البناء والنساء والطلاء والغناء، وما سوى ذلك باطل.
سمع فيلسوف صوت مغن فاسد الضرب، خارج من الإيقاع، فقال لتلميذ له: يا بني، يزعم أهل الكهانة أن صوت البومة يدل على موت إنسان، فإن كان ما ذكروا حقاً فإن صوت هذا المغني يدل على موت البومة.
خرج بعض السكارى م مجلس ومشى في طريق فسقط وترع، فجاء كلب وجعل يلحس فمه وشفتيه والسكران يقول: خدمك بنوك ولا عدموك، ثم رفع الكلب رجله فبال على وجهه، فجعل يقول: وماء حار؟ بارك الله عليك.
روى أبو زيد في محالة لشاعر: الطويل
وإني لنار عند زينة أوقدت ... على ما بعيني من عشى لبصير
لقد زادني حباً لزينة أنها ... مقوت لأخلاق اللئام قذور
تقول بمعروف الحديث وإن ترد ... سوى ذاك تذعر منك وهي ذعور
وقال أبو زيد: شربت سويقاً عفيراً أي غير ملتوت.
وأنشد أبو زيد: البسيط
وما أراك على أرجاء مهلكه ... تسائل المعشرالأعداء ما صنعا
وما رميت على خصم بفارقة ... إلا رميت بخصم فر لي جذعا
ما سد من مطلع ضاقت ثنيته ... إلا وجدت سواء الصبر مطلعا
يقال: زبط أمر فلان إذا تضعضع ويقال: إني عنك لفي غفل وغفول عن هذا.
قال ابن عون: كنت إذا سمعت الحجاج يقرأ علمت أنه طالما درس كتاب الله تعالى.
وقال الشعبي: الذي يقرأ القرآن إنما يحدث عن ربه.
أنشد الأصمعي: البسيط
النصح أرخص ما باع الرجال فلا ... تردد على ناصح نصحاً ولا تلم
إن النصائح لا تفخى مناهجها ... على الرجال ذوي الألباب والفهم
أنشد الأصمعي ليهودي: الطويل
إذا لم أزر إلا لآكل أكله ... فلا رفعت كفي إلي طعامي
فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام

قال الأصمعي: قال الحارث بن عوف بن أبي حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم: أجرني م لسان حسان، فلو مزج البحر لامتزج فحدثت به ابن عائشة فقال: يا ابن أخي، أوجعه قوله: الكامل
وأمانة المري حيث لقيته ... مثل الزجاجة صدعها لا يجبر
قال المختار لرجل: ضع لي حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني كائن بعده خليفة ولك عشرة آلاف درهم، فقال الرجل: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا، ولكن عن بعض الصحابة وأحطك في السعر.
ولم يذكر الأصمعي من هذا الرجل؛ ومن الطريف أنه استجاز الكذب على بعض الصحابة، ولو كان امتناعه من الحذب على غيره. وما أدري ما أقول ف هذا الفن من الناس، فقد ولله شانوا وجه الدين لأنك لا ترى إلا من أغرق في طلب النيا إمال بسيف قد سله، أو بلسان قد أطاله، أو رياء قد احتجنه، أو خبيئة قد اشتمل عليها؛ نسأل الله العياذ فقد عم البلاء.
قال القحذمي، قال ابن العرق: رأيت المختار مشتور العين فقلت: من فعل هذا بك قطع الله يده؟ قال: ابن الفاعلة عبيد الله بن زياد، والله لأقطعن أنامله وأباجله، ولأقتلن بالحسين بن علي رضي الله عنهما عدد من قتل بيحيى بن زكريا عليهما سلام الله؛ ثم قال: يا ابن العرق، إن الفتنة قد ألقت خطامها وخبطت وشمست، ثم قال: المتقارب
ورافعة ذيلها ... بدجلة أو حولها
قال الأصمعي: قيل لابن مضاء: فلان رأى في المنام كأنه يخطب على المنبر خصي، فقال: يقدم عليكم أميرعفيف الفرج.
وقال الأصمعي: كنت أسمع بهذا المثل: وعلى ألافها الطير تقع، فلم أفهمه حتى رأيت غرباناً تقع: البقع مع البقع، والسود معالسود، إلى ان رأيت أعرج قد سقط فجاءه آخر كسير الجناح فوقع إلى جنبه، فعلمت أن المثل ما ضاع.
قال الأصمعي: العرب تقول: الحسن أحمر.
وقالت أعرابية وهي تتحدث: والله لو رأيتني في شبيبتي لرأيتني أحسن من النار الموقدة.
وقال أبو العالية الشامي وذكر امرأة أخرجت إليه فقال: كا،ها والله نطفة عذبة في شن خلق ينظر غليها الظمآن فيالهاجرة.
قال فيلسوف: كما ا، البهيمة إنما تحسن من الذهب والفضة والجوهر بثقلها فقط ولا تحس بنفاستها، كذلك الكسلام إنما يحسن من أمر الحكمة بثقل التعب عليه ولا يحس بشرفها في نفسه.
قال الجماز: مررت بنجاد في قنطرة بردان، طويل اللحية وامرأة تطالبه بشيء لها عنده وهو يقولك يرحمك الله، متاعك جاف ويحتاج إلى حشو كثير، وأنت من العجلة تمشين على أربع.
قال جراب الدولة: كان بجوزجان إنسان طويل اللحية أصلع، فقال له ظريف من الظرفاء: ما أطول لحيتك!! قال: نعم إن ما ماءنا يكثر نبات الشعر ويقويه، قال: فلم لم يكن ذلك الماء مؤثراً في صلعتك؟ خذ يا هذا كفا واحداً واجعله على صلعتك.
ودخل حمصي على قحبة ومعه أرعبة دراهم، فسألها ان تترك عليه منها درهماً واحداً، فما فعلت فأعطاها وفجر بها، فلما خرج رأىمقلى في الدار فأخذها بيده وخرج، فصاحت المراة: ياأحمق، سخرتن بك ومل تضرني بشيء، فالتفت وقال لها: حين تقلين تدرين.
قال طفيل بن الأخرم: الطويل
فإن خف ما لي ازددت في خمتي غنى ... عن الناس والغاني بما نال قانع
وفي الصبر عما لم تنل لك راحة ... وفي اليأس مه للضراعة قاطع
ومن لا يزل يستتبع العين ما ترى ... لدى غيره يلق الردى وهو ضارع
وقال جراب الدولة: كان عندنا شيخ بسجستان معلم سخيف، اجتزت به يوماً وهو يقول لصبي بين يده: اقرأ ياابن الزانية، فأخذت أوبخه فقالك اسكت قد نكت أمه مراراً.
قال: واجتزت به يوماً آخر وإذا هو يضرط للصبيان وهم يضحكون، قلت: ما هذا؟ قال: هؤلاء صبيان وقد ضاقت صدورهم من القراءة أضرط لهم قليلاً وأفرحهم ساعة.
قال الشاعر: الطويل
ألم تر سعد أننا فوق شاهد ... يظل لأعنان السماء مناغيا

هذا البيت رويته بسبب أعنان السماء كأنه جمع عنن، فأما العنان فسحيبة متدلية دون السماء، ويقال أيضاً أعناء السماء أي نواحيها، كانه جمع عنو، كما تقول أحناء وحنو، وما سمعت العنو، وأما العنن فالمعارضة، والاعتنان الاعتراض، والعنان - بكسر العين - معروف: عنان الدابة؛ يقال: تشاركا شركة عنان، أي فيما عن لهما أي عرض؛ وأما العنة فحظيرة الشاء، والفقهاء يقولون العنة إذا أرادوا مصدر العنين، ذاك يقال فيه التعنين، وما أعرف مضارعته للباب الأول؛ فأما قول العامة المتشبهين بالخاصة: عن دابته فمردود ليس من كلام العرب، بلى، الذي يقال: عننت الدابة وأعنتها إذا جعلت لها عناناً.
حضر بعض حكماء الهند وزيراً منوزراء ملكهم، وكان الوزير ركيكاً، وإنما ولي للأبوة، فقال للحكيم: ما العلم الأكبر؟ قال: علم الطب، قال: فإني أعرف من الطب أكثرة، قال للحكيم: فما دواء المبرسم؟ قال: دواؤه الموت حتى تقل حرارة صدره ثم يعالج بالأدوية الباردة، قال الحكيم: ومن يحييه بعد ذلك؟ قال: هذا علم ىخر يوجد في كتب النجوم ولم أنظر في شيء منه إلا في باب الحياة، فإني وجدت الحياة خيراً للإنسان من الموت، قال الحكيم: أيها الوزير، الموت على كل حال خير للجاهل من الحياة.
كان فزارة على مظالم البصرة، وكان ظريفاً، فسمع ذات يوم صياحاً فقال: ما هذا الصياح؟ قيل: قوم تكلموا في القرآن، قال: اللهم أرجنا من القرآن.
واجتاز به صاحب دراح فقال له فزارة: كيف تبيع هذا الدراج؟ قال: واحد بدرهم، قال: لا، أحسن إلينا، قال: كذا بعت، قال: نأخذ منك اثنين بثلاثة، قال: خذ، قال: يا غلام، أعطه ثمن اثنين فإنه سهل البيع.
انصرف صبي من المتكب باكياً، فقالت له أمه: لم تبكي؟ قال: الصبيان يدخلوننم أصابعهم في آستي. قالت: فلم لا تشكوهم إلى المعلم؟ قال: فأدخل أيره في آستي.فحبسته عن المعلم.
قال ظفيل بن الأخرم: الطويل
أعاذل إن الشح لا يخلد الفتى ... ولا يهلك النفس الكريمة جودها
تقول سليمى قد تغيرت بعدنا ... كذاك صروف الدهر يبلى جديدها
وشيب رأسي قبل شيب لداته ... هموم وروعات يشيب وليدها
ومضروبة الأمثال قومت درءها ... لذيذ بأفواه الرجال نشيدها
قال القحذمي: طلب أنو شروان كاتباً لمر أعجله، فلم يجد غير غلام يصحب الكتاب، فجيء به فقال له: ما اسمك؟ فقال: مهرماه، قال: اكتب ما أملي عليك، ولم يامره بالجلوس، فكتب قائماً أحسن من كتاب غيره جالساً، قالك اكتب في نحون هذا من تلقاء نفسك، ففعل وأحسن، وضم إلى الكتاب رقعة فيها: إن الحرمة التي أوصلتني إلى الملك لو وكلت فيها إلى نفسي لتقطعت قبل بلوغ ذلك، وإنما هو تفضل منه علي، فإن رأىن ألا يحطني بعد التشريف بخطابه إلى من هو دونه فعل. فقرأ كسرى ذلك ثم قال: لقد أحب مهرماه ألا يدع في نفسه لهفة يتلهف عليها بعد إمكان الفرصة، وقد أمرنا لك بالذي سألت، فاحمد الله الذي وهب لك ذلك على أيدينا، ثم نقله إلى أرفع مجالس الكتاب ووصله.
عاتبت أم جعفر الرشيد في تقريظه المأمون دون ابنها محمد، فدعان خادماً بحضرته وقال له: وجه إلى محمد وعبد الله خادمين حصيفين يقولان لكل واحد منهما على الخلوة ما يفعل به إذا أفضت الخلافة إليه؛ فأما محمد فإنه قال للخادم: أقطعك وآمر لك، وأقدمك وأبلغ بك؛ وأما المأمون فإنه رمى الخادم بدواة كانت بين يديه وقال: يا ابن اللخناء، تسألني عما أفعل بك يوم يموت أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين؟! إني لأرجو أن نكون جميعاً فداه. فرجعا بالخبر، فقال الرشيد لأم جعفر: كيف ترين؟ ما اقدم ابنك إلا متابعة لرأيك وتركاً للحزم.
قال الجماز: رأيت صاحب بطيخ يقول: هذا عسل، هذا سكر، هذا قند، فتقدمت إليه وقلت: عندي عليل يشتهي بطيخة حامضة. فقال: خل حاذق وحياتك، لا تلتفت إلى قولي فإنه خل.
قال بعض أصحابنا البغداديين: سمعت شيخاً بباب الطاق من سفلة الناس يقول لآخر أسفل منه: ويحك يا محة، ألا تتعجب من بني عفوية، أخوين، أحدهمامن مرعوشي والآخر فضلي، قال له: وأيش في هذا؟ هذا هو القرآن فيد جيد وردي، قالك ويحك، في القرآن جيد ورديء؟! قال: نعم، قل هو الله أحد بألف درهم، وبجنبها تبت تسوى حبتين.

في هذا للعقول متنزه ومستطرف ومعرفة بفضل الموهبة واقتباس المواهب،فلا تعجل بالإنكار حتى تبلغ غاية ما قد استصلحتك به في هذا الباب.
قال الجماز: مات إنسان غماز فرآه جار له في المنام فقال له: ما فعل ربك بك؟ فقال له: أنا بخير ها هنا بين يدي ملك أتخفف له واسعى بين يديه في أموره، وأبرد أخبار الكفار إليه؛ قال الجماز: وإذا به العاض بظر أمه هناك أيضاً غماز.
وقال الجماز: مات مخنث يقال له قرنفل، فرآه إنسان في النوم وكأنه يقول: أيش خبرك يا قرنفل؟ قال: لا تسأل، فيقول: إلى أين صرت يا قرنفل؟ قال: إلى النار، قال: ويلك فمن ينيكك في النار؟ قال: ثم يزيد ابن معاوية ليس يقصر في أمري.
نظر مخنث إلى رجل دميم الوجه فقال: وجهك هذا أنموذج جهنم أخرج إلى الدنيا.
قيل لمجنون: اين المولد؟ قال: المولد بالبصرة، والمنشأة دير خزقل.
نظر عامر بن كزبر إلى ابنه عبد الله يخطب فأعجبه، فأشار إلى أيره وقال للناس: أميركم خرج من هذا.
شد مجنون على رجل بالبصرة فأخذ الرجل يضربه، فقال الناس: إنه مجنون، وجعل يقول من تحته: أفهموه.
قال أبو العنبس: رأيت رجلاً يعرج فقلت له: ما لك؟ فقال: غداً تريد ان تدخل في رجلي شوكة.
قال صبي لأبيه: يا أبت وجدت فأساً، قال: فأين هو؟ قال: يابه ليس له رأس حديد، فقال: مشؤوم، فقل: وجدت وتداً.
قال: نادى فقيرعلى جبة له فلم تطلب بشيء، فقال الفقير: ما علمت أني عريان إلا الساعة.
قال بعض الشيوخ: رأيت حية قد ابتلعت كبشاً عظيم القرنين فلم تقدر على ابتلاع القرنين، فجعلت تضرب به الحجارة يمنة ويسرة حتى كسرت القرنين وابتلعته.
قرأ رجل في مجلس سيفويه " وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً " يوسف: 30 فقال سيفويه: قد أخذنا في حديث القحاب.
قيل لمجنون: أيسرك أن تصلب في صلاح هذه الأمة؟ قال: لا ولكن يسرني أن تصلب الأمة في صلاحي.
أتي عبد الملك بن مروان برجل قد خرج معه خارجي فأمر بضرب عنقه فقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا جزائي منك، قال: وما جزاؤك؟ قال: والله ما خرجت معه إلا نظراً لك وتقرباً إليك، فإني رجل ما صحبت أحداً إلا هزم وقتل وصلب، وقد صح ذلك؛ كوني عليك مع عيرك هير لك من مائة ألف رجل معك، فضحك وأطلقه.
قال داود الماصب لصديق له: رأيت البارحة رؤيا نصفها حق ونصفها باطل: رأيت كأني قد حملت بدرة على عاتقي فمن ثقلها خريت فانتبهت فرأيت الخرا ولم أر البدرة.
سمع مجنون رجلاً يقول: اللهم لا تأخذنا على غفلة، قال: إذا لا يأخذك أبداً.
كلم رجل غلاماً أمرد فقيل له: إن الناس يظنون بك الريبة، قال: ولم لا يظنون أني أعظه؟ وقف سائل بباب مديني فقال: أطعمونا من فضل عشائكم فقال المديني: ما لعشائنا أصل فيكف يكون له فضل؟! قال رجل لأبي عبيدة: أحب أن تخرج لي أيام عشيرتي، وكان دعياً، فقال أبو عبيدة: مثلك مثل رجل قال لآخر: اقرأ لي من " قل هو الله أحد " إحدى عشرة آية، قال: لا والله ولكنك تبغض العرب، قال: وما عليك من ذلك؟ قال أبو أسيد: كان ابن عمر رضي الله عنه يحف شاربه حتى يرى بياض إبطه.
أنشد رجل أبا الشمقمق شعراً بارداً طويلاً فضجر وقال له: أين قلت هذا الشعر؟ قال: في المخرج، قال: يا أخي صدقت، رائحة الخرا عليه ظاهرة.
سمع سيفويه رجلاً يقرأ " فبهت الذي كفر " البقرة: 258 قالك وتلومه؟! حج حائك، فلما وقف يدعو ورأى الجمع قال: يا رب، من أنا، وأيش أنا؟ التراب على رأسي، من أنا؟ كلب نباح وووو، وضرط م شفتيه على لحيته.
قال رقبة بن مصقلة: ما آذاني قط إلا غرم مصاب في الكوفة، فإنه لقيني فقال: رأيتهم قد شبهوك بي فسرني ذلك لك.
قال رجل لغصن المخنث: ما سامك؟ قال: ليت اسمي على رأسك والمعاول تأخذه.
قال أبو الربيع: إذا أقبل البخت باضت الدجاجة على الوتد، وإذا أدبر البخت انشق الهاون في الشمس.
تقدم رجلان إلى قاض فتكلم أحدهما ولم يترك الآخر يتكلم فقال: أيها القاضي، يقضى على غائب، قال: وكيف؟ قال: لأني غائب إذا لم أترك أتكلم.
قال رجل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قالك لم تقل هذا إلا وفي قلبك خير.
خرج رجل قبيح الوجه من اليمن فأنشد: الرجز
لم أر وجها حسنا ... منذ دخلت اليمنا
وفي حر أم بلدة ... أحسن من فيها أنا

قرأ قارئ بين يدي سيفويه: " وحملناه على ذات أولاح ودسر " القمر: 13 فقال: عز علي حكلانهم بيوتهم، إنها جنازة.
وقرأ قارئ في حلقته: " كأنهن الياقوت والمرجان " الرحمن: 58 فقال سيفويه: هؤلاء بخلاف نسائكم القحاب.
وقيل له: إن اشتهى أهل الجنة العصيدة كيف يعملون؟ قال: يبعث لهم أنهار دبس ودقيق ويقال لهم: اعملوا فعسيس، وهو شيء يعمله أهل البصرة، وكلوا واعذروا فليس عندنا نار.
سمع العنبري القاضي صبياً يقول لصبي آخر: وإلا فأير القاضي في حر أم الكماذب، فقال العنبري: يا صبي لم قلت هذا؟ قال: لأن عليه أيراً مردوداً في حر أمه مثل منارة هذا المسجد، فانصرف العنبري وهو يقولك الاستقضاء شؤم.
قيل لماجن: جبة نقد أحب إليك أم قلنسوة نسيئة؟ فقال: ضرطة نقد أحب إلي من لحاف نسيئة.
قال الجماز، قال لي نصر مولى المأمون: كنت في دعوة بعض الظراف في يوم غيم، ومعنا شيخ متصدر لا ينطق، فتدارينا ذكر المطر وما جاء فيه من الأثر، فقال الشيخ: حدثوني عن سيدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يتحها حتى يضحها في موضحها ثم يصحد ويدحها.
وقف سائل بباب دار فقال صاحب الدار: أغناك الله فلي أم الصبيان ها هنا، فقال السائل: لم أسألك المجامعة إنما سألت كسرة خبز.
وتقدم سائل إلى باب، وكانت صاحبة الدار قاعدة على البالوعة تبول، فحسب السائل أن بولها نشيش مقلى، فقال: أطعمونا من هذا الذي تقلونه، فضرطت المراة وقالت: حطبنا رطب وحياتك ليس يشتعل.
وقف سائل بباب المافروخي عامل الأهواز وسأل، فأعطوه لقمة خبز، فسكت ساعة ولم يبرح ثم قال: هذا الدواء الذي أعطيتموني كيف أتناوله، وبأي شيء أقدم عليه، وبأي شيء أتعقبه؟! قال الجماز: سمعت كناساً يقول لآخر: إن كنت كناس ابن كناس فقل لي كم رجل لبنت وردان.
قال ابن قريعة القاضي: وقف شاطر على قبر فقال: رحمك الله أبا لا شيء فقد والله كنت أحمر الإزار، حاد السكين، فاره الصديق، إن نقبت فجرذ، وإن تسلقت فسنورة، وإن استلبت فحدأة، وإن ضربت فأرض، وغن شربت فحب، ولكنك اليوم قد وقعت في زاوية سوء.
قال بعض أصحابنا البغداديين: سمعتا شيخاً من العامة يقول لآخر: والك نهر جرى فيه الماء لا بد من أن يعود إليه، قال الآخر: والك حتى يعود الماء إليه ماتت ضفادعه. حكيت لفظهم فهو الطريف، فلا تعب اللحن فيه.
قال جحظة: سمعت يعقوب بن فلان يقول: كنت أتفاءل كثيراً ففتحت المصحف يوماً وقد وليت فخرج " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام " هود: 65 فعزلت بعد ثلاثة أيام.
كان عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي شيخ أصحاب الحديث وكان بهياً فاضلاً، وكان ذا سلامة، ذكر عنده بعض الأمراء الذين طرقوا الري فقيل: مات بها، فقال له: إلى الري دجلتان ففي أي دجلة مات؟ قال أبو حنيفة لرجلك انت مطوياً خير منك منشوراً.
أنشد جحظة لشاعر: الطويل
فتعساً لأيام إذا كان بومها ... شباعاً لها قوت وجاعت صقورها
وقد ينهض العصفور صحة ريشه ... وتقعد أن لا ريش فيها نسورها
وهبني رحى يهوي من النيل ماؤه ... وليس لها قطب فماذا يديرها
قال عبادة لرجل: ها هنا مكاري بكر، قال: بخت أي بخت، قال: وكيف ذلك؟ قال: يدخل ما يشاء، فإما أن يندق أيره أو تنشق أستي.
شاعر: الوافر
له بين المعالي والعوالي ... وبين ذرى المهندة الذكور
مقامات شرفن فما يبالي ... أمات على جواد أم سرير
البصري صاحب الزنج: الكامل
يلقى السيوف بوجهه وينحره ... ويقيم هامته مقام المغفر
ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر
وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل أثواب عيش أعبر
أومى إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري
استعرض ابن المدبر طباخة فقال لها: أتحسنين الحشو؟ فقالت: الحشو إليك.
قال المتوكل للجماز: ما عندك في النساء؟ قال: أقود عليهن.
صاح ابن الفرات بغلام له فقال: أي شيء تعمل؟ قالك لا شيء، قال: إذا فرغت من لا شيء فتعال.
شاعر: البسيط
يا يومنا عندها عد بالنعيم لنا ... منها ويا ليلتي في بيتها عودي

إذ بت أرشف فاها عند رقدتها ... بعد اعتناق وتقبيل وتجريد
وقد سقتني رضاباً غير ذي أسن ... كالمسك ذر على ماء العناقيد
قال جحظة: كنت جالساً عند صديق فدفعت إليه جارية وقعة فضرط، فقلت: ما هذا؟ قال: اقرأ، فإذا فيها: قد فني الدقيق.
كانت لمخنث جارية نفيسة فقالت: سبحانن الله، من أبلاني بك؟ فقال: الذي أبلاك بحرك، سود وجهه، وشق وسطه، وقطع لسانه، وجعل إلى جنبه ضرته.
كان لأبي تمام الشاعر صديق يسكر من قدحين، فكتب إليه يدعوه: إن رأيت - أعزك الله - ان تنام عندنا فافعل.
شاعر: السريع
لم ندر ما ليلي وما طيبها ... وحسنها حتى رأيناها
إنك لو أبصرتها سافراً ... أجللتها أن تتمناها
قال ابن قريعة: كان لبعض المخنثين أير عظيم، فكان يقول: أشتهي م ينيكني بأيري.
قالت امرأة الجماز للجماز: أيش يطيب في هذا اليوم؟ قال: الطلاق.
يقال: إذا وجدت الشيء في السوق فلا تطلبه من صديق.
ادعى رجل النوبة فقيل له: ما علامة النبوة؟ قال: أنبئكم بما في نفوسكم، قالوا: فما في نفوسنا؟ قال: أني لست بنبي.
كتب بعض الحمقى على خاتمه: أنا فلان بن فلان، رحم الله من قال آمين.
قيل لبعض المغفلين: حمارك قد سرق، فقال: الحمد لله إذ لم أكن فوقه.
نظر بعض الأغنياء إلى السماء فقال: يا رب، ماأحسن سماءك، زادك الله مزيد كل خير.
ونظر آخر إلى كنيف قد انبثق، فقال لابنه: ينبغي أن نتغدى به قبل أن يتعشى بنا، اطلب لنا كناسين.
وقال صفعان: من لم يعط على الصفع دراهم، فليتخذ لقفاه مراهم.
قدم إلىأعرابي كامخ فقالك مم يعمل هذا؟ قالوا: من اللبن والحنطة، قال: أصلان كريمان ولكن ما أنجبا.
قيل لمغن رديء الغناء: لم لا تغنيظ قال: كيف أغني والأقداح في أيديكم؟! قيل لخمث: لم لا تتنور؟ قالك إذا كثر الدغل أخذ الناس في طريق الجادة، يعني استه.
ورث رجل مالاً، فكتب على خاتمه: الوحى، فملا أفلس كتب على خاتمه: استرحنا.
أدخل رجل إصبعه في حلقتي مقراض وقال لمنجم: أي شيء في يدي؟ فقال: خاتمان من حديد.
قيل لرجل: من أين؟ قال: من جنازة صديق كان لي، كان له ابنان فمات الأوسد.
قال: كان طاووس لا يحضر إملاك أسود ببيضاء، ويقولك تغيرون خلق الله.
كاتب: وصل كتابك بما أوجب المنة واليد، وأزلم الحمد والشكر.
قيل لجارية مليحة: ويلك تتعشقين أسود؟ فقالت: والله لو كان أيره لك لعملت منه عكازة.
قال أبو سعيد السيرافي: قد جاء في فعلين تعدي الفاعل إلى ضميره وهو: فقدتني وعدمتني، وإنما جاز ذلك لأنه محمول على غير ظاهر الكلام وحقيقته، لأن الاعل لا بد من أن يكون موجوداً، وإذا عدم نفسه صار عادماً معدوماً، وذلك محال، وإنما جاز لأن الفعل له في الظاهر والمعنى لغيره، لنه لا يدعو على نفسه بأن يعدم، فكأنه قالك عدمني غيري؛ قال: جران العود: الطويل
لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ... وعما ألاقي منهما متزحزح
هما الغول والسعلاة رأسي منهما ... مخدش ما بين التراقي مكدح
قال أبو سعيد: ويجوز عند البصريين ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم في الضرورة؛ وأنشد لمهلهل: الكامل
وأنا الذي قتلت بكراً بالقنا ... وتركت مرة غير ذات سنام
والوجه: وأنا الذي قتل.
وقال حارثة بن بدر الغداني؟ البسيط
يا كعب ما طعلت شمس ولا غربت ... إلا تقرب آجالاً لميعاد
يا كعب صبراً على ما كان من حدث ... يا كعب لم يبق منا غير الاد
إلا بقيات أنفاس نحشرجها ... كراحل رائح أو باكر غاد
قال أبو سعيد: فإن غير ما هنا بمنزلة مثل، كأنك قلت: لم يبق منا أجساد إلا بقيات أنفاس، وعلى هذا أنشد الناس هذا البيت للفرزدق: البسيط
ما في المدينة دار غير واحدة ... دار الخليفة إلا دار مروانا
جعلوا غير صفة بمنزلة مثل، ومن جعله بمنزلة الاستثناء لم يكن له بد من أن ينصل أحدهما، وهو قول ابن أبي إسحاق.

قال أبو بكر ابن العلاف الشيباني النحوي - شاهدته بشيراز - : اليغبوب يقال في النهر والجدول إذا كان كثيراً ماؤهما شديدة جريتهما، ويقال ذلك في الفرس إذا كان كثير العدو شديد الجري، وقد قال بعض أهل اللغة: اليعبوب الطويل، وإنما سمي النهر يعبوباً لطوله، والأول القول المختار، قال لبيد: الرمل
بأجش الصوت يعبوب إذا ... طرق الحي من الغزو صهل
قال: وأما الدعبوب فالطريق النهج الموطأ السهل.
قال ميمون بن مهران في قوله تعالى " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون " إبراهيم: 42: تعزيه للمظلوم ووعيد للظالم.
قل النبي صلى الله عليه وسلم: لا تديموا النظر إلى أهل البلاء فتحزنوهم؛ يقال: حزنته وأحزنته بمعنى، ويقرأ: " ولا يحزنك قولهم " و " لا يحزنك " يونس: 65.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة في ظل العرش: عائد المريض، ومشيع الموتى، ومعزي الثكلى.
وقال الثوري: إذا رأيت الرجل محموداً في جيرانه فاعلم أنه يداهنهم.
قال مديني: لو أن أبا الزناد عن يميني وابن هرمز عن يساري وربيعة الرأي يقودني لمنعتني نذالتي أن أنبل.
أتى رجل عمرو بن عبيد فقال: إن ألأوساري لم يزل أمس يذكرك ويقول: الضال، فقال عمرو: يا هذا، والله ما رعيت حق مجالسة هذا الرجل حين نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقي حين بلغتني عن أخي ما أكره، أعمله أن الموت يعمنا، والبعص يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله تعالى يحكم بيننا.
جرى ذكر رجل في مجلس ابن قتيبة فنال منه بعضهم، فأقبل عليه سلم فقال: يا هذا، أوحشتنا من نفسك، أيأستنا من مودتك، ودللتنا على عورتك.
ودخل عبد الوارث بن سعيد على رجل يعوده فقال: كيف أنت؟ فقال: ما نمت منذ أربعين ليلة، فقال: يا هذا أحصيت أيام البلاء فهلا أحصيت أيام الرخاء؟ مر ماجن بالمدينة برجل قد لسعته عقرب فقال: أتريد أن أصف لك دواء هذا؟ قال: نعم، قالك عليك بالصباح إلى الصباح.
نظرت امرأة إلى رجل يبول كبير الفعل، فقالت: هذا معك ولا تجلس للصيارفة؟! فقال: ما أحمقك، هذا والله أقامني منهم.
لما نزل بعمر بن عبد العزيز رحمه الله الموت قال: يا رجاء، هذا والله السلطان لا ما كنا فيه.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: ليس في القرآن " يا أيها الذين آمنوا " إلا وهي في التوارة يا أيها المساكين.
قال إبراهيم بن إسماعيل: العجب لم يغتر، وإنما هي عقربة ذنب.
قال الحسن: الدنيا كلها غم، فما كان منهان من سرور فهو ربح.
قال فيلسوف: أصاب الدنيا من حذرها، وأصابت الدنيا من أمنها.
قال ابن السماك: خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله حتى كأنك لم تعصه.
ترى كيف يجتمع الرجاء والخوف في صدر واحد؟ هذا بعيد، متى رجا فقد استرسل، ومتى خاف فقد استجمع، ولكل واحدة من هاتين الحالين أحكام تستغرقها وتأتي عليها وتباعدها من الحال الأخرى، فكيف السبيل إلىتحصيل ما دل عليه هذا الفاضل؟ اللهم إلا أن يقول: تردد من هذه إلى هذه، ولا تستقر مع غحداهما، وهذا إن صح لم يكن له من الخوف نصيب ولا من الرجاء نصيب إلا بمقدار إلمالمه بهما؛ فأين الحيلة التي بها يبين وعليهما يظهر؟ وللزهاد كلام كثير يروع ظاهره ويضمحل مفتشه؛ وسألت بعض العماء عن هذا فقال: كأنه إذا لحظ الكرم رجا، وإذا لحظ العدل خاف، وهو فيما بين هذين الملحوظين مختبر الثبات على الطاعة، والإقلاع عن المعصية، وليس يجيء من هذا أن يكون خائفاً راجياً في حال، لأنه بخواطره ووساوسه في أفعاله وحركاته متطلع نحو شيء يرجوه، ونحو شيء يحذره، فإذا ما غلب أحدهما على سره سلس معه، وهو على ذلك محمود، لأن الخائف مصيره إلى ما يصير إليه الراجي، لأن الراجي يعمل في طلب ما يتمناه، والخائف يقلع عن مواقعه ما يخشاه والغاية واحدة. إذا أنعم النظر؛ وهذا جواب قريب. والحاجة إلى تحقيق الخوف من الله عز وجل والرجاء في الله تعالى أشد من الحاجة إلى معرفة هذا المشكل.
؟؟دعا أعرابي فقال: آثر تقواك على هواك، وأخراك على دنياك.
قيل لمعبدة: ما يمنعك من دخول الكعبة؟ قالت: والله ما أرضة رجلي للطواف فكيف أدخل بهما الكعبة.
سأل أبو فرعون رجلاً فمنعه، فألح عليه فأعطاه، فقال: اللهم أخزنان وإياهم، نسألهم إلحافاً ويعطوننا كرهاً، فلا يبارك الله لنا ولا يأجرهم عليه.

ساوم مديني بدجاجة فقال صاحبها: لا أنقص من عشرة دراهم، فقال: والله لو كانت في الحسن كيوسف، وفي العظم ككبش إبراهيم الخليل، وكانت كل يوم تبيض ولي عهد للمسلمين ما ساوت أكثر من درهمين.
قال بعضهم: الاست مسن الأير، والقبلة بريد النيك.
كاتب: ودعت قلبي بتوديعك، فهو ينصرف كمنصرفك.
كاتب: ذكرك ينسينس كل شيء، وفراغي له يشغلني عما سواه.
كاتب: لو كان إفراط الحنين إليك، ولهب الحرص عليك، يقربان طرفي منك، لقد كنت فزت بك.
كاتب: إن - أعوذ بالله - تنفست بنا مدة هذا المقام دونك، وبرحت بنا الخطوب عما قبلك، لم املك عزاء عما أعد نفسي وأقرب لها من الوقت في لقائك، وأعتاد من الحوادث التي تترامى بنا من سفر إلى صفر، وتنقلنا من مثوى إلى مثوى، وكيف بالسلو عما جعل الله غيبته مادة للشوق وتأثيلاً للوجد، وملابسته ملابسة أنس ومروءة، وفراقه فراق كرم وفضيلة، لا كيف إلا بأوبة مرتقبة تجمع متفرق الشمل، وتلم متباين الشعب، ويعود بها عهد الأيام حميداً، وما أخلق ما دواعي الأمل جديداً.
كاتب: أوديتني بنأيك، فمتى تداوي بقربك؟ كاتب آخر: أنا من إذا ابتهج شكرك، وإذا نكب ذكرك.
آخر: لا سلبني الله سرور رجائي بلقائك، ولا خيب دعائي ببقائك، ولا أفقدني الأنس بك على قربك ونأيك، أعقبنا الله بمأتم الفرقة عرس الألفة، وبوحشة الغمة أنس الغبطة.
كاتب: أقر الله عيني بلقائك، كما أقذاها بنأيك.
قال أعرابي: لا تبال بالوطنإذا شطن، ولا بأحد إذا شط ولا تشخص إذا شخص.
كتب ناسك إلى أخ له: اجمع لي أمر الدنيا وصف لي حالها وحال الآخرة، فكتب إليه: الدنيا حلم والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث أحلام ننقل إلى أجداث.
النمري: الطويل
يقولون في بعض التذلل عزة ... وعادتنا أن ندرك العز بالعز
أبى الله لي والأكرمون عشيرتي ... مقامي على دحض ونومي على وخز
كاتب: أطال الله بقاءك في تمام من النعمة والسلامة، ودوام من الكرامة، وعلو من القدرة وبسط الد، ووفورة البغطة واتصال الرغبة، وعكوف من الآمال، ومن علينا بدوام ظلك، وامتداد أيام دولتك، وأعلى درجتك، ولا أراك مكروهاً في شيء مما خولك، ولا زلت من النعمة والإنعام بحيث يقصر أمل الآمل وشكر الشاكر عنه، ولا أخلاك من مزيده ونعمته، وتسديده وعصمته، وبلغ بك من الألفة أقصاها، ومن الأماني أسناها، وأعانك على ادخار المكارم واصطناع المحامد، وبسط بها لسانك ويدك، وأدام لك أجمل ما عودك وعود منك، وأعطاك فوق أملك وغاية رجائك ومنتهى أمنيتك، وحجب عنك سطوات الأحوال، وأجرى لك خالص كل نوال، وتوحدك بالصنع والإقبال، ولا بدل لك ما أفادك من حسن حال، وتوجك بالسيكنة والوقار والنسك والهيبة والجمال، وختم لك بالسعادة في المآل.

قال بعض أهل الأدب: يقال: جارية غراء كالليلة القمراء، وكالشمس يكمها الحجاب؛ جارية كغزال مكسال، وكجؤذر صريمة، وكمهرة عربية، وكدمية محراب، وذات حشا قطيع، وكأن لونها محض شيب براح، وكأنها زهرة جلاها بدر، وكأن عينيها عينا مهاة، ولها حاجب كالنون خط بالقلم، وأنف كمتن السيف، وفم كالخاتم، وريق كلعاب النحل وجنى النخل، وكالرحيق الختوم، وكأن نشرها ريا فأرة، وكأن أصابعها قوادم حمامة، وكأن فاها أقحوان تحت غمامة، وكأن ثناياها زهر في دمث، وكأنما تفتر عن برد، وعن حب الغمام، وعن بارقة، وكأن عنقها إبريق اللجين، وكأن صدرها فاثور فضة، وكأن نحرها جمارة، وكأن لبتها سبيكة، وكأن وجهها مرآة مجلوة، وكأن جيدها جيد ريم، وكأن سالفتها السيف الصقيل، وكأن ثديها حق عاج، وكأن في صدرها رمانتين، وكأن في خدها تفاحتين، وكأنها غصن بان وقضيب عقيان، وكأن خيدها أترجتان بالعنبر مخضوبتان؛ لها شعر كقوادم النسر، لها فروع كقنوان النخل المنسدل أو عناقيد الكرم المتهدل، كأن جبينها مصباح دير، كأن عوارضها كوكب الصبح، كأن بنانها مداري فضة وقضيب اللجين، لها بطن مطوي كأنه قبطي وكأنه طومار مدمج، وكأنها بطن أيم ذي طرة؛ لها كشح مجدول، ولها سرة كمدهن عاج، وأفخاذ كأفخاذ البهاتي، وكفلكالكثيب، وخصر كالقضيب، وكأنها خوط بان على نقا، وغصن في دعص؛ لها ساق كبردية غذاها خليج، تمشي كالوحل، تمشي مشي المهاة إلى الرياض، وكأنها قطاة تخطو إلى الغدير، وكأن في أخمصها شوكاً، وكأنهاظبية تميس، وكأن الحلي في صدرها وميض برق ونار أنارت في الظلام، وكأنما خلخالها أنثاء حية مفتولة، وكأن معصمها نجم يلوح، وكأن شعرها أسود ملتفة، وحبال مضفورة، وكأن وجهها صفحة سيف، وفلقة قمر، وبدر تمام، مكأنها دينار مشوف، وكأن حليها زهر الربيع؛ لها كشح كالجديل، وقذال كقذال عاطية الأراك، لها مدامع كمدامع الغزال؛ كأن حمرة خدها أرجوان أو جلنار؛ لها شارب كمخضر الريحان، وكأنه نصف صاد، وكأن قدمها لسان حية، وكأنها ظبية مذعورة، وغزال خاذل، وكأنها كأس، وكأنه رشأ مرتاع، وكأن لحظاتها نبال، كأنها بيضة نعام، وكأنها بيضة أدحي، وكأنها بيضة مكنونة، وكأنها لؤلؤة الغواص، وكأنها درة الصدف، وحديثها ثمر الجنان، وصوب الغمام، ووقع الزلال؛ وكأن أصداغها عقارب، وكأن متنها متن حسام؛ فتور القيام، سريعة القعود، نصفها خفيف ونصفها كسل؛ كأن وجنتيها شقائق النعمان، كلامها يطفئ النار؛ كأن ريقها رضاب مسك، وجنى نحل، ومشور ضرب؛ كأن عنقها إريق فضة، وعينها ماوية، وبطنها قبطية، وساقها بردية، وجبينها اللآلئ، وعوارضها البرد؛ كأنها خوط بان، وجدل عنان، وقضيب ذهب، وكأنها فضة قد مسها ذهب، أطهر من الماء، وأرق من الهواء.
قال أبو هفان: رأيت شيخاً بالكوفة قاعداً على باب دار وله زي وهيئة، فوي الدار صراخ، فقلت: يا شيخ، ما هذا الصراخ؟ قالك هذا رجل افتصد أمس بلغ المبضع شاذروانه فمات؛ قال: وإنما أراد أن يقول بلغ المبضع شريانه.
سمعت العقدي الهمذاني يقول، قال رجل لابن خلف: سألت عنك يا أبا فلان، قال: سأل الله عنك ملائكته.
قال أبو نصر الأنماطي، قالابن خلف لصديق له: أريد أن أشرب على عورة وجهك عشرة أرطال نبيذاً مرنقاً؛ قال: أراد ان يقول على غرة وجهك نبيذاً مروقاً.
جاءت امرأة إلى معلم تشكو ابنها، وكانت حجميلة، فقال المعلم للصبي: مثل هذه الأم يوحشها إنسان فيؤذيها؟! كان يجب عليك لو كان لك عقل ان تلحس خراها كل يوم طلباً لرضاها.
قال بعض الأطباء: موضع العقل الدماغ، وطريق الروح الأنف. وموضع الرعونة طول اللحية.
قال اليزيدي: اللحية الطويلة عش البراغيث، ومأوى البق، وهي في الريح طرادة ومزبلة، ومعدن التراب والغبار.
وقال أيضاً، قال ابن خلف لمغنية كان يحبها، وأراد تجميشها:أنا والهل لك مائق - أراد أن يقول: وامق - فقالت: ليس لي وحدي أنت مائق، أنت والله مائق للخلق.
قال الجاحظ: قلت يوماً لعبدوس بن محمد، وقد سألته عن سنه لصغره: لقد عجل عليك الشيب، فقال: وكيف لا يعجل عل وأنا محتاج إلى من لو نفذ فيه حكمي لسرحته مع النعاج، أو لفظته مع الدجاج، وجعلته قيم السراج، ووقاية يد الحلاج، هذا أبو ساسان أحمد بن العباس العجلي له غلة ألف ألف درهم كل سنة، عطس يوماص فقلت له: يرحمك الله، فقال لي: يغرقكم الله.

جاء غلام ابن جرادة بفرخ إليهفقال له: انظر إلى هذا الفرخ ما أشبهه بأمه، قال: ذكر أم أنثى؟! قال ابن الحصاص يوماً وقد جربت يده، لو غسلتها ألف مرة لم تنتظف حتى أغسلها مرتين.
ونظر ابن الجصاص في المرآة ثم قال لإنسان عنده: ترى لحيتي قد طالت؟ فقال الحاضر: المرآة في يدك، فقال: صدقت ولكن يرى الشاهد ما لا يرى الغائب.
اشترى إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس غلاماً فصيحاً، فبلغ الرشيد فأرسل إليه يطلبه فقال: يا أمير المؤمنين، لم أشتره إلالك، فلما وقف الغلام بين يديه قال الرشيد: إن مولاك قد وهبك لي، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين ما زلت وما زلت، قال: فسر، قال: ما زلت لك وانا في ملكه، ولا زلت عن ملكه وانا لك، فأعجب الرشيد وقدمه.
وبمثل هذا البيتان والعقل يتقدم العبد على الحر، والوضيع على الشريف.
وكان الفتح بن خاقان، وهو صبي، قائماً بين يدي المعتصم، فقال المعتصم يوماً وفي يده فص: أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفص شيئاً؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اليد التي هو فيها أحسن منه.
اجتاز عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيان يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير، فتهاربوا إلى عبد الله فإنه وقف، فقال له عرم: لم لا تفر مع أصحابك؟ قالك لم يكن لي جرم فأفر منك، ولا كان الطريق ضيقالً فأوسعه عليك.
قعد صبي مع قوم فقدم شيء حار فأخذ الصبي يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ قال: هو حار، قالوا: فاصبر حتى يبرد، قال: أنتم لا تصبرون.
وخرج صبي من بيت أمه في صحو وعاد في مطر شديد فقالت له أمه: فديتك ابني، هذا المطر كله على رأسه؟ قال: لا يا أمي، كان أكثره على الأرض، ولو كان كله على رأسي كنت قد غرقت.
وسمع غلام أمه تبكي في السحر فقال لها: لم تبكين؟ فقال: ذكرت أبوك فأقرح قلبي، قال: صدقت هذا وقته.
ولا تنكر قولها ذكرت أبوك فإن اللحنها هنا أصلح من الإعراب، وقد قيل: لكل مقام مقال.
سمع ابن الجصاص رجلاً ينشد شعراً في هند فقال: لا تذكروا حماة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بخير.
دخل رجل إلى حمزة ابن النصرانية فقال: إن أخي قد مات فمر لي بكفن، قال: والله ما عندي شيء ولكن تعهدنا إلى أيام لعله يقع، قال: أصلحك الله، فمر لي بدرهم ملح، قال: ما تصنع به؟ قال: أملحه حتى لا ينتن إلى أن يتيسر كفنه من عندك.
دخل حمزة هذا يوماً على امرأتهوعندها ثوب وشي فقال لها: بكم اشتريت؟ قالت: بألف درهم، قالك والله لقد وضعوا في استك شيئاً مثل هذا، وأشار إلى يده وذراعه، قالت: إني والله لم أوف بعد ولكن أعطيت درهماً، قال: وأيش يسوى قولك وقد جعلت خصاهم في ديك؟ قالت: إن أختك قد اشترت شراً منه بمائة دينار، قال: أختي تضرط من آست واسعة.
قال الحاجظ: قلت لأبي الحشيم: إن رأيت أن ترضى عن فلان فافعل، قال: لا والله حتى يبلغني أنه قبل رجلي.
كان صاعد بن مخلد إذا قبض يده عن الطعام يقول: الحمد لله الذي لا يحلف بأعظم منه.
ومر بقوم يصطادون السمك فسلم عليهم وقال: يا فيتان هذا السمك الذي تصطادون طري أم مالح؟ وكان أزهر الخمار بين يدي عمرو بن الليث يأكل البطيخ، فقال له عمرو: كيف طعمه يا أزهر، هو حلو؟ قال أزهر: أيها الأمير، أكلت الخرا قط؟ فضحك عمرو وكل من حضر.
وقال عمرو للأزهر: إن ابنك يزعم انه ماك غلامك البارحة، قال: نكت أمه البارحة سبع مرات، فاجعل أربعة بحذاء ذاك والباقي فضل.
جاء أبو عوانة إلى قوم قد صلبوا فقال: هذا ا وعدنا الله ورسله وصدق المرسلون؛ اللهم بارك لنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.
أصيب إنسان بوالدته، فجاء سيفويه القاص يعزيه، فلما قضى كلامه قال: هذه المراة خلفت ولداً؟ قال لرجل: تريد ولداً أكبر مني؟! قال أبو هفان: رأين بعض الحمقى يقول لآخر: قد تعلمت النحوك كله إلا ثلاث مسائل،قال: وما هي؟ قال: أبو فلان، وأبي فلان، وأبا فلان، قال: هذا سهل: أما أبو فلان فللملوك والأمراء والسلاطين والقضاة، وأما أبا فلان فللتناء والتجار والأوساط، وأما أبي فلان فللسفل والأوغاد.
وقال أبو هفان أيضاً: قال رجل لآخر: متى قدمت؟ قال: غداً، قال: إن كنت إن شاء الله سألتك عن صاحب لي فمتى تخرج؟ قال: أمس، قال: لو كنت أدركتك كتبت معك كتاباً إليه.

قال الحسن بن يسار، قلت لشاعر: فلان ليس يعدك بشيء، قال: والله لو كنت ليس أنا، وابن من أنا منه، لكنت أنا أنا، وأنا من ابن أنا منه، فكيف وأنا من أنا منه.
وقال أبو هفان: سمعت بعض الحمقى يخاصم امرأته وفي جيرانه أحمق، فاطلع عليهم وقال: يا هذا، اعمل مع هذه كما قال الله تعالى: إما إمساك بأيش اسمه أو تسريح بأيش اسمه؛ قال: فضحكت من بيانه.
وكتب بعض الحمقى إلى آخر يعزيه عن دابة: بسم الله، جعلني الله فداك، بلغني منيتك بدابتك، ولولا علة نسيتها لسرت إليك حتى أعزيك في نفسي.
قال ابن حمدون النديم: جلس بعض الرؤساء مع بعض الوزراء في زبزب وفي يده تفاحة، فأراد أن يناولها الوزير، وأراد أن يحول وجهه إلى الماء ليبزق، فحول وجهه إلى الوزير فبزق عليه ورمى بالتفاحة إلى الماء.
وقال ابن قريعة: دخل بعض هؤلاء الخلاء وأراد أن يحل سروايله، فغلط وحل إزاره وخري في سراويله.
وتخاصم رجلان من أهل حمص في أمر نسائهما فقال كل واحد منهما: امرأتي أحسن، وارتفعا إلى قاضيهم، فقال القاضي: أنا عارف بهما، وقد نكتهما جميعاً قبل تقلد القضاء وقبل أن تتزوجاهما، فقال بعض العدول: قد عرفتهما فاقض بينهما، فقالك والله لأن أنيك امرأة هذا في أستها أحب إلي من أن أنيك امرأة هذا في حرها؛ ففرح الذي حكم له وقام مسروراً.
وتقدم إلى قاض حمصي بواسط زمن الحجاج رجل وامرأة فقال الرجلك أصلح الله القضاي إنها لا تطيعني، فقالت: أصلح الله القاضي إني لا أقوى بما معه، قال: يا هذا ليس تحملها ما لا تطيق، قال: أصلحك الله إنما كانت عند رجل قبلي فكانت تكرمه، فضرط القاضي من فمه ثم قال: يا جاهل، الأمور كلها تسوتي؟ هو ذا أنا معي أير مثل البغل، ومن البيت - أستودعهم الله - يستصغرونه.
وارتفعت امرأة مع رجل إلى قاضي حمص فقالت: أعز الله القاضي، هذا قبلني، قال القاضي: قومي فقبليه كما قبلك، قالت: قد عفوت عنه، قال القاضي: فأيش قعودي ها هنا حيث أردت أن تهبي جرمه لم جئت به إلى هذا المجلس للحكم؟ والله لا برحت حتى تقتصي منه حقك، وبعد هذا لو ناكك رجل بحذاي لم أتكلم.
ومات لأبي العطوف ابن، وكان يتفلسف، فلما دلوه القبر قال للحفار: أضجعه على شقه الأيسر فإنه أهضم للطعام.
كان لمحمد بن يسير الشاعر ابن جسيم وسيم، بعثه في حاجة فأبطأ وعاد ولم يقض وطر أبيه، فقال فيه: الخفيف المجزوء
عقله عقل طائر ... وهو في خلقة الجمل
فأجابه:
شبه منك نالني ... ليس لي عنه منتقل
ووجه آخر ابنه إلى السوق ليشتري حبلاً للبئر ويكون عشرين ذراعاً، فانصرف من نصف الطريق وقالك يا أبي في عرض كم؟ قال: في عرض مصيبتي فيك.
قال رجل لابنه وهو في المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: في لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد، فقال أبوه: لعمري من كنت ولده فهو بلا ولد.
وقال آخر لابنه: أين بلغت عند المعلم؟ قالك قد تعلمت والفرج، أراد والفجر، قال الأب: فأنت بعد في حر أمك.
قال صالح بن محمود لأبيه: زوجني بعض أمهات أولادك، قال أبوه: ويحك هن مثصل أمك، قال: إنما يكون للرجل أم واحدة، قد ماتت أمي.
قيل لعمرو الحويزي: إن ابنك يناك، فقال لابنه: ما هذا الذي يقال؟ قال: كذبوا وإنما أنيكهم؛ فلما كان بعد أيام رأى أبوه صبياناً ينيكونه قال له: هذا النيك ممن تعلمت؟قال: من أمي.
عرض هشام بن عبد الملك الجند فأتاه رجل حمصي بفرس كلما قدمه نفر، فقال هشام: ما هذا، عليه لعنة الله؟ قال الحمصي: يا سيدي هو فاره ولكنه شبهك ببيطار كان يعالده فنفر.
قال الجاحظ: مررت بمعلم وهو يتأوه، فقلت: ما شأنك يا شيخ؟ قال: ما نمت البارحة من ضربان عرق، فنظرت إليه فقلت: أنت والله صحيح سليم مثل الظليم، فغضب واستشاط ثم قال: أحدكم يضرب عليه عرق واحد فلا ينام الليلة إلى الصباح، وتضرب علي حزمة عروق فتريدون مني ألا أصيح!؟ قلت: وأي حزمة عروق هذه؟ فكشف عن أير مثل أير البغل وقال: هذا يا خرا.
قال أبو العيناء: قلت لمخنث: كيف جوفك؟ قالك أدخل لسانك وذقه.
طلب أبو نواس من صديق له غلاماً أمرد، وكان يشرب معه فجاء بغلام مليح إلا أنه أعرج، فلما رآه أبو نواس قال له: ويحك، هذا أعرج، فسمع الغلام فقال: تريد تضرب علي بالصوالجة يا خرا أو تنيكني؟!

قيل لمديني ظريف: كيف رأيت البصرة؟ قالك خير بلاد والله للجائع والمفلس والعزب. أما الجائع فيأكل من خبز الأرز والمالح حتى يشبع بفلس؛ وأما العزب فيتزوج بمن شاء بدانقين؛ وأما المحتاج فيخرا ويبيع؛ فهل رأيتم بلداً مثلها؟ كان عبد الأعلى السلمي قاصاً، فقال يوماص: يزعمون أني مراء، وكنت أمس والله صائماً، وقد صمت اليوم وما أخبرت بذلك أحداً.
ومر عبد الأعلى بقوم وهو يتمايل سكراً، فقال إنسان: هذا عبد الأعلى القاص سكران، فقال: ما أكثر من يشبهني بذلك الرجل الصالح.
شاعر: البسيط
إن الضرورة للإنسان حاملة ... على خلاف الذي يهوى ويختار
قال فيلسوف: العشق جهل عارض وافق قلباً فارغاً قال أبو العيناء: أضحكني بائع رمان بحنين يقول: السريع
وقعت من فوق جبال الهوى ... إلى بحار الحب طرطب
العجلاني: الطويل
ألا حبذا ظل ظليل ومشرب ... لذيذ ونخل بالقعاقع يانع
وروحة آصال العشي ومنظر ... أنيق وغزلان عليها البراقع
قال أرسطاطاليس بلإسكندر: احفظ عني ثلاث خلال، قال: وما هن؟ قال: صل عجلتك بتأنيك، وسطوتك بترفقك، وضرك بنفعك، قال: زدني، قال: انصر الحق على الهوى تملك الأرض ملك استعباد.
قال بزرجمهر: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلا غنى النفس.
كانت الفرس إذا أبصرت إلى النار التي تشتعل في أسافل القدور قالت: سيكثر المطر، وإذا فشا الموت في البقر قالت: سيكثر الموت في البشر، وإذا فشا في الخنازير قالت: يسل الناس ويصحون.
قال الإسكافي لرجل: أليس لا يكون ما لا يعلم الله تعالى أنه لا يكون، ولا يكون جاهلاً ولا ناسياً، قال: بلى، قال: فلم ينكر أن لا يكون ما يريد الله عز وجل ولا يكون مكرهاً ولا مغلوباً؟ قال أحد هؤلاء المشغبين لآخر: أتقول إن الكافر فعل الكفر بأن كفر؟ قال: نعم، قال: فقل إنه أخرج الكفر من باب العدم إلى الوجود بأن كفر؛ قال: لا يخرج من العدم إلى الوجود إلا الله عز وجل، قال: ولا يحدث الكفر إلا الله جلت عظمته.
قال رجل: سألت أحمد بن علي الشطوي وقلت له: هل شاهدت من يفعل أو يتأتى له الفعل إلا جسماً، قال: لا، قال: والصانع يفعل وليس بجسم، قال: نعم، قلت: وهذا خلاف الشاهد، قال: نعم، إنك أيضاً لم تشاهد من يفعل الأشياء، والله يفعل وليس بشيء خلاف الشاهد.
أما ترى تماري هؤلاء في هذه القاويل، وجنوحهم فيها إلى الأباطيل، وإعراضهم عن طلب الآخرة بالعمل الصالح والخشوع والإخبات؟ أما يعلمون أن التماري من المرية، والمرية الشك، والشك والتشكك في الدين والعقد يؤديان إلى هلك، ويشقيان على حيرة، وأن الواجب غير ما رأوه واجباً؟ قيل لفيلسوف: كيف للإنسان بأن لا يغضب؟ قال: فليكن ذاكراً في كل وقت أنه ليس يجب ان يطاع فقط بل أن يطيع، وأنه ليس يجب أن يخدم فقط بل أن يخدم، وأنه ليس يجب أن يتحتمل خطأه فقط بل يجب أن يحتمل الخطأ عليه، وأنه ليس يجب أن يصبر عليه فقط بل أن يصبر هو أيضاً، وأنه بعين الله دائماً، فإنه إذا فعل ذلك لم يغضب، وإن غضب كان غضبه أقل.
قال فيلسوف: عوام الناس ظنون ان الله جل جلاله في الهياكل فقط، ويرون أنه يجب أن يتهيأ الإنسان ويحسن سيرته في الهياكل فقط، وأما أصحاب المعرفة فلعلمهم بأن الله تعالى في كل موضع ينبغي لهم أن تكون سيرتهم في كل موضع كسيرة عوام الناس في الهياكل.
قال بعض العلماء: سألت أعرابياً: ما الناقة المرواح؟ قال: التي كأنها تمشي على أرماح؛ قالك أراد طولها.
قال فيلسوف: كما أن الذين يستعملون حواس البدن فقط يمنعهم من الغضب الخوف من الملك المحسوس إذا وقفوا بين يده، كذلك يجب على من يستعمل الحواس النفسانية أن يمنعه من الغضب الخوف من الملك المعقول الذي هو واقف بين يديه دائماً.
قال أفلاطون: نحن نعيش عيشاً طبيعاياً كي نعيش عيشاً عقلياً، فينبغي أن يكون قصدنا للعيش العقلي ولا نعطي القوة الطبيعية شيئاً أكثر مما تدعو إليه الضرورة.
قال الأموي: يقال: لأنت أضل من خروف القصاب، لأنه يلعب ولا يشعر؛ هكذا قال.
وقال الأموي: قول العرب من الأنس: أنس به يأنس، ولا يقولون أنس؛ هكذا قال.
وقال الأموي: يقال: ما كان ذلك إلا بعد الأين والصلعاء، وإلا بعد الهياط والمياط، أي لم يكن إلا بعد حين؛ هكذا قال الأموي.

قيل لابن لسان الحمرة: أي اللحم أطيب؟ قال: جنوب عرضان، قبض بعناقيد، حبس على دكاكين جزر، في دساكر جوف، لا تسمع الصوت إلا إرناناً.
القبض: المال المقبوض لأن السلطان يقبض أفضلها، حبس: مجتمعة، دكاكين: جمع دكان، في دساكر جوف: واسعة، لا تسمع الصوت إلا أن ترفع صوتك لأنها كصيرة الأهل والطير؛ هذا لفظ الأموي في النوادر.
وأنشد الأموي لأيمن بن خريم: الطويل
وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعة قدر
أتاني بها يحيى وقدج نمت نومة ... وقد لاحت الشعرى وقد خفق النسر
فقلت اصطبحها أو لغيري أهدها ... فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر
تعففت عنها فيالسنين التي خلت ... فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر
إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يهوى حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ... وإن جر أرسان الحياة له الدهر
هكذا أنشد الأموي على ما حكى خط ابن الكوفي، وهو خط موثوق به، وكأن الغبن من تنغر مكسورة، وكسر فقال: ينغر: جاش غضبه.
وقال الأموي: عرية الرجل: متجرده.
وقال أيضاً: أسبط الله لوثه؛ أسبط مد رجليه، ولوثه اجتماعه.
وقال بعض النحويين في قوله " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير " البقرة: 61 إنما يريد الذي هو أدون ولا يريد الذي هو أقرب، والدليل على ذلك أن معه الخير وكذلك " أولى لك " القيامة: 34 و35 إنما هو مقلوب من الويل.
كاتب: دع رجلي ورجلك في نعال، وما وسعهما القبال.
قال أعرابي يصف رجلاً: له من الرأي رأي يهتك أغطية الستور، ويوضح عن مبهمات الأمور، ويضم من الخير أعطافه، وينظم من الذكر أطرافه، ويشرق بعزم لا يدجو معه خطب، ويومض بصواب لا يلتبس معه صعب، حتى يغدر المستعجم معجماً، والمشكل مشكولاً.
وقال أعرابي: فلان له رأي لا يفيل، وظن لا يستحيل. يقال: فال رأيه إذا فسد وأخطأ جهة الحق، وفيلت أنت رأيه، إذا نسبته منه إلى الفيالة، والفيالة: الركاكة، والركاكة: الضعف، ويقال: الضعف.
وقال أعرابي لرجل: كم كربة فادحة قد فككت أغلاقها، وحادثة مصمتة سنيت أقفالها.
كاتب: قد أورق المجلس فلا بد من تلاق يجتنى به ثمر المحادثة من الأنس.
كاتب: استدم جدة من تزوره بالتجافي عنه والقلة عنده، فإن حركة الراغب ظاهرة للعاقل، واستدعاء الملول مشوب بالفتور، وقد قيل: مع التغاب الحاب، والإفراط في الزيارة مملول، كما أن التفريط فيها مخل.
هكذا ذكر هذا الكاتب، وكله كلامه.
قال أعرابي: صرف الله محله، وهدى رحله، وسر بأوبته أهله، ولا زال آمناً، مقيماً وظاعناً.
قال بعض لبلغاء: أجمل من رعاية الذمم، والمحافظة على الحرم، وأشهى من فكاك الأسير، وإرخاء المخنوق، والوجدان من الناشد، والماء من الغاص، والأمن من الوجل.
وقال: أحر من يوم الوداع؛ والوداع بفتح الواو، وأما الداع - بكسر الواو - فالموادعة، كأنك تدعن ويدع، ولا يقال من هذا ودعته، هكذا قال العلماء، وقد شذت قراءة بعضهم في قوله تعالى " ما ودعك ربك وما قلى " الضحى: 3 بالتخفيف وقال آخر: أروح من يوم التلاق، وألذ م ساعةن التواصل، وألطف م الروح، وأرق م النسيم وأنتن من ريح الفراق، وأضعف من كبد العشاق.
ومن رقيق ألفاظ الظرفاء في أيمانها: لا والذي يرعاك ويهب لي رضاك؛ ولا وعز القناعة وروح اليأس؛ لا وبلوغ السؤل فيك؛ لا وحرمة يوم الوصال.
وقال أعرابي في ذم آخر: فاستحقب الوجل، واستعجل الأجل، لا سقاه الله غماماً، ولا ستر له أماماً.
دعا آخر على مسافر فقال: بالبارح الأشأم، والسنح الأعصم، وجد موعث، وكد ملهث، وهم مكرث - يقال كرثني الأمر وأكرثني - وطائر منحوس، وظهر مركوس، ورحل منكوس؛ ولا زالت داره قذفاً، وطلابه أسفاً، وعقباه تلفاً، فإن عاد فلا عاد إلا بكآبة المنقلب، وندامة المعتقب.
من أمثال العامة: من يطفر من وتد إلى وتد يدخل في آسته أحدهما. من أكل على مائدتين اختنق. واحد يعرف له وآخر يطوف له. الضرب في الحاج والسب في الرياح. والحر يعيط والعبد يأمل. المولى برضى والعبد يشق آسته.
وقال لنا علي بن عيسى النحوي مرة، قال ابن الأخشاد: أمثال العامة تحكى؛ وما أظرف قولهم: شق أستك صيرفي؛ هكذا يقولون.

قال جراب الدولة: كان عندنا بسجستان منجم يعرف بأبي علقمة البستي فقال يوماً من الأيام: غداً يجيء المطر وإن لم يجئ المطر ماتت أمي، فلما كان الغد لم يجئ المطر فدخل فخنق أمه، فقيل له في ذلك فقال: قد أحببت ألا يخطئ حكمي، ولا أكون كاذباً.
هذا طريف جداً.
جاء رجل إلى عابر رؤيا هكذا يقال، والمعبر ضعيف، يقال: استعبرته فعبر، وفي القرآن " إن كنتم للرؤيا تعبرون " يوسف: 43 هذا من غير محققه، وعبر النهر، واستعبر الملاح، واستعبر إذا دمعت عيناه، والعبر - بالضم - سخنة العين، وكذلك العبر، والعبر جانب النهر، والشعري يقال لها العبور، فأما العابور فسحابة هاطلة قليلة اللبث مفرقة القطر كبا الحب، والعبارة اللفظ والمنطق، يقال: فلان حسن العبارة - بكسر العين - فلقد رأيت بعض الرؤساء من الكتاب يهلج بفتح العين، فكان أهل الأدب يعيبون عليه ذلك، فكن متجنباً لشنيع الخطأ وفاحش اللحن، واجتهد في الأخذ بالصواب، فإن تعذر ذلك فاتق ما اشتد فحشه؛ فأما العبير فطيب معروف، ويقال هو الزعفران، وأيضاً الجساد للصوقه بالجسد، ويقال أيضاً الملاب - بالتخفي؛ ويقالك جاء فلان معبراً، هذا من غريب ما حفظ عن أبي عمرو ابن العلاء؛ والعبرة كأنها الدمعة، والعبرة والاعتبار كأنها نظر في ما يتعجب منه ويبكى له - طال هذا الاعتراض، وما أحب أن يتخلج المعنى عليك، أو يقع في ما أرويه بعض ما يقبح في عينيك، ولكن الحديث شجون، والشجون: الرواضع التي تأخذ من النهر العظيم، وشجن الإنسان ما اهتم به وعقد طويته عليه، ويقال: للناس أشجان ولي شجن - نعم، نعود إلى النادرة فقد سافرنا عنها.
فقال له - أعني للعابر - : رأيت في النوم كأني راكب دابة أشهب له ذنب أخضر، فقال: إن صدقت رؤياك استدخلت فجلة.
يقال: مر عامر بن بهدلة برجل قد صلبه الحجاج ظلماً فقال: يا رب، إن حلمك عن الظالمين قد أضر بالمظلومين، فرأى في منامه كأن القيامة قامت، وكأنه دخل الجنة فرأى المصلوب فيها في أعلى عليين، وإذا مناد ينادي: حلمي عن الظالمين أحل المظلومين بأعلى عليين.
شاعر: الطويل
خليلي لو كان الزمان مساعدي ... وعاتبتماني لم يضق عنكما عذري
فأما إذا كان الزمان محاربي ... فلا تجمعا أن تؤذيان مع الدهر
كاتب: أعقبنا الله بهذه الفرقة ألفة وتلاقياً، وبهذا الشتات شملاً وتدانياً.
شاعر في بعض ولاة بني مروان: الطويل
إذا ما قطعتم ليلكم بمدامكم ... وألحقتم أيامكم بمدام
فمن ذا الذي يخشاكم لملة ... ومن ذا الذي يغشاكم بسلام
رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة ... بشرب مدام أو بلثم غلام
ولم تعلموا أن اللسان موكل ... بمدح كرام أو بذم لئام
كاتب: أشد من كرب الشوق، وأفطع من حرق الفراق، ما تضمنه صدر من لا تساعده دموعه، ولايطاوعه لسانه، فترى الزفرات تتردد في أحشائه، والغموم تتلظى تحت جوانحه، ولو انطلقت عبرته وأسمح لسانه، لطفي بعض ما يعانيه، ولهذا نبذ ما يقاسيه، وإن كان قدر التبل بفراقك أعظم من أن يوازن بالبكاء، ومقدار الصبابة إليك أقوى من أنيستدرك بالاكتئاب.
قال الزيادي، قال السري: النبيذ صاوبن الغم.
شاعر: الخفيف
رب ليل وصلته بنهار ... ورضاب مزجته بعقار
ومدام أدرتها بيمين ... وصلاف أخذتها بيسار
وصغار شربتها بحبيب ... وحبيب صرعته بكبار
وظباء جمعت بين لذيذ ال ... عيش بيني وبينها في إزار
قال النخعي: لا يحرم النبيذ إلا صاحب بدعة وهوى. ليته ذكر العلة، فقد والله آلمني غير مكثرث، وما هذا من احتياط الفقهاء المتحرجين.
قال العتبي في جارية هويها فلامه أبوه وأخرجه من داره: الطويل
تبدلت من قلبي المودة بالبغض ... وصيرت بعد القرب منه إلى الرقص
وكان الهوى غضاً فلما ملكته ... تقصف غصناه وحال عن الغض
فإن أك قد أخرجت عن دار بغضة ... فليس بكفي مخرجي سعة الأرض
فقال أبوه: إن اقلعت عن هذاقبلتك، فقال لأبيه: الهزج
تراني تاركاً لل ... ه ما أهوى لما تهوى
أنا أشهد ا، الح ... ب من قلبي إذاً دعوى

كاتب: سقياً لدهر لما خلام لنا خلا منا، ولما تصدى لنا تولى عنا.
وقال زهير بن جناب: الكامل المجزوء
أبني إن أهلك فقد ... أورثتكم مجداً بنيه
وتركتكم أبناء سا ... دات زنادكم وريه
من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحية
ولقد شهدت النار للإن ... قاذ توقد في طميه
ولقد غدوت بناشر الط ... رفين لم يغمز شظيه
فأصبت من حمر القنا ... ن معاً ومن حمر القفيه
ولقد رحلت البازل ال ... وجناء ليس لها وليه
ونطقت خطبة ماجد ... غير الضعيفة والعييه
والموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقيه
من أن يرى تهديه ول ... دان المقامة بالعشية
قال فيلسوف: كما أن البدن الخالي من النفس تفوح منه رائحة النتن، كذلك النفس العديمة الأدب تحس نقصها بالكلام والأفعال، وكما أن نتن البدن الخالي من النفس ليس يحسه ذلك البدن بل الذي له حس، كذلك النفس العديمة الأدب لا تحس بل الأدباء.
قال فيلسوف: اليسار هو الباقي دائماً عند مالكه الذي لا يمكن له أن يؤخذ منه، ويبقى له عند موته، ليس الذي يبقى معه زماناً يسيراً ولا يكون بعد موته له، والذي يتحد بالصفة الأولى هي الحكمة.
قال فيلسوف: الفقر هو أصل حسن سياسة الناسن وذلك أنه إذا كان من حسن السياسة أن يكون بعض الناس يسوس وبعضهم يساس، وكان من ساس لا يستقيم أن يساس من غير ان يكون فقيراً محتاجاً، فقد تبين أن الفقر هو السبب الذي يقوم به حسن السياسة.
قيل لفيلسوف: لم صار الذين يفعلون الشر لا يعاقبون على فكرهم الردي وإنما يعاقبون على أفعالهم فقط؟ فقالك من قبل أنه قصد الإنسان لا لأن يتفكر لكن لأن لا يفعل الردي مما يتفكر فيه.
قل فيلسوف: إن لم يتهيأ لك البلوغ في العلم م تلقاء نفسك مبلغ القدماء فينبغي لك أن تستغني بعيانهم، وذاك أنهم قد خلفوا لك خزائن العلم في كتبهم، فافتحها وتدبرها وأعن نفسك بها، ولا تكونن كأعمى في يده جوهر ولا يعرف حسنه.
قال عبد الله بن طاهر: عجبني أمير المؤمنين من رؤيا رآها، فسألته عنها فذكر أنه رأى في منامه كأن رجلاً جلس مجلس الحكماء فقلت له: من أنت؟ فقالك أنا أرسطاطاليس الحكيم، فقلت له: أيها الحكيم، ما أحسن الكلام؟ قالك ما يستقيم في الراي، فقلت: ثم ماذا؟ قال: ما استحسنه السامع، قلت: ثم ماذا؟ قالك ما لا تخشى عاقبته. ثم قال المأمون: لو كان حياً لما كان يتكلم بأحسن مما تكلم به فيما رأيته.
قال بعض المنجمين: الشمي إذا كانت في التاسع من الطالع دلت على العبادة والخوف من الله وذكر الملائكة.
وقال بعض أهل النجوم: إن الملة الإسرائيلية انعقدت في نوبة زحل، وزحل صاحب يوم السبت؛ وزعم أن زحل دليل العطلة والتغرب والتأله، وكذلك اليهود في الانقطاع عن الأعمال في يوم السبت؛ وزعم أن الأحد؛ وزعم أن الملة الإسلامية انعقدت في نوبة الزهرة، وللزهرة يوم الجمعة، ولها النظافة والزينة والتطيب والخصب، وفجدنا المسلمين محثوثين على إعظام يوم الجمعة بالإغتسال والطي وليس الجديد والتوسعة في النفقة.
قال أفلاطون لأرسطاطاليس: لا تقل ما لا ينبغي لك أن تفعله.
وقال له: إن الله عز ولج ليس ينتقم من العباد بالسخط بل ليقومهم.
وقال له: لا ينبغي لك أن تهوى حياة صالحة فقد بل وموتاً صالحاً، ولا تعتد بالحياة والموت صالحين إلا بأن تكسب بهما البر.
وقال له: أدم التذكر فيم كنت وإلى أين تصير ولا تؤذ أحداً فإن الأشياء زائلة.
وقال له: لا تنتظر بفعل الخير أن تسأل إياه بل ابتدئه مع أهله.
وقال له: أدم ذكر الموت والاعتبار به.
وقال أفلاطون: تعرف خساسة المرء بكثرة كلامه فيما لا ينفعه، وإخباره بما لايسأل عنه ولا يراد منه.
وقال أفلاطون: من فكر في الشر لغيره فقد قبل الشر في نفسه.
وقال أفلاطون: لا تؤخر إنالة المحتاج إلى غد فإنك لا تدري ما يعرض في غد.
وقال: أعن المبتلى إذا لم يكن سوء العمل ابتلاه.
وقال أفلاطون: إن تبعت في البر فإن البر يبقى والتعب يزول وإن التذذت بالآثام فإن اللذة تزول والآثام تبقى.
وقال أفلاطون: أجهل الجهال من عثر بحجر مرتين.

وقال أيضاً: كفاك موبخاً على الكذب علمك بأنك كاذب، وكفاك ناهياً عنه خوفك إذا كذبت.
كاتب: أرعيت مخمصتنا في خصب جنابك، ورويت معطشنا من صوب سحابك، حتى تحافت البطون عن الظهور، وأقلعت العيون عن الجفون.
كاتب: كم نعمة جسيمة وفيتنيها، ونازلة عظيمة كفيتنيها؛ كم من يد لك عندي بيضاء، وصنيعة زهراء، وفائدة غراء، سودت وجوه أعدائي، وأظلمت عيون أكفائي.
قال ابن أبي ليلى: رأيت بالمدينة صبياً قد خرج من دار وبيده عود مكشوف، فقلت له: غطه لأنهعيب، قال: أو يغطى من الله شيء؟ لا بلغت!! قال الفرزدق لغلام أعجبه إنشاده: أيسرك أني أبوك؟ قالك لا ولكن أمي ليصيب أبي من أطابيك.
قال البلاذي: أدخل الركاض وهو ابن أربعسنين إلى الرشيد ليتعجب من فطنته فقال له: ما تحب أن أهل لك؟ قال: جميل رأيك فإني أفوز به في الدنيا والآخرة، فأمر بدنانير ودراهم فصبت بين يديه فقال له: اختر الأحب إليك، فقال: الأحب إلى أمير المؤمنين، وهذا من هذين، وضرب بيده إلى الدنانير، فضحك الرشيد وأمر أن يضم إلى ولده ويجرى عليه.
كان على خاتم أرسطاطاليس: المنكر لما لا يدري أعذر من المقر بما لا يعلم.
وكان على خاتم بقراط: المريض الذي يشتهي أرجى من الصحيح الذي لا يشتهي؛ ومر بي بخط محمد بن فرج في موضع كان محبوساً فيه: من سلب نعمة غيره سلب غيره نعمته.
وكان على خاتم فيثاغورس: شر لا يدوم خير من خير لا يدوم.
وكان خاتم كسرى: لا يكون عمران بحيث يجوز السلطان.
وكان على خاتم بزرجمهر: معالجة الموجود خير من انتظار المفقود.
وكان على خاتم ملك الديلم: الاحتمال حتى تمكن القدرة.
سئل أنوشروان: من أهنأ عيشاً؟ قال: من يتذكر التفريط في ما ينبغي له أن يتقدم فيه.
قال أنو شروان: العطلة تهيج الفكرة، والفكرة تهيج الفتنة.
قال العتبي: إذا تناهى العمر انقطع الدمع، ومن الدليل على ذلك أنك لا ترى مضروباً بالسياط ولا مقدماً لضرب العنق يبكي.
قال فيلسوف: من عاشر الإخوان بالمكر كافأوه بالغدر.
وقال فيلسوف: كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب.
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلا الحق فما أجده.
محمد بن حازم الباهلي: البسيط
ما الجود عن كثرة الأموال والنشب ... ولا البلاغة في الإكثار بالخطب
ولا الشجاعة عن حسم ولا جلد ... ولا الأمانة إرث عن أب فأب
لكنها همم أدت إلى نجح ... في كل ذاك بطبع غير مكتسب
والرزق عن قدر يجري إلى أجل ... بالعجز والكيس والتضييع والطلب
والناس فيما أرى عندي بأنفسهم ... لا بالقبور ولا الأسلاف والنسب
إني وإن قل مالي لم تقف هممي ... دون الجميل من الأخلاق والأدب
صبراً على الحق في مال سمحت به ... وللزمان على اللأواء والكذب
يا صاحباً لم يدع لي فقده جلداً ... ظلمت بعدك إن الدهر ذو عقب
أبكي الشباب لجيران وعاذلة ... وللمغاني وللأطلال والكثب
ولللصريخ وللإلجام في غلس ... وللقنا السمر والهندية القضب
وللخيال الذي قد كان يطرقني ... وللندامى وللذات والطرب
قال لقمان الحكيم: ضرب الوالد للولد كالسماد للزرع.
قال بعض السلف: إذا ولي صديق لك ولاية فأصبته على العشر من صداقته فليس بأخ سوء.
وقال لقمان أيضاً: نقلت الصخر وحملت الحديد فلم أر شيئاً أثقل من الدين، وأكلت الطيبات وعانقت الحسان فلم أر ألذ من العافية؛ وأنا أقول: لومسح القفار، ونزح البحار، وأحصى القطار، لوجدها أهون من شماتة الأعداء، خاصة إذا كانوا مساهمين في النسب، أو مجاورين في بلد.
لابن أبي فنن: الرمل المجزوء
عيرتني الشيب أمسا ... ء وقد شار العذار
ولها إن بقيت من ... ه قناع وخمار
إنما الدنيا وما في ... ها متاع مستعار
ليس ينجي حذراً مم ... ا قضى اله الحذار
لا ولا للحر إن ضي ... م على الضيم قرار
إنما الفتح لنا غي ... ث إذا ضن القطار

وإلى الفتح إذا ما ... ذكر الجود يشار
قيل لفيلسوف: الحزن أشد ام الخوف؟ فقال: بل الحزن، وإنما صار الخوف مكروهاً لما فيه من الحزن، وكما أن السرور غاية كل محبوب فكذلك الحزن غاية كل مكروه.
وقال الحجاج لجلسائه: ما يذهب بالإعياء؟ فقال بعضهم: التمريخ، وقال آخر: النوم، قال: لا، ولكن قضاء الحاجة التي أعيا بسببها.
جاز جحا بقومه وفي كمه خوخ فقال لهم: من أخبرني بما في كمي فله أكبر خوهة فيه، فقالوا: خوخ، فقال: ما قال لكم إلا من أمه زانية.
وقال له أبوه يوماً:احمل ها الحب فقيره، فذهب به فقيره من خارج، فقال له أبوه: أسخن الله عينيك، رأيت من قير الحب من خارج؟ فقال جحا: إن لم ترض عافاك الله فاقبله مثل الخف حتىن يصير القير من داخل.
بات جحا ليلة مع صبيان فجعلوا يفسون فقال لامراته: هذا والله بلية، قالت: دعهم يفسون فإنه أدفأ لهم، فقام وخري وسط البيت ثم قال: أنبهي الآن الصبيان حتى يصطلوا بهذه النار.
وشتم جحا يوماً أمه فقال له أبوه: يا ملعون، هذا جزاؤها منك؟ قال: وأيش عملت لي؟ قال: حملتك في بطنها تسعة أشهر، وأرضعتك وربتك، قال: قل لها تدخل في أستي حتى أخبأها تسعة عشر شهراً.
هذه النوادر رواها لنا ابن قريعة، وكان كثير النوادر، غزير الحفظ، فصيح اللسان على تكلف مع ذلك.
وسمعت القاضي أبا حامد يقول: ببغداد ثلاثة قضاة، أحدهم جدي الظاهر هزلي الباطن، والآخر هزلي الظاهر جدي الباطن، والثالث جدي الباطن والظاخر. فسئل عن هؤلاء الثلاثة فقال: أما ابن معروف فظاهره جد وباطنه هزل، وأما ابن قريعة فظاهره هزل وباطنه جد، وأما ابن أم شيبان فظاهره جد وباطنه جد.
وأنا أقول في هذا شيئاً وإن كان مسعفاً لبعض ما قاله هذا الرئيس، وتعقب كلام الرؤساء صعب، ولكن أين جسارة مثلي وإقدامه، وتحككه واعتزامه؟ اعلم أن هزل ابن معروف كان مغموراً بعلمه وادبه، وكان محتملاً لشكله وظرفه، وقد خلص فضله وخفي نقصه، فإذا لم يكن بد من النقص فلأن يكون مستوراً خير من أن يكون بارزاً لكل عين؛ وأما جد ابن قريعة في باطنه فما أغناه عن هزله في ظاهره لأنه وقف الممتعض منه المتباعد عنه، وصار ناصره وعاذره لا يجدان في تهوين شأنه إلا تمليحه واستظرافه؛ وأما ابن صالح على شرفه وبيته، وماله وجاهه، فما كان جده رافعاً له، ولا هزله واضعاً منه، وكان لا حلواً ولا مراً، ولا خلاً ولا خمراً، وكان مفضوحاً في ولايته، مرحوماً في عزله، وذلك أ،ه كان لا يقارب العامة ولا يداري الخاصة، ومقاربه العامة إنما هي بلين اللفظ وخفض الجناح وسكون الطائر، وكان أخف من خشاشة، وأطيش من فراشة؛ ومداراة الخاصة إنما تكون ببسط اليد ورفع الحجاب وبذل العطاء ونصرة الائذ ومسالمة المداهن، وكان والله جعد الكف كز الطباع سيء اللفظ، قد أفسده شرفه، وأطغاه يساره، فهو لا يعقل إلا الجمع، ولا يعرف إلا المنع، قد نسي عواقب الأمور وحوادث الدهور، ينكر الإحسان لأنه لايلتذ بالشكر ولا يطرب على المدح، خبزه مختوم ورغيفه محلى، ودرهمه في الدرك الأسفل من النار، فمن ذا يهوي إليه أو ينقض عليه؟! ولقد قدم ابن المعتصم عليه، وهو شيخ الرملة، والمشار إليه بفلسطين، فقدم على ما ساءه وناءه، حتى قال يوماً غير مكترث: لقد اقشعررت بتلك الديار من ضيم لعله ما كان ينالني، ولو نالني لما كان يغيظني، وأسندت نفسي إلى ابن عم بالعراق، ولو سلخني، ونفخوا في جلدي نفخاً، لكان أهون علي مما قد عاملني به.
طال هذا الفصل وما أدرت ذلك كله، ولكن لتمزيق عرض اللئام حلاوة لا توجد في مدح الكرام، وكان بعض المشايخ يقول: إن مادح الكريم طالب مزيد بعد استقلاله بنفسه، وهاجي اللئيم منتصف من الظالم، وفي الانتصاف نوع من الظفر، والظفر مطلوب كل نفس، ومنية كل ذي حس، وأنا أعوذ بالله من مدح يصحبه تكلف، وهجو يطور به تكذب، وأسأله أن يكفيني حصائد هذا اللسان، وعرامة هذا الطبع، وطغيان هذه النفس، فهو خير معوذ به وأكرم مسؤول ما عنده.

كان عند بعض الملوك ثلاث نسوة: فارسية وعربية ونبطية، فقال للفارسية ذات ليلة: أي وقت هذا؟ قالت: سحر، قال: وما يدريك؟ قالت: وجدت رائحة الرياحين، وقال للعربية أخرى: أي وقت هذا؟ قالت: سحر، قال: ومن أين عملت؟ قالت: وجدت برد خلخالي، ثم قال للنبطية ليلة أخرى: أي وقت هذا؟ قالت: سحرن قال: وما يدريك؟ قالت: أريد أخرى.
دخل رجل حماماً فسرقت ثيابه فخرج وهو عريان، وعلى باب الحمام طبيب فقال له: ما قصتك؟ قال: سرقت ثيابي، قال: بادر ونفس الدم، حتى يخف عنك الغم.
يقال: إن كان إنسان نقع مداواته لما يصيبه من جنس ما يكون منه، فالملاح إذا لسعه زنبور طلى مكانه بقبر، والحجام يشرطه بسكين، والحائط يشده بقطعة خيط فيسكن عنه، والعجان يضع عليه شيئاً من العجين، وأنا رأيت بعض الوارقين كان يطلي مثل هذا بالحبر.
قال الحجاج يوماً لجلسائه: أي صوت سمعه أحدكم أرق فأعجب إليه، فقال بعضهم: ما سمعت صوتاً أرق في سمعي من صوت قارئ حسن القراءة لكتاب الله تعالى في جوف الليل، قال: إن ذلك لحسن؛ وقال آخر: ما سمعت أعجب من ثوت حاد في مسير، قال: إن ذلك لحسن؛ قال آخر: ما سمعت أعجب من أن أترك امرأتي ما خضاً وأخرج إلى المسجد مبكراً فيأتي آت ويبشرني بغلام، فقال الحجاج: واحسناه؛ فقال آخر: ما سمعت صوتاً أعجب من أن أكون قائد جيش فأسرج نحو العدو، فبينا أنا كذلك إذ جاءني البشير بالفتح، فقال الحجاج: واحسناه؛ وقال شعبة بن علقمة التيمي: لا والله ما سمعت صوتاً قط أعجب إلي من أن أكون جائعاً فأسمع قعقعة الخوان، فقال الحجاج: أبيتم يا بني تميم إلا حب الزاد.
دخل أحمد بن أبي العلاء على يحيى بن ماسويه يوماً ووجهه مهيج، فقال له: ويحك يا أحمد، ما هذا الوجه؟ أيش أكلت البارحة؟ قال: لوزينج، قال: وأيش شربت؟ قال: نبيذ دوشاب، قال: كان ينبغي أن تتنقل عليه بخرا.
اعتل بعض النوكى، وكان من الرؤساء المجدودين، فجيء بطبيب، فقال الطبيب: إذا كان غداً فاحتفظ بالبول حتى أجيء وأنظر إليه فأحكم عليه؛ فلما عاد الطبيب قال المريض: يا عبد الله، كادت مثانتي والله تنشق مما حسبت فما تأخرت بلت الساعة، قال الطبيب: ما هذا؟ إنما أمرتك أن نحبسه في إناء؛ فلما كان من الغد جاء الطبيب فإذا هو قد أخذ بوله في آنية خضراء، فقال له: يا هذا أخطأت، لم يكن في الدنيا قارورة زجاج؟ كنت تأخذه في قدح، ومضى؛ فلما عاد الطبيب وإذا العليل قد أخذ البول في قدح من خشب وجاء به إليه قول: أنت في حرج الله إلا نظرت في هذا الماء واصدقني عن أمري هل يخاف علي من هذه العلة؟ قال الطبيب: أما إذا حلفتني فلا بد من أن أقول لك: أنا خائف من أن تموت من هذا العقل لا من هذه العلة.
صارت عجوز إلى قوم تعزيهم عن ميت، فأت عندهم عليلاً، فلما أرادت أن تقوم قالت: الحركة تغلظ علي في كل وقت، فأعظم الله اجركم في هذا العليل فلعله يموت.
وأخذ الطلق امرأة ابن خلف الهمذاني، فدخل ابن خلف فقال للقابلة: أخرجيه ذكر ولك دينار ولك ما شئت، بالله لا أحتاج أن أوصيك.
وقدم إلى بنت الصلت جام فالوذج، فلما ذاقته قالت: المساكين أرادوا أن يسووا عصيدة فأفسدوها.
قرأ ابن الجصاص: ولا ينبئك مثل حنين؛ ويقال: إنه قرأ: ذرهم يأكلون ويتمتعون فقال: هذا والله رخيص.

وسمعت مشايخ كثيرين يقولون: كان ابن الجصاص أعقل الناس وأحزم الناس، وأنه هو الذي ألحم الحال بني المعتضد وبين بنت خمارويه، وسفر بينهما سفارة عجيبة وبلغ من الجنبتين أحسن مبلغ، وخطب بنت خمارويه بن ا؛مد للمعتصد، وجهزها من مصر على أجمل وجه، وأعلى ترتيب، ولكن اطردت عليه العامة وأشباه العامة من الخاصة هذه النوادر وهذه الشبه، فإن المعتضد ما اختاره للسفارة والصلح والكلام في حال قد تشعثت، وركن قد وهن، وقصة قد استبهمت، إلا والمرجو منه والمأمون في والمظنون به فيما يأتيه ويستبقله من أمر نظير ما قد شاهده في ماضي أيامه. وقد رأة الناس آثار المعتضد وعزائمه وبأسه وإقدامه حتى قيل هو المنصور الثاني، ويقال هو الذي أعاد بهجة دولة بني العباس ومارس فيها أحسن مراس، فرجل حزمه معروف وثباته موصوف، كيف يستبطن ابن الجصاص ويختصخ إلا وهناك عقل كامل، وثبات وفضل غامر، وعزيمة وصبر وتأب واقتدار، وتلطف وتجربة؛ فهل كان يجوز أن ينعقد أمر قد تفاقم، واشتد وتعاظم، برسالة أحمق وسفارة أخرق، أو من إن سكت احتقر، وإن تكلم استخف به؟ هذا ما يكون ولا يتعلق به الظنون.
قلت هذا كله لابن غسان البصري فقال: إن الجد ينسخ حال الأخرق، ويستر عيب الناقص، ويذب عن عرض المتلطخ، ويقرن الصواب بمنطقه، والصحة برأيه، والنجاح بسعيه، والجد يستخدمه العقلاء لصاحبه، وينزع محاسنهم في مطالبه.
ولقد كان ابن الجصاص على ما فيل وروي، وحدث وحكي، ولكن جده كفاه غائلة الحمق، وحماه عواقب الخرق، ولو عرفت خبط العاقل وتعسفه وسوء تأتيه وانقطاعه إذا فارقه الجد، لعلمت أن الجاهل قد يصيب بجده مع جهله ما لا يصيب العاقل العالم بعلمه مع حرمانه. قلت: فما الجد؟ وما هذا المعنى الذي علقت عليه هذه الأحكام كلها؟ فقالك ليس لي عند عبارة مغنية، ولكن لي به علم شاف استفدته بالاعتبار والتجربة والسماع العريض من الصغير والكبير، ولهذا سمع من امرأة بدوية ترقص ابناً لها فتقول له: رزقك الله جداً يخدمك عليه ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الجدود.
وكان يقول في هذا كلاماً كثيراً، ولعلي أتلافى ما تركت ها هنا فيما أستقبل من الكتاب إن شاء الله.
قال ماجن لطبيب: يا سيدي، إن أمي تجد في حلقها ضيقاً ويبساً وحرارة، فقال الطبيب ليت الذي في حلق أمك في حر أمرأتي، وأن على حلق السكين.
وجاء ماجن آخر إلى الطبيب فقال: أجد في أطرف شعري شبه المغص وفي بطني ظلمة، وإذا أكلت الطعام تغير في جوفي، قال الطبيب: أنا ما تجده من المغص في أطراف شعرك فاحلق رأسك ولحيتك فإنك لا يجد منه شيئاً؛ وأما الظلمة التي في بطنك فعلق على باب آستك قنديلاً حتى لا تجد هذه الظلمة؛ وأما تغير الطعام في جوفك فك لخرا واربح النفقة.
وقال أبو العنبس: سمعت حمدة بن الخراساني في ليلة كسوف وهي تبكي وتتضرع وتقول: يا رب، عذبني بك لشيء ولا تعذبني بالنار، اضربني بالفالح، ارمني بقاصمة الظهر، كل شيء ولا النار. أصرخ واللخ وأصيح، إن أحرقت ثيابي أبقى مجردة. قال: وكانت مثل ياسمينة نقية أو فضة مصفاة، إلا أنها كانت بلهاء.
قال أبو العنبس: سمعت رجلاً يقرأ " يا حسرة على العباد " الآية يس: 30 وهو يبكي ويقول: يا سيدي، ما أشفقك علينا، بأبي انت وأمي كم تتحير علينا؛ قال: وسمعته بعد ذلك يقرأ " أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله " الزمر: 56 ويقول: فديت جنبك يا سيدي، أيش أصاب جنبك يا مولاي، عز علي جنبك، ليت ما بك بي يا سيدي.
قال ابن قريعة القاضي: سمع أعرابي قارئاً يقرأ " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " الأنفال: 2 فقال الأعرابي: اللهم لا تجعلني منهم، فقيل له: ويحك لم قلت هذا؟ فقال: لولا انهم قوم سوء لم توجل قلوبهم.
حكيت هذا لبعض مشايخنا الصوفية فقال: لقد أخطأ الأعرابي وأصاب، فاما وجه خطائه فمكشوف، وأما تأويل صوابه فمليح، فقلت: زدني فهماً: يا هذا " إلا من آمن " سبأ: 37. هذا ما قال لي، والمفهوم فيه مقسوم بيني وبينك، فغن وقع لك كما وقع لي فخذ الفائدة، منه وإن تكن الأخرى فلا ترحمنا حسن الظن منك فهو أدنى ما نستحق على مثلك، مع فضلك وطيب عنصرك ولاتساعك لمعاذير إخوانك.

وإنما أعرض في هذه المواضع مسترسلاً بقلمي، مع نفسي أو من يجري مني مجرى نفسي، فلا أحتشك، لأن غرضي في جميع ما خلدته في هذا الكتاب غرض سليم، ونيتي فيه حسن وغايتي محمودة، وما أبور فيه إلا على حاسد لا يشفيه مني إلا ان يعيني الله من نعمته، ويخليني من صنعه، والله تعالى لا يبلغه أمانيه، ولاينجح له مساعيه؛ أو جاهل بمواقع ما قد نكت فيه ومررت به على مقدار ما فاض به العقل، وجرى إليه العلم، وأسمحت عليه النفس، وساعدت فيه القوة. وهذا الكلام وإن أشار إلى بعض الاقتدار، فقد اشتمل على نوع من الاعتذار.
كان إبراهيم بن الخصيب المديني أحمق الناس، وكان له حمار أعجف، وكان إذا علق الناس الخالي بالعشي أخذ مخلاة حماره وقرأ عليها " قل هو الله أحد " الإخلاص: 1وعلقها عليه فارغة وقال: لعن الله من يرى أن كيلجة شعير أنفع من " قل هو الله أحد " ؛ فما زال هكذا حتى نفق الحمار فقال: إن " قل هو الله أحد " تقتل الحمير، وهي والله للناس أقتل، لا أقرأها ما عشت.
يقال: اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي فجعلت تقول: ويلي، كيف تعمل إن مت؟ فقال ابن مضاء: ويلي أنا كيف أعمل إن لم تموتي؟! وتزوج ابن مضاء امرأة بمهر أربعة آلاف درهم فقيل: ما حملت على نفسك؟ فقال: أنا أفدي غريماً كلما وجدته نكته في آسته.
قيل لبعض القراء: قد ولي أخوك ولاية فلم تأته، فقال: ما سرتني له فأهنته، ولا ساءته في نفسه فأعزيه، فلماذا آتيه؟ قيل لابن شبرمة، وكان من أهل الكوفة: أنتم أروى للحديث ام أهل البصرة؟ فقالك نحن أروى لأحاديث القضاء، وهم أروى لأحاديث البكاء.
أقام رجل بباب بلال بن أبي بردة شهراً لا يصل إليه، فكتب إليه رقعة وتلطف حتى ولصلت، فقرأها بلال وتبسم، فقيل له في ذلك فقال: ما أرفق كاتبها، قيل: ما كتب؟ قال: كتب: حسن الآمال وثناء الرجال وقفاني عليك، والصبر مع العدم لون من ألوان الخرق والحرمان، ومنتجع الكرام مراح الأحرار، فإما عطاء جزيل، أو رد جميل؛ فوجه إليه بعشرة آلاف درهم.
قد سمعت هذه الحكاية على غير هذا الوجه تحكى لبعض من اجتدى، وطرق الرواية مختلفة، والكذب كثير، والتزيد واسع، فكان أبو مخلد يقول: لا تصدق بقول المحدثين: فلان أعطى فلاناً عشرين ألف درهم، وفلان وصل ندمانه في ليلة بمائة ألف درهم، وفلان فعل، وفلان صنع، ويقول: هذه من أكاذيب الوراقين، وليس لما يحكى عن البرامكة حقيقة، وإنما يختلق هذه الألفاظ والمعاني ناس ختلوا قوماص عن دينارهم ودرهمهم، وإلا فلم لا نرى في عصرنا مثل هذا؟ أترى الناس مسخوا؟ فقيل له: لولا أن في عصرنا من يعطي أكثر من هذا ما كنت أنت في هذه النعمة الضخمة، والحال الفخمة، والبال الرخي، والعيش الهني، من غير كتابة بارعة، ولا أدب بارز، ولا نسب شريف، ولا شجاعة ظاهرة، ولا رأي مصيب، ولا بيت مروف، ولا سبب نادر، ولا أمر بديع؛ وذاك أن أحمد ابن بويه معز الدولة كان يختصه ويقدمه يوعطيه ويغنيه، وهو خال من جميع أنواع الفضل، فما سمع ذلك أمسك وعبس، وسكت فما نبس؛ هكذا حكى أبو الجيش الطبري وكان متبسطاً معه جريئاً عليه، وقمع بهذا غربه وبتر حبله، فقيل لأبي الجيش: ما بعثك على هذا، مع مكانك منه ومنزلتك عنده؟ قال: الغيرة على الأدب والنصرة لأهله، ولو قنع بملابستنا له على مسايرتنا إياه بتغافله أسكتنا، ولكنه قال واشتفى، وسمع فاشتكى، والبادي أظلم.
سئل إسحاق الموصلي عن الندماء فقال: واحد غم، واثنان هم، وثلاثة قوام، وأربعة تمام، وخمسة مجلس، وستة زحام، وسبعة جيش، وثمانية عشكر، وتسعة اضرب طبلك، وعشرة الق بهم من شئت.
قال بشار في مجلس أنس: لا تجعلوا يومنا حديثاً كله، ولا غناء كله، ولا شرباً كله، تناهبوا العيش تناهباً، وإنما الدنيا فرص.
كان المأمون يقول في المجلس: اطرحوا حديث أمس مع ذهابه، فهو أدوم للسرور وأشرح للصدور.
قال المأمون: أنفع طعام صاحب النبيذ سكباجة تفيق شهوته، وقلية تمسك النبيذ بدسمها.
قال بزردمهر: أخيب الناس سعياً من أقام في دنياه على غير سداد، ورحل إلى آخرته بغير زاد.
ورأى فقيراً جاهلاً فقال: بئس ما اجتمع على هذا: فقر ينغض دنياه، وجهل يفسد آخرته.
وقال يوماً لثمامة: ارتفع، قال: يا أمير المؤمنين، لم يف شكري بموضعي هذا، وأنا أبعد عنك بالإعظام لك، وأقرب منك شحاً عليك.
قال أعرابي: رب موثق موبق.

وقال المأمون: الطعام لون واحد فإذا استطبته فاشبع منه، والندمان واحد فإذا رضيته فلا تفارقه ما لم يفارقك الرضا به، والغناء صوت واحد فإذا استطبته فاستزده حتى تقضي وطرك منه.
قال أعرابي: اللهم إنا نبات نعمتك فلا تجعلنا حصاد نقمتك.
كان ابن يسار يقول: اللههم يسر لنا ما نخاف عسره، وسهل لنا ما نخاف حزونته، ونفس عنا ما نخاف غمه، واكشف عنا ما نخاف كربه.
اختصم اثنان من الشطار إلى قاض لهم، يقول كل واحد: أنا أفتى منك، فقال القاضي لأحدهما: الخبيص أحب إليك أم الفلوذج؟ فقال: الخبيص، فقال الآخر: الفالوذج، فحكم للذي فضل الفالوذج، فسئل عن الحجة فقال: لأن الخبيص يعمل من السكر، والسكر من القند، والقند من القصب، والقصب يمصه الصبيان في الكتاتيب، وليس فيهم فتوة؛ والفالوذج من العسل، والعسل من الشهد، والشهد من النحل، والنحل أيوي الجبل، والجبل يكون فيه الصعاليك، والصعاليك فتيان.
قيل لأعرابي: لم لا تشرب؟ فقال: والله ما أرضى عقلي مجمعاً فكيف أفرقه؟! وقيل لأعرابي: أما تشرب؟ فقالك لا أشرب ما يشرب عقلي.
خرج سكران من داره فاستقبله الطائف فقال: أنت سكران، قال: لا، قال: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم، قال: فاقرأ آية فيها أربع صادات، فقال السكران: وما قص صالح صاحب المصلى، فضحك الطائف، وإنما أراد " فاقصص القصص " الأعراف: 176.
قال حماد: قلت لمغن: غن، قال: هذا أمر، قلت: فأحب أن تفعل، قال: هذا حاجة، قلت: فلا تفعل، قال: هذا عربدة.
قال أحمد بن أبي العلاء: قلت لمغن في محجلس: غن لي صوت كذا، وبعده كذا، وبعده كذا، قال: يا ابن الزانية، ولا تقترح صوتاً إلا بولي عهد؟؟! خرج سكران من موضع ليلاً فتلقاه الطائف، فلف السكران رأسه ووجهه برداء كان معه، فقال الطائف: وما هذا؟ قال: هذا شيء مغطى وقد نادى الأمير ألا يكشف مغطى، فمن خالف الأمير جلده، قال الطائف: فاكشف لي عن رأسك لي عليك بأس، قال: ليس لي رأس، ومن أين لك أني برأس؟ قال الطائف: ويلك فمن أين تكلمني؟ قال: ليس هذا عليك، تسمع وتطيع نداء الأمير وإلا فاكشف إن جسرت، فضحك الطائف وتركه.
قال أبو فروة: مر طارق وكان على شرط خالد القسري بابن شبرمة في موكبه، فقال ابن شبرمة: الطويل
أراها وإن كانت تحب كأنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع
اللهم لي ديني ولهم دنياهم؛ فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، فقال له ابنه: أتذكر قولك يوم مر طارق في موكبه؟ فقال: يا بني إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك، إن أباك أكل من حلوائهم فحط في أهوائهم.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ابن آدم، لا يهلك الناس عن نفسك فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولاتقطع النهار سادراً فإنه محفوظ عليك ما علمت، وإذا أسأت فأحسن، فإني لم أر شيئاً أسد طلباً ولا أسرع دركاً من حسنة حديثة لذنب قديم.
قال أحمد بن الطيب، قال لي رجل مرة: لم لا ترحل إلى فلان وتتصل بفلان؟ قلت: لأني لا أشكلهما، أنا أريد أديباً وهما عطل، وهما يريدان مقاتلاً وأنا من القعدة.
قال أحمد بن الطيب، قال لي أحمد بن محمد بن لي بن الرشيد: لو لم يكن من عيب السودان إلا أنه لا يرى أحدهم أثر الضرب في بدنه وإن أوجعه كما يراه الأبيض إذا احمر أو اخضر فيروعه ذلك فلا يعاود الذنب، وأنك لا ترى في وجهه ولونه أثر العتاب والتبكيت قد أخجلاه بحمرة تظهر وأ، الفزع قد حل بصفرة تبدو فتعفو عنه رجاء صلاحه، كما تتبين حمرة الخجل وصفرة الوجل في وجه الأبيضص؛ هذا قاله في كتابه في آيين خدمة الملوك.
قال الحكماء: لا ينزلن مسافر عن دابته بليل حافياً، ولا يأكلن بقلاً عفلاً، ولا يبولن في نفق لا يرى قعره.
قال فيلسوف: العبيد ثلاثة: عبد رق، وعبد شهوة، وعبد طمع.
قالت الفلاسفة: كن لأسرار الملوك أستر من قبيح الداء في جسمك، فإن إذاعة الداء عيب في البدن، وإذاعة السر من الملوك متلفة للنفوس.
قال رجل لابنه: ابتد بتقوى الله جل جلاله وطاعته، وقدمهما مؤثراً فضلهما متحلياً جمالهما، فإن التردي بهما أجمل لباس، والتحصن بهما أمنع حرز، والتشفع بهما أكرم وسيلة.
قال أحمد بن الطيب: يكفينا من الرحمة ألا نظلم، ومن السخاء أن نواسي، ومن الحياء أن نحلم.

قال أحمد بن الطيب، قال رجل من وجوه مدبري الفرس لرجل قد رآه فرغ من عمله فتكلف عملاً آخر: أنت أعلم بما يصلحك ويصلح لنا بك منا ونحن بسيايتك والقوام عليك، وإنما تركنا هذا الفضل فيك وبقينا هذا الزمان عليك لنا لا لك، ليكون لك فرجة بين العملين وراحة تبعثنا لنشاط منك في وقت حاجتنا غلى عملك، فلا تستفرغ وسعك في ما لم تكلفه فيخل بنا فيما كلفناك إذ توليته نضواً طالعاً، وما زدت على أن عرفتنا مقدار جهلك بقدر النعمة منا عليك، فالزم ما كلفت ودع نوافل الفضول.
قال أعرابي لرجل: نزلت مذ نزلت بواد غير ممطور، ورحل غير مسرور، فأقم بعدم أو ارحل بندم.
قال فيلسوف: كلما كنت بالكلام أحذق، كنت بالإنسانية أحق.
قيل لأبي علي الأموي: ادعبل أشعر أم الطائي؟ فقال: أما إني خائف والله أن أصفع دعبلاً بنعل الطائي فأضع من قدر صاحبها.
تقول العرب: أعدم فأعجم، وأترب فأعرب.
شاعر: الطويل
لسان الغنى لدن المهزة صارم ... وللفقر حلق في الندي كليل
ألم تعلمي أن الثراء محبة ... وأن ليس يوماً للخليل خليل
الخليل ها هنا هو المختل الفقير، وقيل في إبراهيم الخليل صلوات الله عليه إنه أريد به هذا المعنى، كأنه عليه السلام كان فقيراً إلى الله تعالى وأخلصهم فقراً إلى الله العلي، وفيه كلام غير هذا يمر في الجزء أفرده لأصحاب الضمائر والوساوس الذين يصيرون إلى مذاهب النسك والتصوف، وأنشر هناك من مطوي أمرهم ومكنون حديثهم ما يفيدك علماً، ويزيدك بصيرة، ويريك الحق حقاً، والباطل باطلاً، إن شاء الله.
لبعض إياد: الطويل
وأي فتى صبر الأين والظما ... إذا اعتصروا للوح ماء فظاظلها
إذا ضرجوها ساعة بدمائها ... وحل عن الكوماء عق شظاظها
فإنك ضحاك غلى كل صاحب ... وأنطق من قس غداة عكاظها
إذا استغب المولى مساغب معشر ... فعذره فيها آخذ بكظاظها
قال بزرجمهر: مثل العقل بلا أدب مثل الأرض الطيبة الخراب.
قال أبرويز لابنه شيرويه: لا توسعن على جندك فيستغنوا عنك، لا تضيق عليهم في العطاء فيضجوا منك، أعطهم عطاء قصداً، وامنعهم منعاً جميلاً، ووسع عليهم في الرخاء، ولا توسع عليهم في العطاء.
قال فيلسوف: الدنيا دار فجائع، من عجل فيها فجع بنفسه، ومن أجل فيها فجع بأحبته.
كان من دعاء يونس عليه السلامك فيالظلمات: أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين، مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.
عرضت جارية على فتى للبيع، فكشفت الجارية عن حرها وقالت: انظر كم مساحة هذا؟ فخجل الفتى، فقالت: لو كنت ظريفاً لقلت: حتى أخرج قصب المساحة.
شاعر: المنسرح
ما أنزل الموت حق منزله ... من عد يوماً لم يأت من أجله
عليك حفظ اللسان مجتهداً ... فإن بعض الهلاك في زلله
والصبر والصدق يبلغان بمن ... كانا قرينيه منتهى أمله
وقال آخر: المتقارب
إذا ما بدأت امرءاً جاهلاً ... ببر فقصر عن حمله
وم تره مائلاً للجميل ... ولا عرف الفضل من أهله
فسمه الهوان فإن الهوان ... دواء لذي الجهل من جهله
كتب ابن الزيات إلى إبراهيم بن العباس الصولي: قد فهمت كتابك، وإغراقك وإطنابك، وإضافة ما أضفت بتزوير الكتب بالأقلام، وفي كفاية الله غنى عنك يا إبراهيم وعوض، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وكتب إبراهيم بن العباس الصولي إلى محمد بن عبد الملك الزيات يستطفه: الطويل
أخ كنت آوي منه عند ادكاره ... إلى ظل فينان من العز باذخ
سعت نوب الأيام بيني وبينه ... فأقلعن منا عن ظلوم وصارخ
وإني وإعدادي لدهري محمداً ... كملتمس إطفاء نار بنافخ
وله إليه أيضاً: المتقارب
وكنت أخي بإخار الزمان ... فلما نبا صرت حرباً عوانا
وكنت إليك أذم الزمان ... فأصبحت فيك أذم الزمانا
وكنت أعدك للنائات ... فها أنا أطلب منك الأمانا
فلم يثن ذلك محمداً، فكتب إليه إبراهيم:

أبا جعفر خف نبوة بعد دولة ... وعرج قليلاً عن مدى غلوائكا
فإن يك هذا الدهر يوماً حويته ... فإن رجائي في غد كرجائكا
فما مرت الأيام حتى كان من أمر محمد ما كان. وولي إبراهيم ديوان الرسائل، فأمر أن ينشيء فيه رسالة بقلة طاعته ففعل.
قال فيلسوف: مهما عري الإنسان منه فإنه لا يعرىن من ثلاث: من الحسد والطيرة والظن؛ فمخلصه من الحسد ما لم يسبع باللسان ويبطش باليد، ومخلصه من الطيرة ما لم يرجع، ومخلصه من الظن ما لم يحقق.
قال بعض السلف: دعوتان أرجو إحداهما كما أخشى الأخرى: دعوة مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته.
دخل أبو العميثل على عبد الله بن طاهر مهنئاً بقدوم قدمه من سفر، فصافحه عبد الله فقبل يده، فقال له عبد الله: خدش شاربك كفي، فقال أبو العميثل: شوك القنفذ لا يضر بجلد الأسد، فتبسم عبد الله وقال: كيف كنت بعدي؟ قال: إليك مشتاقاً، وعلى الزمان عاتباً، ومن الناس مستوحشاً؛ فأما الشوق إليك فلفضلك، وأما العتب على الزمان فلمنعه منك، وأما الاستحياش من الناس فإني لم أرهم بعد، فاحتبسه، فأحضر الشراب فسقاه بيده فقال: البسيط
نادمت حراً كأ، البدر عرته ... معظماً سيداً قد أحرز المهلا
فعلني برحيق الراح راحته ... فملت سكراً وشكراً للذي فعلا
الإيغار في اللغة: أن النصارى تغلي الماء وتلقي الخنازير فيه لتنضج.
قال المثل: أحناؤها أبناؤها، جمع حان وبان.
سبقت درته غراره، قلة اللبن.
يقال: لا يجمع سيران في خرزة، كما يقال: لا يجمع سيفان في غمد.
ضغث على إبالة؛ إبالة حزمة الحطب، والضغث جرزة فوقها.
ويقال في المثل إذا أريد القصد: بين الممحة والعجفاء يقال: عند النطاح يغلب الكبش الأجم.
ويقال: دمث لجنبك قبل النوم مضطجعاً ويقال: عاط بغير نواط، أي متناول بغير شيء يتناول.
إنباض بغير توتير، يقال: ينبض القوس من غير أن يوتر.
يقال: كل ذات ذبل تحتال.
شاعر: الرمل المجزوء
أعن الشمس عشاء ... رفعت تلك السجوف
أم عن البدر تسرى ... موهناً ذاك النصيف
أم على ليتي غزال ... علقت تلك الشنوف
أم أراك الحين ما لم ... يره القوم الوقوف
إن حكم الأعين النج ... ل على الخلق يحيف
يا ابنة القيل اليمان ... ي وللدهر صروف
ربما أردى الجليد الس ... هم والرامي ضعيف
قال أعرابي في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من حاجة إلا إليك، ومن خوف إلا منك، ومن طمع إلا فيما عندك.
التقى أخوان في الله فقال أحدهما لصاحبه: والله يا أخي إني لأحبك في الله تعالى، فقال: لو علمت مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال: والله يا أخي لو علمت منك ما تعلمه من نفسك لمنعني من بغضك ما أعلم من نفسي.
كتب ابن دريد إلى علي بن عيسى: الطويل
أبا حسن والمرء يخلق صورة ... تخبر عما ضمنته الغرائز
إذا كنت لا ترجى لنفع معجل ... وأمرك بين الشرق والغرب جائز
ولم تك يوم الحشر فيناً مشفعاً ... قرأي الذي يرجوك للنفع عاجز
علي بن عيسى خير يوميك أن ترى ... وفضلك مأمول ووعدك ناجز
وإني لأخشى بعد هذا بأن ترى ... وبين الذي تهوى وبينك حاجز
كان علي بن عيسى بخيلاً جعد البنان، هكذا قال لنا أبو القاسم الواسطي الكاتب، وكان شيخ أصحاب الخراج، وزعم أن علي بن عيسى كان شديد النفاق كثير الحيل، وليت زماننا يسمح بمثله.
قال ابن أبي طاهر، حدثني حبيب - يعني أبا تمام الشاعر - قال: حدثني بعض المفسرين قال: كان خالد بن عبد الله يكثر الجلوس ثم يدعو بالبدر ويقول: هذه الأموال ودائع لا بد من تفريقها، فقال ذلك مرة وقد وفد عليه أسد بن عبد الله من خراسان، فقال: مهلاً أيها الأمير إن الودائع إنما تجمع لا تفرق، قال: ويحك، إنها ودائع للمكارم، وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق وأغنيناه والظمآن فأرويناه فقد أدينا فيها الأمانة.

قال ابن أبي طاهر: وحدثني حبيب قال: أخبرني شيخ من أصحابنا قال: كان طلحة الطلحات يقول: من كان جواداً فلعط ما له أخول أخول؛ إن المال إذا كثر زين وأحب صاحبه صحبته.
وقال ابن أبي طاهر، حدثني حبيب قال، حدثني كرامة عن الهيثم ابن صالح عن رجل عن حكم بن سعد قال: رأيت الجراح بن عبد الله وقد لبس درعين في بعض حروبه، فأكثرت إليه النظر فقال: يا هذا، ما أقي والله بدني وإنما أقي صبري، فأخبرت بذلك سعيد بن عمرو الحرشي، وكان من فرسان أهل الشام فقال: صدق الجراح، لأن لأمة الفارس حظيرة نفسه.
نظر رجل إلى جارية واقفة في دهليز فأعجبته، فوقف ينظر إليها، فقالت: يا سيدي أتشتهي النيك؟ قال: أي والله، قالت: فاقعد حتى يجيء مولاي الساعة فينيكك كما ناكني، فخجل الرجل وذهب خزيان لا يعقل.
قال الجماز: قلت لظريفة من الظرائف: أرى شفتيك متشققة، فقالت: التين إذا حلا تشقق.
العرب تقول: انظروا أنساءكم، يعني الشيء اليسير مثل العصا والقدح والشظاظ، ومنه قولع تعالى " نسياً منسياً " مريم: 23؛ هكذا قال ثقات العلماء.
العرب تقول: التقى الثريان، يعني ندى السماء وندى الأرض.
يقال: رجل ألوك إذا كان يلوك الكلام ولا يقتصه لسانه؛ هكذا السماع بالصاد غير معجمة.
قال ابن الأعرابي: أبعلني الأمر وأزغلني وأوهلني وأمضني وجهدني وهادني بمعنى واحد.
وقال: واحد أفناء الناس فنا مثل قفا، وواحد آناء الليل: إني وأنى والأنى - الرفق - والأناة واحد؛ ويقال امرأة أناة، وواحد الآلاء من النعم إلي وألى، وواحد الأمعاء: معى ومعى، وواحد الأحشاء: حشا وحشى.
سمعت الثقة يقول: الثم الإصلاح، يقال ثممته وأصلحته، وثمامة: نبت معروف، وإذا سميت به رجلاً لم ينصرف، أي لم ينون.
العرب تقول: فلانة رطبة المغابن، وهي الأرفاغ، وهي المرافق، وهي ما انثنى من الخلق.
قال الثقة: يقال للإنسان إذا حك رأسه فالتذه، أو غمز جسده فالتذه هو يتسار إلى ذلك، وإني لأتسار إلى ما تكره؛ هكذا قال حمزة المصنف، وكان شيخ أصفهان، وشاهدته سنة خمس وخمسين وثلاثمائة أبلغ الملازمين لباب الطبراني مع الرحالة من الآفاق.
قال بعض العلماء: العنجهية الكبر، ويقال: هي الفجاجة والجفاء والغلظ، ويقال: الفطرة.
شاعر: الكامل
الله يعلم أنني ما سرني ... شيء كطارقة الضيوف النزل
ما زلت بالترحيب حتى خلتني ... ضيفاً له والضيف رب المنزل
قصد ابن السماك الواعظ رجلاً في حاجة لرجل فتعبس، فقال ابن السماك: اعلم أني أتيتك في حاجة، وأن الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت وذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عو البذل على ذل المنع، واختر لي عز النجح على ذل الرد، فقضاها له.
قصد ابن السماك الواعظ رجلاً في حاجة لرجل فتعبس، فقال ابن السماك: اعلم أني أتيتك في حاجة، وأن الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت وذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عز البذل على ذل المنع، واختر لي عز النجح على ذل الرد، فقضاها له.
وقصد آخر مرة أخرى في حاجة فتلوى وكاد ينكل عن الكلام، ثم سبق إلى معنى تخيره فقال للمسؤول: أخبرني حين غدوت إليك في حاجتي أحسن بك الظن، وأصوغ فيك الثناء، وأحبر لك الشكر، وأمشي إليك بقدم الإجلال، فأكلمك بلسان التواضع، أصبت أم أخطأت؟ قال: فأفحم الرجل، فقال: بل أصبت، وقضى له حاجته، وسأله المعاودة.
لما أقطع المعتصم ضياع الحسن بن سهل أشناس وجه الحسن بقبالاته إلى أشناس، وكتب معها إليه: قد عرفت رأي أمير المؤمنين في إقطاعك الضياع، فرأيت أن لا يعترض على عقبك عقبي وأنفذت إليك بقبالاتها، معتمداً على قبولها بإسباغ النعمة علي، وادخار الشكر لدي، فرأيك - أيدك الله - في الأمتنان بقبولها مسؤولاً إن شاء الله. فلما قرأ أشناس ذلك أنفذه إلى المعتصم، فوقع فيه: ضيم فصبر، وسلب فعذر، فليقابل بالشكر على صبره، وبالإحسان لعذره، ولترد عليه ضياعه، وليرفع عنها خراجه، ولا أؤامر في ذلك.
شاعر: البسيط
إني لأكني عن أجبال بأجبلها ... وباسم أودية عن إسم واديها
عمداً ليحسبها الواشون غانية ... أخرى وتحسب أني لست أعنيها
كاتب: والله تعالى مسؤول بفضله من فضله، وبما هو أهله مما هو أهله.
كاتب: الشعب ملؤوم، والشعث مرموم، والصدع مشعوب، والثأى مرؤوب.

آخر: ومثلك رعى الحقوق، وصدق الظنون، وشفع الوسيلة، وعاذ بالفضيلة، وصان النعمة، وحفظ الحرمة.
قال أعرابي: بالساعد يبطش الكف.
كتب الحسن بن سهل: فأعطاك الله من الخير أغنى ما يفي بأنعمك علي، وبلغني في كل صغير وكبير رضاك، وأعانني على بادية حقك، حتى ينقلني من الدنيا على طاعتك.
كتب المهلب: أما بعد، فإنه لا يوهن الإسلام خروج من خرج منه، ولا يعيبه إلحاد من الحد فيه، ومدعوه كثير ومصيبوه قليل، وليس كل من يقاتل عنه من أهله، ولا هو لكل من يقاتل به. وقد كان هذا العدو أصاب في إخوانكم مصائب أطمعتم فيكم، فلما استوقد الحرب بنا وبهم، جاءنا القضاء بأمر جاوزت النعمة فيه الأمل، فأصبح ذلك العدو بعد ذلك دريئة رماحنا، وضرائب سيوفنا، ونحن نرجو أن يكون أجر هذه النعمة كافلها، فاحمدوا الله فإن حمده يتم النعم، وأشكروه فإن شكره يوجب المزيد.
وكتب يزيد بن المهلب: الحمد لله الذي كفى بالإسلام فقد ما سواه، وجعل الحمد متصلاً بنعمه، وقضى ألا ينقطع المزيد من فضله حتى ينقطع الشكر؛ ثم إنا وعدونا كنا على حالين مختلفين، نرى فيهم ما يسرنا أكثر مما يسوؤنا، ويرون فينا ما يسوءهم أكثر مما يسرهم، فلم يزل الله سبحانه يكثرنا ويمحقهم، وينصرنا ويخذلهم، حتى بلغ بنا وبهم الكتاب أجله، فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد الله رب العالمين.
قال الباقر لابنه جعفر عليهما السلام: يا بني إن الله عز وجل خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعل رضاه فيه؛ وخبأ سخطه في معصيته، فلا تحقرن من المعصية شيئاً فلعل سخطه فيه؛ وخبأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرن أحداً فلعله ذاك الولي.
كاتب: إن كان غمر معروفك نابياً عني فإني راض من وابل نائلك بطله، ومن غمر إحسانك بأقله.
قال أعرابي لآخر: حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد، والمضل إلى المنشد.
قال خطيب: الناس رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، أو ابتاعها فأعتقها.
قال بعض النحويين: الألف واللام يدخلان في الكلام على خمسة أوجه: لتعريف الجنس، نحو قولك: أهلك الناس الدرهم والدينار، ولم ترد درهماً بعينه ولا ديناراً وإنما أردت الجنس، ومنه قوله " إن الإنسان لفي خسر " العصر: 2 يعني الجنس، والدليل عليه قوله عز وجل " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " العصر: 3 لأن الأستثناء وقع في الجميع؛ ويدخلان للعهد نحو قولك: مررت بالرجل، وأخذت الكتاب، فتريد بهما ما سلف العهد به؛ ويدخلان للخصوص نحو قولك: وجدت الشمس طالعة والقمر قد غاب، والنجم قد ارتفع - بالألف واللام - قد دخلتا للخصوص لأنك تعرف واحداً من أمة، لأنك إذا قلت: قد طلع النجم علم أنه الثريا وألزم الألف واللام للتخصيص؛ ويدخلان للإشاعة والإفهام كقولك: الذي في الدار زيد، والتي قامت هند، ألا ترى أن هذا الاسم شائع في بابه غير مخصوص يدخل تحته كل ذكر وأنثى من الآدميين وغيرهم، وإنما يتبين معناه للأسم الذي يجيء بعده فيكون خبراً له وهو قولك: الذي في الدار زيد، لو قلت: الذي في الدار، لم يكن كلاماً، ولا دل هذا على شخص بعينه، فحين قلت زيد وقعت الفائدة في الجملة؛ ويدخلان في الأسماء المنقولة من باب الأوصاف إلى باب الأسماء الأعلام، وهو قولك: العباس والحكم والحارث والفضل، فالألف واللام في هذه الأسماء لم يدخلا لتعريفها وإنما دخلتا عليها حين كانت أوصافاً كقولك: مررت بالرجل الحكم، وبالرجل العباس، فلما قصدوا أن يسموا بها نقلوها مع الألف واللام إلى باب: زيد وعمرو، ومن العرب من يقول: حارث وعباس وحكم، فكأنه نقلها إلى باب الأعلام على تنكيرها حين قيل: مررت برجل حكم؛ فأما الأسماء التي لزمت حذف الألف واللام فإنها كانت في الأصل مصادر وأجريت مجرى المصادر، فلما نقلوها إلى باب الأعلام لزموا فيها طريقة واحدة، كما لزموا في زيد وعمرو.
نظروا إلى مزبد المديني وبين يديه نبيذ أسود، فقالوا له: ما لون نبيذك هذا؟ قال: أو ما ترون ظلمة الحلال فيه؟ كاتب: ولما أسلمتني إلى انتصارك، وسطت علي عتابك، التجأت إلى نعمتك السالفة عندي لتهب جرمي لحرمتي بها، وإساءتي لحسن شكري عنها، فإنها معقلي الذي يمنعك من الإخلال بي بعد الإفصال علي.
قال أعرابي لرجل: اعدل لمعضلة تلم ولمضلعة تهم.

يقال: الدالاة الرفق واللين، ويقال: هذا الأمر لا يلتاط بصفري، أي لا يلصق بفؤادي.
قال أعرابي: العاقل متصفح والجاهل متسمح.
سئل أعرابي عن أخ له فقال: اعتورته الهموم، وأستلحمته الفكر، وتضيفته الأحزان، وتخللته البلابل.
قال أعرابي: حسن النزاهة مؤد إلى الرفاهة.
قال أعرابي: بالفحول تدرك الذحول.
قال عبد الصمد بن المعذل في نخل باعه: الخفيف
فارقتني ذخيرة من عقار ... ذكرتني تفرق الأحباب
وسواء بيع الرقاب من الما ... ل إذا بعتها وضرب الرقاب
كاتب: حق هذا اليوم فوق أن يلتقى بالتعذير، ويوكل إلى التقصير، وحظك من الواجب فيه حظ الفائت غاية، وسبق الفائز قرعة وقدحاً، فأفضل ما يهديه إليك المتقرب إليك فيه ما يشبه موقعك من شرف الحسب ونباهة النسب، وهو محمود من الثناء ومسموع من الدعاء، ويحتمل التقصير في هديته على صدق نيته، فلا أخلاك الله من ثناء صادق، ومن دعاء صالح واق.
كاتب: عناية تفوق الوصف وإن تراخى، وتفوت النعت وإن تناهى. عند مد الغاية، ومدى النهاية، ونصب الراية، يحمد السابق، ويذم الساقط، ويتبين فضل المبر النامي على المقصر الواني، وشأو الفائت الفائز على المتخلف المبهور.
قال أعرابي: من كان ابن بلدك فهو كولدك.
ويقال: الصدق ينبي عنك لا الوعيد؛ من نبا ينبو نبواً؛ هكذا سمعت الموثوق به.
أعرابي: الرجز
لقد حسوت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه
آخر: الرجز
تخبط أحياناً وحيناً تزحل ... والقصد في سير المطي أمثل
لا يبلغ المنزل من لا ينزل العرب تقول: ينبغي للمشتري أن يستري، أي يطلب السراء.
قال أعرابي: أنا أستنجدك إذا كنت مضافاً، وأسترفدك إذا كنت مضيفاً.
ونظروا إلى فيلسوف في الحرب، وكان أعرج، فضحكوا به فقال: إنما يحتاج في الحرب إلى الشجاعة وآلة الحرب، والذي فقدته فهو آلة الهرب. يقال إن هذا الحكيم قد قصر في هذا الجواب، لأن الكر والفر من خلائق الشجعان، وإنما دل بكلامه على الثبات، وإلا فالمجاولة غير ذلك.
قال أعرابي وقد كان الحران تمادى به: الوافر فآل به الحران إلى المران قال أعرابي: كثرة العتاب إلحاف، وتركه استخفاف.
قال أبو حامد: من أحوجك إلى العتب فقد وطن نفسه على العجز.
قال سيبويه: كل اثنين من اثنين فجمعهما أجود تقول: ضربت رءوسهما، لأن رأس كل واحد منه، وتقول: أخذت ثوبيهما لأنهما ليسا منهما؛ قال الله تعالى " فقد صغت قلوبكما " التحريم: 4 " فاقطعوا أيديهما " المائدة: 38.
وقال العتابي: أقارب بالكتاب ثمناً للمودة، وأبين بالأستراحة دليلاً على المساحة؛ وقد استقدمنا عهد كتبك، واستبطأنا وصول خبرك، ونحن نستبدلك من الإغفال تعهداً، ومن تقادم العهد إحداثاً.
عبد الحميد الكاتب: نظرت في الأمر الذي أعاتبك عليه، وألتمسه عندك، إذا هو خفيف المحمل، يسير المؤونة، سواد أنفاس في بيا قرطاس، تحية تهديها، وسلامة تخبر عنها، فما أولاك بالتعهد لمؤونة خفيفة تؤدي بها حقاً، وتصل بها وداً.
قال داود بن عمر الحائك للأعمش: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ قال: لا بأس بها على غير وضوء، قال: فما تقول في شهادة الحائك؟ قال: تقبل شهادته مع شاهدين عدلين، فالتفت الحائك وقال: هذا ولا شيء واحد.
وتنبأ حائك بالكوفة، فقيل له: ما رأينا نبياً حائكاً، فقال: وهل رأيتم نبياً صيرفياً؟! قيل لحائك: لو كنت خليفة أي شيء كنت تشتهي؟ قال: تمر وكسب، ثم التفت إلى ابنه وقال: لو كنت ابن خليفة أي شيء كنت تشتهي؟ قال: يا أبة، وتركت لي من اللذات شيئاً؟! قال عثمان الصيدلاني: شهدت إبراهيم الحربي وقد أتاه حائك في يوم عيد فقال: يا إبراهيم، ما تقول في رجل صلى صلاة العيد ولم يشتر ناطفاً، ما الذي يجب عليه؟ فتبسم إبراهيم ثم قال: يتصدق بدرحمين خبزاً، فلما مضى قال: ما علينا أن نفرح المساكين من مال هذا الأحمق.
دخل ابن المعتز يوماً حمام داره، فسمع حركة فوق باب الحمام، فقال لغلامه: ما هذا؟ قال: الحمامي ورفقاؤه، قال: تلطف حتى أراهم من غير أن يروني، ففعل، فرآهم عراة وبينهم غلام أمرد في حجره طنبور وهو يغني: الرمل المجزوء
أنا أهواك بنور ال ... له فافعل ما بدا لك
إن تكن تمنعني شخ ... صك فابذل لي خيالك

قد أخذت الدف والطن ... بور والكت فما لك
قل لمن جنبك القم ... عوث من دسك والك
فضحك ابن المعتز وانصرف.
جلس رجل بين يدي حجام، فلما وضع المحاجم فسا الرجل فسوة منكرة صبر لها الحجام، فلما مصها فسا أخرى أنكر منها، فلما أراد أن يشرط قال للرجل: يا حبيبي، أريد أن أشرط، فإن كان بك حاجة إلى دخول الخلاء فقم قبل أن تخرى.
خرج سوار القاضي يوماً من داره يريد المسجد حافياً، فلقيه سكران فعرفه، فقال: القاضي - أعزه الله - يمشي؟! امرأتي طالق إن حملتك إلا على عاتقي، فكره سوار ذلك فقال: ادن يا خبيث، فدنا، فحمله على عاتقه ثم رفع رأسه فقال: أهملج أو أعنق؟ فقال يا خبيث، مشياً بين مشيين وآحذر العثار والزلق، والصق بأصول الحيطان، فقال السكران: كأنك أردت المران في الفروسية يا أبا عبد الله؛ فلما أوصله إلى المسجد أمر سوار بحبسه فقال: أيها القاضي هذا جزائي منك؟ فتبسم وتركه.
رأوا أبا نواس بقطربل وفي يده شراب وعن يمينه عنقود وعن يساره زبيب، فقيل له: ما هذا؟ قال: ابن وأب وروح القدس.
قال أبو العيناء: تذاكرنا النبيذ فقال الجماز: نبيذ الزبيب نمكسود الخمر.
قال بعض الأدباء: إنما اشتق لها من الروح - يعني الراح - هذا الاسم لأنها تزيد في الحياة؛ وقال أيضاً: دما لأنها تزيد في الدم؛ وقال صريع الغواني: الطويل
خلطنا دماً من كومة بدمائنا ... فأظهر في الألوان منا الدم الدم
قيل لأعرابي: كم تشرب من النبيذ؟ قال: على قدر النبيذ.
قال فيلسوف: بنيت الدنيا على أربعة أركان تستصلح بأمور أربعة: بنيت على الرغبة والشهوة والعداء ومنع البيضة؛ فتستصلح الرغبة بالقصد، والشهوة بالعفة، والعداء بالمسالمة، ومنع البيضة بالنجدة.
أنشد لسلم الخاسر: السريع
هاديه مثل الشطر من خلقه ... إذا بدا والبطن مقبوب
تخاله مستقبلاً مقعياً ... وهو إذا استدبرت مكبوب
يشرف أو ينحط كلا معاً ... فالخلق تصعيد وتصويب
كالريح إلا أنه صورة ... يسمو بها شد وتقريب
قال سهل بن هارون: ينبغي للنديم أن يكون كأنما خلق من قلب الملك: يتصرف بشهواته، ويتقلب بإرادته، إذا جد جد وإذا انطلق تطلق، لا يمل المعاشرة ولا يسأم المسامرة، إذا انتشى تحفظ وإذا صحا تيقظ، ويكون كاتماً لسره، ناشراً لبره، ويكون للملك دون العبد، لأن العبد يخدم نوائب، والنديم يحضر دائباً.
أنشد لابن المبارك: البسيط
إني امرؤ ليس في ديني لغامزه ... لين ولست على الأسلاف طعانا
وفي ذنوبي إذا فكرت مشتغل ... وفي معادي لئن لم ألق غفرانا
عن ذكر قوم مضوا كانوا لنا سلفاً ... وللنبي على الإسلام أعوانا
ولا أزال لهم مستغفراً أبداً ... كما أمرت به سراً وإعلانا
ولا أسب أبا بكر ولا عمراًولا أسب معاذ الله عثمانا
ولا أقول لأم المؤمنين كما ... قال الغواة لها زوراً وبهتانا
ولا أقول علي في السحاب لقد ... والله قلت إذن جوراً وعدوانا
لو كان في المزن ألقته وما حملت ... مزن السحاب من الأحياء إنسانا
إني أحب علياً حب مقتصد ... ولا أرى دونه في الفضل عثمانا
سمعت أبا تميم الكاتب الجرجاني يقول: كلف المأمون يحيى بن أكثم أن يخطب في بعض أيام العيد، فأسرع إلى طاعته وغدا إلى المصلى، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه واندفع يقول؛ فبينا هو كذلك إذ اعتراه ضحك واشتد به وغلب عليه، فستر وجهه وجلس هنيهة، ثم نهض وعاد إلى قوله. فرفع ذلك إلى المأمون فاستفظع ذلك ودعا به وسأله عن السبب فقال: يا أمير المؤمنين، كنت واقفاً على المنبر، وعمود المنبر بيدي فذكرت قول الخبيث جحشويه: الرجز
أنعظت أيراً كعمود المنبر ... موتراً، كمثل طعم السكر
لو مسه القاضي بكفيه خري وأنشد: الكامل
وزعمت أنك لا تلوط فقل لنا ... هذا المقرطق قائماً ما يصنع
شهدت ملاحته عليك بريبة ... وعلى المريب شواهد لا تدفع

كتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان كتاباً يقول فيه: أما بعد فإنه ينزغ بي شيطان في المنام يقول لي: أضعت دينك ودنياك بإصلاح دنيا عبد الملك، قتلت له الرجال، وأخذت له الأموال، وفعلت وفعلت؛ وأعلمته أنه من نزغه في على باطل، وأني من ديني على يقين، وأحببت أن لا يخفى على أمير المؤمنين شيء من سري، كما لا يخفى عليه شيء من علانيتي.
فلما ورد كتابه على عبد الملك كتب جوابه بيده: أما بعد فإن الله عز وجل وله الحمد قد وكل بي ملكاً يقول لي في النوم واليقظة: أضعت دينك ودنياك بإصلاح دنيا الحجاج فسلطته بسلطان الله عز وجل لك على الأموال فأخذها من غير حلها، وعلى النفوس فقتلها بغير حقها، فإذا قرأت هذه الأحرف فصر إلي والسلام.
فلما ورد كتاب عبد الملك على الحجاج قال لمحمد بن يونس كاتبه: إن عاقبة التكلف مذمومة، أبر لي قلمين لم يكتب بأغلظ من أحدهما ولا بأدق من الآخر، ففعل محمد، فأخذ ذلك القلم الغليظ وكتب به: بسم الله الرحمن الرحيم، لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وكتب بالدقيق: من الحجاج بن يوسف، أما بعد فإن كان قتلي الرجال طاعة لله تعالى ولك سرفاً، وأخذي الأموال طاعة لله ولك تبذيراً، فمرني بأمر آتيه إليه إن شاء الله تعالى.
فلما ورد الكتاب على عبد الملك قال: من يلومني على الحجاج؟ اكتبوا إليه وأقروه على عمله.
قال المدائني: أتي علي بن أبي طالب رضوان الله عليه برجل ذي مروءة قد وجب عليه الحد، فقال لخصمائه: ألكم شهود؟ قالوا نعم، قال: فأتوني بهم إذا أمسيتم ولا تأتوني بهم إلا معتمين، فلما أمسوا اجتمعوا فأتوه، فقال لهم علي رضي الله عنه: نشدت الله تعالى رجلاً لله تعالى عنده مثل هذا الحد إلا انصرف، فما بقي أحد، فدرأ الحد.
قيل لأعرابي: ما الذي يعجبك من الدنيا؟ قال: سيف كبرق ثاقب، ولسان كمخراق لاعب.
قال الزهري: سمعت رجلاً يقول لهشام بن عبد الملك: لا تعدن يا أمير المؤمنين عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعراً، وأعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب، وأن للأمور تعاقباً فكن على حذر.
قال ابن دأب: فحدثت بهذا الحديث الهادي وفي يده لقمة قد رفعها إلى فيه، فأمسك يده ولم يولجها فاه حتى سمع الحديث مرات.
قال سلام بن أبي مطيع: اللهم ارزقني رزقاً لا أشخص له، وإن حضرته لم أتعب فيه، وإن أتاني عن غير مسألة لم أرغب عنه؛ اللهم إن كنت بلغت أحداً من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنيها بالعافية.
أنشد لمحمد بن إبراهيم: الطويل
وأنت جناحي إن أطر أستعن به ... وسهمي الذي أرمي به من يناضل
فليت المنايا إذ أتتك لقيتها ... فعاجلني يومي ويومك آجل
وقال آخر: الرجز
إن بني حجية بن كابيه ... خير معد حاضراً وباديه
رب غلام فيهم ذي فاشيه ... محتضر القدر كثير الغاشية
يقدح في المجد بزند واريه ... محله من مازن في الناصيه
في ذروة المجد الثبيت الآخيه ضرب حارس أمه فعوتب فقال: قد قلت لها عشرين مرة وهذه الثالثة إذا كنت سكران فلا تكلميني فإن السلطان نار ترتعد.
آخر: المتقارب
سألبس للصبر ثوباً جميلا ... وأفتل للهجر حبلاً طويلا
لعلي بالرغم لا بالرضا ... أخلص نفسي قليلاً قليلا
قال الجماز: رأيت شاطراً وقف على جماعة وقال: من يكلم منكم حمدان الغلام؟ فقال أحدهم: أنا، قال: فلا حسن ولا جميل، قال: فاجهد جهدك، قال: خذلني الله لو كان غيرك، قال: أنا غيري، قال: والله لو كان غير هذا الموضع، قال: فنحن بفرغانة، فرد صاحبه السكين في قرابه وقال: ويحك أنت طالب سحر، فتهاب ألباب الشام كلهم سعائر مالك كداروش أي حديد؟.
وقع بين مزبد ورجل كلام فقال الرجل: تكلمني وأنا قد نكت أمك؟ فرجع إلى أمه فقال لها: أتعرفين نائكاً؟ قالت: أبو علية؟ قال: ناكك والله! أنا أسألك عن اسمه وتجيبيني بكنيته؟! قال أبو هفان: سمعت امرأة تقول لرجل: قد والله استحيت من الله تعالى مما أساحقك.
قالت امرأة لشيخ قد عهدته شاباً: أين شبابك؟ قال: من طال أمده، وكبر ولده، ورق أوده، ذهب جلده.
قال ابن المعتز: الخضاب من شهود الزور.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9