كتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
المؤلف : أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي
"ليفعلن" كذا أو إن لم أفعل، ولم يؤجل، وهي المنعقدة على حنث لها صيغتان أيضا كصيغتي البر فاليمينان اللذان تكفران هما يمين البر ويمين الحنث. قال العلامة خليل: وفي النذر المبهم واليمين والكفارة والمنعقدة على بر بأن فعلت أو لا فعلت، أو حنث بلأفعلن، أو: إن لم أفعل إن لم يؤجل إطعام عشرة مساكين لكل مدوأما لو أجل بأن قال: بالله أو والله لا أكلمن زيدا في هذا الشهر مثلا، أو إن لم أكلمه، فإنه يكون على بر، ولا يحنث إلا بمضي الأجل، ولم يفعل المحلوف عليه من غير مانع منعه من فعله أو تركه لمانع شرعي أو عادي لا عقلي، مثال المانع الشرعي: حيض من حلف ليطأنها في هذه الليلة أو اليوم، ومثال المانع العادي سرقة ما حلف ليذبحنه في هذا اليوم مثلا، ومثال المانع العقلي موت ما حلف ليذبحنه في هذا اليوم مثلا، وهذا التفصيل إن بادره إلى فعل المحلوف عليه، ولم يفرط، وأما لو حصل منه تفريط بحيث تمكن من الفعل وتراخى حتى تعذر فعله يحنث، ولو بالعقليقال خليل: وحنث إن لم تكن له نية، ولا بساط بفوت ما حلف عليه، ولو لمانع شرعي لا بكموت حمام في ليذبحنه، فلو تجرأ ووطئ الحائض ففي بره قولان، وهذا التفصيل إذا أقت أو لم يؤقت وبادر، وأما لو فرط فإنه يحنث، ولو بالعقليقال الأجهوري: لكن الشرعي يحنث به، ولو كان سابقا على اليمين، بخلاف العادي والعقلي فلا يحنث بهما إلا إذا طرأ على اليمين، لكن العادي يحنث به، ولو بادر سواء أقت أم لا، وأما إن كان عقليافإنما يحنث به إذا لم يؤقت وفرط، وعلى هذا فالمانع العقلي الحاصل بعد اليمين لا يحنث به حيث بادر بعد الحلف من غير تفريط، ولم يتمكن من فعل المحلوف عليه، راجع الأجهوري في شرح خليل، وسميت الأولى يمين بر؛ لأن من حلف لا يفعل كذا على بر حتى يفعل المحلوف عليه اختيارا. والثانية تسمى يمين حنث؛ لأن الحالف ليفعلن أو إن لم يفعل كذا على حنث، ولا يبر إلا بفعل المحلوف عليه، فإذا حلف: ليكلمن زيدا في هذا اليوم، ولم يكلمه فيه لمانع حصل أو عزم على عدم كلامه حنث." تنبيهان " الأول : علم مما قررنا أن الحنث في صيغة البر يحصل بفعل المحلوف على تركه باختياره لا مع الإكراه إلا أن يكون الإكراه شرعيا، كوالله لا أدخل الحبس فيحبس لغريمه أو زوجته، ولا يعذر عندنا بالنسيان لفعل المحلوف على تركه، ولا الغلط، ولا الجهلقال خليل: وبالنسيان إن أطلق، وأما في صيغة الحنث فيحصل بتعذر فعل المحلوف عليه،
والمانع عادي، ولو بادر أو عقلي لكن بعد التمكن من الفعل كشرعي، ولو كان سابقا من اليمينالثاني : قدمنا أن في صيغة البر كشرطية إن ذكر لها جواب، وإلا كانت نافية لها، بخلافها في صيغة الحنث فهي شرطية دائما؛ لأنه إن لم يذكر معها يكون مقدرا، فإذا قال: والله إن لم أدخل الدار مثلا، فتقدير الجواب: يلزمني الكفارة. وأشار إلى بقية الأيمان الأربع بقوله: "ويمينان لا تكفران أحدهما" الأول إحداهما؛ لأن اليمين مؤنثة إلا أن يقال ذكر باعتبار أنهما فردان. "لغو اليمين" أي اليمين اللغو "وهو أن يحلف" المكلف بالله أو صفة من صفاته أو بنذر مبهم "على شيء يظنه" أي يتيقنه "كذا" معتمدا على ما "في يقينه ثم" بعد الحلف "يتبين له خلافه" أي خلاف ما كان يعتقده. "فلا كفارة عليه"؛ لأنها غير منعقدة. قال خليل عاطفا على ما لا كفارة فيه: ولا لغو على ما يعتقده، فظهر نفيه لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] فمن اعتقد عدم مجيء زيد فحلف بالله ما جاء ثم تبين أنه جاء فلا شيء عليه، ولو كان حين الحلف قادرا على الكشف وعلم ما في نفس الأمر" تنبيه " إنما حملنا الحلف على الحلف بالله أو صفته أو النذر المبهم؛ لأن اللغو لا يفيد في غير ذلك من نحو طلاق أو عتق أو نذر غير مبهم، وفسرنا الظن في كلامه باليقين؛ لأن اليمين على الظن غير القوي، أو على الشك من قبيل الغموس كما يأتي. واعلم أن شرط عدم لزوم الكفارة في لغو اليمين يعلقها بالماضي أو الحال لا بالمستقبل كما قدمناه "و" اليمين "الآخر" الأولى الأخرى مما لا يكفر اليمين الغموس، وهي أن يكون "الحالف متعمدا الكذب أو شاكا" فيما يحلف عليه بأن يحلف بالله أنه ما نظر زيدا في هذا اليوم، والحال أنه عالم بأنه نظره أو شاكقال خليل: وغموس بأن شك أو ظن وحلف بلا تبين صدق بأن تبين له أن الأمر على خلاف ما حلف عليه أو لم يتبين شيء، وأما لو تبين له صدق ما حلف عليه فإنه لا يكون غموسا فلا إثم عليه كما في المدونة، ولما كان الحلف على غير يقين حراما قال: "فهو" أي الحالف على شك أو متعمد الكذب "آثم" إن لم يتبين صدقه "ولا يكفر ذلك" الإثم "الكفارة" فاعل يكفر لعظم أمرها وعدم انعقادها. قال ابن يونس: الغموس أعظم من أن تكفره الكفارة لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران: 77] الآية، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قيل: يا رسول الله وإن بشيء
يسير؟ قال وإن سواكا" 1. رواه الحاكم. وقال صلى الله عليه وسلم: "من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله، وهو عليه غضبان" 2 الحديث. رواه البخاري: وقال عمر بن الخطاب: اليمين الغموس تدع الديار بلاقع أي خالية. "وليتب" وجوبا الحالف يمين الغموس "من ذلك" الحلف "إلى ربه - سبحانه وتعالى -"؛ لأن اليمين الغموس من الكبائر والتوبة واجبة منها، ويطلب منه أن يتقرب إلى خالقه بما قدر عليه من عتق أو صدقة أو صيام، وإنما سميت غموسا لغمسها صاحبها في الإثم أو في النار" تنبيهات " الأول : علم مما قررنا أن محل إثم الحالف على ظن أو شك إذ لم يتبين صدقه، وإلا فلا إثمقال مالك: ومن قال: والله ما لقيت فلانا أمس، وهو لا يدري ألقيه أم لا ثم علم بعد يمينه أنه كما حلف بر، وإن كان خلاف ذلك أثم، وكان كتعمد الكذب، وهي أعظم من أن تكفر، ومعنى قول الإمام بر أنه لا شيء عليهالثاني : محل كون الظن كالشك ما لم يكن قويا، وإلا فلا يكون غموسا، ولا إثم على فاعل ذلك. قال العلامة خليل: واعتمد الباب على ظن قوي، ومحله أيضا إذا أطلق في يمينه، وأما إن قيدها بأن يقول في ظني أو ما أشبه ذلك فلا شيء عليهالثالث : ظاهر إطلاق المصنف يقتضي أن اليمين اللغو والغموس لا كفارة فيهما مطلقا، وليس كذلك، بل في المسألة تفصيل محصله: إن تعلقت اليمين بالماضي لا كفارة فيها مطلقا؛ لأنها إما لغو أو غموس أو صادقة، وإن تعلقت بالمستقبل تكفر، ولو لغوا أو غموسا، وإن تعلقت اليمين بالحال لم تكفر إن كانت لغوا. وفي تكفير الغموس إن تعلقت به خلاف، فمقتضى كلام ابن عرفة تعلقها به، ونقل ابن عبد السلام عن أكثر الشيوخ ما يفيد عدم تعلقها به، وفائدة عدم التعلق التكفيرقال جميع ذلك الأجهوري في شرح خليل ونظمه بقوله: كفر غموسا بلا ماض تكون كذا لغو بمستقبل لا غير فامتثلا "فإن قيل" المنعقدة على بر بإن فعلت أو لا فعلت ماض، واليمين المتعلقة بالماضي قلتم لا كفارة فيها مطلقا؛ لأنها إما صادقة أو غموس أو لغو فما الجواب؟."والجواب" أن يقال: الحلف من باب الإنشاء ففعل، وإن كان ماضيا إنشاء فهو مستقبل،
ـــــــ
1 أخرجه مالك في الموطأ "2/727" حديث "1409"2 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب المساقاة، باب الخصوصة في البئر والقضاة فيها، حديث "2357" ومسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار "138".
والكفارة تتعلق بالمستقبل، ولا سيما إن جعلت إن شرطية بذكر الجواب، والشرط لا يكون إلا مستقبلا، وإن جعلت نافية الصارف لها إلى الاستقبال الحلف؛ لأنه إنشاء، وقد جعل النحاة من صوارف الماضي إلى الاستقبال الإنشاء، فإذا قال الحالف: والله لا كلمت فلانا، فمعناه لأتركن كلامه في المستقبل، وإذا قال لزوجته: والله لا دخلت الدار، فمعناه اتركي دخولها، وهكذا. هذا إيضاح ما قاله بعض الشيوخ. وأقول: الأحسن في الجواب أن يقال المشروط كونه مستقبلا متعلق اليمين، وهو المحلوف عليه، فشرطه أن يكون يقع في المستقبل لا ما وقع في الماضي، وليس الكلام في صيغة اليمين إذ قد يكون لفظها ماضيا، ومتعلقها وقع في المستقبل فافهمثم شرع في الكلام على الكفارة بقوله: "والكفارة" اللازمة بالحنث أو بنذرها أربعة أنواع: ثلاثة على التخيير، وهي الإطعام والكسوة والعتق، والرابع مرتب لا ينتقل إليه إلا بعد العجز عن الثلاث، وهو الصوم فهي مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء وأفضلها أولها، وجزء الكفارة "إطعام" أي تمليك المكفر أو نائبه بإذنه "عشرة مساكين من المسلمين الأحرار مدا" مفعول إطعام الثاني "لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم"، وهو رطل وثلث بالبغدادي، ومقداره بالكيل حفنتان بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين، ولا صغيرهما، وهو المراد بالمتوسط، فيؤخذ من كلام المصنف خمسة شروط العدد، فلا يجزئ دفعها لأقل من عشرة لا دفع أقل من مد إلا أن يكمل العدد في الأول، والمد في الثاني، ولا لغنى، ولا رجوع عليه به إن دفعه له مع علمه بغناه إذا استهلكه؛ لأنه المسلط له عليه، وإن لم يكن عالما بغناه رجع عليه به إن كان باقيا، فإن فات رجع عليه إن غره بأن أوهمه أنه مسكين، وإن لم يغره فقيل يجزئه وقيل لا يجزئه، وهو المذهب، وعلى الإجزاء فيلزم الآخذ دفع ما أخذه للمساكين، وعلى عدم الإجزاء يلزم المكفر دفعها للمساكين، وهل له رجوع على المدفوع له أو لا؟قولان، ولا تدفع لفقراء أهل الذمة، ولا للأرقاء لغنائهم بالسادات، وزيد على ما ذكره المصنف أن لا يكون الحر المسلم ممن يلزم المكفر نفقته، وإلا لم يجز دفعها له كالزكاة"وأحب إلينا" معاشر المالكية "أن لو زاد" المكفر "على المد" وتلك الزيادة بالاجتهاد عند مالك وعند أشهب تحديدها بكونها "مثل ثلث مد" وحدها ابن وهب بما أشار إليه بقوله: "أو نصف مد" قال خليل: وندب بغير المدينة زيادة ثلثه أو نصفه، وأما المدينة فلا تندب الزيادة لقناعة أهلها وقلة الأقوات بها، ومقتضى التعليل مساواة مكة للمدينة في عدم الزيادة.
ثم بين المخرج منه بقوله: "وذلك" أي المخرج في الكفارة يكون "بقدر" أي بحسب "ما يكون من وسط عيشهم" أي المكفرين فلا يخرج أدنى من الوسط "في غلاء أو" أي، ولا يكلف أعلى لأجل "رخص" لقوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] والمراد بوسط عيشهم الحب المعتاد غالبا، فتخرج الكفارة مما تخرج منه صدقة الفطر، والمعتبر عيش أهل البلد على المشهور، وهو لمالك في المدونة، ومقابله اعتبار عيش المكفر، وهو لابن حبيب وفي كتاب ابن المواز أيضا: ويدل عليه لفظ أهل؛ لأن أهل البلد لا يقال لهم أهل زيد مثلا، والذي يخرج منه صدقة الفطر القمح والشعير والسلت والأرز والدخن والذرة والتمر والزبيب والأقط تسعة أنواع، فلا تخرج الكفارة من غير هذه مع وجود واحد منها، أما إذا عدمت التسعة فيجوز إخراجها من غالب المقتات، ولو لبنا أو لحما" تنبيه " يقوم مقام المد شيئان على سبيل البدلية، أحدهما رطلان من الخبز بالرطل البغدادي مع شيء من الإدام لحم أو لبن أو زيت أو قطنية أو بقل على جهة الندب على المشهور، وثانيهما إشباع العشرة مرتين كغداء وعشاء أو غداءين أو عشاءين، وإن لم يستوف كل واحد قدر المد وسواء كانوا مجتمعين أو متفرقينقال خليل: والكفارة إطعام عشرة مساكين لكل مد، وندب بغير المدينة زيادة ثلثه أو نصفه أو رطلان خبز بإدام كشبعهم أو كسوتهم الرجل ثوبا والمرأة درعا وخمارا، ولو غير وسط أهله، والرضيع كالكبير فيهما، أو عتق رقبة كالظهار، ثم صوم ثلاثة أيام، ولا تجزئ ملفقة، ولا مكرر، ولمسكين، ولا ناقص كعشرين لكل نصف إلا أن يكمل، وهل إن بقي تأويلان، وله نزعه إن بين بالقرعة وقوله: "وإن أخرج" من ترتب عليه كفارة "مدا على كل حال" أي، ولو في زمن الرخص "أجزأه"، ولو في غير المدينة محض تكرارولما كانت كفارة اليمين مخيرة ابتداء بين ثلاثة أشياء وقدم واحدا منها ذكر الثاني بقوله: "وإن كساهم" أي العشرة مساكين المذكورين والمراد أراد كسوتهم "كساهم للرجل قميص" أو إزار تحل به الصلاة على الوجه الكامل "وللمرأة درع" أي قميص "وخمار"، ولو من غير وسط كسوة أهله، ولو عتيقا والمراد بالرجل الذكر وبالمرأة الأنثى؛ لأنه لا فرق بين الصغير والكبير في إعطاء الكسوة والأمداد والأرطال، لكن يشترط في إعطاء الأمداد والأرطال أن يكون الصغير يأكل الطعام، ولو لم يستغن عن الرضاع؛ لأنه يعطى مثل الكبير، وأما في الغداء والعشاء فلا بد من استغنائه عن الرضاع، ولو لم يساو الكبير في الأكل وفي الكسوة يعطى كسوة
كبير من أوساط الرجال، ولو كان رضيعاوأشار إلى ثالث الأنواع الثلاثة المخير فيها المكفر الحر بقوله: "أو عتق" بالرفع لعطفه على إطعام، وهو مضاف إلى "رقبة مؤمنة" سليمة من بين عيب يمنع الكسب كعمى وجنون، وهرم وعرج شديدين لا ما خف كقطع ظفر أو مرض أو عرج خفيفين، ويشترط أيضا سلامتها من شوائب الحرية، فلا يجزئ عتق مكاتب، ولا مدبر، ولا أم ولد، كما يشترط أن تكون ممن يستقر ملكه عليها بعد الشراء احترازا ممن تعتق بالشراء، ويشترط أن تكون كاملة لا الرقبة المشتركة، ولا يشترط كبرها لإجزاء الرضيع، وقولنا المكفر الحر لإخراج العبد فإنه يكفر بالصوم إلا أن يأذن له سيده في الإطعام فيجزئه، وإن كان الصوم أحب إلى مالك، ولا يجزئه العتق، ولو أذن له سيده؛ لأنه لا ولاء له على من أعتقه إنما ولاؤه لسيده، ولا يعتق إلا من يستقر له الولاء" تنبيه " فهم من كلام المصنف كالآية الشريفة أنه لا يصح في كفارة اليمين إخراج دراهم، ولا عروض، كما لا يصح ذلك في صدقة الفطر، وقال أبو حنيفة بصحة ذلك، فينبغي لمن لا يستطيع الإطعام قيمة الطعام أو قيمة الكسوةولما فرغ من المخير فيه شرع فيما يجب ترتبه بقوله: "فإن ذلك" المذكور بدليل قوله "فإن فرقهن أجزأه" فلا يصح صيام من حر مع القدرة على شيء من الثلاثة لوجوب الترتيب بينها وبين الصوم، والمعتبر في عجزه على كلام ابن المواز أن لا يجد إلا قوته أو كسوته ببلد لا يعطف عليه فيه ويخاف الجوع، وهكذا يحكى عن ابن القاسم، والمعتبر العجز حال إخراج الكفارة كما هو المتبادر من كلام المصنف، وإن كان مليا حين الحلف أو الحنث، فإن شرع في الصوم لعجزه عن أقل الأنواع الثلاثة ثم أيسر، فإن كان في أثناء اليوم الأول وجب عليه الرجوع للتكفير بما قدر عليه، وإن كان بعد كمال اليوم الأول وقبل كمال الثالث ندب له الرجوع للتكفير بما قدر عليه" تنبيه " فهم من إتيان المصنف بأن التنويعية أنه لا تجزئ ملفقة، قال خليل: ولا تجزئ ملفقة بأن يطعم خمسة ويكسي خمسة مثلا، والكفارة واجبة على الفور على المشهور من الخلاف لكن بعد الحنثولما كان يتوهم عدم إجزائها إن أخرجها قبل الحنث قال: "وله أن يكفر قبل الحنث أو بعده، و" لكن التكفير "بعد الحنث أحب إلينا" قال خليل: وأجزأت قبل حنثه، وسواء كانت
اليمين يمين بر أو حنث، سواء كان الحلف على فعله أو فعل غيره لكن تقيد يمين الحنث بأن لا تكون مؤجلة فلا تكفرها حتى يمضي الأجل كما في المدونة" تنبيهات " الأول : فهم من قوله: وله أن يكفر أن اليمين مما يمكن تكفيرها قبل الحنث، وذلك في اليمين بالله أو بالعتق المعين أو التصدق بشيء معين، ونظيرها في الإجزاء، وإن لم يعد تكفير الطلاق البالغ الغاية، وأما اليمين بصدقة شيء غير معين أو بعتق لغير معين أو بطلاق لم يبلغ الغاية، فلا يجزئ فعل شيء من تلك المذكورات قبل فعل المحلوف عليه، وإن فعل المحلوف عليه لزمه ما حلف به من طلاق أو عتق أو غيرهما زيادة على ما عجلهالثاني : استشكل قول المصنف: وبعد الحنث أحب إلينا، مع قول خليل: وتجب بالحنث، والجواب أنه لا منافاة بين الأحبية والوجوب، إذ قد تحمل الأحبية على الوجوب، وذلك في أماكن كثيرة في المدونة وغيرها، أو أن الأحبية من حيث كون الإخراج بعد الوجوب، فلا ينافي أن الإخراج واجبالثالث : لم يبين المصنف حكم الإقدام على فعل ما يوجب الحنث، وله خمسة أحكام: الوجوب وذلك بأن يحلف على ترك واجب كصلة رحم، أو صلاة فرض يحلف لا يفعله، فيجب عليه أن يحنث نفسه خروجا من المعصية، والندب كحلفه على ترك مندوب كصلاة الضحى أو زيارة صالح، فيستحب له تحنيث نفسه بالجواز، كحلفه على ترك مباح عليه في تركه مشقة فيباح له تحنيث نفسه، وأما إن لم تلحقه مشقة بتركه فإنه يكره له تحنيث نفسه، والحرمة كأن يحلف لا يشرب خمرا فيحرم عليه تحنيث نفسه كما يجب عليه الكف عنه، ويحنث نفسه عند حلفه ليشربنه ويكفر فإن تجرأ وشربه أثم، ولا كفارة لفعل المحلوف عليه، وسيأتي هذا القسم في كلام المصنفالرابع : علم مما قدمنا أن يمين البر لا يحنث الحالف فيها إلا لفعل المحلوف على تركه اختيارا، ولو فعله مع النسيان أو الجهل أو الغلط أو مكرها إكراها شرعيا لا إن فعله مكرها أو إكراها غير شرعي، فلا يحنث إلا أن يأمر بالإكراه أو يكون المكره هو الحالف، كأن يحلف على غيره لا يفعل كذا وأكرهه الحالف على فعله، أو يكون الحالف يعلم أن غيره يكرهه على فعل ما حلف على تركه فإنه يحنث، راجع شرح الأجهوري على خليل. وأما البر في صيغة الحنث فيحصل بفعل المحلوف على فعله طوعا، وأما لو فعله مكرها ففي عتقها لا يبر، وتحمل يمينه على الطوع إلا أن يدعي نية فعله، ولو مكرها فيصدق في الفتوى، وهذا في حلفه
على فعل نفسه، وأما لو كان حلفه على فعل غيره كحلفه ليقومن زيد ثم أكرهه على القيام فإنه لا يبر، إلا أن ينوي أن يوجد منه قيام طائعا أو مكرها فيبر وتنفعه نيته في الفتوى فقط، وظاهره ولو كانت يمينه بغير طلاق أو عتق معين، وإن لم تكن نية لا يبر؛ لأن يمينه تحمل على قصد فعل المحلوف عليه على وجه الاختيارولما فرغ من الكلام على ما أراده من الأيمان شرع في الكلام على النذر وقد بسطنا الكلام على تعريفه في أول الباب بقوله: "ومن نذر" من المسلمين المكلفين "أن يطيع الله" بأن قال: لله علي صلاة ركعتين أو صوم يوم أو شهر أو زيارة صالح حي أو ميت. "فليطعه" وجوبا بفعل ما نذره، ولو نذره في حال غضب على المعروف من المذهب، وهو المسمى بنذر اللجاج أو قصد به دفع الضرر عن نفسه، وهو المسمى بنذر التبرم بالميم، كمن نذر عتق عبده لكراهة إقامته عنده لكثرة أكله مثلا، فيلزم الوفاء بجميع ذلك، وإن قيل بكراهة بعضه؛ لأن فعل ما ذكر قربة في نفسهقال خليل: النذر التزام مسلم مكلف، ولو غضبان، وأما الكافر فلا يلزمه الوفاء بنذره إن أسلم، وإنما يندب له فقط، وكذا الصبي والمجنون لا يلزمهما الوفاء به بل يستحب لهما الوفاء إذا بلغ الصبي، وأفاق المجنون على ما يظهر، ودخل في المكلف السكران بحرام وأما بغيره فكالمجنون، كما تدخل الزوجة والمريض حيث كان نذرهما بغير مال أو به، ولم يزد على الثلث، كما يدخل الرقيق سواء نذر مالا أو غيره، لكن المال إنما يلزمه الوفاء به إن عتق، بخلاف غيره من صلاة أو صوم فيلزمه الوفاء به الآن إلا أن يمنعه سيده لإضراره به في عمله حيث نذره بغير إذنه أو بإذنه، وكان مضمونا، ويدخل السفيه أيضا، ولو نذر مالا حيث استمر بيده حتى رشد، ولم يبطله عنه وليه في حال سفهه، وإلا يسقط عنه الوفاء به؛ لأن رده لفعله إبطال، والمراد بالطاعة في كلامه كل مأمور به غير واجب بالأصالة، فيدخل المندوب والمسنون، ولو نذر بعض العبادة كلله علي بعض صلاة أو ركعة أو صوم بعض يوم، يلزمه الإكمال عند ابن القاسم خلافا لسحنون، فكلام المصنف أشمل من قول خليل، وإنما يلزم به ما ندب، ولا يقال: كما يتوهم خروج السنة في كلام خليل يتوهم دخول الواجب في كلام المصنف؛ لأنا نقول: إذا أطلق لفظ الطاعة لا ينصرف إلا إلى المطلوب على غير جهة الفرضية فافهم" تنبيه " قد قدمنا أن المراد بالإطاعة وجوب الوفاء بالنذر، لكن لا يلزم من وجوب الوفاء به
القضاء لما قاله العلامة بهرام من أن النذر كيف ما صدقت أحواله لا يقضي به، ولو كان بعتق عبد معين؛ لأن الوفاء به لا يكون إلا بنيته، ولا نية مع القضاء والإكراه، وإنما يقضي ببت معين كأن يقول الرشيد: ابتداء عبدي فلان حر، ومثل النذر في وجوب الوفاء وعدم القضاء الهبة والوقف إذا كانت في يمين مطلقا أو بغيرها لغير شيء معينقال خليل: وإن قال داري صدقة أو وقف أو هبة في يمين مطلقا أو في غيرها لغير معين لم يقض عليه، وأما لمعين في غير يمين فيقضى به كقوله: داري صدقة أو وقف على زيد. وأما لو قال: داري صدقة على مسجد معين في غير يمين فقولان"ومن نذر أن يعصي الله" - سبحانه وتعالى - بشيء كسرقة أو زنا أو قتل "فلا يعصه" بالوفاء بنذره للإجماع على حرمة ارتكاب المعاصي، وهذا الذي ذكره المصنف لفظ حديث، وأما قوله: "ولا شيء عليه" ليس من الحديث. والمعنى: أن ناذر المعصية لا شيء عليه سوى الإثم، وإنما نص على ذلك للرد على أبي حنيفة في قوله: يلزمه كفارة يمين لتمسكه بما ورد في بعض الأحاديث التي ضعفها غيرهفإن قيل: يشكل على كلام المصنف أن من قال علي نحر فلان، ولو قريبا أو حلف بنحر ولده وذكر مقام إبراهيم أي قصته مع ولده أو لفظ بالهدي أو نواه يلزمه الهدي مع أن نذر ما ذكر معصية؟فالجواب: أن هذه خرجت عن الأصل، فهي كالمستثناة من نذر المعصية وبقي ما عداها على المنع، وبأن الناذر أو الحالف لما لفظ بالهدي أو نواه أو ذكر قصة إبراهيم مع ولده دل ذلك على أنه لم يقصد المعصية، وإنما قصد القربة بنحر الهدي، ألا ترى أنه لو قصد بنحر فلان قتله حقيقة لم يلزمه شيء، كما لا يلزم ناذر صوم يوم العيد أو تاليي عيد النحر إلا لمن ترتب عليه نقص في حج" تنبيه " علم من كلام المصنف حكم نذر الطاعة والمعصية، ولم يعلم حكم نذر المكروه والمباح، لما أن فيه خلافا بأن نذر كل واحد تابع لحكمه وبالحرمة فيهما، وهو قول الأكثر، وليس من المكروه الجاري في نذره الخلاف نذر صوم رابع يوم النحر، ونذر الإحرام بالحج قبل أشهره، ونذر ما يشق فعله من صلاة أو صوم، فإن هذه المذكورات يجب الوفاء بنذرها؛ لأن كراهتها لا لذاتها، بخلاف نذر صلاة ركعتين بعد الفراغ من صلاة العصر أو بعد طلوع الفجر فإنه لا يلزم الوفاء بنذرهما، وإن كرها، لئلا يتطرق الناذر بفعلهما إلى إيقاعهما في وقت الطلوع أو الغروب، ومن المكروه الذي يجب الوفاء به نذر يوم مكرر ككل خميس، وأما
المعلق نحو: إن شفى الله مريضي أو إن زنيت أو قتلت فلانا فعلي صوم سنة ففي كراهته تردد وعلى كلا القولين إذا فعل المعلق عليه يلزمه الوفاء به، ولو كان المعلق عليه محرماولما كان النذر لا يلزم الوفاء به منه إلا ما كان قربة، والتصدق بمال الغير لا قربة فيه قال: "ومن نذر" أي التزم من المكلفين "صدقة مال غيره أو" نذر "عتق عبد غيره"، ولم يقصد إن ملكه "لم يلزمه شيء"، ولو ملكه عند عدم القصد لخبر: "ليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك" أي حين نذره، وأما لو قصد التصدق به أو عتقه على تقدير إن ملكه للزمه إن ملكه التصدق به أو عتقه" تنبيه " لم يعلم من كلام المصنف حكم الإقدام على نذر التصدق بمال الغير أو عتق عبد الغير. وفي الشاذلي أنه مكروه، وبحث فيه الأجهوري وارتضى حرمته، ولعل هذا كله عند عدم التقييد بملكه، وأما إن أراد إن ملكه فالظاهر أنه مندوبولما كان النذر ينقسم إلى يمين وغير يمين بناء على أن القصد منه الامتناع من فعل أمر أو لا قال: "ومن قال" من المكلفين "إن فعلت نذر كذا، وكذا فعلي نذر كذا، وكذا لشيء يذكره" بلسانه أو ينويه بقلبه وبين ذلك الشيء بقوله: "من فعل البر من صلاة أو صوم" أو قراءة أو زيارة رجل صالح، ولو ميتا "أو" من تطوع "حج أو عمرة أو صدقة شيء سماه" من ماله كدينار أو شاة مثلا "فذلك" الذي نذره وسماه، وإن معينا استغرق جميع ماله "يلزمه إن حنث" بفعل المعلق عليه، ولو محرما "كما يلزمه" ما سماه من صدقة أو غيرها "لو نذره مجردا" أي "من غير يمين" بأن اقتصر على صيغة النذر كقوله: لله علي صوم أو صوم شهر، أو لله علي هذا الدينار أو التصدق بهذا الدينار على الفقراء، فالحاصل أن النذر إن علق على أمر لقصد الامتناع منه كان يمينا لقول ابن عرفة: لا لامتناع من أمر هذا يمين، وأما لو لم يقصد منه الامتناع من أمر لم يكن يمينا" تنبيهات " الأول : الناذر لشيء من صلاة أو صوم بلفظ أو نية تارة يعين قدرا فيلزم، وتارة يعين ما منه النذر أو الصدقة فيلزم أقل ما يطلق عليه اسم النوع المسمى من صدقة أو نذر، كصلاة ركعتين عند تسمية الصلاة، أو صوم يوم عند تسمية الصوم، وهكذا الصدقة أقل ما يصدق عليه اسمها، ولو ربع درهم حيث لم يقل مالي، وأما لو قال: إن فعلت كذا فعلي صدقة مالي فيلزمه ثلثه كما يأتي. وأما لو قال: علي التصدق بداري أو غيرها مما يسميه فإنه يلزمه، ولو لم يكن يملك سوى الدار.
قال خليل: وما سمى، وإن معينا أتى على الجميع، وأما لو نوى بقلبه شيئا أو تلفظ بغيره فالمعتبر ما نواه بقلبه لا ما تلفظ به بلسانه كالمخالفة عند الإحرام بصلاة أو حجقال خليل: وإن تخالفا فالعقد وفي الحج، وإنما ينعقد بالنية، وإن خالفها لفظه، وما قدمناه من أن من سمى دارا يلزمه إخراجها قال التتائي: وله أن يخرج قيمتها للمساكين، وليس من شراء الصدقةالثاني : قد قدمنا أن النذر سواء وقع على وجه اليمين بأن قصد منه الامتناع من أمر أو لا، وإن وجب الوفاء به لا يقضى به، ولو كان عبدا معينا؛ لأنه لا وفاء إلا مع النية، ومع القضاء لا نية، ومثل النذر في عدم القضاء لو قال: داري صدقة أو حبس على المساكين أو على رجل بعينه في يمين وحنث قال خليل: وإن قال: داري صدقة بيمين مطلقا أو بغيرها، ولم يعين لم يقض عليه، وإنما يقضي ببت معين نحو: عبدي مرزوق حر. قال في المدونة: ومن بت عتق عبد عتق عليه بالقضاء، ولو نذر عتقه لم يقض عليه؛ لأن هذه عدة جعلها الله من أعمال البر فيؤمر بها، ولا يجبر عليها، انظر التتائي وغيرهالثالث : إذا نذر حجا أو حلف به وحنث لم يلزمه المشي إلا مع الاستطاعة، وأما لو عجز عن التوجه بحيث لا يستطيع لا ماشيا، ولا راكبا فإنه لا يلزمه شيء بنذره؛ لأنه في تلك الحالة من نذر غير المندوب؛ لأن المنذور ليس بأقوى من الفرض الأصليولما فرغ من حكم النذر المعين شرع في حكم النذر المبهم بقوله: "وإن لم يسم" الناذر "لنذره مخرجا" أي لم يعين شيئا "من الأعمال" المعدودة للبر، ولا من الذوات التي يتقرب بها بأن قال: لله علي نذر أو قال: إن فعلت كذا فعلي نذر ثم فعله "فعليه كفارة يمين"؛ لأن النذر المبهم عند مالك حكمه حكم اليمين بالله كفارة، ولغوا واستثناء، فمحل لزوم الكفارة به ما لم يستثن، وما لم يكن لغواقال الأجهوري: النذر المبهم كاليمين بالله في الاستثناء واللغو والغموس والكفارة، وإنما يتخالفان في أنه إذا كرر لفظ النذر تكررت عليه الكفارة إلا أن ينوي الاتحاد بخلاف اليمين بالله، فقد سمع ابن القاسم في الحلف بعشرين نذرا عشرين كفارة، ومفهوم قوله: وإن لم يسم أنه لو سمى لنذره مخرجا بأن عين ما نذره بلفظ أو نية فإنه يلزمه ما عينه كما تقدم؛ لأن ما هنا مفهوم ما سبق. "فرع" قال في كتاب محمد: إن قال: لله علي نذر لا يكفره صيام، ولا
صدقة، ولا غير ذلك فليستغفر الله ويكفر كفارة يمين، ومثل ذلك إذا قال: علي نذر لا كفارة له فليستغفر الله ويخرج كفارة يمينومن نذر معصية من قتل نفس" يحرم قتلها، ولو بالافتيات على الإمام. "أو" من "شرب خمر أو شبهه" من كل مغيب للعقل "أو" نذر فعل "ما ليس بطاعة ولا معصية" كالمباح والمكروه مثال المباح علي نذر بيع هذه السلعة أو لبس هذا الثوب، ومثال المكروه نذر علي صلاة ركعتين بعد الفجر أو بعد صلاة العصر "فلا شيء عليه" لما قدمنا من أنه لا يلزم بالنذر إلا ما كان مندوبا وطاعة في الأصل، وإن كره لعارض فيدخل نذر يوم مكرر ورابع النحر، وهذا قد تقدم، وإنما ذكره هنا لأجل قوله: "وليستغفر الله" أي يتوب ويتقرب إليه بما قدر عليه، ولو بصدقة بفلس، وظاهر إطلاق المصنف رجوع الاستغفار إلى كل ما لا يلزم الوفاء به حتى المباح والمكروه، وهو ظاهر على حرمة نذرهما، وفسرنا الاستغفار بالتوبة؛ لأن الفقهاء إذا أطلقته تريد به التوبة، والظاهر وجوبها إن كان ما اقترفه معصية، وندبها إن لم يكن كذلك وحررهولما فرغ من بيان حكم من نذر معصية شرع في بيان حكم من حلف على فعلها بقوله: "وإن حلف" المكلف "بالله" أو بصفة من صفاته التي تنعقد بها اليمين "ليفعلن معصية" مثل أن يقول: والله لأشربن الخمر أو لأقتلن زيدا "فليكفر" وجوبا "عن يمينه، ولا" يجوز له أن "يفعل ذلك" المحلوف عليه. ومثل الحلف بالله الحلف بالنذر المبهم، وأما لو كانت اليمين مما لا تكفر كالحلف بالطلاق أو العتق لوجب عليه طلاق الزوجة وعتق العبد لكن بحكم حاكم، بدليل أنه لو فعل المعلق عليه قبل الحكم عليه لبر، وإليه أشار بقوله: "وإن تجرأ وفعله" أي المحلوف عليه من أنواع المعاصي "أثم، ولا كفارة عليه ليمينه" إن كانت يمينه مما تكفر، ولا يلزمه طلاق، ولا عتق لفعل المعلق عليه"ومن قال علي" بشد الياء "عهد الله" أي بقاؤه "وميثاقه في يمين" واحدة أي في الحلف على شيء واحد لا فعلت كذا أو إن فعلت كذا "فحنث" بفعل المحلوف على تركه "فعليه كفارتان"؛ لأن علي عهد الله يمين، وميثاقه يمين أخرى، وهذا الذي ذكره المصنف مبني على تعدد الكفارة بتعدد الصيغ المحلوف بها سواء ترادف معناها كما هنا؛ لأن العهد والميثاق يرجعان لكلام الله وإلزامه، وكالقرآن والمصحف والكتاب، أو اختلف كالعلم والقدرة، وهو خلاف المشهور، والمعتمد في المذهب خلاف ما مشى عليه المصنف وأنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة، ولو كانت اليمين بألفاظ مختلفة المعاني أو بجميع الأسماء والصفات، سواء قصد الحالف
بتعددها التأكيد أو الإنشاء أو لا قصد له إلا أن ينوي كفارات فتتعدد، وأشار خليل إلى ما تعدد فيه بقوله: وتكررت إن قصد تكرر الحنث أو كان العرف كعدم ترك الوتر أو نوى كفارات، وسيأتي بقية ما تتعدد فيه، واحترز بقوله: في يمين واحدة بالمعنى الذي قدمناه من أن المراد وحدة المحلوف عليه عما لو تعدد المحلوف عليه بأن قال: علي عهد الله ما أكلم زيدا، وعلي ميثاق أو عهد لا أكلم عمرا فيفعل الجميع ويكلمهما فتتعدد الكفارة"وليس على من وكد" أي قوى "اليمين فكررها في شيء واحد" أي في الحلف على شيء واحد "غير كفارة واحدة" مثل أن يقول: والله ثم والله ثم والله لا أفعل كذا وفعله فإنما عليه كفارة واحدة، ومقتضى كلامه أنه لو قصد التأسيس أو لا قصد له تتعدد عليه الكفارة، وليس كذلك، بل المعتمد أنه لا تتعدد عليه، ولو قصد التأسيس والإنشاء وأولى إن لم يقصد شيئا. قال العلامة خليل بالعطف على ما فيه كفارة واحدة: ووالله ثم والله، وإن قصده أي التأسيس وسواء كانت الأيمان في مجلس أو مجالس، والظهار مثل اليمين بالله بخلاف ألفاظ الطلاق فإنه يتعدد بتعددها إلا أن ينوي التأكيد إذا كررها بغير عطف، وكان فسقا؛ لأن العصمة يشدد فيها أكثر من غيرها، ولأن الطلاق الثاني أو الثالث يحصل به ما لا يحصل بما قبله، ومفهوم في شيء واحد أنه لو تعدد المحلوف عليه لتعددت الكفارة بتعدده كما قدمناه" تنبيهان " الأول : إذا علمت ما ذكرنا ظهر لك أنه لا مفهوم لقول المصنف وكذا اليمينالثاني : قد قدمنا أن النذر المبهم كاليمين بالله إلا في تعدد الكفارة فيه عند تعدده بخلاف اليمين بالله، فإذا قال: علي نذر ونذر لزمه كفارتان إلا أن ينوي الاتحاد، وأما اليمين فلا يلزم عند التعدد إلا كفارة إلا في مسائل أشار إليها العلامة خليل بقوله: وتكررت إن قصد تكرر الحنث أو كان العرف كعدم ترك الوتر أو نوى كفارات بحلفه على شيء واحد، وكرر اليمين ونوى إن فعله فعليه كفارات بعدد المقسم به فإن الكفارة تتعدد بتعدده، أو قال لا، ولا علي شيء واحد، وكرر لفظ القسم أو حلف أن لا يحنث، راجع شراح خليلثم شرع في ألفاظ تستعملها العوام عند قصدها الامتناع من أمر، وليست من ألفاظ اليمين بقوله: "ومن قال" من المسلمين "أشركت بالله" أو كفرت بالله "أو هو يهودي" قاصدا نفسه "أو" قال هو "نصراني" أو يكون عابد صنم أو يكون خنزيرا "إن فعل كذا" أي لا يفعل كذا وفعله "فلا يلزمه" شيء "غير الاستغفار"؛ لأن الكفارة إنما تكون في الأيمان المنعقدة، وما ذكره لم ينعقد به يمين، والمراد بالاستغفار التوبة لارتكابه أمرا محرما، ويطلب منه زيادة على التوبة
التقرب بشيء من أنواع القربات كعتق أو صدقة أو صوم، ولا يلزمه إعادة الشهادتين، ولو قال: إن فعل كذا يكون مرتدا أو على غير ملة الإسلام، أو يكون واقعا في حق رسول الله، بخلاف من حلف بنحو اللات والعزى مع قصد تعظيمها فإنه يكفرقال خليل: وإن قصد بكالعزى التعظيم فكفر فلا بد من إتيانه بالشهادتين، وأما ما يقع من بعض العوام من قوله: إن فعل كذا يكون داخلا على أهله زانيا فاسقا ويفعله فالظاهر أنه يلزمه به الطلاق الثلاث؛ لأنه إنما يكون زانيا بمن كانت زوجة إذا كان طلاقها ثلاثا، وحرر المسألة فإن هذا بحث لبعض شيوخنا" تنبيه " ما ذكره من عدم ارتداد المتكلم بهذا اللفظ في اليمين يقتضي بحسب مفهومه أنه لو قال: أشرك بالله أو هو يهودي أو نصراني من غير يمين يكون مرتدا يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب، وإلا قتل، وهو كذلك؛ لأن هذه الألفاظ يحصل بها الارتداد على هذا الوجه، راجع شراح خليل في باب الردة"ومن حرم على نفسه شيئا مما أحل الله له" من طعام أو من شراب أو لبس ثوب أو نحو ذلك "فلا شيء عليه" سوى الاستغفار لإثمه بهذه الألفاظ، ولا يحرم عليه ما حرمه على نفسه؛ لأن المحرم والمحلل إنما هو الله - تعالى - وقد ذم الله فاعل ذلك بقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] وقال - تعالى -: و {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]وإنما نص المصنف على ذلك للرد على أبي حنيفة في إيجابه الكفارة على قائل هذا اللفظ، ولما كان من جملة ما أحل الله الاستمتاع بالزوجة، وكان تحريمها ليس لغوا قال: "إلا" التحريم الواقع من المكلف "في زوجته فإنها تحرم عليه"؛ لأن تحريمها طلاقها، والله - تعالى - جعل للأزواج الطلاق فتطلق عليه بذلك ثلاثا، ولا تحل له "إلا بعد زوج"، ولا ينوي في الدخول بها بخلاف غيرها فيلزمه الثلاث إلا أن ينوي أقل، وأما تحريم الأمة فكتحريم الطعام والشراب لا يلزم بتحريمه إلا الاستغفار، إلا أن يقصد بتحريم الأمة عتقها فتعتق عليه، ولا يحل له وطؤها بعد ذلك إلا بعقد نكاح برضاها وبصداق وشهود كالأجنبيةقال العلامة خليل: وتحريم الحلال في غير الزوجة والأمة لغو، وما يقال من لزوم كفارة يمين في الأمة؛ "لأنه عليه الصلاة والسلام كفر في الأمة" فمحمول على أنه عليه الصلاة والسلام إنما كفر لحلفه بالله أن لا يقرب أم ولده إبراهيم؛ لأنه حرمها.
" تتمات " الأولى : من قال أيمان المسلمين تلزمه أو الأيمان تلزمه أو كل الأيمان تلزمه من كل لفظ يدل على عموم الأيمان أن لا يفعل كذا وحنث، فالمشهور أنه يلزمه جميع الأيمان حتى صوم سنة إن اعتيد الحلف به، ويلزمه في الزوجة الطلاق الثلاثقال خليل: وزيد في الأيمان تلزمني صوم سنة إن اعتيد حلف به، وهذا إذا اقتصر على هذا اللفظ، وأما لو قال الأيمان تلزمه وامرأته طالق فقال المغربي: يلزمه في الزوجة طلقة واحدة إلا أن ينوي أكثرالثانية : لو قال شخص: علي أشد ما أخذ أحد على أحد إن فعلت كذا وفعله فإنه يلزمه البتات في الزوجة وعتق من يملكه يوم يمينه والتصدق بثلث ماله والحج ماشيا، وكفارة يمين، وإنما لزمه ما ذكر لاختلاف أحوال الناس؛ لأن منهم من يتوثق على غيره بالطلاق، ومنهم من يتوثق على غيره بالمشي، ومنهم من يتوثق على غيره بغير ذلك فاحتيط وألزم الحالف بهذا اللفظ جميع الأيمان التي اعتيد الحلف بها، إما للحالف، وهو قول ابن بشير، أو لأهل البلد، وهو قول ابن عبد السلام، لا ما لا يعرف الحلف به لأحد كمشي لمسجد المدينة أو رباط أو اعتكاف أو تربية أيتام فلا يلزم قال خليل في توضيحه: وينبغي اعتبار العادة في الصوم وغيره، ومثله لابن عبد السلام وابن فرحون والجميع تابعون للقرافي حتى قال: إن من أفتى بما في الكتب حيث تغيرت العادة فقد خالف الإجماع؛ لوجوب العمل بالعادة المتجددة حيث تغيرت في سائر الأحكام المبنية على العرف والعادة فيجب على المفتي السؤال عن عرف بلد الحالف، ويعمل بعرف بلده، ولو خالف المسطر في الكتب. وأما الأحكام المنصوصة عن الشارع كتحريم الخمر والزنا وغير ذلك فلا ينظر إلا لما ورد عن الشارع، ولو خالفه العرف والعادة؛ لأنها من العوائد الفاسدة، والعرف لا يعول عليه إلا فيما هو مبني على العرف فافهم فإنها قاعدة عظيمة، راجع الأجهوري في شرح خليل. الثالثة: لو قال شخص لزوجته: أنت طالق كلما حللت حرمت فهل تحل له بعد زوج أم لا؟في جوابه تفصيل محصله إن قصد كلما حل لي العقد عليك فهو حرام لم يلزمه شيء؛ لأنه بمنزلة تحريم الطعام وبمنزلة قوله لأجنبية أنت حرام، ولم يقصد بعد نكاحها، وإن قصد كلما حللت وتزوجتك فأنت حرام فإنها لا تحل له أبدا، وإن لم يقصد واحدا من هذين فالظاهر حمله على الثاني لكثرة قصد الناس له"ومن جعل" أي صير "ما له صدقة أو" جعله "هديا" إلى بيت الله الحرام سواء جعله على جهة النذر أو الحلف وحنث "أجزأه ثلثه" حين يمينه قال خليل: وثلثه حين يمينه إلا أن ينقص
فما بقي بما لي في كسبيل الله، وهو الجهاد والرباط بمحل خيف، والدليل على ذلك خبر الموطإ: "أن أبا لبابة حين تاب الله عليه قال: يا رسول الله أهجر دار قومي التي أصبت الذنب فيها وأجاورك وأنخلع من مالي صدقة لله، ولرسوله؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: "يجزئك من ذلك الثلث" فقوله عليه الصلاة والسلام: يجزئك من ذلك الثلث يدل على أنه التزم الصدقة بجميع ماله؛ لأن الإجزاء فرع شغل الذمة، وماله يشمل عرضه ودينه وقيمة كتابة المكاتب، وليس منه أم الولد والمدبر، وإنما يلزم ثلث ماله بعد أدائه ديونه ومهر زوجته، وإنما الثلث بحين يمينه للاحتراز عما لو حلف وعنده كثير، ولم يحنث حتى نقص فالمعتبر ثلث الباقي، فلو تأخر الإخراج حتى ضاع المال، ولو جميعه فلا شيء عليه، ولو بتفريط على ما في هبات المدونة خلافا لشارحها أبي الحسن" تنبيهات " الأول : مفهوم جعل ماله أنه لو سمى شيئا كما لو قال: علي التصدق بالشيء الفلاني كبيت أو سلعة أخرى فإنه يلزمه جميعه، ولو استغرق جميع مالهقال خليل: وما سمى، وإن معينا أتى على الجميع، ومثل ذلك إذا قال: علي التصدق بمالي إلا كذا فإنه يلزمه جميعه إلا ما استثناه، ولو قل الفرق بين مالي في سبيل الله، ولم يستثن يلزمه الثلث وبين من سمى يلزمه جميع ما سماه، إن من سمى لم يضيق على نفسه بل أبقى لنفسه شيئا، ولو ثياب ظهره، ومن قال مالي، ولم يستثن شيئا ضيق على نفسه؛ لأن لفظ مالي يستغرق جميع ما يملكه، ولو لم يعلم به فخفف عنه واكتفى منه بثلثهالثاني : أشعر قول المصنف أجزأه أنه لا يقضى عليه بذلك، وإن وجب عليه الإخراج لما تقدم من أن النذر، ولو لمعين لا يقضى به، ومثله الصدقة أو الحبس إذا كانت بيمين مطلقا أو بغيرها على غير معين، وأما لو كانت بغير يمين، ولمعين لقضى بها؛ لأنه التزام معروف، وقال الإمام مالك رضي الله عنه: من التزم معروفا لزمه، فالهبة ونحوها إذا كانت لمعين وبغير يمين يقضى بها كما قدمناه عن خليلالثالث : لو حلف بصدقة جميع ما يستفيده أبدا أو قال: جميع ما أستفيده صدقة للفقراء أو في سبيل الله لا يلزمه شيء للحرج والمشقة، بخلاف ما لو عين زمانا أو مكانا فيلزمه ثلث ما يكتسبه أو يستفيده في هذا الزمان أو المكان يدفعه في الجهة التي عينها"ومن حلف بنحر ولده" أو غيره من أقاربه أو أجنبي، وحنث أو نذر ذلك أو نذر نحر نفسه"فإن ذكر" الحالف أو الناذر أو نوى في قلبه "مقام إبراهيم" الخليل أي قصته مع ولده في التزامه
ذبحه وفداه بالهدي لا مقام الصلاة. "أهدى" أي أخرج وجوبا "هديا" يجزئ ضحية "يذبح" أو ينحر "بمكة" إن لم يسق في حج ويوقف به في عرفة على ما مر، وإلا ذكي في منى، ويستحب إخراج الأعلى كبدنة، وإلا فبقرة بقرينة قوله: "ويجزئه شاة" لكن مع الكراهة حيث قدر على أعلى منها" تنبيه " علم مما قررنا لا مفهوم لقوله ذكر مقام إبراهيم بل مثله لو نوى أو ذكر موضع النحر كمكة أو منى أو موضعا من مواضعها أو لفظ بالهدي فيلزمه الهدي في القريب والأجنبي؛ لأن نية الهدي أو ذكره قرينة على إرادة القربة، ولا فرق بين النذر والحلف. "و" مفهوم ما تقدم "إن لم يذكر المقام"، ولا نواه، ولا لفظ بالهدي، ولا ذكر موضع الذبح أو لم يقصد القربة بل قصد قتل ولده أو لم يقصد شيئا "فلا شيء عليه" من هدي، ولا كفارة، وإنما عليه الاستغفار والتوبة من ذلك، إلا أن يكون من نذر نحره أو حلف بنحره عبده فعليه هدي. قال العلامة خليل: ولا يلزم في مالي في الكعبة أو بابها أو كل ما أكتسبه أو هدي لغير مكة أو مال غير إن لم يرد إن ملكه أو على نحر فلان، ولو قريبا إن لم يلفظ بالهدي أو ينوه أو يذكر مقام إبراهيم، فالأحب حينئذ بدنة كنذر الهدي ثم بقرة"ومن حلف" من المكلفين "بالمشي إلى مكة"، ولم ينو حجا، ولا عمرة، ولا صلاة، ولا صياما بأن قال: إن فعلت كذا فعلي المشي إلى مكة أو البيت أو إلى جزء متصل به كالحجر والملتزم والركن والباب "فحنث فعليه المشي"، ومثل الحلف لو نذر بأن قال: لله علي المشي إلى مكة أو إلى البيت، وكل من لزمه المشي يمشي "من موضع" نواه في النذر والحلف فإن لم يكن له نية فإنه يلزمه المشي من موضع نذره، وفي الحلف من موضع "حلفه" فإن حنث بموضع غير موضع الحلف؛ فإنه يلزمه المشي منه إن كان مثل موضع الحلف في البعد، وإن كان دون موضع الحلف، ولو يسيرا رجع إلى موضع الحلف، ومشى منه، إلا أن يكون ممن لا يستطيع مشي جميع الطريق فيمشي من موضعه ويهدي، وقولنا في البعد إشارة إلى أن المراد المثلية في المسافة لا في الصعوبة والسهولة، ويتعين عليه إن لم يعين موضعا لمشيه المشي من الموضع المعتاد للحالفين، ولغيرهم أو للحالفين فقط، وإن اختلف طريق الحالفين في القرب والبعد فيجوز المشي، ولو من القريبة حيث اعتيد المشي منها، فإن لم يكن للحالفين موضع معروف فيمشي من موضع نذره أو حلفهوإذا خرج الحالف أو الناذر فإن لم يعين شيئا من حج أو عمرة "فليمش" أي يجعل مشيه "إن
شاء في حج أو عمرة"؛ لأن المشي إلى مكة اعتيد لكل منهما، ولأن المشي إليها يستلزم دخول الحرم، ولا يجوز لأحد مجاوزته من غير إحرام إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام والمتردد عليها كالحطاب والفكاه وغيرهما، وأما لو عين نذره حين حلفه حجا أو عمرة فإنه يلزمه الإحرام بذلك المعين. قال خليل عاطفا على ما يلزم: ومشى لمسجد مكة، ولو لصلاة ولو نافلة" تنبيهات " الأول : ما ذكره المصنف من أن ناذر المشي أو الحالف به غيرنا وشيئا يخير في إحرامه بحج أو عمرة قيده اللخمي بمن كان محله قريبا من مكة، وأما من كان محله بعيدا بحيث لا يقصد بمشيه إلا الحج فهذا يجعل مشيه في حج فقط لا عمرةالثاني : المصنف بين مبدأ المشي ولم يتعرض لغايته، وبينها خليل بقوله: لتمام الإفاضة وسعيها أي فيمشي لتمام طواف الإفاضة إن جعل مشيه في حج، وإن جعله في عمرة يمشي حتى يفرغ من سعيهاالثالث : مفهوم قوله: حلف بالمشي أن من حلف أو نذر بالمسير أو الذهاب لا يكون حكمه كذلك، أي لا يلزمه مشي إلا أن ينوي حجا أو عمرة فيلزمه ما نواه، وله أن يركب إلا أن ينوي ماشياقال خليل: ولغى على المسير والذهاب والركوب لمكة، ومطلق المشي من غير تقييد بمكة، ولا البيت إلا أن يكون قصد أحد النسكين الحج أو العمرة فيلزمه ذلك راكبا إلا أن ينوي المشي. "فإن قيل" المسير والذهاب كالمشي فلم لزم الحج أو العمرة في المشي دون غيره؟. فالجواب: أن العرف اشتهر فيه استعمال لفظ المشي في الحج أو العمرة بخلاف لفظ نحو المسير أو الركوب، وأيضا السنة جاءت بذلكالرابع : قد قدمنا أن مثل تسمية مكة تسمية البيت أو جزء متصل به، وأما لو قال: علي المشي إلى الصفا أو المروة أو عرفة فلا يلزمه شيء إلا أن ينوي أحد النسكين أو ينوي الحج عند قوله إلى عرفة فيلزمه ما نواهالخامس : كل من لزمه المشي لا يجوز له الركوب مع القدرة، ولو كانت عادته الركوب، ولا يجوز له أيضا ركوب البحر، ولو اعتيد لسفر الحج إلا لضرورةقال خليل: وبحر اضطر له لا اعتيد على الأرجح، وصورة الاضطرار أن ينذر المشي إلى
مكة والحال أنه في جزيرة في البحر مثلاالسادس : تكلم المصنف على الحالف بالمشي إلى مكة أو الناذر من بلده وسكت عما لو كان الحالف أو الناذر بالمشي قاطنا بمكة، وأشار إليه خليل بقوله: وخرج من بها وأتى بعمرة، فإذا قال: لله علي المشي إلى بيت الله أو إلى مكة، وهو ساكن بها فإنه يجب عليه الخروج إلى الحل، ويحرم بعمرة؛ لأن قصد الناذر أو الحالف بالمشي إلى مكة الإتيان من غيرها إليها وأول ذلك الحل. السابع: يجب حمل قوله: فليمش إن شاء في حج أو عمرة على القول بأن حجة الصرورة واجبة على التراخي أو أن ما هنا محمول على غير الصرورة، وحينئذ فلا معارضة بين ما هنا وبين قوله الآتي وعلى الصرورة جعل مشيه في عمرة، هذا ملخص كلام التحقيق"فإن عجز عن المشي" الناذر أو الحالف إلى مكة بعد خروجه معتقدا القدرة على مشي جميع الطريق "ركب" في بقية المسافة ويمضي على فعله "ثم يرجع" مرة "ثانية إن قدر فيمشي أماكن ركوبه" بشرطين: أحدهما أن يكون ركب كثيرا أو يكون ركب المناسك فقط، وهي أفعال الحج من حين خروجه من مكة إلى رجوعه من عرفة إلى منى والكثرة بحسب مسافته. والشرط الثاني ما أشار إليه بقوله: إن قدر على المشي حين رجوعه وأشعر قوله يمشي أماكن ركوبه أنها معروفة له وأما لو لم يعلم أماكن ركوبه بل التبست عليه لوجب عليه في رجوعه أن يمشي الجميع، ولا هدي عليه، وأشار إلى مفهوم قوله إن قدر بقوله: "فإذا علم" من ألزمناه الرجوع أو غلب على ظنه "أنه لا يقدر" على المشي إذا رجع سقط عنه الرجوع، و "قعد وأهدى" كما لو نذر المشي مع عجزه فإنه يركب ويهدي، ومثل ذلك لو نوى أنه لا يمشي إلا ما لا مشقة عليه في مشيه، فإنه لا يكلف مشي ما يشق عليه ويركب، ولو كان شابا ويهدي وتبرأ ذمته"وقال عطاء" بن أبي رباح الفقيه لا المحدث "لا يرجع ثانية، وإن قدر" على المشي في رجوعه "ويجزئه الهدي" عن المشي، وهذا خلاف المعتمد والأول هو المعتمد، ولذا اقتصر عليه خليل حيث قال: ورجع وأهدى إن ركب كثيرا، وإذا رجع فإنه يجعل مشيه في مثل المعين، وإن لم يكن عين شيئا لا بلفظ، ولا نية فله المخالفة" تنبيه " ظاهر قوله: فإن عجز إلى قوله: ثم يرجع ثانية وجوب الرجوع، ولو كان محله بعيدا جدا كإفريقية، وليس كذلك بل محل لزوم الرجوع ثانية إن كان منزله قريبا من مكة كالمصري، ومن قاربه لا من بعد جدا كالإفريقي، ومن يقاربه ممن بعد عن المصري فلا يلزمه رجوع، وإنما عليه الهدي، كما لا يلزم من ركب قليلا كالإفاضة أو كان العام معينا وركب جميع الطريق فإنه
يهدي، ولا يرجع، وكذا لو فاته الحج في العام الذي عينه لعذر، بخلاف لو عين العام وترك المشي فيه اختيارا فإنه يلزمه القضاء في ثاني عام. "وإذا كان" الحالف بالمشي المبهم أو الناذر "صرورة" أي لم يحج حجة الإسلام "جعل ذلك" المشي "في عمرة" يوفي بها نذره "فإذا طاف وسعى" لها "وقصر أحرم بالحج" وجوبا "من مكة بفرضه" لبراءة ذمته من النذر بالتحلل من العمرة، وهذا بناء على وجوب الحج على الفورقال خليل: وعلى الصرورة جعله في عمرة ثم يحج من مكة على الفور، وحملنا كلام المصنف على الحالف بالمشي على جهة الإبهام للاحتراز عما لو حلف أو نذر شيئا معينا من حج أو عمرة فإنه يجعل مشيه فيما عينه، ومفهوم صرورة أن غير الصرورة يجعل مشيه المبهم فيما شاء من حج أو عمرة" تنبيه " أشعر قوله جعله في عمرة وبعد طوافه وسعيه وتقصيره يحرم بحج أنه لا يحرم بالحج ناويا نذره وفرضه مفردا أو قارنا فإن فعل أجزأه عن النذر، وهل إجزاؤه عن نذره فقط مقيد بأن لا يكون عين في نذره أو يمينه حجا بأن نذر عمرة أو مشيا مطلقا، وأما لو كان عين في نذره أو يمينه حجا فلا يجزئ عن واحد منهما، أو إجزاؤه عن النذر فقط غير مقيد في ذلك تأويلان أشار إليهما خليل بقوله: وإن حج ناويا نذره وفرضه قارنا أجزأ عن النذر، وهل إن لم ينذر حجا تأويلان. "و" حيث جعل الحالف أو الناذر مشيه المبهم في عمرة "كان متمتعا" أي صار متمتعا لإتمام عمرته في أشهر الحج وحجه في عامه ويلزمه الهدي حيث كان آفاقيا. "والحلاق في" حق "غير هذا أفضل من التقصير وإنما يستحب له التقصير في هذا" الذي جعل مشيه في عمرة "استبقاء للشعث في الحج" الواجب عليه الإحرام به في عامه؛ لأنه بتمام عمرته يحرم بالحج فيطلب منه بقاء شعثه حتى يتحلل منه لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحاج أشعث أغبر" 1 وغير الناذر أو الحالف المذكور الأفضل في حقه الحلاق؛ لأنه لا يطلب منه بقاء الشعث" تتمة " تشتمل على مسائل متعلقة بمن حلف بالمشي إلى مكة أو نذره، منها: من حلف بالمشي أو نذره ونوى الرجوع منها بغير إحرام ففي هذا خلاف قيل يلزمه الاستغفار فقط بناء على جواز دخول مكة بلا إحرام، وهو ضعيف، والمشهور أنه يلزمه الإحرام بحج أو عمرة إن مشى في أشهر الحج أو بعمرة إن مشى قبل أشهر الحج. ومنها: من نوى عند نذره أو حلفه فعل خصوص الطواف فقيل إنه يلزمه ما نواه فقط بناء على جواز دخولها بلا إحرام، وأيضا
ـــــــ
1 لم أقف عليه بهذا اللفظ.
الطواف عبادة يجوز انفرادها، والمشهور خلاف هذا، والواجب عليه الإحرام بالعمرة. وأما لو نوى السعي بين الصفا والمروة خاصة فينبني على ناذر طاعة ناقصة، فمن ألزم نذر الطاعة الناقصة يقول بلزوم الإحرام بعمرة؛ لأن السعي لا يكون إلا أثر طواف، ومقابله لا شيء عليهولما فرغ من الكلام على الحالف أو النذر بالمشي إلى مكة شرع في الناذر أو الحالف بالمشي إلى المدينة أو بيت المقدس بقوله: "ومن نذر مشيا إلى المدينة أو" نذر المشي "إلى بيت المقدس أتاهما"، ولو "راكبا"؛ لأن لزوم المشي إنما يجب في نذره إلى مكة، وظاهر كلام المصنف أنه يلزمه الإتيانولو كان حين النذر في أحد المسجدين وهو أحد قولين أشار إليهما خليل بقوله: وهل وإن كان ببعضها أو إلا لكونه بأفضل خلاف، ثم بين شرط لزوم الإتيان إلى المدينة أو بيت المقدس بقوله: "إن نوى" بمشيه أي سيره إليهما "الصلاة"، ولو نفلا، ومثل الصلاة الصوم والاعتكاف "بمسجديهما" ويقوم مقام نية الصلاة في هذين المسجدين تسميتهما. قال خليل عاطفا على ما لا يلزم: ومشى للمدينة أو إيلياء إن لم ينو صلاة بمسجديهما أو يسمهما فيركب "، وإلا" بأن لم ينو الصلاة، وما معها بمسجديهما، ولا سماهما "فلا شيء عليه" من هدي، ولا غيره؛ لتركه الإتيان إليهما في تلك الحالة، لأن مجرد المشي لا قربة فيه، بخلاف ناذره إلى مكة فإنه اشتهر في الإتيان إليها للحج أو العمرة، ولذلك قال خليل: ولزم المشي إلى مسجد مكة، ولو لصلاة، والحاصل أن ناذر المشي إلى مكة يلزمه، ولو لم ينو صلاة، ولا صوما، ولا غيرهما ويجعله عند التعيين فيما عينه، وعند عدم التعيين في حج أو عمرة، وأما ناذر المشي إلى غيرها ففيه تفصيل بين كونه إلى المدينة أو إيلياء، وقد بين المصنف حكمه فيهماوشرع في بيان حكمه في غيرهما بقوله: "وأما" ناذر المشي إلى أحد المساجد "غير هذه الثلاثة مساجد" مسجد مكة والمدينة، وإيلياء "فلا" يلزمه أن "يأتيها" من موضع نذره لا "ماشيا، ولا راكبا لصلاة نذرها" فيها، ولا لاعتكاف، ولا لصوم. "وليصل" أو يعتكف أو يصم "بموضعه"، ولا يترك فعل ما نذره؛ لأنه طاعة ويسقط عنه السعي؛ لأنه لا قربة فيه إلى غير مكة، وظاهر قوله: وليصل بموضعه، ولو كان الموضع الذي نذر الصلاة فيه قريبا لموضعه، وهذا قول ومقابله يحكى الخلاف في القريب جدا، فقيل: يلزمه الإتيان إليه، وقيل: يفعل ما نذره بموضعه، ولا يلزمه الإتيان إلى غيره، ولو قرب جدا كالأميال اليسيرة. قال خليل بالعطف على ما يلغى: ومشي لمسجد، وإن لاعتكاف إلا القريب جدا فقولان. قال شارحه:
أي إن من نذر المشي إلى مسجد غير الثلاثة ولو لاعتكاف أو صلاة فيه فإنه لا يلزمه ما نذره فيه وإنما يفعله بموضع نذره إلا القريب جدا ففيه قولان بالإتيان إليه وعدمه ويفعل منذوره بموضعه كالبعيدوالدليل على ما قال المصنف خبر مسلم وغيره: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" 1، ولا يشكل على المشهور خبر: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" 2؛ لأنه عام مخصوص بهذه وخصت لزيادة الفضل بها فلا يلحق بها غيرها" تنبيه " لا منافاة بين ما ذكره المصنف من عدم لزوم المشي إلى غير المساجد الثلاثة، وبين ما قالوه من أن ناذر زيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم أو زيارة رجل صالح حي أو ميت يلزمه، ولو كان بموضع بعيد عن الناذر، ولكن لا يلزمه المشي؛ لتوقف الوفاء بالنذر على السعي إليه، بخلاف ناذر الصلاة في غير المساجد الثلاثة يحصل له الثواب في أي مسجد؛ لأنه لم يرد تفاضلها في غير المساجد الثلاثة. ولكن وقع الاختلاف فيما بين مكة والمدينة بعد الاتفاق على أن بيت المقدس دونهما في الفضل، فالذي ذهب إليه مالك أن المدينة أفضل ووافقه على هذا أكثر أهل المدينة، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في أشهر الروايتين عنه: إن مكة أفضلقال خليل: والمدينة أفضل، ثم مكة أفضل من بيت المقدس، وبيت المقدس أفضل من جميع المساجد المنسوبة له صلى الله عليه وسلم كمسجد قباء ومسجد الفتح، ومسجد العيد، ومسجد ذي الحليفة وغيرها، انظر التتائي والأجهوري في شرحه على خليل. قال ابن عبد السلام: والتفضيل مبني على كثرة الثواب المترتب على العمل فيهما، والخلاف المذكور بين الأئمة في غير قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم لقيام الإجماع على أفضليته على سائر بقاع الأرض والسموات وعلى الكعبة وعلى العرش كما نقله السبكي لضمه أجزاء المصطفى الذي هو أفضل الخلق على الإطلاق، ولعل معنى فضل القبر على غيره أنه أعظم حرمة من غيره، لا لما قاله ابن عبد السلام في تفضيل المساجد على بعضها فافهمـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، حديث "1189"2 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة، حديث "6696"، وأبو داود، حديث "3289"، والترمذي، حديث "1526" والنسائي، حديث "3806"، وابن ماجه، حديث "2126"، وأحمد "6/36"، حديث "42121".
ولما كان الرباط كالجهاد في الثواب في الجملة قال: "ومن نذر رباطا" أي إقامة "بموضع من الثغور" بالمثلثة جمع ثغر محل الخوف كدمياط وعسقلان، وإسكندرية "فذلك" الرباط المذكور "عليه" أي الناذر "أن يأتيه"؛ لأن الرباط قربة يلزم الوفاء بنذرها، وظاهره ولو نذر الرباط بمحل، وهو بثغر آخر، وليس كذلك بل فيه تفصيل محصله: إن كان ما نذر الرباط فيه مساويا لما هو به في الخوف أو أقل رابط بمحل نذره، وإن كان ما نذر الرباط فيه أشد خوفا انتقل إليه لفضل الرباط فيما كثر فيه الخوف على ما هو دونه في الخوف، هكذا يفهم من كلام ابن عرفة" تنبيه " كما يلزم الإتيان للثغر للرباط فيه، يلزم الإتيان لنذر صوم أو صلاة به، ولو كان حين النذر بمكة أو المدينة لا لنذر اعتكاف، لأن محل الرباط ليس محلا للاعتكاف، وأيضا المرابطة تنافي الاعتكاف؛ لقصره على ملازمة الصلاة والتلاوة والذكر، بخلاف نذره في أحد المساجد الثلاثة فيلزم كلزوم الإتيان إليها للصلاة والصوم بها* * *
تم بحمد الله
المجلد الثالث
باب في أحكام النكاحبسم الله الرحمن الرحيم
باب في أحكام النكاح:
ولما انقضى الكلام على ما ذكر من مسائل النذر واليمين شرع في النكاح وتوابعه بقوله:
"باب في" أحكام "النكاح1 و" أحكام "الطلاق2 و" أحكام "الرجعة3
ـــــــ
1 النكاح مصدر نكح، يقال: نكح فلان امرأة ينكحها إذا تزوجها، ونكحها ينكحها: وطئها أيضاً. واصطلاحاً: عقد يفيد ملك المتعة قصداً، بين رجل وامرأة من غير مانع شرعي. الموسوعة "19/190"2 الطلاق في اللغة: الحل ورفع القيد، وهو اسم مصدره التطليق، ويستعمل استعمال المصدر، وأصله: طلقت المرأة تطلق فهي طالق بدون هاءٍ، وروي بالهاء "طالقة" إذا بانت من زوجهاوينقسم الطلاق إلى رجعي وبائن، فالطلاق الرجعي هو: ما يجوز معه للزوج رد زوجته في عدتها من غير استئناف عقد، والبائن هو: رفع قيد النكاح في الحال. هذا، والطلاق البائن على قسمين: بائن بينونة صغرى، وبائن بينونة كبرىفأما البائن بينونة صغرى فيكون بالطلقة البائنة الواحدة، وبالطلقتين البائنتين، فإذا كان الطلاق ثلاثا، كانت البينونة به كبرى مطلقاً، سواء كان أصل كل من الثلاث بائنا أم رجعيا بالاتفاق. فإذا طلق الزوج زوجته رجعياً حل له العود إليها في العدة بالرجعة، دون عقد جديد، فإذا مضت العدة عاد إليها بعقد جديد فقط. فإذا طلق زوجته طلقة بائنة واحدة أو اثنتين جاز له العود إليها في العدة وبعدها، ولكن ليس بالرجعة، وإنما بعقد جديد. فإذا طلقها ثلاثا كانت البينونة كبرى، ولم يحل له العود إليها حتى تنقضي عدتها وتتزوج من غيره، ويدخل بها، ثم تبين من بموت أو فرقة، وتنقضي عدتها، فإن حصل ذلك حل له العودة إليها بعقد جديد، وذلك لقوله سبحانه: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 230]. انظر الموسوعة "29/5 - 30"3 الرجعة اسم مصدر رجع، يقال: رجع عن سفره، وعن الأمر يرجع رجعاً ورجوعاً ورجعي ومرجعاً، قال ابن السكيت: هو نقيض الذهاب، ويتعدى بنفسه في اللغة الفصحى فيقال: رجعته عن الشيء وإليه، ورجعت الكلام وغيره إي رددته قال تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83] ورجعت المرأة إلى أهلها بموت زوجها أو بطلاق، فهي راجعة، والرجعة بالفتح بمعنى الرجوع، والرجعة بعد الطلاق بالفتح والكسر. والطلاق الرجعي: ما يجوز معه للزوج رد زوجته في عدتها من غير استئناف عقدوفي الاصطلاح: تعددت تعريفات الفقهاء للرجعة على النحو الآتي: عرفها العيني بأنها استدامة ملك النكاح. وعرفها صاحب البدائع من الحنفية بأنها: استدامة ملك النكاح القائم ومنعه من الزوال. وعرفها الدردير من المالكية بأنها: عود الزوجة المطلقة للعصمة من غير تجديد عقد. وعرفها الشربيني الخطيب "كما هنا" بقوله: رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة على وجه مخصوص. وعرفها البهوتي من الحنابلة بأنها: إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقدوقد ثبتت مشروعية الرجعة بالكتاب والسنة والإجماع، وفيما يلي بيان ذلك: - أما الكتاب فقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً} [البقرة: 228] وقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231]. وأما السنة فقد ورد عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها؛ فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد، طلقت حفصة وهي صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة؟ فراجعهاقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق دون الثلاث، والعبد دون اثنين، أن لهما الرجعة في العدة. الموسوعة "22/104".
و" أحكام "الظهار 1 و" أحكام "الإيلاء 2 و" أحكام "اللعان 3 و" أحكام "الخلع 4 و" أحكام "الرضاع 5 "ـــــــ
1 الظهار قول الرجل لامرأته: أنت على كظهر أمي، وكان عند العرب ضرباً من الطلاقوفي الاصطلاح: تشبيه المسلم زوجته أو جزءاً شائعاً منها بمحرم عليه على التأبيد كأمه وأخته، بخلاف زوجة الغير، فإن حرمتها مؤقتة، ويسمى الظهار بذلك لما غلب على المظاهرين من التشبيه بظهر المحرم، كقوله لزوجته: أنت علي كظهر أمي. وإن كان الظهار ليس مخصوصا بالتشبيه بالظهر. ولا تفريق بين الزوجين في الظهار، ولكن يحرم به الوطء ودواعيه حتى يكفر المظاهر، فإن كفر حلت له زوجته بالعقد الأول. الموسوعة "29/5"2 الإيلاء في اللغة: الحلف، من آلى يؤلي إيلاء، يجمع على ألايا. وفي الاصطلاح: حلف الزوج على ترك قرب زوجته مدة مخصوصة. وقد حدد القرآن الكريم ذلك بأربعة أشهر في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] فإذا نقضت الأشهر الأربعة بغير قرب منه لها طلقت منه بطلقة بائنة عند الحنفية، واستحقت الطلاق منه عند المالكية والشافعية والحنابلة، حيث ترفعه الزوجة للقاضي ليخيره بين القرب والفراق، فإن قربها انحل الإيلاء، وإن رفض فرق القاضي بينهما بطلقة. الموسوعة "29/5"3 اللعان مصدر لاعن، وفعله الثلاثي لعن مأخوذ من اللعن، وهو الطرد والإبعاد من الخير، وقيل: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السب. والملاعنة بين الزوجين: إذا قذف الرجل امرأته أو رماها برجل أنه زنى بها. وعرفه الحنفية والحنابلة بأنه: شهادات تجري بين الزوجين مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة. وعرفه المالكية بأنه: حلف زوج مسلم مكلف على زنا زوجته أو على نفي حملها منه، وحلفها على تكذيبه أربعاً من كل منهما بصيغة أشهد الله بحكم حاكم. وعرفه الشافعية بأنه: كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه والحق العار به أو على نفي ولد. الموسوعة "35/236، 237"4 الخلع "بالفتح" لغة هو النزع والتجريد، والخلع "بالضم" اسم من الخلع. وأما الخلع "بالضم" عند الفقهاء فقد عرفوه بألفاظ مختلفة تبعا لاختلاف مذاهبهم في كونه طلاقاً أو فسخاً، فالحنفية يعرفونه بأنه عبارة عن: أخذ مال من المرأة بإزاء ملك النكاح بلفظ الخلعوتعريفه عند الجمهور في الجملة هو: فرقة بعوضٍ مقصود لجهة الزوج بلفظ طلاق أو خلع. الموسوعة "19/243"5 الرضاع - بكسر الراء وفتحها - في اللغة: مصدر رضع أمه يرضعها بالكسر والفتح رضعاً ورضاعاً ورضاعة أي امتص ثديها أو ضرعها وشرب لبنه. وأرضعت ولدها فهي مرضع ومرضعة، وهو رضيع. والرضاعة في الشرع: اسم لوصول لبن امرأة أو ما حصل من لبنها في جوف طفل بشروط تأتيولا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب إرضاع الطفل ما دام في حاجة إليه، وفي سن الرضاع. واختلفوا في من يجب عليه. فقال الشافعية والحنابلة: يجب على الأب استرضاع ولده، ولا يجب على الأم الإرضاع، وليس للزوج إجبارها عليه، دنيئة كانت أم شريفة، في عصمة الأب كانت أم بائنة منه، إلا إذا تعنيت بأن لم يجد الأب من ترضع له غيرها، أو لم يقبل الطفل ثدي غيرها، أو لم يكن للأب ولا للطفل مال، فيجب عليها حينئذً، ولكن الشافعة قالوا: يجب على الأم إرضاع الطفل اللبأ وإن وجد غيرها - واللبأ ما ينزل بعد الولادة من اللبن-؛ لأن الطفل لا يستغني عنه غالباً، ويرجع في معرفة مدة بقائه لأهل الخبرة. وقال الحنفية: يجب على الأم ديانة لا قضاءواستدل الجمهور على وجوب الاسترضاع على الأب بقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]. وإن اختلفا فقد تعاسرا. الموسوعة "22/238".
فهي ثمانية أبواب جمعها في ترجمة اختصارا وذكرها مفصلة، ونحن نبين حقيقة كل واحد في محله اللغوية والعرفية على حسب ما ذكره فنقول: حقيقة النكاح في اللغة الدخول إذ يقال: نكح النوم العين بمعنى دخل فيها، ونكحت الحصى أخفاف الإبل دخل فيها، والبذر الأرض وغير ذلك، ويطلق في اللغة على العقد مجازا لعلاقة السببية والمسببية وعلى الوطء حقيقة، وفي الشرع على العكس فإطلاقه فيه على الوطء من باب المجاز، وعلى العقد من باب الحقيقة، ولذا قال ابن عرفة: النكاح عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله، غير عالم عاقدها حرمتها إن حرمت بالكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر، فيخرج بغير موجب قيمتها عقد تحليل الأمة إن وقع ببينة، ويدخل نكاح الخصي1 والطارئين لأنه ببينة صدقا فيها، ويخرج بغير عالم عاقدها حرمتها العقد على من تحرم على العاقد مع علمه، فإن كانت الحرمة بالكتاب فالمشهور أنه من الزنا ومقابله من النكاح الفاسد، وإن كان الحرمة بالإجماع فالمشهور أنه من النكاح الفاسد ومقابله من الزنا، والحرمة بالكتاب كالأم دنية فإن حرمتها بنص الكتاب، والمحرمة بالإجماع كأم الأم كما قاله أبو الحسن في شرح الرسالةوقول ابن عرفة: "بآدمية" يقتضي عدم صحة نكاح الجنية وليس كذلك، فقد سئل الإمام مالك رضي الله عنه عن نكاح الجن فقال: لا أرى به بأسا في الدين، ولكن أكره أن توجد امرأة حاملة فتدعي أنه من زوجها الجني فيكثر الفساد، فقوله لا بأس يقتضي الجواز، والتعليل يقتضي المنع وهو منتف في العكس، ولم يبين المصنف حكمه الأصلي وهو الندب لقوله صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"2 وفي رواية "أباهي بدل مكاثر"، ولحديث: "أربع من سنن المرسلين"3 وعد منها النكاح ومحل ندبه إن رجى النسل أو كانت
ـــــــ
1 الخصاء: سل الخصيين، وخصيت الفرس أخصية، قطعت ذكره فهو مخصي وخصي. فعيل بمعنى مفعول، والجمع خصية وخصيان. والخصية: البيضة من أعضاء التناسل، وهما خصيتانوفي الاصطلاح أطلق الفقهاء على أخذ الخصيتين دون الذكر أو معه. انظر الموسوعة "19/119"2 ضعيف: أخرجه عبد الرزاق "6/173"، حديث "10391" بلفظ: "تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة" "ضعيف الجامع: 2484"3 ضعيف: أخرجه الترمذي، كتاب النكاح، باب: ما جاء في فضل التزويج والحث عليه حديث "1080"، وأحمد "5/421"، حديث "23628"، والطبراني في الكبير "4/184"، حديث "4085"، وعبيد بن حميد في مسنده "1/103"، حديث "220"، وضعفه الألباني "ضعيف الجامع: 760".
نفسه تشتاق النكاح دون خشية زنا بتركه، وقد يعرض له الوجوب المضيق وذلك إذا خشي على نفسه العنت ولا يدفع عنه صوم ولا تسر، وأما لو كان يندفع عنه بالصوم أو التسري فالواجب واحد منهما ولكن الزواج أفضل لما في الحديث: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" 1 فقدم النكاح على الصوم، والسراري تنتقل طباعهن للولد، ويباح في حق من لا يرجو النسل ولا تميل نفسه إليه ولا يقطعه عن فعل خير، ويكره في حق من يقطعه عن فعل العبادة غير الواجبة، ويحرم في حق من لا يخشى بتركه زنا ولا قدرة له على نفقة الزوجة أو على الوطء أو ينفق عليها من الحرام، والمرأة كالرجل إلا في التسري، والباءة بالمد والهاء معناها هنا الجماع، والوجاء بكسر الواو والمد المراد به هنا كسر الشهوةوله فوائد أعظمها دفع غوائل الشهوة ويليها أنه سبب لحياتين: فانية وهي تكثير النسل، وباقية هي الحرص على الدار الآخرة لأنه ينبه على لذة الآخرة، لأنه إذا ذاق لذته يسرع إلى فعل الخير الموصل إلى اللذة الأخروية التي هي أعظم ولا سيما النظر إلى وجهه الكريم، ويليها تنفيذ ما أراده الله تعالى وأحبه من بقاء النوع الإنساني إلى يوم القيامة، وامتثال أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: "تناكحوا تناسلوا"2 الحديث ويليها بقاء الذكر ورفع الدرجات بسبب دعاء الولد الصالح بعد انقطاع عمل أبيه بموته وله أركان أربع: الولي والمحل والصيغة والصداق المفروض ولو حكما، وأشار إليهما خليل بقوله: وركنه ولي وصداق ومحل وصيغة، وقدم الكلام على الولي اهتماما به لمخالفة بعض الأئمة في اعتباره بقوله: "ولا نكاح" صحيح عند الأئمة سوى أبي حنيفة رضي الله عن الجميع "إلا بـ" مباشرة "ولي" وهو كما قال ابن عرفة: من له على المرأة ملك أو أبوة أو تعصيب أو إيصاء أو كفالة أو سلطنة أو ذو إسلام وشروطه ستة: الإسلام إذا كانت الزوجة مسلمة وأن يكون حلالا لأن الإحرام من أحد الثلاثة
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع...، حديث "5065"، مسلم: كتاب النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجده، حديث "1400"، والنسائي "2242"، وأحمد "1/424"، حديث "4023"2 ضعيف: أخرجه عبد الرزاق "6/173"، حديث "10391" بلفظ: "تناكحوا تكاثروا..." وضعفه الألباني "ضعيف الجامع: 2484"، وتقدم تخريجه برقم "1".
يمنع صحة العقد، والذكورة فلا يصح عقد الأنثى ولو على ابنتها أو أمتها، والحرية فلا يزوج الرقيق ابنته أو أمته، والبلوغ فلا يزوج الصبي أخته أو أمته، والعقل فلا يزوج المجنون ابنته، فهذه ستة شروط في ولي المرأة، وأما العدالة فهي شرط كمال فيستحب وجودها كما يستحب كونه رشيدا، فيعقد السفيه ذو الرأي على ابنته ويستحب له استئذان وليه، فإن عقد من غير استئذان لم يفسخ عقده، بخلاف ضعيف الرأي يعقد لنحو ابنته فإنه يفسخ عقده، وسيأتي في كلام المصنف الإشارة إلى بعض تلك الشروط في أثناء الباب، وأما وكيل الزوج في العقد فلا يشترط فيه إلا التمييز وعدم الإحرامقال خليل: وصح توكيل زوج الجميع، والدليل على ركنية الولي الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] ووجه الاستدلال من الآية نهي الأولياء عن العضل، لأنه لو كان عقد المرأة على نفسها جائزا لم يكن الولي عاضلا بامتناعه من العقد عليها لأنها تعقد على نفسها ولا تبالي بمنع الولي، وأما السنة فخبر: "لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" 1 وخبر: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل" 2 قاله ثلاثاوقال أبو حنيفة: تزوج نفسها قياسا على بيعها وشرائها، وتحمل الأحاديث المتقدمة على نحو الصغيرة، فإن وقع النكاح عندنا بغير ولي فسخ ولو ولدت الأولاد، وهل بطلاق أو لا قولان، ولها بالدخول المسمى إن كان حلالا وإلا فصداق المثل "و" لا نكاح إلا ب "صداق" سمي ولو حكما والمضر إنما هو الدخول على إسقاط الصداق فإنه يقتضي فسخ العقد قبل الدخول وإن ثبت بعده بصداق المثل، وإنما قلنا ولو حكما ليدخل نكاح التفويض وهو عقد بلا ذكر مهر فإنه صحيح لكن لا يدخل حتى يسمي لها صداقا، والدليل على ركنيته قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] والأحاديث في ذلك كثيرة، وسيأتي بيان حقيقته وقدره:
ـــــــ
1 صحيح: دون جملة: "فإن الزانية" أخرجه ابن ماجه ابن ماجه: كتاب النكاح، باب: لا نكاح إلا بولي، حديث "1882"، والبيبهقي في الكبرى "7/110" حديث "13410"، والدار قطني في السنن "3/227"، حديث "25"، وصححه الألباني "صحيح الجامع: 7298"، وجملة: "فإن الزانية" ضعيفة، "ضعيف الجامع: 6214"2 صحيح: أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب: في الولي، حديث "2083"، والترمذي، حديث "1102"، وابن ماجه، حديث "1879"، وأحمد "6/166"، حديث "25365"، وصححه الألباني "صحيح الجامع: 2709".
"و" لا نكاح إلا بشهادة "شاهدي عدل" ويستحب إشهادهما عند العقد "فإن لم يشهدا" بالبناء للمجهول ونائب الفاعل الألف ضمير الزوج والولي "في" حضرة "العقد فلا يبن" أي يحرم عليه أن يختلي "بها حتى يشهد" أي الزوج وهذه النسخة مناسبة لقوله فلا يبن، ونسخة يشهدا بألف الاثنين مناسبة لقوله: فإن لم يشهدا بضمير الزوج والولي، فإن وجدا رجلين عدلين بعد العقد وأشهداهما على وقوع العقد كفى في الوجوب، وكذا إن لقي كل واحد بانفراده شاهدين وأشهدهما، بخلاف لو أشهد أحدهما شاهدين ثم لقيهما الآخر وحده وأشهدهما فإنه لا يكفي، لأنه لا بد من أربعة عند التفرق وهذا بالنسبة للبكر، وأما لو عقد على ثيب من غير شهود وأشهدا متفرقين فلا بد من ستة شاهدين على الزوج وشاهدين على الولي وشاهدين على الزوجة، وهذه تسمى شهادة الإبداد أي التفرق، راجع الأجهوري، والحاصل أن أصل الإشهاد واجبوأما حضورهما عند العقد فمستحب، وأما عند الدخول فواجب. قال خليل بالعطف على المندوب: وإشهاد عدلين غير الولي بعقده وفسخ إن دخلا بلاه، ولأحد إن فشا ولو علم كل واحد بحرمة الدخول بلا إشهاد، والفسخ بطلقة ولو بعد الدخول وتكون بائنة لحرمة الوطء، ويقوم مقام الفشو شهادة واحد بالعقد أو البناء، ويحصل الفشو بالوليمة1 وضرب الدف والدخان، وشرط الشاهد في النكاح أن يكون غير ولي للمرأة، فلا يصح شهادة وليها لاتهامه بالستر عليها، كما لا يقبل قوله أنها أذنت في عقد نكاحها لاتهامه على تصحح فعل نفسه، والمراد مطلق ولي لا خصوص المباشر لعقد نكاحها، وشرطه أيضا العدالة وقت تحمل شهادته، وإن كانت العدالة لا تشترط في غير النكاح إلا وقت الأداء، فإن لم توجد العدول وقت العقد أو الدخول استكثر الشهود كالثلاثين والأربعين"تتمة" بقي من الأركان المحل والصيغة، أما المحل فهو الزوج والزوجة الخاليان من الموانع الشرعية كالإحرام والمرض والعدة بالنسبة للمرأة والصيغة وهي كل ما يدل على الرضا من الزوج والولي أو من وكيلهما، كأنكحت وزوجت أو وهبت أو تصدقت أو منحت أو أعطيت من ذكر الصداق، ويدخل في الدال الكتابة والإشارة ولو من الجانبين في حق الأخرس
ـــــــ
1 الوليمة: وهي طعام العرس، وقيل: هي اسم لكل دعوة طعام لسرور حادث، فتكون على هذا النوع مرادف للدعوة، إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر. وقد جرت العادة بجعل الوليمة قبل الدخول بزمن يسير. والأعراف تختلف في ذلك. الموسوعة "20/334".
إذا كان يتولى الطرفينوأما من الناطق فتكفي من أحدهما إن وقع في المبتدئ لفظ الإنكاح أو التزويج، سواء كانت الإشارة من الزوج أو الولي، وأما لو كان المبتدئ إنما ابتدأ بلفظ نحو الهبة والصدقة مع ذكر الصداق فإنما تكفي الإشارة من الزوج، بخلاف عكسه وهو أن يكون المبتدئ بلفظ نحو الهبة الزوج فلا تكفي الإشارة من الولي، والضابط أن المبتدئ إن نطق بالإنكاح أو الزواج صحت الإشارة من غيره زوجا أو وليا إن نطق المبتدئ بنحو الهبة أو الصدقة ففيه تفصيل بني على كون المبتدئ الولي، فلا تكفي الإشارة من الزوج على ما يفهم من كلام الحطاب، والمفهوم من كلام ابن عبد السلام على ابن الحاجب أن تكفي الإشارة من الزوج أيضا. قال جميعه الأجهوري في شرح خليل، ويفهم من كلامه أنه لو كان المبتدئ بنحو الهبة الزوج لا تكفي الإشارة من الولي من غير خلافوقوله: وهذا في حق القادر على النطق، وأما العاجز فيجوز الإشارة منه ولو من الجانبين، يقضي أن القادر لا تجوز الإشارة منه من الجانبين وحرر المسألة، ولا بد من الفورية بين الإيجاب والقبول، فلا يجوز الفصل بينهما بغير الخطبة ليسارتهما، بخلاف الترتيب بين الإيجاب والقبول فإنه لا يشترط، ويلزم النكاح بمجرد حصول الإيجاب والقبول، ولو قال الأول بعد رضا الآخر: لا أرضى أنا كنت هازلا لأن هزل النكاح جد ولو قامت قرينة على إرادة الهزل من الجانبين بخلاف البيع، ووجه الفرق جريان العادة بمساومة السلع لمجرد اختبار ثمنها، ومثل النكاح الطلاق والرجعة والعتق على المعتمد، راجع شرح الأجهوري على خليلووقع التوقف في جواز وطء الزوج بعد قوله: لم أرد النكاح وإنما كنت هازلا، وظهر لنا جوازه فيما بينه وبين الله، وذلك لأن الشرع رتب صحة النكاح على وجوب الصيغة الصريحة وقد وجدت، وسلم لنا شيوخنا هذا الاستظهار حين صدر البحث بيننا وبينهم في ذلك، وما قدمناه من اشتراط الفورية بين الإيجاب والقبول يستثنى منه مسألة وهي أن يقول الشخص في مرضه: إن مت فقد زوجت ابنتي فلانة من فلان المشار إليها بقول خليل وصح: إن مت فقد زوجت ابنتي بمرض، وهل إن قيل بقرب موته تأويلان، فنص أصبغ على جوازها سواء طال زمان المرض أو قصر، وخروجها عن الأصل بالإجماع، فلا يقاس عليها السيد يقول في مرضه لأمته: إن مت من مرضي فقد زوجت أمتي من فلان، وإنما أطلنا في ذلك لكثرة وقوع النكاح، وما كان ذلك ينبغي الإحاطة بعلم أحكامه لشدة الحاجة إليها.
ثم شرع في الكلام عن ثاني الأركان وهو الصداق بقوله: "وأقل الصداق ربع دينار" من خالص الذهب وهو وزن ثمان عشرة حبة من متوسط الشعير أو ثلاثة دراهم، وأما أكثره فلا حد له، والصداق بفتح الصاد وكسرها مشتق من الصدق لأن وجوده يدل على صدق الزوجين، ويقال له المهر1 والطول والنحلة، ولم أر حده لابن عرفة ولا غيره، وإنماقال خليل: الصداق كالثمن، وأقول: يمكن تعريفه بأنه متمول يملك تحقيقا أو تقديرا لمحققة الأنوثة ممن يجوز نكاحها عند إرادة نكاحها، فقولنا: متمول جنس يشمل الذوات والمنافع، ويخرج به ما ليس كذلك كالقصاص والقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح شيء منها صداقاوقولنا: يملك تحقيقا أو تقديرا يدخل نحو هبة أبيها لفلان أو عتقه عنه أو عنها، لأن الشارع يقدر دخوله في ملكتها قبل هبته أو قبل عتقه، وقولنا: لمحققة الأنوثة لإخراج الأنثى المشكل لأنه لا ينكح ولا ينكحوقولنا: "ممن يجوز نكاحها دون آدمية" ليشمل الجنية فإنه يجوز نكاحها لظاهر قول مالك في جواب سائله عنه: لا بأس به في الدين، واعتمد مالك رضي الله عنه في كون أقله ربع دينار على أنه عوض قياسا على إباحة القطع في السرقة، فلو وقع العقد على أقل من أقله فسد إن لم يتمه، ويفسخ إن أراد الدخول قبل إتمامه، فإن أتمه قبل الدخول فلا فساد، وإن دخل قبل
ـــــــ
1 المهر في اللغة: صداق المرأة؛ وهو: ما يدفعه الزوج إلى زوجته بعقد الزواج؛ والجمع مهور ومهورة. يقال: مهرت المرأة مهراً: أعطتها المهر؛ وأمهرتها - بالألف - كذلك: والثلاثي لغة بني تميم وهي أكثر استعمالاوأما في الاصطلاح فقد عرفه الشافعية فقالوا: هو ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهراً. وللمهر تسعة أسماء: المهر، والصداق، والصدقة، والنحلة، والفريضة، والأجر، والعلائق، والعقر، والحباءوالمهر واجب في كل نكاح لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] فقد قيد الإحلال به؛ إلا أن ذكر المهر في العقد ليس شرطا لصحة النكاح فيجوز إخلاء النكاح عن تسميته باتفاق الفقهاء؛ لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] حكم بصحة الطلاق مع عدم التسمية؛ ولا يكون الطلاق إلا في النكاح الصحيح. وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات؛ فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث؛ فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت؛ ولأن القصد من النكاح الواصلة والاستماع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة. وصرح الشافعية والحنابلة بأنه يستحب تسمية المهر للنكاح؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخل نكاحاً عنه؛ ولأنه أدفع للخصومة. الموسوعة "39/151".
إتمامه ثبت النكاح ولزمه إتمام الربع دينار، وكان القياس لزوم صداق المثل بالدخول، فخرجت هذه من القاعدة في الفاسد لصداقه، ومن باب أولى في الفساد لو عقد على إسقاطه فإنه يفسخ قبل الدخول كما يأتي في كلام المصنف، ويثبت بعده بصداق المثل، وكذلك لو وقع بما لا يقبل شرعا كخمر أو خنزير أو جلد أو جلد أضحية، فإنه وإن صح تملكه لا يقبل النقل بالبيع، والصداق كالثمن في الجملة وإن أجازوا فيه الغرر الخفيف، كأن يتزوجها على شورتها أو على صداق مثلها أو على عدد من إبل أو بقر، ولو لم يوصف لها ذلك عند العقد، ولها الوسط من مشورة مثلها في الحاضرة أو في المصر، والمراد بشورتها جهازها ومتاع بيتها، ولها الوسط من الإبل أو البقر باعتبار رغبة الزوج فيها، لأن صداق المثل ما يرغب به الزوج في الزوجة باعتبار دينها وجمالها وحسبها وبلدها، وبين المصنف أقل الصداق ولم يبين أكثره إشارة إلى أنه لا حد لأكثره بالإجماع، ولكن كره مالك رضي الله عنه الإفراط في كثرة الصداق لما رواه ابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يمن المرأة تسهيل أمرها وقلة صداقها" 1 قال عروة: وأنا أقول عندي ومن شؤمها تعسير أمرها وكثرة صداقهاولما كان الولي يتنوع إلى مجبر وغير مجبر بل يتوقف على مشورة المرأة وإجازتها شرع في ذلك بقوله: "وللأب" الذي لا ولي له "إنكاح ابنته البكر" قهرا عليها، والمراد بها التي لم تذهب عذرتها لمقابلتها بالثيب ويقال لها العذراء إن لم تبلغ اتفاقا بل "وإن بلغت" وصارت عانسا على المشهور "بغير إذنها" وبغير رضاهاقال خليل: وجبر المجنونة والبكر ولو عانسا إلا لكخصي على الأصح، وأدخلت الكاف كل ذي عيب يثبت به الخيار للزوجة كالعنين والمجذوم والمجنون بذي عيب لا يثبت به الخيار بمقتضى العقد فله جبرها عليه، كأعمى أو قبيح المنظر أو دونها في النسب، لأن المولى وغير الشريف والأقل جاها كفؤ ويجبرها ولو بأقل من صداق المثل، وكلام المصنف يقيد بالبكر التي لم تزوج أصلا أو زوجت وطلقت قبل إقامة سنة، وأما لو أقامت سنة ولم يمسها الزوج ثم مات أو طلقها فإنها لا تجبر، ولا فرق بين إقرارها بالمس أو إنكارها، لأن إقامة السنة عند الزوج من
ـــــــ
1 حسن: أخرجه أحمد، "6/77"، حديث "24522"، والحاكم في المستدرك: "197/2"، حديث "2739"، والطبراني في الصغير "1/285" حديث "469"، والأوسط "4/62"، حديث "3612"، وحسنه الألباني "صحيح الجامع: 2235".
بلوغها بمنزلة الوطء في تكميل الصداق وعدم جبر الأب، فقول خليل بالعطف على من لم يجبر: أو أقامت ببيتها سنة وأنكرت أي المسيس لا مفهوم له، ولما كان استحقاق الجبر لا ينافي ندب المشاورة قال: "وإن شاء" أي أراد الأب "شاورها" أي البكر البالغ على جهة الندب تطييبا لخاطرها ولأنه أدوم للعشرة، وأما غير البالغ فلا يندب مشاورتها، وقيدنا الأب بالذي لا ولي له للاحتراز عن أب له ولي فالجبر لوليه، وإن لم يكن له ولي فإنه يجري في جبر ابنته على النكاح، الخلاف الجاري في معاملاته المشار إليه بقول خليل: وتصرفه قبل الحجر على الإجازة عند مالك لا ابن القاسم"تنبيهات" الأول: كما يجبر الأب البكر يجبر الثيب المجنونة ولو ذات أولادقال خليل: وجبر المجنونة والبكر ولو عانسا إلا لكخصي على الأصح، والثيب إن صغرت أو بعارض أو بحرام، وهل إن لم تكرر الزنا تأويلان، بخلاف الثيب الكبيرة فلا جبر له ولو ثيبت بنكاح فاسد مجمع عليهقال خليل: لا بفاسد ولا إن رشدت بعد بلوغها أو أقامت ببيتها سنة ابتداؤها من بلوغها لتنزيلها منزلة الوطء، وسواء أقرت بالوطء أو أنكرته، وأما لو أقامت أقل من سنة كستة أشهر فإنه يجبرها إذا أنكرت الوطء، وكلام خليل في المجنونة التي لا تفيق ويجبرها ولو مع ولدها، ويشارك الأب في جبرها الحاكم حيث عدم الأب أو كان مجنوناوأما التي تفيق فتنتظر إفاقتها، وحصل عندي توقف في جبر الأب أو الحاكم المجنونة هل هو مقيد باحتياجها إلى النكاح كما قيد به جبر المجنون الذكر؟ المشار إليه بقول خليل: وجبر أب ووصي وحاكم مجنونا احتاج أم لا، لم أر في شراح خليل من تعرض لذلك، ومن الثيبات بالنكاح من تجبر وهي الثيب الكبيرة إذا ظهر فسادها وعجز وليها عن صونها فيجبرها الولي ولو غير أب، لكن يستحب في حق الولي غير الأب رفع أمرها للحاكم قبل جبرها، فإن لم يرفع وزوجها من غير رفع مضى؟ ذكر هذا الفرع التتائي عن ابن عرفة عن اللخمي راجع الأجهوري في شرح خليلالثاني: قدمنا عن خليل أنه لا يجبر البكر المرشدة بعد بلوغها وألحقوا بها البكر التي يريد أبوها أن يزوجها من ذي عيب يوجب لها الخيار فيه كالمجنون والمجذومالثالث: إذا كان للأب جبر ابنته فالمالك أولى لأنه أقوى لأنه الذكر الكبير.
قال خليل: وجبر المالك أمة وعبدا بلا إضرار، فلا يجبر الأمة الرفيعة على النكاح من قبيح المنظر، ولا يجبر العبد على النكاح بمن صداقها يضر به، ولكن يقيد جبر السيد لرقيقه بمن ليس فيه شائبة حرية، فلا يجبر أم الولد ولا مكاتبة ولا مدبرا ولا مدبرة حيث مرض السيد ولا معتقا لأجل إذا قرب الأجل، لا إن لم يمرض أو لم يقرب الأجل، فله جبر المدبر والمدبرة والمعتق لأجلفإن قيل: يشكل على قولهم المالك أقوى عدم جبره للرقيق إذا تضمن جبره ما لا يرضاه الرقيق مما يضره وجبره لابنته البكر من نحو خصي ومجذوم، فالجواب أن يقال: الأب معه من الحنان والشفقة على ولده ما يمنعه من إضراره بخلاف السيد مع رقيقه "وأما غير الأب" من الأولياء "في البكر" وبين غير الأب بقوله: "وصي أو غيره" من أخ أو عم أو قاض "فلا" يحل له أن "يزوجها" بغير إذنها "حتى تبلغ وتأذن" لذلك الغير من الأولياء في النكاح، ويعين لها الزوج ويسمي لها الصداق وترضى بهماقال خليل: وإن وكلته ممن أحب عين وإلا فلها الإجازة ولو بعد لا العكس "و" يكفي في "إذنها صماتها" أي سكوتها ولو جهلت الحكمقال خليل: ورضا البكر صمت لأن شأن الأبكار الحياء، وأقوى في الدلالة على الرضا صنعها الطعام حين يقال لها: الليلة يحضر فلان لنعقد له عليك، فتفرش المحل وتصنع الطعام أو الشربات كما يفعله أهل الأمصار، ومحل وجوب الاستئذان على الوصي إذا لم يكن وصي الأب الذي أمره بالإجبار أو عين له الزوج، وأما هذا فلا يجب عليه الاستئذان لأنه له جبرهاقال خليل: وجبر وصي أمره أب به أو عين له الزوج وإلا فخلاف، وسيأتي النص على هذا في كلام المصنف بقوله: ولا يزوج الصغيرة إلا أن يأمره الأب بإنكاحها"تنبيهان":
الأول: يستثنى من قوله: حتى تبلغ اليتيمة وهي التي مات أبوها فإنه يجوز نكاحها قبل بلوغها إذا خيف عليها الفساد، أو كانت فقيرة لا مال لها ولا منفق. قال خليل بعد النص على المجبرين: ثم لا جبر فالبالغ إلا يتيمة خيف فسادها وبلغت عشرا وشوور القاضي، والمراد أن يثبت عند القاضي موجبات التزويج، وتأذن للولي بالقول، وأن يكون الزوج كفؤا لها من جهة الدين والنسب والحرية والحال والمال، وكون الصداق صداق مثلها، وترضى بالزوج، فإن
زوجت مع فقد تلك الشروط أو بعضها فسخ نكاحها إلا أن يدخل بها الزوج مع الطول الذي يمكن أن تلد فيه الأولاد، ومثل اليتيمة مجهولة الأب لغربتها بالجلاء فيزوجها السلطان أو نائبه بشروط اليتيمة المتقدمة، وأما لو خيف على اليتيمة الضياع بعدم النفقة فقال ابن حارث: لا خلاف أنها تزوج، وينبغي أن مجهولة الأب كذلك، ومثلهما ذات الأب التي يقطع عنها النفقة ويغيب غيبة بعيدة ويخشى عليها الضياع، فالمشهور أنه يزوجها السلطان أو نائبه لا غيرهما، وظاهره ولو لم تبلغ واحدة منهن العشر وإلا أذنت بالقول، هذا ملخص كلام الأجهوري في شرح خليلالثاني: يستثنى من قول المصنف: وإذنها صماتها أبكار سبع لا بد من نطقهن. الأولى: البكر المرشدة بعد بلوغها لا يزوجها أبوها وأولى غيره إلا برضاها بنطقها. الثانية: المعضولة ترفع أمرها للحاكم فيأمر الحاكم وليها بالعقد عليها أو يعقد لها الحاكم لا بد من إذنها بالقول، إلا أن تكون ذات أب ويأمره الحاكم بإنكاحها فلا تحتاج إلى إذنها لبقاء جبره. الثالثة: التي تزوج بعرض أو حيوان ولا أب لها ولا وصي، ولم تجر العادة في البلد بدفعه صداقا فلا بد من نطقها لأنها بائعة مشترية، والبيع والشراء لا يلزم بمجرد الصمت. الرابعة: التي زوجت برقيق ولو بعضه ولو رقيق أبيها فلا بد من نطقها ولو كان المزوج لها أباها، ولو على القول بأن العبد كفؤ للحرة لكن بالنسبة لعبد أبيها لما يلحقها عند تزوجها بعبد أبيها من المعرة. الخامسة: التي تزوج بنحو خصي من كل ذي عيب يوجب لها الخيار به من غير شرط ولو كان المزوج لها أبا كما تقدم. السادسة: اليتيمة المتقدمة ذات الشروط. السابعة: المفتات عليها وهي التي يعقد لها نحو أخيها بدعوى إذنها ثم يستأذنها بعد العقد فلا بد من نطقها، ويتناول هذا جميع المذكورات إذا زوجن بغير إذن ثم يستأذن بعد العقد، فلا يمضي نكاحهن إلا برضاهن بالقول بشرط كون العقد في البلد وكون المزوجة في البلد أيضا، وأن يقرب ما بين العقد والإجازة، وأن لا يقر العاقد بالافتيات حال العقد، وأن لا يحصل منها رد قبل الرضا، وأن لا يحصل الافتيات على الزوج مع الافتيات عليها، وإن فقد شرط منها فسخ العقد أبدا، ومثل الافتيات على المرأة الافتيات على الزوجولما فرغ من الكلام على الأبكار ومن ألحق بهن شرع في الكلام على الثيبات الغير الملحقات بالأبكار بقوله: "ولا يزوج الثيب" الحرة التي لا تجبر "أب ولا غيره" ممن له عليها ولاية "إلا برضاها وتأذن بالقول" لخبر: "الثيب يعرب عنها لسانها" وقيدنا بالتي لا تجبر
للاحتراز عن الثيب الصغيرة ومن ألحق بها ممن تجبر على النكاح فلا تستأذن، وبالحرة للاحتراز عن الأمة فإن السيد يجبرها، وفيما قدمناه ما يغني عن الإطالة هنا. ولما كان يتوهم من اعتبار رضا الثيب المذكورة عدم اشتراط استئذان الولي قال: "ولا" يجوز بمعنى يحرم أن "تنكح المرأة" الشريفة غير المجبرة "إلا بإذن وليها" الخاص كأبيها أو أخيها "أو" بإذن "ذي الرأي من أهلها" ومثله بقوله: "كالرجل من عشيرتها" أي عصبتها من النسب أو الولاء كالمولى الأعلى وعصبته، واختلف في المولى الأسفل. قال شيخ شيوخنا الأجهوري: وينبغي أن يراد بذي الرأي المستوفي شروط الولي الستة التي قدمناها وهي: الحرية والذكورية والإسلام وعدم الإحرام والبلوغ والعقل، انتهى لفظه ولي فيه وقفة، إذ شروط الولي لا بد منها في صحة النكاح في كل المسائل، ولو كان العاقد سيدا أو أبا، فلعل المراد بذي الرأي الكامل في العقل، وجزالة الرأي بمعرفة من يصلح للنكاح بالمزوجة، ولذا قال التتائي: وذو الرأي من ترد إليه الأمور يعني المشكلات ويشاور فيها لأن الأولياء إذا تعددت وتساوت مرتبتها وحصل تنازع فيمن يتولى العقد ينظر الحاكم فيمن ينبغي تقديمه فيقدمه، المشار إليها بقول خليل: وإن تنازع الأولياء المتساوون في العقد أو الزوج نظر الحاكم في الأصلح لمباشرة العقد لجزالة رأيه وحسن دينه وعلمه بالمصالحقال ابن ناجي: عند تنازعهم في العقد يقدم أفضلهم، فإن استووا في الفضل فيقدم الأسن، فإن استووا في السن أيضا زوج الجميع، وفي تنازعهم في الزوج يقدم الأصلح من الأزواج للزوجة، ووقع الخلاف في وجه اشتراط الولي فقيل: محض تعبد، وقيل: لدفع المعرة التي تلحق الولي إن زوجت المرأة نفسها، وعلم مما قررنا أن المراد بالأهل والعشيرة العصبةفإن قيل: الرجل من عشيرتها ولي فما فائدة ذكره حينئذ بعد قوله وليها؟ فالجواب: يفهم مما ذكرنا وهو أن المراد بالولي أكيد القرابة كأبيها أو أخيها، ويراد بالرجل من عشيرتها ما هو أعم من كونه من عصبة النسب أو الولاء وما يليهم من بقية الأولياء الخاصة المقدمة على السلطان لأنه آخر الولاية الخاصة، ولذلك قال: "أو" يأذن "السلطان" أو القاضي لأن المراد الحاكم حيث كان معتنيا بأمر الشريعة، فأوفى كلام المصنف للتنويع لا للتخيير، لأن مرتبة الحاكم متأخرة عمن قبله ممن ذكرنا، فإن لم يوجد أحد من الأولياء المقدمة على السلطان ولا حاكم أيضا فولاية عامة مسلم لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] ولو كانت شريفة، وللولي من ذي الولاية العامة أن يتولى الطرفين إذا زوجها من نفسه بعد أن
يستأذنها وترضى به كابن العم ونحوه من أهل الولاية الخاصة إذا وكلته في أن يزوجهاقال خليل: ولابن عم ونحوه إن عين تزويجها من نفسه بتزوجتك بكذا وترضى وتولى الطرفين، ونظيره السيد يعتق أمته ويريد أن يتزوجها فإذا أعلمها ورضيت به وبما عينه لها من الصداق أن يتولى الطرفين، ولما كانت حرمة النكاح بغير إذن الولي الخاص إنما هي بالنسبة للمرأة الشريفة كما أشرنا له في صدر المسألة، وأما المرأة غير الشريفة ففي جواز نكاحها بغير إذن وليها خلاف أشار إليه بقوله: "وقد اختلف في" الثيب "الدنيئة" بالهمز لأنها منسوبة للدناءة، والدنيئة غير الشريفة وهي التي لا يرغب فيها لعدم مالها وجمالها وحسبها هل يجوز لها "أن تولي" أي توكل رجلا "أجنبيا" مع وجود وليها الخاص الغير مجبر على قولين، فعند ابن القاسم يجوز ابتداء وهو المشهور، والثاني لأشهب لا يجوز ابتداء ويصح بعد الوقوع وإليه أشار خليل بقوله: وصح بها في دنيئة مع خاص لم يجبروأما لو وكلت الأجنبي مع وجود المجبر يفسخ نكاحها أبدا ولو ولدت الأولاد، وأما الشريفة توكل أجنبيا مع الخاص غير المجبر فيفسخ، إلا أن يدخل ويطول بحيث تلد الأولاد أو يمضي ما يمكن أن تلد فيه الأولاد وإليه أشار خليل بعد قوله وصح بها دنيئة مع خاص: لم يجبر كشريفة دخل وطال، وأما إن لم يحصل طول خير القريب أو الحاكم مع القريب في الفسخ والإمضاء، وأما إن حصل طول من غير دخول فقيل يتحتم الفسخ، وقيل يخير الولي وإلى هذا الإشارة بقول خليل: وإن قرب فللأقرب، أو الحاكم إن غاب الرد، وفي تحتمه إن طال قبله تأويلان، والحاصل أن الولي على قسمين: مجبر وغير مجبر، وغير المجبر على قسمين: خاص وعام، والمنكوحة في كل إما شريفة أو دنيئة، فتزويج غير المجبر مع وجود المجبر باطل مطلقا كانت المنكوحة شريفة أم لا، كان الزوج خاصا أو عاما، وأما تزويج الخاص مع الخاص غير المجبر إلا أنه أقرب منه فصحيح مطلقا أي في شريفة أو دنيئة لقول خليل عاطفا على ما يصح: وبأبعد مع أقرب إن لم يجبر وإن كره ابتداء على ما ارتضاه شيوخ المدونة وعند غيرهم يحرم، وأما تزويج العام مع وجود الخاص الغير المجبر فصحيح في الدنيئة مطلقا كالشريفة إن دخل وطال، وتقدم تفسير الطول وبيان مفهوم القيدين أعني الدخول والطول فافهمثم شرع في بيان من يقدم من أولياء الثيب غير المجبرة بقوله: "والابن" وابنه وإن سفل "أولى من الأب" في العقد على أمهقال العلامة خليل: وقدم ابن فابنه، والدليل على ذلك خبر عمر بن أبي سلمة إذ قال له النبي
صلى الله عليه وسلم: "قم يا عمر فزوج أمك"1 أي للنبي صلى الله عليه وسلم. وفي ابن عبد السلام: "أن أم سلمة قالت لابنها: قم يا عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها"2 قال: وفي بعض رواة الحديث جهالة. قال العلامة البساطي:
فإن قيل: هو عليه الصلاة والسلام يباح له أن يتزوج بغير ولي فكون عمر زوجه لا يدل على أنه ولي، قلنا: مسلم لكن تزويج من غير ولي وكونه يباح له ذلك لا يلزم أن لا يقع إلا كذلك؟ وقولهم: كون عمر زوجه لا يدل على أنه ولي كلام ساقط انتهى بل يدل، ولأن الولاية بالنسب تفتقر إلى التعصيب والابن أقوى من الأب تعصيبا لأنه يحجب الأب نقصا، ولأنه أحق بموالي مواليها من الأب، وأولى بالصلاة عليها من الأب"تنبيهان" الأول: ما ذكره المصنف من أن تقديم الابن على الأب من باب الأولى هو ما فهمه جل شيوخ المدونة، ويدل عليه قوله فيما يأتي: فإن زوجها البعيد مع أقرب مضى وصحقال خليل: وصح بأبعد مع أقرب إن لم يجبرالثاني: محل تقديم الابن على الأب ما لم تكن الثيب في حجر أبيها أو وصيها أو مقدم قاض بناء على أنه في منزلة الأب وإلا فيقدم كل على الابن، ومحله أيضا ما لم يكن الابن من زنا ولم تثيب قبله بنكاح وإلا قدم الأب لبقاء جبره عليها، ومثله لو كانت مجنونة؛ لأن أباها يجبرها ولو مع وجود ولدها، بخلاف الثيب بنكاح وأتت بولد من زنا بعد ذلك فالابن يقدم في هذه على أبيها فافهم، فإن لم يكن للثيب ابن فالأقرب إليها أحق بنكاحها وإليه أشار بقوله: "والأب" الشرعي "أولى من الأخ" في العقد على أخته، وإنما قدم الأب على أخ المنكوحة لأن أخاها إنما يدلي إليها بأبيها، والمدلي إلى شخص بواسطة يحجب بها، وقيدنا الأب بالشرعي لأن المخلوقة من الزنا مقطوعة النسب، فلا حق لصاحب الماء في الولاية عليها وإن حرم التزويج بها لقبح ذلك في الشرع، فإن لم يكن لها أب فيزوجها أخوها الشقيق أو لأبيها، فإن لم يكن فابنه وإن سفل، فإن لم يكن أخ ولا ابنه فجدها أب أبها دنية لا جد جدها، فعمها ابن الجد يقدم
ـــــــ
1 ذكره ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف 2/266" بلفظ: "قم يا غلام فزوج أمك"، وقال: وفي هذا الحديث نظر2 ضعيف: أخرجه النسائي بنحوه: كتاب النكاح، باب: إنكاح الابن أمه، حديث "3254"، والحاكم في المستدرك "2/195"، حديث "2734"، وابن حبان "7/212"، حديث "2949"، وضعفه الألباني "الإرواء: 6/219 – 220".
عليه، فإن لم يكن عم فابنه وإن سفل، ثم عم الأب ثم ابنه ثم عم الجد كذلك صعودا أو هبوطا، ويقدم الشقيق من الإخوة والأعمام والأختان على غيره قياسا على الإرث والولاء والصلاة، وعلم مما ذكرنا أن الأخ وابنه يقدمان على الجد هنا، كما يقدمان عليه في الولاء والصلاة على الميت، وأشار إلى ذلك كله بقوله: "ومن قرب من العصبة" فهو "أحق" وقال خليل: وقدم ابن فابنه فأخ فابنه فجد فعم فابنه، وقدم شقيق على غيره، ومعنى كونه أحق أنه أولى بمباشرة العقد على وليته لا أنه أمر واجب، فلا يخالف ما مر من قوله أولى وهو الذي اختاره شيوخ المدونة، ويحتمل أن معنى أحق أنه واجب وهو المناسب لقوله بعد ذلك: وإن زوجها البعيد مضى لأنه يقتضي أنه يحرم الإقدام عليه، واحترز بقوله من العصبة عن الأخ للأم والجد للأم فلا دخل لهما في النكاح إلا بطريق ولاية الإسلام، فإن لم يكن لمريدة النكاح ولو بكرا أولى من النسب فالمولى الأعلى وهو المعتق، ووقع خلاف في الأسفل فإن لم يكن مولى فالكافل وهو الذكر الذي ربى المكفولة وحضنها لفقد أبيها حتى بلغت وطلبت النكاح، لكن اختلف في المدة التي يستحق بها الكافل الولاية، فقيل عشر سنين وقيل أربع وقيل مدة بحيث يعد فيها مشفقا، ولكن ظاهر المدونة أن الكافل لا ولاية له إلا على الدنية، فإن لم يوجد لها ولي ولا كافل فالحاكم المعتني بالسنة وأحكام الشريعة وهو آخر الأولياء الخاصة، فإن لم يكن أو كان ولكن لا اعتناء له بالأحكام الشرعية فجماعة المسلمين توكل من تختاره منهم ويزوجها بعد بلوغها ولو بكرا. "وإن زوجها" أي الثيب غير المجبرة الولي الخاص "البعيد" مع وجود أقرب منه كتزويج أخيها غير المفوض مع وجود أبيها أو عمها مع وجود أخيها "مضى ذلك" قال خليل وصح بأبعد مع أقرب إن لم يجبر وإلا فسخ ولو ولدت الأولادوقولنا: "غير المفوض" للاحتراز عن الأخ الذي فوض إليه أبوه التصرف في جميع أموره من البيع والشراء وسائر أمور الدنيا سوى العقد على أخته ثم تعدى وعقد على أخته البكر وزوجها بغير إذن أبيها وأعلمه بذلك بعد العقد وأجازه فإنه يمضيقال خليل: وإن جاز يجبر في ابن وأخ وجد فوض له أموره ببينة جاز، ولو كانت الشهود لم تسمع صيغة تفويضه له، وإنما شهدت بمشاهدة التصرف المشبه لتصرف المفوض له بالصيغة"تنبيهان" الأول: تغيير المصنف بمضي يقتضي أنه يحرم الإقدام على ذلك، وأن تقديم الأقرب من باب الأوجب وهو المناسب لقول خليل: وصح بأبعد مع أقرب إن لم يجبر ولم يجز، وقد قدمنا أن الذي عليه جل شيوخ المدونة أن الترتيب إنما هو على جهة الأولوية فقط،
وأن مخالفته مكروه فقط، فتلخص أن تقديم الأقرب فيه تأويلان بالوجوب والندب، فأول كلام المصنف هنا ظاهر فيما عليه جل شيوخ المدونة، وقوله هنا ظاهر في موافقة كلام خليل أي على جهة الوجوب فافهمالثاني: مفهوم قول زوجها البعيد إلخ أنه لو زوجها أحد المتساويين مع وجود مساويه أحرى بالمضي لجواز الإقدام على ذلك ابتداء على المشهور، ومحل المضي إذا زوجها البعيد لكفؤ، فإن زوجها من غير كفؤ فيصل فيه إن كان كافرا أو فاسقا بالاعتقاد رد نكاحه ولو رضيت به المرأة لأن الكفاءة في الدين حق لله ليس لأحد إسقاطها، بخلاف لو زوجها لدنيء في النسب أو فقير أو فاسق بجارحة أو بذي عيب يوجب الخيار للزوجة فلا يرد به مطلقا، بل إن أسقطتها المرأة مع الولي سقطت مراعاتها، وإن أسقطها أحدهما فحق الآخر باق؟ قال خليل: والكفاءة الدين والحال ولها وللولي تركها أي الكفاءة في التدين، وما ذكر معه من عدم الفسق بالجارحة فليس المراد بالدين في كلام خليل الإسلام، إذ ليس للزوجة ولا للولي ترك الإسلام والرضا بالكافر فافهمثم شرع في الكلام على نائب الأب وهو الوصي بقوله: "و" يجوز "للوصي" الذكر "أن يزوج الطفل" الذكر "الذي في ولايته" إذا طلب الطفل ذلك وكان في تزويجه مصلحة ولا يجبره، إلا أن يكون الأب أمره بالإجبار أو عين له الزوج، والحاصل أنه إنما يجبره الوصي إذا كان له جبر الأنثى وذلك إذا أمره بالإجبار أو عين له الزوجقال خليل: وجبر وصي أمره أب به أو عين له الزوج وإلا فخلاف، ولا بد من المصلحة كتزويجه من موسرة أو شريفة أو ابنة عم، ومثل الوصي في اعتبار المصلحة الأب أيضا والحاكمقال خليل: وجبر أب ووصي وحاكم مجنونا احتاج وصغيرا، وفي السفيه خلاف، والمراد بحاجة المجنون حاجته إلى النكاح لإقباله على الفساد، وكذا للخدمة عند ابن فرحون، ولعل المراد الخدمة التي لا تكون إلا من نحو الزوجة، وهذا في المجنون الذي لا يفيق أصلا، وأما متقطع الجنون فتنتظر إفاقته كما تقدم في جبر المجنونة، ومعلوم أن الأب إنما يجبر المجنون الذي بلغ مجنونا لأن ولايته باقية، وأما من بلغ عاقلا رشيدا ثم طرأ جنونه فلا ولاية عليه وإنما ولايته للحاكم والذكر والأنثى في ذلك سواء، راجع الأجهوري في شرح خليل"تنبيهان" الأول: لم يتكلم المصنف على من يدفع الصداق عن الطفل ومن ذكر معه، ونص
عليه خليل بقوله: وصداقهم إن أعدموا على الأب وإن مات أو أيسروا بعد ولو شرط ضده وإلا فعليهم إلا لشرط، والضمير للمجنون والسفيه على أحد القولين، وأما لو كان المزوج لهم الوصي أو الحاكم فصداقهم في أموالهم أو على من تحمل عنهم به، لأنه لا يلزمه الوصي ولا الحاكم إلا أن يشترط عليهماالثاني: قيدنا الوصي بالذكر، وأما الأنثى إذا كانت وصية فإن كانت وصية على ذكر فلها مباشرة عقد نكاحه، وأما لو كانت وصية على أنثى لوجب عليها التوكل في مباشرة عقدها لوجوب ذكورة وليهاقال خليل: ووكلت مالكة ووصية ومعتقة وإن أجنبيا كعبد أو وصي، ولها اختيار الزوج وتقرير الصداق. ثم صرح بحكم الطفلة بقوله: "ولا يزوج" الوصي مطلقا "الصغيرة" التي في ولايته "إلا أن يأمره الأب بإنكاحها" أو يعين له الزوج والفرق بين الطفل يجوز للولي تزويجه إذا طلب وكان في نكاحه مصلحة دون الطفلة، أن الطفل إذا بلغ وكره النكاح له الفسخ عن نفسه، بخلاف الأنثى لا قدرة لها على ذلك لأن العصمة ملك للزوج، والحاصل أن الوصي إن أمره الأب بالإجبار أو عين له الزوج كان له جبر الذكر والأنثى، وأما إن لم يأمره بالإجبار ولا عين الزوج فلا يجوز له نكاح الأنثى حتى تبلغ وتأذن بالقول، وأما الذكر فيجوز للوصي ولو أنثى أن يزوجه إذا طلب وكان في نكاحه مصلحة ولا يجوز جبرهومفهوم قول المصنف الذي في ولايته أن الوصي على الضيعة أو على التركة أو على تفرقة الثلث ليس كالوصي على ذات الصغير أو الصغيرة وهو كذلك فليس له تزويج الأطفالوفي الأجهوري: أن الوصي على بيع التركة أو على قبض الديون لا يجبران، ولكنه إن وقع ونزل وجبر واحد من هؤلاء مضى، ثم قال: وكل المسائل التي لا يجبر فيها الوصي لو جبر مضى بعد الوقوع، ثم قال أيضا: ولعل وجه الصحة أنه وصي في الجملة فراجعه، وفي شرح شيخنا محمد الخرشي عند قول خليل: وإن زوج موصى على بيع تركته وقبض دينه صح ما نصه قوله صح أي بعد الوقوع إذا زوج من لم تجبر، إذ ليس له جبر بناته اتفاقا، فالمراد زوج منهن من لم تجبر. قال الأجهوري بإذنها، وأما لو زوج من تجبر لفسخ أبدا، هذا ملخص كلامه فانظر ما بين الكلامين، وبقي قسم في الوصي فيه الخلاف وهو الذي أوصاه على بضع بناته بأن قال له: أنا وصي على بضع بناتي أو على عقد بناتي أو على بناتي، فقيل له الجبر ورجح، وقيل لا جبر، ووصي الوصي كالوصي وإن بعد.
قال الأجهوري: وإذا قال وصي فقط أو وصي على مالي، وقلنا لا يجبر فإن فعل فالظاهر أنه يمضي، كما في مسألة وإن زوج موصى على بيع تركته وقبض ديونه صح، انتهى لفظ الأجهوري في شرح خليل عند وجبر وصي أمره أب إلى قوله خلاف، وراجعت كلامه في باب الوصية فوجدته مخالفا لما في باب النكاح، وإن كلامه في باب الوصية كالصريح في موافقة كلام شيخنا الخرشي، وأيضا قول خليل: ثم لا جبر فالبالغ أي لا تزوج إلا بعد بلوغها وإذنها فراجعه: ثم شرع في مفهوم العصبة بقوله: "وليس ذوو الأرحام" وهم قرابات الأنثى من جهة أمها كأخيها لأمها وجدها لأمها وخالها وأبنائهم "من الأولياء" الخاصة "و" إنما تكون "الأولياء من" جهة القرابة "العصبة" كالأصول والفروع والإخوة بغير الأم والأعمام، وبقولنا من جهة القرابة لا يرد المعتق ولا الكامل وكل من له ولايةثم شرع في بيان من تحرم خطبتها بقوله "ولا" يجوز أن "يخطب أحد على خطبة أخيه" والخطبة1 بكسر الخاء التماس التزوج، وإنما حرمت الخطبة على خطبة الغير للنهي الوارد عنه عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب" 2 والنهي للتحريم، والأخ ليس بقيد فتحرم الخطبة على خطبة الكافرولما كانت علة النهي عن الخطبة على خطبة الغير ترتب العداوة وكانت موجودة في سوم الشخص على سوم غيره قال صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث: "ولا يسوم على سومه وذلك" النهي المذكور عند أهل المذهب "إذا ركنا وتقاربا" التقارب تفسير للتراكنومعنى التقارب الميل إلى الأول والرضا به، والضمير في الخطبة للخاطب والمخطوبة إن كانت مما يعتبر ركونها، وإلا فالمعتبر كون وليها بأن كانت مجبرة أو غير مجبرة حيث رضيت
ـــــــ
1 الخطبة – بكسر الخاء – مصدر خطب، يقال: خطب المرأة خطبة وخطباً، واختطبها، إذا طلب أن يتزوجها، واختطب القوم فلانا إذا دعوه إلى تزويج صاحبتهم. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويوالخطبة في الغالب وسيلة للنكاح، إذ لا يخلوا عنها في معظم الصور، وليست شرطاً لصحة النكاح فلو تم بدونها كان صحيحا، وحكمها الإباحة عند الجمهور. والمعتمد عند الشافعية أن الخطبة مستحبة لفعله صلى الله عليه وسلم حيث خطب عائشة بنت أبي بكر، حفصة بنت عمر رضي الله عنهم. الموسوعة "19/190، 191"2 صحيح: أخرجه مسلم بنحوه: كتاب البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسمه على حديث "1412"، وأبو داود: حديث 2081"، وابن ماجه: حديث "1868"، وأحمد "2/21"، حديث "4722".
بركون الولي، وإنما قيد أهل المذهب من أهل العلم الحرمة بالتراكن لفهمه من حديث فاطمة بنت قيس فإنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتستشيره فيمن تنكحه وقالت له: إن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم بن هشام خطباني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه أي لكثرة أسفاره، وأما معاوية فصعلوك لا مال له فانكحي أسامة بن زيد" 1 فهذا يدل على أن الحرمة مشروطة بالركون بالخاطب الأول، وإلا لم يأمرها بأن تنكح أسامة بن زيد، ووجه الاستدلال من الحديث أنها لما أخبرته بخطبتهما فإن كانا مجتمعين فقد خطب أسامة على خطبتهما، وإن كانا متعاقبين فالثاني خطب على خطبة الأول وأسامة خطب على خطبته، وبالجملة بإرشاده صلى الله عليه وسلم إياها إلى أسامة صريح في الجواز"تنبيهات" الأول: علم مما قررنا أن المعتبر ركون من له الكلام، ومثله ركون أمها حيث لم ترد، ومحل الحرمة إذا استمر الركون، فلو رجعت المخطوبة أو وليها عن الركون قبل خطبة الغير لم تحرم خطبتها، وصرح ابن عسكر في شرح العمدة أنه لا يحرم على المرأة ولا على وليها أن يرجعا بعد الركون، وعدم الحرمة لا ينافي الكراهة لأنه من إخلاف الوعد وهو موجود في رجوع الزوجة أو وليهاالثاني: محل الحرمة إذا كان الركون لغير فاسق والخاطب الثاني صالحا قال خليل: وحرم خطبة راكنة لغير فاسق ولو لم يقدر صداق وفسخ إن لم يبين، وأما خطبة الراكنة للفاسق فلا تحرم إلا من فاسق مثل الأول، وإنما لم تحرم خطبة غير الفاسق على خطبة الفاسق لأن غير الفاسق يعلمها أمور دينها، فعلم مما قررنا أن كلا من الصالح ومجهول الحال يجوز لهما الخطبة على خطبة الفاسق، والمحرم خطبة الفاسق على خطبة غيره مطلقا، أي سواء كان صالحا أو فاسقا أو مجهول حال"فإن قيل": إن قيد الأخ لاغ فحينئذ تحرم الخطبة على خطبة الذمي مع أن الذمي أسوأ حالا من الفاسق عند الله. "فالجواب": أن الفاسق على حاله لا يقر عليها شرعا، بخلاف الذمي فإنه على حال يقر عليه بخلاف الفاسق بغير الكفر:
الثالث: إذا حصلت الخطبة المحرمة فإن عقد الثاني يفسخ بطلقة بائنة ولو لم يقم الخاطب
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم: كتاب الطلاق، باب: المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها، حديث "1480"، وأبو داود، حديث "2284"، والترمذي، حديث "1134"، والنسائي، حديث "3245"، وأحمد، "6/412"، حديث "27368".
الأول: فإن بنى بها فلا فسخ، وكذا لو حكم حاكم بصحته لا يفسخالرابع: يخطب ويسوم بالرفع على ما رواه الفاكهاني عن المصنف، فيكون من ذكر النهي بصيغة الخبرالخامس: لم يذكر المصنف إلا الخطبة بالكسر وهي التماس التزويج، وأما بالضم وهي الكلام المسجع المشتمل على الحمد والصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يذكرها مع أنها مندوبة عند الخطبة بالكسر، وتكون من الزوج والولي، وتستحب منهما أيضا عند العقد فهي أربع خطب، ويستحب إخفاؤها وتقليلها، والمبتدئ بها الخاطب عند الخطبة والولي عند العقد، وصيغتها أن يقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانا أو أنا أريد الاتصال بكم أو أريد نكاح فلانة، ثم يجيبه الآخر بعد الخطبة بمثل هذا اللفظ من غير فصل بأكثر من ألفاظ الخطبة بين الإيجاب والقبول، وكذلك تستحب عند العقد، ويقول الزوج: قبلت نكاحها، والولي يقول: أنكحتك إياها، ويستحب كون الخطبة والعقد يوم الجمعة بعد صلاة العصر لقربه من الليل، كما يستحب كونها في شوال، ويستحب إظهار العقد والدعاء لكل واحد من الزوجين: يبارك الله لكل منكما في صاحبه، ونحوه بعد العقد
ثم شرع في الأنكحة المنهي عنها بقوله: "ولا يجوز" أي يحرم "نكاح الشغار" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا شغار في الإسلام" 1 وهو بكسر الشين وبالغين المعجمتين وهو لغة مطلق الرفع لقولهم: شغر الكلب رجله إذا رفعها ليبول، ثم استعمل في رفع الرجل هذا الجماع، ثم استعمل في رفع الصداق، ولذلك فسره عليه الصلاة والسلام بقوله: "وهو البضع" بضم الموحدة وسكون الضاد المعجمة وبعدها عين مهملة "بالبضع" أي بالفرج مثل أن يقول الرجل لصاحبه: زوجتك ابنتي أو أختي على أن تزوجني ابنتك أو أختك من غير صداقوهذا صريح الشغار لأنه على ثلاثة أقسام: صريح ووجه ومركب، فالصريح الخالي من الصداق من الجانبين، والوجه المسمى فيه الصدق من الجانبين، والمركب المسمى فيه الواحدة دون الأخرى، وحكم صريح الشغار الفسخ مطلقا ولو ولدت الأولاد، ولا شيء للمرأة قبل الدخول ولها بعده صداق المثل، وهذا مما لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في كون فسخه بطلاق، وبه قال مالك مرة أو بغيره، وهو الذي قاله سحنون قائلا عليه أكثر الرواة: وحكم
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم: كتاب النكاح، باب: تحريم نكاح الشغار وبطلانه، حديث "1415"، وابن ماجه: حديث "1885"، وأحمد "2/35"، حديث "4918".
الوجه أنه يفسخ قبله ولا شيء فيه للمرأة، ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل، وحكم المركب من الصريح، والوجه فسخ نكاح كل قبل الدخول، وأما بعده فيفسخ نكاح من لم يسم لها، ولها صداق مثلها، ويثبت نكاح المسمى لها بالأكثر من المسمى ومن صداق مثلها"تنبيهان" الأول: محل فساد نكاح الشغار إذا توقف نكاح إحداهما على نكاح الأخرى، وأما لو لم يتوقف وسميا لكل واحدة ودخلا على التفويض فلا فساد، وعلم مما قررنا أنه لا فرق بين المجبرتين وغيرهماالثاني: قد قدمنا الخلاف في الفسخ في كونه بطلاق أو غيره، وتظهر ثمرته فيما إذا تزوجها بعد ذلك، فإنها تكون على الأول على طلقتين وعلى الثاني على عصمة كاملة، ويظهر أيضا فيما لو خالعها على شيء، فعلى أن الفسخ بطلاق لا ترجع به، وعلى أن الفسخ بغير طلاق ترجع به
"ولا" يجوز أي يحرم "نكاح بغير صداق" بأن دخلا على إسقاطه ويكون فاسدا لما مر من أن الصداق ركن أو شرط في النكاح، وحكم هذا النكاح بعد الوقوع الفسخ قبل البناء والثبوت بعد بصداق المثل، ككل نكاح فاسد لصداقه كخمر أو خنزير أو أبق أو قصاص وجب له عليها. قال خليل مشبها في الفسخ: أو بما لا يملك كخمر وحر أو كقصاص أو على إسقاطه، وحملنا كلام المصنف على الدخول على شرط إسقاط الصداق للاحتراز عما لو سكتا عند وقت العقد، أو دخلا على التفويض باللفظ، أو على تحكيم الغير في بيان قدره فلا فساد كما يأتي في كلام المصنف "ولا" يجوز بمعنى يحرم "نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل" لما روي "أنه صلى الله عليه وسلم نهى عام الفتح عنه"1، وحكى المازري الإجماع على حرمته إلى يوم القيامة كما في الروايات، إذ لم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وشرط فساد نكاح المتعة إعلام الزوجة بأنه إنما ينكحها مدة من الزمان، وأما إن لم يعلمها وإنما قصد ذلك في نفسه فلا يفسد وإن فهمت منه ذلك. قال الأجهوري: وظاهر كلام المصنف كالمدونة ولو بعد الأجل بحيث لا يبلغه عمر أحدهما؟ ومقتضى إلغاء الطلاق إليه إلغاء ما نعيته فلا يكون فيه نكاح متعة، وظاهر كلام أبي الحسن أن الأجل البعيد الذي لا يبلغه عمرهما لا يكون النكاح إليه نكاح متعة، بخلاف ما يبلغه عمرها أو
ـــــــ
1 أخرجه أحمد: "2/374"، حديث "846"، والدرامي "2/188"، حديث "2196" بلفظه، وهو بمعناه عند مسلم "1406".
عمر أحدهما، وإذا وقع نكاح المتعة فإنه يفسخ ولو ولدت الأولاد. قال خليل عاطفا على ما يفسخ: ومطلقا كالنكاح لأجل، وفسخه بغير طلاق وقيل بطلاق، ويعاقب فيه الزوجان بغير الحد، ولو كانا عالمين بحرمة النكاح، والولد لاحق بالزوج، وللمرأة فيه المسمى بالدخول، وقيل لها صداق المثل، وعدم الحد في نكاح المتعة مبني على تفسير نكاح المتعة بأنه النكاح لأجل مع وجود الولي والشهود وتسمية الصداق وهو تفسير ابن رشد، وفساده إنما هو من ضرب الأجل خاصة، وأما على تفسير بعض العلماء بأنه ما ضرب فيه الأجل وترك فيه الإشهاد والولي والصداق فالحد فيه، راجع التحقيق"تنبيه" نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام لمن اضطر إليه كالميتة، ثم حرم عام خيبر، ثم رخص فيه عام الفتح وقيل عام حجة الوداع، ثم حرم إلى يوم القيامة. قال المنذري: نسخ مرتين كالقبلة ولحوم الحمر الأهلية
"ولا" يجوز بمعنى يحرم "النكاح في العدة" من غير الزوج، وكذا يحرم التصريح بالخطبة فيها وكذا المواعدة. قال خليل بالعطف على المحرم: وصريح خطبة معتدة ومواعدتها كوليها، وسواء كانت عدة وفاة أو طلاق ولو رجعيا، دل على حرمته الكتاب والسنة. قال تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وفي الموطإ أنه عليه الصلاة والسلام قال للفريعة بنت مالك بن سنان حين مات زوجها: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" 1. وفي الموطإ أيضا: أن صليحة الأسدية كانت زوجة رشيد الثقفي وطلقها فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما ثم قال: أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت عدتها من زوجها الأول وكان الآخر خاطبا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدا. وقولنا من غير الزوج للاحتراز عما لو تزوجها صاحب العدة فإنه يجوز إذا كانت العدة من طلاق بائن دون الثلاث، وأما لو كانت مبانة بالثلاث فإنها لا تحل إلا بعد زوج، فإن تزوجها قبله حد مع فسخ نكاحه؟ ولكن لا يتأبد تحريمها عليه، كالمنكوحة في عدة الطلاق الرجعي من غيره"تنبيهات" الأول: علم مما قررنا أن العقد الواقع في زمن العدة من غير الزوج يفسخ مطلقا
ـــــــ
1 صحيح: أبو داود: كتاب الطلاق، باب: في المتوفى عنها تنتقل، حديث "2300"، والترمذي، حديث "1204"، والنسائي، حديث "3532" بنحوه، وصححه الألباني "الإرواء: 2131/ التحقيق الثاني".
ولو عدة طلاق رجعي وفسخها بغير طلاق ويلحق به الولد ولا حد على الزوجين، وأما تأييد تحريمها عليه فمشروط بكونها معتدة من وفاة أو من طلاق بائن، وبالدخول بها ولو بعد العدة أو بتقبيلها أو التلذذ بها بغير الوطء داخل العدة، وكما تحرم عليه تحرم على أصوله وفروعهالثاني: مثل المعتدة في حرمة خطبتها ونكاحها المحبوسة للاستبراء من زنا أو غصب أو غلط ولو من مريد النكاح إلا تأبيد التحريم فمشروط بكون الاستبراء من غيره، والفسخ الواقع في العدة أو في الاستبراء بغير طلاق للإجماع على فسخه، ويجب لها المسمى بالدخولالثالث: مثل المعتدة في فسخ النكاح ولو ولدت الأولاد المنكوحة في زمن الإحرام منها أو من زوجها أو وليها ولكن لا يتأبد تحريمها، ومثلها في الفسخ أبدا التي يفسدها على زوجها ويتزوجها، راجع شراح خليل "ولا" يجوز أيضا من الأنكحة "ما جر" أي وصل "إلى غرر في عقد" النكاح كالنكاح على خيار التروي ولو لغير الزوجين، أو على إن لم يأت بالصداق لكذا فلا نكاح وجاء به عند الأجل أو قبله، والحكم في هذا الفسخ قبل البناء ولا شيء فيه، ويثبت بعده بالمسمى وإنما ثبت بالدخول وإن فسد لعقده، لأن الشرط فيه أثر خللا في الصداق، فأشبه ما فسد لصداقه في ثبوته بالدخول، وأما إن لم يأت بالصداق حتى فات الأجل أو لم يأت به فإنه يفسخ ولو بعد الدخول، وأما العقد على الخيار في المجلس كأن يشترط أحدهما أن له الخيار ما داما في المجلس الذي حصل فيه العقد فإنه يصح النكاح ولا يفسد بذلك. قاله الأجهوري في شرح خليل، ولي فيه بحث مع قوله في باب الخيار: إن اشتراط خيار المجلس في حال عقد البيع يفسده مع أنه يشدد في عقد النكاح ما يفتقر مثله في البيع"تنبيه" إذا مات أحد الزوجين في نكاح الخيار قبل الفسخ لا إرث فيه، ولعل وجهه مع أن التوارث يقع بين الزوجين بمجرد العقد الفاسد المختلف في فساده أن نكاح الخيار قبل الدخول من المتفق على فسادهقال خليل: وفيه الإرث والضمير للمختلف فيه الإنكاح المريض وزادوا عليه نكاح الخيار، فإنه لا إرث فيه لواحد من الزوجين إذا مات صاحبه قبل فسخ النكاح "و" أي ولا يجوز من النكاح ما جر إلى غرر في "صداق" كالنكاح على عبد آبق1 أو على جنين أو ثمرة لم يبد
ـــــــ
1 الإباق لغة: مصدر أبق العبد - بفتح الباء - يأبق ويأبق، بكسر الباء وضمها، أبقاً وإباقاً، بمعنى الهرب. والإباق خاص بالإنسان سواء أكان عبد أم حراًوفي الاصطلاح: انطلاق العبد تمردا ممن هو في يده من غير خوف ولا كد في العمل. فإن لم يكن كذلك فهو إما هارب، وإما ضال وإما فار. كلن قد يطلق بعض الفقهاء لفظ الآبق على من ذهب مختفيا مطلقا لسبب أو غيره. انظر الموسوعة الفقهية "1/135".
صلاحها على شرط إبقائها، أو على بيت يبنيه لها في ملك الغير أو في ملكه ولم يصفه لها "ولا" يجوز أيضا عقد النكاح "بما لا يجوز بيعه" وإن حل تملكه كجلد الأضحية وكلب الصيد1، وأولى ما لا يحل تملكه كالخمر والخنزير، ولذلك كان تعبير المصنف بما لا يجوز بيعه أحسن من تعبير من عبر بما لا يصح تملكه كخليل لما ذكرنا، وكذلك لو تضمن إثباته ودفعه كدفع العبد في صداق زوجته فإنه يفسخ وتملكه بعد البناء، وكذا لو وقع على شرط يناقض المقصود كشرط أن لا يقسم لها في البيت مع غيرها، أو لا إرث لها منه، أو على أن لها نفقة مسماة في كل شهر، أو على شرط أن نفقة زوجة الصغير أو السفيه أو العبد على الأب أو السيد، أو على نفقة زوجة الكبير المالك لأمر نفسه، والحكم في النكاح المشتمل على الشرط المناقض الفسخ قبل الدخول والثبوت بعده بمهر المثل ويسقط العمل بالشرط، ويجب العمل بمقتضى العقد من وجوب الإنفاق على الزوج البالغ ووجوب القسم
ثم شرع في حكم النكاح الفاسد إذا وقع هل يفسخ مطلقا أو قبل البناء، وعلى الفسخ هل تستحق المرأة شيئا أم لا؟ وعلى استحقاقها هل تستحق المسمى أو صداق المثل بقوله: "وما فسد من النكاح لصداقه" إما لمجرد غرر أو لوقوعه بما لا يصح بيعه أو تملكه فإن اطلع عليه "فسخ" وجوبا "قبل البناء" ولا شيء فيه لقول خليل: وسقط بالفسخ قبله وإن كانت قبضته
ـــــــ
1 الصيد: لغة مصدر صاد يصيد، ويطلق على المعنى المصدري أي: فعل الاصطياد، كما يطلق على المصيد، يقال: صيد الأمير، وصيد كثير، ويراد به المصيد، كما يقال: هذا خلق الله أي مخلوقه سبحانه وتعالى. والصيد هنا بمعنى المصيد: يقول الله تعالى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]وفي الاصطلاح: عرفه الكاساني على الإطلاق الثاني "أي المصيد" بأنه اسم لما يتوحش ويتمتع، ولا يمكن أخذه غلا بحيلة، إما لطيرانه أو لعدوه. وعرفه البهوتي بالإطلاقين: "المعنى المصدري والمصيد" فقال: الصيد بالمعنى المصدري: اقتناص حيوان متوحش طبعاً غير مملوك ولا مقدور عليه. أما بالمعنى الثاني – أي المصيد – فعرفه بقوله: الصيد حيوان مقتنص حلال متوحش طبعاً، غير مملوك ولا مقدور عليه فخرج الحرام كالذئب، والإنسي كالإبل ولو توحشتوالصيد نوعان: بري وبحري. فالصيد البري: ما يكون توالد في البر، ولا عبرة بالمكان الذي يعيش فيهأما الصيد البحري: فهو ما يكون توالده في الماء، ولو كان مثواه في البر، لأن التوالد أصل، الكينونة بعده عارض. فكلب الماء والضفدع، ومثله السرطان والتمساح والسلحفاة بحري يحل اصطياده للمحرم، لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]. وأما البري: فحرام عليه إلا ما يستثنى منه. الموسوعة "28/113".
المرأة ردته ويكون فسخه طلاقا. "وإن دخل بها مضى" أي ثبت "وكان فيه صداق المثل" وهو ما يرغب به مثله فيها باعتبار دين وجمال وحسب ومال وبلد وإن لم تعلم هذه المذكورات، فاعتبار أختها شقيقتها أو لأبيها لا أمها ولا أختها لأمها، وهذا من المصنف إشارة إلى قاعدة وهي أن ما فسد من النكاح لصداقه أو لعقده الموجب خللا في الصداق لا شيء فيه إن فسخ قبل البناء ويثبت بالدخول ولها صداق المثل، وأشار إلى الفاسد لعقده بقوله: "وما فسد من النكاح لعقده" كوقوعه بغير ولي أو كان الولي صبيا أو أنثى أو رقيقا، أو وقع العقد في العدة أو الإحرام، أو وقع لأجل، أو كان صريح شغار، فإنه يفسخ ولو بعد الدخول، لكن المتفق على فساده بغير طلاق والمختلف فيه بطلاق، فإن فسخ قبل البناء لا شيء فيه"و" أما إذا "فسخ بعد البناء ففيه المسمى" إن كان وهو حلال، وإلا فصداق المثل إذا كان الزوج ممن يعتبر دخوله وبناؤه لا إن كان صبيا، فوطؤه كالعدم لا يلزم به صداق، وبما قررنا من دعوى حذف الخبر إلى آخر ما ذكر، فاعلم أنه لا حاجة إلى قول بعض إن واو فسخ زائدة لصحتها على ما قررنا أو تجعل للحال، وقوله: ففيه المسمى الخبر وكذا لا حاجة إلى تقدير وعثر عليه إلخ"تنبيهات" الأول: ظاهر كلام المصنف أن كل من فسخ نكاحها قبل البناء لا شيء لها، ولو كان الزوج البالغ قد تلذذ بها بغير الوطء، كما أن ظاهره أن لها المسمى بمجرد الدخول ولو تصادقا على عدم الوطء أو كان الزوج صبيا وليس كذلك، إذ وطء الصبي كلا وطء، وإن تصادقا على نفي الوطء لا صداق لها، وعند التنازع في حصول الوطء وعدمه فالقول قول الزوجة في خلوة الاهتداءقال خليل: وصدقت في خلوة وإن بمانع شرعي، وإذا كان البالغ تلذذ بها بغير الوطء وطلقها قبل إقامتها عنده سنة فإنه يجب عليه أن يعوضها شيئا بحيث يراه الإمام أو الناس حيث لا إمام من غير تحديد، قال خليل: وتعاض المتلذذ بهاالثاني: لم يبين المصنف كون الفسخ بطلاق أو غيره، ومحصل ما قيل من أن الأنكحة المتعرضة للفسخقال الفاكهاني على ثلاثة أقسام: قسم يفسخ بطلاق من غير خلاف، وهو كل نكاح لأحد الزوجين أو الوليين أو للسيد أو للسلطان فسخه فالفسخ فيه بطلاق، وذلك إذا زوجها البعيد مع وجود القريب على القول بفسخه، أو وجد بأحد الزوجين ما يوجب للآخر فسخ النكاح، وكالعبد إذا تزوج بغير إذن سيده فإن للسيد أن يرد نكاحه أو يجيزه، فإن فسخ فإنه
يكون بطلاق وكذا إذا فسخه السلطان. وقسم يفسخ بغير طلاق من غير خلاف، وذلك كل نكاح متفق على فساده كنكاح ذوات المحارم بنسب أو صهر أو رضاع، وكالمعتدة وكالمنكوحة بغير صداق، وكنكاح المتعة. وقسم فيه الخلاف هل يفسخ بطلاق أو بغيره؟ وهو نكاح الشغار، وكالنكاح بغير وليأو نكاح المريض أو المحرم بحج أو عمرة، والذي مشى عليه خليل أن فسخه بطلاق، بل قال الأجهوري نقلا عن الحطاب: إن فسخ المختلف فيه طلاق ولو وقع بغير لفظ الطلاق وهو المتبادر من قول خليل: وهو طلاق إن اختلف فيه كمحرم وشغارالثالث: لم يبين المصنف أيضا كخليل كون الفسخ يتوقف على الحكم أو لا، وبينه الأجهوري بما محصله: إن كان مختلفا في فساده فلا بد من فسخه من حكم حاكم، فإن عقد على من نكحت فاسدا مختلفا فيه قبل الحكم بفسخه لم يصح العقد، هكذا قال الأجهوري، ولي فيه بحث مع قوله: إن مجرد فسخه يكون طلاقا ولو لم يلفظ فيه بطلاق، والطلاق يحل العصمة في الصحيح فكيف بالفاسد الذي الأصل فيه عدم الانعقاد وحرر منصفاوأما المتفق على فساده فلا يتوقف فسخه على حكم لما عرفت من فسخه بغير طلاق ولو لفظ فيه بالطلاق، ومن ثمرة ذلك صحة العقد على من عقد عليها عقدا فاسدا من غير لفظ بحكم ولا طلاق، لأن المجمع على فساده بمنزلة العدم، ولما كانت المنكوحة تحرم على أصول الزوج وفروعه بسبب النكاح بين ما تقع به الحرمة من العقد أو الوطء بقوله: "وتقع به" أي النكاح الفاسد الذي حصل فيه الفسخ بعد البناء "الحرمة" أي حرمة المنكوحة على أصول العاقد وعلى فصوله، وكذا حرمة أصول المعقود عليها أو فصولها على العاقد المذكور. "كما تقع" تلك الحرمة "بالنكاح الصحيح" والتشبيه في ترتيب الحرمة على كل في الجملة، وإن كان التحريم في المتفق على فساده إنما يحصل بالتلذذوأما الصحيح فيحصل بمجرد العقد، ومثل الصحيح الفاسد المختلف في فساده. قال خليل في الفاسد المختلف فيه: والتحريم بعقده وفيه الإرث إلا نكاح المريض، ثم قال: لا أنفق على فساده فلا طلاق ولا إرث كخامسة وحرم وطؤه فقط أي لا العقد، لما تقرر من أن المقدمات يحصل بها التحريم كما يحصل بالوطء، والحاصل أن المختلف فيه كالصحيح في حصول التحريم بمجرد العقد فيما يحرم بالعقد وفي التوارث به وفي توقف فسخه على طلاق على ما فيه، بخلاف المتفق على فساده لا توارث بعقده، ولا طلاق في فسخه، ولا تحريم بعقده، وإنما يحصل التحريم بالتلذذ المستند إليه.
"تنبيه" كل ما يحصل التحريم بعقده لا يشترط في الزوج صاحب العقد بلوغه بخلاف ما يتوقف فيه التحريم على التلذذ فيشترط بلوغه وكون وطئه يدرأ الحد، كما لو كانت المعقود عليها معتدة أو ذات محرم أو رضاع مع عدم علم الزوج بحرمتها، وأما لو لم يدرأ الحد لم ينشر كالتزويج بواحدة مما ذكرنا مع علمه بتحريمهاولما كان يتوهم من تشبيه المفسوخ لفساده بالصحيح في حصول التحريم مساواته له في حل المبتوتة استدرك عليه بقوله: "ولكن لا تحل به" أي بالوطء المستند للعقد الذي فسخ بعد البناء للاتفاق على فساده ولو تكرر وطؤه "المطلقة ثلاثا" أو اثنتين إن كان زوجها عبدا، وأما لو نكحت المبتوتة نكاحا فاسدا مختلفا فيه وطلقت بعد الوطء، فإن تكرر وطؤه بحيث ثبت النكاح حلت، وأما لو طلقت بعد أول وطئه ففي حلها تردد مبني على أن النزع هل هو وطء أو غير وطء، وإنما حصل التحريم بالوطء دون التحليل احتياطا في الجانبينقال خليل: والمبتوتة حتى يولج بالغ قدر الحشفة بلا منع ولا نكرة فيه بانتشار في نكاح لازم إلى أن قال: لا بفاسد إن لم يثبت بعده بوطء ثان، وفي الأول تردد "و" كما لا تحل المبتوتة بالفاسد "لا يحصن به" بالبناء للمفعول ونائب الفاعل "الزوجان" لأن التحصين كالتحليل في التوقف على النكاح الصحيح اللازم الذي حل وطؤه من البالغ وبانتشار مع إباحة الوطء"تنبيه" تكلم المصنف على ما يفسد من الأنكحة لأجل الصداق أو لخلل في العقد، وسكت عما يفسد لذكر بعض شروطه، قال سيدي يوسف بن عمر: إنما سكت عما يفسد بالشرط لما في الشروط من التفصيل. قال العلامة بهرام: قال في الجواهر: الشروط ثلاثة أنواع: الأول ما يقتضيه العقد ولو لم يذكر كشرط الإنفاق أو المبيت فهذا اشتراطه وعدمه سيان، أي لا يوقع في العقد خللا ولا يكره اشتراطه ويحكم به ذكر أو تركالنوع الثاني: عكس هذا وهو أن يكون مناقضا لمقتضى العقد، كشرط أن لا يقسم لها أو يؤثر عليها أو لا ينفق، وهذا النوع يمنع اشتراطه ويؤدي إلى الخلل في العقد، فيفسخ لأجله قبل البناء ويثبت بعده ويلغى. الشرط
الثالث: ما لا تعلق له بالعقد ولا ينفيه ولا يقتضيه، كشرط أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى عليها، أو لا يخرجها من بلدها أو بيتها، وهذا يكره اشتراطه، ولا يفسد العقد باشتراطه ولا يفسخ لأجله لا قبل ولا بعد، أي ولا يلزم الوفاء به، راجع التحقيق ببعض التصرف ثم شرع في
بيان من يحرم على المكلف نكاحه سوى ما تقدم من المنكوحة على وجه المتعة أو المعتدة بقوله: "وحرم الله سبحانه" وتعالى على مريد النكاح من الرجال لمناسبة قوله: "سبعا من النساء بالقرابة" حرم عليه أيضا "سبعا" بعضهن "بالرضاع و" بعضهن تحريمه بسبب "الصهر" وهن قرابات الزوجة وحليلة الأب وحليلة الابن كما يأتي، فعلم من تقديرنا لفظ بعض في الموضعين أن السبع من مجموع الرضاع والصهر، فلا تفهم أن المراد سبع بالرضاع وسبع بالصهارة لأن هذا لا يصح، لأن الذي حرمه الله بالرضاع اثنتان الأمهات والأخوات وبقية السبع حرمها الله بالصهروقولنا: حرمه الله لا ينافي ما يأتي من أنه يحرم بالرضاع مثل ما يحرم من النسب وهن سبع، لأن ما يأتي في المحرم بالسنة، وما هنا في المحرم بنص الله تعالى وهن سبع بعضهن بالرضاع وبعضهن بالصهر، والصهر واحد الأصهار وهم أهل بيت المرأة، ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان جميعا، يقال: صاهرت فيهم إذا تزوجت منهم قاله في التحقيق، وقال في الجلالين: الصهر أن يتزوج الذكر أو الأنثى طلبا للتناسل، ولذا قال صاحب القبس: المحرم بالصهر أربع: زوجة الابن وزوجة الأب وأم الزوجة وابنتها، ويمكن ضابطه بأن يقال: كل من حرم عليك بسبب عقدك على غيره، أو حرم عليك بسبب عقد أصلك عليه أو عقد فرعك، وهذا شامل للأربع من كلام صاحب القبس، إلا أنه يخرج من هذا الضابط الجمع بين الأختين، فإن المصنف جعله من جملة المحرم بالصهر وفيه شيء، إلا أن يقال السنة جعلت المحرم بالجمع ملحقا بالمحرم بالصهر واستمر عليه الإجماع. ثم أشار إلى السبع اللاتي من القرابات بقوله: "فقال عز وجل حرمت عليكم" معاشر الرجال "أمهاتكم" وهي من لها عليك يا مريد النكاح ولادة ولو بوسائط لتشمل الجدات ولو من جهة الأب فيحرم عليك نكاح الجميع "و" حرمت عليكم أيضا "بناتكم" جمع بنت وهي كل أنثى لك عليها ولادة ولو بواسطة، ولو كانت البنت تخلقت من مائك الفاسدقال خليل: وحرم أصوله وفصوله ولو خلقت من مائهوالحاصل أنه يحرم على الشخص أصله وإن علا، وفرعه وإن سفل، ويلزم من حرمة أصلك عليك حرمتك عليه لأن الحرمة من الأمور النسبية، فتحرم على أمك كما تحرم هي عليك وهكذا "و" حرمت عليكم "أخواتكم" جمع أخت وهي كل من لأبيك أو أمك عليها ولادة ولو بواسطة وهو معنى قول بعضهم: الأخوات من اجتمعت معهن في صلب ورحم أو في أحدهما.
"و" حرمت عليكم "عماتكم" جمع عمة وهي كل من اجتمع مع أبيك في صلب ورحم أو في أحدهما "و" حرمت عليكم "خالاتكم" جمع خالة وهي كل من اجتمعت مع أمك في صلب أو رحمقال الفاكهاني: وكذلك عمة الأب وخالته وعمة الأم وخالتها، وكذلك عمة العمة، وأما خالة العمة فإن كانت العمة أخت أب لأم أو لأب وأم فلا تحل خالة العمة لأنها أخت الجدة، وإن كانت العمة إنما هي أخت أب لأب فقط فخالتها أجنبية من بني أخيها فتحل له، وكذلك عمة الخالة فإن كانت الخالة أخت أم لأب فعمتها حرام لأنها أخت جد، وإن كانت الخالة أخت الأم لأم فقط فعمتها أجنبية من بني أخيها، وضابط العمات والخالات أن كل ذكر يرجع نسبك إليه بالولادة فأخته عمتك، وكل أنثى يرجع نسبك إليها بالولادة فأختها خالتك، ذكره في التحقيق "و" حرم عليكم "بنات الأخ" وبنت الأخ كل أنثى لأخيك عليها ولادة وإن سفلت، كان الأخ شقيقا أو لأب أو لأم "و" حرم عليكم أيضا "بنات الأخت" وهي كل أنثى لأختك عليها ولادة وإن سفلت، كانت الأخت شقيقة أو لأب أو لأم "فهؤلاء" السبع اللواتي يحرمن "من القرابة" وأشار إليهن خليل بقوله: وحرم أصوله وفصوله ولو خلقت من مائه، وفصول أول أصوله، وأول فصل من كل أصل غير الأصل الأول، فالأصول الأمهات والجدات فيحرمن وإن علون، والفصول الأولاد فيحرمن وإن سفلن، وفصول الأصول الأخوات وأولادهن فيحرمن وإن سفلن، والأصل غير الأول الجد، وفروعه عمات وخالات وبناتهن غير محرمات، والحرام فصل الأول فقط، وتجوز بنت العمة وبنت الخالة
"و" السبع "اللواتي" يحرمن "من الرضاع والصهر" يجمعها قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} ولو كانت المرضعة صغيرة لا يولد لها، أو كانت ميتة حيث كان في ثديها لبن ولو مع الشك على الأظهر، أو كانت الذات المرضعة خنثى مشكلا كما نص على ذلك شراح خليل، "و" حرم عليكم أيضا "أخواتكم من الرضاعة" كان رضعكم مصاحبا لرضعهن أو سابقا أو متأخرا، لأن الذي يرضع من امرأة يقدر كأنه نزل من بطنها، فجميع أولادها إخوة له، كما يأتي في بابه، ولم ينص في القرآن على المحرم بالرضاع إلا على الأمهات والأخوات وبواقي السبع بالصهر، وأشار إليهن بقوله: "وأمهات نسائكم" وهي كل امرأة لها على زوجتك ولادة أو رضاع ولو بواسطة، فيشمل جدة الزوجة وإن علت سواء جدتها من قبل أبيها أو أمها من نسب أو رضاع، والمراد زوجتك من عقدت عليها ولو لم يحصل تلذذ بها، لأن العقد على البنات
يحرم الأمهات، وسواء عقد له عليها في حال بلوغه أو صباه "و" حرم عليكم أيضا "ربائبكم" وهي بنات الزوجة "اللاتي في حجوركم من نسائكم" ووصف الربائب باللاتي في الحجور طردي أو غير معتبر المفهوم، بخلاف وصف الأمهات بقوله: "اللاتي دخلتم" أي تلذذتم "بهن" لأن مجرد العقد غير محرم للقاعدة المقررة من أن التلذذ بالأمهات يحرم البنات، والعقد على البنات يحرم الأمهاتقال خليل عاطفا على حرم: وبتلذذه وإن بعد موتها ولو بنظر فصولها. قال الأجهوري في شرحه: ولو كانت صغيرة بحيث لا تشتهى، أو كان النظر إليها من فوق حائل يصف حيث كان النظر لغير الوجه والكفين، وأما لو انضم للنظر فعل كلمس فينبغي الحرمة ولو للوجه أو الكفين حيث وجدت اللذة لا إن لم توجد، ولو قصدت فلا تحرم، كما لا يحرم الالتذاذ بالكلام، ولعل وجه الفرق قوة الالتذاذ بالنظر دون الكلام، ثم صرح بمفهوم دخلتم بقوله: "فإن لم تكونوا دخلتم بهن" أي بنسائكم بل طلقتموهن بعد العقد ولو كان صحيحا "فلا جناح" أي لا حرج "عليكم" في نكاح بناتهن لما عرفته من أن البنات إنما تحرم بالتلذذ بالأمهات"تنبيه" علم مما قررنا أن المراد بالدخول في كلام الله تعالى التلذذ ولو من غير اختلاء بالزوجة، لأن المصنف أشار بهذا وما قبله إلى القاعدة المشهورة عند فقهائنا وهي أن العقد على البنات يحرم الأمهات ولو فاسدا حيث اختلف فيه، والتلذذ بالأمهات بعد العقد عليهم يحرم بناتهن، ولعل الحكمة في ذلك قوة محبة الأم للبنت بخلاف العكس، فالأم أشد برا بالبنت دون العكس، فلذلك لم يكن العقد عليها بمجرده محرما بنتها. "و" حرم عليكم "حلائل" جمع حليلة وهن زوجات "أبنائكم الذين من أصلابكم" والمراد من عقد عليهن الأبناء ولو فاسدا حيث اختلف فيه، ولو كان المعقود له صغيرا جدا والمراد الفرع وإن سفل، واحترز بقوله: من أصلابكم من الابن بالتبني، فلا تحرم عليك حليلته ولو كان قد دخل بها، "فقد تزوج صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة، وقد كان صلى الله عليه وسلم تبناه حتى كان يدعى زيد بن محمد"، حتى نزل قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] وذلك أن المنافقين واليهود لما تزوجها صلى الله عليه وسلم قالوا: تزوج محمد صلى الله عليه وسلم حليلة ابنه وكان ينهى الناس عن ذلك، فأنزل الله تعالى قوله: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] الآية، تكذيبا لهم وتصريحا بالجواز"تنبيهات": الأول: جعلنا محترز من أصلابكم ابن التبني فقط، لأن الابن من الرضاع حكم
ابن الصلب في حرمة حليلته، وإن كانت حرمة حليلة ابن الرضاع مستندة للإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" 1 لما تقرر من أن ابن الرضاع يقدر كأنه من ظهر الرجل صاحب اللبن، ومن بطن المرأة التي أرضعته، فلا يحل لأبيه فرعه وإن سفل، ولا يحرم له هو أخذ أم أو جدة أبيه، ولا أولاد أبيه، ولا أولاد أمه وإن سفلن لأنهن أخوات وأولاد أخواتقال خليل: وقدر الطفل خاصة ولدا لصاحبة اللبن ولصاحبه من وطئه لانقطاعه وإن بعد سنينالثاني: مفهوم حلائل الأبناء أن جواري الأبناء لا تحرم على الآباء بمجرد الملك وهو كذلك، وإنما يحرم التلذذ ولو بغير الوطء حيث تلذذ بهن بعد بلوغه على المعتمد، لأن الضابط أن ما يحصل فيه التحريم بالعقد وهو التحريم بالمصاهرة لا يشترط في المعقود له البلوغ، بخلاف ما يتوقف فيه التحريم على التلذذ، فيشترط فيه بلوغ المتلذذ من زوج أو مالك، ومثل الوطء مقدماته ولا بد من تحقق التلذذ، وأما لو حصل فيه الشك فأشار إليه خليل بقوله: وإن قال الأب نكحتها أو وطئت أمه عند قصد الابن ذلك وأنكر ندب التنزه، وفي وجوبه إن فشا تأويلان، وفي الأجهوري في شرح خليل: من ملك جارية ابنه أو أبيه بعد موته ولم يعلم هل وطئها أم لا؟ فقال ابن حبيب: لا تحل، واستحسنه اللخمي في العلي وقال: يندب في ما لو خشي أن لا يصيب ولا تحرم، وكذا إن باعها الأب لابنه والابن لأبيه ثم غاب البائع قبل أن يسألالثالث: الوطء المستند للبيع الفاسد كالوطء المستند للنكاح الفاسد، فيفرق بين ما اختلف فيه فيحرم وطؤه، وما اتفق عليه لا يحرم وطؤه إلا إن درأ الحد، قاله الأجهوريالرابع: قد قدمنا غير مرة أن ما يحصل في التحريم بالعقد العقد الفاسد المختلف فيه كالصحيح إذا وقع العقد على غير وجه الإكراه، وأما لو وقع بالإكراه فقال الأجهوري: الذي ينبغي الجزم به أنه لا يحرم، وأما لو وطئ مع الإكراه فعلى عدم الحد يحرم، وعلى الحد يجري فيه الخلاف في الزنا"و" حرم عليكم أيضا "أن تجمعوا" أي الجمع في النكاح "بين الأختين" ولو من الرضاع، وأما الجمع بينهما في الملك فقط، أو واحدة للوطء والأخرى للخدمة، أو واحدة بالنكاح
ـــــــ
1 صحيح أخرجه البخاري كتاب الشهادات، باب: الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت، والنسائي، حديث "3306"، وابن ماجه، حديث "1938".
والأخرى للخدمة فلا حرج، لأن المحرم الجمع بينهما للوطء، قال الأجهوري في شرح خليل: فمن في ملكه أختان لم يتلذذ بواحدة منهما ثم أراد التلذذ بإحداهما فله أن يتلذذ بها ويمتنع من التلذذ بالأخرى، ولا يتوقف جواز تلذذه بمن أراد التلذذ بها على تحريم الأخرى بما سبق، أي من زوال ملك أو عتق وإن لأجل. "إلا ما قد سلف" أي وقع قبل الإسلام وفسخه الإسلام فلا يؤاخذ فاعله به لأنه يغفر بالإسلام لأنه يجب ما قبله. قال تعالى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] والاستثناء في الآية منقطع، والمعنى: لكن ما قد سلف لا إثم فيه، وحرمة الجمع بين الأختين من جملة السبع اللاتي يحرمن بالرضاع والصهر هي السادسة، وأشار إلى تمام السبع بقوله: "وقال تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ} [النساء: 22]" أي عقد عليه " {آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]" والمعنى: أنه يحرم على فرع الإنسان وإن سفل أن يتزوج بمن عقد عليه أصله وإن علا، ولو كان العقد فاسدا حيث اختلف فيه، ولو لم يحصل من الأصل تلذذ به، لأن التحريم بالصهارة لا يتوقف على تلذذ بل يحصل بمجرد العقد، إلا في تحريم البنت بسبب نكاح أمها فإنه يتوقف على التلذذ بأمها، وحرمة حليلة الأب على الابن ولو كان عقد الأب عليها في حال صغره، وقيدنا الفاسد بالمختلف فيه لأن المجمع عليه لا يحرم إلا وطؤه إن درأ الحد، ومثل حليلة الأصل في تحريمها على فرعه وإن سفل موطوءته بالملك حيث تلذذ بها الأصل ولو مستندا لعقد فاسد حيث كان مختلفا فيهوجرى خلاف في تسميتها حليلة قبل التلذذ، ولكن تقيد الحرمة بأن يكون الأصل تلذذ بها بعد بلوغه لما قدمنا من أن كل ما يحصل فيه التحريم بالعقد لا يشترط فيه بلوغ الزوج، لأن النكاح حقيقة في العقد على المشهور ومجاز في الوطء، وأما ما يتوقف فيه التحريم على التلذذ فلا بد من بلوغ المتلذذ، وفي بعض النسخ تتميم الآية بقوله: " {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22]" إلا أن هذا ليس كالمتقدم في الجمع بين الأختين، لأن نكاح حليلة الأب لم تسبق به شريعة، وإنما كان الولد يعقد على حليلة أبيه جهلا، خلاف نكاح الأختين فإنه كان شريعة قوم ونسخه شريعة الإسلام. قاله في التحقيق ولنا فيه بحث مع قولهم فيه، لأن الإسلام يجبه، لأن ما كان شريعة لقوم لا يؤاخذون به حتى يقال الإسلام يجبه، إلا أن يقال: إن من يعلل غفران حرمة الجمع بين الأختين بجب الإسلام لا يسلم أنه كان شريعة وتأمله"تنبيه" علم مما مر بيان عدة السبع المحرمات بالقرابة بنص القرآن، وأما السبع المحرمات بالصهر والرضاع فتقدم أن المحرم بالرضاع منهن بنص القرآن الأمهات والأخوات فقط،
والخمس بالصهر وهن: بنت الزوجة وأمها وحليلة الأب وحليلة الابن، وعد منهن الجمع بين المرأة وأختها، مع أن المحرمة بالصهر هي المحرمة بسبب عقد أصلك أو فرعك عليها، أو عقدك على غيرها كأم الزوجة، وأم المحرمة بالجمع فلا ينطبق هذا الضابط عليها، ولكن السنة المتواترة ألحقتها بالمحرمة بالصهر ومضى عليه الإجماع قاله الفاكهاني، فلعل المصنف غلب المحرم بالصهر على المحرم بالجمع، فأطلق على ما عدا المحرم بالنسب والمحرم بالرضاع أنه محرم بالصهر، هكذا يفهم من كلام ابن عمرو لما كان يتوهم من آية: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] عدم حرمة غيرهن، مع أن المحرم بالرضاع سبع على عدد المحرم بالنسبقال: " وحرم النبي عليه" أفضل الصلاة وأزكى "السلام" من النساء "بالرضاع" مثل "ما يحرم من النسب" وهن السبع اللاتي في الآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلى آخرها، وكلام المصنف معنى حديث عائشة رضي الله عنها وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة" 1فكما يحرم بالنسب الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الإخوة وبنات الأخوات كذلك يحرمن من الرضاع، فأمك رضاعا كل من أرضعتك أو أرضعت من ولدتك بواسطة أو غيره وأمهاتهما، وبنتك كل من رضعت على زوجتك بابنك أو أرضعتها بنتك من نسب أو رضاع، وأخواتك كل من ولدته من أرضعتك أو ولد لفحلها، فإن جاء من أمك وفحلها ولد فهو أخ شقيق لك من الرضاع، وإن ولد لأمك من غير ذلك الفحل ولد فهو أخ لأم، وإن ولد لأبيك من أمك من زوجة أو سرية فهو أخوك لأبيك، وأخوات الفحل عمات الرضيع، وأخوات أم الرضيع خالات له، وبنات الأخ من أرضعتهن امرأة أخيك بلبنه، وبنات الأخوات من أرضعتهن الأخوات، وكل هذا دخل تحت الحديث المذكور، نعم استثنى العلماء من الحديث بعض إناث تحرم من النسب ولا تحرم من الرضاع، الأولى: أم أخيك أو أختك. الثانية: أم ولد ولدك. الثالثة: جدة ولدك. الرابعة: أخت ولدك. الخامسة: أم عمك وعمتك. والسادسة: أم خالك وخالتك، وأشار إليها خليل بقوله: إلا أم أخيك أو أختك، وأم ولد ولدك، وجدة ولدك، وأخت ولدك، وأم عمك وعمتك، وأم خالك وخالتك، فقد لا يحرمن من الرضاع أي ويحرمن من النسب وقد وفى كلامه للتحقيق
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب: ما يحل من الدخول والنظر على النساء، حديث "5239"، ومسلم: كتاب الرضاع، باب: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، حديث "1444".
ولما كان المحرم بالجمع بنص القرآن مختصا بالأختين وألحقت السنة المتواترة بالأختين الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قال بالعطف على المحرم بالسنة: "ونهى" عليه الصلاة والسلام عن "أن تنكح المرأة على عمتها أو" على "خالتها" أو على بنت أخيها أو أختها والنهي للتحريم، ولفظ الحديث: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها" 1، وأشار إلى ذلك العلامة خليل بالعطف على المحرمات بقوله: وجمع خمس أو اثنتين لو قدرت المرأة ذكرا حرم أي نكاح الأخرىوهذا الضابط مقيد بما إذا كان امتناع الجمع بالقرابة والرضاع أو الصهارة، فلا يرد الجمع بين المرأة وأمتها، والجمع بين المرأة وبنت زوجها، والجمع بين المرأة وأم زوجها فإنه يجوز لأن الحرمة من جانب واحد، بخلاف نحو المرأة وعمتها لو قدرت كل ذكرا حرم عليه نكاح الأخرى، لأن الشخص يحرم عليه نكاح عمته، وكذلك المرأة وبنت أخيها لو قدرت المرأة ذكرا لحرم عليه بنت أخيه، ولو قدرت بنت الأخ ذكرا لحرم عليه نكاح عمته، وضابط خليل ربما يشمل العمتين والخالتين والعمة والخالة، ومثال العمتين يوجد في بنتي رجلين تزوج كل منهما أم الآخر، والخالتين يتصور في بنتي رجلين تزوج كل منهما بنت الآخر، والخالة والعمة يتصور في بنتي رجلين تزوج أحدهما أم الآخر، والآخر بنت الآخر انظر التتائي"تنبيهات" الأول: لم يبين المصنف حكم ما لو جمع بين محرمتي الجمع في عقد واحد وحكمه الفسخ ولو حصل دخول بهما بلا طلاق ولا مهر لمن لم يدخل بها، وأما إن ترتبتا في العقد فإن علمت الأولى فسخ نكاح الثانية وثبت نكاح الأولى، ومثل العلم لو صدقت المرأة أنها ثانية وإن اختلفا فالقول للزوج بيمين ليسقط عنه نصف الصداق، ويفسح نكاح من ادعى أنها ثانية لكن بطلاق، وإن لم تعلم الأولى من الثانية ولم يدع الزوج العلم بأولية إحداهما فإنه يفسخ نكاحهماقال خليل: وفسخ نكاح ثانية صدقت وإلا حلف للمهر بلا طلاق كأم وابنتها بعقدالثاني: الوطء بالملك ينشر الحرمة كالوطء بالنكاح كما قدمنا، فتحرم أصول الموطوءة بالملك وفروعها على واطئها، وكذا تحرم الموطوءة على أصول الواطئ وفروعه، ويحرم على
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب النكاح، باب: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، حديث "1408" بلفظه، وهو عند البخاري بمعناه، حديث "5109"، كما أخرجه النسائي "3292"، وابن ماجه، حديث "1929".
واطئها الجمع بينها وبين عمتها أو خالتها في الوطء، ومثل الوطء التلذذ، فلو تلذذ بأمة أو زوجة وأراد أن يتخذ من يحرم جمعه معها فلا يجوز له حتى يحرم فرج الأولى حيث أراد اتخاذها للوطءقال خليل: وحلت الأخت ببينونة السابقة أو زوال ملك بعتق وإن لأجل أو كتابة أو نكاح يحل المبتوتة وقدمنا ذلك أيضا، ولما قدم أن حليلة الابن محرمة على أصوله وفصوله بالصهارة أعادها ليبين أن الحرمة تحصل بمجرد العقد بقوله: "فمن نكح امرأة" أي عقد عليها "حرمت بالعقد" ولو فسد إن لم يجمع عليه "دون أن تمس على آبائه" أي أصوله وإن علوا "و" حرمت أيضا على "أبنائه" أي فروعه وإن سفلوا لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] "وحرمت عليه" أي الزوج "أمهاتها" لما تقدم من أن العقد على البنات محرم الأمهات "ولا تحرم عليه بناتها" أي فروعها "حتى يدخل بالأم أو يتلذذ بها بنكاح" أي بسببه "أو ملك يمين" ولو كان التلذذ بالنظر لباطن الجسدقال خليل: بالعطف على المحرمات وأصول زوجته وبتلذذه ولو بعد موتها ولو بنظر فصولها، وهذا إشارة للقاعدة المطروقة وهي العقد على البنات يحرم الأمهات، والتلذذ بالأمهات يحرم البنات، والمراد بالعقد ما يشمل الفاسد إن لم يجمع على فساده، وإلا لم يحرم إلا وطؤه إن درأ الحد، وقد قدمنا ما فيه الكفاية. ولما كانت شبهة النكاح كالنكاح قال: "أو بشبهة من نكاح" عطف على بنكاح أي إن تلذذ الشخص بالمرأة بسبب شبهة النكاح يحصل به التحريم لأصول المتلذذ بها وفروعها على المتلذذ وعلى أصوله وفروعه، ومثال ذلك أن يطأ امرأة يظنها زوجته أو يتزوج تزويجا فاسدا مجمعا عليه لكن يدرأ الحد، كأن يتزوج بمعتدة أو خامسة أو ذات محرم غير عالم ويتلذذ بها فيحرم عليه فرع كل واحدة من المذكورات وأصلهاقال خليل: وحرم العقد وإن فسد إن لم يجمع عليه وإلا فوطؤه إن درأ الحد، لكن يشترط في ذلك العقد كما قال الأجهوري أن يكون لازما، فلا عبرة بعقد المكره ولا عقد صبي أو عبد بغير إذن سيد العبد وولي الصبي، ومثل الوطء المقدمات وقد قدمت الإشارة إلى ذلك، ولما كان التلذذ بشبهة الملك يحصل به التحريم قال: "أو" يتلذذ منها بشبهة "ملك" كأن يشتري أمة ويتلذذ منها ولو بقبلة ثم تستحق أو يظهر بها عيب فيردها فلا تحل له أصولها ولا فروعها، كحرمة أصول وفروع الزوجة على زوجها بتلذذه بهاثم شرع في مفهوم التلذذ والنكاح أو شبهته أو الملك أو شبهته بقوله: "ولا يحرم بالزنا
حلال" والمعنى: أن من زنى بامرأة ولو تكرر زناه بها لا يحرم عليه به أصولها ولا فروعها، بل يحل له التزوج بأمها أو ابنتها التي لم تتخلق من مائه لحرمتها عليه، ومن باب أولى يجوز لأصوله وفروعه نكاح تلك المرأة، هذا معنى كلام المصنف، وليس معناه أن من زنى بامرأة يجوز له بعد استبرائها نكاحها لأن هذا غير متوهم ولم يقع فيه نزاع بين العلماء، وما ذكره المصنف هو المشهور في المذهب وهو قول الإمام مالك في الموطإ. قال سحنون؟ وأصحاب مالك كلهم عليه لم يختلفوا فيه إلا ابن القاسم فإنه روى في المدونة أن من زنى بأم امرأته فإنه يفارقها، واختلفوا في المفارقة هل على الوجوب أو الندب؟ قال العلامة بهرام: واختلف الأشياخ في المعتمد هل هو ما في الموطإ أو ما في المدونة؟ واختصر البرادعي عليه، ولأن الإمام رجع عن ما في الموطإ وأفتى بالتحريم إلى أن مات، فذهب جماعة إلى تصحيح ما في المدونة، وجماعة إلى تصحيح ما في الموطإ، ووجوب التعويل عليه لما علمت من أن عليه كل الأصحاب خلا ابن القاسم، فلله در المصنف حيث اقتصر على الراجح الموافق لما في الموطإ ولو ثبت رجوع الإمام عما فيهفإن قيل: كيف يكون الراجح ما في الموطإ وهو عدم نسبة التحريم بالزنا مع رجوع الإمام عنه؟ مع أن المرجوع عنه لا ينسب إلى قائله فضلا عن كونه راجحا؟ فالجواب: أن أصحابه أخذت من قواعده أن المعتمد عدم التحريم فصار عدم التحريم مذهبا لمالك وإن كان قوله مخالفا له، ولا شك أن ما يستنبطه أصحاب الإمام من قواعده من المسائل ينسب إليه وإن لم يقله ولا تكلم به، فإن كثيرا من المسائل لم يكن للإمام فيها نص، وإنما هي منقولة عن أصحابه وتنسب إلى مذهبه كغالب مسائل الإقرار، والله أعلمولما فرغ من بيان المحرمات بالنسب والصهر والرضاع شرع في بيان المحرمات بالدين بقوله: "وحرم الله سبحانه وتعالى" على المسلم "وطء الكوافر" جمع كافرة "ممن ليس من أهل الكتاب" كالمجوسيات والصابئات وعابدات الأوثان ونحوهن ممن ليس له كتاب لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] فإنها محمولة على غير أهل الكتاب والنهي عام في الوطء "بملك أو نكاح" والمراد بالوطء سائر أنواع الاستمتاع، ثم صرح بمفهوم من ليس من أهل الكتاب بقوله: "ويحل" للمسلم "وطء" الإماء "الكتابيات بالملك" لعموم قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] "ويحل لنا" معاشر المسلمين "وطء حرائرهن" أي الكتابيات "بالنكاح" للقاعدة وهي أن كل من جاز لنا وطء إمائهم بالملك يجوز لنا وطء حرائرهم بالنكاح
ولو يهودية تنصرت وبالعكس، وكذا المجوسية إذا تهودت أو تنصرت على المعتمد لأنها تقر على ما انتقلت إليه. قاله الأجهوري في شرح خليل، والدليل على ذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5] إلى قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] لأن المراد بالمحصنات في الآية الحرائر من اليهود والنصارى، وتقدم أن المراد بالمشركات في آية: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] غير الكتابياتقال القرافي في الذخيرة: ولما تشرف أهل الكتاب بتمسكهم بالكتاب وأضافهم الباري سبحانه وتعالى إليه بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 64] أبيحت لنا نساؤهم وحل لنا طعامهم أي ذبائحهم"تنبيه" ظاهر كلام المصنف لتعبيره بيحل جواز نكاحهن من غير كراهة وهو قول ابن القاسم، ويمكن أن يكون أراد بالحل عدم الحرمة فلا ينافي الكراهة، ومشى عليها خليل لأنها قول ذلك حيث قال خليل بالعطف على المحرم: والكافرة إلا الحرة الكتابية بكره وتأكد بدار الحرب، وإنما كره نكاحها في بلاد المسلمين لأن الزوج ليس له منعها من أكل الخنزير ولا من شرب الخمر ولا من الذهاب إلى الكنيسة، وهذا يؤدي إلى تربية الولد على دينها، وأيضا ربما تموت وهي حامل فتدفن في مقبرة أهل الشرك، والولد الكائن في بطنها محكوم له بالإسلام، ولأن النكاح مظنة المودة المنهي عنها بقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الآية، ثم صرح بمفهوم الملك في الإماء بقوله: "ولا يحل" لنا "وطء إمائهن" أي الكتابيات "بالنكاح لحر ولا لعبد" والمراد بإمائهن الكائنات على دينهن، فليست الإضافة على معنى اللازم، وحرمة نكاح الأمة الكتابية على المسلم ولو كان يخشى على نفسه الزنا إن لم يتزوجها ولو عجز عن صداق الحرة، لأن حل الأمة لمن عدم صداق الحرة وخشي على نفسه العنت مشروط بإسلام الأمة، لأن الأمة الكافرة ولدها رقيق، فيلزم على نكاح المسلم لها استرقاق الولد المسلم للكافر، لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية، وأباه في الدين والنسب"تنبيهان" الأول: لو تزندقت اليهودية أو النصرانية بأن أظهرت اليهودية أو النصرانية وأخفت المجوسية لا يجوز لنا نكاحها إن كانت حرة ولا وطؤها بالملك إن كانت أمة، بخلاف لو أظهرت النصرانية وأخفت اليهودية أو عكسه فإنها لا تحرمالثاني: لم يذكر المصنف حكم من تزوج من المسلمين بمن لا يحل له، كأن يتزوج الأمة
اليهودية أو النصرانية أو الحرة المجوسية، والحكم فسخ النكاح ولو ولدت الأولاد أو أسلمت، ويرجم الزوج في نكاح المجوسية لقول محمد: لو تعمد المسلم نكاح المجوسية بخلاف لو تزوجت الحرة المسلمة بمجوسي أو بكافر غيره لم يحدا وإن تعمداوالفرق بين الرجل المسلم يحد في تزوجه بالمجوسية بخلاف المسلمة المتزوجة بالمجوسي لا حد عليها، أن إسناد النكاح إلى الرجل على جهة الحقيقة، وإسناده إلى المرأة على جهة المجاز أو الحقيقة الضعيفة، وانظر في نكاح الأمة هل يحد أم لا؟ لم أر في ذلك نصا، والظاهر لا حد لحل وطء الأمة في الجملة دون المجوسية، وحرر المسألة، فتلخص مما ذكرنا أن الكوافر على قسمين: من لا تحل حرائرهن ولا إماؤهن وهن غير الكتابيات، ومن يحل حرائرهن بالنكاح وإماؤهن بالملك وهن الكتابيات"ولا" يحل أن "تتزوج المرأة عبدها ولا عبد ولدها" لأنه كعبدها والملك ينافي الزوجية، لأن الزوجة تطالب الزوج بنفقة الزوجية وخدمة الرق، وهو يطالبها بنفقة الرق وخدمة الزوجية؟ والمراد بالولد الجنس فيشمل ابن ابنها وإن نزل، ويشمل الأنثى أيضا"تنبيه" لا منافاة بين حرمة تزوج المرأة عبدها وجواز تمكينها له من نظره شعرها المشار إليه بقول خليل: ولعبد بلا شرك ومكاتب وغدين نظر شعر السيدة كخصي وغد لزوج، وألحق بشعرها بقية أطرافها التي ينظر إليه محرمها، وكذا يجوز له الخلوة بها، وكل ذلك مشروط بعدم ميل النفوس إليه بأن يكون قبيح المنظرواعلم أن جواز نظر عبد زوجها لأطرافها مشروط بكونه خصيا ووغدا أي قبيح المنظر، لا إن كان فحلا أو حسن المنظر. "ولا" يحل أن يتزوج "الرجل أمته ولا أمة ولده" قال خليل بالعطف على المحرم وملكه: أو لولده وفسخ وإن طرأ بلا طلاق كمرأة في زوجها ولو بدفع مال ليعتق عنها، ولا فرق في حرمة تزوج الرجل بملكه بين الملك الكامل والبعض، ولا بين القبة المحضة وذات الشائبة كأم الولد والمكاتبة، وإنما حرم ذلك لأن الملك سبب للإباحة، فهو من موانع النكاح بالنسبة للمالك، ولا فرق في الرجل بين كونه حرا أو عبدا، وإنما حرمت أمة الولد لأنها بمنزلة أمة نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" 1. ألا ترى أن الأب لا يقطع
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه ابن ماجه: كتاب التجارات، باب: ما للرجل من مال ولده، حديث "2291"، وأحمد "2/204"،حديث "6902"، وابن حبان "2/142"، حديث "410"، وابن أبي شيبة في مصنفه "4/516"، حديث "22694"، والطبراني في الوسط "1/22"، حديث "57"، وصححه الألباني "صحيح الجامع: 1486".
بسرقته من مال ابنه ولا يحد بوطء أمته وتجب نفقته عليه إن احتاج، فإن وقع هذا الممنوع بأن تزوج المالك أمته أو أمة فرعه أو تزوجت الأمة مملوكها أو مملوك فرعها فسخ من غير طلاق، كما يفسخ لو كان سابقا وطرأ عليه الملكقال خليل: وفسخ وإن طرأ بلا طلاق، كما إذا اشترى زوجته أو اشترت زوجها أو ملك الزوج أو الزوجة الآخر بالهبة ونحوها، وملك البعض كملك الكل في الفسخ "و" لما لم يكن للولد في مال والده شبهة جاز "له أن يتزوج أمة والده وأمة أمه" الحرين، والمعنى: أنه يجوز للإنسان أن يتزوج أمة أصله وإن دنا، وإن لم يوجد شرط نكاح الحر الأمة حيث كانت مسلمة لتخلق الولد على الحرية، ولذلك قيدنا الوالد والوالدة بالحرين للاحتراز عن الرقيقين، فلا يجوز للولد الحر أن يتزوج بأمتها لأن ولده لا يعتق عليهما لأنهما لم يملكاه وإنما هو مملوك لسيدهما، وأما لو كان الولد عبدا لجاز له أن يتزوج أمة والده وأمه ولو رقيقين"تنبيه" يؤخذ من تعليل جواز نكاح أمة الوالد والأم الحرين بتخلق الولد على الحرية منع نكاح الحر أمة أخيه أو أخته لأنه ولده لا يعتق على أخيه ولا على أخته، لأن الإنسان الحر الرشيد لا يعتق عليه بالملك إلا الأصل وإن علا والفرع وإن سفل، والحاشية القريبة وهي الإخوة والأخوات لا أولادهم ولا الأعمام ولا العمات. ولما كانت بنت زوجة الأب من غير أبيه ولم ترضع من لبن أجنبية قال: "وله" أي مريد النكاح "أن يتزوج بنت امرأة أبيه" المخلوقة "من رجل غيره" حيث لم تشرب من لبن أمها بعد نكاح أبيه وإلا حرمت لأنها صارت أخته من الرضاع، ولو طلقها أبوه بعد وطئها وتزوجها آخر وولدت منه لأن اللبن لهما حيث لم يتحقق انقطاع اللبن من الأولقال خليل: واشترك مع القديم ولو بحرام لا يلحق الولد به فتحرم على أولاد المطلق، كما تحرم على أولاد من هي في عصمته. "و" كذا يحل أن "تتزوج المرأة ابن زوجة أبيها" الكائن "من رجل غيره" أي غير أبيها بشرط أن يكون انقطع رضاعه قبل وطء أبيها، وأما لو تزوجها وهي ترضعه فلا لأنه صار ولدا له وأخاها من الرضاع،
ولما كان العبد على النصف من الحر في العقوبات ومثله في العبادات قال: "ويجوز للحر والعبد" المسلمين "نكاح أربع حرائر مسلمات أو كتابيات" قال خليل: وللعبد الرابعة لأن
النكاح من باب العبادات والتلذذات فيشاركه فيها كالأكل والشرب، بخلاف العقوبات كالطلاق والحد فهو على النصف لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النسا: 25] والذكر كالأنثى لاشتراكهما في الرق، وتحرم الزيادة على الأربع بإجماع أهل السنة، ولا نظر لما عليه بعض المبتدعة مستندين لظاهر قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] من إبقاء الواو على بابها فإنهم مخطئون في هذا المذهب المخالف للإجماع لعدم فهمهم الآية على مقتضى العربية من أن المراد اثنتين اثنتين أو ثلاثا ثلاثا أو أربعا أربعا، قالوا: وبمعنى أو فالآية حجة للمشهور، والدليل على أن الواو بمعنى أو الإجماع على حرمة الخامسة، وأن جواز أكثر من أربع من خصائصه صلى الله عليه وسلم بدليل أنه قال لغيلان حين أسلم على عشر: "اختر أربعا وفارق سائرهن" 1، أي باقيهن، وكل من تزوج خامسة عالما بالتحريم يحد حد الزنا، وإن كان جاهلا لم يحد، وإن وقع نكاح الخمس دفعة واحدة بطل فيهن، ومن دخل بها منهن كان لها صداقها، ولا شيء لمن لم يدخل بها لفساد العقد، وإن ترتب العقد فسخ نكاح الخامسة فقطولما كان المانع من نكاح الحر الذي يولد له أمة الأجانب رق ولده قال: "و" يحل "للعبد نكاح أربع إماء مسلمات" ولو كان قادرا على نكاح الحرائر لأن الإماء من نسائه، والولد لا يكون أشرف من أبيه. "و" كذا يحل "للحر ذلك" أي نكاح الأمة المسلمة بشرطين أشار إليها بقوله: "إن خشي العنت" أي الزنا إن لم يتزوج "ولم يجد للحرائر" ولو الكتابيات "طولا" أي مهرا يتزوج به الحرة غير المغالية، وتفسيرنا الطول بالمهر هو ما في المدونة، ولابن حبيب عن أصبغ أن الطول هو المال الذي يقدر به على نكاح الحرة والنفقةقال بعض: وهو أصح، ويدخل في الطول الذي يعد به قادرا على نكاح الحرة الدين الكائن على ملأ، وما يمكن بيعه من كتابة وخدمة معتق لأجل ودابة ركوبه وكتب الفقه المحتاج إليها، ومن الطول أيضا لو وجد حرة تتزوج بمال في ذمته لا دار سكناه ولا خدمة مدبر لأنهما ليسا من الطول، كما أن وجود الحرة التي في عصمته ولا تعفه لا يعد طولا، والمراد بالمغالية التي تطلب زيادة على مهر مثلها زيادة لا يغتفر مثلها في التيمم وفي شراء النعلين للإحرام، وبقي شرط ثالث لجواز نكاح الحر الأمة أن تكون مسلمة وأشرنا له في أول الكلام، والحاصل أن
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود: كتاب الطلاق، باب في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان، حديث "2241" وابن ماجه، حديث "1952" وصححه الألباني "صحيح الجامع: 222".
الحر الذي يولد له لا يحل له نكاح أمة غير أصله إلا بثلاثة شروط: أن يخشى العنت، وأن يعجز عن صداق الحرة، وأن تكون مسلمة كما ذكرنا، أما لو كان لا يولد له أو كانت أمة أصله كأبيه أو أمه أو جده أو جدته الأحرار لجاز له نكاحها من غير شرط"تنبيهات" الأول: علم مما قررنا أن اسم الإشارة في قوله: وللحر ذلك راجع لنكاح الإماء بقيد الأربع، لأن ما أجيز للضرورة يتحدد بزوالها ولا يحل له أزيد مما يحتاج إليه بخلاف العبدالثاني: لو تزوج الحر الأمة بشرطه ثم زال المبيح بأن طرأ له المال أو أمن من الزنا لم يفسخ نكاحه لوقوعه على وجه جائز، كما أنه لا يفسخ إذا تزوج بالأمة بشرطه على حسب اعتقاده أنه لا مال له ثم تبين له مال لم يكن يعلم به، بخلاف لو تزوج مع فقد الشروط ولو بعضها فلا بد من فسخهالثالث: علم مما مر أن نكاح الحر للأمة على ثلاثة أقسام: قسم جائز باتفاق وذلك في ثلاث صور: إحداها: نكاحه أمة أصله الحر، ثانيتها: نكاحه أمة الغير وهو لا يولد له، ثالثها نكاح أمة الغير وهو ممن يولد له مع الشروط المتقدمة. وقسم غير جائز باتفاق وذلك في صورتين: إحداهما تزوجه بأمة نفسه أو أمة كتابية أو مجوسية. والقسم الثالث فيه الخلاف والمشهور منعه وهو نكاح أمة الفرع أو أمة الأجنبي، والزوج ممن يولد له ولو لم توجد الشروط"خاتمة" إذا صح نكاح الحر الأمة فنفقتها على الزوج لوجوب نفقة الزوجات على الأزواج ولو عبيدا، وينفق العبد على زوجته من غير خراج وكسب كالمهر إلا لعرف بخلاف ذلك، وأما نفقة أولاد الأمة من الزوج الحر فإن كان قبل عتقهم فعلى سيدهم وهو سيد أمهم، وأما لو أعتقهم السيد فنفقتهم على أبيهم كإرضاعهم إلا أن يعدم الأب أو يموت فعلى السيد، لأن من أعتق صغيرا يلزمه نفقته حتى يقدر على الكسب، وأما أولاد العبيد فإن كانوا أرقاء فنفقتهم على سيدهم، وإن كانوا أحرارا فعلى بيت المال، لأن العبد لا يلزمه أولاده مطلقا لأن الأرقاء ينفق عليهم سيدهم، والأحرار على بيت المال كما ذكرنا،
ولما كان يجوز للحر والعبد تعدد الزوجات وكان القسم بينهن في المبيت واجبا شرع في باب القسم بقوله: "ليعدل" الزوج "بين نسائه" في المبيت وإن امتنع وطؤهنقال خليل: إنما يجب القسم للزوجات في المبيت وإن امتنع الوطء شرعا أو عادة أو عقلا
دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، سواء كن حرائر أو إماء مسلمات أو كتابيات صحيحات أو مريضات كبيرات أو صغيرات، كان الزوج البالغ حرا أو عبدا صحيحا أو مريضا حيث كان يقدر على الانتقال، وأما من لا قدرة له على الانتقال فيمكث عند من شاء، وعلى ولي المجنون أن يطوف به عليهن، كما يجب عليه الإنفاق عليهن من مال الزوج لكن بشرط انتفاعهن بحضوره وعدم الخوف منه عليهن، وإلا فلا وجوب على الولي، كما لا يجب عليه إطاقة الصبي عليهن، فالكتاب قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] والسنة قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط" 1 رواه أصحاب السننوأما الإجماع: فقد أجمع المجتهدون على وجوبه وعلى عصيان تاركه، ولا تجوز شهادته ولا إمامته عند بعض الشيوخ، ومن جحد وجوبه يستتاب ثلاثة أيام لارتداده بجحده، فإن تاب وإلا قتل"تنبيهات" الأول: علم مما ذكرنا أن القسم لا يجب إلا على الزوج البالغ العاقل أو على ولي المجنون لا على ولي صبي لعدم انتفاعها بحضور الصبي، ويشترط في الزوجات الدخول بهن وإطاقتهن الوطء؛ فلا يجب القسم لغير مدخول بها ولا لصغيرة لم تطق الوطء وإن دخل بهاالثاني: إطلاقه في النساء شامل للحرائر والإماء والمجمع منهماقال خليل: والأمة أي الزوجة الأمة كالحرة، وسيأتي كلام المصنف بالإشارة إلى ذلكالثالث: تعبيره بالنساء يفهم منه أن الواحدة لا يجب عليه البيات عندها وهو كذلك وإنما يستحب فقط، واستظهر ابن عرفة وجوب البيات عندها أو يحضر لها مؤنسة لأن تركها وحدها ضرر بها، ولا سيما إذا كان المحل يتوقع منه الفساد أو الخوف من نحو اللصوص. وفي التوضيح: إذا اشتكت المرأة الوحدة ضمت إلى جماعة إلا أن يكون تزوجها على ذلك هذا ما يتعلق بالبياتوأما الوطء فقد قال صاحب القبس: الوطء واجب على الزوج للمرأة عند مالك إذا انتفى العذر، وقال ابن حنبل والأجهوري: يجب على الرجل وطء زوجته ويقضى عليه به حيث
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه الترمذي كتاب النكاح، باب: ما جاء في التسوية بين الضرائر بلفظه، وبنحوه أبو داود، حديث "2133"، والنسائي، حديث "3942"، وابن ماجه، حديث "1969"، وصححه الألباني "صحيح الجامع: 761".
تضررت المرأة بتركه وقدر عليه الزوج، لأن الإنسان لا يكلف ما لا يطيقه، والراجح أنها إذا شكت قلة الوطء يقضى لها في كل أربع ليال بليلة، كما أن الصحيح إذا شكا الزوج من قلة الجماع أن يقضى له عليها بما تطيقه كالأجير، خلافا لمن قال: يقضى بأربع مرات في اليوم والليلة لاختلاف أحوال الناس فقد لا تطيق المرأة ذلكالرابع: إنما جعلنا وجوب العدل في المبيت فقط إشارة إلى أنه لا يجب في غيره من نحو نفقة وكسوة ومحبة قلبية، ولا في وطء إلا عند قصد إضرار المرأة، وذلك بأن تميل نفسه إلى وطء واحدة فيكف عن وطئها ليوفر لذته وقوته إلى غيرها فهذا حرام، ويجب عليه ترك الكف ويحمل عند الكف على قصد الإضرار وإن لم يلاحظ ذلك وقت الكف لأن الكف مظنة قصد الضرر. قال خليل مخرجا له من الواجب لا في الوطء إلا الإضرار ككفه لتتوفر لذته لأخرىالخامس: لم يبين المصنف مدة الإقامة عند كل واحدة، وأقلها الذي لا زيادة عليه ولا نقص عنه إلا برضاهن يوم وليلة. قال الباجي: الأظهر من قول أصحابنا البداءة بالليل ويكمل لكل واحدة يوم وليلةقال ابن حبيب: يقيم القادم من السفر نهارا عند أيتهن أحب ولا يحسب ويستأنف القسم لأن المقصود الليل، قال خليل: وندب الابتداء بالليل كندب البيات عند الواحدة، وهذا إذا كانت الزوجات في بلدة واحدة أو في حكم الواحدة، وأما إذا تفرقن في أماكن ببلدان متباعدة فإن الإقامة عندهن بحسب الإمكان من جمعة أو شهر، ولا يجوز أن يدخل في يوم ضرة محل أخرى إلا لحاجة، ويجب عليه أن يفرد كل واحدة بمسكن ذي مرافق بحيث تستغني عن محل الأخرى، ويجوز جمعهن في دار واحدة برضاهن، والمحرم مطلقا إنما هو الجمع ولو بين اثنين في فرش واحد ولو بغير وطء ولو برضاهن، وإن لازم البيات عند واحدة على الوجه المحرم فإن ليلة المظلومة تفوت عليها ولا تحاسب بهاقال خليل: وفات إن ظلم فيه وتجب التسوية بعد ذلكالسادس: من تزوج واحدة بعد أخرى فإنه يقضي للثانية بسبع ليال بأيامها إن كانت بكرا وبثلاث إن كانت ثيبا، وأما تزوج اثنتين في اثنتين في ليلة فاستظهر ابن عرفة تقديم السابقة في الدعوى، فإن استويتا فالسابقة عقدا، فإن استويا بالقرعة وكل من قدمت استحق ما يقضى لها به من سبع أو ثلاث. السابع: لو أراد الزوج السفر فإنه يختار واحدة إلا أن يكون السفر لقربة كحج أو غزو فيقرع بينهن، وكذلك إذا مرض بحيث لا يستطيع الدوران عليهن فإنه يختار
الإقامة عند أيتهن شاء. الثامن: كل من امتنعت من إطاعة الزوج في أمر من شأنها فله وعظها وهجرها، وإن لم تمتثل فله ضربها إن ظن إفادته ضربا غير مبرح بأن لا يكسر عظما ولا يشين لحما، ويصدق الزوج في أنه ضربها لوجه، كما يصدق السيد في ضرب العبد لأن الله تعالى ائتمن الرجال على النساء والسادات على العبيد، وإنما أطلنا في ذلك لداعي الحاجة وحرصا على الإفادة. ولما كان الإنفاق على الزوجات مشاركا للقسم في الوجوب قال: "وعليه" أي الزوج البالغ الموسر ولو عبدا "النفقة" وهي كما قال ابن عرفة: ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرفقال خليل: يجب لممكنة مطيقة الوطء على البالغ وليس أحدهما مشرفا قوت وإدام وكسوة "و" يجب عليه أيضا "السكنى" ويكون كل من النفقة والسكنى "بقدر وجده" أي وسعه أي الزوج وحال المرأة، قال خليل: ومسكن بالعادة بقدر وسعه وحالها والسعر وإن أكولة، وتزاد المرضع ما تتقوى به إلا المريضة وقليلة الأكل فلا يلزم إلا ما تأكل، وعليه الماء لشربها وطهارتها، والزيت والحطب والملح واللحم المرة بعد المرة للقادر عليه، والحصير والسرير عند الحاجة إليه، وأجرة القابلة والزينة التي تتضرر المرأة بتركها كالكحل والدهن المعتادين، والإخدام إن كان الزوج مليا وهي أهل للإخدام أو كان مليا، والحال أنه من الذين لا يمتهنون نساءهم فإنه يجب عليه أن يخدمها وإن لم تكن أهلا، ولا يلزمه لها الدواء لمرضها ولا أجرة نحو الحجامة ولا المعالجة في المرض ولا كسوتها الحرير ولا ثياب المخرج، ولو كانت من نساء الأمصار على ما قاله مالك رضي الله عنه"تنبيهان" الأول: علم مما ذكرنا أن المدخول بها تجب لها النفقة مطلقا على الزوج البالغ الموسر، سواء كان حرا أو عبدا، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، صحيحة أو مريضة، ولو ذات مانع من الوطء كرتق أو جذام، وأما غير المدخول بها فسيأتي في كلام المصنف حكمهاالثاني: الدليل على وجوب الإنفاق على الزوجة قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بمن تعول، الزوجة تقول: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني" 1 وأجمعت الأمة أيضا على وجوبها، فهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع على الموسر، وأما
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري: كتاب النفقات، باب: وجوب النفقة على الأهل والعيال، حديث "5355" بلفظه، وأخرجه بنحوه مختصراً: مسلم: كتاب الزكاة، باب: بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، حديث "1034"، وأبو داود، حديث "1676"، والترمذي، حديث "680"، والنسائي، حديث "2532".
المعسر فإنها تسقط عنه، واختلف في الواجب فقيل الأعيان لا الأثمان، ويدل على الأول قول خليل: يجب للمرأة قوت وإدام وهو وجيه في النظر، إذ قد تتعذر الأثمان على الزوج وذلك كأهل البوادي والقرى، وأيضا القصد تحصيل ما به قوام الآدمي، ولما قدم أن القسم إنما يجب بين الزوجات، بين أنه لا يجب بين الزوجات والسراري الموطوآت بالملك بقوله: "ولا قسم" واجب على السيد "في المبيت لأمته" القن "ولا لأم ولده" لأن الرقيقة لا حق لها في الوطء، وإنما للمملوك على السيد طعامه وكسوته سواء كان ذكرا أو أنثى، ولسيده عليه الخدمة التي يطيقها كما في الحديث، ولو تضررت الجارية من ترك الوطء واحتاجت للزواج لا يجبر سيدها وكذلك العبد، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" فإنما هو فيما يجب للشخص ومن حقه، والوطء لا حق فيه للرقيق على سيده فافهم، نبه على ذلك شراح خليلثم بين شرط وجوب نفقة الزوجة بقوله: " ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها" ولو غير مطيقة أو بها مانع من رتق ونحوه: "أو يدعى" بالبناء للمفعول ونائب الفاعل ليدعى وفاعل يدخل "الزوج" على طريق التنازع وصلة يدعى "إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها" والزوج بالغ وموسر، والحاصل أن المدخول بها لها النفقة بشرط بلوغ الزوج ويسره، ولو كانت غير مطيقة للوطء لصغرها أو مرضها، وأما غير المدخول بها فإنما يجب لها النفقة إذا دعيت إلى الدخول مع إطاقتها وبلوغ الزوج، لا إن كانت غير مطيقة لصغرها أو مرضها، وأما غير المدخول بها مانع من رتق ونحوه أو اشتد مرضها بحيث أخذت في السياق والدعوى إلى الدخول إما منها أو من وليها المجبر إذا كان زوجها حاضرا أو في حكم الحاضر، وأما لو كان غائبا فيكفي في وجوب نفقتها أن تكون بحيث لو طلبت للدخول لمكنت، ولا يشترط طلبها بالفعل لتعذره عليها في غيبة الزوج، وأما لو كان الزوج صبيا فلا نفقة لها عليه ولا على وليه، ولو دخل بها ولو كانت بكرا وافتضها لأنها المسلطة له على نفسها إن كانت كبيرة أو وليها إن كانت صغيرة، ولا يتوقف وجوب نفقة الزوجة على الزوج على حكم حاكم، فتلخص أن نفقة المدخول بها تجب بشرطين: بلوغ الزوج، ويسره، وغير المدخول بها بأربع شروط: بلوغ الزوج، وإطاقتها، والدعوى للدخول، ويسر الزوج، ويفهم من الإطاقة عدم المانع من الوطء، والدعوى حقيقة أو حكما كما بينا"تنبيهان" الأول: سكت المصنف عن الواجب للرجل على المرأة وإنما ذكر الواجب لها، وبين خليل الواجب عليها للرجل بقوله: وعليها الخدمة الباطنة من عجن وكنس وفرش واستقاء
ماء من الدار أو من الصحراء إن كانت عادة بلدها كذلك، إلا أن يكون من الأشراف الذين لا يمتهنون نساءهم، وإلا لزمه إخدامها لذلك إن كان مليا وإن لم تكن أهلا كما قدمناه، ولا يلزمها ما كان من أنواع التكسبات كالغزل والنسج، وأما غسل الثياب وخياطتها فينبغي فيه اتباع العرف، قاله بعض شيوخ شيوخناالثاني: قد يعرض للنفقة ما يسقطها عن الزوج مع قدرته عليها والدخول بالمرأة، وذلك كنشوز المرأة بأن تمنعه الاستمتاع بها ولو غير الوطء لغير عذر بها، وكخروجها من محل زوجها وإقامتها في غيره بغير إذنه ورضاه، ولغير ظلم لحقها، ولم يقدر على ردها بوجه من الوجوه ولا بالحاكم لا إن خرجت بإذنه أو لظلم لحقها، ولو عجز عن ردها أو خرجت باختيارها وكان يقدر على ردها ولو بالحاكم فتجب ولا تسقط في تلك الأحوال، وهذا بالنسبة لمن في العصمة، وأما المطلقة طلاقا رجعيا فلها النفقة على زوجها ولو خرجت باختيارها وعجز عن ردها، ومما يسقط نفقتها أيضا أكلها معه ولو كانت مقررة بعد العقد ولو كانت سفيهة، والكسوة كالنفقة إلا إذا كانت غير رشيدة وكانت مقررة فلا يبرأ منها الزوج بكسوتها معه، وقد قدمنا أن للمرأة أن تطلق على زوجها إن عجز عن نفقتها إن كان غنيا أو فقيرا غير عالمة بفقره، لا إن تزوجته عالمة بفقره، أو أنه من السؤال إلا بتركه، أو يكون مشهورا بالعطاء وينقطع عنه، وإن طلقت عليه يكون طلاقها رجعيا ولو أوقعه الحاكم، ولا تصح رجعته لها إلا إذا وجد يسارا يظن معه دوام القدرة على الإنفاق، راجع شراح خليلولما فرغ من الكلام على نكاح التسمية شرع في نكاح التفويض بقوله: "ونكاح التفويض جائز" الإقدام عليه ولو من القادر على المال في الحال وفسره بقوله: "وهو أن يعقداه و" الحال أنهما "لا يذكران صداقا" وأوضح من ذلك قول ابن عرفة: نكاح التفويض ما عقد دون تسمية مهر ولا إسقاطه ولا صرفه لحكم أحد، وأما لو عقدا على إسقاطه لكان فاسدا يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل، وما عقد على صرف قدره لحكم شخص فإنه يسمى نكاح التحكيم وهو جائز أيضا كنكاح التفويض، ولو كان المحكم في صرف قدره عبدا أو صبيا أو امرأة، والدليل على جوازه قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] فإن طلق فيه قبل الدخول لا صداق لها، وبعضهم قاسه على هبة الثواب حيث تجوز من غير تسمية قدر الثواب مع أنها كالبيع"تنبيه" علم مما قررنا ما يفهم منه الجواب عن معارضة جواز نكاح التفويض مع كون
الصداق ركنا من أركان النكاح، والشيء لا يوجد بدون ركنه، وهو أن الركنية أن لا يدخلا على إسقاطه فيصدق بأن يسمياه وقت العقد أو يذكرا التفويض أو يسكتان بالمرة، والمضر اشتراط إسقاطه وقت العقد، وأما التفويض فهو في حكم التسمية ولذلك قال المصنف: "ولا يدخل بها" الزوج على جهة الكراهة "حتى يفرض لها" صداقا لأنه يكره تمكينها من نفسها قبل قبض شيء من الصداق ولو ربع دينار، ثم إن محل جواز الفرض إذا كان الزوج صحيحا، وأما لو طرأ له المرض بعد العقد وهو صحيح ففي جواز فرضه تفصيل بين كون الزوجة وارثة فلا يجوز الفرض لها قولا واحدا، وكونها غير وارثة فقولانقال خليل: وإن فرض في مرضه فوصية لوارثوأما لو كانت غير وارثة كالذمية والأمة فقولان: قيل: يصح ويكون المفروض وصية من الثلث، وقيل: يبطل فرضه لأنه لأجل الوطء ولم يحصل، وسيأتي أن المنكوحة تفويضا إنما تستحق الصداق بالوطء لا بالموت ولا بالطلاق ثم شرع في بيان ما يلزمها من المفروض وما لا يلزمها بقوله: "وإن فرض" الزوج "لها" أي للمنكوحة تفويضا في حال صحته "صداق مثلها لزمها" الرضا به لأنها بمنزلة الواهب للثواب، وهو إنما يلزمه قبول الثواب إن كان قدر القيمة، ولا يلزم الزوج أن يفرض المثل بل لا يلزمه أصل الفرض "وإن كان" ما فرضه "أقل" من صداق مثلها ولو أكثر من ربع دينار " فهي مخيرة" بين الرضا به إن كانت رشيدة وعدم الرضا بهوأما غير الرشيدة فلا يجوز لها الرضا بأقل من صداق المثل. قال خليل عاطفا على الجائز: والرضا بدون صداق المثل للمرشدة وللأب في مجبرته "فإن كرهت" الرشيدة الأقل أو كانت المنكوحة تفويضا غير رشيدة وامتنع الزوج من فرض المثل لهما "فرق بينهما" إن شاءت الرشيدة وولي غيرها "إلا أن يرضيها" أي الرشيدة أو ولي غيرها "أو" إلا أن يرضى الزوج بأن "يفرض لها صداق مثلها" قبل فراقها "فيلزمها" ولا خيار لها ومثلها ولي غير الرشيدة، وإنما صرح بهذا بعد قوله: فإن فرض صداق المثل لزمها لحمل ما سبق على فرضه لها ابتداء، وهذا في حكم الفرض بعد الامتناع، وجرى خلاف في اعتبار صداق المثل فقيل يوم العقد، وقيل يوم الحكم إن لم يبن، ويوم الدخول إن بنى"تنبيه" قد علم مما ذكرنا جواز نكاح التحكيم والتفويض، وذكر المصنف أحكام الفرض في التفويض، وأما في التحكيم فمحصل الكلام فيه: إن كان المحكم الزوج وفرض صداق المثل لزمها القبول، وإن كان الزوج لا يلزمه فرضه، واختلف لو كانت هي المحكمة أو أجنبي فقيل
كذلك، وقيل إن فرض المثل لزمهما وأقل لزمه وأكثر فالعكس، وقيل لا بد من رضا الزوج والمحكم وهو الأظهر، وقيل: إن التحكم عكس التفويضولما اشتهر أن النكاح الصحيح اللازم لا يزيل العصمة فيه إلا الطلاق وكان يتوهم عدم انحلاله بالردة1 قال: "وإذا ارتد أحد الزوجين" المسلمين أي قطع إسلامه لأن الردة هي قطع الإسلام بكلمة مكفرة أو بإلقاء مصحف في قاذورات وأولى ردتهما معا "انفسخ النكاح" اللازم بينهما "بطلاق" بأن ولو ارتد الزوج المسلم لدين زوجته النصرانية أو اليهودية، والمراد أن الارتداد نفسه يعد طلاقا بائنا على مشهور المذهبقال خليل: وفسخ لإسلام أحدهما بلا طلاق لا ردته فبائنة ولو لدين زوجته، وقيل يعد الارتداد طلاقا رجعيا، وثمرة القولين تظهر في عودها على الأول بعقد، وعلى الثاني يكفي الرجعةفإن قيل: ما الفرق على المشهور بين الردة يقدر فسخها طلاقا، وإسلام أحد الزوجين الكافرين لا يقدر فسخه طلاقا؟ فيجاب: بأن الردة طرأت على نكاح صحيح بخلاف إسلام أحد الزوجين، وأيضا المسلم يصح طلاقه بخلاف الكافر. "وقد قيل" إن الارتداد فسخ "بغير طلاق" أي لا يعد طلاقا، وعليه لو رجع المرتد للإسلام وعقد الزوج يكون له فيها ثلاث طلقات، وعلى القولين السابقين يبقى له فيها طلقتان، فنلخص أن الأقوال ثلاثة أرجحها أولها"تنبيهات" الأول: ظاهر كلام المصنف وقوع الفسخ بمجرد الارتداد ولو قصد المرتد منهما بردته فسخ النكاح وليس كذلك، بل يجب تقييده بما إذا لم يقصد المرتد بردته فسخ النكاح وإلا عومل بنقيض مقصوده ولا يفسخ كما قاله مالك رضي الله عنه، وعليه لو أسلم المرتد الزوجية باقية ولا يحتاج الزوج إلى عقد ولا رجعة لبقاء العصمة كاملة، ونظيره لو قصد المرتد بردته حرمان وارثه أنه يرثه، ويعامل المرتد بنقيض مقصوده في الإرث، وإن كان المرتد يستتاب ثلاثة أيام، فإن لم يتب قتل، هذا ما ظهر لنا وحررهونظير ما قاله مالك أيضا: لو قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلته قاصدة تحنيثه
ـــــــ
1 الردة لغة: الرجوع عن الشيء، ومنه الردة عن الإسلام. يقال: ارتد عنه ارتدادا أي تحول. والاسم الردة، والردة عن الإسلام: الرجوع عنه. وارتد فلان عن دينه إذا كفر بعد إسلامهوفي الاصطلاح: كفر المسلم بقول صريح أو لفظ يقتضيه أو فعل إسلامهومن شرائط الردة: ألا تقع من المسلم إذا توفرت شرائط البلوغ والعقل والاختيار. الموسوعة "22/180".
فإنه لا يحنث معاملة لها بنقيض قصدها1، واختار هذا أشهب، وخالفه ابن القاسم وقال بالحنث، ومشى عليه العلامة خليل لأنه قول المدونة، ولم تزل أشياخنا وأشياخهم ترجحه وتضعف كلام أشهب الموافق لكلام مالك في عدم فسخ نكاح المرأة القاصدة بردتها فسخ نكاحها، وفرق الشيوخ بين مسألة الردة ومسألة الطلاق، بأن مسألة تعليق الطلاق على فعل الزوجة أمر وقع من الزوج باختياره فلذلك قلنا: يحنث بفعلها ولو قصدت تحنيثه لأنه المعلق للطلاق فكأنه الموقع له، لأنه حين التعليق مجوز فعلها للمعلق عليه، بخلاف ردتها وقعت منها باختيارها قاصدة طلاقها والعصمة ليست بيدها فلم يقع على الرجل، ولو وقع لتواطأت النساء على فراق الأزواج قهرا عليهم، فافهم هذا الفرق بإيضاحالثاني: ظاهر كلام المصنف بينونة الزوجة بالردة ولو وقعت من غير بالغ وليس كذلك فقد قيد ذلك الأقفهسي بما إذا كان الزوجان بالغين أو المرتد منهما، وأما لو كانا غير بالغين أو المرتد فقولان لسحنون لا تعتبر ردتهما فلا يفرق بينهما، وقال ابن القاسم: تعتبر ردتهما ويحال بينهما، والاتفاق على أنه لا يقتل إلا بعد بلوغه وعدم توبتهالثالث: لم يذكر هل للمرأة شيء إذا كانت الردة قبل الدخول أم لا؟ والمسألة ذات تفصيل محصله: إذا كانت الردة من الزوج غرم لها النصف، وإن كانت من الزوجة فلا شيء لها لأن الفراق من قبلهاالرابع: إن ادعى رجل ردة زوجته وخالفته بانت منه لإقراره بردتها، ولو شك هل تزوجها في حال ردتها أو بعد إسلامها، فإن كان الشك من كل فرق بينهما، وإن ادعى أحدهما وقوع العقد بعد الرجوع إلى الإسلام والآخر قبله، القول قول من ادعى أنه وقع بعد الإسلام، لأن الأصل في عقود المسلمين الصحة، وإذا كان الزوج هو الذي ادعى وقوع العقد حال الردة فإنه يفسخ ويغرم لها النصفالخامس: لو طلبت المرأة مفارقة زوجها فامتنع فأفتاها رجل عالم ترتد فارتدت لتبين منه فإنها لا تبين منه ولكن تستتاب؟ فإن رجعت إلى الإسلام لم يحتج زوجها إلى عقد لعدم فسخ نكاحها، ويرتد المفتي لرضاه بالكفر ويستتاب فإن لم يتب قتلولما فرغ من الكلام على حكم ارتداد أحد الزوجين شرع في حكم إسلام الزوجين الكافرين
ـــــــ
1 الحنث: عدم البر في اليمين، وهو أن يفعل غير ما حلف عليه. والحنث في الأصل: الإثم، وذلك شرعت الكفارة.
أو أحدهما بقوله: "وإذا أسلم" الزوجان "الكافران" في وقت واحد بحضرتنا أو جاءا إلينا مسلمين، ولو أسلم أحدهما بعد الآخر حيث كان إسلامهما في وقت واحد "ثبتا على نكاحهما" لأن الإسلام يصحح أنكحتهم الفاسدة، ولا فرق بين إسلامهما الواقع قبل الدخول أو بعده، ولا فرق بين كونهما كتابيين أو مجوسيين أو مختلفين حيث اتحد وقت إسلامهما، وشرط ثبوت نكاحهما بإسلامهما أن لا يكون بينهما ما يوجب الفرقة في الإسلام، فلا يقران إن كانا أخوين أو كانت أمة أو محرما من محارمه. "و" أما "إن أسلم أحدهما" على وجه لا يقران عليه في الإسلام بأن كانت الزوجة من محارمه مثلا "فذلك" أي الفسخ "فسخ بغير طلاق" قال خليل: وفسخ لإسلام أحدهما بلا طلاق قال شراحه: أي حيث وجب الفسخ لإسلامهما أو إسلام أحدهما لأجل مانع من الموانع ككونها غير كتابية أو محرما فهو فسخ بغير طلاق على المشهور، وبقولنا على وجه لا يقران عليه في الإسلام سقط ما أورده بعضهم من قوله: ظاهر كلام المصنف الفسخ بمجرد الإسلام، وهو مناف لقوله بعد: إن تقدم إسلام المرأة وأسلم الزوج في زمن استبرائها يكون أحق بها، وإن أسلم قبلها يقر عليها إن كانت كتابية، ولو امتنعت من الإسلام أو كانت مجوسية وأسلمت بالقرب من إسلامه، ووجه الاندفاع أن ما قال فيه يفسخ سريعا محمول على ما إذا أسلما على حال لا يقران عليه بوجه في الإسلام كما قدمنا، وأما لو أسلم أحدهما على وجه بحيث يجوز إقرارهما عليه في الإسلام فأشار إليه بقوله: "فإن أسلمت هي" دونه وكان إسلامها بعد البناء "كان أحق بها إن أسلم في العدة" اتفاقا وإن أسلم بعدها لا يقر عليها، لأن إسلامه كالرجعة ولا رجعة بعد انقضاء العدةقال خليل: أو أسلمت ثم أسلم في عدتها، ولا يقبل دعواها الإسلام قبل انقضائها إلا ببينة، فيكون أحق بها إن لم يتزوج بها زوج غيره ويتلذذ بها من غير علم بإسلام زوجها في عدتها وإلا تفوت كذات الوليين، وعلم من قوله في العدة أنها مدخول بها كما بينا، وأما لو كانت غير مدخول بها لم يقر عليها لبينونتها بمجرد إسلامهاقال خليل: وقبل البناء بانت مكانها. "وإن أسلم هو" أي الزوج دونها "وكانت" حرة "كتابية ثبت عليها" قال خليل: قرر عليها إن أسلم والضمير للحرة الكتابية. "فإن كانت مجوسية" وأسلم قبلها "فأسلمت بعده مكانها" أي بقرب إسلامه بأن لم يتأخر إسلامها فوق الشهر. "كانا زوجين" أي استمرار على الزوجية، ولو كانت المجوسية التي أسلمت أمة؛ لأنها تصير أمة مسلمة تحت مسلم، ولو لم توجد بقية شروط تزوج الحر المسلم الأمة على الراجح بناء على
أن الدوام ليس كالابتداء، وتقدم أن مثل إسلام المجوسية تهودها أو تنصرها ومفهوم مكانها "إن تأخر ذلك" أي إسلامها عن إسلامه فوق الشهر إما مطلقا أو عند الغفلة عن ذلك "فقد بانت منه" قال خليل: وعلى الأمة والمجوسية إن عتقت وأسلمت ولم يبعد كالشهر، وهل إن غفل أو مطلقا تأويلان، فتلخص أن الكافرين إن أسلما في وقت واحد يقران على نكاحهما ولو قبل الدخول أو كانا مجوسين، وأما لو أسلم أحدهما فإن كان الزوج فإنه يقر على الكتابية مطلقا، وعلى المجوسية حرة أو أمة إن أسلمت ولو لم تعتق الأمة، ومثل إسلام الأمة المجوسية عتق الأمة الكتابية، وأما لو أسلمت الزوجة ابتداء فإن كان قبل البناء بانت مكانها، وإن كان بعد البناء أقر عليها إن أسلم في عدتها لا إن تأخر إسلامه عن عدتها فلا يقر عليها لبينونتها بانقضاء عدتهاثم شرع في حكم الكافر يسلم وتحته أكثر من أربع من النساء بقوله: "وإن أسلم مشرك" المراد كافر "و" الحال أن "عنده" المراد في عصمته "أكثر من أربع" من الزوجات "فليختر" إن شاء بنفسه إن كان بالغا أو وليه إن كان صبيا "أربعا ويفارق باقيهن" ولو كان عقد عليهن في مرة أو كان قبل الدخول، ولو أحرم أو مرض بعد إسلامه وقبل اختياره، ولو كانت تلك النساء إماء حيث أسلمن معه، ولو فقدت شروط تزوج الأمة على المعتمد كما قدمنا أو كن كتابياتقال خليل: واختار المسلم أربعا وإن أواخر وإحدى أختين مطلقا، وإحدى أم وابنتها لم يمسهما وإن مسهما حرمتا وإحداهما تعينت" تنبيهات" الأول : محل اختيار من أسلم على أكثر من أربع أن يسلمن معه أو بعده بالقرب أو يكن كتابيات كما قدمنا، ويكون اختياره إما بصريح اللفظ أو بالطلاققال خليل: واختار بطلاق أو ظهار أو إيلاء أو وطء أو لعان من الرجل فقط لأنه منهما فسخ وله الاختيار ولو بعد موت المختارة، وفائدته إرثها إن كانت حرة مسلمةالثاني: لا شيء لمن لم يخترها إن لم يكن دخل بها، قال خليل: ولا شيء لغيرهن إن لم يدخل به وهذا مع اختيار بعضهن، وأما إن لم يختر أحدا فليس الحكم كذلك، بل يجب أن يكون لأربع منهن غير معينات صداقان صحيحان لكل واحدة نصف صداقها وهن غير معينات، فيقسم الصداقان على عشرة يخص كل واحدة منهن خمس صداقها، لأن نسبة الاثنين للعشرة خمس، وإن مات ولم يختر لزمه أربعة أصدقة، أو ليس في عصمته سوى أربع ولكن غير معينات فتقسم العشر على الأربع يخص كل واحدة خمسا صداقها، وهذا الحكم ثابت لمن لم
يدخل بها ولو دخل بغيرها، والمدخول بها يكون لها الصداق كاملا ولو دخل بثالثة ورابعةقال خليل: وعليه أربع صداقات إن مات ولم يخترالثالث: لو أسلم على عشر كتابيات وأسلم منهن ست وتخلف أربع فلا إرث للمسلماتقال خليل: ولا إرث إن تخلف أربع كتابيات عن الإسلام لجواز اختيارهن أن لو كان حيا دون المسلمات، وأما لو تخلف أقل من أربع فالإرث وهو الرابع حيث لا فرع، والثمن مع وجوده يقسم على المسلمات، فإن كان المتخلف عن الإسلام واحدة قسم على تسع، ولهن ثلاثة أصدقة لكل واحدة ثلاثة أتساع صداقها، ولما قدم أن تأييد التحريم يحصل بالقرابة وبالصهارة وبالرضاعذكر هنا أنه يحصل بغير ذلك كاللعان1 وكالنكاح في العدة بقوله: "ومن لاعن" من المسلمين "زوجته" المسلمة ولاعنته "لم تحل له أبدا" قال خليل: وبلعانها تأبيد حرمتها وإن ملكت أو انفش حملها، وأما مجرد لعانه من غير لعانها فلم يتأبد به تحريم ولا يفسخ به النكاح، وقيدنا بالمسلمين للاحتراز عن الكفر فلا يصح اللعان منهم، إلا أن يترافع الزوجان إلينا راضيين بحكمنا فإنا نحكم بينهم بحكم المسلمين، والدليل على التأبيد باللعان: أنه صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين هلال بن أمية وامرأته فلما التعنت فرق بينهما وقال: "حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها" 2 قال ابن شهاب: نصت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا: وسيأتي حقيقة اللعان وصفته في بابه، لأن ذكر حكمه المترتب عليه هنا قبل محله على جهة الاستطراد، وهو ذكر الشيء قبل محله لمناسبة "كذلك" أي لا تحل له أبدا "الذي يتزوج" أي
ـــــــ
1 اللعان مصدر لاعن، وفعله الثلاثي لعن مأخوذ من اللعن، وهو الطرد والإبعاد من الخير، وقيل: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السبوالملاعنة بين الزوجين: إذا قذف الرجل امرأته أو رماها برجل أنه زنى بهاوعرفه الحنفية والحنابلة بأنه: شهادات تجري بين الزوجين مؤكد بالأيمان مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجةوعرفه المالكية بأنه: حلف زوج مسلم مكلف على زنا زوجته أو على نفي حملها منه، وحلفها على تكذيبه أربعا من كل منهما بصيغة أشهد الله بحكم حاكم. وعرفه الشافعية: بأنه: كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد. انظر الموسوعة "35/246 – 248"2 صحيح: أخرجه البخاري: كتاب الطلاق، باب: قول الإمام للمتلاعنين إن أحدكما كاذب، حديث "5312"، ومسلم: كتاب اللعان، باب، حديث "1493"، وأبو داود "2257"، والنسائي، حديث "3476"، وأحمد، " / " حديث "4573".
يعقد على "المرأة في" زمن "عدتها" من وفاة زوجها أو من طلاق غير المتزوج لها البائن "ويطؤها" بعد ذلك الزواج ولو بعد خروجها من العدة، ومثل الوطء التلذذ بها بشيء من المقدمات لكن "في عدتها" قال خليل: وتأبد تحريمها بوطء وإن بشبهة ولو بعدها وبمقدمته فيها، والدليل على ذلك ما روي أن عمر رضي الله عنه حكم بذلك بحضرة جمع من الصحابة من غير أن ينكر عليه أحد منهم فكان إجماعا سكوتيا، وقيدنا الطلاق بالبائن لأن الرجعية ذات زوج وإن كان تزوجها لغير زوجها حراما ويفسخ لكن لا يتأبد تحريمها على من تزوجها، وقيدنا العدة بكونها من غيره، لأن متزوج البائن منه بدون الثلاث جائز، والمبتوتة وإن حرم نكاحه لها قبل زوج وإن كان يفسخ ويجد لا يتأبد تحريمه عليه كما قدمناه قبل هذا المحل"تنبيه" مثل الوطء بالنكاح الوطء بشبهة أو بالملك أو شبهته، ومثل المعتدة المستبرئة من زنى أو غصب من غيره، وتوطأ بنكاح أو شبهة ولها المهر على واطئها ولا ميراث بينهما للإجماع على فساد العقد في العدة، والحاصل أن صور تأبيد التحريم ست عشرة صورة بيانها أن المحبوسة إما في عدة نكاح أو شبهته أو في استبراء من وطء بملك أو شبهته أو في استبراء من زنا أو غصب ويطؤها شخص آخر في الجميع إما بنكاح أو شبهته فهذه اثنتا عشرة صورة، أو تكون معتدة من نكاح أو شبهته ويطؤها شخص بملك أو شبهة فهذه أربع أيضا كملت الست عشرة، والصور التي لا يتأبد فيها التحريم عشرون بيانها أن يطأها شخص بزنا أو غصب وهي محبوسة بعدة نكاح أو شبهته أو من وطء بملك أو شبهته أو من زنا أو غصب من غيره فهذه اثنتا عشرة صورة، وكذلك لو وطئت بملك أو شبهته وهي محبوسة بوطء بملك أو شبهته أو من زنا أو غصب فهذه ثمان تضم لما قبلها الجملة عشرون،
هذا ملخص كلام الأجهوري رحمه الله، ولما كان الرقيق محجورا عليه لحق السيد قال: "ولا نكاح" جائز "لعبد ولا لأمة" ولو بشائبة حرية كمكاتب ومكاتبة "إلا بإذن السيد" لأن تزويج الرقيق عيب، وإذا وقع تحتم فسخ نكاح الأمة ولو وكلت رجلا في عقد نكاحها، وأما العبد فلسيده رد نكاحهقال خليل: وللسيد رد نكاح عبده بطلقة بائنة، ووارث السيد بمنزلته، ولو اختلفت الورثة في الرد والإمضاء لكان القول لمريد الرد، ولا شيء للمرأة في الفسخ قبل الدخول، ولها إن دخل ربع دينار وترد الزائد إن قبضته، وربع الدينار من مال العبد وفي حكم العبد المكاتب والمعتق لأجل، وما زاد على الربع دينار يتبع به المكاتب والعبد إن غرما لم يكن السيد أسقط
ذلك عن العبد قبل عتقه، أو السلطان بأن رفع السيد الأمر إليه أو يكون غائبا لأن السلطان يذب عن مال الغائبوالحاصل أن للسيد إسقاط الزائد عن العبد مطلقا، وعن المكاتب إن لم يغر أو غر ورجع رقيقا إلا إن خرج حرا، وأما الرقيق المشترك فلا يتزوج إلا برضا الشريكين، فإن زوجه أحدهما فلا بد من فسخه. قال في المدونة: ولا تنكح أمة ولا عبد بين رجلين إلا بإذنهما، فإن عقد للأمة أحد الشريكين بصداق مسمى لم يجز وإن أجازه الآخر ويفسخ ولو دخل بها، ويكون المسمى بعد الدخول بين الشريكين، وإن نقص المسمى عن صداق المثل أتم للغائب نصف صداق المثل حيث لم يرض بالمسمى، انظر الأجهوري رحمه الله"تنبيهان" الأول: ما ذكرناه من تحتم فسخ نكاح الأمة مخالف لما إذا باعها الغير أو باعت نفسها بغير إذن السيد فإنه في البيع يخير السيد، ويمكن الجواب بالفرق بين البيع والنكاح وهو أن الحق في البيع للسيد، وكون عقد النكاح واقعا من السيد حق لله تعالىالثاني: إن قيل السيد له جبر الرقيق مطلقا، فما الفرق بين الذكر والأنثى حيث خير في فسخ نكاح الذكر ووجب فسخ نكاح الأنثى بحيث يحرم عليه الإجازة؟ فالجواب أن يقال: شدة الاعتناء والحث على مراعاة شروط ولي المرأة دون الرجل، ولما في ذلك من الحرص على المحافظة على أموال الناس، لأن زواج الرقيق عيب، ولو خير السيد في نكاح الأمة بغير إذن السيد كالذكر لبادرت الناس إلى تزوج الجواري بغير إذن السيد بل إلى الزنا، ويدعون النكاح من غير إذن السيد، وهذا فساد كبير، هذا ما ظهر لنا في وجه الفرقثم شرع في شرط ولي المرأة في النكاح بذكر الأضداد بقوله: "ولا" يصح أن "تعقد امرأة" نكاح نفسها ولا امرأة غيرها ولو كانت مملوكتها أو من في وصيتها، ويجب أن توكل رجلا يعقد على مملوكتها أو من في وصيتها، لأن شرط ولي المرأة الذكورة، فإن عقدت ولو على نفسها كان باطلا لحديث: "أيما امرأة زوجت نفسها بغير ولي فنكاحها باطل باطل باطل" وحمله أبو حنيفة على الصغيرة قياسا على بيعها وشرائها. "ولا" يصح أن يعقد "عبد" نكاح امرأة أيضا ولو كانت بنته أو أمته، لأن شرط الولي الحريةقال خليل: ووكلت مالكة ووصية ومعتقة ولو أجنبيا كعبد أو وصي ومكاتب في أمة طلب فضلا وإن كره سيده، والحاصل أن الرقيق لا ولاية له على بناته ولا إمائه والحق لسيده إلا المكاتب فإن له أن يزوج أمته قهرا على سيده؛ لأنه أحرز نفسه وماله، لكن بشرط أن يكون في
نكاح أمته غبطة ومصلحة، بأن دفع لها الزوج صداقا واسعا بحيث يجبر عيب التزويج ويزيد على صداق مثلها، ويجب عليه أن يوكل من يباشر العقد، لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، كما يجب على الرقيق الوصي التوكيل في عقد من في وصيته "ولا" يصح أيضا أن يعقد "من كان" من الرجال "على غير دين الإسلام" ومفعول يعقد "نكاح امرأة" فهو محذوف من الأولين لدلالة الثالث كما بيناه، وإنما اشترط الإسلام في العقد على المسلمة لأنه شرط في وليها لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141]وأما الكافرة فيزوجها وليها الكافر ولو لمسلم، فإن لم يكن للكافرة ولي خاص كافر فأساقفتهم، فإن امتنعوا ورفعت أمرها للسلطان جبرهم على تزويجها لأنه من رفع التظالم، ولا يجبرهم على تزويجها من خصوص مسلم، وأما المسلم لو كان قريبا أو مالكا لكفارة فلا ولاية له عليها لقوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] إلا أن تكون تلك الكافرة أمة له أو معتقته حيث أعتقها في بلاد الإسلام فله الولاية عليها ويزوجها، لكن الأمة إنما يزوجها لكافر لما تقدم من أن الأمة الكائنة على دين أهل الكتاب لا يطؤها المسلم إلا بالملكوأما معتقته التي لو قدرت ذكرا لم تضرب عليه جزية بأن أعتقها في بلاد الإسلام وبعد إسلامه أيضا إن كان كافرا في الأصل فيزوجها ولو لمسلم، وأما الكافرة غير الأمة وغير المعتقة فلا يتولى عقدها لا لكافر ولا لمسلم لقوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] لكن إن تجرأ وعقد لها فإن كان على كافر لا نتعرض له لأنا لا نتعرض لهم في الزنا إذا لم يعلنوه فأولى النكاح، وأما لو عقد لها على مسلم لفسخ أبدا، وإلى هذه الأحكام الإشارة بقول خليل مشبها في الحرمة: ككفر لمسلمة وعكسه إلا لأمة ومعتقة من غير نساء الجزية1 وزوج الكافر
ـــــــ
1 قال الجوهري: الجزية ما يؤخذ من أهل الذمة، والجمع الجزى "بالكسر" مثل لحية لحى. وهي عبارة عن المال الذي يعقد الذمة عليه للكتابي. وهي فعله من الجزاء كأنها جزت عن قتله. وقال ابن منظور: الجزية أيضا خراج الأرض. قال الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. وقال النووي: الجزية "بكسر الجيم" جمعها جزى "بالكسر" أيضا كقربة وقرب ونحوه، وهي مشتقة من الجزاء كأنها جزاء إسكاننا إياه في دارنا، وعصمتنا دمه وماله وعياله. وقيل: هي مشتقة من جزى يجزي إذا قضى. قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [البقرة: 48] أي لا تقضيوقد اختلف وجهات نظر الفقهاء في تعريف الجزية اصطلاحا تبعا لاختلافهم في طبيعتها، وفي حكم فرضها على المغلوبين الذين فتحت أرضهم عنوة "أي قهرا لا صلاحا". فعرفها الحنفية والمالكية بأنها: اسم لما يؤخذ من أهل الذمة فهو عام يشمل كل جزية سواء أكان موجبها القهر والغلبة وفتح الأرض عنوة أو عقد الذمة الذي ينشأ بالتراضي. وعرفها الحصني من الشافعية بأنها المال المأخوذ بالتراضي لإسكاننا إياهم في ديارنا، أو لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم، أو لكفنا عن قتالهموعرفها الحنابلة بأنها: مال يؤخذ منهم على وجه الصغار كل عام بدلاً عن قتلهم وإقامتهم بدارناوقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة: الجزية هي الخراج المضروب على رءوس الكفار إذلالا وصغاراً الموسوعة "15/149، 150".
لمسلم، وإن عقد مسلم لكافر ترك، وتلخص أن الولي إما مسلم أو كافر ومن في ولايته إما مسلمة أو كافرة، وقد استوفينا أحكام الجميع بفضل الله"تنبيه" فهم من جعل الذكورة والحرية والإسلام شروطا في ولي المرأة عدم اشتراط ذلك في ولي الرجل إن وكل غيره وهو كذلك، فيصح للزوج أن يوكل عبدا أو نصرانيا أو امرأةقال خليل: وصح توكيل زوج الجميع سوى المحرم والمعتوه لا ولي إلا كهو، أي أن ولي المرأة لا يصح أن يوكل إلا من هو مثله في جميع شروطه،
ثم ذكر مسألة مناسبة لما قبلها في عدم الجواز فقال: "ولا يجوز" أي ولا يصح "أن يتزوج الرجل امرأة" مبتوتة "ليحلها لمن طلقها ثلاثا" إن كان حرا أو اثنتين إن كان عبدا "و" إن وقع تزوجها على هذا الوجه "لا يحلها ذلك" لفساده فيفسخ بطلقة بائنة ولو بعد البناء ولها المسمى بالدخول، ويسمى هذا النكاح نكاح الدلسة بضم الدال، والزوج فيه يسمى بالتيس المستعار، وقال فيه صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المحلل والمحلل له" وإنما لم يحلها لأن المبتوتة لا يحلها إلا نكاح الرغبة وهو النكاح على قصد الدوامقال خليل بالعطف على المحرم والمبتوتة: حتى يولج بالغ قدر الحشفة أو قدرها، ولا بد أن يكون عاقلا مسلما، وأن يكون النكاح صحيحا لازما، ويطؤها مباحا بلا منع ولا نكرة فيه بانتشار في نكاح لازم وعلم خلوة ولو بشهادة امرأتين، وعلم زوجة بالوطء فلا تحل بوطئها في حال نومها أو جنونها ولو كان الزوج عالما، بخلاف لو وطئها حال جنونه أو إغمائه فإنها تحل حيث كانت عاقلة، لأن الحلية وعدمها من أوصافها فلذا اعتبر علمها فقط، وحصول الحل بوطء المجنون لا ينافي اشتراط كونه عاقلا زمن العقد حتى يتأتى كون النكاح رغبة، ويحصل التحليل مع وجود تلك الشروط، ولو كان الزوج خصيا أو عبدا ولو لم يحصل إنزال، لأن المراد بالعسيلة في الحديث مغيب الحشفة، والموجب للفساد إنما هو قصد الزوج، وأما قصد المبتوتة ولو مع قصد البات لها فهو لغوقال خليل: ونية المطلق ونيتها لغو أي لا توجب فسادا ولا تنافي الحلية، والحاصل أنه لا تحصل الحلية إلا بثبوت النكاح بشهادة عدلين، وعلم الخلوة بين الزوجين ولو بامرأتين، وأن
لا يكون بينهما مناكرة للوطء فلو لم يثبت النكاح، فإن كانت المرأة طارئة والبات لها حاضر عندنا وادعت التزويج الموجب لحلها فإنها تصدق لمشقة الإثبات عليها، وأما الحاضرة بالبلد فتصدق أيضا بشرط أن تكون مأمونة، وأن يطول الزمان من يوم طلاقها ودعواها التزويج بحيث يكون الزمان يمكن أن تموت فيه الشهود والعارفون بالنكاح لتلك المرأة ويندرس العلم بذلك، فإن لم تكن المرأة مأمونة ولم يطل الزمان فقولان في تصديق المرأة وعدم تصديقها، فقولهم: لا بد في الإحلال من شهادة عدلين على النكاح وامرأتين على الخلوة، واتفاق الزوجين على الوطء مخصوص بهذه، وإنما أطلنا في ذلك لداعي الحاجة"ولا يجوز" أي ولا يصح "نكاح المحرم" ولو بعمرة "لنفسه ولا" يصح أن "يعقد نكاحا لغيره" قال خليل: ومنع إحرام من أحد الثلاثة وهم: الزوج والزوجة والولي، فلا يقبل الزوج ولا تأذن الزوجة ولا يجيب الولي وهم محرمون، ولا يوكلون ولا يجيزون، والمعتبر في ذلك وقت العقد، فإذا صدر العقد وواحد من الثلاثة محرم كان يفسخ ولو ولدت الأولاد، وكما لا يجوز للمحرم أن يعقد يحرم عليه أن يخطب أو يحضر نكاحا، والأصل في ذلك خبر البخاري باطلا: "لا ينكح المحرم ولا ينكح" . ويستمر النهي حتى يتحلل من حجه أو عمرته، فإن عقد بعد السعي وطواف الإفاضة وصلاة ركعتي الطواف كان عقدا صحيحا، وظاهر كلامهم وإن لم يكن رمى جمرة العقبة، وإن حصل بعد السعي والطواف وقبل الركعتين فإنه يفسخ إن قرب لا إن بعد وهذا في الحج، وأما في العمرة فيصح بعد تمام سعيها، ويندب تأخره حتى يحلق ويجري مثله في الحج"تنبيهان" الأول: علم مما ذكرنا من أن المعتبر عدم الإحرام زمن العقد، أنه لو وكل بعض الثلاثة محرما والجميع محرمون ولكن لم يحصل العقد حتى تحلل كل منهم وتحلل الوكيل أيضا صح العقد، وإن وكل الزوج أو الولي وهو حلال شخصا حلالا ولكن لم يحصل العقد حتى أحرم أحد الثلاثة كان العقد باطلاالثاني: هذا حكم الزوج والزوجة والولي الخاص، وأما الولي العام كالحاكم يكون محرما ووكل حلالا ففيه تفصيل، فإن كان الحاكم لمحرم السلطان صح عقد نائبه الحلال، وأما إن كان هو القاضي فلا يصح عقد نائبه، لأن القاضي لا ينعزل بموت السلطان، بخلاف نائب القاضي فإنه ينعزل بموته، ولكن الراجح أن نائب القاضي لا ينعزل بموت القاضي أيضا، فيكون كنائب السلطان في صحة عقده حالة كونه حلالا وإن كان من أنابه محرما.
ومفهوم النكاح أن شراء الجواري جائز للمحرم، كما يجوز له مراجعة الزوجة، وإنما جاز النكاح للمعتكف وحرم على المحرم مع أن كلا متلبس بعبادة، لأن المعتكف معه ما يمنعه من الوصول للمرأة بخلاف المحرم، ولأن فساد الإحرام أشد من فساد الاعتكاف، ولما كان نكاح المريض مشاركا لما قبله من الأنكحة من عدم الجواز ذكر عقبه، بقوله: "ولا يجوز" ولا يصح أيضا "نكاح المريض" مرضا مخوفا رجلا أو امرأة لما فيه من إدخال الوارث، وقد نهى عنه عليه الصلاة والسلامقال خليل: وهل يمنع مرض أحدهما المخوف وإن أذن الوارث أو إن لم يحتج خلاف. قال بعض شراحه: والمشهور المنع مطلقا، ويلحق بالمرض في المنع كل محجور عليه من حاضر صف القتال ومقرب لقطع ومحبوس للقتل وحامل ستة بأن يكون زوجها طلقها بائنا دون الثلاث وأراد أن يعقد عليها بعد مضي ستة أشهر فأكثر من حملها فإنه لا يجوز له ذلك ولا لها لأنها محجور عليها في تلك الحالة. "و" إذا وقع العقد في المرض المذكور أو فيهما ألحق به فإنه "يفسخ" وجوبا "وإن بنى بها" الزوج "فلها" عليه جميع "الصداق" المسمى حالة كونه "في الثلث مبدأ" على الوصايا بعدهقال خليل: وعلى المريض من ثلثه الأقل منه ومن صداق المثل، وقوله في الثلث يدل على أن الزوج قد مات قبل فسخ النكاح، وأما لو صح في مرضه لصح نكاحه، وأما لو فسخ في حياته فإن كان قبل البناء فلا شيء للمرأة، وإن كان بعد البناء ثم مات فإن لها المسمى تأخذه من ثلثه مبدأ، وإن صح بعد الفسخ والبناء فإنها تأخذه من رأس ماله، فقوله في الثلث يفيد أن على المريض بعد بنائه بالأقل من ثلثه ومن المسمى ومن صداق المثل حيث مات بعد دخوله"تنبيهان" الأول: ظاهر كلام المصنف أنه لو مات المريض قبل فسخ نكاحه وقبل بنائه لا شيء للمرأة وليس كذلك، إذ فيه إذا مات أو ماتت قبل الدخول الصداق لأن هذا مما فسد لعقده واختلف فيه ولم يؤثر خللا في الصداق، وما كان كذلك فيه الصداق بالموت قاله الأجهوري في شرح خليل، ومراده بالصداق الأقل من المسمى والثلث وصداق المثل، إذ لا يوجب الموت أكثر مما يوجبه الدخول، وهذا حكم مرض الزوج، وأما لو كان المريض الزوجة فإنه يعجل بفسخه، وإن دخل بها الزوج فلها المسمىقال خليل: وللمريضة بالدخول المسمى يقضى لها به من رأس ماله قل أو كثر، لقول خليل: وتقرر بالوطء وإن حرم، وكذا لو مات الزوج قبل أن يدخل بها فإنه لا يقرر لها به لأنه
مختلف فيهالثاني: علم مما ذكرنا حكم مرض الزوجة فقط والزوج فقط، وبقي حكم ما لو كان الزوجان مريضين والحكم فيهما أنه يغلب جانب الزوج، فعليه إن دخل الأقل من ثلاثة أشياء الثلث والمسمى ومهر المثل، كما لو انفرد الزوج بالمرض وبقي أيضا لو تنازع الزوجان في وقوع العقد في المرض أو الصحة وشهدت بينة لأحدهما بوقوع العقد في المرض، وشهدت بينة للآخر بوقوعه في حال الصحة وتعادلت البينتان، فالظاهر على جري القواعد تقدم بينة الصحة، لأن الأصل في عقود المسلمين الصحة. "و" إذا مات الزوج المريض قبل فسخ النكاح "لا ميراث لها" لأن النهي عن النكاح في المرض إنما هو لما فيه من إدخال وارث، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إدخاله كما نهى عن إخراجه، ولذلك قال المصنف "ولو طلق المريض" مرضا مخوفا "امرأته ثلاثا" أو اثنتين إن كان عبدا "لزمه ذلك وكان لها الميراث منه إذا مات من مرضه ذلك" الذي طلق فيه معاملة له بنقيض قصده، وسواء كانت مدخولا بها أم لاقال خليل: ونفذ خلع المريض وورثته دونه إلى أن قال: ولو تزوجت غيره وورثت أزواجا وإن في عصمة، وأما لو صح من مرضه صحة بينة ثم مات فلا ميراث لها، كما أن المرأة لو ماتت في زمن مرضه لم يرثها، وقيدنا المرض بالمخوف للاحتراز عن الخفيف فلا إرث لها إن مات فيه، وأما غير الميراث من الأحكام فحكم المطلقة في المرض حكم غيرها ممن طلقت في غيره من وجوب جميع الصداق إن كان دخل بها، والنصف إن لم يدخل، وعدم صحة الوصية لها، وإن قتلته خطأ ورثت من المال دون الدية، وإن قتلته عمدا عدوانا لم ترثه من مال ولا دية، ومفهوم ثلاثا أنه لو كان الطلاق دون الثلاث فإن كان بائنا فكالثلاث فترثه دونه، وإن كان رجعيا فما دامت في العدة يتوارثان، وبعد انقضائها ترثه ولا يرثها، ومفهوم المريض أن الصحيح ومن ألحق به من صاحب المرض الخفيف إذا طلق طلاقا بائنا ولو دون الثلاث لا توارث ورجعيا يتوارثانثم ذكر مسألة يعلم علمها مما مر بقوله: "ومن طلق امرأته" المراد زوجته "ثلاثا" إن كان حرا أو اثنتين إن كان عبدا سواء كانت حرة أو أمة في الصورتين، لأن المعتبر في الطلاق الزوج عكس العدة لأن العدة وصف المرأة وفاعل الطلاق الرجل: "لم تحل له" بعد ذلك "بملك ولا نكاح حتى تنكح زوجا غيره" قال خليل بالعطف على المحرمات والمبتوتة: حتى يولج بالغ قدر الحشفة بلا منع، وقال تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وفي حديث الصحيحين عن
عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وإنما معه مثل هدبة الثوب. وفي رواية: فاعترض ولم يصبها ففارقها، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" 1 وتقدم أن المراد بالعسيلة مغيب الحشفة، ولا يشترط الإنزال عند الجمهور، فهي هنا مجاز علاقته السببية والمسببيةولما فرغ من الكلام على ما أراد من مسائل النكاح، شرع في الطلاق وهو لغة إزالة القيد، ثم استعمل في إرسال العصمة لأن الزوجة كالموثقة والمطلق لها كأنه أطلقها من وثاقها، ولذلك تقول الناس للزوج: هي في حبالك إذا كانت تحت يدك وفي عصمتك، وأما حقيقته إصلاحا فقال ابن عرفة: صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجبا، تكررها مرتين للحر، ومرة لذي رق حرمتها عليه قبل زوج، فقوله موجبا بالنصب حال إما من ضمير ترفع أو من المبتدأ، وينقسم إلى بدعي وإلى سني، والبدعي إلى مكروه وإلى محرم، وأشار إلى البدعي بقوله: "وطلاق الثلاث في كلمة واحدة بدعة" أي محدثة، وفي حكم الكلمة لو طلقها ثلاثا في كلمات نسقا كأنت طالق أنت طالق أنت طالق، أو طالق طالق طالق من غير قصد توكيد وإنما كان ذلك بدعة، لأن الله تعالى قال: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وأيضا قد وقع أن رجلا قد طلق امرأته ثلاثا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ وقال: "أتهزأ بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟"2 واختلف في حكم تلك البدعة فقيل الكراهة وقيل التحريم "و" على كل من القولين "يلزم إن وقع" واعلم أن أركان الطلاق أربعة أشار إليها خليل بقوله: وركنه أهل وقصد ومحل ولفظ، فالأهل الموقع وإليه أشار خليل بقوله: وإنما يصح طلاق المسلم المكلف ولو سكر حراما، والمحل العصمة المملوكة للزوج تحقيقا أو تقديرا، كقوله له لامرأة عند خطبتها: أنت طالق؛ لأن مراده إن تزوجتك فأنت طالق، القصد المراد به قصد التلفظ بالصيغة الصريحة أو الكناية، أو قصد حل العصمة بالكناية الخفية والصيغة الصريحة: أنت طالق، والكناية الظاهرة: كأنت بتة أو حبلك على غاربك، والخفية نحو: اذهبي أو كلمي أو اشربي من كل ما لم يوضع للطلاق ولا يدل عليه، وسيأتي في كلامه الإشارة إلى بيان ذلك مع بسطنا الكلام المشتمل على الفرق
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب: شهادة المختبي، حديث "2639"، ومسلم: كتاب النكاح، باب: لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح، حديث "1433"2 ضعيف: أخرجه النسائي: بلفظ: "أيلعب بكتاب الله..." كتاب الطلاق، باب: الثلاث المجموعة وما فيها من التغليظ، حديث "3401"، وضعفه الألباني في المشكاة "392".
بين صريحه وكنايته، وأشار إلى بيان السني ويعلم منه بقية أقسام البدعي بقوله: "وطلاق السنة" أي الذي أذنت فيه السنة "مباح" أي جائز جوازا مستوي الطرفين، وليس المراد أن الطلاق سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" 1 وأضافه إلى السنة، وإن جاء الإذن فيه أيضا من الكتاب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] لأن قيوده من السنة وأشار إليها بقوله: "و" أي طلاق السنة "أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة" واحدةقال خليل: طلاق السنة واحدة بطهر لم يمسها فيه بلا عدة. قال شراحه: بشرط أن تكون تلك الطلقة كاملة وأن يوقعها على جميع المرأة وإلا لم يكن سنيا لقول خليل: وأدب المجزئ كمطلق جزء وإن كيد، ومن الشروط ما أشار إليه بقوله: "ثم لا يتبعها" أي الطلقة الواحدة "طلاقا حتى تنقضي العدة" فلو أردف عليها في العدة طلقة أخرى كان بدعيا مكروها، ولذلك يكره أن يراجعها ثم يطلقها لتطويله العدة إن كانت نيته عند الرجعة الفراق، فتلخص أن القيود التي بها يكون الطلاق سنيا أن يقع في طهر وأن لا يمسها في ذلك الطهر، وأن يكون واحدة، وأن تكون كاملة، وأن يوقعها على جميع المرأة، وأن لا يردف عليها طلقة داخل العدة، فإن فقد شرط منها كان الطلاق بدعيا، والبدعي مكروه في غير الحيض وحرام في زمنه، ويجبر على الرجعة إن طلقها فيه، كما يجبر عليها إذا طلقها بين دمين تلفق ثانيهما لما قبله، وإن كان الطلاق غير حرام لعدم علمه بمعاودة الدم، وإلى ذلك كله الإشارة بقول خليل: وكره في غير الحيض ولم يجبر على الرجعة، كقبل الغسل منه أو التيمم الجائز ومنع فيه ووقع وأجبر على الرجعة ولو لمعاودة الدم لما يضاف فيه للأول على الأرجح، وسيشير المصنف إلى ما ذكر إما صريحا أو تلويحا"تنبيه" علم مما مر أن الطلاق ينقسم إلى أقسام: الإباحة والسنية والكراهة والحرمة وقد يعرض له الوجوب، وذلك بأن يكون يلزم على عدمه الإضرار بالمرأة، إما من جهة العجز عن الإنفاق عليها مع عدم رضاها بتركها من الزوج، أو العجز عن الوطء مع طلبها له، وقد يعرض له الندب وذلك بأن تكون زانية أو تاركة الصلاة ولا تنزجر عن ذلك، فإنه يندب له فراقها إلا أن يكون قلبه متعلقا بحبها فله مسكها ولو زانية لخبر: إن لي زوجة لا ترد يد لامس، فقال له النبي
ـــــــ
1 ضعيف: أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب في كراهية الطلاق، حديث "2178"، وابن ماجه "1/651"، حديث "2018"، وضعفه الألباني "ضعيف الجامع 44".
صلى الله عليه وسلم: "فارقها" . قال: إني أحبها، قال: "فأمسكها" 1 صححه النسائي، فيعتريه الأحكام الخمسةولما قدم أن الطلاق يحرم المرأة على زوجها لإزالة العصمة التي هي سبب للحل شرع يذكر ما يرفع الحرمة وتحل به المطلقة وهو الرجعة بقوله: "وله" أي من طلق زوجته المدخول بها طلاقا غير بائن بحل وطئه "الرجعة" وهي كما قال ابن عرفة: رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعة بالزوجة لطلاقها فتخرج المراجعة وهي للعقد على البائنوقوله: أو الحاكم ذكره لإدخال رجعة الحاكم زوجة من طلقها في الحيض وامتنع من رجعتها، فإن الحاكم يرتجع له قهرا كما يأتي، وتعتريها أحكام خمسة كما تعتري الطلاق والنكاح، وأمثلتها تعرف من أمثلة أحكام الطلاق المتقدمة، ولما كان حكمها الأصلي الجواز عبر بقوله: وله الرجعة ولو كان الزوج محرما أو مريضا أو مفلسا أو سفيها أو عبدا لم يأذن له سيده لقول أهل المذهب: خمسة تجوز رجعتهم ولا يجوز نكاحهم وشرطها "في" المرأة المطلقة "التي تحيض" وطلقت دون الثلاث في غير زمن حيض "ما لم تدخل في الحيضة الثالثة في" الزوجة المطلقة "الحرة" وإن كان زوجها عبدا "أو" أي وما لم تدخل في الحيضة "الثانية في" حق الزوجة "الأمة" ولو كان زوجها حرا، لأن العبرة في العدة بالزوجة، فإن دخلت الحرة في الثالثة والزوجة الأمة في الحيضة الثانية لم تصح رجعتها لبينونتها وحلها للأزواج،
فإن قيل: ظاهر كلامه انقضاء عدتها بمجرد رؤية الدم وهو يخالف ما قالوه في أقل الحيض بالنسبة للعدة هل هو يوم أو بعضه؟ فالجواب أن يقال: إذا رأت المرأة دم الحيض الأصل استمراره وانقطاعه قبل يوم أو بعضه نادر، فإطلاق المصنف كغيره مبني على الأصل الغالب، وإن فرض انقطاعه قبل يوم أو بعضه لم تنقض عدتها من غير رجوع إلى النساء العارفات، وإن انقطع في بعض يوم رجع إلى قول النساء العارفات"تنبيهان" الأول: بين المصنف حكم المطلقة في غير الحيض وسكت عن حكم المطلقة في الحيض، وحكمها أن لزوجها رجعتها ما لم تدخل في الرابعة إن كانت حرة أو الثالثة إن كانت
ـــــــ
1 صحيح "مختلف فيه": أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، حديث "2049"، والنسائي، حديث "3229"، وصححه الألباني "صحيح أبي داود 2049"، وصحيح النسائي. قال النسائي: هذا الحديث ليس بثابت، وقال العراقي: وقال احمد: حديث منكر، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
أمة، فإن دخلت الحرة في الرابعة والأمة في الثالثة حلت للأزواج، لكن ينبغي لها أن لا تعجل الزواج بمجرد رؤية الدم لاحتمال انقطاعه قبل حصول ما يعد حيضة في باب العدة وهو يوم أو بعضهالثاني: علم مما ذكرنا أن شرط الرجعة كون الطلاق رجعيا، وهو يستلزم صحة النكاح ولو كان فاسدا ابتداء وفات بالدخول وحصل وطء مباح بعد الفوات، فالبائن بدون الثلاث لا تحل إلا بعقد جديد، وصداق ورضا الزوجة كالمطلقة قبل الدخول أو بلفظ الخلع أو المطلقة بعوض ولو مع إبراء أو لم تصح البراءة أو عند حاكم إلا أن يكون أوقعه على مول أو معسر فإنه رجعي، ولم يبين المصنف صفة الرجعة الكاملة وهي ما كانت بالنية والقول، كارتجعت زوجتي، وأعدت حلها لعصمتي، وهذه رجعة بالظاهر والباطن، وأما لو وقعت بالقول فقط فإن كان صريحا فتصح وذلك كارتجعت زوجتي من غير نية، لكن في الظاهر فقط، وصحح ابن رشد الرجعة بالنية فقط لكن في الباطن، وأما لو كان القول محتملا من غير نية رجعة فلا يكفي في الرجعة وذلك بأن يقول: أعدت حلها أو رفعت التحريم عنها، لأنه يحتمل رفعت تحريمها على الغير، وأشار خليل إلى جميع ذلك بقوله: يرتجع من ينكح وإن بكإحرام وعدم إذن سيد طالقا غير بائن في عدة صحيح حل وطؤه بقول مع نية كرجعت وأمسكتها، أو نية على الأظهر، أو بقول صريح ولو هزلا في الظاهر لا الباطن، لا بقول محتمل بلا نية كأعدت الحل أو رفعت التحريم، ولا يفعل دونها كوطء، وشرطها أيضا علم الخلوة بين الزوجين ولو بشهادة امرأتين، وتقارن الزوجين على الوطء، فإذا لم يعلم دخولهما لم تصح الرجعةومن شروط الرجعة زيادة على ما سبق بالنسبة للطلاق من المولي أن ينحل عنه الإيلاء، وبالنسبة للطلاق على المعسر بالنفقة وجود اليسار الذي يقوم بواجب مثلها كما نص عليه العلامة خليل ويكون مخصصا لقول خليل في باب الرجعة: أن الرجعة الكاملة تكون بالقول والنية أو القول الصريح فقط أو النية وحدها على الأظهر على ما تقدمولما فرغ من بيان زمن الطلاق السني لمن تحيض شرع في زمن بيانه لغيرها بقوله: "فإن كانت" المرأة التي أراد زوجها أن يطلقها "ممن لم تحض" لصغر "أو" كانت "ممن قد يئست من المحيض" لكبر سنها "طلقها متى شاء" إذ لا حرج عليه بالنسبة إليها في طلقة أو اثنتين، إذ لا يكون البدعي منها إلا الزائد على الثنتين للحر أو على الواحدة للرقيق، لأن طلاق ذات الأشهر لا يوجب تطويل عدة. "وكذلك الحامل" يجوز أن يطلقها زوجها متى شاء للأمن من تطويل
العدة وظاهره ولو كانت متلبسة بالحيض وممن يجوز طلاقها متى شاء الزوج غير المدخول بها ولو في حال حيضها بناء على أن النهي لتطويل العدة، ولما كانت عدة الحامل ولو في وفاة حملها قال: "وترتجع" بالبناء للمفعول ونائب الفاعل "الحامل" والمعنى: أنه يجوز لمطلق الحامل أن يرتجعها "ما لم تضع" الحمل كله فتنقضي عدتها وتفوت رجعتها، ولا فرق بين الحمل الكبير أو غيره ولو دما مجتمعا، فلو وضعت إحدى التوأمين أو بعض واحد لم تنقض عدتها فله رجعتها"تنبيه" ظاهر كلام المصنف فوات الرجعة بوضع الحمل ولو لم يكن لاحقا بالزوج وليس كذلك، بل لا بد أن يكون لاحقا ولو احتمالا حتى تنقضي بوضعه العدة، فلو طلقها طلاقا رجعيا وهي حامل حملا غير لاحق به بأن وضعته لأربعة أشهر من يوم الدخول بها فله رجعتها ما لم تنقض عدتها بالأقراء وتعد نفاسها حيضةوقولنا: ولو احتمالا لإدخال المنفي باللعان لأنه كاللاحق لأنه لو استلحقه لحق به. "و" ترتجع المطلقة طلاقا رجعيا "المعتدة بالشهور" إما لصغرها أو يأسها أو لاستحاضتها، ولم تميز دم الحيض من دم الاستحاضة، أو تأخر حيضها لمرض، أو تأخر بلا سبب بأن لم تكن مريضة ولا مرضعة. "ما لم تنقض عدتها" أي مدة عدم انقضاء عدتها بانقضاء ثلاثة أشهر إذا كانت صغيرة مطيقة للوطء، أو يائسة أو بمضي سنة تسعة منها استبراء لزوال الريبة، وثلاثة أشهر للعدة إن تأخر حيضهاقال خليل: وإن لم تميز أو تأخر بلا سبب أو مرضت تربصت تسعة ثم اعتدت بثلاثة كعدة من لم تر الحيض واليائسة، ولا فرق في الاعتداد بالشهود بين الزوجة الحرة والأمة كالاعتداد بوضع الحمل، وإنما تفترق الزوجة الحرة من الزوجة الأمة في الاعتداد بالأقراء، وقولنا في المستحاضة ولم تميز لأن التي تميز دم الحيض من دم الاستحاضة إما برائحة أو لون تعتد بالأقراء كغير المستحاضة، ولما كان يتوهم من قوله فيما سبق: وله الرجعة في التي تحيض ما لم تدخل في الحيضة إلخ أن المراد بالأقراء في الآية الحيض وليس كذلك فسرها بقوله: "والأقراء" في آية: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. "هي الأطهار التي بين الدمين" وهذا عليه مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: المراد بها الحيض جمع حيضة، وسبب الاختلاف أن لفظ القروء موضوع بالاشتراك بين الأطهار والدماء فهو حقيقة فيهما، ودليل مالك ومن وافقه قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي في زمان عدتهن، وبين ذلك عليه
الصلاة والسلام بقوله: "بأن يطلقها في طهر لم يمسها فيه" 1 فهذا صريح في أن الطهر الذي طلقها فيه تعتد به وأنه من أقرائها، ولو كان المراد بالأقراء الحيض كما قاله أبو حنيفة لكان المطلق مطلقا لغير العدة، ومن ثمرة الخلاف حلها بمجرد رؤية الدم الأخير على أن المراد الأطهار وعدم حلها حتى تتم الحيضة برؤية علامة الطهر، على أن المراد بالأقراء الحيض، والأقراء جمع قرء بالفتح والضمفإن قيل: مقتضى تفسير الأقراء بالأطهار عدم حلها بقرأين وبعض قرء مع أنها لو طلقت في أثناء طهر فإنها تعتد به ولو لحظةقال خليل: واعتدت بطهر الطلاق وإن لحظة، فالجواب: أن الجمع يطلق على ما زاد على الاثنين ولو كان الزائد بعض واحد نحو: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] مع أن المراد شهران وعشرةولما قدم أن الطلاق السني مباح لوقوعه في طهر ذكر مقابله بقوله: "وينهى" الزوج المكلف نهي تحريم عن "أن يطلق" زوجته المدخول بها وهي غير حامل "في" حال "الحيض" أو النفاس حتى تطهر بالماء أو التيمم الجائز لما ورد: أن عبد الله بن عمر طلق زوجته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فتغيظ وقال له: "مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" 2. وأخذ العلماء بظاهر هذا الحديث، وأجمعوا على تحريم طلاق الحائض، وقيدنا بالمدخول بها لما سيأتي من أن غيرها يطلقها زوجها متى شاء، كما يجوز له طلاق الحامل متى شاء كما تقدم. "فإن طلق" في زمن حيضها عالما به "لزمه" الطلاق وإن حرم عليهقال خليل: ومنع فيه ووقع "ويجبر على الرجعة" أي يجبره الحاكم إذا أوقع أقل من الثلاث أو أوقع واحدة إن كان عبداقال خليل: وأجبر على الرجعة ولو لمعتادة الدم لما يضاف فيه للأول على الأرجح، فإن
ـــــــ
1 صحيح: معنى الحديث عند البخاري، كتاب الطلاق، باب: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ...} [الطلاق: 1]، حديث "5252"، ومسلم، كتاب الطلاق، باب: تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، حديث "1471"، وأبي داود، حديث "2179"، والنسائي "3390"، وابن ماجه "2019"2 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ...} [الطلاق: 1]، حديث "5252"، ومسلم، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، حديث "1477"، وأبو داود، حديث "2179"، والنسائي "3390"، وابن ماجه "2019".
أبى هدده بالسجن، فإن أبى سجنه، فإن أبى هدده بضرب، فإن لم يمتثل ضربه إن ظن إفادته، ويكون كل ذلك في مجلس واحد لأنه متلبس بمعصية، فإن لم يمتثل ألزمه الرجعة ويرتجعها له بأن يقول: ارتجعت لك زوجتك، وتصح تلك الرجعة، وإن لم يحصل من الزوج قول ولا نية، ويحل له وطؤها برجعة الحاكم ويتوارثان، لأن نية الحاكم تقوم مقام نيته، ونظير هذا من يجبره أبوه أو وصيه أو الحاكم على النكاح، فلو ارتجع له الحاكم من غير أن يجبره عليها بل ارتجع له ابتداء، فاستظهر العلامة الأجهوري أنه إن فهم من حاله أنه لا يرتجع، ولو فعل معه جميع ما سبق صحت رجعته على ما ينبغي وإلا لم تصح؛ لأن جبره ابتداء على الرجعة بما سبق من الأمر الواجب وغاية الجبر على الرجعة. "ما لم تنقض العدة" فإن انقضت بانت ولم تحل إلا بعقد جديد ورضاها كابتداء نكاح أجنبية"تنبيهان" الأول: فهم من الحديث السابق أنه إن راجعها يجب عليه إمساكها حتى تصطلح ويزول منها الغيظ الحاصل بطلاقها في حيضها، ولا تصطلح إلا بوطء في طهر من الحيض الذي طلق فيه، وبعد ذلك يجب عليه أن يمسكها حتى تحيض ثم تطهر، لأنه بعد الوطء لا يطلق لأنه مسها في ذلك الطهر فيجب عليه إمساكها حتى تطهر من حيضة أخرى غير حيضة الطلاقالثاني: محل الجبر المذكور إذا تصادق الزوجان على الطلاق في الحيض أو النفاس، وأما لو اختلفا بأن قالت المرأة وقع في الحيض، وقال الرجل بل طلقت في الطهر، فإن القول قولها من غير توقف على نظر النساء، خلافا لابن يونس لأن النساء يصدقن في ذلك كما يصدقن في انقضاء عدة القرء والوضع بلا يمين ما أمكن، ومحل الخلاف ما لم يترافعا في حال طهر المرأة، وإلا فالقول قول الزوج، ولما قيل إن علة النهي عن الطلاق في الحيض تطويل العدة وغير المدخول بها لا عدة عليها قال: "والتي لم يدخل بها" يجوز لزوجها أن "يطلقها متى شاء" ولو كانت حائضا أو نفساء ومنعه أشهب في الحيض، والحاصل أن منع الطلاق في الحيض متفق عليه، وإنما الخلاف في علة المنع، فقال ابن القاسم: معلل بتطويل العدة، وقال أشهب: لمحض التعبد. "و" إنما كان له طلاق غير المدخول بها متى شاء لأن "الواحدة تبينها" لأن الرجعي إنما يكون في طلاق المدخول بها، ولا تحل له بعد بينونتها إلا بعقد جديد ورضاها ولو قبل زوج"والثلاث" في كلمة أو ما في حكمها كالبتة أو بتكرار لفظ الطلاق نسقا "تحرمها" على زوجها ولا تحل له "إلا بعد زوج" بالغ ينكحها رغبة مع بقية الشروط المتقدمة، وهذه
الجملة مكررة مع ما تقدمثم شرع في بيان ألفاظ الطلاق بقوله: "ومن قال" من المسلمين المكلفين "لزوجته" ولو غير مدخول بها "أنت طالق" أو طلقتك أو أنا طالق منك أو أنت مطلقة أو الطلاق لي لازم "فهي واحدة حتى ينوي أكثر من ذلك" فيلزم ولو لم ينو حل العصمة بهذا اللفظ لأنه صريح يلزم به الطلاق ولو هزلا، وأما أنت منطلقة أو مطلوقة فلا يلزم به الطلاق إلا بالنية لأنه صار من الكناية الخفيةفإن قيل: صريح الطلاق ما فيه الطاء واللام والقاف، ومنطلقة ومطلوقة فيه الطاء واللام والقاف فما وجه خروجه من الصريح؟ فالجواب: أن الأصل في جميع تلك الألفاظ الخبر، إلا أن العرف نقل أنت طالق ونحوه للإنشاء، واستمر غيره على الخبر فافترقا"تنبيه" لم يتكلم كخليل على حكم اللحن في لفظه كما لو قال: أنت طالقا بالنصب أو أنت طالق بالخفض، والحكم أنه يلزمه كما قال القرافي؛ لأنه على فرض علمه بالنحو هازل، والهازل يلزمه ما لفظ به، لأن هزل الطلاق جد، وأما لو أسقط بعض حروفه بأن قال لزوجته: أنت طال ولم يأت بالقاف فإنه يصير من الكنايات الخفية، ومثله إذا قال: أنت تالق بإبدال الطاء تاء حيث لم تكن لغته كذلك، وأما لو قال لها: أنت الطلاق فهل يحلف ولا يلزمه إلا ما نواه أو يلزمه الثلاث ولا ينوي قولان: الأول للمتيطي والثاني لأصبغثم شرع في الخلع وهو لغة الإزالة، وشرعا إزالة العصمة بعوض من الزوجة أو غيرها هكذا قال بعضهم، وأورد عليه أنه يصح بلفظ الخلع، وأجيب عنه بأنه تعريف بالنظر الغالب، ولفظ خليل جاز الخلع وهو الطلاق بعوض وبلا حاكم، وبعوض من غيرها إن تأهل لا من صغيرة وسفيهة وذات رق، ورد المال وبانت وبينه المصنف بقوله: "والخلع طلقة لا رجعة فيها" لأنها بائنة وهذا واضح إن سمى الزوج طلاقا بل "وإن لم يسم" الزوج "طلاقا" بأن طلقها بلفظ الخلع ولو لم تدفع له عوضا وأخرى "إذا أعطته شيئا فخلعها به من نفسه" ومثل دفع العوض لو وقع من المرأة إبراء ولو جهلت ما أبرأت منه ولا يتوقف على حكم حاكم، ففي المدونة إذا أخذ منها شيئا وانقلب به وقال: ذاك بذاك وإن لم يسميا طلاقا فهو طلاق الخلع، فإن سميا طلاقا لزم ما سمياه، وكذا لا يتوقف على كون العوض من الزوجة بل ولو من وليها أو أجنبي، ولكن لا يستقر ملك الزوج عليه إلا إذا كان دافعه رشيدا لا إن كان دافعه سفيها أو صغيرا أو رقيقا، فلا يستقر ملكه عليه وإن وقع الطلاق بائنا، والدليل على جواز الخلع قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وخبر الموطإ من حديث حبيبة بنت سهل لما أرادت فراق زوجها قالت: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي، فقال عليه الصلاة والسلام: "خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها" 1 فلولا أنه جائز لما أباح له عليه الصلاة والسلام الأخذ منها، وسيأتي تتمة الخلع بعد باب اللعان، وإنما ذكر هذه الجملة هنا لمناسبتها لما قبلها في البينونة، ثم شرع في كنايات الطلاق الظاهرة التي تنصرف إليه بمجرد التلفظ بها ولا تنصرف عنه إلا بالنية، وأما الخفية فلا تنصرف إليه إلا بالنية، والحاصل أن ألفاظه المستعملة فيه على ثلاثة أقسام: صريحة وكناية ظاهرة وكناية خفية، والصريحة لا تنصرف عنه ولو نوى غيره، والكناية الظاهرة تنصرف إليه ولا تنصرف عنه إلا بالنية، والخفية لا تنصرف إليه إلا بالنية، فمن الظاهر قوله: " ومن قال لزوجته أنت طالق ألبتة" بقطع الهمزة "فهي ثلاث" ولو ادعى أقل وسواء "دخل بها أو لم يدخل بها" لأن البت هو القطع، فكأن الزوج قطع العصمة التي بينه وبين زوجته ولم يبق بيده منها شيئا، والدليل على ذلك ما روي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم ألبتة من طلق بها وألزم الثلاثة من طلق بها"2 وقد قضى عمر رضي الله عنه فيها بالثلاث، ولا فرق بين قوله: أنت بتة أو أنت البتة،
فإن قيل: الكناية الظاهرة إذا ادعى صرف اللفظ إلى غير الطلاق يقبل فكيف لا يقبل في البتة؟ فالجواب: أن هذا الضابط أغلبي فلا ينافي أن ألبتة يلزم بها الثلاث ولا تقبل لها نية أقل، لأن الثلاثة صارت مدلولاتها عرفا وشرعا. ولما فرغ مما يلزم فيه الثلاث ولا ينوي مطلقا ذكر ما يلزم فيه الثلاث وينوي في غير المدخول بها بقوله: "وإن قال" الزوج لزوجته أنت "برية أو خلية أو حرام أو حبلك على غاربك" أي كتفك أو كالدم أو كالميتة أو وهبتك أو رددتك لأهلك أو ما أنقلب إليه من أهل حرام، أو أنا بائن أو أنت بائن "فهي ثلاث في التي دخل بها" بعد بلوغه وإطاقتها ولا تقبل نية أقل "وينوي في التي لم يدخل بها" أي تقبل نيته أقل في التي لم يدخل بها، وما ذكره المصنف موافق للمدونة، إلا في قوله: حبلك على غاربك فإن ظاهر المدونة أنه مساو للبتة في لزوم الثلاث من غير تنوية، واقتصر عليه خليل حيث قال: والثلاث في بتة حبلك على غاربك، وكذلك لو قال لزوجته المدخول بها: أنت طالق واحدة بائنة لأن المدخول بها
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب في الخلع، حديث "2227"، والنسائي، حديث "3462"، وأحمد "6/433"، حديث "27479"، ومالك، حديث "1198"، وصححه الألباني "الإرواء 7/102 - 103"2 أخرجه بنحوه البيهقي في الكبرى"7/213"، حديث "3997"، والحاكم في المستدرك "4/37"، حديث "6808"، وأبو يعلى في مسنده "10/63"، حديث "5699".
إنما يبينها الثلاث أو الطلاق على وجه الخلع، وإنما يلزم الطلاق بحبلك على غاربك إذا كان العرف يستعملها في الطلاق، وإلا صارت في الكنايات الخفية لا يلزم الطلاق بها إلا مع النية، فيجب على المفتي أن يسأل عن عادة الحالف، فإن اعتاد ذلك أو اعتاده أهل بلده، وأولى لو كان عادة الجميع لزم الطلاق به وإلا فلا حتى يدعي أنه نوى به الطلاق، ولا يجوز للمفتي أن يفتي بمجرد المسطر في الكتب بل يجب عليه السؤال، لأن الأحكام المبنية على الألفاظ العرفية يتغير فيها الحكم بتغير العرف، كما نص عليه القرافي وغيره كخليل حيث قال في باب اليمين: إن اعتيد حلف به، وبقي قسم ثالث يلزمه الثلاث ابتداء حتى يدعي نية أقل في غير المدخول ويلزمه الثلاث في المدخول بها ولا ينوي، وأشار إليه خليل بقوله: والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها في كالميتة والدم، ووهبتك ورددتك لأهلك، وأنت أو ما أنقلب إليه من أهل حرام، فتلخص أن الكناية الظاهرة على ثلاثة أقسام ما يلزمه فيه الثلاث مطلقا ولا ينوي وذلك في بتة وحبلك على غاربك على المعتمد، وما يلزم فيه الثلاث ابتداء حتى يدعي نية أقل في غير المدخول بها، وما يلزم فيه الثلاث ابتداء حتى يدعي نية أقل فتقبل حتى في المدخول بها وهو ما أشار إليه خليل بقوله: وثلاث إلا أن ينوي أقل مطلقا في خليت سبيلك"فرع" من قال لزوجته: أنت طالق طلقة واحدة تملكين بها نفسك. قال ابن سلمون: فيه ثلاثة أقوال: الأول أنها طلقة بائنة قاله ابن القاسم وحكاه محمد عن مالك وبه القضاءالثاني: أنها طلقة رجعية قال بعض وبه الفتوىالثالث: أنها البتة وهو ضعيف شرح الشيخ سالم السنهوري"تنبيه" جميع ما تقدم من الصريح والكناية حيث لا بساط، وأما لو رفعته بينة أو كان عند المفتي وادعى أنه لم يرد الطلاق بهذا اللفظ فإنه يصدق إن دل بساط على نفي الطلاق، لكن إن رفعته بينة يصدق بيمين عند القاضي، وإن جاء مستفتيا يصدق بغير يمين. قال المتيطي: إن قال لمن طلقها هو أو غيره قبله: يا مطلقة وزعم أنه لم يرد طلاقا، وإنما قصد الإخبار بما حصل إذا أكثرت في مراجعته على غير شيء فقال لها على طريق التشبيه: يا مطلقة وادعى أنه أراد يا مثل المطلقة في طول اللسان وقلة الأدب فإنه يصدق في ذلك كله، وكذلك لو قال لها: أنت كالميتة أو الدم وادعى أنه أراد في الرائحة وقال: أردت ببائن منفصلة مني إذا كان بينهما فرجة، أو أنت كالدم في الاستقذار إذا كانت رائحتها قذرة أو كريهةقال خليل: ودين في نفيه إن دل بساط عليه أي على نفيه، ولا يقال: كيف يدين مع قولهم:
إن الصريح يلزم به الطلاق ولو هزلا، لأنا نقول: هذا حيث لا بساط وإلا فيصدق، كما لو كانت موثقة وقالت أطلقني فقال لها أنت طالق، والله أعلمولما فرغ من الكلام على ما أراد من ألفاظ الطلاق شرع في بيان ما تستحقه المرأة بالطلاق بقوله: "والمطلقة قبل البناء" المسمى لها صداق حلال ووقع عقدها على الوجه الصحيح "يجب لها نصف الصداق" قال خليل: وتشطر ومزيد بعد العقد وهدية اشترطت لها أو لوليها قبله إلى أن قال بالطلاق قبل المس وهذا مما لا خلاف فيه "إلا أن تعفو عنه" أي عن النصف "هي" أي المطلقة "إن كانت ثيبا" رشيدة فيسقط عن زوجها بعفوها عنه، والدال على كونها رشيدة التعبير بالعفو وأيضا قوله: "و" أما "إن كانت بكرا" أو ثيبا محجورة "فذلك" أي العفو مفوض "إلى أبيها" قال خليل: وجاز عفو أبي البكر عن نصف الصداق قبل الدخول وبعد الطلاق، ابن القاسم وقبل الطلاق لمصلحة وهل وفاق تأويلان، فمن قال خلاف اكتفى بظاهر اللفظ، ومن وقف حمل قول مالك على عدم المصلحة، والحاصل أنهما يتفقان على عدم جواز العفو عند تحقق عدم المصلحة، وعلى الجواز عند تحقق المصلحة، وكذا عند جهل الحال على القول بالوفاق، وأما على القول بالخلاف فمالك يقول بعدم الجواز بناء على أن الأصل في الإسقاط عدم المصلحة، وابن القاسم يقول بالجواز بناء على أن الأصل في أفعال الأب في حق ابنته البكر المصلحة حتى يظهر خلافها "وكذلك" أي مثل أبي البكر "السيد" له العفو عن الزوج "في أمته" التي زوجها وطلقها قبل الدخول، والدليل على ذلك كله قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] يجب للزوجات المطلقات ويرجع لكم الزائد {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أي الزوجات الرشيدات فيتركونه {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وهو عند مالك وابن عباس الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته ولو كانت ثيبا، وعند أبي حنيفة والشافعي: الزوج وعفوه أن يدفع النصف الذي لم يجب عليه للمرأة فتأخذ جميع الصداق، ورجح جماعة ما عليه مالك من أن المراد بالذي بيده عقدة النكاح الولي"تنبيهان" الأول: المراد بالبناء في كلام المصنف الوطء وهو المراد بالمس في الآية لا مجرد الاختلاء بها، ومفهوم قبل البناء أن المطلقة بعده يجب لها جميع الصداق، لأنه يتقرر بوطء الزوج البالغ من إطاقة الزوجةقال خليل: وتقرر بوطء وإن حرم كوطئها في حيضها أو دبرها، كما يتقرر بموت أحدهما أو
موتهما، ولو كان الزوج صبيا وهي غير مطيقة، ولو كان موتها بقتلها نفسها كراهية في زوجها، أو بقتل سيدها لها إن كانت أمة، كما يتقرر بإقامة سنة بعد الاختلاء بها حيث كان الزوج بالغا وهي مطيقة لتنزل إقامة سنة مقام الوطءالثاني: لو اختلى الزوج بزوجته وطلقها قبل إقامة سنة وتنازعا في الوطء وعدمه، فالقول قول المرأة في الوطء وعدمه إن كانت خلوة اهتداء، ولو كانت حائضا أو محجورة، وأما خلوة الزيارة ففيها تفصيل بين كونه هو الزائر فيصدق في عدم الوطء، وكونها الزائرة له في بيته فتصدق في الوطء، لأن الإنسان ينشط في بيته، وإن كان كل منهما زائرا للغير. واجتمعا في محل الغير فالظاهر تصديق الزوج، كما يرشد إليه التعليل، بخلاف لو اختليا في محل ليس به أحد وتنازعا في الوطء وعدمه فالظاهر قبول قولها، ولما وقع في المتعة وهي ما يعطيه المطلق لمطلقته خلاف بين الأئمة بين مختار إمامه بقوله: "ومن طلق زوجته" بعد البناء طلاقا بائنا أو رجعيا وانقضت عدتها "فينبغي له" على جهة الندب "أن يمتع" مطلقته ولو كتابية أو أمةقال خليل: والمتعة على قدر حاله بعد العدة الرجعية أو ورثتها ككل مطلقة في نكاح لازم، وهي في اللغة كل ما ينتفع به، وشرعا ما يعطيه الزوج لزوجته عند الفراق تسلية لها لما يحصل لها من ألم الفراق، وتكون على قدر حال الزوج فقط ولو كان عبدا، وتدفع للرجعية بعد انقضاء عدتها، وللبائن إثر طلاقها لأن الوحشة إنما تحصل بعد البينونة، وإن ماتت قبل أن تمتع فتدفع لورثتها حيث ماتت بعد العدة في الرجعية، بخلاف لو مات الزوج قبل أن يمتعها أو ردها لعصمته قبل دفعها لها فإنها تسقط ولو كان الطلاق بائنا، ولما كان لفظ ينبغي قد يراد به الوجوب قال: "ولا يجبر" المطلق على المتعة خلافا لأبي حنيفة والشافعي وطائفة من المالكية، والدليل على ندبها قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] وقال تعالى: {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] والتعبير بالإحسان صرف الحق عن الوجوب لأن الوجوب لا يتقيد بالمحسنين ولا بالمتقين وأيضا الحق قد يراد به الثابت المقابل للباطل ولما كانت لجبر ألم الفراق وغير المدخول بها لم تتأنس بالزوج حتى تتألم قال: "و" المطلقة "التي لم يدخل بها" الزوج "و" الحال أنه "قد فرض لها" صداقا "فلا متعة لها" لأن الغالب عدم تألمها بفراقه، أو لأنها أخذت نصف صداقها مع بقاء سلعتها، ومفهوم فرض لها أن المنكوحة تفويضا إذا طلقت قبل الفرض لها المتعة وهو كذلك. "ولا" متعة أيضا "للمختلعة" ولو كان العوض من غيرها، لأن الغالب رضاها بالفراق فلا تألم
عندها، ومثلها المخيرة والمملكة والمعتقة تحت العبد تختار الفراق، أو التي ملكت زوجها أو ملكها، أو التي اختارت فراق زوجها لعيبه وأولى ولو اختار فراقها لعيبها لأنها غارة، بخلاف التي اختارت فراقه لتزويج عليها أو لعلمها بواحدة فألفت أكثر فإن لها المتعة لأن الطلاق بسببهولما كان الصداق الذي يتشطر بالطلاق ويتقرر بالموت إنما هو المفروض قال: "وإن مات" الزوج "عن" زوجته "التي" نكحها تفويضا ومات و "لم يفرض لها" صداقا رضيت به "و" الحال أنها "لم يبن بها فلها الميراث" لاستحقاقها إياه بالعقد ولو فاسدا حيث اختلف فيه. "ولا صداق لها" كما لو طلقت قبل البناء لأنه لا يتشطر بالطلاق ولا يتكمل بالموت إلا المفروض، وأما لو فرض في حال صحته لها صداق مثلها أو أقل ورضيت به لوجب لها بالموت كالميراث كما يتشطر بالطلاق، وقيدنا الفرض بالصحة للاحتراز عن الفرض في حال المرض الكائن بالزوج فإنه باطل حيث كانت الزوجة وارثة بأن كانت حرة مسلمة والزوج حر مسلم، وفي الذمية والأمة قولانقال خليل: وإن فرض في مرضه لوارث، قال شارحه: أي حكم فرض المريض لزوجته التي عقد عليها في حال صحته عقدا صحيحا حكم الوصية للوارث، فهو تشبيه بليغ لحذف الأداة، والقولان في الذمية والأمة، فقيل: يصح فرضه ويكون وصية من الثلث لأنه لغير وارث، وقيل: فرضه باطل لأنه لأجل الوطء ولم يحصل"و" أما "لو دخل بها" أي المنكوحة تفويضا ولم يفرض لها ومات "لكان لها صداق المثل" قال خليل: واستحقته بالوطء لا بموت أو طلاق. "إن لم تكن رضيت بشيء معلوم" فرضه لها ولو أقل من صداق مثلها حيث كانت رشيدة، لأنها التي يجوز لها الرضا بدون صداق المثل. قال خليل بالعطف على الجائز والرضا بدونه: للمرشدة وللأب ولو بعد الدخول، وللوصي قبله لا المهملة، وحاصل هذه المسألة على ما ذكره خليل وشراحه أن الرشيدة المنكوحة تفويضا يجوز لها الرضا بدون صداق المثل ولو بعد البناء، كما يجوز لأبي المحجورة الرضا بالأقل ولو بعد البناء، بخلاف الوصي فإنه لا يجوز له بأقل من صداق المثل لمحجورته بعد البناء بها، وله ذلك قبل دخول الزوج بها حيث كان الرضا بالأقل مصلحة للزوجة، وأما المهملة وهي التي لا أب لها ولا وصي ولا مقدم ولا يعلم رشدها من سفهها وأخرى محققة السفه، فليس لها الرضا بأقل من صداق مثلها، وإن رضيت به لا يلزمها ولها رده بعد رشدها كما للحاكم رده قبله.
"تنبيه" كما يجوز لأبي المحجورة الرضا بأقل من صداق المثل في نكاح التفويض، يجوز له أيضا في نكاح التسمية، وأولى من الأب في جواز الرضا بالأقل السيد في أمته، وليس لأحد من الأولياء سوى الأب في مجبرته، والسيد في أمته الرضا بأقل من صداق المثل في نكاح التسمية، لأن الولي غير الأب، السيد في النكاح كالوكيل في البيع والشراء، والوكيل لا يجوز بيعه بأقل من ثمن المثلثم شرع في الكلام على عيوب الزوجين الموجبة لخيار كل في صاحبه، ولو لم يشترط قبل العقد السلامة منها وهي على ثلاثة أقسام: قسم مختص بالرجال، وقسم مختص بالنساء، وقسم مشترك بين الرجال والنساء، فالمختص بالرجال ما لا يمكن قيامه إلا بهم وهو الخصاء والجب والاعتراض والعنة1 كلها متعلقة بذكره، والمختص بالنساء ما يتعلق بفروجهن كالرتق والعفل والإفضاء والبخر والقرن، والمشترك ما يمكن قيامها بالرجال والنساء وأشار إليه بقوله: "وترد المرأة من الجنون" والمعنى: أنه يجوز لمن عقد على امرأة معتقدا سلامتها مما يوجب له الخيار فيها ثم تبين بعد العقد أنها مجنونة جنونا سابقا على العقد فله الخيار في إبقائها وردها، إلا أن يحصل منه ما يدل على رضاء بها كتلذذه بها بعد علمه بجنونها فلا خيار له، وإن طلقها لزمه نصف الصداق، ولو حصل منه التلذذ مع الجهل بالخيار أو بأن التلذذ يقطع خياره لا يعذر بشيء من ذلكقال خليل: الخيار إن لم يسبق العلم أو لم يرض أو يتلذذ، وحلف على نفيه أي العلم أو الرضا إن ادعي عليه به ببرص وعذيطة وجنون وجذام إلخ، وظاهر كلام أهل المذهب ولو كان السالم صغيرا، وسواء كان الجنون مطبقا أو منقطعا ولو في كل شهر مرة لنفرة النفوس من ذلك، وعكس كلام المصنف كذلك أي فللمرأة أن ترد الزوج إذا وجدته مجنونا إلا أن يحصل منها ما يدل على رضاها به. قال في المدونة: تمكينها عالمة بعيبه رضا وظاهرها ولو كانت صغيرة أو عقد مع العلم به فلا رد له"و" كذا ترد المرأة من "الجذام والبرص" وعكسه كذلك أي يرد الزوج بالجذام والبرص
ـــــــ
1 الجب لغة: القطع، ومنه المجبوب، وهو الذي استؤصل ذكره وخصياه. الجب في اصطلاح الفقهاء: قطع الذكر كله أو بعضه بحيث لا يبقى منه ما يأتي به الوطء. وكذلك العنة وهي عدم القدرة على إتيان النساء مع وجود الآلةوالفرق بين الجب والعنة ظاهرة فإن عدم إتيان النساء في الجب يكون لقطع المذاكير. والعجز عن إتيان الزوجة في العنة يكون لداء يمنع من الانتشار الموسوعة "15/99، 100".
بشرط كونهما محققين ولو قلا، ولا فرق في البرص بين أسوده وأبيضه وعلامته التفليس بأن يكون عليه قشر يشبه الفلوس، وكما يرد كل من الزوجين بالجنون أو الجذام أو البرص، يرد أحدهما بالعذبطة وهي التغوط عند الجماع وهي بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة والباء الموحدة، بخلاف الريح فلا رد به قولا واحدا، وفي البول قولان، وأما جذام الأب أو غيره من الأصول فلا رد به وإن كان عيبا في البيع، لأن النكاح مبني على المكارمة والبيع على المشاحة، ألا ترى أن الرقيق يرد في البيع بوجوده أكولا، بخلاف الزوجة لا ترد بكثرة أكلها، وإن طلقها الزوج غرم لها النصف أو الجميع، بخلاف ذات الخيار ترد قبل البناء لا شيء لها، والدليل على الرد بما ذكر من تلك العيوب ما ورد: من أنه صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني بياضة فوجد بكشحها بياضا فردها وقال لأهلها: "دلستم علي" 1 وروي عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة رد النساء من هذه العيوب الأربع أعني: الجنون والجذام والبرص والعذيطة، ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا، والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف" تنبيه" الخيار ثابت لأحد الزوجين في صاحبه بوجود أحد هذه العيوب ولو وجد بمريد الرد منهما مثله، لأنه يتزايد بواسطة الاجتماع عادة لا لتأثيرها، فالأجذم له رد الجذمى مثلا لما أجرى الله من العادة في خلقه من كراهة المعيب، وإن كان نظير ذلك العيب قائما به، والمقتضي للخيار كراهة النفس لذي العيب، فالأبرص لا يحب الأبرص وهكذاثم شرع في العيب المختص بالمرأة بقوله: "و" ترد المرأة أيضا من داء "الفرج" الذي لا يتأتى معه الجماع عرفا إما لتعذره أو لعدم طيب النفس معه، وذلك كرتقها وعفلها وإفضائها وقرنها وبخرها، "فالرتق" هو انسداد المحل إما باللحم أو العظم، والعفل لحم يبرز في فرج المرأة يشبه أدرة الرجل وقيل رغوة تحدث عند الجماع، والإفضاء اختلاط مسلك الذكر بمسلك البول، وأحرى اختلاط مسلك البول والغائط، والقرن شيء يبرز في الفرج كقرن الشاة، والبخر هو نتن الفرج، وأما غير هذه كالاستحاضة وحرق الفرج ونتن الفم والسواد والكبر والصغر الفادح والعمى والثيوبة فلا رد بها، ولو كان الزوج يظنها بصفة ذلكقال خليل: لا يخلف الظن كالقرع والسواد من بيض ونتن الفم والثيوبة والعور والمرض وكونها رشحاء أو زلاء إلا أن يكون الزوج شرط السلامة من ذلكـــــــ
1 أخرجه بنحوه البيهقي في الكبرى "7/213"، حديث "3997"، والحاكم في المستدرك "4/37"، حديث "6808"، أبو يعلى في مسنده "10/63"، حديث "5699".
قال خليل: وبغيرها إن شرط السلامة ولو بوصف الولي عند الخطبة، وأما العيوب المتقدمة فيثبت بها الخيار، ولو لم يشترط من كره صاحبه من أجلها السلامة منها، وقدمنا ما يعلم منه الفرق بينها وبين غيرها من شدة النفس للمتصف بها"تنبيهان" الأول: ستأتي الإشارة إلى عيوب الزوج المختصة به بقوله: ويؤجل المعترض سنة إلخ، وأشار إليها خليل بقوله: وبخصائه وجبه وعنته واعتراضه، فالخصاء قطع الذكر أو الأنثيين فقط حيث لم ينزل، والجب قطع الذكر مع الأنثيين وأحرى لو خلق بغيرهما، والعنة صغر الذكر جدا، ولا يرد الزوج بغير ذلك من نحو كبر سن أو عمى أو عرج أو غير ذلك من العاهات التي تكرهها النفس كالجرب والصنان إلا بشرط السلامة منها، لأن الذي يظهر أن المرأة إذا اشترطت سلامة الزوج من الكبر أو العمى أو غير ذلك من العيوب غير المتقدمة يجب أن يوفى لها بشرطها، بل هي أحرى من وجوب الوفاء للزوج بشرطه، لأن المرأة محبوسة للرجل بخلافه لأن العصمة بيده، ويدلك على هذا أن العيب الحادث بعد العقد أو الدخول يثبت به الخيار للزوجة دون الزوج وحررهالثاني: علم قررنا أن محل الرد بالعيب إما مطلقا أو بالشرط، أن يكون سابقا على العقد، وأن لا يحصل ممن يريد الرد علم به قبل العقد، ولا فعل بعد العلم يدل على الرضا به كتلذذ أو طول إقامة هي مظنة للعلم به وإلا سقط الخيار، إلا المرأة تجد الرجل معترضا وتمكنه من نفسها راجية زوال عذره فلم يزل عذره فهي على خيارها، وتصدق في دعواها أنها إنما مكنته راجية زوال عذره، بخلاف زوجة نحو الخصي والمجبوب تمكنه من نفسها بعد علمها بعيبه فلا يقبل لها كلام بعد ذلك، ووجه الفرق إمكان زوال الاعتراض مع وجود آلة الوطء، بخلاف زوجة الخصي أو المجبوب تمكنه من نفسها بعد علمها بعيبه فلا يقبل اعتذارها لاستحالة زوال نحو الخصاء بخلاف الاعتراضالثالث: إذا تنازعا في العلم بالعيب قبل العقد فإن المدعى عليه العلم يحلف على نفي علمه، قال خليل: وحلف على نفيه فإن حلف ثبت له الخيار، وإن نكل حلف الآخر وسقط الخيار لصاحبهالرابع: بقي قسم يثبت به الخيار للزوجة دون الزوج في الزوجة وهو الجذام أو البرص أو الجنون الحاصل بالرجل بعد العقد ولو بعد الدخول، فيجب للمرأة الخيار في الزوج.
قال خليل: ولها فقط الرد بالجذام البين والبرص المضر الحادثين بعده وإن شك في ذلك فالأصل السلامة، ووجه الفرق قدرة الرجل على الفراق دون المرأةثم شرع فيما تستحقه المرأة بعد اختيارها بقوله: "فإن دخل" الزوج البالغ "بها" أي بزوجته المطيقة ذات العيب الذي ترد به بغير شرط "و" الحال أنه "لم يعلم" بعيبها إلا بعد دخوله بها ولم يحصل منه بعد علمه بعيبها ما يدل على رضاه بل كف عنها وطلقها. "أدى صداقها" أي وجب عليه أن يدفع لها جميع ما سماه لها لأنها استحقته بالوطء، ويصدق الزوج في عدم العلم بالعيب قبل الدخول بها، وظاهر كلام المصنف كخليل أن لها الصداق بالدخول، ولو كان الزوج عنينا أو مجنونا وهو طريقة ابن الحاجب قائلا: لأن الذي عقد لأجله قد حصل، خلافا لابن عرفة حيث قصر الكلام على من يتصور منه الوطء الكامل كالأجذم لا من ذكره صغير جدا أو لا ذكر له كالمجبوب. "و" إذا أدى الزوج الصداق لها "رجع به" كله "على أبيها وكذلك إن زوجها أخوها" يرجع الزوج عليها بجميع الصداق الذي أداه لها، وكل من غرم من الأب أو الأخ الصداق لا يرجع على الزوجة بشيء منه وتفوز بما قبضه لأنها لم تحضر العقد، والغارم هو الولي الذي لم يخف عليه أمرها، ومفهوم دخل أنه لو علم السالم بعيب الآخر قبل الدخول وفارق فإنه لا شيء للزوجة من الصداق، لأن العيب إن كان بالزوجة فهي غارة، وإن كان في بالزوج فالفراق جاء من قبلها، وسواء كان العيب يوجب الرد مطلقا أو بمقتضى الشرطقال خليل: ومع الرد قبل البناء فلا صداق وبعده فمع عيبه المسمى، ومعها رجع بجميعه على ولي لم يغب كابن وأخ ولا شيء عليها، وما ذكره خليل من أنه لا شيء للمرأة مع الرد قبل البناء ظاهره كان العيب بها أو به كان الرد بلفظ الطلاق أم بغيره. وفي الأجهوري ما محصله: هذا إن كان العيب بالزوج لأنها التي اختارت مفارقته، وكذا إن كان بالزوجة وردها بغير لفظ الطلاق، وأما لو ردها بلفظ الطلاق للزمه النصف لها، ولعل وجه الفرق أن الرد بلفظ الطلاق يقتضي الرضا بها ثم فارقها بعد ذلك، ولكن تقدم لنا ما يقتضي أن الرد هنا إنما يكون بلفظ الطلاق لأنه نكاح صحيح، فلم يحصل فيه الرد إلا بالطلاق فراجع ما قدمناه، وما قدمناه من أن الولي الذي لا يخفى عليه أمرها إذا غرم جميع الصداق للزوج لا يرجع عليها بشيء محله إذا لم تكن حاضرة بمجلس العقدوأما لو حضرت مجلس العقد فقد أشار إليه خليل بقوله: وعليه وعليها إن زوجها بحضورها كاتمين، ثم للولي عليها إن أخذه منه لا العكس، ولما مر حكم ما إذا زوجها قريبها الذي لا
يخفى عليه أمرها، شرع في بيان حكم ما إذا زوجها وليها البعيد الذي يخفى عليه أمرها بقوله: "وإن زوجها" أي ذات العيب "ولي ليس بقريب القرابة" كابن العم ونحوه ممن يخفى عليه أمرها ودخل بها الزوج غير عالم بعيبها ثم فارقها "فلا شيء عليه" أي فلا رجوع للزوج عليه بشيء مما أخذته الزوجة من الصداق "و" إنما يرجع على الزوجة بجميع الصداق بحيث "لا يكون لها" منه "إلا ربع دينار" قال خليل: ورجع عليها في كابن العم إلى ربع دينار، فإن علم بأمرها فكقريب القرابة في التفصيل السابقفإن قيل: ما الفرق إذا رجع على الولي يرجع عليه بجميع الصداق من غير ترك ربع دينار، وإذا رجع عليها يجب عليه أن يترك لها ربع دينار؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه لو رجع عليها بجميعه لزم عرو البضع عن الصداق وهو لا يجوز لأن ربع الدينار حق الله. وثانيهما إذا رجع على الولي تفوز هي بجميع الصداق فلم يعر بضعها عن صداق، وأخذ بعض العلماء من كلام المصنف من التفرقة بين العلم فيرجع عليه وعدمه فلا يرجع عليه، من أكرى مطمورة يخزن فيها الحب مثلا وهو يعلم أن جميع ما يوضع فيها يسوس فساس جميع ما وضعه المكتري يرجع عليه، كما يرجع على الولي العالم بعيب المنكوحة، وبذلك حكم ابن عبد السلام، وأما لو باع المطمورة لما رجع عليه بشيء، ومثل ما حكم به ابن عبد السلام من نوازل الشعبي عن محمد بن عبد الملك الخولاني فيما إذا باع أو أكرى خابية دلس فيها بالكسر وعلم أن المكتري يجعل فيها زيتا جعله فيها فانهرق من كسرها فإنه يضمن في الكراء لا في البيع، من التتائي بتصرف للإيضاح: ولعل وجه الفرق بين الكراء والبيع أن المشتري مقصر بعدم الفحص عن حالها بخلاف الكراء لا تقصير عند المكتري، لأن المكري أكراها لمن له انتفاع بها في تلك الحالة فالمكري غار، ولا يقال: كذلك البائع، لأنا نقول: يمكن أن المشتري اشتراها لا ليضع فيها شيئا بل ليتملك محلها، وحرره"تنبيهان" الأول: قد قدمنا أن الولي البعيد إذا علم بعيبها يكون كالقريب جدا، فإن تنازع الزوج مع البعيد في العلم وعدمه فالقول قول الولي البعيد بيمينه لأنه لا يعلم عيبها، فإن حلف برئ، وإن نكل غرم للزوج جميع الصداق بمجرد نكوله في دعوى الاتهام وبعد حلفه في دعوى التحقيق، وإذا برئ الولي من الصداق إما بحلفه أو بنكول الزوج في دعوى التحقيق فإنه يضيع الصداق على الزوج إذ لا رجوع له به على المرأة على المعتمد، كما لا يرجع عليها إذا لا يبرأ الولي ولكن أعسر.
الثاني: ما قدمناه من أن الرد قبل البناء لا شيء فيه للمرأة، سواء كان بعيب يوجب الخيار مطلقا أو بالشرط واضح، وعليه شراح خليل، وأما بعد البناء فيجب قصر الحكم الذي ذكره المصنف على الرد بما يوجب الخيار من غير شرط، وأما ما لا يوجبه إلا بشرط كعدم البياض ونحوه مما لا خيار فيه إلا بالشرط، فإنه إذا دخل الزوج ولم يجد ما شرطه فإنها ترد إلى صداق مثلها ويسقط عنه ما زاده لأجل ما اشترطه، أي ما لم يكن صداق مثلها أكثر من المسمى، فيدفع لها المسمى ولا يرجع بجميع الصداق، فليس كالعيب الذي يثبت به الخيار من غير شرطثم شرع في الكلام على بعض ما يختص بالرجل بقوله: "ويؤجل المعترض سنة" بعد الصحة من يوم الحكم وإن مرض والعبد نصفهاوالمعنى: أن الزوج إذا وجدته المرأة معترضا وهو المسمى عند العامة مربوطا أي له آلة لكن لا تنتشر عند الوطء إما بسحر أو مرض، فإنه يضرب له أجل يتحيل فيه على إزالة اعتراضه وقدره سنة إن كان الزوج حرا، ونصفها إن كان عبدا، وابتداء تلك المدة من يوم قيام الزوجة إن كان الزوج صحيحا، فإن قامت وهو مريض فابتداؤها بعد الصحة والحكم، ولا ينظر إلى طريان المرض بعد ذلك. "فإن وطئ" الزوج في تلك المدة وصدقته المرأة على ذلك أو لم تصدقه ولكن حلف على الوطء في السنة سقط خيارها بمنزلة ما إذا حصل له الاعتراض بعد وطئها "وإلا" بأن انقضت السنة للحر والنصف للعبد ولم يطأ مع تصديقها له، أو لم يحلف على الوطء مع إنكارها. "فرق بينها" بطلقة بائنة. "إن شاءت" الزوجة الفراق لأنه من حقهافإن امتنع من الطلاق فهل يطلق الحاكم أو يأمرها بالطلاق ثم يحكم به؟ قولان: فلو رضيت بعد الأجل بالإقامة مدة مع بقاء الاعتراض ثم أرادت القيام فلها ذلك من غير ضرب أجلقال خليل: ولها فراقه بعد الرضا بلا أجل، بخلاف ما لو قالت: رضيت بالبقاء معه من غير تقييد بمدة، أو قالت: أقعد معه الأبد، فليس لها فراقه بعد ذلك، ويظهر من كلام أهل المذهب أن زوجة المجذوم لها الفراق وإن رضيت بالإقامة معه طول عمرها أو أطلقت، ولعل الفرق شدة الضرر اللاحق لها دون زوجة المعترض"تنبيهات" الأول: كلام المصنف في المعترض الذي لم يتقدم منه وطء قبل اعتراضه كما قدمناه، ولا فرق حينئذ بين كون اعتراضه سابقا على العقد أو متأخرا عنه، وأما لو وطئها سليما ثم حصل له الاعتراض بعد وطئه فلا خيار للمرأة؛ لأنها مصيبة نزلت بها، كحصول أدرة له
مانعة له من الوطء وهو المعروف عند العامة بالقيليط، أو حصل له هرم بعد الوطء فلا خيار للمرأة، اللهم إلا أن تخشى على نفسها الزنا فلها التطليق، لأن للمرأة التطليق بالضرر الثابت ولو بقرائن الأحوالالثاني: إذا تنازع المعترض مع الزوجة في الوطء وعدمه بعد انقضاء السنة فقد ذكرنا أنه يصدققال خليل: وصدق إن ادعى فيها الوطء بيمينه، فإن نكل حلفت ولها التطليق، وإن نكلت لزمها البقاء، بخلاف لو ادعى بعد انقضاء الأجل الوطء بعده فلا يصدق، وأما لو وقع التنازع قبل انقضاء الأجل فإنه يحلف ويبطل اختيارها، فإن نكل بقيت زوجة إلى الأجل، وليس لها أن تحلف لأن بقية الأجل من حقه، فإن حلف أو وطئ عنده بطل خيارها، وإن تمادى على إنكاره حلفت وإلا بقيت زوجة فالصور ثلاثالثالث: لم يتكلم المصنف على صداقها، والحكم أنها تستحقه بالوطء أو بانقضاء السنة لأن إقامة السنة عندنا كالوطءالرابع: لم يتكلم المصنف على النفقة لزوجة المعترض، وقد اضطرب فيها كلام الشيوخ، فاستظهر العلامة خليل عدم النفقة لها، ومذهب المدونة خلافه وأن لها النفقة. قال الأجهوري ما محصله: أن كلا من امرأة المجنون والأجذم والأبرص والمعترض متساويات في وجوب النفقة بالدخول أو بالتمكين منه، وإذا منعت واحدة منهن نفسها من الزوج بعد وجوب النفقة بما ذكرنا فإنها تسقط عنه إلا امرأة المجنون فلا تسقط نفقتها ولو منعت نفسها منه لما يلحقها من الضرر، ومثلها زوجة المعسر بالصداق إذا منعت نفسها حتى يؤدي صداقها لاحتمال أن يكون له مال فكتمهالخامس: مفهوم المعترض يقتضي أن غيره من ذوي العيوب لا يؤجل وليس كذلك، بل كل من يمكن زوال عيبه كالأجذم والأبرص والمجنون يؤجل سنة عند رجاء برئهقال خليل: وأجلا فيه وفي برص وجذام رجي برؤهما سنة، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، ولا بين العيب السابق على العقد والحادث بعده، لكن قد علمت أن السابق على العقد فيه الخيار لكل منهما، والمتأخر على العقد إنما يجب به الخيار للزوجة فقط، وقيدنا بمن يمكن زوال عذره احترازا عن الخصي والعنين فلا فائدة من تأجيلهما.
السادس: لم يعلم من كلام المصنف حكم المرأة إذا طلبت التأخير لمداواة عيبها، ومحصله أنها إذا كان يمكن زوال عيبها بمعالجة فإنها تؤجل له مدة باجتهاد أهل الخبرةقال خليل: وأجلت الرتقاء للدواء بالاجتهاد ولا تجبر عليه إن كان خلقة. قال شراحه: ولا مفهوم للرتقاء بل ذات القرن والعفل مما يمكن مداواته، كذلك ويلزم الرجل الصبر حيث لم يلزم على مداواتها حصول عيب في فرجها، كما أنها تجبر على ذلك إذا طلبه الزوج إذا كان لا ضرر عليها في المداواة، فالصور أربع للمتأمل. السابع: لم يذكر ما إذا ادعى أحد الزوجين عيبا بصاحبه والآخر ينكر ومحصله: أنه إن كان يجوز النظر إلى محله فلا يثبت إلا ببينة من الرجال كان برجل أو امرأة، كالجذام والبرص حيث كان في ظهر أو بطن الرجل أو في كف أو وجه المرأة، وأما في غير ما ذكر فإن كان في دبر أو فرج فيقبل قول صاحبه بيمينه كان رجلا أو امرأة، إلا إن كان يمكن علمه بغير نظر كالخصاء والجب فإنه يجسقال خليل: وجس على ثوب منكر الجب ونحوه، وصدق في الاعتراض كالمرأة في دائها أي في نفي دائها، ولا ينظرها النساء إلا برضاها، ولا بد من حلفها على ما ادعته، وأما لو كان عيبها داخل الثياب وفي غير الفرج والدبر فلا يثبت إلا بشهادة بينة من النساء، فتلخص أن عيوب النساء على ثلاثة أقسام: ما لا يثبت إلا بالرجال كالمتعلق بالوجه والكفين، وما لا يثبت إلا بالنساء وهو ما كان بنحو بطنها أو ظهرها، وما يرجع فيه لقولهن بعد حلفهن وهو داء الفرج، وقولنا: إلا برضاها نص عليه شراح خليل عند قوله: فإن أتى بامرأتين تشهدان له قبلتا، ولنا فيه بحث محصله: كيف يباح النظر إلى العورة برضا صاحبها مع تصديقه في نفي العيب، ويلزم عليه جواز نظرنا إلى عورة الرجل إذا رضي عند دعواها أو بدبره برصا أو جذاما، بل كان الرجل أولى بالجواز من المرأة، ولم أر من تعرض لذلك فحررهولما فرغ من الكلام على عيوب الزوجين شرع يتكلم على أحكام الزوج المفقود فقال: "والمفقود" وهو كما قال ابن عرفة: من انقطع خبره ممكن الكشف عنه، فالأسير ونحوه مما لا يمكن الكشف عنه لا يسمى مفقودا في اصطلاح الفقهاء، والمراد هنا المفقود في بلاد الإسلام، كما يعلم من إمكان الكشف عنه ولم يعلم له موضع وكان فقده في غير مجاعة ولا وباء، فإن لم ترض زوجته بالصبر إلى قدومه فلها أن ترفع أمرها إلى الخليفة أو القاضي أو من يقوم مقامه في عدمه، أو والي الماء وهو الذي يجبي الزكاة، فإن لم تجد واحدا من هؤلاء رفعت لصالحي جيرانها ليفحصوا عن حال زوجها، لكن بعد أن تثبت الزوجية وغيبة الزوج والبقاء في العصمة
إلى الآن، وإذا ثبت ذلك عنده كتب كتابا مشتملا على اسمه ونسبه وصفته إلى حاكم البلد الذي يظن وجوده فيه، وإن لم يظن وجوده في بلد بعينه كتب إلى البلد الجامع، واستصوب ابن ناجي أن أجرة الرسول الذي يفحص عن المفقود على الزوجة، فإذا انتهى الكشف ورجع إليه الرسول وأخبره بعدم وقوفه على خبره فالواجب أن "يضرب له أجل" قدره "أربع سنين" للحر وسنتان للعبد، والمعتمد أن هذا التحديد محض تعبد لفعل عمر بن الخطاب وأجمع عليه الصحابة، ومحل التأجيل المذكور إن كان للمفقود مال تنفق منه المرأة على نفسها في الأجل، وأما إن لم يكن له مال فلها التطليق عليه بالإعسار من غير تأجيل لكن بعد إثبات ما تقدم، وتزيد إثبات العدم واستحقاقها للنفقة وتحلف مع البينة الشاهدة لها أنها لم تقبض منه نفقة هذه المدة ولا أسقطتها عنه، وبعد ذلك يمكنها الحاكم من تطليق نفسها بأن توقعه ويحكم به أو يوقعه الحاكم، ومثل المفقود من علم موضعه وشكت زوجته من عدم النفقة يرسل إليه القاضي: وإما أن تحضر أو ترسل النفقة أو تطلقها، وإلا طلقها الحاكم، بل لو كان حاضرا وعدمت النفقةقال خليل: ولها الفسخ إن عجز عن نفقة حاضرة لا ماضية، ثم بعد الطلاق تعتد عدة طلاق بثلاثة أقراء للحرة وقرأين للأمة فيمن تحيض، وإلا فثلاثة أشهر للحرة والزوجة الأمة لاستوائهما في الأشهر. ثم بين ابتداء الأجل بقوله: "من يوم ترفع" زوجته "ذلك" أي أمر زوجها ويرسل الحاكم في النواحي للكشف عنه. "وينتهي الكشف عنه" فحينئذ يضرب له الأجل، وليس المراد أنه يضرب له الأجل بمجرد الرفع بل بعد تمام الكشف، وإلى جميع ما سبق أشار خليل بقوله: ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والولي ووالي الماء وإلا فلجماعة المسلمين، فيؤجل أربع سنين إن دامت نفقتها، والعبد نصفها من العجز عن خبره، ثم اعتدت كالوفاة كما يأتي"تنبيهات" الأول: لم ينص المصنف على من ترفع له زوجة المفقود، وقد ذكرنا عن خليل أنه القاضي أو الوالي أو جماعة المسلمين، ولكن عند وجود الثلاثة لا ترفع إلا للقاضي لا لغيره، فإن رفعت لغيره مع التمكن من الرفع له حرم عليها ذلك، وإن مضى ما فعله إن كان هو الوالي أو والي الماء لا جماعة المسلمين، هذا ما يظهر من كلام ابن عرفة كما قاله الأجهوري، وأما لو رفعت لجماعة المسلمين مع وجود الوالي أو والي الماء فالظاهر مضي فعلهم. وفي السنهوري وتبعه اللقاني أن ظاهر كلام خليل أن الثلاث في مرتبة واحدة وهو كذلك إلا أن القاضي أضبط، ووجود القاضي أو غيره مما ذكر مع كونه يجوز أو يأخذ المال الكثير بمنزلة
عدمه فترفع لجماعة المسلمينالثاني: ظاهر كلام المصنف كخليل سواء كانت الزوجة مدخولا بها أم لا، لوجوب لوازم الزوجية بإطاقتها وبلوغ زوجها وتمكينها من نفسها ولو بالقوة كما مرالثالث: لو كان للمفقود زوجات ورفعت واحدة لنحو القاضي، ثم رفعت واحدة أخرى، فإن الأجل المضروب للأولى يكون أجلا للباقيات إن طلبن الفراققال خليل: والضرب لواحدة ضرب لبقيتهن. "ثم" بعد انقضاء الأجل المضروب بعد تمام الكشف عن حاله ولم يظهر "تعتد" زوجته "كعدة" زوجة "الميت" وهي أربعة أشهر وعشرا للحرة، وشهران وخمس ليال مع أيامها إن كانت رقيقة، ويلزمها ما يلزم المتوفى عنها من الإحداد. زمن عدتها، ولا تحتاج إلى إذن الحاكم عند شروعها في العدة، ولا نفقة لها في زمن عدتها، وأما في مدة الأجل فتنفق من مال الزوج، وإنما قال كعدة الميت لأن موته غير محقققال خليل: ثم اعتدت كالوفاة وسقطت بها النفقة ولا تحتاج فيها إلى إذن وليس لها البقاء بعدها"ثم" بعد العدة "تتزوج إن شاءت" وليس لها بعد انقضاء العدة البقاء في عصمة المفقود لأنها أبيحت لغيره، ولا حجة لها في أنه يكون أحق بها إن قدم لأنها على حكم الفراق حتى تظهر حياته، إذ لو ماتت بعد العدة لم يوقف له إرث منها"تنبيهان" الأول: لم يعلم من كلامه حكم ما لو جاء المفقود أو تبين أنه حي وحكمها حينئذ كذات الوليين، فإن جاء أو تبين أنه حي أو مات وهي في عدتها أو بعدها وقبل العقد أو بعد العقد وقبل الدخول أو بعد الدخول، ولكن علم المتزوج بها بأن زوجها المفقود جاء أو لم يعلم لكن كان عقده فاسدا مجمعا على فساده، فلا تفوت على المفقود في هذه الصور، بخلاف لو جاء أو تبين أنه حي أو مات بعد تلذذ الثاني بها غير عالم في نكاح صحيح أو يفوت بالدخول فإنها تفوت على المفقودقال خليل: فإن جاء أو تبين أنه حي أو مات فكالوليينالثاني: تكلم المصنف على حكم زوجة المفقود ولم يتكلم على أم ولده، وحكمها كما له في الوقف إلى انقضاء مدة التعمير حيث كان لسيدها مال تنفق منه، وإلا تجز عتقها على قول الأكثر وتتزوج بعد حيضة لأنها عدتها من سيدها، فإن لم تحض فثلاثة أشهروأشار إلى حكم ماله بقوله: "ولا يورث ماله" أي المفقود في بلاد الإسلام لأن الكلام فيه
"حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يعيش إلى مثله" وهي مدة التعمير واختلف فيها فقيل سبعون سنة وهو قول مالك وابن القاسم وأشهب. قال القاضي عبد الوهاب: وهو الصحيح، وقيل: ثمانون سنة، وحكم بخمس وسبعين، وإن اختلف الشهود في سنة فالأقل، ولا يشترط في شهادتهم تحقيق بل تجوز على التقدير وغلبة الظن"تنبيهان" الأول: ما مر من ضرب الأجل إنما هو في زوجة المفقود في بلاد الإسلام كما قدمنا، وأما زوجة مفقود أرض الشرك ومثلها زوجة الأسير فإنهما يبقيان لانقضاء مدة التعمير وأولى مالهما، وإنما لم يضرب لهما أجل كزوجة مفقود أرض الإسلام لتعذر الكشف عن زوجهما ومحل بقائهما إن دامت نفقتهما كغيرهما وإلا فلهما التطليققال الأجهوري في شرح خليل: وإذا جاز لها التطليق بعدم النفقة فإنه يجوز لها إذا خشيت على نفسها الزنا بالأولى لشدة ضرر ترك الوطء الناشئ عنه الزنا، ألا ترى أنها لو أسقطت النفقة عن زوجها يلزمها الإسقاط، وإن أسقطت عنه حقها في الوطء لا يلزمها ولها أن ترجع فيه، وأيضا النفقة يمكن تحصيلها من غير الزوج بتسلف ونحوه بخلاف الوطء، فإذا مضت مدة التعمير يحكم بموت من ذكر وتعتد زوجته عدة وفاة، ويقسم ماله على ورثته حينئذ لا على ورثته حين فقده ما لم يثبت موته يوم الفقد أو بعده، فالمعتبر ورثته يوم ثبوت الموت، فإن جاء بعد قسم تركته فإن القسم لا يمضي ويرجع له متاعه، ولا يقاس ها هنا على ما ذكروه في مسألة الاستحقاق فيمن اشتهر بجزية وأوصى ومات فإن الوصي لا يضمن، ويمضي بيع الوصي إن عذرت بينته لأن ذلك بمعاوضة. قاله الأجهوري نقلا عن خط بعض أشياخه، وأما زوجة المفقود في معترك المسلمين فتعتد بعد الفراغ من القتال والاستقصاء في التكشف عنه، ولا يضرب لها أجل لأنه يحمل أمره على الموت، ولذلك يقسم ماله حين شروعها في العدة، أما لو شهدت البينة على أنه خرج من الجيش ولم تشاهده في المعترك فإنه يكون كالمفقود في بلاد المسلمين فيجري في زوجته ما تقدم، وأما زوجة المفقود في زمن المجاعة أو الوباء أو الكبة أو السعال فتعتد بعد ذهاب ذلك المرض، وأما زوجة المفقود في القتال الواقع بين المسلمين والكفار فإنها تعتد بعد مضي سنة كائنة بعد الفحص عن حاله وبقي من شك في حاله هل فقد في بلاد المسلمين أو الكفار؟ لا نص في حاله. قال الأجهوري: وينبغي العمل بالأحوط، فتعامل زوجته معاملة زوجة مفقود أرض الشرك، بخلاف من سافر في البحر فانقطع خبره فسبيله سبيل المفقود، إلا أن يكون فقد في شدة ريح والمراكب في المرسى ولم يتبين له خبر، فيحكم بموته