كتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
المؤلف : أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي
الشهادتين، وبحث بعض شيوخنا في ذلك القياس قائلًا: المسنون التشهد وهو اسم لهذا اللفظ، والمسنون قراءة ما زاد على أم القرآن وهو يصدق ببعض سورةٍ، وربما يقوي بحث بعض شيوخنا قوله: "فإن سلمت بعد هذا" أي التحيات لله إلى قوله: وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله "أجزأك" المتبادر منه أجزأك في أداء السنة ولا يتوقف حصولها على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خلافًا لبعض الأئمة فظاهره أنه لو اقتصر على بعضه لم يجزه فيخالف قياسه على السورة إلا أن يقال: مراده بالإجزاء الذي لا سجود معه ولا إثم وليس المراد الإجزاء الذي لا يصح غيره، فلا ينافي ما قاله الأقفهسي أنه لو قال: لا إله إلا الله في التشهد أجزأه أي لصدق التشهد عليه"ومما تزيده" بعد التشهد "إن شئت" لكمال الموجب لكثرة الثواب؛ لأن المراد أنت مخير في الزيادة وعدمها مع استوائهما في الحكم فإن هذا غير صحيحٍ كما لا يخفى، أو أنه قصد بقوله: إن شئت الرد على من يقول بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؛ لأن الكلام في صلاة الصبح أو أراد التخيير بين هذا الدعاء وغيره من الأدعية، ويدل على هذا خبر الصحيحين من أنه عليه الصلاة والسلام لما علمهم التشهد قال: "وليتخير من الدعاء ما أحب" 1 وأما التشهد الأول فالمطلوب تقصيره ويكره الدعاء فيه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دعاء كما يأتي في قوله: ويتشهد في الجلسة الأولى، إلى قوله: وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأشار إلى ما يزيده مشتملًا على شيءٍ من القرآن وشيءٍ من السنة وشيءٍ من فعل السلف الصالح، إشارةً إلى جواز الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن فقال: "وأشهد أن الذي جاء به محمد" صلى الله عليه وسلم "حق" أي ثابت إذ الحق هو الحكم المطابق للواقع يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب ويقابله الباطل، وأما الصدق فقد شاع في الأقوال خاصةً ويقابله الكذب وحقيقته مطابقة حكم الخبر للواقع "وأن الجنة" وهي دار الثواب "حق وأن النار" وهي دار العذاب "حق" وأنهما موجودتان اليوم، وأن الصراط حق "وأن الساعة" وهي القيامة وانقراض الدنيا "آتية" أي جائية "لا ريب فيها" الخبر هنا معناه النهي أي لا ترتابوا فيها أو هو باقٍ على معناه، ونزل ريب المرتابين منزلة عدمه لما أن معهم من الأدلة إن نظروا فيه لم يرتابوا، أو أن المراد لا ريب فيها في علم الله وملائكته وأنبيائه والمؤمنين"و" أشهد "أن الله يبعث" أي يحيي "من في القبور"وكذا غيرهم من جميع الأموات، فذكر
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب ما يتميز من الدعاء بعد التشهد حديث 835, ومسلم كتاب الصلاة باب: التشهد في الصلاة حديث 402.
القبور وصف طردي لا يعتبر مفهومه قال العلامة ابن عمر: ذكر الجنة والنار والبعث ومجيء القيامة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر الخاص بعد العام لدخولها فيما جاء به صلى الله عليه وسلم فأعادها اهتمامًا بها "اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ وارحم محمدًا" فيه إشارة إلى جواز الدعاء له صلى الله عليه وسلم بالرحمة، ولا عبرة برد تلميذ ابن العربي وتشنيعه عليه حيث قال: وهم شيخنا أبو محمدٍ وهمًا قبيحًا خفي عليه على الأثر والنظر فزاد: وارحم محمدًا، ومما رد به على ابن العربي حديث ابن مسعودٍ: "إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ وارحم محمدًا وآل محمدٍ كما صليت ورحمت على إبراهيم" الحديث رواه الحاكم في المستدرك، ومنها أن المؤلف من الحفاظ، وأن الذي ذكره صح عنده، ومما رد به عليه أيضًا أنه قد جاء في بعض الطرق: اللهم اغفر لمحمدٍ وهو بمعنى ارحمه، ومنها أن هذه الزيادة مروية عن السلف الصالح، وأيضًا قال القاضي عياض: اختلف في جواز الدعاء له صلى الله عليه وسلم بالرحمة وعلى جواز الدعاء غير واحدٍ ومنهم المصنف، ومما يرد عليه قول المصلي في التحيات: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في جميع صلواته وأمر به كل مصل، فهو استدلال قوي على الجواز، وأقوى ما يحتج به ما في صحيح البخاري وغيره من قول الأعرابي الذي بال في المسجد وانتهره الناس: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد حجرت" 1، فأقره على ما قال من دعائه له بالرحمة، ولم ينكر عليه والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على منكرٍ، واعلم أن إقراره صلى الله عليه وسلم إنما يكون حجةً على الجواز إذا كان الذي أقره مسلمًا كواقعة الأعرابي المذكورة، وأن محل جواز الدعاء له صلى الله عليه وسلم بالرحمة إذا كانت مضمومةً للصلاة والسلام أو نحوهما مما يشعر بالتعظيم، فلا يجوز لمن سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ابتداءً رحمة الله، هكذا قال بعض ولي فيه وقفة مع قول الأعرابي "و" ارحم "آل محمدٍ وبارك" أي وانشر رحمتك "على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت" الصلاة من الله الرحمة فيكون قوله: "ورحمت" تأكيدًا لفظيا للاعتناء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم "وباركت" أي نشرت رحمتك "على إبراهيم" تنازعه العوامل الثلاثة، ولفظ إبراهيم اسم أعجمي معناه أب رحيم"وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد" بمعنى محمودٍ "مجيد" بمعنى كريمٍ أو شريفٍ، وقيل واسع الكرم والجميع فيه سبحانه قال العلامة ابن عبد السلام: الصلاة التي ذكرها المصنف هي الصلاة الكاملة وحكمها أنها واجبة في العمر مرةً في غير الصلاة، وأما في الصلاة
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأدب باب: رحمة الناس والبهائم حديث 6010.
فقيل سنة وقيل فضيلة ومحلها كما قدمنا في تشهد السلام كما قال المصنف وغيره من أهل المذهب"تتمة" إن قيل: كيف يشبه الصلاة على أفضل الخلق بالصلاة على إبراهيم الذي هو مفضول بقوله: كما صليت على إبراهيم مع أن القاعدة تشبيه الضعيف بالقوي أو الناقص بالكامل عكس ما هنا؟ فالجواب أنه إنما شبه بالصلاة على إبراهيم قبل علمه بشرفه وعلو منزلته على غيره، وقيل: شبه بالصلاة على إبراهيم تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم على حد ما قيل في حديث: "لا تفضلوني على يونس بن متى" 1 وقيل: الوقف على محمدٍ في الموضعين والتشبيه بين آل محمدٍ وإبراهيم، أو أن المقصود طلب زيادة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كالصلاة على إبراهيم أو شبه بالصلاة على إبراهيم لأجل ما ذكر في الآية وهي: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73] وإنما خص إبراهيم بالذكر في الصلاة دون غيره من الأنبياء لوجهين: أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء وسلم عليه كل نبي ولم يسلم واحد منه على أمته غير إبراهيم، فأمرنا معاشر الأمة أن نصلي عليه في آخر كل صلاةٍ إلى يوم القيامة مجازاةً لإحسانهثانيهما: أن إبراهيم لما فرغ من بناء الكعبة جلس مع أهله فبكى ودعا فقال: اللهم من حج هذا البيت من شيوخ أمة محمدٍ فهبه مني السلام فقال أهل بيته: آمين، ثم قال إسحاق: اللهم من حج هذا البيت من كهول أمة محمدٍ فهبه مني السلام، فقالوا: آمين، فقال إسماعيل: اللهم من حج هذا البيت من شباب أمة محمدٍ فهبه مني السلام، فقالوا: آمين، ثم قالت سارة: اللهم من حج هذا البيت من نساء أمة محمدٍ فهبه مني السلام، فقالوا: آمين، ثم قالت هاجر: اللهم من حج هذا البيت من الموالي والمواليات من أمة محمدٍ فهبه مني السلام، لما سبق منهم السلام قابلناهم في الصلاة مجازاةً على صنيعهم، والحكمة في أن الله تعالى أمرنا أن نطلب من الله أن يصلي على نبينا عليه الصلاة والسلام ولم نصل نحن بأنفسنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات فأمرنا سبحانه وتعالى أن نطلب منه أن يصلي على أشرف خلقه صلى الله عليه وسلم لتقع الصلاة من كاملٍ على كاملٍ"اللهم صل على ملائكتك" جمع ملكٍ "و" صل على عبادك "المقربين"كذا روي بإثبات الواو فتكون شاملةً لغير الملائكة وروي بحذف الواو فتكون الصلاة خاصةً بالملائكة المقربين
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري بنحوه كتاب أحاديث الأنبياء باب: قول الله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9] حديث 3396 ومسلم كتاب الفضائل باب: في ذكر يونس عليه السلام حديث 2377, ولم أقف عليه بلفظ المؤلف.
كجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل تشريفًا لهم "على أنبيائك والمرسلين" روي بإثبات الواو وحذفها كالذي قبله "وعلى أهل طاعتك أجمعين" المراد بهم المؤمنون وإن كانوا عصاةً لأنهم لم يخلوا من طاعةٍ"اللهم اغفر لي" أي استر ذنوبي "و" اغفر "لوالدي" يريد المؤمنين يصح بفتح الدال فيكون مثنى، ويحتمل بكسرها فيكون جمعًا قال ابن ناجي: وفي كلامه دلالة على أن المطلوب ممن أراد قبول دعائه أن يبدأ بوالديه ثم بمن قرأ عليه، وكان بعض العلماء يبدأ بمعلمه قبل أبويه محتجا بأن المعلم تسبب له في الحياة الدائمة، ولكن الحق الأول؛ لأن الشرع دل على شرف الوالدين"و" اغفر اللهم "لأئمتنا" وهم العلماء والأمراء الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر "و" اغفر "لمن سبقونا بالإيمان" كالصحابة والتابعين، وأما عامة المسلمين فقد دخلوا في أهل الطاعة "مغفرةً عزمًا" أي عاجلةً وقيل قطعًا؛ لأن العبد ينبغي له العزم على المسألة فلا ينبغي أن يقول: اللهم ارزقني إن شئت لإيهامه الاستغناء "اللهم إني أسألك من كل خيرٍ سألك منه محمد نبيك صلى الله عليه وسلم"1 مما ليس مختصا به فلا ترد الشفاعة العظمى فإنها مختصة به "وأعوذ بك" أي أتحصن بك يا الله "من كل شر استعاذك" أي استعاذ بك "منه محمد نبيك" صلى الله عليه وسلم، هذا حديث صحيح خرجه الترمذي والدعاء به مندوب؛ لأنه تعميم في الدعاء، وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء أنه سمع رجلًا يقول: اللهم أعطني كذا وكذا، وأخذ يكثر من المسائل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قل اللهم" إلخ، ثم قال: ويكره الإلحاح في الدعاء ورفع الصوت به والدعاء بالمحالواختلف هل يرد الدعاء من القدر شيئًا أولا يرد وهو الصحيح؟ قال الشاذلي: ورد في الحديث الإلحاح في الدعاء وأنه يرد القدر وروى الطبراني وغيره عن عائشة رضي الله عنها: "إن الله يحب الملحين في الدعاء" 2 وروى الحاكم وصححه الترمذي مرفوعًا: "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء" 3 وفي روايةٍ لهما مرفوعًا: "وأن
ـــــــ
1 ضعيف: أخرجه الترمذي كتاب الدعوات حديث 3521, وقال حسن غريب وانظر ضعيف الجامع 21652 موضوع أخرجه الشهاب في مسنده 2/145 حديث 1069 من حديث عائشة وانظر الضعيفة 2/963 حسن: أخرجه الترمذي كتاب الدعوات باب: ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة حديث 3382, والحاكم في المستدرك 1/729 حديث 1997, وانظر صحيح الجامع 6290.
الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء" 1 وفي رواية الحاكم وغيره: "إن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة" 2 أي يتصارعان ويتدافعان "اللهم اغفر لنا ما قدمنا" من الذنوب "وما أخرنا" من الطاعات عن أوقاتها"و" اغفر لنا "ما أسررنا" وهو ما أخفيناه من المعاصي "وما أعلنا" أي أظهرناه من المعاصي"و" اغفر لنا "ما أنت أعلم به منا" وهو ما أقرفناه عمدًا أو نسيناه؛ لأن ما وقع حال النسيان لا إثم فيه لخبر: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" 3 و "ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل" 4 قال أبو بكر بن الطيب: ما لم يعزم على ما خطر بقلبه فيؤاخذ به حينئذٍ، ومن الدعاء بما في القرآن : {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201] قيل العلم، وقيل المال الحلال، وقيل الزوجة الحسنة، وقيل العافية في الدنيا. {وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] وهي العاقبة في الآخرة، وقيل الجنة، وقيل المغفرة: {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] أي اجعل بيننا وبينها وقايةً، وقال ابن عمر والفاكهاني: عذاب النار المرأة السوء في الدنيا، ومع الأدعية بما في السنة: "وأعوذ" أي أتحصن "بك من فتنة المحيا" قيل الكفر، وقيل العصيان، وقيل المال والولد، والأحسن كل ما يشغل عن الله فتنة المحيا"و" أعوذ بك من فتنة "الممات" وهي التبديل عند الموت والعياذ بالله؛ لأن الأعمال بالخواتيم، وذلك أن الشيطان يأتي الإنسان عند خروج روحه بصفة من تقدم موته من أقاربه فيقول له: قد سبقتك إلى الآخرة فأحسن الأديان دين كذا لغير دين الإسلام فمت عليه ويكون لك ما كان لي من الخير، فيتحير الميت فمن أراد الله ثباته بعث إليه ملكًا يطرده، اللهم نجنا من كيده "و" أعوذ بك "من فتنة القبر" وهي عدم الثبات عند سؤال الملكين"و" أعوذ بك "من فتنة المسيح" بالحاء المهملة؛ لأنه ممسوح القدمين، وقيل لمسحه الأرض أي طوافه فيها في أقل زمنٍ من فتنةٍ عظيمةٍ يخاف منها إذ يدعي الربوبية وتتبعه الأرزاق
ـــــــ
1 ضعيف: أخرجه الترمذي كتاب الدعوات باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حديث 3548 وانظر ضعيف الجامع 57202 حسن: أخرجه الحاكم في المستدرك 1/669 حديث 1813 وانظر صحيح الجامع 77393 صحيح: أخرجه ابن ماجه كتاب الطلاق باب: طلاق المكره والناس حديث 2043, وانظر صحيح الجامع 17314 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الطلاق باب: في الإغلاق والمكره والسكران والمجنون حديث 5269, ومسلم كتاب الإيمان باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب حديث 127.
فمن تبعه كفر، ويسلك الدنيا كلها إلا مكة والمدينة ويمكث في الدنيا أربعين يومًا، ويضع رجله حيث ينتهي بصره وهو مقيد اليوم فإذا جاء وعده أطلقه الله ووصفه بقوله: "الدجال"؛ لأنه يغطي الحق بالباطل ولتحصل التفرقة بينه وبين عيسى ابن مريم عليه السلام؛ لأنه يسمى بالمسيح أيضًا؛ لأنه ممسوح بالبركة، وقيل: لأنه ما مسح على ذي عاهةٍ إلا ويبرأ بإذن الله تعالى، وقيل لسياحته في الأرض، وقيل بأنه ممسوح بالدهن، فعيسى عليه الصلاة والسلام مسيح الهدى، والدجال مسيح الضلال أعاذنا الله منه، ربما قيل فيه مسيخ بالخاء المعجمة لكن تكلم في هذا الضبط"و" أعوذ بك "من عذاب النار وسوء المصير" وناقش ابن ناجي المصنف قائلًا: إن أراد بسوء المصير سوء الخاتمة فقد قدمه في قوله والممات، وإن أراد به سوء المنقلب أي العذاب في الآخرة فقد تقدم في قوله: ومن عذاب النار، وممكن الجواب بأنه من باب التوكيد اللفظي "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" أي خيراته المتكاثرة "السلام علينا وعلى" سائر "عباد الله الصالحين" أي المؤمنين والمشهور عدم زيادة هذا بعد التشهد خلافًا لابن عمر، وعلى ندب زيادته إنما هو في حق المأموم، هكذا قال القرافي حيث قال: المشهور أنه لا يعيد التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدعاة، وعن مالكٍ يستحب للمأموم إذا سلم إمامه أن يقول: السلام عليك أيها النبي إلخ، مما يدل على ضعف تلك الزيادة ما مر من كراهة الدعاء بعد سلام الإمام"ثم" بعد تمام التشهد والدعاء توقع تسليمةً بأن "تقول السلام عليكم" بالتعريف والترتيب وصيغة الجمعقال خليل: وسلام عرف بأل، فلو قال: عليكم السلام أو سلامي عليكم أو سلام الله عليكم أو أسقط أل لم يجزه، ولو قال: السلام عليكم بالتعريف والتنوين ففي صحته قولان المعتمد منهما الصحة تخريجًا على صحة صلاة اللاحن في الفاتحة عجزًا عن تعلم الصواب لعدم معلمٍ أو ضيق وقتٍ مع قبول التعلم له وإلا اتفق على عدم صحة صلاته، ولا بد من الإتيان به باللفظ العربي عند القدرة، فلا يكفي أم سلام عليكم بلغة حمير ولا يسقط عنه بالعجز عن بعضه حيث كان ما يقدر عليه له معنى، ومن عجز عنه جملةً خرج من الصلاة بنيته، وينبغي الجزم في تلك الحالة بوجوب نية الخروج من الصلاة، فلو سلم باللغة الأعجمية عجزًا عن العربية فيظهر لنا عدم بطلان الصلاة، كما لو أتى بتكبيرة الإحرام بالعجمية للعجز عنها بالعربية على ما قدمناه، ومما لا ينبغي الشك فيه عدم بطلان صلاة من لحن فيه أو في تكبيرة الإحرام؛ لأن اللحن فيهما عجزًا عن الصواب ليس بأقبح من اللحن في الفاتحة عند العجز كما
قدمنا، ولا التفات لمن قال غير ذلك؛ لأن النظر للقول لا للقائلوتسليمة التحليل فرض على كل مصل ولو مأمومًا عندنا، وعند أبي حنيفة الخروج منها بكل منافٍ حتى عمد الحدث دليلنا حديث الصحيحين تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، والذي يظهر لي أنه لا بأس بزيادة ورحمة الله وبركاته؛ لأنها إن لم تكن من حسن الدعاء فهي خارج الصلاة خلافًا لمن كرهها، وجرى خلاف في اشتراط نية الخروج من الصلاة عند السلام، شهر الفاكهاني وابن عرفة عدم اشتراطها وعليه فلا تبطل الصلاة بعدمها وتبطل مقابله، ومما يتفرع على الاشتراط أن المسلم إذا كان إمامًا يقصد بسلامه الخروج من الصلاة والسلام على المأمومين والملائكة، والمأموم ينوي بالأولى الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة وبالثانية الرد على الإمام، والفذ ينوي بها التحليل والسلام على الملائكة وعلى المعتمد من عدم اشتراط نية الخروج فقيل: ما الفرق بين تكبيرة الإحرام التي لا بد معها من نية الصلاة المعينة قولًا واحدًا بين سلام التحليل مع أنه فرض أيضًا؟ والفرق من وجهين: أحدهما أن التكبير في الصلاة متعدد يقع فيه الاشتراك، فاحتاجت تكبيرة الإحرام لمصاحبتها النية ورفع اليدين معها ليحصل التمييز، وثانيهما ضعف أمر التسليم وعظم تكبيرة الإحرام، ألا ترى أن بعض الأئمة يكتفي بكل منافٍ عند الخروج من الصلاةوأيضًا نية الصلاة المعينة واجبة لتمييز العبادات بعضها من بعضٍ، ولما كانت صفة إيقاع السلام مختلفةً باختلاف المصلين بين مفعول السلام بقوله: "تسليمةً واحدةً" على هيئتها السابقة "عن يمينك تقصد بها" أي تبتدئها "قبالة وجهك" أي جهة القبلة "وتتيامن برأسك قليلًا هكذا يفعل الإمام والرجل وحده" قال خليل في المستحبات وتيامن بالسلام، وقال ابن عرفة: سلام غير المأموم قبالته متيامنًا قليلًا، وحاصل المعنى أنه يبتدئها إلى جهة القبلة، ولكن يلتفت إلى جهة اليمنى قليلًا بحسب الانتهاء، فلا إشكال في الجمع بين قوله: عن يمينك الموهم أنه يوقع جميع التسليمة على اليمين، وبين قوله: قبالة وجهك لما عرفت من أن الاستقبال بها عند الابتداء والتيامن قليلًا بحسب الانتهاء، وذلك عند نطقه بالكاف والميم، وإنما طلب من الإمام والفذ الابتداء بها إلى القبلة؛ لأنهما مأموران بالاستقبال في سائر أركان الصلاة، والسلام من جملة أركانها، إلا أنه لما كان يخرج به من الصلاة ندب انحرافه في أثنائه إلى جهة يمينه ليكون ذلك الانحراف دليلًا لنحو الأصم أو التنبيه على خروجه من الصلاة فالتيامن مستحب، كما أن ابتداءها إلى جهة القبلة أيضًا مستحب، ولم يبين المصنف حد القليل وبينه ابن عبد السلام
بقوله: بحيث ترى صفحة وجهه، فلو أوقع الإمام أو الفذ جميع التسليمة على يمينه أجزأته على المشهور. وكذا لو أوقعها على جهة اليسار، ثم تكلم قال خليل: وإن سلم على اليسار ثم تكلم لم تبطل وفاعل سلم الإمام والفذ، وسواء وقع السلام على اليسار عمدًا أو سهوًا، وقوله: واحدةً هو مشهور المذهب، وقيل لا بد للإمام والفذ من تسليمتين، وسبب الخلاف هل كان صلى الله عليه وسلم يقتصر على تسليمةٍ واحدةٍ أو يسلم تسليمتين؟ والذي رأى مالك العمل عليه الاقتصار على واحدةً، ولكن قد علمت أن من الورع مراعاة الخلاف فالأولى الإتيان بالتسليمتينوأما المأموم" الذي أدرك فضل الجماعة "ف" صفة سلامه أن "يسلم" تسليمتين "واحدة" بعد فراغ الإمام من سلامه ولو الثانية كأن يرى الثانية ويندب له أن "يتيامن بها قليلًا" أي يرفع جميعها على جهة يمينه ولا يستقل بها، وهذه فريضة لأنها تسليمة التحليل "و" يسن أن "يزاد أخرى" أي يسلم الأخرى "على الإمام قبالته" أي يوقعها إلى جهة القبلة، ولا يتيامن ولا يتياسر بها حالة كونه "يشير بها إليه" أي إلى الإمام بقلبه لا برأسه، سواء كان الإمام أمامه أو كان خلفه أو على يمينه أو على يساره ويجزئه في تسليمة الرد: سلام عليكم وعليك السلام، وما ذكرناه من أن المأموم يوقع جميع التسليمة على يمينه هو ظاهر رواية ابن القاسم في المدونة"و" يسن "أن يرد على من كان سلم عليه على يساره فإن لم يكن سلم عليه أحد" بأن لم يكن على يساره أحد أو كان عليه أحد إلا أنه لم يسلم لكونه لم يدرك ركعةً "لم يرد على يساره شيئًا" ويقتصر على تسليمتين، وظاهر كلام المصنف أن المأموم الذي يسلم مع الإمام لو كان على يساره مسبوق لا يسن رده عليه، وهو خلاف ما عليه ابن الحاجب وخليل من المأموم يسلم على من كان على يساره، ولم يقيده بكونه سلم عليه ولفظه بالعطف على السنن ورد مقتدٍ على إمامه ثم يساره وبه أحد، فيشمل كلامه من كان على يساره سواء كان باقيًا حتى أتم هذا المسلم صلاته، أو كان على يساره وسلم مع إمامه وذهب وأتم هذا صلاته بعده لكونه مسبوقًا، والحاصل أن المسبوق يرد على إمامه ولو انصرف قبل إتمام صلاته، كما أن المأموم الذي يسلم مع الإمام يسلم على المسبوق الذي تأخر سلامه، ولا يشترط في الرد على من على اليسار كونه سلم على هذا الراد، خلافًا الظاهر كلام المصنف فإن قوله مرجوع عنه، والذي ذكرنا عن خليلٍ وابن الحاجب هو قول الإمام الذي رجع إليه"تنبيهات" الأول: لم يعلم من كلام المصنف حكم سلام المأموم على الإمام ولا على من
على يساره، وقد بينا أن حكمها السنيةقال خليل في السنن: ورد مقتدٍ على إمامه ثم يساره وبه أحد والدليل على ذلك ما رواه ابن القاسم عن مالكٍ عن نافعٍ عن ابن عمر " أنه كان يسلم على يمينه ثم على إمامه ثم إن كان على يساره أحد رد عليه"1"وفي الحديث: "أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن يسلم بعضنا على بعضٍ".2
الثاني: علم مما قررنا أن شرط الرد على الإمام أن يكون المأموم أدرك ركعةً مع الإمام، فمن لم يحصل فضل الجماعة بأن أدرك دون ركعةٍ مع الإمام لا يرد على إمامه ولا على من على يساره ومن على يمينه لا يسلم عليه؛ لأنه منفرد، ويجوز لغيره أن يقتدي به، وبقي شرط لرد المأموم على الإمام أن يكون سلم قبل المأموم، وأما لو كان السابق بالسلام هو المأموم كأهل الطائفة الأولى في صلاة الخوف فإنهم لا يردون على الإمام، ويسلم بعضهم على من على يساره ويلغز بها فيقال: لنا مأموم يسلم على من على يساره ولا يسلم على إمامه؛ لأن إمامه لم يسلم عليه قاله علامة العصر الأجهوري ولنا فيه بحث مع المسبوق يسلم عليه من على يمينه مع كون المسبوق لم يسلم عليهالثالث: لم يعلم حكم الترتيب بين تسليمة التحليل وتسليمة الرد، والمأخوذ من شراح خليلٍ عدم الوجوب بدليل أنه لو سلم على يساره بقصد الرد على من على يساره مع نية الإتيان بتسليمة التحليل بعد ذلك، وأتى بها عن قربٍ صحت صلاته، وإن نسي السلام على يمينه حتى انصرف وطال بطلت صلاته، كما تبطل مطلقًا لو سلم على اليسار لقصد الرد ويقصد السلام على اليمين للفرض، وأما لو سلم على اليسار معتقدًا أنه سلم للتحليل، ثم تذكر أنه لم يسلم فإن أتى بتسليمة التحليل عن قربٍ صحت صلاته وإن طال بطلتالرابع: يسن الجهر بسلام التحليل لكل مصل ولو فذا أو مأمومًا ولو امرأةً، وأما ما عدا تسليم التحليل فالأفضل فيه الإسرار، وإنما يكون هذا في حق المأموم، وأما التكبير فيندب الجهر بتكبيرة الإحرام لكل مصل والإسرار بما عداها للمأموم والفذ، وأما الإمام فالشأن في حقه الجهر بالتكبير والتسميع ليقتدي به المأمومولما فرغ من الكلام على صفة السلام من كل مصل ذكر صفة وضع يديه في حال تشهده
ـــــــ
1 لم أقف عليه2 ضعيف: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: الرد على الإمام حديث 1001 وانظر الإرواء 2/87.
وكان ينبغي تقديمها قبل السلام بل قبل التشهد فقال: "و" يندب أن "يجعل يديه في" حال "تشهديه على فخذيه" تثنية فخذٍ وهو ما بين الركبة والورك أو يجعلهما على ركبتيه لقربهما من فخذيه، وقوله كخليلٍ في تشهديه لا مفهوم للتشهدين بل مثلهما حال الدعاء أيضًا إلى السلام"و" يندب أن "يقبض أصابع يديه اليمنى" الوسطى والبنصر والخنصر "ويبسط" أي يمد "السبابة" والإبهام يمدها أيضًا تحت السبابة. قال العلامة خليل: وندب عقده يمناه في تشهديه الثلاث مادا السبابة والإبهام وفي حال بسط السبابة "يشير بها" أي ينصبها محركًا لها يمينًا وشمالًا أو من أسفل إلى أعلى وعكسه "و" الحال أنه "قد نصب حرفها" أي السبابة والمراد جنبها "إلى وجهه" أي قبالة وجهه "واختلف في تحريكها" أي في سبب تحريك السبابة مع نصبها الذي أشار له خليل بقوله: وتحريكها دائمًا أي إلى آخر التشهد بل الموافق لما ذكروه علة تحريكها أنه إلى السلام "فقيل يعتقد بالإشارة بها أن الله إله واحد و" قيل "يتأول" أي يقصد "من تحركها أنها مقمعة للشيطان" لما في الحديث: "لا يسهو أحدكم ما دام يشير بأصبعه".1
وفي سنن البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان ومقمعة"2 إن جعلت محلا للقمع كانت بفتح الميم، وإن جعلت آلةً له كسرت الميم الثانية وضمت الأولى والأنسب
المعنى الثاني ولما ذكر علة التحريك عن الشيوخ بين ما اختاره هو في العلة فقال: "وأحسب" أي أعتقد "تأويل ذلك" أي علة التحريك المذكور "أن يذكر" المصلي "بذلك من أمر الصلاة ما يمنعه إن شاء الله عن السهو فيها والشغل عنها" والمعنى: أن سبب تحريك السبابة في التشهد عند المصنف حضور القلب في الصلاة والخشوع، وما دام القلب حاضرًا يحصل الأمن من السهو وغيره، واختصت السبابة بذلك دون غيرها؛ لأن عروقها متصلة بالقلب فإذا حركت ينزعج القلب فينتبه قال الأقفهسي: ويجوز للإنسان أن يفعل في صلاته ما يمنعه ويحفظه عن السهو كالخاتم يكون في أصبعٍ فإذا صلى ركعةً ينزعه ويجعله في الأخرى، ولعل محل الجواز حيث لا يكثر وإلا أبطل الصلاة"تنبيه": لم يعلم من كلام المصنف كيفية قبض الأصابع ولا كيفية حال السبابة مع الإبهام، والذي قاله الأكثر إنه على هيئة عدد التسعة والعشرين فيكون الخنصر والبنصر والوسطى
ـــــــ
1 أنظر التمهيد 13/196, وشرح الزرقاني 1/265, وتنوير الحوالك 1/862 ضعيف جدا: أخرجه البيهقي في الكبرى 2/132 حديث 2616, وانظر: ضعيف الجامع 2401.
أطرافهن على اللحمة التي تحت الإبهام، ويبسط المسبحة ويجعل جنبها إلى السماء ويمد الإبهام بجنبها على الوسطى، فقبض الثلاثة ووضع أطرافهن على اللحمة التي تحت الإبهام هو قبض تسعةً، ومد السبابة والإبهام هو العشرون، ويفهم من قوله: في تشهديه أنه لا يعقد في ركوعه ولا سجوده بل ينصبهما على الركبتين أو قربهما في الركوع أو على الأرض في السجود مبسوطتين. "ويبسط يده اليسرى على فخذه الأيسر" أو على ركبتيه "ولا يحركها ولا يشير بها" ولو قطعت يمناهوقد انتهى الكلام على صفة صلاة الصبح التي ابتدأ بها وأشار إلى ما يستحب عقب الصلاة بقوله: "ويستحب الذكر بأثر الصلاة" المفروضة من غير فصلٍ بنافلةٍ لما رواه أبو داود: "أن رجلًا صلى الفريضة فقام ليتنقل فجذبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأجلسه وقال له: لا تصل النافلة بأثر الفريضة، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أصبت يا ابن الخطاب أصاب الله بك"1 وأما الفصل بآية الكرسي فلا يكره، وكذا تكبير أيام الضحايا؛ لأنه يقدم على التسبيح، والأذكار الواردة كثيرة والمختار للمصنف منها أن "يسبح الله ثلاثًا وثلاثين" تسبيحةً بلفظ سبحان الله يمد لفظ الجلالة مدا طبيعيا وهو ما كان قدر ألفٍ "ويحمد" بفتح الميم "الله" بأن يقول: الحمد لله "ثلاثًا وثلاثين ويكبر الله" بأن يقول: الله أكبر "ثلاثًا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك" أي استحقاق التصرف في سائر الموجودات "وله الحمد وهو على كل شيءٍ" من الممكنات "قدير" فإذا قال ذلك غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحرفي الصحيحين2 تقديم الحمد على التكبير كما هنا، وذكره المصنف آخر الكتاب بتقديم التكبير على التحميد كما في الموطإ، أي فيؤخذ من الروايات أنه لا ضرر في التقديم والتأخير، ومن الأذكار المسموعة عقب الصلوات ما رواه ابن حبان وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاةٍ لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" 3 زاد الطبراني و: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]ومنها: "أن من قال دبر كل صلاةٍ أستغفر الله وأتوب إليه غفر له وإن
ـــــــ
1 ضعيف: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى منه المكتوبة حديث 1007 وانظر المشكاة 9722 لم أقف عليه3 ضعيف: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: الرد على الإمام حديث 1001 وانظر الإرواء 2/87.
كان فر من الزحف" ومنها: "أن من قال دبر كل صلاةٍ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180- 182] فقد اكتال بالجريب الأوفى"1 ومنها ما رواه الشيخان: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاةٍ مكتوبةٍ: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" 2ومنها ما ورد في الصبح خاصةً: "أن من قال بعد الفجر ثلاث مراتٍ: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه كفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر". 3 وروى أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض الصحابة: "إذا صليت الصبح فقل ثلاثًا: سبحان الله العظيم وبحمده، تعافى من العمى والجذام والفالج" 4. والأذكار كثيرة وثوابها مختلف باختلافها لطفًا وامتنانًا من مولى الثواب حيث لم يحجر على عبده في خصوص لفظٍ"تنبيهات" الأول: لم يذكر المصنف يحيي ويميت عقب له الملك كما يزيدها بعض الناس؛ لأنها ليست في الحديث، ويروى زيادتها بعد له الملك وله الحمد، نعم ورد في روايةٍ لمسلمٍ: وأربعًا وثلاثين تكبيرةً، فالأحوط الجمع بين الروايات فيسبح الله ثلاثًا وثلاثين، ويحمد كذلك ويكبر أربعًا وثلاثين ويختم بقوله: لا إله إلا الله إلخالثاني: ظاهر كلام المصنف والحديث من الإتيان بالواو دون ثم أنه يجوز أن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثًا وثلاثين مجموعةً، واختار هذا ابن عرفة وجماعة، واختار غيرهم الإتيان بالتسبيح على حدةٍ والتحميد كذلك والتكبير كذلك، وأقول: فيستفاد جواز الأمرينالثالث: الأذكار الواردة عن الشارع مضبوطة هل تجوز الزيادة عليها ويقتصر عليها؟ قال الحافظ العراقي عن بعض مشايخه: إن الأعداد الواردة عقب الصلوات لثوابٍ مخصوصٍ، فإذا
ـــــــ
1 أنظر التمهيد 13/196, وشرح الزرقاني 1/265, وتنوير الحوالك 1/862 ضعيف جدا: أخرجه البيهقي في الكبرى 2/132 حديث 2616, وانظر: ضعيف الجامع 24013 ضعيف: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى منه المكتوبة حديث 1007, وانظر المشكاة 9724 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب الذكر بعد الصلاة حديث 843 ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: استحباب الذكر بعد الصلاة ةبيان صفته حديث 595.
زاد عليها أو نقص لا يحصل له ذلك الثواب وفيه نظر؛ لأنه إن أتى بالمقدار المرتب عليه الثواب فلا تكون الزيادة مزيلةً له، وربما يفهم هذا من قول القرافي من البدع المكروهة الزيادة على تحديد الشارع لما فيه من إساءة الأدب الموهمة أنه لا يعطي الثواب إلا بتلك الزيادةالرابع: اختلف هل الأفضل في الأذكار الواردة عقب الصلوات السر أو الجهر؟ قال بعضهم: يستحب رفع الصوت بها لما في الصحيحين من حديث ابن عباسٍ قال: "كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير"1 وفي مسلمٍ من حديث الزبير. "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قال بصوته: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" 2. وحمل الشافعي رضي الله عنه الحديث على أنه جهر زمنًا يسيرًا حتى علمهم صفة الذكر لا أنه داوم على الجهر، فاختار للإمام والمأموم إخفاء الذكر، إلا أن يريد الإمام برفع صوته تعليم الجماعة أو إعلامهم، قلت: وفي كلام أئمتنا في التكبير المطلوب في يوم العيد ما يوافق ما قاله الشافعي؛ لأنهم عدوا رفع الصوت بالتكبير بدعةً والله أعلمالخامس: سبب مشروعية هذا الذكر الذي اقتصر عليه المصنف: "أن نفرًا من المهاجرين قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم قال: "ما ذاك؟" قالوا: يصلون ويصومون كما نفعل ولهم أموال يتصدقون ويحجون ويعتمرون منها فقال: "ألا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "تسبحون الله ثلاثةً وثلاثين وتحمدونه ثلاثةً وثلاثين وتكبرونه كذلك وتختمون المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير"، ثم رجعوا إليه فقالوا: سمع إخواننا ففعلوا مثل ما فعلنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" 3 فقال الفقهاء: لا خصوصية للفقراء لقوله صلى الله عليه وسلم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" وقالت الصوفية: بل قوله: "ذلك فضل الله" إلخ يريد هذا الفضل مخصوص بهم لا يلحقهم
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه الطبراني في الأوسط 8/92 حديث 8068 بلفظ المؤلف وذكر في كنز العمال: أخرجه ابن حبان عن أبي أمامة 2534 ولم أقف عليه وانظر صحيح الجامع 64642 لم أقف عليه3 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب الذكر بعد الصلاة حديث 844 ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته حديث 593.
غيرهمويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها وليس بواجبٍ "ويستحب" زيادة على الذكر المتقدم أو غيره "بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها" لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى الصبح في جماعةٍ ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ تامةٍ تامةٍ" 1 وفي الصحيح: "من صلى الصبح في جماعةٍ، وجلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين كان له ثواب حجةٍ وعمرةٍ تامتين تامتين تامتين قاله ثلاثًا" 2وورد أيضًا: "أن من صلى الصبح وجلس في مصلاه، ولم يتكلم إلا بخيرٍ إلى أن ركع سجدة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر "3 وعلى هذا مضى السلف الصالح كانوا يحرصون على الاشتغال بالذكر بعد صلاة الصبح، وإنما رغب الشارع في إحياء هذا الوقت وكثر الثواب في إحيائه؛ لأنه زمن خلو قلب الإنسان وتفرغه من شواغل الدنيا، حتى كان مالك رحمه الله يحدث بعد الفجر فإذا أقيمت صلاة الصبح ترك الكلام إلى طلوع الشمسقال الفاكهاني: وسمعت من يقول: إن زمان ما بين الفجر وطلوع الشمس شبيه بزمن الجنة أباحها الله لنا بمنه وكرمه. وقوله: في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء تردد بعض الشيوخ في فهمها فقال بعض: التسبيح خلاف الاستغفار وخلاف الدعاء، وقال بعض: المراد بالذكر قراءة القرآن وما بعده تفسير له، ولذا قال سعيد بن المسيب: القرآن أفضل شيءٍ يشتغل به الإنسان بعد صلاة الصبح؛ لأنه أفضل
الأذكار، وقال أبو حامدٍ: يدعو ابتداءً بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم بالذكر بعده ثم قراءة القرآن ثم التفكر في هذا العالمقال أبو حامدٍ: وأفضل من هذا كله الاشتغال بالعلم. قال التادلي: وبأفضلية الاشتغال بالعلم في هذا الوقت على الاستغفار أفتى بعض من لقيناه لا سيما في زماننا لقلة الحاملين له على الحقيقة وبهذا القول أقول لخبر: "ذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثٍ: إحداها علم ينتفع به" 4 وتعليم العلم مما تبقى فائدته بعد الموت لا يشكل على هذا ترك مالكٍ له بعد
ـــــــ
1 أخرجه الترمذي كتاب الدعوات حديث 3397 وفيه: "من قال حين يأوي إلى فراشه ..."2 أخرجه أحمد في مسنده 5/60 حديث 206213 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: الذكر بعد الصلاة حديث 842, ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: الذكر بعد الصلاة حديث 5834 صحيح: أخرجه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته حديث 594.
الصبح لأن زمنه لم يقل فيه حامل العلم"تنبيه": كما يستحب التمادي في الذكر والتسبيح بعد الصبح يستحب كذلك بعد العصر لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان أول صحيفته حسنات وفي آخرها حسنات محا الله ما بينهما" 1 ولما ورد: "أن الله تبارك وتعالى يقول: يا عبدي اذكرني ساعةً بعد الصبح وساعةً بعد العصر أغفر لك ما بينهما أو أكفك ما بينهما" 2 فالحاصل كما قال صاحب هداية المريد: أن فضل هذا الوقت كفضل ما قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وغير ذلك، ولما قال بعض الظاهرية بوجوب التسبيح بعد الصبح لظاهر قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} [طه: 130] رده بقوله: "وليس" أي التمادي في الذكر إلى طلوع الشمس "بواجبٍ" ولولا قصد الرد لاستغنى عنه بقوله: ويستحبولما فرغ من الكلام على صفة صلاة الصبح وما يفعل بعدها شرع فيما هو دون الصبح في الرتبة وقبلها في الفعل، وهو ركعتا الفجر وفاءً بما وعد به من ذكر الفرائض وما يتصل بها من الرغائب والسنن فقال: "ويركع" أي يصلي "ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح" لكن "بعد" تحقق طلوع "الفجر" الصادق الذي هو ضوء الشمس فإن ركعهما قبله لم يصحا. قال خليل: ولا تجزي إن تبين تقدم إحرامها للفجر ولم يتحرومفهوم كلامه أنه لو تبين أن الإحرام وقع بعد دخوله أو لم يتبين شيء أنها تجزي، وهو كذلك مع التحري، وأما لو أحرم بها مع الشك في طلوع الفجر فلا تجزي ولو تبين أن الإحرام وقع بعد دخوله، ف المصنف علم من كلامه وقتها ولم ينص هنا على حكمها لما سيأتي في بابٍ جمل في القولين بالسنية والرغيبة، واقتصر خليل على الثاني حيث قال: وهي رغيبة، وفائدة الخلاف تفاوت الثواب؛ لأن ثواب السنة أوفى من ثواب الرغيبة، وفعل السنة في المسجد أفضل من فعلها في البيوت بخلاف الرغيبة، وكل من السنة والرغيبة لا بد له من نيةٍ تخصه ويستحب أن "يقرأ في كل ركعةٍ" من ركعتي الفجر "بأم القرآن" فقط "ويسرها" قال خليل: وندب الاقتصار على الفاتحة سرا لما في الموطإ من حديث عائشة قالت: "كان
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: الذكر بعد الصلاة حديث 843 ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته حديث 5952 صحيح: أخرجه الترمذي كتاب الجمعة باب: ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حديث 586, وانظر: صحيح الجامع 6346.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف فيهما حتى أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن أم لا؟"1 روى ابن القاسم عن مالكٍ: يقرأ فيهما بأم القرآن وسورةٍ من قصار المفصل لخبر مسلمٍ من حديث أبي هريرة "أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما بأم القرآن وسورة قل: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} "2 قال بعض العلماء: ودليل هذا أظهر من الدليل الأول الذي قيل فيه: إنه المشهور؛ لأن هذا نص فيه على أنه قرأ سورةً بعد أم القرآن بخلاف الأول دليله الظاهر؛ لأن قائله إنما اعتمد على تخفيف الصلاة، والنص مقدم على الظاهر، وأقول: ينبغي على القول الثاني الإسراع بقراءة أم القرآن والسورة عملًا بالروايتين "فائدة" ذكر الأجهوري في شرح خليلٍ أنه مما جرب لدفع المكاره أن يصلي ركعتي الفجر بـ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} و {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} قال الغزالي في كتاب وسائل الحاجات وآداب المناجاة: وقد بلغنا عن غير واحدٍ من الصالحين وأرباب القلوب أن من قرأ في ركعتي الفجر بـ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} و {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} قصرت عنه كل يدٍ عاديةٍ ولم يجعل لهم إليه سبيلًا. قال الغزالي: وهذا صحيح لا شك فيه ا هـ من تفسير سورة الفيل لسيدي عبد الرحمن الثعالبي"خاتمة" تشتمل على مسائل متعلقةٍ بصلاة الفجر، منها: أنه لو صلاهما ببيته ثم أتى إلى المسجد لا يعيدهما ولا يصلي تحيةً بعد الفجر، وإن أقيمت عليه الصبح وهو في المسجد قبل صلاتهما يدخل مع الإمام، ثم يقضيهما بعد حل النافلة ولا يفعلهما بعد الإقامة، ولو كان الإمام يطول بحيث يحرم معه قبل الركوع لخبر: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" 3 ولا يجوز أن يخرج لفعلهما، بخلاف الوتر تقام صلاة الصبح على من هي عليه، وهو في المسجد فيخرج ليركعها حيث لم يخش فوات ركعةٍ مع الإمام، ومثل المأموم الإمام إذا أقيمت صلاة الصبح عليه قبل صلاته الفجر فإنه يحرم بالصبح ولا يسكت المؤذن بخلاف الوتر فإنه يسكت المؤذن حتى يفعلها، والفرق بينهما وبين الوتر أن الفجر يقضى بعد الصبح بخلاف الوتر، ومنها: لو أقيمت الصبح على من هو خارج المسجد قبل فعلهما فإنه يفعلهما خارجه إن لم
ـــــــ
1 لم أقف عليه في الصحيحين لكن أخرجه الطبراني في الكبير 8/148 حديث 7649 بلفظ: "من صلى الصبح في مسجد جماعة ثم مكث حتى يسبح تسبيحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تام له حجته وعمرته"2 لم أقف عليه بهذا اللفظ لكن أخرج ابن ماجة 1382 من حديث أبي هريرة: "من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر" وانظر ضعيف الجامع 55493 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الوصية باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته حديث 1631, وأبو داود حديث 2880, والترمذي 1376, والنسائي حديث 3651.
يخف فوات ركعةٍ، ومنها: لو نام عن الصبح حتى طلعت الشمس صلى الصبح، ثم صلاهما بعد حل النافلة، هذا مشهور مذهب مالكٍ لقول ابن القاسم: يصلي الصبح خاصةً ثم يصلي الفجر بعد ذلك إن شاء، ومقابله لأشهب يصلي الفجر ثم يصلي الصبح وروي عن مالكٍ لا يصليهما مع الصبح قائلًا: لم يبلغني أنه عليه الصلاة والسلام قضاهن يوم الواديوقال أشهب: بلغني والحاصل أنه جرى خلاف في قضائهما يوم الوادي، والذي يؤخذ من كلام العلماء أنه قضاهما فقد قال أحمد بن حنبلٍ: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى شيئًا من التطوعات إلا ركعتي الفجر، واقتصر عليه خليل حيث قال: ولا يقضي غير فرضٍ إلا هي فللزوال، ومثل من نام عنهما من صلى الصبح ناسيًا لهماولما فرغ من الكلام على صفة صلاة الفجر شرع في بيان صفة صلاة الظهر بقوله: "و" يستحب أن تكون "القراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من" جهة "الطوال" بناءً على تساويهما في القراءة وهذا قول أشهب "أو" أي وقيل المستحب أن يكون القراءة في الظهر "دون ذلك" المقروء في الصبح "قليلًا" أي قريبًا منه، وهذا هو الذي قاله مالك، واقتصر عليه خليل حيث قال: وتطويل قراءة صبحٍ والظهر تليها أي تقرب منها في الطول، فإن قرأ بالفتح مثلًا في الصبح يقرأ في الظهر بنحو الجمعة والصف، وإياك أن تفهم أنه يقرأ من أوساط المفصل، وإنما يستحب التطويل للمنفرد والإمام لقومٍ محصورين يطلبون منه التطويل لا الإمام لغير محصورين أو غير محصورين لا يرضون بالتطويل فيكره لخبر: "من أم بالناس فليخفف""ولا يجهر فيها" أي يكره أن يجهر بصلاة الظهر "بشيءٍ من القراءة" لا في الفاتحة ولا فيما زاد عليها "و" إنما "يقرأ في" الركعة "الأولى والثانية في كل ركعةٍ" منها "بأم القرآن وسورةٍ سرا و" كذا يقرأ "في الأخيرتين بأم القرآن وحدها سرا" على جهة السنية، والمراد أن الإسرار في الفاتحة وحدها سنة في كل ركعةٍ، ومثلها السورة إلا أنها مؤكدة في الفاتحة وسنة خفيفة في السورة، فلو خالف وأبدل السر بأعلى الجهر فإنه يسجد بعد السلام؛ لأنه زيادة محضة حيث فعل ذلك في الفاتحة ولو من ركعةٍ أو في السورة لكن من ركعتين، وكذا عكسه لو أسر في محل الجهر فإنه يسجد قبل لكن قبل السلام، وأما لو كان ما وقعت المخالفة فيه كالآية والآيتين من الفاتحة أو في السورة فقط من ركعةٍ فلا سجود، وهذا حكم المخالفة سهوًا، وفات التدارك بأن لم يتذكر إلا بعد وضع اليدين على الركبتين من ركعةٍ أخرى، وأما لو تذكر أنه جهر في محل السر أو أسر في محل الجهر قبل وضع يديه على ركبتيه فإنه يعيد القراءة على سنتها ولا سجود
عليه حيث حصل ذلك في سورةٍ، وأما في الفاتحة فإنه يسجد بعد السلام كما لو كرر أم القرآن سهوًا وأما لو خالف السنة عمدًا فأقوال ثلاثة: بطلان الصلاة وعدم بطلانها ويستغفر الله، والثالث يعيدها في الوقت"تنبيه" إنما قال في الأخيرتين بأم القرآن وحدها مع عدم توهمه لقصد الرد على من يقول بأن السورة تزاد في الأخيرتين كالأوليين وهو ضعيف، بل ظاهر كلام الأصحاب كراهة قراءة السورة في الأخيرتين مع الرباعية كالثالثة من الثلاثية، وحجة المشهور ما في الصحيحين: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم القرآن وسورتين وفي الأخيرتين بأم القرآن".1
"و" يسن "أن يتشهد في الجلسة الأولى" بأن يقول التحيات "إلى قوله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" وتكره الزيادة على ذلك حتى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لما نصوا عليه من ندب التقصير وكراهة التطويل في الجلوس الأول "ثم يقوم" بعد فراغ التشهد "فلا يكبر حتى يستوي قائمًا"؛ لأنه في قيامه من اثنتين كالمفتتح لصلاةٍ بخلاف القيام بعد الأولى أو الثالثة يستحب تعمير الركن بالتكبير، فيكبر في الشروع كما قدمنا"هكذا يفعل الإمام والرجل" المراد المصلي "وحده وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام" بعد استقلاله "يقوم المأموم أيضًا" ساكتًا "فإذا استوى" أي استقل "قائمًا كبر"؛ لأنه تابع للإمام ولذا يقوم بعد استقلال إمامه، ولو قام في أثناء تشهده بتركه، واسم الإشارة في قوله: كذا يفعل الإمام إلخ راجع لقوله: ويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله: وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. "ويفعل في بقية صلاة الظهر من صفة الركوع والسجود والجلوس" بين السجدتين وحال تشهده والاعتماد على اليدين عند القيام وتقديمها عند هويه للسجود "نحو ما تقدم ذكره في" صفة صلاة "الصبح" والأصل في ذلك كله فعله صلى الله عليه وسلم وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 2 فهذا مما لا خلاف فيهثم انتقل يتكلم على ما يتصل بالظهر من النوافل بقوله: "و" يستحب له أن "يتنفل بعدها" أي الظهر وبعد الفصل بشيءٍ من الأذكار بأربع ركعاتٍ أو أكثر، ورد التحديد بأربعٍ؛ لأن إمامنا فرضه لأن التحديد إنما هو شرط في الثواب المخصوص، وأما مطلق الصلاة فيصل ولو بصلاة ركعتين فلا إشكال، ويدل على هذا "أنه صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد
ـــــــ
1 لم أقف عليه2 لم أقف عليه.
المغرب ركعتين في بيته، وبعد صلاة العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيركع ركعتين""ويستحب له أن يتنفل بأربع ركعاتٍ" قبلها أي الظهر وبعد الزوال "يسلم من كل ركعتين" لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "من حافظ على أربع ركعاتٍ قبل الظهر وأربعٍ بعدها حرمه الله على النار" 1 رواه أصحاب السنن، وقال عليه الصلاة والسلام أيضًا: "من صلى قبل الظهر أربعًا غفر له ذنوب يومه ذلك" 2 وإنما قال: يسلم من كل ركعتين؛ لأنه يكره عدم الفصل بالسلام بين الأربع لما في الموطإ والصحيحين من حديث ابن عمر واللفظ للبخاري: "أن رجلًا قال: يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى" 3 ولفظ الموطإ: كان ابن عمر يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يسلم من كل ركعتين"4قال مالك: وهو الأمر عندنا، وأما ما رواه الترمذي وغيره من "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربع ركعاتٍ بعد الزوال لا يسلم إلا في آخرهن"5 الحديث ضعفه الحفاظ، ويتفرع على المشهور من ندب السلام بعد ركعتين لو سها وقام لثالثةٍ أنه يرجع قبل عقد الثالثة يرفع رأسه من ركوعها، ويسجد بعد السلام فإن لم يتذكر إلا بعد عقدها تمادى وصلاها أربعًا كانت نافلة ليلٍ أو نهارٍ على المشهور ويسجد قبل السلام، ولا مناقضة بين الأمر بالتمادي والسجود. قال ابن ناجي: إنما ذلك الاحتياط لما في التمادي من مراعاة الخلاف والسجود مراعاة لمذهبنا، وأما لو قام لخامسةٍ في النفل لوجب عليه الرجوع مطلقًا ويسجد قبل السلام، ولا يقال: الصلاة تبطل بزيادة مثلها سهوًا فكيف يرجع مطلقًا؟ لأنا نقول: ذلك في الفرائض والنفل المحدود"ويستحب له" أي لمريد صلاة العصر أن يفعل "مثل ذلك" النفل الكائن بأربع ركعاتٍ يسلم من كل ركعتين "قبل صلاة العصر" لخبر "رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا" 6 ودعاؤه صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
1 أخرجه مالك في الموطأ1/128 حديث 2842 صحيح: أخرجه مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب: استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما حديث 7263 صحيح: أخرجه مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب: كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن حديث 710, وأبو داود حديث 1266, والترمذي حديث 421, والنسائي حديث 865, وابن ماجه حديث 11514 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب حديث 776, ومسلم كتاب الصلاة باب: القراءة في الظهر والعصر حديث 4515 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة حديث 631, والدارمي حديث 12536 أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب الأربع قبل الظهر وبعدها حديث 1269, والترمذي حديث 427, والنسائي حديث 1814, وابن ماجه حديث 1160.
مستجاب، فإذا صلى دخل في دعائه عليه الصلاة والسلامقال العلامة خليل: والحكمة في تقديم النفل على الفرض وتأخيره عنه أن العبد مشغول بأمر الدنيا فتنفر نفسه من العبادة أشد نفورٍ، فأمر بصلاة أربعٍ قبل الظهر لتتأنس نفسه ويحضر قلبه فيألف العبادة، وأما بعد الفرائض فلما ورد من أن النوافل جابرة لنقصان الفرائض لما عساه أن يكون نقص منها، ومع هذا لا ينبغي أن يتنفل الإنسان بقصد إن كان حصل منه نقص يكون هذا جابرًا له لكراهة تلك النيةقال في سماع ابن القاسم: وليس من عمل الناس أن يتنفل ويقول أخاف أني نقصت من الفريضة وما سمعت أحدًا من أهل الفضل يفعله"ويفعل في" صلاة "العصر كما وصفنا في الظهر" حالة كونهما "سواءً" أي مستويتين في الإسرار والجلوس بين ركعتين وكل ما تقدم "إلا أنه" يستحب له أن "يقرأ في الركعتين الأوليين" مع العصر "مع أم القرآن بالقصار من السور" المشار إلى أولها بقوله: "مثل والضحى وإنا أنزلناه ونحوهما" إلى آخر القرآن، فلو افتتح العصر بسورةٍ من طوال المفصل تركها وقرأ قصيرةً، وسكت عن التنفل بعدها لكراهته بعد فعل صلاة العصر وحرمته عند الغروب، وأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين منها ويقرأ في كل ركعةٍ منهما بأم القرآن وسورةٍ من السور القصار، وفي الثانية بأم القرآن فقط ويتشهد، ويستحب أن يتنفل بعدها بركعتين وما زاد فهو خير، وإن تنفل بست ركعاتٍ فحسن والتنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه، وأما غير ذلك من شأنها فكما تقدم ذكره في غيرها ولما كانت صفة صلاة المغرب مخالفةً لصفة صلاة الظهر والعصر من جهة الجهر والسر أتى بأما الفاصلة فقال: "وأما" صلاة "المغرب فيجهر" استنانًا "بالقراءة في الركعتين الأوليين منها" ويسر في الثالثة، وهذا مما لا نزاع فيه بين العلماء. "ويقرأ في كل ركعةٍ منهما" أي من الأوليين "بأم القرآن وسورةٍ من السور القصار" لضيق وقتها، فالحاصل أن العصر والمغرب يقرأ فيهما من قصار المفصل قال خليل: وتقصيرها بمغربٍ وعصرٍ، وما رواه النسائي وأبو داود من "أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بآل عمران"1 فقيل: إنه محمول على من عرف ممن خلفه الرضا بذلك، وإلا فالذي استمر عليه العمل التخفيف، والأولى في الجواب عن قراءته عليه السلام بالسورة الطويلة ما قاله الأجهوري في شرح خليلٍ: من أن التضييق في وقت المغرب إنما هو بالنسبة للشروع فيها فقط"و" يقرأ "في الثالثة بأم القرآن فقط" أي فحسب زاده للرد على القائل بزيادة سورةٍ على أم القرآن في الثالثة كاأولى والثانية، وما ورد من أن أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه كان يقرأ فيها
ـــــــ
1 أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 10/248.
بأم القرآن و {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] فهو مذهب صحابي يحفظ ولا يتبع، ولذا قال مالك: يسن العمل عليه، وإنما دعا بذلك لكثرة الارتداد في زمنه رضي الله تعالى عنه، وما أجاب به الباجي من أنه لم يقصد به القراءة فغير صوابٍ لكراهة الدعاء في أثناء الفاتحة وبعدها، وإن رفع رأسه من سجود الثالثة فإنه يجلس "ويتشهد" ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو كما تقدم في تشهد الصبح "ويسلم" على الكيفية المتقدم ذكرها من أن ابتداء التسليمة على قبالة وجهه وتيامنه بالكاف والميم بحيث ترى صفحة وجهه إن كان إمامًا أو فذا، وإن كان مأمومًا فيسلمها على جهة يمينه "و" إذا أتى بشيءٍ من الأذكار بعد سلامها "يستحب" له "أن" هـ "يتنفله بعدها بركعتين" لما في الترمذي والنسائي "أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد المغرب"1 وروى عن عبد الرزاق في جامعه مرفوعًا: "من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم كتبتا في عليين"2 وينبغي المبادرة بهما لما رواه أبو الشيخ ورزين في جامعه: "تعجلوا الركعتين بعد المغرب فإنهما يرفعان مع المكتوبة"3 "وما زاد" على الركعتين "فهو خير" أي أكثر ثوابًا، ففي الترمذي وابن ماجه: "من صلى بعد المغرب عشرين ركعةً بنى الله له بيتًا في الجنة"4"وإن تنفل" بعدها "بست ركعاتٍ فحسن" أي مستحب لحديث: "من صلى بعد المغرب ست ركعاتٍ لم يتكلم بينهن بسوءٍ عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنةً"5 قيل من عبادة بني إسرائيل، وورد: "من صلى بعد المغرب ست ركعاتٍ غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر"6 وورد: "من صلى ست ركعاتٍ بعد المغرب قبل أن يتكلم غفرت له بها ذنوب خمسين سنةً"7ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الصلاة باب: الحلق والجلوس في المسجد حديث 4722 أخرجه مالك في الموطأ 1/1193 صحيح: أخرجه الترمذي كتاب الصلاة باب ما جاء في الصلاة عند الزوال حديث 478, وابن ماجه حديث 1157, وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه. (الكلام فيه نظر: انظر السلسلة الضعيفة: 3686)
4 حسن: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: الصلاة قبل العصر حديث 1271 والترمذي حديث 430, وأحمد 2/117 حديث 5980 وانظر صحيح الجامع 3493. (الكلام فيه نظر: انظر السلسلة الضعيفة: 5662)
5 لم أقف عليه وإنما المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالأعراف وبالطور وبالمرسلات وبالصافات وبحم السجدة وسبح اسم ربك الأعلى وبالتين والزيتون وبالمعوذتين وبقصار المفصل6 صحيح: أخرجه الترمذي كتاب الصلاة باب ما جاء أنه يصليها في البيت حديث 432 والنسائي حديث 873, وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1158. (الكلام فيه نظر: انظر السلسلة الضعيفة: 333)
7 ضعيف أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 3/70 حديث 4833.
"تنبيه"لا يخفى أن قوله: وإن تنفل بست ركعاتٍ فحسن من جملة المحدود، فكان ينبغي تقديمها على
قوله: وما زاد فهو خير؛ لأن المناسب ذكر المحدود أولًا، ثم يعقبه بقوله: وما زاد فهو خير، ويعلم من قوله: وما زاد فهو خير أن التحديد غير شرطٍ إلا في الثواب المرتب على ذلك العدد كما قدمنا"و" بالجملة "التنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه" أي حض عليه الشارع لما قيل: من أنها صلاة الأوابين وصلاة الغفلة، وقال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بالصلاة بين المغرب والعشاء فإنها تذهب بملاغاة النهار وتهذب آخره"1 أي تطرح ما على العبد من الباطل واللهو وتصفي آخره، وقال ابن مسعودٍ: نعم ساعة الغفلة يعني الصلاة بين المغرب والعشاء، قال حذيفة: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء"2 رواه النسائي بإسنادٍ جيدٍ"وأما غير ذلك" المذكور من الجهر والقراءة من القصار ويحتمل غير التنفل مما هو "من شأنها" أي المغرب كالتكبير والجلوس ورفع اليدين حذو المنكبين وغير ذلك مما هو مطلوب فيها "ف" حكمها فيه "كما تقدم ذكره في غيرها" من بقية الصلوات فلا حاجة إلى بسط الكلام عليه ولما كانت العشاء تخالف المغرب في القراءة زيادة ركعةٍ أتى بأما الفاصلة فقال: "وأما العشاء" بالمد "الأخيرة" احتراز من المغرب فإنه يطلق عليها لفظ العشاء على جهة التغليب؛ لأنها لم تسم به لا لغةً ولا شرعًا "وهي العتمة" فلها اسمان "و" لكن "اسم العشاء أخص" وفي نسخةٍ أحق "بها وأولى"؛ لأن الله تعالى سماها به في كتابه العزيز حيث قال: ومن بعد صلاة العشاء، واختلف في حكم تسميتها بالعتمة على ثلاثة أقوالٍ: الجواز وهو المشهور، والكراهة والتحريم وهما ضعيفان بل لا وجه للحرمة، كيف وقد وردت تسميتها بالعتمة في الأحاديث، وعلى فرض ورود التسمية بها أي محظور ترتب على تسميتها بذلك وجملة وهي العتمة وكذا جملة واسم العشاء أحق بها اعتراض بين، أما في قوله: وأما العشاء وجوابها وهو قوله: "فيجهر في الأوليين" منها "بأم القرآن وسورةٍ في كل ركعةٍ" منها لفعله عليه الصلاة والسلام المستمر عليه العمل، فإن خالف وأسر أعاد القراءة على سنتها إن لم يضع يديه على ركبتيه، وسجد بعد
ـــــــ
1 سند ضعيف: ابن عدي في الكامل 3/200, وكشف الخفا 1/554 وقال سنده ضعيف وانظر ضعيف الجامع 36862 ضعيف جدا: أخرجه الترمذي كتاب الصلاة باب ما جاء في فضل التطوع وست ركعات بعد المغرب حديث 435, وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه 244 وضعيف الجامع 5661.
السلام إن أعاد الفاتحة لا السورة فقط إلا من ركعتين وإن فات التدارك سجد قبل السلام إن كان في الفاتحة كما يأتي في السهو"و"يستحب أن تكون "قراءتها" أي القراءة في الأوليين من صلاة العشاء بسورةٍ "أطول" طولًا "قليلًا من قراءة العصر" فتكون متوسطةً بين قراءة الظهر وقراءة المغرب، فيقرأ في العشاء بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}{وَالشَّمْسِ} والحاصل أن أطول الصلاة قراءةً الصبح والظهر قريبة منها في الطول، وأقصرها المغرب ويقرب منها في القصر العصر، وأما العشاء فمتوسطة بين الظهر والمغرب فيقرأ فيها: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وسورة والشمسهذا هو التحرير الذي نقله الأئمة ودل عليه كلام خليلٍ حيث قال: وتطويل قراءة صبحٍ والظهر تليها وتقصيرها لمغربٍ وعصرٍ كتوسطٍ بعشاءٍ، تقدم أن محل الندب التطويل للفذ والإمام لمن يرضى بالتطويل"و" يقرأ "في الأخيرتين بأم القرآن" وحدها "في كل ركعةٍ" منها "سرا" ولا يزيد على أم القرآن على ما جرى به العمل، خلافًا لابن عبد الحكم في زيادة سورةٍ في الأخيرتين "ثم يفعل في سائرها" أي في باقي أفعال صلاة العشاء "كما تقدم من الوصف" في غيرها من الصلوات؛ لأنه إنما ينبه على ما تخالف فيه إحدى الصلوات غيرها، فأما ما تتوافق عليه الصلوات فقد علم بيانه من الكلام على صلاة الصبح، فرحمه الله ما أخلصه، فإنه بين صفة العمل في الصلوات على الوجه الذي لا كمال بعده، ولذا نص بعض شراحه على أن من يأتي بالصلاة على صفة ما ذكر المصنف لا نزاع في صحتها؛ لأنه أتى بها على أكمل الهيئات، ولو لم يميز فرضها من سنتها، وها هنا قد تم الكلام على صفة العمل في الصلوات"ويكره النوم قبلها" أي العشاء؛ لأن الليل إبان النوم، فإذا نام قبل فعلها ربما يخرجها عن وقتها "و" يكره "الحديث" المباح "بعدها" أي بعد صلاتها "لغير ضرورةٍ" وإنما كره الحديث بعدها مخافة النوم عن صلاة الصبح، وأما الكلام بعد دخول وقتها وقبل صلاتها فإنه لا يكره؛ لأنه لا يخشى معه فواتها كالنوم قبلها، كما أنه لا كراهة فيه بعدها إذا كان لضرورةٍ دينيةٍ أو دنيويةٍ كالعلم أو مع الضيف أو العروس، وكذا كل ما خف، وكذا يكره السهر بلا كلامٍ خوف تفويت الصبح، وقيام الليل كله لمن يصلي الصبح مغلوبًا عليه مكروه اتفاقًا قاله ابن عرفة، وسئل مالك عن النوم بعد صلاة الصبح فقال: ما أعلمه حرامًا، نعم ورد أن الأرض عجت من نوم العلماء بالضحى مخافة الغفلة عليهم، وما ورد عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الصبحة تمنع بعض الرزق"1 فحديث ضعفه أهل الإسناد، ولم يصح عن مالكٍ، وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقول: النوم ثلاثة أقسامٍ: نوم خرقٍ ونوم خلقٍ ونوم حمقٍ، فالخرق نومة الصبحى يقضي الناس حوائجهم وهو نائم، ونومة خلقٍ نومة القائلة، ونومة حمقٍ النوم حين تحضر الصلاة، والقراءة التي يسر بها في الصلاة كلها هي بتحريك اللسان بالتكلم بالقرآن، وأما الجهر فأن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده، والمرأة دون الرجل في الجهر ولما بين ما يقرأ فيه من الصلوات سرا وما يقرأ فيها جهرًا بين حقيقة كل بقوله: "والقراءة التي يسر بها في الصلاة كلها" بالرفع توكيد للقراءة الواقعة مبتدأً "هي بتحريك اللسان بالتكلم" أي في التلفظ "بالقرآن" قال خليل: وفاتحة بحركة لسانٍ وهذا أقل السر وأعلاه أن يسمع نفسه فقط، وأما إجراء القرآن على قلبه من غير تحريك لسانه فإنه لا يكفي في الصلاة إذ لا يعد قراءةً، ولا يحرم على الجنب ولا يحنث الحالف لا يقرأ به كما لا يبر الحالف ليقرأن السورة الفلانية بإجرائها على قلبه، واحترز بقوله بالتكلم القرآن عما لو قرأ في صلاته بنحو التوراة والإنجيل والزبور فلا يكفيه وتبطل صلاته لنسخها بالقرآن، أو لأنها غيرت وبدلت، أو لمخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 2 ولم يصل إلا بالقرآن، لا يقال: يلزم على كلام المصنف حيث قال بالتكلم بالقرآن أن القرآن حادث مخلوق، والقرآن كلام الله قديم، لأنا نقول: المراد بالقرآن اللفظ المنزل على محمدٍ وهو مخلوق حادث والقديم مدلوله، فيتعين حمل القرآن في كلام المصنف على العبارة الدالة على صفة ذاته"تنبيه": مفهوم قول المصنف والقراءة إلى قوله هي بحركة اللسان عند التكلم بالقرآن أن ما يطلب به الإسرار به في الصلاة من غير القرآن كتسليم المأموم للرد وكتكبير غير الإمام لغير الإحرام ليس كالقرآن ا هـ، وليس كذلك بل لا بد في الجميع من حركة اللسان على ما يظهر، إذ مجرد الإجراء على القلب لا حكم له في قراءةٍ ولا ذكرٍ ولا أدعيةٍ والله أعلم "وأما الجهر" أي أقله الذي يسن فعله في القراءة في الصبح وأولتي المغرب والعشاء "ف" هو "أن يسمع نفسه ومن يليه" أن لو كان "إن كان" صلى "وحده" وأما أعلاه فلا حد له، وأما الإمام فالمطلوب في حقه الزيادة على أقل ما يطلب من المأموم لإسماع المأمومين لا خصوص من يليه بحيث يستغنى عن المسمع، وإن صحت صلاته والاقتداء به ففي الموطإ: كان ابن عمر رضي الله عنه تسمع قراءته في دار أبي جهمٍ بالبلاط موضعٍ بالمدينة، ثم إن طلب محل الجهر حيث كان لا
ـــــــ
1 ضعيف جدا: أنظر السابق2 أخرجه الطبراني في الصغير 2/127 حديث 900.
يترتب عليه تخليط على الغير، وإلا نهى عما يحصل به التخليط ولو أدى إلى إسقاط السنة؛ لأنه لا يرتكب محرم لتحصيل سنةٍ "و" أما "المرأة" فهي "دون الرجل في الجهر" بالمعنى الذي ذكره المصنف فلا تسمع من يليها فيكفيها حركة لسانها، فالجهر في حقها كالسر فلا يسن في حقها الجهر بل تنهى عنه؛ لأن صوتها عورة، والظاهر استواء حالتها في الخلوة والجلوة؛ لأنها لا تأمن طرو أحدٍ عليها كما تقدم في أذانها، وإنما جاز بيعها وشراؤها للضرورة"وهي في هيئة" أي صفة "صلاتها" مثله أي مثل الرجل "غير أنها" يستحب لها أن "تنضم" أي تنكمش "ولا تفرج" بفتح التاء وسكون الفاء وضم الراء وهو تفسير لتنضم، فكان الأنسب إسقاط الواو ويقول بعد تنضم لا تفرج "فخذيها ولا عضديها و" إنما "تكون منضمةً منزويةً" توكيد لفظي لما قبله، ثم بين الحالة التي تنضم فيها بقوله: "في جلوسها وسجودها وأمرها كله" يدخل فيه الركوع فلا تجنح كالرجل، وكلامه هنا يدل على أن قوله السابق: وتجافي ضبعيك عن جنبيك في الرجل دون المرأة، غير أن قوله هنا: وأمرها كله يقتضي أنها تجلس على وركها الأيسر وفخذها اليمنى على اليسرى، تضم بعضهما لبعضٍ على قدر الطاقة بخلاف الرجل وهو رواية ابن زيادٍ عن مالكٍ، خلافًا لابن القاسم في المدونة جلوسها كالرجل فسوى فيها بين الرجل والمرأة في الجلوس بإفضاء اليسرى للأرض واليمنى عليها فيصير قعودها على أليتها اليسرى ولا تقعد على رجلها اليسرى كما تقدم في كلام المصنف"ثم" بعد الفراغ من صلاة العشاء وشيءٍ من الأذكار "يصلي الشفع" وأقل ما يندب منه ركعتان "و" يصلي "الوتر" بفتح الواو وكسرها وهي ركعة واحدة وهي آكد السنن قال خليل: والوتر سنة آكد ثم عيد ثم كسوف ثم استسقاء ووقته بعد عشاءٍ صحيحةٍ وشفقٍ للفجر، إنما كان آكد مراعاةً لمن يقول بوجوبه كأبي حنيفة وجماعةٍ مستدلين بظواهر الأحاديث، ودليلنا على السنية ما في الموطأ والصحيحين: "أنه عليه الصلاة والسلام قال للسائل عن الإسلام: "خمس صلواتٍ في اليوم والليلة" ، فقال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع" فنفى الوجوب عن غير الخمس، وغير ذلك من الأدلة، والمندوب أن يكون عقب شفعٍ منفصلٍ عنه بسلامٍ إلا لاقتداءٍ بواصلٍ فلا كراهة، وينوي المأموم بالركعتين الأوليين الشفع وبالأخيرة الوتر، وإن نوى الإمام بالجميع الوتر وإن لم يعلم ابتداءً أنه واصل فإنه يحدث نية الوتر عند قيام الإمام لها من غير قطعٍ، وإذا دخل مع الواصل في الآخرة فإنه يصلي الشفع بعد سلام الإمام أي من غير فصلٍ بسلامٍ ولا جلوسٍ بينهما، ويقرأ فيهما بما يقرأ به فيهما لو كان منفردًا، ويلغز بها ويقال شخص
صلى الشفع بعد الوتر، وأما لو دخل معه في الثانية فإنه لا يسلم بسلامه بل يقوم للثالثة من غير سلامٍ تبعًا لوصل إمامه، نعم تردد الأجهوري فيما يفعله بعد الثانية هل ينوي به ركعة القضاء أو ينوي به الوتر محاذاةً للإمام؟ هذا ملخص كلام الأجهوري"تنبيهات" الأول: علم مما ذكرنا في بيان وقته عن خليلٍ أن من قدم العشاء عند المغرب لضرورةٍ كالجمع ليلة المطر أو لمرضٍ أو سفرٍ لا يصلي الوتر إلا بعد مغيب الشفق الأحمر وهو وقته المختار له إلى طلوع الفجر وضروريه منه إلى صلاة الصبح أو عقد ركعةٍ منها، وأما قبل عقدها فيندب قطعها له للفذوفي الإمام روايتان، وأما المأموم فلا يقطع الصبح للوتر وفعله في الضروري من غير عذرٍ مكروهالثاني: من أعاد العشاء لأجل الترتيب يعيد الوتر، ومثله من صلاها بنجاسةٍ وأعادها لأجل صلاتها بنجاسةٍ ناسيًا وأحرى من أعادها لظهور بطلانها يعيد الوتر، بخلاف معيد العشاء لفضل الجماعة جهلًا أو عمدًا لا يعيده، ولا بد له من نيةٍ تخصه كالفجر؛ لأن المسنونات والرغائب لا بد لهما من نيةٍ تخصها، بخلاف مطلق التطوعات من صلاةٍ أو صومٍ فيكفي فيها نية الفعلالثالث: علم من أن وقتهما بعد العشاء الصحيحة والشفق الأحمر أن القراءة "جهرًا" لكن يتأكد ندبه في الوتر، قال خليل: وتأكد بوترٍ"وكذلك" أي كما يستحب الجهر في الشفع والوتر "يستحب في" باقي "نوافل الليل الإجهار" لكن التشبيه غير تام لما علمت من تأكده في الوتر دون غيرها من نوافل الليل، وإنما تؤكد فيها لما قيل من أنها واجبة، والصفة تشرف بشرف موصوفها "و" أما القراءة "في نوافل النهار" فالمستحب فيها "الإسرار" اتباعًا له صلى الله عليه وسلم ولذا قال بعض العلماء: صلاة النهار عجماء وليس بحديثٍ "وإن" خالف المستحب بأن "جهر في النهار في تنفله" أو أسر في الليل في تنفله "فذلك واسع" أي لا سجود عليه، وإن كره له ذلك، والحكمة في طلب الجهر في صلاة الليل والإسرار في صلاة النهار أن صلاة الليل تقع في الأوقات المظلمة فينبه القارئ بجهره المارة، وللأمن من لغو الكافر عند سماع القرآن لاشتغاله غالبًا في الليل بالنوم أو غيره بخلاف النهار، وإنما طلب الجهر في الجمعة والعيدين لحضور أهل البوادي والقرى فأمر القارئ بالجهر ليسمعوه فيحصل لهم الاتعاظ بسماعهوأقل الشفع ركعتان ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بأم القرآن و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون
: 1] وإذا فرغ من سجودها يجلس "ويتشهد ويسلم"؛ لأنه يستحب فصله عن الوتر، ويكره وصله كما قدمنا "ثم يصلي الوتر ركعةً" واحدةً ويستحب أن "يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين" بكسر الواو المشددة وفتحها خطأ لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني: "أن عائشة رضي الله عنها سئلت: بأي شيءٍ كان يوتر النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية: بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}وفي الثالثة: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين"1 وظاهر كلام المصنف استحباب القراءة بهذه السور كان له حزب أم لا، وهو المعتمد خلافًا لابن العربي وخليلٍ في مختصره حيث قال: إلا لمن له حزب فمنه، وبحث فيه العلامة ابن غازي قائلًا: تبع خليل في تقييده بحث المازري وما كان ينبغي له العدول عن نقل الأئمة من استحباب قراءة السور المذكورة في الشفع والوتر ولو لمن له حزب، وأيضًا هو مخالف للحديث فإنه عام فيمن له حزب وغيره، فلله در المصنف حيث ترك التقييد"فروع تتعلق بالشفع والوتر" أحدها: إن لم يدر أهو في الوتر أو في ثانية الشفع فإنه يجعلها ثانية الشفع، ويسجد بعد السلام كمن شك أصلى واحدةً أو اثنتين يبني على الأقل ويأتي بما شك فيه ويسجد بعد السلام، ثم يوتر بواحدةٍ بعد ذلك ثانيها: إن شك أهو في ثانية الشفع أو أولاه أو في الوتر؟ جعلها أولى الشفع وأتى بواحدةٍ ويسجد بعد السلام ثم يصلي الوتر بعد ذلكثالثها: من زاد ركعةً في الوتر سهوًا سجد بعد السلامرابعها: من ذكر في تشهد وتره أنه نسي سجدةً من شفعه فإنه يشفع وتره بنية الشفع، ولا يضر إحداث هذه النية ثم يسجد لزيادة الجلوس الذي كان يسلم بعده ثم يوترخامسها: إذا شك هل شفع وتره فقال ابن المواز: قيل يسلم ويسجد للسهو ويجز به، وقيل يسجد ويأتي بوترٍ آخر وهو أحب إلي "وإن زاد" مصلي الشفع "من الإشفاع" على أقله وهو ركعتان "جعل" ندبًا "آخر ذلك" الذي صلاه "الوتر" لقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" 2"و" لما روي "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل" أي فيه "اثنتي عشرة ركعةً ثم يوتر بواحدةٍ" وقيل" كما روي أيضًا أنه كان يصلي "عشر ركعاتٍ ثم يوتر بواحدةٍ" قال الفاكهاني وسيدي أحمد زروق: كلا الحديثين صحيح من حديث عائشة: والجمع بينهما "أنه
ـــــــ
1 لا يصح: أنظر العلل المتناهية لابن الجوزي 1/454. (فيه نظر)
2 ضعيف: أخرجه الديلمي عن سلمان كنز العمال 19449 وانظر ضعيف الجامع حديث 3768. (فيه نظر)
كان صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين بعد الوضوء" فتارةً اعتبرتهما من الورد فجعلته اثنتي عشرة ركعةً وتارةً لم تعتبرهما لأنهما للوضوء، ولحل عقدة الشيطان فقالت: كان يصلي عشر ركعاتٍ، وقيل: كان قيامه من الليل خمس عشرة ركعةً، وقيل: سبع عشرة، والصحيح ما سبق وروده في الصحيحثم شرع في بيان محل الوتر الأفضل بقوله: "وأفضل الليل آخره في القيام" والمراد بآخره الثلث الأخير لخبر الشيخين وغيرهما: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى سماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" 1 ومعنى ينزل ربنا أي أمره ورحمتهقال سيدي يوسف بن عمر: اختلف في قيام الليل هل هو مستحب وهو لمالكٍ وهو المشهور لكن الاستحباب في حقنا، وأما في حقه صلى الله عليه وسلم فهو واجب لما في البيهقي: "ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع: التهجد وهو قيام الليل والوتر والضحى"2 والواجب عليه صلى الله عليه وسلم منه أقله وهو ركعتان، وقال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بقيام الليل؛ لأنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى ربكم" 3. ثم فرع على قوله أفضل الليل آخره قوله: "فمن أخر تنفله ووتره إلى آخره" أي الليل "فذلك أفضل له" من أول الليل "إلا من الغالب عليه أن لا ينتبه آخره" بأن كان غالب أحواله النوم إلى الصبح "فليقدم وتره مع ما يريد" صلاته "من النوافل أول الليل" احتياطًا، والحاصل أن تأخير الوتر مندوب في صورتين وهما أن تكون عادته الانتباه آخر الليل وتستوي حالتاه وتقديمه مستحب في صورةٍ واحدةٍ وهي أن يكون أغلب أحواله النوم إلى الصبح "ثم إن شاء" من يغلب عليه عدم الانتباه وقدم وتره أول الليل "إذا استيقظ في آخره" على غير عادته "تنفل" استحبابًا "ما شاء منها" أي من النوافل من قليلٍ أو كثيرٍ، ولا يكون تقديمه للوتر مانعًا له من ذلك، ومحل ندب التنفل بعد الوتر إذا حدثت له نية التنفل بعد الوتر، وأما من نوى أن يجعل الوتر أثناء نفلٍ فمخالف للسنة، ويستحب لمن أوتر في المسجد وأراد أن يتنفل بعده أن يتربص قليلًا، ويكره أن يوقع النفل عقب الوتر من غير فصلٍ، ويكفي الفصل ولو بالمجيء إلى
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه الترمذي كتاب المناقب باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما حديث 3781, وأحمد 5/391 حديث 23377, وانظر المشكاة 61622 ضعيف أخرجه أحمد 1/73 حديث 530, وانظر ضعيف الجامع 14843 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر إذا كانواجماعة والإقامة حديث631, والدارمي 1/318 حديث 1253.
البيت من المسجد بعد الوتر كما في المدونة ويكون تنفله "مثنى مثنى" أي ركعتين ركعتين، ويكره أن يصلي أربعًا من غير فصلٍ بسلامٍ، قال الأجهوري: وإذا نوى شخص النفل أربعًا خلف من يصلي الظهر، ودخل معه في الأخيرتين فهل له الاقتصار على ركعتين ويسلم مع الإمام أم لا؟ والأول هو المنقول بل يفيد النقل أنه مأمور بالاقتصار على ركعتين قال اللخمي: اختلف الناس في عدد ركعات النفل، فذهب مالك أنه مثنى مثنى بليلٍ أو نهارٍ فإن صلى ثلاثًا أتم أربعًا لا يزيد على ذلك، وسواء على أصله نواه أربعًا ابتداءً أم لا فإنه يؤمر بالسلام من ركعتين، وإن دخل على نية ركعتين فصلى ثلاثًا فإنه يؤمر أن يتم أربعًا، ومن نوى ركعتين خلف من يعتقد أنه مسافر فتبين أنه مقيم فإنه يتم؛ لأن الإتمام أربعًا لا يتوقف على نيةٍ، هذا ملخص كلام الأجهوري، وإذا تنفل بعد وتره الذي قدمه أول الليل "لا يعيد الوتر" حيث وقع بعد عشاءٍ صحيحةٍ وشفقٍ، بل يحرم لخبر: "لا وتران في ليلةٍ" 1 ولا يعارضه حديث: "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترًا" 2 لأن النهي تقدم على الأمر عند تعارضهما، وأشار خليل إلى تلك المسألة بقوله: ولم يعده مقدم ثم صلى وجاز أي جوازًا راجحًا؛ لأن النفل مندوب لا ما يوهمه لفظ جاز، فقول المصنف: إن شاء أشار به إلى أنه غير ممتنعٍ ولا مكروهٍ فلا ينافي الندب ومن غلبته عيناه عن حزبه فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار، ثم يوتر ويصلي الصبح "ومن" أخر ورده لعدم انتباهه آخر الليل ولكن "غلبته عيناه عن حزبه" بأن استغرقه النوم حتى ضاق الوقت عن ورده الذي كان يصليه في كل ليلةٍ بأن انتبه عند طلوع الفجر أو قبله بحيث لا يسعه "فله أن يصليه ما بينه" أي ما بين وقت انتباهه "وبين طلوع الفجر وأول الإسفار" الأعلى الذي يميز فيه الشخص جليسه على القول بأن الصبح لا ضروري لها ومعنى كلام المصنف أن من كانت عادته الانتباه آخر الليل وغلبته عيناه حتى طلع الفجر أو انتبه قبله بيسير صلاة ورده ووتره قبل الإسفار البين ويصلي الصبح، ولو بعد الإسفار بناءً على أنها لا ضروري لها، وأما على أن لها ضروريا فلا بد من صلاتها مع ما يقدم عليها من فجرٍ ووترٍ قبل الإسفار، والحاصل أن ما بين انتباهه والإسفار ظرف لفعل الورد والوتر أو الصبح بناءً على أن لها ضروريا هكذا قال المصنف، والذي في المدونة التحديد بصلاة الصبح لا بالإسفار ونصها:
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب ما يقرأ في الوتر حديث 1432, والترمذي حديث 463, والنسائي حديث 1700, وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 14242 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب ليجعل آخر صلاته وترا حديث 998, ومسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة حديث 751, وأبو داود حديث 1438.
ومن فاته حزبه من الليل أو تركه حتى طلع الفجر فله أن يصليه بعد طلوع الفجر إلى صلاة الصبح، ولا شك أن بين المدونة والرسالة تخالفًا؛ لأن الرسالة تقتضي أن الحزب لا يصلى بعد الإسفار، فالمدونة تقتضي أنه يصلى بعده؛ لأنه قال فيها: فليصله إلى صلاة الصبح، ووفق الشيخ أبو الحسن شارح المدونة بينهما بما محصله: إن الذي قاله أبو محمدٍ محمول على أن من انتبه قبل طلوع الفجر أو بعده لكن بزمنٍ يسع الورد والشفع والوتر والفجر والصبح قبل الإسفار، والذي قاله في المدونة على من انتبه بعد طلوع الفجر وأول الإسفار بحيث يصلي الحزب والفجر والصبح قبل طلوع الشمس على القول بأن الصبح لا ضروري لها، أو قبل الإسفار على أن لها ضروريا، والذي تحفظه عن شيوخنا أن الراجح كلام الرسالة وأن الحزب لا يفعل بعد الإسفار خلافًا لظاهر المدونةفإن قيل: يلزم على صلاته بعد الفجر مخالفة لحديث: "لا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتين" فالجواب أنه لما اعتاده صاحبه صار في حقه كالمنذور، وأيضًا عمل الصحابة المستمر فقد فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه نزله منزلة المستثنى من الحديث"تنبيه": فهم من قول المصنف: غلبته عيناه أنه لو تعمد تأخيره حتى طلع الفجر لا يصليه، وهو كذلك على المشهور، ولو كان يمكنه فعله مع الفجر والصبح قبل الإسفار خلافًا للجلاب فإنه ألحق العامد بمن غلبته عيناه، ولعله تبع قول المدونة أو تركه وهي معترضة إذا لم يقله مالك إلا فيمن غلبته عيناه، واعترضوا على أبي سعيدٍ البرادعي في زيادة أو تركه نعم يلحق بمن غلبته عيناه من حصل له إغماء أو جنون أو حيض وزال عنه عند طلوع الفجر، نعم شرط فعله بعد الفجر أن يخشى فوات الجماعة، فيتلخص أن شرط فعله بعد الصبح على كلام المصنف أن لا يخشى إسفارًا ولا فوات الجماعة بصلاة الصبح، وأن يكون نام عنه، فإن اختل شرط تركه وصلى الصبح بعد الشفع والوتر؛ لأنهما يفعلان بعد الفجر من غير شرطٍ "ثم" بعد الفراغ من حزبه قبل الإسفار "يوتر" ويصلي الفجر "ويصلي الصبح" إذا تبين اتساع الوقت، وأما لو لم يبق إلا قدر ثلاث ركعاتٍ صلى الوتر والصبح وأخر الفجر قال خليل: وإن لم يتسع الوقت أي الضروري إلا لركعتين تركه أي الوتر لا لثلاثٍ ولخمسٍ صلى الشفع ولو قدم ولسبعٍ زاد الفجر، ولما كان ضروري الوتر ينقضي بصلاة الصبح أشار إلى حكم من صلى الصبح ناسيًا له بقوله: "ولا يقضي الوتر من ذكره" فاعل يقضي، وذكر الضمير العائد على الوتر من ذكره نظرًا إلى لفظ الوتر "بعد أن صلى الصبح" لانقضاء ضروريها؛ لأن السلف كانوا يوترون بعد طلوع الفجر ما
لم يصلوا الصبح، ومفهوم كلامه أنه لو ذكره في صلاة الصبح لم يكن الحكم كذلك، والحكم إن كان لم يعقد ركعةً منها استحب له القطع إن كان فذا، ثم يصلي الوتر، وإن كان مأمومًا فلا يندب له القطع بل يتمادى، وإن كان إمامًا ففي ندب قطعه روايتانقال خليل: وندب قطعها له لفذ لا مؤتم، وفي الإمام روايتان، وعلى قطعه فهل يستخلف أو لا؟ قولان، اقتصر الأجهوري على أنه يستخلف وفي الشيخ سالمٍ ما يخالفه، وأما لو لم يتذكر إلا بعد عقد ركعةٍ يتمادى ولو فذا، وهذا كله عند اتساع الوقت للوتر والصبح، وأما ضيقه فيجب التمادي، ولو لم يعقد ركعةً"تنبيه": علم من تمادي المأموم أنه من مساجين الإمام؛ لأن مساجين الإمام أربعة، عدوا منها من ذكر الوتر خلف الإمام في صلاة الصبح وهي مسألتنا هنا، ومنها من ضحك في الصلاة مع الإمام ولم يقدر على الترك، ومنها من لم يكبر تكبيرة الإحرام، وإنما كبر قاصدًا بتكبيره الركوع، ومنها من نفخ في الصلاة عمدًا أو جهلًا خلف الإمام، ذكر الجميع العلامة الأجهوري، ونص بعض شراح خليلٍ على أن من تمادي المأموم على جهة الندب ولعل فيه مصادمةً لعده من مساجين الإمام؛ لأن مسجون الإمام يجب عليه اتباعه ويحرم عليه القطع وتأمله"فروع"الأول: لو صلى شخص الفجر ناسيًا الوتر ثم ذكره قبل صلاة الصبح صلى الوتر ثم أعاد الفجرالثاني: إذا صلى الفجر ثم ذكر صلاة فرضٍ تقدم على الصبح لكونها يسيرةً فإنه بعد صلاة الفائتة يعيد الفجرالثالث: لو ذكر الوتر وهو في صلاة الفجر فهل يقطعها؟ له قولان لابن ناجي وشيخه البرزلي
ومن دخل المسجد على وضوءٍ فلا يجلس حتى يصلي ركعتين إن كان وقت يجوز فيه الركوع، ومن دخل المسجد ولم يركع الفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر، وإن ركع الفجر في بيته ثم أتى المسجد فاختلف فيه فقيل يركع وقيل لا يركع "ومن دخل المسجد" حالة كونه "على وضوءٍ" فإن كان مسجد غير مكة "فلا يجلس حتى يصلي" ندبًا "ركعتين" ينوي بهما تحية المسجد والتقرب إلى الله؛ لأن معنى تحية المسجد تحية رب المسجد؛ لأن الداخل بيت ملكٍ إنما يحيى الملك "إذا كان وقت" الدخول "يجوز فيه الركوع" للنافلة، فالحاصل أن تحية المسجد لها ثلاثة شروطٍ: أن يدخل على طهارةٍ، وأن يكون مراده الجلوس في المسجد، وأن يكون الوقت وقت جوازٍ، والشرط الثاني يفهم من قوله فلا يجلس، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي
ركعتين" 1رواه مسلم وفي روايةٍ: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" 2 والنهي على الأولى للكراهة، والأمر في الثانية على جهة الندب، وورد: "أعطوا المساجد حقها"، قالوا: وما حقها يا رسول الله؟ قال: "صلاة ركعتين قبل الجلوس" 3 وكونهما قبل الجلوس على جهة الندب، فلو جلس لا يفوتان ولو طال زمان الجلوس، فأل في المسجد للاستغراق يتناول مسجد الجمعة وغيرها، وهل يتناول مساجد البيوت أو قاصر على المساجد المباحة؟ وأقول: المتبادر من الروايات العموم لتسمية الجميع مساجد، وحرر المسألة وقيدنا بغير مسجد مكة؛ لأن تحية مسجد مكة الطواف للقادم بحج أو عمرةٍ أو إفاضةٍ أو المقيم الذي يريد الطواف، وأما من دخله للصلاة أو للمشاهدة فتحيته ركعتان بالشروط المتقدمة كغيرهقاله ابن رشدٍ وعياض ومشى عليه خليل، ومسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم كغيره يبدأ بالتحية قبل السلام عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأن التحية حق الله والسلام على المصطفى حق عبده، وحق الله أوكد"تنبيه"علم من كلام المصنف أن المار أو الداخل على غير وضوءٍ أو في وقت نهيٍ لا تستحب التحية في حقه صلاةً، وإنما يستحب له أن يقول أربع مراتٍ: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبرقال سيدي أحمد زروق: ينبغي أن يقولها في أوقات النهي، قال الحطاب: وهو حسن لمكان الخلاف؛ لأن التحية بمعنى الصلاة وإن سقطت لا يسقط بدلها "ومن دخل المسجد ولم يركع الفجر" في بيته "أجزأه لذلك" أي لتحية المسجد "ركعتا الفجر" قال خليل: وندب إيقاعها أي الفجر بمسجده ونابت عن التحية؛ لأن القصد شغل البقعة وقد حصل كما أنها تحصل بصلاة الفرض قال خليل: وتأدت بفرضٍ، ومعنى الإجزاء في كلام المصنف وتأديتها بالفرض على كلام خليلٍ سقوط طلبها، وأما حصول ثوابها فيتوقف على ملاحظتها ونيتها عند فعل غيرها مما تتأدى به، ونازع ابن عبد السلام في إجزاء الفرض وغيره عن التحية بأنه كيف تقوم العبادة الواحدة مقام اثنين؟ وأجاب الشيوخ: بأنه لا إشكال في ذلك إذ قصد الشارع افتتاح دخول المسجد بصلاةٍ بحيث يتميز عن دخول البيتـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل حديث 1145, ومسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل حديث 7582 أخرجه البيهقي في الكبرى 2/468 حديث 42483 صحيح: أخرجه الترمذي كتاب الدعوات باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حديث 3549, وانظر صحيح الجامع 4079.
"تنبيه": استشكل قول المصنف: أجزأه لذلك ركعتا الفجر، كما استشكل قول خليلٍ: ونابت عن التحية، بأن هذا الوقت لا يطلب فيه تحية، والإجزاء عن الشيء أو تأديته فرع الطلب به، والجواب عن هذا الإشكال بأن هذا مبني على القول بطلب التحية في هذا الوقت كما ذهب إليه بعض الشيوخ وأخذًا من قول المصنف بعد: ومن ركع الفجر في بيته، إلى قوله: فاختلف فيه، أو أنه محمول على ما إذا كان دخل المسجد وصلى الفجر بعد الشمس قضاءً والله أعلم "ومن ركع" أي صلى "الفجر في بيته ثم أتى المسجد" لصلاة الصبح مع الإمام "فاختلف فيه" أي هل يطلب منه تحية "فقيل يركع" ركعتين لخبر: "إذا أتى أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" 1وعلى هذا القول هل ينوي بهما التحية أو إعادة الفجر قولان للمتأخرين "وقيل لا يركع" بل يجلس حتى يقوم لصلاة الصبح لخبر: "لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر" 2 وهذا هو المعتمد، واقتصر عليه خليل حيث قال: وإن فعلها أي الفجر بنيته لم يركع أي لم يركع ركعتي الفجر في المسجد ولا غيره على المشهور، ولما كان يتوهم من قوله فيما سبق: ومن دخل المسجد ولم يركع الفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر أن التحية تطلب بعد الفجر دفعه بقوله:
ولا صلاة نافلةً بعد الفجر إلا ركعتا الفجر " والورد لنائمٍ عنه، والشفع والوتر مطلقًا، وكالجنازة وسجود التلاوة قبل الإسفار فإن هذه تفعل، والنهي في كلامه على الكراهة وينتهي "إلى طلوع الشمس" فإن أخذت في الطلوع حرمت النافلة حتى يتكامل طلوعها فتعود الكراهة حتى ترتفع قيد رمحٍ من أرماح العرب الذي قدره اثنا عشر شبرًا بالشبر المتوسط قال خليل: ومنع نفل وقت طلوع الشمس وغروبها وخطبة جمعةٍ وكره بعد فجرٍ، وفرض عصرٍ إلى أن ترتفع قيد رمحٍ وتصلي المغرب إلا ركعتا الفجر، والورد قبل الفرض لنائمٍ عنه وجنازة وسجود تلاوةٍ قبل الإسفار والاصفرار فيحرم وقت الطلوع والغروب ما عدا الصلوات الخمس الجنازة التي لم يخش تغيرها، والنفل المنذور والمفسد رعيًا لأصله، وأما الفرائض الخمس ومثلها الجنازة التي يخشى عليها تغيرها فلا يحرم شيء منها وقت الطلوع ولا وقت
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب في نقض الوتر حديث 1439, والترمذي حديث 470, والنسائي حديث 1679, وأحمد 4/23 حديث 16339 وانظر صحيح الجامع 75672 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب ليجعل آخر صلاته وترا حديث 998, ومسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة حديث 751, وأبو داود حديث 1438.
الغروب، ومن باب أولى لا كراهة في فعل شيءٍ منها قبلهما ولا بعدهما"تنبيه" قوله: ولا صلاة نافلةً إلخ، لا نافية للجنس نصبًا بقرينة الاستثناء؛ لأنه معيار العموم، ونافلةً نعت مفرد تابع لمفردٍ فيجوز فيه الفتح لتركبه مع اسمها، والنصب بقطع النظر عن رسم المصنف تبعًا لمحل صلاةٍ، والرفع تبعًا لمحل لا مع اسمها؛ لأن محلهما رفع بالابتداء عند سيبويه، كما أشار إليه في الخلاصة بقوله: ومفردًا نعتًا لمبني يلي فافتح أو انصبن أو ارفع تعدلي"خاتمة" قد مر أن فرائض الصلاة سبع عشرة فريضةً، وقد بيناها أول الباب بالعد، وأما سننها فلم يفصح عنها المصنف؛ لأن اهتمامه إنما هو ببيان صفة العمل من غير بيان الفرض من السنة، ونحن نبينها رفقًا بالطالب فنقول: هي ثمان عشرة: قراءة ما زاد على أم القرآن والقيام له، والجهر والسر في صلاة الفرائض بمحلهما وكل تكبيرةٍ أو جميع التكبير سوى الإحرام لكل مصل، وكل سمع الله لمن حمده أو جميعه للإمام والفذ، وكل مطلق تشهدٍ وكل جلوسٍ سوى ظرف السلام، والزائد على قدر الطمأنينة، ورد المقتدي على إمامه السلام ورده على من على يساره، وجهر بتسليمة التحليل لكل مصل ولو مأمومًا أو فذا، وسترة لإمامٍ وفذ يخشيان المرور بين أيديهما، وإنصات مقتدٍ لقراءة إمامه في الجهرية، واعتدال عند الأكثر ولفظ التشهد الخاص على أحد قولين، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير على أحد قولينوأما مندوباتها فكثيرة منها: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ومنها: قراءة المأموم خلف الإمام في السرية، ومنها: تقصير زمن ثاني الفريضة عن أولاها، ومنها: تقصير غير جلوس السلام، ومنها: قول المقتدي والفذ: ربنا ولك الحمد، ومنها: التسبيح بالركوع والسجود، ومنها: تأمين الفذ على قراءته مطلقًا والإمام في السرية والمأموم في السرية والجهرية إن سمع قول الإمام: ولا الضالين، ومنها: إسرار التأمين، وغالب ذلك يعلم من كلام المصنفومكروهاتها كثيرة أيضًا منها: البسملة، والتعوذ في الفريضة من غير مراعاة خلافٍ، وكالقبض بإحدى يديه على الأخرى في صلاة الفرض على أي صفةٍ، وكالدعاء بعد الإحرام وقبل الفاتحة أو بعدها أو في أثنائها أو أثناء السورة في الفرض، وكالدعاء في الركوع وكالدعاء قبل التشهد وكالدعاء بعد سلام الإمام وكالدعاء في التشهد غير الأخير، وكالسجود على ما فيه رفاهية لقصد الرفاهية، ومنها الدعاء الخاص وبالعجمية مع القدرة على العربية، والتفكر بأمر الدنيا، وغير ذلك مما هو منصوص في المطولات.
ولما فرغ من الكلام على صفة الصلاة وكان يسن فعلها مع إمامٍ شرع في باب الإمامة بقوله:
باب فيبيان حكم الإمامة
باب في بيان حكم الإمامةوهي في اللغة مطلق التقدم، وأما في الشرع فتنقسم أربعة أقسامٍ: إمامة وحيٍ أي حصلت بسبب الوحي وهي النبوة، وإمامة وراثةٍ أي حصلت بسبب الإرث؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء وهي العلم، وإمامة مصلحةٍ وهي الخلافة العظمى ويقال لها الإمامة الكبرى، وإمامة عبادةٍ وهي صفة حكمية توجب لموصوفها كونه متبوعًا لا تابعًا وكلها تحققت له صلى الله عليه وسلم، وما ذكرناه في تعريف إمامة العبادة أظهر من قول ابن عرفة: اتباع مصل آخر في جزءٍ من صلاته غير تابعٍ غيره، وقوله: غير تابعٍ غيره صفة لآخر"و" في بيان "حكم الإمام" من اشتراط كونه ذكرًا وعالمًا بما لا تصح الصلاة إلا به، ومن جهة كونه يحصل له فضل الجماعة إن صلى وحده إن كان راتبًا وصلى في وقته المعتاد وغير ذلك مما يأتي"و" في بيان حكم "المأموم" من جهة اشتراط نية الاقتداء ومساواته لإمامه وكونه يقف عن يمين الإمام إن كان ذكرًا وحده، وأشار إلى بيان من يصلح للإمامة بقوله: "ويؤم الناس أفضلهم وأفقههم" لخبر: "أئمتكم شفعاؤكم" 1 وخبر: "وليؤمكم أكبركم" 2 وقال عليه الصلاة والسلام: "إن سركم أن تقبل منكم صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنه وفد بينكم وبين ربكم فلا يؤمكم إلا الذكور"3. "ولا" يصح أن "تؤم المرأة في فريضةٍ ولا نافلةٍ لا رجالًا ولا نساءً" لخبر "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأةً" 4 وسواء عدمت الرجال أو وجدت؛ لأن الإمامة خطة شريفة في الدين ومن شرائع المسلمين واعلم أن الإمامة لها شروط صحةٍ وشروط كمالٍ، فشروط صحتها ثلاثة عشر أولها الذكورة المحققة فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى المشكل، وتبطل صلاة المأموم دون الأنثى التي صلت إمامًاـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى حديث 1167 واللفظ له أما الرواية التي عند مسلم فهي التالية2 صحيح: أخرجه مسلم كتاب صلاة المسافرين باب استحباب تحية المسجد بركعتين حديث 7143 ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/299 حديث 3422, وابن خزيمة في صحيحه 3/162 حديث 1824 وانظر ضعيف الجامع 9454 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى حديث 1167 ومسلم بنحوه كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب استحباب تحية المسجد بركعتين حديث 714.
ثانيها: الإسلام فلا تصح إمامة الكافر وإن حكم بإسلامه إن نطق بالشهادتينثالثها: العقل فلا تصح إمامة المجنون ولو متقطعًا وأم في حالة صحوهرابعها: بلوغه في صلاة الفرض وبغيره تصح وإن لم يجزخامسها: عدم الفسق المتعلق بالصلاة، فالفاسق فسقًا متعلقًا بها كمن يقصد بإمامته الكبر أو يقرأ عمدًا بالشاذ المخالف للرسم العثماني أو بالتوراة أو الإنجيل إمامته باطلة، بخلاف فاسق الجارحة كمن يشرب الخمر أو يزني فتكره إمامته فقط وهي صحيحة، كما تصح خلف المبتدع المختلف في تكفيره ببدعته كالحروري والقدري على المعتمد، وما في خليلٍ من بطلانها بفاسق الجارحة فهو خلاف المعتمد إذ كيف تصح إمامة من اختلف في تكفيره وتبطل إمامة من لم يقل أحد بكفرهسادسها: علم الإمام بما تتوقف صحة الصلاة عليه من قراءةٍ وفقهٍ، فالجاهل بالقراءة والفقه لا تصح صلاة المقتدي به، وأما الأمي الذي لم يقرأ بمثله فتصح عند فقد القارئ وعدم قبوله التعليم، والمراد بمعرفة ما تصح به الصلاة معرفة فرائضها وسننها وفضائلها وما يوجب السجود وما لا يوجبه، ويكفي معرفة تلك المذكورات ولو حكمًا، كمن أخذ صفة الصلاة من كلام مصنفٍ أو من عالمٍ يأتي بها على الوجه الأكمل كوصف المصنف فإنها تصح خلفه ولو لم يميز فرضًا من سنةٍ، بخلاف من يعتقد أن جميع أفعالها فرائض أو سنن أو فضائل، أو يعتقد أن فيها فرائض وغيرها، ولا يميز الفرض من غيره، ولا أخذ الوصف من كلام مصنفٍ ولا من عالمٍ فلا يصح الاقتداء به، ولا صلاته لنفسه أيضًا إلا لمن كان يعتقد فرضية جميع أفعالها ويأتي بها من غير إخلالٍ بشيءٍ من أفعالها، فينبغي صحة صلاته في نفسه لا الاقتداء بهسابعها: القدرة على الأركان فلا تصح إمامة العاجز عن بعضها إلا كالقاعد بمثلهثامنها: موافقة مذهب المأموم للإمام في الواجبات، فلا يصح الاقتداء بمن يسقط القراءة في الأخيرتين أو يترك الرفع من الركوع أو السجود مثلًا، ذكر هذا الشرط في الذخيرة، وفرع عليه ابن القاسم ما سبق ولكن اشتراطه ينافي صحة الاقتداء بالمخالف في الفروع إلا أن يجاب بأن محل صحة الاقتداء بالمخالف مقيدة بأن لا يسقط شيئًا من الأركان بل كان يأتي بها، وإن كان الإمام مثلًا يقول بعدم وجوبها، والمأموم يقول بوجوبها، وأما شروط الاقتداء فلا بد منها كالتساوي في شخص الصلاة ووصفها والمعاقبة في الإحرام والسلام، ولذلك قال العوفي: كل ما كان شرطًا في صحة الصلاة لا تضر المخالفة فيه والعبرة فيه بمذهب الإمام، وأما ما كان شرطًا في صحة الاقتداء فالعبرة فيه بمذهب المأموم فيصح اقتداء من يوجب الدلك بمن لا يوجبه، ومن يوجب
مسح جميع الرأس بمن يكتفي بمسح بعضه، ولا يصح اقتداء مفترضٍ بمتنفلٍ أو بمعيدٍ، وأما اقتداء المالكي بالحنفي الذي لا يعد الرفع من فرائضها فإن كان يأتي به فصحيح وإلا فلا كما يؤخذ من كلام القرافي المتقدم عن الذخيرة؛ لأنه لا يمكن المأموم المالكي تركه؛ لأنه فرض عنده وإن أتى به مع ترك الإمام له لزم عليه أنه أتى بشيءٍ لم يأت به إمامه، ويجب التعويل على كلام العوفي، خلافًا لكلام سندٍ فإنه مخالف عليه جمهور المتأخرين من صحة الاقتداء بالمخالف، ولو رآه يأتي بمنافٍ أي مبطلٍ كتقبيل الحنفي لزوجته، وسند يشترط عدم الإتيان بالمنافي، راجع شرح خليلٍ للأجهوريتاسعها:الإقامة في الجمعة فلا تصح إمامة المسافر إلا الخليفة، والمراد بالمسافر الخارج عن بلد الجمعة بأكثر من كفرسخٍ لا يصح أن يخطب فيها إلا إذا نوى إقامةً تقطع حكم السفروعاشرها: الحرية في الجمعة فلا تصح إمامة العبد فيها وتعاد جمعة إن أمكن، وإنما لم تصح إمامة المسافر والعبد في الجمعة لسقوطهما عنهما فالاقتداء بهما يشبه اقتداء المفترض بالمتنفل، وأما غير الجمعة فيصححادي عاشرها: المساواة في الصلاة شخصًا، وصفًا وزمانًا، فلا تصح ظهر خلف عصرٍ ولا عكسه، ولا أداءً خلف قضاءٍ ولا عكسه، ولا ظهر سبتٍ خلف ظهر أحدٍ ولا عكسه، ولو كان عدم التساوي على الاحتمال فلا يقتدي أحد شخصين بصاحبه وكل منهما شاك في ظهر الخميس؛ لأن صلاة كل تحتمل الفرضية والنفليةوثاني عشرها: عمارة ذمته بصلاة المأموم فلا تصح إمامة المعيدثالث عشرها: أن لا يكون مأمومًا فلا يصح الاقتداء بالمسبوق الذي أدرك ركعةً مع الإمام فيما بقي من صلاته بعد سلام إمامه؛ لأنه مأموم فيه حكمًا، والمأموم لا يكون إمامًا بخلاف من أدرك دون ركعةٍ فإنه يصح الاقتداء به؛ لأنه لم يحصل له فضل الجماعة، وبقي شرط فيه خلاف وهو البشرية فإن المشذالي قال: قوة كلامهم تقتضي اشتراط كونه بشرًا، ولكن الذي قاله صاحب حكام الجان صحة إمامة الجني؛ لأن الجن مكلفون، بل مال ابن عرفة إلى صحة إمامة الملك للبشر بدليل إمامة جبريل لنبينا صلى الله عليه وسلم، ولي بحث فيما قاله ابن عرفة بأنها لم تكن إمامةً حقيقيةً، وإنما كانت مجرد متابعةٍ فقط للتعليم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف صفة الصلاة حين فرضها عليه حتى علمه جبريل، وأيضًا النبي مفترض وجبريل متنفل ولا يصح اقتداء المفترض بالمتنفل، بخلاف الجني يصح الاقتداء به؛ لأنه مفترض وحرر المسألة فإني لم أر هذا
الإيضاح وأما شروط الكمال فهي السلامة من النقص الحسي والمعنوي، فتكره إمامة الأقطع والأشل والأعرابي وصاحب السلس للصحيح والفاسق بالجارحة، ومن تكرهه كل المأمومين أو معظمهم، وإنما أطلنا في ذلك رومًا لإفادة الطالب"و" من أحكام المأموم أنه يستحب له أن "يقرأ مع الإمام فيما يسر فيه" على جهة السنيةقال خليل: وندبت إن أسر "ولا يقرأ معه" أي المأموم "فيما يجهر فيه" على جهة السنية بل يسن له الإنصاتقال خليل في عد السنن وإنصات مقتدٍ ولو سكت إمامه، وظاهره ولو كان لا يسمع قراءة الإمام، وهو كذلك فتكره القراءة خلفه في الجهرية، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] قال البيهقي: وعن مجاهدٍ قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة فسمع قراءة فتًى من الأنصار فنزل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] الآية"1، وهذا ما لم يراع المأموم الخلاف، وإلا استحب له القراءة لما قال القرافي: من أن من الورع القراءة في الجهرية خلف الإمام والإتيان بالبسملة في الفاتحة للاتفاق على صحة الصلاة حينئذٍ، فإن الشافعي يوجب القراءة على المأموم في السرية والجهرية، وعند أبي حنيفة حرام في السرية والجهرية، بل قيل: تبطل صلاة المأموم بالقراءة خلف الإمام، وإنما قلنا على جهة السنية للاحتراز عما لو أسر الإمام فيما يسن فيه الجهر فإنه لا يستحب للمأموم القراءة خلفه، وعما لو جهر في محل السر فلا يسن الإنصات خلفه بل المستحب القراءة ومن أدرك ركعةً فأكثر فقد أدرك الجماعة فليقض بعد سلام الإمام ما فاته على نحو ما فعل الإمام في القراءة وأما في القيام والجلوس ففعله كفعل الباني المصلي وحده
ومن أحكام المأموم ما أشار إليه بقوله: "ومن أدرك ركعةً فأكثر" مع الإمام في صلاة الفرض لأنها التي تسن فيها الجماعة "فقد أدرك الجماعة" كذا في الموطإ لكن بلفظ: فقد أدرك الصلاة بدل الجماعة، ومعنى أدرك الجماعة أو الصلاة أدرك فضلها وحكمها، والمراد بفضلها التضعيف الوارد في خبر: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بسبعٍ وعشرين درجةً" أي صلاةً وحكمها فلا يقتدي به غيره ولا يعيد في جماعةٍ، ويلزمه السجود القبلي والبعدي المترتب على إمامه، ويسلم على إمامه وعلى من على يساره، ومن لم يدرك ركعةً لا يحصل له حكمها فيعيد في جماعةٍ ولا يسلم على إمامه ولا على يساره ويصح الاقتداء به، ولا يحصل له فضلها المتقدم، وإنما يحصل له ثواب ما أدرك من تشهدٍ أو غيره مما هو دون
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه الترمذي كتاب الصلاة باب ما جاء لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين حديث 419 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
ركعةٍ، وإدراك الركعة هنا يكون بتحقق وضع اليدين على الركبتين قبل رفع الإمام رأسه من ركوعها ولولم يطمئن إلا بعد رفع الإمام، ولا بد أن يدرك سجدتيها قبل سلام الإمام، فإن زوحم عنهما أو نعس حتى سلم الإمام فيأتي بهما، واختلف هل يحصل له فضل الجماعة أم لا؟ قولان لابن القاسم وأشهبوأقول: الأظهر منهما الحصول كما يشهد له الحديث السابق، وظاهره أيضًا حصول الفضل، ولو فاتته بقية الصلاة مع الإمام اختيارًا خلافًا لتقييد حفيد بن رشدٍ بما إذا فاته وباقي الصلاة اضطرارًا، ويدل لما قلناه أن إدراك ركعةٍ من الاختياري بمنزلة إدراك جميع الصلاة في نفي الإثم، ولو أخر اختيارًا، وأيضًا لم يقل أحد أن من فاته بعض الصلاة مع الإمام اختيارًا يعيد لتحصيل فضل الجماعة هذا ما ظهر لنا، وقولنا بتحقق وضع اليدين إلخ احترازًا عما لو شك هل وضعهما قبل رفع الإمام أم لا؟ فإنه لا يعتد بتلك الركعة ويلغيه قال خليل: وإن شك في الإدراك ألغاها ويتمادى مع الإمام، قال سيدي أحمد زروق: وإن ركع مع الإمام ثم أيقن أنه إنما أدركه رافعًا من الركوع فإنه لم يدرك تلك الركعة باتفاقٍ، وحكمه أنه يخر ساجدًا مع الإمام ولا يرفع، فإن فعل ورفع جاهلًا أو عامدًا بطلت صلاته ولو أتى بدلها بركعةٍ بعد سلام الإمام، وهذا إذا تيقن عدم الإدراك قبل الرفع، وأما إذا لم يتيقن إلا بعد رفع رأسه فلا تبطل صلاته غير أنه لا يعتد بتلك الركعة، ومثل تيقن عدم الإدراك الشك، وللأجهوري ما محصله: أن من انحنى مع الإمام مع تيقنٍ أو ظن أو شك الإدراك وتبين له عدم الإدراك يرفع مع الإمام، فلو تركه وخر ساجدًا لم تبطل، وأما لو كان حين الانحناء يتيقن أو يظن عدم الإدراك وتبين له عدم الإدراك فهذا يخر ساجدًا وتبطل صلاته إن رفع غير ساهٍ"تنبيه": لم يعلم من كلام المصنف حكم إيقاع الصلاة في جماعةٍ وبينه غيره بأنه سنةقال خليل: الجماعة بفرضٍ غير الجمعة سنة سواء كان الفرض حاضرًا أو فائتًا سنةً مؤكدةً، وأما في الجمعة فهي واجبة، وظاهر كلام خليلٍ أنه سنة في البلد وفي كل مسجدٍ وفي حق كل مريد صلاةٍ فيسن للمنفرد أن يوقع صلاته في جماعةٍ قال ابن رشدٍ جامعًا بين أقوال العلماء: إقامة الجماعة في البلد فرض كفايةٍ يجبرون على إحضار ثلاثةٍ فأكثر، فإن امتنعوا أجبروا على ذلك ولو بالقتال، ويكفي ثلاثة بالإمام، ويسن على جهة الكفاية أيضًا إقامتها بعد ذلك في كل مسجدٍ، ويندب للمنفرد بعد إقامة فرض الكفاية والسنة أن يطلب من يصلي معه، واختلف فيها في صلاة الجنازة فقيل سنة، وقيل مندوبة وطلب الجماعة للرجال والنساء.
قال القيسي على العزية: والنساء فيها كالرجال لحديث "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" 1 وهذا لا ينافي ما قاله ابن رشدٍ من أن إقامتها للنساء في البيوت أفضل، والدليل على مشروعيتها قوله صلى الله عليه وسلم: "الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسٍ وعشرين جزءًا" 2 وفي لفظٍ: "بسبعٍ وعشرين درجةً" 3 والمراد بالجزء والدرجة الصلاة، وجمع بين الحديثين حتى لا يتنافيا بأن الجزء أكبر من الدرجة، أو بأن الله أخبر نبيه أولًا بالقليل، ثم تفضل بالزيادة فأخبره بها ثانيًا، ويستفاد من الحديث أن صلاة الجماعة بثمانٍ وعشرين صلاةً، واحدة كصلاة الفذ وبسبعٍ وعشرين لفضيلة الجماعة على رواية سبعٍ وعشرين،
ولما قدم أن من أدرك ركعةً كاملةً مع الإمام يحصل فضل الجماعة لاشتمالها على معظم أفعال الصلاة وما زاد عليها كالتكبير شرع في كيفية إتيانها بباقيها بعد سلام الإمام أتى بقاء التفريع فقال: "فليقض بعد سلام الإمام ما فاته" قبل دخوله معه من الأقوال "على نحو ما فعل الإمام في القراءة" فما قرأ فيه الإمام بأم القرآن وسورةٍ جهرًا أو سرا يقرأ فيه كذلك "وأما" حاله "في" نحو "القيام والجلوس ففعله" فيه "كفعل الباني المصلي وحده" قال خليل: وقضى القول وبنى الفعل، والمعنى: أن المسبوق المدرك لركعةٍ فأكثر مع إمامه إذا سلم إمامه وقام ليأتي بما بقي من صلاته فإنه يقضي الأقوال ويبني في الأفعال، وحقيقة القضاء جعل ما فاته قبل الدخول مع الإمام أول صلاته، وما أدركه آخر صلاته، والبناء جعل ما أدرك معه أول صلاته وما فاته آخر صلاته عكس القضاء، والمراد بالأقوال القراءة خاصةً، وأما غيرها من الأقوال والأفعال فهو بانٍ فيه، فلذا يجمع بين سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد، وإذا أدرك ثانية الصبح يقنت في التي يقضيها على المشهور كما قال سيدي يوسف بن عمر والجزولي: فإن أدرك مع الإمام ركعةً من العشاء قام بعد سلام الإمام فأتى بركعةٍ بأم القرآن وسورةٍ جهرًا؛ لأنها أول صلاته فهو قاضٍ ثم يجلس؛ لأن التي أدركها كالأولى بالنسبة للفعل فيبني عليها، ثم يأتي بأخرى بأم القرآن وسورةٍ جهرًا؛ لأنه يقضي القول ولا يجلس بل يقوم ويأتي بركعةٍ بأم القرآن فقط ويجلس ويتشهد ويسلموفي المسألة طريقتان سوى هذه: إحداهما أنه قاضٍ في الأقوال والأفعال وهو ما عليه أبو
ـــــــ
1 لم أقف عليه2 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأدب باب رحمة الناس والبهائم حديث 6008 ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب من أحق بالإمامة حديث 674 وأحمد 3/436 حديث 156363 ضعيف: أخرجه الحاكم في المستدرك 3/246 حديث 4981 والدار قطني في سننه 2/88 حديث 2 والطبراني في الكبير 20/328 وانظر الضعيفة 4/303.
حنيفة، والثانية أنه بانٍ فيهما وهو ما عليه الشافعي، ومنشأ الخلاف قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" 1 وروي "فاقضوا" 2 فأخذ أبو حنيفة برواية "فاقضوا" فجعله قاضيًا في الأقوال والأفعال، وأخذ الشافعي برواية فأتموا فجعله بانيًا في الأفعال والأقوال، وجمع مالك بين الروايتين فحمل رواية فأتموا على الأفعال ورواية فاقضوا على الأقوال، وتظهر ثمرة الخلاف بين الأئمة فيمن أدرك ركعةً من المغرب، فعلى القول بأنه قاضٍ مطلقًا يأتي بركعتين بأم القرآن وسورةٍ جهرًا ولا يجلس أي بينهما، وعلى القول بأنه بان مطلقًا يأتي بالثانية بأم القرآن وسورةٍ جهرًا ويجلس، ثم يأتي بركعةٍ بأم القرآن فقط سرا، وعلى القول بالقضاء في الأقوال دون الأفعال يأتي بركعتين بأم القرآن وسورةٍ جهرًا ويجلس بينهما، واعلم أن الباني هو المنفرد والقاضي هو المسبوق ويعبر عنه بالمدرك ولذا قال المصنف: ففعله أي المدرك لركعةٍ فأكثر مع الإمام في حال قضاء ما سبقه به الإمام المنفرد في حال بنائه حتى يفسد بعض ركعاته فإنه يجعل ما صح عنده أول صلاته ويبني عليه"تنبيهات" الأول: قال سيدي يوسف بن عمر في قول المصنف: كفعل الباني المصلي وحده إشكال من حيث أنه أحال المدرك بفعله على الباني وهو لم يبين صورة الباني فأحال مجهولًا على مجهولٍ، وأجاب بعض الشيوخ عن هذا الإشكال بجعل المصلي وحده تفسيرًا للباني فكأنه قال: فعله كفعل المصلي وحده، وقد بين فعل المصلي وحده في باب صفة العمل في الصلاة فيما تقدم، فليس فيه إحالة على مجهولٍ بل على معلومٍ، وأما ابن عمر فقد سلم الإشكال وجهه ظاهر؛ لأنه لا يلزم من تفسير الباني بالمصلي وحده زوال الإشكال،؛ لأنه لم يبين كيف يفعل المصلي وحده إذا تبين له فساد بعض صلاته، وفسر الباني بأنه الذي يصلي صلاته إلى آخرها، ثم يذكر ما يفسد له بعض صلاته المشار إليه بقوله خليلٍ: ورجعت الثانية أولى ببطلانها لفذ وإمامٍ؛ لأنه يجعل ما صح عنده أول صلاته وصوره ثلاث: إحداها أن يذكر ما يفسد له ركعةً إما بترك ركوعٍ أو سجودٍ مثلًا، ويوازي هذا من حال المدرك الذي كلام المصنف فيه أن تفوته ركعة مع الإمامـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب المغازي باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى حديث 4425 والترمذي حديث 2262 والنسائي 5388 وأحمد في مسنده 5/50 حديث 205272 لم أقف عليه.
ثانيتهما: أن يذكر ما يفسد له ركعتين ويوازي هذا من حال المدرك أن تفوته ركعتانثالثتهما: أن يذكر ما يفسد له ثلاث ركعاتٍ ويوازي هذا من حال المدرك أن تفوته ثلاث ركعاتٍوأما إن ذكر ما يفسد له جميعها فلا عمل عنده فيها وهو كحال من لم يدرك من الصلاة شيئًا، وصورة العمل في هذه المسألة أن يجعل الإمام على حدةٍ والباني على حدةٍ والمدرك واسطة بينهما، فيفعل أي المدرك وهو المسبوق ببعض صلاته مع الإمام في القراءة كفعل الإمام ويفعل في الأفعال كفعل الباني فقد أخذ من كل طرفٍ شيئًا وهو معنى قول المصنف: فليقض على نحو ما فعل الإمام في القراءة، وأما في القيام والجلوس فكالباني المصلي وحده، ووجه العمل في الباني أن يجعل ما صح عنده هو أول صلاته فيبني عليه، ويأتي بما فسد له على نحو ما يفعل في ابتداء صلاته، فإذا ذكر ما يفسد له الركعة الأولى من العشاء مثلًا وهو في حال التشهد الأخير فإنه يأتي بركعةٍ ويقرأ فيها بأم القرآن فقط، ويسجد قبل السلام لنقص السجود والجلوس الأول؛ لأنه أتى به في غير محله؛ لأنه أتى به بعد ركعةٍ وزاد الركعة الملغاةوالمدرك يأتي بركعةٍ بأم القرآن وسورةٍ؛ لأنه يفعل كفعل الإمام فيها، ويخالفه في الجلوس؛ لأن الإمام لم يجلس فيها، وجلس هو فيها؛ لأنها رابعة له، وإن ذكر ما يفسد له ركعتين فإنه يأتي بهما بأم القرآن خاصةً، وتكون صلاته كلها بأم القرآن، ويسجد قبل السلام؛ لأنه نقص السورتين وزاد الركعتين الفاسدتين ونقص الجلوس؛ لأنه ظهر فعله في غير محلهوأما المدرك فإنه يأتي بها بأم القرآن وسورةٍ جهرًا؛ لأن الإمام قرأ فيهما كذلك في آخر صلاته، وإن ذكر ما يفسد له ثلاث ركعاتٍ أتى بركعةٍ بأم القرآن وسورةٍ ويجلس لأنها ثانيته، ويقوم فيأتي بالركعتين الباقيتين بأم القرآن فقط، ويسجد أيضًا قبل السلام؛ لأنه نقص السورة وزاد الركعات الفاسدة، وهذا الكلام في الباني على قول ابن القاسم الذي مشى عليه المصنف و خليل بقوله: ورجعت ثانيته أولى ببطلانها لفذ وإمامٍ لانقلاب ركعاتهما، وأما على قول غيره فإنه يأتي بما فسد له على نحو ما أفسدهوأما المدرك إذا فاته ثلاث ركعاتٍ فإنه يقوم ويأتي بركعةٍ بأم القرآن وسورةٍ ويجعلها مع التي أدرك، ويجلس بعدها، فوافق في هذا الفعل الباني، ثم يقوم فيأتي بركعةٍ بأم القرآن وسورةٍ، ثم يأتي بركعةٍ بأم القرآن فقط، وهذا وجه العمل في هذه الثلاث صورٍ التي تتصور في الباني والمدرك، وإن ذكر الباني أنه ترك سجدةً من كل ركعةٍ أو ترك من كل ركعةٍ سجدتيها، فإن كان
تذكر في التشهد الأخير قبل أن يسلم فإنه يسجد سجدةً في الصورة الأولى وسجدتين في الثانية وتصير الرابعة أولى فيبني عليها لبطلان الثلاث الأولى، لفوات تدارك إصلاح كل ركعةٍ بعقد ما بعدها وعقدها بالانحناء فيها وقبل رفع الرأس من الركعة التي تليها، وهو المعتمد، ثم يأتي بثانيةٍ بأم القرآن وسورةٍ ويجلس ثم بركعتين بأم القرآن فقطويسجد قبل السلام؛ لأن معه زيادة الركعات الباطلة ونقص السورة من الرابعة التي صارت أولى، وإن تذكر بعد السلام بطلت الصلاة كلها؛ لأن السلام يفوت تدارك الأخيرة، وهذه أشار إليها خليل بقوله: وبطلت بأربع سجداتٍ من أربع ركعاتٍ الأول والثاني مثل الأربع كما ذكرنا، وأما لو ذكر الباني أنه ترك سجدةً أو شك في تركها ولا يدري من أي ركعةٍ هي، فقال ابن القاسم: يخر ساجدًا لاحتمال أن تكون من الركعة التي هو فيها، ولم يفت تداركها وبعد ذلك ينظر إن كان تذكره أو شكه وهو في
الجلسة الأخيرة يأتي بعد السجدة بركعةٍ بفاتحةٍ فقط لانقلاب ركعاته، ويسجد قبل السلام لاحتمال أن تكون من إحدى الأوليين ورجعت التي لا سورة فيها مكانها، وأشار خليل إلى هذه بقوله: وإن شك في سجدةٍ لم يدر محلها سجدها وفي الأخيرة يأتي بركعةٍ وفي قيام ثالثته بثلاثٍ ورابعته بركعتين وتشهدٍ أي بعد الإتيان بالسجدة؛ لأنه بعد الإتيان بها ثبت له ركعتان؛ لأنه لم يبق معه محقق سواهماالثاني: قال سيدي أحمد زروق: لو قال المصنف كفعل الباني دون قيد المصلي وحده لكان أتم؛ لأن حكم الإمام والمأموم والفذ في البناء على ما صح من صلاتهم عند تبين فساد بعضها سواءً ا هـقال الأجهوري: في كلامه نظر؛ لأن المأموم يخالف الفذ والإمام لانقلاب ركعاتهما، وأما المأموم فلا تنقلب ركعاته إلا تبعًا لإمامه، وأما لو لم تنقلب ركعات إمامه لم تنقلب ركعاته، ويأتي بما فسد له على صورة ما فسدالثالث: قول المصنف فيمن أدرك ركعةً فليقض يوهم اختصاص هذا الحكم بالمدرك، ويعبر عنه بالمسبوق وليس كذلك، بل مثله من دخل مع الإمام من أول الصلاة إلى آخرها، ثم ذكر ما يفسد له ركعةً أو أكثر؛ لأنه صار مثل المسبوق بجامع أن كلا منهما بقي عليه بعد سلام الإمام بعض صلاته فيقوم قاضيًا في الأقوال بانيًا في الأفعالالرابع: سكت المصنف عن سجود السهو لظهور أمره لأن الباني يسجد من غير شك لأن معه زيادةً وربما ينضم لها نقص، بخلاف المدرك قد لا يحصل له نقص ولا زيادة، نعم إن كان على إمامه سجود يخاطب به أو حصل له بعد قيامه لقضاء ما عليه ما يوجب السجود يسجد،
وإنما أطلنا في ذلك لداعي الحاجة وتسهيلًا على الطالب ثم صرح بمفهوم قوله: ومن أدرك مع الإمام ركعةً فقد أدرك الجماعة بقوله: "ومن صلى وحده" فريضةً أو صلاها مع صبي ولم يكن إمامًا راتبًا صلى في محله بشرطه "فله" على جهة الندب "أن يعيد" صلاته ولو في وقت الضرورة "في الجماعة" اثنين فأكثر لا مع واحدٍ إلا أن يكون إمامًا راتبًا، خلافًا لظاهر خليلٍ في قوله: ولو مع واحدٍ فإن ظاهره يصدق بغير الإمام الراتب، وليس كذلك؛ لأن ابن عرفة أنكر القول بالإعادة مع الواحد غير الإمام الراتب، وينوي بإعادته الفرض مع التفويض لاحتمال تبين عدم صحة الأولى فتجزيه هذه المعادة، وأما لو صلاها مع بالغٍ ولو امرأةً فقد حصل له الفضل، وكذا لو كان إمامًا راتبًا صلى في محله المعتاد له بعد الأذان وانتظار الجماعة فقد حصل له الفضل لقول خليلٍ والمصنف فيما يأتي: والإمام الراتب كجماعةٍ، ثم بين علة الإعادة بقوله: "للفضل في ذلك" أي في صلاة الجماعة وهو ما في الموطإ والصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجةً" 1 أي صلاةً، وتندب إعادتها لذلك الفضل ولو كان صلاها وحدها أول الوقت للاتفاق على أفضلية الجماعة على الانفراد، بخلاف أفضلية الصلاة في أول وقتها على فعلها جماعةً آخره، ومحل ندب إعادة من صلى وحده أن لا يكون صلاها في أحد المساجد الثلاثة: مكة والمدينة وبيت المقدس وإلا لم تندب إعادتها؛ لأن فذها أفضل من جماعة غيرها فكيف يعيد؟ والحاصل أن من صلى في واحدٍ منها لا يعيد في غيرها ولو في جماعةٍ، وأما لو دخل واحدًا منها بعد أن صلى في بعضها فذا فإن له أن يعيد في البعض الآخر في جماعةٍ لا فذ، ولو كان ما دخل فيه أفضل مما صلى فذا فيه، وأما من صلى في غيرها منفردًا استحب له إعادتها فيها ولو منفردًا، وأما لو كان صلى في غيرها جماعةً فلا يعيد فيها إلا في جماعةٍ على المشهور، ومقابله للخمي يعيدها ولو فذا وهو مقتضى قولهم: أن فذها أفضل من جماعةٍ غيرها، ولما كان مفعول صلى يؤذن بالعموم لحذفه استثنى منه ما لا يعاد لفضل الجماعة بقوله: "إلا المغرب وحدها" كان عليه أن يزيد: وإلا العشاء بعد الوتر فتحرم إعادتها لفضل الجماعة كما هو المفهوم من تعبير التوضيح بالمنع، وصرح به ابن عرفة؛ لأن المغرب وتر صلاة النهار وبالإعادة تصير شفعًا، فإن اقتحم النهي وأعاد المغرب قطع ما لم يركع وإلا
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء حديث 900 ومسلم كتاب الصلاة باب خروج النساء إلى المساجدإذا لم يترتب عليه فتنة حديث 442 وأبو داود حديث 565 وابن ماجه حديث 16 وأحمد في مسنده 2/16 حديث4655.
شفعها، وإن لم يذكر إلا بعد ثلاثٍ شفعها بواحدةٍقال خليل: وإن أعاد ولم يقعد قطع وإلا شفع، وإن أتم ولو سلم أتى برابعةٍ إن قرب، وإنما حرم إعادة العشاء بعد الوتر لما يلزم من اجتماع وترين في ليلةٍ إن أعاد الوتر، ومن مخالفة قوله عليه الصلاة والسلام: "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترًا" 1 إن لم يعده فإن اقتحم النهي وأعاد العشاء فالظاهر من التفريع في كلام خليلٍ على إعادة المغرب فقط قطع العشاء ولعل الفرق بين قطع العشاء مطلقًا وشفع المغرب بعد عقدها ما قيل من أن العشاء بعد الوتر لا يتنفل بعدها، ولم يقل أحد ذلك في المغرب"تنبيهان" الأول: إذا علمت أن العشاء بعد الوتر كالمغرب في عدم الإعادة لفضل الجماعة علمت أن اقتصار المصنف على المغرب غير مسلمٍ؛ لأنه اتباع لغير المشهور، وعلى مقابل المشهور من إعادة العشاء لفضل الجماعة بعد الوتر فهل يعاد الوتر أو لا؟ قولان لسحنونٍ وغيرهالثاني: المغرب والعشاء بعد الوتر وإن كانا لا يعادان لفضل الجماعة يعادان للترتيب وللصلاة بالنجاسة نسيانًا، ويعاد الوتر في الصورتين؛ لأن الإعادة للحل آكد منها لفضل الجماعة"ومن أدرك ركعةً فأكثر من صلاة الجماعة" ولو مع الإمام وحده "فلا يعيدها في الجماعة" أي يحرم عليه ذلك ولو كانت الثانية أفضل وأكثر عددًا؛ لأن الفضل الذي تشرع لأجله الإعادة قد حصل، وإن كانت الصلاة ابتداءً مع الفضلاء وفي الجموع الكثيرة أفضل، إلا أن هذا الفضل لا تشرع لأجله الإعادة"تنبيهات" الأول: إذا علمت أن الصلاة مع واحدٍ كالصلاة مع الجماعة علمت أن قول المصنف من صلاة الجماعة غير معتبر المفهوم؛ لأنه يوهم أن من صلى مع واحدٍ يعيد وليس كذلكالثاني: مفهوم أدرك ركعةً من صلاة الجماعة أن المصلي وحده يعيد مطلقًا وليس كذلك لما سيأتي من أن الإمام الراتب حكمه حكم الجماعة في أنه إن صلي وحده يحصل له الفضل ولا
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب فضل صلاة الفجر في جماعة حديث 649.
يعيد مفهوم ما هنا بما يأتيالثالث: ظاهر قوله: فلا يعيدها في جماعةٍ، ولو كانت الجماعة التي يريد الإعادة معها في أحد المساجد الثلاثة وليس كذلك بل يجب تقييد كلامه بما إذا كانت الجماعة التي يريد الإعادة معها في غير المساجد الثلاثة أو كانت الجماعة الأولى في أحدها، وأما لو كانت الأولى في غيرها والثانية فيها فيندب له الإعادة معها لما قدمنا من أن المصلي في غيرها في جماعةٍ يعيد فيها جماعةً لأن جماعتها أفضل من جماعة غيرهاالرابع: قوله هنا ومن أدرك ركعةً إلخ ليس مكررًا مع قوله أول الباب: ومن أدرك ركعةً فقد أدرك الجماعة؛ لأن ما تقدم قصد به التنبيه على أن مدرك ركعةٍ كاملةٍ مع الإمام يحصل له فضل الجماعة، وما هنا قصد به التنبيه على أن محصل الفضل تحرم عليه إعادة الصلاة للفضل الحاصل، ولا يقال: من الأول يفهم الثاني؛ لأنا نقول: لا يلزم من فهم شيءٍ من شيءٍ كونه مقصودًا منه"و" مفهوم إدراك ركعةٍ إلخ أن "من لم يدرك" مع الإمام "إلا التشهد الأخير أو الجلوس" ونحوهما مما ليس بركعةٍ كاملةٍ وكمل صلاته "فله" على الندب "أن يعيد" تلك الصلاة "في جماعةٍ" أخرى ليحصل له فضل الجماعة كمن صلاها ابتداءً وحده كما تقدم، وإنما لم يستغن بما تقدم عن هذه للرد على من يقول بحصول الفضل بإدراك ما دون ركعةٍ أو لمجرد رفع توهم اعتقاد حصول الفضل له، وإنما قلنا: وكمل صلاته للإشارة إلى من أدرك ركعةً مع الإمام له أن يقطع ويدرك جماعةً أخرى يرجوها، فإن لم يرج جماعةً كمل صلاته ولا يقطعها حيث كان غير معيدٍ لفضل الجماعة، وأما المعيد لفضلها فإنه إن لم يدرك ركعةً يشفع ندبًا حيث كانت الصلاة الأولى مما ينتفل بعدها كما في الجلابثم شرع يتكلم على محل وقوف المأموم؛ لأنه من جملة أحكامه بقوله: "والرجل الواحد" ومثله الصبي الذي يعقل القربة إذا صلى واحدًا منهما "مع الإمام" يستحب له أن "يقوم" أي يصلي "عن" أي جهة "يمينه" ويندب له أن يتأخر عنه قليلًا بحيث يتميز الإمام من المأموم وتكره محاذاته، والدليل على ذلك حديث الصحيحين: "أن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: بت في بيت خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقمت عن يساره فأخذ بيدي من وراء ظهره فعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن"1 وإنما لم يدره من أمامه لئلا يمر بين يديه وهو
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب فضل صلاة الفجر في جماعة حديث 649.
يصلي"و" مفهوم الواحد أنه يستحب أن "يقوم" أي يصلي "الرجلان فأكثر خلفه" لما في مسلمٍ عن جابر بن عبد الله: "قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جابر بن صخرٍ فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه"1 ويؤخذ من هذا أنه لو كان واحد عن يمين الإمام أولًا، ثم جاء آخر أنهما يتأخران خلف الإمام ولا يؤمر الإمام بالتقدم أمامهما بل يستمر واقفًا وهما المأموران بالتأخر خلف الإمام، وبتأويلنا يقوم فيصلي يشمل كلام المصنف المصلي جالسًا "فإن كانت امرأة معهما" أي مع الرجلين "قامت خلفهما" ولا تقف في صفهما لخبر البخاري عن أنسٍ قال: "صليت أنا واليتيم وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم
والعجوز من ورائنا"2 واليتيم حمزة والعجوز أم سليمٍ "فإن كان معهما" أي مع الإمام والمرأة بقرينة اسم كان؛ لأنه لم يبق بعده إلا الإمام والمرأة "رجل" ومثله الصبي الذي يعقل القربة "صلى" الرجل ومن في حكمه "عن يمين الإمام والمرأة" تصلي "خلفهما" لما في مسلمٍ عن أنسٍ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته وأقامني عن يمينه؛ لأنه كان يعقل الصلاة وأقام المرأة خلفنا"3 وحكم جماعة النسوة مع الإمام والرجل حكم الواحدة معهما، وسيأتي ذلك في باب الجمعة، وإلى هذا كله قال خليل مشبهًا في المندوب: كوقوف ذكرٍ عن يمينه واثنين خلفه وصبي عقل القربة كالبالغ والنساء خلف الجميع"ومن صلى بزوجته" المراد بامرأةٍ ولو أجنبيةً "قامت خلفه" ولا تقف عن يمينه، فلو وقفت بجنبه كالرجل كره لها ذلك، وينبغي أن يشير لها بالتأخير، ولا تبطل صلاة واحدٍ منهما بالمحاذاة إلا أن يحصل ما يبطل الطهارة كما هو معلوم مما مر"تنبيه": لم يعلم من كلامه كخليلٍ حكم وقوف الخنثى، وينبغي أن حكمه مع الإمام وحده أو مع رجالٍ كالأنثى، وأما مع رجالٍ وإناثٍ فيقف خلف الرجال والأنثى المحققة خلفه، هذا
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب قول الرجل فاتتنا الصلاة حديث 635 ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة حديث 6032 صحيح: أخرجه النسائي كتاب الإمامة باب السعي إلى الصلاة حديث 861 وأحمد 2/238 حديث 7249, وانظر صحيح الجامع 2723 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب فضل صلاة الجماعة حديث 645 ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاة الجماعة حديث 650, ومالك في الموطأ 1/129 حديث 288.
ما يدل عليه كلامهم وحرره"والصبي إن صلى مع رجلٍ واحدٍ خلف الإمام" المراد اقتديا به "فإما خلفه" كالبالغين لكن بشرط "إن كان الصبي يعقل" القربة بحيث "لا يذهب ويدع من يقف معه" قال خليل: وصبي عقل القربة كالبالغ، وأما الذي لا يعقل فيتركه الإمام يقف كيف شاء"تنبيهان" الأول: علم مما قررنا أن هذا الترتيب وكذا الوقوف خلف الإمام مستحب، وخلافه مكروه ومحل كراهة التقدم على الإمام ومحاذاته حيث لا ضرورةالثاني: مما يستحب في الصلاة أيضًا تسوية الصفوف واتصالها، ويكره عدم تسويتها أو تقطيعها، وكذلك لا يشرع في الصف الثاني إلا بعد كمال الأول، واختلف في الأول، والصحيح أنه الذي يلي الإمام، ولا يضر الفصل بالمقصورة أو المنبر، وسواء قرب صاحبه من الإمام أو بعد عنه، ويستحب إيقاع الصلاة فيه؛ قال خليل: وإيقاع الفرض بالصف الأول لخبر: "إن الله وملائكته يصلون ثلاثًا على أهل الصف الأول وواحدةً من يليه" 1 ويحصل فضل الجماعة عندنا ولو صلى في غير الصف اختيارًا، وإنما يفوته ثواب الصلاة في الصف حيث ترك الدخول فيه اختيارًا لا لضرورةٍ فيحصل له ثوابه لنية الدخول فيه لولا المانعقال خليل: وصلاة منفردٍ خلف صف أي يحصل معها فضل الجماعة وإن كره مع التمكن من الدخول في الصف "والإمام الراتب" وهو الذي نصبه السلطان أو نائبه على وجهٍ يجوز أو يكره أو نصبه واقف المسجد؛ لأن شرط الواقف واجب الاتباع وإن كان بمكروهٍ، وكذلك السلطان أو نائبه لوجوب اتباع أمره، وإن أمر بمكروهٍ على أحد قولين لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق" 2 فإنه يقتضي بمفهومه أن طاعة السلطان واجبة في أمره بالمكروه، وسواء كان الراتب منصوبًا في مسجدٍ أو سفينةٍ أو في مكان جرت العادة بالجمع فيه، سواء كان في جميع الصلوات أو بعضها"إن صلى وحده" في مكانه الذي نصب للصلاة فيه "قام مقام الجماعة" في حصول فضلها له وهو سبع وعشرون أو خمس وعشرون صلاةً زيادةً
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب ليجعل آخر صلاته وترا حديث 998, ومسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة حديث 751 وأبو داود حديث 14382 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوله الإمام حديث 698, ومسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه حديث 763, ومالك في الموطأ 1/121.
على صلاة الفذ، فتصير ثمانيةً وعشرين أو ستةً وعشرين، وجعلنا التمييز صلاةً؛ لأنها المرادة بالجزء أو الدرجة في الحديث قال خليل: والإمام الراتب كجماعةٍ فلا يعيد في جماعةٍ لحصول الفضل له، ولا يجوز لغيره أن يجمع في محله قبله أو بعده، ويستحب له أن يجمع ليلة المطر حيث كان منزله خارج المسجد، ويقتصر على: سمع الله لمن حمده، وقيل: يجمع بينهما وبين: ربنا ولك الحمد، لكن يشترط في قيامه مقام الجماعة صلاته في وقته المعتاد وانتظار الناس على العادة ونية الإمامة والأذان والإقامةقال سند: إذا أقام الإمام الصلاة فلم يأته أحد لم يندب له طلب جماعةٍ في مسجدٍ آخر بل يكره له ذلك، وهو مأمور بالصلاة في مسجده"ويكره" تنزيهًا على المعتمد "في كل مسجدٍ" أو ما في حكمه مما "له إمام راتب" على الوجه الذي قدمنا "أن تجمع فيه الصلاة مرتين" قال خليل عاطفًا على المكروه: وإعادة جماعةٍ بعد الراتب، وإن أذن الإمام، لكن عبارة المصنف أحسن من عبارة خليلٍ؛ لأن قوله هنا: يكره جمعها مرتين يصدق بصلاتها جماعةً قبل الإمام أو بعده، وكلام خليلٍ يوهم أن الكراهة في الجمع بعده فقط ا هـ، والحاصل أن الكراهة في الجمع قبله أو بعده وإن أذن الإمام؛ لأن من أذن لشخصٍ أن يؤذيه لا يجوز له أذيته، وإنما كره الجمع لغير الراتب على هذا الوجه؛ لأن غرض الشارع تكثير الجماعة لخبر: الجمع الكثير مغفور له، فإذا علمت الناس عدم جمع الصلاة في المحل مرتين بادروا لحضورها مع الراتب، ومن كرمه تعالى أن جعل الجمعة مجمعًا للناس فوق الجماعة في كل صلاةٍ؛ لأن الجماعة في غير الجمعة قد لا يكون فيها مغفور له فنجده في الجمعة، وشرع العيد لاجتماع أهل البلدان المتقاربة، وشرع الموقف بعرفة لاجتماع سائر الأقطار فيه، ففيه اعتناء بشأن العيد، وحملنا الكراهة في الجمع على وقوعها قبله وبعده للاحتراز عن الجمع في حال صلاة الراتب فإنه حرام، بل صلاة المنفرد حرام في تلك الحالة قال خليل: وإن أقيمت بمسجدٍ على محصل النفل، وهو به خرج ولم يصلها ولا غيرها، وإلا لزمته كمن لم يصلها، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" 1 ومفهوم كلامه أن المساجد التي لا راتب لها لا يكره تعدد الجماعة فيها، كما لا تكره صلاة المنفرد فيها بعد جمع الإمام، وأما صلاة المنفرد قبل الراتب، ويخرج قبل إتيانه فإنه يكره إلا لضرورةٍ فيجوز،
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب كتاب الزهد والرقائق باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر حديث 3014.
كما يجوز للإمام الراتب أن يجمع إذا جاء فوجد غيره جمع في محله حيث كان بغير إذنه، وإلا كره له كما يكره جمعه إذا تأخر كثيرًا قال خليل: وله الجمع إن جمع غيره قبله إن لم يؤخر كثيرًا"تنبيه": نائب الراتب حكمه حكم الراتب في كل ما ذكرناه على ما يظهر خلافًا لمن نازع في ذلك، والله أعلم"ومن صلى صلاةً" بحيث برئت ذمته منها سواء صلاها فذا أو في جماعةٍ "فلا يؤم فيها أحدًا"؛ لأن شرط الإمام أن لا يكون معيدًا سواء كانت تلك الصلاة فريضةً أو نافلةً، فمن صلى العيد في جماعةٍ لا يؤم فيها غيره، ومن صلى خلف المعيد يعيد صلاته أبدًا حيث كان صلاته فريضةً ولو في جماعةٍ، وأما قول خليلٍ: وأعاد مؤتم بمعيدٍ أبدًا أفذاذًا فإن قوله أفذاذًا خلاف المعتمد، وأما السنة كالعيد فتعاد قبل الزوال وهذا في المأموم، وأما الإمام في هذه الصورة فلا يعيد صلاته إلا إذا كان أداها أولًا منفردًا لحصول فضل الجماعة له في تلك الحالة على تقدير بطلان صلاته الأولى كما يؤخذ من كلام الناصر اللقاني"وإذا سها الإمام" عن شيءٍ يوجب السهو عنه السجود "وسجد لسهوه فليتبعه" في السجود وجوبًا "من لم يسه معه ممن خلفه" وأولى من حضر معه السهو وإن أتى به؛ لأن القاعدة أن كل ما يجمله الإمام عن المأموم يكون سهو الإمام سهوًا للمأموم، وإن فعله أو لم يحضر موجبه، واعلم أن المأموم إن لم يكن مسبوقًا فأمره واضح من لزوم متابعة الإمام، وأما لو كان مسبوقًا فإن كان لم يدرك مع الإمام ركعةً يخاطب بالسجود، وإن سجد ولو مع الإمام بطلت صلاته إن سجد عمدًا أو جهلًا، وإن أدرك معه ركعةً فإنه يسجد القبلي والبعدي بعد القضاء، فلو سجده معه بطلت صلاته في العمد والجهل كما تبطل بسجوده القبلي معه حيث لم يكن أدرك ركعةً قال خليل: وبسجود المسبوق مع الإمام بعديا مطلقًا أو قبليا إن لم يلحق ركعةً، وإلا سجد ولو ترك إمامه أو لم يدرك موجبه وأخرى البعدي"تنبيه": مفهوم قوله: فليتبعه أن المأموم لو ترك تبعية الإمام في السجود بطلت صلاته إن كان قبليا، وتركه عمدًا أو جهلًا، ولا تبطل إن تركه مع الإمام سهوًا، كما لا تبطل بترك سجوده البعدي، ومفهوم قوله: وسجد لسهوه أن الإمام لو ترك السجود لسهوه لا يسجد المأموم، وليس كذلك بل يؤمر بالسجود ولو تركه الإمام قال خليل: وإلا سجد ولو ترك إمامه أو لم يدرك موجبه، وأخر البعدي فإن سجد المأموم القبلي معه وتركه إمامه صحت صلاته، وتبطل صلاة إمامه إن كان عن نقص ثلاث سننٍ وطال قال الأجهوري: وتزاد هذه على قاعدة كل
صلاةٍ بطلت على الإمام بطلت على المأموم إلا في سبق الحدث ونسيانه كما نص على ذلك ابن رشدٍ"و" من أحكام المأمومين أنه "لا يرفع أحد" منهم "رأسه" من ركوعٍ أو سجودٍ "قبل" رفع "الإمام" لحرمة ذلك، ويقاس عليه الخفض لما في حديث أنسٍ: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فلما قضى أقبل علينا بوجهه فقال: "أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم من أمامي ومن خلفي" 1 قال ابن ناجي: فلو رفع لاعتقاده رفع الإمام رجع إليه من يعتقد أنه يلحقه قبل رفعه وإلا تمادى، خلافًا لسحنونٍ في قوله: لا بد من رجوعه ليقع رفعه بعد الإمام قال خليل: وأمر الرافع بعوده إن علم إدراكه قبل رفعه كأن خفض على ما صوبه ابن غازي، فلو ترك العود فصلاته صحيحة حيث أخذ فرضه مع الإمام قبل رفعه، فإن لم يكن أخذ فرضه وترك الرجوع عمدًا أو جهلًا بطلت؛ لأنه كمتعمدٍ ترك ركنٍ، كان سهوًا كان كمن زوحم تفوته الركعة ويأتي ببدلها"و" الواجب على من خلفه أن "لا يفعل" واحد منهم شيئًا "إلا بعد فعله" أي الإمام لما في الصحيحين عن البراء قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدًا ثم نقع سجودًا بعده"2 وفي الصحيحين أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" 3 وظاهر كلام المصنف عموم التأخر عن الإمام حتى في الركوع، وهو كذلك عن مالكٍ رضي الله عنه، وقيل: يشرع معه في الركوع
وهو لمالكٍ أيضًا وهذا كله في غير القيام من اثنتين، وأما فيه فمتفق على طلب التأخر حتى يستقل الإمام قائمًافإن قيل: قوله ولا يفعل إلا بعد فعله تكرار مع ما قبله، فالجواب من وجهين: أحدهما أن هذا من باب ذكر العام بعد الخاص، وثانيهما أن الأول نهى فيه عن السبق، وقوله هنا: ولا
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب المرأة تكون وحدها تكون صفا حديث 727 بلفظ: "صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا"2 صحيح: أخرجه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير حديث 6603 صحيح: أخرجه ابن ماجه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب فضل الصف المقدم بلفظ: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول" حديث 999 أما مابعده فلم أقف عليه وقد صحح الألباني الرواية المخرجة صحيح الجامع 1839.
يفعل إلا بعد فعله نهى فيه عن المصاحبة التي كان يتوهم من كلام المصنف السابق جوازها"تنبيه": علم مما قررنا به كلام المصنف أنه لا يجوز سبق الإمام ولا مصاحبته في فعل ركنٍ من الأركان، وحكم السبق الحرمة والمصاحبة الكراهة، وأما التأخر عنه حتى ينتقل إلى ركنٍ آخر فحرام، وعلم أنه يجب الرجوع إلى الإمام في السبق في الرفع والخفض وهذا كله في غير الإحرام والسلام، وأما هما فأشار إلى الإحرام بقوله: "و" يجب على مريد الاقتداء أن "يفتتح" أي يكبر للإحرام "بعده" أي بعد فراغ الإمام وهذا خبر بمعنى النهي أي لا يجوز للمأموم أن يحرم قبل الإمام، فإن افتتح المأموم الإحرام قبل إمامه بطلت صلاته، وإن ختمه بعده، وكذا إن صاحبه في افتتاحه تبطل صلاته وإن تأخر ختمه، وأما إن افتتح الإمام الإحرام قبل المأموم ولو بحرفٍ فلا تبطل صلاته إن تأخر عنه في ختمه، وكذا إن صاحبه على المعتمد، وتبطل إن ختمه قبله، فالصور تسع، تبطل صلاة المأموم في سبعٍ وتصح في صورتين، ولا فرق في صورة البطلان من وقوع ذلك عمدًا أو جهلًا أو سهوًا"تنبيه": قال الفاكهاني: إذا علم المأموم أن إحرامه سابق على إحرام إمامه وأراد أن يحرم بعده فقال مالك: يكبر ولا يسلم؛ لأنه كأنه لم يكبر لمخالفته ما أمر به من التأخير عن الإمام، خلافًا لسحنونٍ في قوله يسلم، وهذا بخلاف من صلى منفردًا أو شك في تكبيرة الإحرام، فهذا إن كان قد ركع يقطع بسلامٍ، وإلا كبر من غير احتياجٍ إلى سلامٍ، وقد ذكرنا ذلك في أول باب صفة العمل في الصلاة"و" يطلب من المأموم أن "يقوم من اثنتين بعد قيامه" أي الإمام، وهذا أيضًا خبر بمعنى النهي، أي لا يجوز للمأموم أن يقوم من اثنتين إلا بعد استقلال إمامه ويحرم سبقه وتكره مصاحبته كما قدمنا
وأشار إلى حكم السلام بقوله: "و" يجب على المأموم أن لا "يسلم" إلا "بعد سلامه" أي الإمامقال خليل: في شروط الاقتداء ومتابعة في إحرامٍ وسلامٍ، فإن شرع في السلام قبل إمامه عمدًا أو جهلًا بطلت، ومثل السبق المصاحبة في ابتدائه تبطل بها الصلاة، وإن تأخر ختمه عن الإمام، أما لو سبقه الإمام في ابتدائه ولو بحرفٍ فهذا إنما يبطل صلاة المأموم إن ختم قبل الإمام لا إن تأخر عن سلام الإمام أو صاحبه على المعتمد، فالصور تسع كصور الإحرام تبطل في سبعٍ وتصح في صورتين، ومحل البطلان في سبعٍ: السلام إن وقع السلام قبل الإمام أو معه على وجه العمد أو الجهل، وأما لو سبقه سهو الأمر بالسلام بعد الإمام، لم تبطل صلاته حيث لم يأت بمبطلٍ بعد سلامه "وما سوى ذلك" المذكور من الافتتاح بالإحرام والقيام من اثنتين
والتأخر بالسلام "فواسع" أي لا حرج على المأموم في "أن يفعله معه" أي مع الإمام "و" لكن فعله "بعده أحسن" أي مستحب"تنبيه": كلام المصنف صريح في جواز المساواة في نحو الركوع والسجود وليس كذلك، إذ كلام خليلٍ الذي قدمناه كراهة المساواة في غير الإحرام والسلام وفيهما مبطلة، ويمكن الجواب بأن مراده بواسعٍ عدم الحرمة فلا ينافي الكراهة بقرينة قوله: وبعده أحسن بمعنى مستحب فأفعل ليس على بابهوالحاصل: أن المطلوب من المأموم أن يتأخر عن الإمام في كل أركان الصلاة ويحرم سبقه في جميعها، وكذا مصاحبته في الإحرام والسلام لبطلان الصلاة بهما، وأما السبق في غيرهما عمدًا فحرام ولا تبطل به الصلاة، وأما المساواة فمكروهة قال خليل: ومتابعة في إحرامٍ وسلامٍ، فالمساواة، وإن شك في المأمومية مبطلة لا المساواة كغيرهما لكن سبقه ممنوع وإلا كره"وكل سهوٍ سهاه المأموم" فيما يحمله عنه إمامه في حال اقتدائه "فالإمام يحمله عنه" كالتكبير ولفظ التشهد وزيادة سجدةٍ أو ركوعٍ قال خليل: ولا سهو على مؤتم حالة القدوة، وأما لو كان مسبوقًا سها بعد مفارقة الإمام عن شيءٍ فلا يحمله عنه بل يسجد له، ولا مفهوم للسهو في كلامه كخليلٍ بل يحمل عنه بعض عمدٍ كترك التكبير أو لفظ التشهد، وإنما قلنا مما يحمله الإمام لأجل قوله: "إلا" نحو "ركعةٍ أو سجدةٍ" أو ركوعٍ أو طمأنينة "أو تكبيرة الإحرام أو السلام أو اعتقاد نية الفريضة" فإن الإمام لا يحمل شيئًا منها عن المأموم لأنها فرائض، والإمام إنما يحمل عن المأموم ما يسجد لأجله، وقوله: أو اعتقاد نية الفريضة قال التادلي: الصواب حذف لفظ اعتقاد الذي هو العزم على الشيء والتصميم عليه، والنية هي إرادة الفعل وهي متأخرة عن العزم، والعزم سابق عليها، ولي في هذا الكلام بحث؛ لأنهم عرفوا النية بأنها العزم على الشيء مقترنًا بفعله، فلعل إضافة اعتقاد إلى نيةٍ بيانية أي اعتقاد هو نية الفريضة"وإذا سلم الإمام" من الصلاة "فلا يثبت بعد سلامه" وفسر عدم الثبوت بقوله: "ولينصرف" من محرابه ندبًا قال خليل: وكره تنفله بمحرابه، وقال شارحه: وكذا جلوسه على هيئته في المحراب من غير تنفلٍ، وإنما يخرج من الكراهة بانصرافٍ أو تغيير هيئته التي كان عليها في صلاته، بل هذا أولى من الانصراف لما يأتي من أن الانصراف سريعًا من التشديد في الدين، وإنما طلب من الإمام الانصراف بعد سلامه لئلا يتوهم الداخل أنه في صلاة الفريضة أو غير
ذلك من التعاليل، فظاهر كلام المصنف أنه ينصرف قبل الذكر المطلوب عقب الفريضة وهو كذلك؛ لأنه يأتي به بعد انصرافه أو تغيير هيئته، والحاصل أنه يندب للإمام أن يغير حالته بعد السلام إما بالانصراف أو تغيير هيئته بأن يتحول إلى أي جهةٍ شاء، إما إلى جهة اليمين أو الشمال كما قال مالك بناءً على أن العلة التلبيس على الداخل، وإما بالانصراف بناءً على أن العلة تطرق العجب إليه أو الرياء. فقد نقل مسلم عن أبي بكرٍ الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما كانا إذا سلما ينهضان من المحراب نهضة البعير الهائج من عقاله، وقال الثعالبي: وما قاله مالك من أنه يتحول إلى أي جهةٍ هو السنة، ونحوه لابن أبي جمرة وصاحب المدخل لا انصرافه جملةً من محله، فإن هذا فعل أهل التشديد في الدين حتى يقوم الرجل سريعًا كأنما ضرب بشيءٍ يؤلمه، ويفوته بذلك خير استغفار الملائكة له ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث، يقولون له: اللهم اغفر له اللهم ارحمهقلت: وفي هذا نوع مخالفةٍ لما تقدم عن أبي بكرٍ وعمر المنقول عن مسلمٍ، والذي تركن إليه النفس ما قاله الثعالبي عن مالكٍ وجرى عليه ابن أبي جمرة وصاحب المدخل؛ لأن التراخي اليسير مغتفر في العقود التي تطلب فيها الفورية فأولى هذا؛ لأنه محل السكينة والوقار، ولذلك قال بعضهم: إنما ينصرف الإمام بعد مكثه مدةً لطيفةً بقدر ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ولما علل بعض الشيوخ طلب الانصراف بزوال استحقاقه لمحل صلاته بفراغه من الصلاة قال: "إلا أن يكون" ذلك الإمام صلى "في محله" المملوك له أو في الصحراء "فذلك" أي جلوسه في محل صلاته "واسع" أي لا كراهة فيه لانتفاء العلل المقتضية للانصراف أو تحوله من محل صلاته"خاتمة": قد تقدم في باب صفة العمل في الصلاة أن المطلوب بأثر الصلاة المفروضة الذكر، وأما الاشتغال بالدعاء زيادةً على ذلك فقال: إنه بدعة لم يرد به عمل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح، ولذا قال القرافي: كره مالك وجماعة من العلماء لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقب الصلوات المكتوبة جهرًا للحاضرين، فيحصل للإمام بذلك نوع من العظمة بسبب نصب نفسه واسطةً بين الرب وعبده من تحصيل مصالحهم على يديه من الدعاء، ثم قال ابن ناجي: قلت وقد استمر العمل على جوازه عندنا بإفريقية، وكان بعض من لقيته يصرح بأن الدعاء ورد الحث عليه من حيث الجملةقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] لأنه
عبادة فلذا صار تابعًا فعله بل الغالب على من ينصب نفسه لذلك التواضع والرقة فلا يهمل أمره بل يفعل، وما كل بدعةٍ ضلالة، بل هو من البدع الحسنة، والاجتماع فيه يورث الاجتهاد فيه والنشاط، وأقول: طلب ذلك في الاستسقاء ونحوه شاهد صدقٍ فيما ارتضاه ابن ناجيقال بعض الفضلاء: وقد انتهى ربع الرسالة أعاننا الله بمنه وكرمه على باقيهاتم بحمد الله وتوفيقه
المجلد الثاني
باب جامع الصلاةباب جامع في الصلاة
ثم شرع في الربع الثاني بقوله: باب جامع في الصلاة روي بتنوين باب وهو الأظهر لعدم إيهامه، وبالإضافة أي باب جامع لكن الإضافة توهم أنه جمع كل مسائل الصلاة، والواقع ليس كذلك بخلاف تنوينه المعني عليه أنه يذكر مسائل مختلفة "في الصلاة" وهذان الوجهان على نسخة في، وأما على إسقاطها فالتنوين وعدمه سيان في أن المعنى أن الباب جمع أحكام الصلاة لكن يوهم أن جميع ما فيه أحكام الصلاة لا غيرها، مع أنه يذكر فيه أحكام غير الصلاة مسائل متعلقة بالوضوء والتيمم كقوله: ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث، ومن لم يقدر على مس الماء لضرر به، ويوهم أيضا أنه استوعب جميع أحكام الصلاة، ويمكن الجواب عن الأول بأنه لم يقل لم أذكر فيه إلا أحكام الصلاة مما يدل على الحصر، أو أن المراد أنه جامع أحكام الصلاة وما يتعلق بها من وضوء وتيمم وستر عورة، وعن الثاني بأن المراد جامع معظم أحكام الصلاة على حد: الحج عرفة، وعلى إضافة باب إلى جامع فيكون من إضافة الدال إلى مدلوله؛ لأن الباب اسم لجميع المسائل المذكورة بعده، وعلى إسقاط في وتنوين باب يصح في الصلاة النصب والجر على حد: وجاعل الليل سكناوابتدأ هذا الباب بمسألة تقدمت في طهارة الماء والثوب؛ لأن الستر يطلب حين إرادة الدخول في الصلاة فقال: "وأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة" شيئان ساتران لجسدها أحدهما "الدرع" بالدال المهملة "الحصيف" بالحاء المهملة ومعناه الكثيف المتين الذي لا يصف ولا يشف، ويروى بالخاء المعجمة، وفسره على الضبطين بقوله: "السابغ" أي "الذي يستر" جميع جسدها سوى رأسها حتى "ظهور قدميها"، ولما كان الدرع مشتركا لفظا بين درع الحديد وبين الثوب قال: "وهو القميص" الذي يسلك في العنق"و" ثاني الأمرين "الخمار" بالخاء المعجمة المكسورة "الخصيف" وحقيقة الخمار الثوب الذي تجعله المرأة على رأسها وخديها، سمي خمارا؛ لأنه يخمر الرأس أي يغطيه، واحترز بالخصيف من الخفيف النسج الذي يشفقال في التوضيح: كالبندقي الرفيع فإن صلت به أعادت أبدا على ما قال خليل تبعا لابن الحاجب تبعا لابن بشير: من أن الذي يشف كالعدم، واعترضه ابن عرفة بقوله: قول ابن بشير وتابعيه الشاف كالعدم وما يصف لرقته يكره، وهم لمخالفته لرواية الباجي: التسوية بينهما في
الإعادة في الوقت، فيجب على المرأة في حال صلاتها أن تستر جميع جسدها وشعرها حتى دلاليلها ما عدا الوجه والكفين، والظاهر أن المراد بالوجه هنا الوجه المتقدم تحديده في فرائض الوضوء، فلا يجب عليها ستر لحيتها إن خلق لها لحية وظاهر كلامهم هنا أنه يجب عليها ستر بعض خديها، وفهم من قوله: أقل ما يجزئ إلخ أنها لو صلت بأقل من ذلك مع القدرة على الواجب لم يجزها، وتعيد أبدا وليس على إطلاقه بل على تفصيل تقدم وهو: إن صلت مكشوفة الصدر أو بعض الأطراف كظهور قدميها وذراعيها وشعرها أو بعض شيء من ذلك تعيد في الوقتقال خليل: وأعادت لصدرها وأطرافها بوقت ككشف أمة فخذا لا رجلا، وأما لو صلت مكشوفة شيء من نحو البطن أو الظهر أو الجنب لأعادت أبدا، ولا فرق في جميع ما تقدم بين الخلوة والجلوة، وأما في غير الصلاة فإن كانت مع زوجها فيحل لكل النظر لفرج الآخر، وأما مع الغير فيجب عليها ستر جميع الجسد إلا الوجه والأطراف مع محرمها ومع الأجنبي جميع جسدها إلا الوجه والكفين كما قدمنا بسط ذلك فراجعه"ويجزئ الرجل" بالنصب على المفعولية والفاعل "الصلاة في الثوب الواحد" ويشترط فيه على جهة الندب كونه كثيفا بحيث لا يصف ولا يشف وإلا كره وكونه ساترا لجميع جسدهفإن ستر العورة المغلظة فقط أو كان مما يصف أي يحدد العورة أو يشف بأن يرى منه لونها كرهت الصلاة فيه مع الإعادة في الوقت حتى من الذي يشف على المعتمد كما قدمنا عن ابن عرفة، والدليل على ما قاله المصنف قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الصلاة في الثوب الواحد: "أولكلكم ثوبان" 1 وهذه المسألة إنما كررها المصنف ليرتب عليها ما لم يقدمه في باب طهارة الماء والثوب وهو قوله: "ولا يغطي" أي المصلي "أنفه أو وجهه في الصلاة" أي يكره لكل مصل ولو امرأة الانتقاب في الصلاة وهي تغطية الوجه حتى يصل إلى عينيه، وهو المراد بقوله: ولا يغطي أنفه، ويكره أيضا التلثم بأن يغطي شفته السفلى؛ لأنه من الغلو في الدين وهو مناف للخشوع، وأما في غير الصلاة فإن كان الفاعل عادته ذلك فلا كراهة حيث كان ممن عرفوا بذلك، ويستحب تركه في الصلاة، وأما من لم تكن عادته ذلك فيكره له حتى في غير الصلاة؛ لأنه من
ـــــــ
1 صحيح مسلم: أخرجه البخاري، كتاب الصلاة باب: الصلاة في الثوب الواحد متلحفا به، حديث "358" ومسلم، كتاب الصلاة باب: الصلاة في الثوب واحد وصفة لبسه، حديث "515" وأبو داود، حديث "625"، والنسائي، حديث "763"، وأحمد "2/265"، حديث "7595".
فعل المتكبرين. "أو" أي ولا "يضم ثيابه أو يكفت" أي يضم "شعره" والمعنى أنه يكره لمريد الصلاة أن يشمر ثوبه أو كمه أو يضم شعره لمنافاة جميع ذلك للخشوع المطلوب في الصلاةقال خليل: وكره انتقاب امرأة، قال شراحه: وأولى رجل ككفت كم وشعر لصلاة وتلثم، فقول خليل لصلاة راجع للانتقاب وللمشبه به، ومفهوم الصلاة أنه لا يكره ضم الثوب ولا الشعر لغيرها، وسواء عاد لما كان الكفت له من الشغل أم لا وهو ظاهر المدونة، وحمله بعضهم على ما إذا عاد لما كان عليه، والأصل في ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ولا أكفت شعرا ولا ثوبا" 1 فأخبر أن النهي إنما هو إذا قصد به الصلاة. وروي: "إذا سجد الإنسان فسجد معه شعره كتب له بكل شعرة حسنة"2، والحاصل أن كلا من الانتقاب والتلثم والاحتزام والتشمير وضم الأكمام والشعر إنما يكره إذا فعل في الصلاة، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، ولا يكره شيء من ذلك لغير الصلاة إلا الانتقاب لمن لم تكن عادته ذلك، ويفهم من ذلك أنه لو حضرته الصلاة وهو محتزم أو شامر لثوبه لا تكره صلاته على تلك الحالة وإن كان الأولى حل ذلكثم شرع يتكلم على أحكام الساهي في صلاته وما يفعله من سجود وعدمه فقال: "وكل سهو" أي ذهول عن شيء تقدم له ذكر أم لا؛ لأنه أعم من النسيان سهاه "في الصلاة" ولم يكن مستنكحا، ولو كانت صلاته نافلة فإن كان "بزيادة" يسيرة سواء كان من جنس الصلاة كزيادة ركوع أو سجود أو أكثر حيث لم تبلغ أربع ركعات كوامل في الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية المقصورة أو اثنتين في الثنائية أصالة كالصبح أو الجمعة بناء على أنها فرض يومها، والكمال هنا برفع الرأس من الركعة أو من غير جنس الصلاة كأكل أو شرب. "فليسجد له سجدتين" استنانا على المعتمد الذي اقتصر عليه خليل ولو تكرر سهوه إن كان إماما أو فذا "بعد السلام" بإحرام بمعنى أنه ينوي بتكبيرة الهوي الإحرام من غير زيادة تكبير له ويكبر في الرفع و "يتشهد لها ويسلم منهما" جهرا ولو بعد شهر، قال خليل: بإحرام وتشهد وسلام جهرا. وإنما طلب لهاتين السجدتين إحرام وتشهد وسلام؛ لأنهما عبادة مستقلة، ولأن السنة في السلام أن يقع عقب تشهد، وحكم السلام من البعدي أنه واجب غير شرط فلا تبطل الصلاة بتركه، كما لا
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب لا يكلف ثوبه في الصلاة، حديث "816" ومسلم، كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب "490"، والنسائي، حديث "1096"، وابن ماجه، حديث "884"، وأحمد في مسنده "1/279"، حديث "2527"2 لم أقف عليه.
تبطل بترك الإحرام بمعنى التكبير، وأما النية فلا بد منها، وأما التشهد فقال في الطراز: لا خلاف أنه ليس بشرط، فلو ترك الإحرام بمعنى التكبير والتشهد والسلام واقتصر على فعل السجدتين بنيتهما لم تبطل صلاته، بل لو ترك البعدي لم تبطل صلاته، وإنما تبطل بترك القبلي المترتب عن نقص ثلاث سنن فأكثر؛ لأنه داخل الصلاة فهو جابر لها، والمقصود الأعظم من البعدي ترغيم أنف الشيطان، وقيدنا الزيادة باليسيرة؛ لأن الصلاة تبطل بالفعل الكثير ولو سهوا ولو من جنس الصلاة كزيادة أربع في الرباعية والثلاثية أو المقصورةوأما زيادة أقوال الصلاة فلا سجود في سهوها كما لا تبطل بعمدها، كما لو كرر السورة أو التكبير أو زاد سورة في أخرييه إلا أن يكون القول فرضا فإنه يسجد لسهوه، كما لو كرر الفاتحة سهوا ولو في ركعة، وجرى خلاف في بطلان الصلاة بتعمد تكريرها والمعتمد واقتصر عليه الأجهوري عدم البطلان، ويفهم أيضا من قول خليل: ويتعمد كسجدة من كل ركن فعلى عدم بطلانها بتعمد زيادة الركن القولي، وإنما قلنا ولم يكن مستنكحا لما سيأتي من أن من استنكحه السهو يصلي ولا يسجد، وإنما قلنا ولو نافلة للإشارة إلى أن السهو في النافلة كالسهو في الفريضة إلا في خمس مسائل: ترك السر والجهر في محلها وترك السورة فهذه الثلاثة لا سجود في تركها من النافلة، ويسجد لتركها من الفريضة، والرابعة إذا عقد ثالثة النفل يرفع رأسه من ركوعها يكملها أربعا وفي الفرض يرجع، والخامسة إذا ترك ركنا من النافلة وطال أو شرع في صلاة مفروضة مطلقا أو نافلة وركع لا يلزمه قضاؤها بخلاف الفريضةوالدليل على أن السجود للزيادة فقط بعد السلام خبر الموطإ وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم من ركعتين فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن" ، فقال ذو اليدين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: "أصدق ذو اليدين؟" فقالوا: نعم، فقام فأتم ثم سجد سجدتين بعد السلام وهو جالس1 ومعنى أقصرت الصلاة هل أوحي إليك بقصرها أم نسيت؟ فالتاء في أقصرت للتأنيث والصلاة فاعل وليست حرف خطاب لما قد يتوهم من قوله: أم نسيت، وفهم من الحديث أمور منها: مشروعية السجود للسهو والعمل بالحديث إلى الآن خلافا لمن قال أن قصة ذي اليدين منسوخة، وما وقع كان قبل الإسلام؛ لأن راوي الحديث أبو
ـــــــ
1 أخرجه مالك في الموطأ "1/93" حديث "210".
هريرة وهو متأخر إسلاما فالحق عدم نسخ قصته وفهم منه أنه سجدتان، ومنها: أنه يكون بعد السلام للزيادة، ومنها: أن السلام سهوا لا تبطل به الصلاة، ومنها: أن الفصل اليسير بعده غير مبطل، وأن الكلام العمد لإصلاحها من المأموم والإمام لا يبطلها إذا لم يكثر، ومنها: جواز سؤال المأموم لإمامه عند شكه، وجواز سؤال الإمام لمأموميه كذلكولما قدم أن محض الزيادة يسجد لها بعد السلام ذكر محترزها بقوله: "وكل سهو بنقص" سنة مؤكدة داخلة في الصلاة كالزائد على أم القرآن في صلاة الفريضة أو آية من الفاتحة أو جميعها حيث أتى بها في جل الصلاة أو في أقلها على ما يأتي للفاكهاني، ومثل السنة المؤكدة السنتان الخفيفتان، وسواء كان النقص محققا أو مشكوكا فيه، وخبر كل سهو الواقع مبتدأ "فليسجد له" سجدتين على جهة السنية ولو كثرت السنن المتروكة على المعتمد، واقتصر عليه خليل حيث قال: سن لسهو وإن تكرر بنقص سنة مؤكدة أو مع زيادة سجدتان قبل سلامه، ومقابله الوجوب إن كان عن نقص ثلاث سنن لبطلان الصلاة بتركه "قبل السلام" يكبر للخفض والرفع مع نية فعل السجدتين على ما يظهر وخلافه لا يظهر، وجعلنا مفعول المصدر سنة لما يأتي من أن الفرائض لا يسجد لها ولا بد من الإتيان بها مع التمكن من تداركها، وقيدنا السنة بالمؤكدة أو الخفيفة المتعددة؛ لأن نحو التكبيرة لا يسجد لها وبداخلة الصلاة للاحتراز عن الإقامة فلا يسجد لها، وإن سجد لما لا يسجد له قبل السلام ولو جهلا تبطل صلاته، إلا أن يسجد تبعا لمن يرى السجود لذلك، ومحترز السهو أن العمد لا يسجد له، واختلف هل تبطل صلاته به؟ قال خليل: وهل بتعمد ترك سنة أو لا؟ ولا سجود خلاف ومحل السجود القبلي "إذا تم تشهده" الذي هو آخر صلاته وفرغ من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء أيضا "ثم" بعد فعل السجدتين "يتشهد" أي يعيد التشهد استنان على ما يظهر، وأشعر قوله: يتشهد أنه لا يعيد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك؛ لأن هذا أحد المواضع التي لا يطلب في تشهدها الدعاء، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعاء. "ويسلم" وجوبا؛ لأنه سلام الفريضة. ولما بين أن إعادة التشهد هي الصواب ذكر مقابلها بقوله: "وقيل لا يعيد التشهد"، وإنما يقتصر على فعل السجدتين وهو مروي عن مالك والمعتمد الأول ولذا اقتصر عليه خليل المبين لما به الفتوى حيث قال: وأعاد تشهده، وفهم من قولنا: أن إعادة التشهد سنة أنه لو ترك إعادته ولو عمدا لا شيء عليه، واستظهر الأجهوري أنه لو سجد للسهو قبل تشهده للفريضة واكتفى بتشهد الفريضة لصحت صلاته بالأولى من ترك إعادته وهو ظاهر.
" تنبيه ": لو شك هل سجد لسهوه سجدة أو اثنتين؟ أو شك هل سجد لسهوه أو لم يسجد أصلا؟ فإنه يسجد واحدة في الصورة الأولى، وفي الثانية يأتي بسجدتين ولا سجود عليه بعد سلامه، فليس كمن شك هل صلى واحدة أو اثنتين وبنى على الأقل، ووجه الفرق أنه لو أمر بالسجود في شكه في سجود السهو لأمكن أن يشك مرة أخرى ويسجد فيتسلسل الأمر، ومن ثم لما سئل بعض النحويين عن ذلك قال: المصغر لا يصغر، وهذا بخلاف لو سجد للسهو ثلاث سجدات سهوا فيفترق الحال إن كان قبليا سجد بعد السلام لا إن كان بعديا، ولما قدم أن محض الزيادة يسجد لها بعد السلام، ومحض النقص قبل السلام شرع في حكم ما لو حصل منه نقص وزيادة بقوله: "ومن نقص" سنة من سنن صلاته ولو خفيفة "وزاد" فيها أيضا زيادة سهوا لا تبطل بمثلها "سجد" لهما "قبل السلام" تغليبا لجانب النقص الحاصل على الزيادة؛ لأن القبلي جابر هذا قول الأكثر، واعلم أن النقص الحاصل مع الزيادة لا فرق فيه بين السنة المؤكدة والخفيفة كما ذكرنا، ولا بين المحققة والمشكوك فيها، ولذلك جعلوا الصور تسعا بيانها أن النقص وحده إما محقق أو مشكوك فيه، والزيادة وحدها كذلك إما محققة أو مشكوك فيها فهذه أربع، وإذا اجتمعا فصورهما أربع أيضا؛ لأنهما إما محققان أو مشكوك فيهما أو النقص محقق والزيادة مشكوك فيها أو عكسه فهذه أربع تضم للأربع الأولى تصير ثمان صور، وللتاسعة أن يتيقن حصول الموجب للسجود ويشك هل هو زيادة أو نقص فيسجد في الجميع قبل السلام إلا في صورتين يسجد فيهما بعد السلام وهما بعض الزيادة المحققة والزيادة المشكوك في حصولها وعدم حصولها"تنبيهات" الأول : ما ذكره المصنف من التفضيل بين الزيادة والنقص هو مرضي الإمام رضي الله تعالى عنه، وأما الشافعي رضي الله عنه فلم يفرق بين زيادة ونقص وحمل السجود للجميع قبل السلام، وأما أبو حنيفة رضي الله عنه فجعله بعديا مطلقا، وتقدم دليل إمامنا على الزيادة حديث ذي اليدين، ودليل النقص ما في الموطإ من حديث ابن بحينة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام من ركعتين من غير جلوس للتشهد فقام الناس معه حتى إذا قضى صلاته وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم ثم غلب النقص على الزيادة عند اجتماعهما1ـــــــ
1 أخرجه مالك في الموطأ "1/96" حديث "218".
الثاني: لو خالف المصلي وقدم ما يؤخر وأخر ما يقدم لم تبطل صلاته. قال خليل: وصح إن قدم أو أخر لكن مع حرمة تقديم البعدي عمدا وكراهة تأخير القبلي كما يفيده كلام أبي الحسن شارح المدونة، ومما يصح أيضا لو سجد الإمام في محله، وقدمه المأموم أو أخره فقول خليل: وصح إن قدم أو أخر أي ولو من المأموم مخالفا لإمامه، فالحاصل أنه يصح تقديم البعدي ولو من المأموم مخالفا لإمامه، وتأخير القبلي ولو من المأموم مخالفا لإمامه، هذا ملخص كلام الأجهوري على خليل رحمهما الله تعالى"ومن نسي أن يسجد" عند مخاطبته بالسجود "بعد السلام" وهو من زاد في صلاته شيئا سهوا لا تبطل بزيادته وفارق محل صلاته بعد سلامه "فليسجد متى ما ذكره وإن طال ذلك" بعد سلامه وتذكره، وقول المدونة: ولو بعد شهر لا مفهوم له، كما أن قول المصنف نسي لا مفهوم له، وإنما كان يسجد البعدي ولو طال الزمان؛ لأنه لترغيم أنف الشيطان بخلاف القبلي فإنه جابر لنقص الصلاة فلذا طلب وقوعه فيها أو عقبها بالقرب"تنبيهات". الأول : ظاهر كلام المصنف أن السجود يفعل ولو في وقت النهي، وهو كذلك في القبلي؛ لأنه من جملة الصلاة وتابع لها، وأما البعدي فظاهر المدونة والمصنف أنه كذلك وهو كذلك حيث كان من صلاة مفروضة، وأما لو تذكره من صلاة غير مفروضة في وقت النهي فإنه يؤخر لحل النافلة كما قاله أبو الحسن وحمل المدونة عليه رعيا لأصله، ويوافقه نقل عبد الحق عن بعض شيوخهالثاني ظاهر كلامه أنه يسجد البعدي في أي محل ولو من صلاة جمعة وليس كذلك بل إن كان من صلاة جمعة لا يصح إلا في جامع، ويشترط كونه الذي صلى فيه إن كان قبليا كما لو سبقه الإمام بركعة منها وقام للقضاء فنسي السورة وسلم وخرج من المسجد فذكره سريعا فإنه يركع لمسجده الذي صلى فيه ويسجد حيث لم يحصل طول بناء، على أن الخروج من المسجد ليس بطول بل بالعرف، وأما لو كان بعديا كما لو تكلم ساهيا أو زاد ركعة سهوا ونسي السجود حتى خرج من المسجد فإنه يسجد في أي جامع كان، قال خليل: وبالجامع في الجمعة في أولهالثالث : التقييد بالسهو في هذا الباب بالنظر للغالب، فلا ينافي أنه يطلب السجود للعمد كطول بمحل لم يشرع به التطويل كالرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين، ومن استوفز للقيام على يديه وركبتيه فإنه يسجد بعد السلام، بخلاف التطويل بمحل يشرع فيه التطويل فلا سجود إلا أن يخرج عن حده فيسجد، ومن غير السهو الشك في الزيادة فإنه يسجد لها، وأيضا
ذكر اللخمي أن من ترك الفاتحة عمدا من ركعة يسجد قبل السلام على أحد قولين ومقابله بطلان صلاته بل حكى بعضهم الاتفاق عليه، ولا يقال: السنة الواحدة جرى الخلاف في بطلان الصلاة بتركها وعدمه؛ لأنا نقول. هذه سنة شهرت فرضيتها فتبطل الصلاة بتركها عمدا وبترك السجود لها، ولو من ركعة عند تركها سهوا، وإن كانت الصلاة لا تبطل بترك سجود السهو إلا إن كان عن نقص ثلاث سنن"وإن كان" السجود الذي سها عن الإتيان به في محله "قبل السلام" وسلم تاركا له سجد بعد السلام وتصح صلاته "إن كان" تذكره "قريبا" من الصلاة والقرب بالعرف عند ابن القاسم وبعدم الخروج من المسجد عند أشهب. قال الفاكهاني: ويحرم لهما ولا يرجع إلا إصلاح ما نقص من صلاته إلا بإحرامقال ابن عرفة: وتأخير القبليتين عفو، وروى محمد إن ذكرهما قبل سلامه رجع لهما بإحرام، وكذا كل راجع لباق عليه بالقرب، كمن سلم وتذكر ما يفسد له ركعة أو نسي ركوعا من ركعة فإنه يأتي بركعة بدلها حيث قرب لكن بإحرام، وصفة الإتيان أشار لها خليل بقوله: وتارك ركوع يرجع قائما، وتارك سجدة يجلس لا سجدتين، وتارك الرفع من الركوع يرجع محدودبا، وقال أيضا: وتدارك الركن المتروك إن لم يعقد ركوع ركعة تالية لركعة السهو، وإلا رجعت المعقودة مكانها، وإن كان الركن المتروك من الأخيرة يتدارك إن لم يسلم فإن سلم بنى إن قرب بإحرام ولم تبطل بتركه وجلس له على الأظهر"و" مفهوم إن كان قريبا "إن بعد" تذكره من السلام "ابتدأ صلاته" لبطلانها حيث كان السجود مترتبا عن نقص ثلاث سنن فأكثر بقرينة قوله: "إلا أن يكون ذلك" السجود "من نقص" أي من أجل نقص "شيء خفيف كالسورة" التي تقرأ "مع أم القرآن" فلا يلزمه ابتداء صلاته لعدم بطلانها لما تقدم من أنها لا تبطل بترك السجود القبلي، إلا إن كان عن نقص ثلاث سنن، وعدم لزوم ابتداء الصلاة لا ينافي أنه يطلب منه السجود لترك السورة؛ لأنها سنة مؤكدة، وظاهر كلام المصنف عدم البطلان بترك السجود للسورة، ولو لم يحصل منه القيام، بناء على أن القيام لها سنة وسرها أو جهرها من صفتها؛ لأنه لم يترك إلا سنة واحدة فلا تبطل الصلاة بترك السجود لها ولو كانت مؤكدة، وأما لو قلنا: القيام لها سنة زائدة على السورة والسر أو الجهر كذلك لبطلت الصلاة بترك السجود حيث ترك الجميع، والحاصل أن المصنف يحتمل كلامه المشي على عد قيامها سنة، فلا يقيد كلامه بما إذا قام، ويحتمل المشي على عده سنة كالسر أو الجهر
فيقيد عدم البطلان بما إذا قام من غير قراءة السورة؛ لأنه لم ينقص ثلاث سنن، وإنما نقص سنتين، وجرى على هذا أكثر شراح خليل حيث قالوا عند قوله وبترك قبلي عن ثلاث سنن وطال سواء كانت قولية أو فعلية كالسورة أو قولية فقط كثلاث تكبيرات"أو" إلا أن يكون عن نقص "تكبيرتين أو التشهدين" والحال أنه جلس لهما وإلا بطلت، واعترض القرافي على المالكية في تلك المسألة قائلا: لا يتصور أن ينسى التشهدين ويكون السجود لهما قبل السلام؛ لأنه لا يتحقق سهوه عن التشهد الأخير إلا بالسلام؛ لأن كل ما قبله ظرف للتشهد، وأجيب بتصور ذلك في المدرك ركعة من صلاة المغرب فإنه يتشهد مع الإمام في جلوسه الأخير، فإذا قام أتى بركعة وجلس عليها يتشهد، فإذا أتى بالثانية يتشهد، فإذا نسي الأول الذي يتشهده مع الإمام والثاني يتصور بنسيان تشهدين زائدين على ما قبل السلام، وكذا يتصور في المقيم يدرك ركعة من صلاة الإمام المسافر، ولي في هذا الجواب بحث وذلك؛ لأن التشهد الأول في هاتين الصورتين يحمله الإمام فلا ينظر له: والبحث مبني على أن التشهدين يسجد لهما، نعم يتصور في الراعف المسبوق بركعة خلف الإمام، والمقيم يصلي صلاة الخوف خلف مسافر، والمقيم المسبوق يصلي خلف مسافر، فيجتمع لهؤلاء القضاء وهو ما فاتهم قبل الدخول مع الإمام، والبناء وهو ما فاتهم بعده، ومذهب ابن القاسم تقديم البناء"و" من الخفيف "شبه ذلك" المذكور كنص تكبيرة عيد أو تسميعة أو تكبيرتين "فلا شيء عليه" أي لا إعادة عليه، وإن كان يخاطب بالسجود لجميع ما ذكره المصنف من نقص السورة أو التشهدين أو أحدهما على ما شهره ابن رشد وقال: إنه المذهب؛ لأنه لا تلازم بين البطلان وعدم السجود، قال خليل: وبترك قبلي عن ثلاث سنن وطال لا أقل فلا سجود" تنبيه ": ما تقدم من بطلان الصلاة بترك القبلي المترتب على نقص ثلاث سنن بشرط الطول إن كان تركه على جهة السهو، وأما لو تركه عمدا لبطلت صلاته بمجرد الترك هكذا قال الأجهوري وهو المعتمد، وقال السنهوري: لا تبطل إلا بالطول ولو كان الترك عمدا، وأقول: لعل الأوجه كلام السنهوري لما تقدم من أن التأخير القبلي لا يبطل الصلاة ولو كان عمدا. قال خليل: وصح إن قدم أو أخر ولو كان كل منهما عمدا فإطلاق خليل في قوله وطال مسلم وتأمله، ولما كان المجبور بالسجود مختصا بنقص السنن قال: "ولا يجزئ سجود السهو لنقص ركعة" كاملة تيقن تركها أو شك فيه حال تشهده وقبل سلامه، ولا بد من الإتيان بتلك الركعة. قال خليل: ولا لفريضة أو غير مؤكدة، وكيفية الإتيان بتلك الركعة أنه يأتي بها بانيا على ما معه
من الركعات ولو كانت إحدى الأوليين، وبعد ذلك يسجد لنقص السورة إذا فاتته فيما صار أول صلاته لانقلاب ركعاته عند ابن القاسم حيث كان إماما أو فذا"ولا" يجزئ أيضا سجود السهو لنقص "سجدة" أو ركوع أو رفع منهما، وذكر ذلك في حال قيامه أو تشهده قبل سلامه فإنه يأتي بالركوع قبل عقد ما يلي الركعة المتروك منها بأن يرجع للركوع قائما إن ذكره جالساقال خليل: وتارك ركوع يرجع قائما، وتارك الرفع منه يرجع محدودبا، وتارك سجدة يجلس وسجدتين يخر ساجدا، والحاصل أنه يأتي بما نسيه من أركان الصلاة عند إمكان تداركه، وذلك بأن لم يسلم إذا كان المتروك من الأخيرة، ولم يعقد ركوعا إن كان من غير الأخيرة، فإن سلم بطلت الركعة المنقوص منها؛ لأن السلام من الأخيرة بمنزلة عقد ركوع فيأتي بركعة بدلها إن كان قريبا، ومثل ذلك لو سلم من ركعتين أو من ثلاث لاعتقاده كمال صلاته، فإنه يبني على ما معه إن قربقال خليل مفرعا على السلام وبنى إن قرب ولم يخرج من المسجد بإحرام، ولم تبطل بتركه وجلس له على الأظهر إن كان السلام من اثنتين وإلا حرم من الحالة التي فارق الصلاة منها من غير جلوس، وإن كان النقص من غير الأخيرة فإنه يأتي به ما لم يعقد ركوع ما بعدها، فإن لم يذكر النقص حتى رفع رأسه من ركوع التي تليها فإن المنقوص منها تبطل وترجع المعقودة مكانها وتنقلب ركعاتهقال خليل: ورجعت الثانية أولى ببطلانها لفذ وإمام، وكذا لو نقص جميع سجدات الأربع ركعات، ولم يذكر ذلك حتى جلس في التشهد الأخير فإن ركعاته تبطل ما عدا الأخيرة فيجبرها بالسجود لها حيث لم يسلم لقول خليل: وبطل بأربع سجدات من أربع ركعات الأول وترك جميع السجدات بمنزلة ترك الأربع بل أولى، وأما لو لم يذكر السجدات حتى سلم بطلت صلاته كلها" تنبيهات ". الأول : هذا كله إذا عرف الركن المتروك منها من سجدة أو ركوع، وأما لو نسي فريضة ولم يدركونها سجدة أو ركوعا أو غيرهما فإنه يجعله الإحرام أو النية فيحرم بنيته من غير قطع بسلام ولا كلام؛ لأنه متلبس بصلاته ويأتي بجميع الصلاة ويسجد بعد السلام، وإن تيقن الإحرام وحده أو شيئا زائدا عليه فإنه يبني على ما تيقن الإتيان به من كونه إحراما أو مع شيء بعده، فمتيقن الإحرام يبني عليه أو الإحرام والفاتحة فإنه يبني عليهما ويأتي بما بعدهما،
وهكذا يجعل المشكوك فيه هو ما بعد المتيقن، فمتيقن الإحرام فقط يجعل المنسي الفاتحة وهكذا، ولا يقال: لزوم الإحرام بنية يقتضي أن الأولى بطلت أصلا فلأي شيء سجد بعد السلام؛ لأنا نقول: إنشاء الإحرام مع بقائه في الصلاة؛ لأنه لم يقطعها بسلام أو كلام، بل المطلوب الإتيان بإحرام متيقن من غير قطع الأولى كما قدمنا لاحتمال وجود إحرامه ولا موجب لقطعهما فيكون هذا الإحرام محض زيادة هذا إيضاحهالثاني : قولهم الفرض المتروك لا بد من الإتيان به يشعر بأنه يمكن تداركه، وأما نحو النية وتكبيرة الإحرام فلا يتداركان؛ لأنهما إذا نسيا لم توجد صلاته، فإذا سها عن النية أو عن تكبيرة الإحرام فإنه يبتدئ صلاته من أولها، وليست هذه بمنزلة من ترك فرضا أو شك في عينه؛ لأن هذه تيقن ترك النية فلا شيء معه يبني عليه إن كان إماما أو فذا ويتمادى مع الإمام إن كان مأموماالثالث : علم مما ذكرنا أن النقص المشكوك فيه كالمحقق، والمراد بالشك ما يشمل الوهم؛ لأن الشك في نقص الفرائض كتحققه في وجوب الإتيان ببدل المشكوك فيه حيث لا استنكاح، بخلاف السنن فلا يسجد لنقصها إلا عند تيقن النقص أو التردد فيه على السواء لا عند توهمه، وإنما أطلت في ذلك شفقة على الطالب؛ لأنه قل أن يوجد هذا الإيضاح"ولا" يجزئ أيضا سجود السهو "لترك القراءة" للفاتحة "في الصلاة كلها" على من تجب عليه قراءتها على مشهور المذهب من وجوب الفاتحة، وظاهر كلام المصنف ولو على القول بوجوبها في كل ركعة، وإن كان مرجوحا بالنسبة لغيره. وروي عن الإمام مالك الإجزاء بناء على أن الفاتحة لا تجب في شيء من الركعات لحمل الإمام لها، قال الباجي: هو شذوذ"أو" أي وكذا لا يجزئ سجود السهو "في" ترك القراءة عن "ركعتين منها" أي من الرباعية"وكذلك" أي لا يجزئ السجود "في ترك القراءة في ركعة من الصبح" أو الجمعة ولا بد من الإتيان ببدل المتروك منها، فتلخص أن الصلاة تبطل بترك الفاتحة في جميع الصلاة أو جلها أو نصفها حيث فات تدارك المتروك منها. وشرع في حكم ما لو أتى بها في جل صلاته وتركها في أقلها، وهو مفهوم ما قبله بقوله: "واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها" أي من غير الصبح بل من رباعية أو ثلاثية، وأتى بها في جل الصلاة على ثلاث روايات عن الإمام كل واحدة مقيدة بقيد تراه في محله أشار إلى الأولى بقوله: "فقيل يجزئ عنها" أي عن الفاتحة من ركعة "سجود السهو قبل السلام" بناء على عدم وجوبها أو في ركعة ولا إعادة عليه، وقيد هذا
القيل بما إذا فات تداركها بأن لم يتذكر عدم قراءتها إلا بعد رفع رأسه من الركوع بناء على عقدها برفع الرأس وهو ما عليه خليل وعلى مقابله بوضع اليدين على الركبتين، وأما إن لم يفت التدارك فإنه يقرؤها، ولو كان قرأ السورة، واختلف هل يعيد السورة أو لا؟ وعلى إعادتها فقيل يسجد لزيادتها وهو مذهب المدونة، وقيل لا سجود قولان: فإن سلم قبل السجود على القول بالسجود سجد بعده إن ذكره بالقرب وإن طال بطلت؛ لأن الفاتحة سنة شهرت فرضيتها فالسجود لها أوكد من القبلي المرتب عن نقص ثلاث سننويفهم من الخلاف في إعادة السورة أنه لا فرق بين كون الفاتحة المنسية من الركعة الأولى أو غيرها من باقي الركعات وهو كذلك، وأشار إلى الرواية الثانية بقوله: "وقيل" لا يجزئ عن الفاتحة السجود، ولو من ركعة و "يلغيها" أي الركعة المتروكة منها الفاتحة "ويأتي بركعة" وشهره ابن الحاجب وابن شاس؛ لأنه قول ابن القاسم في المدونة بناء على وجوبها في كل ركعة، وهو المشهور فيأتي بركعة لفوات ركنها كما لو نسي سجودها أو ركوعها، ويسجد بعد السلام حيث جلس بعد ركعتين صحيحتين بحيث قرأ فيهما الفاتحة والسورة، وإلا سجد قبل السلام لزيادة الركعة الملغية ونقص الجلوس والسورة من الثانية التي ظنها ثالثة؛ لأن كلام المصنف محمول على ما إذا تذكر في الرابعة لجعله السجود قبل السلام فإنه يجعلها ثالثة ويأتي برابعة بأم القرآن فقط فيجتمع له نقص وزيادة الزيادة هي الركعة الملغية والنقص السورة والجلوس في غير موضعه بمنزلة العدم، وأما لو تذكرها في الركعة الأولى قبل إكمالها بسجدتيها لألغى ما فعله من السجود والركوع، واستأنف قراءة الفاتحة، فإن لم يذكرها حتى قام للثانية فإنه يلغيها ويجعل الثانية التي قام لها محلها، وإن تذكرها في الثالثة قبل ركوعه فإنه يقرؤها مع السورة، ويجعلها ثانية ويسجد في ذلك كله بعد سلام إذ معه محض زيادة، وأشار إلى الثالثة بقوله: "وقيل يسجد" لها "قبل السلام ولا يأتي بركعة" بل يعتد بها لإغناء السجود عن إعادتها "ويعيد الصلاة" ندبا "احتياطا"قال الأجهوري: ظاهر كلامه أن إتمام الأولى واجب وإعادتها مندوبة؛ لأن الاحتياط لا يكون إلا مندوبا، وإنما أمر المصلي بالاحتياط لبراءة ذمته مراعاة لمن يقول بوجوبها في كل ركعة، وبالإعادة افترقت الرواية الثالثة من الأولى لاتفاقهما على السجود قبل السلام، وإنما تميزت الثالثة عن الأولى بندب إعادتهاقال في التحقيق: ومحل هذا الخلاف إذا فات تداركها، وكان التذكر في الرابعة فإن لم يفت تداركها بأن ذكر الفاتحة قبل رفع رأسه من ركوعها
أو وضع يديه على ركبتيه على الخلاف المتقدم لرجع للقراءة وسجد قبل السلام، وأما لو كان التذكر في الثانية قبل رفع الرأس من الركوع فقولان بالقطع من غير شفع وقيل يشفعها، وأما لو تذكر في الثانية بعد رفع رأسه من ركوعها فإنه يشفعها اتفاقا، وأما لو تذكر في الثالثة قبل قيامه للرابعة فإنه يشفعها ولو بعد سجودها، وأما لو تذكر في الرابعة فإنه يتمها ويسجد قبل السلام، وقد قدمنا أن ظاهر كلامه أن إتمامها على جهة الوجوب إذا علمت هذا ظهر لك ما في كلام المصنف من الإجمال، وما يتميز به كل قول من غيره"وهذا" القيل الثالث "أحسن ذلك" الخلاف أي المرتضى من الروايات الثلاث، وإنما كان هذا أحسن لما فيه من الاحتياط بالإعادة ففيه الجمع بين ترغيم أنف الشيطان بالسجود والإعادة للاحتياط، وإنما قال: "إن شاء الله تعالى" مع كونه أحسن الروايات إما لعدم جزمه بما قاله من الأحسنية أو للتبرك بها، وهذا مسلك حسن؛ لأن علم الحسن قطعا مفوض إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا الفرع زيادة على كلام العلامة خليل؛ لأنه إنما قال: وإن ترك آية منها سجد بعد حكاية الخلاف في وجوبها في كل ركعة أو جل الصلاة وطوى القولين الآخرين روما للاختصار" تنبيهات "
الأول : ما ذكره المصنف من عدم إجزاء السجود في ترك الفاتحة في كل الصلاة أو نصفها، وأولى جلها هي طريقة المصنف رحمه الله تعالى فلا ينافي ما شهره الفاكهاني من أن تركها في جل صلاته وأولى نصفها يجزيه السجود قبل السلام مراعاة لمن يقول بعدم وجوبها جملة أو في ركعة فقط، ويعيد الصلاة احتياطا، وما شهره العلامة خليل في توضيحه من أن من تركها في نصف صلاته يتمادى ويسجد قبل السلام ويعيد الصلاة احتياطا وهو مذهب المدونةالثاني : علم من كلامه أنه لو ترك بعض الفاتحة من ركعة يسجد من غير خلاف، وأشار إليه خليل بقوله: وإن ترك آية منها سجد ولا إعادة عليه، وظاهر كلامهم ولو على القول بوجوبها في كل ركعة، واستظهره بعض الشيوخ، ولعله مراعاة لمن يقول بوجوبها في بعض الصلاة أو عدم وجوبها جملةالثالث : لم يعلم من كلامه حكم تركه الفاتحة أو بعضها عمدا، ومحصله كما في بعض شراح خليل: أنه إن تركها أو بعضها عمدا بطلت صلاته على القول بوجوبها في كل ركعة من غير نزاع، وأما على عدم وجوبها جملة أو على وجوبها في بعضها فقولان: أحدهما البطلان وهو طريقة لبعض الشيوخ وحكي عليها الاتفاق، والثاني للخمي يسجد والمعتمد الأول لما
علمت من حكاية بعضهم الاتفاق عليهولما قدمنا أنه لا يسجد لنقص شيء من الصلاة إلا إذا كان سنة مؤكدة أو خفيفة متعددة شرع في محترز ذلك بقوله: "ومن سها عن تكبيرة" من غير تكبير العيد وغير تكبيرة الإحرام، "أو عن" لفظ "سمع الله لمن حمده مرة واحدة" راجع للتكبيرة والتسميعة "أو" سها عن "القنوت فلا سجود عليه" جواب من سها؛ لأنها شرطية، وقرنه بالفاء؛ لأنه جملة اسمية، وإن سجد لشيء من ذلك عمدا قبل سلامه بطلت صلاته إلا أن يكون مقتديا بإمام سجد على مذهبه فلا تبطل صلاة المأموم، كما لا تبطل صلاته إن ترك السجود خلفه، أما لو كانت تكبيرة العيد أو تكبيرتين من غير العيد أو تسميعتين لسجد، وإن صحت الصلاة بعدم السجود، ومثل التكبيرتين لفظ التشهد الواحد فإنه يسجد لتركه على ما شهره غير خليل وادعى أنه المذهب، وقولنا غير تكبيرة الإحرام للاحتراز عن الفرض فإنه لا يسجد لهثم شرع في بيان ما يفعله من سلم قبل إكمال صلاته لاعتقاده كمالها بقوله: "ومن انصرف" أي خرج "من الصلاة" بسلام معتقدا كمالها "ثم" بعد خروجه منها بالسلام "ذكر أنه بقي عليه شيء منها" كركوع أو سجود "فليرجع" وجوبا بإحرام إلى تمام صلاته "إن كان" تذكره "بقرب ذلك" الانصراف "فيكبر تكبيرة يحرم بها" أي ينوي بها إتمام ما بقي من صلاته، ويندب له رفع اليدين في ذلك الإحرامقال خليل: وبنى إن قرب ولم يخرج من المسجد بإحرام، ولم تبطل بتركه، وجلس له على الأظهر إن كان سلم من اثنتين، وأما لو كان فارق الصلاة بعد ثلاث لم يجلسقال في المقدمات: وإذا قلنا يرجع بإحرام فلا بد من الرجوع إلى الحالة التي فارق الصلاة فيها، فإن كان سلم من اثنتين رجع إلى الجلوس، وإن كان سلم من ركعة أو ثلاث فذكر وهو قائم رجع إلى حالة رفع رأسه من السجود، وأحرم منه ولا يجلس، وحكم هذا الجلوس إذا كان سلم من اثنتين الوجوب، ولكن لا تبطل الصلاة بتركه، كما لا تبطل بترك الإحرام بمعنى التكبير، وإذا جلس وكبر للإحرام فإنه يقوم بالتكبير الذي يفعله من فارق الصلاة من اثنتين"ثم" بعد إحرامه بالنية والتكبير مع رفع اليدين كما قدمنا "يصلح" وفي بعض النسخ يصلي "ما بقي عليه" من الصلاة ويسجد إلا أن يكون مستنكحا فلا سجود عليه كما يأتي. قال في الكفاية: وكلام المصنف إذا كان المصلي فذا أو إماما وافقه المأمومون على ذلك، وإن خالفوه فإن أخبره عدلان بأنه نقص من صلاته ركعة مثلا فإنه يرجع إلى قولهما إن لم يتيقن خلاف ما
أخبراه به، وإن تيقن خلاف ما أخبراه به فلا يرجع إلى قولهما، وإن كثر المخبرون له جدا رجع إلى قولهم، ولو تيقن خلاف ما أخبروه به، ولا يرجع إلى قول الواحد على المشهور. قال خليل: ورجع إمام فقط لعدلين إن لم يتيقن إلا لكثرتهم جدا. "و" مفهوم قوله إن كان بالقرب "إن تباعد ذلك" التذكر، وهو محدود بالعرف عند مالك وابن القاسم "أو خرج من المسجد" عند أشهب "ابتدأ صلاته" جواب إن تباعد، وإنما ابتدأ صلاته للطول، وظاهر كلام أشهب أن مجرد الخروج من المسجد تباعد، ولو كان المسجد صغيرا وصلى بقرب بابه وهو ظاهر المدونة، والمعتمد الأول وهو التحديد للقرب والبعد بالعرف، والمراد بالمسجد على كلام أشهب المحل المحصور، فإن صلى في الصحراء فالبعد عنده أن يصل المصلي بعد انصرافه إلى محل لا يمكن الاقتداء بمن فيه ممن يكون في محل المصلي الناسي" تنبيه ": محل كلام المصنف فيمن سلم من صلاته عامدا لاعتقاده إتمام صلاته، وأما لو سلم عالما عدم إتمامها أو شاكا في إتمامها، ولم يكن مستنكحا فإن صلاته تبطل. قال خليل مشبها في البطلان: كمسلم شك في الإتمام، ثم ظهر الكمال على الأظهر وأولى لو تبين عدم الكمال أو لم يظهر شيء وأما المستنكح فلا تبطل صلاته؛ لأنه مأمور بالبناء على الأكثر، وقولنا عامدا إلخ لا ينافي أنه ساه عن الإتمام؛ لأن من اعتقد الإتمام ساه عن النقصان فافهم، وكلام المصنف في الإمام والفذ، وأما المأموم يسلم قبل إمامه لظنه سلام إمامه، فإنه ينتظر سلام إمامه ويسلم معه ولا شيء عليه حيث لم يحصل منه ما يبطل صلاته وإلا ابتدأها، ثم شبه في البناء مع القرب وابتداء الصلاة مع البعد من كمل صلاته ونسي السلام عقب التشهد منها فقال: "وكذلك من نسي السلام" ولم يذكره حتى طال طولا متوسطا بين القرب والبعد أو فارق موضعه فإنه يعيد التشهد بعد رجوعه بإحرام من جلوس ليقع سلامه من جلوس عقب تشهد ثم يسلم ويسجد بعد السلامقال خليل : وأعاد تارك السلام التشهد وسجد إن انحرف عن القبلة، وأما إن تباعد أو خرج من المسجد فإن صلاته تبطل، هذا هو الذي يحمل عليه كلام المصنف هنا؛ لأنه شبه فيما تقدم البناء مع البعد، فلا ينافي أن ناسي السلام يتصور فيه خمسة أحوال: يرجع بإحرام وتشهد، ويسجد بعد السلام في صورتين وهما الطول المتوسط أو مفارقة الموضعالثالث : الطول جدا فتبطل صلاتهالرابع : القرب جدا وفيه وجهان: أحدهما الانحراف عن القبلة فيعتدل ويسلم ويسجد بعد
السلام من غير تكبير ولا تشهد، والثاني أن لا ينحرف فيسلم فقط ولا سجود عليه، فهذه خمسة أحوال، وما ذكرناه من سجود من انحرف عن القبلة مقيد بمن لم يكن انحرافه مبطلا كمن بمكة أو المدينة أو جامع عمرو"ومن لم يدر" أي من لم يعلم "ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا" والحال أنه لم يكن مستنكحا "بنى" وجوبا "على اليقين" أي على الاعتقاد الجازم "وصلى ما شك فيه" أي في تركه لاقتصاره على المتيقن وطرحه المشكوك فيه وهو الرابعة فيأتي بها، فقوله: "وأتى برابعة" تفسير لقوله ما شك فيه "وسجد بعد سلامه" وقيدنا بغير المستنكح لما يأتي من أن من استنكحه الشك يبني على الأكثر، ويسجد بعد السلام ندبا، والمراد بالشك في كلام المصنف ما قابل اليقين فيشمل الوهم، فمن ظن أنه صلى أربعا وتوهم أنه صلى ثلاثا فإنه يأتي برابعة؛ لأن الذمة عامرة يقينا فلا تبرأ إلا بأمر متيقن، وما ذكره المصنف من أن الشاك فيما صلى يبني على الأقل ويسجد بعد السلام هو المشهور، ومقابله يسجد قبل السلامقال ابن لبابة: وبه أقول لما في الموطإ مع قوله صلى الله عليه وسلم: "السلام إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم" 1 وإنما سجد قبل السلام؛ لأن الركعة المشكوك فيها يحتمل أنها الأولى أو الثانية فتصير الثالثة ثانية فتنقص السورة والجلوسوقال ابن عمر: السجود بعد السلام محمول على أن الشك إنما وقع في التوالي هل هو في الرابعة أو في الثالثة؟ تحقق سلامة الركعتين الأوليين من النقص بأن تحقق قراءة السورة فيهما والجلوس بعدهما، وإلا سجد قبل السلام لاحتمال الزيادة والنقصان لانقلاب الركعات على تقدير وقوع الشك في ترك سجدة أو ركوع من الأوليين، أو حصل شك مركب بأن شك هل صلى ثلاثا أم أربعا، وعلى تقدير أن ما صلاه أربع أو ثلاث هل قرأ السورة في الأوليين أم لا؟ فإنه يسجد قبل السلام؛ لأن النقص يراعى ولو مشكوكا فيه" تنبيه ": إذا علمت أن قوله: وأتى برابعة تفسير لما شك فيه، علمت أنه لا إشكال في كلام المصنف، خلافا لمن قال: إن قوله بنى على اليقين الذي هو الثالثة وصلى ما شك فيه التي هي الرابعة ثم قال: وأتى برابعة فهي رابعة في اللفظ خامسة في المعنى، وأجاب بعض عن هذا الإشكال بأن قوله: وأتى برابعة من زيادة الناسخ، وبعض بأنه محض تكرار، وأجاب بعض؛
ـــــــ
1 أخرجه مالك في الموطأ "1/95" حديث "214".
لأنه عطف تفسير وهو أحسن، وعلم من تفسيرنا الشك بما قابل اليقين دفع الإشكال في كلامه من جهة المعنى، وهو أن قوله: بنى على اليقين مفهومه أنه لا يبني على الظن، ظاهر قوله وصلى ما شك فيه أنه لا يصلي ما ظن فعله، ولا شك أن هذا تدافع، وقد علمت اندفاعه بأنه ليس المراد بالشك التردد على السواء بل ما قابل اليقين فيدخل فيه الظن"ومن تكلم ساهيا" عن كونه في الصلاة "سجد بعد السلام" إن كان إماما أو فذا إلا أن يكون كثيرا فتبطل صلاته، وأما المأموم فيحمله عنه الإمام، واحترز بقوله ساهيا عن المعتمد فتبطل صلاته بكلامه، ولو قل أو وجب كالكلام لإنقاذ أعمى، أو لإجابة المصطفى عليه السلام على فرض وقوعه على ظاهر كلام خليل، إلا ما كان لإصلاحها فلا تبطل به إلا أن يكثر في نفسه، وهو ما يعده العرف كثيرا ولو توقف الإصلاح عليه، ومثال الكلام لإصلاح الصلاة أن يسلم من اثنتين معتقدا كمال صلاته، ثم يشك هل كملت أم لا؟ وتعذر عليه التسبيح فسأل من خلفه هل كمل الصلاة أم لا؟ ولا سجود في هذا الكلام؛ لأنه عمد وإن سجد لزيادة السلام؛ لأنه وقع منه سهوا، والدليل على ما قاله المصنف حديث ذي اليدين وهو: أنه صلى الله عليه وسلم سلم من اثنتين في إحدى صلاتي العشاء فقال له ذو اليدين: أنسيت يا رسول الله أم قصرت الصلاة بالرفع على الفاعلية؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لم أنس ولم تقصر" ، فالتفت فقال: "أحق ما يقول ذو اليدين" ؟ فقالوا: نعم، فقام وكمل صلاته1قال الفاكهاني: وموضع الدليل منه أنه صلى الله عليه وسلم تكلم ثم قال. لا يقال: أن ذلك كان قبل تحريم الكلام، لأنا نقول: إن تحريم الكلام كان بمكة وقصة ذي اليدين كانت بمكة أيضا قاله عبد الوهاب، وتقدم الرد على من ادعى النسخ أيضا بأن راوي هذا الحديث أبو هريرة وهو متأخر إسلاما، وقولنا يسلم معتقدا للإتمام، وشك بعد ذلك فسأل احترازا عما لو شك قبل سلامه فإنه لا يجوز له السؤال كما لا يجوز له السلام، بل يجب عليه أن يبني على يقينه، فلو سلم أو سأل في حال شكه بطلت صلاته، والحاصل أن من عنده شك في إتمام صلاته قبل السلام أو عرض له الشك بعد سلامه مع اعتقاد كماله يجب عليه فعل ما تبرأ به ذمته، ولا يجوز له السؤال بالكلام ولا السلام، وإلا بطلت صلاته، إلا الإمام يسلم على يقين، ثم يحصل له الشك من كلام المأمومين فيجوز له السؤال بالكلام إذا تعذر عليه الوصول إلى العلم بحيث لا يحصل بإشارة ولا تسبيحـــــــ
1 أخرجه مالك في الموطأ "1/93" حديث "210".
فرع : من قال بعد صلاة ركعتين السلام فقط سهوا، ثم ذكر وكمل صلاته سجد بعد السلام، البرزلي: وكان شيخنا الإمام يفتي بأنه يرجع بإحرام أي ويسجد، وسمعت في المذكرات أنه لا سجود عليه ولا إحرام؛ لأن السلام اسم من أسمائه تعالى "ومن لم يدر" بعد إتمام صلاته "سلم أم لم يسلم" وتفكر قليلا "سلم ولا سجود عليه" ومثله لو شك هل سها عن شيء أو لم يسه، وتفكر قليلا ثم تبين عدم سهوه، ومحل عدم السجود حيث كان قريبا، ولم ينحرف عن القبلة ولم يفارق مكانه، فإن انحرف عنها سجد وإن طال زمن تفكره بأن توسط، ومثله لو فارق مكانه بنى بإحرام وتشهد وسلم وسجد بعد السلام، فإن طال جدا بطلت صلاته، وإنما لم يسجد في كلام المصنف لأن سلامه إما واقع في محله أو خارج الصلاة وكلاهما لا يسجد له، ولما كان البناء على اليقين إنما هو في غير المستنكح كما قدمنا ذكره محترزه هنا بقوله: "ومن استنكحه" أي كثر "الشك في السهو" في الصلاة "فليله عنه" أي يعرض عنه وجوبا "ولا إصلاح عليه"؛ لأنه من الشيطان وداؤه كالنفس الإعراض عنه، ومخالفته بخلاف غير المستنكح يصلح ويسجد، فلو بنى المستنكح على الأقل ولم يله عنه لم تبطل صلاته، ولو عامدا كما قال الحطاب في شرح خليل، ولعل وجهه أن الأصل البناء على اليقين، وإنما سقط عن المستنكح تخفيفا عنه فإذا أصلح فعل الأصل، ولا يقال: الشك في النقصان كتحققه؛ لأنا نقول: أخرجوا من عمومه المستنكح فإنه يجب عليه البناء على الأكثر ولا يبني على أول خاطريه، خلافا لابن الحاجب وبعض القرويين في قولهم: أن الموسوس يبني على أول خاطريه، فإن سبق له خاطر بأن صلاته تمت، ثم قيل له إنها لم تتم فإنه يبني على أنها تمت، وعكسه والذي عليه خليل والمدونة ما ذكره المصنف ووجهه أن المستنكح لم ينضبط له خاطر أول من غيره كما يشهد بذلك الوجدان، إذا الشاك متردد بين أمرين في زمن واحد، ولما كان يتوهم من عدم إصلاح المستنكح عدم سجوده قال: "ولكن عليه" أي المستنكح "أن يسجد بعد السلام" استحبابا؛ لأنه إلى الزيادة أقرب هكذا قاله ابن القاسم، وقال أشهب: إنما يسجد قبل السلام والمعتمد كلام ابن القاسم" تنبيه " قوله: فليله الهاء منه مفتوحة؛ لأنه مضارع لهى كعلم وخشي، فلما دخل الجازم حذفت ألفه وبقيت الفتحة دليلا عليها، كما في سائر الأفعال المعتلة تبقى حركة ما قبل حرف العلة بعد حذفه، ومعنى الإلهاء الإعراض عنه وعدم العمل بمقتضاه بحيث يأتي بما شك في عدم الإتيان به، ثم فسر حقيقة المستنكح بقوله: "وهو" أي المستنكح "الذي يكثر ذلك" أي
الشك "منه" أي المستنكح، وذلك بأن "يشك كثيرا" أي زمنا كثيرا "أن يكون سها زاد أو نقص و" الحال أنه "لا يوقن" بشيء يبني عليه هذا هو معنى الاستنكاح، وفسر ابن عمر الكثرة بأن يطرأ عليه في كل وضوء وفي كل صلاة أو في اليوم مرتين أو مرة، وأما لو كان لا يحصل له إلا بعد يوم أو يومين فليس بمستنكحوقال الأجهوري: فظهر لي أن الذي ينبغي أن يجري في مسألة الشك ما جرى في مسألة السلس، فإذا زاد من إتيانه على زمن عدم إتيانه أو تساويا فهو مستنكح، وإن قل زمن إتيانه فليس بمستنكح، وليس المراد بزمن إتيانه الوقت الذي يحصل فيه، بل المراد الأيام التي يأتي فيها ولو مرة فقط، فإذا أتاه يوما وانقطع يوما وهكذا أو أتاه يومين وينقطع الثالث وهكذا كان مستنكحا، وأما لو أتاه يوما وانقطع عنه يومين فليس بمستنكح، بل الذي تقتضيه الحنفية السمحة أي الشريعة السهلة أن الاستنكاح ما يشق معه الوضوء في الشك في الوضوء، وفي الصلاة ما تشق معه الصلاة، لأنه لا يلفق شك الوضوء إلى الشك في الصلاة، وقوله: "فليسجد بعد السلام فقط" مكرر مع قوله: ولكن عليه أن يسجد بعد السلام، كما أن قوله: ولا يوقن تكرار في المعنى مع قوله يشك؛ لأن الذي يشك لا يوقن"تنبيه" قال بعض شراح هذا الكتاب في كلامه تقديم التصديق على التصور والواجب عكسه، وذلك لأنه حكم على المستنكح بأنه يجب عليه أن يلهى عنه قبل أن يتصور، وأحسن ما يجاب به في مثل هذا الإشكال أنا لا نسلم أن فيه تقديم التصديق على التصور، وإنما فيه تقديم التصديق على التصوير للغير لا على التصور، والواجب تقديمه على التصديق هو التصور لا التصوير، ولا شك أن المصنف كان متصورا للمستنكح قبل حكمه عليه بأن يلهى عنه فلا اعتراض على المصنفولما فرغ من الكلام على الشاك بقسميه غير المستنكح والمستنكح شرع في الساهي بقسميه بقوله: "وإذا أيقن" المصلي "بالسهو" بأن تذكر أنه زاد أو نقص فإن لم يكثر ذلك منه "سجد بعد إصلاح صلاته" بالإتيان بالمنسي بأن تذكر في تشهده أنه نسي ركوعا أو سجودا من أولاه أو ثانيته، فيجب عليه الإتيان به على نحو ما بيناه سابقا، ويسجد بعد السلام، لأن معه محض زيادة إن تيقن أنه زاد ركعة أو سجودا قبل السلام إن تذكر بعد تمام صلاته وقبل سلامه أن نقص السورة أو تكبيرتين أو لفظ تشهد مع جلوسه أو بدونه كما قدمنا، فقول المصنف: سجد بعد إصلاح صلاته إحالة على ما قدمه من أن محض الزيادة يسجد لها بعد السلام، وغيرها يسجد
لها قبله. "فإن كثر ذلك" السهو "منه فهو يعتريه كثيرا" تفسير لقوله كثر "أصلح صلاته" بأن يأتي بما تيقن نسيانه وعدم الإتيان به "ولم يسجد لسهوه" لما فيه من المشقة، وسواء كان السهو بزيادة أو نقص، ومحل الإصلاح إذا تمكن منه، وذلك فيه تفصيل بين السنن والفرائض، فالمنسي إن كان سورة أتى بها ما لم ينحن ويضع يديه على ركبتيه، ومثلها السر والجهر وتكبير العيد، وإلا فاتت ولا سجود على المستنكح، ومثل ذلك السهو عن الجلوس الوسط فإنه يأتي به ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه كما يأتي، وأما لو كان السهو عنه فرضا كركوع أو سجود فيكفيه إصلاحه الإتيان به وحده إن لم يعقد ركوع الركعة الوالية للمنسي منها لبطلانها ولا سجود على المستنكح" تنبيهات " الأول : علم من كلام المصنف أربعة أقسام: شاك غير مستنكح وأشار إليه أولا بقوله: ومن لم يدر إلخ، وشاك مستنكح وأشار إليه بقوله: ومن استنكحه الشك إلخ، فالأول يصلح ويسجد، والثاني يسجد ولا يصلح، وساه غير مستنكح وهذا كالشاك غير المستنكح يصلح ويسجد، والرابع الساهي المستنكح وهو عكس الشاك المستنكح؛ لأن الأول يصلح فقط، والثاني يسجد فقط، وغير المستنكح يصلح ويسجد مطلقا، والتفرقة في المستنكح، والفرق بين الساهي والشاك أن الساهي يضبط ما وقع منه من نقص أو زيادة سواء كان مستنكحا أم لا، والشاك بقسميه لا يضبط ما يصدر منهالثاني : لم يتكلم المصنف على حكم ما لو خالف المستنكح للسهو وسجد، ونظر فيه الأجهوري رحمه الله بقوله: ولو سجد لسهوه في هذه الحالة، وكان سجوده قبل السلام فهل تبطل صلاته به إن فعله عمدا أو جهلا أم لا؟ مراعاة لمن يقول أنه يسجد وهذا واضح إذا أصلح ما سها عنه، وأما إن لم يصلح فإنه يكون بمنزلة التارك له وهو من لم يستنكحه السهو فيجري فيه حكمه، فإن كان فرضا فلا بد من الإتيان به أو بركعة إن فات تداركه، وإن كان سنة فلا شيء عليه؛ لأن من استنكحه السهو لا سجود عليه، ولو تعذر عليه تدارك ما نسيه من السنن، ويظهر لي أنه لو خالف وسجد للسهو المستنكح ولم تبطل صلاته، ولو تعمد السجود قبل السلام بالأولى من عدم بطلان من استنكحه الشك إذا خالف ما وجب عليه، وأصلح بأن بنى على الأقل وزاد ركعة مثلا فإنه لا شك في خفة زيادة السجود عن زيادة ركعة كاملة وحررهالثالث : الفرق بين السهو والنسيان أن السهو الذهول عن الشيء تقدم له ذكر أم لا، والنسيان الذهول عن الشيء بعد ذكره فهو أخص. قال صاحب شرح المواقف: السهو زوال المعلوم من
القوة المدركة مع بقائه في الحافظة، والنسيان زواله منها ومن الحافظة، وقد قدمنا الفرق بين الشاك والساهي بعد ضبط الأول دون الثاني فإنه يتذكر ما سها عنه" ومن قام " أي تزحزح وهم للقيام "من اثنتين" من رباعية أو ثلاثية ناس للجلوس "سهوا رجع" للجلوس عند تذكره سريعا "ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه" جميعا فإذا رجع تشهد كمل صلاته ولا سجود عليه ليسارة ما حصل منه، فلو لم يرجع عمدا بطلت صلاته على المشهور، وقيل لا تبطل على الخلاف في تارك السنة عمدا، فحكم الرجوع الوجوب على الأول والسنية على الثاني، وأما لو تمادى على القيام ولم يرجع سهوا لم تبطل صلاته، وإنما يسجد قبل السلام، فإن ترك السجود وطال زمن الترك بطلت صلاته لترك القبلي المترتب عن ثلاث سنن: الجلوس ومطلق التشهد وخصوص اللفظ بناء على سنيته، وحملنا الكلام على من قام من اثنتين تاركا للجلوس، ومن لازمه ترك التشهد تبعا لخليل حيث قال: ورجع تارك الجلوس الأول إن لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولا سجود وإلا فلا، للاحتراز عما لو جلس وقام ناسيا التشهد فلا يرجع له كما قاله الفاكهاني ولفظه: لو جلس الجلسة الوسطى ونسي التشهد فلم يذكره حتى نهض فإنه يتمادى ولا سجود في تركه كالتسبيح، فإن رجع للتشهد بعد نهوضه للقيام لم تبطل صلاته، كما لا تبطل صلاته إذا رجع للجلوس، قاله في التحقيق. "فإذا فارقها" أي الأرض بيديه وركبتيه "تمادى" على القيام وجوبا لتلبسه بفرض "ولم يرجع" للجلوس الذي هو سنة وكمل صلاته "وسجد قبل السلام" فلو خالف ورجع لم تبطل صلاته. قال خليل: ولا تبطل إن رجع، ولو استقل مراعاة لمن يقول بالرجوع، وإذا رجع فلا ينهض حتى يتشهد؛ لأن رجوعه معتد به عند ابن القاسم وينقلب سجوده القبلي بعديا، فلو ترك التشهد عمدا بعد رجوعه بطلت صلاته على كلام ابن القاسم لا على كلام أشهب؟ وإذا كان إماما تبعه مأمومه في المسائل الثلاث، فلو لم يتبعه بطلت صلاته مع العمد والجهل" تنبيهات " الأول : حملنا القيام من اثنتين: من رباعية أو ثلاثية؛ لأنهما اللتان يتشهد في وسطهما، وللإشارة إلى أن النافلة إذا قام منها بعد اثنتين من غير جلوس يرجع، ولو استقل قائما إلا أن يعقد الثالثة برفع الرأس من ركوعهما، وإلا كملها أربعا وسجد قبل السلام، واقتصر عليه خليل وقيل بعدهالثاني : ظاهر كلامه كخليل أنه لا يرجع بعد مفارقة الأرض بيديه وركبتيه ولو كان مستنكحا للسهو، ولا يقال: من استنكحه السهو يصلح، لأنا نقول: الإصلاح مشروط بإمكان التدارك،
وبعد مفارقة الأرض بيديه وركبتيه فاته الجلوس لتلبسه بالفرض ولا يرجع منه لسنة، وقيد بعض الشيوخ عدم الرجوع بعد الاستقلال بغير المستنكح، وحرر المسألة فإن الفقه نقلي لا عقليالثالث : قد قدمنا عن خليل أن الصلاة لا تبطل بالرجوع بعد الاستقلال، وهو مقيد بما إذا كان الرجوع قبل تمام قراءة الفاتحة، وإلا بطلت الصلاة بالرجوع؛ لأن في رجوعه إبطال ركن، ونظر الأجهوري في القراءة، والذي يظهر كما قدمنا أن المراد الفاتحة؛ لأنها التي تقرأ بعد القيام من اثنتين وحرر المسألةالرابع : وقع التوقف من بعض المشايخ في نحو السورة إذا رجع لها بعد الانحناء أو السر أو الجهر، فهل يصح قياس ما ذكر على الجلوس بجامع أن كلا يفوت الشروع في الركن الذي بعده؟ فبعض سمعنا منه عدم بطلان صلاة من رجع لنحو السورة بعد انحنائه، قياسا على عدم بطلان من رجع للجلوس بعد استقلاله قائما، وحرر المسألة فإن الفقه نقليالخامس : قال بعض المشايخ: يقوم من عدم رجوع من فارق الأرض بيديه وركبتيه تاركا للجلوس، ومن نسي السورة حتى انحنى، أن ناسي المضمضة والاستنشاق لا يرجع لهما بعد شروعه في غسل وجهه بل يتمادى ويفعلهما بعد فراغه، ويحمل قول مالك في الموطإ بالرجوع على غير الناسي، وأن الإمام إذا شرع في الخطبة بعد فراغ المؤذن الثاني لاعتقاد أنه الثالث فإنه يتمادى ولا يقطعها للمؤذن، الثالث وهو الصواب قال ذلك الأجهوري في شرح خليلولما فرغ من الكلام على أحكام السهو شرع في الكلام على صفة قضاء الفوائت فقال: "ومن ذكر صلاة" نسيها من إحدى الخمس "صلاها" وجوبا "متى ما ذكرها" ولو عند طلوع الشمس أو غروبها أو خطبة جمعة حيث تحقق تركها، أو ظنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليفعلها إذا ذكرها فذلك وقتها" 1 وفي مسلم: "فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" 2 وما في الحديث خرج مخرج الغالب، فلا ينافي أن متعمد الترك يجب عليه القضاء في أي وقت بالأولى؛ لأن القلم مرفوع عن النائم والساهي بخلاف المتعمد فإن امتنع من صلاتها فإنه يجبر على فعلها، واختلف هل يقتل إذا عاند في فعلها؟ فقيل يقتل، وقيل لا، والذي اقتصر عليه
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو يعلى في مسنده "05/409" حديث "3086" بلفظ "من نام عن صلاة أو نسيها فليلها إذا ذكرها" والحديث بمعناه في الصحيحين2 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث "684".
خليل عدم قتله بالفائتة فإنه لا فائتة على الأصح. وقيدنا بمحققة الترك أو المظنونة؛ لأن المشكوك في تركها وعدمه على السواء يجب قضاؤها، ولكن يتوقى الفاعل أوقات النهي وجوبا في نهي الحرمة وندبا في نهي الكراهة، وأما الوهم والتجويز العقلي فلا يجب بهما ولا يندب قضاء كما قاله الحطاب، ولا يقال: قد تقدم أن نقص الفرائض ولو الموهوم كالمحقق فأولى الفرض الكامل الموهوم، لأنا نقول: المتقدم في الفرض المحقق الخطاب به، وما هنا لم يتحقق خطاب فافهم، ومن هنا علم خطأ بعض المطاوعة في قولهم بقضاء صلاة زمن من الصبا أو مدة البطن، ويسمونها صلاة وهو جهل منهم، ويفوت الإنسان به ثواب النفل، ويطلب منه أن يصليها" على نحو " أي صفة " ما فاتته " من سر أو جهر أو قصر أو إتمام، وقنوت في صبح وتطويل قراءة، وقراءة بسورة في الثنائية وأولتي غيرها، واستثنوا من كلام المصنف من فاتته صلاة المرض وقضاها في الصحة فيجب عليه القيام، ولو كان فرضه الجلوس في المرض لقول خليل: وإن خف معذور انتقل للأعلى. وعكسه من فاتته في الصحة يقضيها ولو من جلوس، أو فاتته مع القدرة على الوضوء ولم يقضها إلا مع القدرة على التيمم، والضابط أن المعتبر حال الفعل سواء كان أعلى من الفوائت أو عكسه" ثم " إن كان ذكرها بعد فعل صلاة حاضرة "أعاد ما كان في وقته مما صلى بعدها" بيان لما، والضمير في وقته عائد على ما الواقعة على الفرض ولذا ذكر الضمير، والضمير في بعدها على المنسية، والمعنى: أن من صلى فريضة في وقتها الحاضر، ثم بعد فراغها فائتة يجب تقديمها عليها عند ذكرها وهي خمس أو أربع صلوات، فإنه يستحب له بعد صلاة تلك الفائتة إعادة تلك الحاضرة التي كان صلاها ما دام وقتها ولو الضروري لحصول الترتيب، واحترز بقوله: ما كان في وقته عما فاته وقته فلا يعاد، مثل ذلك أن ينسى المغرب ولم يذكرها حتى صلى الصبح فإنه يصلي المغرب ويعيد الصبح إذا كان التذكير قبل طلوع الشمس لبقاء وقتها، ولا يعيد العشاء لفوات وقتها، وإن لم يذكر المغرب إلا بعد طلوع الشمس صلى المغرب فقط، وإذا كان هذا المعيد إماما ففي إعادة مأمومه صلاته خلاف الذي رجع إليه مالك، وقال ابن القاسم: لا إعادة فينبغي أن يكون هو الراجح، وإن قال بعضهم: الراجح الإعادة؛ لأنه لا يعادل ما رجع إليه مالك وقال به ابن القاسم. واختاره اللخمي وطائفة، وقيدنا الفائتة باليسيرة للاحتراز عما لو صلى حاضرة ثم ذكر فائتة كثيرة وهي ست أو خمس فإن الحاضرة تقدم عليها عند ذكرها، فلا
يتأتى إعادة الحاضرة بعد قضائها فافهم" تنبيه " قد علمت أن المراد بالوقت هنا ما يشمل الضروري. قال خليل في يسير الفوائت مع الحاضرة: فإن خالف ولو عمدا أعاد بوقت الضروري، وهذا بخلاف إعادة الصلاة بعد صلاتها بثوب نجس على جهة السهو أو العجز، فإن الوقت الذي تعاد فيه هو المختار، ويفرق بين الإعادة للنجاسة وبين الإعادة للترتيب بتأكد الترتيب على إزالة النجاسة، بدليل تقديم الفائتة اليسيرة على الحاضرة وإن خاف خروج وقت الحاضرة، وبالعفو عن يسير النجاسة" ومن " ترتب "عليه صلوات كثيرة" وهي ما زاد على صلاة يوم وليلة، وقيل أو ساواهما سواء كانت منسية أو متروكة عمدا. "صلاها" وجوبا فورا "بكل" أي في كل كما هو في بعض النسخ "وقت من ليل أو نهار وعند طلوع الشمس وعند غروبها" أو خطبة جمعة، وهذا حيث كانت محققة الترك أو مظنونته، وأما لو تردد فيها على السواء، فيتوقى أوقات النهي وجوبا في نهي الحرمة وندبا في نهي الكراهة كما قدمناه، ونقله صاحب الإرشاد، وإنما ذكر المصنف هذا وإن فهم من قوله سابقا: من ذكر إلخ فإنه يشمل الواحدة والأكثر للرد على أبي حنيفة في قوله: إنه لا يصلي عند طلوع الشمس إلا صبح يومه وعند غروبها إلا عصر يومه، ودليلنا عموم من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها متى ما ذكرها إلى أن قال: فذلك وقتها"و" يجب عليه القضاء "كيفما تيسر له" ولو في حال المرض الذي يصلي فيه من جلوس، ولو فاتته في حال الصحة لما مر من أن المعتبر: حال الفعل لا حال الوجوب، وأشعر قوله: كيفما تيسر له أنه يجب عليه شغل زمانه بالقضاء، وإنما يوسع له في الضرورات التي لا غنى له عنها، كما يدل عليه قول المدونة: ومن عليه صلوات كثيرة أمر أن يصليها متى قدر ووجد السبيل إلى ذلك في ليل أو نهار دون أن يضيع ما لا بد منه من حوائج دنياه من نفقة عياله وصغار أولاده الفقراء أو أبويه الفقراء، ويلحق بذلك درس العلم الواجب عليه والتمريض وإشراف القريب على ما يظهر، ويحرم عليه صلوات النفل قبل قضاء ما عليه إلا الصلاة المسنونة كالعيد والكسوف وما خف من النوافل دونها كركعتي الفجر والشفع لاتصالهما بالوتر لا ما كثر كقيام رمضان فلا يفعله، فإن فعله أثم من وجه وأجر من وجه. والحاصل أنه لا يخرج من إثم التأخير إلا بفعل ما قدمناه، وقول من قال: يخرج من الحرمة ولا يعد مفرطا بصلاة يومين في كل يوم ضعيف" فرع " لو أجر شخص نفسه في عمل إجارة لازمة وهي الوجيبة أو المشاهرة مع نقد الأجرة،
ثم أقر أن عليه منسيات يمنعه قضاؤها عن العمل لم يقبل منه كإقرار من رهن عبدا أو باعه أنه لغيره، أو أنه كان أعتقه قبل رهنه للتهمة في الجميع. ولما بين أن الفائتة يجب قضاؤها فورا على ما بينا شرع في حكم ترتيب الفائتة مع الحاضرة بقوله: "وإن كانت" أي الفوائت "يسيرة" وهي ما كانت "أقل من صلاة يوم وليلة" أو قدر صلاة يوم وليلة "بدأ بهن" وجوبا قبل الصلاة الحاضرة سواء اتسع الوقت أم لا بل. "وإن فات" أي خاف فوات "وقت ما هو في وقته" قال خليل عاطفا على الواجب: ويسيرها مع حاضرة وإن خرج وقتها، وهل أربع أو خمس خلاف؟ فإذا خالف وقدم الحاضرة على يسير الفوائت ولو عامدا صحت، ولكن يستحب له إعادة الحاضرة بعد فعل الفائتة ولو في وقتها الضروريقال خليل : فإن خالف ولو عمدا أعاد بوقت الضرورة، وفي إعادة مأموميه خلاف، وقدمنا بيان الراجح وأشعر التقييد بالإعادة في الوقت أن الترتيب بين الفائتة اليسيرة والحاضرة ليس بشرط، وإن وجب مع الذكر، ويدخل في الفائتة اليسيرة ما لو كان عليه الظهر والعصر أو المغرب والعشاء ولم يبق من الوقت إلا ما يسع الأخيرة، فيجب تقديم الأولى على الثانية، فإن خالف وقدم الحاضرة صحت مع الإثم في العمد دون النسيان، ولا يتأتى هنا إعادة لخروج الوقت"و" مفهوم اليسيرة أن الفوائت "إن كثرت" بأن زادت على صلاة يوم وليلة أو ساوت على الخلاف في يسيرها "بدأ بما يخاف فوات وقته" من الحاضرة، فإن اتسع وقت الحاضرة قدم الفائتة، وإن ضاق وقت الحاضرة عن فعل الفائتة والحاضرة قدم الحاضرة، هذا ما ارتضاه المصنف تبعا لبعض أهل المذهب، والذي ارتضاه خليل وشراحه وهو المعتمد: أن الحاضرة تقدم على كثير الفوائت مطلقا ولو اتسع الوقت، لكن وجوبا عند ضيق الوقت وندبا عند اتساعه، ولو قدم حكم من ذكر الفوائت قبل الدخول في صلاة حاضرة شرع في حكم من ذكر صلاة وهو متلبس بصلاة حاضرة فقال: "ومن ذكر صلاة في صلاة فسدت هذه" المذكورة فيها "عليه" بمجرد ذكرها إن كانتا حاضرتين، وأما لو كانت المذكورة فائتة بأن خرج وقتها لم تفسد المذكور فيها إلا إن أفسدها، ولكن المتبادر من تعبير المصنف بالفساد من غير تقييد بإفساده، أن المراد ذكر حاضرة في حاضرة؛ لأن الترتيب بين الحاضرتين واجب مع الذكر والقدرة على جهة الشرطية، بخلاف الترتيب بين الفوائت في أنفسها أو مع الحاضرة فإنه غير شرط، بل يجب بين الفوائت في أنفسها لا على وجه الشرطية سواء كانت يسيرة أو كثيرة، وأما ترتيبها مع
الحاضرة فيجب في اليسيرة لا على وجه الشرطية، وأما مع الكثيرة فعند خليل يقدم الحاضرة مطلقا، وعند المصنف التفصيل بين ضيق الوقت فتقدم الحاضرة واتساعه فتقدم الفائتة. قال خليل مشيرا إلى جميع ما سبق: وجب قضاء فائتة مطلقا، ومع ذكر ترتيب حاضرتين شرطا، والفوائت في أنفسها ويسيرها مع حاضرة وإن خرج وقتها، وهل أربع أو خمس خلاف؟ فإن خالف ولو عمدا أعاد بوقت الضرورة، والفرق بين الوجوب الشرطي وغير الشرطي أن الشرطي يلزم من عدمه العدم، بخلاف غيره لا يلزم من عدمه العدم، وقيدنا بالذكر؛ لأنه لو قدم ثانية الحاضرة على الأولى ناسيا، واستمر ناسيا حتى سلم صحت وتستحب الإعادة فقط، وإن قدمها مع العمد بطلت، ومثل ذلك لو ذكرت الأولى في أثناء الثانية، لأن المراد الذكر ابتداء أو في الأثناء، والمراد بالفساد البطلان؛ لأن معناهما واحد عند غير أبي حنيفةثم شرع في مبحث مبطلات الصلاة فقال: "ومن ضحك" أي قهقه "في الصلاة أعادها" لبطلانهاقال خليل: وبطلت بقهقهة عمدا أو سهوا أو غلبة لمنافاتها للصلاة لطلب الخشوع فيها، وظاهر كلام المصنف كخليل ولو كان ضحكه فرحا بما أعده الله له في الآخرة، وأفتى به بعض أهل تونس والقرويين، وقال البرزلي: وهو ظاهر المدونة، وصوب ابن ناجي صحة صلاته معللا ذلك بعدم قصد اللعب، وأقول برد تعليل بطلان صلاة الناسي والمغلوب، فلعل الصواب إطلاق المصنف وخليل والمدونة، نعم يظهر صحة من به سلس القهقهة كلما دخل في الصلاة، ولا يستطيع تركها بوجه، كما قالوه في معتاد سلس الحدس كلما توضأ، بخلاف من عادته كلما صام يشتد عطشه الموجب للفطر، ولا يستطيع الإمساك بوجه، فإنه يسقط عنه الصوم؛ لأن شرطه الإطاقة، ولعل الفرق بينه وبين سلس القهقهة أن الأكل والشرب مناف لحقيقة الصوم، والحدث شرطوا فيه الخروج على وجه الصحة لا ما خرج بالمرض كالسلس فلا ينتقض كما قدمنا، وظاهر قول المصنف أعادها إماما أو فذا وهو كذلك، ويقطع من خلف الإمام، ووقع لابن القاسم في العتبية ونحوه في الموازية أن الإمام يستخلف في الغلبة والنسيان، ويرجع مأموما على صلاة باطلة، ويجب عليه إعادتها، ولعل وجه رجوعه مأموما مع الإعادة أبدا مراعاة قول من يقول بالصحة من الغلبة والنسيان، وإن كان ضعيفافإن قيل : ما الفرق بين القهقهة نسيانا تبطل الصلاة دون الكلام النسيان؟ فالجواب: شدة منافاتها للخشوع بخلاف الكلام ألا ترى أنه عهد عمده في الصلاة لإصلاحها حتى منه صلى الله عليه وسلم،
ولما كانت القهقهة تنقض الوضوء عند بعض الأئمة لا عند إمامنا قال: "ولم يعد" من قهقهة في صلاته "الوضوء"؛ لأن الناقض عندنا إما حدث أو سبب أو ردة أو شك في حدث، وهي ليست من ذلك "وإن كان" الضاحك بالقهقهة "مع إمام تمادى" وجوبا لحق إمامه، وقيل: ندبا على صلاة باطلة. "وأعاد" صلاته بعد سلام إمامه أبدا لبطلانها، ومحل التمادي على المأموم في ضحكه غلبة أو سهوا لم يقدر على التركقال خليل: وبطلت بقهقهة وتمادى المأموم إن لم يقدر على الترك بشرع اتساع الوقت، ولم تكن صلاة جمعة، ولم يلزم على تماديه ضحك بعض المأمومين، وإلا قطعت في الجميع، وهذه إحدى مساجين الإمام نبه على جميع ذلك الأجهوري في شرح خليل" ولا شيء عليه " أي المصلي ولو فذا "في التبسم" وهو تحريك الشفتين من غير تصويت، ومعنى لا شيء عليه لا سجود عليه في السهو، ولا بطلان في العمد أو الجهل غير العمد مكروه، وإن كثر أبطلها ولو سهوا، وأما المتوسط في الكثير والقليل فيسجد لسهوه، وتبطل الصلاة بعمده" تنبيه ": حكم التبسم في غير الصلاة الجواز وفيها الكراهة إلا أن يكثر فيحرم، وأما القهقهة فلا نزاع في حرمتها في الصلاة، وأما في غير الصلاة فحرام عند الصوفية ومكروهة عند الفقهاء لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ضحك في الدنيا بكى في الآخرة"؛ ولأن الضحك يميت القلب ويذهب بنور الوجه، وقال الحسن: عجبت من ضاحك والنار وراءه، وعجبت من مسرور والموت وراءه، ولعل قول الصوفية بحرمتها لأمر يدركونه منها: لو اطلع عليه الفقيه لحرمها، وإلا فالصوفية من عظماء أهل الشرع" والنفخ " من الفم " في الصلاة كالكلام " فإن وقع سهوا ولم يكثر سجد له بعد السلام. "والعامد لذلك" والجاهل لحكمه "مفسد لصلاته" ولو قل منه، ولا فرق بين أن يظهر منه حرف أم لا، وأما النفخ من الأنف فلا يبطل عمده ولا سجود لسهوهقال الأجهوري: وينبغي أن يقيد بأن لا يكون فعله عبثا، وإلا جرى على الأفعال الكثيرة؛ لأنه ليس من جنس أفعال الصلاة، فإن كثر أبطلها، والدليل على ما قال المصنف ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: "النفخ في الصلاة كالكلام"1 والظاهر رفعه؛ لأن مثل
ـــــــ
1 لم أقف عليه.
هذا لا يقال من قبل الرأي، وأيضا قد قال صلى الله عليه وسلم لرباح وهو ينفخ في التراب: "من نفخ من الصلاة فقد تكلم" 1 وغير ذلك كما روي، ومفهوم في الصلاة أن النفخ في غيرها ليس بكلام، فمن حلف لا يتكلم لا يحنث بنفخه، أو حلف ليتكلمن لا يبر بنفخه" فروع تشتد حاجة الطالب لمعرفتها " منها: التنحنح في الصلاة لضرورة لا يبطل عمده ولا سجود يسجد، ولغير ضرورة قولان المختار منهما عند اللخمي أنه لا يبطل الصلاة، واقتصر عليه خليل حيث قال: والمختار عدم الإبطال به لغيرها، ولكن قيده السنهوري بما إذا فعله لغير ضرورة متعلقة بالصلاة، وليس معناه أنه فعله عبثا، وإنما معنى قول خليل تبعا للخمي لغيرها أو لغير حاجة متعلقة بالصلاة، فلا ينافي أنه فعله لحاجة غير متعلقة بها كإعلام أنه في الصلاة، وأما لو تنحنح عبثا عامدا في صلاته لبطلت ولا وجه لعدم البطلان، وقال الحطاب: ظاهر كلام خليل ولو فعله عبثا حيث قل، ويظهر لي أن كلام السنهوري أوجه. قال الأجهوري: وينبغي أن الجشاء والتنخم كالتنحنح في أحكامه" الفرع الثاني " التشهد في الصلاة. قال البرزلي: إن فعله غلبة فمغتفر، وإن فعله سهوا سجد غير المأموم، وإن فعله عمدا أو جهلا أبطل الصلاة" الفرع الثالث " الأنين للوجع في الصلاة، المذهب عدم بطلان الصلاة به، ومثله البكاء إذا كان بلا صوت حصل اختيارا أو غلبة كان لتخشع أو لا، إلا أن يكثر اختيارا، وإلا أبطل الصلاة، وأما ما كان بصوت فإن كان اختيارا أبطل مطلقا، وأما غلبة فإن كان لخشوع لم يبطل ولغير خشوع يبطل، وهذا التفصيل حيث لم يكثر وإلا أبطل، هذا ملخص قول ابن عطاء الله: البكاء المسموع إذا كان لا يتعلق بالصلاة والخشوع يلحق بالكلام، والدليل على ذلك ما في الصحيح أن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن أبا بكر رجل إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء"2، وإن تردد الناس في البكاء هل هو من أبي بكر أو من الناس؟ لما رأوا أبا بكر قام مقام المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي مسلم: "أن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه"3والمراد ببكاء التخشع البكاء لخوف الله والدار الآخرة، ووقع التوقف من شيخ مشايخنا
ـــــــ
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "2/189" حديث "3017"2 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب الأذان باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، حديث "679"3 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض، حديث "418".
الأجهوري في البكاء سرورا لما أعده الله للمؤمنين في الآخرة هل هو كالضحك قهقهة في الصلاة، فيكون الصواب فيه البطلان به أم لا؟ انظر النص الصريح في ذلك ويظهر البطلان به؛ لأنه إن لم يكن غلبة فيكون عبثا فتبطل به الصلاة، كما يؤخذ من الفرق بين القهقهة والكلام فيما مرثم شرع في الكلام على من أخطأ القبلة فقال: "ومن أخطأ القبلة" بعد أن صلى مجتهدا في جهتها أو مقلدا غيره عدلا عارفا أو محرابا لم يكن بمكة أو المدينة أو جامع عمرو بن العاص، والحال أنه شرق أو غرب وكان الخطأ بغير نسيان" أعاد في الوقت " أي تلك الفريضة في وقتها الاختياري على جهة الاستحباب، واحترز بالخطأ عمن خالف القبلة عمدا فإن صلاته تبطل. قال خليل: وبطلت إن خالفها وإن صادف، فإنه مختص بالعمد كما قاله بعض شراح خليل كالتتائي والزرقاني، وقولنا في المجتهد إذا اجتهد أو قلد غيره عدلا عارفا احتراز من المجتهد الذي تحير واختار جهة وصلى لها، والمقلد الذي لم يجد من يقلدهوتخير جهة وصلى لها فإنه لا إعادة على واحد منهما، وقولنا: ولم يكن بمكة أو المدينة أو جامع عمرو للاحتراز عمن كان يصلي لهؤلاء وأخطأ، فإن صلاته تبطل ويعيدها أبدا حيث تبين له الخطأ، سواء كان يسيرا أو كثيرا، وسواء كان أعمى أو بصيرا، هذا هو الذي يفيده كلامهم؛ لأن من بمكة إنما يستقبل عين الكعبة وإن بمشقة، ومن بالمدينة يصلي إلى محرابه صلى الله عليه وسلم، ومثل مسجد المدينة سائر المساجد التي صلى إليها عليه الصلاة والسلام، فإن قبلتها مسامتة للكعبة فلا يصلي إلا إليها مع العلم بقبلتها، ولا يصح الاجتهاد في تلك الأماكن، وقبلة جامع عمرو مجمع على مسامتتها للكعبة أيضا، وقولنا بعد أن صلى يشعر بأن الخطأ تبين بعد تمام الصلاة، وأما لو تبين في أثنائها فأشار إليه خليل بقوله: وإن تبين خطأ بصلاة قطع غير أعمى ومنحرف يسيرا، وهو البصير المنحرف كثيرا بأن شرق أو غرب، وأما الأعمى مطلقا، والبصير المنحرف يسيرا فيستقبلانه ا ولا يقطعان، فإن تركا الاستقبال عمدا لم تبطل صلاتهما بخلاف البصير المنحرف كثيراولفظ الأجهوري : أما لو لم يستقبلانها فالصلاة صحيحة فيهما في اليسير باطلة لغير الأعمى في الكثير، وأقول: جعله البطلان لغير الأعمى في الكثير مرتبا على عدم الاستقبال يقتضي أنه لو استقبل بعد العلم بالخطأ تصح صلاته، وهو مقتضى قول خليل: قطع غير أعمى، دون أن
يقول بطلت، ولعل وجهه عذره بعدم الدخول على الخطأ وتلبسه بالصلاة وحرر المسألةوقولنا: بأن شرق أو غرب للاحتراز عن الخطأ اليسير، فإنه لا تندب لأجله إعادة في حق الأعمى مطلقا ولا البصير في اليسير، وإنما تندب في حق البصير المنحرف كثيرا؛ لأنه الذي يؤمر بالقطع عند تبين الخطأ في الأثناء، بخلاف من لم يؤمر بالقطع بل بالاستقبال وهو الأعمى مطلقا أو غيره في اليسير، وفرضنا كلام المصنف فيمن حصل له الخطأ بغير النسيان، وأما من أخطأ ناسيا فأشار إليه خليل بقوله: وهو يعيد الناسي أبدا بلا خلاف، والمراد نسي إما مطلوبية الاستقبال أو نسي أن يستقبل جهة القبلة مع علمه بوجوب الاستقبال في الصورتين، وقيل يعيد في الوقت والخلاف في صلاة الفرض، وأما جاهل حكم الاستقبال فيعيد صلاته أبدا من غير خلاف،
فإن قيل : ما الفرق بين من أخطأ لغير نسيان يعيد في الوقت قولا واحدا، ومن أخطأ لنسيان؟ ففيه خلاف في الإعادة أبدا أو في الوقت، فالجواب: أن الناسي عنده تفريط بخلاف غيره قد فعل مقدوره من الاجتهاد أو التقليد للعدل العارف، ثم تبين الخطأ، وكلام المصنف في قبلة الاجتهاد والتخيير قال الأجهوري في شرح خليل: من صلى بواحد من مسجد مكة أو المدينة أو جامع عمرو بالفسطاط فتبين له الخطأ فيها فإنه يقطع، ولو كان أعمى منحرفا يسيرا، وإن تبين له الخطأ بعدها فإنه يعيد أبدا، والظاهر أن سائر المحاريب الكائنة بالمدينة لو صلى إليها كمحراب قباء حكمه حكم محراب مسجده عليه الصلاة والسلام" تنبيه ": علم من كلام المصنف ومما ذكرنا وجوب استقبال القبلة وهو كذلك، إذ هو شرط في صحة الصلاة ولو سجدة تلاوة لكن مع الذكر والقدرة. ويجب على كل مكلف أن يتعلم أدلة القبلة إن لم يجد من يقلده، والمجتهد لا يقلد غيره مع ظهور العلامات له وتمكنه من الاستدلال. قال القرافي في شرح الجلاب، وابن عمر في شرح هذا الكتاب: من جحد وجوب الاستقبال فهو كافر يقتل بعد الاستتابة إن لم يرجع، فإن رجع ترك، وقد اختلف في أدلتها فقال ابن القاسم: دليل القبلة بالنهار أن تستقبل ظلك عند وقوفك قبل الأخذ في الزيادة فذلك قبلتك،
قال بعض العلماء : وما قاله ابن القاسم لا يجري في كل زمان، وقال الأجهوري: والذي ليس فيه أهلية الاجتهاد، ولم يجد من يقلده ولو محرابا صحيحا، فإنه يجب عليه أن يجعل المغرب في صلاته خلف ظهره، أو يجعل المشرق أمام وجهه، وتصح صلاته في أي زمن؛
لأنه إن حصل له انحراف يكون يسيرا، وهو لا يضر عندنا، فيمن كان في غير المساجد الثلاثةومن جملة العلامات لمن كان مصريا أن يجعل القطب خلف أذنه اليسرى، وإن كان بالعراق خلف أذنه اليمنى، وإن كان بالشام يجعله وراء ظهره، وإن كان باليمن يجعله أمامه، فإنه إن فعل ذلك يكون مستقبلا، فإن العراق مقابل لمصر من جهة المشرق، والشام من جهة شمال مستقبل قبلة مصر، واليمن في جنوبه، وقولنا إن كان غير مجتهد لقول خليل ولا يقلد مجتهد غيره ولا محرابا إلا لمصر وإن أعمى، وسأل عن الأدلة، وقلد غيره مكلفا عارفا أو محرابا، فإن لم يجد المقلد من يقلده أو تخير المجتهد فإنه يتخير جهة تركن إليها نفسه ويصلي، وإن صلى للأربع جهات لكان فعله حسنا لاختيار بعض الشيوخ له، وأما العاجز عن الاستقبال بكل وجه كالمصلي في حالة الالتحام أو من تحت هدم، فإنه يسقط عن الاستقبال وتصح صلاته كما تصح صلاة المسافر سفر قصر على دابة النافلة لجهة سيرها ولو كانت وترا، وإنما أطلت في ذلك لداعي الحاجة وإجحاف المصنف" وكذلك " أي يعيد في الوقت "من صلى" فريضة "بثوب نجس" أو متنجس مع عدم القدرة على إزالتها واتساع الوقت، وكانت تلك النجاسة غير معفو عنها، أو كان قادرا على إزالتها، لكن صلى ناسيا لها حتى أتم صلاته. "أو" صلى "على مكان نجس" فإنه يعيد في الوقت أيضا، لما تقدم من أن إزالة النجاسة إنما تجب مع الذكر والقدرة وتسقط مع العجز والنسيان، وأما مع العمد والقدرة فالصلاة باطلة وتعاد أبدا، وقيل: إنها سنة فتعاد في الوقت ولو مع العمد والقدرة، فظاهر كلام المصنف يحتمل جريه على الوجوب، ويحمل على ما ذكرنا من صلاته عاجزا عن إزالة النجاسة أو ناسيا، ويحتمل أن يكون مشى على القول بأن إزالتها سنة، ولا يحتاج إلى التقييد لما تقدم من أن المصلي بها عامدا على القول بالسنية إنما يعيد في الوقت، والوقت في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين لطلوع الفجر، والصبح لطلوع الشمس، بناء على أنها لا ضروري لها وللأسفار الأعلى على مقابله" تنبيه " أشعر قوله صلى أنه لم يتذكر النجاسة في الثوب أو المكان إلا بعد الفراغ من الصلاة، وأما لو علم بذلك في أثنائها لبطلت بمجرد علمها كما لو سقطت عليه فيها. قال خليل: وسقوطها في صلاة مبطل كذكرها فيها لا قبلها، ولكن يقيد البطلان بما إذا كانت غير معفو عنها، وكان قادرا على إزالتها بوجود المطلق واتساع الوقت، ومثل وجود المطلق الثوب أو المكان الطاهر فيصلي في غيره بعد الإحرام ولا يكمل، ولو تمكن من طرح ما عليه أو تحوله
إلى موضع طاهر لبطلانها بمجرد الذكر على القول بوجوب إزالتها إلا على القول بسنيتها، ولا إن كان عاجزا عن إزالتها أو معفوا عنها، وأما لو رآها في ثوبه، وهم بقطعها فنسيها وتمادى فإنه يعيد أبدا، بخلاف ما لو علم بها قبل الدخول في الصلاة ونسيها وصلى فالمشهور صحة صلاتهقال خليل : لا قبلها، وأما لو رآها في ثوب إمامه لوجب عليه إعلامه إن قرب منه، وإذا بعد أعلمه بالكلام، ولا يجوز للمأموم تبعيته بعد علمه بنجاسة ثوبه أو مكانه بل يستخلف الإمام، ولو الذي أعلمه بالنجاسة حيث لم يتبعه بعد العلم في شيء منها لبطلانها عليه، هذا هو الذي رجحه ابن رشد، وأما من سجد أو جلس على نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد مفارقتها فقيل يقطع صلاته وبه قال ابن عرفة أخذا من قول المدونة: من علم في صلاته أنه شرق أو غرب قطع وابتدأ صلاته بإقامته، وإن علم بعد الصلاة أعاد في الوقت، وقال غير ابن عرفة: يتم صلاته متنحيا عنها، وأما من رأى في صلاته نجاسة بعمامته بعد سقوطها يقطع على المشهور، وجرى عليه ابن عرفة، وذهب بعض القرويين إلى أنه يتمادى ويعيد في الوقت، وهذه فروع حسان قل أن تجدها مجموعة هكذا فاحرص عليها" وكذلك " أي يعيد في الوقت "من توضأ بماء نجس" الأولى متنجس لقوله: "مختلف في نجاسته" كالقليل الذي حلته نجاسة ولم تغيره على قول ابن القاسم، سواء توضأ به عامدا أو ناسيا، وبعد الوضوء ما أصابه من ثوب أو جسد، ولعل وجه الإعادة في الوقت على كلام المدونة لابن القاسم والمصنف مراعاة للخلاف، وإلا فهو متنجس على قوله، ومشى عليه المصنف فيما سبق؛ لأن النص لابن القاسم: إن لم يجد سواه تركه وتيمم، ومعنى مراعاة الخلاف أن القائل بالنجاسة يكتفي بالإعادة في الوقت مراعاة لقول القائل بعدم نجاسته، والقائل بالطهارة يقول بالإعادة في الوقت مراعاة لمن يقول بالنجاسة، والذي في شراح خليل أن المتوضئ بهذا الماء لا إعادة عليه أصلا على المشهورقال الأجهوري في شرح خليل : وإذا استعمله لا إعادة عليه، وعلى مذهب المدونة والرسالة يعيد في الوقت مراعاة للخلاف، وأقول: قول العلامة الأجهوري في شرح خليل بعدم إعادة مستعمله إن كان لنص صريح عن الإمام أو غيره فلا إشكال، وإن كان لظاهر كلام خليل فلا؛ لأن حكمه بعدم نجاسته لا ينافي ندب إعادة الصلاة في الوقت كما قال في الرسالة، فلعل الأحوط كلام المدونة والرسالة من ندب الإعادة في الوقت.
"وأما من توضأ" أو اغتسل "بماء قد تغير" ولو ظنا غير قوي "لونه أو طعمه أو ريحه" بما يفارقه غالبا من طاهر كلبن أو نجس كبول "أعاد صلاته أبدا ووضوءه" واستنجاءه؛ لأن الحدث وحكم الخبث لا يرتفع إلا بالمطلق، وهو الباقي على أوصاف خلقته غير مستخرج من نبات ولا حيوان لا بمتغير لونا أو طعما أو ريحا، ولا فرق في الإعادة بين استعماله في وقت الضرورة أو الاختيار؛ لأن الواجب على من هو معه التيمم، ولما كان من متعلقات الصلاة جمعها فتصلى إحداهما في غير وقتها المعتاد لها إما قبله أو بعده، وأسبابه ستة: المطر وحده والطين والظلمة وعرفة والمزدلفة والسفر والمرض وحكمه مختلف، وبين كلا في محله، فأشار إلى الجمع ليلة المطر بقوله: "ورخص" أي سهل على وجه الندب أو السنية "في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر" الغزير الذي يحمل الناس على تغطية رءوسهم بحيث يشق معه الوصول إلى المنازل، ولا فرق بين الواقع أو المتوقع بقرائن الأحوال، واختص الجمع بالمغرب والعشاء للمطر؛ لأنهما اللذان ورد بهما الخبر، وهو قول أبي سلمة من السنة: إذا كان يوم مطر الجمع بين المغرب والعشاء، وأيضا إنما يفعلان في الليل، وهو محل الظلمة، ولا يتوهم من لفظ الرخصة الإباحة؛ لأن الرخصة قد تكون سنة وقد تكون مندوبة، ففي رواية ابن عبد الحكم: الجمع ليلة المطر سنةوقول المدونة: الجمع ليلة المطر سنة ماضية، والأصل الحقيقة، وقد فعله صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله تعالى عنهم وفعلهم لا يطرأ عليه نسخ، وألحق بالمطر الثلج والبرد" وكذلك " أي رخص في الجمع بين المغرب والعشاء "في" كل ليلة ذات "طين وظلمة" لكونها من ليالي آخر الشهر لا ظلمة الغيم نهارا، فلا يجمح لأجلها ولو انضم لها طين أو ريح شديد، وإنما يطلب ذلك الجمع في حق أرباب المساجد الساكنة بغيرها رفقا بهم في تحصيل فضل الجماعة لهم من غير مشقة زائدة بسبب ذهابهم قبل شدة الظلام اللاحقة لهم إن صبروا لغيبوبة الشفق، ولذلك لا يجمع أرباب المساجد المعتكفة بها إلا تبعا لمن منزله خارج عن المسجد كالمجاورين بالأزهر المنقطعين به لا يجمعون إلا تبعا للإمام الذي منزله خارج عن المسجد، وأما لو كان الإمام من جملتهم لوجب عليه استخلاف من منزله خارج عن المسجد ويتأخر المعتكف يصلي مأموما تبعا" تنبيهان ". الأول : لو صلى شخص المغرب في بيته ثم أتى المسجد فوجد الجماعة في صلاة العشاء فإنه يجوز له الدخول معهم حيث يطمع في إدراك ركعة ليحوز فضيلة الجماعة،
ونية الإمام الجمع تقوم مقام نيته، وأما لو وجدهم فرغوا أو في التشهد فلا يدخل معهم ويؤخر العشاء للشفق، إلا أن يكون المسجد الذي دخله ووجد أهله قد جمعوا أحد المساجد مكة أو المدينة أو بيت المقدس فإنه يجمع لنفسه لعظم فضلها على الجماعة في غيرهاالثاني: الذي منزله متصل بالجامع ولم يأت الجامع ليس له الجمع تبعا لأهل الجامع، فلو خالف وجمع مع أهل المسجد صحت صلاته مراعاة لمن يقول بجواز جمعهم تبعا لأهل المسجدثم شرع في صفة الجمع للمطر أو الطين مع الظلمة بقوله: "يؤذن للمغرب أول الوقت" على جهة السنية "خارج المسجد" على المنابر يرفع صوته حكم المعتاد. "ثم يؤخر" المغرب ندبا عن أول الوقت "قليلا في قول مالك" بقدر ما يدخل وقت الاشتراك لاختصاص الأولى بثلاث بعد الغروب، وقيل قدر حلبه شاة، وقول مالك هو المشهور، وعلة التأخير ليأتي من بعدت داره، ولا يقال: وقت المغرب مضيق فتأخيرها مناف لذلك، لأنا نقول: تأخيرها مراعاة للقول بامتداد اختياريها للشفق، فإن له قوة في باب الجمع رفقا بالناس في حصول فضل الجماعة لهم، وأيضا نصوا على جواز التأخير قليلا لمحصلي الشروط قبل دخول وقتها"ثم" بعد التأخير قليلا "يقيم" المؤذن الصلاة "في داخل المسجد ويصليها" أي المغرب من غير تطويل؛ لأن تقصيرها مطلوب في غير هذا فهذا أولى. "ثم" بعد الفراغ من صلاة المغرب وانصراف الإمام من محل صلاته "يؤذن للعشاء" إثر صلاة المغرب من غير مهلة ولا تسبيح ولا تحميد من المؤذن "في داخل" صحن "المسجد" بصوت منخفض؛ لأنه ليس لطلب الجماعة، ولذلك كان مندوبا، وعند دخول الوقت يسن الأذان على المنار بصوت مرتفع ليعلم أهل البيوت. "ويقيم" للعشاء "ثم يصليها" سريعا "ثم ينصرفون" إلى منازلهم "و" الحال أن "عليهم الإسفار" أي بقية من نور النهار بحيث يصلون إلى منازلهم "قبل مغيب الشفق"" تنبيهات " الأول : إنما قلنا: ثم بعد الفراغ من صلاة المغرب وانصرافه إلخ، إشارة إلى أن الإمام لا يبقى في محله بعد الفراغ من صلاة المغرب فإن الجزولي توقف في ذلك فقال: هل ينصرف من محله أو يستمر؟ لم أر فيه نصا. قال الأجهوري في شرح خليل: قال ابن أبي زيد وغيره: وينبغي للإمام أن يقوم من مصلاه إذا صلى المغرب حتى يؤذن المؤذن، ثم يعود ا هـ. وأقول: كلام المصنف فيما سبق: ولينصرف الإمام إلخ يشمل هذا.
الثاني : قوله ثم ينصرفون إلخ لو جمعوا ولم ينصرفوا حتى غاب الشفق أعادوا العشاء وقيل لا إعادةالثالث : فهم من قوله: ينصرفون وعليهم الإسفار أنهم لا يصلون الوتر، وهو كذلك لأن وقته بعد عشاء صحيحة وشفق للفجر كتراويح رمضانالرابع : فهم من طلب انصرافهم بعد العشاء أنهم لا يشتغلون بنفل ولا غيره. قال خليل: ولا تنفل بينهما ولا بعدهما، وإذا وقع ونزل وتنفل بينهما لا يمنع الجمع إلا أن تكثر النوافل بحيث يدخل وقت الظلمة الشديدة فيفوت الجمع، والظاهر أن حكم التنفل الكراهة، ولا وجه لحرمته؛ لأنه وإن كثر لا يترتب عليه فوات واجب إذ الجمع مندوب أو مسنون والمفوت لأحدهما لا يحرم فعله فتأملهالخامس : لم يبين المصنف حكم نية الجمع ولا محلها، ومحلها على الراجح عند الصلاة الأولى، وتطلب من الإمام والمأموم، وأما نية الإمامة فقيل عند الثانية؛ لأنها التي يظهر أثر الجمع فيها، وقيل فيهما والمشهور الثاني، فلو ترك الإمام نية الإمامة بطلت الثانية على الأول، وبطلت على الثاني حيث تركها فيهما، وأما لو تركها في الثانية وأتى بها في الأولى فالظاهر صحتها وتبطل الثانية ولا يصليها إلا عند مغيب الشفق، وأما لو تركها عند الأولى ونيته الجمع فإنها تبطل؛ لأن صحتها مشروطة بنية الإمامة على هذا القول كترك الإمام نية الإمامة في صلاة الجمعثم شرع في ثالث أسباب الجمع بقوله: "والجمع بعرفة" يوم الوقوف وهو تاسع الحجة ليلة العيد "بين الظهر والعصر" جمع تقديم "عند الزوال سنة واجبة" أي مؤكدة، وصفته أن يخطب للناس بعد الزوال ويجلس في وسطها، ولذلك سماها خليل خطبتين، ثم يؤذن للظهر ويقيم لها، والإمام جالس على المنبر ثم ينزل يصلي الظهر ثم بعد صلاتها يؤذن المؤذن ويقيم للعصر، وإلى ذلك أشار بقوله: "بأذان" لكل صلاة "وإقامة لكل صلاة" ولا يتنفل بينهما كغيرهما من الصلوات المجموعة. قال زروق: ونظر الأجهوري في التنفل بعد الصلاتين في جمع الظهرين وفي جمع العشاءين بالمزدلفةقال مالك : ومن صلى في رحله كفته الإقامة لكل صلاة ولا يحتاج إلى أذان، ومن فاته الجمع بين الصلاتين بعرفة مع الإمام وهو قوي على ذلك فليجمع بينهما في رحله إذا زالت
الشمس ويتبع في ذلك السنة. قال ابن حبيب: لا ينبغي لأحد ترك جمع الصلاتين بعرفة مع الإمام، والصلاة في ذلك سرية وتصلى الظهر في عرفة، ولو وافق يوم جمعة قال في الذخيرة: جمع الرشيد مالكا وأبا يوسف فسأله أبو يوسف عن إقامة الجمعة بعرفة فقال مالك: لا يجوز لأنه عليه الصلاة والسلام لم يصلها في حجة الوداع، فقال أبو يوسف: قد صلاها؛ لأنه خطب خطبتين وصلى بعدهما ركعتين وهذه جمعة، فقال مالك: أجهر بالقراءة كما يجهر بالجمعة، فسكت أبو يوسف وسلموأشار إلى رابع الأسباب للجمع وهو المزدلفة بقوله: "وكذلك" الحكم "في جمع المغرب والعشاء" جمع تأخير "بالمزدلفة" سنة مؤكدة بأذان وإقامة لكل صلاة لكن من غير خطبة ومحله "إذا وصل إليها" بعد مغيب الشفق من غير تأخير إلا بقدر حط الرحال الخفيفة، بأن يؤذن للمغرب بعد الشفق ويقيم لها فإذا صلوها وفرغوا منها يؤذن للعشاء ويقيم لها ويصلونها من غير فصل بين الصلاتين بتسبيح ولا تنفل كسائر الجموع، لا يتنفل بينهما. قاله زروق، فإن وصل إلى المزدلفة قبل مغيب الشفق لم يصح جمعه قبله، فلو جمع أعاد المغرب ندبا والعشاء بعد الشفق وجوبا، واحترز بقوله إذا وصل عما إذا لم يصل لمرض به أو بدابته فهذا يجمع إذا غاب الشفق في أي محل، ولو كان منفردا؛ لأن الجمع بالمزدلفة أو عرفة لا يشترط فيه جماعة بل لكل من فاته الإمام الجمع" تنبيهان " الأول : محل سنية الجمع بالمزدلفة أن يكون مريدا الجمع وقف مع الإمام وسار، وإن تأخر عنه لعجز فإنه يجمع بعد الشفق في أي محل، والحاصل أن من وقف مع الإمام ونفر منه أو تأخر عنه اختيارا لا يجمع إلا بالمزدلفة بعد الشفق، وأما لو وقف معه، وتأخر عنه لعجز فيجمع بين الشفق في أي محل ولو غير المزدلفة، ومن لم يقف مع الإمام بل وقف بعده لا يجمع ولا بالمزدلفةالثاني : ما ذكرناه من الأذان للمغرب بعد الشفق يخالف ما تقدم من أن الأذان يكره في الضروري، ومثل ذلك الأذان للظهر حيث يجمع مع العصر جمع تأخير، ويمكن الجواب بأن باب الجمع باب ضرورة، ألا ترى أن إحدى الصلاتين تفعل بعد أو قبل وقتها المعتاد، فالأذان أولى فيقيد ما في الأذان بغير الصلاة المجموعة، وأشار إلى خامس أسباب الجمع بقوله: "وإذا جد السير" أي اشتد "بالمسافر" في البر سفرا مباحا، وإن قصر عن مسافة القصر فله حالتان: إحداهما أن يدرك الزوال سائرا وفي هذا وجهان أحدهما أن ينوي النزول بعد الغروب "فله"
حينئذ "أن يجمع بين الصلاتين" الظهر والعصر "في آخر وقت الظهر و" في "أول وقت العصر" فصلى الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها، وهذا يسمى جمعا صوريا وللصحيح فعله؛ لأن الجمع الحقيقي هو الذي تقدم فيه إحدى الصلاتين عن وقتها المعتاد أو تؤخره عنه، ولهذا صليت فيه كل صلاة في وجهها، وثاني الوجهين أسقطه المصنف وهو أن ينوي النزول في الاصفرار وقبله فإنه يؤخرهما، وإلى هذين الوجهين أشار خليل بقوله: وإن زالت راكبا أخرهما إن نوى الاصفرار أو قبله، وإلا ففي وقتهما، وحكم التأخير الجواز بالنسبة للصلاتين في نية النزول في الاصفرار، وفي النزول قبله الجواز بالنسبة للظهر والوجوب بالنسبة للعصر، هذا هو الظاهر وسواء غير ظاهر"و" الحكم "كذلك" في العشاءين إذا أشركه الغروب سائرا فله وجهان أيضا: أحدهما أن ينوي النزول بعد طلوع الفجر فله أن يجمع بين "المغرب والعشاء" جمعا صوريا بأن يصلي المغرب في آخر وقتها الضروري ويصلي العشاء في أول وقتها؛ لأنه ينزل طلوع الفجر هذا منزلة الغروب في الظهرين، والثلث الأول منزلة ما قبل الاصفرار، وما بعده للفجر منزلة الاصفرار، وثاني الوجهين أن ينوي النزول في الثلثين الأخيرين أو قبلهما فإنه يؤخرهما كما كان يؤخر الظهرين عند نية النزول في الاصفرار أو قبلهوثاني الحالتين أن يدركه الزوال أو الغروب بازلا بالمنهل وفيه ثلاث أوجه ذكر المصنف منها وجها بقوله: "وإذا ارتحل" المسافر أي أراد الارتحال؛ لأن فرض المسألة أنه نازل بالمنهل وزالت أو غربت الشمس وهو به "في أول وقت الصلاة الأولى" وهي الظهر من الظهرين أو المغرب من العشاءين؛ لأن كلام المصنف شامل لهما، ونوى أنه لا ينزل إلا بعد غروب الشمس أو طلوع الفجر "جمع حينئذ" بأن يصلي العصر عند الظهر والعشاء عند المغرب، ويسمى جمع تقديم وهو خلاف الأول كما قال الأجهوري في شرح خليل: والأول إيقاع كل صلاة في وقتها، وثانيها أن ينوي النزول قبل الاصفرار في الظهرين أو في الثلث الأول في العشاءين فإنه يؤخر الصلاة الثانية فقط، وثالثها أن ينوي النزول في الاصفرار بالنسبة للظهرين أو بعد الثلث الأول في العشاءينفإنه يخير في الثانية، والحاصل أن من زالت عليه الشمس أو غربت عليه راكبا له حالتان، ومن زالت أو غربت عليه وهو نازل بالمنهل له ثلاث أحوال بالنسبة للصلاة الثانية؛ لأنه يصلي الأولى، قبل الارتحال في الثلاث، وأشار خليل إلى قسمي الراكب بقوله: وإن زالت راكبا
أخرهما إن نوى الاصفرار أو قبله، وإلا ففي وقتيها كمن لا يضبط نزوله، وأشار إلى أحوال النازل بقوله: ورخص له الظهرين بالمنهل إذا زالت به، ونوى النزول بعد الغروب وقبل الاصفرار أخر العصر وفي الاصفرار خير فيها، والعشاءان كالظهران على المعتمد كما قال المصنف هنا بتنزيل طلوع الفجر منزلة الغروب، والثلث الأول منزلة ما قبل الاصفرار وباقي الليل منزلة الاصفرار" تنبيهات " الأول : تلخص مما تقدم أن النازل وقت الزوال أو الغروب مخالف للسائر في هذين الوقتين؛ لأن النازل إذا أراد أن يرتحل وينزل بعد الغروب أو طلوع الفجر إنما يجمع جمع تقديم، والسائر إذا أراد أن ينزل بعد الغروب أو طلوع الفجر إنما يجمع جمعا صوريا؛ لأنه يصلي الأولى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها وللصحيح فعله، ونظيره من لا يضبط وقت نزوله، ومن يشق عليه استعمال الماء في وقت كل صلاة والمبطون يجوز لكل من هؤلاء تأخير الأولى إلى آخر وقتها بحيث إذا فرغ منها يؤذن ويقيم ويشرع في الثانية لدخولالثاني : قول المصنف جد اليسير فيه أمران: أحدهما إسناد الجد إلى السير، وهو إنما يسند إلى الشخص؛ لأن معناه الاجتهاد والسير لا يجتهد، وقد قدمنا جواب هذا بتضمين جد بمعنى اشتد أو أنه من باب المجاز العقلي، وهو إسناد الفعل إلى غير ما هو له على حد: عيشة راضية أي صاحبها، والمعنى هنا جد السير أي صاحبه، وثاني الأمرين أن تعبيره ب جد يوهم اشتراط الجد في جواز الجمع، وفي المسألة خلاف والمشهور منه عدم اشتراطه كما صدر به خليل حيث قال: وإن قصر ولم يجد إلخالثالث : قد ذكرنا أن هذا الجمع صوري؛ لأن الحقيقي هو الذي تقدم فيه إحدى الصلاتين عن وقتها أو تؤخر، والمراد وقتها المعتاد لها، فلا ينافي أن ما صليت فيه وقت لها ضروري، وقولهم: إن الضروري بعد المختار أمر أغلبي، واختلف في الصوري هل هو رخصة أو غير رخصة؟ فظاهر كلام المصنف كخليل أنه رخصة، وخالف المازري في كونه رخصة، ولعل وجه كونه رخصة أنه يطلب من المكلف إيقاع الصلاة في أول وقتها؛ لأنه من أفضل الأعمال، ويلام عليه في تأخيرها من غير عذر، وأما نحو المريض ومن يشق عليه إيقاع كل صلاة في أول وقتها فلا يلام عليه في تأخيرها، لأنه يرخص لصاحب الضرورة ما لا يرخص فيه للصحيح، والله أعلموأشار إلى سادس الأسباب بقوله: "و" يستحب "للمريض أن يجمع" بين المشتركتين "إذا
خاف أن يغلب" بالبناء للمفعول ونائب الفاعل "على عقله" في وقت الثانية بجنون وإغماء أو حمى أو دوخة "عند الزوال" متعلق بقوله يجمع، وذلك بالنسبة للظهرين "وعند الغروب" بالنسبة للعشاءينقال خليل: وقدم خائف الإغماء والنافض والميد، واستشكل القرافي طلب هذا الجمع؛ لأنه على تقدير حصول نحو الإغماء لا تجب الصلاة، فلا يجمع ما لم يجب بل يحرم التقرب بصلاة من خمس لم تجب، وعلى تقدير عدم حصول نحو الإغماء لا ضرورة تدعو إلى الجمع، وقد يجاب بأن الأصل وجوب الصلاة الثانية لو حصل الشك في سقوطها وهو شك في المانع فيطلب إلغاؤه بخلاف الشك في أصل الوجوب، وهذا بخلاف ما إذا خافت المرأة تحيض في وقت الثانية فلا يطلب منها تقديم الثانية عند الأولى، ولعل الفرق أن الغالب على الحيض استغراقه الوقت بخلاف غيره يمكن انقطاعه قبل خروج الوقت فلا يسقط الصلاة" تنبيهات " الأول : ذكر المصنف حكم ما لو خاف السليم أن يغلب على عقله في وقت الثانية، ولم يذكر عكسه وهو ما إذا غلب على عقله وقت الأولى من المشتركتين، والحكم فيها عكس ما قال المصنف وهو أنه يؤخر الأولى إلى وقت الصلاة الثانية كصاحب السلس الذي يلازمه في وقت الأولى وينقطع في وقت الثانيةالثاني : ما ذكرناه من ندب التقديم في كلام المصنف وندب التأخير في عكسه واضح إذا كان يعلم أنه يستغرق جميع الوقت، وأما لو كان يعلم أنه يذهب في آخره لطلب منه التأخير، لكن يتجه عليه أنه إذا كان يعتقد استغراقه لوقت الثانية أنها تسقط فما وجه طلبه بها ويقدمها قبل وقتها، وجوابه احتمال انقطاعه قبل خروج الوقتالثالث: لو جمع المريض في وقت الأولى من غير خوف أعاد الثانية في وقتها كما قاله مالك، وكذا لو جمع في أول وقت الأولى لخوف زوال عقله أو لحمى عند الثانية، ثم سلم فقال سند يعيد الأخيرةقال خليل: وإن سلم أو قدم ولم يرتحل أو ارتحل قبل الزوال، ونزل عنده فجمع أعاد الثانية والمعتمد عدم الإعادة في الفرع الثاني، ومحل الإعادة في الفرع الثالث إذا جمع غير ناو الارتحال، وإلا فلا إعادة، وأشار إلى الحالة الثانية من حالتي المريض بقوله: "وإن" كان المريض لا يخاف على عقله عند الثانية، ولكن "كان الجمع" بين الصلاتين "أرفق" أي أيسر "به لبطن به ونحوه" كشدة برد "جمع" جوازا في "وسط وقت الظهر" وهو آخر القامة الأولى بحيث إذا سلم دخل وقت العصر فيؤذن لها ويقيم ويسمى الجمع المذكور صوريا"و" جمع بين العشاءين "عند غيبوبة الشفق" الأحمر فيوقع المغرب في آخر وقتها الاختياري
بناء على امتداده، والعشاء في أول اختيار بها، والصحيح فعل هذا الجمع؛ لأنه ليس جمعا حقيقيا لفعل كل صلاة في وقتها، والحقيقي ما تقدم فيه إحدى الصلاتين أو تؤخر كما قدمناثم شرع في الأعذار المسقطة لقضاء الصلوات بقوله: "والمغمى عليه" ومثله السكران بحلال وبالأولى المجنون "لا يقضي" واحد منهم "ما خرج وقته" الضروري "في" زمن "إغمائه" أو جنونه أو سكره الحلال، كمن شرب خمرا يظنه عسلا أو لبنا لعدم خطابهم في تلك الحالة"و" إنما "يقضي" أي يؤدي المغمى عليه ومن ذكر معه "ما" أي الفرض الذي "أفاق في وقته" وفسرنا يقضي بيؤدي؛ لأن القضاء فعل ما خرج وقته، وما فعل في وقته لا يقال له قضاء، ولعل المصنف قصد المشاكلة فعبر بيقضي لوقوعه في صحبة القضاء، وهو حقيقة المشاكلة، نظيره وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن أو الضمير في وقته عائد على ما المفسرة بالفرض، ولذلك ذكر الضمير، ثم بين أقل القدرة الذي إذا أفاق فيه يلزمه الأداء بقوله: "مما يدرك منه" الضمير راجع لما أفاق في وقته "ركعة" بسجدتيها "فأكثر من الصلوات" وحاصل المعنى بإيضاح: أن المغمى عليه، ومن ألحق به لا يلزمه فعل ما أفاق في وقته إلا إذا كان يعتقد إدراك ركعة كاملة بسجدتيها فأكثر بعد تحصيل الطهارة وستر العورة وغير ذلك من شروطها التي تتوقف الصحة عليها عند ضيق الوقت سواء حصل له الإغماء في أول الوقت أو آخرهقال خليل : والمعذور غير الكافر يقدر له الطهر، فقوله: مما يدرك منه ركعة يعني في جانب السقوط والإدراك معا، فالتقدير والمغمى عليه لا يقضي ما خرج وقته في إغمائه مما لا يدرك منه ركعة فأكثر، ويقضي ما أفاق في وقته مما يدرك منه ركعة فأكثر لأدائه، فإذا أغمي عليه ولم يكن صلى الظهر والعصر وقد بقي من النهار مقدار خمس ركعات في الحضر ومقدار تحصيل شروطها التي تتوقف عليها الصحة لم يقضهما لإغمائه في وقتهما، وإن أفاق وقد بقي من النهار هذا القدر قضاهما؛ لأنه أفاق في وقتهما، وإذا أغمي عليه، ولم يكن صلى المغرب والعشاء وقد بقي لطلوع الفجر مقدار الطهر وأربع ركعات لم يقضهما، وإذا أفاق في ذلك الوقت قضاهما، والحاصل أن ما به الإدراك به السقوط" تنبيه ": علم مما قررنا أن المراد بالوقت في كلام المصنف الضروري، وأشار إليه خليل بقوله: وتدرك فيه الصبح بركعة لا أقل، والظهران والعشاءان إن بفضل ركعة عن الأولى لا الأخيرة، ومن الأعذار المسقطة الحيض ومثله النفاس وأشار إليه بقوله: "وكذلك الحائض" ومثلها النفساء "تطهر" أي ترى كل واحدة علامة الطهر حكمها حكم المغمى عليه، فلا تقضي
ما خرج وقته مما لا تدرك منه ركعة فأكثر، وتؤدي ما طهرت في وقته مما تدرك فيه ركعة بسجدتيها، ثم فرع على ذلك التشبيه قوله: "فإذا" رأت الحائض والنفساء علامة الطهر نهارا والحال أنه قد "بقي من النهار بعد طهرها" بالماء حيث لم تكن من أهل التيمم، وإلا قدر لها الطهر بالتراب "بغير توان" أي تراخ كما في بعض النسخ أي يعتبر زمن طهرها على المعتاد لمثلها لا مع سرعة العجلة ولا مع التساهل في الفعل والهيئة وفاعل بقي "خمس ركعات" في الحضر أو ثلاث في السفر "صلت الظهر والعصر" أي وجب عليها صلاتها لطهرها في وقتهما؛ لأنها تدرك الأولى بقدرها ويبقى للثانية ركعة، فلو شرعت في الطهر من غير تراخ تظن إدراك الصلاتين فغربت الشمس صلت العصر وسقطت الظهرقال خليل: وإن ظن إدراكهما فركع فخرج الوقت قضى الأخيرة، وإن تطهر فأحدث أو تبين عدم طهورية الماء، أو ذكر ما ترتب فالقضاء، ويتم ما شرع فيه نافلة بحيث يسلم من ركعتين؛ لأنه غير مدخول عليه، وفهم من قوله: بعد طهرها أنه يقدر لها الطهر زيادة على ما تدرك فيها الركعة، ومثلها سائر أرباب الأعذار غير الكافرقال خليل: والمعذور غير كافر يقدر له الطهر، وأما الكافر يسلم في آخر وقت الصلاة فلا يقدر له الطهر لقدرته على زوال مانعه، وفائدة التقدير السقوط عند ضيق الوقت للطهر والركعة وعدمه عند اتساعه لهما، وكما يعتبر مقدار الطهر في جانب الإدراك يعتبر أيضا في جانب السقوطقال الأجهوري في شرح خليل : والمراد الطهر بالماء، وإن كان عند ضيق الوقت وخشية فواته باستعمال الماء لا ينتقل الشخص للتيمم لعدم تحقق الخطاب بالصلاة هنا، وأما من كان مخاطبا بالصلاة في جميع الوقت لكونه ليس من أصحاب الأعذار، وأخر فعلها حتى ضاق وقتها، وعلم أنه إن تيمم أدرك الوقت بركعة، وإن توضأ خرج وقتها فإنه يتيمم، ولعل وجه الفرق أن هذا عنده نوع تفريط فشدد عليه دون صاحب العذر فخفف عنه بسقوطها إن لم يبق زمن للطهر بالماء، هذا إيضاح كلام الأجهوري، وقال الأجهوري أيضا: وأفهم اقتصاره على الطهر أي طهر الحدث؛ لأنه المتبادر عند الإطلاق، وأيضا طهر الخبث إنما يطلب عند اتساع الوقت أنه لا يقدر له ستر عورة ولا استقبال قبلة ولا استبراء واجب إن احتيج إليه وهو كذلك، وفي كلام الشاذلي ما يقتضي اعتبار بقية شروط الصلاة فانظره مع كلام الشيخ، ومفهوم بغير توان أنها لو تراخت في الفعل، أو كانت موسوسة حتى خرج الوقت الذي يسع الطهر المعتاد
والركعة لوجب عليها القضاء"وإن" رأت علامة الطهر، والحال أنه قد "بقي من الليل" بعد طهرها بالماء بغير توان ما يسع "أربع ركعات" ولو في السفر "صلت المغرب والعشاء" لإدراك المغرب بثلاث وتبقي ركعة للعشاء لما تقدم عن خليل أن المشتركتين يدركان بفضل ركعة عن الأولى على المذهب. "وإن كان" الباقي "من النهار أو من الليل" بعد طهرها إنما يسع "أقل من ذلك" المذكور من الخمس في النهار والأربع في الليل "صلت الصلاة الأخيرة"، وسقطت الأولى لأن الوقت إذا ضاق يختص بالأخيرة، ولما كان ما به الإدراك يحصل به السقوط قال: "وإذا حاضت" أو نفست "لهذا التقدير" وهو الخمس في النهار بعذر من الطهر أو الأربع في الليل مع زمن الطهر "لم تقض ما حاضت في وقته" بل يسقط عنها الصلاتانقال خليل : وأسقط عذر حصل غير نوم ونسيان المدرك، وإنما قلنا بعد زمن الطهر لما قاله الأجهوري أن المذهب أنه يقدر الطهر في جانب السقوط كما يقدر في جانب الإدراك، وقال العلامة ابن عمر: وسواء أخرت المرأة الصلاة عمدا أو نسيانا أو رجاء أن تحيض في وقتهما حتى لا تقضيهما إلا أنها تأثم في العمد، ولهذه المسألة نظائر منها: المقيم المريد للسفر يؤخر الصلاتين لآخر الوقت حتى يقصرهما فله قصرهما، ومنها: من دخل عليه رمضان في زمن الحر فأراد السفر فيه لأجل الفطر ويقضيه في زمن الشتاء فإنه يقضيه، ومنها: من عنده مال يصير به مستطيعا فتصدق به ليسقط عنه الحج فإنه يسقط عنهقال اللخمي: وجميع ذلك مكروه، وقال غيره: مأثوم، ولم يعامل واحد من هؤلاء بنقيض مقصوده، بخلاف الخليطين يقصدان بالخلطة أو بالافتراق الهروب من الزكاة، فإنهما يؤاخذان بما كانا عليه قبل الخلطة، ومثلهما من أبدل إبله بذهب فرارا من الزكاة، وفرق شيخنا محمد بين تلك المذكورات المتقدمة وبين مسائل الزكاة بأن الحق في المتقدمة لله وفي مسائل الزكاة للفقراء فعومل بنقيض مقصوده"وإن حاضت" أو نفست في آخر الصلاتين "لأربع ركعات من النهار" في الحضر أو ركعتين في السفر "فأقل إلى ركعة" بعد مقدار زمن الطهر "أو" حاضت "لثلاث ركعات من الليل إلى ركعة قضت الصلاة الأولى فقط" وتسقط الثانية لحيضها في وقتها، والوقت إذا ضاق يختص بالأخيرة إدراكا وسقوطا، وتقضي الأولى؛ لأنها ترتيب في ذمتها لخروج وقتها قبل المسقط، فهي كدين أعسر من هو عليه به لا يسقط عنه بل يقضيه في يساره المستقبل، وكذلك الحائض تقضي الأولى بعد الطهر. "واختلف في حيضها" أي فيما إذا حاضت "لأربع ركعات من الليل"
مع ما يسع الطهر "فقيل مثل ذلك" أي تقضي الأولى وتسقط الثانية بناء على أن التقدير بفضل ركعة عن الثانية، وهو قول ابن عبد الحكم نظرا إلى أن الوقت إذا ضاق اختص بالأخيرة. "وقيل إنها حاضت في وقتهما فلا تقضيهما" بناء على أن القول بأن المشتركتين يدركان بفضل ركعة عن الأولى، وهو قول مالك وابن القاسم والمعول عليه، ووجهه أن الأولى يجب تقديمها فعلا فيقدر بفضل ركعة عنها، واقتصر عليه خليل حيث قال: وتدرك الصبح بركعة في الضروري، والظهران والعشاءان بفضل ركعة عن الأولى لا الأخيرة" تنبيه ": علم مما قدمنا من اعتبار زمن الطهر في جانب الإدراك والسقوط أن من أخرت الظهر والعصر وحاضت في وقتهما بحيث بقي خمس ركعات إنما يسقطان عنها حيث كانت طاهرا حين حصول الحيض لا إن كان عليها جنابة، بحيث لو أمرناها بالغسل لم تدرك سوى أربع أو أقل فإنما تسقط الثانية وتقضي الأولى، ولو كانت أخرتهما عمدا كما قدمنا، وعلم مما قدمنا أن المراد بالطهر الوضوء أو الغسل لمن يجب عليه أو التيمم لمن فرضه التيممثم شرع في مسألة كان محلها باب موجبات الوضوء فقال: "ومن أيقن" أي جزم "بالوضوء وشك في" طريان "الحدث" المراد الناقض ولو سببا سوى الردة فيشمل الشك في نومه أو إغمائه أو مس ذكره أو غير ذلك من النواقض" ابتدأ الوضوء " قال خليل: ويشك في حدث بعد طهر علم إلا المستنكح، والمراد بالشك التردد على حد سوى فلا يلزم الوضوء بتوهم الحدث مع ظن الطهارة، وإنما يجب الوضوء على من ظن الحدث أو تردد فيه وفي عدمه على السواء، وكذا لا يجب الوضوء بالشك في الردة لعدم حصولها بالشك، وفهم من إيجاب الوضوء في صورة المصنف إيجابه في عكسها، وذلك فيما إذا تيقن الحدث وشك في حصول الطهارة أو تيقنهما وشك في السابق منهما أو شك فيهما، أو تيقن الوضوء وشك في الحدث، وشك مع ذلك هل كان قبله أو بعده؟ أو تيقن الحدث وشك في الوضوء، وشك مع ذلك هل كان قبله أو بعده من باب أحرى؟ وربما يفهم من كلامه أن الشك حصل قبل الدخول في الصلاة، وأما لو دخل في الصلاة متيقنا الطهارة، ثم طرأ له الشك في الناقض فيها فإنه يجب عليه التمادي فيها، وبعد تمامها إن بان له البقاء على الطهارة لم يعدها، وإن بان حدثه أو بقي على شكه أعادها وجوباقال خليل : وإن شك في صلاته ثم بان الطهر لم يعد" تنبيهات " الأول : إنما وجب الوضوء بالشك لأن الطهارة شرط، والشك في الشرط مؤثر
بخلاف الشك في طلاق زوجته أو عتق أمته أو شك في الطهارة أو الرضاع لا يؤثر؛ لأنه شك في المانع وهو لا يؤثر. قاله الوانشريسي، وإنما أثر في الشرط دون المانع؛ لأن العبادة محققة في الذمة فلا تبرأ منها إلا بطهارة محققة، والمانع يطرأ على أمر محقق، وهو الإباحة أو الملك من الرقيق فلا تنقطع بأمر مشكوك فيهالثاني : قال في الذخيرة: إذا صلى شاكا في الطهارة، ثم تذكرها قال مالك: صلاته تامة لأن الشرط الطهارة وهي حاصلة في نفس الأمر علمت أم لا؟ وقال أشهب وسحنون: باطلة وهو المشهور؛ لأنه غير عامل على قصد الصحةالثالث : في قول المصنف ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث إشكال بيانه إيهام أن جملة وشك فيه حالية فيلزم اجتماع الشك واليقين في زمن واحد وهو مستحيل، ولذلك كان الأولى التعبير بثم بدل الواو، وليعلم منه أن الشك متأخر عن اليقين، وأصل العبارة في المدونة كما في المصنف، وعبارة خليل خالية من هذا الإشكال ولفظها: ويشك في حدث بعد طهر علم، وقد أشرنا إلى ما يدفع هذا الإشكال في المزج بقولنا: في حصول الحدث الدال على أن الشك طرأ بعد اليقين فتصير عبارته كعبارة خليلثم شرع في مسألة كان حقها أن تذكر في باب صفة الوضوء بقوله: "ومن ذكر من وضوئه شيئا مما هو فريضة منه" نسيه حال الوضوء، أو شك في نسيانه ولم يكن مستنكحا "فإن كان" ذلك التذكر "بالقرب" من وضوئه، وذلك بأن لم تجف أعضاؤه المعتدلة في الزمن المعتدل والمعتبر آخر الأعضاء غسلا "أعاد ذلك" وجوبا ومعنى الإعادة الإتيان به؛ لأن فرض المسألة أنه لم يغسله، ويأتي به بنية إتمام وضوئه، ويفعله ثلاثا إن كان مغسولا، سواء كان عضوا كاملا أو بعض عضو"و" أعاد "ما يليه" استنانا لأجل الترتيب وهو سنة بين الفرائض، ويغسله مرة إن كان غسله أولا ثلاثا أو مرتين، وإن كان غسله مرة بغسله مرتين. "و" مفهوم بالقرب "إن تطاول ذلك" بأن لم يتذكر إلا بعد جفاف العضو المغسول آخرا "أعاده" أي اقتصر على فعل المتروك "فقط"، ولا يغسل ما يليه لما فيه من المشقة بخلاف حالة القرب، وقيدنا هذا بغير المستنكح فإنه إن شك في ترك عضو يطرح الشك ولا يغسله" تنبيهان " الأول : يطلب من الناسي أن يغسل ذلك المنسي فورا، قال في المدونة: يفعله حين يذكره فلو تأخر عن وقت الذكر حتى طال فسد وضوءه تعمد التأخير أو كان ناسيا؛ لأنه لا
يعذر بالنسيان المتكرر على المشهور، ومقابله يعذر به فيفعل المنسي وحده، ويتفرع على ذلك فرع سحنون المشهور بين طلبة العلم وهو: من صلى الخمس بوضوء وجب لكل صلاة فذكر مسح رأسه من وضوء أحدها مسحه وأعاد الخمس، فلو أعادها ناسيا مسحه مسحة وأعاد العشاء فقط، وبيانه أن المسح المتروك إن كان من إحدى الأربع فقد أعادها بوضوء العشاء الكامل وبرئت الذمة من جميعها، وإن كان المسح المتروك من وضوء العشاء فقد برئت ذمته بالمسح الثاني ا هـ. واعترض هذا بعضهم بأنه في المدونة لم يعذر بالنسيان الثانيقال المصنف : قال أبو الحسن: لأن معه نوعا من التفريط. قال الأجهوري في جوابه: لا مانع من بناء مشهور على ضعيف، ومثل فرع سحنون: لو صلى الصبح والظهر والعصر والمغرب بوضوء واحد، ثم أحدث وتوضأ للعشاء، ثم بعد صلاتها تذكر أنه نسي مسح رأسه من أحد الوضوءين وأعاد الخمس ناسيا مسح رأسه فإنه يمسح رأسه ويصلي العشاء فقط، وبرئت ذمته، لأن كل صلاة فعلت مرتين بوضوءين أحدهما صحيح قطعاقول المصنف : ومن ذكر من وضوئه شيئا قد ذكرنا أن المراد بالشيء أعلم من أن يكون عضوا أو لمعة، وتقدم أن ما يلي المتروك يعاد مع القرب، ووقع التوقف من بعض الشيوخ فيما يلي اللمعة هل هو بقية العضو المتروك منه، أو العضو الذي يلي العضو المتروك منه اللمعة؟ وهذا هو ظاهر كلام ابن عمر، فتغسل اللمعة ثلاثا بنية إتمام الوضوء، ويعيد العضو الموالي لعضو اللمعة، ولا يغسل بقية ما ترك منه اللمعة، فلو نسي لمعة من يد مثلا، ولم يدر هل هي من اليمنى أو اليسرى غسلها من اليدين جميعا، وأعاد ما بعدهما لآخر الوضوء، وإن نسيها من يد أو رجل، ولم يدر محلها غسل العضو كله"و" مفهوم إن تذكر أنه "إن تعمد ذلك" أي ترك شيئا من فرائض الوضوء "ابتدأ" وجوبا "الوضوء إن طال ذلك" أي زمن الترك فتخلص أن التارك لشيء من فرائض الوضوء عضوا أو لمعة يبني ما فعل مع النسيان مطلقا، وأما مع العمد أو العجز فإنه يبني ما لم يطل. قال خليل: وبنى بنية إن نسي مطلقا، وإن عجز ما لم يطل بجفاف أعضاء بزمن اعتدل، وإنما ابتدأ الوضوء مع الطول لعدم الموالاة بناء على المشهور من وجوبها مع الذكر، وأما مع النسيان فلا تجب، فلذا بنى مع النسيان ولو طال زمن الترك، ولا فرق بين كون المتروك مغسولا أو ممسوحا، ومفهوم إن طال إن لم يطل لا يبتدئ الوضوء، ويأتي بالمتروك فقط من غير نية لوجودها،
وتسن إعادة ما بعده لأجل الترتيب، فصار العمد كالنسيان عند عدم الطول في الاقتصار على المتروك، وإنما يفترقان مع الطول، ويؤخذ من كلام المصنف فريضة الموالاة، ويعبر عنها بالفور وهي الإتيان بالوضوء في زمن واحد من غير تفريق متفاحش مع الذكر والقدرة وهو المشهور، ومذهب المدونة وصدر به خليل حيث قال: وهل الموالاة واجبة إن ذكر وقدر إلخ، ووجب الأخذ أنه أوجب ابتداء الوضوء مع العمد في حال الطول والبناء في حال النسيان مطلقا، وحمله الفاكهاني أيضا على الوجوب، ولا يقال: المصنف لم يعبر بالوجوب؛ لأنا نقول: التعبير بالفعل وهو ابتداء في كلامه الأصل في الوجوب، خلافا لسيدي أحمد زروق وسيدي يوسف بن عمر في قولهما: يبتدئ الوضوء في حال العمد مع الطول، ولو على القول بسنية الموالاة؛ لأن التهاون بالسنن كالتهاون بالفرائض، وتبعا في كلامهما ابن القاسم، وأما ابن عبد الحكم فعلى خلافه لأنه قال: لا يبتديه ولو فرقه عامدا، وإنما يبني على ما فعل كما لو فرقه ناسيا، ويدل على هذا ما يأتي من أن المتوضئ لو تعمد ترك جميع سنن الوضوء لم يبطل بخلاف الصلاة إلا أن يقال: الموالاة شهرت فرضيتها فعظم أمرها" تنبيهات " الأول : قابل المصنف الترك نسيانا المفهوم من ذكر بالمتعمد، وخليل قابله بالعاجز، وأما الأولى منهما مع الاتفاق في الحكم على المنقول كما قال الأجهوري في شرح خليل فأقول: الأولى مقابلة الناسي بالعاجز ليكون نصا على المتوهم؛ لأنه لو قابله بالعامد ك المصنف لتوهم أن العاجز كالناسي يبني مطلقا وليس كذلك، فلما قابله بالعاجز علم بالأولى بناء المتعمد، ولا يقال: المقابلة بالعاجز توهم أيضا أن المتعمد يبتدئ الوضوء مطلقا، ولو مع القرب كما قاله بعضهم، لأنا نقول: قد اشتهر في المذهب أن سائر الأماكن التي تطلب فيها الفورية يغتفر فيها التفريق اليسير فافهم، نعم ألحقوا المكروه على الترك بالناسي، ويظهر أن الإكراه يكون بمطلق التخويف بالأمر المؤلم من ضرب ونحوه، وصوروا التفرق بين أعضاء وضوئه عجزا بأن يعد من الماء ما يظن أنه يكفيه فيغصب منه أو يراق أو يتبين عدم ما يكفيه، وأقول: الظاهر أنه لا مفهوم لما ذكر لما تقدم من أن المتعمد للتفريق كالعاجز في أنه لا يصح البناء على ما تقدم إلا مع القرب، ويجب ابتداء الوضوء مع الطول، بخلاف من أعد من الماء ما يقطع بكفايته فيراق عليه أو يغضب منه فهذا كالناسي كما هو مفهوم من كلام الحطاب، فإن قيل: وجوب الموالاة مشروط بالذكر ومشروط بالقدرة، فلأي شيء افترقا عند التخلف إذ يبنى
مطلقا عند عدم الذكر وهو النسيان، وأما عند فقد القدرة وهو العجز إنما يبنى عند القرب، وكان مقتضى شرطية القدرة كالذكر البناء مطلقا عند العجز؟ فالجواب أن العاجز عنده نوع تقصير بعدم احتياطه بتكثير الماء أو بالتحفظ ممن يريقه أو يغصبه، فشابه المتعمد لترك الموالاة فافهمالثاني : التارك لبعض أعضاء الوضوء عمدا أو عجزا إنما أمر بابتداء الوضوء عند الطول لترك الموالاة، وذلك الترك يشمل ترك بعض الأعضاء من غير غسل، وغسل ما بعده لكن بعد تفريق فاحش، ويشمل ما إذا غسل أول أعضاء الوضوء، ولم يشرع فيما بعده حتى جف الأول، فهذا أيضا بمنزلة التارك جملة فيبتدئ الوضوء كالأول، ولا مفهوم للوضوء بل مثله الغسل في التفصيل، فإن ترك عضوا أو لمعة من غير غسل فإنه مع الترك نسيانا أو لأجل إكراه يبني بنية إتمام الغسل، ولو مع الطول ويبتديه مع التفريق عمدا، ولكن يقتصر على فعل المتروك ولو مع القرب؛ لأن الترتيب في الغسل لا يجب ولا يسن، ويغسل المتروك مرة واحدة إلا الرأس فتثلث لطلب التثليث فيها دون غيرها، ومثل أعضاء الغسل أعضاء الوضوء المندرجة في الغسل تفعل مرة، وأما الوضوء السابق على الغسل فيجري فيه تفصيل الوضوءالثالث : قال الأجهوري في شرح خليل: اعلم أن تارك الموالاة وتارك بعض فرائض الوضوء والمنكس سواء في إعادة ما حصل فيه الخلل بشيء مما ذكر وحده إن حصل البعد، وفي إعادته مع ما بعده عند القرب كما يستفاد من كلام الحطاب وغيرهالرابع : يستثنى من قول المصنف: ومن ذكر من وضوئه شيئا النية فإنه إذا ذكرها أو شك في تركها يبتدئ الوضوء، وإن لم يحصل طول ولا يعتد بشيء مما فعله دون تحقق نية الوضوء، وإنما أطلنا في ذلك لداعي الحاجة إليهثم شرع في بيان ما إذا كان صلى قبل فعل المتروك بقوله: "وإن كان قد صلى في جميع ذلك" المذكور من ترك بعض مفروضات الوضوء مع النسيان أو غيره وقبل فعله "أعاد صلاته أبدا" إن كانت مفروضة لفعلها قبل تمام طهارته"و" أعاد "وضوءه" إن كان طول مع العمد أو العجز. وأما لو كان الترك نسيانا أو إكراها فإنه يعيد صلاته بعد بنائه على ما فعل من أعضاء الوضوء قبل الصلاة. قال خليل: ومن ترك فرضا أتى به وبالصلاة، وأشار إلى حكم ترك غير الفرض؛ لأن هذا مفهوم قوله سابقا: ومن ذكر من
وضوئه شيئا مما هو فريضة فقال: "وإن ذكر" من وضوئه بعد تمامه شيئا مما ليس فريضة بل "مثل المضمضة والاستنشاق" بل "ومسح الأذنين" ونحوها مما هو سنة، ولم ينب عنه غيره، ولم يكن فعله موجبا لتكرير المسح "فإن كان" التذكر "قريبا فعل ذلك" المنسي استنانا حيث أراد البقاء على الطهارة، ولو لم يرد فعل قربة، لا إن كان مراده نقض طهارته. "ولم يعد ما بعده" سواء كان الترك عمدا أو سهوا، وسواء قرب أو بعد، قاله الأجهوري؛ لأن ترتيب السنن فيما بينها أو مع الفرائض مندوب، هذا هو المشهور؛ لأنه قول مالك فإنه قال: من غسل وجهه قبل أن يتمضمض تمضمض ولم يعد غسل وجهه، ومثل تحقق النسيان الشك حيث لم يكن مستنكحا "وإن تطاول" أي بعد ما بين وضوئه وتذكره "فعل ذلك" المنسي وحده "لما يستقبل" من الصلواتقال خليل: ومن ترك فرضا أتى به وبالصلاة وسنة فعلها لما يستقبل، كأن يذكر بعد الفراغ من صلاة الظهر أنه نسي المضمضة أو غيرها من السنن، فإذا أراد أن يصلي بهذا الوضوء العصر فإنه يسن في حقه فعل السنة المتروكة، ومثل الصلاة الطواف كما استظهره الأجهوري فتلخص أنه مع القرب يفعل المتروك من السنن حيث أراد البقاء على طهارته، ولو لم يرد الصلاة ولا غيرها، وأما مع الطول فإنه يسن فعله إذا أراد الصلاة أو الطواف، وقيدنا بالتي لم ينب عنها غيرها للاحتراز عن الاستنثار، ومثله غسل اليدين للكوعين؛ لأنه ناب عنهما غيرهما، وللاحتراز عن رد مسح الرأس؛ لأنه يوجب تكرار المسح بماء جديد، وكذا تجديد الماء للأذنين على ما قاله الحطاب خلافا للزرقاني، وإنما قلنا بعد تمام وضوئه للاحتراز عما لو نسي المضمضة أو الاستنشاق وذكرهما بعد شروعه في غسل وجهه أو بعده، واختلفت أقوال شيوخ أهل المغرب فيه، والراجح وهو قول مالك: أنه يفعل المضمضة أو الاستنشاق، ولا يؤخر إلى تمام الوضوء، وإذا كان التذكر بعد تمام غسل الوجه لا يعيده، وإذا كان في أثنائه كمله ويتمضمض بعد ذلك؛ لأنه لا يرجع من فرض إلى سنة، وأما القرافي في الذخيرة فقال: يكمل الوضوء ويفعل السنة المتروكة بعد تمام الوضوء، وكل من كلام مالك والذخيرة مفروض في الناسي، وأما العامد فيتفقا على أنه يفعل السنة المتروكة سريعا ولا يؤخرها إلى تمام الوضوء، هذا ملخص كلام الأجهوري، وأما قول المصنف كخليل: ويفعل ذلك لما يستقبل من الصلوات فمفروض في حال الطول بعد تمام الوضوء كما علمت"و" إذا كان قد صلى بهذا الوضوء المتروك بعض سننه "لم يعد ما صلى به قبل أن يفعل ذلك"
المتروك من السنن لا وجوبا ولا ندبا حيث كان تركها نسيانا، وأما لو تعمد تركها ولو جميع السنن، وصلى فصلاته صحيحة؛ لأن الوضوء لا يبطل بتعمد ترك سنة، بخلاف الصلاة؛ لأنه جرى في بطلان صلاته خلاف، لانحطاط رتبة سنن الوسيلة عن سنن المقصد لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 1وقال في الوضوء: "توضأ كما أمرك الله" 2 ولكن يستحب له إعادة الصلاة في الوقت كما هو المنصوص عن ابن القاسم. قال العلامة البساطي: وهو المشهور، وأما الناسي فلا يعيد اتفاقا كما قاله ابن عرفة" تنبيهات " الأول : ما ذكره المصنف كخليل في ترك السنن: لا فرق فيه بين سنن الوضوء أو الغسل حيث فعلت في الوضوء قبل الغسل، وأما لو اندرجت في الغسل فلا يفعل ما تركه لما يستقبل، كذا ينبغي في ترك السنن، ولعل الفرق حصول المشقة في الغسل لاشتماله على غسل جميع الجسدالثاني : قول المصنف: وإن تطاول فعل ذلك لما يستقبل إلخ: لم يبين حكم الفعل، وقد قدمنا أن حكمه السنية وتبعنا في ذلك الناصر اللقاني، وقال غيره على جهة الندب، وأقول: الظاهر ما قاله الناصر اللقاني؛ لأن السنة لا تنحط رتبتها بتركها إلا إن ناب عنها غيرهاالثالث : لم يتكلم المصنف على من ترك فضيلة كشفع غسله وتثليثه، وحكمه أنه لا يطلب إعادتها لا حالا ولا لما يستقبل، ويعلم منه حكم تنكيس السنن في أنفسها أو مع الفرائض، فلا يعاد المنكس منها لما يستقبل، إلا من اقتصر على الاستجمار في صلاته فإنه يندب له الاستنجاء لما يستقبل من الصلاة" ومن صلى على موضع طاهر من حصير " أو غيره مما يسدله وصلى عليه كحرامه الذي طرحه في الأرض "و" الحال أن "بموضع آخر منه نجاسة" ولكن لم يسجد على شيء منها "فلا شيء عليه" وصلاته صحيحة، ولو لمستها ثيابه سواء تحركت بحركته أم لا؛ لأن المصلي إنما
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب الأذن، باب ألأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة-، حديث "631"، والدارمي "1/318" حديث "1253"2 صحيح: أخرجه الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في وصف الصلاة، حديث "302" أبو داود، كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، حديث "856" وانظر: "صحيح الجامع 740".
يطلب منه طهارة ما تمسه أعضاؤه، ومن هذا يعلم صحة الصلاة على الفروة التي بباطنها نجاسة ولو جلد كلب أو خنزير أو شاة ماتت بغير ذكاة شرعية حيث كان الشعر ساترا للجلد ولا نجاسة به، ولا يقال: الشعر يتصل بالنجاسة فهو متنجس؛ لأنا نقول: المتنجس المنبت في الجلد الخارج الزائد عليه فهو كالحصير الذي بباطنه نجاسة ولو متصلة به، فالصلاة عليه صحيحة لعدم حمله لها، وهذا بخلاف ما لو كانت النجاسة بطرف عمامته أو ثوبه المحمول له فصلاته باطلة حيث كان عالما وقادرا على إزالتها، ووجه الفرق بين نحو العمامة والحصير أن نحو الحصير بمنزلة الأرض، فالشرط طهارة ما تماسه أعضاء المصلي، بخلاف نحو العمامة فإنه محمول له في الجملة، والحاصل أن المضر إنما هو الجلوس على المحل أو حمله في الصلاة، ولذلك لو وقف على طرف حبل متنجس أو مربوط به نجاسة، والطرف الآخر طاهر فتبطل صلاته إن وقف على المتنجس، وأما إن وقف على الطرف الطاهر، ولم تبطل صلاته؛ لأنه غير حامل فهو بمنزلة الواقف على الحصير الذي بباطنه نجاسة لم تتصل بأعلاه"والمريض إذا كان" جالسا "على فراش نجس" وأولى متنجس "فلا بأس" إذا أراد الصلاة عليه "أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا" غير حرير إلا أن لا يجد غيره "ويصلي عليه" وتصح صلاته. قال خليل: ولمريض ستر نجس بطاهر ليصلي عليه كالصحيح على الأرجح، وإنما اقتصر المصنف على المريض للاتفاق عليه؛ ولأنه الذي يحتاج إلى ذلك غالبا، فلا ينافي أن الصحيح كذلك، فقوله: لا بأس المراد به الجواز المستوي أو المرجوح إن كان يمكنه الصلاة في غير هذا المحل وإلا وجب، فلو لم يجد ما يستر به النجاسة إلا الحرير فله سترها به؛ لأن الصلاة عليه إنما تحرم في حال الاختيارقال خليل: وعصى وصحت إن لبس حريرا كما يعصى بالصلاة عليه اختيارا، ولو فرش عليه ثوبا غير حرير لأن حرمة الحرير أشد من حرمة النجاسة، خلافا لبعض الأئمة في تجويز الجلوس عليه بعد ستره بغيره، فإذا أقيمت الصلاة عليك بمحل مفروش بحرير فيجب عليك رفع الفرش وتصلي على ما تحته، إلا أن لا تستطيع فلا بأس بفرش شيء عليه، وتصلي بعد تقليد القائل بزوال الحرمة بفرش شيء عليه" تنبيه ": يشترط في الثوب الذي يفرش على النجاسة أن يكون منفصلا عن المصلي، وأما لو فرش كم ثوبه الملابس له على نجاسة بموضع سجوده أو طرف حرامه الملتحف به على النجاسة، ولو الجافة لم تصح صلاته، فقد قال عياض: وسقوط طرف ثوبه على جاف نجاسة
بغير محله ا هـ مواق، فإن مفهوم قوله: بغير محله أن طرف ثوبه الساقط على النجاسة لو كان مفروشا على نجاسة تحت جبهته أو قدمه أو ركبته لم يكن لغوا فلا يصح للمصلي أن يفرش كمه على نجاسة بموضع سجوده أو تحت قدمهثم شرع في الكلام على صفة صلاة المريض بقوله: "وصلاة المريض" الفريضة "إن لم يقدر على القيام" فيها مستقلا بأن عجز عنه جملة أو تلحقه به مشقة شديدة "صلى جالسا" مستقلا ويستحب أن يتربع "إن قدر على التربع" اقتداء به صلى الله عليه وسلم "كان يتربع في صلاته جالسا" كما هو مروي عن ابن عباس وابن عمر وأنس؛ ولأنه الأليق بالأدبقال العلامة خليل : وتربع كالمتنفل، وغير جلسته بين سجدتيه، قال شراحه: وكذا في سجوده، واعلم أن الذي يصلي الفرض جالسا هو من لا يستطيع القيام جملة أو يخاف بالقيام المرض أو زيادته كالتيمم، وأما من يحصل له به المشفة الفادحة دون المرض فالراجح التفصيل فيه بين كونه صحيحا فلا يصح له الجلوس، وإن كان مريضا يصح جلوسه، كما هو مقتضى كلام ابن عبد السلام، خلافا لتلميذه ابن عرفة فإن ظاهر كلامه عدم صحة صلاته جالسا، والقادر على القيام مع الاستقلال يجب عليه ولو عجز معه عن الطمأنينة والاعتدال، والقادر عليه مع الاستناد يجب عليه الاستناد لغير جنب وحائض ولهما أعاد بوقت حيث استند لهما مع وجود غيرهما، وقيدنا الصلاة بالفريضة المقابلة للسنة فيدخل فيها النفل المنذور فيه القيام وصلاة الجنازة على القول بفرضيتها للاحتراز عن غير الفريضة فلا يجب فيها القيامقال خليل: ولمتنفل جلوس ولو في أثنائها إن لم يدخل على الإتمام" تنبيهان " الأول : مفهوم قول المصنف: إن لم يقدر على القيام أنه لو قدر على القيام لم يصح له الجلوسقال خليل : يجب بفرض قيام إلا لمشقة أو لخوفه به فيها أو قبل ضرر كالتيمم، ولكن المصنف كخليل لم يبين موضع الوجوب من غيره، ومحصله أنه إنما يجب القيام في حال فعل الفرض كالركوع والإحرام وقراءة الفاتحة على غير المأموم أو زمن قراءتها في حق المأموم، وأما السورة فلا يجب القيام فيها إلا على مأموم لئلا تحصل المخالفة بين الإمام والمأموم، وأما استناد غير المأموم في حال قراءتها فلم يكن مبطلا لصلاته بخلاف استناده في نحو الركوع أو الفاتحة، فإنه يكون مبطلا حيث كان استناده على وجه العمد لا إن كان سهوا، فإنما تبطل تلك الركعة، فيحمل عليه قول خليل: ولو سقط قادر بزوال عماد بطلت على المستند عمدا في حال
فعل الفرض، وأما لو كان بحيث لو أزيل لا يسقط لم تبطل صلاته، وإنما يكره ذلك فقط ويعيد في الوقت الضروريالثاني : ما قدمناه من استحباب التربع للمصلي جالسا لا ينافي أنه يطلب منه تغير جلسته إذا أراد السجود أو الجلوس للتشهد، وحكم التغيير السنية حال السجود والتشهد، والندب بين السجدتين"وإلا" بأن لم يقدر المريض على الجلوس بحالتيه متربعا بأن عجز عنه جملة أو يلحقه بالتربع المشقة الفادحة "صلى" جالسا "بقدر طاقته" ولو غير متربع، واستند لغير جنب وحائض، ولهما أعاد بوقت إن كان الاستناد لهما مع وجود غيرهما، والحاصل أن الصور أربع: القيام مع الاستقلال، القيام مع الاستناد، الجلوس استقلالا، الجلوس مع الاستناد. ولما فرغ من الكلام على العاجز عن القيام القادر على الركوع والسجود من جلوس شرع في الكلام على العاجز عنهما من جلوس أيضا بقوله: "وإن لم يقدر" أي العاجز عن القيام بحالتيه "على السجود" والركوع من جلوس بل عجز عنهما جملة أو تلحقه بهما المشقة الفادحة "فليومئ" أي يشير برأسه وظهره "بالركوع والسجود" أي إليهما، فإن لم يقدر على الإيماء بهما أومأ إليهما برأسه فقط، فإن لم يقدر برأسه فيما يستطيع أومأ ولو بيده أو طرفه. "و" يجب أن "يكون" إيماؤه ل "سجوده أخفض من ركوعه" أي من إيمائه لركوعه" تنبيهات " الأول : ذكر المصنف حكم من عجز عن القيام ولا يستطيع السجود والركوع بأنه يومئ لهما من جلوس، وترك حكم عكس كلامه وهو من لا يقدر إلا على القيام فقط، وأشار إليه خليل بقوله: وأومأ عاجز إلا عن القيام فإنه يأتي بصلاته كلها من قيام بأن يومئ إلى الركوع والسجود برأسه وظهره أو بما قدر من أعضائهقال الأجهوري : فإن لم يقدر على الإيماء بشيء من جسده مع القدرة على القيام كان بمنزلة من لا يقدر إلا على النية، فيجب عليه قصد أفعال الصلاة مع الإتيان بالأقوال إن قدر، وإلا نوى الجميع، ويظهر أن المراد قصد شيء في محله زيادة على نية الصلاة المعينة، والحاصل أن العاجز عن الركوع والسجود يومئ لهما من قيام إن عجز عن الجلوس، وإن قدر على الجلوس أومأ إلى الركوع من قيام وإلى السجود من جلوسالثاني : لم يعلم من كلام المصنف كيف يفعل بيديه حال الإيماء للركوع والسجود، ومحصله أن المومئ للركوع لا نزاع في أنه إن أومأ إليه من قيام أن يمد يديه مشيرا بهما إلى ركبتيه، وأن يضعهما على ركبتيه إن أومأ إليه من جلوس.