كتاب : مجمع الضمانات
المؤلف : أبو محمد غانم بن محمد البغدادي
اسْتَعَارَ دَابَّةً وَعَيَّنَ جِهَةَ الِانْتِفَاعِ ثُمَّ خَالَفَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَنْ يُخَالِفَ فِي الْمَعْنَى مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ، أَوْ يُخَالِفَ فِي الْجِنْسِ ، أَوْ يُخَالِفَ فِي الْقَدْرِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَعْنَى مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ هَذَا الْبُرِّ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ بُرٍّ آخَرَ لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِنْ بُرِّهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَهُ مِنْ بُرِّ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّقْيِيدِ غَيْرُ مُفِيدٍ .
وَأَمَّا الثَّانِي : وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ فِي الْجِنْسِ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ بُرٍّ فَحَمَلَ عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ يَضْمَنُ قِيَاسًا إذْ خَالَفَ فِي الْجِنْسِ لَا اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ فَخَالَفَ إلَى خَيْرٍ حَتَّى لَوْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْبُرِّ وَزْنًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ مِنْ الشَّعِيرِ ضَمِنَ إذْ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ الْبُرُّ وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا بُرًّا فَحَمَلَ حَطَبًا أَوْ قُطْنًا أَوْ تِبْنًا بِذَلِكَ الْوَزْنِ ضَمِنَ لِمَا مَرَّ وَكَذَا لَوْ حَمَلَ حَدِيدًا أَوْ آجُرًّا أَوْ حِجَارَةً بِوَزْنِ الْبُرِّ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدُقُّ ظَهْرَهَا فَيَكُونُ أَضَرَّ .
وَأَمَّا الثَّالِثُ : وَهُوَ الْمُخَالَفَةُ فِي الْقَدْرِ بِأَنْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ بُرٍّ فَحَمَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَخْتُومًا فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُطِيقُ حَمْلَ هَذَا الْقَدْرِ ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهَا لِلْإِتْلَافِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا تُطِيقُ ضَمِنَ ثُلُثَهَا تَوْزِيعًا لِلضَّمَانِ عَلَى قَدْرِ مَا أُذِنَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُقَيَّدَةً فِي الْحِمْلِ مُطْلَقَةً فِي غَيْرِهِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا فِي الْحِمْلِ نَحْوُ أَنْ يُعِيرَ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ
فَحَمَلَ عَلَيْهَا آجُرًّا أَوْ حَدِيدًا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ يَضْمَنُ وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرًا أَوْ دُخْنًا أَوْ أُرْزًا إلَّا أَنَّهُ مِثْلُ وَزْنِ الْحِنْطَةِ ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ شَعِيرًا فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَحُكْمُ الْإِجَارَةِ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ وَلَوْ زَادَ فِي الْقَدْرِ فَذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي نُسْخَتِهِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ الْمَالِكُ لَكِنْ هُوَ مِثْلُ مَا عَيَّنَهُ فِي الْقَدْرِ بِأَنْ عَيَّنَ حِنْطَتَهُ فَحَمَلَ حِنْطَةَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ .
وَالثَّانِي : أَنْ يُخَالِفَ فِي الْجِنْسِ بِأَنْ اسْتَعَارَ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرًا لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا أَمَّا لَوْ سَمَّى قَدْرًا مِنْ الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَحَمَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ مِنْ الشَّعِيرِ يَضْمَنُ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يُسَمِّيَ حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا آجُرًّا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ حَمَلَ مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ تِبْنًا .
وَالرَّابِعُ : أَنْ يُخَالِفَ فِي الْقَدْرِ بِأَنْ سَمَّى عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَحَمَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَضْمَنُ ا هـ .
اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِيَكْرِبَ أَرْضَهُ وَعَيَّنَ الْأَرْضَ وَكَرَبَ أَرْضًا أُخْرَى فَعَطِبَ الثَّوْرُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ تَخْتَلِفُ فِي الْكَرْبِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَذْهَبَ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَذَهَبَ إلَى مَكَان آخَرَ بِتِلْكَ الْمَسَافَةِ كَانَ ضَامِنًا وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ الثَّوْرَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَكْرِبْ حَتَّى عَطِبَ لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ بِالْإِمْسَاكِ كَذَا فِي الصُّغْرَى وَمُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ : أَقُولُ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لَوْ كَرَبَ مِثْلَ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ أَرْخَى مِنْهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ وَسَمَّى نَوْعًا فَخَالَفَ لَا يَضْمَنُ لَوْ حَمَلَ مِثْلَ الْمُسَمَّى فِي الضَّرَرِ أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ كَمَا لَوْ سَمَّى كُرَّ بُرٍّ فَحَمَلَ كُرَّ شَعِيرٍ أَوْ سِمْسِمٍ وَكَمَا لَوْ عَيَّنَ طَرِيقًا ثُمَّ سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ قُلْتُ : وَلِكَلَامِهِ وَجْهٌ وَلَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ .
اسْتَعَارَ دَابَّةً ثُمَّ نَامَ فِي الْمَفَازَةِ وَالْمِقْوَدُ فِي يَدِهِ فَقَطَعَ إنْسَانٌ الْمِقْوَدَ وَذَهَبَ بِالدَّابَّةِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ مَدَّ الْمِقْوَدَ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ الدَّابَّةَ وَهُوَ لَمْ يَشْعُرْ يَضْمَنُ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ : إنْ نَامَ جَالِسًا لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا ضَمِنَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ : وَهَذَا لَا يُنَاقِضُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ فِي السَّفَرِ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِلْحِفْظِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي نَفْسِ النَّوْمِ وَهَذَا فِي أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى النَّوْمِ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ لَوْ نَامَ مُضْطَجِعًا فِي الْحَضَرِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ ا هـ .
طَلَبَهَا فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ : نَعَمْ ادْفَعْ فَتَرَكَهُ وَفَرَّطَ فِي الدَّفْعِ حَتَّى سُرِقَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ عَاجِزًا عَنْ الرَّدِّ عِنْدَ الطَّلَبِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا فَإِنْ نَصَّ الْمُعِيرُ عَلَى السُّخْطِ يَضْمَنُ كَذَا فِي مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ لَا رِضًا وَلَا سُخْطًا يَضْمَنُ أَيْضًا وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّضَا لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَإِنْ صَرَّحَ بِالرِّضَا لَا يَضْمَنُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ .
نَامَ وَتَرَكَهَا نَاسِيًا ضَمِنَ .
اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ وَيَجِيءَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَوْضِعًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْمِصْرِ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ لَوْ خَرَجَ بِهَا مِنْ الْمِصْرِ ضَمِنَ اسْتَعْمَلَهَا أَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا لِأَنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ تَصِيرُ عُرْضَةً لِلتَّلَفِ فَيَكُونُ إخْرَاجُهَا تَضْيِيعًا مَعْنًى مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
عَبْدٌ مَحْجُورٌ اسْتَعَارَ مِنْ مِثْلِهِ دَابَّةً وَهَلَكَتْ تَحْتَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ كَانَتْ لِمَوْلَى الْمُعِيرِ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الرَّاكِبَ وَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُعِيرِ وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُعِيرَ يَرْجِعُ مَوْلَاهُ فِي رَقَبَةِ الرَّاكِبِ مِنْ الْوَجِيزِ .
لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةَ الْعَارِيَّةِ فِي الرُّجُوعِ .
لَوْ ذَهَبَ إلَى مَكَان آخَرَ لَا إلَى الْمُسَمَّى ضَمِنَ وَلَوْ أَقْصَرَ وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى الْمُسَمَّى ضَمِنَ وَالْمُكْثُ الْمُعْتَادُ عَفْوٌ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ بُرًّا فَحَمَلَ الْأَخَفَّ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أُخْرَى بعاريت داد وَكَفَتْ كه زيادت أزجها رروزمدا رَوْجهَا رروزاين خربيار بانزده روزداشت خرمرد قِيمَتْ روز يَنْجُم ضَامِن شود .
الْمُسْتَعِيرُ لَوْ خَالَفَ ثُمَّ وَافَقَ وَرَدَّهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِ الْمُعِيرِ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى مَالِكِهَا مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
اسْتَعَارَ ثَوْرًا وَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ فَرَغَ وَلَمْ يَحُلَّ الْحَبْلَ عَنْ الثَّوْرِ فَذَهَبَ الْبَقَرُ إلَى الْمَسْرَحِ فَصَارَ الْحَبْلُ فِي عُنُقِهِ فَشَدَّهُ وَمَاتَ يَضْمَنُ هَذِهِ فِي فَوَائِدِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ .
وَفِي فَوَائِدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ .
لَوْ رَبَطَ الْحِمَارَ الْمُسْتَعَارَ عَلَى الشَّجَرِ بِالْحَبْلِ الَّذِي عَلَيْهِ فَوَقَعَ فِي عُنُقِهِ فَتَخَنَّقَ وَمَاتَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الرَّبْطَ مُعْتَادٌ لَا التَّخْلِيَةَ بِالْحَبْلِ ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ .
إذَا جَحَدَ الْعَارِيَّةَ أَوْ الْوَدِيعَةَ وَهِيَ مِمَّنْ يُحَوَّلُ عَنْ مَكَانِهِ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ وَلَمْ يُحَوِّلْهَا عَنْ مَوْضِعِهَا حَتَّى عَقَرَهَا آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي عَقَرَهَا دُونَ الَّذِي رَكِبَهَا مِنْ الْخُلَاصَةِ .
دَفَعَ حِمَارَهُ إلَى آخَرَ فَغَابَ الْحِمَارُ فَقَالَ الْمُودَعُ لِصَاحِبِ الْحِمَارِ : خُذْ حِمَارِي فَانْتَفِعْ بِهِ حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْك حِمَارَك فَضَاعَ فِي يَدِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُودَعَ رَدَّ حِمَارَهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِالْقَبْضِ هَذِهِ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْرًا غَدًا إلَى اللَّيْلِ فَأَجَابَهُ بِنَعَمْ ثُمَّ جَاءَ وَلَمْ يَجِدْ الْمُعِيرُ فَأَخَذَ الثَّوْرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ فَعَطِبَ قَالُوا : يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّ إعَارَةَ الدَّابَّةِ لَا تَكُونُ إلَى النِّسَاءِ وَإِنَّمَا لَهُنَّ مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ .
اسْتَعَارَ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهَا حَيْثُ شَاءَ وَلَمْ يُسَمِّ مَكَانًا وَلَا وَقْتًا وَلَا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَلَا مَا يَعْمَلُ بِهَا فَذَهَبَ الْمُسْتَعِيرُ إلَى الْحِيرَةِ أَوْ أَمْسَكَهَا بِالْكُوفَةِ شَهْرًا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ لَا يَضْمَنُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْعَارِيَّةِ .
رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ : أَعَرْتَنِي دَابَّتَك فَنَفَقَتْ وَقَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ : لَا بَلْ غَصَبْتهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَكِبَهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَكُونُ ضَامِنًا لِوُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ دَابَّةِ الْغَيْرِ .
وَإِنْ قَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ : آجَرْتُكَهَا وَقَالَ : لَا بَلْ أَعَرْتَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الرُّكُوبَ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ .
اسْتَعَارَ حِمَارًا فِي الرُّسْتَاقِ إلَى الْبَلَدِ فَلَمَّا أَتَى الْبَلَدَ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الرُّسْتَاقِ فَوَضَعَ الْحِمَارَ فِي يَدِ رَجُلٍ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى الرُّسْتَاقِ وَيُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَهَلَكَ الْحِمَارُ فِي الطَّرِيقِ قَالُوا : إنْ كَانَ الشَّرْطُ فِي الْإِعَارَةِ أَنْ يَرْكَبَ الْمُسْتَعِيرُ بِنَفْسِهِ كَانَ ضَامِنًا بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ اسْتَعَارَ مُطْلَقًا لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّ فِي الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِعَارَةُ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ كَالرُّكُوبِ أَوْ لَا يَتَفَاوَتُ كَالْحِمْلِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : الْمُسْتَعِيرُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَلَوْ قَالَ الْمُعِيرُ : لَا تَدْفَعْ إلَى غَيْرِك كَانَ ضَامِنًا عَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا دَفَعَ إلَى غَيْرِهِ .
رَجُلٌ بَاعَ مِنْ آخَرَ عَصِيرًا فَأَعَارَهُ الْبَائِعُ حِمَارَهُ لِحَمْلِ الْعَصِيرِ فَلَمَّا حَمَلَ وَأَرَادَ سَوْقَ الْحِمَارِ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ : خُذْ عِذَارَهُ وَسُقْهُ كَذَلِكَ وَلَا تَخَلَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَمْسِكُ إلَّا هَكَذَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي : نَعَمْ فَأَخَذَ عِذَارَهُ ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ بَعْدَ سَاعَةٍ وَتَرَكَ الْعِذَارَ فَأَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ وَسَقَطَ وَانْكَسَرَ الْحِمَارُ كَانَ ضَامِنًا لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا مُفِيدًا فَإِذَا خَالَفَهُ صَارَ غَاصِبًا .
رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ : أَعِرْنِي دَابَّتَك فَرْسَخَيْنِ أَوْ قَالَ إلَى فَرْسَخَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : لَهُ فَرْسَخَانِ جَائِيًا وَذَاهِبًا اسْتِحْسَانًا قَالَ : وَكَذَلِكَ كُلُّ عَارِيَّةٍ تَكُونُ فِي الْمِصْرِ نَحْوُ التَّشْيِيعِ فِي الْجِنَازَةِ وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ عَلَى الذَّهَابِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ عَلَيْهَا وَيَجِيءَ وَقَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَنْ قَاضِي خَانْ .
أَخَذَ دَابَّةَ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مِنْ بَيْتِهِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى بَيْتِهِ وَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ مِنْ الْوَجِيزِ .
اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ حِمَارًا فَقَالَ : لِي حِمَارَانِ فِي الْإِصْطَبْلِ خُذْ أَيَّهمَا شِئْت فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا لَا يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ : خُذْ أَحَدَهُمَا وَاذْهَبْ بِهِ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ ضَمِنَ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَالْخُلَاصَةِ .
لَوْ أَمْسَكَ الدَّابَّةَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعْمَلَهَا وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعَارَهَا إلَيْهِ ضَمِنَ كَذَا فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
وَفِيهَا رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ : أَعَرْتَنِي دَابَّتَكَ فَنَفَقَتْ وَقَالَ الْآخَرُ : غَصَبْتهَا لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ .
وَلَوْ قَالَ آجَرْتهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الرُّكُوبَ كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَهُوَ يُنْكِرُ وَهُوَ بِخِلَافِ الْعَيْنِ إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ وَقَالَ : وَهَبْتُهَا لِي وَقَالَ الْمَالِكُ : بِعْتهَا مِنْك يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّ الْعَيْنَ مَالٌ مُقَوَّمٌ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ مَالِيَّتِهِ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ أَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ وَالرَّاكِبُ مُنْكِرٌ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا ا هـ .
فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدَّابَّةِ الْمُسْتَعَارَةِ فَأَرْسَلَهَا وَوَضَعَ عَلَيْهَا الْإِكَافَ وَنَامَ سَاعَةً فَضَاعَ ضَمِنَ .
اسْتَعَارَ دَابَّةً فَسَكَتَ الْمَالِكُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ : الْإِعَارَةُ لَا تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
اسْتَعَارَ الْوَصِيُّ دَابَّةً لِعَمَلِ الصَّبِيِّ وَلَمْ يَرُدَّهَا بِاللَّيْلِ حَتَّى هَلَكَتْ فَالضَّمَانُ عَلَى الصَّبِيِّ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّهَا عَجِيبَةٌ .
اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلْحِمْلِ فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا وَلَوْ اسْتَعَارَ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا كَذَا طُنًّا مِنْ الْحِنْطَةِ إلَى الْبَلَدِ وَهَلَكَتْ الْحِنْطَةُ فِي الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى الْبَلَدِ وَفِي الْعَوْدِ أَيْضًا إلَى مَنْزِلِ الْمُعِيرِ .
اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلْحِمْلِ إلَى مَكَانِ كَذَا وَقَالَ لَهُ الْمَالِكُ : ابْعَثْهَا مُطْلَقًا فَبَعَثَهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ مِنْ الْقُنْيَةِ .
رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ ثَوْرًا غَدًا فَأَجَابَهُ بِنَعَمْ فَجَاءَ الْمُسْتَعِيرُ غَدًا وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَ الثَّوْرِ فَأَخَذَ الثَّوْرَ مِنْ بَيْتِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ فَعَطِبَ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَقَدْ مَرَّتْ .
( النَّوْعُ الثَّانِي ضَمَانُ الْأَمْتِعَةِ ) اسْتَعَارَ سِتْرَ الْأُذَيْنِ فَسُرِقَ السِّتْرُ مِنْ الْأُذَيْنِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ الْحِفْظَ فَإِنْ لَمْ يَنْصِبْهُ فِي الْحَائِطِ كَانَ ضَامِنًا .
رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَسَقَطَتْ قَصْعَةُ الْحَمَّامِ مِنْ يَدِهِ وَانْكَسَرَتْ فِي الْحَمَّامِ أَوْ انْكَسَرَ كُوزُ الْفُقَّاعِيِّ مِنْ يَدَيْهِ عِنْدَ الشُّرْبِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ : لَا يَكُونُ ضَامِنًا قِيلَ : هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُوءِ إمْسَاكِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ سُوءِ إمْسَاكِهِ يَكُونُ ضَامِنًا .
اسْتَعَارَ كِتَابًا فَضَاعَ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْكِتَابِ يُطَالِبُهُ بِالرَّدِّ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالضَّيَاعِ وَوَعَدَ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِالضَّيَاعِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ آيِسًا مِنْ وُجُودِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ آيِسًا مِنْ وُجُودِهِ يَكُونُ ضَامِنًا .
وَفِي الْكِتَابِ قَالَ : يَكُونُ ضَامِنًا وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الضَّيَاعِ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى .
اسْتَعَارَتْ امْرَأَةٌ سَرَاوِيلَ لِتَلْبَسَ فَلَبِسَتْ وَهِيَ تَمْشِي فَزَلَقَتْ رِجْلُهَا فَتَخَرَّقَ السَّرَاوِيلُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُضَيِّعَةٍ .
اسْتَعَارَ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ الْمُعِيرُ : لَا تَدْفَعْ إلَى غَيْرِك فَدَفَعَ وَهَلَكَ عِنْدَ الثَّانِي قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنْ كَانَ الشَّيْءُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ لَا يَضْمَنُ .
اسْتَعَارَ حِمْلًا أَوْ فُسْطَاطًا وَهُوَ فِي الْمِصْرِ فَسَارَ بِهِ فَهَلَكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا .
وَإِنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا أَوْ عِمَامَةً فَسَارَ بِهِ كَانَ ضَامِنًا .
اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَبْسُطَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ أَوْ عَثَرَ فَوَقَعَ عَلَيْهِ فَتَخَرَّقَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا مِنْ قَاضِي خَانْ .
لَوْ اسْتَعَارَ مَرًّا لِيَسْقِيَ بِهِ أَرْضَهُ فَفَتَحَ النَّهْرَ وَوَضَعَ الْمَرَّ تَحْتَ رَأْسِهِ وَنَامَ مُضْطَجِعًا فَسُرِقَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ وَلِهَذَا لَوْ سُرِقَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِ النَّائِمِ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهَذَا فِي غَيْرِ السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ لَا يَضْمَنُ نَامَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا وَالْمُسْتَعَارُ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ مَوْضُوعٌ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحَوَالَيْهِ بِحَيْثُ يُعَدُّ حَافِظًا عَادَةً مِنْ الْخُلَاصَةِ .
اسْتَعَارَ مَرًّا لِيَدُقَّ مَبْطَخَةً فَدَقَّهَا وَفَرَغَ ثُمَّ أَعَارَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَضَاعَ يَضْمَنُ الْمَالِكُ أَيَّهمَا شَاءَ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْمَرُّ وَالْمِسْحَاةُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ وَإِنَّمَا الضَّمَانُ لِكَوْنِ الْإِعَارَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهَا بِالْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِلِاسْتِعَارَةِ .
اسْتَعَارَ كَنَدْرَةِ ثُمَّ أَعَارَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ .
اسْتَعَارَتْ مُلَاءَةً لِلْمُصِيبَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْهَا إلَى مَكَانٍ آخَرَ فَتَخَرَّقَتْ تَضْمَنُ .
اسْتَعَارَ فَاسًا وَضَرَبَ فِي الْحَطَبِ وَسُخْت شَدِّدْ رهيزم وتبرديكر كَرَفْتِ وَبِمَهْرِهِ آن تبرزد وَانْكَسَرَ يَضْمَنُ وَقِيلَ : إنْ كَانَ الضَّرْبُ مُعْتَادًا لَا يَضْمَنُ .
اسْتَعَارَتْ مُلَاءَةً وَوَضَعَتْهَا فِي الْبَيْتِ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ فَصَعِدَتْ السَّطْحَ فَهَلَكَتْ قِيلَ : تَضْمَنُ وَقِيلَ : لَا تَضْمَنُ .
اسْتَعَارَتْ طَشْتًا وَغَسَلَتْ فِيهِ بَلْخ بكبخ بإرباغ فَانْكَسَرَ إنْ كَانَ يُغْسَلُ مِثْلُهَا فِي مِثْلِهِ وَكَانَ الْغَسْلُ مُعْتَادًا لَا تَضْمَنُ .
اسْتَعَارَ قِدْرًا لِلطَّبْخِ فَطَبَخَ فِيهَا مَرَقَةً وَنَقَلَهَا مِنْ الْكَانُونِ مَعَ الْمَرَقَةِ أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْبَيْتِ فَوَقَعَتْ مِنْ يَدِهِ وَانْكَسَرَتْ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ الْحَمَّالِ إذَا زَلَقَ قُنْيَةَ .
إذَا اسْتَعَارَتْ سَرَاوِيلَ فَزَلَقَتْ رِجْلُهَا فِي الْمَشْيِ فَتَخَرَّقَ لَا تَضْمَنُ .
وَقَعَ مِنْ يَدِ رَبِّ الْبَيْتِ شَيْءٌ عَلَى وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ فَأَفْسَدَهَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ بِسَاطًا أَوْ وِسَادَةً اسْتَعَارَهُ لِيَبْسُطَهُ لَمْ يَضْمَنْ هُوَ وَلَا أَجِيرُهُ بِخِلَافِ الْحَمَّالِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِعِوَضٍ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِخِلَافِ هَذَا .
لَوْ رَدَّ الثَّوْبَ الْمُسْتَعَارَ فَلَمْ يَجِدْ الْمُعِيرُ وَلَا مَنْ فِي عِيَالِهِ فَأَمْسَكَهُ إلَى اللَّيْلِ وَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ وَجَدَ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ يَضْمَنُ مِنْ الْقُنْيَةِ .
وَفِيهَا أَوْدَعَهُ أَجْنَاسًا وَغَابَ وَمَاتَ وَلَمْ يَجِدْ الْمُودَعُ وَارِثًا لَهُ سِوَى بِنْتِ ابْنِهِ الْمُرَاهِقَةِ يُعْذَرُ فِي الدَّفْعِ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ .
اسْتَعَارَ مِنْشَارًا فَانْكَسَرَ فِي النَّشْرِ نِصْفَيْنِ فَدَفَعَهُ إلَى الْحَدَّادِ فَوَصَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ يَنْقَطِعُ حَقُّهُ وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ قِيمَتُهُ مُنْكَسِرًا وَكَذَا الْغَاصِبُ إذَا غَصَبَهُ مُنْكَسِرًا هَذِهِ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْقُنْيَةِ .
وَضَعَ الْمُسْتَعَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنَامَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ هَذَا حِفْظٌ عَادَةً لَكِنْ إذَا نَامَ جَالِسًا أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا يَضْمَنُ .
صَبِيٌّ اسْتَعَارَ مِنْ صَبِيٍّ شَيْئًا كَالْقَدُومِ أَوْ الْفَأْسِ وَنَحْوِهِ فَأَعْطَاهُ وَالْمُسْتَعَارُ لِغَيْرِ الْمُعْطِي فَهَلَكَ فِي يَدِ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ الدَّافِعُ مَأْذُونًا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا صَحَّ مِنْهُ الدَّفْعُ فَكَانَ الْهَلَاكُ حَاصِلًا بِتَسْلِيطِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ مَحْجُورًا يَضْمَنُ هُوَ بِالدَّفْعِ وَيَضْمَنُ الثَّانِي بِالْأَخْذِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ غَاصِبٌ وَالثَّانِي غَاصِبُ الْغَاصِبِ مِنْ الصُّغْرَى وَقَاضِي خَانْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِلْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُ الْآخِذُ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ : لَوْ أَرَادَ بِالْمَأْذُونِ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ لَا فِي هَذَا الدَّفْعِ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْمَحْجُورِ إذْ الدَّافِعُ غَاصِبٌ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْإِذْنِ فِي الدَّفْعِ فَيَصِيرُ الْآخِذُ غَاصِبَ الْغَاصِبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَوْ أَرَادَ الْإِذْنَ فِي الدَّفْعِ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الدَّافِعُ أَيْضًا لِإِذْنِ الْمَالِكِ ا هـ .
اسْتَعَارَ قِلَادَةَ ذَهَبٍ فَقَلَّدَهَا صَبِيًّا فَسُرِقَتْ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَضْبِطُ حِفْظَ مَا عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا يَضْمَنُ مِنْ الْوَجِيزِ .
اسْتَعَارَ شَيْئًا فَدَفَعَهُ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ الْمَحْجُورُ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ عَارِيَّةً ضَمِنَ الدَّافِعُ وَكَذَا الْآخِذُ لِمَا مَرَّ .
ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ الْإِذْنَ وَجَحَدَهُ الْمُعِيرُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ فُصُولَيْنِ .
اسْتَعَارَ فَأْسًا أَوْ قَدُومًا لِيَكْسِرَ الْحَطَبَ فَوَضَعَهُ فِي الْبَيْتِ فَتَلَفَ بِلَا تَقْصِيرٍ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ أُذِنَ بِكَسْرٍ الْحَطَبِ لَا بِوَضْعِهِ فِي بَيْتِهِ وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ وَبِهِ أَفْتَى صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَبِالضَّمَانِ أَفْتَى الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
اسْتَعَارَ فَأْسًا وَدَفَعَهُ إلَى أَجِيرِهِ لِيَعْمَلَ بِهِ فَفَرَّ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَمُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
لَوْ جَاءَ خَادِمُ الْمُعِيرِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُعِيرُ الْأَمْرَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُسْتَعِيرُ إذْ الرَّدُّ إلَى خَادِمِ الْمُعِيرِ كَالرَّدِّ إلَى الْمُعِيرِ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ قُلْتُ : إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا نَفْسِيًّا فَيَضْمَنُ كَمَا مَرَّ .
كلندي عَارَيْت خواست تادرباغ كَارِ كَسَدِّ مُعِير كَفَتْ درباغ مكذا رَبًّا خَوْد بيار فَتَرَكَهُ ثَمَّةَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ .
كلندي عَارَيْت خواست تااب رَادَا ردآب بِرّ بِسِتِّ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَنَامَ فَسُرِقَتْ يَبْرَأُ إذْ النَّوْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ .
دَفَعَ الْمُسْتَعَارَ إلَى قِنِّ الْمُعِيرِ فَتَلَفَ فَلَوْ كَانَ عَقْدَ جَوْهَرٍ أَوْ شَيْئًا نَفِيسًا ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ بِالدَّفْعِ إلَى قِنِّ الْمُعِيرِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهمَا شَاءَ وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْإِجَارَةِ يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْآجِرِ دُونَ الْعَكْسِ .
لَوْ رَدَّ الْعَارِيَّةَ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ فِي عِيَالِ الْمُعِيرِ فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَتْ شَيْئًا نَفِيسًا كَالْجَوْهَرِ فَرَدَّهَا إلَى هَؤُلَاءِ يَضْمَنُ مِنْ الْوَجِيزِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ رَدَّ الْعَارِيَّةَ مَعَ ابْنِهِ أَوْ عَبْدِهِ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَدِيعَةِ وَكَذَا لَوْ رَدَّهَا إلَى عَبْدِ الْمُعِيرِ أَوْ أَجِيرِهِ أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَقْدَ جَوْهَرٍ أَوْ شَيْئًا نَفِيسًا فَدَفَعَ إلَى عَبْدِ الْمُعِيرِ أَوْ إلَى أَجِيرِهِ يَضْمَنُ انْتَهَى .
أَعَارَتْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ كَمَا يَكُونُ فِي أَيْدِيهِنَّ عَادَةً فَضَاعَ لَمْ تَضْمَنْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ ضَمِنَتْ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَالْوَجِيزِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ امْرَأَةٍ شَيْئًا مِمَّا كَانَ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ فَأَعَارَتْ فَهَلَكَ إنْ كَانَ شَيْئًا فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ وَمَا يَكُونُ فِي أَيْدِيهِنَّ عَادَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ أَمَّا فِي الْفَرَسِ وَالثَّوْرِ فَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمَرْأَةُ انْتَهَى .
طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ فَفُرِّطَ فِي الدَّفْعِ فَهَلَكَتْ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الرَّدِّ وَقْت الطَّلَبِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
وَضَعَ الْعَارِيَّةَ ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَهَا نَاسِيًا فَضَاعَتْ ضَمِنَ .
إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ فَأَمْسَكَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُؤَقَّتَةً نَصًّا أَوْ دَلَالَةً حَتَّى أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ قَدُومًا لِيَكْسِرَ الْحَطَبَ فَكَسَرَ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى هَلَكَ ضَمِنَ .
وَلَوْ دَخَلَ مَنْزِلَ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ وَأَخَذَ إنَاءً لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَوَقَعَ فَانْكَسَرَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ هُوَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ اللَّابِسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْبَسَ فَإِنْ أَعَارَ بَعْدَمَا لَبِسَ ضَمِنَ وَكَذَا يَضْمَنُ إذَا لَبِسَ بَعْدَ مَا أَلْبَسَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْوَجِيزِ وَالْفُصُولَيْنِ وَفِي قَاضِي خَانْ فَإِنْ لَبِسَ بَعْدَمَا أَلْبَسَ غَيْرَهُ قَالَ الْإِمَامُ عَلِيُّ الْبَزْدَوِيُّ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالشَّيْخُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ انْتَهَى .
رَجُلَانِ يَسْكُنَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْكُنُ فِي زَاوِيَةٍ مِنْهُ فَاسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا ثُمَّ طَالَبَهُ الْمُعِيرُ بِالرَّدِّ فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ : قَدْ كُنْت وَضَعْتُهُ فِي الطَّاقِ الَّذِي يَكُونُ فِي زَاوِيَتِك قَالُوا : إنْ كَانَ الْبَيْتُ فِي أَيْدِيهِمَا لَا يَكُونُ الْمُسْتَعِيرُ رَادًّا وَلَا مُضَيِّعًا وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا مِنْ قَاضِي خَانْ وَالْوَجِيزِ .
اسْتَعَارَ ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ طَلَبَ الْمُعِيرُ أَنْ يَرُدَّهُ فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ : نَعَمْ هُوَ ذَا أَدْفَعُهُ إلَيْك ثُمَّ فَرَّطَ فِي الدَّفْعِ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ فَسُرِقَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ قَالُوا : إنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ عَاجِزًا عَنْ الرَّدِّ وَقْتَ الطَّلَبِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الرَّدِّ فَإِنْ أَظْهَرَ الْمُعِيرُ السُّخْطَ وَالْكَرَاهِيَةَ فِي الْإِمْسَاكِ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُظْهِرْ السُّخْطَ وَلَا الرِّضَا لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَإِنْ صَرَّحَ بِالرِّضَا لَا يَضْمَنُ مِنْ قَاضِي خَانْ .
لَوْ أَخَذَ ثَوْرَ رَجُلٍ مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى بَيْتِهِ وَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ مِنْ الْوَجِيزِ .
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ : أَعَرْتُك هَذِهِ الْقَصْعَةَ مِنْ الثَّرِيدِ فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ وَهُوَ قَرْضٌ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَاسَطَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلَالَةَ الْإِبَاحَةِ .
وَفِي الْعُيُونِ قَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ : سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ رُقْعَةً رَقَّعَ بِهَا قَمِيصَهُ أَوْ خَشَبًا يُدْخِلُهُ فِي بَابِهِ قَالَ : لَا يَكُونُ هَذَا عَارِيَّةً وَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ فَإِنْ قَالَ : أَرُدُّهُ عَلَيْك فَهُوَ عَارِيَّةٌ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
وَفِيهَا إذَا جَحَدَ غَيْرُهُ الْعَارِيَّةَ أَوْ الْوَدِيعَةَ وَهِيَ مِمَّا يُحَوَّلُ عَنْ مَكَانِهَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ وَلَمْ يُحَوِّلْهَا عَنْ مَوْضِعِهَا حَتَّى عَقَرَهَا آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي عَقَرَهَا دُونَ الَّذِي رَكِبَهَا .
( النَّوْعُ الثَّالِث ضَمَانُ الْقِنِّ ) اسْتَعَارَ عَبْدًا فَرَدَّهُ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْعَوَارِيّ إلَى دَارِ الْمَالِكِ مُعْتَادٌ مِنْ الْهِدَايَةِ .
اسْتَعَارَ قِنًّا لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا فَهُوَ عَلَى الْمِصْرِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
اسْتَعَارَ قِنًّا لِيَخْدُمَهُ فَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ وَإِنْ عَيَّنَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ لِعَدَمِ تَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الِاسْتِخْدَامِ بِخِلَافِ لِبْسِ الثَّوْبِ مِنْ الْوَجِيزِ وَالْفُصُولَيْنِ .
( النَّوْعُ الرَّابِعُ ضَمَانُ الْعَقَارِ ) اسْتَعَارَ بَيْتًا لِيَسْكُنَهُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ وَإِنْ عَيَّنَ أَنْ يَسْكُنَهُ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ تَفَاوُتِ النَّاسِ فِي السُّكْنَى بِخِلَافِ اللِّبْسِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ وَالْوَجِيزِ .
رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ فِيهَا وَيَغْرِسَ فِيهَا نَخِيلًا فَأَعَارَهَا صَاحِبُ الْأَرْضِ لِذَلِكَ ثُمَّ بَدَا لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً فَرَجَعَ الْمُعِيرُ لَا يَضْمَنُ لِلْمُسْتَعِيرِ شَيْئًا وَيَكُونُ لِلْمُسْتَعِيرِ غَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ الْمُعِيرُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ قَائِمًا يَوْمَ الِاسْتِرْدَادِ وَلَوْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُؤَقَّتَةً بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ : أَعَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ عِشْرِينَ سَنَةً لِتَغْرِسَ فِيهَا أَوْ تَبْنِيَ فِيهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِعَارَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ كَانَ ضَامِنًا لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْإِغْرَاسِ قَائِمَةً يَوْمَ الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَ الْبِنَاءَ وَالْإِغْرَاسَ وَلَا يَضْمَنَ فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَلْعُ الْأَشْجَارِ وَرَفْعُ الْبِنَاءِ لَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ ذَلِكَ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِالْقِيمَةِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْفَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَلَا يَضْمَنَ صَاحِبُ الْأَرْضِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْعَارِيَّةِ وَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَيَضْمَنُ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا وَيَكُونَانِ لَهُ مَرْوِيٌّ عَنْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا .
لَوْ أَعَارَ دَارِهِ ثُمَّ رَبَطَ الْمُعِيرُ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَضَرَبَتْ إنْسَانًا لَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ الْمُؤَجِّرِ إذَا رَبَطَ دَابَّتَهُ بَعْدَمَا سَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ هَذِهِ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
لَوْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ حَائِطًا فِي الدَّارِ الْمُسْتَعَارَةِ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ : باخسه فَلَمَّا اسْتَرَدَّ الْمُعِيرُ الدَّارَ وَأَرَادَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ الْحَائِطَ إنْ كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
( النَّوْعُ الْخَامِسُ ضَمَانُ الْمُسْتَعَارِ لِلرَّهْنِ ) اسْتَعَارَ عَيْنًا لِيَرْهَنَهُ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَرْهَنُهُ فَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ بِأَيِّ قَدْرٍ وَبِأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ فَلَوْ هَلَكَ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لِلْمُعِيرِ قَدْرَ مَا يَسْقُطُ بِهِ عَنْ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَسَقَطَ بَعْضُ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ قَدْرَ ذَلِكَ .
وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ عَجَزَ عَنْ فِكَاكِ الرَّهْنِ فَقَضَى الْمُعِيرُ دَيْنَ الرَّاهِنِ كَانَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِقَدْرِ مَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَلَا يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَلْفًا وَرَهَنَهُ بِأَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ وَافْتَكَّهُ الْمَالِكُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ .
وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ الرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَالرَّدِّ عَلَى الْمُعِيرِ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ فِي عِيَالِ الْمُسْتَعِيرِ جَازَ وَلَا يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِ الْمُوكِلِ فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ قَبْلَ الرَّدِّ وَلَوْ بَعْدَ الْفِكَاكِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ مِنْ قَاضِي خَانْ .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً لِيَرْهَنَهُ فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُمَا ثُمَّ رَهَنَهُمَا بِمَالٍ مِثْلُ قِيمَتِهِمَا ثُمَّ قَضَى الْمَالَ وَلَمْ يَقْبِضْهُمَا حَتَّى هَلَكَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَلِكَ إذَا افْتَكَّ الرَّهْنَ ثُمَّ رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَضْمَنُ انْتَهَى .
وَإِنْ سَمَّى الْمُعِيرُ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا فَخَالَفَهُ الْمُسْتَعِيرُ فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى أَوْ أَكْثَرَ أَوْ بِصِنْفٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ وَيَصِيرُ ضَامِنًا وَالدَّلِيلُ فِي الْهِدَايَةِ .
وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ فُلَانٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ بِالْكُوفَةِ فَرَهَنَهُ بِالْبَصْرَةِ لَا يَجُوزُ وَيَصِيرُ ضَامِنًا وَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَوْ هَلَكَ الْمُسْتَعَارُ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ بَعْدَمَا افْتَكَّهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ فَقَالَ الْمَالِكُ : هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ : هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ بَعْدَمَا افْتَكَّهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ مِنْ قَاضِي خَانْ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي إنْكَارِ أَصْلِهِ فَكَذَا فِي إنْكَارِ وَصْفِهِ وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ وَهُوَ أَنْ يَرْهَنَهُ لِيُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ وَالْمُسَمَّى وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ الْمَوْعُودِ الْمُسَمَّى لِلرَّاهِنِ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمِثْلِهِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ هَلَكَ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ يُرَدُّ مَا قَبَضَ عَلَى الرَّاهِنِ وَيَدْفَعُ الرَّاهِنُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ عَلَى الْمُعِيرِ مِنْ الْوَجِيزِ .
( الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْوَدِيعَةِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةِ فُصُولٍ ) .
( الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِهَا وَمَا يَجُوزُ لِلْمُودَعِ أَنْ يَفْعَلَ وَمَا لَيْسَ لَهُ وَمَا يَصِيرُ بِهِ مُودَعًا ) الْإِيدَاعُ تَسْلِيطُ الْغَيْرِ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ الْوَدِيعَةُ مَا يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ وَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ إذَا هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ : الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ إلَّا إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ فَمَضْمُونَةٌ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ انْتَهَى .
وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُودَعِ بَاطِلٌ هَذِهِ فِي الْكَفَالَةِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
ثُمَّ الْوَدِيعَةُ تَارَةً تَقَعُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ أَوْدَعْتُكَ وَقَبِلَ الْآخَرُ وَتَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الْأَمَانَةِ لَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِلْغَاصِبِ : أَوْدَعْتُك الْمَغْصُوبَ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ وَتَارَةً تَقَعُ بِالْكِتَابَةِ كَقَوْلِهِ لِآخَرَ أَعْطِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ : أَعْطِنِي هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي فِي يَدِك فَقَالَ : أَعْطَيْتُك فَهَذَا عَلَى الْوَدِيعَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى مِنْ الْوَجِيزِ وَتَارَةً تَقَعُ دَلَالَةً فَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ بِثَوْبٍ إلَى رَجُلٍ وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ : هَذَا وَدِيعَةٌ عِنْدَك وَسَكَتَ الْآخَرُ صَارَ مُودَعًا فَلَوْ ذَهَبَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثُمَّ ذَهَبَ الْآخَرُ بَعْدَهُ وَتَرَكَ الثَّوْبَ ثَمَّةَ وَضَاعَ الثَّوْبُ كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ هَذَا قَبُولٌ مِنْهُ لِلْوَدِيعَةِ عُرْفًا وَكَذَا لَوْ وَضَعَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا أَوْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ ضَامِنًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ هَذَا إيدَاعٌ عُرْفًا .
وَلَوْ قَالَ الْجَالِسُ : لَا أَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ فَوَضَعَ الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَذَهَبَ وَضَاعَ الثَّوْبُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالرَّدِّ فَلَا يَصِيرُ مُودَعًا بِدُونِ الْقَبُولِ وَلَوْ قَالَ : لَا أَقْبَلُ حَتَّى لَمْ يَصِرْ مُودَعًا وَمَعَ ذَلِكَ تَرَكَ الثَّوْبَ مَالِكُهُ فَذَهَبَ ثُمَّ رَفَعَهُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ وَأَدْخَلَهُ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْإِيدَاعُ صَارَ غَاصِبًا بِرَفْعِهِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
وَضَعَ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَمْ يَحْفَظْهُ حَتَّى ضَاعَ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْحِفْظَ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
وَإِذَا قَالَ ضَعْهُ فِي هَذَا الْجَانِبِ مِنْ بَيْتِي إلَّا أَنِّي لَا أَلْزَمُ حِفْظَهُ يَصِيرُ مُودَعًا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ .
وَفِيهَا عَنْ عَيْنِ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيِّ وَضَعَ عِنْدَهُ شَيْئًا وَقَالَ لَهُ : احْفَظْهُ حَتَّى أَرْجِعَ فَصَاحَ لَا أَحْفَظُهُ وَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُودَعًا وَيَضْمَنُ إنْ تَرَكَ حِفْظَهُ .
وَعَنْ أَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيُّ لَا يَصِيرُ مُودَعًا وَلَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ انْتَهَى أَقُولُ : وَبِقَوْلِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ نَأْخُذُ .
حَمَلَتْ زَوْجَةُ الِابْنِ إلَى دَارِ أَبِيهِ خَالِيَةً فَأَخَذَهَا إلَّا عَوْنَةً وَقَصَّرَ الصِّهْرُ فِي الْمَنْعِ مِنْهُمْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ يَضْمَنُ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَقَدْ جَعَلَهُ مُودَعًا بِدُونِ تَصْرِيحٍ بِالْإِيدَاعِ دُونَ أَهْلِهِ وَخَدَمِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْقَيِّمُ فِي الدَّارِ وَالْمُتَصَرِّفُ فَتَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ مِنْ الْقُنْيَةِ .
قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَجْلِسِ وَتَرَكَ كِتَابَهُ أَوْ مَتَاعَهُ فَالْبَاقُونَ مُودَعُونَ حَتَّى لَوْ قَامُوا جَمِيعًا وَتَرَكُوهُ فَضَاعَ ضَمِنُوا جَمِيعًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا تَرَكَ عِنْدَهُمْ فَقَدْ اسْتَحْفَظَهُمْ فَإِذَا قَامُوا فَقَدْ تَرَكُوا الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ وَإِنْ قَامَ الْقَوْمُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى آخِرِهِمْ لِأَنَّ الْآخِرَ تَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ فَتَعَيَّنَ لِلضَّمَانِ .
وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْخَانِ بِدَابَّةٍ وَقَالَ لِصَاحِبِ الْخَانِ : أَيْنَ أَرْبِطُهَا ؟ فَقَالَ صَاحِبُ الْخَانِ : ارْبِطْهَا هُنَاكَ فَرَبَطَ وَذَهَبَ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَلَمْ يَجِدْ الدَّابَّةَ فَقَالَ صَاحِبُ الْخَانِ : إنَّ صَاحِبَك أَخْرَجَ الدَّابَّةَ لِيَسْقِيَهَا وَلَمْ يَكُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ صَاحِبٌ كَانَ صَاحِبُ الْخَانِ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَيْنَ أَرْبِطُ الدَّابَّةَ ؟ اسْتِيدَاعٌ عُرْفًا وَقَوْلُ صَاحِبِ الْخَانِ هُنَاكَ قَبُولٌ لِلْوَدِيعَةِ مِنْ قَاضِي خَانْ الْوَجِيزِ .
وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ وَلَوْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَقَالَا : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ إلَّا إذَا كَانَ الِاسْتِحْفَاظُ بِأَجْرٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ فَيَتَعَيَّنُ لِلْحِفْظِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْمُخْتَارِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخِلَافِ وَإِطْلَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى الْوِفَاقِ .
وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُودِعَ بِلَا إذْنٍ وَلَا يُصَدِّقَ عَلَى دَعْوَى الْإِذْنِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ إيدَاعٌ إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحِرْزَ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ فَلَوْ أَوْدَعَهَا آخَرُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَهَلَكَتْ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ الْأَوَّلَ لَا الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَهُ أَنْ يَضْمَنَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ ضَمِنَ الْآخَرُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُؤَاجِرَ الْوَدِيعَةَ وَيَرْهَنَ مِنْ عَارِيَّةٍ الْكَنْزِ .
وَفِي الْعَارِيَّةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ : الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَلَا تُرْهَنُ فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا ضَمِنَ ا هـ .
وَفِيهَا مِنْ الْوَدِيعَةِ الْمُودَعُ إذَا سَافَرَ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ السَّفَرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ ا هـ .
وَإِذَا شَرَطَ الْمُودِعُ شَرْطًا مُفِيدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَتَقَيَّدُ بِهِ أَكَّدَ بِالنَّهْيِ أَوْ لَا فَلَوْ قَالَ : احْفَظْهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ فَيَتَقَيَّدُ بِالشَّرْطِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ لَوْ أَحْرَزَ أَوْ سَوَاءٌ وَلَوْ أَكَّدَ بِالنَّهْيِ وَقِيلَ : يَضْمَنُ لَوْ لَمْ يَحْتَجْ فِي وَضْعِهَا دَارًا أُخْرَى لَا لَوْ احْتَاجَ إذْ التَّعْيِينُ يَلْغُو حِينَئِذٍ إذْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ حِفْظُ مَالِهِ بِطَرِيقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ا هـ .
وَهَكَذَا لَوْ قَالَ : لَا تُسَافِرْ بِهَا فَسَافَرَ بِهَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ إذْ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ فَكَانَ صَحِيحًا مِنْ الْهِدَايَةِ .
شَرَطَ شَرْطًا مُفِيدًا مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ وَجْهٍ تَقَيَّدَ بِهِ لَوْ أَكَّدَ وَإِلَّا لَا فَلَوْ عَيَّنَ بَيْتًا مِنْ دَارٍ فَحُفِظَ فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْهَا قِيلَ : لَوْ أَكَّدَ بِالنَّهْيِ كَقَوْلِهِ لَا تَحْفَظْ إلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ ضَمِنَ لَا لَوْ لَمْ يُؤَكِّدْ وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ لَوْ أَحْرَزَ أَوْ سَوَاءٌ وَلَوْ أَكَّدَ وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا إذْ الْبَيْتَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ قَلَّمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ ظَاهِرًا بِأَنْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي فِيهَا الْبَيْتَانِ عَظِيمَةً وَاَلَّذِي نَهَاهُ عَنْ الْحِفْظِ فِيهِ عَوْرَةٌ ظَاهِرَةٌ صَحَّ الشَّرْطُ فَيَضْمَنُ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ فَلَا يُفِيدُ الشَّرْطُ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا قَالَ الْمُودَعُ لِلْمُودِعِ : احْفَظْ الْوَدِيعَةَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الدَّارِ فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ ظَهْرُ الْبَيْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إلَى السِّكَّةِ يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ لَهُ : احْفَظْهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْأُخْرَى
مِثْلَ الْأُولَى أَوْ أَحْرَزَ مِنْهَا لَا يَضْمَنُ هَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَحْرَزَ مِنْ الْأُولَى .
وَلَوْ قَالَ : لَا تَضَعْهَا فِي الْحَانُوتِ فَوَضَعَهَا فَسُرِقَتْ لَيْلًا إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُهُ أَحْرَزَ مِنْ الْحَانُوتِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَكَانٌ آخَرُ أَحْرَزُ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ ا هـ وَلَوْ شَرَطَ شَرْطًا لَا يُفِيدُ أَصْلًا لُغِيَ أَكَّدَ أَوْ لَا كَتَعْيِينِ صُنْدُوقٍ بِبَيْتٍ وَلَوْ قَالَ : ضَعْهَا فِي كِيسِك فَوَضَعَ فِي صُنْدُوقِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ قَالَ : لَا تَضَعْ فِي الْحَانُوتِ فَإِنَّهُ مَخُوفٌ فَوَضَعَهَا فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ أَحْرَزُ مِنْهُ وَإِذَا قَالَ لِلْمُودَعِ : لَا تُخْرِجْهَا مِنْ الْمِصْرِ فَخَرَجَ بِهَا ضَمِنَ إذْ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ بَلَغَ فَيُقَيَّدُ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ أَوْ يَخَافَ التَّلَفَ فَلَوْ أَمْكَنَهُ الْحِفْظُ فِي الْمِصْرِ مَعَ السَّفَرِ بِأَنْ يَتْرُكَ قِنَّهُ فِي الْمِصْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لَوْ سَافَرَ بِهَا وَأَمَّا إنْ احْتَاجَ إلَى نَقْلِ الْعِيَالِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ فَسَافَرَ بِهَا لَا يَضْمَنُ وَهَذَا لَوْ عَيَّنَ الْمَكَانَ وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ بِأَنْ قَالَ : احْفَظْ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ فِي مَكَانِ كَذَا فَسَافَرَ فَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَوْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَقَدْ أُمِرَ بِالْحِفْظِ مُطْلَقًا لَوْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ السَّفَرِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي أُودِعَهُ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ السَّفَرِ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ لَوْ بَعِيدًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ فِي الْحَالَيْنِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
امْرَأَةٌ قَالَتْ لِأَكَّارِهَا : لَا تَطْرَحْ الْبُرَّ فِي مَنْزِلِك فَوَضَعَهُ الْأَكَّارُ فِي مَنْزِلِهِ فَجَنَى الْأَكَّارُ جِنَايَةً وَهَرَبَ فَرَفَعَ السُّلْطَانُ مَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ : إنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْبَيْدَرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَكَّارِ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْكَدْسِ وَتَحْصِينَهُ يَكُونُ عَلَى الْأَكَّارِ فَإِذَا طَرَحَهُ فِي مَوْضِعِ الْكُدْسِ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْدَرِ وَأَخَفَّ مُؤْنَةٍ لَا يَضْمَنُ .
إذَا قَالَ الْمُودَعُ : وَضَعْت الْوَدِيعَةَ فِي مَكَانٍ حَصِينٍ وَنَسِيت قَالَ بَعْضُهُمْ : كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ جَهِلَ الْأَمَانَةَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ مَاتَ مَجْهُولًا وَهُوَ كَرَجُلٍ عِنْدَهُ غَنَمٌ لِقَوْمٍ اخْتَلَطَتْ وَلَا يَعْرِفُهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إنْ قَالَ : وَضَعْتُ الْوَدِيعَةَ فِي دَارِي وَنَسِيت الْمَكَانَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَلَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي وَضَعْتُهَا فِي دَارِي أَوْ فِي بَيْتٍ آخَرَ كَانَ ضَامِنًا وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَلَوْ قَالَ : وَضَعْت الْوَدِيعَةَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي مَكَانٍ ثُمَّ قُمْت وَنَسِيتهَا أَوْ قَالَ : سَقَطَتْ مِنِّي قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ : يَضْمَنُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : إنْ قَالَ سَقَطَتْ مِنِّي لَا يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ : بيفكندم يَكُونُ ضَامِنًا وَلَوْ قَالَ : بيفتاداز مِنْ لَا يَضْمَنُ وَقَالَ الْفَقِيهُ : قَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إذَا قَالَ : ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي عُرْفِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ بيفكندم أَوْ قَالَ : بيفتاداز مِنْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ قَاضِي خَانْ وَفِي مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
لَوْ قَالَ الْمُودَعُ : سَقَطَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ : بيفتاداز مِنْ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ : سَقَطَتْ أَوْ قَالَ بيفكندم يَضْمَنُ كَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي فَتَاوِيهِ وَطَعَنُوا وَقَالُوا : مُجَرَّدُ الْإِسْقَاطِ لَيْسَ بِسَبَبِ الضَّمَانِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهَا ثُمَّ رَفَعَهَا وَلَمْ يَبْرَحْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ فَهَاهُنَا لَا يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَسْقَطْت بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ : أَسْقَطْت وَتَرَكْت أَوْ يَقُولَ : أَسْقَطْت وَذَهَبَتْ أَوْ يَقُولَ : أَسْقَطْت فِي الْمَاءِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ سَقَطَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّهَا إنَّمَا سَقَطَتْ لِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ .
وَفِي فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ إذَا قَالَ : سَقَطَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ قَالَ بيفكندم يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ بيفتادو بيفكندم انْتَهَى مَا فِي الْمُشْتَمِلِ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ أَسْقَطْتهَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ بِالْإِسْقَاطِ إذَا لَمْ يَتْرُكْهَا وَلَمْ يَذْهَبْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ .
وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ ضَامِنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَهَبَتْ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ قَالَ ذَهَبَتْ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ أَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ .
رَجُلٌ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَقَالَ : لَا أَدْرِي أَضَاعَتْ أَمْ لَمْ تَضِعْ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ لَا : أَدْرِي أَضَيَّعْتهَا أَوْ لَمْ أُضَيِّعْ قَالُوا : يَكُونُ ضَامِنًا .
وَلَوْ قَالَ : ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدِي ثُمَّ قَالَ : رَدَدْت الْوَدِيعَةَ عَلَيْك يَضْمَنُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ .
رَجُلٌ أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلٍ زِنْبِيلًا فِيهِ الْآلَةُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ فِيهِ قَدُومٌ وَطَلَبَهُ مِنْهُ فَقَالَ الْمُودَعُ : لَا أَدْرِي مَا كَانَ فِيهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ حَتَّى يُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ رَفَعَهُ أَوْ ضَيَّعَهُ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ .
نَجَّارٌ أَوْدَعَ كِيسًا فِيهِ دَرَاهِمُ عِنْدَ رَجُلٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ الزِّيَادَةَ قَالُوا : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ حَتَّى يَدَّعِيَ عَلَيْهِ التَّضْيِيعَ أَوْ الْخِيَانَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ .
وَعَنْ نُصَيْرٍ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى ابْنِ شُجَاعٍ فِي مُودَعٍ يَقُولُ : دَفَنْت الْوَدِيعَةَ وَنَسِيت مَوْضِعَهَا فَأَجَابَ وَقَالَ : إنْ دَفَنَهَا فِي دَارِهِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ دَفَنَهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ ضَمِنَ قِيلَ : وَإِنْ دَفَنَهَا فِي كَرْمِهِ فَسُرِقَ قَالَ : إنْ كَانَ لَهُ بَابٌ فَلَيْسَ بِتَضْيِيعٍ وَإِلَّا فَهُوَ تَضْيِيعٌ وَكَذَا الدَّارُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَابٌ مِنْ قَاضِي خَانْ إذَا قَالَ الْمُودَعُ : دَفَنْت الْوَدِيعَةَ فِي مَكَانِ كَذَا فَنَسِيت إنْ كَانَ دَارًا أَوْ كَرْمًا وَلَهُ بَابٌ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ : وَضَعْت الْوَدِيعَةَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي دَارِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا لَا يُحْفَظُ فِي عَرْصَةِ الدَّارِ وَعَرْصَةُ الدَّارِ لَا تُعَدُّ حِرْزًا لَهُ كَصُرَّةِ ذَهَبٍ وَنَحْوِهَا يَضْمَنُ وَإِذَا كَانَتْ مِمَّا تُعَدُّ الدَّارُ حِرْزًا لَهَا لَا يَضْمَنُ وَلَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي وَضَعْتُهَا فِي دَارِي أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَضْمَنُ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْت الْوَدِيعَةَ وَقَبَضْت ثَمَنَهَا لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَقُلْ دَفَعْتُهَا إلَيْهِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
أُودِعَ عِنْدَهُ مَا وَقَعَ فِيهِ السُّوسُ فَلَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى وَقَعَ فِيهِ السُّوسُ وَأَفْسَدَهُ لَا يَضْمَنُ .
وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي الدَّارِ وَخَرَجَ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ فَسُرِقَتْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ وَالْمُودَعُ فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ حِسَّ الدَّاخِلِ لَا يَضْمَنُ .
مُودِعُ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
الْمُودَعُ يَلْبَسُ الْوَدِيعَةَ وَيَنْزِعُهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا كَثَوْبِ نَفْسِهِ فَهَلَكَ فِي غَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَضْمَنُ .
أَوْدَعَهُ دَنَانِيرَ وَسَأَلَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ دَرَاهِمَ فَوَضَعَ الْمُودَعُ الدَّنَانِيرَ فِي حِجْرِهِ لِيَحْمِلَ لَهُ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَهَا فَضَاعَتْ يَضْمَنُ .
أَوْدَعَهُ سِكِّينًا فَجَعَلَهَا فِي سَاقِ خُفِّهِ لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْحِفْظِ .
الْمُودَعُ إذَا فَتَحَ الْكُورَةَ فِي الشِّتَاءِ وَتَرَكَهَا مَفْتُوحَةً فَهَلَكَتْ الْفَوَاكِهُ والبطاطيخ الْمُودَعَةُ يَضْمَنُ إنْ جُحِدَتْ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَلَا .
أُودِعَ قَرَاطِيسَ فَوَضَعَهَا فِي الصُّنْدُوقِ ثُمَّ وَضَعَ فَوْقَهُ مَاءً لِيَشْرَبَهُ فَتَقَاطَرَ الْمَاءُ عَلَيْهَا فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ .
وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي دَارِهِ وَيَدْخُلُهَا أُنَاسٌ كَثِيرَةٌ فَضَاعَتْ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُحْفَظُ فِي الدَّارِ مَعَ دُخُولِهِمْ لَا يَضْمَنُ وَالذَّهَبُ يُضْمَنُ .
أُودِعَ عَامِلُ الْوَالِي مَالًا فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ فِي أَيَّامِ السُّلْطَانِ نَقَلَ أَمْتِعَتَهُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ وَتَوَارَى فَأُغِيرَ عَلَى بَيْتِهِ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ وَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ أَمْتِعَتِهِ فِي بَيْتِهِ مِنْ الْقُنْيَةِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ : وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي تَضْيِيعِهِ مَالَ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مَعْذُورًا فِي مَالِ غَيْرِهِ .
وَلَوْ قَالَ : دَفَنْت الْوَدِيعَةَ فِي مَكَانٍ حَصِينٍ وَنَسِيت الْمَوْضِعَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَقَدْ مَرَّتْ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَكَانَ وَلَكِنَّهُ قَالَ سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْمَكَانِ الْمَدْفُونِ فِيهِ لَا يَضْمَنُ .
الْمُودَعُ إذَا دَفَنَ الْوَدِيعَةَ فِي الْأَرْضِ إنْ جَعَلَ هُنَاكَ عَلَامَةً لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ وَفِي الْمَفَازَةِ يَضْمَنُ جَعَلَ هُنَاكَ عَلَامَةً أَوْ لَمْ يَجْعَلْ وَلَوْ دَفَنَ فِي الْكَرْمِ إنْ كَانَ حَصِينًا بِأَنْ كَانَ لَهُ بَابٌ مُغْلَقٌ لَا يَضْمَنُ وَقَدْ مَرَّتْ وَلَوْ وَضَعَهَا وَلَمْ يَدْفِنْهَا إنْ وَضَعَهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يَدْخُلُ إلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بِالِاسْتِئْذَانِ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ تَوَجَّهَتْ اللُّصُوصُ نَحْوَ الْمُودَعِ فِي الْمَفَازَةِ فَدَفَنَ الْوَدِيعَةَ كَيْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ فَلَمَّا رَجَعَ لَمْ يَظْفَرْ بِالْمَكَانِ الَّذِي دَفَنَهَا فِيهِ إنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ هُنَاكَ عَلَامَةً فَلَمْ يَفْعَلْ يَضْمَنُ وَإِذَا أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ فِي أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْخَوْفِ فَلَمْ يَعُدْ ثُمَّ جَاءَ وَلَمْ يَجِدْ الْوَدِيعَةَ يَضْمَنُ أَيْضًا فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ مَعَهُ يَذْهَبَانِ جُمْلَةً فَلَمَّا تَوَجَّهَتْ اللُّصُوصُ قَالَ لَهُ مَالِكُهَا : ادْفِنْهَا فَدَفَنَهَا فَلَمَّا ذَهَبَتْ اللُّصُوصُ لَمْ تُوجَدْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ .
وَإِذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي بَيْتٍ خَرَابٍ فِي زَمَانِ الْفِتْنَةِ فَإِنْ وَضَعَهَا عَلَى الْأَرْضِ يَضْمَنُ وَإِنْ جَعَلَهَا تَحْتَ التُّرَابِ لَا يَضْمَنُ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
سُوقِيٌّ قَامَ لِلصَّلَاةِ مِنْ الْحَانُوتِ وَفِي الْحَانُوتِ وَدَائِعُ فَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُ الْحَانُوتِ لِأَنَّهُ حَافِظٌ بِجِيرَانِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُضَيِّعًا وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْهُ إيدَاعًا لِلْوَدِيعَةِ بَلْ هُوَ حَافِظٌ بِنَفْسِهِ فِي الْحَانُوتِ وَحَانُوتُهُ مُحْرِزٌ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مَا يَدُلُّ عَلَى الضَّمَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَارٌ يَحْفَظُ يَضْمَنُ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ وَتَرَكَ بَابَ حَانُوتِهِ مَفْتُوحًا وَأَجْلَسَ عَلَى بَابِ الدُّكَّانِ ابْنًا صَغِيرًا لَهُ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الْحِفْظَ بَرِئَ وَإِلَّا ضَمِنَ .
وَفِي فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ بَرِئَ عَلَى كُلِّ حَالٍ إذْ تَرَكَهَا فِي الْحِرْزِ فَلَمْ يُضَيِّعْ انْتَهَى .
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ جَوَاهِرَ لِيَبِيعَهَا فَقَالَ الْقَابِضُ : أَنَا أُرِيهَا تَاجِرًا لِأَعْرِفَ قِيمَتَهَا فَضَاعَتْ الْجَوَاهِرُ قَبْل أَنْ يُرِيَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ : إنْ ضَاعَتْ أَوْ سَقَطَتْ بِحَرَكَتِهِ يَكُونُ ضَامِنًا وَإِنْ سُرِقَتْ مِنْهُ أَوْ بِمُزَاحَمَةٍ أَصَابَتْهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ انْتَهَى .
رَجُلَانِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ وَدِيعَةً وَيَقُولُ : أَوْدَعْت عِنْدَهُ كَذَا فَقَالَ الْمُودَعُ : لَا أَدْرِي أَيُّكُمَا اسْتَوْدَعَنِي فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ أَعْطَى الْوَدِيعَةَ لَهُمَا وَيَضْمَنُ لَهُمَا مِثْلَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْوَدِيعَةَ بِالتَّجْهِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ ذَهَابَهَا لَيْسَ بِفِعْلِهِ وَجَهْلُهُ عَائِدٌ إلَيْهِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
رَجُلٌ فِي يَدِهِ أَلْفٌ فَادَّعَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ وَأَنْكَرَ حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَبِأَيِّهِمَا بَدَأَ الْقَاضِي جَازَ فَإِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي فَإِنْ حَلَفَ لَا شَيْءَ لَهُمَا وَإِنْ نَكَلَ لِلثَّانِي يَقْضِي لَهُ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَإِنْ نَكَلَ لِلْأَوَّلِ لَا يَقْضِي لَهُ حَتَّى يَحْلِفَ لِلثَّانِي لِيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ هَلْ هُوَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ بِنَفْسِهِ وَالنُّكُولُ إنَّمَا يَصِيرُ حُجَّةً عِنْدَ الْقَضَاءِ فَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا بِالْأَلْفِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيَغْرَمُ أَلْفًا أُخْرَى بَيْنَهُمَا فَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ ذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِلثَّانِي فَإِنْ نَكَلَ يَقْضِي بَيْنَهُمَا بِالْأَلْفِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ وَلِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : يَقْضِي لِلْأَوَّلِ وَلَا يَنْظُرُ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا دَلَالَةً مِنْ الْهِدَايَةِ .
امْرَأَةٌ عِنْدَهَا وَدِيعَةٌ فَأَوْدَعَتْهَا رَجُلًا ثُمَّ قَبَضَتْهَا وَأَوْدَعَتْ آخَرَ فَقَبَضَتْهَا وَفَقَدَتْ شَيْئًا مِنْهَا فَقَالَتْ : ذَهَبَ وَلَا أَدْرِي أَيُّكُمَا أَصَابَهُ وَقَالَا : لَا نَدْرِي مَا فِي وِعَائِك وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْك فَهِيَ تَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَتَاعِ قِيمَتَهُ لِتَعَدِّيهَا بِالْإِيدَاعِ وَلَوْ صَالَحَتْهُمَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ الصُّلْحُ كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ .
وَلَوْ نَامَ الْمُودَعُ وَوَضَعَهَا تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ بِجَنْبِهِ يَبْرَأُ وَكَذَا لَوْ وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالُوا : إنَّمَا يَبْرَأُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَوْ نَامَ قَاعِدًا أَمَّا لَوْ نَامَ مُضْطَجِعًا يَضْمَنُ فِي الْحَضَرِ لَا فِي السَّفَرِ وَعَنْ الْبَعْضِ لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ مِنْ السَّرِقَةِ لَوْ نَامَ الْمُودَعُ وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ انْتَهَى .
وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي كِيسِهِ أَوْ شَدَّهَا فِي التِّكَّةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ .
جَعَلَ ثِيَابَ الْوَدِيعَةِ تَحْتَ جَنْبِهِ لَوْ قَصَدَ بِهِ التَّرَفُّقَ ضَمِنَ لَا لَوْ قَصَدَ الْحِفْظَ وَلَوْ جَعَلَ الْكِيسَ تَحْتَ جَنْبِهِ يَبْرَأُ مُطْلَقًا .
جَعَلَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ فِي خُفِّهِ ضَمِنَ فِي الْأَيْمَنِ لَا فِي الْأَيْسَرِ لِأَنَّهَا فِي الْيَمِينِ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ عِنْدَ الرُّكُوبِ وَقِيلَ : يَبْرَأُ مُطْلَقًا وَكَذَا لَوْ رَبَطَهَا فِي طَرْفِ كُمِّهِ أَوْ عِمَامَتِهِ وَكَذَا لَوْ شَدَّ الدَّرَاهِمَ فِي مِنْدِيلٍ وَوَضَعَهَا فِي كُمِّهِ يَبْرَأُ .
وَلَوْ أَلْقَى دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ فِي جَيْبِهِ وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيهِ لَا يَضْمَنُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَلْقَى دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ فِي جَيْبِهِ وَلَمْ تَقَعْ فِي جَيْبِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيهِ فَضَاعَتْ يَضْمَنُ وَهَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ .
امْرَأَةٌ تَرَكَتْ وَلَدَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ بِأَلْفَيْ هَجّ دَارِي حَتَّى أَرْجِعَ فَذَهَبَتْ وَتَرَكَتْهُ فَوَقَعَ الصَّغِيرُ فِي النَّارِ فَعَلَيْهَا الدِّيَةُ لِلْأُمِّ وَسَائِرِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَحْفَظُ نَفْسَهُ وَلَوْ أُودِعَتْ صَبِيَّةً فَوَقَعَتْ فِي الْمَاءِ فَمَاتَتْ فَإِنْ غَابَتْ عَنْ بَصَرِهَا ضَمِنَتْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ مِنْ الْقُنْيَةِ .
إذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ شَيْئًا فَافْتَرَشَهُ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ ثُمَّ زَالَ التَّعَدِّي وَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا يَبْرَأُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ : الْمُودَعُ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ إنَّمَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ فِي الْعَوْدِ فَإِنْ كَذَّبَهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ وَلَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِالْحِفْظِ شَهْرًا فَمَضَى شَهْرٌ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ وَعَادَ إلَى الْحِفْظِ لَا يَبْرَأُ إذْ عَادَ وَأَمْرُ الْحِفْظِ غَيْرُ قَائِمٍ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
قَوْمٌ دَفَعُوا إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لِيَرْفَعَ الْخَرَاجَ عَنْهُمْ فَأَخَذَهَا وَشَدَّهَا فِي مِنْدِيلِهِ فَوَضَعَهُ فِي كُمِّهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَذَهَبَتْ مِنْهُ الدَّرَاهِمُ وَلَا يَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَأَصْحَابُ الْمَالِ لَا يُصَدِّقُونَهُ قَالُوا : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ : ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ وَثَمَّةَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَكَذَا هُنَا مِنْ قَاضِي خَانْ .
إذَا جَعَلَ الْوَدِيعَةَ فِي جَيْبِهِ وَحَضَرَ مَجْلِسَ الْفِسْقِ وَسُرِقَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَمُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
جَعَلَ الْوَدِيعَةَ فِي جَيْبِهِ وَحَضَرَ مَجْلِسَ الْفِسْقِ فَضَاعَتْ بَعْدَمَا سَكِرَ بِسَرِقَةٍ أَوْ سُقُوطٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ حَفِظَهَا فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا إذَا لَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ أَمَّا إذَا زَالَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ مَالِهِ يَصِيرُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْحِفْظِ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ مُضَيِّعًا أَوْ مُودِعًا غَيْرَهُ مِنْ قَاضِي خَانْ .
اشْتَرَى بِطِّيخَةً وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْبَائِعِ حَتَّى يَرْجِعَ ثُمَّ غَابَ وَخِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ فَلِلْبَائِعِ بَيْعُهَا دُونَ أَكْلِهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ مِنْ الْقُنْيَةِ .
إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا مِنْ الصُّوفِ وَالْمَالِكُ غَائِبٌ فَخِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَبِيعَهُ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ حَتَّى فَسَدَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ حِنْطَةً فَأَفْسَدَتْهَا الْفَأْرَةُ وَقَدْ اطَّلَعَ الْمُودَعُ عَلَى ثُقْبٍ مَعْرُوفٍ فَإِنْ أَخْبَرَ صَاحِبَ الْحِنْطَةِ أَنَّ هَاهُنَا ثُقْبَ الْفَأْرَةِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ بَعْدَمَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَسُدَّهُ كَانَ ضَامِنًا .
وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَابَّةً فَأَصَابَهَا شَيْءٌ فَأَمَرَ الْمُودَعُ رَجُلًا لِيُعَالِجَهَا فَعَالَجَهَا فَعَطِبَتْ فِي ذَلِكَ فَصَاحِبُ الدَّابَّةِ بِالْخِيَارِ يُضَمَّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُودَعُ لَا يَرْجِعُ الْمُودَعُ عَلَى الَّذِي عَالَجَهَا بِأَمْرِهِ وَإِنْ ضَمِنَ الَّذِي عَالَجَهَا إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ عَلِمَ وَقْتَ الْمُعَالَجَةِ أَنَّ الدَّابَّةَ لِغَيْرِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ وَعَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ لَمْ يَأْمُرْ الْمُودَعَ بِذَلِكَ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا لَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُودَعِ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُودَعِ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ .
رَجُلٌ أَوْدَعَ عِنْدَ فامي ثِيَابًا فَوَضَعَهَا الفامي فِي حَانُوتِهِ وَكَانَ السُّلْطَانُ يَأْخُذُ النَّاسَ بِمَالٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ جَعَلَهُ وَظِيفَةً عَلَيْهِمْ فَأَخَذَ السُّلْطَانُ ثِيَابَ الْوَدِيعَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَظِيفَةِ وَرَهَنَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ فَسُرِقَتْ قَالُوا : إنْ كَانَ الفامي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِ السُّلْطَانِ مِنْ رَفْعِهَا لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَيَضْمَنُ الْمُودَعُ ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَهَنُ الْغَاصِبِ فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ إنْ شَاءَ ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَارِثُ الْمُودَعِ إذَا دَلَّ السُّلْطَانُ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَا يَضْمَنُ وَالْمُودَعُ إذَا دَلَّ يَضْمَنُ وَفِي وَصَايَا الْجَامِعِ لِلْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهُ الْمُودَعُ إذَا دَلَّ إنْسَانًا عَلَى الْوَدِيعَةِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ الْمَدْلُولَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَخْذِ حَالَةَ الْأَخْذِ أَمَّا إذَا مَنَعَهُ لَا يَضْمَنُ خُلَاصَةً .
رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ الْجَائِرُ : إنْ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ هَذَا الْمَالَ حَبَسْتُك شَهْرًا أَوْ ضَرَبْتُك ضَرْبًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ فَإِنْ دَفَعَ كَانَ ضَامِنًا وَإِنْ قَالَ لَهُ : إنْ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ الْمَالَ أَقْطَعْ يَدَك وَأَضْرِبْكَ خَمْسِينَ سَوْطًا فَدَفَعَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّ دَفْعَ مَالَ الْغَيْرِ إلَى الْجَائِرِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفَ عُضْوِهِ وَالضَّرْبُ الْمُتَوَالِي يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ .
رَجُلٌ رَفَعَ الْوَدِيعَةَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ الْمُودَعُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ : إنْ أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فَلَمْ يَدْفَعْ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الدَّفْعِ بِأَنْ كَانَ يَخَافُ مِنْ إعَارَتِهِ وَضَرَرِهِ لَا يَضْمَنُ .
الْمُودَعُ إذَا رَبَطَ سِلْسِلَةً عَلَى بَابِ خَزَائِنِهِ فِي خَانٍ بِحَبْلٍ وَلَمْ يُقَفِّلْهُ فَخَرَجَ فَسُرِقَتْ وَدِيعَتُهُ قَالُوا : إنْ عُدَّ هَذَا إغْفَالًا وَإِهْمَالًا كَانَ ضَامِنًا وَإِلَّا فَلَا .
إذَا سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ دَارِ الْمُودَعِ وَبَابُ الدَّارِ مَفْتُوحٌ وَالْمُودَعُ غَائِبٌ عَنْ الدَّارِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ كَانَ ضَامِنًا قِيلَ : لَوْ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ دَخَلَ كَرْمَهُ أَوْ بُسْتَانَه وَهُوَ مُتَلَازِقٌ بِالدَّارِ قَالَ : إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ وَلَا يَسْمَعُ فِي مَوْضِعِ الْحِسِّ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ هَذَا تَضْيِيعٌ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ : إذَا لَمْ يَكُنْ أَغْلَقَ الْبَابَ فَسُرِقَتْ مِنْهَا الْوَدِيعَةُ لَا يَضْمَنُ يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الدَّارِ حَافِظًا مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْخِزَانَةِ خَرَجَ الْمُودَعُ وَتَرَكَ الْبَابَ مَفْتُوحًا ضَمِنَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ وَلَمْ يَكُنْ الْمُودَعُ فِي مَكَان يَسْمَعُ حِسَّ الدَّاخِلِ انْتَهَى .
وَفِي الْخُلَاصَةِ مُودِعٌ غَائِبٌ عَنْ بَيْتِهِ وَدَفَعَ مِفْتَاحَ الْبَيْتِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجْعَلْ الْبَيْتَ فِي يَدِ غَيْرِهِ انْتَهَى .
إذَا رَبَطَ الْمُودَعُ الدَّابَّةَ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَتَرَكَهَا وَدَخَلَ الدَّارَ فَضَاعَتْ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهَا فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقُرَى لَا يَضْمَنُ وَإِنْ رَبَطَهَا فِي الْكَرْمِ أَوْ عَلَى رَأْسِ الْمَبْطَخَةِ وَذَهَبَ قِيلَ إنْ غَابَتْ عَنْ بَصَرِهِ يَضْمَنُ وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي هَذَا وَأَجْنَاسِهِ وَذَكَرَ فِي الْعُدَّةِ : لَوْ جَعَلَهَا فِي الْكَرْمِ فَضَاعَتْ إنْ كَانَ حَائِطُ الْكَرْمِ بِحَيْثُ لَا يَرَى الْمَارَّةُ مَا فِي الْكَرْمِ لَا يَضْمَنُ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ وَإِلَّا يَضْمَنُ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
لَبِسَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ وَدَخَلَ الْمُشَرَّعَةَ لِيَخُوضَ الْمَاءَ فَنَزَعَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى أَلْوَاحِ الْمُشَرَّعَةِ فَلَمَّا انْغَمَسَ سُرِقَ الثَّوْبُ لَمْ يَضْمَنْ لِعَوْدِهِ إلَى الْوِفَاقِ بِنَزْعِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ لَوْ لَبِسَ الْمِخْيَطَ فَنَزَعَهُ فَلَبِسَهُ ثَانِيًا لَوْ نَزَعَهُ عَلَى قَصْدِ اللِّبْسِ يَتَّحِدُ الْجَزَاءُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِعْ وَإِلَّا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْرَأَ لِنَزْعِهِ عَلَى قَصْدِ اللِّبْسِ .
الْمُودَعُ لَوْ لَبِسَ قَمِيصَ الْوَدِيعَةِ بِلَا إذْنٍ فَنَزَعَهُ بِاللَّيْلِ لِلنَّوْمِ فَسُرِقَ فَلَوْ مِنْ قَصْدِهِ لِبْسُهُ مِنْ الْغَدِ فَلَيْسَ يَعُودُ إلَى الْوِفَاقِ وَلَوْ قَصَدَ تَرْكَهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ فَيَبْرَأُ .
جادر شِبْ وديعت رابربام بردوتستر وَنَشَرَهَا بِهِ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَأَعَادَتْهَا إلَى مَا كَانَتْ فِيهِ مِنْ الْبَيْتِ قِيلَ : يَبْرَأُ وَقِيلَ : لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْقَصْدِ عَلَى تَرْكِ التَّعَدِّي .
وَضَعَ طَبَقَ الْوَدِيعَةِ عَلَى رَأْسِ الْخَابِيَةِ لَوْ فِيهَا شَيْءٌ يَحْتَاجُ إلَى التَّغْطِيَةِ كَالدَّقِيقِ وَنَحْوِهِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ صِيَانَةٍ لِمَا فِيهَا .
وَلَوْ وَضَعَ ثَوْبًا عَلَى عَجِينٍ ضَمِنَ لِلِاسْتِعْمَالِ .
وَضَعَ الطَّشْتَ عَلَى رَأْسِ التَّنُّورِ ضَمِنَ لَوْ قَصَدَ التَّغْطِيَةَ وَإِلَّا لَا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَوَّلِ لَا فِي الثَّانِي مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ وَضَعَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْعَجِينِ ضَمِنَ انْتَهَى .
وَارِثُ الْمُودَعِ إذَا فَتَحَ بَابَ الْإِصْطَبْلِ أَوْ حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ يَضْمَنُ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
الْمُودَعُ إذَا حَفِظَ الْوَدِيعَةَ فِي حِرْزٍ لَيْسَ فِيهِ مَالُهُ يَضْمَنُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ حِرْزُ غَيْرِهِ أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا لِنَفْسِهِ وَحَفِظَ فِيهِ الْوَدِيعَةَ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالُهُ .
الْمُودَعُ إذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فِي الْمِصْرِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ فِيهِ وَسَافَرَ وَتَرَكَهَا فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ .
سَيَّبَ دَابَّةَ الْوَدِيعَةِ فِي الصَّحْرَاءِ هَلْ يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ ؟ لَا رِوَايَةَ لَهَا فِي الْكُتُبِ فَقِيلَ : يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ بِالْإِرْسَالِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ : لَا يَضْمَنُ إذْ لَوْ مَاتَتْ فِي الْإِصْطَبْلِ لَمْ يَضْمَنْ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَاعَتْ أَوْ أَكَلَهَا الذِّئْبُ حَيْثُ يَضْمَنُ لِلتَّضْيِيعِ .
دَخَلَ الْمُودَعُ الْحَمَّامَ وَوَضَعَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ مَعَ ثِيَابِهِ بَيْنَ يَدَيْ الثِّيَابِيِّ فَضَاعَتْ قَالَ قَاضِي خَانْ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ إيدَاعٌ وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُودِعَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ ؛ لِأَنَّهُ إيدَاعٌ ضِمْنِيٌّ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ بِالْإِيدَاعِ الْقَصْدِيِّ .
وَضَعَ الْوَدِيعَةَ مَعَ ثِيَابِهِ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ وَاغْتَسَلَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَنَسِيَ الْوَدِيعَةَ ضَمِنَ وَهَكَذَا لَوْ سُرِقَتْ حِينَ انْغَمَسَ ضَمِنَ .
الْمُودَعُ غَسَلَ ثِيَابَ النَّاسِ وَوَضَعَهَا عَلَى سَطْحِهِ لِتَجِفَّ إنْ كَانَ لِلسَّطْحِ خُصٌّ لَمْ يَضْمَنْ وَقِيلَ : إنْ لَمْ يَكُنْ الْخُصُّ مُرْتَفِعًا يَضْمَنُ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
أَوْدَعَ حَيَوَانًا وَغَابَ فَحَلَبَ الْمُودَعُ أَلْبَانَهَا فَخَافَ فَسَادَهَا وَهُوَ فِي الْمِصْرِ فَبَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ وَلَوْ بِأَمْرِهِ لَا يَضْمَنُ وَفِي الْمَفَازَةِ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَا رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْ يَضِيعُ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِئْذَانُ مِمَّنْ يَلِي عَلَيْهِ مِنْ الْوَجِيزِ .
أَوْدَعَ رَجُلًا عَبْدًا فَبَعَثَهُ الْمُودَعُ فِي حَاجَةٍ صَارَ غَاصِبًا لَهُ مِنْ الصُّغْرَى .
إذَا جَعَلَ الْمُودَعُ خَاتَمَ الْوَدِيعَةِ فِي خِنْصَرِهِ أَوْ بِنْصِرِهِ يَضْمَنُ وَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْوُسْطَى أَوْ السَّبَّابَةِ أَوْ الْإِبْهَامِ لَا يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ كَانَ الْمُودَعُ امْرَأَةً فَفِي أَيِّ أُصْبُعٍ لَبِسَتْهُ تَضْمَنُ .
الْمُودَعُ إذَا بَعَثَ الْحِمَارَ أَوْ الْبَقَرَ إلَى السَّرْحِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ أَوْدَعَ رَجُلًا فَصِيلًا فَأَدْخَلَهُ الْمُودَعُ فِي بَيْتِهِ فَعَظُمَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ إلَّا بِقَلْعِ الْبَابِ فَالْمُودَعُ إنْ شَاءَ يُعْطِي صَاحِبَ الْفَصِيلِ قِيمَةَ فَصِيلِهِ يَوْمَ صَارَ الْفَصِيلُ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِقَلْعِ الْبَابِ وَإِنْ شَاءَ قَلَعَ بَابَهُ وَرَدَّ الْفَصِيلَ إلَى صَاحِبِهِ قَالَ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ نُقْصَانُ الْبَيْتِ بِإِخْرَاجِ الْفَصِيلِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْفَصِيلِ أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْفَصِيلِ أَكْثَرَ مِنْ النُّقْصَانِ الَّذِي دَخَلَ فِي الْبَيْتِ لَوْ الْمُودَعُ قَلَعَ الْبَابَ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ صَاحِبُ الْفَصِيلِ أَنْ يَدْفَعَ نُقْصَانَ الْبَيْتِ إلَى الْمُودَعِ وَيُخْرِجَ الْفَصِيلَ وَهَذَا إذَا أَدْخَلَ الْمُودَعُ الْفَصِيلَ فِي بَيْتِهِ .
وَلَوْ اسْتَعَارَ الْمُودَعُ بَيْتًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَدْخَلَ فِيهِ الْفَصِيلَ فَإِنَّهُ يَقُولُ لِصَاحِبِ الْفَصِيلِ : إنْ أَمْكَنَك إخْرَاجُ الْفَصِيلِ فَأَخْرِجْهُ وَإِلَّا فَانْحَرْهُ وَاجْعَلْهُ إرْبًا إرْبًا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْفَصِيلِ حِمَارًا أَوْ بَغْلًا فَإِنْ كَانَ ضَرَرُ قَلْعِ الْبَابِ فَاحِشًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كَانَ لِصَاحِبِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ أَنْ يَقْلَعَ الْبَابَ وَيَلْتَزِمَ ضَمَانَ نُقْصَانِ الْبَيْتِ لِنَقْلِ الدَّابَّةِ إلَى صَاحِبِهَا وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ مِنْ الْغَصْبِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
رَجُلٌ أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ أَقْرَضَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الَّذِي فِي يَدِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَخْرُجُ الْأَلْفُ مِنْ الْوَدِيعَةِ حَتَّى تَصِيرَ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ يَدُهُ إلَيْهَا لَا يَضْمَنُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ أَصْلُهُ أَمَانَةً وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُودَعُ لِصَاحِبِهَا ائْذَنْ لِي أَنْ أَشْتَرِيَ الْوَدِيعَةِ شَيْئًا وَأَبِيعَ ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ مِنْ قَاضِي خَانْ .
الْمُودَعُ إذَا خَافَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ أَوْ مَنَعَ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ .
لَوْ حَمَلَ عَلَى دَابَّةِ الْوَدِيعَةِ فَحْلًا فَوَلَدَتْ فَهُوَ لِمَالِكِهَا وَلَوْ أَجَرَهَا فَالْأُجْرَةُ لَهُ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
وَدِيعَةٌ مَلْفُوفَةٌ فِي لِفَافَةٍ فَوَضَعَهَا تَحْتَ رَأْسِ ضَيْفِهِ بِاللَّيْلِ كَالْوِسَادَةِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ مَا دَامَ الْمُودَعُ حَاضِرًا مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
رَجُلٌ أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلٍ عَبْدًا فَبَعَثَهُ الْمُودَعُ فِي حَاجَتِهِ صَارَ غَاصِبًا مِنْ مُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ .
( الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَنْ يَضْمَنُ الْمُودَعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَضْمَنُ ) لِلْمُودِعِ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ لِيَحْفَظَهَا كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدَيْهِ وَعَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَأَجِيرِهِ الْخَاصِّ وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً لِيَسْكُنَ مَعَهُ لَا مُيَاوَمَةً إذَا كَانَ الْمُودَعُ إلَيْهِ أَمِينًا غَيْرَ مُتَّهَمٍ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فَإِذَا حَفِظَهَا بِزَوْجَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا غَيْرُ أَمِينَةٍ فَضَاعَتْ يَضْمَنُ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ فِي الْإِيضَاحِ : الدَّفْعُ إلَى الْعِيَالِ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ الْأَمَانَةِ وَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا لَا حَاجَةَ إلَى كَوْنِهِ عِيَالًا ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ : وَلَوْ دَفَعَهَا إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى قُلْتُ : وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا دَفَعَهَا إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ كَشَرِيكِهِ الْعِنَانِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَا يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَا فِي الْوَجِيزِ لَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى شَرِيكِهِ الْمُفَاوِضِ أَوْ الْعِنَانِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فِي التِّجَارَةِ أَوْ عَبْدٍ مُعْتَزِلٍ عَنْ مَنْزِلِهِ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا الصَّيْرَفِيَّانِ إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فَوَضَعَ أَحَدُهُمَا الْوَدِيعَةَ فِي كِيسِ صَاحِبِهِ أَوْ صُنْدُوقِهِ وَأَمَرَ شَرِيكَهُ بِحِفْظِهَا فَحَمَلَ الْكِيسَ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ انْتَهَى .
.
وَفِي الْخُلَاصَةِ امْرَأَةٌ حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ وَعِنْدَهَا وَدِيعَةٌ فَدَفَعَتْهَا إلَى جَارَتِهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ وَفَاتِهَا بِحَضْرَتِهَا أَحَدٌ مِنْ عِيَالِهَا لَا تَضْمَنُ انْتَهَى وَتَفْسِيرُ مَنْ فِي عِيَالِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا مَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفَقَتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ الِابْنَ إذَا كَانَ سَاكِنًا مَعَ وَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي نَفَقَتِهِمَا فَخَرَجَا مِنْ الْمَنْزِلِ وَتَرَكَا الْمَنْزِلَ عَلَى الِابْنِ فَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْمَنْزِلِ لَا يَضْمَنَانِ وَكَذَا لَوْ دَفَعَتْ الْمَرْأَةُ الْوَدِيعَةَ إلَى زَوْجِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَكَذَا الْمُودَعُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ يَعُولُهُ الْمُودَعُ لَا يَضْمَنُ مِنْ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ : الْعِبْرَةُ لِلْمُسَاكَنَةِ إلَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالْقِنِّ فَلَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى أَحَدِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَنَفَقَتِهِ وَسُكْنَاهُ بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَهُوَ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ انْتَهَى .
وَمَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لَا يَكُونُ فِي عِيَالِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا مَعَهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ لَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كُلَّ شَهْرٍ ضَمِنَ فَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ فِي عِيَالِهِ وَأَبَوَاهُ كَأَجْنَبِيٍّ حَتَّى يَشْتَرِطَ كَوْنَهُمَا فِي عِيَالِهِ انْتَهَى قُلْتُ : هَذَا إذَا لَمْ يَثِقْ بِهِمَا فِي مَالِهِ أَمَّا إذَا وَثِقَ بِهِمَا فِي مَالِ نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ عَلَى مَا مَرَّ .
رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ يَسْكُنُ مَعَهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا فَهُمَا فِي عِيَالِهِ مِنْ الْوَجِيزِ وَقَاضِي خَانْ فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ ضَمِنَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ يَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَيُسَلِّمُهَا إلَى جَارِهِ أَوْ يَكُونَ فِي سَفِينَةٍ فَخَافَ الْغَرَقَ فَيُلْقِيهَا إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ مِنْ الْهِدَايَةِ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ اللُّصُوصُ وَخَافَ عَلَيْهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ وَقْتَ إلْقَائِهَا إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى يَضْمَنُ لِحُصُولِ الْإِتْلَافِ بِفِعْلِهِ مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ .
وَإِنَّمَا لَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى أَجْنَبِيٍّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَى أَجْنَبِيٍّ أَمَّا إذَا وَجَدَ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ فَدَفَعَ ضَمِنَ فَلَوْ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي دَارِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُنَاوِلَهَا مَنْ فِي عِيَالِهِ فَنَاوَلَهَا أَجْنَبِيًّا ضَمِنَ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ : هَذَا إذَا أَحَاطَ الْحَرِيقُ بِالْمَنْزِلِ وَإِلَّا ضَمِنَ بِالدَّفْعِ إلَى أَجْنَبِيٍّ لِخَوْفِ الْحَرِيقِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْحَرِيقِ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْمَرْأَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَمَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَمْ يَسْتَرِدَّهَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ : يَضْمَنُ إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِرْدَادُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ : لَا يَضْمَنُ إذْ الْمُودَعُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ وَحِينَ دَفَعَ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ بَعْدَهُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ .
لَوْ قَالَ الْمُودَعُ : وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِي فَدَفَعْت الْوَدِيعَةَ إلَى غَيْرِي بِالضَّرُورَةِ لَا يُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَفِي الْمُنْتَقَى إنْ عُلِمَ أَنَّهُ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى .
أُحْرِقَ بَيْتُ الْمُودَعِ فَلَمْ يَنْقُلْ الْوَدِيعَةَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ مَعَ إمْكَانِهِ يَضْمَنُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ حِفْظِهَا بِنَقْلِهَا إلَى مَكَان آخَرَ وَيُعْرَفُ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْ الْقُنْيَةِ .
وَلَوْ نَهَى الْمَالِكُ الْمُودَعَ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا بُدَّ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَابَّةً فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى غُلَامِهِ وَكَمَا إذَا كَانَتْ شَيْئًا يُحْفَظُ عَلَى يَدِ النِّسَاءِ فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ يَضْمَنُ مِنْ الْهِدَايَةِ قَالَ : لَا تَدْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ مِنْ عِيَالِك فَدَفَعَهَا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ سِوَاهُ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ غَيْرُهُ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ نَهْيُهُ إذْ النَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْحِفْظِ مِنْ الْوَجِيزِ قَالَ لَهُ : لَا تَدْفَعْهَا إلَى امْرَأَتِك أَوْ ابْنِك فَدَفَعَ لَوْ لَهُ بُدٌّ مِنْهُمْ بِأَنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ سِوَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ لَهُ : لَا تَدْفَعْ إلَى مَنْ فِي عِيَالِك فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ حَصِينٌ لَمْ يَضْمَنْ بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَتْ شَيْئًا يُمْسَكُ فِي الْبُيُوتِ فَقَالَ : لَا تَدْفَعْ إلَى زَوْجَتِك فَدَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَا تَدْفَعْ الدَّابَّةَ إلَى غُلَامِك فَدَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
ثَلَاثَةٌ أَوْدَعُوا رَجُلًا مَالًا وَقَالُوا : لَا تَدْفَعْ إلَى أَحَدٍ مِنَّا حَتَّى نَجْتَمِعَ كُلُّنَا فَدَفَعَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ إلَيْهِ كَانَ ضَامِنًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ نَصِيبُهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَالْمُودَعُ لَا يَمْلِكُ الْقِسْمَةَ .
رَجُلَانِ أَوْدَعَا رَجُلًا ثَوْبًا وَقَالَا : لَا تَدْفَعْ إلَّا إلَيْنَا جَمِيعًا فَدَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا كَانَ ضَامِنًا مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلَانِ عِنْدَ آخَرَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ثُمَّ حَضَرَ أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ نَصِيبَهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ نَصِيبَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يَدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ فَلَوْ دَفَعَ نَصِيبَهُ ضَمِنَ نَصِيبَ الْآخَرِ مِنْهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ ضَمِنَ اتِّفَاقًا مِنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ .
رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفًا ثُمَّ قَالَ فِي غَيْبَةِ الْمُودَعِ : أَمَرْت فُلَانًا أَنْ يَقْبِضَ الْأَلْفَ الَّتِي هِيَ وَدِيعَةٌ لِي عِنْدَ فُلَانٍ فَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَبَضَ الْأَلْفَ مِنْ الْمُودَعِ فَضَاعَتْ فَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَابِضَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الدَّافِعَ وَلَوْ كَانَ الْمُودَعُ مَا عَلِمَ بِالتَّوْكِيلِ وَالْأَمْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَأْمُورُ فَدَفَعَ الْمُودَعُ الْمَالَ إلَى الْمَأْمُورِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا بِالْأَمْرِ فَقَالَ الْمَأْمُورُ لِلْمُودَعِ : ادْفَعْ إلَيَّ وَدِيعَةَ فُلَانٍ أَدْفَعْهَا إلَى صَاحِبِهَا أَوْ قَالَ : ادْفَعْهَا إلَيَّ تَكُونُ عِنْدِي لِفُلَانٍ فَدَفَعَ فَضَاعَتْ فَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هَذِهِ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَكَّلَهُ بِقَبْضِ وَدِيعَتِهِ بِمَحْضَرِ الْمُودَعِ فَطَالَبَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ فَامْتَنَعَ وَهَلَكَتْ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مُعَايَنَةً فَوْقَ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَوْ أَثْبَتَ وَكَالَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَامْتَنَعَ مِنْ الدَّفْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ يَضْمَنُ فَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْقُنْيَةِ .
رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا مَالًا وَقَالَ : إنْ مِتُّ فَادْفَعْهُ إلَى ابْنِي فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ ضَمِنَ حِصَّتَهُ وَلَوْ قَالَ : ادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ ضَمِنَ إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ هَذِهِ فِي الْوَجِيزِ مِنْ وَصَايَاهُ .
الْعَبْدُ إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ شَيْئًا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى أَخْذَ الْوَدِيعَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا فَلَوْ أَنَّ الْمُودَعَ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَوْلَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ جَازَ وَهَذِهِ فِي الْمَأْذُونِ مِنْ قَاضِي خَانْ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَقْبِضَ وَدِيعَةَ عَبْدِهِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا مَا لَمْ يَحْضُرْ وَيُظْهِرْ أَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَدِيعَةً فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لِلْعَبْدِ بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ انْتَهَى .
وَمَنْ قَالَ : إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْوَكَالَةِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ لَوْ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ سَكَتَ لَا يُجْبَرُ بِالدَّفْعِ وَلَوْ دَفَعَهَا لَا يَسْتَرِدُّهَا فَلَوْ حَضَرَ رَبُّهَا وَكَذَّبَهُ فِي الْوَكَالَةِ لَا يَرْجِعُ الْمُودَعُ عَلَى الْوَكِيلِ لَوْ صَدَّقَهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَإِلَّا رَجَعَ بِعَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ لَوْ هَالِكًا قَالَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ : أَقُولُ لَوْ صَدَّقَهُ وَدَفَعَ بِلَا شَرْطٍ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ لَوْ قَائِمًا إذْ غَرَضُهُ لَمْ يَحْصُلْ فَلَهُ نَقْضُهُ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَدْيُونَ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَهُ إلَى وَكِيلٍ صَدَّقَهُ لَوْ بَاقِيًا كَذَا هُنَا وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا فَتَلِفَتْ قِيلَ : لَا يَضْمَنُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ إذْ الْمَنْعُ مِنْ الْوَكِيلِ بِزَعْمِهِ كَمَنْعٍ مِنْ الْمُودَعِ انْتَهَى .
امْرَأَةٌ حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ فَدَفَعَتْ الْوَدِيعَةَ إلَى جَارَتِهَا لَمْ تَضْمَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ وَفَاتِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ فِي عِيَالِهَا .
وَضَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ لَوْ تَرَكَهَا عِنْدَهُ وَغَابَ .
دَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ وَأَجَازَ الْمَالِكُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ كَأَنَّهُ دَفَعَ إلَى الْمَالِكِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقَسَّمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ فَيَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ وَلَوْ دَفَعَ يَضْمَنُ الدَّافِعُ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ جَازَ أَنْ يَحْفَظَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْهِدَايَةِ وَلَوْ اقْتَسَمَا مَا يُقَسَّمُ نِصْفَيْنِ ثُمَّ ضَاعَا لَمْ يَضْمَنَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ قُلْتُ : وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا .
وَلَوْ ادَّعَى عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَيْ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِأَخْذِ الْوَدِيعَةِ إلَى مِثْلِهِ فَهَلَكَتْ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ فَقَطْ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يُضَمِّنُ الثَّانِي أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الْمُودَعِ وَهُوَ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ بِلَا تَعَدٍّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُخَيَّرُ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ بَعْدَ الْعِتْقِ ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِي لِلْحَالِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ فَقَطْ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يُضَمِّنُ الثَّالِثَ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ فِي تَضْمِينِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ مَا لَمْ يُعْتَقْ مِنْ الْحَقَائِقِ وَالْمُجْمَعِ .
الْمُودَعُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى غَيْرِهِ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي إنْ لَمْ يُفَارِقْ الْأَوَّلَ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ فَارَقَ ضَمِنَ الْأَوَّلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَعِنْدَهُمَا يُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ لَكِنْ لَوْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي وَلَوْ ضَمَّنَ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ .
وَلَوْ دَفَعَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى آخَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ خَرَجَ الْمُودَعُ مِنْ الْبَيْنِ كَأَنَّهُ دَفَعَ إلَى الْمَالِكِ هَذَا إذَا دَفَعَ إلَى الْغَيْرِ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ احْتَرَقَ بَيْتُ الْمُودَعِ فَدَفَعَهَا إلَى جَارِهِ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا أَيْضًا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ : ادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ بِالرَّيِّ فَمَاتَ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ لَهُ : ادْفَعْهُ إلَيْهِ فَضَاعَ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيٌّ .
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ لَهُ : ادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ فَلَمْ يَدْفَعْهُ حَتَّى ضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ انْتَهَى .
لَوْ أَوْدَعَهُ بَقَرَةً وَقَالَ لَهُ : إنْ أَرْسَلْت ثِيرَانَك إلَى الْمَرْعَى لِلْعَلَفِ فَاذْهَبْ بِبَقَرَتِي أَيْضًا فَذَهَبَ بِهَا دُونَ ثِيرَانِهِ فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ .
أَوْدَعَ شَاةً فَدَفَعَهَا مَعَ غَنَمِهِ إلَى الرَّاعِي لِلْحِفْظِ فَسُرِقَتْ الْغَنَمُ يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّاعِي خَاصًّا لِلْمُودَعِ .
سَلَّمَ الْمُودَعُ الدَّارَ الَّتِي فِي بَيْتٍ مِنْهَا الْوَدِيعَةُ إلَى آخَرَ لِيَحْفَظَهَا إنْ كَانَتْ الْوَدَائِعُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ حَصِينٍ لَا يُمْكِنُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ مِنْ الْقُنْيَةِ .
امْرَأَةٌ أَوْدَعَتْ رَجُلًا وَدِيعَةً كَانَتْ عِنْدَهَا لِغَيْرِهَا ثُمَّ قَبَضَتْهَا ثُمَّ أَوْدَعَتْهَا آخَرَ وَقَبَضَتْهَا مِنْهُ فَفُقِدَ مَتَاعٌ مِنْهَا فَقَالَتْ : ذَهَبَ بَيْنَكُمَا وَلَا أَدْرِي مَنْ أَصَابَهُ وَقَالَا : لَا نَدْرِي مَا كَانَ فِي وِعَائِك لَمْ نُفَتِّشْهُ وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْك فَصَالَحْتهمَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ قَالَ : هِيَ ضَامِنَةٌ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ قِيمَتَهُ وَالصُّلْحُ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَائِزٌ ثُمَّ صُلْحُهَا لَا يَخْلُو إنْ كَانَ بَعْدَ مَا ضَمَّنَهَا الْمَالِكُ قِيمَةَ الْمَتَاعِ جَازَ عَلَى أَيِّ بَدَلٍ كَانَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُضَمِّنَهَا صَالَحَتْهُمَا بِمِثْلِ قِيمَةِ الْمَتَاعِ أَوْ أَقَلَّ عَلَى قَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ وَبَرِئَا عَنْ الضَّمَانِ لِلْمَتَاعِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْمَتَاعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُودَعَيْنِ سَبِيلٌ وَلَوْ صَالَحَتْهُمَا عَلَى أَقَلِّ قَدْرِ مَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَرْأَةَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَيْنِ إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الْمَتَاعِ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُودَعَيْنِ رَجَعَا عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا دَفَعَا إلَيْهَا وَإِنْ ضَمَّنَ الْمَرْأَةَ نَفَذَ الصُّلْحُ عَلَيْهِمَا وَالْعَارِيَّةُ كَالْوَدِيعَةِ وَكَذَا كُلُّ مَالٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ كَالْمُضَارَبَةِ هَذِهِ فِي الصُّلْحِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
وَلَوْ دَفَعَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ رَبِّهَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مِنْ قَاضِي خَانْ قُلْتُ : وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ رَبِّهَا ذَكَرَهُ فِي الصُّغْرَى .
رَجُلٌ غَابَ وَخَلَفَ عِنْدَ أَبِيهِ وَدِيعَةً فَجَاءَتْ امْرَأَةُ الِابْنِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْوَدِيعَةِ النَّفَقَةَ فَدَفَعَ إلَيْهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ ضَامِنًا مِنْ قَاضِي خَانْ .
دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودَعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَضْمَنْ الْمُودَعُ لِرَدِّهِ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ رَبُّهَا : ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ فَدَفَعَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُودَعِ وَالْآخِذِ مِنْ الصُّغْرَى وَالْفُصُولَيْنِ .
( مَطْلَبُ مُودَعِ الْغَاصِبِ ) .
مُودِعُ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الصُّغْرَى وَمُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَارِثِ الْمُودِعِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَفِي تَرِكَتِهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِلْوَدِيعَةِ ضَمِنَ مِنْ وَصَايَا الصُّغْرَى قُلْتُ : هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ مُؤْتَمَنًا وَإِلَّا يَضْمَنُ ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ .
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا وَقَالَ : هَذِهِ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ فَإِذَا مِتُّ فَادْفَعْهَا إلَيْهِ فَمَاتَ يَدْفَعُهَا الْمَأْمُورُ إلَى فُلَانٍ كَمَا أَمَرَهُ .
وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ الدَّبُوسِيِّ مَرِيضٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ وَقَالَ لَهُ : ادْفَعْهَا إلَى أَخِي أَوْ ابْنِي ثُمَّ مَاتَ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ قَالَ : إنْ قَالَ : ادْفَعْهَا إلَى أَخِي أَوْ إلَى ابْنِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ يَدْفَعُهَا إلَى غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ كَذَا فِي الْوَصَايَا مِنْ قَاضِي خَانْ .
لَوْ قَضَى الْمُودَعُ الْوَدِيعَةِ دَيْنَ رَبِّهَا وَالدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ الْوَدِيعَةِ قِيلَ : يَضْمَنُ وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ : ضَمِنَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي وَصَايَا الصُّغْرَى .
رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً لِرَجُلٍ فَمَاتَ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ مَعْرُوفَةٌ أَنَّهَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ ابْنًا مَعْرُوفًا فَقَضَى الْمُسْتَوْدَعُ الْأَلْفَ لِلْغَرِيمِ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ لِلْمَيِّتِ وَقَدْ قَضَاهُ إلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ غَرِيمُ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ لِلِابْنِ مِيرَاثٌ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ هَذَا كُلُّهُ رِوَايَةٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ فَقَضَاهَا الْمُودَعُ لِلَّذِي لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُودِعِ فَإِنْ شَاءَ الْمُودَعُ أَجَازَ الْقَضَاءَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَ وَسَلَّمَ الْمَالَ لِلَّذِي قَبَضَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ انْتَهَى .
مُودِعٌ غَابَ عَنْ بَيْتِهِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ : إنَّ لِي فِي بَيْتِك شَيْئًا فَادْفَعْ إلَيَّ الْمِفْتَاحَ حَتَّى أَرْفَعَهُ وَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمِفْتَاحَ فَلَمَّا عَادَ الرَّجُلُ إلَى بَيْتِهِ لَمْ يَجِدْ الْوَدِيعَةَ فِي مَوْضِعِهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ : لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ ؛ لِأَنَّ بِدَفْعِ الْمِفْتَاحِ إلَيْهِ لَمْ يَصِرْ جَاعِلًا بَيْتَهُ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ .
الْمُودَعُ إذَا قَالَ : دَفَعْت الْوَدِيعَةَ إلَى ابْنِي وَأَنْكَرَ الِابْنُ فَوَرِثَ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ كَانَ ضَمَانُ الْوَدِيعَةِ فِي تَرِكَةِ الِابْنِ .
رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ الْجَائِرُ : إنْ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ هَذَا الْمَالَ حَبَسْتُك شَهْرًا أَوْ ضَرَبْتُك ضَرْبًا ؛ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ فَإِنْ دَفَعَ كَانَ ضَامِنًا وَإِنْ قَالَ لَهُ : إنْ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ الْمَالَ أَقْطَعْ يَدَك أَوْ أَضْرِبْك خَمْسِينَ سَوْطًا فَدَفَعَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ لِلْجَائِرِ إلَّا أَنْ يُخَافَ تَلَفُ عُضْوٍ وَالضَّرْبُ الْمُتَوَالِي يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ مِنْ قَاضِي خَانْ وَلَوْ هَدَّدَ الْمُودَعَ بِإِتْلَافِ مَالِهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ فَدَفَعَ هَلْ يَضْمَنُ ؟ كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَذَكَرَ فِي وَصَايَا النَّوَازِلِ السُّلْطَانُ لَوْ طَلَبَ مِنْ الْوَصِيِّ بَعْضَ مَالِ الْيَتِيمِ وَهَدَّدَهُ فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَتْلَ أَوْ تَلَفَ عُضْوٍ فَدَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ خَافَ الْحَبْسَ أَوْ الْقَيْدَ أَوْ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ وَيَبْقَى قَدْرُ الْكِفَايَةِ فَدَفَعَ ضَمِنَ وَلَوْ خَشِيَ أَخْذَ مَالِهِ كُلِّهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ دَفَعَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي دَفَعَ وَإِنْ كَانَ الْجَائِرُ هُوَ الَّذِي أَخَذَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ .
أَوْدَعَ وَغَابَ فَأَقَامَ ابْنُهُ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَخَذَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ جَاءَ أَبُوهُ حَيًّا يَضْمَنُ الِابْنُ أَوْ الشَّاهِدَيْنِ وَلَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ وَفِي الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ الْهِدَايَةِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ مِيرَاثًا لَهُ لَا وَارِثَ غَيْرُهُ وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ا هـ .
غَابَ الْمُودَعُ وَخَلَفَ امْرَأَتَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَفِي الْمَنْزِلِ وَدَائِعُ النَّاسِ ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَجِدْهَا فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمِينَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ أَمِينَةٍ وَعَلِمَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ وَمَعَ هَذَا تَرَكَ الْوَدِيعَةَ مَعَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ : وَمِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اسْتَخْرَجْنَا جَوَابَ مَسْأَلَةٍ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَصُورَتُهَا تيمبان تُيَمّ رابغلام خودماند وَرَفَّتْ فَذَهَبَ الْغُلَامُ بِوَدَائِعِ النَّاسِ فَأُنْفِقَتْ أَجْوِبَةُ الْمُفْتِينَ لَهُ كه تيمبان يَضْمَنُ لَوْ عَلِمَ بِأَنَّ غُلَامَهُ سَارِقٌ وَلَيْسَ بِأَمِينٍ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
مُودِع مَالِكٍ راكفت كه مِنْ بِبَاغٍ ميروم وديعت ترابهمسايه دِرْهَمٌ كَفَتْ بُدّه داد وَرَفَّتْ بازامد وديعت راازهمسايه كَرَفْتِ لَمْ يَضْمَنْ الْأَوَّلُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
أَجَرَ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ وَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى هَذَا الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ : فَلَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِفْتَاحٌ وَغَلَقٌ عَلَى حِدَةٍ ضَمِنَ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ يَسْكُنُ خَارِجَ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدْخُلُ عَلَى الْآخَرِ بِلَا إذْنٍ فِيهِ وَحِشْمَةٍ يَبْرَأُ لِوُجُودِ الْمُسَاكَنَةِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
مُرْدِي درخانة يكى كديور كندم نهادبا مَانَّتْ ثُمَّ أَنَّ الْمُودَعَ آجَرَ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَ وَانْتَقَلَ إلَى دَارٍ أُخْرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ إذَا لَمْ يَنْقُلْ الْحِنْطَةَ عَنْ مَوْضِعِهَا اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَ فِي نَسَّاجٍ سَكَنَ مَعَ صِهْرِهِ ثُمَّ اكْتَرَى دَارًا وَنَقَلَ مَتَاعَهُ وَتَرَكَ الْغَزْلَ فِي الدَّارِ الَّتِي انْتَقَلَ عَنْهَا فَلَوْ لَمْ يَنْقُلْ الْغَزْلَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ إلَى بَيْتٍ آخَرَ مِنْ دَارِ صِهْرِهِ وَلَا أَوْدَعَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ بَقِيَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ سَاكِنًا فَيَبْقَى هُوَ سَاكِنًا فِيهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ إنَّ سُكْنَاهُ فِي دَارٍ لَا يَبْطُلُ مَا بَقِيَ فِيهَا مِنْ مَتَاعِهِ شَيْءٌ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ صَاحِبِهَا وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مِنْ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
لَوْ غَابَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ وَلَا يُدْرَى أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ يُمْسِكُهَا أَبَدًا حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَهُ فَإِنْ مَاتَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَرُدُّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُهَا إلَى وَصِيَّةٍ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
( الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ وَالْإِتْلَافِ ) .
إذَا خَلَطَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ بِمَالِهِ حَتَّى لَا يَتَمَيَّزَ ضَمِنَهَا ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِلْمُودَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : إذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا شَرَكَهُ إنْ شَاءَ مِثْلَ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ الْبِيضَ بِالْبِيضِ وَالسُّودَ بِالسُّودِ وَالْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَخَلَطَ الْخَلَّ بِالزَّيْتِ وَكُلَّ مَائِعٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ خَلَطَ الْمَائِعَ بِجِنْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجْعَلُ الْأَقَلَّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ أَجْزَاءً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرِكَةً بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ عِنْدَهُ وَنَظِيرُهُ خَلْطُ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا إذَابَةً ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَائِعًا بِالْإِذَابَةِ وَإِذَا اخْتَلَطَتْ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِصَاحِبِهَا كَمَا إذَا انْشَقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
قَالَ قَاضِي خَانْ : إذَا انْشَقَّ كِيسُ الْوَدِيعَةِ فِي صُنْدُوقِ الْمُودَعِ فَاخْتَلَطَتْ الْوَدِيعَةُ بِدَرَاهِمِهِ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَيَكُونُ الْمُخْتَلَطُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا فَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضُهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا كَانَ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَحَدٌ مِمَّنْ فِي عِيَالِ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ حُرًّا كَانَ الْخَالِطُ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَيَضْمَنُ الَّذِي خَلَطَ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَلَا يَضْمَنُ أَبُوهُ لِأَجْلِهِ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ الْوَدِيعَةُ إذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ
فَأَنْفَقَ الْمُودَعُ طَائِفَةً مِنْهَا ضَمِنَ مَا أَنْفَقَ وَلَا يَضْمَنُ الْبَاقِي إنْ هَلَكَ فَإِنْ جَاءَ الْمُودَعُ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي كَانَ ضَامِنًا لِلْكُلِّ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مَالُهُ فَصَارَ خَالِطًا مَالَهُ الْوَدِيعَةِ ا هـ قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ : هَذَا إذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ مَا خَلَطَ أَمَّا لَوْ تَمَيَّزَ بِعَلَامَةٍ أَوْ شَدَّهُ بِخِرْقَةٍ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا مَا أَنْفَقَ .
وَلَوْ أَخَذَ الْمُودَعُ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ لِيُنْفِقَهَا فِي حَاجَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ فَرَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ ثُمَّ ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ مِنْ قَاضِي خَانْ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْمُودَعُ إذَا خَالَفَ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَحَدَهَا أَوْ مَنَعَهَا حَيْثُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ .
إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ مِنْ الْأَشْبَاهِ .
الصَّبِيُّ الَّذِي فِي عِيَالِ الْمُودَعِ لَوْ أَتْلَفَ الْوَدِيعَةَ يَضْمَنُ الصَّبِيُّ مِنْ الصُّغْرَى وَكَذَا قِنُّ الْمُودَعِ لَوْ أَتْلَفَ الْوَدِيعَةَ يَضْمَنُ الْقِنُّ فَيُبَاعُ فِيهَا لِلْحَالِ .
وَلَوْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى مَالًا فَأَتْلَفَاهُ يَضْمَنَانِ لِلْحَالِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يَضْمَنُ الصَّبِيُّ أَصْلًا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ أَوْدَعَ دَابَّةً فَقَتَلَهَا الصَّبِيُّ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعَبْدُ يَشْمَلُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ فَيَضْمَنُ فِي الْحَالِ وَلَوْ كَانَا مَأْذُونَيْنِ بِأَخْذِ الْوَدِيعَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَالْوَالِدِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ يَضْمَنَانِ فِي الْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ بِأَخْذِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ مِنْ الْحَقَائِقِ .
إذَا أَوْدَعَ صَبِيٌّ مَحْجُورًا مِثْلَهُ وَهِيَ مِلْكُ غَيْرِهِ فَتَلِفَتْ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِعِ أَوْ الْأَخْذُ مِنْ كِتَابِ الْحَجْرِ مِنْ الْأَشْبَاهِ .
إذَا وَقَعَ أَجِيرُ الْمُودَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَأَفْسَدَهَا ضَمِنَ الْأَجِيرُ مِنْ فَصْلِ الْقَصَّارِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
إذَا أَوْقَدَ أَجِيرٌ الْمُودَعِ أَوْ خَادِمُهُ وَلَوْ بِأَمْرِ الْمُودَعِ نَارًا فَوَقَعَتْ شَرَارَةٌ عَلَى الْوَدِيعَةِ ضَمِنَ الْأَجِيرُ وَالْخَادِمُ لَا الْمُودَعُ وَكَذَا لَوْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ يَدِ الْخَادِمِ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَأَفْسَدَهَا يَضْمَنُ الْخَادِمُ مِنْ إجَارَاتِ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
رَجُلٌ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَأَعْطَاهُ الْمُقْرِضُ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَقَالَ : خُذْ مِنْهَا عِشْرِينَ وَالْبَاقِي عِنْدَك وَدِيعَةً فَفَعَلَ ثُمَّ أَعَادَ الْعِشْرِينَ الَّتِي أَخَذَهَا فِي الْمِائَةِ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَقَالَ : اخْلِطْهَا بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ ثُمَّ ضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْأَرْبَعِينَ وَيَضْمَنُ بِقِيمَتِهَا أَمَّا الْبَقِيَّةُ فَلِأَنَّ الْعِشْرِينَ قَرْضٌ وَالْقَرْضُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ فَإِذَا خَلَطَ الْعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ مِلْكُهُ الْوَدِيعَةِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ خَلَطَ الْأَرْبَعِينَ بِإِذْنِ مَالِكِهَا .
وَلَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَأَعْطَاهُ سِتِّينَ غَلَطًا فَأَخَذَ مِنْهَا الْعَشَرَةَ لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَهَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعَشَرَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ قَرْضٌ وَالْبَاقِي وَدِيعَةٌ وَكَذَا لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ .
وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ : ثَلَاثَةٌ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لَك وَالسَّبْعَةُ الْبَاقِيَةُ سَلِّمْهَا إلَى فُلَانٍ فَهَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ هِبَةً فَاسِدَةً وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْهِبَةِ وَصِيَّةً مِنْ الْمَيِّتِ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الْمَشَاعِ جَائِزَةٌ وَلَا يَضْمَنُ السَّبْعَةَ فِي الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ جَمِيعًا لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ .
دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ : خَمْسَةٌ مِنْهَا هِبَةٌ لَك وَخَمْسَةٌ مِنْهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَك فَاسْتَهْلَكَ الْقَابِضُ مِنْهَا خَمْسَةً وَهَلَكَتْ الْخَمْسَةُ الْبَاقِيَةُ ضَمِنَ الْقَابِضُ سَبْعَةً وَنِصْفًا لِأَنَّ الْخَمْسَةَ الْمَوْهُوبَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّهَا هِبَةٌ فَاسِدَةٌ فَالْخَمْسَةُ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا كُلَّهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً بِالِاسْتِهْلَاكِ فَيَضْمَنُ هَذِهِ الْخَمْسَةَ وَالْخَمْسَةُ الَّتِي ضَاعَتْ نِصْفُهَا مِنْ الْهِبَةِ مَضْمُونٌ وَنِصْفُهَا أَمَانَةٌ فَيَضْمَنُ نِصْفَهَا وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ فَلِذَلِكَ يَضْمَنُ سَبْعَةً وَنِصْفًا .
رَجُلٌ أَجْلَسَ عَبْدَهُ فِي حَانُوتِهِ وَفِي الْحَانُوتِ وَدَائِعُ فَسُرِقَتْ ثُمَّ وَجَدَ الْمَوْلَى بَعْضَهَا فِي يَدِ عَبْدِهِ وَقَدْ أَتْلَفَ الْبَعْضَ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ فَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ سَرَقَ الْوَدِيعَةَ وَأَتْلَفَهَا فَصَاحِبُ الْوَدِيعَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ ثُمَّ بِيعَ فِي دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْمَوْلَى بَاعَ عَبْدًا مَدْيُونًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ مَوْلَاهُ عَلَى الْعِلْمِ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ وَإِنْ نَكَلَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ كَانَ هَذَا وَمَا لَمْ يَثْبُتْ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَنْكِرْ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ لَكِنْ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى دُونَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَاضِي خَانْ .
( الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الْهَلَاكِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَالْجُحُودِ وَالرَّدِّ ) .
طَلَبَ الْوَدِيعَةَ صَاحِبُهَا فَحَبَسَهَا عَنْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا ضَمِنَهَا مِنْ الْهِدَايَةِ .
طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ : لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُحْضِرَهَا السَّاعَةَ فَتَرَكَ وَرَجَعَ ثُمَّ هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ ثُمَّ لَمَّا تَرَكَ وَرَجَعَ كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءَ إيدَاعٍ مِنْ قَاضِي خَانْ وَلَوْ كَانَ الَّذِي طَلَبَ وَكِيلُ الْمَالِكِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ مِنْ الْمَالِكِ إيدَاعٌ ابْتِدَاءً وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ فَيَضْمَنُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الدَّفْعِ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ قَالَ : احْمِلْ إلَيَّ الْيَوْمَ وَدِيعَتِي فَقَالَ : أَفْعَلُ وَلَمْ يَحْمِلْهَا إلَيْهِ الْيَوْمَ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ وَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُودَعِ نَقْلُ الْوَدِيعَةِ إلَى صَاحِبِهَا .
طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَقَدْ هَاجَتْ الْفِتْنَةُ فَقَالَ الْمُودِعُ : لَا أَصِلُ إلَيْهَا السَّاعَةَ فَأُغِيرُ عَلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَقَالَ الْمُودَعُ : أُغِيرُ عَلَى الْوَدِيعَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ : إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بَعِيدَةً مِنْ الْمُودَعِ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا لِذَلِكَ أَوْ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ قَاضِي خَانْ قَالَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ : أَقُولُ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَهَا وَقَالَ : لَا يُمْكِننِي إحْضَارُهَا الْآنَ فَهَذَا ابْتِدَاءُ إيدَاعٍ إلَخْ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ هُنَا أَيْضًا وَإِنْ قَرُبَتْ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِأَنَّ تَرْكَهَا ابْتِدَاءُ إيدَاعٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَتَّحِدَ الْمَسْأَلَتَانِ حُكْمًا انْتَهَى .
رَجُلٌ أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَقَالَ لَهُ فِي السِّرِّ : مَنْ أَخْبَرَك بِعَلَامَةِ كَذَا وَكَذَا فَادْفَعْ إلَيْهِ الْوَدِيعَةَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَبَيَّنَ تِلْكَ الْعَلَامَةَ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُودَعُ وَلَمْ يَدْفَعْ حَتَّى هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ : لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَأْتِيَ غَيْرُ رَسُولِهِ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ .
رَجُلٌ خَاصَمَ رَجُلًا وَادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَخْرَجَ أَلْفًا وَوَضَعَهَا فِي يَدِ إنْسَانٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ فَاسْتَرَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأَلْفَ وَأَبَى الْأَمِينُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَلِفَتْ الْأَلْفُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنْ وَضَعَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأَلْفَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ الْأَمِينُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ هُوَ الَّذِي وَضَعَ وَحْدَهُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ عَنْهُ .
عَبْدٌ جَاءَ بِوَقْرٍ مِنْ الْحِنْطَةِ إلَى بَيْتِ رَجُلٍ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ غَائِبٌ فَسَلَّمَ الْوَقْرَ إلَى امْرَأَتِهِ وَقَالَ : هَذَا لِمَوْلَايَ بَعَثَهُ إلَى زَوْجِك وَدِيعَةً وَغَابَ الْعَبْدُ فَلَمَّا أَخْبَرَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا بِذَلِكَ لَامَهَا عَلَى الْقَبُولِ وَأَرْسَلَ إلَى مَوْلَى الْعَبْدِ أَنْ ابْعَثْ مَنْ يَحْمِلُ هَذَا الْوَقْرَ فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ فَأَجَابَ مَوْلَى الْعَبْدِ وَقَالَ : إنَّهُ يَكُونُ عِنْدَك أَيَّامًا ثُمَّ أَحْمِلُهُ فَلَا تَدْفَعْ إلَى عَبْدِي ذَلِكَ ثُمَّ طَلَبَهُ الْمَوْلَى وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَقَالَ : لَا أَدْفَعُهُ إلَّا إلَى الْعَبْدِ الَّذِي حَمَلَهُ إلَى بَيْتِي ثُمَّ سُرِقَ الْوَقْرُ قَالُوا : إنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَيْتِ صَدَّقَ الْعَبْدَ فِيمَا قَالَ الْعَبْدُ أَنَّهُ لِمَوْلَايَ بَعَثَهُ وَدِيعَةً ضَمِنَ بِالْمَنْعِ عَنْ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ وَقَالَ : لَا أَدْرِي أَنَّهُ لِمَوْلَى الْعَبْدِ أَوْ هُوَ غَصْبٌ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ وَدِيعَةٌ لِإِنْسَانٍ آخَرَ وَتَوَقَّفَ فِي الرَّدِّ لِيَعْلَمَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ بِالْمَنْعِ عَنْ الْمَوْلَى .
قَالَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ : لِلْمُودِعِ إذَا جَاءَ أَخِي فَرُدَّ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةَ فَلَمَّا طَلَبَهَا أَخُوهُ مِنْهُ قَالَ لَهُ الْمُودَعُ : عُدْ إلَيَّ بَعْدَ سَاعَةٍ لِأَدْفَعَهَا إلَيْك فَلَمَّا عَادَ إلَيْهِ قَالَ : إنَّهَا كَانَتْ هَلَكَتْ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ وَيَكُونُ ضَامِنًا .
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إذَا طَلَبَ مِنْ الْمُودَعِ وَدِيعَتَهُ فَقَالَ : اُطْلُبْهَا غَدًا فَأُعِيدَ الطَّلَبُ فِي الْغَدِ فَقَالَ : قَدْ ضَاعَتْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُسْأَلُ الْمُودَعُ مَتَى ضَاعَتْ ؟ إنْ قَالَ : ضَاعَتْ بَعْدَ إقْرَارِي لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَالَ كَانَتْ ضَائِعَةً وَقْتَ إقْرَارِي لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ وَيَكُونُ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اُطْلُبْهَا غَدًا إنَّمَا يُقَالُ لِلشَّيْءِ الْقَائِمِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
قَرَوِيٌّ تَرَكَ عِمَامَتَهُ عِنْدَ مِصْرِيٍّ وَقَالَ لَهُ : إذَا بَعَثْت إلَيْك مَنْ يَقْبِضُ عِمَامَتِي فَادْفَعْهَا إلَيْهِ فَجَاءَ إلَيْهِ بَعْدَ أَيَّامٍ مَنْ يَقْبِضُهَا فَلَمْ يَدْفَعْ حَتَّى ضَاعَتْ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ صَارَ غَاصِبًا إلَّا إذَا كَذَّبَهُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
لَوْ دَفَعَ ثَوْبَ إنْسَانٍ فِي حِجْرِهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّسْلِيمِ إذَا طُولِبَ هَذِهِ فِي جِنَايَةِ الْهِدَايَةِ .
رَجُلٌ جَاءَ إلَى رَجُلٍ بِرِسَالَةٍ مِنْ رَجُلٍ أَنْ ادْفَعْ إلَى هَذَا خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ : لَا أَدْفَعُهَا إلَيْك حَتَّى أَلْقَاهُ فَيَأْمُرُنِي بِالْمُوَاجَهَةِ ثُمَّ قَالَ لِلرَّسُولِ بَعْدَ ذَلِكَ لَقِيتُهُ فَأَمَرَنِي بِدَفْعِهَا إلَيْك ثُمَّ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ : لَهُ أَنْ لَا يَدْفَعَ الْمَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ عَلَيْهِ دَيْنًا لِلْآمِرِ فَيَلْزَمُهُ الدَّفْعُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي النَّهْيِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالْأَمْرِ وَهُوَ رَجَعَ إلَى صِحَّةِ التَّصْدِيقِ فِي الدَّيْنِ وَفَسَادِهِ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
رَسُولُ الْمُودِعِ إذَا جَاءَ إلَى الْمُودَعِ وَطَلَبَ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ : لَا أَدْفَعُ إلَّا إلَى الَّذِي جَاءَ بِهَا فَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى سُرِقَتْ يَضْمَنُ قَالَ : وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَضْمَنُ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
طَلَبَ مِنْ الْمُودَعِ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ : لَا أَدْفَعُ وَادَّعَى الْمُودَعُ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ وَهَبَهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ وَهَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ .
قَالَ لِلْمُودِعِ : ادْفَعْهَا إلَى أَيْ وُكَلَائِي شِئْت فَطَلَبَهَا أَحَدُ وُكَلَائِهِ فَلَمْ يُعْطِهِ لِيُعْطِيَهَا إلَى وَكِيلٍ آخَرَ لَا يَضْمَنُ بِالْمَنْعِ مِنْ أَحَدِ وُكَلَائِهِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
طَلَبَهَا رَسُولُ الْمُودِعِ فَقَالَ الْمُودَعُ : لَا أَدْفَعُ إلَّا إلَى مَنْ جَاءَ بِهَا وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى رَسُولِهِ ضَمِنَ لَوْ صَدَّقَهُ لَا لَوْ كَذَّبَهُ أَنَّهُ رَسُولُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ صَدَّقَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِهَا لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الرَّسُولَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ الْمُرْسِلِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ .
قَالَ لَهُ : رَبُّهَا ادْفَعْهَا إلَى قِنِّي هَذَا فَطَلَبَهَا قِنُّهُ فَأَبَى أَوْ قَالَ غَدًا يَضْمَنُ .
أَمَرَهُ بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَأَتَاهُ وَقَالَ إنَّ فُلَانًا اسْتَوْدَعَك هَذَا فَقَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ إذْ الْوَكِيلُ حِينَ أَضَافَ الْإِيدَاعَ إلَى مُوكِلِهِ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ رَسُولًا وَبِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ يَخْرُجُ مِنْ الْوَسَطِ فَكَانَ هُوَ فِي الِاسْتِرْدَادِ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءً .
طَلَبَهَا رَبُّهَا فَقَالَ : أَعْطَيْتُكَهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَيَّامٍ : لَمْ أُعْطِكَهَا وَلَكِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ وَلَمْ يُصَدَّقْ لِلتَّنَاقُضِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
طَلَبَ وَدِيعَةً فَجَحَدَ وَقَالَ : لَمْ تَدْعُنِي يَكُونُ ضَامِنًا وَإِنْ جَحَدَهَا فِي وَجْهِ الْمُودِعِ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ : مَا حَالُ وَدِيعَةِ فُلَانٍ عِنْدَك فَجَحَدَ أَوْ جَحَدَ فِي وَجْهِ الْمُودِعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالرَّدِّ بِأَنْ قَالَ : مَا حَالُ وَدِيعَتِي عِنْدَك وَجَحَدَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ : فِيهِ خِلَافٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ يَكُونُ ضَامِنًا لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ انْتَهَى وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ إذَا جَحَدَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْوَدِيعَةِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهَا الْمُودَعُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ حَالَةَ الْجُحُودِ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ بَعْدَ الْجُحُودِ فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ مِنْ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ الْمُودَعُ إذَا جَحَدَهَا ضَمِنَهَا إلَّا إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ النَّقْلِ كَمَا فِي الْأَجْنَاسِ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَهُ وَجْهٌ قُلْتُ : وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ .
جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ ادَّعَى ضَيَاعَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمَالِكَ عَلَى الْعِلْمِ مِنْ الْقُنْيَةِ .
طَلَبَهَا رَبُّهَا فَجَحَدَ فَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ كَذَا ثُمَّ أَقَامَ الْمُودَعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا ضَاعَتْ عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَكُونُ ضَامِنًا وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّهَا قَبْلَ الْجُحُودِ وَقَالَ : إنَّمَا غَلِطْت فِي الْجُحُودِ أَوْ نَسِيت أَوْ ظَنَنْت أَنِّي رَدَدْتُهُ حِينَ دَفَعْتَهُ إلَيَّ وَأَنَا صَادِقٌ فِي قَوْلِي هَذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ لَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَوْ قَالَ : لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ ادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا صُدِّقَ انْتَهَى .
إذَا غَابَ الْمُودَعُ فَطَلَبَتْ امْرَأَةُ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ مِنْ الْوَدِيعَةِ فَجَحَدَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَقَالَ : قَدْ ضَاعَتْ كَانَ ضَامِنًا .
وَلَوْ جَحَدَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَلَاكِهَا قَبْلَ الْجُحُودِ إنْ قَالَ : لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
رَجُلٌ أُودَعَ رَجُلًا عَبْدًا فَجَحَدَهُ الْمُودَعُ وَمَاتَ فِي يَدِهِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُودَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجُحُودِ قَضَى بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِيدَاعِ أَوْ قَالَ : لَمْ تَسْتَوْدِعنِي ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ لَا يُصَدَّقُ وَلَوْ قَالَ : لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ يُصَدَّقُ .
وَفِي الْأَجْنَاسِ إذَا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا نَقَلَ الْوَدِيعَةَ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ قَبْلَ جُحُودِهِ وَهَلَكَتْ فَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا وَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ .
وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُحَوَّلُ يَضْمَنُ بِالْجُحُودِ وَإِنْ لَمْ يُحَوِّلْهَا .
لَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ بِحَيْثُ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا التَّلَفَ إنْ أَقَرَّ ثُمَّ هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا بِعَيْنِهَا وَأَقَرَّ بِهَا وَقَالَ لِصَاحِبِهَا : اقْبِضْهَا فَقَالَ صَاحِبُهَا : دَعْهَا وَدِيعَةً عِنْدَك إنْ تَرَكَهَا وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى حِفْظِهَا وَأَخْذِهَا إنْ شَاءَ فَهُوَ بَرِيءٌ وَهِيَ وَدِيعَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا فَهُوَ عَلَى الضَّمَانِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ : اعْمَلْ بِهَا مُضَارَبَةً وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَنْقُولِ وَأَمَّا فِي الْعَقَارِ فَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ : فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْعَقَارِ يَضْمَنُ بِالْجُحُودِ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَقَارًا هَلْ يَضْمَنُ بِالْجُحُودِ ؟ قِيلَ : يَضْمَنُ وِفَاقًا وَقِيلَ : لَا عِنْدَ الْحَسَنِ وَقِيلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَسَتَقِفُ فِي الْغَصْبِ عَلَى بَيَانِ مَا يَضْمَنُ بِهِ الْعَقَارَ وَمَا لَا يَضْمَنُ .
إذَا قَالَ الْمُودَعُ : بَعَثْت بِهَا إلَيْك مَعَ رَسُولِي وَسَمَّى بَعْضَ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ رَدَدْتُهَا عَلَيْك يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ وَإِنْ قَالَ : بَعَثْت بِهَا إلَيْك مَعَ أَجْنَبِيٍّ كَانَ ضَامِنًا إلَّا أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَنَّهَا وَصَلَتْ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ : بَعَثْت بِهَا إلَيْك مَعَ هَذَا الْأَجْنَبِيِّ أَوْ اسْتَوْدَعْتُهَا إلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيَّ فَضَاعَتْ عِنْدِي لَا يُصَدَّقُ وَيَصِيرُ ضَامِنًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
رَدَّهَا إلَى بَيْتِ صَاحِبِهَا أَوْ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ قِيلَ : يَضْمَنُ وَبِهِ يُفْتَى إذْ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهِ وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ وَبِهِ يُفْتَى إذْ الرَّدُّ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ الْمَالِكِ رَدٌّ إلَى الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ وَلَا مِنْ وَجْهٍ وَالضَّمَانُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ لَوْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى عَبْدِ رَبِّهَا لَمْ يَبْرَأْ سَوَاءٌ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهَا أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَاخْتُلِفَ الْإِفْتَاءُ فِيمَا إذَا رَدَّهَا إلَى دَارِ مَالِكِهَا وَإِلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ انْتَهَى .
( الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَوْتِ الْمُودَعِ مُجْهِلًا ) إذَا مَاتَ الْمُودَعُ مُجْهِلًا لِوَدِيعَةٍ ضَمِنَهَا وَمَعْنَى مَوْتِهِ مُجْهِلًا أَنْ لَا يُبَيِّنَ حَالَ الْوَدِيعَةِ وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَعْلَمُهَا أَمَّا إذَا عَرَفَ الْوَارِثُ الْوَدِيعَةَ وَالْمُودَعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَلَا تَجْهِيلَ وَلَمْ يَضْمَنْ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُصُولَيْنِ فَإِنْ قَالَ الْوَارِثُ : أَنَا عَلِمْت الْوَدِيعَةَ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ إنْ فَسَّرَهَا وَقَالَ : كُنْت كَذَا وَكَذَا وَأَنَا عَلِمْتُهَا وَهَلَكَتْ صُدِّقَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ فَقَالَ : هَلَكَتْ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ وَمَعْنَى ضَمَانِهَا صَيْرُورَتُهَا دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ يَصِيرُ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالْفُصُولَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُودَعُ صَبِيًّا مَحْجُورًا فَمَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أُودِعَ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا إذَا مَاتَ وَارِثُ الْمُودِعِ مُجْهَلًا لِمَا أُودِعَ عِنْدَ مُورِثِهِ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ مُجْهَلًا لِمَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي بَيْتِهِ وَكَذَا إذَا مَاتَ مُجْهَلًا لِمَا وَضَعَهُ مَالِكُهُ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَضْمَنُ مِنْ الْأَشْبَاهِ .
قَالَ رَبُّهَا مَاتَ مُجْهَلًا وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : كَانَتْ مُعَرَّفَةً وَقَائِمَةً ثُمَّ هَلَكَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ صُدِّقَ رَبُّهَا هُوَ الصَّحِيحُ إذْ الْوَدِيعَةُ صَارَتْ دَيْنًا فِي الظَّاهِرِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا تُصَدَّقُ الْوَرَثَةُ مِنْ الْخُلَاصَةِ وَالْفُصُولَيْنِ وَفِي قَاضِي خَانْ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ : عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الطَّالِبِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَرَثَةِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُورِثِ انْتَهَى .
وَلَوْ قَالَ وَرَثَتُهُ : رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ لَمْ تُصَدَّقْ بِلَا بَيِّنَةٍ لِمَوْتِهِ مُجْهِلًا فَتَقَرَّرَ الضَّمَانُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ بَرْهَنُوا أَنَّ الْمُودَعَ قَالَ فِي حَيَاتِهِ : رَدَدْتُهَا تُقْبَلُ إذْ الثَّابِتُ بِبَيِّنَةٍ كَالثَّابِتِ بِعِيَانٍ وَبِدُونِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
أَوْدَعَ نَحْوَ عِنَبٍ أَوْ بِطِّيخٍ وَغَابَ فَمَاتَ الْمُودَعُ ثُمَّ قَدِمَ الْمُودِعُ بَعْدَ مُدَّةٍ يَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ الْوَدِيعَةَ لَا تَبْقَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَهِيَ دَيْنٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَالَهَا وَلَعَلَّ الْمُودَعَ أَتْلَفَهَا مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
لَوْ جُنَّ الْمُودَعُ جُنُونًا مُطْبَقًا فَلَمْ تُوجَدْ الْوَدِيعَةُ صَارَتْ دَيْنًا فِي مَالِهِ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَيَأْخُذُ بِهَا ضَمِينًا ثِقَةً مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ الْمُودَعُ وَقَالَ : ضَاعَتْ أَوْ رَدَدْتُهَا أَوْ لَا أَدْرِي أَيْنَ هِيَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ .
رَجُلَانِ أَوْدَعَا أَلْفًا عِنْدَ رَجُلٍ فَمَاتَ الْمُودَعُ وَتَرَكَ ابْنًا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الِابْنَ اسْتَهْلَكَهَا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ وَقَالَ الْآخَرُ : لَا أَدْرِي مَا صَنَعْت فَلَا شَيْءَ لِمُدَّعِي الِاسْتِهْلَاكِ عَلَى الِابْنِ وَلِلْآخَرِ خَمْسُمِائَةٍ فِي مَالِ الْأَبِ وَلَا يُشْرِكُهُ صَاحِبُهُ مِنْ الْوَجِيزِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ : قَدْ رَدَدْت بَعْضَهَا وَمَاتَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فِيمَا أَخَذَ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ صَارَتْ دَيْنًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فِي مِقْدَارِ مَا أَخَذَ مَعَ يَمِينِهِ .
رَجُلٌ أَوْدَعَ عِنْدَ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ وَدِيعَةً ثُمَّ مَاتَ الْمُودَعُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ قَالَ الشَّرِيكُ الْحَيُّ : ضَاعَتْ فِي يَدِ شَرِيكِي فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَكُ مُصَدَّقًا ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ صَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهَا ضَاعَتْ وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِ أَحَدِهِمَا كَانَ بِمَكَانِ الْمُفَاوَضَةِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْمَوْتِ .
رَجُلٌ أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ جَارِيَةً قَالَ النَّاطِفِيُّ إنْ رَأَوْهَا حَيَّةً بَعْدَ مَوْتِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرَوْهَا حَيَّةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ : وَرَثَتُهُ قَدْ مَاتَتْ أَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ هَرَبَتْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ الضَّمَانَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ وَيَبِيعَ فَمَاتَ الرَّجُلُ وَلَا يَدْرِي مَا فَعَلَ وَتَرَكَ رَقِيقًا يَصِيرُ الْمَالُ دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ أَنَّ أَبَاهُمْ قَدْ رَدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا مِنْ قَاضِي خَانْ .
الْمُودَعُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَا تُعْرَفُ الْأَمَانَةُ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ بِالتَّجْهِيلِ وَلَا يُصَدَّقُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ التَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ عَيَّنَ الْمَيِّتُ الْمَالَ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ وَصِيِّهِ أَوْ فِي يَدِ وَارِثِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَيُصَدَّقَانِ عَلَى الْهَلَاكِ وَالدَّفْعِ إلَى صَاحِبِهِ كَمَا يُصَدَّقُ الْمَيِّتُ حَالَ حَيَاتِهِ مِنْ مُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ .
( مَطْلَبٌ فِي الِاخْتِلَافِ ) أَصْلُهُ أَنَّ الْمُودَعَ مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَى مَا يُوجِبُ بَرَاءَتَهُ عَنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالْأَمِينُ غَيْرُ ضَمِينٍ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الْإِذْنُ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ : اسْتَوْدَعْتَنِي أَلْفًا فَضَاعَتْ وَقَالَ الطَّالِبُ : كَذَبْت بَلْ غَصَبْتهَا مِنِّي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ : أَخَذْتُهَا مِنْك وَدِيعَةً وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ : بَلْ غَصَبْتَهَا كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهُوَ الْإِذْنُ فَلَا يُصَدَّقُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارُ بِالْإِيدَاعِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْأَخْذِ ؛ لِأَنَّهُ يَتِمُّ الْإِيدَاعُ بِدُونِ الْأَخْذِ مِنْ قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ .
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ : أَقْرَضْتُكَهَا قَرْضًا وَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ : بَلْ وَضَعْتَهَا عِنْدِي وَدِيعَةً أَوْ قَالَ : أَخَذْتَهَا مِنْك وَدِيعَةً وَقَدْ ضَاعَتْ قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَوْ قَالَ : رَدَدْت الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ مِنْ دَعْوَى الْهِدَايَةِ .
قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ : الْقَوْلُ لِلْمُودِعِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالْهَلَاكِ إلَّا إذَا قَالَ : أَمَرْتَنِي بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ رَبُّهَا فِي الْأَمْرِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّهَا ا هـ .
وَفِي الْوَجِيزِ لَوْ قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ : أَمَرْتَنِي أَنْ أَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى فُلَانٍ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ ضَمِنَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ قَالَ : بَعَثْت بِهَا مَعَ رَسُولِي أَوْ أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ا هـ .
ادَّعَى الْمُودَعُ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ وَادَّعَى رَبُّهَا الْإِتْلَافَ فَالْقَوْلُ لِلْمُودَعِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ بَرْهَنَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُودَعِ أَيْضًا مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَقِيلَ : تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الضَّمَانَ .
وَلَوْ ادَّعَى دَفْعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ لِلضَّرُورَةِ كَحَرْقٍ وَنَحْوِهِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
وَلَوْ قَالَ : أَوْدَعْتهَا عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيَّ فَهَلَكَتْ عِنْدِي وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ .
إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ : بَعَثْت بِهَا إلَيْك مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَالْمُودَعُ يُنْكِرُ وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى رَسُولِ الْمَالِكِ فَأَنْكَرَ الْمَالِكُ الرِّسَالَةَ ضَمِنَ وَصُدِّقَ الْمَالِكُ وَلَمْ يَرْجِعْ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الرَّسُولِ لَوْ صَدَّقَهُ أَنَّهُ رَسُولُهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا فَيَرْجِعُ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَإِنْ كَذَّبَهُ أَنَّهُ رَسُولُهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ يَرْجِعُ الْمُودَعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الرَّسُولِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْوَجِيزِ .
رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ فَأَعْطَاهُ الْمُسْتَوْدَعُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ اخْتَلَفَا بَعْدَ أَيَّامٍ فَقَالَ الطَّالِبُ : أَخَذْتُ الْوَدِيعَةَ فَالدَّيْنُ عَلَيْك وَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ : أَعْطَيْت الْقَرْضَ فَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الدَّافِعُ مِنْ قَاضِي خَانْ .
لَوْ قَالَ الْمَالِكُ : ادْفَعْ الْوَدِيعَةَ إلَى فُلَانٍ فَقَالَ الْمُودَعُ : دَفَعْتُهَا إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ وَقَالَ : لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ وَقَالَ رَبُّهَا : لَمْ تَدْفَعْ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُودَعِ فِي حَقِّ بَرَاءَتِهِ لَا فِي حَقِّ إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى فُلَانٍ أَيْ يُصَدَّقُ الْمُسْتَوْدَعُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَضْمَنُ فُلَانٌ أَيْضًا مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَالْوَجِيزِ .
لَوْ أَمَرَ الْمَالِكُ الْمُودَعَ بِصَرْفِ الْوَدِيعَةِ إلَى دَيْنِهِ فَقَالَ الْمُودَعُ : سُرِقَتْ فَأَنْكَرَ رَبُّهَا صُدِّقَ الْمُودَعُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ حَتَّى يَبْقَى دَيْنُهُ عَلَى رَبِّهَا كَمَا كَانَ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
لَوْ قَالَ الْمُودِعُ لِلْمَالِكِ : وَهَبْتُهَا إلَيَّ أَوْ بِعْتَهَا مِنِّي وَأَنْكَرَ رَبُّهَا ثُمَّ هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ وَمُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْعُدَّةِ .
لَوْ قَالَ الْمُودِعُ : تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ مُنْذُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَبَرْهَنَ رَبُّهَا أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ مُنْذُ يَوْمَيْنِ فَقَالَ الْمُودَعُ : وَجَدْتُهَا فَتَلِفَتْ يُقْبَلُ وَلَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ قَالَ : أَوَّلًا لَيْسَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ ثُمَّ قَالَ : وَجَدْتُهَا فَضَاعَتْ يَضْمَنُ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
طَلَبَ الْمَالِكُ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ الْمُودَعُ : أَنْفَقْتُهَا عَلَى أَهْلِك بِأَمْرِك وَقَالَ الْأَهْلُ : نَعَمْ أَمَرْتَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْنَا وَكَذَّبَهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
( الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي الْحَمَّامِيِّ وَالثِّيَابِيِّ ) لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَمَّامِيِّ وَالثِّيَابِيِّ إلَّا بِمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثِّيَابِيَّ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ ا هـ قُلْتُ : هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَأْجِرْ الْحَمَّامِيُّ لِحِفْظِ ثَوْبِهِ أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِ ثَوْبِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ قِيلَ : يَضْمَنُ وِفَاقًا وَقِيلَ : الشَّرْطُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ دَفَعَ إلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ وَاسْتَأْجَرَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ إذَا تَلَفَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ : يَضْمَنُ الْحَمَّامِيُّ إجْمَاعًا وَكَانَ يَقُولُ : لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَكَانَ يَقُولُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : وَبِهِ نَأْخُذُ وَنَحْنُ نُفْتِي بِهِ أَيْضًا وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ دَخَلَ حَمَّامًا وَقَالَ لِصَاحِبِهِ : احْفَظْ هَذِهِ الثِّيَابَ فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَجِدْ ثِيَابَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ إنْ سُرِقَ أَوْ ضَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ إذَا هَلَكَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ أَمَّا إذَا شَرَطَ يَضْمَنُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : الشَّرْطُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ ا هـ وَلَوْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ وَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْحِفْظِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ بِلَا صُنْعٍ وَالتَّفْصِيلُ الْمُخْتَارُ مِنْ ضَمَانِ الْأَجِيرِ وَكَذَا الثِّيَابِيُّ إنَّمَا يَضْمَنُ بِمَا يَضْمَنُ بِهِ الْمُودَعُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ بِإِزَاءِ الْحِفْظِ أَجْرٌ أَمَّا لَوْ شُرِطَ لَهُ بِإِزَاءِ حِفْظِ الثِّيَابِ أَجْرٌ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْحَمَّامِيِّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سُرِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّهُمَا أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الثِّيَابِيِّ عِنْدَهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الثِّيَابِيُّ أَجِيرَ الْحَمَّامِيِّ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ أَجْرًا مَعْلُومًا بِهَذَا الْعَمَلِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا عِنْدَ الْكُلِّ بِمَنْزِلَةِ تِلْمِيذِ الْقَصَّارِ وَالْمُودَعِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ
فِي مَسَائِلِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْحَمَّامِ مِنْ فَتَاوَاهُ .
رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَكَانَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ جَالِسًا لِأَجْلِ الْقِلَّةِ فَوَضَعَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ بِمَرْأَى الْعَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ شَيْئًا وَدَخَلَ الْحَمَّامَ ثُمَّ لَمْ يَجِدْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَمَّامِ ثِيَابِيٌّ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الثِّيَابِ بِمَرْأَى الْعَيْنِ مِنْهُ اسْتِحْفَاظًا وَإِنْ كَانَ لِلْحَمَّامِ ثِيَابِيٌّ فَإِنْ كَانَ الثِّيَابِيُّ حَاضِرًا لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ شَيْئًا لِأَنَّ هَذَا اسْتِحْفَاظًا مِنْ الثِّيَابِيِّ مِنْ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي الْوَجِيزِ : فَيَضْمَنُ الثِّيَابِيُّ مِثْلَ مَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ ا هـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْفُصُولَيْنِ إلَّا إذَا نَصَّ رَبُّ الثَّوْبِ عَلَى اسْتِحْفَاظِ الْحَمَّامِيِّ بِأَنْ قَالَ : أَيْنَ أَضَعُ ؟ فَيَصِيرُ الْحَمَّامِيُّ مُودَعًا حِينَئِذٍ قَالَ فِي الْوَجِيزِ : فَيَضْمَنُ الْحَمَّامِيُّ مِثْلَ مَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَإِنْ كَانَ الثِّيَابِيُّ غَائِبًا وَيَضَعُ الثِّيَابَ بِمَرْأَى الْعَيْنِ مِنْ صَاحِبِ الْحَمَّامِ كَانَ اسْتِحْفَاظًا مِنْ صَاحِبِ الْحَمَّامِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ بِالتَّضْيِيعِ حِينَئِذٍ .
رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَنَزَعَ ثِيَابَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَجِدْ ثِيَابَهُ وَوَجَدَ صَاحِبَ الْحَمَّامِ نَائِمًا قَالُوا : إنْ كَانَ نَائِمًا قَاعِدًا لَا يَكُونُ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَيْقِظٌ حُكْمًا فَلَمْ يَكُ تَارِكًا لِلْحِفْظِ وَإِنْ كَانَ نَائِمًا مُضْطَجِعًا وَاضِعًا جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْحِفْظِ مِنْ قَاضِي خَانْ وَقِيلَ : لَا إذْ نَوْمُ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ عِنْدَ الْأَمَانَةِ مُضْطَجِعًا يُعَدُّ حِفْظًا عَادَةً مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ السَّرِقَةِ وَلَوْ نَامَ الْمُودَعُ وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ ا هـ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ نَامَ الثِّيَابِيُّ فَسُرِقَتْ الثِّيَابُ إنْ نَامَ قَاعِدًا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا يَضْمَنُ .
الثِّيَابِيُّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَمَّامِ فَضَاعَ ثَوْبٌ إنْ تَرَكَهُ ضَائِعًا ضَمِنَ وَإِنْ أَمَرَ الْحَلَّاقَ أَوْ الْحَمَّامِيَّ أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَنْ يَحْفَظَ لَا يَضْمَنُ وَتَفْسِيرُ الْعِيَالِ مَرَّ .
رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ الْحَمَّامِ فَقَالَ كَانَ فِي جَيْبِي دَرَاهِمُ إنْ لَمْ يُقِرَّ الثِّيَابِيُّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَإِنْ أَقَرَّ إنْ تَرَكَهُ ضَائِعًا ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يُضَيِّعْهُ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَوَابُهُمَا وَجَوَابُ الصُّلْحِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي حَبْسِ الْقَصَّارِ ا هـ أَقُولُ : وَنَحْنُ قَدْ ذَكَرْنَا الْأَجْوِبَةَ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شِئْتَ رَاجِعْ .
دَخَلَ الْحَمَّامَ وَرَجُلٌ جَالِسٌ فَنَزَعَ ثِيَابَهُ وَتَرَكَهَا عِنْدَهُ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ احْفَظْ وَلَا الرَّجُلُ قَالَ : لَا أَحْفَظُ وَلَمْ يَقُلْ أَيْضًا لَا أَقْبَلُ فَهُوَ مُودَعٌ يَضْمَنُ لَوْ ضَيَّعَهُ وَكَذَا لَوْ نَزَعَ الثِّيَابَ حَيْثُ يَرَى الْحَمَّامِيُّ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَخَرَجَ آخَرُ وَلَبِسَهُ وَالْحَمَّامِيُّ يَرَاهُ أَوْ ضَيَّعَهُ يَضْمَنُ مِنْ إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ .
رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَوَضَعَ ثِيَابَهُ عِنْدَ صَاحِبِ الْحَمَّامِ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْحَمَّامِ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ ثِيَابُهُ أَوْ ثِيَابُ غَيْرِهِ ثُمَّ خَرَجَ صَاحِبُ الثِّيَابِ وَقَالَ : لَيْسَتْ هَذِهِ ثِيَابِي وَقَالَ الْحَمَّامِيُّ : خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْحَمَّامِ وَلَبِسَ الثِّيَابَ فَظَنَنْت أَنَّهَا ثِيَابُهُ كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَبِسَ ثَوْبًا بِمَرْأَى عَيْنِ الثِّيَابِيِّ فَظَنَّ أَنَّهُ ثَوْبُهُ فَإِذَا هُوَ ثَوْبُ الْغَيْرِ ضَمِنَ هُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
رَجُلٌ دَخَلَ وَقَالَ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ : احْفَظْ الثِّيَابَ فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَجِدْ ثِيَابَهُ فَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الْحَمَّامِ أَنَّ غَيْرَهُ رَفَعَهَا وَهُوَ يَرَاهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ رَفَعَ ثِيَابَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ وَلَمْ يَمْنَعْ الْقَاصِدَ وَهُوَ يَرَاهُ وَإِنْ أَقَرَّ أَنِّي رَأَيْت أَحَدًا رَفَعَ ثِيَابَك إلَّا أَنِّي ظَنَنْت أَنَّ الرَّافِعَ أَنْتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ تَارِكًا لِلْحِفْظِ لَمَّا ظَنَّ أَنَّ الرَّافِعَ هُوَ وَإِنْ سُرِقَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَذْهَبْ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَمْ يُضَيِّعْ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ مِنْ الْوَدِيعَةِ قَالَ فِي الْمُشْتَمِلِ وَالْفُصُولَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ الْكُلِّ إذْ صَاحِبُ الْحَمَّامِ مُودَعٌ فِي حَقِّ الثِّيَابِ إذَا لَمْ يُشْرَطْ لَهُ بِإِزَاءِ حِفْظِ الثِّيَابِ شَيْءٌ أَمَّا إذَا شُرِطَ بِإِزَاءِ حِفْظِ الثِّيَابِ أُجْرَةٌ وَكَانَ لَهُ أُجْرَةٌ بِإِزَاءِ الِانْتِفَاعِ بِالْحَمَّامِ وَالْحِفْظِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ دُفِعَ إلَى جامه دَارٌ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سُرِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ ا هـ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَضَعَ بِمَرْأَى الْحَمَّامِيِّ وَلَيْسَ لَهُ ثِيَابِي لَا يَضْمَنُ الْحَمَّامِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فَإِنَّ الْأَجْرَ بِمُقَابَلَةِ الْحَمَّامِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْأَجْرُ بِإِزَاءِ الْحَمَّامِ وَالْحِفْظِ وَلَوْ قَالَ لَهُ : أَيْنَ أَضَعُ ثِيَابِي ؟ فَأَشَارَ إلَى مَوْضِعٍ صَارَ مُودَعًا وَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَبِهِ يُفْتِي وَغَيْرُهُ لَمْ يَجْعَلْهُ اسْتِحْفَاظًا بِهَذَا الْقَدْرِ ا هـ .
امْرَأَةٌ دَخَلَتْ الْحَمَّامَ وَدَفَعَتْ ثِيَابَهَا إلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي تَمْسِكُ الثِّيَابَ فَلَمَّا خَرَجَتْ لَمْ تَجِدْ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ دَخَلَتْ الْحَمَّامَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الثِّيَابِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا تَحْفَظُ الثِّيَابَ بِأَجْرٍ لِأَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَلَمْ تَشْرِطْ لَهَا الْأَجْرَ عَلَى الْحِفْظِ كَانَ ذَلِكَ إيدَاعًا وَالْمُودَعُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا بِالتَّضْيِيعِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَخَلَتْ الْحَمَّامَ قَبْلَ هَذَا وَكَانَتْ تَدْفَعُ ثِيَابَهَا إلَى هَذِهِ الْمَاسِكَةِ وَتُعْطِيهَا الْأُجْرَةَ عَلَى حِفْظِ الثِّيَابِ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَضْمَنُ لِمَا هَلَكَ فِي يَدَيْهَا مِنْ غَيْرِ صُنْعِهَا وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الثِّيَابِيَّةِ قَالَ قَاضِي خَانْ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الثِّيَابِيُّ أَجِيرًا لِحَمَّامِيٍّ يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَجْرًا مَعْلُومًا لِهَذَا الْعَمَلِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا عِنْدَ الْكُلِّ بِمَنْزِلَةِ تِلْمِيذِ الْقَصَّارِ وَالْمُودَعِ .
امْرَأَةٌ دَخَلَتْ وَوَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِي بَيْتِ الْمَسْلَخِ وَالْحَمَّامِيَّةِ تَنْظُرُ إلَيْهَا فَدَخَلَتْ الْحَمَّامَ ثُمَّ دَخَلَتْ الحمامية بَعْدَ الْمَرْأَةِ فِي الْحَمَّامِ لِتُخْرِجَ الْمَاءَ لِتَغْسِلَ بِهِ صَبِيَّ ابْنَتِهَا وَابْنَتُهَا مَعَ صَبِيِّهَا فِي دِهْلِيزِ الْحَمَّامِ فَضَاعَتْ ثِيَابُ الْمَرْأَةِ قَالُوا : إنْ غَابَتْ الثِّيَابُ عَنْ عَيْنِ الْمَرْأَةِ وَعَيْنِ ابْنَتِهَا ضَمِنَتْ الحمامية وَإِلَّا فَلَا تَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَحْفَظَ الثِّيَابَ بِيَدِ ابْنَتِهَا فَإِذَا لَمْ تَغِبْ عَنْ نَظَرِهَا أَوْ نَظَرِ ابْنَتِهَا لَا تَضْمَنُ مِنْ إجَارَةِ قَاضِي خَانْ .
رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَقَالَ : لِلْحَمَّامِيِّ أَيْنَ أَضَعُ ثَوْبِي فَأَشَارَ الْحَمَّامِيُّ إلَى مَوْضِعٍ فَوَضَعَ ثَمَّةَ وَدَخَلَ الْحَمَّامَ ثُمَّ خَرَجَ آخَرُ وَرَفَعَ الثَّوْبَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ الْحَمَّامِيُّ لَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ الْمَالِكُ ضَمِنَ الْحَمَّامِيُّ فِي الْأَصَحِّ إذْ أَنَّهُ قَصَّرَ فِيمَا اسْتَحْفَظَهُ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحَمَّامِيَّ لَا يَضْمَنُ إذَا ظَنَّ أَنَّ الرَّافِعَ صَاحِبُ الثَّوْبِ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولَيْنِ .
وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ جَاءَ إلَى خَانٍ بِدَابَّةٍ وَقَالَ لِصَاحِبِ الْخَانِ : أَيْنَ أَرْبِطُهَا فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْخَانِ : ارْبِطْ هُنَاكَ فَرَبَطَ وَذَهَبَ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَلَمْ يَجِدْهَا فَقَالَ صَاحِبُ الْخَانِ : إنَّ صَاحِبَك أَخْرَجَ الدَّابَّةَ لِيَسْقِيَهَا وَلَمْ يَكُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ صَاحِبٌ كَانَ صَاحِبُ الْخَانِ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيدَاعٌ عُرْفًا .
وَكَذَلِكَ رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَقَالَ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ : أَيْنَ أَضَعُ الثِّيَابَ ؟ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ ا هـ .
دَخَلَ الْحَمَّامَ وَأَخَذَ فِنْجَانَه وَأَعْطَاهَا غَيْرَهُ فَوَقَعَتْ مِنْ الثَّانِي وَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا عَلَى الثَّانِي هَذِهِ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
الْبَابُ الثَّامِنُ فِي مَسَائِلِ الرَّهْنِ وَيَشْتَمِلُ هَذَا الْبَابُ عَلَى تِسْعَةِ فُصُولٍ ) .
( الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ وَحُكْمُ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ ) .
الرَّهْنُ لَا يَلْزَمُ وَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ إلَّا بِالْقَبْضِ وَيَكْتَفِي فِي الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ الْقَبْضُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونِ وَيَمْنَعُ تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحِمْلُ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقَى الْحِمْلُ ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا تَامًّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ بِهِ فَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ وِعَاءً دُونَ الدَّارِ وَالْوِعَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا رَهَنَ دَارًا وَهُمَا فِيهَا فَقَالَ : سَلَّمْت إلَيْك لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ يَقُولُ : سَلَّمْت إلَيْك .
وَلَوْ رَهَنَ صُوفًا عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ لَا يَصِيرُ قَابِضًا حَتَّى يَجُزَّ وَيَقْبِضَ .
وَلَوْ رَهَنَ بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْ دَارٍ أَوْ طَائِفَةً مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا وَسَلَّمَ جَازَ مِنْ قَاضِي خَانْ وَقَدْرُ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا إنْ هَلَكَ بِلَا صُنْعِ الْمُرْتَهِنِ وَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِمَا تُضْمَنُ بِهِ الْوَدِيعَةُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بِلَا صُنْعٍ وَلَا تَضْيِيعٍ مِنْهُ كَانَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ وَقِيمَتُهُ سَوَاءً صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ وَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَعِنْدَ زُفَرَ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ رَهَنَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخَمْسِمِائَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ الْهَلَاكِ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَقَدْ رُهِنَ بِهَا وَكَانَتْ يَوْمَ الْهَلَاكِ خَمْسَمِائَةٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ وَفِي رَهْنِ الْقُدُورِيِّ رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ قَالَ فِي الصُّغْرَى : اُعْتُبِرَ قِيمَتُهُ فِي الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ وَسَنَذْكُرُهَا فِي بَابِهِ .
وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْهَلَاكِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ فِيهِ حَتَّى كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ فِي حَيَاتِهِ وَكَفَنُهُ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ ا هـ .
وَلَوْ شَرَطَ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً جَازَ الرَّهْنُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَقَاضِي خَانْ .
رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ رَهْنًا بِمَالٍ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ : آخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ ضَاعَ ضَاعَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ : نَعَمْ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ إنْ ضَاعَ ذَهَبَ بِالْمَالِ وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ النِّكَاحِ الرَّهْنُ الْفَاسِدُ وَهُوَ رَهْنُ الْمَشَاعِ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ أَمَانَةً عَنْ الْكَرْخِيِّ .
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ عَلَى أَنَّهُ كَالرَّهْنِ الْجَائِزِ ا هـ وَفِي فَصْلِ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَمَا قَبَضَ بِرَهْنٍ فَاسِدٍ ضَمِنَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَصَحِيحِهِ وَقِيلَ : لَا يَضْمَنُ وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْبَاطِلِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَالرَّهْنُ بِالدَّرْكِ بَاطِلٌ فَلَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً ا هـ رَهْنُ الدَّرْكِ أَنْ يَبْتَاعَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو دَارًا فَيَرْهَنُ بَكْرٌ عِنْدَ زَيْدٍ شَيْئًا بِمَا يُدْرِكُهُ فِي هَذَا الْبَيْعِ ذَكَرَهُ فِي الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ خَلًّا وَأَعْطَى بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ خَمْرًا يَضْمَنُ الرَّهْنَ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ بِثَمَنِهِ رَهْنًا فَضَاعَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَالْأَوَّلُ فَاسِدٌ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بِدَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا وَأَعْطَى بِهَا رَهْنًا كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَإِنَّمَا يَجِبُ مِثْلُهَا فِي الذِّمَّةِ وَالرَّهْنُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مَا فِي الذِّمَّةِ انْتَهَى .
الْأَجَلُ فِي الرَّهْنِ يُفْسِدُهُ ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ .
زَعَمَ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَسُقُوطَ الدَّيْنِ وَزَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الرَّدَّ الْعَارِضَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ وَإِنْ زَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهَنِ لِإِنْكَارِهِ دُخُولَهُ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الضَّمَانَ .
أَذِنَ لِلْمُرْتَهَنِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فَقَالَ الرَّاهِنُ : هَلَكَ بَعْدَ تَرْكِ الِانْتِفَاعِ وَعَوْدِهِ لِلرَّهْنِ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : هَلَكَ حَالَ الِانْتِفَاعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهَنِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى زَوَالِ الرَّهْنِ فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي الْعَوْدِ إلَّا بِحُجَّةٍ .
رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَوَكَّلَ الْمُرْتَهِنَ بِالْبَيْعِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : بِعْتُهُ بِنِصْفِهَا وَقَالَ الرَّاهِنُ : لَا بَلْ مَاتَ عِنْدَك يَحْلِفُ الرَّاهِنُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ مَاتَ عِنْدَهُ فَإِذَا حَلَفَ سَقَطَ الدَّيْنُ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى الْبَيْعِ .
أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهَنِ فِي لِبْسِ ثَوْبٍ مَرْهُونٍ يَوْمًا فَجَاءَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ مُتَخَرِّقًا وَقَالَ : تَخَرَّقَ فِي لِبْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ : مَا لَبِسْته فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا تَخَرَّقَ فِيهِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِاللِّبْسِ فِيهِ وَلَكِنْ قَالَ : تَخَرَّقَ قَبْلَ اللِّبْسِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهَنِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي اللِّبْسِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ وَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهَنِ فِي قَدْرِ مَا عَادَ مِنْ الضَّمَانِ إلَيْهِ بِخِلَافِ أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ ثَمَّةَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الضَّمَانِ لِعَدَمِ اعْتِرَافِ الرَّاهِنِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ عِنْدَنَا وَلَوْ مِنْ شَرِيكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهَا .
وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَلَا زَرْعٌ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنُ النَّخِيلِ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ وَكَذَا رَهْنُ الْأَرْضِ بِدُونِ النَّخِيلِ أَوْ دُونَ الزَّرْعِ وَالنَّخِيلُ دُونَ الثَّمَرِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ جَائِزٌ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْبِنَاءِ إذْ الْبِنَاءُ اسْمٌ لِلْمَبْنِيِّ فَيَصِيرُ رَاهِنًا جَمِيعَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُجَاوَرَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ تَبَعًا وَكَذَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَلَا يَدْخُلُ الْمَتَاعُ فِي رَهْنِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَلَوْ رَهَنَ الدَّارَ بِمَا فِيهَا جَازَ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الرَّهْنِ إنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بَقِيَ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ وَإِلَّا بَطَلَ كُلُّهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
الشُّيُوعُ الطَّارِئُ يُبْطِلُ الرَّهْنَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ .
وَصُورَتُهُ الرَّاهِنُ إذَا وَكَّلَ الْعَدْلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا كَيْفَ شَاءَ فَبَاعَ بَعْضَ الرَّهْنِ بَطَلَ فِيمَا بَقِيَ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ يَبْقَى الرَّهْنُ صَحِيحًا فِيمَا بَقِيَ وَيَكُونُ الْبَاقِي مَحْبُوسًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَإِنْ هَلَكَ الْبَاقِي وَفِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْمُضَارَبَاتِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ شَيْئًا لَكِنَّهُ يُسْقِطُ الثَّمَنَ وَهُوَ حَقُّ الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ مِنْ الْهِدَايَةِ .
فَإِذَا رَهَنَ الْمُودَعُ بِعَيْنِ الْوَدِيعَةِ رَهْنًا أَوْ الْمُسْتَعِيرُ بِالْعَارِيَّةِ يَكُونُ بَاطِلًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَكَذَا لَوْ رَهَنَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَيْنِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَوْ أَخَذَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْآجِرِ رَهْنًا بِالْعَيْنِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ بَاطِلًا وَكَذَا إذَا بَاعَ عَيْنًا وَأَعْطَى بِالْمَبِيعِ رَهْنًا لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ بَاطِلًا فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ فَإِنْ هَلَكَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ تَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ تَهْلِكُ بِالْقِيمَةِ كَضَمَانِ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى الْبَائِعِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ سَيْفًا وَأَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا بِالسَّيْفِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ قِيمَةِ السَّيْفِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْوَجِيزِ الرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ مُنْعَقِدٌ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ا هـ .
وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي الدَّيْنِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ شَامِلٌ لِلْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا رَهْنٌ وَالرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ بَاطِلٌ فَإِذَا هَلَكَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ كَالصَّحِيحِ ا هـ .
وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِعَيْنِهَا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ هَلَاكِهَا مِثْلُ الْمَغْضُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُتَقَرِّرٌ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَأَخَذَ الْوَلِيُّ مِنْ الْعَاقِلَةِ رَهْنًا بِالدِّيَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي جَازَ وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا جَرَحَ غَيْرَهُ جِرَاحَةً لَا يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْأَرْشِ لِلْمَجْرُوحِ فَأَخَذَ بِالْأَرْشِ رَهْنًا أَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً وَقَضَى الْقَاضِي بِنِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَأَخَذَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ رَهْنًا مِنْ الْعَاقِلَةِ جَازَ وَكَذَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ أَيِّ دَيْنٍ كَانَ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَيَصِحُّ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : رَهَنْتُك هَذَا لِتُقْرِضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِمَا سَمَّى مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْوَجِيزِ رَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ دِرْهَمًا فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ يُعْطِيهِ دِرْهَمًا وَلَوْ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْقَرْضَ يُعْطِيهِ الْمُرْتَهِنُ مَا شَاءَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ : أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِدَرَاهِمَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَلَوْ قَالَ : أَمْسِكْهُ رَهْنًا بِنَفَقَةٍ يُعْطِيهَا إيَّاهُ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ : أَقْرِضْنِي وَخُذْ هَذَا الرَّهْنَ وَلَمْ يُسَمِّ الْقَرْضَ وَأَخَذَ الرَّهْنَ فَضَاعَ وَلَمْ يُقْرِضْهُ أَنَّهُ قَالَ : عَلَيْهِ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَلَوْ رَهَنَ ثَوْبًا فَقَالَ : أَمْسِكْهُ بِعِشْرِينَ فَهَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ ا هـ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ الرَّهْنَ الْمَقْبُوضَ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ إنَّمَا يَهْلِكُ بِمَا سَمَّى مِنْ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ بَلْ بِالْقِيمَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقِسْمَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقُدْرَةِ فَحُكْمُهُ يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فَاعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ : أَقْرِضْنِي فَقَالَ : لَا أُقْرِضُك إلَّا بِرَهْنٍ فَرَهَنَهُ رَهْنًا ثُمَّ ضَاعَ الرَّهْنُ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ وَلَمْ يَكُنْ سَمَّى الْقَدْرَ قَالَ : يُعْطِيهِ مَا شَاءَ وَلَوْ قَالَ : أَنَا أُعْطِيكَ فَلْسًا قَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ ا هـ .
سَأَلَ مِنْ الْبَزَّازِ ثَوْبًا لِيُرِيَهُ غَيْرَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَقَالَ الْبَزَّازُ : لَا أَدْفَعُهُ إلَيْك إلَّا بِرَهْنٍ فَرَهَنَ عِنْدَهُ مَتَاعًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ وَالثَّوْبُ قَائِمٌ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ لَا يَضْمَنُ الْبَزَّازُ مِنْ الْقُنْيَةِ .
غَصَبَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ الدَّارَ الْمَرْهُونَةَ فَهُوَ كَالْهَلَاكِ إلَّا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ أَبَاحَ لَهُ الِانْتِفَاعَ فَغَصَبَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الِانْتِفَاعِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِالدَّيْنِ .
غَصَبَ دَارًا مَرْهُونَةً فَأَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ كُلَّهَا وَالْمُرْتَهِنُ يَسْكُنُ مَعَهُ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ فَمَا هَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ الرَّاهِنِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ أَوْ أَخْرَجَهُ الْغَاصِبُ عَنْهَا فَمَا هَلَكَ يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ .
رَهَنَ دَارًا مَخْدَعًا وَمَشْتَاتَا فَارِغَيْنِ وَقَيْطُونًا مَشْغُولًا بِمَتَاعِ الرَّاهِنِ قِيمَتُهَا ثَلَاثُونَ بِعَشَرَةٍ وَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ وَهَلَكَتْ بِالْغَرَقِ لَا يَضْمَنُ الْمَشْغُولَ أَصْلًا وَلَا الزِّيَادَةَ فِيمَا يُقَابِلُ الْفَارِغَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا هُوَ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ صَحِيحٍ لَا غَيْرِ الْمَقْبُوضِ .
وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ الَّذِي بِهِ رَهَنَهُ وَلَيْسَ فِيهِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ الْقُنْيَةِ وَفِيهَا عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُعْطِيهِ الْمُرْتَهِنُ مَا شَاءَ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ : لَا أَسْتَحْسِنُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ إذَا ضَاعَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ا هـ وَفِي فَصْلِ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ : الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَقِيلَ : مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ ا هـ .
رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَهُ إنْسَانٌ ثَوْبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ : أَرْجِعُ إلَيْك وَآخُذُ مِنْكَ شَيْئًا فَضَاعَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ يُعْطِيهِ الْمُرْتَهِنُ مَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ قُلْنَا .
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى آخَرَ جَارِيَةً وَقَالَ : بِعْهَا وَلَك أَجْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ الْأَجْرَ فَضَاعَ الرَّهْنُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْأَشْبَاهِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فِي الْأَصَحِّ .
وَفِي الْوَجِيزِ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ الَّذِي سَيَجِبُ كَالرَّهْنِ بِالْأُجْرَةِ بَاطِلٌ ا هـ .
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ : مَا بَايَعْت فُلَانًا فَثَمَنُهُ عَلَيَّ وَأَعْطَاهُ بِهِ رَهْنًا قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ : ضَمِنْت مَالَكَ عَلَى فُلَانٍ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَأَعْطَى بِذَلِكَ رَهْنًا جَازَ وَلَوْ قَالَ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك مَا عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ رَهْنًا لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَجُوزُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا بِالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَوْ يَهْلِكُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا بِأَجْرِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ حَتَّى لَوْ ضَاعَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْهَنَ خَمْرًا أَوْ يَرْتَهِنَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِتَعَذُّرِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ثُمَّ الرَّاهِنُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَالْخَمْرُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِلذِّمِّيِّ كَمَا إذَا غَصَبَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا لَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَى ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّهَا مَالٌ فِي حَقِّهِمْ أَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَهُمْ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهَا وَارْتِهَانُهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ كَمَا لَا يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ .
وَلَوْ شَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ بِثَمَنِهِ عَبْدًا أَوْ خَلًّا أَوْ شَاةً مَذْبُوحَةً ثُمَّ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا وَالْخَلُّ خَمْرًا وَالشَّاةُ مَيْتَةً فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا وَكَذَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا وَرَهَنَ بِقِيمَتِهِ رَهْنًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ .
وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى إنْكَارٍ وَرَهَنَ بِمَا صَالَحَ عَلَيْهِ رَهْنًا ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُهُ وَكَذَا قِيَاسُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
الرَّهْنُ الْمَضْمُونُ مَضْمُونٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا قَالُوا : لَا خِلَافَ فِيهِ إنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَا دَيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ يَكُونُ مَضْمُونًا .
رَجُلٌ رَهَنَ عَبْدًا بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَقَبَضَ الْعَبْدَ فَمَاتَ فِي يَدِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهَنِ عَلَى الرَّاهِنِ شَيْءٌ مِنْ الْحِنْطَةِ يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقِيمَةِ كُرِّ حِنْطَةٍ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ .
رَهَنَ شَيْئًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَأَعْطَى بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ شَاةً مَذْبُوحَةً وَرَهَنَ بِالضَّمَانِ شَيْئًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا كَانَتْ مَيْتَةً فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ .
رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَأَعْطَاهُ رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّاهِنِ خَمْسَمِائَةٍ .
الْمُودَعُ إذَا ادَّعَى هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ وَصَاحِبُهَا يَدَّعِي عَلَيْهِ الْإِتْلَافَ فَتَصَالَحَا عَلَى مَالٍ وَأَعْطَاهُ رَهْنًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ .
وَلَوْ ادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ الْوَدِيعَةَ وَجَحَدَ الْمُودَعُ الْإِيدَاعَ فَتَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ الصُّلْحُ فِي قَوْلِهِمْ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ الْإِيدَاعَ وَالِاسْتِهْلَاكَ وَالْمُودَعُ يُقِرُّ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَدَّعِ الرَّدَّ وَالْهَلَاكَ وَتَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ الصُّلْحُ فِي قَوْلِهِمْ .
وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ : هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ قَالَ : رَدَدْت وَسَكَتَ صَاحِبُ الْمَالِ أَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي فَاصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ : ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ رَدَدْت وَقَالَ لِصَاحِبِ الْمَالِ إنَّك اسْتَهْلَكْتَهَا فَاصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ الصُّلْحُ إذَا أَعْطَى بِبَدَلِ الصُّلْحِ رَهْنًا جَازَ الرَّهْنُ وَفِيمَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْفَتْوَى فِي الصُّلْحِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَوْ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ بِوَجْهٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِضَمَانِ السَّرِقَةِ فَأَخَذَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِالْمَالِ رَهْنًا جَازَ وَكَذَا الْمَوْلَى إذَا أَخَذَ مِنْ مُكَاتِبِهِ رَهْنًا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ جَازَ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ شَيْئًا وَأَعْطَى بِالْأَجْرِ رَهْنًا جَازَ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَجْرِ وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَطَلَ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ قِيمَةِ الرَّهْنِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا وَأَخَذَ مِنْ الْخَيَّاطِ رَهْنًا بِالْخِيَاطَةِ جَازَ وَإِنْ أَخَذَ الرَّهْنَ بِخِيَاطَةِ هَذَا الْخَيَّاطِ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ .
وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إبِلًا إلَى مَكَّةَ فَأَخَذَ مِنْ الْجَمَّالِ بِالْحُمُولَةِ رَهْنًا جَازَ وَإِنْ أَخَذَ بِحُمُولَةِ هَذَا الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِدَابَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا يَجُوزُ .
وَلَوْ اسْتَعَارَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَأَخَذَ الْمُعِيرُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ رَهْنًا بِرَدِّ الْعَارِيَّةِ جَازَ وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا بِرَدِّ الْعَارِيَّةِ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ أَخَذَ رَهْنًا مِنْ الْمُسْتَعِيرِ بِالْعَارِيَّةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَقَدْ مَرَّ وَكَذَا الرَّهْنُ بِدَيْنِ الْقِمَارِ أَوْ بِدَمِ الْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الرَّهْنِ بِثَمَنِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِثَمَنِ الْخِنْزِيرِ بَاطِلٌ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبِثَمَنِ الصَّرْفِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِثَمَنِ الصَّرْفِ وَرَأْسُ مَالِ الْمُسَلَّمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ تَمَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ حُكْمًا وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ بَطَلَا لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَيُرَدُّ الرَّهْنُ عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنْ هَلَكَ لَرَهَنَ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسَلَّمِ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ السَّلَمُ .
وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسَلَّمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَحْبِسَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ وَبِهِ رَهْنٌ يَكُونُ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُهُ وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ أَقْرَضَ الرَّجُلُ كُرًّا مِنْ طَعَامٍ وَأَخَذَ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ رَهْنًا بِالطَّعَامِ ثُمَّ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ اشْتَرَى الطَّعَامَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ وَبَرِئَ مِنْ الطَّعَامِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ الَّذِي كَانَ قَرْضًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الطَّعَامِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ مَا قَبَضَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ فِي طَعَامٍ وَأَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا يُسَاوِي الطَّعَامَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَمْ يَقْبِضْ رَبُّ السَّلَمِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ حَتَّى هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَإِذَا تَقَابَضَا الرَّهْنَ ثُمَّ تَنَاقُضَاهُ بِالتَّرَاضِي وَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ مَضْمُونًا وَالرَّهْنُ بَاقٍ مَا بَقِيَ الْقَبْضُ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
وَيَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَبْدًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ اسْتِحْسَانًا وَالْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي هَذَا .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَيَصِيرُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ مُوفِيًا لَهُ وَيَضْمَنُ لِلصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِهِ وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ أَوْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ جَازَ وَلَوْ ارْتَهَنَهُ الْوَصِيُّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ أَوْ رَهَنَ عَيْنًا لَهُ مِنْ الْيَتِيمِ بِحَقٍّ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَالْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ فَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ .
وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ أَوْ مِنْ أَبِيهِ أَوْ عَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ .
وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ فَرَهَنَ بِهِ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ جَازَ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ جَائِزَةٌ لِلْحَاجَةِ وَالرَّهْنُ يَقَعُ إيفَاءً لِلْحَقِّ فَيَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوْ اتَّجَرَ لِلْيَتِيمِ فَارْتَهَنَ أَوْ رَهَنَ .
وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ فَأَدْرَكَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ لَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ رَهَنَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ فَقَضَاءُ الِابْنِ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ .
وَلَوْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ فَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ الْأَبُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَلَدِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ .
وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْوَصِيُّ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَهَلَكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ وَالْحُكْمُ فِيهِ هَذَا وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَى الْوَصِيِّ وَهُوَ الْمُطَالَبُ بِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ إذْ هِيَ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ فَإِنْ قَضَى بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ وَرَهَنَ عِنْدَهَا بِالْمَهْرِ عَيْنًا تُسَاوِي أَلْفًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهَا يَهْلِكُ بِصَدَاقِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَتْ صَدَاقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْهَلَاكِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوَّلًا سَقَطَ مِنْ الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَبْقَى الرَّهْنُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ وَهُوَ نِصْفُ الصَّدَاقِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُ بِمَا بَقِيَ عَلَى الزَّوْجِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا وَرَهَنَ عِنْدَهَا عَيْنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَمَلَكَ الرَّهْنَ يَهْلِكُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَتَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ مَا زَادَ عَلَى مُتْعَةِ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ اسْتَوْفَتْ مَهْرَ مِثْلِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَالرَّهْنُ قَائِمٌ وَوَجَبَتْ لَهَا الْمُتْعَةُ ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ بِالْمُتْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ بِالْمُتْعَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّهْنَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ يَصِيرُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ لَا يَصِيرُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ مِنْ قَاضِي خَانْ وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمَشْغُولِ بِحَقِّ الْغَيْرِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ .
اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَقَالَ الْمُقْرِضُ إنَّهَا لَا تَكْفِيك وَلَكِنْ ابْعَثْ إلَيَّ رَجُلًا حَتَّى أَبْعَثَ إلَيْك مَا يَكْفِيك فَدَفَعَ إلَيْهِ رَهْنًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا يَعْنِي يَكُونُ رَهْنًا بِخَمْسِينَ مِنْ الْوَجِيزِ قَاضِي خَانْ .
أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ ثُمَّ رَهَنَهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ : الرَّهْنُ جَائِزٌ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ لَا يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِنُقْصَانِ الْوِلَادَةِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَوْ رَهَنَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ بِجِنْسِهَا فَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ رَهَنَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشْرَةٌ بِعَشْرَةٍ فَضَاعَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ قَالَ : مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ هَذَا الْجَوَابُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ مِثْلُ الدَّيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي فَيَصِيرُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ مُسْتَوْفِيًا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
لَوْ رَهَنَ مَا يُقَسَّمُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ جَازَ وَعَلَيْهِمَا أَنْ يَقْتَسِمَا وَلَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ ضَمِنَ نِصْفَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَا يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ .
وَإِنْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جَازَ وَجَمِيعُهَا رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ تَهَايَآ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ فَإِنْ أَعْطَى أَحَدَهُمَا دَيْنَهُ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا فِي يَدِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ .
وَإِنْ رَهَنَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لِرَجُلٍ رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَلِلْمُرْتَهَنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ فَإِنْ أَقَامَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا يَبِيعُهُ بِحَقِّهِ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَفِي قَاضِي خَانْ لَوْ ارْتَهَنَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا بِدَيْنٍ لَهُمَا عَلَيْهِ وَهُمَا شَرِيكَانِ فِيهِ أَوْ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ إذَا قَبِلَا وَلَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ أَحَدِهِمَا وَقَدْ قَبِلَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ نِصْفَ الرَّهْنِ وَلَوْ رَهَنَ مِنْهُمَا وَقَالَ : رَهَنْت النِّصْفَ مِنْ هَذَا وَالنِّصْفَ مِنْ هَذَا الْآخَرِ لَا يَجُوزُ ا هـ .
وَفِي الْهِدَايَةِ مِنْ الْهِبَةِ وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَصَّ عَلَى الْإِبْعَاضِ لَا يَجُوزُ ا هـ وَإِنْ شَرَطَا فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْوَجِيزِ .
رَجُلٌ رَهَنَ شَيْئًا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَسَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى بَيْعِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَلَمْ يَقْبِضْ الْعَدْلُ الرَّهْنَ حَتَّى حَلَّ الدَّيْنُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَوْ قَالَ : رَهَنْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ جَازَ الرَّهْنُ فِيهِ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمِ الْمَيِّتِ جَازَ إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا غَيْبًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ كِبَارًا غَيْبًا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الصِّغَارِ خَاصَّةً .
وَلَوْ اسْتَدَانَ لِنَفَقَةِ الْوَرَثَةِ وَنَوَائِبِهِمْ وَرَهَنَ بِهِ يَجُوزُ عَلَى الصِّغَارِ خَاصَّةً دُونَ الْكِبَارِ وَلَوْ اسْتَدَانَ لِنَفَقَةِ رَقِيقِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَرَهَنَ بِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ حُضُورًا أَوْ غَيْبًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الصِّغَارِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ عَلَى الْكُلِّ .
رَهَنَ الْعَبْدَ التَّاجِرَ وَارْتِهَانُهُ جَائِزٌ وَيَبْقَى رَهْنُهُ وَارْتِهَانُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ كَالْمُكَاتِبِ إذَا عَجَزَ .
الْمُكَاتِبُ كَالْحُرِّ فِي الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
الذِّمِّيُّ فِي الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ كَالْمُسَلَّمِ وَالْمُسْتَأْمَنِ فِيهِمَا كَالذِّمِّيِّ مِنْ الْوَجِيزِ .
رَجُلٌ رَهَنَ جَارِيَةً ذَاتَ زَوْجٍ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ صَحَّ الرَّهْنُ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهَنِ أَنْ يَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ غَشَيَانِهَا فَإِنْ مَاتَتْ مِنْ غَشَيَانِهَا كَانَتْ كَأَنَّهَا مَاتَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَيَسْقُطُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْقُطَ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا وَطِئَهَا بِتَسْلِيطِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ وَطِئَهَا .
وَلَوْ رَهَنَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَجَاءَ الْمَالِكُ ضَمِنَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ وَلَا يَنْفُذُ الرَّهْنُ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِالدَّفْعِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا يَكُونُ مَالِكًا وَقْتَ الرَّهْنِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ رَهَنَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ ثُمَّ أَنَّ الرَّاهِنَ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ مَوْلَاهُ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بَعْدَ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَالِكًا وَقْتَ الرَّهْنِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَالرَّهْنُ جَائِزٌ فِي الْخَرَاجِ هَذِهِ فِي كِفَايَةِ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ رَهَنَهُ مِنْ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي هَذِهِ فِي جِنَايَاتِ الْهِدَايَةِ .
رَهْنُ الْمُصْحَفِ جَائِزٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ مِنْ دُرَرِ الْبِحَارِ .
( الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَصِيرُ بِهِ رَهْنًا وَمَا لَا يَصِيرُ ) .
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ وَقَالَ : خُذْ أَيَّهُمَا شِئْت رَهْنًا بِدَيْنِي فَأَخَذَهُمَا فَضَاعَا فِي يَدِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ وَجَعَلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ عَلَيْهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَدَفَعَ الْمَدْيُونُ إلَى الطَّالِبِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَقَالَ : خُذْ مِنْهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَبَضَهَا فَضَاعَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا ضَاعَتْ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَقَالَ : خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا بِدَيْنِك فَأَخْذُهُمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ قَالَ مُحَمَّدٌ : يَذْهَبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ مِثْلَ الدَّيْنِ .
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَى بَعْضَهُ ثُمَّ دَفَعَ إلَى الدَّائِنِ عَبْدًا وَقَالَ : هَذَا رَهْنٌ عِنْدَك بِشَيْءٍ إنْ كَانَ بَقِيَ لَك فَإِنِّي لَا أَدْرِي أَبَقِيَ لَك شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَبْقَ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ رَهْنٌ بِمَا بَقِيَ إنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهَلَكَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْعَبْدَ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى .
وَلَوْ أَنَّ الْمَدْيُونَ قَضَى الدَّيْنَ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ : خُذْ هَذَا رَهْنًا بِمَا كَانَ فِيهَا مَنْ زَيْفٍ أَوْ سَتُّوقٍ فَهُوَ رَهْنٌ جَائِزٌ بِمَا كَانَ سُتُّوقًا وَلَا يَكُونُ رَهْنًا بِمَا كَانَ زَيْفًا ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الزُّيُوفِ اسْتِيفَاءٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الرَّهْنُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ السَّتُّوقِ .
رَجُلٌ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمَبِيعَ وَأَعْطَاهُ ثَوْبًا آخَرَ حَتَّى يَكُونَ رَهْنًا بِالثَّمَنِ قَالَ مُحَمَّدٌ : لَمْ يَكُنْ هَذَا رَهْنًا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّوْبَ الثَّانِي فَإِنْ هَلَكَ الثَّوْبُ الثَّانِي عِنْدَ الْبَائِعِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ يَهْلِكُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا .
رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ الْمَدْيُونُ ثَوْبًا وَقَالَ : خُذْ هَذَا رَهْنًا بِبَعْضِ حَقِّك فَقَبَضَ وَهَلَكَ قَالَ زُفَرُ : يَهْلِكُ بِالْقِيمَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَذْهَبُ بِمَا شَاءَ الْمُرْتَهِنُ وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّهْنِ بِفَضْلِ دَيْنِهِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ فَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ ثَوْبًا وَقَالَ : امْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ فَالثَّوْبُ رَهْنٌ وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَكُونُ رَهْنًا وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِذَا قَالَ : امْسِكْهُ بِدَيْنِك أَوْ مِمَّا لَك كَانَ رَهْنًا اتِّفَاقًا مِنْ الْهِدَايَةِ .
رَهَنَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَقَضَى دِينَارَيْنِ ثُمَّ قَالَ يَكُونُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ فَهُوَ رَهْنٌ بِالْخَمْسَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ بِدِينَارَيْنِ مِنْ الْقُنْيَةِ .
رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ عِلَّةً لِرَجُلٍ فَقَالَ لِلدَّائِنِ : امْسِكْ هَذِهِ الْأَلْفَ الْوَضَحَ بِحَقِّك وَاشْهَدْ لِي بِالْقَبْضِ كَانَ هَذَا اقْتِضَاءً وَكَذَا لَوْ قَالَ : اشْهَدْ لِي بِالْقَبْضِ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ : اعْطِنِي حَتَّى أَشْهَدَ لَك ، فَقَالَ : امْسِكْ هَذِهِ الْأَلْفَ الْوَضَحَ وَاشْهَدْ لِي بِالْقَبْضِ وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ الْوَضَحَ حَتَّى آتِيَك بِحَقِّك وَاشْهَدْ لِي بِالْقَبْضِ فَأَخَذَ فَهُوَ رَهْنٌ وَلَا يَكُونُ اقْتِضَاءً .
رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَحَدُهُمَا : رَهْنٌ لَك بِعَشَرَةٍ أَوْ قَالَ : خُذْ أَيَّهمَا شِئْت رَهْنًا بِدَيْنِك قَالَ أَبُو يُوسُفَ : هَذَا بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَا جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ .
رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ خَانًا فَلَمْ يَدَعْهُ صَاحِبُ الْخَانِ حَتَّى دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ رُوِيَ عَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ رَهَنَهُ بِأُجْرَةِ الْبَيْتِ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ الرَّهْنَ لِخَوْفِ السَّرِقَةِ ضَمِنَ صَاحِبُ الْخَانِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : عِنْدِي لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْخَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّافِعُ مُكْرَهًا فِي الدَّفْعِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
رَجُلٌ تَقَاضَى دَيْنَهُ مِنْ مَدْيُونِهِ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ مِنْ رَأْسِهِ رَهْنًا بِدَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ فَإِنْ هَلَكَتْ هَلَكَتْ بِالدَّيْنِ كَالرَّهْنِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ وَالْوَجِيزِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ رَبُّ الدَّيْنِ إذَا تَقَاضَى الْمَدْيُونَ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ مِنْ رَأْسِهِ وَقَالَ اقْضِ دَيْنِي حَتَّى أَرُدَّهَا عَلَيْك فَذَهَبَ بِهَا فَجَاءَ الْمَدْيُونُ بَعْدَ أَيَّامٍ بِدَيْنِهِ وَقَدْ هَلَكَتْ الْعِمَامَةُ تَهْلِكُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : هَكَذَا ذَكَرُوا وَهَذَا يَسْتَقِيمُ إذَا أَمْكَنَهُ اسْتِرْدَادُهَا فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ أَمَّا إذَا عَجَزَ وَتَرَكَهَا بِعَجْزِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى .
أَخَذَ عَيْنَ آخَرَ فَقَالَ : لَا أَدْفَعُهُ إلَيْك حَتَّى تُعْطِنِي عَيْنِي فَتَنَازَعَا فَوُضِعَتْ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَهَلَكَتْ الْعَيْنَانِ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَ الْعَيْنُ غَصْبًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
وَلَوْ زَوَّجَ الرَّاهِنُ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ جَازَ النِّكَاحُ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ غَشَيَانِهَا فَإِنْ غَشِيَهَا الزَّوْجُ يَصِيرُ الْمَهْرُ رَهْنًا مَعَ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَقَبْلَ الْغَشَيَانِ لَا يَكُونُ الْمَهْرُ رَهْنًا لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَتَأَكَّدُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ غَشَيَانِهَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الرَّاهِنُ ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الزَّوْجُ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالرَّهْنِ وَكَتَمَ عَنْهُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
( الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنُ ) .
الشُّيُوعُ الطَّارِئُ يُبْطِلُ الرَّهْنَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُبْطِلُهُ ، وَصُورَتُهُ الرَّاهِنُ إذَا وَكَّلَ الْعَدْلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا كَيْفَ شَاءَ فَبَاعَ بَعْضَ الرَّهْنِ بَطَلَ فِيمَا بَقَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ شَائِعًا يَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ يَبْقَى الرَّهْنُ صَحِيحًا فِيمَا بَقِيَ ، وَيَكُونُ الْبَاقِي مَحْبُوسًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَإِنْ هَلَكَ الْبَاقِي وَفِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَهْلَكُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا غَيْرَ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْوَجِيزِ وَلَوْ ارْتَهَنَ دَابَّتَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا لَمْ يُفْتِك الْأُخْرَى إلَّا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ هَلَكَتْ هَلَكَتْ بِحِصَّتِهَا .
وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ثُمَّ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ : إنِّي قَدْ احْتَجْت إلَى أَحَدِ الْغُلَامَيْنِ فَرُدَّهُ عَلَيَّ فَفَعَلَ فَالثَّانِي رَهَنَ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا ، وَإِنْ مَاتَ مَاتَ بِحِصَّتِهِ انْتَهَى .
وَأَمَّا إذَا أَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ لِيَخْدُمَهُ أَوْ لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا فَقَبَضَهُ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ ، وَلَكِنْ يَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ إلَى يَدِهِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي الْحَالِ ، وَإِذَا بَقِيَ الرَّهْنُ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ ، وَكَذَا لَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ الضَّمَانِ ، وَيَبْقَى عَقْدُ الرَّهْنِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ حَتَّى لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَفِي التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الْآخَرِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَيَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَيْنِ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا قَالَ قَاضِي خَانْ : الثَّمَنُ رَهْنٌ سَوَاءٌ شُرِطَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَنْ يُبَاعَ بِدَيْنِهِ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا لَوْ شُرِطَ أَنْ يُبَاعَ بِدَيْنِهِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا ، وَيَصِيرَ الثَّمَنُ رَهْنًا مَكَانَ الْأَوَّلِ مَقْبُوضًا كَانَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَإِذَا نَوَى كَانَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ الرَّاهِنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ فَدَفَعَ بِهِ يَكُونُ الْمَدْفُوعُ رَهْنًا مَكَانَ الْأَوَّلِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ أَجَّرَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ أَوْ بِدُونِهِ ثُمَّ أَجَازَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ ، وَلِلرَّاهِنِ أَجْرُهُ ، وَلِلْعَاقِدِ قَبْضُهُ ، وَلَا يَعُودُ رَهْنًا بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ ، وَلَا يَصِيرُ الْأَجْرُ مَرْهُونًا مَكَانَ الرَّهْنِ إلَّا إذَا شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَجْرُ مَرْهُونًا عِنْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ مُرْتَهِنُهُ جَازَ ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ لِوُجُودِ الْقَبْضِ لِلْإِجَارَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَعُودَ فِي الرَّهْنِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فَيُهْلِكُ أَمَانَةً لَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ عَنْ رَاهِنِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْإِجَارَةِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
لَوْ أَجَّرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَعُودَ فِي الرَّهْنِ ، وَيَأْخُذَهُ وَإِنْ أَجَّرَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهُ فِي الرَّهْنِ ، وَكَذَا لَوْ أَجَّرَهُ الرَّاهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةً ، وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهُ فِي الرَّهْنِ ، وَإِنْ أَجَازَا جَمِيعًا خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ ، وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ مَتَى مَا حَصَلَ الْإِذْنُ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلَّذِي أَجَّرَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَوْ أَجَّرَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ سَنَةً بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّاهِنِ فَانْقَضَتْ السَّنَةُ ثُمَّ أَجَازَ الرَّاهِنُ لَمْ يَصِحَّ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهُ فِي الرَّهْنِ ، وَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ جَازَتْ ، وَنِصْفُ الْأَجْرِ لِلْمُرْتَهِنِ يَتَصَدَّقُ بِهِ ، وَنِصْفُهُ لِلرَّاهِنِ ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهُ فِي الرَّهْنِ .
رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى رَجُلٍ فَارْتَهَنَا مِنْهُ أَرْضًا لَهُ بِدَيْنِهِمَا ، وَقَبَضَاهَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا : إنَّ الْمَالَ الَّذِي لَنَا عَلَى فُلَانٍ بَاطِلٌ ، وَالْأَرْضُ فِي أَيْدِينَا تَلْجِئَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ : بَطَلَ الرَّهْنُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَيَبْرَأُ مِنْ حِصَّتِهِ ، وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ مِنْ الْوَجِيزِ .
لَوْ اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ بَعْدَ هَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَحَقَّ الرَّاهِنُ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ ، وَبِالدَّيْنِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ .
وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَ عَيْنًا لِيَرْهَنَهُ ، وَقَدْ سَمَّى لَهُ الْمُعِيرُ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا أَوْ مَكَانًا أَوْ مُرْتَهِنًا فَخَالَفَ الْمُسْتَعِيرُ وَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالْمُعِيرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ ، وَيَتِمُّ عَقْدُ الرَّهْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ ، وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
رَجُلٌ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ ، وَبِهِ رَهْنٌ عِنْدَهُ ثُمَّ إنَّهُمَا تَنَاقَضَا عَقْدَ الرَّهْنِ ، وَلَمْ يَأْخُذْ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ ، وَيَبْقَى الرَّهْنُ مَا بَقِيَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْهِدَايَةِ لَوْ تَفَاسَخَا الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ مَا لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ أَوْ يُبْرِئْهُ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى وَجْهِ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ انْتَهَى .
وَفِي فَصْلِ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِالتَّفَاسُخِ قَبْلَ رَدِّهِ فَيَضْمَنُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ، وَلِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ انْتَهَى .
وَلَوْ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَى رَاهِنِهِ لِيَبِيعَهُ بَطَلَ الرَّهْنُ ، وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ ، وَالْأَصَحُّ بَقَاءُ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ كَالْإِعَارَةِ مِنْ رَاهِنِهِ ، وَهِيَ لَا تُبْطِلُ الرَّهْنَ ، وَلَكِنْ يُبْطِلُ ضَمَانَهُ حَتَّى يُهْلِكَ أَمَانَةً فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِزَوَالِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ ، وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَا بِمَوْتِهِمَا ، وَيَبْقَى رَهْنًا عِنْدَ الْوَرَثَةِ ، وَلَوْ وَضَعَ الرَّهْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَمَاتَ الْعَدْلُ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَيُوضَعُ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ آخَرَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا فَإِنْ اخْتَلَفَا وَضَعَهُ الْقَاضِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ .
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ شَيْئًا ، وَأَعْطَى بِالْأَجْرِ رَهْنًا جَازَ فَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَجْرِ ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَطَلَ الرَّهْنُ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ قِيمَةِ الرَّهْنِ ، وَلَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ الْمَرْهُونَةَ فَزَرَعَ أَوْ يَسْكُنَ الدَّارَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ فَيَعُودَ رَهْنًا ، وَمَا دَامَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ لَا يَكُونُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ
رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا فَرَهَنَهُ بِدَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ ، وَهَلَكَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ كَانَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ تَمَّ الرَّهْنُ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ ، وَيَبْطُلَ الرَّهْنُ ، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ دَفَعَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ إلَى رَجُلٍ وَدِيعَةً ثُمَّ رَهَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْعَبْدِ ، وَضَمَّنَ الْغَاصِبَ أَوْ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ فَرَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ جَازَ الرَّهْنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَبْطُلُ .
لَوْ أَوْدَعَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ عِنْدَ إنْسَانٍ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُودَعِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ ، وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ يَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ مِنْ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ : وَصَارَ كَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ اسْتَعَارَ مَالَ الرَّاهِنِ الْأَوَّلِ لِلرَّهْنِ فَرَهَنَهُ .
وَلَوْ رَهَنَهُ مُرْتَهِنُهُ بِلَا إذْنِ رَاهِنِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَلِلرَّاهِنِ إبْطَالُهُ ، وَلَوْ هَلَكَ فَالرَّاهِنُ الْأَوَّلُ لَوْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ ، وَضَمَانُهُ ضَمَانُ رَهْنٍ ، وَيَهْلَكُ فِي يَدِ الثَّانِي بِدَيْنِ الضَّامِنِ إذْ مِلْكُهُ بِضَمَانِهِ فَكَأَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَلَوْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ فَضَمَانُهُ ضَمَانُ رَهْنٍ عِنْدَ الْأَوَّلِ ، وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ عِنْدَ الثَّانِي ، وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ بِدَيْنِهِ انْتَهَى .
رَجُلَانِ رَهَنَا مَتَاعًا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ عَلَيْهِمَا فَجَحَدَا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ الْآخَرُ بِاَللَّهِ مَا رَهَنَهُ فَإِنْ نَكَلَ يَثْبُتُ الرَّهْنُ عَلَيْهِمَا عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ ، وَعَلَى الْآخَرِ بِالنُّكُولِ فَإِنْ حَلَفَ رَدَّ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَثْبُتْ فِي نَصِيبِ الْحَالِفِ فَيَتَعَذَّرُ الْقَضَاءُ بِالرَّهْنِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ شَائِعٌ .
وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ وَاحِدًا ، وَالْمُرْتَهِنُ اثْنَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : ارْتَهَنْت أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا الْعَبْدَ مِنْك بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَالْمُرْتَهِنُ الْآخَرُ يَجْحَدُ ، وَيَقُولُ : لَمْ يَرْتَهِنْ وَالرَّاهِنُ يَجْحَدُ الرَّهْنَ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ : فِي رِوَايَةٍ يَرُدُّ الرَّهْنَ ، وَفِي رِوَايَةٍ الْعَبْدُ كُلُّهُ يَكُونُ رَهْنًا لِلْمُدَّعِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِجُحُودِ صَاحِبِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي رَهْنًا ، وَأَجْعَلُهُ فِي يَدِ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِذَا قَضَى الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ مَا لَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِنَصِيبِ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَوْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِالْمَرْهُونِ لِرَجُلٍ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَالْمُقَرُّ لَهُ إنْ شَاءَ أَدَّى الْمَالَ ، وَقَبَضَ الرَّهْنَ ، وَيَرْجِعُ بِمَا قَضَى عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ ، وَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى عِلْمِهِ مِنْ الْوَجِيزِ .
وَلَوْ صَبَغَ الرَّاهِنُ ثَوْبَ الرَّهْنِ بِعُصْفُرٍ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ ، وَضَمِنَ قِيمَتَهُ ، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ وَالْعُصْفُرُ رَهْنًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ ، وَعُصْفُرَ مِثْلِهِ ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ الْمَصْبُوغُ رَهْنًا فِي يَدِهِ مِنْ غَصْبِ الْوَجِيزِ .
رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ مُصْحَفًا وَأَمَرَهُ بِالْقِرَاءَةِ مِنْهُ إنْ قَرَأَ مِنْهُ صَارَ عَارِيَّةً حَتَّى لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الرَّهْنِ الْحَبْسُ فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ لَهُ بِإِذْنِهِ تَغَيَّرَ حُكْمُهُ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَلَوْ فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ هَلَكَ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ ، وَكَذَا لَوْ رَهَنَ خَاتَمًا ، وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْخِنْصَرِ فَهَلَكَ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ ، وَكَذَا إذَا رَهَنَ ثَوْبًا ، وَأَمَرَهُ بِاللُّبْسِ أَوْ دَابَّةً ، وَأَذِنَ لَهُ بِالرُّكُوبِ مِنْ الْخُلَاصَةِ .
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الرَّهْنِ ، وَالزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْهُ ، وَاسْتِبْدَالِهِ ، وَتَعَدُّدِهِ .
يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَصْلِ مَحْبُوسَةٌ مَضْمُونَةٌ كَالْأَصْلِ ، وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ قَبْضِهِ ، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ ، وَقِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفًا يُقْسَمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ ، وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَا الدَّيْنِ اعْتِبَارًا بِقِيمَتِهِمَا فِي وَقْتَيْ الِاعْتِبَارِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اسْتَقْرَضَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِهِمَا جَازَ عِنْدَهُ ، وَيَكُونُ رَهْنًا بِهِمَا ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَيَكُونُ رَهْنًا بِالْأَلْفِ خَاصَّةً ، وَلَوْ هَلَكَ يَهْلَكُ بِهَا لَا بِهِمَا ، وَلَوْ قَضَى الْأَلْفَ الْأُولَى لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ عِنْدَهُمَا .
وَالزِّيَادَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الرَّهْنِ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَالثَّمَرِ تَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ عِنْدَنَا ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْسِكَ الْكُلَّ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الزَّوَائِدُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِ الرَّهْنِ ، وَلِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا ، وَالزِّيَادَةُ الْغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَأَجْرِهِ ، وَكَسْبِهِ ، وَغَلَّةُ الْعَقَارِ لَا تَصِيرُ رَهْنًا اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ ثُمَّ إذَا صَارَتْ الزِّيَادَةُ رَهْنًا عِنْدَنَا يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ ، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ لَا قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ النَّمَاءُ قَبْلَ الْفِكَاكِ حَالَ قِيَامِ الْأَصْلِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ .
وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ ، وَبَقِيَ النَّمَاءُ يَوْمَ الْفِكَاكِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ ، وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ ، وَصُوَرُ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُخَرَّجُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ هَلَكَ النَّمَاءُ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَصْلِ بِقِسْطِهِ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ أَلْفًا فَالدَّيْنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَوْ انْتَقَصَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِالْعَيْبِ أَوْ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ فَصَارَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالدَّيْنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ فِي الْأُمِّ ، وَثُلُثُهُ فِي الْوَلَدِ ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ فَصَارَتْ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَثُلُثَا الدَّيْنِ فِي الْوَلَدِ ، وَثُلُثُهُ فِي الْأُمِّ .
وَلَوْ ارْتَهَنَ أَمَتَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا وَقِيمَةُ الْوَلَدِ مِثْلُ قِيمَةِ الْأُمِّ فَمَاتَتْ الْأُمُّ سَقَطَ رُبْعُ الدَّيْنِ ، وَيُفَكُّ الْوَلَدُ بِرُبْعِ الدَّيْنِ وَاَلَّتِي لَمْ تَلِدْ بِنِصْفِ الدَّيْنِ مِنْ الْوَجِيزِ .
وَإِذَا ، وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا ثُمَّ إنَّ الرَّاهِنَ زَادَ عَبْدًا مَعَ الْوَلَدِ ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا أَلْفٌ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ مَعَ الْوَلَدِ خَاصَّةً يُقْسَمُ مَا فِي الْوَلَدِ عَلَيْهِ ، وَعَلَى الْعَبْدِ الزِّيَادَةُ ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَعَ الْأُمِّ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ ، وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ قُسِمَ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا مِنْ الْهِدَايَةِ .
رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ إنْسَانٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ جَاءَ الرَّاهِنُ بِجَارِيَةٍ وَقَالَ خُذْهَا مَكَانَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا قَبَضَ الثَّانِي فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ مَا دَامَ فِي يَدِهِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ إنْ هَلَكَ ، وَالثَّانِي أَمَانَةٌ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِذَا قَبَضَ الثَّانِي يَخْرُجُ الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا رُدَّ الْأَوَّلُ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ لَمْ يُرَدَّ ، وَيَكُونُ الثَّانِي رَهْنًا لَوْ هَلَكَ يَهْلَكُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ لَا بِقِيمَةِ الْأَوَّلِ مِنْ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : فَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ عَبْدًا آخَرَ قِيمَتُهُ أَلْفٌ مَكَانٍ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الْأَوَّلِ ، وَالْمُرْتَهِنُ فِي الْآخَرِ أَمِينٌ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ ثُمَّ قِيلَ : يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ ، وَقِيلَ : لَا يُشْتَرَطُ انْتَهَى .
رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَبِهِ كَفِيلٌ فَأَخَذَ الطَّالِبُ مَعَ الْكَفِيلِ رَهْنًا ، وَمِنْ الْمَدْيُونِ رَهْنًا أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخِرِ ، وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنَيْنِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَالَ زُفَرُ : أَيُّهُمَا هَلَكَ هَلَكَ بِكُلِّ الدَّيْنِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ كَانَ الرَّاهِنُ الثَّانِي عَلِمَ بِالرَّهْنِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الرَّهْنَ الثَّانِيَ يَهْلَكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ يَهْلَكُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ الثَّانِيَ يَهْلَكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِلْمَ وَالْجَهْلَ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَيُجْعَلُ الرَّهْنُ الثَّانِي زِيَادَةً فِي الرَّهْنِ فَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى الرَّهْنِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا فَإِنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا فَأَيُّهُمَا هَلَكَ يَهْلَكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي التَّعَيُّبِ وَالنُّقْصَانِ .
لَوْ رَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ ، وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَانْكَسَرَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْكَسْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الدُّرَرِ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ بِمَا فِيهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْمَكْسُورُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ بِأَنْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً مَثَلًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ جَيِّدًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ رَدِيئًا مِنْ جِنْسِهِ ، وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ بِأَنْ كَانَتْ اثْنَيْ عَشَرَ مَثَلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ ، وَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمَكْسُورِ مِلْكًا لَهُ بِالضَّمَانِ ، وَسُدُسُهُ يُفْرَزُ حَتَّى لَا يَبْقَى الرَّهْنُ شَائِعًا ، وَيَكُونُ السُّدُسُ مَعَ قِيمَةِ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْمَكْسُورِ رَهْنًا مِنْ الْهِدَايَةِ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَذْهَبَ مُحَمَّدٍ بَلْ قَالَ فِي بَيَانِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ : نَوْعٌ طَوِيلٌ يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ فَيَقُولُ عَلَى مَا فِي الْمَجْمَعِ مَعَ زِيَادَةِ شَرْحٍ ، وَإِظْهَارٍ لِمَا أُضْمِرَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إنْ نَقَصَ الْكَسْرُ سُدُسًا أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ أَزْيَدَ مِنْ السُّدُسِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ كَانَ الْقَلْبُ الْمَرْهُونُ بِعَشَرَةٍ ، وَزْنُهُ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَانْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ ،
وَجَعَلَهَا مَعَ سُدُسِهِ رَهْنًا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ عَشَرَةَ أَجْزَاءِ الْقِيمَةِ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ النُّقْصَانَ فَإِنْ كَانَ دِينَارًا أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ خَمْسَةَ أَسْدَاسٍ فَقَطْ رَهْنًا ، وَاسْتَرَدَّ السُّدُسَ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ : وَجُمْلَةُ مَسْأَلَةِ الْقَلْبِ عَلَى ثَلَاثِينَ فَصْلًا تُعْرَفُ مِنْ الزِّيَادَاتِ ، وَجَامِعِ الْمَحْبُوبِي فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَهَا فَلْيَطْلُبْهَا مِنْ مَوْضِعِهَا .
وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا فَاعْوَرَّ فَقَالَ الرَّاهِنُ : كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا ، وَذَهَبَ بِالِاعْوِرَارِ خَمْسُمِائَةٍ نِصْفُ الدَّيْنِ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ خَمْسَمِائَةٍ ، وَذَهَبَ بِالِاعْوِرَارِ رُبْعُ الدَّيْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُرْهَنُ بِالْأَلْفِ إلَّا مَا يُسَاوِي أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ ، وَالْبَيِّنَةُ أَيْضًا بَيِّنَتُهُ .
إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ بَطَلَ الدَّيْنُ فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ مِنْ الْإِبَاقِ يَعُودُ رَهْنًا ، وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نُقْصَانِ الْإِبَاقِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ مِنْ قَاضِي خَانْ ، وَلَوْ أَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ ، وَجَعَلَ الْآبِقَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ لَمْ يَكُنْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ ، وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْإِيضَاحِ .
رَهَنَ قُمَاشًا بإفشاخ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ
وَلَوْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ لَا يَبْطُلُ الدَّيْنُ ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ مِنْ الْوَجِيزِ .
وَلَوْ رَهَنَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ صَارَ خَلًّا كَانَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ مَا نَقَصَ عَنْ الْعَصِيرِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا مِنْ الْوَجِيزِ ، وَالْإِيضَاحِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ : لَهُ تَرْكُهُ بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ رَهَنَ شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا فَصَارَ يُسَاوِي دِرْهَمًا كَانَ رَهْنًا بِدِرْهَمٍ مِنْ الْهِدَايَةِ .
قَالَ فِي الْوَجِيزِ ، وَإِنْ دُبِغَ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ الْحَبْسَ بِمَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ ثُمَّ قِيلَ : يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الْجِلْدِ وَيَصِيرُ الْجِلْدُ رَهْنًا بِمَا زَادَ الدَّبَّاغُ فِيهِ ، وَقِيلَ : يَبْقَى الرَّهْنُ الْأَوَّلُ بِدَيْنِهِ وَبِقِيمَةِ الدَّبَّاغِ انْتَهَى .
لَوْ رَهَنَ فَرْوًا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ بِعَشَرَةٍ فَأَفْسَدَهُ السُّوسُ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً يَفْتَكُّهُ الرَّاهِنُ بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ ، وَيَسْقُطُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ رُبْعٍ مِنْ الدَّيْنِ فِي مُقَابَلَةِ رُبْعٍ مِنْ الرَّهْنِ ، وَهُوَ أَنْ يُرَبَّعَ الدَّيْنُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْفَرْوِ رُبْعُهُ فَيَبْقَى مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا رُبْعُهُ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
حَمَّامِيٌّ وَضَعَ الْمُصْحَفَ الرَّهْنَ فِي صُنْدُوقِهِ وَوَضَعَ عَلَيْهِ قَصْعَةَ مَاءٍ لِلشُّرْبِ فَانْكَبَّ الْمَاءُ عَلَى الْمُصْحَفِ فَهَلَكَ يَضْمَنُ ضَمَانَ الرَّهْنِ لَا الزِّيَادَةَ وَالْمُودَعُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ الْقُنْيَةِ .
إذَا اُنْتُقِصَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يَذْهَبُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَنَا وَإِنْ انْتَقَصَ نُقْصَانَ قَدْرٍ أَوْ وَقْتٍ بِأَنْ كَانَ قَلْبًا فَانْكَسَرَ ، وَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ يَذْهَبُ قَدْرُ النُّقْصَانِ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ مِنْ قَاضِي خَانْ فَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَبَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ بِالْمِائَةِ ، وَقَبَضَ ثَمَنَهُ رَجَعَ بِمَا بَقِيَ ، وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ وَإِذَا كَانَ بَاقِيًا ، وَقَدْ أَمَرَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِائَةٍ يَكُونُ الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ .
رَهَنَ شَجَرَةَ الْفِرْصَادِ فَذَهَبَ وَقْتُ الْأَوْرَاقِ ، وَانْتَقَصَ ثَمَنُهُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْكَافُ : يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِصَّةِ النُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ فِي نَفْسِ الْفِرْصَادِ لِتَنَاثُرِ الْأَوْرَاقِ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ كَتَرَاجُعِ السِّعْرِ ، وَقَوْلُ الْإِسْكَافِ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِهَا لَا قِيمَةَ لَهَا أَصْلًا فَصَارَ كَالْهَلَاكِ انْتَهَى .
الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي التَّصَرُّفِ وَالِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ .
إعْتَاقُ الرَّاهِنِ وَتَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ يَنْفُذُ وَيَخْرُجُ الْقِنُّ مِنْ الرَّهْنِ ، وَيَضْمَنُ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لَوْ مُوسِرًا ، وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ، وَطُولِبَ بِأَدَائِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْمُرْتَهِنُ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَيَسْعَى الْمُعْتَقُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ قِيمَتِهِ ، وَهُوَ يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى الْمَوْلَى خَاصَّةً كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْوَجِيزِ .
رَوَى إسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، وَالرَّاهِنُ مُعْسِرٌ لَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ انْتَهَى .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ عَارِيَّةً فَأَعْتَقَهُ جَازَ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعِيرَ قِيمَتَهُ ، وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ فَيَرُدَّهَا إلَى الْمُعِيرِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَتَوَقَّفَ بَيْعُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ أَجَازَ جَازَ ، وَصَارَ ثَمَنُهُ رَهْنًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَإِعَارَةُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ وَإِجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ وَرَهْنُهُ لَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، وَقَدْ مَرَّتْ .
وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ إلَّا بِتَسْلِيطٍ مِنْ الرَّاهِنِ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ مِنْ الْأَصْلِ ، وَالنَّمَاءُ بِإِذْنِ الْقَاضِي ، وَيُمْسِكُ ثَمَنَهُ رَهْنًا ، وَإِنْ بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ ضَامِنًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ ، وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ مُشْتَمِلِ الْهِدَايَةِ .
لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الرَّهْنِ بِإِجَازَةِ الْحَاكِمِ ، وَأَخْذُ دَيْنِهِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا لَا يُعْرَفُ مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ انْتَهَى .
وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّهْنَ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ ، وَقَدْ مَرَّتْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَيُعِيرَ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا ، وَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي هُوَ فِي عِيَالِهِ ، وَإِنْ حُفِظَ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَوْدَعَهُ ضَمِنَ ، وَهَلْ يَضْمَنُ الثَّانِي ؟ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي الْوَدِيعَةِ ، وَإِذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَ سَوَاءٌ هَلَكَ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ غَيْرِهَا .
لَوْ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ فَلَوْ ادَّعَى الْوِفَاقَ ، وَكَذَّبَهُ رَاهِنُهُ صُدِّقَ رَاهِنُهُ إذَا أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ مِنْ ضَمَانِ الْمُودَعِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُسَافِرَ بِالرَّهْنِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ ضَامِنًا مِنْ قَاضِي خَانْ ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ عَنْ الْعُدَّةِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ سَافَرَ بِالرَّهْنِ أَوْ انْتَقَلَ عَنْ الْبَلَدِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَكَذَا الْعَدْلُ الَّذِي فِي يَدِهِ الرَّهْنُ ثُمَّ قَالَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ فِي الْعُدَّةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ لَا بِالِاسْتِخْدَامِ ، وَلَا بِسُكْنَى إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَالِكُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ فِي الرَّهْنِ غَيْرَ الْإِمْسَاكِ لَا يَبِيعُ وَلَا يُؤَاجِرُ ، وَلَا يُعِيرُ ، وَلَا يَلْبَسُ ، وَلَا يَسْتَخْدِمُ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا ، وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ ا هـ .
لَوْ أَجَّرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِلَا إجَازَةِ الرَّاهِنِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ كَالْغَاصِبِ يَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ أَوْ يَرُدُّهَا عَلَى الْمَالِكِ ، وَإِنْ أَجَّرَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ ، وَالْأَجْرُ لِلرَّاهِنِ ، وَإِنْ أَتْلَفَ الْمُرْتَهِنُ الْغَلَّةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ضَمِنَهَا ، وَلَا يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْمَالِكِ ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الرَّهْنَ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ وَهَلَكَ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهِ ، وَصَارَ هُنَا مَكَانَهُ كَمَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ ، وَضَمِنَ الْقِيمَةَ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ، وَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ شَيْءٌ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِخِلَافِ التَّلَفِ حَالَ الِاسْتِعْمَالِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ، وَكَذَا لَوْ أَعَارَهُ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ الْآخَرِ ، وَهَلَكَ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ .
أَلْقَى الْمُرْتَهِنُ الْخَاتَمَ الْمَرْهُونَ فِي كِيسِهِ الْمُتَخَرِّقِ ، وَضَاعَ بِالسُّقُوطِ ضَمِنَ كُلَّ الْفَاضِلِ مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا .
قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ : أَعْطِهِ الدَّلَّالَ لِلْبَيْعِ ، وَخُذْ حَقَّك فَدَفَعَهُ إلَى الدَّلَّالِ ، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ .
وَلَوْ أَجَّرَ الْمُرْتَهِنُ الْعَيْنَ أَوْ قَطَعَ الثَّمَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ يَضْمَنُ .
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ شَاةً أَوْ بَقَرَةً يُخَافُ عَلَيْهَا الْهَلَاكُ فَذَبَحَهَا الْمُرْتَهِنُ ضَمِنَ قِيَاسًا ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ كَالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ ، وَلَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَ ، وَإِنَّ فِيهِ حِفْظَ الْمَالِ عَنْ الْفَسَادِ إلَّا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُزِيلُ الْعَيْنَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَفْعَلَهُ ، وَإِنْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي إذَا كَانَ فِيهِ حِفْظٌ أَوْ تَحْصِينٌ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
وَلَوْ انْتَفَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ يَصِيرُ غَاصِبًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ، وَإِنْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ مِنْ الْوَجِيزِ وَالْفُصُولَيْنِ .
وَإِنْ اسْتَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ لِيَعْمَلَ بِهِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الرَّهْنِ لِبَقَاءِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ ، وَلَوْ هَلَكَ حَالَةَ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّهْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ ، وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالِاسْتِعْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْهِدَايَةِ .
الْمُرْتَهِنُ إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَعَطِبَتْ فِي رُكُوبِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا ، وَإِنْ عَطِبَتْ بَعْدَ مَا نَزَلَ عَنْهَا سَلِيمَةً هَلَكَتْ رَهْنًا ، وَإِنْ رَكِبَهَا الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَطِبَتْ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ مِنْ قَاضِي خَانْ الْمُرْتَهِنُ لَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِيَرُدَّهَا عَلَى رَبِّهَا فَهَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ لَوْ سَلِمَتْ مِنْ رُكُوبِهِ ، وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى سَلَامَتِهَا مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ، وَهَلَكَ فِي اسْتِعْمَالِهِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَاسْتِعْمَالِ الرَّاهِنِ ، وَلَوْ هَلَكَ بِاسْتِعْمَالِ الرَّاهِنِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ لُبْسِ الرَّاهِنِ فَهَلَكَ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ ثَوْبًا فَجَاءَ الرَّاهِنُ يَفُكُّهُ وَبِهِ خَرْقٌ فَقَالَ الرَّاهِنُ : حَدَثَ هَذَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ لُبْسِهِ أَوْ بَعْدَمَا نَزَعَ الثَّوْبَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَا بَلْ حَدَثَ فِي اللُّبْسِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الرَّاهِنِ ، وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ : لَمْ يَلْبَسْهُ الْمُرْتَهِنُ ، وَتَخَرَّقَ عِنْدَهُ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : لَبِسْتُهُ فَتَخَرَّقَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
ارْتَهَنَ عِمَامَةً قِيمَتُهَا نِصْفُ دِرْهَمٍ ، وَدِرْهَمَ فِضَّةٍ بِدِرْهَمٍ فَهَلَكَتْ الْفِضَّةُ ، وَلَبِسَ الْعِمَامَةَ حَتَّى تَخَرَّقَتْ فَالْفِضَّةُ تَذْهَبُ بِثُلُثَيْ الدَّيْنِ ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْعِمَامَةِ نِصْفَ دِرْهَمٍ يُحْسَبُ لَهُ فِيهَا دَانَقَانِ وَيَرُدُّ دَانَقًا عَلَى الرَّاهِنِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
لَوْ رَهَنَ ثَوْبًا يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَبِسَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَانْتَقَصَ مِنْهُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ لَبِسَهُ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ، وَانْتَقَصَ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ هَلَكَ الثَّوْبُ ، وَقِيمَتُهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ عَشَرَةٌ قَالُوا : يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ ، وَيَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقِيمَةُ الثَّوْبِ يَوْمَ الرَّهْنِ عِشْرُونَ كَانَ نِصْفُ الثَّوْبِ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ ، وَنِصْفُهُ أَمَانَةً ، وَصَارَ كُلُّ دِرْهَمَيْنِ رَهْنًا بِدِرْهَمٍ فَإِذَا انْتَقَصَ مِنْ الثَّوْبِ بِلُبْسِهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ سِتَّةٌ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ لُبْسَ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَلُبْسِ الرَّاهِنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَمَا انْتَقَصَ بِلُبْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَمَا وَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ تَصِيرُ قِصَاصًا بِقَدْرِهَا مِنْ الدَّيْنِ فَإِذَا هَلَكَ الثَّوْبُ ، وَقِيمَتُهُ بَعْدَ النُّقْصَانِ عَشَرَةٌ نِصْفُهَا مَضْمُونَةٌ ، وَنِصْفُهَا أَمَانَةٌ فَبِقَدْرِ الْمَضْمُونِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ ، وَبَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ .
رَهَنَ جَارِيَةً فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا لِلْمُرْتَهِنِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ .
وَلَوْ كَانَتْ شَاةً فَشَرِبَ الْمُرْتَهِنُ لَبَنَهَا كَانَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ مُتَقَوِّمٌ مِنْ قَاضِي خَانْ .
رَهَنَ ضَيْعَةً فِي الشِّتَاءِ تَشْتَمِلُ عَلَى أَشْجَارٍ مُثْمِرَةٍ وَأَبَاحَ لَهُ أَكْلَ الثِّمَارِ فَلَمَّا أَيْنَعَ الثِّمَارُ فِي الصَّيْفِ أَكَلَهَا بِنَاءً عَلَى تِلْكَ الْإِبَاحَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُنْيَةِ .
رَهَنَ شَاةً ، وَأَبَاحَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْرَبَ وَيَأْكُلَ وَلَا يَأْكُلَ ضَامِنًا ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ الشَّاةَ حَتَّى مَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ ، وَعَلَى قِيمَةِ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَ فَمَا أَصَابَ الشَّاةَ يَسْقُطُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الدَّيْنِ ، وَمَا أَصَابَ اللَّبَنَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ شُرْبَ اللَّبَنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَشُرْبِ الرَّاهِنِ لَا يَسْقُطُ قَدْرُ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الرَّاهِنُ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الشَّاةِ إذَا أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي أَكْلِهِ وَكَذَا جَمِيعُ الثِّمَارِ الَّتِي تَحْدُثُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ .
وَلَوْ رَهَنَ خَاتَمًا فَلَبِسَ الْمُرْتَهِنُ الْخَاتَمَ فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى فَهَلَكَ الْخَاتَمُ كَانَ ضَامِنًا لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ وَفِيمَا سِوَى الْخِنْصَرِ مِنْ الْأَصَابِعِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ حِفْظٌ ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فَيَكُونُ رَهْنًا بِمَا فِيهِ .
وَكَذَا الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ الْمُرْتَهِنُ لُبْسًا مُعْتَادًا ضَمِنَ ، وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ حِفْظٌ .
وَلَوْ رَهَنَ سَيْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَتَقَلَّدَهَا لَا يَضْمَنُ فِي الثَّلَاثَةِ ، وَضَمِنَ فِي السَّيْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ الشُّجْعَانِ بِتَقَلُّدِ سَيْفَيْنِ فِي الْحَرْبِ ، وَلَمْ تَجْرِ بِتَقَلُّدِ الثَّلَاثَةِ .
وَإِنْ لَبِسَ الْخَاتَمَ فِي خِنْصَرِهِ فَوْقَ خَاتَمٍ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا كَانَ اللَّابِسُ مِمَّنْ يَتَخَتَّمُ بِخَاتَمَيْنِ فَيَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ وَزِينَةٌ وَالْأَوَّلُ حِفْظٌ مِنْ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ .
تَخَتَّمَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنٍ فَتَلِفَ فَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ إذْ الْخَاتَمُ صَارَ عَارِيَّةً فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا ، وَلَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْأُصْبُعِ ثُمَّ هَلَكَ هَلَكَ بِالدَّيْنِ لِلْعَوْدِ هَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِالتَّخَتُّمِ فِي الْخِنْصَرِ ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالتَّخَتُّمِ فِي الْبِنْصِرِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ إذْ لَا عَارِيَّةَ لِلْأَمْرِ بِالْحِفْظِ لَا بِالِاسْتِعْمَالِ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالتَّخَتُّمِ فِي الْخِنْصَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِهِ بِجَعْلِ الْفَصِّ فِي جَانِبِ الْكَفِّ ، وَعَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ امْرَأَةً فَتَخَتَّمَتْ بِهِ فِي أَيِّ مَوْضِعِ أُصْبُعٍ كَانَتْ ضَمِنَتْ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَتَخَتَّمْنَ بِجَمِيعِ أَصَابِعِهِنَّ كَمَا فِي الْغَصْبِ مِنْ الصُّغْرَى .
الْمُرْتَهِنُ إذَا أَمْسَكَ الْعَيْنَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْسَكُ فِيهِ لِلِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ حِفْظٌ فَلَا يَضْمَنُ فَلَوْ تَعَمَّمَ الْمُرْتَهِنُ الْقَمِيصَ الْمَرْهُونَ أَوْ وَضَعَ الْعِمَامَةَ عَلَى الْعَاتِقِ أَوْ الْمَرْأَةُ تَسَوَّرَتْ بِالْخَلْخَالِ أَوْ تَخَلْخَلَتْ بِالسِّوَارِ ، وَهَلَكَ لَا تَضْمَنُ ، وَلَوْ تَسَوَّرَتْ بِالسِّوَارِ وَتَخَلْخَلَتْ بِالْخَلْخَالِ تَضْمَنُ مِنْ الْوَجِيزِ .
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مُصْحَفًا فَأَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ بِالْقِرَاءَةِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ ، وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
وَلَوْ أَجَازَ الرَّاهِنُ لِوَلَدِ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ فَذَهَبَ الصَّبِيُّ إلَى الْمُعَلِّمِ ، وَنَسِيَ عِنْدَهُ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ إيدَاعُ الصَّبِيِّ وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ ، وَيَقُولُ : لَيْسَ هَذَا إيدَاعَ الصَّبِيِّ بَلْ هُوَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ صَبِيٌّ هُوَ فِي عِيَالِهِ إذْ تَرْكُهُ هُنَاكَ تَضْيِيعٌ بِخِلَافِ تَلَفِهِ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الْفُصُولَيْنِ .
الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْهَلَاكِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ .
الرَّهْنُ بَعْدَ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ أَمَانَةٌ اسْتِحْسَانًا لَا يَضْمَنُ إلَّا بَعْدَ التَّعَدِّي وَبَعْدَ الْإِيفَاءِ مَضْمُونٌ فَلَوْ ، وَهَبَ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ مِنْ الْمَدِينِ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ بِلَا حَبْسِهِ يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَكَذَا إذَا ارْتَهَنَتْ الْمَرْأَةُ رَهْنًا بِالصَّدَاقِ فَأَبْرَأَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ وَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى صَدَاقِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَلَمْ تَضْمَنْ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ حَبَسَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ .
وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ ثُمَّ هَلَكَ فِي يَدِهِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَ إلَى مَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ ، وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ الْمُتَطَوِّعُ مِنْ الْهِدَايَةِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَرُدُّ مَا قَبَضَ إلَى الرَّاهِنِ لَا إلَى الْمُتَطَوِّعِ مِنْ الْمَجْمَعِ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ عَنْهُ عَلَى عَيْنٍ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ وَكَذَا إذَا أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ ، وَيَهْلَكُ بِالدَّيْنِ ، وَكَذَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ بِالدَّيْنِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ إنْ كَانَ التَّصَادُقُ بَعْدَمَا هَلَكَ الرَّهْنُ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ حَالَ الْهَلَاكِ كَانَ مَضْمُونًا بِأَلْفٍ ظَاهِرًا فَجُعِلَ اسْتِيفَاءً حُكْمًا ، وَيُعَدُّ كَالِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ ، وَلَوْ وُجِدَ التَّصَادُقُ قَبْلَ الْهَلَاكِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ .
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ : نَصَّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ يَهْلَكُ أَمَانَةً .
وَكَذَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَمَاتَ الْعَبْدُ ثُمَّ تَصَادَقَا إنَّ الْكُرَّ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ قِيمَةُ الْكُرِّ لِمَا ذَكَرْنَا إنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا ، وَعَنْ الثَّانِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ التَّصَادُقَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِنَّ ، وَقَدْ تَصَادَقَا عِنْدَ الْهَلَاكِ أَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَكُنْ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ ، وَلَا دَيْنَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ .
وَفِي الْفُصُولَيْنِ وَالْوَجِيزِ لَوْ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ ، وَالرَّهْنُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يُرَدُّ عَلَى الرَّاهِنِ قَدْرُ الدَّيْنِ ، وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَعْدَ هَلَاكِهِ قِيلَ : يَهْلَكُ أَمَانَةً ، وَقِيلَ : يَضْمَنُ ا هـ .
رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ رَهْنٌ ، وَكَفِيلٌ كَفَلَ بِإِذْنِ الْمَدْيُونِ فَقَضَى الْكَفِيلُ دَيْنَ الطَّالِبِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الطَّالِبِ ذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّ الْكَفِيلَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا كَفَلَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا هَلَكَ وَبِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ يَصِيرُ الطَّالِبُ قَابِضًا دَيْنَهُ بِقَبْضِ الرَّهْنِ فَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْكَفِيلِ يَصِيرُ قَابِضًا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ إلَّا أَنَّ الْكَفِيلَ إنَّمَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الطَّالِبِ بِإِذْنِ الْأَصِيلِ فَهُوَ سَفِيرٌ مَحْضٌ فِي ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الطَّالِبَ ، وَلَكِنَّهُ يُخَاصِمُ الْأَصِيلَ ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ بِأَمْرِهِ وَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا ، وَأَخَذَ كَفِيلًا بِالثَّمَنِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَ الْكَفِيلُ إلَيْهِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
رَهَنَ ثَوْبَيْنِ بِعَشَرَةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا تِسْعَةٌ ، وَالْآخَرُ سِتَّةٌ فَاقْتَضَى أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي قِيمَتُهُ سِتَّةٌ يُفْتِك الثَّوْبَ الْبَاقِيَ بِدِرْهَمَيْنِ وَلَوْ هَلَكَ الَّذِي قِيمَتُهُ تِسْعَةٌ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجِيزِ .
الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي الرَّهْنِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ .
لَوْ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ جَازَ ، وَيَتِمُّ الرَّهْنُ بِقَبْضِ الْعَدْلِ ذَكَرَهُ فِي الْإِصْلَاحِ ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ ، وَلَا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ ، وَقَبْضُ الْعَدْلِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ ، وَإِذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بَعْدَمَا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا ، وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ لَكِنْ يَتَّفِقُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَاهَا مِنْهُ ، وَيَجْعَلَاهَا رَهْنًا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ كَذَلِكَ ، وَلَوْ فَعَلَ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ ، وَقَدْ ضَمِنَ الْعَدْلُ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ فَالْقِيمَةُ سَالِمَةٌ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنْهُ كَمَا يَأْخُذُ الرَّهْنَ إذَا كَانَ قَائِمًا مِنْ الْهِدَايَةِ .
قَالَ فِي الْوَجِيزِ : ثُمَّ إنَّ الْعَدْلَ إذَا كَانَ دَفَعَ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ ، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ دَفَعَهُ رَهْنًا بِأَنْ قَالَ : هَذَا رَهْنُك خُذْهُ وَاحْبِسْهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ا هـ .
وَلَوْ ، وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ جَازَ فَلَوْ بَاعَهُ الْعَدْلُ ، وَسَلَّمَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْعَدْلِ ثُمَّ الْعَدْلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ ، وَيَعُودُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى حَالِهِ ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ مِنْ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ الْمُنْفَرِدَةِ عَنْ الرَّهْنِ ا هـ .
وَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَاسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ فَإِنَّ الْعَدْلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ .
وَلَوْ قَالَ الْعَدْلُ : بِعْت الرَّهْنَ ، وَسَلَّمْت الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَدْلِ وَيَبْطُلُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ ، وَلِلْعَدْلِ الْمُسَلَّطِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ بَيْعُ مَا يَحْدُثُ مِنْ الرَّهْنِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ ثَمَرٍ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ .
وَلَوْ أَنَّ الْعَدْلَ بَاعَ الرَّهْنَ فِي حَيَاتِهِ ، وَتَصَادَقُوا عَلَى بَيْعِهِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ يَقُولُ بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَالدَّيْنُ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ مِائَةٌ أَيْضًا ، وَصَدَّقَهُ الْعَدْلُ فِي ذَلِكَ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : بَاعَهُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الرَّاهِنِ .
رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى شَهْرٍ ، وَجَعَلَ رَجُلًا مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ بِجَارِيَةٍ ، وَطَلَبَ مِنْ الْعَدْلِ بَيْعَهَا فَقَالَ الرَّاهِنُ : لَيْسَتْ هَذِهِ جَارِيَتِي إنْ تَصَادَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْمَرْهُونَةَ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَالدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْمُرْتَهِنُ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ تِلْكَ الْجَارِيَةَ أَوْ قَالَ : لَا أَدْرِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ فَإِنْ حَلَفَ لَا يُجْبَرُ الْعَدْلُ عَلَى الْبَيْعِ ، وَيَأْمُرُ الْقَاضِي الرَّاهِنَ بِالْبَيْعِ فَإِنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ ، وَلَكِنْ يَبِيعُهُ الْقَاضِي كَمَا لَوْ مَاتَ الْعَدْلُ ، وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الرَّاهِنِ .
وَإِنْ نَكَلَ يُجْبَرُ الْعَدْلُ عَلَى بَيْعِهَا ، وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْعَدْلِ وَيَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ بِجَارِيَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ : لَيْسَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ جَارِيَتِي ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : هَذِهِ تِلْكَ الْجَارِيَةُ ، وَانْتَقَصَ سِعْرُهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ وَيَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ تُجْعَلُ الْجَارِيَةُ هَالِكَةً بِالدَّيْنِ فِي زَعْمِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْعَدْلِ إنْ أَقَرَّ الْعَدْلُ بِمَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ يُقَالُ لَهُ : بِعْهَا لِلْمُرْتَهِنِ فَإِذَا بَاعَ دُفِعَ الثَّمَنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَقِيَّةٌ لَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ فَيَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ هَذَا إذَا تَصَادَقَا أَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ كَانَتْ أَلْفًا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ : كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا ، وَهَذِهِ غَيْرُ تِلْكَ الْجَارِيَةِ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : مَا رَهَنْتَنِي إلَّا
جَارِيَةً قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَدْلُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَنْقَصَ مِنْ الدَّيْنِ يَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ مِنْ بَيْعِهَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى بَيْعِهَا أَوْ يَبِيعُهَا الْقَاضِي ، وَالْعُهْدَةُ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَبَقِيَّةُ الدَّيْنِ كَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ مِنْ قَاضِي خَانْ .
الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْجِنَايَةِ مِنْهُ .
جِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ ، وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا إنْ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أُخِذَ مِنْهُ كُلُّ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ .
وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ فَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ ، وَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ ، وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلَكُ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ فَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ هَلَكَ خَمْسَمِائَةٍ ، وَيَوْمَ رُهِنَ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا ، وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ الْفِكَاكِ .
وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَكَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا غَرِمَ الْقِيمَةَ ، وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ ، وَهُوَ عَلَى صِفَةِ الْقِيمَةِ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ ، وَرَدَّ الْفَضْلَ إنْ كَانَ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ مِنْ الْهِدَايَةِ قَالَ قَاضِي خَانْ : وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا ، وَقَدْرُهُنَّ بِأَلْفٍ وَتَرَاجَعَتْ إلَى خَمْسِمِائَةٍ غَرِمَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسَمِائَةٍ ، وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ ا هـ .
وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَنَقَصَ مِنْ السِّعْرِ فَرَجَعَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةٍ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ خَطَأً ، وَغَرِمَ قِيمَتَهُ مِائَةً ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَقْبِضُ الْمِائَةَ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَدَفَعَ بِهِ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى افْتِكَاكِهِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَتَلَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَةً فَدَفَعَ بِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مِنْ الْهِدَايَةِ .
الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، وَاسْتَهْلَكَهَا الْمُرْتَهِنُ أَوْ وَلَدُهَا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا اسْتَهْلَكَ ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ يَفْتَكُّهُ الرَّاهِنُ بِقِسْطِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ هُوَ الَّذِي اسْتَهْلَكَ الْوَلَدَ أَوْ الزِّيَادَةَ يَضْمَنُ أَيْضًا كَمَا ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ فَلَوْ هَلَكَ الضَّمَانُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَهْلَكُ هَدَرًا لِأَنَّ الضَّمَانَ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَلَدِ ، وَالْوَلَدُ لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ يَهْلَكُ هَدَرًا فَكَذَلِكَ الضَّمَانُ .
وَلَوْ رَهَنَ حَيَوَانًا مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ فَجَنَى الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ تَكُونُ الْجِنَايَةُ هَدَرًا وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ مِنْ قَاضِي خَانْ .
قَالَ فِي الْوَجِيزِ : ارْتَهَنَ دَابَّتَيْنِ فَقَتَلَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهَا .
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَلَّ الْأَرْشُ أَوْ كَثُرَ لَا تُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ ، وَيَسْقُطُ دَيْنُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا رُهِنَا بِأَلْفٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَا دَفْعَ وَلَا فِدَاءَ ، وَيَبْقَى الْبَاقِي رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ .
وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا وَدَابَّةً فَجِنَايَةُ الدَّابَّةِ عَلَى الْعَبْدِ هَدَرٌ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الدَّابَّةِ مُعْتَبَرَةٌ حَسَبَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ مِنْ قَاضِي خَانْ .
رَهَنَ كُرَّ شَعِيرٍ وَغُلَامًا ، وَبِرْذَوْنًا قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ ، وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ فَأَقْضَمَ الْغُلَامُ الْبِرْذَوْنَ الشَّعِيرَ فَجِنَايَةُ ثُلُثِ الْعَبْدِ عَلَى ثُلُثِ الرَّهْنِ مُهْدَرَةٌ ، وَجِنَايَةُ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ مُعْتَبَرَةٌ فَتَكُونُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى .