كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو
( إذَا كَاتَبَ قِنَّهُ وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ ) الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَإِنَّهُ إذَا عَقَلَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَالتَّصَرُّفُ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ فَيَجُوزُ ( بِمَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ ) بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ مَثَلًا ( أَوْ مُنَجَّمٍ ) أَيْ مُؤَقَّتٍ بِأَزْمِنَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، أُخِذَ مِنْ التَّوْقِيتِ بِطُلُوعِ النَّجْمِ ثُمَّ شَاعَ فِي مُطْلَقِ التَّوْقِيتِ ( أَوْ قَالَ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا أَوَّلُهَا كَذَا وَآخِرُهَا كَذَا فَإِنْ أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت فَقِنٌّ وَقَبِلَ ) أَيْ الْقِنُّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَاتَبَ شُرِطَ قَبُولُهُ إذْ يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ ( صَحَّ ) جَوَابُ إذَا كَاتِب أَيْ صَحَّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ سَوَاءٌ عَبَّرَ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ أَوْ بِمَا يُؤَدِّي مُؤَدَّاهُ لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْإِيجَابُ ، وَالْقَبُولُ ( وَعَتَقَ ) الْقِنُّ ( إنْ أَدَّى كُلَّهُ وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( لَمْ يَقُلْ إذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ ) ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ هُوَ الْعِتْقُ عَنْ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ جَمْعِ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ( فَخَرَجَ ) عَطْفٌ عَلَى صَحَّ وَفَرَعٌ لَهُ أَيْ إذَا صَحَّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ ( مِنْ يَدِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى السَّفَرِ ( لَا ) مِنْ ( مِلْكِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَصْلُ الْبَدَلِ يَجِبُ لِلْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ الْمُنَافِي إذْ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَيَثْبُتُ لِلْعَبْدِ بِمُقَابَلَتِهِ مَالِكِيَّةٌ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا فَإِذَا تَمَّ لِلْمَوْلَى الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ تَمَّ الْمَالِكِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَيْضًا ، وَتَمَامُ
الْمَالِكِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْحُرِّيَّةِ فَيَعْتِقُ لِضَرُورَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً ( وَعَتَقَ مَجَّانًا ) أَيْ بِلَا بَدَلٍ ( إنْ أَعْتَقَ مَوْلَاهُ ) لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ ( وَغَرِمَ ) الْمَوْلَى ( الْعُقْرَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ ) أَوْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ ( إنْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ ) مِثْلُ الْمَالِ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ جَنَى ( عَلَى مَالِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا وَمَالِهَا .
قَوْلُهُ : إذَا كَاتَبَ قِنَّهُ ) جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ نَحْوَ أُمِّ وَلَدِهِ صَحَّ ، وَالْوَصِيُّ وَالْأَبُ يَصِحُّ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا عَنْ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَعْقِلُ فَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَبَعًا فَلَا تَصِحُّ مُكَاتَبَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَعْقِلْ وَلَوْ قَبِلَ عَنْهُ رَجُلٌ وَرَضِيَ الْمَوْلَى وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي الصَّحِيحِ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ بِمَا أَدَّاهُ عَلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ الْعِتْقُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ شَرْطٌ مُنْتَفٍ بِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمُكَاتَبِ لَهُ ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : بِمَالٍ ) لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَنْ الْخِدْمَةِ لِمَا سَيَأْتِي .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ شَهْرًا الْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ ، وَالِاسْتِحْسَانُ : يَجُوزُ ، كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ مُؤَجَّلٍ ) هُوَ أَفْضَلُ ، كَمَا فِي السِّرَاجِ ( قَوْلُهُ : أَوْ قَالَ : جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا
إلَخْ ) ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ مُنَجَّمٍ لِيُفِيدَ ثُبُوتَ حُكْمِ الْكِتَابَةِ بِلَفْظِهَا وَبِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ ، ثُمَّ الْكِتَابَةُ إمَّا عَنْ النَّفْسِ خَاصَّةً أَوْ عَنْهَا وَعَنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِ الْعَبْدِ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ مَا فِي يَدِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَدَلِهَا وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى إلَّا بَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا غَيْرُ ، كَمَا فِي السِّرَاجِ ( قَوْلُهُ : وَغَرِمَ الْمَوْلَى الْعُقْرَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ ) الْعُقْرُ إذَا ذُكِرَ فِي الْحَرَائِرِ يُرَادُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِذَا ذُكِرَ فِي الْإِمَاءِ فَهُوَ عُشْرُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا ، كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ وَطِئَ مِرَارًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا عُقْرٌ وَاحِدٌ وَلَوْ شَرَطَ وَطْأَهَا فَسَدَتْ الْكِتَابَةُ ، كَمَا فِي الدِّرَايَةِ وَتَعْتِقُ
بِأَدَاءِ الْبَدَلِ وَلَا يَثْبُتُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا قَبْلَ الْأَدَاءِ وَهَذَا حُكْمُ الْفَاسِدَةِ بِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَأَمَّا الْبَاطِلَةُ وَهِيَ الَّتِي فَاتَهَا شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الِانْعِقَادِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا إنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ فَيَعْتِقُ بِهِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ : لَوْ وَطِئَهَا الْمَوْلَى غَرِمَ الْعُقْرَ لَهَا تَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهَا ا هـ .
وَقَدْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ قَبْلَ هَذَا : ثُمَّ مَالُ الْعَبْدِ مَا يَحْصُلُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِتِجَارَةٍ أَوْ بِقَبُولِ الْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى فِي يَدِ الْعَبْدِ وَقْتَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْشُ وَالْعُقْرُ وَإِنْ حَصَلَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ ا هـ فَلْيُتَأَمَّلْ .
وَكَذَا قَالَ الْحَدَّادِيُّ : وَأَمَّا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ ، وَالْعُقْرُ فَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ وَهُوَ لِلْمَوْلَى ا هـ .
فَلْيُنْظَرْ فِيهِ مَعَ إلْزَامِ الْمَوْلَى الْعُقْرَ بِوَطْئِهَا ، وَالْأَرْشَ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا .
( إذَا كَاتَبَ عَلَى قِيمَتِهِ ) بِأَنْ قَالَ : إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ قِيمَتَك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ كَاتَبْتُك عَلَى قِيمَتِك ( أَوْ ) عَلَى ( عَيْنٍ لِغَيْرِهِ ) بِأَنْ قَالَ : كَاتَبْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ لِغَيْرِهِ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَصِحُّ حَتَّى إذَا مَلَكَهَا وَسَلَّمَهَا عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ رُدَّ إلَى الرِّقِّ ( وَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ ) احْتِرَازًا عَنْ دَرَاهِمِ الْغَيْرِ وَدَنَانِيرِهِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَلَيْهَا جَائِزَةٌ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا ( أَوْ عَلَى مِائَةٍ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ ( لِيَرُدَّ مَوْلَاهُ ) إلَيْهِ ( وَصِيفًا ) أَيْ خَادِمًا عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَوْ أَمَةً مُعَيَّنَةً صَحَّ ( أَوْ الْمُسْلِمُ ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ كَاتَبَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ ( عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ) وَقَوْلُهُ ( فَسَدَ ) جَوَابٌ إذَا كَاتَبَ أَيْ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ اشْتَمَلَ عَلَى بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْمِائَةِ بِإِزَاءِ الْوَصِيفِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمَوْلَى بَيْعٌ وَمَا كَانَ مِنْهَا بِإِزَاءِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةٌ فَيَكُونُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَوْ أَمَةً مُعَيَّنَةً ، وَالْقَوْمُ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ فَالصَّوَابُ مَا فِي الْكَافِي أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ الْوَصِيفِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى قِيمَتُهُ ، وَالْقِيمَةُ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لِجَهَالَتِهَا قَدْرًا فَكَذَا لَا تَصْلُحُ أَنْ
تَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ بَدَلِ الْبَدَلِ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنَّ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ ( وَعَتَقَ فِيهِمَا ) أَيْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ يَعْنِي فِي أَدَائِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ وَمُوجَبُهُ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ الْعِوَضِ الْمَشْرُوطِ ( ثُمَّ ) أَيْ بَعْدَ مَا عَتَقَ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى ( سَعَى فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ ) وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُوَ الْقِيمَةُ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَأَنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ فَإِنَّ فِيهَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ ( لَا يُنْقِصُ مِنْهُ وَيُزَادُ عَلَيْهِ ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَهَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِمَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِهَا يَعْنِي أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً عَنْ الْمُسَمَّى لَا تَنْقُصُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً زِيدَتْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِالنُّقْصَانِ ، وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ فَوَجَبَ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : بِأَنْ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ قِيمَتَك فَأَنْتَ حُرٌّ ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ يَكُونُ مَأْذُونًا لَا مُكَاتَبًا فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ : كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
إلَخْ ) الْإِيرَادُ مَدْفُوعٌ ؛ لِأَنَّ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَافِي قَدْ صَدَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا : وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيْعٍ
إلَخْ ، وَلَيْسَ ضَارًّا فَلَا يُنْسَبُ إلَى الْخَطَأِ ( قَوْلُهُ : يَعْنِي فِي أَدَائِهِمَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ الْمَوْلَى عَلَى تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِأَدَائِهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ .
( تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ ) : لِلْمَوْلَى فَسْخُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( الثَّانِي ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي بَاقِي الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ فَنَقُولُ : إنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ إذَا كَاتَبَهُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَتَصِيرُ مَعْلُومَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِنْدَ الْأَدَاءِ حَتَّى تَصِيرُ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ ، وَالْجِنْسِ ، وَالصِّفَةِ ا هـ .
وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ بِتَصَادُقِهِمَا أَوْ بِأَدَاءِ أَقْصَى مَا يَقَعُ بِهِ تَقْوِيمُ الْمُقَوِّمِينَ وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ أَصْلًا ا هـ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ : لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ ا هـ .
فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ لِيَرُدَّ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ وَصِيفًا فَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ كَذَا عَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَوْلُهُ : فَلَا تَصِحُّ يَعْنِي فَتَكُونُ بَاطِلَةً لِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى مَتَى كَانَ شَيْئًا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ أَوْ
لِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى وَلَا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ إذْ لَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا لَا عَلَى وَجْهِ الْمُسَمَّى وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ مُعَلِّلًا لَهُ : لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ فَيَعْتِقُ بِأَدَائِهِ وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا لَيْسَ بِبَدَلٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ ، وَالذَّخِيرَةِ وَ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ ) يَعْنِي فِي بَعْضِ نُسَخِهَا مَنْسُوبًا لِزُفَرَ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُوَافَقَةِ الْهِدَايَةِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ ، وَالذَّخِيرَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَلَطٌ ، وَقَدْ تَبِعَ هَذَا الْغَلَطَ فِي الِاخْتِيَارِ فَلْيَكُنْ فِي عِلْمِك .
( وَلَوْ عَلَى مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا بَطَلَ ) أَيْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ ( وَصَحَّتْ ) الْكِتَابَةُ عَلَى حَيَوَانٍ ( ذَكَرَ جِنْسَهُ ) كَالْعَبْدِ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ ( وَيُؤَدِّي الْوَسَطَ أَوْ قِيمَتَهُ ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ أَمَّا الْوَسَطُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا قِيمَتُهُ فَلِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فَدَفْعُ الْقِيمَةِ قَضَاءً فِي مَعْنَى الْأَدَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ عَلَى مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا بَطَلَ ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ : وَالْكِتَابَةُ عَلَى الْمَيْتَةِ ، وَالدَّمِ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا وَلَا مُوجَبَ لَهَا وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَائِهِمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ ا هـ .
( قُلْت ) وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ ذَكَرَهُ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ قَالَ : وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ ، وَنَصُّهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا لَا يُوقَفُ عَلَى مُرَادِ الْمَوْلَى فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً فَلَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ أَدَّى قِيمَتَهُ أَيْضًا لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صَرِيحٌ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ وَهِيَ تَنْعَقِدُ مَعَ الْجَهَالَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الثَّوْبِ ا هـ .
قَوْلُهُ : وَصَحَّتْ عَلَى حَيَوَانٍ ذُكِرَ جِنْسُهُ كَالْعَبْدِ ) كَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ : إذَا كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ وَبَيَّنَ جِنْسَهُ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ النَّوْعَ أَنَّهُ تُرْكِيٌّ أَوْ هِنْدِيٌّ وَلَا الْوَصْفَ أَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ جَازَتْ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَإِنَّمَا صَحَّ الْعَقْدُ مَعَ الْجَهَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ وَمِثْلُهَا يُتَحَمَّلُ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُعْتَبَرُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ فِيهِ حَتَّى لَوْ كَاتَبَهُ إلَى الْحَصَادِ صَحَّتْ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَجَازَ الْكِتَابَةَ عَلَى الْوَصْفِ جَمْعُ وَصِيفٍ وَهُوَ الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ ا هـ .
وَلَكِنْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ : وَالْكِتَابَةُ عَلَى الْحَيَوَانِ ، وَالثَّوْبِ كَالنِّكَاحِ
إنَّ عَيَّنَ النَّوْعَ صَحَّ وَإِنْ أَطْلَقَ لَا يَصِحُّ ا هـ .
فَلْيَتَأَمَّلْ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالنَّوْعِ الْجِنْسَ وَإِلَّا نَاقَضَهُ مَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَيُؤَدِّي الْوَسَطَ ) قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ بِمَا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَقَالَا هُوَ عَلَى قَدْرِ غَلَاءِ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
( وَمِنْ كَافِرٍ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى حَيَوَانٍ أَيْ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ مِنْ كَافِرٍ ( كَاتَبَ عَبْدًا مِثْلَهُ ) يَعْنِي كَافِرًا ( بِخَمْرٍ مُقَدَّرَةٍ ) اُعْتُبِرَ التَّقْدِيرُ لِيُعْلَمَ الْبَدَلُ وَإِنَّمَا صَحَّتْ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ عِنْدَنَا ( وَأَيٌّ ) مِنْ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ ( أَسْلَمَ لِلْمَوْلَى قِيمَتَهَا ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ الْخَمْرِ وَتَمْلِيكِهِ ( وَعَتَقَ ) الْعَبْدُ ( بِقَبْضِ الْخَمْرِ ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُتَعَلِّقٌ بِقَبْضِهَا لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ ( وَعَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى حَيَوَانٍ ( لَهُ ) أَيْ لِلْمَوْلَى ( أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءِ دَارٍ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْمَعْمُولِ ، وَالْآجُرِّ بِمَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ ) لِحُصُولِ الرُّكْنِ ، وَالشَّرْطِ ( وَأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى غَرِيمِهِ وَأَلْفٍ وَوَصِيفٍ وَأَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ سَنَةً وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا لَا ) أَيْ لَا يَجُوزُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ كَوْنُ الْمَمْلُوكِ مَالِكًا يَدًا وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ لِيَكُونَ مَالِكًا مُطْلَقًا بَعْدَهُ ، كَمَا فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْخِدْمَةِ سَنَةً وَهَذَا يُنَافِيهِ ( لَا تَفْسُدُ ) الْكِتَابَة ( بِشَرْطٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ) أَيْ الشَّرْطُ ( فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : الْكِتَابَةُ تُشْبِهُ الْبَيْعَ يَعْنِي انْتِهَاءً ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ انْتِهَاءً وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ يَعْنِي ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ الْبُضْعُ ابْتِدَاءً فَأَلْحَقْنَاهَا بِالْبَيْعِ فِي شَرْطِ تَمَكُّنٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً مَجْهُولَةً ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَدَلِ وَبِالنِّكَاحِ فِي شَرْطٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : وَعَتَقَ بِقَبْضِ الْخَمْرِ ) ، كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : قَالَ فِي الْكَافِي هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَالْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ والتمرتاشي لَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْقِيمَةِ وَلَمْ يَبْقَ الْخَمْرُ بَدَلًا ا هـ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ : فَكَانَ فِي الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ رِوَايَتَانِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَعَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ) اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مُخْتَلِفَةٌ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْخِدْمَةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودَةِ فَتَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْعَادَةِ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءِ دَارٍ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْمَعْمُولِ ) بَيَانُهُ : أَنْ يُسَمَّى لَهُ طُولُ الْبِئْرِ وَعُمْقُهَا وَمَكَانُهَا .
وَفِي الدِّرَايَةِ آجُرُّهَا وَجِصُّهَا وَمَا يُبْنَى بِهَا فَتَصِحُّ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى بَدَلٍ مَعْلُومٍ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : وَالْآجُرِّ ) بِالْمَدِّ وَضَمِّ الْجِيمِ اللَّبِنُ الْمُحْرَقُ ( قَوْلُهُ : وَأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى غَرِيمِهِ ) أَيْ صَحَّتْ عَلَيْهَا وَكَذَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ يَضْمَنُهَا لِرَجُلٍ عَنْ سَيِّدِهِ فَالْمُكَاتَبَةُ ، وَالضَّمَانُ جَائِزَانِ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : وَأَلْفٍ وَوَصِيفٍ وَأَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ سَنَةً ) أَيْ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَعْلُومٌ وَلَيْسَ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ ( قَوْلُهُ : وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا لَا ) يَعْنِي إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا لَا تَصِحُّ لِمَا ذُكِرَ مِنْ مُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنْ أَدَّى الْأَلْفَ عَتَقَ .
وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ : هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَعَ الْأَلْفِ شَيْئًا آخَرَ فَكَيْفَ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ قُلْنَا اشْتِرَاطُ الْخِدْمَةِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ لِمَا أَوْجَبَهُ لَهُ بَلْ
بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ مِلْكِ نَفْسِهِ فِي الْخِدْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ قَبْلُ فَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِمُوجَبِ الْعَقْدِ فَأَمَّا الْبَدَلُ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَلْفُ فَإِذَا أَدَّاهُ يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَيْ لَا يَجُوزُ هَذَا ) يُرِيدُ بِهِ الصُّورَةَ الْأَخِيرَةَ فَقَطْ وَهِيَ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ فَشَرْحُهُ أَوْضَحَهُ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : الْكِتَابَةُ تُشْبِهُ الْبَيْعَ يَعْنِي انْتِهَاءً ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ انْتِهَاءً ) أَقُولُ لَمْ يَعْنِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ شَبَهَ الْكِتَابَةِ بِالْبَيْعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْمُعَاوَضَةُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِمَا بِلَا بَدَلٍ وَاحْتِمَالُهُمَا الْفَسْخَ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ ، وَقَدْ نَفَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ شَبَهَ الْكِتَابَةِ بِالْبَيْعِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَيْثُ قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ أَيْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ وَلَنَا أَنَّهَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ بِمَالٍ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكَ فِيهِ فَأَشْبَهَتْ النِّكَاحَ ، وَالْجَامِعُ أَنَّهَا تُبْنَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ ا هـ .
وَقَدْ مَنَعَ فِي الْعِنَايَةِ شَبَهَ الْكِتَابَةِ بِالْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَقَالَ : وَلَنَا أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْبَيْعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ ابْتِدَاؤُهَا أَوْ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاءُ ، وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ ، وَالْكِتَابَةَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ فَكِّ الْحَجْرِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَلِكَ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الِانْتِهَاءِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَهُوَ الرَّقَبَةُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكُ فِيهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ فِي الِانْتِهَاءِ وَفِي أَنَّ مَبْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى
الْمُسَامَحَةِ وَهَذَا الْمِقْدَارُ كَافٍ فِي إلْحَاقِهَا بِالنِّكَاحِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ الْبُضْعُ ) صَوَابُهُ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فِي الِابْتِدَاءِ إذْ الْبَدَلُ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ .
( فَصْلٌ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ ) ( صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَلَوْ بِالْمُحَابَاةِ ) فَإِنَّهَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَإِنَّ التَّاجِرَ قَدْ يُحَابِي فِي صَفْقَةٍ لِيَرْبَحَ فِي أُخْرَى ( وَسَفَرُهُ وَإِنْ شُرِطَ تَرْكُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ وَلَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ( وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَالَ وَهُوَ الْمَهْرُ ( لَا ) تَزْوِيجُ ( عَبْدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَنْقِيصُ الْعَبْدِ وَتَعْيِيبُهُ وَشَغْلُ ذِمَّتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ( وَصَحَّ كِتَابَةُ رَقِيقِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَيَمْلِكُهُ كَتَزْوِيجِ أَمَتِهِ ( وَالْوَلَاءُ ) أَيْ وَلَاءُ الثَّانِي ( لَهُ ) أَيْ لِلْأَوَّلِ ( إنْ أَدَّى ) الثَّانِي ( بَعْدَ عِتْقِهِ ) أَيْ عِتْقِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ لَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بَلْ قَبْلَهُ ( فَلِمَوْلَاهُ ) أَيْ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَهُ فِيهِ نَوْعُ مِلْكٍ وَتَصِحُّ إضَافَةُ الْإِعْتَاقِ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أُضِيفَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا ( وَإِنْ أَدَّيَا ) أَيْ الْمُكَاتَبَانِ بَدَلَهُمَا ( جَمِيعًا مَعًا فَوَلَاؤُهُمَا لِلْمَوْلَى ) تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ وَإِنْ ( عَجَزَ الْأَوَّلُ ) عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَرُدَّ إلَى الرِّقِّ وَلَمْ يُؤَدِّ الثَّانِي بَدَلَهُ ( بَقِيَ الثَّانِي مُكَاتَبًا ) فَإِنْ أَدَّى الْبَدَلَ إلَى الْمَوْلَى عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ رُدَّ إلَى الرِّقِّ كَالْأَوَّلِ ( لَا التَّزَوُّجُ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بَيْعُهُ أَيْ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ ( بِلَا إذْنِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى ( وَلَا التَّسَرِّي ) وَهُوَ اتِّخَاذُ السُّرِّيَّةِ يَعْنِي اشْتِرَاءَ جَارِيَةٍ يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَطْئًا ( وَلَوْ بِهِ ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ( كَذَا الْمَأْذُونُ ، وَالْمُدَبَّرُ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى التَّسَرِّي عَلَى
مِلْكِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْمُتْعَةِ فَالرَّقِيقُ وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ مُدَبَّرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ مِلْكِ الْمَالِ لِكَوْنِ رَقَبَتِهِ مَمْلُوكَةً وَلَا يَنْفَعُ إذْنُ الْمَوْلَى ( وَلَا الْهِبَةُ ) وَلَوْ بِعِوَضٍ ، وَالتَّصَدُّقُ إلَّا بِيَسِيرٍ ، وَالتَّكَفُّلُ ، وَالْإِقْرَاضُ وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ وَبَيْعُ نَفْسِهِ أَيْ الْعَبْدِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَبَرُّعَاتٌ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُكَاتَبُ ( الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ ) أَيْ كُلُّ تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ فِي عَبْدِهِ يَمْلِكَانِهِ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ وَمَا لَا فَلَا ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ فِيهِ تَصَرُّفًا يَحْصُلُ بِهِ الْمَالُ لِلصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ يَمْلِكُ كَسْبَ الْمَالِ فَحُكْمُهُمَا حُكْمُهُ فَيَمْلِكَانِ كِتَابَةَ عَبْدِهِ لَا إعْتَاقَهُ عَلَى مَالٍ وَبَيْعَ عَبْدِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَيَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لَا إعْتَاقَهَا عَلَى مَالٍ ( وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا مُضَارِبٌ وَشَرِيكٌ ) شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ أَوْ عَنَانٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إلَّا التِّجَارَةَ ، وَالتَّزْوِيجُ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَا مِنْهَا ( وَيَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَيْنِهِمَا وِلَادٌ ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَهْلٌ لَأَنْ يُكَاتِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ فَيُجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمْ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي كِتَابَتِهِ ثُمَّ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى ثُمَّ الْأَبَوَانِ وَلِهَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْمَوْلُودَ فِي كِتَابَتِهِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أَبِيهِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً سَعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ ، وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ حَالًّا وَإِلَّا رُدَّ إلَى الرِّقِّ ، وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ إلَى الرِّقِّ لَوْ مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ ،
وَالْبَعْضِيَّةُ الثَّابِتَةُ حَقِيقَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَبِالْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا فِي حَقِّ الْعَقْدِ لَا حَقِيقَةً فِي حَقِّهِ إذْ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْفِصَالِ ، وَالْوَالِدَانِ تَبَعِيَّتُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا الْبَعْضِيَّةِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِبَعْضٍ لَهُ فَاخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ لِذَلِكَ ( لَا غَيْرُ وَلَوْ مُحَرَّمًا كَالْأَخِ وَالْعَمِّ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمَحْرَمِيَّةَ وَلِهَذَا يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُمْ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إذَا سَرَقَ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا لَا مِلْكًا حَقِيقَةً لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الرِّقُّ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا إلَّا أَنَّ الْكَسْبَ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْوِلَادِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَلَا يُكَلَّفُ فِي غَيْرِهِمَا حَتَّى لَا يُخَاطَبُ الْأَخُ بِنَفَقَةِ أَخِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا ، وَالدُّخُولُ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَيَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِمَحِلِّهِ ( حَتَّى جَازَ لَهُ ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ ( بَيْعُهُمْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُمْ لِيَمْتَنِعَ بَيْعُهُمْ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ الْمُكَاتَبَ ( إذَا أَدَّى الْبَدَلَ عَتَقُوا ) ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَتَقَرَّرَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجَزَ فَيَتَقَرَّرَ لِلْمَوْلَى وَهَاهُنَا تَقَرَّرَ لَهُ فَعَتَقُوا عَلَيْهِ ( وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ ابْتِدَاءً .
( فَصْلٌ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ ) .
( قَوْلُهُ : وَصَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ ) كَذَا إجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ وَإِيدَاعُهُ وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ وَاسْتِيفَاؤُهُ وَقَبُولُ حَوَالَةٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ عَنَانًا لَا مُفَاوَضَةً لِاسْتِلْزَامِهَا الْكَفَالَةَ ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ فِيهَا حُكْمَ وَصِيَّتِهِ مَبْسُوطًا ( قَوْلُهُ : وَلَوْ بِالْمُحَابَاةِ ) يَعْنِي الْيَسِيرَةِ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَا يُحَابِي مُحَابَاةً فَاحِشَةً كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ) يَعْنِي لَيْسَ مُتَمَكِّنًا فِي صُلْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ لِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الشَّرْطُ الْبَاطِلُ إنَّمَا يُبْطِلُ الْكِتَابَةَ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ كَمَا إذَا قَالَ : كَاتَبْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي مُدَّةً أَوْ زَمَانًا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ لَا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ فَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْكِتَابَةُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَصَحَّ كِتَابَةُ رَقِيقِهِ ) يَعْنِي الَّذِي لَمْ يَتَكَاتَبْ عَلَيْهِ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بَلْ قَبْلَهُ فَلِمَوْلَاهُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى جُعِلَ مُعْتِقًا ، وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَدَّيَا جَمِيعًا مَعًا
إلَخْ ) ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : أَيْ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ ) بِمَعْنَى لَا يَنْفُذُ تَزَوُّجُهُ بِلَا إذْنِ الْمَوْلَى ( قَوْلُهُ : وَالتَّصَدُّقُ إلَّا بِيَسِيرٍ ) يَعْنِي مِنْ الْمَأْكُولِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ : حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ فَقِيرًا دِرْهَمًا وَلَا يَكْسُوهُ ثَوْبًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ مِنْ الْمَأْكُولِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : وَلَا يَهَبُ وَلَا يَتَصَدَّقُ إلَّا بِالْيَسِيرِ
يَعْنِي كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ ، وَالْبَصَلِ ، وَالْمِلْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ا هـ .
وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ عَتَقَ رُدَّ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَتْ الْهِبَةُ ، وَالصَّدَقَةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ وُقُوعِهِ فَلَا يُتَوَقَّفُ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ .
( قَوْلُهُ : وَالتَّكَفُّلُ ) أَيْ لَا بِالنَّفْسِ وَلَا بِالْمَالِ لَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ، وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَصِحُّ إذْنُهُ بِالتَّبَرُّعِ بِهِ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْكَفَالَةِ فَكَفَلَ أُخِذَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ا هـ .
وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ نَظْمُ الْكَنْزِ : وَلَوْ كَفَلَ عَنْ سَيِّدِهِ صَحَّ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا ا هـ وَيَعْنِي لَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِيَلْتَقِيَ قِصَاصًا بِمَا أَدَّى عَنْ بَدَلِ كِتَابَتِهِ ، ( قَوْلُهُ : الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ فَيَمْلِكَانِ كِتَابَةَ عَبْدِهِ ) يَعْنِي اسْتِحْسَانًا وَإِذَا أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِقَبْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ يُصَدَّقُ وَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إقْرَارٌ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فَيَصِحُّ وَفِي الثَّانِي بِالْعِتْقِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ قَوْلُهُ : وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا ) أَيْ التَّزْوِيجِ ، وَالْكِتَابَةِ ( قَوْلُهُ : وَيَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَيْنِهِمَا وِلَادٌ ) هُمْ الْأُصُولُ وَإِنْ عَلَوْا ، وَالْفُرُوعُ لَهُ وَإِنْ سَفَلُوا ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ ) مِنْهَا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يُطَالِبُ مَنْ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعًا بَلْ مَقْصُودًا وَلَا يُطَالِبُ التَّبَعَ حَالَ قِيَامِ الْمَتْبُوعِ ( قَوْلُهُ : وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ إلَى الرِّقِّ كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًّا
وَلَا مُؤَجَّلًا ) ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ ، وَالْعِنَايَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ يُقَالُ لِلْوَلَدِ الْمُشْتَرَى أَوْ لِلْوَالِدَيْنِ إمَّا أَنْ تُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ حَالًا وَإِلَّا رَدَدْنَاكُمْ فِي الرِّقِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ ا هـ .
لَكِنْ تَنْتَفِي الْمُخَالَفَةُ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَيُحْمَلُ غَيْرُهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَسَنَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ ) أَيْ وَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ عِنْدَهُمَا ، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
( اشْتَرَى ) الْمُكَاتَبُ ( أُمَّ وَلَدِهِ لَوْ ) كَانَتْ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ وَلَدِهَا ( لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِمَا ذُكِرَ فَتَبِعَتْهُ أُمُّهُ فَامْتَنَعَ بَيْعُهَا ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مَعَهَا ( جَازَ ) أَيْ بَيْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ جَوَازُ بَيْعِهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا بِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِلْحَدِيثِ وَبِدُونِ الْوَلَدِ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ ابْتِدَاءً ، وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ .
.
( زَوَّجَ ) الْمُكَاتَبُ ( أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَكَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ ) وَلَدًا ( دَخَلَ ) أَيْ الْوَلَدُ ( فِي كِتَابَتِهَا وَكَسْبُهُ لَهَا ) ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ ، وَالرِّقِّ كَمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ : زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ) هَكَذَا فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ، وَقَدْ يُقَالُ : إنَّهُ لَا مُنَافَاةَ ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْمُكَاتَبِ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ لَيْسَ مُفِيدًا صِحَّةَ عَقْدِهِ وَمِلْكَهُ إيَّاهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ عَامٌّ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ وَدُخُولَ الْوَلَدِ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ لِلشُّبْهَةِ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكَمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّي وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً اشْتَرَاهَا فَادَّعَى وَلَدَهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ دُونَ أُمِّهِ ، كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُنَا كَسْبُهُ لِأُمِّهِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبِ عَبْدَهُ كَتَزَوُّجِهِ يَكُونُ مَوْقُوفًا إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ صُدُورِهِ وَتَزْوِيجُهُ هُوَ لَهُ مُجِيزٌ وَهُوَ الْمَوْلَى الْحُرُّ فَصَارَ تَزْوِيجُهُ كَهِبَتِهِ الْكَثِيرَ ، .
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ : هِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ غَيْرُ الْيَسِيرِ لَا تَصِحُّ فَيَسْتَرِدُّهُ بَعْدَ عِتْقِهِ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُمَا حَالَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ .
( مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ نَكَحَ بِالْإِذْنِ حُرَّةً ) لَا فِي الْوَاقِعِ بَلْ ( بِزَعْمِهَا ) حَيْثُ قَالَتْ : أَنَا حُرَّةٌ ( فَوَلَدَتْ الْمَنْكُوحَةُ ) وَلَدًا ( فَاسْتُحِقَّتْ فَوَلَدُهَا عَبْدٌ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : حُرٌّ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ الْحُرَّ فِي سَبَبِ ثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ وَهُوَ الْغُرُورُ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي نِكَاحِهَا إلَّا لِيَنَالَ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ ، وَلَهُمَا أَنَّهُ وَلَدٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا ، وَقَدْ مَرَّ مِرَارًا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ لَكِنْ تُرِكَ هَذَا الْأَصْلُ فِي الْمَغْرُورِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِيَلْحَقَ بِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى هُنَاكَ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ نَاجِزَةٍ وَهَاهُنَا بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ .
قَوْلُهُ : لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى ) أَيْ مَوْلَى الْأَمَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً ( هُنَاكَ ) الْإِشَارَةُ إلَى مَسْأَلَةِ الْحُرِّ الْمَغْرُورِ ( قَوْلُهُ : وَهَا هُنَا بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ) إلْزَامٌ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا يَقُولُهُ مِنْ أَنَّ الْقِيمَةَ لَازِمَةٌ لِلْمَغْرُورِ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ قِيمَةَ الْأَوْلَادِ عِنْدَهُ أَيْ مُحَمَّدٍ يَتَأَخَّرُ أَدَاؤُهَا إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَكَأَنَّ الْمَانِعَ عَنْ إلْحَاقِهِ بِالْحُرِّ مَوْجُودٌ وَهُوَ الضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِالْمُسْتَحَقِّ بِالتَّأْخِيرِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ( قَوْلُهُ : فَبَقِيَ ) أَيْ الْوَلَدُ عَلَى الْأَصْلِ فِي تَبَعِيَّةِ الْأُمِّ فِي الرِّقِّ أَوْ فَبَقِيَ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ رِقُّ وَلَدِهِ لِرِقِّ أُمِّهِ وَلَمْ يَلْحَقْ أَيْ الْمُكَاتَبُ وَلَا الْمَأْذُونُ بِهِ أَيْ بِالْحُرِّ فَلَا يَكُونُ وَلَدُهُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ .
( وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَةً اشْتَرَاهَا فَاسِدًا فَرُدَّتْ ) عَلَى مَوْلَاهَا ( أَوْ ) اشْتَرَاهَا شِرَاءً ( صَحِيحًا فَاسْتُحِقَّتْ ضَمِنَ عُقْرَهَا حَالًّا ) أَيْ يُؤْخَذُ حَالَ الْكِتَابَةِ ( كَالْمَأْذُونِ بِالتِّجَارَةِ ) فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ هَكَذَا يَضْمَنُ عُقْرَهَا حَالًّا ( نَكَحَهَا بِلَا إذْنٍ فَاسْتُحِقَّتْ ضَمِنَ ) الْعُقْرَ ( بَعْدَ عِتْقِهِ ) ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ وَتَوَابِعَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْكِتَابَةِ وَهَذَا الْعُقْرُ مِنْ تَوَابِعِهَا إذْ لَوْلَا الشِّرَاءُ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَمَا لَمْ يَسْقُطْ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ وَفِي الثَّانِي لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّ الْعُقْرَ ثَبَتَ بِالْوَطْءِ لَا بِالشِّرَاءِ ، وَالْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ إذْنًا بِالْوَطْءِ ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَكُونُ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى أَقُولُ جَوَابُهُ : أَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُقْرَ يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ لَا بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً لَكِنَّ الْوَطْءَ مُسْتَنِدٌ إلَى الشِّرَاءِ إذْ لَوْلَاهُ لَكَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا بِلَا شُبْهَةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْعُقْرُ فَيَجِبُ الْحَدُّ فَيَكُونُ الْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ إذْنًا بِالْوَطْءِ ، وَالْوَطْءُ نَفْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التِّجَارَةِ لَكِنَّ الشِّرَاءَ مِنْهَا فَيَكُونُ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى .
( قَوْلُهُ : أَوْ اشْتَرَاهَا شِرَاءً صَحِيحًا فَاسْتُحِقَّتْ ) الِاسْتِحْقَاقُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الشِّرَاءِ فَكَيْفَ يُوصَفُ الشِّرَاءُ بِهَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ، كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ : لَوْ وَطِئَ مُشْتَرَاتَهُ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ رُدَّتْ لِفَسَادِ الْبَيْعِ
إلَخْ ( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ الْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ إذْنًا بِالْوَطْءِ ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكُهُ ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ، يُوَضِّحُهُ مَا فَرَّقَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوْجَبَتْ الشِّرَاءَ وَالشِّرَاءَ أَوْجَبَ سُقُوطَ الْحَدِّ وَسُقُوطَ الْحَدِّ أَوْجَبَ الْعُقْرَ فَالْكِتَابَةُ أَوْجَبَتْ الْعُقْرَ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ .
ا هـ .
( لِلْمَوْلَى أَنْ يُدَبِّرَهُ ) أَيْ يَجُوزُ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يُدَبِّرَهُ ( فَإِنْ عَجَزَ بَقِيَ مُدَبَّرًا وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا ) يَعْنِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ مُخَيَّرٌ إمَّا أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ ، وَيَكُونُ مُدَبَّرًا أَوْ يَمْضِيَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا فَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إمَّا أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَإِنَّمَا قَالَ : مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ مُوسِرًا بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِالتَّدْبِيرِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ ( وَيَسْتَوْلِدَهَا ) عَطْفٌ عَلَى يُدَبِّرَهُ أَيْ لِلْمَوْلَى يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْلِدَ مُكَاتَبَتَهُ بِأَنْ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَى الْوَلَدَ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ( وَمَضَتْ عَلَيْهَا أَوْ عَجَزَتْ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ ) أَيْ خُيِّرَتْ بَيْنَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَتُؤَدِّيَ الْبَدَلَ فَتَعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَتَأْخُذَ الْعُقْرَ مِنْهُ وَبَيْنَ أَنْ تُعَجِّزَ نَفْسَهَا فَتَعْتِقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى ( وَيُكَاتِبَ ) عَطْفٌ عَلَى يُدَبِّرَهُ أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَيْ لِلْمَوْلَى أَنْ يُكَاتِبَ ( أُمَّ وَلَدِهِ وَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ ) لِتَعَلُّقِ عِتْقِهَا بِمَوْتِهِ ( مَجَّانًا ) أَيْ سَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إيجَابِهِ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَإِذَا عَتَقَتْ قَبْلَهُ لَا يُمْكِنُ تَوْفِيرُ الْغَرَضِ عَلَيْهِ ( وَمُدَبَّرَهُ ) عَطْفٌ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ مُدَبَّرَهُ ( وَسَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ كُلِّ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ ) أَيْ مَوْلَاهُ ( مُعْسِرًا ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا ، .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ ، وَالْخِيَارُ وَعَدَمُهُ فَرْعُ التَّجْزِيءِ وَعَدَمُهُ كَمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُسْتَحَقٌّ بِالتَّدْبِيرِ الْمُتَأَخِّرِ فَيَسْقُطُ بِهِ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُمَا أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَيَّنَا الْأَقَلَّ مِنْهُمَا لِلسِّعَايَةِ ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَالْخِلَافُ هُنَا فِي الْخِيَارِ وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالثُّلُثَيْنِ ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ : ( قَوْلُهُ : يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْلِدَ مُكَاتَبَتَهُ ) غَيْرُ جَيِّدٍ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ ، فَلَوْ قَالَ كَالْكَنْزِ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا
إلَخْ لَتَخَلَّصَ عَنْ هَذَا ( قَوْلُهُ : فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ رَقَبَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ حَالَ كِتَابَتِهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَ عَنْهُ تَعَبُ السِّعَايَةِ ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَتَأْخُذُ الْعُقْرَ مِنْهُ ) ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا حَالَ كِتَابَتِهَا أَمَّا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يُقِرَّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَا يَتَوَجَّهُ اسْتِحْقَاقُهَا الْعُقْرَ عَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ
( وَيُصَالِحُ ) الْمَوْلَى ( مَعَ مُكَاتَبِهِ مِنْ أَلْفَيْنِ مُؤَجَّلٍ عَلَى أَلْفٍ حَالٍّ ) وَالْقِيَاسُ : أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ بِالْمَالِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا .
( مَاتَ مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ ) فِي مَرَضِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَى الْعَبْدِ ( عَلَى ضِعْفِ قِيمَتِهِ ) بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَكَاتَبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ ( بِأَجَلٍ وَرَدَّ وَرَثَتُهُ ) هَذَا التَّصَرُّفَ ( أَدَّى ) أَيْ الْمُكَاتَبُ ( ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا وَبَاقِيَهُ مُؤَجَّلًا أَوْ اُسْتُرِقَّ ) يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا وَالْبَاقِيَ مُؤَجَّلًا وَبَيْنَ أَنْ يَأْبَى فَيُسْتَرَقَّ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفِ حَالًّا ، وَالْبَاقِيَ إلَى أَجَلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ لَهُ التَّأْجِيلُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَفِيمَا وَرَاءَهُ يَصِحُّ لَهُ التَّرْكُ فَيَصِحُّ التَّأْخِيرُ وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَدَلِ فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي ثُلُثَيْهِ ( وَلَوْ ) كَاتَبَهُ الْمَرِيضُ ( عَلَى نِصْفِهَا ) أَيْ نِصْفِ قِيمَتِهِ بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ ( أَدَّى ثُلُثَيْهَا حَالًّا ) وَسَقَطَ الْبَاقِي مِنْ الْقِيمَةِ ( أَوْ اُسْتُرِقَّ ) يَعْنِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ فِي الْمِقْدَارِ وَفِي التَّأْخِيرِ فَيَنْفُذُ بِالثُّلُثِ لَا الثُّلُثَيْنِ .
قَوْلُهُ : فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي ثُلُثِهِ ) كَذَا بِصُورَةِ إفْرَادِ الثُّلُثِ فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ فِي ثُلُثَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ ، وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَى الثُّلُثَيْنِ رَاجِعٌ لِلْحَقِّ ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ اللُّزُومِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالثُّلُثَيْنِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى نِصْفِهَا ) أَيْ إلَى أَجَلٍ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ( قَوْلُهُ : فَيَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ لَا الثُّلُثَيْنِ ) أَيْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ فِي الْإِسْقَاطِ ، وَالتَّأْخِيرِ لَكِنْ لَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ الثُّلُثُ لَمْ يَبْقَ التَّأْخِيرُ أَيْضًا وَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ لَا فِي حَقِّ الْإِسْقَاطِ وَلَا فِي حَقِّ التَّأْخِيرِ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
( حُرٌّ كَاتَبَ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَأَدَّى الْحُرُّ عَتَقَ ) الْعَبْدُ ( وَلَا يَرْجِعُ ) الْحُرُّ ( عَلَيْهِ وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ فَمُكَاتَبٌ ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ حُرٌّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ : كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ وَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى ذَلِكَ يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ وَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ صَارَ مُكَاتَبًا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَتِهِ ، وَقَبُولُهُ إجَازَةٌ ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ قِيَاسًا ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَعْدُومٌ ، وَالْعَقْدَ مَوْقُوفٌ ، وَالْمَوْقُوفُ لَا حُكْمَ لَهُ وَيَعْتِقُ اسْتِحْسَانًا إذْ لَا ضَرَرَ لِلْعَبْدِ الْغَائِبِ فِي تَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ الْقَابِلِ فَيَصِحُّ فِي حَقِّي هَذَا الْحُكْمُ وَيُتَوَقَّفُ عَلَى لُزُومِ الْأَلْفِ وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ فَمُكَاتَبٌ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَا أَقْبَلُهُ فَأَدَّى عَنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي كَاتَبَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : صُورَتُهُ
إلَخْ ) إنَّمَا صُوِّرَ بِهَذِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِيهَا الْعَبْدُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بِأَدَاءِ الْحُرِّ الْقَابِلِ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْحُرُّ فِي مُكَاتَبَتِهِ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ عَلَى أَدَائِهِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ : كَاتِبْ عَبْدَك فُلَانًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَكِنَّهُ يَعْتِقُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ لَا يُرْجَعُ عَلَى الْعَبْدِ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى مَوْلَاهُ ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ ) يَعْنِي ، وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَهُوَ عِتْقُ الْعَبْدِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى بَعْضَ الْبَدَلِ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ عَلَى الْمَوْلَى لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ سَوَاءٌ أَدَّى بِضَمَانٍ أَوْ بِغَيْرِ ضَمَانٍ وَإِذَا أَدَّى كُلَّ الْبَدَلِ بِضَمَانٍ يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَاطِلًا كَمَا لَوْ ضَمِنَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ فَأَدَّى يَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ فَهَاهُنَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّاهُ بِلَا ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَتَمَّ مُرَادُهُ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
( كُوتِبَ عَبْدٌ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ ) الْعَقْدَ ( فَأَيٌّ ) مِنْهُمَا ( أَدَّى ) الْبَدَلَ ( قَبِلَ ) الْمَوْلَى ذَلِكَ الْبَدَلَ ( جَبْرًا وَعَتَقَا ) صُورَتُهُ : رَجُلٌ لَهُ عَبْدَانِ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا : كَاتِبْنِي بِأَلْفٍ عَنْ نَفْسِي وَعَنْ فُلَانٍ فَفَعَلَ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِحَّ فِي حِصَّةِ الْحَاضِرِ وَيُتَوَقَّفَ فِي حِصَّةِ الْغَائِبِ عَلَى قَبُولِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاضِرَ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً جَعَلَ نَفْسَهُ فِيهِ أَصِيلًا ، وَالْغَائِبُ تَبَعًا كَأَمَةٍ كُوتِبَتْ دَخَلَ أَوْلَادُهَا تَبَعًا حَتَّى عَتَقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ فَإِذَا صَحَّتْ عَنْ الْحَاضِرِ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِكُلِّ الْبَدَلِ لِأَصَالَتِهِ فَأَيُّهُمَا أَدَّى يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ ، أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِكَوْنِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ وَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى تَخْلِيصِ دَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ عَلَيْهِ .
( وَ ) أَيُّهُمَا أَدَّى ( لَمْ يَرْجِعْ ) عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ ( وَقَبُولُ الْغَائِبِ لَغْوٌ ) فَلَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ لِنَفَاذِ الْعَقْدِ عَلَى الْحَاضِرِ ( فَإِنْ حَرَّرَهُ ) أَيْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْغَائِبَ ( سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ ) مِنْ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا فَكَانَ الْبَدَلُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِهِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْأَمَةِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مَقْصُودًا وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعًا وَكَذَا وَلَدُهَا الْمُشْتَرَى ( وَإِنْ حَرَّرَ ) الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ ( الْحَاضِرَ أَوْ مَاتَ ) الْحَاضِرُ ( سَقَطَ ) حِصَّةُ الْحَاضِرِ ( وَأَدَّى الْغَائِبُ حِصَّتَهُ حَالًّا ،
وَإِلَّا رُدَّ قِنًّا ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ يَبْقَى عَلَى نُجُومِ ، وَالِدِهِ إذَا مَاتَ .
( قَوْلُهُ : كُوتِبَ عَبْدٌ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَهُ صَحَّ ( قَوْلُهُ : لِحَاجَتِهِ إلَى تَخْلِيصِ عَيْنِهِ ) هُوَ الصَّوَابُ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ دَيْنِهِ بَدَلَ عَيْنِهِ ، وَهُوَ غَلَطٌ ( قَوْلُهُ : وَقَبُولُ الْغَائِبِ لَغْوٌ ) كَذَا رَدَّهُ ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ حَرَّرَهُ سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَهُ ) أَيْ الْمَوْلَى الْغَائِبُ أَوْ وَهَبَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْحَاضِرُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ عَتَقَا جَمِيعًا ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( كُوتِبَتْ أَمَةٌ وَطِفْلَانِ لَهَا وَقَبِلَتْ فَأَيٌّ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ وَعَتَقُوا ) لِمَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
( قَوْلُهُ : كُوتِبَتْ أَمَةٌ وَطِفْلَانِ لَهَا ) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هَا هُنَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لَهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ : وَأَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ .
ا هـ .
( بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ) ( أَحَدُ شَرِيكَيْ عَبْدٍ أَذِنَ لِلْآخَرِ بِكِتَابَةِ حِصَّتِهِ ) أَيْ حِصَّةِ الْآخَرِ ( بِأَلْفٍ وَقَبْضِهِ ) أَيْ قَبْضِ أَلْفٍ ( فَفَعَلَ وَقَبَضَ بَعْضَهُ فَهُوَ لَهُ ) أَيْ لِلْقَابِضِ ( إنْ عَجَزَ ) الْمُكَاتَبُ وَقَالَا هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا وَمَا أَدَّى فَهُوَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُمَا غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ فَالْإِذْنُ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ فَالْقَابِضُ أَصِيلٌ فِي الْبَعْضِ وَوَكِيلٌ فِي الْبَعْضِ ، وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَبَقِيَ كَذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ ، وَعِنْدَهُ مُتَجَزِّئَةٌ فَيَكُونُ الْإِذْنُ مُقْتَصِرًا عَلَى نَصِيبِهِ ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ فَبِالْإِذْنِ لَا يَبْقَى لَهُ ذَلِكَ وَإِذْنُهُ لِشَرِيكِهِ بِالْقَبْضِ إذْنٌ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي نَصِيبِهِ عَلَى الْقَابِضِ فَيَكُونُ لَهُ ( وَلَوْ ) قَبَضَ ( كُلَّهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ ) أَيْ الْقَابِضِ .
( بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ) ( قَوْلُهُ : وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ : لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَالِ ، وَفِي ثَانِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مُكَاتَبٌ وَفِي ثَانِي الْحَالِ يَصِيرُ مُسْتَسْعًى فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ ، وَالْكِتَابَةُ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا يَصِحُّ فَسْخُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَى الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَدَّى الْعَبْدُ عَتَقَ نِصْفُهُ وَيَرْجِعُ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ الَّذِي كَاتَبَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا قَبَضَ شَرِيكُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى بَدَلٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْبَدَلِ ، وَمَا يَكُونُ مِنْ الْكَسْبِ فِي يَدِ الْعَبْدِ لَهُ نِصْفُهُ بِالْكِتَابَةِ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ هَذَا فِي الْكَسْبِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَصِيرُ مُسْتَسْعًى وَهُوَ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ مِنْ السَّيِّدِ ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ حَادِثٌ فَيُحَالُ حُدُوثُهُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَبَضَ كُلَّهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ ) أَيْ الْقَابِضُ الَّذِي أَذِنَهُ شَرِيكُهُ فِي مُكَاتَبَةِ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لَهُ مُشَارَكَتُهُ فِيمَا قَبَضَ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ الْبَدَلِ وَإِلَّا شَارَكَهُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( مُكَاتَبَةٌ لِرَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَطِئَ الْآخَرُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَعَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمَّا ادَّعَى الْوَلَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَصَارَ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَقْتَصِرُ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ عَلَى نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِذَا ادَّعَى الْآخَرُ وَلَدَهَا الثَّانِيَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ أَيْضًا لِقِيَامِ مِلْكِهِ ثُمَّ إذَا عَجَزَتْ جُعِلَتْ الْكِتَابَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمَةَ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِانْتِقَالِ قَدْ زَالَ وَوَطْؤُهُ سَابِقٌ ( وَضَمِنَ ) لِلْآخَرِ ( نِصْفَ قِيمَتِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ ( وَنِصْفَ عُقْرِهَا ) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً ( وَضَمِنَ شَرِيكُهُ عُقْرَهَا ) بِالتَّمَامِ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً فَلَزِمَهُ كَمَالُ الْعُقْرِ وَ ( قِيمَةَ الْوَلَدِ ) يَعْنِي الْوَلَدَ الثَّانِيَ ( وَهُوَ ابْنُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا ظَاهِرًا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ وَحُرٌّ بِالْقِيمَةِ كَمَا عَرَفْت ( وَأَيٌّ دَفَعَ إلَيْهَا الْعُقْرَ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَحَقُّ الْقَبْضِ لَهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَنَافِعِهَا وَأَبْدَالِهَا وَإِذَا عَجَزَتْ تُرَدُّ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ ( وَإِنْ دَبَّرَ الثَّانِي وَلَمْ يَطَأْهَا فَعَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْمِلْكَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ تَمَلَّكَهَا قَبْلَ الْعَجْزِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَادَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ ، وَالتَّدْبِيرُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ الْغُرُورَ كَمَا مَرَّ ( وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ )
لِمَا مَرَّ أَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ ( وَالْوَلَدُ لَهُ ) لِمَا مَرَّ أَنَّ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةٌ لِقِيَامِ الْمُصَحِّحِ ( وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا ) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً ( وَنِصْفَ قِيمَتِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ تَمَلُّكٌ بِالْقِيمَةِ ( فَإِنْ حَرَّرَهَا ) يَعْنِي إنْ كَانَا كَاتَبَاهَا ثُمَّ حَرَّرَهَا ( أَحَدُهُمَا غَنِيًّا فَعَجَزَتْ ضَمِنَ الْمُحَرِّرُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ وَرَجَعَ ) الضَّامِنُ بِهِ ( عَلَيْهَا ) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ السَّاكِتَ إذَا ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ يَرْجِعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا .
( قَوْلُهُ : وَضَمِنَ لِلْأَوَّلِ نِصْفَ قِيمَتِهَا ) يَعْنِي حَالَ كَوْنِهَا مُكَاتَبَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهُ فِي حَالِ كِتَابَتِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ وَفِي نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَيَجِبُ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَبَقِيَتْ الرَّقَبَةُ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَأَيُّ دَفَعَ إلَيْهَا الْعُقْرَ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً إلَخْ ) كَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّهُ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ بِهَا قَوْلُهُ : فَعَجَزَتْ ضَمِنَ الْمُحَرِّرُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ ) يَعْنِي إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَهُ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى ( قَوْلُهُ : وَرَجَعَ الضَّامِنُ بِهِ عَلَيْهَا عِنْدَهُ ) يَعْنِي إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَسْتَسْعِيهَا السَّاكِتُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا ا هـ يَعْنِي أَوْ يُعْتِقُ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ السَّاكِتَ إذَا ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ يَرْجِعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا ) لَمْ يُقَدِّمْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بَلْ سَكَتَ عَنْهُ وَذَكَرْته ثَمَّةَ وَوَجْهُ عَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا عِنْدَهُمَا أَنَّهُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِإِعْتَاقِهِ وَهُوَ فِعْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهَا ضَمَانُ مَا لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا
( عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَحَرَّرَهُ الْآخَرُ غَنِيًّا أَوْ عَكَسَا ) أَيْ حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ ( أُعْتِقَ الْمُدَبَّرُ أَوْ اسْتَسْعَى فِيهِمَا ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ ( أَوْ ضَمِنَ شَرِيكُهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ ) وَهِيَ مَا إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا فَإِنَّهُ إذَا دَبَّرَهُ أَوَّلًا فَلِشَرِيكِهِ تَضْمِينُهُ أَوْ إعْتَاقُ حِصَّتِهِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ مِنْ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ وَأَفْسَدَ بِهِ نَصِيبَ الْمُدَبَّرِ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ أَوْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا وَهِيَ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا أَوْ ثُلُثَاهَا كَمَا مَرَّ وَبِالضَّمَانِ لَا يَمْلِكُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ صُورَةُ الْعَكْسِ إذَا حَرَّرَ الْأَوَّلُ فَلِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ التَّضْمِينِ بَلْ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ فَوِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ ثَابِتَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ ، وَالتَّضْمِينُ يَخْتَصُّ بِالْأُولَى وَعِنْدَهُمَا إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَإِعْتَاقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَمْلِكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْعِسَارِ وَالْيَسَارِ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَتَدْبِيرُ الْآخَرِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْعِسَارِ .
.
( بَابُ الْمَوْتِ وَالْعَجْزِ ) ( مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ ) النَّجْمُ الطَّالِعُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا ( لَوْ ) كَانَ ( لَهُ مَالٌ سَيَصِلُ لَمْ يُعَجِّزْهُ الْحَاكِمُ ) أَيْ لَمْ يَحْكُمْ بِعَجْزِهِ ( إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ فَإِنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ ، وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ سَيَصِلُ ( عَجَّزَهُ ) هَذَا عِنْدَهُمَا ، .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ ( وَفَسَخَهَا ) أَيْ فَسَخَ الْحَاكِمُ الْكِتَابَةَ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ ( بِطَلَبِ مَوْلَاهُ أَوْ ) فَسَخَ مَوْلَاهُ ( بِرِضَاهُ ) أَيْ رِضَا الْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَبْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَاءِ ، كَمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِالْفَسْخِ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ ، كَذَا فِي الْكَافِي : اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى حَقُّ الْفَسْخِ وَإِعَادَتِهِ إلَى الرِّقِّ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ بِغَيْرِ رِضَاءِ الْمَوْلَى ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ( وَعَادَ رِقُّهُ ) لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ ( وَمَا فِي يَدِهِ ) مِنْ الْأَكْسَابِ ( لِمَوْلَاهُ ) إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ ( وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَمْ تُفْسَخْ ) الْكِتَابَةُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُفْسَخُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ ، وَنَحْنُ نَقُولُ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ ( وَقَضَى بَدَلَهُ مِنْهُ وَحَكَمَ بِمَوْتِهِ حُرًّا ، وَالْإِرْثِ مِنْهُ وَعِتْقِ بَنِيهِ سَوَاءٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوْ شَرَاهُمْ حَالَ كِتَابَتِهِ أَوْ كُوتِبَ هُوَ وَابْنُهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بِمَرَّةٍ ) أَيْ
بِكِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَتْبَعُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَبِعِتْقِهِ عَتَقُوا ( وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَمَنْ وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ وَبِأَدَائِهِ حُكِمَ بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبِعِتْقِهِ ) أَيْ عِتْقِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ ، وَكَسْبُهُ كَكَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً .
( بَابُ الْمَوْتِ وَالْعَجْزِ ) ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ ) يَعْنِي فِي حَقِّ الْمَوْلَى أَمَّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ فَغَيْرُ لَازِمٍ نَظَرًا لَهُ فَيَمْلِكُ الْفَسْخَ مِنْ غَيْرِ رِضَى مَوْلَاهُ ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ قَوْلُهُ : وَعِتْقِ بَنِيهِ ) لَوْ قَالَ وَلَدَهُ كَالْكَنْزِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْبَنَاتَ ( قَوْلُهُ : وَبِأَدَائِهِ حُكِمَ بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبِعِتْقِهِ ) كَذَا جَعَلَ الْعِتْقَ مُسْتَنِدًا صَاحِبُ الْكَنْزِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ وَأُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَإِنْ مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ لَكِنْ تَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ فِي الْكِتَابَةِ وَسَعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ وَأَدَّى لَا يَسْتَنِدُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ ا هـ .
وَيُنْظَرُ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا رَضِيعًا أَوْ لَمْ يَصِلْ لِقُدْرَةِ الْكَسْبِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ .
( تَرَكَ وَلَدًا شَرَاهُ فِيهَا ) أَيْ فِي كِتَابَتِهِ ( أَدَّى ) الْوَلَدُ ( الْبَدَلَ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا ) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُؤَدِّيهِ إلَى أَجَلِهِ اعْتِبَارًا بِالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَلَهُ أَنَّ الْأَجَلَ ثَبَتَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ ، وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَدْخُلْ إذْ لَمْ يُضَفْ إلَى الْعَقْدِ وَلَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لِانْفِصَالِهِ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ وَقْتَهَا فَيَسْرِي الْحُكْمُ إلَيْهِ وَإِذَا دَخَلَ فِي حُكْمِهِ سَعَى عَلَى نُجُومِهِ .
( قَوْلُهُ : تَرَكَ وَلَدًا اشْتَرَاهُ فِيهَا إلَخْ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَالِدَيْنِ لَيْسَا كَالْوَلَدِ فَيُبَاعَانِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا يَسْعَى عَلَى نُجُومِ الْمُكَاتَبِ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ ، كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ عَيْنًا يَعْنِي يَفِي بِالْبَدَلِ لِتَعْلِيلِهِ بِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ .
( تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا يَفِي بِالْبَدَلِ فَجَنَى الْوَلَدُ وَقُضِيَ بِهِ ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ ( عَلَى عَاقِلَةِ أُمِّهِ لَمْ يَكُنْ تَعْجِيزًا لِأَبِيهِ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرَّرُ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ فَيَنْجَرُّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرِّرُ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا وَإِنَّمَا قَالَ وَدَيْنًا يَفِي ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَيْنًا لَا يَتَأَتَّى الْقَضَاءُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْأُمِّ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ ( وَإِنْ اخْتَصَمَ قَوْمُ أُمِّهِ وَأَبِيهِ فِي وَلَائِهِ فَقُضِيَ بِهِ لِقَوْمِ أُمِّهِ فَهُوَ تَعْجِيزٌ ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَضَاءِ بِكَوْنِ وَلَاءِ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ أَنَّ الْأَبَ مَاتَ رَقِيقًا وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ .
تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا يَفِي بِالْبَدَلِ فَجَنَى الْوَلَدُ وَقُضِيَ بِهِ أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَةِ أُمِّهِ ( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى نُفُوذِ الْقَضَاءِ وَلُزُومِهِ وَذَلِكَ لِصِيَانَةِ الْقَضَاءِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَفِي صِيَانَتِهِ بُطْلَانُ مَا يَجِبُ رِعَايَتُهُ وَهُوَ الْكِتَابَةُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ حَدُّ الْبُطْلَانِ أَرْجَحَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ نَفَذَ بِالْإِجْمَاعِ وَصِيَانَةُ مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ كِتَابَةٍ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي بَقَائِهَا ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
( طَابَ لِمَوْلَاهُ صَدَقَةٌ أَدَّاهَا إلَيْهِ فَعَجَزَ ) يَعْنِي أَنَّ مَوْلَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْرِفًا لِلصَّدَقَةِ زَكَاةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا ، فَأَخَذَ الْمُكَاتَبُ الزَّكَاةَ مَثَلًا لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَصَارِفِ وَأَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ عَجَزَ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَوْلَى أَخَذَ الزَّكَاةَ غَنِيًّا وَمَعَ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ زَمَانَ الْأَخْذِ ، وَالْعَبْدُ قَدْ أَخَذَهُ صَدَقَةً وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَرِيرَةَ هِيَ لَك صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ .
( قَوْلُهُ : طَابَ لِمَوْلَاهُ صَدَقَةٌ أَدَّاهَا إلَيْهِ فَعَجَزَ ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يَطِيبُ لِلسَّيِّدِ مَا يَجِدُهُ فِي يَدِ عَبْدِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا طَابَ مَا أَخَذَهُ الْفَقِيرُ صَدَقَةً ثُمَّ اسْتَغْنَى أَوْ تَرَكَهُ لِوَارِثِهِ الْغَنِيِّ وَمَا أَخَذَهُ ابْنُ السَّبِيلِ ثُمَّ وَصَلَ إلَى مَالِهِ ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَالْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ
إلَخْ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَبَدَّلْ كَمَا إذَا أَبَاحَ الْفَقِيرُ لِلْغَنِيِّ أَوْ الْهَاشِمِيِّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَحِلُّ أَوْ أَبَاهُ مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا لَا يَطِيبُ بِالْإِبَاحَةِ وَلَوْ مَلَكَهُ يَطِيبُ ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( جَنَى ) الْمُكَاتَبُ ( جِنَايَةً أَوْ جِنَايَاتٍ خَطَأً كَانَ عَلَيْهِ حَالًّا ) أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبِ ( فِي كَسْبِهِ ) لَا عَلَى مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى رَقَبَةً وَذَاتًا حُرٌّ يَدًا وَتَصَرُّفًا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً يَكُونُ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَكَسْبًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَوْلَى فَجُعِلَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ حَتَّى يَكُونَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ لَهُمَا حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَهِيَ حَقُّهُمَا فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِي مَالِهِمَا ( الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ لَكِنْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانَ مُمْكِنَ الدَّفْعِ يَتَخَلَّصُ الْمَوْلَى بِدَفْعِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا تَعَذَّرَ دَفْعُهُ يَتَخَلَّصُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ ( وَإِنْ تَكَرَّرَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَزِمَتْهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ) وَلَوْ جَنَى فَقُضِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَنَى أُخْرَى يُقْضَى عَلَيْهِ بِقِيمَةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْيَأْسِ عَنْ الدَّفْعِ بِأَنْ يَعْتِقَ أَوْ يَمُوتَ فَيَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَى مَا يُوجِبُ تَوْكِيدَهَا بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ .
( قَوْلُهُ : الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ ) هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ : الْجِنَايَةُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقِيمَةِ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ لَا الْأَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ ، وَالْمَبْسُوطِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ : وَإِنْ تَكَرَّرَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَزِمَتْهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ) فِيهِ قُصُورٌ لِحُكْمِهِ بِلُزُومِ الْقِيمَةِ ، وَاللَّازِمُ الْأَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْ الْأَرْشِ وَفِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ بِقَوْلِهِ سَابِقًا أَوْ جِنَايَاتٍ خَطَأً وَكَانَ يُغْنِيهِ عَنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ ثَمَّةَ أَوْ جِنَايَاتٍ خَطَأً قَبْلَ الْقَضَاءِ إلَخْ ( قَوْلُهُ : أَوْ ) ( الْيَأْسِ عَنْ الدَّفْعِ ) أَيْ دَفْعِ رَقَبَتِهِ لِرَدِّهِ إلَى الرِّقِّ .
( أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ لَزِمَتْهُ فِي كَسْبِهِ ) يَعْنِي لَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ لَزِمَتْهُ وَحُكِمَ بِهَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مُسْتَحَقَّةٌ فِي كَسْبِهِ ، وَهُوَ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهِ فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ كَالْحُرِّ وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ بَطَلَتْ ، كَذَا فِي الْقَاعِدِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ بَطَلَتْ ، كَذَا فِي الْقَاعِدِيَّةِ ) قَدْ أَوْهَمَ الْمُصَنِّفُ وَأَبْعَدَ ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَمَّا الْإِيهَامُ فَلِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ أَصْلًا بَلْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِلْعَوْدِ فِي الرِّقِّ وَيُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ، وَنَصَّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ قَتَلَ خَطَأً فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ أَوْ أَقَرَّ بِهِ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ عَجَزَ أَوْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ عَمْدٍ ثُمَّ صَالَحَ وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى عَجَزَ فَهُوَ مُطَالَبٌ بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا مُطْلَقًا أَيْ يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ وَيُبَاعُ فِيهِ بَعْدَهُ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْبُرْهَانِ .
( جَنَى عَبْدُ فَكَاتَبَهُ مَوْلَاهُ جَاهِلًا ) بِجِنَايَتِهِ ( فَعَجَزَ أَوْ ) جَنَى ( مُكَاتَبٌ فَلَمْ يُقْضَ بِهِ ) أَيْ بِمُوجَبِ جِنَايَتِهِ ( فَعَجَزَ دَفَعَ ) الْمَوْلَى الْعَبْدَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ( أَوْ فَدَى ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ لِجِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ حَتَّى يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لَكِنْ الْكِتَابَةَ مَانِعَةٌ لِلدَّفْعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ ( وَإِنْ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ مُكَاتَبًا فَعَجَزَ بِيعَ فِيهِ ) لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى قِيمَتِهِ بِالْقَضَاءِ ( لَا تَنْفَسِخُ ) أَيْ الْكِتَابَةُ ( بِمَوْتِ مَوْلَاهُ ) ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَسَبَبُ حَقِّ الْمَرْءِ حَقُّهُ ( وَيُؤَدِّي الْبَدَلَ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى نُجُومِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ كَذَلِكَ فَيَبْقَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا يَتَغَيَّرُ لَكِنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ ( فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْضُهُمْ لَا يَعْتِقُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ ، وَالْوِرَاثَةُ مِنْهَا ( فَإِنْ أَعْتَقُوهُ عَتَقَ مَجَّانًا ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُجْعَلُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ حَقُّهُمْ ، وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً اقْتِضَاءً أَوْ إقْرَارًا بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ فَيَعْتِقُ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كُلِّهِ وَشَرَطَ أَنْ يَعْتِقُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقُوهُ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَعْتِقْ وَقِيلَ يَعْتِقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قُضِيَ بِهِ ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا ( قَوْلُهُ : وَيُؤَدِّي الْبَدَلَ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى نُجُومِهِ ) هَذَا إذَا كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ أَيْ فَيُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا ، وَالْبَاقِيَ عَلَى نُجُومِهِمْ ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً اقْتِضَاءً ) يُشِيرُ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ إبْرَاءِ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ جَمِيعًا لَمْ تَثْبُتْ إلَّا اقْتِضَاءً فِي ضِمْنِ الْعِتْقِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُقْتَضِي لَا يَثْبُتْ الْمُقْتَضَى وَهُوَ إبْرَاءُ الْبَعْضِ ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .
( تَحْتَهُ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ ( أَمَةٌ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ) فَحَصَلَتْ حُرْمَةٌ غَلِيظَةٌ ( فَمَلَكَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا ( حَتَّى تَنْكِحَ ) تِلْكَ الْمَرْأَةُ زَوْجًا ( غَيْرَهُ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَإِنَّ النِّكَاحَ هَاهُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَاشْتِرَاطُ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ .
( قَوْلُهُ : فَمَلَكَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَبْقَى عَلَى الْكِتَابَةِ حَتَّى مَلَكَهَا ، وَالْمَمْلُوكَةُ لَا يَنْكِحُهَا مَوْلَاهَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ التَّسَرِّي بِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يَعْتِقَ قَبْلَ مِلْكِهَا ثُمَّ مَلَكَهَا ، وَالْحُكْمُ فِي عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا كَذَلِكَ وَتَصْحِيحُ عِبَارَةِ مَتْنِهِ أَنْ يُقَالَ : فَمَلَكَهَا يَعْنِي بِعَدَمِ عِتْقِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَيْ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ا هـ .
وَلَكِنْ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ : أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى
إلَخْ ) الِاسْتِدْلَال بِهِ قَاصِرٌ ؛ لِأَنَّهُ قُدِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَالَ ، وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ .
( كِتَابُ الْوَلَاءِ ) ( هُوَ ) لُغَةً : مِنْ الْوَلِيِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ ، وَشَرْعًا : ( قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ الْمُوَالَاةِ الْأُوَلُ ) أَيْ الْوَلَاءُ الْحَاصِلُ مِنْ الْعِتْقِ يَكُونُ ( لِمُعْتَقٍ غَيْرِ حَرْبِيٍّ ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَبْدَهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا يَرِثُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : الذِّمِّيُّونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَلَاءِ كَالْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْإِرْثِ ( وَلَوْ بِتَدْبِيرٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إيلَادٍ ) أَيْ جَعْلِ الْأَمَةِ أُمَّ وَلَدِهِ ( أَوْ مِلْكِ قَرِيبٍ ) بِأَنْ يَمْلِكَ قَرِيبَهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا إعْتَاقٌ يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } .
( وَإِنْ شَرَطَ عَدَمَهُ ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَأُورِدَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَأُمُّ الْوَلَدِ ، وَالْمُدَبَّرُ إنَّمَا يَعْتِقَانِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَرْتَدَّ الْمَوْلَى وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُحْكَمَ بِعِتْقِ مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ فَالْوَلَاءُ لَهُ ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ ثُبُوتِهِ لِلْمَوْلَى فَإِنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ أَوْ لَا لِصُدُورِ سَبَبِ الْعِتْقِ مِنْهُ ثُمَّ يَسْرِي مِنْهُ إلَى عَصَبَتِهِ .
( كِتَابُ الْوَلَاءِ ) .
( قَوْلُهُ : هُوَ لُغَةً مِنْ الْوَلِيِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ ) وَلِذَا يُقَالُ بَيْنَهُمَا وَلَاءٌ أَيْ : قَرَابَةٌ ( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ الْمُوَالَاةِ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ نَوْعَانِ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ الْعِتْقُ عَلَى الْمِلْكِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ سَبَبَهُ الْإِعْتَاقُ وَوَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْعِتْقَ يَكُونُ بِلَا إعْتَاقٍ كَعِتْقِ الْقَرِيبِ بِالْوِرَاثَةِ وَسَبَبُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ الْعَقْدُ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : لِمُعْتِقٍ غَيْرِ حَرْبِيٍّ
إلَخْ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ إعْتَاقُ الْمُسْلِمِ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ بِدَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهِ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مَوْلَاهُ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِالْقَوْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ حَتَّى لَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ لَا وَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إعْتَاقٌ ) فِيهِ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّ بِمِلْكِ الْقَرِيبِ يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِلَا إعْتَاقٍ وَكَذَا الِاسْتِيلَادُ ( قَوْلُهُ : وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى ) يَعْنِي الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ .
( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَنَحْوِهَا مِنْهُ .
( أَعْتَقَ أَمَةً زَوْجُهَا قِنُّ الْغَيْرِ ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ زَوْجُهَا قِنٌّ ( فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ الْإِعْتَاقِ فَلَهُ وَلَاءُ الْوَلَدِ بِلَا نَقْلٍ عَنْهُ ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ عَبْدُ رَجُلٍ أَمَةً لِآخَرَ فَأَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا ثُمَّ يَسْرِي مِنْهُ وَوَلَاءُ الْحَمْلِ لِمَوْلَى الْأُمِّ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ قَصْدًا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا يَقْبَلُ الْإِعْتَاقَ قَصْدًا ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ كَشَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ انْفِرَادُهُ بِالْعِتْقِ فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ عَنْهُ لِمَا رَوَيْنَا وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ ( وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ ( وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ ( أَقَلُّ مِنْ الْأَقَلِّ ) أَيْ أَقَلُّ مِنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ يَعْنِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حِينَئِذٍ أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعِتْقِ وَتَيَقَّنَّا أَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ حَمَلَتْ بِهِمَا جُمْلَةً لِعَدَمِ تَخَلُّلِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا تَنَاوَلَ الْإِعْتَاقُ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَ الْآخَرَ أَيْضًا ضَرُورَةً فَصَارَ مُعْتِقًا لَهُمَا وَوَلَاؤُهُمَا لَهُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْهُ أَبَدًا ( وَلَوْ وَلَدَتْ ) وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا ( لِلْأَكْثَرِ ) أَيْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( فَوَلَاؤُهُ ) أَيْ وَلَاءُ الْوَلَدِ ( لِمَوْلَاهَا ) ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِاتِّصَالِهِ بِهَا عِنْدَ عِتْقِهَا ، وَقَدْ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّيَّتِهِ ( فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى قَوْمِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ
لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ } ثُمَّ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَا الْوَلَاءُ ، وَالنِّسْبَةُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ كَانَتْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَبِ ضَرُورَةً فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : حَيْثُ يَجُوزُ انْفِرَادُهُ ) الْأَوْلَى إفْرَادُهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا لِلْأَكْثَرِ ) أَيْ مِنْ الْأَقَلِّ فَهُوَ شَامِلٌ لِلسِّتَّةِ فَمَا فَوْقَهَا فَقَوْلُهُ : أَيْ لِلْأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ مَتْنِهِ حُكْمَ السِّتَّةِ كَمَا فَوْقَهَا ( قَوْلُهُ : فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى قَوْمِهِ ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَإِنْ كَانَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ عِتْقِ الْأُمِّ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
( عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ نَكَحَ مُعْتَقَةً ) سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهَا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا ( فَوَلَدَتْ ) وَلَدًا ( فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهَا ) عِنْدَهُمَا .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا ؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ ، وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ لِتَضْيِيعِهِمْ أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بِالنَّسَبِ بَيْنَهُمْ ، وَالضَّعِيفُ لَا يُعَارِضُ الْقَوِيَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا ؛ لِأَنَّ أَنْسَابَ الْعَرَبِ قَوِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ ، وَالْعَقْلُ مِنْ الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِ تَنَاصُرِهِمْ بِهَا فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَلَاءِ .
( قَوْلُهُ : عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ ) إنَّمَا فَرْضُهُ فِيمَنْ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ لِيَكُونَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( قَوْلُهُ : سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهَا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ غَيْرِهَا ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَضْعَ الْقُدُورِيِّ الْخِلَافَ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ اتِّفَاقِيٌّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ .
( الْأُمُّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِي أَصْلِهَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا ، وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَرَبِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَوْ عَجَمِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِقَوْمِ الْأَبِ وَيَرِثُهُ مُعْتِقُ الْأُمِّ وَعَصَبَتُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ حُرُّ الْأَصْلِ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى نَفْسِهِ رِقٌّ بَلْ تَوَلَّدَ مِنْ مُعْتِقِهِ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَالْعُلُوقِ أَوْ مِمَّنْ فِي أَصْلِهَا رَقِيقٌ ، وَالثَّانِي مَنْ لَا يَكُونُ فِي أَصْلِهِ رِقٌّ أَصْلًا وَأَنَّ الْوَلَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ ، كَمَا فِي الْعِتْقِ ، وَزَوَالُهُ فَرْعُ ثُبُوتِهِ وَثُبُوتُهُ عَلَى الْوَلَدِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا يَسْرِي مِلْكُ الْأَبِ إلَى الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ زَوَالُهُ عَنْ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ قِبَلِ مُعْتِقِ الْأُمِّ ، وَعَصَبَتُهُ فِي حُكْمِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْأُمِّ رِقٌّ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَاءٌ وَأَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ قَطْعِيًّا فِي مَعْنًى وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ الْمُحْتَمِلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الرِّوَايَاتِ إذَا عَرَفْت هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ فَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى أُمِّهِ فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ : وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى
أُمِّهِ ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْوَلَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِالْوَاسِطَةِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَإِذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْوَلَدِ مِلْكٌ فَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ وَوَافَقَهُ كَلَامُ الشَّيْخِ رَشِيدِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيِّ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَسْعُودِ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَشْهُورِ بِالْمَسْعُودِيِّ وَكَلَامُهُ فِيمَا صَنَّفَهُ فِي الْفَرَائِضِ وَسَمَّاهُ بِالْكَافِي وَأَمَّا مَا قَالَ فِي الْمُنْيَةِ الْوَلَدُ وَإِنْ عَلَقَ حُرَّ الْأَصْلِ بِأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً أَصْلِيَّةً أَوْ عَارِضِيَّةً يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ إمَّا لِقَوْمِ الْأَبِ أَوْ لِقَوْمِ الْأُمِّ ثُمَّ قَالَ : إنْ كَانَ الْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ لِقَوْمِ الْأَبِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ لِقَوْمِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ حُرَّ الْأَصْلِ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ عِتْقٌ فَالْمُتَبَادِرُ مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ مُطْلَقًا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى وَلَدِهَا الْوَلَاءُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ هَاهُنَا الْحُرِّيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْوَلَدَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ حُرَّةٍ عَارِضِيَّةٍ وَهِيَ الْمُعْتَقَةُ حُرَّ الْأَصْلِ ثُمَّ جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ مُقَابِلَةً لِلْعَارِضِيِّ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ الْحَقِّ فَصُورَةُ كَوْنِ الْوَلَاءِ لِقَوْمِ الْأَبِ مَا إذَا كَانَ فِي نَسَبِ الْأَبِ رَقِيقٌ وَالْوَلَدُ وُلِدَ مِنْ مُعْتِقِهِ أَوْ مِمَّنْ وَلَدَتْ مِنْ مُعْتِقِهِ ، وَصُورَةُ كَوْنِ الْوَلَاءِ لِقَوْمِ الْأُمِّ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ نِبْطِيًّا حُرَّ الْأَصْلِ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةِ إنْسَانٍ أَوْ مَنْ وُلِدَتْ مِنْ مُعْتَقَةٍ فَإِنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ فِي الْأَوَّلِ لِقَوْمِ الْأَبِ اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِي لِقَوْمِ الْأُمِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إذَا كَانَا حُرَّيْنِ أَصْلِيَّيْنِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ وَإِذَا كَانَا مُعْتَقَيْنَ أَوْ فِي أَصْلِهِمَا مُعْتَقٌ فَالْوَلَاءُ لِقَوْمِ الْأَبِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا أَوْ فِي أَصْله مُعْتَقٌ وَالْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ لِقَوْمِ الْأَبِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا فَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ لِقَوْمِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَرَبِيٍّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَكُونُ لِقَوْمِ الْأُمِّ عَلَيْهِ وَلَاءٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهَاهُنَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي رِسَالَتِنَا الْمَعْمُولَةِ فِي الْوَلَاءِ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ .
قَوْلُهُ : وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَرَبِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى وَلَدِهِ مُطْلَقًا تَقْيِيدُهُ بِالْعَرَبِيِّ اتِّفَاقِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْلَى عَرَبِيٍّ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَرَبِيِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ عَجَمِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ
إلَخْ ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ ) هَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَثُبُوتُهُ عَلَى الْوَلَدِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ) يَعْنِي بِالْأَصَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لِمَوَالِيهِ بِإِعْتَاقِهِ ، وَقَدْ حَمَلَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ عِتْقِهَا ثُمَّ أُعْتِقَ الْأَبُ فَجَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيه كَمَا تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَكُونُ زَوَالُهُ عَنْ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ قِبَلِ مُعْتِقِ الْأُمِّ ) يَعْنِي زَوَالًا بِوَاسِطَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُ وَإِلَّا فَالْحَصْرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا مُلِكَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لَا لِمَوَالِي الْأُمِّ وَلَا لِمَوَالِي الْأَبِ وَكَذَا لَوْ كَانَ حَمْلًا أَوْصَى بِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ
إلَخْ ) فِيهِ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَالْمُخَالَفَةُ ثَابِتَةٌ ، وَحَصَلَ التَّدَافُعُ فِي كَلَامِ الْمُنْيَةِ عَلَى هَذَا لِتَجْوِيزِهِ الْوَلَاءَ عَلَى مَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ بِالْأَصَالَةِ ثُمَّ نَفْيِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ قَوْلُهُ : وَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا ) صَوَابُهُ حَذْفُ إنْ مِنْ " وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا " لِكَوْنِهِ قَسِيمًا لِقَوْلِهِ " بَعْدَهُ " وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَرَبِيٍّ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ وَلَا اعْتِرَاضَ
عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ : خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْعَرَبِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلْآبَاءِ وَإِنْ ضَعُفَ وَلَهُمَا أَنَّهُ لِلنُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ مَنْ سِوَى الْعَرَبِ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ .
( ثُمَّ الْمُعْتَقُ عَصَبَةٌ ) أَيْ شَخْصٌ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ مِنْ صَاحِبِ الْفَرْضِ وَكُلَّ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِهِ ( أُخِّرَتْ عَنْ ) الْعَصَبَةِ ( النِّسْبِيَّةِ ) وَهِيَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ إمَّا عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ أَيْ ذَكَرٌ لَا فَرْضَ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى ، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ وَهِيَ أُنْثَى يُعَصِّبُهَا ذَكَرٌ ، وَإِمَّا مَعَ غَيْرِهِ كَ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ وَكُلُّهُمْ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ ( وَقُدِّمَتْ ) الْعَصَبَةُ ( عَلَى ذِي رَحِمٍ ) وَهُوَ مَنْ لَا فَرْضَ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى .
( فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ ثُمَّ الْمُعْتَقُ فَإِرْثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ سَيِّدِهِ ) أَيْ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ ( ثُمَّ الْمُعْتَقُ وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ النَّسَبِ فَإِرْثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ سَيِّدِهِ ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْرُوفِ ( وَيَثْبُتُ بِهِ ) أَيْ بِالْوَلَاءِ ( الْعَقْلُ ) وَهُوَ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ ( وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ ) ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِهِ .
( ادَّعَيَا ) أَيْ شَخْصَانِ ( وَلَاءَ مَيِّتٍ وَبَرْهَنَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( أَنَّهُ أَعْتَقَهُ يُقْضَى بِالْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ لَهُمَا ) لِجَوَازِ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْيَةِ .
( قَوْلُهُ : يُقْضَى بِالْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ لَهُمَا ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الْيَدِ لَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَهُمَا سِيَّانِ وَلَمْ يُرَجَّحْ صَاحِبُ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْعِتْقُ لَا يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ ، كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ ا هـ .
وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤَقِّتَا وَلَمْ يَسْبِقْ الْقَضَاءُ بِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لِمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ : لَوْ وَقَّتَا فَالسَّابِقُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعِتْقَ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ كَانَ صَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ فَكَانَ عَقْدُ الثَّانِي نَقْضًا لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ صَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَانَ عَقَلَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ فَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَيَبْطُلُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ بَاطِلًا .
ا هـ .
( لَا وَلَاءَ لِلنِّسَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ ) وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرُّ وَلَاءِ مُعْتَقِهِنَّ أَوْ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ } أَيْ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقْنَهُ أَوْ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَهُ وَأَمَّا وَلَاءُ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ عَرَفْت بَيَانَهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَعَرَفْت أَيْضًا مَسْأَلَةَ جَرِّ الْوَلَاءِ ( وَالثَّانِي ) أَيْ الْوَلَاءُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمُوَالَاةِ ( إذَا وَالَى حُرٌّ مُكَلَّفٌ ) أَيْ عَاقِلٌ بَالِغٌ قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيجَابَ الْإِرْثِ وَالْتِزَامَ الْعَقْلِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنٍ كَمَا سَيَأْتِي ( مَجْهُولَ النَّسَبِ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ نَسَبُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ ( غَيْرَ عَرَبِيٍّ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ تَنَاصُرَ الْعَرَبِ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْوَلَاءِ ( أَوْ ) ، وَالَى ( صَبِيٌّ عَاقِلٌ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْقِلْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَصَرُّفُهُ أَصْلًا ( بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ إذَا ثَبَتَ سَبَبُهُ بِأَنْ مَلَكَ قَرِيبَهُ أَوْ كَاتَبَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ عَبْدَهُ وَعَتَقَ كَانَ وَلَاؤُهُ لِلصَّبِيِّ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ إذَا صَدَرَ عَنْهُ عَقْدُهَا بِالْإِذْنِ ( أَوْ ) ، وَالَى ( الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ) فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ سَيِّدِهِ لِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ ( آخَرَ ) مَفْعُولُ ، وَالَى ( عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ، وَالَى بَيَانٌ لِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ أَيْ إنْ مَاتَ الْأَسْفَلُ وَرِثَهُ الْأَعْلَى ( وَيَعْقِلُ عَنْهُ ) أَيْ إنْ جَنَى الْأَسْفَلُ فَدِيَتُهُ عَلَى الْأَعْلَى سَوَاءٌ ( أَسْلَمَ ) الْأَسْفَلُ ( فِي يَدِهِ ) أَيْ يَدِ
الْأَعْلَى ( أَوْ لَا ) فَإِنَّ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ فِي يَدِهِ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ ( صَحَّ ) هَذَا الْعَقْدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ وَإِرْثُهُ لَهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ ) أَيْ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ ، وَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلْإِرْثِ وَالْتِزَامِ الْمَالِ ( وَلِلسَّيِّدِ فِي الْأَخِيرِ ) أَيْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُمَا بَلْ هُوَ وَكِيلٌ مِنْ الْأَهْلِ كَمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ : مَجْهُولَ النَّسَبِ ) مَفْعُولُ ، وَالَى لَا صِفَةٌ لِحُرٍّ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْأَعْلَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ جَهْلُ النَّسَبِ ، وَلَا كَوْنُهُ غَيْرَ عَرَبِيٍّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرَ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ عَنْ مُوَالَاةِ الْعَبْدِ ، وَالصَّبِيُّ غَيْرَهُمَا فَيَجْعَلُ الْعِبَارَةَ هَكَذَا ، وَالَى حُرٌّ مُكَلَّفٌ أَوْ صَبِيٌّ عَاقِلٌ أَوْ عَبْدٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَسَيِّدِهِ مَجْهُولَ النَّسَبِ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ
إلَخْ ( قَوْلُهُ : وَغَيْرَ ) عَرَبِيٍّ يُغْنِي وَلَا مَوْلَى عَرَبِيٍّ ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ : وَيُغْنِي عَنْ هَذَا كَوْنُهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ أَنْسَابُهُمْ مَعْلُومَةٌ .
( قَوْلُهُ : أَوْ صَبِيٌّ بِإِذْنِ أَبِيهِ ) عَطْفٌ عَلَى حُرٍّ ( قَوْلُهُ : عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ إلَخْ ) لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ ، وَالْعَقْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُ بِالِالْتِزَامِ وَهُوَ بِالشَّرْطِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : وَمِنْهَا أَيْ الشَّرَائِطِ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمِيرَاثُ وَالْعَقْلُ ا هـ .
وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى وُجُوبِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي وَرَدَّهُ قَاضِي زَادَهْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فَلْيُرَاجَعْ .
( وَلَوْ شُرِطَ ) أَيْ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ( مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَتَوَارَثَانِ ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ ( بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ) حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى ( وَأُخِّرَ ) مَوْلَى الْمُوَالَاةِ ( عَنْ ذِي رَحِمٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمَا وَذُو الرَّحِمِ وَارِثٌ شَرْعًا فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ ( لِلْأَسْفَلِ النَّقْلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ ) أَيْ يَجُوزُ لِلْأَسْفَلِ أَنْ يَنْقُلَ وَلَاءَهُ عَنْ الْأَعْلَى إلَى غَيْرِهِ ( مَا لَمْ يَعْقِلْ ) عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا عَقَلَ عَنْ الْأَسْفَلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَلَاءَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ ( أَوْ عَنْ وَلَدِهِ ) فَإِنَّهُمَا فِي حَقِّ الْوَلَاءِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ ( وَلِلْأَعْلَى التَّبَرِّي عَنْهُ ) أَيْ عَنْ وَلَاءِ الْأَسْفَلِ ( بِمَحْضَرٍ مِنْهُ ) أَيْ الْأَسْفَلِ .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : لِلْأَعْلَى أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ وَلَائِهِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْأَسْفَلُ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ شُرِطَ مِنْ الْجَانِيَيْنِ يَتَوَارَثَانِ ) أَيْ جَازَ أَنْ يَرِثَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إذْ حَقِيقَةُ التَّفَاعُلِ مُنْتَفِيَةٌ ا هـ .
وَذُكِرَ مِثْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ كَالْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْخُجَنْدِيِّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَلَكِنْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ ابْنِ الضِّيَاءِ مَا نَصُّهُ : وَلَوْ كَانَ رَجُلَانِ لَيْسَ لَهُمَا وَارِثٌ مُسْلِمٌ وَهُمَا مُسْلِمَانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَوَالَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ ، وَالَاهُ الْآخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ الثَّانِي مَوْلَى الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ وَلَاءُ الْأَوَّلِ وَقَالَا كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلًى لِصَاحِبِهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوِلَايَتَيْنِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَخْصَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَرِثُ مِنْ صَاحِبِهِ وَيَعْقِلُ عَنْهُ كَالْأَخَوَيْنِ وَابْنَيْ الْعَمِّ فَلَا يَتَضَمَّنُ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا انْتِقَاضَ الْآخَرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلَ تَابِعٌ لِلْأَعْلَى ، وَقَوْمُهُ كَالْمُعْتَقِ تَابِعٌ لِلْمُعْتِقِ وَلِذَا يَرِثُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ التَّبَعُ مَتْبُوعًا ، وَالْمَتْبُوعُ تَبَعًا فَلَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ وَتَضَمَّنَ صِحَّةُ الثَّانِي انْتِفَاضَ الْأَوَّلِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى ) قَدْ يَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِاعْتِبَارِ إعْتَاقِهِ لَهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ لِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَاشْتَرَاهُ عَتِيقُهُ فَأَعْتَقَهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ مَوْلَى صَاحِبِهِ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا أَعْتَقَ ذِمِّيًّا كَانَ عَبْدًا لَهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ هَرَبَ سَيِّدُهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ وَأَسْلَمَ فَاشْتَرَاهُ عَتِيقُهُ فَأَعْتَقَهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلَى صَاحِبِهِ ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ إعْتَاقِ عَبْدِهَا وَلَحِقَتْ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا عَتِيقُهَا فَأَعْتَقَهَا وَأَسْلَمَتْ ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (
قَوْلُهُ : إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَيْ فِي فَسْخِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ ) ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ ، وَالْكِفَايَةِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ : أَيْ فِي انْتِقَالِ الْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ وَتَبْرِيءِ الْأَعْلَى عَنْ وَلَاءِ الْأَسْفَلِ ( قَوْلُهُ : بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ ) الْمُرَادُ مِنْ الْحَضْرَةِ الْعِلْمُ حَتَّى إذَا وُجِدَ الْعِلْمُ بِلَا حُضُورٍ كَفَى ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ .
( الْمُعْتَقُ لَا يُوَالِي أَحَدًا ) ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ ( وَالَتْ امْرَأَةٌ ) أَيْ عَقَدَتْ عَقْدَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ مَعَ شَخْصٍ ( فَوَلَدَتْ مَجْهُولَ النَّسَبِ ) أَيْ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ ( صَحَّ ) هَذَا الْعَقْدُ ( وَتَبِعَهَا ) وَلَدُهَا وَيَصِيرَانِ مَوْلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ ( كَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ ) أَيْ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ ( أَوْ أَنْشَأَتْهُ وَهُوَ ) أَيْ ، وَالْحَالُ أَنَّ وَلَدَهَا الْمَجْهُولَ النَّسَبِ ( مَعَهَا ) فَإِنَّهُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَتَبِعَهَا وَلَدُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يَتْبَعُهَا ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي مَالِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهِ وَلَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ صَغِيرٍ لَا يُدْرَى لَهُ أَبٌ فَلْتَمْلِكْهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ : وَالَى ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا جَازَ وَهُوَ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ فَكَذَلِكَ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ حَرْبِيٍّ وَوَالَاهُ هَلْ يَصِحُّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ ، وَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرْبِيِّ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ ، وَقِيلَ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ فِي عَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَعَ الْحَرْبِيِّ تَنَاصُرَ الْحَرْبِيِّ وَمُوَالَاتَهُ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ أَقُولُ ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَازِمٌ لِلْوَلَاءِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينَيْنِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ مَا دَامَا عَلَى حَالِهِمَا فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ كَمَا أَنَّ كُفْرَ الْعَصَبَةِ أَوْ صَاحِبِ الْفَرْضِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ فَإِذَا زَالَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ .
( قَوْلُهُ : كَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالشَّهَادَةِ الْمُفَسِّرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : أَقُولُ ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ
إلَخْ ) الْإِشْكَالُ مَدْفُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ فَيَصِحُّ وَيَجُوزُ مُوَالَاةُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّ ، وَالذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ ، وَالْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ أَوْ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٌ لِذِمِّيٍّ بِالْمَالِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَا الْمُوَالَاةُ ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا وَالَى ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ جَازَ لِمَا قُلْنَا ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( كِتَابُ الْأَيْمَانِ ) ذَكَرَهَا عَقِيبَ الْعَتَاقِ لِمُنَاسَبَتِهَا لَهُ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ فِيهِمَا ( الْيَمِينُ ) لُغَةً : الْقُوَّةُ ، وَشَرْعًا : ( تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ) نَحْوَ : وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا ( أَوْ التَّعْلِيقُ ) يَعْنِي تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ نَحْوَ إنْ فَعَلْت فَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَكَذَا ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَقْوِيَةُ عَزْمِ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ ( وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ ) الْقِسْمِ ( الْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ ) أَيْ الْأَيْمَانُ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْيَمِينِ أَكْثَرُ مِنْهَا كَالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي صَادِقًا ، وَالْمُرَادُ بِتَرَتُّبِ أَلِأَحْكَامِ عَلَيْهَا تَرَتُّبُ الْمُؤَاخَذَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الْغَمُوسِ وَعَدَمُهَا عَلَى اللَّغْوِ ، وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُنْعَقِدَةِ إحْدَاهَا الْيَمِينُ ( الْغَمُوسُ ) سُمِّيَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّارِ فِي الْعُقْبَى ( وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى كَذِبٍ يَعْلَمُ كَذِبَهُ ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَظَنَّ صِدْقَهُ تَكُونُ لَغْوًا كَمَا سَيَأْتِي ( كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا عَالِمًا بِفِعْلِهِ وَوَاللَّهِ مَا لَهُ عَلَى دَيْنٌ عَالِمًا بِخِلَافِهِ وَوَاللَّهِ إنَّهُ زَيْدٌ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ ) الْمَشْهُورُ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ أَنَّ الْغَمُوسَ حَلِفٌ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مَاضٍ كَاذِبًا عَمْدًا ، وَقَدْ صَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ وَالْمُضِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَإِيرَادُ الْمِثَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفٍ ارْتَكَبَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ : فَإِنْ قُلْت إذَا قِيلَ : وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا حَجَرٌ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ
يُقَالَ هَذَا الْحَلِفُ عَلَى الْفِعْلِ قُلْت يُقَدَّرُ كَلِمَةُ كَانَ أَوْ يَكُونُ إنْ أُرِيدَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَاضِي أَوْ الِاسْتِقْبَالِ فِي هَذَا الْحَلِفِ بَاطِلٌ لِتَعَيُّنِ إرَادَةِ الْحَالِ فَتَدَبَّرْ .
وَبَيَّنَ حُكْمَ الْغَمُوسِ بِقَوْلِهِ ( وَيَأْثَمُ بِهَا ) أَيْ الْحَالِفُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ النَّارَ } .
كِتَابُ الْأَيْمَانِ ) ( قَوْلُهُ : الْيَمِينُ لُغَةً الْقُوَّةُ ) قَالَ الْكَمَالُ : لَفْظُ الْيَمِينِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ وَالْقُوَّةِ لُغَةً ( تَنْبِيهٌ ) : لِبَيَانِ مَفْهُومِهِ وَسَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ فَأَمَّا مَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكَّدُ بِهَا جُمْلَةٌ بَعْدَهَا خَبَرِيَّةٌ وَتَرْكُ لَفْظِ أُولَى يُصَيِّرُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ : زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ ، وَهُوَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ ، وَجُمْلَةٌ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِيَّةِ ، كَحَلَفْت بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ أَحْلِفُ ، وَالِاسْمِيَّةِ مُقَدَّمَةِ الْخَبَرِ : كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ مُؤَخَّرَتِهِ نَحْوَ : لَعَمْرُك لَأَفْعَلَنَّ ، وَهُوَ مِثَالٌ أَيْضًا لِغَيْرِ الْمُصَرَّحِ بِجُزْأَيْهَا وَمِنْهُ وَاَللَّهِ وَتَاللَّهِ فَإِنَّ الْحَرْفَ جُعِلَ عِوَضًا عَنْ الْفِعْلِ وَأَسْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى التَّوْكِيدِيِّ سِتَّةٌ : الْحَلِفُ ، وَالْقَسَمُ ، وَالْعَهْدُ ، وَالْمِيثَاقُ ، وَالْإِيلَاءُ ، وَالْيَمِينُ .
وَخَرَجَ بِإِنْشَائِيَّةٍ نَحْوُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ فَلَيْسَتْ التَّعَالِيقُ أَيْمَانًا لُغَةً وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَبَيْنَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَصَادُقِهِمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ ، وَانْفِرَادِ اللُّغَوِيِّ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَعْظُمُ وَانْفِرَادِ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي التَّعْلِيقَاتِ ثُمَّ قِيلَ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ } الْحَدِيثَ .
وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَرُكْنُهَا : اللَّفْظُ الْخَاصُّ وَشَرْطُهَا :
الْإِسْلَامُ ، وَالْعَقْلُ ، وَالْبُلُوغُ وَحُكْمُهَا الَّذِي يَلْزَمُ وُجُودَهَا وُجُوبُ الْبِرِّ فِيمَا إذَا انْعَقَدَتْ عَلَى طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ فَيَثْبُتُ وُجُوبَانِ لِأَمْرَيْنِ الْفِعْلِ ، وَالْبِرِّ ، وَوُجُوبُ الْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى ضِدِّهِمَا ، وَنَدْبُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ جَائِزًا وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْحِنْثُ أَوْ يَحْرُمُ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ، وَالْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ ) الْأَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ تَقْوِيَةُ أَحَدِ طَرَفَيْ الْخَبَرِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ لِشُمُولِهِ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ وَلِكَوْنِ التَّقْوِيَةِ لِمُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ لَا ذَاتِ الْخَبَرِ ( قَوْلُهُ : وَالتَّعْلِيقُ ) عَطْفٌ عَلَى تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ يُوَضِّحُهُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَأَمَّا مَفْهُومُهُ الِاصْطِلَاحِيُّ ، فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ مُقْسَمٌ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ يُؤَكَّدُ بِهَا مَضْمُونُ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا أَوْ تَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا فَدَخَلَتْ بِقَيْدِ ظَاهِرًا الْغَمُوسُ أَوْ الْتِزَامِ مَكْرُوهٍ كَفَّرَ أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ لِيُمْنَعَ عَنْهُ أَوْ مَحْبُوبٍ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ فَدَخَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ مِثْلَ : إنْ فَعَلَ فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ مَنْ دَخَلَتْ لِمَنْعِ نَفْسِهِ وَبِكَسْرِهَا لِمَنْعِهَا أَيْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ بَشَّرْتنِي فَأَنْتَ حُرٌّ .
( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ حَنِثَ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا
إلَخْ ) أَنَّهُ يَثْبُتُ أَنَّ الْأَيْمَانَ أَرْبَعَةٌ ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْمَاضِي صَادِقًا كَاللَّغْوِ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَكَانَ لَهُ حُكْمٌ فَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِهِ ( قَوْلُهُ : الْغَمُوسُ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ : الْغَمُوسُ لَيْسَ يَمِينًا حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ
مَحْضَةٌ ، وَالْيَمِينُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ ، وَالْكَبِيرَةُ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سُمِّيَتْ يَمِينًا مَجَازًا ؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِصُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْبَيْعِ فِيهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : إحْدَاهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ ) عَلَى الْوَصْفِ كَمَا فِي أَصَحِّ نُسَخِ الْهِدَايَةِ فِي بَعْضِهَا يَمِينُ الْغَمُوسِ فَهِيَ إضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ ، وَالْغَمُوسُ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( وَ ) ثَانِيهَا الْيَمِينُ ( اللَّغْوُ ) سُمِّيَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعْتَبَرُ بِهَا فَإِنَّ اللَّغْوَ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ يُقَالُ لَغَا إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ( وَهِيَ حَلِفُهُ كَاذِبًا يَظُنُّهُ صَادِقًا ) كَمَا إذَا حَلَفَ أَنَّ فِي هَذَا الْكُوزِ مَاءً بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَآهُ كَذَلِكَ ثُمَّ أُرِيقَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَبَيَّنَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ ( وَيُرْجَى عَفْوُهُ ) فَإِنْ قِيلَ : مَا مَعْنَى تَعْلِيقُ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالرَّجَاءِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } قُلْنَا نَعَمْ لَا شَكَّ فِي نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي كَوْنِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَغْوًا فَإِنَّ اللَّغْوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآتِي بِأَنْ قَصَدَ التَّسْبِيحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ مَثَلًا .
قَوْلُهُ : فَإِنَّ اللَّغْوَ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا لَغْوَ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ ، رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَغَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ، وَيَبْقَى قَوْلُهُ : وَاَللَّهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَلْغُو الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ : امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ فَيَلْزَمُهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيُرْجَى عَفْوُهُ ) كَذَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ حَيْثُ قَالَ : نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا ( قَوْلُهُ : قُلْنَا
إلَخْ ) أَحَدُ مَا قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ مَعَ الْقَاطِعِ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّغْوَ بِالتَّفْسِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعُذْرُ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ فَالْأَوْجُهُ مَا قِيلَ : أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْلِيقَ بَلْ التَّبَرُّكَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالتَّأَدُّبَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ، وَالِاخْتِيَارِ .
( وَ ) الثَّالِثُ الْيَمِينُ ( الْمُنْعَقِدَةُ وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى شَيْءٍ آتٍ ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِعْلًا كَانَ أَوْ تَرْكًا ، قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ : فَإِنْ قُلْت الْحَلِفُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي وَالْآتِي يَكُونُ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْهُ وَهُوَ مِنْ أَيِّ أَقْسَامِ الْحَلِفِ قُلْت : إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِمَعْنًى دَقِيقٍ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ يَحْصُلُ أَوَّلًا فِي النَّفْسِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَإِنَّ الْإِخْبَارَ الْمُتَعَلِّقَ بِزَمَانِ الْحَالِ إذَا حَصَلَ فِي النَّفْسِ وَعُبِّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَإِذَا تَمَّ التَّعْبِيرُ بِاللِّسَانِ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِزَمَانِ الْحَالِ صَارَ مَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِذَا قَالَ : كَتَبْت لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ ، وَإِذَا قَالَ : سَوْفَ أَكْتُبُ لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكَلُّمِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي مِنْ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ زَمَانُ الْحَالِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَهُوَ مَاضٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى آنِ الْفَرَاغِ وَهُوَ آنُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ حَلِفًا عَلَى الْمَاضِي أَقُولُ حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَا يُظَنُّ مِنْ كَوْنِ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ حَلِفٌ عَلَى الْمَاضِي وَلَا يُوجَدُ الْحَلِفُ عَلَى الْحَالِ حَقِيقَةً وَلِذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ وَفِيهِ بَحْثٌ ؛ لِأَنَّ الْحَالَ الْمُقَابِلَ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ رَضِيُّ الدِّينِ وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَجْزَاءٌ مِنْ أَوَاخِرِ الْمَاضِي وَأَوَائِلِ الْمُسْتَقْبَلِ يُعْتَبَرُ امْتِدَادُهَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ حَتَّى قَالُوا إنَّ زَيْدًا إذَا صَلَّى فَهُوَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ مَا دَامَ مُصَلِّيًا وَإِذَا كَتَبَ فَهُوَ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ مَا دَامَ كَاتِبًا فَإِذَا قَالَ زَيْدٌ حِينَ كِتَابَتِهِ : وَاَللَّهِ إنِّي كَاتِبٌ يَكُونُ يَمِينًا عَلَى الْحَالِ بِلَا مِرْيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ مَاضِيًا فَالسُّؤَالُ بَاقٍ بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ لَا وَجْهَ لِهَذَا السُّؤَالِ
بَعْدَ مَا قَالَ أَوَّلًا : إنَّ مُطْلَقَ الْيَمِينِ أَكْثَرُ مِنْ الثَّلَاثِ فَتَدَبَّرْ وَبَيَّنَ حُكْمَ الْمُنْعَقِدَةِ بِقَوْلِهِ ( وَكَفَّرَ فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْقَسَمِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } الْآيَةَ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَنْ الْحِنْثِ وَالْهَتْكِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( إنْ حَنِثَ ) الْحَالِفُ وَقَوْلُهُ فَقَطْ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْغَمُوسِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِيهَا أَيْضًا عِنْدَهُ ( وَلَوْ ) كَانَ الْحَالِفُ ( مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا ) أَيْ مُخْطِئًا كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : اسْقِنِي الْمَاءَ ، فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَقِيلَ ذَاهِلًا عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَلَا تَأْتِينَا ، فَقَالَ : بَلَى وَاَللَّهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ وَإِنَّمَا وَجَبَ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالْيَمِينُ } ( فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ ) أَيْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُنْعَقِدَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ أَوْ النِّسْيَانُ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يُعْدِمُهُ الْإِكْرَاهُ وَالنِّسْيَانُ وَكَذَا الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَيْفَمَا كَانَ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قُلْت
إلَخْ ) كَيْفَ يَتَأَتَّى هَذَا السُّؤَالُ مَعَ قَوْلِ صَاحِبِ الِاخْتِيَارِ الْيَمِينُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ فَإِمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِيهَا وَهِيَ الْأُولَى أَيْ الْغَمُوسُ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَهِيَ الثَّانِيَةُ أَيْ اللَّغْوُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهِيَ الثَّالِثَةُ الْمُنْعَقِدَةُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ
إلَخْ ) يُفِيدُ الْجَوَابُ عَنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ وَلَا يُفِيدُ بَيَانَ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ الْأَقْسَامِ وَيُعْلَمُ حُكْمُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدَ الْكَذِبِ فَهِيَ الْغَمُوسُ أَوْ لَا فَهِيَ اللَّغْوُ ( قَوْلُهُ : أَيْ مُخْطِئًا ) فُسِّرَ بِهِ النَّاسِي ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ نَاسِيًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ فَحَلَفَ وَعَلَى تَفْسِيرِهِ النِّسْيَانَ بِهَذَا هُنَا وَفِي الْحِنْثِ بِحَقِيقَتِهِ يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا وَجَبَ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلَخْ ) كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلِ بِالْيَمِينِ جِدًّا ، وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ لِلْيَمِينِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَيْفَ مَا كَانَ ) أَيْ الْحِنْثُ .
( وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ ، وَالرَّحِيمِ ، وَالْحَقِّ ) وَجَمِيعِ أَسَامِي اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ أَوْ لَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ ، وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ وَمَا سُمِّيَ بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَكِيمِ ، وَالْعَلِيمِ ، وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا ، كَذَا فِي الْكَافِي ، وَالْحَقُّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ( أَوْ بِصِفَةٍ يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا مِنْ صِفَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِلْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ وَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يَعْتَقِدُ الْحَالِفُ تَعْظِيمَهُ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَهُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ مُعَظَّمٌ فَصَارَتْ حُرْمَةُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ حَامِلًا لِلْحَالِفِ أَوْ مَانِعًا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِهَا مُتَعَارَفًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ اسْمٍ إلَخْ ) رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ ا هـ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ : وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنْ تَعَيَّنَ الْخَالِقُ مُرَادًا بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ اللَّهِ فَيَكُونُ يَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ بِصِفَةٍ ) الْمُرَادُ بِهِ اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ ، وَالْكِبْرِيَاءِ ، وَالْعَظَمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ أَوْ الذَّاتِ وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمَ صِفَاتِهِ .
وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ صِفَاتُ الذَّاتِ مُطْلَقًا يَمِينٌ كَعِزَّةِ اللَّهِ لَا صِفَاتُ الْفِعْلِ كَالرِّضَى ، وَالْغَضَبِ ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ الذَّاتِ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَصِفَاتَ الْفِعْلِ لَيْسَ كَذِكْرِ الذَّاتِ ، وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَشْرُوعٌ دُونَ غَيْرِهِ ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
( لَا ) أَيْ لَا يُقْسِمُ ( بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالنَّبِيِّ ، وَالْقُرْآنِ ، وَالْكَعْبَةِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ } هَذَا إذَا قَالَ : وَالنَّبِيِّ ، وَالْقُرْآنِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا كُفْرٌ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ وَلَوْ قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا .
وَلَوْ قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ ، كَذَا فِي الْكَافِي .
( وَ ) لَا ( بِصِفَةٍ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا كَرَحْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَعَذَابِهِ ) لِمَا سَبَقَ أَنَّ مَبْنَى الْيَمِينِ عَلَى الْعُرْفِ .
.
( وَأَمَّا قَوْلُهُ لَعَمْرُ اللَّهِ ) جَوَابُ أَمَّا قَوْلُهُ الْآتِي فَقَسَمٌ ، وَجْهُ كَوْنِ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمًا أَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ وَالْبَقَاءُ صِفَةٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ ، وَاللَّامُ لِتَوْكِيدِ الِابْتِدَاءِ ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمِي ، وَمَعْنَاهُ أَحْلِفُ بِبَقَاءِ اللَّهِ وَدَوَامِهِ ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَاَيْمُ اللَّهِ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ أَيْمَنُ اللَّهِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ حُذِفَ نُونُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَسَمِ ، وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهِ ( وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ ) فَإِنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ } ثُمَّ قَالَ : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } ، وَالْمِيثَاقُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ ( وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأَعْزِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ فَجُعِلَ حَلِفًا فِي الْحَالِ سَوَاءٌ قَالَ بِاَللَّهِ أَوْ لَا .
( قَوْلُهُ : لَعَمْرُ اللَّهِ ) فِيهِ ضَمُّ الْعَيْنِ وَفَتْحُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ الْمَضْمُومُ فِي الْقَسَمِ وَلَا يَلْحَقُ الْمَفْتُوحَةَ الْوَاوُ فِي الْخَطِّ بِخِلَافِ " عَمْرٍو " الْعَلَمَ فَإِنَّهَا أُلْحِقَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ بَيْنَ عُمَرَ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ ) أَيْ لِدُخُولِ اللَّامِ وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْهُ اللَّامُ نُصِبَ نَصْبَ الْمَصَادِرِ فَتَقُولُ : عَمْرَ اللَّهِ مَا فَعَلْت وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ ، كَمَا فِي : اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ، وَالْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : وَعَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ ) إذَا قَصَدَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ يُدَيَّنُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأَعْزِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ ) إنَّمَا يَنْعَقِدَا إذَا ذُكِرَ مُقْسَمٌ عَلَيْهِ لَا كَمَا ظَنَّ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ أَقْسِمُ وَنَحْوَهُ يَنْعَقِدُ وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ .
( وَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ يَمِينٌ أَوْ عَهْدٌ ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَكُونُ قَسَمًا ( وَإِنْ لَمْ يُضِفْ ) إلَى اللَّهِ حَتَّى إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ فَإِنْ نَوَى قُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ } وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيَّ يَمِينٌ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَيَّ مُوجَبِ يَمِينٍ ، وَالْعَهْدُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ ) فَإِنَّهُ قَسَمٌ يَسْتَوْجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَنِثَ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْمَاضِي لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فَهُوَ الْغَمُوسُ وَلَا يَكْفُرُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَحْقِيقَهُ بَلْ أَنْ يَصْدُقَ فِي مَقَالَتِهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ : يَكْفُرُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ ، وَالتَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ : هُوَ كَافِرٌ ( وَ ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَالِفَ ( لَمْ يَكْفُرْ ) فِي الْمَاضِي ، وَالْمُسْتَقْبَلِ ( إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ وَكَفَرَ إنْ ) كَانَ جَاهِلًا ( اعْتَقَدَ أَنَّهُ كُفْرٌ ) فِي الْمَاضِي ، وَالْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ ( وسوكند ميخورم بخداي فَقَسَمٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ ( لَاحِقًا ) ؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ وَمَعْنَاهُ أَفْعَلُ هَذَا لَا مَحَالَةَ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا ، وَلَوْ قَالَ : وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا .
( وَ ) لَا ( حَقِّ اللَّهِ ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إذَا أُضِيفَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَيَكُونُ يَمِينًا بِغَيْرِ اللَّهِ .
( وَ ) لَا ( حُرْمَتِهِ )
إذْ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا ( وسوكند خورم بخداي ) قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ ( أَوْ ) يَقُولُ سوكند خورم ( بِطَلَاقِ زن ) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَقَوْلُهُ أَوْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَفْظَةَ يَا الْفَارِسِيَّةَ الْوَاقِعَةَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ مَكَانَ أَوْ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَتَدَبَّرْ .
( وَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ أَوْ سَخَطُهُ أَوْ لَعْنَتُهُ أَوْ فَأَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبٌ خَمْرًا أَوْ آكِلٌ رِبًا فَإِنَّ كُلًّا ) مِنْهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ .
قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ ) قَالَ الْكَمَالُ : لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَحْلِفُ الْآنَ بِاَللَّهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَا حَقًّا ) يُشِيرُ إلَى رَدِّ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ إسْمَاعِيل الزَّاهِدِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمِينٌ إنْ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ ، وَالْحَقُّ يَكُونُ يَمِينًا ) قَدَّمَهُ مَتْنًا ( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ يَمِينًا بِغَيْرِ اللَّهِ ) أَيْ فَلَا يَنْعَقِدُ .
( وَحُرُوفُهُ ) أَيْ حُرُوفُ الْقَسَمِ ( الْوَاوُ ) نَحْوَ وَاَللَّهِ ( وَالْبَاءُ ) نَحْوَ بِاَللَّهِ ( وَالتَّاءُ ) نَحْوَ تَاللَّهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ .
( وَ ) قَدْ ( تُضْمَرُ ) الْحُرُوفُ فَيَكُونُ حَالِفًا ( كَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُهُ ) فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ لِلْإِيجَازِ ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَقِيلَ يُخْفَضُ لِيَدُلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ .
( قَوْلُهُ : وَحُرُوفُهُ الْوَاوُ ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالُوا الْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّهَا صِلَةُ الْحَلِفِ ثُمَّ الْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا لِمُنَاسَبَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَهِيَ مَا فِي الْإِلْصَاقِ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ فَلِكَوْنِهَا بَدَلًا انْحَطَّتْ عَنْهَا بِدَرَجَةٍ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا الْمُضْمَرِ ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ عَنْ الْوَاوِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ ) أَيْ يُنْصَبُ الِاسْمُ ، وَهُوَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَقِيلَ يُخْفَضُ وَهُوَ قَلِيلٌ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْقَسَمِ وَحُكِيَ الرَّفْعُ أَيْضًا نَحْوَ : اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَأٍ أَوْ خَبَرٍ وَهُوَ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ فَهُوَ أَوْلَى بِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً ، وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ قَسَمِي أَوْ قَسَمِي اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ ، كَذَا فِي الْبُرْهَانِ ، وَالْفَتْحِ .
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مُوجِبِ الْيَمِينِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُوجَبِهَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لَكِنَّهَا مُوجَبُهَا عِنْدَ الِانْقِلَابِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تُشْرَعْ لِلْكَفَّارَةِ بَلْ تَنْقَلِبُ إلَيْهَا عِنْدَ الِانْتِقَاضِ بِالْحِنْثِ ، فَقَالَ ( وَكَفَّارَتُهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَمَا هُمَا فِي الظِّهَارِ ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا ثَمَّةَ ( أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) بِحَيْثُ يَكُونُ ( لِكُلٍّ ) مِنْ تِلْكَ الْعَشَرَةِ ( ثَوْبٌ يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ فَلَمْ يَجُزْ السَّرَاوِيلُ ) ؛ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ ( هُوَ الصَّحِيحُ ) الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَدْنَاهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ ( فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا ) أَيْ عَنْ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ ( وَقْتَ الْأَدَاءِ ) أَيْ وَقْتَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ ( صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَاءً ) ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } الْآيَةَ ( وَلَمْ يُكَفَّرْ قَبْلَ حِنْثٍ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ ؛ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ يُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ، وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ ، وَالْأَدَاءُ بَعْدَ السَّبَبِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا فَأَشْبَهَ التَّكْفِيرَ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَسْتُرُ الْجِنَايَةَ وَلَا جِنَايَةَ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحِنْثِ فَيَكُونُ هُوَ السَّبَبُ دُونَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرْتَبَةِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْحُكْمِ ، وَالْيَمِينُ غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَى الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بَعْدَ نَقْضِهَا بِالْحِنْثِ وَإِنَّمَا أُضِيفَ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِحِنْثٍ بَعْدَ الْيَمِينِ كَمَا تُضَافُ الْكَفَّارَةُ إلَى الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْجُرْحِ ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْمَوْتِ .
( قَوْلُهُ : لِكُلٍّ ثَوْبٌ يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ ) هُوَ اللَّازِمُ ، وَالْأَفْضَلُ كِسْوَةُ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : هَذَا إذَا دَفَعَ إلَى الرَّجُلِ أَمَّا إذَا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ خِمَارٍ مَعَ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَصِحُّ دُونَهُ قَالَ الْكَمَالُ : وَهَذَا يُشَابِهُ الرِّوَايَةَ الَّتِي عَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَفْعِ السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكْفِي ، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْجَوَابِ وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ إجْزَاءِ السَّرَاوِيلِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْكِسْوَةِ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا جَعْلُ الْفَقِيرِ مُكْتَسِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا وَإِزَارًا وَخِمَارًا عَلَى رَأْسِهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةٌ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ أَوْ لَا ا هـ .
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا يُغَطِّي رَأْسَ الرَّجُلِ نَصًّا ( قَوْلُهُ : فَلَمْ تَجُزْ السَّرَاوِيلُ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ : لَكِنْ مَا لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يَجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا ) شَرَطَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إلَّا مِمَّنْ عَجَزَ عَمَّا سِوَى الصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَمْلِكُ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ أَوْ يَمْلِكُ بَدَلَهُ فَوْقَ الْكَفَافِ ، وَالْكَفَافُ مَنْزِلٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَقُوتُ يَوْمِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ لِخِدْمَتِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقْتَ الْأَدَاءِ )
قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى عِنْدَنَا عِنْدَ إرَادَةِ التَّكْفِيرِ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ وَقْتُ الْوُجُوبِ حَتَّى تَنَصَّفَ بِالرِّقِّ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَسْتُرُ الْجِنَايَةَ وَلَا جِنَايَةَ هَا هُنَا ) أَيْ فِيمَا قَبْلَ الْحِنْثِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا ) أَيْ الْجِنَايَةَ تَحْصُلُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحِنْثِ كَوْنُ الْحِنْثِ جِنَايَةً مُطْلَقًا لَيْسَ وَاقِعًا إذْ قَدْ يَكُونُ فَرْضًا وَإِنَّمَا أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ إحْلَافِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ مَعْصِيَةٌ أَوْ لَا ، وَالْمُرَادُ تَوْقِيرُ مَا يَجِبُ لِاسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ السَّبَبَ الْحِنْثُ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا أُضِيفَ إلَيْهَا
إلَخْ ) إضَافَةُ الْكَفَّارَةِ إلَى الْيَمِينِ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا ، كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَعَدَمِ الْكَلَامِ مَعَ أَبِيهِ ) وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ ( حَنِثَ وَكَفَّرَ ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لْيُكَفِّرْ لِيَمِينِهِ } ( لَا كَفَّارَةَ فِي حِنْثِ كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْكُفْرُ يُنَافِي التَّعْظِيمَ وَلَا أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَإِنْ تَبِعَهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ .
( قَوْلُهُ : أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ مِنْهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْحِنْثُ أَفْضَلَ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ نَحْوَ شَهْرٍ ، وَالْحَلِفِ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِهِ غَدًا ؛ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ ، وَالْعَفْوَ أَفْضَلُ وَكَذَا تَيْسِيرُ الْمُطَالَبَةِ ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْبِرُّ أَوْلَى كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ أَكْلِ هَذَا الْخُبْزِ ، وَلُبْسِ هَذَا الثَّوْبِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّ الْبِرَّ فِيهَا أَمْكَنَ ا هـ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَبَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْبِرُّ فِيهِ فَرْضًا كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ ظُهْرَ الْيَوْمِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ ) كَذَا لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ حَلِفِهِ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا تَحْلِيفُ الْقَاضِي وَنَحْوُهُ فَالْمُرَادُ بِهِ صُورَةُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ فَإِنَّ الْكَافِرَ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( مَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَا يَحْرُمُ ) أَيْ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ لَمْ يَصِرْ حَرَامًا عَلَيْهِ ( وَإِنْ اسْتَبَاحَهُ ) أَيْ عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ ( كَفَّرَ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ ، وَالْيَمِينُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظٍ هُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ كَعَكْسِهِ وَهُوَ تَحْلِيلُ الْحَرَامِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك } إلَى قَوْله تَعَالَى { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } ثُمَّ قِيلَ حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ وَقِيلَ حَرَّمَ مَارِيَةَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَالتَّمَسُّكُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ .
( قَوْلُهُ : مَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مَا مِنْ الْأَشْيَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مِلْكَهُ أَوْ غَيْرَهُ لِيَشْمَلَ الْأَعْيَانَ وَالْأَفْعَالَ وَمَا كَانَ حَلَالًا وَمَا كَانَ حَرَامًا كَقَوْلِهِ : كَلَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ وَقَوْلِهَا لِزَوْجِهَا : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك فَجَامَعَهَا طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً حَنِثَ وَدُخُولُ مَنْزِلِك عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَبَرَ بَلْ أَرَادَ الْيَمِينَ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَيْ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ حُرْمَتَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى فِعْلِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ ، كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ .
( كُلُّ حِلٍّ ) أَيْ إذَا قَالَ الرَّجُلُ : كُلُّ حِلٍّ ( عَلَيَّ حَرَامٌ ) يُحْمَلُ ( عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ عَقِيبَ فَرَاغِهِ لِمُبَاشَرَتِهِ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ زُفَرُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْبِرُّ لَا يَحْصُلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ يُصْرَفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ ( وَالْفَتْوَى عَلَى بَيْنُونَةِ امْرَأَتِهِ بِلَا نِيَّةٍ ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ ( كَذَا ) قَوْلُهُ ( حَلَالٌ بِرَوِيِّ حَرَامٍ ) لِلْغَلَبَةِ أَيْضًا ( الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ لَزِمَ النَّاذِرَ كَالصَّوْمِ ، وَالصَّلَاةِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَالِاعْتِكَافِ وَمَا لَا أَصْلَ لَهُ ) فِي الْفُرُوضِ ( فَلَا ) يَلْزَمُ النَّاذِرَ ( كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ ، وَالرِّبَاطِ ، وَالسِّعَايَةِ وَنَحْوِهَا ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْكُلِّيُّ ( نَذَرَ مُطْلَقًا ) نَحْوَ : لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ ( أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ ) نَحْوَ : لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إنْ قَدِمَ غَائِبِي ( فَوُجِدَ ) أَيْ الشَّرْطُ ( وَفَى ) أَيْ : عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى } ( أَوْ ) نَذَرَ مُعَلِّقًا ( بِمَا ) أَيْ بِشَرْطٍ ( لَا يُرِيدُهُ كَإِنْ زَنَيْتُ ) فَعَلَيَّ كَذَا ( وَفَى أَوْ كَفَّرَ وَبِهِ يُفْتَى ) يَعْنِي إنْ عَلَّقَ نَذْرَهُ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُ ثُبُوتَهُ كَالزِّنَا وَنَحْوِهِ فَحَنِثَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ : وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ نَذْرٌ بِظَاهِرِهِ يَمِينٌ بِمَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ
الْمَنْعَ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرِيدُ ثُبُوتَهُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ قَصْدُ الْمَنْعِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ إظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيمَا جَعَلَهُ شَرْطًا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ : أَقُولُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ حَرَامًا كَإِنْ زَنَيْت مَثَلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَخَيَّرَ ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَخْفِيفٌ ، وَالْحَرَامُ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ أَقُولُ لَيْسَ الْمُوجِبُ لِلتَّخْفِيفِ هُوَ الْحَرَامُ بَلْ وُجُودُ دَلِيلِ التَّخْفِيفِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا كَانَ نَذْرًا مِنْ وَجْهٍ وَيَمِينًا مِنْ وَجْهٍ لَزِمَ أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ إهْدَارُ أَحَدِهِمَا فَلَزِمَ التَّخْيِيرُ الْمُوجِبُ لِلتَّخْفِيفِ بِالضَّرُورَةِ فَتَدَبَّرْ وَاسْتَقِمْ .
( قَوْلُهُ : ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ
إلَخْ ) قَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ : هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لَمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا وَنَقُولُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا فَإِمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمِينَ ا هـ .
نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ التَّعَارُفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُكَ وَنَحْوُهُ كَأَكْلِهِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ : لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ الطَّلَاقَ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ ا هـ .
تَنْبِيهٌ ) : إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ ، وَقَدْ حَلَفَ بِالصِّيغَةِ الْعَامَّةِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ : كَذَا قَوْلُهُ : حَلَالٌ بِرَوِيِّ حَرَامٍ ) مِنْ الْهِدَايَةِ وَمَعْنَاهُ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ( قَوْلُهُ : الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلُ فِي الْفُرُوضِ ) أَيْ أَصْلٌ مَقْصُودٌ لِيَخْرُجَ الْوُضُوءُ لِعَدَمِ لُزُومِهِ بِالنَّذْرِ ( قَوْلُهُ : لَزِمَ النَّاذِرَ ) أَيْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْبَةٌ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ بِهِ أَوْ عَيَّنَ كَمَا سَيَذْكُرُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَجْزَأَهُ التَّصَدُّقَ بِغَيْرِهَا عَنْهَا ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَيْ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ ) أَيْ بِمَا نَذَرَ وَلَا يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ
الْهِدَايَةِ فِي الصَّوْمِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ ا هـ .
وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ بِفَرْضِيَّةِ الْإِيفَاءِ بِالْمَنْذُورِ لِلْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : وَفَى أَوْ كَفَّرَ وَبِهِ يُفْتَى ) أَيْ يُفْتَى بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ إيفَائِهِ بِمَا الْتَزَمَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ وَبِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ عَيْنُ مَا نَذَرَهُ ، وَفِي الثَّانِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إيفَائِهِ بِعَيْنِ مَا نَذَرَ ، وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْمُحَقِّقِينَ فَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَنَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَبَيَّنَ وَجْهَ النَّظَرِ .
وَقَالَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَلَا يَنْفَعُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَرَدَدْتُ تَنْظِيرَهُ بِرِسَالَةٍ بَيَّنَتْ صِحَّةَ حَصْرِ الصِّحَّةِ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَتَخَيَّرُ النَّاذِرُ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِعَيْنِ الْمَنْذُورِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ فِيمَا إذَا عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاسْمُ الرِّسَالَةِ تُحْفَةُ التَّحْرِيرِ وَإِسْعَافُ النَّاذِرِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ بِالتَّخْيِيرِ .
( نَذَرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ يَمْلِكُهَا وَفَى بِهَا وَإِلَّا أَثِمَ وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي ) يَعْنِي لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَفِ يَأْثَمُ وَلَكِنْ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي ( نَذَرَ لِفُقَرَاءَ مَكَّةَ جَازَ الصَّرْفُ إلَى فُقَرَاءِ غَيْرِهَا ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِخُصُوصِ الْمَكَانِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ .
( قَوْلُهُ : نَذَرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ
إلَخْ ) ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : نَذَرَ لِفُقَرَاءِ مَكَّةَ ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ
( نَذَرَ بِتَصَدُّقِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُبْزًا فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِ الْخُبْزِ ) مِمَّا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ( أَوْ ) تَصَدَّقَ ( بِثَمَنِهِ جَازَ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ خُصُوصَ الْخُبْزِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الثَّمَنَ أَنْفَعُ لِلْفَقِيرِ .
( قَالَ : إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَهَا ) ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ ، وَالدَّالُ عَلَيْهِ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ .
( قَوْلُهُ : قَالَ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً لَمْ يَلْزَمْهُ ) كَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَقُولَ : فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَهَا ) كَذَا يَلْزَمُهُ لَوْ قَالَ أَذْبَحُهَا وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا ، وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ جَزُورًا فَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَكِنْ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا قَضَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَعْبَانَ مَثَلًا فَأَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا قَضَاهُ وَحْدَهُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَإِنْ قَالَ فِي نَذْرِهِ مُتَتَابِعًا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّتَابُعِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَغْوٌ ؛ لِأَنَّهُ مُتَتَابِعٌ لِتَتَابُعِ الْأَيَّامِ وَأَيْضًا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقْبَالُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ .
( قَوْلُهُ : لَكِنْ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا قَضَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَإِنْ قَالَ مُتَتَابِعًا ) هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ شَهْرًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ بِفِطْرِهِ يَوْمًا ، كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( نَذَرَ بِتَصَدُّقِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً لَزِمَتْهُ فَقَطْ ) وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ فِيمَا لَا يَمْلِكُ لَمْ يُوجَدْ النَّذْرُ فِي الْمِلْكِ وَلَا مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ : مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ لَا يَصِحُّ .
( قَوْلُهُ : نَذَرَ بِتَصَدُّقِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ
إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ : وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ أَوْ خَادِمٌ يُسَاوِي مِائَةً فَإِنَّهُ يَبِيعُ وَيَتَصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً يَتَصَدَّقُ بِعَشَرَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَلْفَ حِجَّةٍ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا عَاشَ فِي كُلِّ سَنَةٍ حِجَّةٌ .
ا هـ .
( نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ يَوْمَ كَذَا عَلَى فُلَانٍ فَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ أُخْرَى قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ جَازَ ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتِ لَا تُعْتَبَرُ بَعْدَ حُصُولِ دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ .
( قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ فَسَكَتَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ) ، كَذَا فِي النَّوَازِلِ .
( وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ ) أَيْ حَلِفُهُ يَعْنِي إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَقَالَ بَعْدَهُ مُتَّصِلًا بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْنَثُ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا : { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ، وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى وَمَنْ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ } لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ رُجُوعٌ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْأَيْمَانِ ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذَا نَسِيتَ } أَيْ إذَا نَسِيت الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ فَاسْتَثْنِ مَفْصُولًا ، قَالَ مَشَايِخُنَا فِي تَصْحِيحِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ : إخْرَاجُ الْعُقُودِ كُلِّهَا مِنْ الْبُيُوعِ ، وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمُحَلِّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ يُسْتَثْنَى إذَا نَدِمَ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيتَ } فَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَذْكُرْ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " فِي أَوَّلِ كَلَامِك فَاذْكُرْهُ فِي آخِرِهِ مَوْصُولًا بِهِ رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ صَاحِبَ الْمَغَازِي كَانَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ وَكَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ الْمَغَازِي وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ حَاضِرًا فَأَرَادَ أَنْ يَغْوِيَ الْخَلِيفَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ : إنَّ هَذَا الشَّيْخَ يُخَالِفُ جَدَّك فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ ، فَقَالَ لَهُ : أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِك إنْ تُخَالِفَ جَدِّي ، فَقَالَ : إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْك مُلْكَك ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ فَالنَّاسُ يُبَايِعُونَك وَيَحْلِفُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَسْتَثْنُونَ ثُمَّ يُخَالِفُونَ وَلَا يَخْشَوْنَ فَقَالَ : نِعْمَ مَا قُلْت وَغَضِبَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ
( قَوْلُهُ : وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ ) كَذَا نَذْرُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَإِقْرَارُهُ عِبَادَةً أَوْ مُعَامَلَةً وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَسَوَاءٌ وَصَلَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَانْقِطَاعِ التَّنَفُّسِ أَوْ سُعَالٍ وَسَوَاءٌ قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عَلِمَ حُكْمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ
( بَابٌ حَلِفُ الْفِعْلِ ) الْأَصْلُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُسْتَعْمَلَةَ فِي الْأَيْمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهَا حَقِيقٌ بِأَنْ تُرَادَ دُونَ الْمَجَازِ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا يَحْنَثُ بِدُخُولِ صِفَتِهِ ) لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ مَدْخَلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بُنِيَ لِلْبَيْتُوتَةِ سَوَاءٌ كَانَ حِيطَانُهُ أَرْبَعَةً أَوْ ثَلَاثَةً وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الصُّفَّةِ إلَّا أَنَّ مَدْخَلَهَا أَوْسَعُ فَيَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا سِوَاهَا ( هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا كَانَتْ الصُّفَّةُ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ صِفَاتُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ( لَا ) بِدُخُولِ ( الْكَعْبَةِ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ مَعْنَاهُمَا لِأَنَّ الْبَيْتَ كَمَا عَرَفْت مَا بُنِيَ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ( أَوْ دِهْلِيزٍ ) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَمْ يُبْنَ لِبَيْتُوتَةٍ فِيهِ وَقِيلَ يَحْنَثُ إذْ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً أَقُولُ هَذَا الْقَدْرُ لَا يَكْفِي فِي كَوْنِهِ بَيْتًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ بِنَائِهِ لِلْبَيْتُوتَةِ كَمَا سَبَقَ لَا يُقَالُ إذَا بِيتَ فِيهِ عَادَةً كَانَ بِنَاؤُهُ لِلْبَيْتُوتَةِ عَادَةً لِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ ( أَوْ ظُلَّةِ بَابِ دَارٍ ) وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَلَا يَكُونُ فَوْقَهَا بِنَاءٌ وَإِذَا كَانَ عَلَى بَابِ الدَّارِ تَكُونُ عَلَى السِّكَّةِ فَلَا تَكُونُ بَيْتًا فَلَا يَحْنَثُ .
( وَفِي ) الْحَلِفِ بِأَنَّهُ ( لَا يَدْخُلُ دَارًا لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً وَفِي هَذِهِ الدَّارِ يَحْنَثُ وَإِنْ صَارَتْ صَحْرَاءَ أَوْ بُنِيَتْ بَعْدَ انْهِدَامِهَا ) دَارٌ ( أُخْرَى ) لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ يُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي
الْغَالِبِ مُعْتَبَرٌ هَذِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَتَحْقِيقُهَا أَنَّ مُرَادَهُ بِالْوَصْفِ مَا لَيْسَ صِفَةً عَرَضِيَّةً قَائِمَةً بِجَوْهَرٍ كَالشَّبَابِ وَالشَّيْخُوخَةِ وَنَحْوِهِمَا بَلْ مَا يَتَنَاوَلُهَا وَيَتَنَاوَلُ جَوْهَرًا قَائِمًا بِجَوْهَرٍ آخَرَ يَزِيدُ قِيَامُهُ بِهِ حُسْنًا لَهُ وَكَمَالًا وَيُورِثُ انْتِقَاصُهُ عَنْهُ قُبْحًا لَهُ وَنُقْصَانًا حَتَّى فَرَّقُوا بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْقَدْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَا يُورِثُ تَشْقِيصُهُ ضَرَرًا لِأَصْلِهِ وَالثَّانِي مَا لَا يُورِثُ ذَلِكَ وَجَعَلُوا مَا يُسَاوِي الذَّرْعَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَصْفًا وَمَا يُسَاوِي الْكَيْلَ فِي الْمَكِيلَاتِ قَدْرًا فَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ اسْمًا لِلْعَرْصَةِ وَكَانَ الْبِنَاءُ وَصْفًا وَكَانَتْ الدَّارُ مُنْكَرَةً كَانَتْ غَائِبَةً فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْبِنَاءُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَحْنَثْ وَإِذَا كَانَتْ مُعَرَّفَةً كَانَتْ حَاضِرَةً فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْبِنَاءُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ يَحْنَثُ إذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هَاهُنَا أَيْضًا مِنْ الْغَرَائِبِ لِأَنَّهُ خَالَفَ جُمْهُورَ الْأَئِمَّةِ بِرَأْيٍ غَيْرِ صَائِبٍ حَيْثُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا مُنْهَدِمَةً أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يُطْلَقُ عَلَى الْخَرِبَةِ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجِبُ الْحِنْثَ فِي لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً ثُمَّ فَرْقُهُمْ بِأَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ فَرْقٌ وَاهٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وُصِفَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِصِفَةٍ مِثْلِ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالشَّابِّ صَارَ لَغْوًا وَفِي قَوْلِنَا لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا أَيْنَ الْوَصْفُ حَتَّى يَكُونَ لَغْوًا فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ لَغْوٍ فِي الْآخَرِ ثُمَّ هَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ الْخُبْثَ فِي لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ وَعَدَمَهُ فِي لَا يَدْخُلُ بَيْتًا إنْ دَخَلَهُ مُنْهَدِمًا صَحْرَاءَ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ وَصْفٌ فَيَلْغُو
فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ فَزَوَالُ اسْمِ الْبَيْتِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ثُمَّ قَالُوا فِي لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا بُنِيَتْ حَمَّامًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ دَارًا فَإِنَّ مَا قَالَهُ فَاسِدٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجِبُ إلَى آخِرِهِ نَاشِئٌ مِنْ الْغَفْلَةِ عَنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وُصِفَ الْمُشَارُ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ نَاشِئٌ مِنْ الْغَفْلَةِ عَنْ مَعْنَى الْوَصْفِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِي الدَّارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ : ثُمَّ هَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ إلَى آخِرِهِ غَلَطٌ مَحْضٌ نَاشِئٌ مِنْ عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالدَّارِ وَأَيْضًا الْبَيْتُوتَةُ لَيْسَتْ بِوَصْفٍ لِلْبَيْتِ لِأَنَّهُ كَمَا عَرَفْت عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى الذَّاتِ قَائِمٍ بِهَا الْبَيْتُوتَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ عِلَّةٌ غَائِبَةٌ لِبِنَائِهِ بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنَّ الْبِنَاءَ زَائِدٌ عَلَى الدَّارِ الَّتِي هِيَ الْعَرْصَةُ وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ حَاصِلَ قَوْلِهِ ثُمَّ قَالُوا فِي لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ الْعَرْصَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِيمَا إذَا بُنِيَتْ حَمَّامًا لِوُجُودِ الْعَرْصَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الدَّارَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَرْصَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَعَلَى عَرْصَةٍ مَعَ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ وَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَيْهَا بِنَاءً غَيْرَ الدَّارِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا تَصَرُّفًا يَزُولُ بِهِ اسْمُ الدَّارِ عَنْهُ عُرْفًا فَلَا يَكُونُ دَارًا كَأَنَّ هَذَا الْفَاضِلَ لَمْ يَنْظُرْ فِي أَلْفَاظِ الْهِدَايَةِ وَعِبَارَاتِهِ فَضْلًا عَنْ التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ فِي اعْتِبَارَاتِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ( كَذَا الْوُقُوفُ عَلَى سَطْحِهَا ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يُوجِبُ الْحِنْثَ لِأَنَّ
السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ ( وَقِيلَ ) فِي عُرْفِنَا ( لَا ) يَحْنَثُ ( كَمَا لَوْ جُعِلَتْ الدَّارُ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ بَيْتًا ) حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ دَارًا لِاعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ ( أَوْ دَخَلَهَا بَعْدَ هَدْمِ الْحَمَّامِ وَأَشْبَاهِهِ ) لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَعُودُ بِهِ ( وَهَكَذَا الْبَيْتُ ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ وَدَخَلَهُ ( مُنْهَدِمًا صَحْرَاءَ ) لَمْ يَحْنَثْ لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ الْحِيطَانُ وَسَقَطَ السَّقْفُ يَحْنَثُ إذْ يَبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ ( أَوْ ) دَخَلَهُ ( بَعْدَمَا بُنِيَ بَيْتًا آخَرَ ) لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ
( بَابُ حَلِفِ الْفِعْلِ ) ( قَوْلُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا ) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ الْعَقْدُ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الْأَلْفَاظُ دُونَ الْأَغْرَاضِ ا هـ .
وَلَعَلَّهُ قَضَاءً وَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ دِيَانَةً فَلَا مُخَالَفَةَ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ ) يَعْنِي اللُّغَوِيَّةَ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ صُفَّةٍ ) لَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهَا مُسَقَّفَةً وَقَالَ الْكَمَالُ يَحْنَثُ بِالصُّفَّةِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ مُسَقَّفًا كَمَا فِي صِفَافِ دِيَارِنَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا السَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ أَيْ الْبَيْتِ وَهَذَا يُفِيدُك أَنَّ ذِكْرَ السَّقْفِ فِي الدِّهْلِيزِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ا هـ فَكَذَا الصُّفَّةُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ ) السَّقْفُ لَيْسَ شَرْطًا فَيَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَقَّفًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَحْنَثُ إذْ يَبَاتُ فِيهِ عَادَةً ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ كَذَا دَاخِلًا وَقَالَ الْكَمَالُ إذَا أَطْلَقَ الْبَيْتَ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَا يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً فَدَخَلَ الدِّهْلِيزُ إذَا كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ يَبَاتُ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَتُهُ لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَفِي الْمَدَنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ ا هـ .
( قَوْلُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ بِنَائِهِ لِلْبَيْتُوتَةِ ) يُخَالِفُ مَا مَشَى عَلَيْهِ سَابِقًا مِنْ الْحِنْثِ بِدُخُولِ الصُّفَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْبَيْتِ وَكَذَا مَشَى الْكَمَالُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا مُخَالِفًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ صَحَّحَ الْحِنْثَ بِدُخُولِ الصُّفَّةِ دُونَ الدِّهْلِيزِ مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ فَكَانَ وَجْهًا لِلْكَمَالِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ أَوْ ظُلَّةُ دَارٍ وَهِيَ الَّتِي
إلَخْ
) فَسَّرَ الظُّلَّةَ بِهَذَا لِتَكُونَ سَابَاطًا لِأَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ مُسَقَّفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ لِأَنَّهُ يَبَاتُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ الْكَمَالُ الْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ دَاخِلًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ وَلَهُ سَعَةٌ يَصْلُحُ لِلْبَيْتُوتَةِ مِنْ سَقْفٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ ا هـ .
وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ السَّقْفَ وَصْفٌ فَالتَّقْيِيدُ بِهِ اتِّفَاقِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي لَا يَدْخُلُ دَارًا لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً ) يَعْنِي بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بِهَا بِنَاءٌ أَصْلًا بِأَنْ صَارَتْ صَحْرَاءَ فَأَمَّا إذَا دَخَلَهَا بَعْدَ مَا زَالَ بَعْضُ حِيطَانِهَا فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنْكَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ا هـ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنْ يُحْمَلَ جَوَابُ الْمُتَقَدِّمِينَ بِالْحِنْثِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلسَّطْحِ حَضِيرٌ وَجَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَعْنِي الْعَجَمَ لَا يَحْنَثُ بِالْوُقُوفِ عَلَى السَّطْحِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَضِيرٌ اُتُّجِهَ وَهَذَا اعْتِقَادِيٌّ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَفِي هَذِهِ الدَّارِ ) قَيَّدَ بِالْإِشَارَةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ وَلَمْ يُسَمِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا
إلَخْ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَهُدِمَ ثُمَّ بُنِيَ مَسْجِدًا فَدَخَلَهُ يَحْنَثُ لِعَدَمِ اعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَهَا بَعْدَ هَدْمِ الْحَمَّامِ ) كَذَا لَوْ بُنِيَتْ دَارًا
بَعْدَ هَدْمِ نَحْوِ الْحَمَّامِ فَدَخَلَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَيْرُ تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ فِي طَاقِ بَابِ دَارٍ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا ) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبَابَ لِإِحْرَازِ الدَّارِ وَمَا فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْخَارِجُ مِنْ الدَّارِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَسْكُنُهَا ) أَيْ هَذِهِ الدَّارَ ( وَهُوَ سَاكِنُهَا أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَلْبَسُهُ ) أَيْ هَذَا الثَّوْبَ ( وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَرْكَبُهَا ) أَيْ هَذِهِ الدَّابَّةَ ( وَهُوَ رَاكِبُهَا فَأَخَذَ فِي النُّقْلَةِ ) مِنْ الدَّارِ فِي الْأَوَّلِ ( وَنَزَعَ ) الثَّوْبَ فِي الثَّانِي ( وَنَزَلَ ) عَنْ الدَّابَّةِ فِي الثَّالِثِ ( بِلَا مُكْثٍ ) قَيَّدَ لِلثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَلَّ ، وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَانُ تَحْقِيقِهِ فَإِنْ لَبِثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً حَنِثَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَهَا دَوَامٌ بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهَا حَتَّى يَضْرِبَ لَهَا مُدَّةً يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ إذْ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ وَإِنْ جَازَ بِمَعْنَى الظَّرْفِ وَلَوْ نَوَى ابْتِدَاءَ اللُّبْسِ مَثَلًا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِاللُّبْثِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُهَا ) وَهُوَ فِيهَا ( فَقَعَدَ فِيهَا ) فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْقُعُودِ ( إلَّا بِخُرُوجِهِ ثُمَّ دُخُولِهِ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالْقُعُودِ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ لَا دَوَامَ لَهُ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ .
( وَفِي لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَحَلَّةَ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِأَهْلِهِ وَجَمِيعِ مَتَاعِهِ ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ حَنِثَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ كَتَخْدَائِيَّتِه لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى ، قَالُوا هَذَا
حَسَنٌ وَأَوْفَقُ بِالنَّاسِ ( بِخِلَافِ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ ) فَإِنَّ الْبِرَّ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِمَا عَلَى نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ عُرْفًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ( وَحَنِثَ فِي لَا يَخْرُجُ إنْ حَمَلَ وَأَخْرَجَ بِأَمْرِهِ ) لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافًا إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ بِهِ ( وَبِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ الْأَمْرِ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ ( لَا ) أَيْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْأَمْرِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( رَاضِيًا ) بِالْخُرُوجِ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ يَكُونُ بِالْأَمْرِ لَا بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ ( وَمِثْلُهُ لَا يَدْخُلُ إقْسَامًا وَحُكْمًا ) فَالْإِقْسَامُ أَنْ يَخْرُجَ بِأَمْرِهِ وَبِلَا أَمْرِهِ إمَّا مُكْرَهًا أَوْ رَاضِيًا وَالْحُكْمُ الْحِنْثُ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمُهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ
( قَوْلُهُ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ
إلَخْ ) لَوْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْخُرُوجِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَإِذَا زَلَقَ وَهُوَ يَشْتَدُّ فِي الْمَشْيِ فَعَثَرَ أَوْ زَلِقَ فَوَقَعَ فِي الدَّارِ أَوْ دَفَعَتْهُ الرِّيحُ وَأَوْقَعَتْهُ فِي الدَّارِ وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ لَا يَحْنَثُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ فَأَخَذَ فِي النُّقْلَةِ مِنْ الدَّارِ ) أَيْ وَلَوْ كَانَ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَيْثُ لَا تَفْتُرُ النَّقَلَاتُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَنْقُلُ مَتَاعَهُ فِي يَوْمٍ وَلَا يَلْزَمُهُ النَّقْلُ بِأَسْرَعِ الْوُجُوهِ بَلْ بِقَدْرِ مَا يُسَمَّى نَاقِلًا فِي الْعُرْفِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَبِثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً حَنِثَ ) إذَا أَمْكَنَهُ النَّقْلُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ فَإِنْ كَانَ بِعُذْرِ اللَّيْلِ وَخَوْفِ اللِّصِّ أَوْ بِمَنْعِ ذِي سُلْطَانٍ أَوْ عَدَمِ مَوْضِعٍ مُنْتَقَلٍ إلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَتْحَهُ أَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ ضَعِيفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِ الْمَتَاعِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَنْقُلُهَا لَا يَحْنَثُ وَيَلْحَقُ ذَلِكَ الْوَقْتُ بِالْعَدَمِ لِلْعُذْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَكَذَا فَقَيَّدَ أَوْ مَنَعَ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ فَمَنَعَهَا أَبُوهَا حَيْثُ يَحْنَثُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَدَمًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَإِنْ فِعْلًا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالسُّكْنَى لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارِيُّ وَيَنْعَدِمُ بِعَدَمِهِ فَيَصِيرُ مَسْكَنًا لَا سَاكِنًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْحِنْثِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ فَقَعَدَ ) بِمَعْنَى مَكَثَ وَنَظِيرُهُ لَا يَخْرُجُ وَلَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَطَهَّرُ فَاسْتَدَامَ النِّكَاحُ وَالطَّهَارَةُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِأَهْلِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا خَرَجَ هُوَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ وَأَهْلَهُ فِيهَا وَلَمْ يُرِدْ الرُّجُوعَ حَنِثَ وَكَذَا الْحَلِفُ لَا يَسْكُنُ فِي هَذِهِ الْمَحَلَّةَ أَوْ
السِّكَّةَ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ أَبَدًا حَنِثَ وَإِنْ خَرَجَ عَلَى عَزْمِ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يَنْقُلُهُمْ لِأَنَّهُ يُعَدُّ الْمُتَأَهِّلُ سَاكِنًا بِمَحَلِّ سُكْنَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ عُرْفًا وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ قَائِمًا عَلَى عِيَالِهِ فَإِنْ كَانَ سُكْنَاهُ تَبَعًا كَابْنٍ كَبِيرٍ سَاكِنٍ مَعَ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا وَمَالَهَا لَا يَحْنَثُ وَقَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَوْ عَقَدَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَرَجَّحَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَأَخَذَ بِهِ لَكِنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَشَايِخُ مَا لَا يَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى كَقِطْعَةِ حَصِيرٍ وَوَتَدٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ ) وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ
إلَخْ ) هُوَ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ ) جَعَلَ الْقَرْيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ كَمَا فِي وَالْهِدَايَةِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْقَرْيَةَ كَالدَّارِ فَقَالَ بِالْحِنْثِ بِبَقَاءِ الْأَهْلِ وَالْمَتَاعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْحَمْلِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ لَا يُعْتَبَرُ فَيَحْنَثُ بِخُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ إذَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَلَوْ أَوْجَرَ فِي حَلْقِهِ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ
فِي الشَّرْحِ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ وَبِدُونِ الْأَمْرِ لَا يَحْنَثُ وَيَحْذِفَ قَوْلَهُ بِأَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ بَعْدَهُ وَلَوْ رَاضِيًا إذْ لَا يُجَامِعُ الْإِكْرَاهُ الرِّضَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ رَاضِيًا ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَحْنَثُ ثُمَّ إذَا لَمْ يَحْنَثْ هَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِإِخْرَاجِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ تَنْحَلُّ وَهُوَ أَرْفَقُ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ فَالْإِقْسَامُ أَنْ يَخْرُجَ بِأَمْرِهِ ) صَوَابُهُ أَنْ يَدْخُلَ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ ( قَوْلُهُ وَعَدَمُهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ ) وَمِنْ حُكْمِهِ عَدَمُ انْحِلَالِ الْيَمِينِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُرُوجِ
( وَلَا ) يَحْنَثُ ( فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ إنْ خَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى إلَى أَمْرٍ آخَرَ ) لِأَنَّ خُرُوجَهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي خُرُوجَهُ إلَى غَيْرِ جِنَازَةٍ فَيَبْطُلُ الْحَصْرُ وَيَحْنَثُ وَلِذَا قُلْتُ ثُمَّ أَتَى إلَى أَمْرٍ آخَرَ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى ( وَحَنِثَ فِي لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ لَهَا وَرَجَعَ ) لِوُجُودِ الْخُرُوجِ عَلَى قَصْدِ مَكَّةَ وَهُوَ الشَّرْطُ ( لَا ) أَيْ لَا يَحْنَثُ فِي لَا ( يَأْتِيهَا حَتَّى يَدْخُلَهَا ) لِأَنَّ الْإِتْيَانَ إنَّمَا يَكُونُ بِالدُّخُولِ ( وَذَهَابُهُ كَخُرُوجِهِ ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ قِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ وَقِيلَ كَالْخُرُوجِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزَّوَالِ
( قَوْلُهُ فَخَرَجَ لَهَا وَرَجَعَ ) هَذَا إذَا تَجَاوَزَ عُمْرَانَ مُقَامِهِ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِانْفِصَالِهِ عَنْ دَارِهِ بِخُرُوجِهِ لِغَيْرِ جِنَازَةٍ وَلَا يَحْنَثُ بِخُرُوجِهِ مِنْ مَنْزِلٍ بِهَا إلَى صَحْنِ الدَّارِ ثُمَّ رَجَعَ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَفِي لَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَدْخُلَهَا ) وَيَحْنَثُ بِالْوُصُولِ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عَنْ قَصْدٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَذَهَابُهُ كَخُرُوجِهِ ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الرَّوَاحِ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَهُوَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي كَلَامِ الْمِصْرِيِّينَ فِي أَيْمَانِهِمْ لَكِنْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لُغَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّوَاحَ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ أَوْ فِي اللَّيْلِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ا هـ فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرُوحُ إلَى كَذَا فَهُوَ بِمَعْنَى لَا يَذْهَبُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ عَنْ قَصْدٍ وَصَلَ أَوْ لَا ا هـ .
وَالدَّلِيلُ خَاصٌّ بِالذَّهَابِ لَيْلًا وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ ( قَوْلُهُ قِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ ) قَوْلُ نُصَيْرٍ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَهَا وَقِيلَ كَالْخُرُوجِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِالذَّهَابِ شَيْئًا وَلَوْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ أَوْ الْإِتْيَانَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ
( وَحَنِثَ فِي لَيَأْتِيَنَّ مَكَّةَ ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ مَكَّةَ فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ حَنِثَ ( فِي آخِرِ جُزْءٍ ) مِنْ أَجْزَاءِ ( حَيَاتِهِ ) لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ وَالْيَأْسَ حِينَئِذٍ يَحْصُلُ .
( وَ ) حَنِثَ ( فِي لَيَأْتِيَنَّهُ ) هَذَا إنْ اسْتَطَاعَ إنْ لَمْ يَأْتِهِ ( غَدًا بِلَا مَانِعٍ ) يُعْتَبَرُ مَانِعًا ( كَمَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ وَدَيْنٍ بِنِيَّتِهِ الْحَقِيقَةَ ) أَيْ إنْ قَالَ أَرَدْت الِاسْتِطَاعَةَ الْحَقِيقَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهَا تُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَالْمَعْنَى الْآخَرُ خِلَافُ الظَّاهِرِ
( قَوْلُهُ وَحَنِثَ فِي لَيَأْتِيَنَّ مَكَّةَ
إلَخْ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ اُعْتُبِرَ بِهِ فَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ غَدًا كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَفْعَلْ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ لِتَعَلُّقِهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَدِينَ نِيَّةُ الْحَقِيقَةِ ) لَعَلَّهُ بِنِيَّةِ الْحَقِيقَةِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذَا كَانَ اسْمُ الِاسْتِطَاعَةِ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
( حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يُرَادُ بِهِ نِسْبَةُ السُّكْنَى ) بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّارَ لَا تُعَادَى وَلَا تُهْجَرُ لِذَاتِهَا بَلْ لِبَعْضِ سَاكِنِيهَا إلَّا أَنَّ السُّكْنَى قَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ تَكُونُ دَلَالَةً بِأَنْ تَكُونَ الدَّارُ مِلْكًا لَهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ السُّكْنَى فِيهَا فَيَحْنَثُ بِالدُّخُولِ فِي دَارٍ تَكُونُ مِلْكًا لِفُلَانٍ فَلَا يَكُونُ هُوَ سَاكِنًا فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ غَيْرُهُ سَاكِنًا فِيهَا أَوْ لَا لِقِيَامِ دَلِيلِ السُّكْنَى التَّقْدِيرِيِّ وَهُوَ الْمِلْكُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ غَيْرَهُ لَوْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا لَا يَحْنَثُ لِانْقِطَاعِ النِّسْبَةِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ حَنِثَ بِدُخُولِهَا مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ هَاهُنَا مَهْجُورٌ إذْ لَوْ اضْطَجَعَ وَوَضَعَ قَدَمَيْهِ فِي الدَّارِ بِحَيْثُ يَكُونُ بَاقِي جَسَدِهِ خَارِجَ الدَّارِ لَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ إنَّهُ وَضَعَ الْقَدَمَ فِي الدَّارِ فَإِذَا هَجَرَ الْحَقِيقَةَ أُرِيدَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ وَهُوَ الدُّخُولُ مُطْلَقًا بِقَرِينَةِ الْعُرْفِ
( قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِالدُّخُولِ فِي دَارٍ تَكُونُ مِلْكًا لِفُلَانٍ وَلَا يَكُونُ هُوَ سَاكِنًا فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ غَيْرُهُ سَاكِنًا فِيهَا أَوْ لَا
إلَخْ ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَإِنْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ وَهُوَ لَا يَسْكُنُهَا حَنِثَ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَأَجَّرَ فُلَانٌ دَارِهِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ قِيلَ يَحْنَثُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ قَالُوا مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا كَمَا تَبْطُلُ الْإِضَافَةُ بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَمِلْكِ الْيَدِ لِلْغَيْرِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ وَسَاكِنُهَا غَيْرُهُ حَنِثَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ دَارًا أَجَّرَهَا فُلَانٌ حَنِثَ أَيْضًا قِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ ا هـ .
وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَجَّرَ فُلَانٌ دَارِهِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ هَلْ يَحْنَثُ فِيهِ رِوَايَتَانِ ا هـ فَهَذَا مُفِيدٌ أَنَّ الدَّارَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا سَاكِنَهَا وَلَا غَيْرَهُ فَالنِّسْبَةُ بَاقِيَةٌ فَيَحْنَثُ الْحَالِفُ وَأَمَّا إذَا سَكَنَهَا غَيْرُهُ فَقَدْ عَلِمْتَ الِاخْتِلَافَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ ، فَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذُكِرَ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
إلَخْ ) عَلِمْتَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ ابْنُ الضِّيَاءِ وَأَمَّا الدَّارُ الْمَمْلُوكَةُ لِفُلَانٍ إنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ وَلَا سُكْنَى لِمَالِكِهَا بِوَجْهٍ فَإِنَّا نَمْنَعُ حِنْثَهُ بِدُخُولِهَا ا هـ .
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَلَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَدَارُ غَلَّةٍ فَدَخَلَ دَارَ الْغَلَّةِ لَا يَحْنَثُ ا هـ .
( قَوْلُهُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ
نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى مَاشِيًا وَدَخَلَهَا رَاكِبًا لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ هَهُنَا مَهْجُورٌ ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ الْكَمَالُ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ فِيهَا لَا يَحْنَثُ عَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ هَهُنَا مَجَازٌ عَنْ الدُّخُولِ وَلَا يَحْنَثُ فِي لَا يَدْخُلُ بِوَضْعِ إحْدَى رِجْلَيْهِ ا هـ فَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ دَارَ فُلَانٍ فَوَضَعَ إحْدَى قَدَمَيْهِ فِيهَا حَنِثَ ا هـ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
( وَشُرِطَ لِلْبِرِّ فِي لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ ) لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ وَمَعْنَاهُ لَا تَخْرُجْ خُرُوجًا إلَّا بِإِذْنِي وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تُفِيدُ الْعُمُومَ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا بَعْضٌ بَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْعُمُومِ ( لَا فِي ) قَوْلِهِ لَا تَخْرُجْ ( إلَّا أَنْ آذَنَ لَك ) فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنًا إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخُرُوجِ فَحُمِلَ عَلَى الْغَايَةِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْغَايَةَ قَصْرٌ لِامْتِدَادِ الْمُغَيَّا وَبَيَانٌ لِانْتِهَائِهِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ قَصْرٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيَانٌ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهِ وَفِي هَذَا الْمَقَامِ مَبَاحِثُ شَرِيفَةٌ أَوْرَدْنَاهَا فِي شَرْحِ الْمِرْقَاةِ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيَطْلُبْ ثَمَّةَ
( قَوْلُهُ وَشُرِطَ لِلْبِرِّ فِي لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ ) كَذَا بِغَيْرِ إذْنِي أَوْ رِضَائِي أَوْ عِلْمِي أَوْ إلَّا بِقِنَاعٍ أَوْ مِلْحَفَةٍ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ لِمَنْ لَهُ الْمَنْعُ فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى مُدَّةِ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَلَوْ أَذِنَ لَهَا إذْنًا غَيْرَ مَسْمُوعٍ لَمْ يَكُنْ إذْنًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ إذْنٌ وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهَا بِالْإِذْنِ فِي غَيْبَتِهَا وَفَهْمِهَا الْخِطَابَ وَطَرِيقُ إسْقَاطِ هَذَا الْحَلِفِ أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك ثُمَّ إذَا نَهَاهَا لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي دَارِهِ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ
.
( وَ ) شُرِطَ ( لِلْحِنْثِ فِي إنْ خَرَجْت مَثَلًا لِمُرِيدِ الْخُرُوجِ فِعْلُهُ فَوْرًا ) يَعْنِي لَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْخُرُوجَ مَثَلًا فَقَالَ الزَّوْجُ إنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينُ الْفَوْرِ تَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِظْهَارِهَا وَوَجْهُهُ أَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الزَّجْرُ عَنْ ذَلِكَ الْخُرُوجِ عُرْفًا وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ
( قَوْلُهُ فَجَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْفَتْحِ مَا يُشِيرُ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَغَيُّرِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مَعَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ حَيْثُ قَالَ امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت السَّاعَةَ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا عَمِلَ بِهِ
.
( وَ ) شُرِطَ لِلْحِنْثِ ( فِي إنْ تَغَدَّيْتُ بَعْدَ ) قَوْلِ الطَّالِبِ ( تَعَالَى تَغَدَّ مَعِي ) قَوْلُهُ ( تَغَدِّيهِ مَعَهُ ) قَائِمٌ مَقَامَ مَفْعُولِ شُرِطَ الْمُقَدَّرِ يَعْنِي إذَا قَالَ زَيْدٌ لِبَكْرٍ اجْلِسْ فَتَغَدَّ مَعِي فَقَالَ بَكْرٌ إنْ تَغَدَّيْتُ فَعَبْدِي كَذَا فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ ( وَإِنْ ضَمَّ الْيَوْمَ ) وَقَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ ( كَفَى ) فِي الْحِنْثِ ( مُطْلَقُ التَّغَدِّي ) لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً
( قَوْلُهُ قَائِمٌ مَقَامَ مَفْعُولِ شَرَطَ ) صَوَابُهُ فَاعِلُ شَرَطَ ( قَوْلُهُ مَرْكَبُ الْمَأْذُونِ لَيْسَ لِمَوْلَاهُ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ دُخُولُ عَبِيدِ مَأْذُونِهِ فِي حُكْمِ حَرَّرْت عَبِيدِي
( مَرْكَبُ الْمَأْذُونِ لَيْسَ لِمَوْلَاهُ فِي حَقِّ الْيَمِينِ إلَّا إذَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ دَيْنَهُ وَنَوَاهُ ) يَعْنِي إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَيْسَتْ لِزَيْدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنْ نَوَى بِدَابَّةِ زَيْدٍ دَابَّتَهُ الْخَاصَّةَ لَهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَى دَابَّةً هِيَ مِلْكُ زَيْدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ خَاصَّةً لَهُ أَوْ كَانَتْ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا إذَا نَوَاهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ
( قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ) سَوَاءٌ فِيهِ مَا إذَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرِقِ .
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ رَكِبَ دَابَّةَ مُكَاتَبِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ مُضَافًا إلَى الْمَوْلَى لَا ذَاتًا وَلَا يَدًا كَذَا فِي الْبَحْرِ
( يُرَادُ بِالْأَكْلِ مِنْ الشَّجَرِ ثَمَرُهُ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الشَّجَرِ يُرَادُ بِهِ ثَمَرُهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ مَهْجُورٌ حِسًّا .
( وَ ) يُرَادُ ( بِهَذَا الْبُرِّ قَضْمُهُ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ لَهُ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ وَمَعْنًى مَجَازِيٌّ مُتَعَارَفٌ فَأَبُو حَنِيفَةَ يُرَجِّحُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وَهُمَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ فَالْمُرَادُ عِنْدَهُمَا أَكْلُ بَاطِنِهِ مَجَازٌ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مُطْلَقًا عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ .
( وَ ) يُرَادُ ( بِهَذَا الدَّقِيقِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ ) لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ عَادَةً فَانْصَرَفَ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ خُبْزًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ بِأَكْلِ خُبْزِهِ أَقُولُ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَاءَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ تَقَيَّدَ وَإِذَا قَيَّدَ بِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ غَيْرَهُ وَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ وَلَا يُصَحِّحُهُ قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَيْ بِأَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ بَلْ يَظْهَرُ فَسَادُهُ لِأَنَّهُ إذَا قَيَّدَ بِمُعَيَّنٍ يَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِطْلَاقُ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّفْسِيرُ بِهِ فَتَدَبَّرْ وَاسْتَقِمْ
( وَ ) يُرَادُ ( بِالشِّوَاءِ اللَّحْمُ ) لَا الْبَاذِنْجَانُ وَالْجَزَرُ ( وَبِالطَّبِيخِ طَبِيخُ اللَّحْمِ وَبِالرَّأْسِ رَأْسٌ يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعُ فِي مِصْرِهِ ) لِأَنَّهَا الْمُتَعَارَفَةُ ( وَبِالشَّحْمِ شَحْمُ الْبَطْنِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَتَنَاوَلُ شَحْمَ الظَّهْرِ أَيْضًا ( أَوْ بِالْخُبْزِ مَا اعْتَادَهُ فِي بَلَدِهِ ) وَالْمُعْتَادُ فِي أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ خُبْزُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خُبْزُ الْأُرْزِ وَالذُّرَةِ مُعْتَادٌ أَيْضًا ( وَبِالْفَاكِهَةِ التُّفَّاحُ وَالْبِطِّيخُ وَالْمِشْمِشُ لَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَعِنْدَهُمَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ فَاكِهَةٌ .
( وَ ) يُرَادُ ( بِالشُّرْبِ مِنْ نَهْرٍ الْكَرْعُ ) وَهُوَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ مِنْ مَوْضِعِهِ بِالْفَمِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا خِلَافًا لَهُمَا ( لَا بِمِنْ مَائِهِ ) أَيْ لَا يُرَادُ بِالشُّرْبِ مِنْ مَاءِ نَهْرِ الْكَرْعُ بَلْ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْهُ بِإِنَاءٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاغْتِرَافِ بَقِيَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَهُوَ الشَّرْطُ ( لَا يَحْنَثُ فِي ) حَلِفِهِ ( لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ بِأَكْلِ رُطَبِهِ أَوْ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ اللَّبَنِ بِأَكْلِهِ تَمْرًا أَوْ شِيرَازًا ) لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ فَتَنْعَقِدُ بِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ أَوْ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَأَكَلَ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا أَوْ كَلَّمَ بَعْدَ مَا شَاخَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَنَا بِالتَّحَمُّلِ بِأَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمُدَارَةِ الصِّبْيَانِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّ الصِّفَةَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ إلَّا إذَا كَانَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّطَبِ إذْ رُبَّمَا يَضُرُّهُ الرُّطَبُ لَا التَّمْرُ ( وَلَا ) يَحْنَثُ ( فِي لَا يَأْكُلُ بُسْرًا بِأَكْلِ رُطَبٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبُسْرٍ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا أَنَّ صِفَةَ الْبُسْرَةِ وَصِفَةَ الرُّطَبَةِ وُجِدَتَا ثَمَّةَ فِي الْمُعَيَّنِ وَكَانَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ الصِّفَةُ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ أَنْ تَكُونَ لَغْوًا لَكِنَّهَا لَمْ تَلْغُ لِكَوْنِ الصِّفَةِ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ وَهَاهُنَا وُجِدَتْ فِي الْمُنْكِرِ وَالصِّفَةُ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَأَكَلَهُ رُطَبًا وَبَيْنَ قَوْلِنَا لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ
وَالْبُسْرَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَإِذَا صَارَ رُطَبًا صَارَ مَاهِيَّةً أُخْرَى كَمَا بَيَّنَّا فِي لَا يَدْخُلُ بَيْتًا مَعَ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى كَلَامِهِ الْمُزَيَّفِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّ صِفَةَ الْبُسْرَةِ وَالرُّطَبَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ صِفَةِ الْبُسُورَةِ وَنَحْوِهَا يُنَافِي اعْتِبَارَ كَوْنِ الْبُسْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَإِنْ كَانَ الْبُسْرُ وَنَحْوُهُ اسْمَ جِنْسٍ فِي الْوَاقِعِ فَتَدَبَّرْ وَاسْتَقِمْ .
( قَوْلُهُ يُرَادُ بِالْأَكْلِ مِنْ الشَّجَرِ ثَمَرُهُ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ لِأَكْلِ عَيْنِ الشَّجَرَةِ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَمَا يُرَادُ ثَمَرُ الشَّجَرِ يُرَادُ جُمَّارُهُ وَطَلْعُهُ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ بِلَا تَغَيُّرٍ بِصُنْعٍ جَدِيدٍ فَلَا يَحْنَثُ بِالنَّبِيذِ وَالْخَلِّ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَحْنَثُ بِدِبْسِهِ وَالْمُرَادُ عَصِيرُهُ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ لِلشَّجَرِ ثَمَرٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ نَوَى عَيْنَهَا لَا يَحْنَثُ بِثَمَرِهَا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا ثَمَرَ لَهَا انْعَقَدَتْ عَلَى ثَمَنِهَا فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا كَذَا فِي الْفَتْحِ زَادَ فِي الْبَحْرِ وَأَكَلَهُ ا هـ .
وَقَدْ يُقَالُ يُرَادُ بِالْأَكْلِ الْإِنْفَاقُ فِي أَيِّ شَيْءٍ فَيَحْنَثُ بِهِ إذَا نَوَى فَلْيُنْظَرْ ( قَوْلُهُ وَبِهَذَا الْبُرِّ
إلَخْ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِمَّا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ تَقَيَّدَ بِهِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَنِثَ بِاللَّحْمِ خَاصَّةً وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ قَضَمَهُ ) أَيْ أَكَلَهُ لِأَنَّ الْقَضْمَ الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ وَلَا يَخْتَصُّ الْحِنْثُ بِهِ وَقَضِمَ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْحِنْطَةِ مُعَيَّنَةً لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الْإِمَامِ كَجَوَابِهِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَحَكُّمٌ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إيرَادِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ يَعُمُّ الْمُعَيَّنَةَ وَالْمُنْكَرَةَ وَهُوَ أَنَّ عَيْنَهَا مَأْكُولَةٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا ) أَيْ كَمَا يَحْنَثُ بِقَضْمِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا
يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذَا قَضَمَهَا وَصَحَّحَهَا فِي الذَّخِيرَةِ وَرَجَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَحْنَثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي الْخُبْزِ يَحْنَثُ أَيْضًا أَيْ عِنْدَهُمَا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْقَضْمِ وَلَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بَلْ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ ( قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهَذَا الدَّقِيقِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَفَّ الدَّقِيقَ لَمْ يَحْنَثْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ لَا الْبَاذِنْجَانُ وَالْجَزَرُ ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى مَا يُشْوَى عَمِلَ بِهِ كَالْبِيضِ وَالْفُولِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا شَوِيَّ الْعَرَبِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَبِالطَّبِيخِ طَبِيخُ اللَّحْمِ ) يَعْنِي مَا لَمْ يَنْوِ الْعُمُومَ فَإِنْ نَوَى عَمِلَ بِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّ مَا يُتَّخَذُ فَلَيَّةً مِنْ اللَّحْمِ لَا يُسَمَّى طَبِيخًا وَلَا يَحْنَثُ بِهِ وَهَذَا أَيْ التَّقْيِيدُ بِطَبِيخِ اللَّحْمِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْأُرْزِ الْمَطْبُوخِ بِلَا لَحْمٍ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ فَإِنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا بِخِلَافِ مَا لَوْ طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ ا هـ أَيْ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُزْوَرَّةً قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَمَا يُطْبَخُ مِنْ الْأَدْهَانِ يُسَمَّى مُزَوَّرَةً ا هـ .
وَفِي الْبُرْهَانِ الْعُرْفُ الظَّاهِرُ أَصْلٌ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ ا هـ وَالْعُرْفُ الْآنَ إطْلَاقُ الطَّبِيخِ عَلَى مَا يُطْبَخُ نَحْوِ الْعَدَسِ فِيهِ يَحْنَثُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا الْمُتَعَارَفَةُ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لِاخْتِلَافِ الْعَصْرِ وَالزَّمَانِ وَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ فَاكِهَةٌ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الْمَشَايِخُ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ فَفِي زَمَانِهِ لَمْ يَعُدُّوهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ
فَأَفْتَى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَفِي زَمَانِهِمَا عُدَّتْ مِنْهُمَا فَأَفْتَيَا بِهِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْعُرْفِ فَمَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ عَادَةً وَيُعَدُّ فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ وَمَا لَا فَلَا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِالشُّرْبِ مِنْ نَهْرٍ الْكَرْعُ ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى بِإِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ عَمِلَ بِهِ وَقَيَّدَ بِالنَّهْرِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْبِئْرِ وَلَيْسَتْ مَلْآنَةً فَتَكَلَّفَ الْكَرْعَ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ بَلْ بِالِاغْتِرَافِ مِنْهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ أَوْ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ
إلَخْ ) هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَقِيقَةَ قَيْدًا لِيَمِينِهِ فِيهِمَا وَإِنْ نَوَاهَا تَقَيَّدَتْ بِهَا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَالظَّاهِرُ لَا يُخَالِفُهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ أَوْ هَذَا الشَّابَّ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ الصَّبِيُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَكَذَا الْغُلَامُ فَإِذَا بَلَغَ فَهُوَ شَابٌّ وَفَتًى إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَهُوَ كَهْلٌ إلَى الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ شَيْخٌ إلَى خَمْسِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ ) قَالَ الْكَمَالُ فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَمَلَ لَيْسَ مَحْمُودًا فِي الضَّأْنِ لِكَثْرَةِ رُطُوبَاتِهِ زِيَادَةً حَتَّى قِيلَ فِيهِ النَّحِسُ بَيْنَ الْجَيِّدَيْنِ بِخِلَافِهِ كَبْشًا فَإِنَّ لَحْمَهُ حِينَئِذٍ أَكْثَرُ قُوَّةً وَتَقْوِيَةً لِلْبَدَنِ لِقِلَّةِ رُطُوبَاتِهِ فَصَارَ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ فَأَكَلَهُ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ وَاعْلَمْ أَنَّ إيرَادَ مِثْلِ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ ذُهُولٌ عَنْ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنِسْيَانُ أَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى الْعُرْفِ فَيُصْرَفُ اللَّفْظُ إلَى الْمُعْتَادِ فِي الْعَمَلِ وَالْعُرْفِ فِي الْقَوْلِ وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَوْ أَرَادَ مَعْنًى
تَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْأَمْرُ بِتَحَمُّلِ أَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمُدَارَاةِ الصِّبْيَانِ فَلَا يَنْفِي كَوْنَ حَالِفٍ مِنْ النَّاسِ عَرَفَ عَدَمَ طِيبِ الْحَمَلِ وَسَوَاءٌ أَدَبُ صَبِيٍّ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْدَعُهُ إلَّا تَرْكُ الْكَلَامِ مَعَهُ أَوْ عُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ مَعَهُ يَضُرُّهُ فِي عِرْضِهِ أَوْ دِينِهِ فَتُصْرَفُ يَمِينُهُ حَيْثُ صَرَفَهَا فَلَا يَحْنَثُ بِالْكَلَامِ مَعَهُ بَعْدَ فَوَاتِ تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي أَرَادَهَا
( وَلَا ) يَحْنَثُ ( فِي لَا آكُلُ لَحْمًا بِأَكْلِ سَمَكٍ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّهُ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ لَحْمًا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ مِنْ الدَّمِ وَلَا دَمَ لَهُ لِكَوْنِهِ فِي الْمَاءِ ( وَلَا ) يَحْنَثُ ( فِي لَا آكُلُ لَحْمًا أَوْ شَحْمًا بِأَكْلِ أَلْيَةٍ ) لِأَنَّهَا نَوْعٌ ثَالِثٌ حَتَّى لَا تُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَالشُّحُومِ ( وَلَا ) يَحْنَثُ ( فِي لَا يَشْتَرِي رُطَبًا بِاشْتِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ وَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْأَكْلِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَكْلَ صَادَفَ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا وَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا أَوْ لَا يَأْكُلُهُ فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ وَأَكَلَهَا يَحْنَثُ فِي الْأَكْلِ لَا فِي الشِّرَاءِ لِمَا ذُكِرَ ( وَحَنِثَ فِي لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا أَوْ وَلَا بُسْرًا بِأَكْلِ مُذَنِّبِ الْبُسْرِ ) الْمُذَنِّبُ بِكَسْرِ النُّونِ الَّذِي أَكْثَرُهُ بُسْرٌ وَشَيْءٌ مِنْهُ رُطَبٌ الْمُذَنَّبُ عَكْسُهُ وَإِنَّمَا حَنِثَ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً فَيَحْنَثُ ( وَ ) حَنِثَ ( فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا بِأَكْلِ كَبِدٍ أَوْ كَرِشٍ ) لِأَنَّ نُشُوءَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الدَّمِ وَالِاخْتِصَاصُ بِاسْمٍ آخَرَ لَا لِلنُّقْصَانِ كَالرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ لَحْمًا وَلَا تُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ ( أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ إنْسَانٍ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَحْمٌ حَقِيقَةً .
وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي
( قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ فِي لَا آكُلُ لَحْمًا بِأَكْلِ سَمَكٍ ) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا نَوَاهُ فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ غَيْرَ طَرِيٍّ حَنِثَ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ ) رُوِيَ شَاذًّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ ( قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالْأَلْيَةِ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ مِنْ الدَّمِ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَنَمْنَعُ أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ بِاعْتِبَارِ الِانْعِقَادِ مِنْ الدَّمِ بَلْ بِاعْتِبَارِ الِالْتِحَامِ فَالتَّمَسُّكُ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ بِالْعُرْفِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ كِبَاسَةِ ) بِكَسْرِ الْكَافِ عُنْقُودُ النَّخْلِ وَالْجَمْعُ كَبَائِسُ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ ) يُخَالِفُهُ مَا نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَلْيَةً فَاشْتَرَى شَاةً مَذْبُوحَةً كَانَ حَانِثًا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رَأْسًا ا هـ قَوْلُهُ وَحَنِثَ فِي لَا يَأْكُلُ رُطَبًا
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الذَّنَبِ وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِنْثُ وَعَدَمُهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ) إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ إنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ لَا يُقَيِّدُ اللَّفْظَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ
( وَالْإِدَامُ مَا يُصْبَغُ بِهِ الْخُبْزُ كَالْخَلِّ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ لَا اللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَالْجُبْنِ ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَكُلُّ شَيْءٍ يُصْطَبَغُ بِهِ الْخُبْزُ فَهُوَ إدَامٌ وَمَا لَا فَلَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا فَهُوَ إدَامٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ( الْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ ) طُلُوعِ ( الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ ) كَذَا فِي الْعُرْفِ ( وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ) لِأَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ يُسَمَّى عَشَاءً ( وَالسُّحُورُ مِنْهُ إلَى الْفَجْرِ ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ فَأُطْلِقَ عَلَى مَا يَقْرَبُ مِنْهُ فَمَنْ حَلَفَ لَا أَتَغَدَّى أَوْ لَا أَتَعَشَّى أَوْ لَا أَتَسَحَّرُ يُرَادُ بِهَا هَذِهِ الْمَعَانِي
حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا فَهُوَ إدَامٌ ) عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَعَنْ الْمُحِيطِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا تَعَارَفَ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ فِي كَلَامِهِمْ ( قَوْلُهُ الْغَدَاءُ ) أَيْ التَّغَدِّي لِأَنَّ الْغَدَاءَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ لَا الْأَكْلُ ( قَوْلُهُ الْأَكْلُ ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقَ الْأَكْلِ وَلَا مُطْلَقَ الْمَأْكُولِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ مِمَّا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ حَتَّى لَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ أَوْ أَكَلَ التَّمْرَ أَوْ الْأُرْزَ حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا وَإِنْ كَانَ بَدَوِيًّا حَنِثَ وَلَوْ أَكَلَ أَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ الشِّبَعِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى فِي السُّحُورِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِ نِصْفِ الشِّبَعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ ( قَوْلُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ كَذَا فِي الْعُرْفِ ) كَذَا فِي التَّجْرِيدِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَقْتُ التَّغَدِّي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَكَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْأَكْلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُسَمُّونَهُ غَدَاءً ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْخُجَنْدِيُّ والإسبيجابي هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالْعَشَاءُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْفَتْحِ
( قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْتُ أَوْ لَبِسْتُ ) وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولًا ( وَنَوَى ) مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا أَوْ مَلْبُوسًا ( مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ ) لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ مَاهِيَّةُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْمَفْعُولِ إلَّا اقْتِضَاءً وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا لِتَصِحَّ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ ( أَصْلًا ) أَيْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً ( وَلَوْ ضَمَّ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ ثَوْبًا دِينَ ) أَيْ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّ اللَّفْظَ حِينَئِذٍ عَامٌّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَصْدُقُ قَضَاءً
( قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت ) كَذَا إنْ اغْتَسَلْت أَوْ نَكَحْت أَوْ سَكَنْت دَارَ فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ دُونَ امْرَأَةٍ أَوْ بِأَجْرٍ وَلَمْ يَسْبِقْ قَبْلَ ذَلِكَ كَلَامٌ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ أَوْ اسْتَعَارَهَا فَأَبَى فَحَلَفَ يَنْوِي السُّكْنَى بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ لَا يَصِحُّ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْمَفْعُولِ إلَّا اقْتِضَاءً ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَفْعُولَ فِي لَا آكُلُ وَأَلْبَسُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمَفْعُولِ اقْتِصَارًا وَتَنَاسُبًا لِأَنَّ الْمُقْتَضَى مَا يُقَدَّرُ لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مِمَّا يُحْكَمُ بِكَذِبِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِثْلُ رُفِعَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ أَوْ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ شَرْعًا مِثْلُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ لَا آكُلُ يُحْكَمُ بِكَذِبِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَلَا مُتَضَمِّنًا حُكْمًا لَا يَصِحُّ شَرْعًا نَعَمْ الْمَفْعُولُ أَعْنِي الْمَأْكُولَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ وُجُودِ فِعْلِ الْآكِلِ وَمِثْلُهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَإِلَّا كَانَ كُلُّ كَلَامٍ كَذَلِكَ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَدْعِيَ مَعْنَاهُ زَمَانًا وَمَكَانًا فَكَانَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِنَا الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مَرْفُوعَانِ وَبَيْنَ قَامَ زَيْدٌ وَجَلَسَ عَمْرٌو ( قَوْلُهُ أَصْلًا ) أَيْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَبِهِ أَخَذَ الْخَصَّافُ وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ لَا تَصِحُّ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ ضَمَّ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ ثَوْبًا دِينَ ) هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ ، وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
( إمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ صِحَّةِ الْحَلِفِ ) يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُمْكِنَ الْوُقُوعِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ ( خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ وَمَحَلُّهُ عِنْدَهُ خُيِّرَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ أَوْ لَا أَلَا يَرَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ أَوْ تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُنْعَقِدَةٌ لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى خَبَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا مَحَلُّهُ خَبَرٌ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ لِأَنَّ مَحَلَّ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ ( فَفِي ) قَوْلِهِ ( وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَن مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ ) أَوْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي هُوَ فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا ( وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ ) فِيهِ مَاءٌ ( فَصَبَّ ) الْمَاءَ قَبْلَ اللَّيْلِ ( أَوْ أَطْلَقَ ) الْحَالِفُ وَلَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ ( وَلَا مَاءَ فِيهِ ، لَمْ يَحْنَثْ ) عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَلِفِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا وَهُوَ إمْكَانُ الْبِرِّ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِصِحَّةِ الْحَلِفِ عِنْدَهُ ( وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَصُبَّ ، حَنِثَ ) لِأَنَّ الْبِرَّ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّكَلُّمِ لَكِنْ مُوَسَّعًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ فِي عُمْرِهِ وَالْبِرُّ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ بِأَنْ صَبَّ الْمَاءَ عَقِيبَ الْيَمِينِ بِلَا تَرَاخٍ لَا تَنْعَقِدُ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ عَلَى مَاءٍ يُوجِدُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكُوزِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ قُلْنَا ذَلِكَ الْمَاءُ لَيْسَ الْمَاءَ الَّذِي انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ مُوجِبَةً
لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحَلِفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ قُلْنَا شَرْطُ انْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الْحَلِفِ احْتِمَالُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلَا احْتِمَالَ هُنَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ .
( وَفِي لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَنِثَ لِلْحَالِ ) .
وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَحْنَثُ لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ عَادَةً وَلَنَا أَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُمْكِنٌ حَتَّى وَقَعَ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْجِنِّ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ } الْآيَةَ وَكَذَا قَلْبُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ وَوَاقِعٌ لِبَعْضِ الْأَخْبَارِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْبِرُّ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ ، لِعَجْزِهِ عَنْ تَحْقِيقِ الْبِرِّ ، ظَاهِرٌ وَإِذًا كَافٍ لِلْحِنْثِ ( كَذَا لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا بِمَوْتِهِ ) إذْ يُرَادُ حِينَئِذٍ قَتْلُهُ بَعْدَ إحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُمْكِنٌ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَوْتِهِ فَالْمُرَادُ الْقَتْلُ الْمُتَعَارَفُ وَلَمَّا كَانَ مَيِّتًا كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا حَقِيقَةً
( قَوْلُهُ إمْكَانُ الْبِرِّ ) أَيْ حَقِيقَةً لَا عَادَةً قَوْلُهُ فِيمَا فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ ) أَيْ حَقِيقَةً لَا عَادَةً ( قَوْلُهُ أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَبَّهُ الْحَالِفُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ انْصَبَّ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ( قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ ) جَوَابُ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ مَا إذَا عَلِمَ الْحَالِفُ أَنَّ الْكُوزَ فِيهِ مَاءٌ وَمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَفِي لِيَصْعَدَن السَّمَاءَ
إلَخْ ) أَطْلَقَهُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا قَيَّدَ الصُّعُودَ وَقَلْبَ الْحَجَرِ بِمُدَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَبْلَ مُضِيِّهَا حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى التَّرْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَرَكْتَ مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ كَذَا لِيَقْتُلَنَّ فُلَانًا عَالِمًا بِمَوْتِهِ ) يُخَالِفُ الْحَلِفَ عَلَى ضَرْبِهِ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا الْيَوْمَ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَيًّا وَقْتَ الْحَلِفِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي حَالِ الْمُلَاعَبَةِ ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ .
ا هـ .
( شَهَرَ عَلَى إنْسَانٍ سَيْفًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ) قَالَ قَتَلَ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّ السَّيْفَ آلَةٌ لَهُ ( وَلَوْ شَهَرَ عَصًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ فَعَلَى ) أَيْ الْحَلِفُ يَقَعُ عَلَى ( إيلَامِهِ ) لَا حَقِيقَةِ الْقَتْلِ فَإِنْ آلَمَ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّ الْعَصَا لَيْسَ آلَةً لِلْقَتْلِ بَلْ لِلْإِيلَامِ بِالضَّرْبِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ سُلَيْمَانَ ( تَحْلِيفُ الْوَالِي لَيُعْلِمَهُ كُلَّ دَاعِرٍ أَتَى مُقَيَّدٌ بِحَالِ وِلَايَتِهِ ) يَعْنِي إذَا حَلَّفَ الْوَالِي رَجُلًا لَهُ شُعُورٌ عَلَى أَهْلِ الْفَسَادِ لَيُعْلِمَهُ كُلَّ مُفْسِدٍ يَجِيءُ فِي الْبَلْدَةِ كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِحَالِ وِلَايَةِ الْوَالِي وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَإِنْ أَعْلَمَهُ حَالَ وِلَايَتِهِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ وَبَعْدَمَا عُزِلَ لَمْ يَلْزَمْ الْإِعْلَامُ
( قَوْلُهُ شَهَرَ عَلَى إنْسَانٍ سَيْفًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنهُ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ) مِثْلُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ لِأَضْرِبَنك بِالسَّيْفِ حَتَّى تَمُوتَ فَهُوَ عَلَى الْمَوْتِ حَقِيقَةً ا هـ .
وَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَاضِي خَانْ وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَأَضْرِبَنهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ إلَّا بِالضَّرْبِ حَتَّى يَمُوتَ ا هـ .
وَلَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ لِأَضْرِبَنك حَتَّى أَقْتُلَك فَهُوَ عَلَى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَعِنْدِي أَيْضًا عَلَى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ لِأَضْرِبَنك بِالسَّيْفِ حَتَّى تَمُوتَ وَلَأَضْرِبَنَّ وَلَدَك عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يَنْشَقَّ نِصْفَيْنِ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ بِهِ الْأَرْضَ وَيَرْكُلَهُ فَقَطْ وَخِلَافُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ا هـ .
وَالرَّكْلُ الضَّرْبُ بِالرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ ( قَوْلُهُ دَاعِرٌ ) بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الْمُفْسِدُ ( قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِحَالِ وِلَايَتِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ .
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ بِالدَّاعِرِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلِفُ أَوْ عُزِلَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا بِالْيَأْسِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ا هـ .
وَلَوْ حَكَمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ فَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ أَيْ فَوْرُ عِلْمِهِ ا هـ كَلَامُ الْكَمَالِ ( تَنْبِيهٌ ) : تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْحَالِفِ ظَالِمًا كَانَ أَوْ مَظْلُومًا إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَإِلَّا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُحَلِّفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلُهُ وَبَعْدَ مَا عُزِلَ لَمْ يَلْزَمْ الْإِعْلَامُ ) كَذَا لَوْ عَادَ إلَى الْوِلَايَةِ لَا يَعُودُ الْيَمِينُ لِسُقُوطِهَا كَذَا فِي
الْفَتْحِ
( وَالضَّرْبُ وَالْكِسْوَةُ وَالْكَلَامُ وَالدُّخُولُ عَلَيْهِ ) مُقَيَّدٌ ( بِالْحَيَاةِ ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ عَلَى ضَرْبِ فُلَانٍ أَوْ كِسْوَتِهِ أَوْ الْكَلَامِ مَعَهُ أَوْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِحَيَاتِهِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَكُونُ بَارًّا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ وَالْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ يُوضَعُ فِيهِ قَدْرٌ مِنْ الْحَيَاةِ وَكَذَا الْكِسْوَةُ إذْ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ فِي الْمَيِّتِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ السِّتْرَ وَكَذَا الْكَلَامُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ وَكَذَا الدُّخُولُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ زِيَارَتُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُزَارُ قَبْرُهُ لَا هُوَ ( لَا الْغُسْلُ ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ عَلَى غُسْلِ فُلَانٍ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَيَاتِهِ لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَمَعْنَاهُ التَّطْهِيرُ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ ( وَالْقَرِيبُ ) مُقَيَّدٌ ( بِمَا دُونَ الشَّهْرِ فِي لِيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَالشَّهْرُ ) وَمَا زَادَ عَلَيْهِ ( بَعِيدٌ ) وَلِهَذَا يُقَالُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ مَا لَقِيتُك مُنْذُ شَهْرٍ
( قَوْلُهُ وَالضَّرْبُ وَالْكِسْوَةُ
إلَخْ ) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُلِذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيُسِرُّ يَقَعُ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ الْمَمَاتِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْجِمَاعِ وَالْكِسْوَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ التَّقْبِيلُ إذَا حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ إنْ عَقَدَ عَلَى تَقْبِيلِ مُلْتَحٍ يَحْنَثُ أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ أَيْ التَّقْبِيلُ عَلَى الْوَجْهِ ا هـ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( تَنْبِيهٌ ) : الْكَلَامُ مِنْ حَلِفِ الْقَوْلِ لَا الْفِعْلِ فَذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادًا ( قَوْلُهُ وَالْقَرِيبُ مُقَيَّدٌ بِمَا دُونَ الشَّهْرِ ) كَذَا الْعَاجِلُ فَلَا يَحْنَثُ إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَأَمَّا إنْ نَوَى بِالْقَرِيبِ وَنَحْوِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَتَّى لَوْ نَوَى سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ صَحَّتْ وَكَذَا إلَى آخِرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَأَوَّلُ الشَّهْرِ قَبْلَ مُضِيِّ النِّصْفِ وَغُرَّةُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الْأُولَى مَعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لُغَةً وَالسَّلْخُ لُغَةً مِنْ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ إلَى الْآخَرِ وَعُرْفًا مِنْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَرَأْسُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الْهِلَالِ وَإِذَا أَهَّلَ الْهِلَالُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَعَلَى اللَّيْلَةِ الَّتِي تُهِلُّ وَيَوْمِهَا وَإِنْ نَوَى السَّاعَةَ الَّتِي يُهِلُّ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ ، وَآخِرُ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلُ آخِرِهِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ فَهُوَ عَلَى نِصْفِهَا وَإِلَى صَفَرٍ لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
( مَدُّ شَعْرِهَا وَخَنْقُهَا وَعَضُّهَا كَضَرْبِهَا ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِيلَامُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي حَالِ الْمُلَاعَبَةِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُمَازَحَةً لَا ضَرْبًا
( قَالَ ) لِامْرَأَتِهِ ( إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك فَهَدْيٌ ) أَيْ فَاللِّبَاسُ صَدَقَةٌ يُتَصَدَّقُ بِهَا فِي مَكَّةَ ( فَاشْتَرَى ) الزَّوْجُ ( قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ ) الْمَرْأَةُ ( وَنُسِجَ ) وَخِيطَ ( وَلَبِسَ ) الزَّوْجُ ( فَهُوَ ) أَيْ اللِّبَاسُ ( هَدْيٌ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ حَتَّى تَغْزِلَهُ مِنْ قُطْنٍ مَلَكَهُ يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافٍ إلَى سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَغَزْلَ الْمَرْأَةِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِهِ ، وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ سَبَبُ مِلْكِهِ وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ النَّذْرِ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يُذْكَرْ حَتَّى إذَا ذُكِرَ بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَقَالَ إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك مِنْ قُطْنِي فَهَدْيٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَيْهَا وَقَالَ إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك مِنْ قُطْنِك لَمْ يَكُنْ هَدْيًا بِالْإِجْمَاعِ
( قَوْلُهُ مِنْ غَزْلِك ) أَيْ مَغْزُولِك ( قَوْلُهُ فَهُوَ هَدْيٌ ) أَيْ عَلَيْهِ إهْدَاؤُهُ إلَى مَكَّةَ وَقَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ مَا لَا يُنْقَلُ كَالدَّارِ فَهُوَ نَذْرٌ بِقِيمَتِهَا وَإِنْ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ فَلَا يَجْزِيهِ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَتِهِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ فَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ا هـ .
وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى مُفَارَقَتِهِ الصَّدَقَةَ بِمَكَّةَ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْهَدْيِ خَاصٌّ بِمَا يَكُونُ بِمَكَّةَ وَالصَّدَقَةُ لَا تَخْتَصُّ بِهَا ( قَوْلُهُ مِنْ قُطْنٍ مَلَكَهُ يَوْمَ حَلَفَ ) يَعْنِي وَقْتَ حَلَفَ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْوَاجِبُ فِي دِيَارِنَا أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْزِلُ إلَّا مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا فَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمُلْكِهِ لِلْمَغْزُولِ عَادَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ سَبَبُ مِلْكِهِ
إلَخْ ) مَعْنَى كَوْنِهِ سَبَبًا كَوْنُهُ كُلَّمَا وَقَعَ ثَبَتَ الْحُكْمُ عَنْهُ وَكَوْنُ الْغَزْلِ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ يَسْتَلْزِمُهُ كَوْنُهُ كُلَّمَا وَقَعَ ثَبَتَ عِنْدَهُ مِلْكُ الزَّوْجِ فِي الْمَغْزُولِ وَلِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ التَّسَرِّي حَيْثُ لَا يَحْنَثُ فِيهَا بِالشِّرَاءِ بَعْدَ الْحَلِفِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى التَّسَرِّي لَيْسَ إضَافَةً إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ التَّسَرِّي أَثَرًا لَهُ بَلْ هُوَ أَيْ الْمِلْكُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَيْ التَّسَرِّي كَذَا فِي الْفَتْحِ
( عِقْدُ لُؤْلُؤٍ لَمْ يُرَصَّعْ وَخَاتَمُ ذَهَبِ حُلِيٌّ لَا خَاتَمُ فِضَّةٍ ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ غَيْرُ مُرَصَّعٍ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حُلِيٌّ حَقِيقَةً حَتَّى سُمِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُتَحَلَّى بِهِ عُرْفًا إلَّا مُرَصَّعًا وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّيَ بِهِ مُنْفَرِدًا مُعْتَادٌ ، وَإِنْ تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ ذَهَبٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ حُلِيٌّ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ وَإِنْ تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا حَتَّى أُبِيحَ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ
قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ .
وَفِي الْكَافِي قَوْلُهُمَا أَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّي بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ عِقْدَ زَبَرْجَدٍ أَوْ زُمُرُّدٍ غَيْرَ مُرَصَّعٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ لَا يَحْنَثُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ خَاتَمَ الْفِضَّةِ إذَا صُبِغَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ ذَا فَصٍّ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ .
وَقَيَّدَ بِالْخَاتَمِ لِأَنَّهُ لَوْ لَبِسَ سِوَارًا أَوْ خَلْخَالًا أَوْ قِلَادَةً أَوْ قِرْدًا أَوْ دُمْلُوجًا حَنِثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَلَوْ مِنْ فِضَّةٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ
( حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَنَامَ عَلَى فِرَاشٍ فَوْقَهُ أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَهُ لَمْ يَحْنَثْ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ فَقَطَعَ النِّسْبَةَ عَنْ الْأَوَّلِ ( وَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِبَاسُهُ ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ( أَوْ جُعِلَ عَلَى الْفِرَاشِ قِرَامٌ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ ) فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ ( حَنِثَ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ لِبَاسَهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعَدُّ حَائِلًا ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْقِرَامَ تَبَعٌ لِلْفِرَاشِ فَيُعَدُّ نَائِمًا عَلَيْهِ ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ عَلَى حَصِيرٍ فَوْقَ السَّرِيرِ جُلُوسٌ عَلَى السَّرِيرِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ مِنْ تَنْكِيرِ سَرِيرٍ كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ إذْ عَلَى هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ فَوْقَهُ سَرِيرٌ آخَرُ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا فِي الْمُعَيَّنِ بَلْ الصَّوَابُ مَا فِي الْكَافِي مِنْ تَعْرِيفِ السَّرِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ
( قَوْلُهُ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَنَامَ عَلَى فِرَاشٍ فَوْقَهُ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَرَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نَائِمًا عَلَى فِرَاشَيْنِ فَلَمْ تَنْقَطِعْ النِّسْبَةُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لَيْسَ تَبَعًا لِمِثْلِهِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَضُرُّنَا نَفْيُهُ فِي الْفِرَاشَيْنِ بَلْ كُلُّ أَصْلٍ بِنَفْسِهِ وَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِتَعَارُفِ قَوْلِنَا نَامَ عَلَى فِرَاشَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُمَاسَّهُ إلَّا الْأَعْلَى ا هـ .
( قَوْلُهُ قِرَامٌ ) هُوَ السِّتْرُ الْمُنَقَّشُ وَالْقَرْمَةُ الْمَحْبِسُ وَهُوَ مَا يَبْسُطُ فَوْقَ الْمِثَالِ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ
( لَا يَفْعَلُهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ( وَيَفْعَلُهُ ) يَقَعُ ( عَلَى مَرَّةٍ ) لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ ( بِعَلَيَّ الْمَشْيُ ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ ( إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْكَعْبَةِ ) سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا ( يَجِبُ عَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَدَمٌ إنْ رَكِبَ ) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِالْتِزَامِهِ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاجِبَةٍ وَلَا مَقْصُودَةٍ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ بِالْأَثَرِ فَإِنَّهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( لَا شَيْءَ بِعَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَالْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ) لِأَنَّ الْتِزَامَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ
( قَوْلُهُ وَبِفِعْلِهِ يَقَعُ عَلَى مَرَّةٍ ) قَالَ الْكَمَالُ سَوَاءٌ كَانَ مُكْرَهًا فِيهِ أَوْ نَاسِيًا أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا وَإِذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْفِعْلِ بِمَوْتِ الْحَالِفِ أَوْ فَوَاتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً مِثْلَ لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ سَقَطَتْ بِفَوَاتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا سَلَفَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ حَنِثَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ ا هـ .
( قَوْلُهُ بِعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ ) قَالَ الْكَمَالُ أَيْ إذَا أَرَادَ بِهِ الْكَعْبَةَ وَلَوْ أَرَادَ بَعْضَ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَوْلُهُ أَوْ الْكَعْبَةُ ) كَذَا عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَوْ بِمَكَّةَ بِالْبَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ مَاشِيًا ) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ عَلَى الرَّاجِحِ لَا مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِذَا كَانَ النَّاذِرُ بِمَكَّةَ اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِ الْمَشْيِ حَالَ ذَهَابِهِ إلَى الْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَتَجَاوَزَ الْحَرَمِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ قَالَ الْكَمَالُ وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي لُزُومَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ بَلْدَتِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَدَمٌ إنْ رَكِبَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا ا هـ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ ( قَوْلُهُ لَكِنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ بِالْأَثَرِ فَإِنَّهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَالَ مُحَمَّد رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ مَاشِيًا حَجَّ وَرَكِبَ وَذَبَحَ شَاةً
لِرُكُوبِهِ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَلَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِمَا نَحْنُ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ مَاشِيًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَقَالَ آخَرُونَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَجَابَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً وَهَذَا مُطَابِقٌ وَقَدْ رَوَى شَيْخِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ { أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ } ا هـ .
( قُلْت ) الْمُطَابِقُ وَمَا بَعْدَهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ فَالْمُدَّعَى أَعَمُّ وَيَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ التَّخْيِيرِ مَا قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ وَأَنَّهَا أَيْ أُخْتُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ أَيْ الْمَشْيَ قَوْلُهُ أَوْ الْمَشْي إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ
( قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ ) الْعَبْدُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْتِقُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ وَلَهُمَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ إذْ لَا مُطَالِبَ لَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ غَايَتُهُ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْفُرُوعِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّفْيَ إذَا كَانَ مَحْصُورًا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ كَانَ مِثْلَ الْإِثْبَاتِ
( وَفِي لَا يَصُومُ حَنِثَ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بِنِيَّتِهِ ) يَعْنِي حَلَفَ بِأَنَّهُ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَصَامَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ يَوْمِهِ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ فِي النَّهَارِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ ( وَلَوْ ضَمَّ يَوْمًا أَوْ صَوْمًا لَا ) يَحْنَثُ ( حَتَّى يُتِمَّ يَوْمًا ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّوْمُ التَّامُّ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا وَذَلِكَ بِإِتْمَامِهِ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ .
( وَفِي لَا يُصَلِّي ) حَنِثَ ( بِرَكْعَةٍ لَا بِمَا دُونَهَا ) يَعْنِي لَا يَحْنَثُ بِالْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ وَإِنْ سَجَدَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ قَطَعَ حَنِثَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالِافْتِتَاحِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمُخْتَلِفَةِ فَمَا لَمْ يَأْتِ بِكُلِّهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَيَتَكَرَّرُ فِي بَاقِي الْأَجْزَاءِ ( وَلَوْ ضَمَّ صَلَاةً فَبِشَفْعٍ لَا أَقَلَّ ) إذْ يُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ
( قَوْلُهُ وَفِي لَا يَصُومُ حَنِثَ بِصَوْمِ سَاعَةٍ ) نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي الْمَاضِي كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَفِي لَا يُصَلِّي بِرَكْعَةٍ ) شَامِلٌ لِحِنْثِهِ بِالصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَلَوْ قَيَّدَ بِذَكَرِ الرَّكْعَةِ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدَةِ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَمِثْلُهُ فِي قَاضِي خَانْ وَالْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ صَلَّيْتُ رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَتَقَ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا نَهْيًا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لَوْ فُعِلَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى شَفْعًا ا هـ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ ضَمَّ صَلَاةً فَبِشَفْعٍ ) اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ حِنْثِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ النَّفْلِ وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْأَرْكَانَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الْخَمْسَةُ وَالْقَعْدَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَحَرَّرَ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِلْحَتْمِ فَلَا تُعْتَبَرُ رُكْنًا فِي حَقِّ الْحِنْثِ وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَقْعُدَ كَمَا فِي الْفَتْحِ
( وَبِإِنْ وَلَدْتِ فَأَنْتِ كَذَا ) يَحْنَثُ ( بِوَلَدٍ مَيِّتٍ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا لِأَنَّ الْمَوْلُودَ وَلَدٌ حَقِيقَةً ، وَيُسَمَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى يَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ .
( وَفِي إنْ وَلَدْت ) وَلَدًا ( فَهُوَ ) أَيْ الْوَلَدُ ( حُرٌّ عَتَقَ الْحَيُّ إنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ حَيًّا ) عِنْدَهُ وَقَالَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ كَمَا ذَكَرْنَا فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَلَهُ أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْوَلَدِ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ إذْ لَوْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ لَغَا لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ جَزَاءً وَهِيَ لَا تَثْبُتُ فِي الْمَيِّتِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحْ لِلتَّقْيِيدِ
( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ ) يَعْنِي وَكَذَا يَحْنَثُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ
إلَخْ وَلَيْسَتْ الْإِشَارَةُ لِلطَّلَاقِ كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَالْمُصَنِّفُ شَرَحَ مَتْنَهُ بِعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَمَتْنُهُ أَوْلَى كَالْكَنْزِ وَشَرَحَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ ) الضَّمِيرُ لِلْجَزَاءِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَيْ الْجَزَاءَ وَقَوْلُهُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ يَعْنِي لَا يَفْتَقِرُ الْجَزَاءُ لِلتَّقْيِيدِ بِحَيَاةِ الْوَلَدِ لِاسْتِغْنَاءِ الْأُمِّ عَنْ حَيَاتِهِ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا الْوِلَادَةَ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ
( وَفِي لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ وَقَضَاهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً أَوْ بَاعَهُ بِهِ شَيْئًا وَقَبَضَهُ بَرَّ ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ ثُمَّ وَجَدَ فُلَانٌ بَعْضَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الزِّيَافَةَ عَيْبٌ وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْبِرِّ وَكَذَا الْبَهْرَجَةُ وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهِ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِنْ الدَّائِنِ عَبْدًا بِدَيْنِهِ وَقَبَضَهُ بَرَّ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقَةُ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِالْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الْقَبْضَ لِيَتَقَرَّرَ الْقَضَاءُ بِهِ ( وَلَوْ كَانَ ) مَا قَضَاهُ ( سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا أَوْ وَهَبَهُ ) أَيْ الدَّائِنُ الدَّيْنَ ( لَهُ ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ ( لَا ) أَيْ لَا يَبْرَأُ أَمَّا السَّتُّوقَةُ وَالرَّصَاصُ فَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَأَمَّا الْهِبَةُ فَلِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ
( قَوْلُهُ وَفِي لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ
إلَخْ ) كَذَا الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ رَبُّ الدَّيْنِ فَقَالَ إنْ لَمْ أَقْبِضْ مَا لِي عَلَيْك الْيَوْمَ أَوْ إنْ لَمْ اسْتَوْفِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ أَوْ بَاعَهُ بِهِ شَيْئًا وَقَبَضَهُ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ الْقَبْضُ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْقَبْضَ قَوْلُهُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِالْبَيْعِ ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ تَحَقَّقَتْ الْمُقَاصَّةُ ( قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الْقَبْضَ لِتَقَرُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْقَبْضِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا وَإِنَّمَا نَصَّ مُحَمَّدٍ عَلَى الْقَبْضِ تَأْكِيدًا لِلْبَيْعِ لِيَتَقَرَّرَ الدَّيْنُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَإِنْ وَجَبَ بِالْبَيْعِ لَكِنَّهُ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ لِجَوَازِ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ اشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرَطَ الْبِرَّ ا هـ .
( قَوْلُهُ لَا أَيْ لَا يَبَرُّ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحِنْثِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ فِي إعْطَاءِ السَّتُّوقَةِ وَالرَّصَاصِ لِكَوْنِ الْيَمِينِ مُؤَقَّتَةً بِالْيَوْمِ وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ إذَا وَهَبَهُ وَكَانَتْ الْيَمِينُ مُقَيَّدَةً وَقَبِلَ الْهِبَةَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لَمْ يَبَرَّ وَلَمْ يَحْنَثْ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ارْتِفَاعَ النَّقِيضَيْنِ وَهُمَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ لِأَنَّ النَّقِيضَيْنِ اللَّذَيْنِ يَجِبُ صِدْقُ أَحَدِهِمَا دَائِمًا فِي الْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ كَوُجُودِ زَيْدٍ وَعَدَمِهِ أَمَّا فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا مَا دَامَ السَّبَبُ قَائِمًا فَإِذَا فُرِضَ انْتِفَاؤُهُ انْتَفَى الْحِنْثُ وَالْبِرُّ وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ فِي الْيَمِينِ