كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو
بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا كَمُسَافِرٍ أَقَامَ وَحَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ طَهُرَتْ وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ وَمَرِيضٍ صَحَّ وَصَبِيٍّ بَلَغَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَكُلُّهُمْ يَقْضُونَ إلَّا الْأَخِيرَيْنِ ) يَعْنِي صَبِيًّا وَكَافِرًا أَسْلَمَ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ صَارَ عَلَى حَالَةٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ وَتَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ كَمَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْضِ الْأَخِيرَانِ ، وَإِنْ أَفْطَرَا ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْيَوْمِ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهَا هُوَ الْجُزْءُ الْمُقَارَنُ بِالْأَدَاءِ أَوْ جُزْءٌ يَسَعُ مَا بَعْدَهُ الطَّهَارَةَ وَالتَّحْرِيمَةَ .
( قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا
إلَخْ ) أَقُولُ وَسَوَاءً بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَالْخَبَرُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ } ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ نَاسِيًا فَظَنَّ الْفِطْرَ ثُمَّ جَامَعَ عَامِدًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَصْبَحَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فَإِنْ نَوَاهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
وَكَذَا لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ لَوْ كَانَ أَوَّلَ الْيَوْمِ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لَكِنَّهُ إذَا أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ الْمُبِيحِ ( قَوْلُهُ أَوْ اسْتَعَطَ ) بِفَتْحِ التَّاءِ ، وَلَا يُقَالُ بِضَمِّهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ( قَوْلُهُ أَيْ صَبَّ الدَّوَاءَ فِي أَنْفِهِ ) هَذَا تَفْسِيرُ السَّعُوطِ ، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي إقْطَارِ الْمَاءِ فِي الْأُذُنِ لَا يَخْتَصُّ السَّعُوطُ بِالدَّوَاءِ فِي الْحُكْمِ ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ اسْتَعَطَ شَيْئًا فَدَخَلَ دِمَاغَهُ أَفْطَرَ ا هـ
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى دِمَاغِهِ أَفْطَرَ .
( تَنْبِيهٌ ) : قَالَ قَاضِي خَانْ : الْحُقْنَةُ تُوجِبُ الْقَضَاءَ ، وَكَذَا السُّعُوطُ وَالْوُجُورُ وَالْقُطُورُ فِي الْأُذُنِ أَمَّا الْحُقْنَةُ وَالْوُجُورُ ؛ فَلِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَفِي الْقُطُورِ وَالسُّعُوطِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الرَّأْسِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي السُّعُوطِ وَالْوُجُورِ وَالْحُقْنَةِ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَكْلِ
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْإِفْطَارِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ ا هـ .
كَمَا فِي الْكَافِي أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْإِفْطَارِ صُورَةً وَهُوَ الِابْتِلَاعُ مَعَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ نَفْعُ الْجَسَدِ بَلْ أَحَدُهُمَا وَهُوَ النَّفْعُ وَبِهِ لَا يَجِبُ إلَّا الْفِطْرُ دُونَ الْكَفَّارَةِ ( قَوْلُهُ أَيْ دُهْنًا ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ ( قَوْلُهُ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً ) هِيَ مَا تَكُونُ فِي اللَّبَّةِ وَالْعَانَةِ وَلَا تَكُونُ فِي الْعُنُقِ وَالْحَلْقِ قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ( قَوْلُهُ فَوَصَلَ أَيْ الدَّوَاءُ ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْيَابِسَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالرَّطْبِ كَالْقُدُورِيِّ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ لَا لِكَوْنِهِ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا ، وَإِنَّمَا شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَقُولُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا يُقَيَّدُ بِالرَّطْبِ ؛ لِأَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَرْقًا بَيْنَ الدَّوَاءِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ ا هـ .
وَيُعَلَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّ الدَّوَاءَ الْيَابِسَ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ لَمْ يَصِلْ لَا يَفْسُدُ ا هـ .
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُصَفَّى ( قَوْلُهُ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُتَغَذَّى وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، وَفِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فُرُوعًا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا ، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ أَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَاءً أَكَلَ قَبْلَ
الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَالَ إنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ ) وَفَسَادُ الصَّوْمِ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْكَافِي ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْتَلِعْهُ بِأَنْ دَخَلَ بِنَفْسِهِ أَمَّا لَوْ دَخَلَ الْمَطَرُ فَابْتَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ أَوْ وَطِئَ مَيِّتَةً ) أَقُولُ أَمَّا إذَا وَطْءُ صَغِيرَةٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَلَمْ يَفُضَّهَا يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ .
ا هـ .
وَلَوْ أَدْخَلَ الْأُصْبُعَ فِي دُبُرِهِ أَوْ فَرْجِهَا الدَّاخِلِ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقِيلَ : يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَالْقَضَاءُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ جُنَّتْ فِي النَّهَارِ ، وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا رَجُلٌ ) أَيْ ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فُعِلَ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْكَافِي تَأْوِيلُ الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ تُفِيقَ فَلَا يَسْتَوْعِبُ جُنُونُهَا الشَّهْرَ فَصَارَ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْمَجْنُونَةُ فَقَالَ : لَا بَلْ الْمَجْبُورَةُ أَيْ الْمُكْرَهَةُ فَقُلْت : أَلَا تَجْعَلُهَا مَجْبُورَةً فَقَالَ بَلَى ثُمَّ قَالَ كَيْفَ ، وَقَدْ سَارَتْ بِهَا الرُّكْبَانُ ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيلِ ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَجْبُورَةِ بِمَعْنَى الْمُجْبَرَةِ ضَعِيفٌ ا هـ .
أَيْ ضَعِيفٌ لَفْظًا صَحِيحٌ حُكْمًا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِهَذَا لَمْ يَسْتَقِمْ ظَاهِرُهُ ؛ لِأَنَّهَا كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً ، وَهِيَ مَجْنُونَةٌ أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِهَذَا ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ حَالَ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ جُنَّتْ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مُفْسِدٌ لَا تَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي
نَوَتْهُ كَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ نَوَى ( قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ ) أَيْ أَكَلَ السَّحُورَ بِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ السُّحُورَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ الثَّانِي إلَى الْفَجْرِ وَقَالَ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ فَأُطْلِقَ عَلَى مَا يَقْرُبُ مِنْهُ ا هـ .
ثُمَّ السُّحُورُ مُسْتَحَبُّ لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً } قِيلَ : الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ قَالَ الْكَمَالُ ، وَلَا مُنَافَاةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ ، وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السُّحُورِ بَرَكَةٌ بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمُ الْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّحُورِ إلَى مَا لَمْ يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ : تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ وَالسِّوَاكُ } ( قَوْلُهُ يَظُنُّ الْيَوْمَ لَيْلًا ) الظَّنُّ قَيْدٌ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ إذْ لَا يَكْفِي فِيهِ الشَّكُّ وَلَيْسَ الظَّنُّ قَيْدًا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ الشَّكُّ كَافٍ لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا ( قَوْلُهُ أَيْ فَعَلَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ ) أَيْ الْفِطْرَ وَالسُّحُورَ يَظُنُّ الْوَقْتَ لَيْلًا وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ قَضَى فَقَطْ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطِ الْقَوْلِ لِيَتَّضِحَ أَمَّا فِي السُّحُورِ فَحَلَّ الْقَضَاءُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا
طَلَعَ الْفَجْرُ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ ، وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ السَّحُورِ ، وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الطُّلُوعَ وَقْتَ أَكْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ : أَسَاءَ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْفَجْرَ ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ فَإِنْ أَكَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ : يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَمَا نَقَلَهُ بِصِيغَةِ قِيلَ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ ، وَإِنْ أَكَلَ ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ الرَّأْيِ ، وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْعَمْدِيَّةُ ا هـ .
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ بِصِيغَةِ قِيلَ : وَإِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي ؛ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ نَقَلَ تَصْحِيحَهَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْإِيضَاحِ ، وَتَحْقِيقُ الدَّلِيلِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ ، وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لُزُومُهَا قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
ا هـ .
وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ
أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَمْسَةَ أَحْكَامٍ : فَسَادَ الصَّوْمِ وَالْكَفَّارَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَوُجُوبَ الْإِمْسَاكِ وَعَدَمَ الْإِثْمِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ أَيْ لُزُومًا وَعَدَمًا لِتَكْمُلَ الْخَمْسَةُ ( قَوْلُهُ كَمُسَافِرٍ ) أَيْ فِي رَمَضَانَ أَقَامَ أَيْ بَعْدَ فَوَاتِ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَمَا أَكَلَ أَمَّا لَوْ قَدِمَ قَبْلَهُمَا فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَمَا نَوَى لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ لِلشُّبْهَةِ ، وَلَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ فَنَوَتْ لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لَا فَرْضًا ، وَلَا نَفْلًا لِوُجُودِ الْمُنَافِي أَوَّلَ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ كَذَا فِي الْجَوْهَرِيِّ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ النُّفَسَاءَ مِثْلُ الْحَائِضِ ( قَوْلُهُ وَمَجْنُونٌ أَفَاقَ ) يَعْنِي بَعْدَ فَوَاتِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ أَفَاقَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ تَعَاطَى مُفْطِرًا فَنَوَى الصَّوْمَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فَكَانَ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ كَوُجُودِهَا فِي الْكُلِّ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْمُبْتَغَى ( قَوْلُهُ وَصَبِيٌّ بَلَغَ ) أَقُولُ ، وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ كَانَ نَفْلًا لَا فَرْضًا وَفُرِّقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَعَدَمِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ ( قَوْلُهُ وَكَافِرٌ أَسْلَمَ ) أَقُولُ ، وَهُوَ كَالصَّبِيِّ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْكُفْرُ وَالصِّبَا قَبْلَ الزَّوَالِ لَزِمَ الْقَضَاءُ وَلِإِدْرَاكِ وَقْتِ النِّيَّةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَقْتَ النِّيَّةِ وَنَوَى النَّفَلَ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ
الْقَضَاءُ خِلَافًا لِزُفَرَ ؛ لِأَنَّ مَا قِيلَ : الزَّوَالُ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ فَكَذَا فِي حُكْمِ الْأَهْلِيَّةِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّشَبُّهُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ التَّشَبُّهِ لِمَنْ أَفْطَرَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَمَضَانُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ
وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ جَامَعَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَضَائِهِ ( أَوْ جُومِعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً ) احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ ( عَمْدًا ) قَيْدٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ جَامَعَ إلَى هُنَا ( أَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّهُ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ عَمْدًا قَضَى وَكَفَّرَ ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ ، وَإِنْ جَامَعَ
إلَخْ ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي صُورَةِ الِاحْتِجَامِ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ } وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِفَسَادِ صَوْمِهِ فَحِينَئِذٍ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِفَتْوَى الْمُفْتِي فَتَصِيرُ الْفَتْوَى شُبْهَةً فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فِي نَفْسِهَا ، وَإِنْ كَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } وَاعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكُونُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ قَوْلِ الْمُفْتِي ، وَهُوَ إذَا صَلَحَ عُذْرًا فَقَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ أَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ آخَرَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَيْ ذَهَبَ ثَوَابُ صَوْمِهِمَا بِالْغِيبَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَوَّى بَيْنَ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُ الْحَاجِمِ ( كَالْمُظَاهِرِ ) وَكَفَّارَتُهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا .
( قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ ) أَيْ عَمْدًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ فَإِنْ بَدَأَ بِهِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ ، وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ قِيلَ : لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ ، وَلَوْ جَامَعَ عَمْدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ ثُمَّ أَنْزَلَ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَا يَفْسُدُ كَالِاحْتِلَامِ ا هـ .
وَمَحَلُّ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ فِيمَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَمْ يَطْرَأْ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ فَإِذَا نَوَاهُ نَهَارًا ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْمُبْتَغَى وَالْجَوْهَرَةِ ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ ، وَلَوْ أَكْرَهَتْهُ زَوْجَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَذَا لَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ ، وَقَدْ طَاوَعَتْ زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَكَذَا تَسْقُطُ لَوْ مَرِضَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بَعْدَ الْجِمَاعِ ، وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى ، وَلَوْ سَافَرَ أَوْ سُوفِرَ بِهِ كَرْهًا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَسْقَطَهَا زُفَرُ ، وَهِيَ رِوَايَةٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ) تَنَازَعَ فِيهِ جَامَعَ وَجُومِعَ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا ، وَعَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَامِلَةٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ غِذَاءً ) أَيْ مَا يُتَغَذَّى بِهِ
اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ : أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ وَتَنْقَضِيَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى هَذَا الْوَرَقُ الْحَبَشِيُّ وَالْحَشِيشَةُ وَالْقِطَاطُ إذَا أَكَلَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْبَدَنِ وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ وَيُنْقِصُ عَقْلَهُ ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَجِبُ ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ إذَا مَضَغَ لُقْمَةً بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَابْتَلَعَهَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ بَعْدَمَا تَذَكَّرَ ثُمَّ أَعَادَهَا فَابْتَلَعَهَا فَلَا كَفَّارَةَ ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي فَمِهِ يَتَلَذَّذُ بِهَا ، وَإِذَا أَخْرَجَهَا صَارَتْ بِحَالٍ تُعَافُ .
وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
وَمَسْأَلَةُ بُزَاقِ الصَّدِيقِ لَا تَتَمَشَّى عَلَى تَفْسِيرِ التَّغَذِّي الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ( قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ ) أَقُولُ وَذَلِكَ كَالسَّفَرْجَلِ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ وَهُوَ غَيْرُ مَطْبُوخٍ وَالْجَوْزَةُ الرَّطْبَةُ وَالطِّينُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ فَإِنْ كَانَ يُعْتَادُ أَكْلُ هَذَا الطِّينِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَدْ أَكْلُهُ لَا كَفَّارَةَ بِهِ وَفِي الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ يُكَفِّرُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلدَّوَاءِ وَفِي الْمِلْحِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُخْتَارِ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ فِي الْمُبْتَغَى : تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلِ الْمِلْحِ
الْقَلِيلِ لَا الْكَثِيرِ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا تَنَاوَلَ الْكَثِيرَ دُفْعَةً فَأَمَّا إذَا تَنَاوَلَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا رُبَّمَا يُقَالُ إنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَى انْتِهَاءِ الْفِعْلِ فَيَكُونُ التَّنَاوُلُ كَأَنَّهُ حَصَلَ بِمَرَّةٍ فَلْيُنْظَرْ ( قَوْلُهُ أَوْ احْتَجَمَ
إلَخْ ) أَقُولُ ، وَكَذَا إذَا أَكَلَ بَعْدَ مَا اغْتَابَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ أَيْ سَوَاءً بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ أَوْ لَمْ يُفْتَ ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِالْغِيبَةِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْحَدِيثَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ } مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الثَّوَابِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ مِثْلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ ، وَلَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ احْتَلَمَ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَكْلَ نَاسِيًا لَا يُفَطِّرُهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ ، وَإِنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْمُرَادُ بِهِ فَقِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ ا هـ .
قَالَ
الْكَمَالُ كَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَاعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ ) يَعْنِي وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِتَأْوِيلِهِ وَهُوَ عَامِّيٌّ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ
إلَخْ قَالَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُسْقِطُهَا ؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ ، وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ ثُمَّ أَكَلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ ا هـ .
( ذَرَعَهُ ) أَيْ غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ ( قَيْءٌ طَعَامٌ أَوْ مَاءٌ أَوْ مَرَّةً وَخَرَجَ لَمْ يُفْطِرْ مُلَاءُ الْفَمِ أَوْ لَا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ وَيَسْتَوِي فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ ( فَإِنْ مَلَأَهُ ) أَيْ الْفَمِ ( وَعَادَ وَهُوَ ذَاكِرٌ ) أَنَّهُ صَائِمٌ ( لَمْ يُفْطِرْ فِي الصَّحِيحِ ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ إذْ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْإِفْطَارِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ ، وَلَا مَعْنَاهُ إذْ لَا يُتَغَذَّى بِهِ عَادَةً ( أَوْ أَعَادَ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ ) لِوُجُودِ الْإِدْخَالِ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَيَتَحَقَّقُ صُورَةُ الْإِفْطَارِ ( وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ فَاهُ لَمْ يُفْطِرْ ) لِمَا رَوَيْنَا ( وَإِنْ أَعَادَ فِي الصَّحِيحِ ) فَإِنَّهُ إذَا أَعَادَ الْقَلِيلَ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ ، وَلَا يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( اسْتَقَاءَ مِلْءَ الْفَمِ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ ) لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيعُ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْقَيْءِ ( أَوْ أَقَلَّ ) مِنْ مِلْءِ فَمِهِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِ التَّفْرِيعُ الْمَذْكُورُ ( وَلَا ) يُفْطِرُ ( فِي الصَّحِيحِ ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ ؛ وَلِذَا قَالَ ( فَإِنْ عَادَ ) الْقَيْءُ بِفِيهِ ( لَمْ يُفْطِرْ ) لِمَا ذَكَرْنَا ( أَوْ أَعَادَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ) فِي رِوَايَةٍ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ ، وَفِي أُخْرَى يُفْطِرُ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ ( وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَلَا يُفْطِرُ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُفْطِرُ إذَا كَانَ مِلَاءَ الْفَمِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ .
( قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ) أَقُولُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ لَمْ يُفْطِرْ ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ مِلَاءُ الْفَمِ أَوْ لَا لَكِنَّهُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، وَإِنْ أَعَادَ فِي الصَّحِيحِ فَلَوْ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ أَعَادَ مَا ذَرَعَهُ وَلَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ لَمْ يُفْطِرْ فِي الصَّحِيحِ لَكَانَ أَوْلَى ا هـ .
وَبَقِيَ مَا لَوْ عَادَ الْقَلِيلُ بِلَا صُنْعِهِ ، وَلَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالصُّنْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ وَيَسْتَوِي فِيهِ مَلْءُ الْفَمِ وَدُونَهُ ) أَقُولُ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا لَوْ اسْتَقَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ إنَّمَا تَصْحِيحُ بَعْضِهِمْ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ أَوْ أَقَلّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ ) أَيْ إذَا اسْتَقَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ .
وَفِي الْكَافِي هُوَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُفْطِرُ فِي الصَّحِيحِ ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ا هـ .
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَيْضًا فَقَالَ قَوْلُهُ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ ، .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَفْسُدُ صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَعَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقُ فِيهَا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ أَوْ عَادَ ) أَيْ مَا اسْتَقَاءَهُ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ ) كَذَا قَالَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هُنَا
أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ أَيْ فَقَوْلُهُمَا هُنَاكَ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ إنَّمَا أُنِيطَ بِمَا يَدْخُلُ وَبِالْقَيْءِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَلَا فَرْقَ بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ ا هـ .
قُلْتُ وَالْخِلَافُ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِالْبَلْغَمِ فِيمَا إذَا صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ لَا فِي النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ فَكَذَلِكَ هُنَا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ
( أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِثْلَ حِمَّصَةٍ قَضَى ) ، وَلَا كَفَّارَةَ ( وَفِي الْأَقَلِّ لَا إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ فَأَكَلَ ، أَكَلَ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ يُفْطِرُ إلَّا إذَا مَضَغَهُ ) بِحَيْثُ تَلَاشَتْ .
( قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِثْلَ حِمَّصَةٍ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةُ الْفَاصِلُ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ بِخِلَافِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَلِيلِ ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ مَعْفُوٌّ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مَعْفُوًّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَقَدْرُ الْحِمَّصَةِ لَا يَبْقَى فِي فُرَجِ الْأَسْنَانِ غَالِبًا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالرِّيقِ فَصَارَ كَثِيرًا ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ : وَالْفَاصِلُ فِي مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ بَيْنَ أَسْنَانِهِ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ مَا ذَكَرُوهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّقْدِيرِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ الِابْتِلَاعُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ عَلَامَةُ الْكَثِيرِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ عَلَامَةُ الْقَلِيلِ ا هـ .
قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ حَسَنٌ وَذَكَرَ وَجْهَهُ ( قَوْلُهُ قَضَى ، وَلَا كَفَّارَةَ ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ فَصَارَ نَظِيرَ التُّرَابِ وَزُفَرُ يَقُولُ بَلْ نَظِيرَ اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَفِيهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قَالَ الْكَمَالُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ فِي مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيُنْظَرُ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أُخِذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ أُخِذَ بِقَوْلِ زُفَرَ ا هـ .
وَقَدَّمْنَا عَنْ الْكَمَالِ عَدَمَ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِبَلْعِ بُزَاقِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَشَمِلَ بُزَاقَ حَبِيبِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ رَمَزَ لَهُ فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ ابْتَلَعَ بُزَاقَ حَبِيبِهِ لَا كَفَّارَةَ ثُمَّ رَمَزَ لِلْمُحِيطِ وَقَالَ
كَفَّرَ ا هـ .
وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِبُزَاقِ الْحَبِيبِ قَوْلُ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى ( قَوْلُهُ وَفِي الْأَقَلِّ لَا ) أَيْ لَا قَضَاءَ إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ فَأَكَلَ فَيَقْضِي بِلَا كَفَّارَةٍ ، وَكَذَا لَا كَفَّارَةَ بِإِعَادَةِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ أَكَلَ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ ) الْمُرَادُ بِهِ مِثْلُهَا فِي الصِّفَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَبِالْأَكْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَضْمِ وَالْهَشِمِ لِيَشْمَلَ الِابْتِلَاعَ إلَّا أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ السِّمْسِمَةَ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ خَارِجٍ فَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِنَحْوِهَا مَا دُونَ الْحِمَّصَةِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ مِنْ خَارِجٍ وَمَضَغَهُ إنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَكَذَلِكَ أَيْ فَطَّرَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يُفَطِّرُهُ ا هـ .
وَلَا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ : وَتَجِبُ أَيْ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ وَقَضْمِهَا لَا إنْ مَضَغَ قَمْحَةً لِلتَّلَاشِي .
ا هـ .
؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفِطْرُ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا مَضَغَهُ بِحَيْثُ تَلَاشَتْ ) أَقُولُ أَيْ فَلَا قَضَاءَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهَا طَعْمًا فِي حَلْقِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي فَقَالَ ، وَإِنْ مَضَغَهَا أَيْ السِّمْسِمَةَ لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ ، وَهَذَا أَحْسَنُ جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضَغَهُ .
ا هـ .
.
( كُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ ) أَمَّا كَرَاهَةُ الذَّوْقِ فَلِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِإِفْسَادِ صَوْمِهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ لَا بَأْسَ بِذَوْقِهَا بِلِسَانِهَا ، قَالُوا هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْمَضْغِ فَلِمَا فِيهِ أَيْضًا مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْإِفْسَادِ ، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضُغُ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ مِمَّنْ لَا يَصُومُ ، وَلَمْ تَجِدْ طَبِيخًا وَلَا لَبَنًا حَلِيبًا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمَمْضُوغُ ( عِلْكًا ) فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا تَعْرِيضًا لَهُ وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ فَإِنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ بَعِيدٍ يَظُنُّهُ آكِلًا قِيلَ : هَذَا إذَا كَانَ مَمْضُوغًا إذْ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْضُوغٍ يَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَتَّتُ وَيَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ .
( قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ
إلَخْ ) كَذَا الْأَمَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ا هـ .
وَهَلْ الْأَجِيرُ كَذَلِكَ فَلْيُنْظَرْ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضَغُ
إلَخْ ) بَيَانٌ لِلْعُذْرِ فَلَيْسَ غَيْرُهُ عُذْرًا وَلَكِنْ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ : يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَذُوقَ الْعَسَلَ أَوْ الدُّهْنَ يَعْرِفُ الْجَيِّدَ مِنْ الرَّدِيءِ عِنْدَ الشِّرَاءِ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ بِهِ كَيْ لَا يُغْبَنَ فِيهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ الْمَمْضُوغُ عِلْكًا ) الْعِلْكُ هُوَ الْمُصْطَكَا : وَقِيلَ : اللِّبَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْكُنْدُرُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا ) هَذَا وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ إنَّمَا يُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ أَيْ لِلصَّائِمِ ؛ لِأَنَّ مَضْغَهُ يَدْبَغُ الْمَعِدَةَ وَيُشَهِّي الطَّعَامَ وَلَمْ يَأْنِ لَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَأْنِ وَقْتُ الِاشْتِهَاءِ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ ا هـ .
وَأَمَّا مَضْغُهُ لِغَيْرِ الصَّائِمِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ عَلَى مَا قِيلَ : إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِلَّةٍ ، وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ قَالَ الْكَمَالُ : أَيْ وَلَا يُكْرَهُ فَهُوَ مُبَاحٌ بِخِلَافِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ ؛ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ لِلرِّجَالِ إلَّا لِحَاجَةٍ ا هـ
وَفِي الْمِعْرَاجِ كُرِهَ لِلرِّجَالِ إلَّا فِي الْخَلْوَةِ بِعُذْرٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ وَمَضْغُهُ يُورِثُ هُزَالَ الْجَنِينِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ قِيلَ : هَذَا إذَا كَانَ مَمْضُوغًا ) جَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ فَقَالَ ، وَهَذَا إذَا كَانَ أَبْيَضَ مُلْتَئِمًا لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمَّا إذَا كَانَ أَسْوَدَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا لَا يَتَفَتَّتُ ا هـ .
وَفِي الْكَافِي قَالُوا : هَذَا إذَا كَانَ الْعِلْكُ مُلْتَئِمًا ثُمَّ قَالَ
وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ أَبْيَضَ فَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ يُفْسِدُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَذُوبُ بِالْمَضْغِ بِخِلَافِ الْأَبْيَضِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِلُ رَائِحَةً ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا فُرِضَ فِي بَعْضِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةُ الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْفَسَادِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقَّنِ .
ا هـ .
.
( وَ ) كُرِهَ ( الْقُبْلَةُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا دَهْنُ الشَّارِبِ وَالسِّوَاكُ ، وَلَوْ ) كَانَ السِّوَاكُ ( عَشِيًّا ) ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ عَشِيًّا ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ خُلُوفَ الْفَمِ .
( قَوْلُهُ وَكُرِهَ الْقُبْلَةُ
إلَخْ ) كَذَا الْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ لَا دَهْنُ الشَّارِبِ ) الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الدُّهْنِ ، وَكَذَا الْكُحْلُ حُكْمًا وَضَبْطًا وَيُسَنُّ دَهْنُ شَعْرِ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الزِّينَةَ بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْقُبْضَةُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْقُبْضَةُ بِضَمِّ الْقَافِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَجِبُ قَطْعُهُ هَكَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ اللِّحْيَةِ ، وَهِيَ دُونَ الْقُبْضَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَمُخَنَّثَةُ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ وَأَخْذُ كُلِّهَا فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ وَالْيَهُودِ وَالْهُنُودِ وَبَعْضِ أَجْنَاسِ الْإِفْرِنْجِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَالسِّوَاكُ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ بِالْمَاءِ ) وَكَذَا لَا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ ، وَلَا التَّلَفُّفُ بِالثَّوْبِ الْمُبْتَلِّ وَلَا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِغَيْرِ وُضُوءٍ وَالِاغْتِسَالُ لِلتَّبَرُّدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ
( فَصْلٌ ) ( حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدهَا وَمَرِيضٌ خَافَ الزِّيَادَةَ وَالْمُسَافِرُ أَفْطَرُوا ) هَذَا خَبَرٌ لِقَوْلِهِ حَامِلٌ إلَى آخِرِهِ ، وَإِنَّمَا جَازَ الْإِفْطَارُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ ( وَقَضَوْا مَا قَدَرُوا ) أَيْ لَزِمَ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ صَوْمِ أَيَّامٍ مَضَتْ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكُوا مِنْ أَيَّامِ زَوَالِ الْعُذْرِ ، وَفَائِدَةُ لُزُومِ الْقَضَاءِ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِطْعَامِ عِنْدَ فَقْدِ الْقَضَاءِ ( بِلَا كَفَّارَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ ( وَلَا فِدْيَةَ ) ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، وَالْفِدْيَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ ( وَنُدِبَ صَوْمُ مُسَافِرٍ لَا يَضُرُّهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْمَشَقَّةِ ( فَإِنْ مَاتُوا فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْعُذْرِ ( فَلَا فِدْيَةَ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ ( وَلَوْ ) مَاتُوا ( بَعْدَ زَوَالِهِ ) أَيْ الْعُذْرِ ( فَدَى عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ ( وَلِيُّهُ بِقَدْرِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ) الْمَيِّتُ ( وَفَاتَ عَنْهُ ) فَإِنَّ الْفَائِتَ إذَا كَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ رَمَضَانَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي أَيَّامِ الْإِقَامَةِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ تِلْكَ الْأَيَّامِ دُونَ مَا سِوَاهَا ( إنْ أَوْصَى ) الْمَيِّتُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَدَى عَنْهُ ( فَيَكُونُ ) أَيْ مَا فَدَاهُ الْوَلِيُّ ( مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهِ ) أَيْ بِمَا فَدَاهُ ( جَازَ ، وَإِنْ صَامَ أَوْ صَلَّى عَنْهُ لَا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ( كَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ ) يَعْنِي إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ جَازَ وَلَمْ
يَجُزْ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ حَامِلٌ ) هِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ وَلَدٌ وَالْحَامِلَةُ هِيَ الَّتِي عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ رَأْسِهَا حِمْلٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ( قَوْلُهُ أَوْ مُرْضِعٌ ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْمُرْضِعَةُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ بِأَنْ يُقَالَ مُرْضِعَةٌ الْآنَ ( قَوْلُهُ خَافَتْ ) الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ ، وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ فَقَالَ : وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَفْطَرَ ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ حَاذِقٌ عَدْلٌ ا هـ .
وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولَ الْخَوْفِ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْهَلَاكِ لِمَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ خَافَتْ الْحَامِلُ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ وَلَدِهَا نُقْصَانَ الْعَقْلِ أَوْ الْهَلَاكَ أَفْطَرَتْ ( قَوْلُهُ أَوْ وَلَدِهَا ) أَيْ سَوَاءً كَانَ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا لِإِطْلَاقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ } وَمَا قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ فَمَرْدُودٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى اسْتِئْجَارِ ظِئْرٍ فَالْأُمُّ كَالظِّئْرِ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ بِالْخَوْفِ ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلِحَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَافَتَا عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْوَلَدِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ خَوْفَهَا عَلَى وَلَدِهَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَعَيُّنِهَا لِلْإِرْضَاعِ لِفَقْدِ الظِّئْرِ أَوْ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى اسْتِئْجَارِهَا أَوْ لِعَدَمِ أَخْذِ الْوَلَدِ ثَدْيَ غَيْرِهَا فَسَقَطَ مَا قِيلَ : حِلُّ الْإِفْطَارِ يَخْتَصُّ بِمُرْضِعَةٍ آجَرَتْ نَفْسَهَا لِلْإِرْضَاعِ ، وَلَا يَحِلُّ لِلْوَالِدَةِ إذْ لَا يَجِبُ
عَلَيْهَا إرْضَاعٌ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الظِّئْرُ الْمُسْتَأْجَرَةُ كَالْأُمِّ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ ( قَوْلُهُ وَمَرِيضٌ خَافَ الزِّيَادَةَ ) وَكَذَا لَوْ خَافَ بُطْءَ الْبُرْءِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُرُّ مَرِيضًا لَكِنَّهُ أَجْهَدَ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ حَتَّى مَرِضَ فَأَفْطَرَ قِيلَ : تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ لَا تَلْزَمُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَقَالَ فِي الْمُبْتَغَى الْعَطَشُ الشَّدِيدُ وَالْجُوعُ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِتْعَابِ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ أَوْ عَمَلٍ حَتَّى أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ كَفَّرَ وَقِيلَ لَا ا هـ
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ رَضِيعٌ مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شُرْبِ الدَّوَاءِ وَزَعَمَ الطَّبِيبُ أَنَّ أُمَّهُ تَشْرَبُ ذَلِكَ لَهَا الْفِطْرُ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَالصَّحِيحُ الَّذِي يُخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ ، وَكَذَا الْأَمَةُ الَّتِي تَخْدُمُ إذَا خَافَتْ الضَّعْفَ جَازَ أَنْ تُفْطِرَ ثُمَّ تَقْضِيَ ا هـ .
وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الِائْتِمَارِ بِأَمْرٍ الْمَوْلَى إذَا كَانَ يُعْجِزُهَا عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ وَالْعَبْدُ كَالْأَمَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُفْطِرُ ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ هُوَ الْمَرَضُ لَا الضَّعْفُ ، وَكَذَا لَوْ خَافَ مِنْ الْمَرَضِ لَا يُفْطِرُ ا هـ .
فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلزَّيْلَعِيِّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْخَوْفِ فِي كَلَامِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ وَفِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَحْرِ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْته ، وَكَذَا يُفْطِرُ مَنْ ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلِ الْحَثِيثِ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ وَنُقْصَانَ الْعَقْلِ ، وَلَوْ أَفْطَرَ فِي يَوْمِ نَوْبَةِ الْحُمَّى أَوْ أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَادَةِ حَيْضِهَا فَلَمْ يُحَمَّ وَلَمْ تَحِضْ الْأَصَحُّ
عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فِيهِمَا وَالْغَازِي إذَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ فِي رَمَضَانَ وَخَافَ الضَّعْفَ حَالَ الْقِتَالِ حَلَّ لَهُ الْفِطْرُ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا ، وَكَذَا لَوْ لَسَعَتْهُ حَيَّةٌ فَأَفْطَرَ لِشُرْبِ الدَّوَاءِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَالْمُسَافِرُ ) عَرَّفَهُ وَنَكَّرَ مَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا إذَا اتَّصَفَ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذْ لَا يَحْتَاجُ فِي حِلِّ إفْطَارِهِ إلَى زِيَادَةِ وَصْفٍ عَلَى السَّفَرِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ أَمَّا لَوْ سَافَرَ فِي يَوْمٍ أَنْشَأَ فِيهِ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ الْفِطْرُ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَتَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ مِصْرَهُ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ( قَوْلُهُ قَضَوْا مَا قَدَرُوا ) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ : بِوُجُوبِ قَضَاءِ جَمِيعِ الشَّهْرِ بِصِحَّةِ يَوْمٍ أَوْ إقَامَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِقَدْرِ الْقُدْرَةِ اتِّفَاقِيٌّ .
وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ ، .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِقَدْرِ مَا صَحَّ كَرَمَضَانَ ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ سَبَبُهُ النَّذْرُ ، وَقَدْ وُجِدَ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ ، وَلَا إثْمَ بِالتَّأْخِيرِ وَيَتَضَيَّقُ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ،
وَلَا يُبَاحُ التَّأْخِيرُ إلَّا لِعُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ ( قَوْلُهُ وَنُدِبَ صَوْمُ مُسَافِرٍ لَا يَضُرُّهُ ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رُفْقَتُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ أَمَّا إذَا كَانُوا مُفْطِرِينَ أَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ لِمُوَافَقَةِ الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى .
ا هـ .
( قَوْلُهُ فَدَى عَنْهُ وَلِيُّهُ ) أَرَادَ بِهِ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَشَمِلَ الْوَصِيَّ ( قَوْلُهُ إنْ أَوْصَى ) أَقُولُ وَيُجْزِئُهُ فِي إيصَائِهِ بِهِ عَنْ الصَّوْمِ جَزْمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهِ جَازَ ) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ عَنْهُ يُجْزِئُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ أَوْ لِعُذْرٍ مَا ، وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ كَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ ) أَقُولُ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ابْتِدَاءً عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْوَارِثِ عَنْهُ ( كَمَا ذَكَرَهُ ) وَالصَّوْمُ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ حَتَّى إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ جَازَ ) أَقُولُ : كَفَّارَةُ الْقَتْلِ لَيْسَ فِيهَا إطْعَامٌ ، وَلَا كِسْوَةٌ فَجَعْلُهَا مُشَارِكَةً لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِيهَا سَهْوٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ .
( يَقْضِي رَمَضَانَ ، وَلَوْ بِفَصْلٍ ) يَعْنِي يَجُوزُ فِيهِ الْفَصْلُ وَالْوَصْلُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْوَصْلُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ ( وَإِنْ جَاءَ ) رَمَضَانُ ( آخَرُ صَامَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُهُ ( ثُمَّ قَضَى الْأَوَّلَ ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ ( بِلَا فِدْيَةٍ ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ الْفِدْيَةُ ( وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى الْوِتْرُ كَصَوْمِ يَوْمٍ ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ فِدْيَةُ صَلَاةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَفِدْيَةِ صَوْمِ يَوْمٍ
( قَوْلُهُ وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ
إلَخْ ) هَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( قَوْلُهُ حَتَّى الْوِتْرُ ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا الْوِتْرُ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ نَقَلَ فِيهَا عَنْ الْفَتَاوَى أَنَّ إعْطَاءَ فِدْيَةِ صَلَوَاتٍ لِوَاحِدٍ جُمْلَةً جَائِزٌ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ا هـ .
وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ إلَّا عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ جَازَ لَهُ الْفِدْيَةُ ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ الْفِطْرُ وَيُطْعِمُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَاءٍ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِعُسْرَتِهِ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَيَسْتَقِيلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ ، وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَ لَهُ الْفِدْيَةُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ فَانٍ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
( وَالشَّيْخُ الْفَانِي ) الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ ( أَفْطَرَ وَفَدَى ) أَيْ أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ ( وَقَضَى إنْ قَدَرَ ) عَلَى الصَّوْمِ إذْ يَبْطُلُ حِينَئِذٍ حُكْمُ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ ( يَلْزَمُ نَفْلٌ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا ) قَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ ( أَدَاءً وَقَضَاءً ) أَيْ يَجِبُ إتْمَامُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَفْسَدَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ( إلَّا فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ ) فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِيهَا غَيْرُ مُلْزِمٍ وَهِيَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ : عِيدُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى مَعَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْأَضْحَى
( قَوْلُهُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي
إلَخْ ) هَذَا ، وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا التَّغْلِيظِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ أَفْسَدَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا فَسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلْمُتَطَوِّعَةِ بِالصَّوْمِ ا هـ .
وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ
( وَلَا يُفْطِرُ ) الشَّارِعُ فِي النَّفْلِ ( بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ الْعَمَلِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ خَلَفُهُ فَلَا إبْطَالَ ( وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ ) يَعْنِي عَلَى الْأَظْهَرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ ، وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الْمُضِيفَ وَالضَّيْفَ .
( قَوْلُهُ وَفِي رَاوِيَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ ) أَيْ بِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَرِوَايَةُ الْمُبْتَغَى يُبَاحُ أَيْ الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ قَالَ : وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُبْتَغَى أَوْجَهُ أَيْ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا دَعَاهُ وَاحِدٌ مِنْ إخْوَانِهِ إلَى الطَّعَامِ يُفْطِرُ وَيَقْضِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَفْطَرَ لِحَقِّ أَخِيهِ يَكُونُ لَهُ ثَوَابُ صَوْمِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمَتَى قَضَى يَوْمًا يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ صَوْمِ أَلْفَيْ يَوْمٍ } ا هـ .
( قَوْلُهُ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ ) يَعْنِي عَلَى الْأَظْهَرِ كَذَا قِيلَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذْ كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ كَذَا فِي الْفَتْحِ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ وَلَا يُحَنِّثُهُ سَوَاءٌ كَانَ نَفْلًا أَوْ قَضَاءً ا هـ .
ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ رَضِيَ بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ ا هـ .
قَالَ فِي الْمُبْتَغَى ، وَهَذَا أَيْ التَّفْصِيلُ فِي صَاحِبِ الطَّعَامِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ( قَوْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ ) الْأَوْلَى تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ لِرُجُوعِهِ لِلضِّيَافَةِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الضَّيْفَ وَالْمُضِيفَ ) كَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِمَا إذَا تَأَذَّى وَاحِدٌ مِنْهُمَا
( نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ وَأَقَامَ فَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهَا ) أَيْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَعَمُّ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلِهَذَا قَالَ ( صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الصِّحَّةِ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ .
( وَ ) إذَا كَانَ ذَلِكَ ( فِي رَمَضَانَ يَجِبُ الصَّوْمُ ) ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ ( كَمَا يَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ إتْمَامُ ) صَوْمِ ( يَوْمٍ مِنْهُ ) أَيْ رَمَضَانَ ( سَافَرَ فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ( وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا ) أَيْ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ وَسَفَرِ الْمُقِيمِ ( بِالْإِفْطَارِ ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِلشُّبْهَةِ
( قَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا أَيْ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ وَسَفَرِ الْمُقِيمِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالْكَافِي ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
( يَقْضِي أَيَّامَ الْإِغْمَاءِ ، وَلَوْ ) كَانَتْ ( كُلَّ الشَّهْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقَوِيَّ ، وَلَا يُزِيلُ الْعَقْلَ فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ ، وَلَا الْأَدَاءَ ( إلَّا يَوْمًا حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ ) فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيهِ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْوِي مِنْ اللَّيْلِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ قَضَى رَمَضَانَ كُلَّهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَوُجُودِ السَّبَبِ .
( قَوْلُهُ يَقْضِي أَيَّامَ الْإِغْمَاءِ ، وَلَوْ كَانَتْ كُلَّ الشَّهْرِ ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ لَا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا إذَا اسْتَوْعَبَهُ فَلَا يَقْضِي كَمَا فِي الْجُنُونِ ( قَوْلُهُ إلَّا يَوْمًا حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ ) يَعْنِي وَالْحَالُ أَنَّهُ يَذْكُرُ أَنَّهُ نَوَى أَوَّلًا أَمَّا إذَا عُلِمَ حَالُهُ فَظَاهِرٌ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ ( قَوْلُهُ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ ) أَيْ عَلَى الْأَفْضَلِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْخِلَافِ بِالتَّبْيِيتِ لِلنِّيَّةِ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي شَعْبَانَ ) صَوَابُهُ فِي رَمَضَانَ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا فَإِنَّهُ يَقْضِي جَمِيعَ أَيَّامِ إغْمَائِهِ
.
( وَ ) يَقْضِي ( أَيَّامَ جُنُونٍ أَفَاقَ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الشَّهْرُ قَدْ وُجِدَ وَأَهْلِيَّةُ نَفْسِ الْوُجُوبِ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ بِلَا مَانِعٍ وَإِذَا تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ بِلَا مَانِعٍ تَعَيَّنَ الْقَضَاءُ ( ، وَلَا ) يَقْضِي ( كُلَّ الشَّهْرِ الْمُسْتَوْعَبِ بِهِ ) أَيْ بِالْجُنُونِ ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً وَالْجُنُونُ يَسْتَوْعِبُهُ كَثِيرًا ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ .
قَوْلُهُ وَيَقْضِي أَيَّامَ جُنُونٍ أَفَاقَ بَعْدَهَا ) خَاصٌّ بِالْعَارِضِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ ) قَيَّدَ بِهِ لُزُومَ قَضَاءِ أَيَّامِ الْجُنُونِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ كَمَا نَذْكُرُهُ فِي الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي كُلَّ الشَّهْرِ الْمُسْتَوْعَبِ بِهِ ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ : وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ .
وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ إذَا أَفَاقَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ اخْتَلَفَ فِيهِ أَئِمَّةُ بُخَارَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا ، وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ مُطْلَقًا ) صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ لِيَشْمَلَ وَأَفَادَ مَفْهُومُهُ قَضَاءَ كُلِّ الشَّهْرِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْعَبِ فِيهِمَا أَيْ الْعَارِضِ وَالْأَصْلِيِّ قِيلَ : وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَخَصَّ الْقَضَاءَ بِالْعَارِضِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَ أَصْحَابِنَا .
وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الثَّانِي أَنَّ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ عَدَمَ الْفَرْقِ
بَيْنَهُمَا ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ الْقَضَاءِ يَعْنِي لِمَا مَضَى فِي الْأَصْلِيِّ ، وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْمَاضِي مِنْ رَمَضَانَ كَذَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ لَيْسَ عَلَى الْمَجْنُونِ الْأَصْلِيِّ قَضَاءُ مَا مَضَى فِي الْأَصَحِّ
( نَذَرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ أَوْ السَّنَةِ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ نَذْرُهُ .
( وَ ) لَكِنَّهُ ( أَفْطَرَهَا ) احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ ( وَقَضَاهَا ) إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ ( وَإِنْ صَامَهَا أَجْزَأَهُ وَخَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ ( فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ) أَيْ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوْ السَّنَةِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ سِتَّةٍ : إمَّا أَنْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا ( أَوْ نَوَى النَّذْرَ فَقَطْ ) دُونَ الْيَمِينِ ( أَوْ النُّذُورَ ) نَوَى ( أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا كَانَ نَذْرًا فَقَطْ ) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ ، وَقَدْ قَرَّرَ بِعَزِيمَتِهِ ( وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ يَمِينًا ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ ، وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ ( وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَفْطَرَ ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْيَمِينِ ( وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ الْيَمِينَ ) بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ ( كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا ) حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِلنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةُ لِلْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ وَيَمِينٌ بِمُوجِبِهِ وَهَاهُنَا إشْكَالٌ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِهِ هَاهُنَا .
( قَوْلُهُ نَذَرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ ) هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِهَا وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ أَوْ السَّنَةِ صَحَّ ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الْحَاضِرَةَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ : هَذِهِ السَّنَةُ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ نَكَّرَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فَإِذَا عَرَّفَهَا وَأَشَارَ إلَيْهَا فَقَالَ هَذِهِ السَّنَةَ لَزِمَهُ سَوَاءً أَرَادَهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : صَوْمَ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَنَةٍ أَوْ أَرَادَ كَلَامًا غَيْرَهُ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لَزِمَهُ ؛ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ كَالْجِدِّ وَيُفْطِرُ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةِ وَيَقْضِيهَا ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا ، وَهَذَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَإِنْ قَالَهُ فِي شَوَّالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْغَايَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ تَسْهِيَةِ الْغَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَدَّهُ الْكَمَالُ وَأَمَّا إذَا نَكَّرَ السَّنَةَ وَذَكَرَ التَّتَابُعَ فَهِيَ كَالْمُعَرَّفَةِ فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لَا يُجْزِئُهُ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُنَكَّرَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ اسْمٌ لِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ قَدْرِ السَّنَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّذْرِ الْأَيَّامُ الْمَنْهِيَّةُ ، وَلَا رَمَضَانُ بَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِهَا قَدْرُ السَّنَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَقَدْ أَدَّاهَا نَاقِصَةً فَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْكَامِلَةِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ فَيَقْضِي قَدْرَهُ بِخِلَافِ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي النَّذْرِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ
بِالنَّذْرِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ أَفْطَرَهَا ) أَيْ وَجَبَ فِطْرُ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ صَامَهَا أَجْزَأَهُ ) أَيْ مَعَ ارْتِكَابِ الْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى ( قَوْلُهُ كَانَ نَذْرًا فَقَطْ ) أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لَوْ أَفْطَرَ بَلْ الْقَضَاءُ فَقَطْ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ نَوَاهُمَا ) كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا هَذَا عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ نَذْرًا ( قَوْلُهُ أَوْ الْيَمِينُ بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ يَمِينًا وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ
( نُدِبَ تَفْرِيقُ صَوْمِ السِّتَّةِ فِي شَوَّالٍ ) يَعْنِي أَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ بَعْدَ الْإِفْطَارِ مُتَتَابِعَةً مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَهُوَ مَالِكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ ، وَإِنْ فَرَّقَهَا فِي شَوَّالٍ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
( نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ يَوْمًا يَسْتَقْبِلُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوَصْفِ ( لَا فِي مُعَيَّنٍ ) أَيْ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَسْتَقْبِلُ وَيَقْضِي حَتَّى لَا يَقَعَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْكَافِي
( قَوْلُهُ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ
إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّنَةِ الْمُنَكَّرَةِ الْمَشْرُوطِ تَتَابُعُهَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ بُطْلَانِ تَتَابُعِهَا بِإِفْطَارِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَبُطْلَانُ تَتَابُعِ الشَّهْرِ الْمُنَكَّرِ بِإِفْطَارِهَا لِإِمْكَانِ صَوْمِ شَهْرٍ خَالٍ عَنْ أَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ بِخِلَافِ السَّنَةِ
( لَا يَخْتَصُّ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ ) أَمَّا الزَّمَانُ فَأَنْ يَقُولَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبًا أَوْ أَعْتَكِفَ رَجَبًا فَصَامَ أَوْ اعْتَكَفَ شَهْرًا قَبْلَهُ أَوْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَازَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا غَدًا فَتَصَدَّقَ بِهِ الْيَوْمَ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا الْمَكَانُ فَإِنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَعْتَكِفَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِمَكَّةَ فَفَعَلَ فِي غَيْرِهَا جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا الدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ فَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَوْ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ( بِخِلَافِ ) النَّذْرِ ( الْمُعَلَّقِ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ إنْ جَاءَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أُصَلِّيَ أَوْ أَعْتَكِفَ فَفَعَلَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ وَالدَّاخِلُ تَحْتَ النَّذْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ ، وَهُوَ أَصْلُ التَّصَدُّقِ دُونَ التَّعْيِينِ فَبَطَلَ التَّعْيِينُ وَلَزِمَتْهُ الْقُرْبَةُ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ سَبَبًا فَلَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ .
( نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَدَخَلَ ) رَجَبٌ ( وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُهُ ) أَيْ الصَّوْمَ ( إلَّا بِضَرَرٍ أَفْطَرَ وَقَضَى كَرَمَضَانَ ) أَيْ بِوَصْلٍ أَوْ بِفَصْلٍ .
( بَابُ الِاعْتِكَافِ ) ( هُوَ ) لُغَةً اللُّبْثُ وَالدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ وَشَرْعًا ( لُبْثُ رَجُلٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا بِنِيَّتِهِ ) أَيْ الِاعْتِكَافِ ( وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَنْذُورِ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٌّ فِيمَا سِوَاهُ ) أَيْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ ( وَالصَّوْمُ شَرْطُ الصِّحَّةِ الْأَوَّلُ ) يَعْنِي الْوَاجِبَ ( لَا لِلثَّالِثِ ) يَعْنِي الْمُسْتَحَبُّ ( فَأَقَلُّهُ ) أَيْ أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَمُخْتَارُهُمَا ( سَاعَةٌ ) وَلَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُعَيَّنٌ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَوَى الِاعْتِكَافَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ ( وَقِيلَ ) الصَّوْمُ ( شَرْطٌ فِيهِ أَيْضًا ) ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( فَأَقَلُّهُ يَوْمٌ فَمَنْ قَطَعَهُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْيَوْمِ ( يَقْضِي ) ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا وَأَبْطَلَهُ ( لَا يَخْرُجُ ) مِنْ الْمَسْجِدِ ( إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ) كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ( أَوْ جُمُعَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ حَاجَاتِهِ فَيُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهَا ضَرُورَةً ( وَقْتَ الزَّوَالِ ) إنْ كَانَ مُعْتَكَفُهُ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَوْ انْتَظَرَ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ ( وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ فَوَقْتَ يُدْرِكُهَا ) أَيْ الْجُمُعَةَ يَعْنِي لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَ الشَّمْسِ بَلْ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجَامِعِ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةً ( وَ ) بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا ( يُصَلِّي السُّنَنَ عَلَى الْخِلَافِ ) أَيْ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسِتًّا عِنْدَهُمَا وَلَا يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْفَرْضِ وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ
الْفَرَاغِ مِنْهَا ( وَلَا يَفْسُدُ بِمُكْثِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ ) وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا الْمُكْثُ فِيهِ لَكِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتِمَّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي .
( بَابُ الِاعْتِكَافِ ) ( قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً : اللُّبْثُ وَالدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ ) أَقُولُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَكَفَ مُتَعَدٍّ فَمَصْدَرُهُ الْعَكْفُ وَلَازِمٌ وَمَصْدَرُهُ الْعُكُوفُ فَالْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا } وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُ حَبْسُ النَّفْسِ وَمَنْعُهُ ، وَاللَّازِمُ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ بِطَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ ( قَوْلُهُ وَشَرْعًا لُبْثُ رَجُلٍ
إلَخْ ) اللُّبْثُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ الرَّجُلَ بِالْمَسْجِدِ وَالْمَرْأَةَ بِالْبَيْتِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اعْتَكَفَتْ فِي الْمَسْجِدِ صَحَّ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْفَتْحِ وَمَسْجِدُ الْبَيْتِ الْمَحَلُّ الَّذِي أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ ) أَيْ هُوَ شَرْطٌ لِاعْتِكَافِ الرِّجَالِ ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ بَعْضُ الصَّلَوَاتِ بِجَمَاعَةٍ كَمَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ وَجْهُ الْمُخْتَارَةِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِمَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقَالَا يَجُوزُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ صِحَّةَ الِاعْتِكَافِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَقِيلَ أَرَادَ الْإِمَامُ بِاشْتِرَاطِ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ غَيْرَ الْجَامِعِ أَمَّا فِي الْجَامِعِ فَيَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ فِيهِ الْخَمْسُ كُلُّهَا بِجَمَاعَةٍ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّفَلُ يَجُوزُ ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْجَامِعِ ثُمَّ كُلِّ مَكَان أَيْ مَسْجِدٍ أَهْلُهُ أَكْثَرُ وَأَوْفَرُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ، وَالْجَامِعُ قِيلَ : إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي مَسْجِدِهِ كَيْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَنْذُورِ ) أَقُولُ وَالنَّذْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ ، وَلَوْ نَذَرَ بِقَلْبِهِ لَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ عَمَلُ اللِّسَانِ وَالنِّيَّةُ الْمَشْرُوعَةُ انْبِعَاثُ الْقَلْبِ عَلَى شَأْنٍ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ ) أَيْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ مَلَامَةِ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدٍ إذَا أَتَى بِهِ بَعْضٌ مِنْهُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَأَمَّا اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَاعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأُخَرَ ، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ } ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ فَلَا يُدْرَى أَيَّةُ لَيْلَةٍ هِيَ وَقَدْ تَقَدَّمُ ، وَقَدْ تَتَأَخَّرُ ، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَقَدَّمُ ، وَلَا تَتَأَخَّرُ هَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالشُّرُوحِ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ وَفِي الْمَشْهُورِ
عَنْهُ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ فَجَعَلَ ذَلِكَ رِوَايَةً وَثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَهُ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ إذَا انْسَلَخَ فَإِنْ قَالَ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ الْعَامَ الْقَابِلَ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِي ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إغْفَالُهَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ لِشُهْرَتِهَا فَأَوْرَدْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ تَتْمِيمًا لِأَمْرِ الْكِتَابِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ قِيلَ : هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشَرَ ، وَقِيلَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ، وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا بَلْجَةٌ سَاكِنَةٌ لَا حَارَّةٌ ، وَلَا قَارَّةٌ تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بِلَا شُعَاعٍ كَأَنَّهَا طَسْتٌ كَذَا قَالُوا ، وَإِنَّمَا أُخْفِيَتْ لِيُجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ فِيمَا سِوَاهُ ) أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْسِيمِهِ الِاعْتِكَافَ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأَقْسَامِ هُوَ الْحَقُّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ الْكَمَالُ وَابْنُ الْمَلِكِ لَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ ، وَلَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ أَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَى الْمَوْلَى وَمُلَازَمَةَ عِبَادَتِهِ وَبَيْتِهِ وَالتَّحَصُّنَ بِحِصْنِهِ قَالَ عَطَاءٌ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ : مَثَلُ الْمُعْتَكِفِ مَثَلُ رَجُلٍ يَخْتَلِفُ عَلَى بَابِ عَظِيمٍ لِحَاجَةٍ فَالْمُعْتَكِفُ يَقُولُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى يُغْفَرَ لِي فَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ إذَا كَانَ عَنْ إخْلَاصٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ( قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ )
أَقُولُ وَذَلِكَ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلِاعْتِكَافِ مِنْ ابْتِدَائِهِ فَإِذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ هَذَا الْيَوْمِ لَا اعْتِكَافَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِذَا وَجَبَ الِاعْتِكَافُ وَجَبَ الصَّوْمُ وَالصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ انْعَقَدَ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا ، وَهَذَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ نَذَرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ ابْنِ وَهْبَانَ رُجْحَانُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالظَّاهِرُ رُجْحَانُ قَوْلِ الْإِمَامِ وَالْوَجْهُ لَهُ ا هـ .
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ النِّيَّةُ وَالْمَسْجِدُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلَا يَخْتَصَّانِ بِالْوَاجِبِ وَأَمَّا الْمُكْثُ فَهُوَ الرُّكْنُ وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَا لِلصِّحَّةِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَيَخْرُجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ) وَالِاغْتِسَالِ لِلْجَنَابَةِ إذَا احْتَلَمَ كَمَا فِي النَّهْرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْبَعِيدِ فَإِنْ مَضَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ بَيْتُ صَدِيقٍ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةً ) اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَزَاهُ إلَى الْكَافِي وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ : وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَفُوتُهُ أَيْ الْخُطْبَةُ لَمْ يَنْتَظِرْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ الْجَامِعَ فَيُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْأَذَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ
رَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعٌ سُنَّةٌ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا أَيْ الْخُطْبَةُ وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا ، وَفِي رِوَايَةٍ سِتًّا الْأَرْبَعُ سُنَّةٌ وَرَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا ، وَكَذَا السُّنَّةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ كَوْنِ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ فِيهِ السُّنَّةَ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَمَا يُعْرَفُ تَخْمِينًا لَا قَطْعًا فَقَدْ يَدْخُلُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ ظَنِّهِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسُّنَّةِ فَيَبْدَأُ بِالتَّحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَصْدُقُ الْحِرْزُ ا هـ .
( قَوْلُهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتِمَّهَا ) تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ .
وَفِي الْكَافِي بِتَذْكِيرِهِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلِاعْتِكَافِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِتْمَامُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ وَنَصَّ فِي الْمُبْتَغَى وَالْمُحِيطِ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ
( وَإِنْ خَرَجَ ) مِنْ الْمَسْجِدِ ( سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِي اللُّبْثَ وَمَا يُنَافِي الشَّيْءَ يَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَدَثِ لِلطَّهَارَةِ وَقَالَ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ
( قَوْلُهُ : وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ
إلَخْ ) شَامِلٌ لِمَسْجِدِ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ إلَى نَفْسِ بَيْتِهَا فَسَدَ ، وَهَذَا فِي النَّذْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَيَنْتَهِي بِالْخُرُوجِ ( قَوْلُهُ سَاعَةً ) أَيْ ، وَلَوْ نَاسِيًا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْعُذْرِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ نَحْوِ الْجُمُعَةِ وَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبَقِيَ أَعْذَارٌ أُخَرُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَحْبَبْت ذِكْرَهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ مَا إذَا خَرَجَ لِانْهِدَامِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ كَرْهًا فَدَخَلَ آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ اسْتِحْسَانًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى وَالْجَوْهَرَةِ ، وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ أَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُهُ لِعَدَمِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ أَخْرَجَهُ ظَالِمٌ كَرْهًا أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَايِرِينَ فَخَرَجَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ ا هـ .
وَنَقَلَ الْكَمَالُ خِلَافَهُ حَتَّى فِي الْخُرُوجِ لِلْجِنَازَةِ إنْ تَعَيَّنَتْ ، وَكَذَا لِإِنْقَاذِ حَرِيقٍ أَوْ غَرِيقٍ أَوْ جِهَادٍ عُمِّمَ نَفِيرُهُ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ ، وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُ أَيْ فِي الْوَاجِبِ وَبِالْأَوْلَى فِي غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي شَرْحِ الصَّوْمِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ الْمُعْتَكِفُ يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدٌ آخَرُ فَيَتَوَلَّى حَقَّهُ ا هـ .
أَقُولُ وَبِمِثْلِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَحَكَمَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَعَلَى هَذَا الْجِنَازَةُ إذَا تَعَيَّنَتْ ( قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ ) أَقُولُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ أَوْسَعُ وَقَوْلُهُ أَيْ الْإِمَامِ أَقْيَسُ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ الْإِمَامِ الْقِيَاسُ وَقَوْلُهُمَا الِاسْتِحْسَانُ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ
الْمَعْدُودَةِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ قَالَ وَأَنَا لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى السُّوقِ لِلَّعِبِ وَاللَّهْوِ أَوْ الْقِمَارِ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ أَنَّهُ يَفْسُدُ ، وَلَا يَتِمُّ مَبْنَى هَذَا الِاسْتِحْسَانُ وَذَكَرَ وَجْهَهُ ( قَوْلُهُ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا يُفْسِدُهُ الْخُرُوجُ ، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ يَعْنِي فَيَنْتَهِي بِالْخُرُوجِ
( وَخُصَّ بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ فِيهِ ) يَعْنِي يَفْعَلُ الْمُعْتَكِفُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ غَيْرِهِ .
( وَ ) لَكِنَّ ( كُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ فِيهِ ) إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ ( وَالصَّمْتُ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ فَقَالَ : أَنْ تَصُومَ ، وَلَا تُكَلِّمَ أَحَدًا قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ هَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّمْتَ قُرْبَةٌ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ صَمَتَ نَجَا } رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ( وَالتَّكَلُّمُ إلَّا بِخَيْرٍ ) فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى { قُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ غَيْرُ الْمُعْتَكِفِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَّا بِخَيْرٍ فَمَا ظَنُّكَ بِالْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ .
( قَوْلُهُ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَوْ لِعِيَالِهِ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِيهِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ، وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ أَرَادَ بِهِ الطَّعَامَ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَهُ مَتْجَرًا فَيُكْرَهُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَكُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ } أَقُولُ وَقَالُوا : إنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ ( قَوْلُهُ هَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّمْتَ قُرْبَةً
إلَخْ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ لَمْ يَبْقَ قُرْبَةً فِي شَرِيعَتِنَا لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ كَذَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ وَالتَّكَلُّمُ إلَّا بِخَيْرٍ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا مَا لَا إثْمَ فِيهِ فَشَمِلَ الْمُبَاحَ وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ مَا فِيهِ إثْمٌ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي يَتَحَدَّثُ أَيْ الْمُعْتَكِفُ بِمَا بَدَا لَهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْثَمًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَ النَّاسِ فِي اعْتِكَافِهِ ا هـ
وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِمَا لَا إثْمَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُبَاحَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ خَيْرٌ لَا عِنْدَ عَدَمِهَا وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ الْوِتْرِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ا هـ .
قُلْت : وَإِلَيْهِ يُشِيرُ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } إلَى آخِرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا غِنَى
لِلْعِبَادِ عَنْ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا جَلَسَ ابْتِدَاءً لِلْحَدِيثِ
( وَيُبْطِلُهُ ) أَيْ الِاعْتِكَافَ ( الْوَطْءُ فِي فَرْجٍ ) فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ ( وَلَوْ لَيْلًا ) ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الِاعْتِكَافِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ ( أَوْ نَاسِيًا ) ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْعَاكِفِينَ مُذَكِّرَةٌ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ .
( وَ ) يَبْطُلُ بِالْوَطْءِ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْفَرْجِ ( إنْ أَنْزَلَ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ حَتَّى يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ كَمَا لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ ( كَذَا الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ ) يَعْنِي أَنَّهُ إنْ أَنْزَلَ بِهِمَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا أَيْضًا فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَإِلَّا فَلَا ( وَإِنْ حَرُمَ الْكُلُّ ) لِلْمُعْتَكِفِ يَعْنِي الْوَطْءَ وَالْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ بِلَا إنْزَالٍ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ دَوَاعِي الْوَطْءِ .
( قَوْلُهُ أَوْ نَاسِيًا ) هُوَ الْأَصَحُّ وَيُفْسِدُهُ الشَّافِعِيُّ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا ؛ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا لَهُ بِالصَّوْمِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ نَهَارًا نَاسِيًا فَلَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ لِبَقَاءِ الصَّوْمِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ مَانِعٌ عَنْهُ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ السَّهْوُ وَالْعَمْدُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْجِمَاعِ وَالْخُرُوجِ وَمَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ مَا مُنِعَ عَنْهُ لِأَجْلِ الصَّوْمِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ كَذَا الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ إنْ أَنْزَلَ بِهِمَا ) أَقُولُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْزَلَ بِإِدَامَةِ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ خِلَافًا لِمَالِكٍ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ ، وَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِالسِّبَابِ وَالْجِدَالِ وَالسُّكْرِ لَيْلًا وَيُفْسِدُهُ الرِّدَّةُ وَالْإِغْمَاءُ إذَا دَامَ أَيَّامًا ، وَكَذَا الْجُنُونُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ حَرُمَ الْكُلُّ ) أَقُولُ ، وَكَذَا يَحْرُمُ دَوَاعِي الْوَطْءِ مِنْ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قُلْت فَلِمَ لَمْ تَحْرُمْ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَحَالَةِ الْحَيْضِ كَمَا حَرُمَ الْوَطْءُ قُلْت ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَيْضَ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي فِيهِمَا لَوَقَعُوا فِي الْحَرَجِ وَذَلِكَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ .
( نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ بِلَيَالِيِهَا ) ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ أَيَّامٍ ، وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا ( وِلَاءً ) أَيْ مُتَتَابِعَةً ( وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ) التَّتَابُعَ .
( وَفِي ) نَذْرِ اعْتِكَافِ ( يَوْمَيْنِ ) لَزِمَهُ ( بِلَيْلَتَيْهِمَا ) ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ فَيُلْحَقُ بِهِ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَةِ ( وَصَحَّ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( نِيَّةُ النَّهَارِ خَاصَّةً ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ .
( قَوْلُهُ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ بِلَيَالِيِهَا ) أَقُولُ ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيَالٍ لَزِمَتْهُ بِأَيَّامِهَا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ يَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ لِقِصَّةِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ وَبِهَا قَالَ زُفَرُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَصَحَّ فِي الصُّورَتَيْنِ نِيَّةُ النَّهَارِ خَاصَّةً ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى بِالْأَيَّامِ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً حَيْثُ لَمْ تَعْمَلْ نِيَّتُهُ وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي وَالنُّهُرُ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا وَنَوَى الشَّهْرَ خَاصَّةً أَوْ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُقَدَّرٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي فَلَا يَحْتَمِلُ مَا دُونَهُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ وَيَقُولَ شَهْرًا بِالنُّهُرِ أَوْ يَسْتَثْنِيَ وَيَقُولَ إلَّا اللَّيَالِيَ فَيَخْتَصُّ بِالنُّهُرِ
( نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ ) أَيْ رَمَضَانَ ( بِدُونِهِ ) أَيْ الِاعْتِكَافِ ( وَجَبَ قَضَاؤُهُ ) أَيْ الِاعْتِكَافِ ( بِصَوْمٍ قَصْدِيٍّ ) حَتَّى لَوْ تَرَكَهُمَا مَعًا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالِاعْتِكَافِ فِي قَضَاءِ هَذَا الصَّوْمِ لِبَقَاءِ الِاتِّصَالِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ حُكْمًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَأُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ قَضَاؤُهُ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ لِعَوْدِ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ ، وَهُوَ الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ } إلَى الْكَمَالِ الْأَصْلِيِّ ، وَهُوَ أَنْ يَجِبَ مُسْتَقِلًّا مَقْصُودًا بِالنَّذْرِ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِكَافِ .
( قَوْلُهُ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ
إلَخْ ) ظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا فِي رَمَضَانَ مُعَيَّنٍ فَإِنْ أَطْلَقَهُ فَعَلَيْهِ فِي أَيِّ رَمَضَانَ شَاءَ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ بِصَوْمٍ قَصْدِيٍّ ) أَقُولُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ بِاتِّفَاقِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( تَتِمَّةٌ ) لَوْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ الْإِيجَابِ وَلَمْ يَبْرَأْ حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ يُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إنْ أَوْصَى ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ أَدَائِهِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِطْعَامِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ، وَلَوْ عَيَّنَ شَهْرًا لِلِاعْتِكَافِ فَعَجَّلَ قَبْلَهُ صَحَّ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي يَوْمٍ فَصَلَّاهَا قَبْلَهُ ، وَكَذَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ سَنَةَ كَذَا فَحَجَّ سَنَةً قَبْلَهَا صَحَّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ
( كِتَابُ الْحَجِّ ) أَخَّرَهُ ؛ لِأَنَّهُ رَابِعُ الْعِبَادَاتِ الْجَامِعُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ ( وَهُوَ ) لُغَةً : الْقَصْدُ وَشَرْعًا ( زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ ) وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( فُرِضَ مَرَّةً ) ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } لَمَّا نَزَلَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّهَا النَّاسُ حُجُّوا فَقَالُوا أَنَحُجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً ؟ فَقَالَ لَا بَلْ مَرَّةً } وَلِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْبَيْتُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ ، وَلَا تَعَدُّدَ لَهُ ( بِالْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْعُمُرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) وَقْتُ الْحَجِّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ يُسَمَّى مُشْكِلًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ جِهَةَ الْمِعْيَارِيَّةِ وَالظَّرْفِيَّةِ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ فِعْلُهُ قَضَاءً ، وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ أَصْلًا كَمَا إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ بَلْ جِهَةُ الْمِعْيَارِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْفَوْرِ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَكِنْ إذَا حَجَّ بِالْآخِرَةِ كَانَ أَدَاءً لَا قَضَاءً ، وَجِهَةُ الظَّرْفِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْقَائِلِ بِخِلَافِهِ حَتَّى إذَا أَدَّاهُ بَعْدَ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ لَكِنْ لَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ عِنْدَهُ أَيْضًا ( عَلَى حُرٍّ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فُرِضَ ( مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ صَحِيحٍ بَصِيرٍ لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ فَضْلًا ) أَيْ زَائِدًا ( عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ ) كَالسُّكْنَى وَالْخَادِمِ وَأَثَاثِ الْبَيْتِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى عَوْدِهِ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَثْبُتُ دُونَهُ ( وَمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ فِي مَسِيرَةِ سَفَرٍ ) الْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ
بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ( فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ فَبَلَغَ أَوْ عَبْدٌ فَعَتَقَ فَمَضَى لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُمَا ) ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ ( وَتَجْدِيدُ ) الصَّبِيِّ ( الْبَالِغِ إحْرَامُهُ لِلْفَرْضِ قَبْلَ وُقُوفِهِ مُسْقِطٌ ) لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ ( لَا الْعِتْقُ ) فَإِنَّ تَجْدِيدَهُ غَيْرُ مُسْقِطٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ .
( كِتَابُ الْحَجِّ ) الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِهِمَا قُرِئَ فِي التَّنْزِيلِ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ رَابِعُ الْعِبَادَاتِ ) أَيْ مِنْ الْفُرُوعِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَهُوَ إنْ كَانَ خَامِسًا كَمَا عُدَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَتَكَلَّمْ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْإِيمَانِ أَسْقَطُوهُ فَعُدَّ الْحَجُّ رَابِعًا ( قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظَنَّهُ الشَّارِحُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ مَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا الْقَصْدُ الْمُطْلَقُ ا هـ .
وَعَنْ الْخَلِيلِ هُوَ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَى مَنْ يُعَظِّمُهُ ( قَوْلُهُ وَشَرْعًا : زِيَارَةُ مَكَان
إلَخْ ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ قَصْدُ مَكَان
إلَخْ لِيَتَضَمَّنَ الشَّرْعِيُّ اللُّغَوِيَّ مَعَ زِيَادَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ : الزِّيَارَةُ تَتَضَمَّنُ الْقَصْدَ وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ جِنْسَهُ ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا هُوَ زِيَارَةُ بِقَاعٍ مَخْصُوصَةٍ ا هـ فَعَمَّ الرُّكْنَيْنِ وَغَيْرَهُمَا كَمُزْدَلِفَةَ ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْبَيْتُ ) الْمُرَادُ السَّبَبُ الظَّاهِرِيُّ وَهُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ وَأَمَّا سَبَبُهُ الْخَفِيُّ فَهُوَ خِطَابُ الْأَزَلِيِّ أَوْ تَرَادُفُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ مَوْلَاهُ وَلُزُومُ حَضْرَةِ بَابِهِ فَلَمَّا أَضَافَ الْبَيْتَ إلَى نَفْسِهِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَإِعْظَامًا لِقَدْرِهِ وَجَبَ عَلَى عَبِيدِهِ زِيَارَتُهُ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ فِنَائِهِ وَسَبَبُ التَّفْرِيعِ عَنْ الذِّمَّةِ الْأَمْرُ ( قَوْلُهُ بِالْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَفِي الْعُمُرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ بِالْمَوْتِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ فِعْلُهُ قَضَاءً ) كَانَ
يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ آثِمًا لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ آثِمًا وَأَيْضًا لَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَهُ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ فِعْلَهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ يَكُونُ قَضَاءً كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ إنَّ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ زِيَادَةُ لَامِ الْأَلْفِ مِنْ لَا يَقُولُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِثْمِ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَاتَّفَقَ عَلَى زَوَالِهِ بِالْحَجِّ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً وَذَكَرَ فِي الْمُبْتَغَى أَنَّ مَنْ فَرَّطَ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى قَضَائِهِ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ قَالُوا يُرْجَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ ، وَلَا يَكُونُ آثِمًا ا هـ .
وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ إذَا قَدَرَ ا هـ .
( قَوْلُهُ عَلَى حُرٍّ
إلَخْ ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْحَجِّ ، وَهِيَ شَرَائِطُ أَدَاءً وَشَرَائِطُ صِحَّةٍ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهَا فَنَقُولُ : شَرَائِطُ الْوُجُوبِ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ : الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْوَقْتُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ ، وَلَوْ بِمَكَّةَ بِنَفَقَةٍ وَسَطٍ وَالْقُدْرَةُ عَلَى رَاحِلَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ أَوْ عَلَى شِقِّ مَحْمَلٍ بِالْمِلْكِ أَوْ الْإِجَارَةِ لَا الْإِبَاحَةِ وَالْإِعَارَةِ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ بِالْقَدَمِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِدُونِ الرَّاحِلَةِ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَأَثَاثِ
الْمَنْزِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ كَالْكُتُبِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمَسْكَنِ ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهُ بِبَعْضِ ثَمَنِهِ وَالْحَجُّ بِالْبَاقِي لَكِنْ إنْ فَعَلَ وَحَجَّ كَانَ أَفْضَلَ ، وَالثَّامِنُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْحَجِّ فَرْضًا كَذَا ذَكَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ مِنْ شَرَطِ فَرْضِيَّتِهِ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ لِمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْكَوْنِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَخَمْسَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ عَنْ الذَّهَابِ لِلْحَجِّ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ وَعَدَمُ قِيَامِ الْعِدَّةِ وَخُرُوجُ مَحْرَمٍ ، وَلَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ، مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ أَوْ رَقِيقٍ مَأْمُونٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ السَّلَامَةِ فِي الطَّرِيقِ بَرًّا وَبَحْرًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ أَنْهَارٌ لَا بِحَارٌ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ فِي الزَّوْجِ شُرُوطَ الْمَحْرَمِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَحْرَمِ الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ فَكَذَا فِي الزَّوْجِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا مَأْمُونًا ا هـ .
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتُهُ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَحْرَمُ بِنَفَقَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْحَجُّ لَا إحْجَاجُ غَيْرِهَا وَقَالَ الْقُدُورِيُّ يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ حَجِّهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَمْنُ الطَّرِيقِ وَالْمَحْرَمُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْأَصَحِّ لَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فَيَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ وَنَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى إلَّا بِهِمَا
وَالتَّزَوُّجُ عَلَيْهَا لِلْحَجِّ بِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ ا هـ .
قُلْت وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ بَلْ هِيَ كَذَلِكَ فِي شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ
( وَفَرْضُهُ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ ) فَإِذَا فَاتَ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَ الْحَجُّ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَالْأَوَّلُ شَرْطٌ كَالتَّحْرِيمَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْبَاقِيَانِ رُكْنَانِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ أَيْضًا رُكْنٌ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ جَازَ عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا فَاتَ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَ الْحَجُّ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ ) فِيهِ تَأَمُّلٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا فَاتَ الْإِحْرَامُ لَا يُقَالُ بَطَلَ الْحَجُّ ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فَرْعٌ عَنْ التَّلَبُّسِ بِالشَّيْءِ وَثَانِيًا أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا يَفُوتُ فَلَا يُقَالُ يَجِبُ بِتَرْكِهِ الْقَضَاءُ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ ، وَثَالِثًا أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ بِأَكْثَرِهِ ، وَرَابِعًا أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْحَجُّ لَا يَتَقَيَّدُ الْقَضَاءُ بِالْعَامِ الْقَابِلِ .
( وَوَاجِبُهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ ) وَيُسَمَّى جَمْعًا أَيْضًا سُمِّيَ بِهِمَا ؛ لِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اجْتَمَعَ فِيهَا مَعَ حَوَّاءَ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا ( وَالسَّعْيُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَطَوَافُ الصَّدَرِ لِلْآفَاقِيِّ وَالْحَلْقُ ) وَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا جَازَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ ( وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ ) وَسَيَجِيءُ تَقْرِيرُ الْكُلِّ فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ بَقِيَ وَاجِبَاتٌ أُخْرَى إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَدُّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ وَكَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ وَبُدَاءَةُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَلَى مَا قِيلَ ، وَسَنَذْكُرُهُ وَالتَّيَامُنُ فِيهِ وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثَيْنِ وَسَتْرَهُ الْعَوْرَةِ وَأَقَلُّ الْأَشْوَاطِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَبُدَاءَةِ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا وَإِذَا ابْتَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ لَا يَعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَيَجِبُ الْمَشْيُ فِي السَّعْيِ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ وَذَبْحُ الشَّاةِ لِلْقَارِنِ أَوْ الْمُتَمَتِّعِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْ الطَّوْفِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ وَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الْحَلْقِ وَنَحْرُ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ بَيْنَهُمَا وَتَوْقِيتُ إلْحَاقٍ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ فِي أَيَّامٍ النَّحْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ قُلْت وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْمَحْظُورِ كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ .
( وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا ( وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَكُرِهَ ) يَعْنِي إذَا كَانَ هَذِهِ أَشْهُرُهُ كُرِهَ ( الْإِحْرَامُ لَهُ ) أَيْ لِلْحَجِّ ( قَبْلَهَا وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَجَازَتْ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَكُرِهَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهُ ) لِكَوْنِهَا أَوْقَاتَ الْحَجِّ وَتَوَابِعِهِ .
( قَوْلُهُ وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ
إلَخْ ) فَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ عَدَمُ جَوَازِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي غَيْرِهَا حَتَّى لَوْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَصَوْمِ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الثَّلَاثَةَ فِيهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا ) أَقُولُ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ( قَوْلُهُ فَكُرِهَ الْإِحْرَامُ لَهُ قَبْلَهَا ) أَقُولُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ أَوْ لَا وَهُوَ الْحَقُّ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ فِي الْأَشْهُرِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ، وَإِنَّمَا كُرِهَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ مُطْلَقًا ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الرُّكْنَ فَيُرَاعَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّبَهِ احْتِيَاطًا ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذَا كَانَ شَبِيهًا بِهِ كُرِهَ قَبْلَهَا لِشَبَهِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَلِشَبَهِ الرُّكْنِ لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ لِيَقْتَضِيَ بِهِ مِنْ قَابِلٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ وَقِيلَ : وَاجِبَةٌ لَا فَرْضُ عَيْنٍ وَأَرْبَعَةٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ ) أَقُولُ مُعْظَمُ الطَّوَافِ رُكْنُهَا وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ فِيهَا كَمَا هُوَ فِي الْحَجِّ ، وَكَذَا الْحَلْقُ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ : إنَّ الْحَلْقَ شَرْطُ الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَكُرِهَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهُ ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِلْحَجِّ أَوْ مُرِيدِ الْحَجِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا يُكْرَهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنْ أَهَلَّ بِهَا فِي الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ رَفَضَهَا ، وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ مَضَى
عَلَيْهَا صَحَّ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إمَّا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الْأَفْعَالِ الْبَاقِيَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَمِمَّا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ وَبِهِ يُزَادُ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ تُكْرَهُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ .
( مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ ) أَيْ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا ( ذُو الْحُلَيْفَةِ ) لِلْمَدَنِيِّ ( وَذَاتُ عِرْقٍ ) لِلْعِرَاقِ ( وَجُحْفَةُ ) لِلشَّامِيِّ ( وَقَرْنٌ ) فِي الْمُغْرِبِ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَفِي الصِّحَاحِ بِفَتْحِهَا لِلنَّجْدِيِّ ( وَيَلَمْلَمُ ) لِلْيَمَنِيِّ ( لِأَهْلِهَا ) أَيْ لِأَهْلِ هَذِهِ الْمَوْضِعِ ( وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا ) مِنْ أَهْلِ خَارِجِهَا
( قَوْلُهُ مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ ) الْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ اُسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِلْمَدَنِيِّ ) أَقُولُ فَإِنْ جَاوَزَ الْمَدَنِيُّ أَوْ مَنْ هُوَ فِي حُكْمِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ إلَى الْجُحْفَةِ فَأَحْرَمَ عِنْدَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ يُسْتَحَبُّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِلْمَارِّ عَلَى مِيقَاتَيْنِ أَوْ بَيْنَهُمَا أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهِمَا وَقِيلَ يَجِبُ ا هـ .
، وَالْحُلَيْفَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ عَشْرِ مَرَاحِلَ أَوْ تِسْعٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَقِيلَ : سَبْعَةٌ وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ وَبِهَذَا الْمَكَانِ آبَارٌ تُسَمِّيهِ الْعَوَامُّ آبَارَ عَلِيٍّ قِيلَ : ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاتَلَ الْجِنَّ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ كَذِبٌ مِنْ قَائِلِهِ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَذَاتُ عِرْقٍ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِنْ مَكَّةَ قِيلَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَيْنِ ( قَوْلُهُ وَجُحْفَةَ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهَا فِي الْأَصْلِ مَهْيَعَةُ نَزَلَ بِهَا سَيْلٌ جَحَفَ أَهْلَهَا أَيْ اسْتَأْصَلَهُمْ فَسُمِّيَتْ جُحْفَةَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ ، وَعَلَى ثَمَانِيَةِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالشَّمَالِ مِنْ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ تَبُوكَ ، وَهِيَ طَرِيقُ أَهْلِ الشَّامِ وَنَوَاحِيهَا الْيَوْمَ ، وَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَالشَّامِ قِيلَ : إنَّ الْجُحْفَةَ قَدْ ذَهَبَتْ أَعْلَامُهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا رُسُومٌ خَفِيَّةٌ لَا يَكَادُ يَعْرِفُهَا إلَّا بَعْضُ سُكَّانِ تِلْكَ الْبَوَادِي فَلِذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اخْتَارَ النَّاسُ مِنْ الْمَكَانِ
الْمُسَمَّى بِرَابِضٍ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ بِالْغَيْنِ احْتِيَاطًا ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَقَرْنٌ فِي الْمُغْرِبِ بِسُكُونِ الرَّاءِ ) أَيْ وَفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مَرْحَلَتَيْنِ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ ( قَوْلُهُ وَفِي الصِّحَاحِ بِفَتْحِهَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَخَطِئَ أَيْ صَاحِبُ الصِّحَاحِ بِأَنَّ الْمُحَرَّكَ اسْمُ قَبِيلَةٍ إلَيْهَا يُنْسَبُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ ( قَوْلُهُ وَيَلَمْلَمُ ) مَكَانٌ جَنُوبِيُّ مَكَّةَ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ لِلْيَمَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا ) أَقُولُ فَإِنْ كَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ بَرٍّ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ ، الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى آخِرَهَا وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ إلَى مَكَّةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ
( وَجَازَ تَقْدِيمُهُ ) أَيْ الْإِحْرَامُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْمَوَاقِيتِ ( لَا تَأْخِيرُهُ عَنْهَا لِقَاصِدِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَازَ ( دُخُولِ مَكَّةَ وَلَوْ لِحَاجَةٍ ) أَيْ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى قَيَّدَ بِقَصْدِ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْتَ لَمَّا كَانَ مُعَظَّمًا مُشَرَّفًا جُعِلَ لَهُ حِصْنٌ ، وَهُوَ مَكَّةُ وَحِمًى وَهُوَ الْحَرَمُ وَلِلْحَرَمِ حَرَمٌ وَهُوَ الْمَوَاقِيتُ حَتَّى لَا يَجُوزُ لِمَنْ وَصَلَ إلَيْهَا أَنْ يَتَجَاوَزَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) الْقَاصِدُ ( مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ فَلَهُ ) إذَا كَانَ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ وَخَارِجِ مَكَّةَ فَالْمِيقَاتُ لَهُ ( الْحِلُّ ) الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَبَيْنَ الْحَرَمِ ( وَلِمَنْ بِمَكَّةَ لِلْحَجِّ الْحَرَمُ وَلِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فِي عَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَإِحْرَامُهُ مِنْ الْحَرَمِ وَالْعُمْرَةُ فِي الْحَرَمِ فَإِحْرَامُهَا مِنْ الْحِلِّ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ سَفَرٍ
( قَوْلُهُ وَجَازَ تَقْدِيمُهُ ) أَيْ الْإِحْرَامُ عَلَيْهَا أَيْ الْمَوَاقِيتِ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْحِلُّ وَإِلَّا فَالصِّحَّةُ لِلْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ مَا إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَا إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَحْظُورِ الْإِحْرَامِ وَإِذَا انْتَفَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِ نَفْسِهِ هَلْ يَكُونُ الثَّابِتُ الْإِبَاحَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى ) أَيْ كَالتِّجَارَةِ وَمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ أَوْ لِلْقِتَالِ وَدُخُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ يَوْمَ الْفَتْحِ كَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ ( قَوْلُهُ قَيَّدَ بِقَصْدِ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ ) أَيْ بِأَنْ قَصَدَ الْآفَاقِيُّ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ كَخُلَيْصٍ وَجُدَّةَ فَإِذَا حَلَّ بِهِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِجَّةٍ آفَاقِيَّةٍ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَارَتْ حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً فَكَانَ مُخَالِفًا كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاصِدُ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ
إلَخْ ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ خَارِجَ حَدِّ الْمِيقَاتِ فَيَشْمَلُ الَّذِي فِي الْمِيقَاتِ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي نَصِّ الرِّوَايَةِ ( قَوْلُهُ فَلَهُ الْحِلُّ ) أَيْ فَالْحِلُّ مِيقَاتُهُ يُحْرِمُ مِنْهُ بِمَا أَرَادَهُ مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِهِ أَرْضَ الْحَرَمِ ، وَإِنْ عَجَّلَهُ مِنْ دَارِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ ( قَوْلُهُ وَلِمَنْ بِمَكَّةَ ) أَرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ بِالْحَرَمِ لَا خُصُوصَ السَّاكِنِ بِمَكَّةَ فَلَوْ قَالَ وَلِمَنْ بِالْحَرَمِ لَكَانَ أَوْلَى ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فِي عَرَفَاتٍ ) أَقُولُ عَدَلَ عَنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ ؛ لِأَنَّهُ نَظَرَ
فِيهَا بِأَنَّ اسْمَ الْمَوْقِفِ عَرَفَاتٌ سُمِّيَ بِجَمْعٍ كَأَذْرُعَاتٍ كَذَا فِي الْكَشَّافِ وَعَرَفَةُ اسْمُ الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَاَلَّذِي فِي الْحِلِّ الْمَوْقِفُ لَا الْيَوْمُ وَقَوْلُ النَّاسِ نَزَلْنَا بِعَرَفَةَ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ كَذَا نَقَلَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِسِ عَنْ الْفَرَّاءِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ إنَّ عَرَفَةَ وَعَرَفَاتٍ جَمِيعًا عَلَمَانِ لِهَذَا الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ - قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ
( مَنْ أَرَادَ إحْرَامَهُ ) أَيْ كَوْنَهُ مُحْرِمًا ( تَوَضَّأَ ، وَغُسْلُهُ أَحَبُّ وَلَبِسَ إزَارًا وَرِدَاءً طَاهِرَيْنِ وَتَطَيَّبَ وَصَلَّى شَفْعًا ، وَقَالَ الْمُفْرِدُ بِحَجٍّ : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي ثُمَّ لَبَّى يَنْوِي بِهَا الْحَجَّ وَهِيَ ) أَيْ التَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ ( لَبَّيْكَ ) وَرَدَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالْمُرَادُ تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَمَعْنَاهَا أَنْ أُقِيمَ فِي طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ وَلَبَّ بِهِ إذَا أَقَامَ وَلَزِمَهُ ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ ( اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا ، وَإِنْ زَادَ جَازَ ) ، وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك .
( قَوْلُهُ مَنْ أَرَادَ إحْرَامَهُ ) الْإِحْرَامُ لُغَةً : مَصْدَرُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي الْحَرَمِ كَأَشْتَى إذْ دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْإِحْرَام مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُهْتَكُ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ : الْإِحْرَامُ وَالتَّحْرِيمُ بِمَعْنًى .
وَقَالَ الْكَمَالُ حَقِيقَةُ الْإِحْرَامِ الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ وَالْمُرَادُ الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ الْتِزَامُهَا وَالْتِزَامُهَا شَرْطُ الْحَجِّ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ وَغُسْلُهُ أَحَبُّ ) هَذَا الْغُسْلُ لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلتَّطْهِيرِ فَتُؤْمَرُ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَإِذَا كَانَ لِلنَّظَافَةِ وَإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ بَدَلَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ وَيُسْتَحَبُّ كَمَالُ النَّظَافَةِ فِي الَّذِي أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبْطَيْنِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَجِمَاعِ أَهْلِهِ وَالدَّهْنِ ، وَلَوْ مُطَيَّبًا مِنْ الْفَتْحِ وَقَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ وَلُبْسُ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَالثَّوْبُ الْوَاحِدُ السَّاتِرُ جَائِزٌ قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ طَاهِرَيْنِ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ جَدِيدَيْنِ لِنَفْيِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ لُبْسِ الْجَدِيدِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْأَفْضَلُ الْجَدِيدُ الْأَبْيَضُ .
ا هـ .
وَالْإِزَارُ مِنْ الْحِقْوِ أَيْ الْخَصْرِ ، وَالرِّدَاءُ مِنْ الْكَتِفِ يُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيَبْقَى كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا ، وَلَا يَزِرُّهُ ، وَلَا يَعْقِدُهُ ، وَلَا يُخَلِّلُهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ : فِي حِفْظِي أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ كَشْفُ الْمَنْكِبِ إلَّا عِنْدَ الطَّوَافِ لِيَكُونَ مُضْطَبِعًا وَسَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَطَافَ
لِلْقُدُومِ نَقْلًا عَنْ الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَتَطَيَّبَ ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ وَكَرِهَ مُحَمَّدٌ مَا تَبْقَى عَيْنُهُ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَسُنَّ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قَيَّدَ بِالْبَدَنِ إذْ لَا يَجُوزُ التَّطَيُّبُ فِي الثَّوْبِ مِمَّا يَبْقَى عَيْنُهُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا قَالُوا : وَبِهِ نَأْخُذُ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : الْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِنَانِ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ بِهِ حَالَةَ الْمَنْعِ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى مِثَالِ السُّحُورِ لِلصَّوْمِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يَحْصُلُ بِمَا فِي الْبَدَنِ فَيُغْنِي عَنْ تَجْوِيزِهِ أَيْ تَجْوِيزِ مَا تَبْقَى عَيْنُهُ فِي الثَّوْبِ إذْ لَمْ يَقْصِدْ كَمَالَ الِارْتِفَاقِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ الشُّعْثَ التُّفْلُ ، وَقَدْ قِيلَ : يَجُوزُ فِي الثَّوْبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَصَلَّى شَفْعًا ) أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ ، وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْمُفْرِدُ بِحَجٍّ اللَّهُمَّ
إلَخْ ) كَذَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي فَيَسْأَلُ اللَّهَ التَّيْسِيرَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَيَسْأَلُ مِنْهُ التَّقَبُّلَ كَمَا سَأَلَ الْخَلِيلُ وَإِسْمَاعِيلُ بِقَوْلِهِمَا : رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، وَكَذَا يَسْأَلُ فِي جَمِيعِ الطَّاعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ أَيْ سُؤَالَ التَّيْسِيرِ ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاؤُهَا - عَادَةً - مُتَيَسِّرٌ فَبِطَلَبِ التَّيْسِيرِ فِي الْعَسِيرِ مِنْ
الْأُمُورِ لَا فِي الْيَسِيرِ مِنْهَا ، وَكَذَا فِي الْكَافِي وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ ، وَإِنْ ذَكَرَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ
إلَخْ فَحَسَنٌ لِيَجْتَمِعَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ فَلَا وَلَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ لِنُسُكِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَصْلًا فَصْلًا قَطُّ ، رَوَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ سَمِعَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ نَوَيْت الْعُمْرَةَ ، وَلَا الْحَجَّ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ ) أَيْ إجَابَةِ الدَّاعِي ، وَالْكَلَامُ فِي التَّلْبِيَةِ مِنْ وُجُوهٍ : الْأَوَّلُ فِي اشْتِقَاقِهَا فَقِيلَ : إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَلَبَّ الرَّجُلُ إذَا أَقَامَ فِي مَكَان كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُلَبِّي حِينَ تَسْتَوِي بِهِ رَاحِلَتُهُ ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ جَوَابٌ لِلدُّعَاءِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الدَّاعِي فَقِيلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ { فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ } وَقِيلَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ سَيِّدًا بَنَى دَارًا وَاِتَّخَذَ مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا } وَأَرَادَ بِالدَّاعِي نَفْسَهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الدَّاعِيَ هُوَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إلَى الْحَجِّ فَصَعِدَ أَبَا قُبَيْسٍ وَقَالَ أَلَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِبِنَاءِ بَيْتٍ لَهُ ، وَقَدْ بُنِيَ أَلَا فَحُجُّوا فَبَلَّغَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْتَهُ النَّاسَ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَهُ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى حَسَبِ جَوَابِهِمْ يَحُجُّونَ وَالرَّابِعُ فِي صِفَةِ التَّلْبِيَةِ ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ
إلَخْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْخَامِسُ فِي كَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إنَّ الْحَمْدَ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : الْفَتْحُ أَحْسَنُ كَمَا فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ : بِالْكَسْرِ لَا بِالْفَتْحِ لِيَكُونَ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً إذْ الْفَتْحَةُ صِفَةٌ لِلْأُولَى ا هـ .
يَعْنِي فِي الْوَجْهِ الْأَوْجَهِ ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَيَجُوزُ وَالْكَسْرُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الثَّنَاءِ ، وَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ ، وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ هَذَا ، وَإِنْ كَانَ اسْتِئْنَافُ الثَّنَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ مَعَ الْكَسْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا فِي قَوْلِك عَلِّمْ ابْنَك الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ قَالَ تَعَالَى { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } ، وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ لَكِنْ لَمَّا جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ لَيْسَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ ، وَالسَّادِسُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَالنُّقْصَانُ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ وَالزِّيَادَةُ تَجُوزُ عِنْدَنَا ، وَفِيهَا أَلْفَاظٌ مِنْهَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْهَا مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَبَّيْكَ بِعَدَدِ التُّرَابِ لَبَّيْكَ .
( وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا ) لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ ( أَوْ قَلَّدَ بَدَنَةَ نَفْلٍ ) التَّقْلِيدُ أَنْ يَرْبِطَ قِلَادَةً عَلَى عُنُقِ الْبَدَنَةِ فَيَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا كَمَا فِي التَّلْبِيَةِ ( أَوْ ) بَدَنَةَ ( نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ نَحْوِهِ ) كَالدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ ( وَتَوَجَّهَ مَعَهَا ) أَيْ الْبَدَنَةِ ( يُرِيدُ الْحَجَّ ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَوَجَّهَ ( أَوْ بَعَثَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ وَلَحِقَهَا أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا فَقَدْ أَحْرَمَ ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا
إلَخْ أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْحَجِّ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِحُّ إذَا صَادَفَتْ فِعْلًا فَإِذَا صَادَفَتْ التَّلْبِيَةَ صَحَّتْ وَصَارَ مُحْرِمًا ، وَإِذَا صَادَفَتْ التَّقْلِيدَ مَعَ التَّوَجُّهِ صَارَ شَارِعًا لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِفِعْلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ مَعَ السَّوْقِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ ، وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ قَوْلَهُ أَوْ قَلَّدَ بَدَنَةَ نَفْلٍ
إلَخْ فِي آخَرِ الْبَابِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ الْمُنَاسِبَ كَمَا لَا يَخْفَى ( وَلَوْ أَشْعَرَهَا ) أَيْ شَقَّ سَنَامَهَا لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ ( أَوْ جَلَّلَهَا ) أَيْ أَلْقَى الْجُلَّ عَلَى ظَهْرِهَا ( أَوْ بَعَثَهَا لِغَيْرِ مُتْعَةٍ وَلَمْ يَلْحَقْهَا أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَا ) يَكُونُ مُحْرِمًا
( قَوْلُهُ وَإِذَا لَبَّى ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ اعْتِبَارِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْفِقْهِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ ، وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ حَتَّى قَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَهُ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْأَخْرَسُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ مَعَ النِّيَّةِ .
وَفِي الْمُحِيطِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ ( قَوْلُهُ نَاوِيًا لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ ) أَقُولُ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِحْرَامِ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا كَانَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ ، وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ وَالتَّعْيِينِ فَتَحَلَّلَ بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا قَضَاءُ حِجَّةٍ ، وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَوَجَبَ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ عُمْرَةً ثُمَّ إذَا نَوَى مُطْلَقَ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْفَرْضِ ، وَلَا النَّفْلِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِإِطْلَاقِ نِيَّةِ الْحَجِّ بِخِلَافِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَفْلًا ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ الْفَرْضَ بَعْدُ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ التَّقْلِيدُ أَنْ يَرْبِطَ قِلَادَةً ) الْمُرَادُ بِهَا شَيْءٌ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهَا هَدْيٌ كَقِطْعَةِ نَعْلٍ أَوْ لَحَا شَجَرٍ أَيْ قِشْرُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (
قَوْلُهُ فَيَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا كَمَا فِي التَّلْبِيَةِ ) أَقُولُ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَقَلَّدَهَا أَحَدُهُمْ صَارُوا مُحْرِمِينَ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْبَقِيَّةِ وَسَارُوا مَعَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ ) أَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَلَمْ أَرَهُ ( قَوْلُهُ أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ ) قَالَ أَبُو الْيُسْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَدْيُ الْقِرَانِ كَذَلِكَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا ) أَقُولُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ إذَا حَصَلَ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَّا إنْ حَصَلَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الرُّقَيَّاتِ ( قَوْلُهُ فَقَدْ أَحْرَمَ ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا تَمَّ الْإِحْرَامُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلِ الْمَنَاسِكِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ فَيَعْمَلُ الْعُمْرَةَ وَإِلَّا الْإِحْصَارَ فَيَذْبَحُ الْهَدْيَ ا هـ .
أَوْ تَحْلِيلُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بِتَقْلِيمِ ظُفُرِهَا وَنَحْوِهِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِي ا هـ .
ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا ، وَإِنْ كَانَ مَظْنُونًا إذَا أَفْسَدَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الْمَظْنُونَةِ إذَا أَبْطَلَهَا وَبِخِلَافِ الطَّوَافِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ
( وَبَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ( يَتَّقِي الرَّفَثَ ) وَهُوَ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } وَقِيلَ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ كَالْجِمَاعِ ( وَالْفُسُوقَ ) يَعْنِي الْمَنَاهِي وَهِيَ حَرَامٌ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْإِحْرَامِ أَشَدُّ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّطَرُّبِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ( وَالْجِدَالَ ) ، وَهُوَ الْمِرَاءُ مَعَ الرُّفَقَاءِ وَالْخَدَمِ وَالْمُكَارِينَ ( وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ ) لَا الْبَحْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } ( وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ ) الْإِشَارَةُ تَقْتَضِي الْحُضُورَ وَالدَّلَالَةُ الْغَيْبَةَ ( وَالتَّطَيُّبَ وَقَلْمَ الظُّفْرِ وَسَتْرَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَغَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ طَيِّبًا ، وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ فَيَجْتَنِبُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الدَّمُ ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ ، وَعِنْدَهُمَا الصَّدَقَةُ ( وَ ) يَتَّقِي ( قَصَّهَا ) أَيْ اللِّحْيَةِ وَحَلْقَ رَأْسِهِ وَشَعْرِ بَدَنِهِ وَلُبْسَ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ وَعِمَامَةٍ وَخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَثَوْبًا صُبِغَ بِمَا لَهُ طِيبٌ ( إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ لَا ) أَيْ لَا يَتَّقِي ( الِاسْتِحْمَامَ وَالِاسْتِظْلَالَ بِبَيْتٍ وَمَحْمِلٍ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَبِالْعَكْسِ الْهَوْدَجُ الْكَبِيرُ ( وَشَدَّ هِمْيَانٍ فِي وَسَطِهِ ) يَعْنِي أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ مَخِيطًا لَا بَأْسَ بِشَدِّهِ عَلَى حِقْوِهِ .
( قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ يَتَّقِي الرَّفَثَ ) أَقُولُ يَعْنِي بِلَا مُهْلَةٍ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَالْكَنْزِ فَإِذَا لَبَّيْت نَاوِيًا فَقَدْ أَحْرَمْت فَاتَّقِ الرَّفَثَ
إلَخْ ؛ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ لَا تُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْفَاءُ مِنْ التَّعْقِيبِ فَوْرًا ( قَوْلُهُ ، وَقِيلَ : الْكَلَامُ الْفَاحِشُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ كَالْجِمَاعِ ) كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ : إنَّمَا يَكُونُ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ رَفَثًا بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ ا هـ .
وَمُرَادُهُ بِالْفَاحِشِ ذِكْرُ الْجِمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ إنْ يَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا وَإِذَا فُسِّرَ الْفَاحِشُ بِهِ ثَبَتَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ مِنْ حَيْثِيَّةِ عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ فِي الْكَافِي وَالتَّقْيِيدُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ أَوْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ .
ا هـ .
وَإِنَّمَا قَالَ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْجِمَاعِ فِي غَيْرِ حَضْرَتِهِنَّ لَيْسَ مِنْ الرَّفَثِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْبُرْهَانِ ا هـ .
وَلَكِنْ عَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ مُخْتَصًّا بِغَيْرِ ذِكْرِ الْجِمَاعِ ، وَقَدْ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ أَيُّ كَلَامٍ كَانَ ( قَوْلُهُ وَالْفُسُوقَ يَعْنِي الْمَنَاهِي ) أَيْ الْمُخْرِجَةَ عَنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ ؛ لِأَنَّ الْفُسُوقَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْخُرُوجُ يُقَالُ : فَسَقَتْ الْفَارَةُ إذَا خَرَجَتْ مِنْ جُحْرِهَا لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ يُرَادُ بِهِ الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى احْتِرَامًا لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَقِيلَ هُوَ التَّسَابُّ وَالتَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ كَذَا
قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ( قَوْلُهُ لَكِنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْإِحْرَامِ أَشَدُّ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ
إلَخْ ) أَيْ وَالظُّلْمُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ .
قَالَ تَعَالَى { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدَّ ؛ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَحْرُمُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُبَاحَاتِ الْمُقَوِّيَةِ لِلنَّفْسِ فَكَيْفَ بِالْمُحَرَّمَاتِ الْأَصْلِيَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمِرَاءُ ) أَيْ الْخِصَامُ ( قَوْلُهُ وَقَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ ) أُرِيدَ بِالصَّيْدِ الْمَصِيدُ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ } ) أَقُولُ : الْمُدَّعَى أَعَمُّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَوَّلَ الْآيَةِ أَيْضًا لِيَتِمَّ الدَّلِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } الْآيَةَ ( قَوْلُهُ وَالْإِشَارَةُ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَحَلُّ تَحْرِيمِهِمَا مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ا هـ .
وَسَيَأْتِي تَمَامُ شُرُوطِ لُزُومِ الْجَزَاءِ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَالتَّطَيُّبَ ) أَقُولُ ، وَكَذَا لَا يَمَسُّ طِيبًا بِيَدِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّطَيُّبَ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ شَمُّ الزَّعْفَرَانِ وَالثِّمَارِ الطَّيِّبَةِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ
إلَخْ ) هَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِهِ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ حَقِيقَةً كَالِاخْتِلَافِ فِي الصَّابِئَةِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الدَّمُ كَمَا ذَكَرَ ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلِينُ الشَّعْرَ قَيَّدَ بِالْخِطْمِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالصَّابُونِ وَالْحُرُضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَحَلْقَ رَأْسِهِ ) أَقُولُ ، وَلَوْ لِلْحِجَامَةِ
أَمَّا الْحِجَامَةُ فِي ذَاتِهَا وَالْفَصْدُ وَجَبْرُ الْكَسْرِ وَالْخَتْنُ وَحَكُّ الْجَسَدِ بِحَيْثُ لَا يُسْقِطُ شَعْرًا ، وَلَا يَقْتُلُ قَمْلًا فَلَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ إزَالَتُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ الْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَالتَّنْوِيرِ وَالْإِحْرَاقِ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ مِنْ الْجَسَدِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا ( قَوْلُهُ وَشَعْرَ بَدَنِهِ ) اسْتَثْنَى الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ إزَالَةَ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَلُبْسَ قَمِيصٍ ) أَقُولُ : وَكَذَا مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ كَالزَّرَدِيَّةِ وَالْبُرْنُسِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ تَلْزِيقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَكِنْ سَنَذْكُرُ أَنَّ لُبْسَ الْخَاتَمِ لَا يُكْرَهُ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ ( قَوْلُهُ وَسَرَاوِيلُ ) السَّرَاوِيلُ أَعْجَمِيَّةٌ ، وَالْجَمْعُ سَرَاوِيلَاتٌ مُنْصَرِفٌ فِي أَحَدِ اسْتِعْمَالَيْهِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْقَبَاءُ بِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ فَعَالُ وَلُبْسُ الْقَبَاءِ بِأَنْ يُدْخِلَ مَنْكِبَيْهِ وَيَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا لَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ وَمَا لَمْ يُزِرُّهُ أَيْ الْقَبَاءَ بِأَزْرَارِهِ وَيُكْرَهُ عَقْدُ الْإِزَارِ وَتَحْلِيلُ الرِّدَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْجِنَايَاتِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ( قَوْلُهُ فَيَقْطَعُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ ) الْمُرَادُ بِالْكَعْبِ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فَيَجُوزُ لُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ فِي رِجْلِهِ لَا يُغَطِّي الْكَعْبَ سُرْمُوزَةً كَانَتْ أَوْ مَدَاسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ لَا الِاسْتِظْلَالَ بِبَيْتٍ وَمَحْمَلٍ ) أَيْ لَا يَمَسُّ رَأْسَهُ ، وَلَا وَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا كُرِهَ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَهُ أَنْ
يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ الْقِدْرَ وَالطَّبَقَ وَالْإِجَّانَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ لِلرَّأْسِ وَلَا يَحْمِلُ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ عَادَةً كَالثِّيَابِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَشَدَّ هِمْيَانَ فِي وَسَطِهِ ) الْهِمْيَانُ بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَيُشَدُّ عَلَى الْحِقْوِ وَلَا يُكْرَهُ شَدُّهُ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ نَفَقَتُهُ أَوْ نَفَقَةُ غَيْرِهِ ، وَكَذَا لَا يُكْرَهُ شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ شَدَّ الْمِنْطَقَةِ بِالْإِبْرَيْسَمِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ
( وَأَكْثَرَ التَّلْبِيَةِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ مَتَى صَلَّى أَوْ عَلَا شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا أَوْ أَسْحَرَ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ وَحِينَ رَأَى الْبَيْتَ كَبَّرَ وَهَلَّلَ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا رَافِعًا يَدَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَاسْتَلَمَهُ ) أَيْ تَنَاوَلَهُ بِالْيَدِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ مَسَحَهُ بِالْكَفِّ ( إنْ قَدَرَ بِلَا إيذَاءٍ ) أَيْ بِلَا إيذَاءِ مُسْلِمٍ يُزَاحِمُهُ ( وَإِلَّا يَمَسُّ بِمَا فِي يَدِهِ فَيُقَبِّلُهُ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا ) أَيْ الِاسْتِلَامِ وَالْإِمْسَاسِ ( اسْتَقْبَلَهُ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا حَامِدًا اللَّهَ تَعَالَى وَمُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَافَ لِلْقُدُومِ مُضْطَبِعًا ) أَيْ جَاعِلًا رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ مُلْقِيًا طَرَفَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ ( وَرَاءَ الْحَطِيمِ ) ، وَهُوَ قِطْعَةُ جِدَارٍ فِي طَرَفِ الْمِيزَابِ مِنْ الْحَطْمِ بِمَعْنَى الْكَسْرِ سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حُطِمَ مِنْ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْبَيْتِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُطَافُ وَرَاءَهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ لَمْ يُجْزِهِ احْتِيَاطًا لَكِنْ إنْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّي الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ ؛ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ تَثْبُتُ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا ( آخِذًا عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ ) أَيْ يَمِينِ الطَّائِفِ وَالطَّائِفُ الْمُسْتَقْبِلُ لِلْحَجَرِ يَكُونُ يَمِينُهُ إلَى جَانِبِ الْبَابِ فَيَبْدَأُ مِنْ الْحَجَرِ ذَاهِبًا إلَى هَذَا الْجَانِبِ وَمَا بَيْنَ الْحَجَرِ إلَى الْبَابِ هُوَ الْمُلْتَزَمُ ( سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ) أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ طَافَ ( رَمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ) الرَّمَلُ أَنْ يَهُزَّ فِي مِشْيَتِهِ الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَذَلِكَ مَعَ الِاضْطِبَاعِ وَكَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَادَةِ لِلْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا أَضْنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ
زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي عَلَى هِينَتِهِ ( وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ ) أَيْ الْحَجَرِ ( فَعَلَ مَا ذُكِرَ ) مِنْ الِاسْتِلَامِ .
( قَوْلُهُ وَأَكْثَرَ التَّلْبِيَةَ ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ صَلَّى وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ : وَيُكْثِرُ وَالْإِكْثَارُ مُسْتَحَبٌّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ الزِّيَادَةُ مِنْهَا عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ سُنَّةٌ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا فَتَكُونُ فَرْضًا وَسُنَّةً وَمَنْدُوبًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا أَخَذَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وِلَاءً ، وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي خِلَالِهَا وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ : لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِيبَ التَّلْبِيَةِ سِرًّا وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ ( قَوْلُهُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ ) هُوَ السُّنَّةُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّ تَرْكَ رَفْعِ الصَّوْتِ كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ ، وَلَا يُبَالِغُ فَيُجْهِدُ نَفْسَهُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا فِي الدُّعَاءِ وَالْأَذْكَارِ الْإِخْفَاءُ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِإِعْلَانِهِ مَقْصُودٌ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَغَيْرِهِمَا وَالتَّلْبِيَةُ لِلْإِعْلَامِ بِالشُّرُوعِ فِيمَا هُوَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَكَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا مُسْتَحَبًّا قَالَهُ فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ مَتَى صَلَّى ) أَيْ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَخَصَّهَا الطَّحَاوِيُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ أَوْ ( عَلَا شَرَفًا ) أَيْ صَعِدَ مَكَانًا مُرْتَفِعًا وَقِيلَ بِضَمِّ الشِّينِ جَمْعُ شُرْفَةٍ ( قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ ) يَعْنِي بَعْدَمَا يَأْمَنُ عَلَى أَمْتِعَتِهِ بِوَضْعِهَا فِي حِرْزٍ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا ؛ لِأَنَّهُ دُخُولُ بَلْدَةٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا .
ا هـ .
وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَكِنَّهُ قَالَ عَقِبَهُ : وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارًا ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا فَلَيْسَ تَفْسِيرًا لِلسُّنَّةِ بَلْ شَفَقَةً عَلَى الْحَاجِّ مِنْ السُّرَّاقِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ بَابِ الْمُعَلَّاةِ لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا فِي دُخُولِهِ بَابَ الْبَيْتِ تَعْظِيمًا وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُلَبِّيًا فِي دُخُولِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مِنْهُ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظًا الْبُقْعَةَ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُزَاحِمِ ( قَوْلُهُ وَحِينَ رَأَى الْبَيْتَ كَبَّرَ وَهَلَّلَ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ وَهَكَذَا فِي الْمُتُونِ ، وَهِيَ غَفْلَةٌ عَمَّا لَا يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ وَذَكَرَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْصَى رَجُلًا بِأَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ لِيَصِيرَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ ، وَمِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ هُنَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ ) شُرُوعٌ فِي أَمْرِ الطَّوَافِ ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ فَإِذَا خَشِيَ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ وَلَمْ يَصِفْ الْحَجَرَ بِالْأَسْوَدِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ كَانَ أَبْيَضَ مِنْ اللَّبَنِ ، وَإِنَّمَا اسْوَدَّ بِمَسِّ الْمُشْرِكِينَ وَالْعُصَاةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ ) أَيْ بَعْدَمَا أَرْسَلَ يَدَيْهِ بَعْدَ رَفْعِهِمَا لِلتَّكْبِيرِ وَتَفْسِيرُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَهُ بِلَا تَصْوِيتٍ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْبِيلِهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِيثَاقَ عَلَى بَنِي آدَمَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ كَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا وَجَعَلَهُ فِي جَوْفِ الْحَجَرِ فَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامِ وَيَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا اسْتَقْبَلَهُ
إلَخْ ) .
أَيْ مُشِيرًا بِكَفَّيْهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ يُقَبِّلُ كَفَّيْهِ ، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ وَطَافَ لِلْقُدُومِ مُضْطَبِعًا ) قَالَ فِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْ الِاضْطِبَاعَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ بِقَلِيلٍ .
ا هـ .
وَلَوْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ وَالرَّمَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ ( قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَطِيمٌ مِنْ الْبَيْتِ ) أَقُولُ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، وَقِيلَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ حَاطِمٍ كَعَلِيمٍ بِمَعْنَى عَالِمٍ ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ } كَذَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ ) أَقُولُ : لَيْسَ الْحِجْرُ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْهُ فَقَطْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ لَمْ يَجُزْ احْتِيَاطًا ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ كُلَّهُ ، وَلَوْ أَعَادَ عَلَى الْحِجْرِ أَيْ الْحَطِيمِ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ وَيَدْخُلُ فِي الْفُرْجَةِ فِي الْإِعَادَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَلْ لَمَّا وَصَلَ إلَى الْفُرْجَةِ عَادَ وَرَاءَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ أَجْزَأَهُ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ : لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا ؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ ا هـ .
قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمَنْكُوسِ لَا يَصِحُّ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ ا هـ .
( قَوْلُهُ فَيَبْتَدِي مِنْ الْحَجَرِ ) قَالَ الْكَمَالُ افْتِتَاحُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ سُنَّةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجِنَايَاتِ فَلَوْ افْتَتَحَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَكُرِهَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي
الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فَجَعَلَهُ شَرْطًا ، وَلَوْ قِيلَ : إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ لِلْمُوَاظَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ ا هـ .
فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ بِالْوُجُوبِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَخُوهُ فِي النَّهْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوُجُوبِ ، وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا كَانَ الِابْتِدَاءُ مُتَعَيِّنًا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ قَرِيبًا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِيَكُونَ مَارًّا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ شَاهَدْنَاهُمْ يَبْتَدِئُونِ الطَّوَافَ ، وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ طَوَافِهِمْ فَاحْذَرْهُ ا هـ .
( قُلْتُ ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيَامِهِ مُسَامِتًا لِلْحَجَرِ بِأَنْ وَقَفَ جِهَةَ الْمُلْتَزَمِ وَمَالَ بِبَعْضِ جَسَدِهِ لِيُقَبِّلَ الْحَجَرَ أَمَّا مَنْ قَامَ مُسَامِتًا بِجَسَدِهِ الْحَجَرَ فَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ وَرُكْنَهُ لَا يَبْلُغُ عَرْضَ جَسَدِ الْمُسَامِتِ لَهُ ، وَبِهِ يَحْصُلُ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ ( قَوْلُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فَلَوْ طَافَ ثَامِنًا عَالِمًا بِأَنَّهُ ثَامِنٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُ إتْمَامَ الْأُسْبُوعِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَامِنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَالْعِبَادَةِ الْمَظْنُونَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الطَّوَافَ خَالَفَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ ، وَلَوْ وَرَاءَ السَّوَارِي وَزَمْزَمِ لَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ ، وَدُعَاءُ الطَّوَافِ مَذْكُورٌ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ بِشَيْءٍ فَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ ( قَوْلُهُ رَمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ ) فَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ
فِي الرَّمَلِ وَقَفَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَسْنُونِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( وَنُدِبَ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ ) ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا ( وَخَتَمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ ثُمَّ صَلَّى شَفْعًا يَجِبُ بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ عِنْدَ الْمَقَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَهُوَ ) أَيْ طَوَافُ الْقُدُومِ وَيُسَمَّى طَوَافَ التَّحِيَّةِ أَيْضًا ( سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ ثُمَّ عَادَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَخَرَجَ فَصَعِدَ الصَّفَا وَاسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا بِمَا شَاءَ ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَصَعِدَ فِيهَا ) أَيْ الْمَرْوَةِ ( وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا يَفْعَلُ هَكَذَا سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ ) يَعْنِي أَنَّ السَّعْيَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ ثُمَّ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ فَيَكُونُ بِدَايَةُ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا وَخَتْمُهُ وَهُوَ السَّابِعُ عَلَى الْمَرْوَةِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي رِوَايَةٍ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى مَرْوَةَ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا
( قَوْلُهُ وَنُدِبَ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ ) أَيْ فَيُقَبِّلُهُ مِثْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالدَّلَائِلُ تَشْهَدُ لَهُ وَصَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِلَامُ غَيْرِ الرُّكْنَيْنِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَقَامِ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالْمَقَامِ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ ، وَهِيَ حِجَارَةٌ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهَا حِينَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ مِنْ الْإِبِلِ حِينَ يَأْتِي إلَى زِيَارَةِ هَاجَرَ وَوَلَدِهَا إسْمَاعِيلَ كَمَا فِي الْمُصَنَّفِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْحَجَرُ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمِهِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى الْحَجِّ وَقِيلَ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ ا هـ .
قُلْت لَكِنْ يُبْعِدُ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ هَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ وَإِلَّا فَحَيْثُ أَرَادَ ، وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُرِدْ طَوَافَ أُسْبُوعٍ آخَرَ لِمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إذَا صَدَرَتْ عَنْ وِتْرٍ ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ أَمَّا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهِ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْوَصْلُ مُطْلَقًا إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ عَادَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ ) قَالَ قَاضِي خَانْ ، وَهَذَا الِاسْتِلَامُ لِافْتِتَاحِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ السَّعْيَ لَا يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَخَرَجَ فَصَعِدَ الصَّفَا ) كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِثُمَّ لِيُرَتِّبَهُ عَلَى
الطَّوَافِ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَيَخْرُجُ لِلسَّعْيِ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ وَالْخُرُوجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا أَفْضَلُ وَلَيْسَ ذَلِكَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةٌ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَتَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فَجَعْلُهُ تَبَعًا لِلْفَرْضِ أَوْلَى لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ رَخَّصُوا فِي إثْبَاتِ السَّعْيِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ لِلشَّغْلِ يَوْمَ النَّحْرِ بِنَحْرِ الدَّمِ وَالرَّمْيِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ التُّحْفَةِ ( قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ) أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ كَمَا لِلدُّعَاءِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ ) أَيْ عَلَى هِينَةٍ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَرُكْنِهِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ يُسْرِعُ الْمَشْيَ وَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُبْتَدَأَ السَّعْيِ ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ الْمِيلُ عَنْ مَبْدَأِ السَّعْيِ بِقَدْرِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ أَلْيَقُ مِمَّا وُضِعَ فِيهِ الْآنَ وَالْمِيلُ الثَّانِي كَانَ مُتَّصِلًا بِدَارِ الْعَبَّاسِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ إذَا تَجَاوَزَ بَطْنَ الْوَادِي مَشَى عَلَى هِينَةٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ ( قَوْلُهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ ) بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يَعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الذَّخِيرَةِ ( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ السَّعْيُ
إلَخْ ) حَكَاهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِصِيغَةِ قِيلَ : وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَبْتَدِئُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ ( قَوْلُهُ وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَهُ ، وَلَا يَجْعَلُهُ شَوْطًا آخَرَ كَمَا لَا يَجْعَلُهُ جُزْءَ شَوْطٍ فَمَا قِيلَ فِي رِوَايَةِ
الطَّحَاوِيِّ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، وَيَقَعُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا لَيْسَ بِذَاكَ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
( ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا شَاءَ وَخَطَبَ الْإِمَامُ سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ ) اعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَ خُطَبٍ إحْدَاهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَهِيَ هَذِهِ ( يُعَلِّمُ فِيهَا الْمَنَاسِكَ ) أَيْ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى ( وَالصَّلَاةَ بِعَرَفَاتٍ وَالْإِفَاضَةَ فَإِذَا صَلَّى ) بِمَكَّةَ ( الْفَجْرَ ثَامِنَ الشَّهْرِ ) وَهِيَ غَدَاةُ التَّرْوِيَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ الْإِبِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ ( خَرَجَ إلَى مِنًى وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ ) لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ( فَبَعْدَ الزَّوَالِ ) قَبْلَ الظُّهْرِ ( خَطَبَ ) الْإِمَامُ ( خُطْبَتَيْنِ ) هَذِهِ هِيَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ ( كَالْجُمُعَةِ ) يَعْنِي يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا ( يُعَلِّمُ فِيهِمَا الْوُقُوفَ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالنَّحْرَ وَالْحَلْقَ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ فَصَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقْتَ الظُّهْرِ بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ ) أَيْ الْإِحْرَامِ الْمَخْصُوصِ بِالْحَجِّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ ) هَذَا التَّفْرِيعُ أَحْسَنُ مِنْ تَفْرِيعِ الْوِقَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الدِّرَايَةِ ( ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَجْمَعُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتٍ بَلْ لَا يَجُوزُ الْعَصْرُ إلَّا فِي وَقْتِهِ ( ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَوْقِفِ بِغُسْلٍ سُنَّ وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ مُسْتَقْبِلًا ، وَدَعَا بِجُهْدٍ وَعَلَّمَ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ بِقُرْبِهِ مُسْتَقْبِلِينَ سَامِعِينَ قَوْلَهُ فَبَعْدَ الْغُرُوبِ أَتَى الْمُزْدَلِفَةِ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ وَنَزَلَ عِنْدَ جَبَلِ قُزَحٍ وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ) هَاهُنَا جَمَعَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ ( وَأَعَادَ مَغْرِبًا أَدَّاهُ فِي الطَّرِيقِ أَوْ عَرَفَاتٍ مَا
لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ ) فَإِنَّهُ إنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ وَذَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِذَا فَاتَ إمْكَانُ الْجَمْعِ سَقَطَ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَجَبَ فَإِمَّا أَنْ يَجِبَ قَضَاءُ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ فَذَا مُحَالٌ إذْ لَا مِثْلَ لَهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ قَضَاءُ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدَّاهَا فِي الْوَقْتِ فَلَا وَجْهَ لِلْقَضَاءِ ( وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ ) ، وَهُوَ الظُّلْمَةُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ( ثُمَّ وَقَفَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَلَبَّى وَصَلَّى وَدَعَا ) هَذَا الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةِ وَاجِبٌ حَتَّى يَجِبُ بِتَرْكِهِ بِلَا عُذْرٍ دَمٌ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا ) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَالطَّوَافِ وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ وَجْهِهِ ، وَقَدْ جَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ثُمَّ يُصَلِّي فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ الْمَذْكُورِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ مَا شَاءَ وَيَلْزَمُ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَلَيْسَتْ الْبَلَاطَةُ الْخَضْرَاءُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ مِنْ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَهُوَ مَوْضِعٌ عَالٍ فِي جِدَارِ الْبَيْتِ بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَالْمِسْمَارُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْبَيْتِ يُسَمُّونَهُ سُرَّةَ الدُّنْيَا يَكْشِفُ أَحَدُهُمْ سُرَّتَهُ وَيَضَعُهَا عَلَيْهِ فِعْلُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا ) أَيْ حَرَامًا وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى تَخْصِيصِ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا شَاءَ ) قَالَ فِي الْكَافِي لَكِنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ إلَّا طَوْفَةً ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ا هـ .
وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ نَفْلًا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَقَلْبُهُ لِلْمَكِّيِّ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةَ وَيَغْتَنِمُ الدُّعَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْإِجَابَةِ ، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا نَقَلَهَا الْكَمَالُ عَنْ رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الطَّوَافِ :
وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ ، وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَعَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مِنًى ، وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَيْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي الْحَطِيمِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ ا هـ .
وَرَأَيْت نَظْمًا لِلشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ مُنْلَا زَادَهْ الْعِصَامِيِّ ذَكَرَ فِيهِ الْمَوَاطِنَ لِلدُّعَاءِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَعَيَّنَ سَاعَاتِهَا زِيَادَةً عَلَى مَا فِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى طِبْقَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ الْمُفَسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَنَاسِكِهِ فَكَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فَقَالَ : قَدْ ذَكَرَ النَّقَّاشُ فِي الْمَنَاسِكِ وَهُوَ لَعَمْرِي عُمْدَةٌ لِلنَّاسِكِ أَنَّ الدُّعَا فِي خَمْسَةٍ وَعَشَرَهْ بِمَكَّةَ يُقْبَلُ مِمَّنْ ذَكَرَهْ وَهْيَ الْمَطَافُ مُطْلَقًا وَالْمُلْتَزَمْ بِنِصْفِ لَيْلٍ فَهُوَ شَرْطٌ مُلْتَزَمْ وَدَاخِلُ الْبَيْتِ بِوَقْتِ الْعَصْرِ بَيْنَ يَدَيْ جِزْعَيْهِ فَاسْتَقْرِ وَتَحْتَ مِيزَابٍ لَهُ وَقْتَ السَّحَرْ وَهَكَذَا خَلْفَ الْمَقَامِ الْمُفْتَخَرْ وَعِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ شِرْبِ الْفُحُولْ إذَا دَنَتْ شَمْسُ النَّهَارِ لِلْأُفُولْ ثُمَّ الصَّفَا وَمَرْوَةِ وَالْمَسْعَى بِوَقْتِ عَصْرٍ فَهُوَ قَيْدٌ يُرْعَى كَذَا مِنًى فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ إذَا تَنَصَّفَ اللَّيْلُ فَخُذْ مَا يُحْتَذَى ثُمَّ لَدَى الْجِمَارِ وَالْمُزْدَلِفَهْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ عَرَفَهْ بِمَوْقِفٍ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ قُلْ ثُمَّ لَدَى السِّدْرَةِ ظُهْرًا وَكَمُلْ ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْوُقُوفَ طُرًّا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا قَدْ مَرَّا بَحْرُ الْعُلُومِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ خَيْرِ الْوَرَى ذَاتًا وَوَصْفًا وَسُنَنْ صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ ثُمَّ سَلَّمَا وَآلِهِ وَالصَّحْبِ مَا غَيْثٌ هَمَى ا هـ .
قُلْت ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِمَارَ ثَلَاثَةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْحَسَنِ ذِكْرُ
السِّدْرَةِ فِيهَا تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فَتَنَبَّهْ لَهُ ( قَوْلُهُ وَخَطَبَ الْإِمَامُ ) يَعْنِي خُطْبَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَذَلِكَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي بِمِنًى وَأَمَّا الثَّانِيَةُ الَّتِي بِعَرَفَةَ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا ، وَهِيَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَيَبْدَأُ فِيهِنَّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالتَّحْمِيدِ كَمَا يَبْدَأُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ أَيْ بِالتَّكْبِيرِ ، وَيَبْدَأُ بِالتَّحْمِيدِ فِي ثَلَاثِ خُطَبٍ : خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالنِّكَاحِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى ، وَلَا يُخَالِفُهُ فِي خُطْبَةِ عَرَفَةَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَصِفَةُ الْخُطْبَةِ الَّتِي بِعَرَفَةَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُهَلِّلَ وَيُكَبِّرَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِظَ النَّاسَ وَيَأْمُرَهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَيُعَلِّمَهُمْ الْمَنَاسِكَ
إلَخْ ا هـ .
لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فِيمَا يَبْدَأُ بِهِ ( قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ بِمَكَّةَ ثَامِنَ الشَّهْرِ خَرَجَ إلَى مِنًى ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ : ظَاهِرُ هَذَا التَّرْتِيبِ إعْقَابُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ خُصُوصَ وَقْتِ الْخُرُوجِ وَاسْتَحْسَنَ فِي الْمُحِيطِ كَوْنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ وَجْهَ ذَلِكَ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، هَذَا وَلَا يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا حَالَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ إلَّا حَالَ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ وَيُلَبِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى ا هـ .
( قَوْلُهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ الْإِبِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ ) أَقُولُ لَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ كَانُوا أَيْ كَانُوا يَرْوُونَ الْإِبِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِعَدَمِ
الْمَاءِ بِعَرَفَةَ إذْ ذَاكَ هَذَا وَقِيلَ سُمِّيَ بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِتَرَوِّي إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي رُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ ذَبْحِ وَلَدِهِ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْعِنَايَةِ وَعَرَفَةَ سُمِّيَتْ بِهَا ؛ لِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَرَفَ حَوَّاءَ فِيهَا وَسُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَةِ مُزْدَلِفَةً ؛ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ ازْدَلَفَا فِيهَا أَيْ اجْتَمَعَا وَسُمِّيَتْ مِنًى بِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُصِيبُونَ إلَى مَنَايَاهُمْ وَالْمَنَايَا جَمْعَ الْمَنِيَّةِ وَقِيلَ سُمِّيَ مِنًى لِمَا يُمْنَى فِيهِ مِنْ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ فِيهَا ثَلَاثُ سِكَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ ، وَقَدْ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقِيلَ فِي التَّسْمِيَةِ غَيْرَ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ وَالْأَكْمَلُ ( قَوْلُهُ وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ ) أَقُولُ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِقُرْبِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِغَلَسٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الْفَجْرَ بِغَلَسٍ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَيُزَادُ وَيَوْمُ عَرَفَةَ عَلَى هَذَا ( قَوْلُهُ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ ) أَقُولُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ وَقْتُ الذَّهَابِ الْمَسْنُونِ وَالسُّنَّةُ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى كَذَا فِي الْفَتْحِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ التَّغْلِيسِ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَفْعَلُهُ لِيُهَيِّئَ أَمْرَهُ لِلْخُرُوجِ ( قَوْلُهُ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ ) أَقُولُ كَمَا أَنَّ شِعَابَ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خَطَبَ الْإِمَامُ أَيْ فِي مَسْجِدِ نَمِرَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ
لَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ا هـ .
إذْ يُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِأَذَانٍ ) أَيْ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَرَاهُ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ الصُّعُودِ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي أُخْرَى بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَيَقْرَأُ فِي الصَّلَاتَيْنِ سِرًّا ، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِنَفْلٍ فَإِنْ فَعَلَ سُنَّ الْأَذَانُ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُعَادُ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ جَمَعَهُمَا كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ مَا يَشْمَلُ النِّيَّةَ الرَّاتِبَةَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ لَا يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالنَّافِلَةِ غَيْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ إذْ قَالَ فَصَلَّى أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ، وَكَذَا بَاقِي إطْلَاقِ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِمْ ، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ التَّطَوُّعَ يُقَالُ عَلَى السُّنَّةِ ا هـ .
قُلْتُ يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ عَنْ التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا يَأْتِي بِسُنَّةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهَا أَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ عِنْدَهُمَا ا هـ .
أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِيهَا ، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَلَوْ أَنَّهُ فَعَلَ فَعَلَ مَكْرُوهًا وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ا هـ .
فَسَّرَهُ نَفْسُهُ بِمَا يَشْمَلُ الرَّاتِبَةَ فَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ حَيْثُ قَالَ : أَمَّا سُنَّةُ الظُّهْرِ
الرَّاتِبَةُ إذَا صَلَّاهَا لَا تَفْصِلُ وَلَا يُعَادُ الْأَذَانُ إذَا اشْتَغَلَ بِهَا .
ا هـ .
وَكَذَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمئِذٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ ( قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ ) أَقُولُ : وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى الزَّوَالِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ أَيْ الْإِحْرَامُ الْمَخْصُوصُ بِالْحَجِّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) أَيْ ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَتْنًا بِقَوْلِهِ وَالْإِحْرَامُ لِلْحَجِّ ، ا هـ .
لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ ا هـ .
وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ جَوَازِ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَمْسَةٌ : الْوَقْتُ وَالْمَكَانُ وَالْإِحْرَامُ وَالْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ ، وَعِنْدَهُمَا الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَا شَرْطًا ا هـ .
وَيُزَادُ سَادِسٌ وَهُوَ صِحَّةُ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُ الظُّهْرِ أَعَادَهُ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَيُشْتَرَطُ إدْرَاكُ شَيْءٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ أَدْرَكَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فَقَطْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْجَمْعُ وَحْدَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ، وَلَوْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا نَفَرُوا قَبْلَ الشُّرُوعِ عَلَى قَوْلِهِ فَوَجْهُ الْجَوَازِ الضَّرُورَةُ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنْ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْإِمَامُ وَالْإِحْرَامُ فِي الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ لِلْجَوَازِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُمَا اقْتَصَرَا عَلَى الْإِحْرَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ا هـ فَيَسْقُطُ شَرْطُ الْإِمَامِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَوْقِفِ ) هَذَا عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الذَّهَابُ إلَى الْمَوْقِفِ مِنْ ابْتِدَاءِ الزَّوَالِ بَلْ لَوْ أَخَّرَهُ جَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ
بِغُسْلٍ سُنَّ ) وَيَغْتَسِلُ بَعْدَ الزَّوَالِ بِعَرَفَاتٍ ( قَوْلُهُ وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفُوا وَرَاءَ الْإِمَامِ لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ ا هـ .
وَالْوُقُوفُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، وَهِيَ الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَفْضَلُ وَالْوُقُوفُ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ قَاعِدًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَيَجْتَهِدُ عَلَى أَنْ يَقْطُرَ مِنْ عَيْنَيْهِ قَطَرَاتٍ مِنْ الدَّمْعِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْقَبُولِ وَيَدْعُو لِأَبَوَيْهِ وَأَهْلِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَعَارِفِهِ وَجِيرَانِهِ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ مَعَ قُوَّةِ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ ، وَلَا يُقَصِّرُ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُمْكِنُهُ تَدَارُكُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ الْآفَاقِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ { أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةٍ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ } رَوَاهُ رَزِينٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِقَوْلِهِ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةٍ } ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّإِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْغُرُوبِ أَتَى مُزْدَلِفَةَ ) أَقُولُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةٍ يُسْرِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا وَدُعَاءُ الدَّفْعِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَلْيُرَاجَعْ ( قَوْلُهُ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ ) بِكَسْرِ السِّينِ وَتَشْدِيدِهَا هُوَ بَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ يَسَارٍ الْمَوْقِفُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ لَيْسَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَادِي مُحَسِّرٍ
خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ا هـ .
وَسُمِّيَ مُحَسِّرًا ؛ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابَ الْفِيلِ حَسِرَ فِيهِ أَيْ أَعْيَا وَكَلَّ ، قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عَرَفَاتٍ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَهُوَ وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ عَنْ يَسَارِ الْمَوْقِفِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قِيلَ إنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَتَكَبَّرُونَ وَيَنْزِلُونَ مُعْتَزِلِينَ عَنْ النَّاسِ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ وَبَطْنِ مُحَسِّرٍ فَأَمَرَ الشَّرْعُ مُخَالَفَتَهُمْ رَدًّا عَلَيْهِمْ ( قَوْلُهُ وَنَزَلَ عِنْدَ جَبَلِ قُزَحٍ ) أَقُولُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ وَهُوَ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَزَحَ إذَا ارْتَفَعَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْمَوْقِفُ فَيَنْزِلُ عِنْدَهُ كَيْ لَا يَضِيقَ عَلَى الْمَارِّ الطَّرِيقُ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ( قَوْلُهُ وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ) بِخِلَافِ الْجَمْعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَيُعْلَمُ بِالْإِقَامَةِ التَّقْدِيمُ عَنْ وَقْتِهِ ، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلَوْ تَطَوَّعَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ
إلَخْ ) أَقُولُ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْجَوَازِ مَا لَمْ يَخَفْ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَإِذَا خَشِيَ طُلُوعَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مُزْدَلِفَةَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ وَإِذَا صَلَّاهُمَا وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ وَدَعَا ) أَيْ مُجْتَهِدًا فِي دُعَائِهِ وَيَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُتِمَّ مُرَادَهُ وَسُؤَالَهُ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ كَمَا أَتَمَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ لِأُمَّتِهِ حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَقَلَ الْكَمَالُ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ وَهْمٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ ا هـ .
وَيَجُوزُ فِي حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ الرَّفْعُ وَالْجَرُّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ( قَوْلُهُ هَذَا الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ ) أَقُولُ وَقَالَ مَالِكٌ : سُنَّةٌ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رُكْنٌ ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ بِهَا مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُهُ فَلَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَلَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَلَوْ وَقَفَ فِيهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ مَرَّ بِهَا جَازَ كَمَا فِي عَرَفَاتٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالتَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ فَقَطْ ، وَلَا يَلْزَمُهُ هُنَا شَيْءٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ وَالْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَاجِبٌ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ( قَوْلُهُ حَتَّى يَجِبَ بِتَرْكِهِ بِلَا عُذْرٍ دَمٌ ) أَقُولُ وَالْعُذْرُ بِأَنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ أَوْ ضَعْفٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَافِي وَكُلُّ وَاجِبٍ فِي الْحَجِّ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ بِعُذْرٍ شَيْءٌ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا نَصَّ الشَّارِعُ بِقَوْلِهِ { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ } ا هـ .
وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ فَقَالَ لَوْ مَرَّ قَبْلَ الْوَقْتِ لِخَوْفِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ا هـ قُلْتُ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ ، وَلَوْ دَفَعَ الْحَاجُّ إلَى مِنًى بِلَيْلٍ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ جَازَ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ .
( وَإِذَا أَسْفَرَ أَتَى مِنًى وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي سَبْعًا ) أَيْ سَبْعَ حَصَيَاتٍ ( خَذْفًا ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ رَمْيُ الْحَصَى بِالْأَصَابِعِ وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْإِبْهَامِ عَلَى طَرَفِ السَّبَّابَةِ فِي الرَّمْيِ ( وَكَبَّرَ لِكُلِّ حَصَاةٍ ) فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا ( وَقَطَعَ تَلْبِيَتَهُ بِأَوَّلِهَا ثُمَّ ذَبَحَ إنْ شَاءَ ) ، وَإِنَّمَا قَالَهُ ؛ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُفْرِدُ تَطَوُّعٌ وَالْكَلَامُ فِي الْمُفْرِدِ ( ثُمَّ قَصَّرَ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ وَحَلَّ لَهُ غَيْرُ النِّسَاءِ وَخَطَبَ ) الْإِمَامُ ( كَمَا فِي السَّابِعِ ) هَذِهِ هِيَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ ( يُعَلِّمُ فِيهَا النَّفْرَ ) ، وَهُوَ خُرُوجُ الْحَاجِّ مِنْ مِنًى ( وَهُوَ طَوَافُ الصَّدَرِ ثُمَّ طَافَ لِلزِّيَارَةِ ) قَدْ مَرَّ أَنَّهُ فَرْضٌ ( يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ سَبْعَةً ) أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ( بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ إنْ فُعِلَا ) أَيْ الرَّمَلُ وَالسَّعْيُ ( قَبْلُ وَإِلَّا فَبِهِمَا فَإِنْ أَخَّرَهُ ) أَيْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ ( عَنْهَا ) أَيْ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ( وَجَبَ دَمٌ ) وَسَنُبَيِّنُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَأَوَّلُ وَقْتِهِ ) أَيْ أَوَّلُ وَقْتِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ( بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ ) أَيْ الطَّوَافُ ( فِيهِ ) أَيْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ ( أَفْضَلُ وَبِهِ ) أَيْ بِالطَّوَافِ ( حَلَّ النِّسَاءُ ثُمَّ أَتَى مِنًى وَرَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعْدَ زَوَالِ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ يَبْدَأُ بِمَا يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ بِمَا يَلِيهِ ثُمَّ بِالْعَقَبَةِ سَبْعًا سَبْعًا وَكَبَّرَ لِكُلٍّ ) أَيْ لِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَاهَا ( وَوَقَفَ أَيْ وَقَفَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى ) وَأَثْنَى عَلَيْهِ ( وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَقَطْ ) أَيْ بَعْدَ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا الثَّالِثِ ، وَلَا بَعْدَ
يَوْمِ النَّحْرِ ( وَدَعَا بِحَاجَتِهِ رَافِعًا يَدَيْهِ ثُمَّ غَدَا كَذَلِكَ وَبَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثَ وَهُوَ ) أَيْ الْمُكْثُ ( أَحَبُّ ، وَإِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِيهِ ) أَيْ الْغَدِ ( جَازَ وَلَهُ النَّفْرُ ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ مِنًى ( إلَى مَكَّةَ قَبْلَ فَجْرِهِ ) أَيْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ ( لَا بَعْدَهُ ) فَإِنَّهُ إنْ وَقَفَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْجِمَارِ ( وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ ) أَيْ مَا يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ ( مَاشِيًا أَفْضَلُ لَا الْعَقَبَةِ ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْأُولَيَيْنِ ( وَكُرِهَ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاتَ بِهَا وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا ( تَقْدِيمَ ثَقَلِهِ ) أَيْ مَتَاعِهِ وَحَوَائِجِهِ ( إلَى مَكَّةَ وَإِقَامَتُهُ بِمِنًى لِلرَّمْيِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ ( وَإِذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ ) اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْفَرَ ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي حَدِّ الْإِسْفَارِ إذَا سَارَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ دَفَعَ ، وَهَذَا بِطَرِيقِ التَّقْرِيبِ ا هـ .
وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ إذَا أَسْفَرَ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ا هـ .
وَقَالَ الْأَكْمَلُ أَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَيْ إذَا قَرُبَتْ إلَى الطُّلُوعِ وَفَعَلَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ الْمَسْأَلَةِ ا هـ .
وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْغَلَطُ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ لَا مِنْ الْقُدُورِيِّ نَفْسِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ الْبَغْدَادِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ مِنْ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَثْبَتَ لَفْظَ الْقُدُورِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ ثُمَّ يُفِيضُ الْإِمَامُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى يَأْتِيَ مِنًى وَأَثْبَتَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مِثْلَ هَذَا أَيْضًا فَقَالَ وَيُفِيضُ الْإِمَامُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَيَأْتِي مِنًى ( قَوْلُهُ أَتَى مِنًى ) أَقُولُ وَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ إنْ كَانَ مَاشِيًا وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَحْرِ ، وَحِكْمَةُ الْإِسْرَاعِ فِيهِ مُخَالَفَةُ النَّصَارَى فَإِنَّهُ مَوْقِفُهُمْ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ .
( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَوْضِعَ أَخْذِ الْجِمَارِ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ يَدْفَعُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَقَالَ قَوْمٌ بِسَبْعِينَ حَصَاةً وَلَيْسَ مَذْهَبَنَا ا هـ .
قُلْت يُعَارِضُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ .
ا هـ .
وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ ا هـ فَالنَّفْيُ لَيْسَ إلَّا عَلَى التَّعْيِينِ أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَنَا مَذْهَبًا وَمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي خِلَافَ مَا قِيلَ : إنَّهُ يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ : جَرَى التَّوَارُثُ بِذَلِكَ وَمَا قِيلَ : يَأْخُذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعًا رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ خِلَافُهَا الْإِسَاءَةَ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهَا مِنْ جَمْعٍ ا هـ .
وَلَا يَأْخُذُهَا مِنْ مَوْضِعِ الرَّمْيِ ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ كَرِهُوهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمَرْدُودُ وَمَعَ هَذَا لَوْ رَمَى بِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَمَا هِيَ إلَّا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَيَلْتَقِطُ الْحَصَيَاتِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْسِرَ حَجَرًا وَاحِدًا سَبْعِينَ صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْآنَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَهَا لِيَتَيَقَّنَ طَهَارَتَهَا فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ ، وَلَوْ رَمَى بِمُتَنَجِّسَةٍ بِيَقِينٍ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ) أَقُولُ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَاكِبًا ، وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَ ا هـ .
وَلَا يَقِفُ بَعْدَ هَذَا الرَّمْيِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ قَالَهُ قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ خَذْفًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ) أَيْ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْخَذْفُ صِغَارُ الْحَصَى قِيلَ : مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ ، وَقِيلَ مِقْدَارُ النَّوَاةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ ، وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ رَمْيُ الْحَصَى بِالْأَصَابِعِ ) أَيْ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ قَالَهُ ابْنُ
كَمَالٍ بَاشَا وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَمَا نَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ وَفِي الْمُغْرِبِ
إلَخْ ) عَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا التَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ تَفْسِيرَيْنِ قِيلَ بِهِمَا : أَحَدُهُمَا أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَاهِرِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدُ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي كَوْنِ الرَّمْيِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى ، وَالْآخَرُ أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِلِ إبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ عَشَرَةً ، وَهَذَا فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّمْيِ بِهِ مَعَ الزَّحْمَةِ وَالْوَهْجَةِ عُسْرٌ وَقِيلَ يَأْخُذُهَا بِطَرَفَيْ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ الْمُعْتَادُ ا هـ .
وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ كَلَامَ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَيْ الَّذِي بِطَرَفِ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ ا هـ .
وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَالَ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إهَانَةً لِلشَّيْطَانِ وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ السُّنَّةِ فَلَوْ رَمَى كَيْفَمَا أَرَادَ جَازَ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِقْدَارَ مَوْضِعِ الرَّمْيِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْكَمَالُ وَمَقَامُ الرَّامِي بِحَيْثُ يَرَى مَوْقِعَ حَصَاهُ وَمَا قُدِّرَ بِهِ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَذَاكَ تَقْدِيرُ أَقَلِّ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ فِي الْمَسْنُونِ ، أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا ، وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّهُ رَمَى
إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ ، وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ ، وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ يَكْفِيهِ لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا مِنْهَا لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبُهُ إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ وَالْقُرْبُ قَدْرُ ذِرَاعٍ ، وَنَحْوِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ كَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُرْبِ ، وَضِدُّهُ الْبُعْدُ فِي الْعُرْفِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الثَّلَاثَةُ الْأَذْرُعِ فِي حَدِّ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ ا هـ .
وَلَوْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى مَحْمَلٍ وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ أَعَادَهَا ، وَإِنْ سَقَطَتْ عَلَى سَنَنِهَا ذَلِكَ أَجْزَأَهُ ، وَلَوْ رَمَى بِسَبْعٍ جُمْلَةً أَجْزَأَهُ عَنْ حَصَاةٍ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَمَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ ، وَلَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ ، وَلَا يَجُوزُ بِالْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَلَا يَصِحُّ بِالْبَعْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) : قَدَّمْنَا جَوَازَ الرَّمْيِ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَشَمِلَ كُلَّ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْبَلْخَشِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْعَقِيقِ وَبِهَذَا صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ أَكْمَلَ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ اُعْتُرِضَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي قَوْلِهِ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِهِمَا حَتَّى لَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِمَا فِي الرَّمْيِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِهَانَةِ بِرَمْيِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا ا هـ .
فَقَدْ أَثْبَتَ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الزَّيْلَعِيِّ ، وَخُصِّصَ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ دُونَ غَيْرِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَيُحَرَّرْ .
( قَوْلُهُ وَكَبَّرَ لِكُلِّ حَصَاةٍ ) قَالَ فِي الْكَافِي ، وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ وَذَا يَحْصُلُ بِالتَّسْبِيحِ كَمَا يَحْصُلُ بِالتَّكْبِيرِ ا هـ .
وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا كَمَا يُفِيدُهُ الْمُصَنِّفُ .
( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقْتَ هَذَا الرَّمْيِ وَلَهُ أَوْقَاتٌ أَرْبَعَةٌ وَقْتُ الْجَوَازِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ فَالْأَوَّلُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَانْتِهَاؤُهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ إلَيْهِ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ، وَلَوْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا وَالثَّانِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ ، وَالثَّالِثُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَالرَّابِعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْوَقْتَ الْمُبَاحَ مِنْ الْمَكْرُوهِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَهُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَمَحْمَلُ الْكَرَاهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِسَاءَةِ فِي الرَّمْيِ الْمَكْرُوهِ عَلَى عَدَمِ الْعُذْرِ فَلَا يَكُونُ رَمْيُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَرَمْيُ الرُّعَاةِ لَيْلًا مُلْزِمَ الْإِسَاءَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَقَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا ) قَالَ الْكَمَالُ .
وَفِي الْبَدَائِعِ فَإِذَا زَارَ الْبَيْتَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَيَذْبَحَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلَبِّي مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ تَزُلْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رِوَايَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةُ ابْنُ
سِمَاعَةَ مَنْ لَمْ يَرْمِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَرِوَايَةُ هِشَامٍ إذَا مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ وَظَاهِرُ رِوَايَتِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَشَارَ بِالرَّمْيِ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ فَيَقْطَعُهَا إنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ أَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ دَمَ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ ، وَمَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ الْمُسْتَحَبِّ كَفِعْلِهِ فَيَقْطَعُهَا إذَا لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ا هـ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ قَصَّرَ ) التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ أُنْمُلَةٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ رُءُوسِ رُبُعِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ مُرَادُ الزَّيْلَعِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ .
وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّقْصِيرِ عَلَى قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِرَأْسِهِ ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الشَّعْرِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ عَادَةً قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ ا هـ .
قُلْتُ يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ أَيْ مِنْ شَعْرِ الرُّبُعِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ أَوْ مِنْ الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْإِجْزَاءِ ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ كَالْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ ( قَوْلُهُ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ ) أَيْ حَلْقُ الرَّجُلِ أَفْضَلُ لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ } وَيَكْتَفِي بِحَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى وَيَجِبُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ عَلَى الْمُخْتَارِ ، وَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ ، وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ
حَلَّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْبَادِيَةِ فَلَمْ يَجِدْ آلَةً أَوْ مَنْ يَحْلِقُهُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَلَيْسَ هَذَا بِعُذْرٍ قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ قُلْتُ وَالْحَصْرُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ ، وَلَوْ بِالنَّارِ أَوْ النُّورَةِ فَيَتَحَلَّلُ بِهِ لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنَّ إجْرَاءَ الْمُوسَى أَيْ عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ لَمْ يَجِبْ لِعَيْنِهِ بَلْ لِإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَزَالَ الشَّعْرَ بِالنُّورَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ إجْرَاءُ الْمُوسَى ا هـ .
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَلْمُ أَظْفَارِهِ وَقَصُّ شَارِبِهِ بَعْدَ الْحَلْقِ وَالدُّعَاءُ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الشَّعْرِ ، وَإِنْ رَمَى بِهِ لَا بَأْسَ وَكُرِهَ إلْقَاؤُهُ فِي الْكَنِيفِ وَالْمُغْتَسَلِ ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ ، وَلَوْ فَعَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَحَلَّ لَهُ غَيْرُ النِّسَاءِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَحْلِيلَ بِالرَّمْيِ لِشَيْءٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَفِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الرَّمْيَ مُحَلِّلٌ لِغَيْرِ النِّسَاءِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالطِّيبُ أَيْضًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ شَامِلٌ لِلطِّيبِ فَيَحِلُّ ، وَلَا تَحِلُّ الدَّوَاعِي وَلَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ بِالرَّمْيِ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ ، وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْأَثَرِ ا هـ .
ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِضَعْفِ مَا فِي الْفَتَاوَى لِمَا قَدَّمْنَا أَيْ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { طَيَّبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ
بِالْبَيْتِ } ا هـ .
وَأَقُولُ لَمْ يَقْتَصِرْ قَاضِي خَانْ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا يُوَافِقُ الْهِدَايَةَ أَيْضًا قِيلَ : هَذَا بِقَوْلِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْأَثَرِ ا هـ .
فَكَانَ الْأَنْسَبُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ أَنْ يَرُدَّ كَلَامَ قَاضِي خَانْ الْمَذْكُورَ ثَانِيًا بِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ لِمُوَافَقَةِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَدَلِيلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّهُ تَنَاقَضَ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَقَوْلُ قَاضِي خَانْ ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ إلَى آخِرِهِ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ : الطِّيبُ دَاعٍ إلَى النِّسَاءِ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ مُطْلَقًا فَخَصَّهُ بِالرَّمْيِ وَحَلَّ بِالْحَلْقِ لِلْأَثَرِ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ لِتَحْلِيلِ الرَّمْيِ لِشَيْءٍ فَالْمَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ الْمُوَافِقِ لِلْهِدَايَةِ وَلِحَصْرِهِ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ بِقَوْلِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلْقِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا يُنْسَبُ لِقَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ بِهِ الطِّيبُ ( قَوْلُهُ وَخَطَبَ الْإِمَامُ كَمَا فِي السَّابِعِ ) أَيْ يَخْطُبُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً وَاحِدَةً لَا يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا ( قَوْلُهُ هَذِهِ هِيَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ ) كَانَ يَنْبَغِي بَيَانُ وَقْتِهَا : وَهُوَ الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّهَا فِي الْعَاشِرِ ، وَعِنْدَنَا
يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَةٍ وَأُخْرَى بِيَوْمٍ وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ فَرْضٌ ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ بِأَكْثَرِهِ وَيَنْجَبِرُ أَقَلُّهُ بِالدَّمِ إذَا تُرِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ) أَقُولُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ ، وَلَا يَخْتَصُّ آخِرُهُ بِزَمَانٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ صِحَّتُهُ بَلْ الْعُمُرُ وَقْتٌ لِصِحَّتِهِ فَإِذَا فَعَلَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَبِهِمَا ) أَيْ فَبِالرَّمَلِ وَالسَّعْيِ يَطُوفُ أَيْ مَعَهُمَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ قَدَّمَ الرَّمَلَ وَالسَّعْيَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَإِلَّا فَعَلَهُمَا فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَكَذَلِكَ الرَّمَلُ لِيَصِيرَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ دُونَ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ ( قَوْلُهُ وَبِهِ حِلُّ النِّسَاءِ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْ بِالطَّوَافِ وَحِلِّ النِّسَاءِ وَيَسْقُطُ لَفْظُ وَبِهِ كَمَا فَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ إذْ حِلُّ النِّسَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِالطَّوَافِ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ أَخَّرَ عَمَلَهُ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أُخِّرَ عَمَلُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَكَذَا صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْحَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَصْلًا وَقَلَّمَ ظُفُرَهُ أَوْ
غَطَّى رَأْسَهُ قَاصِدًا التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْجَزَاءِ وَحِلُّ النِّسَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّكْنِ مِنْ السَّبْعَةِ أَشْوَاطٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَقَطْ ا هـ .
قُلْتُ لَكِنْ سَنَذْكُرُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُحْرِمَةً لَهُ تَحْلِيلُهَا بِقَصِّ ظُفُرٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ التَّحْلِيلُ فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى مِنًى ) أَقُولُ يَعْنِي بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا ( قَوْلُهُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ ) أَقُولُ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ تُوضَعُ فِي يَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا أَوْ يَرْمِي عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَعْنِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالصَّغِيرُ يَرْمِي عَنْهُ أَبُوهُ وَيُحْرِمُ عَنْهُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ كَلَامِ الْمُحِيطِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَلَى جَوَازِ إحْرَامِ الْأَبِ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِالْأَوْلَى فَقَالَ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَيَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بِالْأَوْلَى .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ بَعْدَ زَوَالِ ثَانِي النَّحْرِ ) هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الزَّوَالِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي النَّفَرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ وَوَقَفَ بَعْدَ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ ) أَقُولُ لِيَكُونَ الدُّعَاءُ فِي وَسَطِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَدَعَا بِحَاجَتِهِ ) أَيْ بَعْدَمَا حَمِدَ وَأَثْنَى وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَوْلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ ) أَيْ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ
وَيَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي دُعَائِهِ بِهَذَا الْمَوْقِفِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ } كَمَا فِي الْكَافِي ، وَكَذَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ا هـ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ وَالِدَيْهِ وَأَقَارِبَهُ وَمَعَارِفَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ عُمُومِهِ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدَّمْنَا مَا فِي جَوَازِهِ لِلْعُمُومِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِيهِ أَيْ الْغَدِ ) صَوَابُهُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ أَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ ( قَوْلُهُ جَازَ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَقَالَا رَمْيُ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالثَّانِي وَالثَّالِثِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ وَلَهُ النَّفْرُ أَيْ الْخُرُوجُ إلَى مِنًى ) أَقُولُ صَوَابُهُ إلَى مَكَّةَ أَوْ مِنْ مِنًى ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَلَهُ النَّفْرُ قَبْلَ فَجْرِهِ مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَهُوَ أَيْ الْمُكْثُ أَحَبُّ إلَّا أَنَّهُ أَعَادَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ عَدَمَ جَوَازِ النَّفْرِ بَعْدَ فَجْرِ الرَّابِعِ ( قَوْلُهُ وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ مَاشِيًا أَفْضَلُ لَا الْعَقَبَةِ ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ مَاشِيًا وَإِلَّا فَيَرْمِيهِ رَاكِبًا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَيَرْمِي مَاشِيًا لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى التَّضَرُّعِ وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ ا هـ .
لِأَنَّهُ رُوِيَ رُكُوبُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ كُلِّهِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَحْمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ رُكُوبِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ عَلَى ظُهُورِ فِعْلِهِ لِيُقْتَدَى بِهِ وَيُسْأَلَ وَيُحْفَظَ عَنْهُ الْمَنَاسِكُ كَمَا ذُكِرَ فِي طَوَافِهِ رَاكِبًا ، .
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ الْمَشْيِ قَالَ : يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إلَى الْجِمَارِ ، وَإِنْ رَكِبَ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَتَظْهَرُ أَوْلَوِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا رُكُوبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قُلْنَا كَانَ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ مَاشِيًا أَقْرَبَ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالْمَرْكُوبِ بَيْنَهُمْ بِالزَّحْمَةِ ا هـ .
مَا قَالَهُ الْكَمَالُ ، وَقَدْ شَاهَدْت أَذِيَّةَ الرَّاكِبِ خُصُوصًا مِمَّنْ يَكُونُ فِي مِحَفَّةٍ وَمَعَهُ أَتْبَاعُهُ مِنْ الْجُنْدِ رُكْبَانًا مَعَ ضِيقِ الْمَحَلِّ بِكَثْرَةِ الْحَاجِّ ( قَوْلُهُ وَكُرِهَ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَكُونُ مُسِيئًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَقَالَ فِي الْكَافِي يُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ ، وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا عَمْدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ تَبَعٌ لِلرَّمْيِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ كَالْبَيْتُوتَةِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ ا هـ فَلْيُنْظَرْ التَّوْفِيقُ لِيُدْفَعَ التَّعَارُضُ ( قَوْلُهُ وَعُمَرُ كَانَ يُؤَدِّبُ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ - اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ - ثُمَّ نَقَلَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مِنًى وَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنَامَ أَحَدٌ أَيَّامَ مِنًى بِمَكَّةَ ( قَوْلُهُ ثَقَلِهِ ) بِفَتْحَتَيْنِ وَجَمْعُهُ أَثْقَالٌ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَحَشَمُهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ ) لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ زَمَنًا وَقَالَ قَاضِي خَانْ يَنْزِلُ سَاعَةً ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ يُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ
وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ ا هـ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنَّ النُّزُولَ سَاعَةً مُحَصِّلٌ لِأَصْلِ السُّنَّةِ وَأَمَّا الْكَمَالُ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ ) وَيُقَالُ لَهُ خَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ .
وَقَالَ فِي الْإِمَامِ هُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ ، وَهَذَا لَا تَحْرِيرَ فِيهِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ فِنَاءُ مَكَّةَ حَدُّهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ الْمُتَّصِلِينَ بِالْمَقَابِرِ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لِذَلِكَ مُصَعِّدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْ الْمُحَصَّبِ قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَقُولُ وَكَانَ نُزُولُهُ قَصْدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ حَتَّى يَكُونَ النُّزُولُ بِهِ سُنَّةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
( ثُمَّ طَافَ لِلصَّدَرِ ) وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ( سَبْعَةً ) أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ( بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ ثُمَّ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ ) أَيْ عَتَبَةَ الْكَعْبَةِ ( وَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَى الْمُلْتَزَمِ ) ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ ( وَتَشَبَّثَ ) أَيْ تَمَسَّكَ ( بِالْأَسْتَارِ ) أَيْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ سَاعَةً وَدَعَا مُجْتَهِدًا ( وَبَكَى ) عَلَى فِرَاقِ الْكَعْبَةِ ( وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ جَازَ تَرْكُ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْوَاقِفِ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ ) ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ ( مَنْ وَقَفَ بِهَا ) أَيْ بِعَرَفَاتٍ ( سَاعَةً مِنْ زَوَالِ عَرَفَةَ إلَى صُبْحِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ اجْتَازَ بِالنَّوْمِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ جَهِلَ أَنَّهَا ) أَيْ تِلْكَ الْأَرْضَ ( عَرَفَاتٌ صَحَّ ) وُقُوفُهُ ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ ، وَهُوَ الْوُقُوفُ ( كَذَا ) أَيْ صَحَّ أَيْضًا ( لَوْ أَهَلَّ رَفِيقُهُ عَنْهُ بِالْحَجِّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقَدَ الرُّفْقَةَ فَقَدْ اسْتَعَانَ بِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَالْإِحْرَامُ مَقْصُودٌ بِهَذَا السَّفَرِ فَكَانَ الْإِذْنُ بِهِ ثَابِتًا دَلَالَةً فَإِنَّهُ إذَا آذَنَ إنْسَانًا بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ فَأَحْرَمَ عَنْهُ صَحَّ بِالْوِفَاقِ فَكَذَا هَذَا حَتَّى إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ فَيَصِيرُ الرَّفِيقُ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ ، وَعَنْ غَيْرِهِ بِالنِّيَابَةِ
( قَوْلُهُ ثُمَّ طَافَ لِلصَّدَرِ ) عَبَّرَ بِثُمَّ الْمُفِيدَةِ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي فَأَفَادَ أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِهِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ وَأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ مَا دَامَ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ حَتَّى لَوْ مَكَثَ عَامًا لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ يَطُوفَهُ وَيَقَعُ أَدَاءً وَإِذَا طَافَهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَطُوفَهُ حِينَ يَخْرُجُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ إذَا اشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِعَمَلٍ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا طَافَ لِلصَّدَرِ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْعِشَاءِ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ كَيْ لَا يَكُونَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَنَفْرِهِ حَائِلٌ ، وَلَوْ نَفَر وَلَمْ يَطُفْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَطُوفَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جَدِيدٍ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمَوَاقِيتَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ عَيْنًا بَلْ إمَّا أَنْ يَمْضِيَ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَطُوفَ لِلصَّدَرِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ وَقَالُوا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ مَالًا ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ ) أَقُولُ وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ حَتَّى لَوْ طَافَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدَرِ كَمَا لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيُلْحَقُ بِهِمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمِيقَاتِ وَمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ أَيْ الرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَمَا حَلَّ وَقْتُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ لَزِمَهُ التَّوْدِيعُ
كَنِيَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَائِضُ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ وَالنُّفَسَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِضِ وَلَيْسَ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ الصَّدَرِ كَعَدَمِ طَوَافِ الْقُدُومِ لَهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ
إلَخْ ) .
أَيْ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْوَدَاعِ ( قَوْلُهُ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ ) أَيْ بَعْدَ زَمْزَمَ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَبْدَأُ بِالْمُلْتَزَمِ أَوْ بِزَمْزَمَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِزَمْزَمَ ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ فَيَسْتَقِيَ بِنَفْسِهِ الْمَاءَ وَيَشْرَبَهُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسَ فِيهِ مَرَّاتٍ وَيَرْفَعَ بَصَرَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَيَنْظُرَ إلَى الْبَيْتِ وَيَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبَّ عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ .
ا هـ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْكَمَالُ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا فِي فَضْلِ مَاءِ زَمْزَمَ وَذَكَرَ فِيهِ مَا بِهِ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ مَتْنِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ } ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ سِيَاقِ حَدِيثِ { مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ } ، وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ فَنَالُوهَا بِبَرَكَتِهِ ا هـ .
وَصَرَّحَ الْكَمَالُ بِاسْمِ بَعْضِهِمْ كَابْنِ الْمُبَارَكِ ( قَوْلُهُ وَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَ عَلَى الْمُلْتَزَمِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بَابَ الْبَيْتِ أَوَّلًا وَيُقَبِّلَ الْعَتَبَةَ وَيَدْخُلَ الْبَيْتَ حَافِيًا ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَيَتَشَبَّثَ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً يَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ بِمَا أَحَبَّهُ مِنْ أُمُورِ الدَّارَيْنِ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا بَيْتُك الَّذِي جَعَلْته مُبَارَكًا وَهُدَى لِلْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ كَمَا هَدَيْتنِي لَهُ فَتَقَبَّلْ مِنِّي ، وَلَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ بَيْتِك وَارْزُقْنِي
الْعَوْدَ إلَيْهِ حَتَّى تَرْضَى عَنِّي بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَقَالَ الْكَمَالُ الْمُلْتَزَمُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا دَعَوْت قَطُّ إلَّا أَجَابَنِي } ا هـ .
وَقَدَّمْنَاهُ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَجَابِ فِيهَا الدُّعَاءُ ( قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي ذَلِكَ إجْلَالُ الْبَيْتِ وَتَعْظِيمُهُ وَهُوَ وَاجِبُ التَّعْظِيمِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهِ فِي تَعْظِيمِ الْأَكَابِرِ وَالْمُنْكِرُ لِذَلِكَ مُكَابِرٌ ، وَهَذَا تَمَامُ الْحَجِّ يَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ ا هـ .
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى } قَالَهُ الْكَمَالُ ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَطَالِبِ ( تَنْبِيهٌ ) : فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ إشْعَارٌ بِعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُجَاوَرَةُ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ وَنَفَى الْكَرَاهَةَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ : وَهُوَ أَيْ قَوْلُهُمَا أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ } وَالْعُكُوفُ الْمُجَاوَرَةُ ا هـ .
وَأَجَابَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ دَلِيلِهِمَا بِأَنَّ الْعُكُوفَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى اللُّبْثِ دُونَ الْمُجَاوَرَةِ ( قَوْلُهُ جَازَ تَرْكُ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ
إلَخْ ) فِي تَعْبِيرِهِ بِجَوَازِ التَّرْكِ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيهَامَ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ ، وَلَا يَأْتِي بِهِ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ سُنَّةً .
ا هـ .
وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي عُدُولِهِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالسُّقُوطِ أَنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي اللَّازِمِ وَلَكِنْ عَبَّرَ بِهِ الْمُؤَلِّفُونَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ عَنْ عَدَمِ سُنِّيَّةِ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ ؛ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ مَا شَرَعَ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْأَفْعَالِ كَمَا أَفَادَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ مَنْ وَقَفَ بِهَا سَاعَةً ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ الْيَسِيرُ مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ لَا السَّاعَةُ عِنْدَ الْمُنَجِّمِينَ ( قَوْلُهُ صَحَّ وُقُوفُهُ ) تَبِعَ فِيهِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَقُلْ تَمَّ حَجُّهُ كَصَاحِبِ الْكَنْزِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَامِ الْأَمْنُ مِنْ بُطْلَانِ الْحَجِّ لَا حَقِيقَةُ التَّمَامِ لِبَقَاءِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لَكِنَّهُ إذَا وَقَفَ نَهَارًا وَجَبَ عَلَيْهِ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ إلَى مَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَلَيْهِ دَمٌ ، وَإِنْ وَقَفَ لَيْلًا يَجِبُ عَلَيْهِ امْتِدَادُهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ النِّيَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرُّكْنُ مِمَّا يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً مَعَ عَدَمِ إحْرَامِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَصْلِ النِّيَّةِ ، وَعَنْ هَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لِهَارِبٍ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي يَجِبُ الطَّوَافُ بِهِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ ، وَلَوْ نَوَى أَصْلَ الطَّوَافِ جَازَ ، وَلَوْ عَيَّنَ جِهَةً غَيْرَ الْفَرْضِ مَعَ أَصْلِ النِّيَّةِ لَغَتْ حَتَّى لَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ عَنْ نَذْرٍ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ النَّذْرِ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ يُؤَدَّى فِي إحْرَامٍ مُطْلَقًا فَأَغْنَتْ النِّيَّةُ عِنْدَ الْعَقْدِ عَلَى الْأَدَاءِ
عَنْهَا فِيهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ الَّذِي يُؤَدَّى بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ فَلَا يُغْنِي وُجُودُهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ عَنْهَا ، وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا الْعُمْرَةِ وَالْأَوَّلُ يَعُمُّهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ كَذَا أَيْ صَحَّ أَيْضًا لَوْ أَهَلَّ رَفِيقُهُ عَنْهُ بِالْحَجِّ ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَوَاءٌ أَحْرَمَ الرَّفِيقُ قَبْلَ إحْرَامِهِ عَنْهُ أَوْ لَا وَأَطْلَقَ مَنْ أَحْرَمَ عَنْهُ عَنْ قَيْدِ الْإِغْمَاءِ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ ، وَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِإِغْمَائِهِ صَحَّ ا هـ .
وَقَيَّدَ بِالْحَجِّ لِدَلَالَةِ حَالَةِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ عَنْ الْقَيْدِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ بِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا ا هـ .
قُلْتُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ ، وَقَدْ يَمْتَدُّ الْإِغْمَاءُ ، وَلَا يَحْصُلُ إحْرَامٌ عَنْهُ بِالْحَجِّ فَيَفُوتُ مَقْصِدُهُ ظَاهِرًا فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقْدَ الرُّفْقَةِ إلَخْ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفِيقِ رَفِيقُ الْقَافِلَةِ لَا الصُّحْبَةِ وَالْمُخَالَطَةِ كَمَا قَالُوا فِي خَوْفِ الْعَطَشِ عَلَى الرَّفِيقِ الْمُرَادُ بِهِ رَفِيقُ الْقَافِلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ غَيْرُ رَفِيقِهِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ الْكَمَالُ الرَّفِيقُ قَيْدٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ عِنْدَ آخَرِينَ حَتَّى لَوْ أَهَلَّ غَيْرُ رُفَقَائِهِ عَنْهُ جَازَ وَهُوَ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ لَا الْوِلَايَةِ ، وَدَلَالَةُ الْإِعَانَةِ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ عُلِمَ قَصْدُهُ رَفِيقًا كَانَ أَوْ لَا
وَلَيْسَ مَعْنَى الْإِحْرَامِ عَنْهُ أَنْ يُجَرِّدُوهُ وَيُلْبِسُوهُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ بَلْ أَنْ يَنْوُوا وَيُلَبُّوا عَنْهُ فَيَصِيرُ هُوَ بِذَلِكَ مُحْرِمًا كَمَا لَوْ نَوَى وَلَبَّى وَيَنْتَقِلُ إحْرَامُهُمْ إلَيْهِ حَتَّى كَانَ لِلرَّفِيقِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ ذَلِكَ وَإِذَا بَاشَرَ أَيْ الرَّفِيقُ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْقَارِنِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ الْمَشَاهِدَ فَيُطَافُ بِهِ وَيُسْعَى وَيُوقَفُ أَوْ لَا بَلْ مُبَاشَرَةُ الرُّفْقَةِ لِذَلِكَ عَنْهُ تُجْزِئُهُ فَاخْتَارَ طَائِفَةٌ الْأَوَّلَ وَاخْتَارَ آخَرُونَ الثَّانِيَ ، وَجَعَلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصَحَّ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَوْلَى لَا مُتَعَيِّنٌ ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَطِيفَ بِهِ الْمَنَاسِكَ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَيُشْتَرَطُ نِيَّتُهُمْ الطَّوَافَ إذَا حَمَلُوهُ فِيهِ كَمَا يُشْتَرَط نِيَّتُهُمْ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْهُمْ تَجْوِيزَ عَدَمِ حَمْلِهِ وَعَدَمِ شُهُودِ الْمَشَاهِدِ .
ا هـ .
وَهَذَا يُفِيدُ إجْزَاءَ طَوَافٍ وَاحِدٍ عَنْ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ بِالنِّيَّةِ عَنْهُمَا وَيُخَالِفُهُ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ مَنْ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا أَجْزَأَ ذَلِكَ الطَّوَافُ عَنْ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ جَمِيعًا وَسَوَاءٌ نَوَى الْحَامِلُ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَعَنْ الْمَحْمُولِ أَوْ لَمْ يَنْوِ أَوْ كَانَ لِلْحَامِلِ طَوَافَ الْعُمْرَةِ وَلِلْمَحْمُولِ طَوَافَ الْحَجِّ وَعَكْسُهُ أَوْ كَانَ الْحَامِلُ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ وَالْمَحْمُولُ عَمَّا أَوْجَبَهُ إحْرَامُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ جِنَايَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِانْقِلَابِهِ عَلَى صَيْدٍ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إذَا أَذِنَ صَحَّ بِالْوِفَاقِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْخِلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْقَائِلُ بِصِحَّةِ الْإِهْلَالِ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَبُو حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا
فَإِذَا أَذِنَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ صَحَّ إجْمَاعًا لَكِنْ لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ الْقَائِلَ ، وَلَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي مَعَ ذِكْرِ الِاتِّفَاقِ بَعْدَهُ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ جَوَازُ إتْمَامِ حَجِّ مَنْ حَصَلَ لَهُ عِلَّةٌ بَعْدَمَا أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ نَصَّ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ إلَّا مَحْمُولًا وَهُوَ يَعْقِلُ وَنَامَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَطَافُوا بِهِ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ إذَا طَافُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِهِ لَا يَجْزِيهِ ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَامَ فَحَمَلُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلُوا بِهِ الطَّوَافَ أَوْ تَوَجَّهُوا بِهِ نَحْوَهُ فَنَامَ وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ ا هـ .
وَنَقَلَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ فَظَهَرَ أَنَّ النَّائِمَ يَشْتَرِطُ صَرِيحَ الْإِذْنِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ، وَإِنْ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا بِغَيْرِ عِلَّةٍ طَوَافَ الْعُمْرَةِ أَوْ الزِّيَارَةِ وَجَبَ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ ا هـ .
( وَمَنْ لَمْ يَقِفْ فِيهَا ) أَيْ فِي عَرَفَاتٍ ( فَاتَ حَجُّهُ فَطَافَ وَسَعَى وَتَحَلَّلَ وَقَضَى مِنْ قَابِلٍ ) أَيْ عَامَ قَابِلٍ بَعْدَهُ ( وَالْمَرْأَةُ ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ ( كَالرَّجُلِ لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا ، وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا ، وَلَا تَرْمُلُ ، وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ ، وَلَا تَحْلِقُ وَتُقَصِّرُ وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ ، وَلَا تَقْرَبُ الْحَجَرَ فِي الزِّحَامِ ، وَحَيْضُهَا لَا يَمْنَعُ نُسُكًا غَيْرَ الطَّوَافِ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ لِلْحَائِضِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْحَيْضُ ( بَعْدَ رُكْنَيْهِ ) أَيْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ ( يَسْقُطُ الصَّدْرُ ) ، وَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ ( الْبُدْنُ ) جَمْعُ بَدَنَةٍ ( مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ) وَالْهُدَى مِنْهُمَا وَمِنْ الْغَنَمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ فَطَافَ إلَخْ ) أَيْ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ الْحَجِّ ( قَوْلُهُ لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا ) تَبِعَ فِيهِ الْهِدَايَةَ وَالْكَنْزِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا ، وَلَا يَذْكُرُ الْوَجْهَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي الْوَجْهِ ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُهُ فِي الرَّأْسِ فَيَكُونُ فِي ذِكْرِهِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَلَا يُقَالُ : إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِيهِ ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمَا عُرِفَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ا هـ .
فَلَا يُنَاسِبُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمَّا كَانَ كَشْفُ وَجْهِهَا خَفِيًّا ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ لِمَا أَنَّهُ مَحَلُّ الْفِتْنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِيهِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ كَمَا قَالُوا أَنْ تُسْدِلَ عَلَى وَجْهِهَا شَيْئًا وَتُجَافِيَهُ ، وَقَدْ جَعَلُوا لِذَلِكَ أَعْوَادًا كَالْقُبَّةِ تُوضَعُ عَلَى الْوَجْهِ وَتُسْدَلُ فَوْقَهَا الثَّوْبُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ إبْذَالِ وَجْهِهَا لِلْأَجَانِبِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ دَلَّ الْحَدِيثُ أَيْ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { كَانَ الرُّكْبَانُ تَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ } .
( قَوْلُهُ : وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ ) أَيْ فَتَمْشِي بَيْنَهُمَا عَلَى هِينَتِهَا كَبَاقِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ؛ لِأَنَّ سَعْيَهَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ مُخِلٌّ بِالسَّتْرِ أَوْ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَهُوَ لِلرِّجَالِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَضْطَبِعُ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الرَّمَلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَتُقَصِّرُ ) أَيْ كَالرَّجُلِ مِنْ رُبُعِ شَعْرِهَا خِلَافًا لِمَا قِيلَ : إنَّهُ لَا
يَتَقَدَّرُ فِي حَقِّهَا بِالرُّبُعِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ ) قَالَ الْكَمَالُ لَكِنْ لَا تَلْبَسُ الْمُوَرَّسَ وَالْمُزَعْفَرَ وَالْمُعَصْفَرَ ا هـ .
قُلْتُ إنْ كَانَ لِصَبْغٍ فِيهِ يَنْفُضُهُ فَهِيَ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ حَيْثِيَّةِ الطِّيبِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْفَضُ فَهُوَ جَائِزٌ لَهَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَخِيطِ إذَا لَمْ يُنْفَضْ جَازَ لُبْسُهُ لِلرَّجُلِ ( قَوْلُهُ وَحَيْضُهَا لَا يَمْنَعُ نُسُكًا ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ا هـ .
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا ، وَلَا يَخْلُو بِامْرَأَةٍ ، وَلَا بِرَجُلٍ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
( بَابُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ ) ( الْقِرَانُ أَنْ يُهِلَّ ) الْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ ( بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا ) قَالَ فِي الْكَنْزِ ، وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ
إلَخْ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ اشْتِرَاطُ الْإِهْلَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمِيقَاتِ جَازَ وَصَارَ قَارِنًا ؛ وَلِذَا قُلْت هَاهُنَا ( مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا ) كَذَا فِي الْكَافِي ( وَيَقُولَ بَعْدَ الصَّلَاةِ ) يَعْنِي الشَّفْعَ الَّذِي يُصَلِّيهِ مُرِيدًا لِلْإِحْرَامِ ( اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي وَطَافَ لِلْعُمْرَةِ سَبْعَةٌ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَيَسْعَى بِلَا حَلْقٍ ) بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ ( ثُمَّ يَحُجُّ ) أَيْ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَيَسْعَى ( كَمَا مَرَّ ) فِي الْمُفْرِدِ ( وَكُرِهَ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ لَهُمَا ) بِأَنْ طَافَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا سَبْعَةً لِلْعُمْرَةِ وَسَبْعَةً لِطَوَافِ الْقُدُومِ لِلْحَجِّ ثُمَّ سَعَى لَهُمَا ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ سَعْيَ الْعُمْرَةِ وَقَدَّمَ طَوَافَ الْقُدُومِ ( وَذَبَحَ لِلْقِرَانِ بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ الذَّبْحِ ( صَامَ ثَلَاثَةَ ) أَيَّامٍ ( آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَسَبْعَةَ ) أَيَّامٍ ( بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَيْنَ شَاءَ ) أَيْ سَوَاءٌ صَامَ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا ( فَإِنْ فَاتَتْ الثَّلَاثَةُ تَعَيَّنَ الدَّمُ وَبِالْوُقُوفِ قَبْلَ الْعُمْرَةِ بَطَلَتْ وَقُضِيَتْ ) أَيْ الْعُمْرَةُ ( وَوَجَبَ دَمُ الرَّفْضِ وَسَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ ) .
بَابُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ ( قَوْلُهُ الْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ ) أَقُولُ كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ بِالتَّلْبِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إهْلَالٍ مَخْصُوصٍ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْإِهْلَالُ بِكُلِّ ذِكْرٍ خَالِصٍ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّلْبِيَةِ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِهْلَالِ مُحَافَظَةً عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ إذْ رَفْعُ الصَّوْتِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا بَلْ الرَّفْعُ مُسْتَحَبٌّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ الْقِرَانِ لُغَةً وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مَصْدَرُ قَرَنَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْقِرَانَ لِفَضْلِهِ عَلَى الْإِفْرَادِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ تَرَقِّيًا مِنْ الْوَاحِدِ إلَى الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدُ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَخَّرَ بَيَانَ أَفْضَلِيَّتِهِ آخِرَ الْبَابِ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ ( قَوْلُهُ مَعًا ) الْمَعِيَّةُ لَيْسَتْ قَيْدًا لَازِمًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بِحِجَّةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ صَارَ قَارِنًا ، وَإِنْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةً ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا ، وَكَذَا يَكُونُ قَارِنًا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهُ وَقَدْ أَسَاءَ لِتَقْدِيمِهِ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ لِلْحَجِّ طَوَافَ الْقُدُومِ كَانَ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ لَا دَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَنْزِ
إلَخْ ) أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِيقَاتَ ذُكِرَ قَيْدًا اتِّفَاقِيًّا فِي كَلَامِ الْكَنْزِ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَكُونُ إلَّا آفَاقِيًّا وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ
الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ أَوْ قَبْلَهُ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ ) وَلَيْسَ قَيْدًا لَازِمًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا دَاخِلَ الْمِيقَاتِ كَانَ قَارِنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ ( قَوْلُهُ وَيَقُولَ ) بِالنَّصْبِ عُطِفَ عَلَى يُهِلَّ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ وُجْدَانِ النِّيَّةِ أَوْ إعْلَامٌ بِهَا فَهُوَ بَيَانٌ لِشَرْطَيْ دُخُولِهِ فِي الْقِرَانِ التَّلْبِيَةُ وَالنِّيَّةُ أَفَادَ الْإِتْيَانَ بِالتَّلْبِيَةِ بِقَوْلِهِ يُهِلُّ وَالْإِتْيَانَ بِالنِّيَّةِ بِيَقُولُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَقُولُ وَيُهِلُّ فَيَكُونَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فِي الذِّكْرِ عِنْدَ الْإِهْلَالِ وَدُعَاءِ التَّيْسِيرِ وَإِنْ أَخَّرَهَا فِيهِمَا جَازَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْكَافِي وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَدَّمَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ ذِكْرَ الْحَجِّ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } فَمَنْ مَالَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ ا هـ .
وَالْآيَةُ ، وَإِنْ وَرَدَتْ فِي التَّمَتُّعِ لَكِنَّ الْقِرَانَ فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَرَفَّقَ بِالنُّسُكَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ بَعْدَ سَعْيِهِ إنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَحُجُّ ) عَبَّرَ بِحَرْفِ التَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بَيْنَ الطَّوَافَيْنِ بِأَكْلٍ أَوْ نَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ( قَوْلُهُ أَيْ يَبْدَأُ
إلَخْ ) هَذَا التَّرْتِيبُ أَعْنِي تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ وَاجِبٌ فَلَوْ طَافَ أَوَّلًا لِحَجَّتِهِ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا فَطَوَافُهُ الْأَوَّلُ وَسَعْيُهُ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْمَنَاسِكِ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا ، .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ طَوَافُ التَّحِيَّةِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْقِرَانِ الْإِتْيَانُ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالتَّمَتُّعِ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَالْحَقُّ اشْتِرَاطُ فِعْلِ أَكْثَرِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَهُ الْكَمَالُ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ ( قَوْلُهُ وَذَبَحَ لِلْقِرَانِ ) أَيْ شَاةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ وَالْجَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَقَرَةِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ كَمَا هُوَ فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ ( قَوْلُهُ صَامَ ثَلَاثَةً آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ ) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ ا هـ .
وَعَلَى هَذَا يُسْتَثْنَى عَدَمُ كَرَاهَةِ صَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ عَنْ الْهَدْيِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَرَاهَةَ صَوْمِهِ لِلْحَاجِّ ، وَالْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ فِي الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ أَيْ مَا لَمْ يَحْلِقْ ، وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَمَا أَكْمَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَحِلَّ وَهُوَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْهَدْيِ ، وَلَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ صَوْمِ السَّبْعَةِ أَيَّامٍ صَحَّ صَوْمُهُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْهَدْيِ ، وَلَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ مَاضٍ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ فَحَقَّقْت لُزُومَ ذَبْحِ الْهَدْيِ لِوُجُودِهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بَعْدَ الْحَلْقِ كَمَا لَوْ
وَجَدَهُ فِيهَا قَبْلَ الْحَلْقِ وَأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ ، وَلَا الرَّمْيِ وَلَيْسَ التَّحَلُّلُ إلَّا بِالْحَلْقِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عَمَلُهُ فِي حِلِّ النِّسَاءِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا بَدِيعَةَ الْهَدْيِ لِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ( قَوْلُهُ وَسَبْعَةً بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ صَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْوَاجِبِ لِلنَّهْيِ عَنْ صِيَامِهَا كَذَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ وَبِالْوُقُوفِ قَبْلَ الْعُمْرَةِ ) أَيْ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِأَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ أَتَى بِأَكْثَرِ الطَّوَافِ بِقَصْدِهَا أَوْ بِقَصْدِ الْقُدُومِ أَوْ التَّطَوُّعِ لَمْ تَبْطُلْ وَيَأْتِي بِبَاقِيهَا يَوْمَ النَّحْرِ ، وَهُوَ قَارِنٌ عَلَى حَالِهِ وَتَلْغُو نِيَّةُ الطَّوَافِ لِغَيْرِهَا ، وَإِنْ أَتَى بِأَقَلِّهَا بَطَلَتْ بِالْوُقُوفِ وَقُيِّدَ بُطْلَانُهَا بِالْوُقُوفِ فَلَا تَبْطُلُ بِالذَّهَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ رَفْضَهَا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ كَالْجُمُعَةِ وَالْفَرْقُ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ بِالتَّوَجُّهِ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَالتَّوَجُّهُ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ
قَوْلُهُ ( وَالتَّمَتُّعُ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْقِرَانُ ( الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِهِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا بَيْنَهُمَا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ التَّمَتُّعُ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَا يَتِمُّ بِهِ مَعْنَى التَّمَتُّعِ ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّقَ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْآخَرُ فِيهَا ، وَكَذَا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا كَانَ النُّسُكَانِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا حَصَلَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَالْآخَرَ مِنْ السَّنَةِ الْأُخْرَى ، وَلَمْ يُوجَدْ الْإِلْمَامُ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ ثُمَّ قَالَ فَإِذَنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِأَنْ يُقَالَ التَّمَتُّعُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا كَوْنُ التَّرَفُّقِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ فَهُوَ شَرْطٌ وَسَنَذْكُرُهُ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ اللَّفْظِ بِحَسَبِ مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا تَعْرِيفًا اسْمِيًّا فَيَجِبُ كَوْنُهُ جَامِعًا وَمَانِعًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا فَلِهَذَا اخْتَرْت هَهُنَا تِلْكَ الْعِبَارَةَ ( فَيُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي الْأَشْهُرِ بِعُمْرَةٍ فَيَطُوفُ لَهَا قَاطِعًا التَّلْبِيَةَ أَوَّلَ طَوَافِهِ ) لِلْعُمْرَةِ ( وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ فَبَعْدَ مَا أَحَلَّ مِنْهَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ ) وَكَوْنُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَيْسَ
بِشَرْطٍ ( بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَفْضَلُ وَحَجَّ كَالْمُفْرِدِ لَكِنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافِهِ لِلْحَجِّ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ فَإِنَّهُ قَدْ سَعَى مَرَّةً ( وَذَبَحَ ) ، وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ ( وَلَمْ تَنُبْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُ ، وَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ الذَّبْحِ ( صَامَ كَالْقِرَانِ ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ ( وَجَازَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ ( لَا قَبْلَهُ ) أَيْ الْإِحْرَامِ ( وَنُدِبَ تَأْخِيرُهُ إلَى عَرَفَةَ ) فَإِنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَقْتٌ لِصَوْمِ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ ، وَكَذَا الْحَالُ فِي الْقِرَانِ لَكِنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ آخِرُهَا عَرَفَةُ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ ( وَإِنْ شَاءَ ) الْمُتَمَتِّعُ ( سَوْقَ هَدْيِهِ أَحْرَمَ وَسَاقَهُ ) ، وَهُوَ أَفْضَل مِنْ قَوْدِهِ إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تُسَاقُ فَحِينَئِذٍ يَقُودُهَا ( وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ ) أَيْ إلْقَاءُ الْجَلِّ عَلَى ظَهْرِهَا ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ } ( وَكُرِهَ إشْعَارُهَا ) وَهُوَ شَقُّ سَنَامِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ طَعَنَ فِي جَانِبِ الْيَسَارِ قَصْدًا وَفِي جَانِبِ الْيَمِينِ اتِّفَاقًا وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا كَرِهَ هَذَا الصُّنْعَ ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهَذَا ، وَقِيلَ إنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ حَتَّى يُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ ، وَقِيلَ : إنَّمَا كَرِهَ إيثَارَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ ( وَاعْتَمَرَ ) أَيْ فَعَلَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ ( وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْهَا ) أَيْ
الْعُمْرَةِ ( إذَا سَاقَهُ ) أَمَّا إذَا لَمْ يَسُقْهُ فَيَتَحَلَّلْ مِنْهَا كَمَا مَرَّ ( ثُمَّ أَحْرَمَ ) الْمُتَمَتِّعُ ( بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَحَبُّ ) كَمَا مَرَّ ( فَبِحَلْقِهِ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُحَلِّلٌ فِي الْحَجِّ كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ وَالتَّمَتُّعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) أَيْ بَيْنَ أَفْعَالِهِمَا وَهُمَا صَحِيحَانِ بِإِحْرَامَيْنِ وَأَكْثَرُ طَوَافِهِمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِإِحْرَامٍ بِهَا قَبْلَهَا كَفِعْلِهَا فِيهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَفَسَّرْنَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِالْأَفْعَالِ ؛ لِأَنَّهَا الشَّرْطُ لَا الْإِحْرَامُ إذْ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى شَوَّالٍ مِنْ قَابِلٍ وَأَتَى بِهَا فِيهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَقَوْلُنَا عَنْ إحْرَامٍ بِهَا قَبْلَهَا احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِالْعُمْرَةِ كَفَائِتِ الْحَجِّ فَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ فِي عَامِهِ بَلْ أَخَّرَ إلَى قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَتَى بِهِمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنْ مِنْ عَامَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ بِلَا إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ ) الْإِلْمَامُ النُّزُولُ يُقَالُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إذَا نَزَلَ قَوْلُهُ إلْمَامًا صَحِيحًا ) هُوَ النُّزُولُ بِوَطَنِهِ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهُدَى وَالْإِلْمَامُ الْفَاسِدُ مَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قُلْتُ كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَلَكِنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ لَا يَكُونُ إلْمَامُهُ صَحِيحًا ( قَوْلُهُ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْعِنَايَةِ إنَّ التَّرَفُّقَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
إلَخْ وَيُؤَيِّدُ بَحْثَ الْمُصَنِّفِ قَوْلُ الْكَمَالِ بَعْدَ سِيَاقِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ا هـ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ بِمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ الْجَوَابِ ، وَلَكِنْ مَالَ شَيْخُنَا إلَى كَلَامِ الْعِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمَاهِيَّةِ
وَالتَّعْرِيفُ لِحَقِيقَةِ الْمَاهِيَّةِ ( قَوْلُهُ فَيُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ ) الْمِيقَاتُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعُمْرَةِ ، وَلَا لِلتَّمَتُّعِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا جَازَتْ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِهَا تَمَتُّعٌ ، وَلَا قِرَانٌ ا هـ .
وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمِيقَاتَ يُطْلَقُ لِكُلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ فَيَشْمَلُ الْمَكِّيَّ ( قَوْلُهُ : فِي الْأَشْهُرِ ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ الْإِحْرَامُ بِهَا بِالْأَشْهُرِ بَلْ أَكْثَرُ طَوَافِهَا فِيهَا شَرْطٌ ( قَوْلُهُ قَاطِعًا التَّلْبِيَةَ أَوَّلَ طَوَافِهِ ) أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ فَيَكُونُ تَلْبِيَتُهُ إذْ ذَاكَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا إلَى أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ ( قَوْلُهُ وَيَحْلِقُ ) يَعْنِي إنْ شَاءَ وَلَيْسَ بِحَتْمٍ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ تَحَلَّلَ ، وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ
إلَخْ ) أَقُولُ فَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ طَافَ وَسَعَى بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ ، وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ تَنُبْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُ ) أَقُولُ حَتَّى لَوْ تَحَلَّلَ بَعْدَمَا ضَحَّى يَجِبُ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ا هـ .
قُلْتُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُقُوعِ طَوَافٍ مَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمُتْعَةِ وَتَلْغُوَ نِيَّتُهُ كَذَا ظَهَرَ لِي ثُمَّ رَأَيْت مُوَافَقَتَهُ لِفَهْمِ صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ الْحُكْمِ ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ أَيْ دَمُ التَّمَتُّعِ لَيْسَ فَوْقَ طَوَافِ الرُّكْنِ ، وَلَا مِثْلَهُ ، وَقَدْ