كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو
لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوَلِيِّ شَرَعَ فِي الْكُفْءِ فَقَالَ ( الْكَفَاءَةُ ) هِيَ لُغَةً كَوْنُ الشَّيْءِ نَظِيرُ آخَرَ وَهِيَ ( تُعْتَبَرُ ) فِي النِّكَاحِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلُزُومِ النِّكَاحِ خِلَافًا لِمَالِكٍ ( نَسَبًا ) فِي الْعَرَبِ فَإِنَّ الْعَجَمَ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ ( فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ ) أَيْ بَعْضُهُمْ كُفُؤٌ لِبَعْضٍ ( وَالْعَرَبُ ) يَعْنِي مَا سِوَى قُرَيْشٍ ( أَكْفَاءٌ ) قَبِيلَةٌ لِقَبِيلَةٍ وَلَيْسُوا كُفُؤًا لِقُرَيْشٍ ( وَالْمَوَالِي ) يَعْنِي الْعَجَمَ سُمُّوا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ نَصَرُوا الْعَرَبَ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالنَّاصِرُ يُسَمَّى مَوْلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ } ( أَكْفَاءٌ ) رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَيْ لَا يُعْتَبَرُ نَسَبُهُمْ وَلَيْسُوا بِكُفْءٍ لِلْعَرَبِ .
( وَ ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا ( إسْلَامًا فَمُسْلِمٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِذِي أَبٍ ) وَاحِدٍ ( فِيهِ ) أَيْ الْإِسْلَامِ ( وَالْأَبَوَانِ فِيهِ كَالْآبَاءِ ) يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ كُفُؤٌ لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَقَعُ بِالْأَبَوَيْنِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزَّائِدُ .
( وَ ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا ( حُرِّيَّةٌ فَعَبْدٌ أَوْ مُعْتَقٌ لَيْسَ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَلَا مُعْتَقُ أَبُوهُ كُفُؤًا لِذَاتِ أَبَوَيْنِ حُرَّيْنِ ، وَ ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا ( دِيَانَةً ، فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفُؤًا لِصَالِحَةٍ أَوْ بِنْتِ صَالِحٍ ، وَ ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا ( مَالًا ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ( فَالْعَاجِزُ عَنْ ) الْمَهْرِ ( الْمُعَجَّلِ وَالنَّفَقَةِ لَيْسَ كُفُؤًا لِفَقِيرَةٍ ) ، أَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ عِوَضُ بُضْعِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَهْرِ قَدْرُ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلِأَنَّ قِوَامَ الِازْدِوَاجِ وَدَاوَمَهُ بِهَا ( لَا غِنَى فِي الْأَصَحِّ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ
الْمَالِ مَذْمُومَةٌ فِي الْأَصَحِّ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ إلَّا مَنْ قَالَ بِمَالِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا أَيْ تَصَدَّقَ بِهِ } ( فَالْقَادِرُ عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ( كُفُؤٌ لِذَاتِ أَمْوَالٍ عِظَامٍ ) لِعَدَمِ الْعِبْرَةِ بِالْغِنَى .
( وَ ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا ( حِرْفَةً ) ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ يَقَعُ بِهَا ( فَمِثْلُ حَائِكٍ ) كَحَدَّادٍ وَخَفَّافٍ وَنَحْوِهِمَا ( لَيْسَ كُفُؤًا لِمِثْلِ عَطَّارٍ ) كَبَزَّازٍ فَالْعَطَّارُ وَالْبَزَّازُ كُفُؤَانِ ( الْعَجَمِيُّ الْعَالِمُ كُفُؤٌ لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ ) ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ يُقَاوِمُ شَرَفَ النَّسَبِ ( وَالْعَالِمُ الْفَقِيرُ ) أَيْ غَيْرُ الْغَنِيِّ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَالنَّفَقَةِ ( كُفُؤٌ لِلْجَاهِلِ الْغَنِيِّ ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْغِنَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ( وَلِلْعَلَوِيِّ ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ يُقَاوِمُ شَرَفَ النَّسَبِ ( وَالْقَرَوِيُّ لِلْمَدَنِيِّ نَقَصَتْ ) أَيْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ وَنَقَصَتْ ( عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِلْوَلِيِّ أَنْ يُتِمَّ ) الْمَهْرَ ( أَوْ يُفَرِّقَ ) بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا أَلْحَقَتْ الْعَارَ بِالْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَفَاخَرُونَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيُعَيَّرُونَ بِالنُّقْصَانِ فَكَانَ لَهُمْ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ
( قَوْلُهُ : هِيَ لُغَةً كَوْنُ الشَّيْءِ نَظِيرَ آخَرَ ) كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُ عَقِيبَ قَوْلِهِ فِي الْكُفْءِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَعْرِيفَهُ شَرْعًا لِوُضُوحِ أَنَّهُ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ .
( قَوْلُهُ : بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ وَلَفْظَةُ بَيْنَ لَا تُفِيدُ هَذَا .
( قَوْلُهُ : لِلُزُومِ النِّكَاحِ ) أَيْ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْكَفَاءَةِ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لِلُزُومِهِ وَلَا يَضُرُّ زَوَالُهَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدَّمْنَا الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِهَا لِلصِّحَّةِ .
( قَوْلُهُ : خِلَافًا لِمَالِكٍ ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ خِلَافَ الْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا أَيْضًا لِمُوَافَقَتِهِ لِمَالِكٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ ) الْقُرَشِيُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ وَالْهَاشِمِيُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَالْعَرَبُ مَنْ جَمَعَهُمْ أَبٌ فَوْقَ النَّضْرِ وَالْمَوَالِي سِوَاهُمْ ، كَذَا فِي الْكَافِي أَيْ سِوَى الْعَرَبِ ، وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُمْ رِقٌّ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ ) أَطْلَقَهُ كَالْكَنْزِ وَأَخْرَجَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي مِنْ عُمُومِهِ بَنِي بَاهِلَةَ فَقَالَ : وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ ا هـ .
قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ أَيْ اسْتِثْنَاءُ بَنِي بَاهِلَةَ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْلَمَ لِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ ، وَقَدْ أَطْلَقَ ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ ، بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ فَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَبَوَانِ فِيهِ كَالْآبَاءِ ) لَوْ ثَنَّى ضَمِيرَ فِيهِ وَأَخَّرَهُ عَنْ اعْتِبَارِ
الْحُرِّيَّةِ لَكَانَ خَيْرًا لِيُفِيدَ ذَلِكَ فِي الْحُرِّيَّةِ أَيْضًا كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ .
( قَوْلُهُ : فَالْعَاجِزُ عَنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لَيْسَ كُفُؤًا لِفَقِيرَةٍ ) غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ ؛ لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ كُفُؤًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ فَهُوَ كُفُؤٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَيُعَدُّ قَادِرًا عَلَى الْمَهْرِ بِيَسَارِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ بِيَسَارِ الْأَبِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : فَالْقَادِرُ عَلَيْهِمَا أَيْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ كُفُؤٌ ) مُفِيدٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ : فَالْعَطَّارُ وَالْبَزَّازُ كُفُؤَانِ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِرْفَةِ التَّقَارُبُ لَا حَقِيقَةُ الْمُسَاوَاةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَالْعَالِمُ الْفَقِيرُ
إلَخْ ) لَمْ يُفِدْ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْمَهْرَ وَقَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ كَانَ كُفُؤًا لِفَائِقَةِ الْغِنَى فَزِيَادَةُ الْعِلْمِ لَمْ تُؤَثِّرْ شَيْئًا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ا هـ .
نَعَمْ وَصْفُ الْعِلْمِ يُجْبِرُ خَلَلَ الْفَقْرِ بِعَدَمِ مِلْكِ الْمَهْرِ عَلَى مَا نَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ ، وَقِيلَ إذَا كَانَ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ يَكُونُ كُفُؤًا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّ بِنْتَ مَلِكِهِمْ إذَا خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا تَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ .
( قَوْلُهُ : لِلْوَلِيِّ أَنْ يُتِمَّ الْمَهْرَ أَوْ يُفَرِّقَ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ طَلَبُ تَتْمِيمِ الْمَهْرِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ الْعَصَبَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا عَلَى الْمُخْتَارِ فَخَرَجَ الْقَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ بِعَصَبَةٍ وَخَرَجَ الْقَاضِي ا هـ .
( قُلْت ) التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ لِكُلِّ قَرِيبٍ ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِتَزَوُّجِهَا غَيْرَ الْكُفْءِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ لَا كَابْنِ الْعَمِّ هُوَ الْمُخْتَارُ ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَمَرَ رَجُلٌ شَخْصًا ) أَطْلَقَ الرَّجُلَ الْآمِرَ فَشَمِلَ الْأَمِيرَ وَغَيْرَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً تُكَافِئُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ
( أَمَرَ ) رَجُلٌ شَخْصًا ( بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَزَوَّجَهُ أَمَةً جَازَ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَدَرَ مُطْلَقًا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ كَمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ كَمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ( وَامْرَأَتَيْنِ لَا ) يَعْنِي إذَا زَوَّجَهُ الْمَأْمُورُ امْرَأَتَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ ؛ إذْ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ كِلْتَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِهِ وَلَا إلَى إلْزَامِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى إلْزَامِ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَجْهُولَةِ لِتَعَطُّلِهِ عَمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ الْوَطْءُ لِاسْتِحَالَةِ وَطْءِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ ( زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَائِبٍ ) بِأَنْ قَالَتْ اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ ( فَأَجَازَهُ ) أَيْ أَجَازَ الْغَائِبُ التَّزْوِيجَ بِبُلُوغِ خَبَرِهِ إلَيْهِ ( فَإِنْ كَانَ قَبِلَ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ طَرَفِ الْغَائِبِ فِي الْمَجْلِسِ ( وَاحِدٌ ) سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا ( جَازَ ) النِّكَاحُ ( وَإِلَّا فَلَا ) ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ عَنْ الْمَرْأَةِ شَطْرُ الْعَقْدِ وَشَطْرُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ غَائِبٍ ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَلَوْ مِنْ فُضُولِيٍّ لِيَتَحَقَّقَ صُورَةُ الْعَقْدِ وَيَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى إجَازَةِ الْغَائِبِ
( قَوْلُهُ : كَمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَتَهُ ) مِثَالٌ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ كَمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ) تَنْصِيصٌ عَلَى الشَّرْطِ الثَّانِي لِصِحَّةِ تَزْوِيجِ الْمَأْمُورِ أَمَةً لِآمِرِهِ .
( قَوْلُهُ : وَامْرَأَتَيْنِ لَا ) أَيْ فِي صُورَةِ قَوْلِهِ زَوِّجْنِي امْرَأَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ ، أَمَّا لَوْ عَيَّنَهَا فَزَوَّجَهَا لَهُ مَعَ أُخْرَى لَزِمَتْهُ الْمُعَيَّنَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ ) لَا يَنْفُذُ نِكَاحُهُمَا عَلَى الْآمِرِ فَيَتَوَقَّفُ فَإِنْ أَجَازَهُمَا صَحَّ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهُمَا ، وَلَوْ قَالَ فَانْتَفَى اللُّزُومُ اسْتَقَامَ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
( قَوْلُهُ : سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا ) أَمَّا كَوْنُهُ فُضُولِيًّا فَوَاضِحٌ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ وَكِيلًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِشَرْطِ الْمُصَنِّفِ الْإِجَازَةَ لِصِحَّتِهِ مَعَ قَبُولِ الْوَكِيلِ .
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَلَا ) مُفِيدٌ عَدَمَ الِانْعِقَادِ مَوْقُوفًا فِيمَا إذَا قَبِلَ الْعَاقِدُ الْفُضُولِيَّ أَيْضًا عَنْ الْغَائِبِ كَقَوْلِهَا زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَتْ وَقَبِلْتُ عَنْهُ لَا يَتَوَقَّفُ ، بَلْ يَبْطُلُ فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا قَيَّدَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ تَوَقُّفِهِ بِمَا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ ، أَمَّا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْحَوَاشِي قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ وَلَا وُجُودَ لِهَذَا الْقَيْدِ فِي كَلَامِ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ ، بَلْ كَلَامُ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ الَّذِي جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقٌ عَنْهُ ، وَأَصْلُ الْمَبْسُوطِ خَالٍ عَنْهُ
( يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ ) يَعْنِي الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ ( وَاحِدٌ لَيْسَ بِفُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبٍ ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِمَا ، بَلْ الْوَاحِدُ إذَا كَانَ وَكِيلًا مِنْهُمَا فَقَالَ زَوَّجْتُهَا إيَّاهُ كَانَ كَافِيًا وَلَهُ أَقْسَامٌ إمَّا أَصِيلٌ وَوَلِيٌّ كَابْنِ الْعَمِّ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ أَصِيلٌ وَوَكِيلٌ كَمَا إذَا وَكَّلَتْ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا نَفْسَهُ أَوْ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ وَكِيلًا مِنْهَا أَوْ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَوَكِيلًا مِنْ آخَرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فُضُولِيًّا كَمَا إذَا كَانَ أَصِيلًا وَفُضُولِيًّا أَوْ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَفُضُولِيًّا مِنْ آخَرَ أَوْ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَفُضُولِيًّا مِنْ آخَرَ أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ
( قَوْلُهُ : أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) قَالَ الْكَمَالُ إنْ قَبِلَ مِنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ تَوَقَّفَ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ ا هـ .
وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ الثَّانِي قَبِلْتُ لَهُمَا فَإِذَا جَازَا نَفَذَ .
( تَنْبِيهٌ ) لِلْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ فَسْخُهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ أَجَازَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ قَاسَهُ عَلَى الْبَيْعِ ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ تَرْجِعُ إلَى الْفُضُولِيِّ بَعْدَ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْعَاقِدِ أَنْ يَفْسَخَ هَذَا الْعَقْدَ ا هـ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ
( أَذِنَتْ ) امْرَأَةٌ ( لِرَجُلٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَعَقَدَ ) أَيْ تَزَوَّجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لِنَفْسِهِ ( عِنْدَ شَاهِدَيْنِ جَازَ ) النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ فُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبٍ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ ( كَذَا ابْنُ عَمٍّ زَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ ) أَيْ يَصِحُّ هَذَا التَّزْوِيجُ أَيْضًا لِكَوْنِهِ وَلِيًّا لَيْسَ بِفُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبٍ ( وَلَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّهَا نَصَبَتْهُ مُزَوِّجًا لَا مُتَزَوِّجًا
( قَوْلُهُ : وَكَّلَتْ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَجُزْ ) فَكَذَا عَكْسُهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إلَّا أَنْ تَقُولَ مِمَّنْ شِئْت ا هـ .
وَإِذَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ فِي الصَّحِيحِ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْآمِرِ بِامْرَأَةٍ أَمَةٍ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِعَدَمِ الْكُفْءِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَيُمْنِهِ
بَابُ الْمَهْرِ ) .
( صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ وَبِنَفْيِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } فَإِنَّ الْبَاءَ لَفْظٌ خَاصٌّ مَعْنَاهُ الْإِلْصَاقُ فَيَدُلُّ قَطْعًا عَلَى امْتِنَاعِ انْفِكَاكِ الِابْتِغَاءِ وَهُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ عَنْ الْمَالِ فَإِنْ قِيلَ الِابْتِغَاءُ وَرَدَ مُطْلَقًا عَنْ الْإِلْصَاقِ بِالْمَالِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ } وَالْمُطْلَقُ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَنَا وَأَيْضًا مُحَصِّلُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الِابْتِغَاءَ الصَّحِيحَ مُلْصَقًا بِالْمَالِ فَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ الِابْتِغَاءُ الْمُنْفَكُّ عَنْ الْمَالِ صَحِيحًا لَا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَمُسْتَوْجِبًا لِثُبُوتِ مَا نَفَى أَوْ سَكَتَ عَنْهُ مِنْ الْمَهْرِ قُلْنَا عَنْ الْأَوَّلِ إنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَنَا أَيْضًا إذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْحَادِثَةُ وَدَخَلَ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ عَلَى الْحُكْمِ الْمُثْبَتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَهَا هُنَا كَذَلِكَ ، وَعَنْ الثَّانِي أَنْ قَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } دَلَّ عَلَى تَحَقُّقِ الطَّلَاقِ بِدُونِ سَبْقِ فَرْضِ الْمَهْرِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَجَبَ أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى مَا حَمَلْنَاهَا عَلَيْهِ
( بَابُ الْمَهْرِ ) .
لَمَّا ذَكَرَ رُكْنَ النِّكَاحِ وَشَرْطَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ فَإِنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ فَكَانَ حُكْمًا لَهُ وَلَهُ أَسْمَاءٌ مَهْرٌ صَدَاقٌ نِحْلَةٌ أَجْرٌ فَرِيضَةٌ عُقْرٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ ) لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } ) غَيَّرَ الْأَنْسَبَ لِلْمَقَامِ فَإِنَّهُ فِي بَيَانِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا تَسْمِيَةِ مَهْرٍ لَا فِي بَيَانِ لُزُومِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلصِّحَّةِ عَلَى قَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } ، ثُمَّ يُقَالُ وَالْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي
( وَأَقَلُّهُ قَدْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةً وَزْنُ سَبْعَةٍ ) أَيْ وَزْنُ كُلِّ عَشَرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ حَتَّى يَجُوزَ وَزْنُ عَشَرَةٍ تِبْرًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ بِخِلَافِ نِصَابِ السَّرِقَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَوَجَبَتْ ) أَيْ الْعَشَرَةُ ( إنْ سَمَّى دُونَهَا ) .
( قَوْلُهُ : وَأَقَلُّهُ قَدْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةً وَزْنَ سَبْعَةٍ ) هُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا ، وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا اُعْتُبِرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ لَا يَوْمَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِذَا أُنْقِصَ عَنْ الْعَشَرَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِالنِّسْبَةِ لِضَمَانِهَا فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَقَبَضَتْهُ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ هَلَكَ الثَّوْبُ رَدَّتْ عَشَرَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ
( وَ ) وَجَبَ ( الْأَكْثَرُ إنْ سَمَّى ) أَيْ الْأَكْثَرَ ( عِنْدَ الْوَطْءِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْوُجُوبِ ( أَوْ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا ( أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا ) فَإِنَّهُ أَيْضًا مُؤَكِّدٌ لِلْمَهْرِ ( وَنِصْفُهُ ) أَيْ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى ( بِطَلَاقٍ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ الْخَلْوَةِ )
قَوْلُهُ : عِنْدَ الْوَطْءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْوُجُوبِ ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، بَلْ الْمَهْرُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ لُزُومُ تَمَامِهِ بِنَحْوِ الْوَطْءِ ، وَلَوْ حُكْمًا كَمَا لَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَالْخَلْوَةِ أَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِنَحْوِ حَجَرٍ وَيَجِبُ نِصْفُهُ بِزَوَالِهَا بِدَفْعَةٍ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ أَيْضًا مُؤَكِّدٌ لِلْمَهْرِ ) مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَاهُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ كَذَلِكَ فِيمَا قَبْلَهُ .
( قَوْلُهُ : وَنِصْفُهُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ الْوَطْءِ ) لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ لِمَا قُلْنَا إنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ فَهِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ
( وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَمَا ذَكَرَ ) مِنْ الْوَطْءِ وَالْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ ( فِي الشِّغَارِ ) وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ بِنْتَه أَوْ أُخْتَهُ لِلْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَه أَوْ أُخْتَهُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا سَمَّى بِهِ ؛ لِأَنَّ الشُّغُورَ هُوَ الرَّفْعُ وَالْإِخْلَاءُ فَكَأَنَّهُمَا بِهَذَا الشَّرْطِ رَفَعَا الْمَهْرَ وَأَخْلَيَا الْبُضْعَ عَنْهُ ( وَ ) وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَيْضًا ( فِيمَا لَمْ يُسَمَّ ) الْمَهْرُ ( أَوْ نَفَى إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ ( فَذَاكَ ) الشَّيْءُ هُوَ الْوَاجِبُ ( أَوْ سُمِّيَ ) عَطْفٌ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ أَيْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيمَا سُمِّيَ ( خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ هَذَا الْخَلُّ وَهُوَ خَمْرٌ ، أَوْ هَذَا الْعَبْدُ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ ثَوْبٌ أَوْ دَابَّةٌ لَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهُمَا أَوْ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ أَوْ خِدْمَةُ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَهَا سَنَةً ) ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ فَضْلًا عَنْ التَّقَوُّمِ ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَقِيلَ لَا تَسْتَحِقُّ الْخِدْمَةَ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ ، وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ أَوْ الزِّرَاعَةِ لَمْ يَجُزْ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهَا إجْمَاعًا اسْتِدْلَالًا بِقِصَّةِ مُوسَى وَشُعَيْبٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَإِنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إذَا قَصَّهَا اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِلَا إنْكَارٍ ، كَذَا فِي الْكَافِي ( وَلَوْ ) كَانَ الزَّوْجُ ( عَبْدًا فَالْخِدْمَةُ ) أَيْ فَالْوَاجِبُ الْخِدْمَةُ فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ ابْتِغَاءٌ بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ
( قَوْلُهُ : وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ بِنْتَه
إلَخْ ) لَا يَصِحُّ هَذَا الْمِثَالُ لِلشِّغَارِ اصْطِلَاحًا إلَّا بِزِيَادَةِ شَرْطِ جَعْلِ بُضْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا نَظِيرَ بُضْعِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، بَلْ مِثْلُ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا يَكُونُ شِغَارًا اصْطِلَاحًا ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِكَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ ، بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَه وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا ، فَلَيْسَ بِشِغَارٍ ، وَإِنْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ .
ا هـ .
( قُلْت ) لَكِنْ يُعَارِضُهُ أَنَّهُ خِدْمَةٌ لَهَا ، وَلَيْسَتْ مِنْ مُشْتَرَكِ مَصَالِحِهِمَا فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَةُ التَّعْلِيمِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ أَوْ الزِّرَاعَةِ لَمْ يَجُزْ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
( قَوْلُهُ : وَالصَّوَابُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهَا
إلَخْ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَالْأَوْجَهُ أَوْ وَالْأَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصَّوَابِ يَقْتَضِي خَطَأَ مَا يُقَابِلُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ خَطَأٌ ا هـ .
عَلَى أَنَّ الْكَمَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ كَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ ا هـ .
وَالدَّلِيلُ قَاصِرٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ فِي الزِّرَاعَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ تَسْمِيَتِهَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الزِّرَاعَةِ وَالرَّعْيِ لَمْ يَتَمَحَّضْ خِدْمَةً لَهَا ؛ إذْ الْعَادَةُ اشْتِرَاكُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ مَالِهِمَا ، فَلَيْسَ مِنْ بَابِ خِدْمَةِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ أَلَا يُرَى أَنَّ الِابْنَ إذَا
اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ لِلزِّرَاعَةِ وَالرَّعْيِ صَحَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ ا هـ .
وَالْمُرَادُ بِالزِّرَاعَةِ أَنْ يَزْرَعَ أَرْضَهُ بِبَذْرِهَا ، وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ فَإِنْ شُرِطَ لَهُ شَيْءٌ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( تَنْبِيهٌ ) : لَوْ جَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا كَأَنْ يَقُولَ أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَكِ بِعِوَضِ الْعِتْقِ فَقَبِلَتْ صَحَّ وَهِيَ بِالْخِيَارِ فِي تَزَوُّجِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَإِنْ أَبَتْ أَلْزَمْنَاهَا بِقِيمَتِهَا ، وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّ رِقَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ
( وَمُتْعَةٌ ) عَطْفٌ عَلَى الْمَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ وَجَبَ مُتْعَةٌ ( لِمُفَوِّضَةٍ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهِيَ الَّتِي زُوِّجَتْ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا ( طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ وَهِيَ ) أَيْ الْمُتْعَةُ ( دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ ) أَيْ نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا ( وَلَوْ ) كَانَ الزَّوْجُ ( غَنِيًّا وَلَا تَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةٍ ) أَيْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ( وَلَوْ ) كَانَ ( فَقِيرًا وَتُعْتَبَرُ ) أَيْ الْمُتْعَةُ ( بِحَالِهِ ) لَا حَالِهَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } ، وَقِيلَ تُعْتَبَرُ بِحَالِهِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِي الْآيَةِ أَشَارَ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { بِالْمَعْرُوفِ } ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ كَمَا قُلْنَا فِي النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ بِحَالِهِ وَحْدَهُ لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْوَضِيعَةِ وَالشَّرِيفَةِ فِي الْمُتْعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ ، بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَتُسْتَحَبُّ ) أَيْ الْمُتْعَةُ ( لِمَنْ سِوَاهَا ) أَيْ سِوَى مُفَوِّضَةٍ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ ( إلَّا مَنْ سُمِّيَ لَهَا الْمَهْرُ وَطَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ ) فَالْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مُطَلَّقَةٌ وُطِئَتْ وَلَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ وَمُطَلَّقَةٌ وُطِئَتْ وَسُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ أَرْبَعٌ مُطَلَّقَةٌ لَمْ تُوطَأْ وَلَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ فَيَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَمُطَلَّقَةٌ لَمْ تُوطَأْ ، وَقَدْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُمَا الْمُتْعَةُ وَمُطَلَّقَةٌ وُطِئَتْ وَلَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ وَمُطَلَّقَةٌ وُطِئَتْ وَسُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَهَاتَانِ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْمُتْعَةُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ سَوَاءٌ سَمَّى لَهَا مَهْرًا أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ مَا سَلَّمَتْ إلَيْهِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا زَائِدًا عَلَى
الْوَاجِبِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي صُورَةِ التَّسْمِيَةِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي صُورَةِ عَدَمِهَا وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا فَفِي صُورَةِ التَّسْمِيَةِ تَأْخُذُ نِصْفَ الْمُسَمَّى مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمِ الْبُضْعِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهَا شَيْءٌ آخَرُ وَفِي صُورَةِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْخُذُ شَيْئًا وَابْتِغَاءُ الْبُضْعِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمَالِ
( قَوْلُهُ : وَجَبَ مُتْعَةٌ ) بِمَعْنَى لَزِمَ .
( قَوْلُهُ : لِمُفَوِّضَةٍ بِكَسْرِ الْوَاوِ ) مِنْ فَوَّضَتْ أَمْرَهَا لِوَلِيِّهَا وَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ وَبِفَتْحِهَا مِنْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا إلَى الزَّوْجِ بِلَا مَهْرٍ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ .
( قَوْلُهُ : دِرْعٌ ) هِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدِّرْعَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَمِيصَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْخِمَارُ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَالْمِلْحَفَةُ الْمُلَاءَة وَهِيَ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ الْمَرْأَةُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ، وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا أَدْنَى الْمُتْعَةِ ا هـ
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَذَا فِي دِيَارِهِمْ ، وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا تَلْبَسُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُزَادُ عَلَى هَذَا إزَارٌ وَمُكَعَّبٌ ا هـ .
وَلَوْ أَعْطَاهَا قِيمَتَهَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَإِذَا كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا
إلَخْ ) اعْتَبَرَهُ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ وَصَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ ، وَقَالَ عَلَيْهَا الْفَتْوَى قَالَ فِي الْبَحْرِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ ، وَالْأَرْجَحُ قَوْلُ الْخَصَّافِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا مَنْ سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ ) أَيْ فَلَا تُسْتَحَبُّ وَلَا تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ ، وَهَذَا عَلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ حُكْمًا لِلطَّلَاقِ ، وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً كَانَتْ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا يُكَبَّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى فِي عِيدِ الْفِطْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ حُكْمًا لِلْعِيدِ ، وَلَوْ كَبَّرَ جَازَ وَاسْتُحِبَّ ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ عَدَمَ الثَّوَابِ ، بَلْ إنَّ هَذَا لَيْسَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ ، وَأَمَّا
عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْحَصْرِ وَالْمُخْتَلِفِ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تُسْتَحَبُّ لِلَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا ا هـ مِنْ الْبَحْرِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا
( مَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ نَفَاهُ ، ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَسُمِّيَ لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى ، ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَا الزَّائِدُ عَلَى الْمُسَمَّى بَعْدَهُ ، بَلْ يَجِبُ الْمُتْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ فِي الثَّانِي ( وَيَسْقُطُ الزَّائِدُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ وَطْءِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَتَنَصَّفُ أَيْضًا وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَصَّفْ ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ الزَّائِدُ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُسَمَّ فِي الْعَقْدِ يُبْطِلُهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْدَهُ وَجَبَ الزِّيَادَةُ مَعَ الْمُسَمَّى ( وَصَحَّ حَطُّهَا ) أَيْ حَطُّ الْمَرْأَةِ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ زَوْجِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ
( قَوْلُهُ : ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَنْتَصِفُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا كَانَ لَهَا الْمُسَمَّى وَهُوَ مَا فَرَضَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ ) خِلَافَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْوَطْءِ فَهَذَا رُجُوعٌ إلَى الصَّوَابِ .
( قَوْلُهُ : وَصَحَّ حَطُّهَا ) أَيْ لَزِمَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ لِصِحَّتِهَا وَيَرْتَدُّ حَطُّهَا بِرَدِّهِ فَقَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ يَعْنِي لَمْ يَقْبَلْ صَرِيحًا بِأَنْ سَكَتَ ا هـ .
وَقَيَّدَ فِي الْبَدَائِعِ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَهْرِ بِأَنْ يَكُونَ دَيْنًا أَيْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَطَّ الْمَهْرِ الْمُعَيَّنِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَا يَصِحُّ فِي الْأَعْيَانِ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عِلْمُهَا بِمَعْنَى اللَّفْظِ حَتَّى لَوْ لُقِّنَتْهُ وَلَمْ تُحْسِنْهُ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَيْثُ يَقَعَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرِّضَا شَرْطُ جَوَازِ الْهِبَةِ دُونَهُمَا ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا ) إنَّمَا قَالَ بَقَاءُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِرَاضُ إذَا نَقَصَتْهُ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا
( الْخَلْوَةُ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي كَالْوَطْءِ ، وَالْمُرَادُ بِهَا اجْتِمَاعُهُمَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَعَهُمَا عَاقِلٌ فِي مَكَان لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ ؛ إذْنِهِمَا أَوْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ لِظُلْمَةٍ وَيَكُونُ الزَّوْجُ عَالِمًا بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ ( بِلَا مَانِعِ وَطْءٍ ) حِسًّا أَوْ طَبْعًا أَوْ شَرْعًا الْأَوَّلُ ( نَحْوُ مَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ ، وَ ) الثَّانِي نَحْوُ ( حَيْضٍ وَنِفَاسٍ ) وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ مَانِعًا شَرْعًا أَيْضًا ( وَ ) الثَّالِثُ نَحْوُ ( إحْرَامٍ ) لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ ( وَصَوْمِ فَرْضٍ ) وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ ( كَالْوَطْءِ ) فِي كَوْنِهَا مُؤَكِّدَةً لِلْمَهْرِ ( وَلَوْ ) كَانَ الزَّوْجُ ( مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا أَوْ صَائِمَ فَرْضٍ فِي الْأَصَحِّ أَوْ صَائِمَ نَذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ فَرْضًا وَنَفْلًا ) أَيْ لَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً مَعَ الصَّلَاةِ الْفَرْضِ كَمَا فِي الصَّوْمِ الْفَرْضِ وَتَكُونُ صَحِيحَةً مَعَ الصَّلَاةِ النَّفْلِ كَمَا فِي الصَّوْمِ النَّفْلِ ( وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْكُلِّ ) أَيْ كُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَقْسَامِ الْخَلْوَةِ صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً احْتِيَاطًا لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ
( قَوْلُهُ : بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَعَهُمَا عَاقِلٌ ) أَطْلَقَهُ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكَمَالُ ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ اسْتَوَى مَنْعُهُ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يُحِسُّ وَالنَّائِمَ يَسْتَيْقِظُ وَيَتَنَاوَمُ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا يُمْنَعُ ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُمْنَعَانِ ا هـ .
وَاسْتَثْنَى فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ جَارِيَتَهَا فَقَالَ لَا تُمْنَعُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَجَارِيَةٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُبْتَغَى ا هـ .
( قَوْلُهُ : نَحْوَ مَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ ، وَقِيلَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا ، وَأَمَّا مَرَضُهُ فَمَانِعٌ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَصَوْمِ فَرْضٍ ) يَعْنِي بِهِ أَدَاءَ رَمَضَانَ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ بِإِفْسَادِهِ دُونَ الْقَضَاءِ وَالْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِإِفْسَادِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : كَالْوَطْءِ فِي كَوْنِهَا مُؤَكِّدَةً لِلْمَهْرِ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْوَطْءِ فِي غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ الْإِحْصَانِ وَالْمِيرَاثِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي شَرْحِنَا لِمَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ انْتِهَاءُ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ الِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ حُكْمًا فَلْيُرَاجَعْ .
( قَوْلُهُ : أَوْ صَائِمِ فَرْضٍ فِي الْأَصَحِّ ) يَعْنِي بِهِ غَيْرَ أَدَاءِ رَمَضَانَ وَإِلَّا نَاقَضَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ شَرْطِهِ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ عَدَمُ صِيَامِ الْفَرْضِ وَتَصْحِيحُهُ بِمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أَدَاءِ الْفَرْضِ .
( قَوْلُهُ : وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْكُلِّ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ
التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً ا هـ .
وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ فِي فُتْيَاهُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ مُطْلَقًا
( قَبَضَتْ أَلْفَ الْمَهْرِ فَوَهَبَتْهُ لَهُ وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ ) يَعْنِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ فَقَبَضَتْهُ وَوَهَبَتْهُ لَهُ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ إذْ لَمْ يَصِلْ إلَى الزَّوْجِ عَيْنُ مَا اسْتَوْجَبَهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ ، وَالْمَقْبُوضُ لَيْسَ بِمَهْرٍ ، بَلْ عِوَضٌ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ فَصَارَ هِبَةُ الْمَقْبُوضِ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ وَحَقُّ الزَّوْجِ فِي سَلَامَةِ نِصْفِ الْمَهْرِ وَلَمْ يَسْلَمْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا دَيْنٌ غَيْرُ عَيْنٍ ( وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ أَوْ قَبَضَتْ نِصْفَهُ فَوَهَبَتْ الْكُلَّ أَوْ مَا بَقِيَ أَوْ عَرَضَ الْمَهْرَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا ) يَعْنِي إذَا وَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ شَيْئًا مِنْهَا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إذَا سَلِمَ لَهُ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهَا شَيْئًا آخَرَ ، غَايَتُهُ أَنَّ هَذِهِ السَّلَامَةَ حَصَلَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الطَّلَاقِ وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْمَقْصُودِ ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَتْ خَمْسَمِائَةٍ ، ثُمَّ وَهَبَتْ الْأَلْفَ كُلَّهُ الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ أَوْ وَهَبَتْ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ أَيْضًا إذَا وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ كَمَا مَرَّ ، وَلَوْ قَبَضَتْ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ كَسِتِّمِائَةٍ وَوَهَبَتْ لَهُ الْبَاقِيَ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعِنْدَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمِائَةٍ ، وَعِنْدَهُمَا بِثَلَاثِمِائَةٍ ، وَلَوْ قَبَضَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ كَمِائَتَيْنِ مَثَلًا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَيْهَا عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِمِائَةٍ ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْعَرْضِ فَوَهَبَتْ
نِصْفَهُ أَوْ كُلَّهُ قَبَضَتْهُ أَوْ لَا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ بِلَا عِوَضٍ مِنْ جِهَتِهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَكَانَ الْمَوْهُوبُ عَيْنَ الْمَهْرِ فَسَلِمَ لَهُ مَقْصُودُهُ بِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ
( قَوْلُهُ : وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فَهُوَ كَالْعَرَضِ ، وَلَيْسَ لَهَا رَدُّ مَا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَمْ تَرَهُ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَهَا رَدُّهُ بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ وَتَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ صَحِيحًا ، كَذَا فِي الْفَتْحِ
( نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا ) مِنْ مَقَامِهَا ( أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ ) نَكَحَهَا ( عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَ ) عَلَى ( أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا فَإِنْ وَفَّى ) أَيْ فِيمَا نَكَحَهَا عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ( وَأَقَامَ ) أَيْ فِيمَا نَكَحَهَا بِأَلْفٍ إنْ أَقَامَ وَبِأَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَ ( فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ ) ، أَمَّا الْأَلْفُ فِي صُورَةِ الْوَفَاءِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي صُورَةِ عَدَمِهِ ؛ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى صَلُحَ لِلْمَهْرِ ، وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ ، وَأَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي عَدَمِهِ ؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ فَيَكْمُلُ مَهْرُ مِثْلِهَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَعِنْدَهُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ لَا الثَّانِي ، وَعِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ صَحِيحَانِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ فَاسِدَانِ ( لَكِنْ لَا يُزَادُ الْمَهْرُ فِي ) الْمَسْأَلَةِ ( الْأَخِيرَةِ ) وَهِيَ قَوْلُهُ بِأَلْفٍ إنْ أَقَامَ فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْنِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ يَجِبُ أَلْفٌ وَلَا يُنْتَقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى ، سَوَاءٌ وَفَّى بِشَرْطِهِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ
( نَكَحَ بِهَذَا ) الْعَبْدِ ( أَوْ بِهَذَا ) الْعَبْدِ ( وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ ) أَيْ أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ الْآخَرِ ( حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ ) أَيْ جَعَلَ مَهْرَ الْمِثْلِ حُكْمًا فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِهِمَا فَلَهَا الْأَوْكَسُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْفَعِهِمَا فَلَهَا الْأَرْفَعُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ( فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ فَنِصْفُ الْأَوْكَسِ ) أَيْ فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ ( أَمْهَرَ عَبْدَيْنِ وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ فَمَهْرُهَا الْعَبْدُ إنْ سَاوَى عَشَرَةً وَإِلَّا كَمَّلَ لَهَا الْعَشَرَةَ ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
قَوْلُهُ : نَكَحَ بِهَذَا الْعَبْدِ أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسَ حُكْمَ مَهْرِ الْمِثْلِ ) هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لَهَا لِتَأْخُذَ أَيًّا شَاءَتْ أَوْ الْخِيَارَ لَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَيًّا شَاءَ فَإِنْ شَرَطَ صَحَّ اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ فَنِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ نِصْفُ الْأَوْكَسِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ إنْ كَانَ نِصْفُ الْأَوْكَسِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ تَكُونُ لَهَا الْمُتْعَةُ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ وَالْوَاجِبُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ وَنِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ هَذَا فَالْحُكْمُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا مُتْعَةُ مِثْلِهَا ا هـ .
( شَرَطَ الْبَكَارَةَ وَوَجَدَهَا ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْكُلُّ ) أَيْ كُلُّ الْمَهْرِ وَلَا عِبْرَةَ بِالشَّرْطِ ( صَحَّ إمْهَارُ فَرَسٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ ، وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ فِي وَصْفِهِ وَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ بَيَّنَ جِنْسَهُ لَا صِفَتَهُ وَلَزِمَ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ وَإِنْ بَيَّنَهَا ) أَيْ صِفَتَهُ ( أَيْضًا ) أَيْ كَمَا بَيَّنَ جِنْسَهُ ( فَالْمَوْصُوفُ ) أَيْ اللَّازِمُ هُوَ
( قَوْلُهُ : شَرَطَ الْبَكَارَةَ وَوَجَدَهَا ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْكُلُّ ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَقَاضِي خَانْ وَالْعِمَادِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى .
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ عَلَى قِيَاسِ مَا اخْتَارَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَئِمَّةِ بُخَارَى فِي مَسْأَلَةِ الْجِهَارِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا زَادَ عَلَى دستيمان مِثْلِهَا وَفِيهَا عَنْ الْقُنْيَةِ تَزَوَّجَهَا بِأَزْيَدَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ ثَيِّبٌ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالتَّوْفِيقُ وَاضِحٌ لِلْمُتَأَمِّلِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي فَوَائِدِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ ا هـ .
عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ ، وَإِنْ رَدَّدَ فِي الْمَهْرِ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِلثُّيُوبَةِ وَالْبَكَارَةِ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَقَلِّ مِمَّا سَمَّاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الدَّبُوسِيِّ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَعَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً قَالُوا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَالشَّرْطَانِ عِنْدَهُمْ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَمِيلَةً كَانَ الْمَهْرُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ كَانَتْ قَبِيحَةً كَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا ؛ لِأَنَّهُ لَا خَطَرَ فِي التَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ قَبِيحَةً أَوْ جَمِيلَةً ا هـ .
ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ صِحَّتِهِمَا اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ لَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَبِأَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ أَوْ لَهُ امْرَأَةٌ لَكِنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ فِيهِمَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ مَسْأَلَةَ الْقَبِيحَةِ وَالْجَمِيلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فَقَدْ نَصَّ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِمَا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ
بَيَّنَهَا أَيْ صِفَتَهُ أَيْضًا أَيْ كَمَا بَيَّنَ جِنْسَهُ فَالْمَوْصُوفُ أَيْ اللَّازِمُ ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ لُزُومِ الزَّوْجِ مَا بَيَّنَ صِفَتَهُ وَجِنْسَهُ مِنْ غَيْرِ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ الَّذِي بَيَّنَ صِفَتَهُ وَجِنْسَهُ فَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَدَائِهِ وَأَدَاءِ قِيمَتِهِ ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ صَحِيحًا حَالًّا قَرْضًا وَمُؤَجَّلًا سَلَمًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَائِهِ وَأَدَاءِ قِيمَتِهِ ، وَلَوْ بَالَغَ فِي وَصْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ
( وَيَجِبُ فِي ) النِّكَاحِ ( الْفَاسِدِ بِالْوَطْءِ لَا الْخَلْوَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ ) يَعْنِي أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَجِبُ فِيهِ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّتِهَا وَهُوَ الْحُرْمَةُ فَإِنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَلَا تَمَكُّنَ مَعَ الْحُرْمَةِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَا الْعِدَّةُ وَلِكُلٍّ مِنْهَا فَسْخُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ إلَّا بِحَضْرَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْقَبْضِ ( وَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى ) أَيْ إنْ زَادَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى الْمُسَمَّى لَمْ تُعْتَبَرْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى أَوْ كَانَ مَجْهُولًا وَجَبَ بَالِغًا مَا بَلَغَ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَا تَجِبُ بِهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ ) أَقُولُ يَعْنِي فَلَا يَحْرُمُ أَصْلُهَا وَلَا فَرْعُهَا لِفَسَادِ الْعَقْدِ ، وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا لِمَفْهُومِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَيْ حُرْمَةَ بِنْتِ الزَّوْجَةِ لَا تَثْبُتُ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : وَلَا الْعِدَّةُ ) لَا يُخَالِفُهُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ فِي كُلِّ أَقْسَامِ الْخَلْوَةِ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي خَلْوَةٍ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَحِلُّ الْوَطْءُ بِهِ لَا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ
( وَالْعِدَّةُ ) تَجِبُ إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَتَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا ( مِنْ ) وَقْتِ ( التَّفْرِيقِ ) لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعِهَا بِالتَّفْرِيقِ ( وَالنَّسَبُ ) يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ ( مِنْ الْوَطْءِ ) فَإِنْ كَانَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ إلَى وَقْتِ الْوَضْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى ، .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ( وَمَهْرُ مِثْلِهَا ) فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ ( مَهْرُ مِثْلِهَا ) أَيْ مَهْرُ امْرَأَةٍ تُمَاثِلُهَا ( مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا بِأَنْ تَكُونَ بِنْتَ عَمِّهِ وَبَيَّنَ مَا فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ بِقَوْلِهِ ( سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَعَقْلًا وَدِيَانَةً وَبَلَدًا ) بِأَنْ يَكُونَا مِنْ بَلَدٍ وَاحِدٍ ( وَعَصْرًا وَبَكَارَةً وَثُيُوبَةً وَعِفَّةً ) ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ ( وَعِلْمًا وَأَدَبًا وَكَمَالَ خُلُقٍ ) ذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الزَّيْلَعِيُّ .
وَفِي الْمُنْتَقَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شُهُودٌ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينِهِ ( فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَمِنْ الْأَجَانِبِ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ قَبِيلَةِ أَبِيهَا مَنْ هِيَ مِثْلُهَا يُعْتَبَرُ مَهْرُ مِثْلِهَا مِنْ الْأَجَانِبِ مِنْ قَبِيلَةٍ هِيَ مِثْلُ قَبِيلَةِ أَبِيهَا
قَوْلُهُ : وَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ هَذَا قَضَاءٌ وَدِيَانَةٌ .
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا قَضَاءٌ ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثًا بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ دِيَانَةً وَالْمُتَارَكَةُ كَالتَّفْرِيقِ وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَقَوْلِهِ تَرَكْتُهَا خَلَّيْتُ سَبِيلَهَا ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَتَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَقَصْدِهِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْمُتَارَكَةِ لِصِحَّتِهَا وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْعِلْمِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا وَلَا نَفَقَةَ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَهَا .
( قَوْلُهُ : بِأَنْ تَكُونَ بِنْتَ عَمِّهَا ) أَيْ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً أَيْ بِنْتَ عَمِّ أَبِيهَا وَفِي نُسَخِ بِنْتِ عَمِّهِ وَهِيَ الْأَوْلَى .
( قَوْلُهُ : وَجَمَالًا ) قَالَ الْكَمَالُ : وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ ، بَلْ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ ، وَهَذَا جَيِّدٌ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَكَمَالِ خُلُقٍ ) زَادَ الْكَمَالُ عَدَمُ الْوَلَدِ أَيْضًا ( تَنْبِيهٌ ) : مَهْرُ مِثْلِ الْأَمَةِ عَلَى قَدْرِ الرَّغْبَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
( صَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ مَهْرَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ ، وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى مَا يَقْبَلُهُ فَيَصِحُّ ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( صَغِيرَةً ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ زَعِيمًا وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَإِنَّمَا قَالَهُ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَمُطَالِبُ الْمَهْرِ لَيْسَ إلَّا وَلِيُّهَا فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْوَاحِدِ مُطَالَبًا وَمُطَالِبًا لَكِنْ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الْوَهْمِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ هُنَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأَصِيلِ ، وَالْوَلِيُّ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْأَبَ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ ( وَتُطَالِبُ ) الْمَرْأَةُ ( أَيًّا شَاءَتْ ) مِنْ زَوْجِهَا وَوَلِيِّهَا اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْكَفَالَاتِ ( وَإِنْ أَدَّى ) أَيْ الْوَلِيُّ ( رَجَعَ عَلَى الزَّوْجِ إنْ أَمَرَ ) أَيْ الزَّوْجُ الْوَلِيَّ بِهِ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فِي الْكَفَالَةِ
( قَوْلُهُ : صَحَّ ضَمَانِ الْوَلِيِّ مَهْرَهَا ) هَذَا إذَا كَانَ فِي صِحَّتِهِ ، أَمَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَلَا ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ا هـ .
وَهَذَا يُفِيدُ صِحَّةَ ضَمَانِهِ مِنْ الثُّلُثِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً ) كَذَا لَوْ ضَمِنَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ عَنْهُ الْمَهْرَ وَيَرْجِعُ فِي مَالِهِ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِيَرْجِعَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ وَإِلَّا لَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ ، وَإِنْ ضَمِنَ الْوَلِيُّ يَرْجِعُ مُطْلَقًا ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَتُطَالِبُ الْمَرْأَةُ أَيًّا شَاءَتْ مِنْ زَوْجِهَا ) أَيْ إذَا كَانَ بَالِغًا وَلَهَا مُطَالَبَةُ أَبِ الصَّغِيرِ ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّتِمَّةِ
( لَهَا مَنْعُهُ ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ زَوْجَهَا ( مِنْ الْوَطْءِ وَالسَّفَرِ بِهَا بَعْدَ وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ رَضِيَتْهُمَا ) أَيْ وَإِنْ وَطِئَهَا أَوْ خَلَا بِهَا بِرِضَاهَا ، وَهَذَا الدَّفْعُ أَنَّهَا إذَا رَضِيَتْ بِالْوَطْءِ أَوْ الْخَلْوَةِ لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْمَنْعِ ؛ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ إلَيْهِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ كُلَّ وَطْئَةٍ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا فَتَسْلِيمُ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْبَاقِي ( لِأَخْذِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْعِ ( مَا بَيَّنَ تَعْجِيلَهُ ) مِنْ الْمَهْرِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا ( أَوْ ) أَخْذِ ( قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ لِمِثْلِهَا ) مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ( عُرْفًا ) غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالرُّبُعِ أَوْ الْخُمُسِ ( إنْ لَمْ يُؤَجَّلْ كُلُّهُ ) ، وَإِنْ أُجِّلَ كُلُّهُ أَوْ عُجِّلَ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَا حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا إلَى اسْتِيفَاءِ كُلِّهِ فِيمَا إذَا عُجِّلَ كُلُّهُ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَهَا فِيمَا إذَا أُجِّلَ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ ( وَالنَّفَقَةُ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْعُهُ أَيْ لَهَا النَّفَقَةُ بَعْدَ الْمَنْعِ ( وَالسَّفَرُ وَالْخُرُوجُ ) مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا ( لِلْحَاجَةِ ، وَ ) لَهَا ( زِيَارَةُ أَهْلِهَا بِلَا إذْنِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَالسَّفَرُ
إلَخْ ( مَا لَمْ تَقْبِضْهُ ) أَيْ الْمَهْرَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ ( وَيُسَافِرُ بِهَا ) بِلَا رِضَاهَا ( بَعْدَ أَدَائِهِ ) أَيْ أَدَاءِ مَا بَيَّنَ تَعْجِيلَهُ أَوْ قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ لِمِثْلِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } ( وَقِيلَ لَا ) أَيْ لَا يُسَافِرُ بِهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذِي ( وَبِهِ يُفْتَى ) أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَاخْتَارَهُ أَبُو قَاسِمٍ الصَّفَّارُ ، وَمَنْ بَعْدَهُ ( وَيَنْقُلُهَا فِيمَا دُونَ مُدَّتِهِ ) أَيْ مُدَّةِ السَّفَرِ اتِّفَاقًا ؛ إذْ فِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ
الْغُرْبَةُ اعْلَمْ أَنَّ الْمَهْرَ الْمَذْكُورَ هُنَا مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا تُعُورِفَ تَأْخِيرُهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى التَّعْجِيلِ أَوْ التَّأْجِيلِ ، أَمَّا إذَا نَصَّا عَلَى تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْمَهْرِ أَوْ تَأْجِيلِهِ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
( قَوْلُهُ : لَهَا مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ
إلَخْ ) كَذَا لِوَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا يُسَلِّمُهَا قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ لِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِهِ فَإِنْ سَلَّمَهَا فَالتَّسْلِيمُ فَاسِدٌ وَتُرَدُّ ، وَلَوْ ذَهَبَتْ بِنَفْسِهَا لِوَلِيِّهَا رَدَّهَا حَتَّى يُعْطِيَ زَوْجُهَا مَهْرَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الرِّضَى ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَالسَّفَرُ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَهُ وَالْإِخْرَاجُ كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّهُ يَنْقُلُهَا لِمَحَلٍّ آخَرَ مِنْ بَلْدَتِهَا ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدْفَعْ مَهْرَهَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : لِأَخْذِ مَا بَيَّنَ تَعْجِيلَهُ ) قَالَ الْكَمَالُ أَيْ إذَا لَمْ يَشْرِطْ الدُّخُولَ فِي الْعَقْدِ قَبْلَ حُلُولِ الْمَهْرِ فَإِنْ شَرَطَهُ ، فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ بِالِاتِّفَاقِ .
( قَوْلُهُ : حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا تُعُورِفَ تَأْخِيرُهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ ) بِخِلَافِهِ مَا قَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا لِقَبْضِ الْمُؤَجَّلِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ قَلِيلَةَ الْجَهَالَةِ كَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْمُتَفَاحِشَةِ كَإِلَى الْمَيْسَرَةِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ حَيْثُ يَكُونُ الْمَهْرُ حَالًّا ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالتَّأْجِيلُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْقُلُهَا فِيمَا دُونَ مُدَّتِهِ اتِّفَاقًا
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ : كَذَا ظَاهِرُ الْكَافِي ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اخْتِلَافًا فِي نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الرُّسْتَاقِ فَعَزَا إلَى كُتُبٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، ثُمَّ عَزَا إلَى غَيْرِهَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ .
ا هـ .
( قُلْت ) يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ فِي زَمَانِنَا لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ فَسَادِ الزَّمَانِ وَالْقَوْلُ بِنَقْلِهَا إلَى الْقَرْيَةِ ضَعِيفٌ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ ، وَقِيلَ يُسَافِرُ بِهَا إلَى قُرَى
الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ ا هـ .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّفَرِ فِي كَلَامِ الِاخْتِيَارِ الشَّرْعِيَّ ، بَلْ النَّقْلَ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ
( اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ فَفِي أَصْلِهِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ) يَعْنِي قَالَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يُسَمَّ مَهْرٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ سُمِّيَ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ وَإِلَّا يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ دَعْوَى التَّسْمِيَةِ ، وَإِنْ حَلَفَ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ النِّكَاحِ ، بَلْ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمَهْرِ وَفِيهَا الْحَلِفُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعْوَى ، وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ مَهْرَهَا .
وَقَالَ الشَّارِحُ ثَمَّةَ أَيْ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَطَلَبَتْ الْمَالَ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ يَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ يَلْزَمُ الْمَالَ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرَ هَاهُنَا
( قَوْلُهُ : وَإِنْ حَلَفَ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ لَا يُزَادُ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلتَّسْمِيَةِ وَلَا يَنْقُصُ عَمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي لَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ النِّكَاحِ
إلَخْ ) كَذَا اعْتَرَضَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَقَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ هُنَا عَلَى الْمَالِ لَا أَصْلِ النِّكَاحِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَحْلِفَ مُنْكِرُ التَّسْمِيَةِ إجْمَاعًا .
ا هـ .
.
( وَفِي قَدْرِهِ ) أَيْ إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَادَّعَتْ أَنَّهُ بِأَلْفَيْنِ حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَحِينَئِذٍ ( إنْ قَامَ النِّكَاحُ فَالْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِيَمِينِهِ ) أَيْ إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ مُسَاوِيًا لِمَا يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِمَا تَدَّعِيهِ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ يَمِينِهَا ( وَإِنْ بَرْهَنَ قُبِلَ ) سَوَاءٌ شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ أَوْ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي الزِّيَادَةَ فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً قُبِلَتْ ، وَإِنْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ قُبِلَتْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِرَدِّ الْيَمِينِ كَمَا إذَا أَقَامَ الْمُودَعُ بَيِّنَةً عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى الْمَالِكِ تُقْبَلُ ( وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ مَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ ) أَيْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا إنْ شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ وَبَيِّنَتُهُ إنْ شَهِدَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ شُرِعَتْ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْيَمِينَ لِإِبْقَاءِ الْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ كَوْنُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَهُ فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى
( وَإِنْ كَانَ ) مَهْرُ الْمِثْلِ ( بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا فَإِنْ حَلَفَا أَوْ بَرْهَنَا قُضِيَ بِهِ ) أَيْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ( وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قُبِلَ ) بُرْهَانُهُ ( وَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ إنْ أَقَامَ النِّكَاحَ ( حُكْمُ مُتْعَةِ الْمِثْلِ ) أَيْ إنْ كَانَ مُتْعَةُ الْمِثْلِ مُسَاوِيَةً لِنِصْفِ مَا يَدَّعِي الرَّجُلُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لِنِصْفِ مَا تَدَّعِي الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهَا ، وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ فَإِنْ أَقَامَا فَبَيِّنَتُهَا إنْ شَهِدَ لَهُ وَبَيِّنَتُهُ إنْ شَهِدَ لَهَا ( وَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ ( بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا وَبَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ التَّحَالُفِ ( وَجَبَتْ ) أَيْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ فَيَجِبُ ذَلِكَ وَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُسَمًّى ، وَإِذَا حَلَفَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ يَدْفَعُ مِنْهُ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً فَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهِ وَالزَّائِدُ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ بَرْهَنَا قَضَى بِهِ ) لِتَهَاتُرِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَهَاتُرُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِتَخَيُّرِ الزَّوْجِ فِيهِ كُلِّهِ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ
( وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا كَحَيَاتِهِمَا حُكْمًا ) أَيْ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فِي الْأَصْلِ وَالْقَدْرِ ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَلَا يُرَى أَنَّ لِلْمُفَوِّضَةِ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا ( وَبَعْدَ مَوْتِهِمَا فَفِي ) الِاخْتِلَافِ فِي ( الْقَدْرِ الْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ يَسْقُطُ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا .
( وَ ) فِي الِاخْتِلَافِ ( فِي أَصْلِهِ ) الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَهُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى ؛ إذْ لَا حُكْمَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا كَمَا مَرَّ ، وَعِنْدَهُمَا ( قَضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ ) كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ ( وَبِهِ يُفْتَى ) قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا فَإِنْ سَلَّمَتْ ، ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ لَا يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، بَلْ يُقَالُ لَهَا إمَّا أَنْ تُقِرِّي بِمَا أَخَذْت وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْك بِالْمُتَعَارَفِ فِي الْمُعَجَّلِ ، ثُمَّ يَعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ عَادَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
قَوْلُهُ : وَبِهِ يُفْتَى ) كَذَا فِي الْفَتْحِ ا هـ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا كُلُّهُ
إلَخْ وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَقِبَهُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُونَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ إيصَالَ شَيْءٍ إلَيْهَا ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَدَّعِ فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ ا هـ .
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مَا قَالَهُ فِي حَالِ مَوْتِهِمَا
( بَعَثَ إلَيْهَا شَيْئًا ) ، ثُمَّ اخْتَلَفَا ( فَقَالَتْ هَدِيَّةٌ ، وَقَالَ مَهْرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ ) مَعَ يَمِينِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ أَصْلًا وَكَمَا إذَا قَالَ أَوْدَعْتُكِ هَذَا الشَّيْءَ ، فَقَالَتْ بَلْ وَهَبْتَهُ لِي ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْمَهْرِ وَاجِبٌ وَالْإِهْدَاءَ تَبَرُّعٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ ( إلَّا فِيمَا هُيِّئَ لِلْأَكْلِ ) فَإِنَّ الطَّعَامَ الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ لَا يَكُونُ مَهْرًا بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهَا فَأَمَّا سَائِرُ الْأَمْوَالِ فَقَدْ يَكُونُ مَهْرًا ، وَقَدْ يَكُونُ هَدِيَّةً فَإِلَيْهِ الْبَيَانُ
( قَوْلُهُ : فَأَمَّا سَائِرُ الْأَمْوَالِ ) أَيْ بَاقِيهَا بَعْدَمَا هُيِّئَ لِلْأَكْلِ نَحْوُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَالسُّكَّرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ
إلَخْ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إرْسَالُهُ هَدِيَّةً وَالظَّاهِرُ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا مَعَهُ وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي نَحْوِ الثِّيَابِ وَالْجَارِيَةِ ا هـ .
وَظَاهِرٌ أَنَّهُ بَحْثٌ لِلْكَمَالِ
( خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ وَبَعَثَ إلَيْهَا شَيْئًا وَلَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا فَمَا بَعَثَ لِلْمَهْرِ يُسْتَرَدُّ ) إنْ عَيَّنَهُ ( قَائِمًا ) ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالِاسْتِعْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ فَلَا يَلْزَمُ فِي مُقَابَلَةِ مَا اُنْتُقِصَ بِاسْتِعْمَالِهِ شَيْءٌ ( أَوْ ) قِيمَتُهُ إنْ ( هَالِكًا ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَلَمْ تَتِمَّ فَجَازَ الِاسْتِرْدَادُ ( كَذَا كُلُّ مَا بُعِثَ هَدِيَّةً وَهُوَ قَائِمٌ دُونَ الْهَالِكِ وَالْمُسْتَهْلَكِ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْهِبَةِ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَجَهَّزَهَا فَمَاتَتْ فَزَعَمَ أَبُوهَا أَنَّ مَا دَفَعَ إلَيْهَا مِنْ الْجِهَازِ أَمَانَةٌ وَأَنَّهُ لَمْ يَهَبْهُ لَهَا وَإِنَّمَا أَعَارَهُ مِنْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَعَلَى الْأَبِ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ فِي الظَّاهِرِ أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ يَدْفَعُ إلَيْهَا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ ، وَالْبَيِّنَةُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبِنْتِ أَنِّي إنَّمَا أَعْطَيْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِابْنَتِي عَارِيَّةً أَوْ يَكْتُبُ نُسْخَةً مَعْلُومَةً وَيَشْهَدُ الْأَبُ وَتَشْهَدُ الْبِنْتُ عَلَى إقْرَارِهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ مِلْكُ وَالِدِي عَارِيَّةٌ مِنْهُ فِي يَدِي لَكِنْ هَذَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لَا لِلِاحْتِيَاطِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي حَالِ الصِّغَرِ فَبِهَذَا الْإِقْرَارِ لَا تَصِيرُ لِلْأَبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ، ثُمَّ إنَّ الْبِنْتَ تُبْرِئُهُ عَنْ الثَّمَنِ ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ
( قَوْلُهُ : فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَعَلَى الْأَبِ الْبَيِّنَةُ ) اخْتَارَهُ السُّغْدِيُّ وَاخْتِيَارُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْأَبِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ ظَاهِرًا بِذَلِكَ كَمَا فِي دِيَارِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَفَتَاوَى الْخَاصِّيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الْأَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْكِرَامِ لَا يُقْبَلُ .
( قَوْلُهُ : أَنَّهُ عَارِيَّةٌ ) ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُجَهِّزُ الْبَنَاتِ بِمِثْلِ ذَلِكَ قُبِلَ .
( قَوْلُهُ : ا هـ ) ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَالْوَاقِعُ فِي دِيَارِنَا الْقَاهِرَةِ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فَيُفْتَى بِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ ، ثُمَّ قَالَ هَلْ هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَبِ يَتَأَتَّى فِي الْأُمِّ وَالْجَدِّ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا صَرِيحًا ا هـ .
( نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً أَوْ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً ثَمَّةَ ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ ) أَوْ نَحْوِهِمَا ( أَوْ بِلَا مَهْرٍ ) يُحْتَمَلُ نَفْيُ الْمَهْرِ وَيُحْتَمَلُ السُّكُوتُ عَنْهُ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى اعْتِقَادِهِمْ ( وَهُوَ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ( جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَوُطِئَتْ أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ ( أَوْ مَاتَ ) الزَّوْجُ عَنْهَا ( فَلَا مَهْرَ لَهَا ) أَيْ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ ، وَأَمَّا فِي الذِّمِّيَّيْنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا .
وَقَالَ زُفَرُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ وَالنِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ وَالْكَافِرُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَصَحَّ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَلَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا
( وَإِنْ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ مُعَيَّنٍ فَأَسْلَمَا أَوْ ) أَسْلَمَ ( أَحَدُهُمَا فَلَهَا هُوَ ) أَيْ الْمُعَيَّنِ .
( وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قِيمَةُ الْخَمْرِ فِيهَا ) أَيْ فِي الْخَمْرِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُسَمَّى خَمْرًا ( وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُمْ مِثْلِيٌّ كَالْخَلِّ عِنْدَنَا فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهَا فَإِيجَابُ الْقِيمَةِ يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ الْخَمْرِ ، وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَمِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ عِنْدَهُمْ كَالشَّاةِ عِنْدَنَا فَإِيجَابُ الْقِيمَةِ لَا يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْهُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إعْرَاضًا عَنْ الْخِنْزِيرِ
بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ ) ( وَقَفَ نِكَاحُ الْقِنِّ ) الرَّقِيقُ هُوَ الْمَمْلُوكُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَالْقِنُّ هُوَ الْمَمْلُوكُ كُلًّا ( وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَقَفَ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَهِيَ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ ( إنْ أَجَازَ ) أَيْ الْمَوْلَى ( نَفَذَ ) أَيْ النِّكَاحُ ( وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ فَإِنْ نَكَحُوا بِهِ ) أَيْ الْإِذْنِ ( فَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى الْقِنِّ وَغَيْرِهِ ( وَبِمَوْتِهِمْ يَسْقُطَانِ ) أَيْ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ ( وَالْمَهْرُ عَلَى الْقِنِّ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ ، وَإِنْ ) كَانَ ( بِهِ ) أَيْ بِالْإِذْنِ ( تَعَلَّقَ ) الْمَهْرُ ( بِرَقَبَتِهِ ) أَيْ الْقِنِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا فَإِنَّ ذِمَّتَهُ ضَعِيفَةٌ فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ لَتَضَرَّرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا حَيْثُ لَا يُبَاعُ بِهِ ، بَلْ يُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا إذَا لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ ( فَيُبَاعُ فِيهِ ) أَيْ الْمَهْرِ ( مَرَّةً فَإِنْ لَمْ يَفِ بِدَيْنِهِ ) لَمْ يُبَعْ ثَانِيًا ، بَلْ ( طُولِبَ ) بِبَاقِيهِ ( بَعْدَ الْعِتْقِ ) ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ .
( وَ ) يُبَاعُ ( فِيهَا ) أَيْ النَّفَقَةِ ( مِرَارًا ) ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِالْجَمِيعِ هَذَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِأَجْنَبِيَّةٍ ، وَأَمَّا إذَا زَوَّجَهُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ الْمَهْرُ ، ثُمَّ يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ لِاقْتِضَائِهِ إيجَابًا لَهُ عَلَيْهِ أَقُولُ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَنَّ النَّصَّ الْمُفِيدَ لِوُجُوبِ الْمَهْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا
بِأَمْوَالِكُمْ } فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمَالِ ( وَالْآخَرَانِ ) أَيْ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ ( يَسْعَيَانِ ) فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ ( وَبِكَسْبِهِ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِرَقَبَتِهِ ( بَعْدَ مَا فَضَلَ ) كَسْبُهُ ( مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ ) فَإِنَّ دَيْنَهَا مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمَهْرِ ( إنْ ثَبَتَ ) الْمَهْرُ ( بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى ، وَإِنْ ) ثَبَتَ ( بِالْبَيِّنَةِ تُسَاوِي الْمَرْأَةُ الْغُرَمَاءَ ) فِي مَهْرِهَا ، كَذَا فِي التُّحْفَةِ
بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ ) .
( قَوْلُهُ : بِإِذْنِ الْمَوْلَى ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى .
( قَوْلُهُ : إنْ كَانَ الْمَهْرُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ ) صَوَابُهُ إنْ كَانَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ بِهِ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ نَكَحُوا بِهِ فَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ لَكِنَّهُ أَعَادَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُ جَوَازِ بَيْعِهِ دُونَ الْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِ .
( قَوْلُهُ : مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ الْمَهْرُ ، ثُمَّ يَسْقُطُ ) ذَكَرَ تَصْحِيحَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ .
( قَوْلُهُ : وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ ) صَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ هَذَا أَصَحُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ثَمَرَةَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ أَمَةَ الصَّغِيرِ مِنْ عَبْدِهِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يَجِبُ ، ثُمَّ يَسْقُطُ قَالَ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَصْلًا قَالَ بِعَدَمِهَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا : وَقَدْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الْمَأْذُونِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ نِكَاحٌ لِلْأَمَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ لِلْحَالِ ا هـ .
( قَوْلُهُ ) أَيْ قَوْلُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ الَّذِي تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِهِ ( طَلِّقْهَا رَجْعِيَّةً إجَازَةٌ ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، فَيَكُونُ إجَازَةً ( لَا ) قَوْلُهُ ( طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا ) أَيْ لَا يَكُونَانِ إجَازَةً لِاحْتِمَالِهِمَا الرَّدَّ ؛ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْعَقْدِ وَمُتَارَكَتَهُ يُسَمَّى طَلَاقًا وَمُفَارَقَةً وَهُوَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ أَوْ هُوَ أَدْنَى فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى ( وَالْإِذْنُ ) لِلْعَبْدِ ( بِالنِّكَاحِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا ) أَيْ كَمَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَمْرَيْنِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ ( فَيُبَاعُ لِمَهْرِهَا إنْ وَطِئَهَا ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا لَزِمَ الْعَقْدُ عِنْدَهُ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ فِيهِ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا أَوْ أُخْرَى بَعْدَهَا ، وَلَوْ صَحِيحًا وَقَفَ عَلَى الْإِذْنِ ) يَعْنِي إذَا نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا يَنْتَهِي الْإِذْنُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا حَتَّى لَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا أَوْ نَكَحَ أُخْرَى بَعْدَهَا صَحِيحًا صَحَّ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ ، بَلْ وَقَفَ عَلَى الْإِذْنِ
قَوْلُهُ : لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَكُونُ إجَازَةً ) أَيْ اقْتِضَاءً وَيَرِدُ عَلَيْهِ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك بِالْمَالِ أَوْ تَزَوَّجْ أَرْبَعًا لَا يُعْتَقُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أُجِيبُ بِأَنَّ إثْبَاتَ الشَّرَائِطِ الَّتِي هِيَ أُصُولٌ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْأَهْلِيَّةِ لَا تَكُونُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لِلْمُتَحَقَّقِ بِالرِّقِّ ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا ثَبَتَ لِلْعَبْدِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِثُبُوتِهِ تَبَعًا لِلْآدَمِيَّةِ وَالْعَقْلِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ لِاسْتِلْزَامِهِ تَعْيِيبَ مَالِ الْغَيْرِ فَقَوْلُهُ : طَلِّقْهَا رَجْعِيًّا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْمَانِعِ اقْتِضَاءً لَا إثْبَاتَ مِلْكِ النِّكَاحِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : لَا طَلِّقْهَا ) قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْقِعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ كَانَ إجَازَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمُتَارَكَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَقَعُ عَلَيْهَا تَكُونُ إجَازَةً ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مُخْتَصٌّ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا أَوْ أُخْرَى بَعْدَهَا ، وَلَوْ صَحِيحًا ) يَنْبَغِي حَذْفُ وَلَوْ مِنْ الْبَيْنِ ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَهَا يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْحُكْمِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَمَعَهُ لَا تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ ؛ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الزَّيْلَعِيُّ
( زَوَّجَ عَبْدًا لَهُ مَأْذُونًا مَدْيُونًا صَحَّ وَسَاوَتْ ) الْمَرْأَةُ ( غُرَمَاءَهُ ) أَيْ غُرَمَاءَ الْعَبْدِ ( فِي مَهْرِ مِثْلِهَا ) ، أَمَّا صِحَّةُ النِّكَاحِ فَلِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ تَحْصِينًا لَهُ ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَهُ حُكْمًا بِسَبَبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ وَهُوَ صِحَّةُ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِلَا مَهْرٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَلَوْ زَوَّجَهُ الْمَوْلَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزَّائِدُ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْغُرَمَاءِ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ مِنْ دَيْنِ الْمَرَضِ
( قَوْلُهُ : زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا مَدْيُونًا ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مَعْزِيًّا لِلتُّحْفَةِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِلَا مَهْرٍ ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِيهِ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ ؛ إذْ النِّكَاحُ لَا تَتَوَقَّفُ مَشْرُوعِيَّتُهُ أَيْ صِحَّتُهُ عَلَى الْمَهْرِ ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ لُزُومِ الْمَهْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَالنِّكَاحُ لَا يُلَاقِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ بِالْإِبْطَالِ مَقْصُودًا إلَّا أَنَّهُ إذَا صَحَّ النِّكَاحُ وَجَبَ الدَّيْنُ أَيْ الْمَهْرُ بِسَبَبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ فَشَابَهُ دَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ زَوَّجَهُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ
( مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّبْوِئَةُ ) وَهِيَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا مَصْدَرُ بَوَّأْته مَنْزِلًا وَبَوَّأْت لَهُ إذَا هَيَّأْت لَهُ مَنْزِلًا وَالْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُهَيِّئْ لَهُ مَنْزِلًا تَسْتَنِدُ إلَيْهِ التَّبْوِئَةُ لِتُمَكِّنَهُ مِنْهَا ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ ( فَتَخْدُمُهُ ) أَيْ الْجَارِيَةُ مَوْلَاهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى أَقْوَى مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ ذَاتَهَا وَمَنَافِعَهَا بِخِلَافِ الزَّوْجِ ، وَلَوْ وَجَبَتْ التَّبْوِئَةُ لَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ .
( وَ ) حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ لَا يَبْطُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ ؛ إذْ ( يَطَأُ الزَّوْجُ إنْ ظَفِرَ بِهَا لَكِنْ ) يَجِبُ ( بِهَا ) أَيْ بِالتَّبْوِئَةِ ( النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ) عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ ( وَصَحَّ الرُّجُوعُ بَعْدَهَا ) أَيْ إنْ أَرَادَ اسْتِخْدَامَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَا كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالنِّكَاحِ ( وَسَقَطَتْ ) النَّفَقَةُ ( بِهِ ) أَيْ بِالرُّجُوعِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ فَإِذَا زَالَ سَقَطَتْ ( وَلَوْ خَدَمَتْهُ بِلَا اسْتِخْدَامِهِ لَا ) أَيْ لَوْ خَدَمَتْ الْمَوْلَى بِلَا اسْتِخْدَامِهِ بَعْدَ التَّبْوِئَةِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ عَنْ الزَّوْجِ
( قَوْلُهُ : مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ لَا تَجِبُ التَّبْوِئَةُ ) أَيْ وَلَوْ شَرَطَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّةِ شَرْطِ حُرِّيَّةِ أَوْلَادِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَنَّ قَبُولَهُ مِنْ الْمَوْلَى عَلَى مَعْنَى تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْوِلَادَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِخِلَافِ التَّبْوِئَةِ فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ بِتَعْلِيقِهَا عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ لِكَوْنِهَا عِدَةً مُجَرَّدَةً ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : إذْ يَطَأُ الزَّوْجُ إنْ ظَفِرَ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَالْكَنْزِ وَيَطَأُ الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّ إذَا مَا ظَرْفِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ وَلَا مَحَلَّ لَهُمَا هُنَا .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ خَدَمَتْهُ بِلَا اسْتِخْدَامِهِ لَا ) يَعْنِي فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَدْ قَالُوا إنَّهُ إذَا بَوَّأَهَا فَكَانَتْ تَخْدُمُ الْمَوْلَى أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا ، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْأَمَةِ ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَلَهَا النَّفَقَةُ سَوَاءٌ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ نَفْسِهَا لَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي اسْتِخْدَامِهَا ا هـ .
وَهَذَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَإِلَّا فَهِيَ نَاشِزَةٌ
( وَلَهُ إجْبَارُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ ) مَعْنَى الْإِجْبَارِ هُنَا نَفَاذُ نِكَاحِهِ عَلَيْهِمَا بِلَا رِضَاهُمَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إجْبَارَ فِي الْعَبْدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنَّمَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ رَقَبَةً وَيَدًا فَيَمْلِكُ عَلَيْهِ كُلَّ تَصَرُّفٍ فِيهِ صِيَانَةُ مِلْكِهِ
( قَوْلُهُ : وَلَهُ إجْبَارُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ ) الْمُرَادُ بِهِمَا غَيْرُ الْمُكَاتَبِ ، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ رَقَبَةً وَيَدًا ا هـ .
أَيْ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ إلَّا بِرِضَاهُ ، وَعَنْ هَذَا اسْتَظْرَفْت مَسْأَلَةً نُقِلَتْ مِنْ الْمُحِيطِ هِيَ تَوَقُّفُ نِكَاحِ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى إجَازَتِهَا حَالَ كِتَابَتِهَا لِالْتِحَاقِهَا بِالْبَالِغَةِ فِيمَا يُبْنَى عَلَى الْكِتَابَةِ فَلَوْ لَمْ تُرَدَّ حَتَّى عَتَقَتْ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى لَا عَلَى إجَازَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مُكَاتَبَةً وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ فَاعْتُبِرَ التَّوَقُّفُ عَلَى إجَازَتِهَا حَالَ رِقِّهَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ بَعْدَ عِتْقِهَا ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ ، وَلَوْ رَضِيَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ ، ثُمَّ عَتَقَتْ لَا خِيَارَ لَهَا لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ وَلَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ إذَا بَلَغَتْ لِزِيَادَةِ الْمِلْكِ لَا خِيَارُ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ قَائِمًا لِلْمَوْلَى وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ لِحَقِّهَا فَإِذَا رَضِيَتْ نَفَذَ بِالْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ وِلَايَةُ الْمَوْلَى فَلَوْ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَطَلَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ طَرَأَ عَلَى الْحِلِّ الْمَوْقُوفِ حِلٌّ نَافِذٌ وَفِي الْمُكَاتَبِ الصَّغِيرِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ عَلَى الْحِلِّ الْمَوْقُوفِ حِلٌّ بَاقٍ فَبَقِيَ ذَلِكَ الْمَوْقُوفُ فَيَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى ، كَذَا فِي الْكَافِي وَمَا بَحَثَهُ الْكَمَالُ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى ذَكَرَ جَوَابَهُ فِي الْبَحْرِ
( وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى ( أَمَتَهُ قَبْلَ الْوَطْءِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَتْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارًا بِمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا فَإِنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى أَتْلَفَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ بِوُصُولِ الزَّوْجِ إلَيْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِيَأْخُذَهُ الْمَوْلَى كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَذَهَبَ بِهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمِصْرِ أَوْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَاخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَوْ غَيَّبَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا الزَّوْجُ وَالْقَتْلُ جُعِلَ إتْلَافًا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالْحِرْمَانُ مِنْ الْإِرْثِ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا .
وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ : لِأَنَّهُ عَجَّلَ بِالْقَتْلِ أَخْذَ الْمَهْرِ فَجُوزِيَ بِالْحِرْمَانِ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ سُقُوطِ الْمَهْرِ لَوْ كَانَ حِرْمَانَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِرْثِ لِكَوْنِهِ قَاتِلًا لَزِمَ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْمَهْرَ إذَا قَتَلَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ قَبْلَ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ الْمَهْرُ وَاجِبٌ فِي الصُّورَتَيْنِ
( قَوْلُهُ : وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى قَالُوا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى الْقَاتِلُ صَبِيًّا يَجِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ الْمَهْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، كَذَا فِي الْكَافِي ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَا يُرَجِّحُهُ .
( قَوْلُهُ : أَمَتَهُ ) أَيْ غَيْرَ الْمُكَاتَبَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَهَا .
( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَذَهَبَ بِهَا الْمُشْتَرِي
إلَخْ ) فِيهِ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْضَرَهَا بَعْدَهُ لَهُ الْمَهْرُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ فَلَا يَسْقُطُ فِيهِمَا إلَّا الْمُطَالَبَةُ
( لَا ) أَيْ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ ( بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّهَا فَوَّتَتْ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَفُوتُ الْبَدَلُ كَقَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمَوْلَى ( الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ ) لَا لِلْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ عَنْ حُدُوثِ الْوَلَدِ وَهُوَ حَقُّ مَوْلَاهَا ( وَخُيِّرَتْ أَمَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ ) ، وَكَذَا مُدَبَّرَةٌ وَأُمُّ وَلَدٍ ( عَتَقَتْ ، وَلَوْ ) كَانَتْ ( تَحْتَ حُرٍّ ) سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ فَلَهَا الْخِيَارُ اتِّفَاقًا دَفْعًا لِلْعَارِ وَهُوَ كَوْنُ الْحُرَّةِ فِرَاشًا لِلْعَبْدِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلشَّافِعِيِّ
( قَوْلُهُ : لَا بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا قَبْلَهُ ) كَذَا الْأَمَةُ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِمَوْلَاهَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَنْعٌ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا بِقَتْلِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا قَبْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى ، وَكَذَا لَا يَسْقُطُ بِقَتْلِ وَارِثِ الْحُرَّةِ إيَّاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَارِثًا فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَخُيِّرَتْ أَمَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ عَتَقَتْ سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا أَوْ لَا ) أَقُولُ ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَلَوْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ خُيِّرَتْ ، وَلَوْ زَوْجُهَا حُرًّا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا ا هـ .
وَنَفْيُ رِضَا الْمُكَاتَبَةِ بِتَزْوِيجِهَا مَنْفِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ بِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَيَغْرَمُ الْمَوْلَى الْعُقْرَ إنْ وَطِئَهَا ا هـ .
وَقَوْلُهُ : وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِ الْمَوْلَى رَقَبَتَهَا فَلَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهَا كَمَا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِدُونِ رِضَاهَا لِمُوجِبِ الْكِتَابَةِ ، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِدُونِ إذْنِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى عَتَقَتْ نَفَذَ عَلَيْهَا وَلَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّ النَّفَاذَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَزْدَدْ مِلْكُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَالْخِيَارُ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ وَعِبَارَةُ كَافِي النَّسَفِيِّ الْمُكَاتَبَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ، ثُمَّ عَتَقَتْ خُيِّرَتْ ا هـ .
فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ ، وَقَدْ نَبَّهَنِي اللَّهُ لَهُ بَعْدَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً فِي مُسْتَهَلِّ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَأَلْفٍ
( نَكَحَ عَبْدٌ بِلَا إذْنٍ فَعَتَقَ نَفَذَ النِّكَاحُ ) ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( كَذَا الْأَمَةُ ) إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا إذْنِ مَوْلَاهَا ، ثُمَّ عَتَقَتْ نَفَذَ نِكَاحُهَا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَامْتِنَاعُ نُفُوذِهِ لِحَقِّ الْمَوْلَى ، وَقَدْ زَالَ ( بِلَا خِيَارٍ لَهَا ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ نَفَذَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَبَعْدَ النَّفَاذِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا مِلْكٌ فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْخِيَارِ فَلَا يَثْبُتُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ ( فَلَوْ وَطِئَ ) أَيْ الزَّوْجُ الْأَمَةَ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْعِتْقِ ( فَالْمُسَمَّى ) مِنْ الْمَهْرِ ، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ( لَهُ ) أَيْ لِلْمَوْلَى ( أَوْ ) وَطِئَ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ ( فَلَهَا ) أَيْ الْمُسَمَّى لِلْأَمَةِ يَعْنِي إنْ تَزَوَّجَتْ بِلَا إذْنِهِ عَلَى أَلْفٍ ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ مَثَلًا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً لَهُ فَوَجَبَ الْبَدَلُ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَعْتَقَهَا فَالْمَهْرُ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً لَهَا فَوَجَبَ الْبَدَلُ لَهَا اعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَلِيُّ وَالْقَاضِي وَالْوَصِيُّ وَالْمُكَاتَبُ وَالشَّرِيكُ الْمُفَاوِضُ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ لَا الْعَبْدِ ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانً لَا يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَهَا أَيْضًا
قَوْلُهُ : كَذَا الْأَمَةُ ) شَامِلٌ لِلْقِنَّةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَنْفُذُ نِكَاحُهَا ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْلَى كَمَا عَتَقَتْ وَالْعِدَّةُ تَمْنَعُ نَفَاذَ النِّكَاحِ ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَإِنَّ نِكَاحَهَا أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُهُ مَعَ وُجُودِ الْعِدَّةِ ؛ إذْ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدٌ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : فَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَلِيُّ وَالْقَاضِي وَالْوَصِيُّ
إلَخْ ) كَذَا أَثْبَتَ الْوَلِيُّ أَيْضًا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ؛ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ الصَّوَابُ خِلَافَ مَا ذُكِرَ هُنَا .
( قَوْلُهُ : وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
( مَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَعَادَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَا مَهْرُهَا ) أَيْ عُقْرُهَا ( وَ ) لَا ( قِيمَةُ الْوَلَدِ ) سَوَاءٌ ادَّعَى الْأَبُ شُبْهَةً أَوْ لَا صَدَّقَهُ الِابْنُ فِيهِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَسْتَدْعِي قِيَامَ وِلَايَةِ التَّمَلُّكِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ تَمَلُّكِ مَالِ الِابْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } وَمَاؤُهُ جُزْؤُهُ فَوَجَبَ صَوْنُهُ عَنْ الضَّيَاعِ بِمَالِ الِابْنِ وَذَا بِتَمَلُّكِ جَارِيَتِهِ لِتَصْحِيحِ فِعْلِ الِاسْتِيلَادِ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا خَلَا عَنْ الْمِلْكِ لَغَا ، وَإِذَا تَمَلَّكَهَا غَرِمَ قِيمَتَهَا لِابْنِهِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَاتِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهُ أَمَةً يَسْتَوْلِدُهَا فَلِقِيَامِ الْحَاجَةِ أَوْجَبْنَا لَهُ التَّمَلُّكَ وَلِعَدَمِ الضَّرُورَةِ أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ صِيَانَةً لِمَالِ الْوَلَدِ وَلَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حُرًّا لِاسْتِنَادِ الْمِلْكِ إلَى مَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ ( كَذَا ) أَيْ كَالْأَبِ ( الْجَدُّ ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ ( بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ مَوْتِ الْأَبِ ( وَلَوْ زَوَّجَهَا ) أَيْ الِابْنُ جَارِيَتَهُ ( أَبَاهُ ) فَوَلَدَتْ مِنْهُ ( لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ ) ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَهَا إلَى مِلْكِ الْأَبِ لِصِيَانَةِ مَائِهِ ، وَقَدْ صَارَ مَصُونًا بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ( وَيَجِبُ الْمَهْرُ ) لِالْتِزَامِهِ بِالنِّكَاحِ ( لَا الْقِيمَةُ ) لِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ ( وَوَلَدُهَا حُرٌّ ) ؛ لِأَنَّ أَخَاهُ مَلَكَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ
( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الِابْنِ عَنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ عُلِّقَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِ الِابْنِ أَوْ فِي مِلْكِهِ ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا فَادَّعَى الْأَبُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَهَذَا إذَا كَذَّبَهُ الِابْنُ فَإِنْ صَدَّقَهُ صَحَّتْ دَعْوَاهُ وَلَا يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ كَمَا إذَا ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلِابْنِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ مَوْتِ الْأَبِ لَوْ قَالَ حَالَ عَدَمِ وِلَايَتِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ بِمَوْتِهِ أَوْ رِقِّهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ كُفْرِهِ
( حُرَّةٌ قَالَتْ لِمَوْلَى زَوْجِهَا اعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَأَعْتَقَ فَسَدَ النِّكَاحُ ) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا أَعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَفَسَدَ النِّكَاحُ وَيَسْقُطُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَهْرُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ عَلَى عَبْدِهَا وَلَا يَسْقُطُ فِي الثَّانِيَةِ ، .
وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَتَحْقِيقُ الْخِلَافِ أَنَّ الْبَدَلَ إذَا ذُكِرَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالِاقْتِضَاءِ عِنْدَنَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَتْ بِعْهُ مِنِّي بِكَذَا ، ثُمَّ اعْتِقْهُ عَنِّي وَقَوْلُ الْمَوْلَى أَعْتَقَتْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بِعْته مِنْك وَأَعْتَقْتُهُ عَنْك فَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ اقْتِضَاءً فَسَدَ النِّكَاحُ وَزُفَرُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْأُصُولِ ( وَالْوَلَاءُ لَهَا وَيَقَعُ عَنْ كَفَّارَتِهَا إنْ نَوَتْ ) لِكَوْنِهَا مُعْتَقَةً ( وَلَوْ تَرَكَتْ ) الْحُرَّةُ ( الْبَدَلَ ) أَيْ لَا تَقُولُ بِأَلْفٍ ( لَمْ يَفْسُدْ ) النِّكَاحُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ( وَالْوَلَاءُ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَقُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
( قَوْلُهُ : فَأَعْتَقَ فَسَدَ النِّكَاحُ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ ؛ إذْ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ ، ثُمَّ أُعْتِقْت لَمْ يَصِرْ مُجِيبًا لِكَلَامِهَا ، بَلْ كَانَ مُبْتَدَأً وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ
، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الرَّقِيقِ شَرَعَ فِي نِكَاحِ الْكَافِرِ فَقَالَ ( أَسْلَمَ الْمُتَزَوِّجَانِ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ مُعْتَقِدَيْنِ ذَلِكَ إقْرَارًا عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَا ) أَيْ الْمُتَزَوِّجَانِ اللَّذَانِ أَسْلَمَا ( مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُحْرِمَيْنِ أَوْ تَرَافَعَا ) أَيْ عَرَضَا أَمْرَهُمَا إلَيْنَا وَهُمَا عَلَى الْكُفْرِ ( فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ) لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْمَحْرَمِيَّةِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ ( وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا ) أَيْ لَا يُفَرَّقُ ؛ إذْ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ
قَوْلُهُ : أَسْلَمَ الْمُتَزَوِّجَانِ بِلَا شُهُودٍ ) صِحَّةُ نِكَاحِهِمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ فَاسِدٌ .
( قَوْلُهُ : أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ مُعْتَقِدَيْنِ ذَلِكَ ) هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالُوا بِفَسَادِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمَا تَرْكًا لَا تَقْرِيرًا فَإِذَا تَرَافَعَا أَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُرَافَعَةُ أَوْ الْإِسْلَامُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا لَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ تَرَافَعَا ) ضَمِيرُهُ لِلْمُحَرَّمَيْنِ خَاصَّةً لَا لِمَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا مَرَّ ) يُرِيدُ بِهِ تَزَوُّجَهُمَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بِلَا شُهُودٍ .
( قَوْلُهُ : وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يُفَرَّقُ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا كَإِسْلَامِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَمْ لَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا فَرَّقْت وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ نِكَاحَ الْمُرْتَدِّ وَلَا يَنْكِحُ أَحَدًا
( الْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا ) فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا فَهُوَ كِتَابِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لَهُ ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ الدَّارُ بِأَنْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَ الْوَالِدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْوَالِدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ لَا يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْوَالِدُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَالْمَجُوسِيُّ وَمِثْلُهُ ) كَالْوَثَنِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ ( شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ ) ؛ إذْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ دَعْوَى وَلِهَذَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَيَجُوزُ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَكَانَ الْمَجُوسِيُّ شَرًّا حَتَّى إذَا وُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يَكُونُ كِتَابِيًّا تَبَعًا
( وَفِي إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ امْرَأَةِ الْكِتَابِيِّ يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فُرِّقَ ) بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِبَاءِ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِيمُ فِي الْمَجُوسِيَّيْنِ ؛ إذْ بِإِسْلَامِ أَحَدُهُمَا مُطْلَقًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِبَاءِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَا كِتَابِيَّيْنِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ، وَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا لِجَوَازِ تَزَوُّجِهَا لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً وَالزَّوْجُ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ لِمَا ذَكَرْنَا ( وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ لَا إبَاؤُهَا ) يَعْنِي إذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْإِبَاءُ مِنْ طَرَفِ الرَّجُلِ كَانَ التَّفْرِيقُ طَلَاقًا ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طَرَفِ الْمَرْأَةِ كَانَ فَسْخًا لَا طَلَاقًا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ الرِّجَالِ لَا النِّسَاءِ ( وَلَا مَهْرَ فِي هَذَا ) أَيْ إبَائِهَا ( إلَّا لِلْمَوْطُوءَةِ ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ فَوَّتَتْ الْمُبْدَلَ قَبْلَ تَأْكِيدِ الْبَدَلِ فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ وَالْمُطَاوَعَةَ ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ إبَاءِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ هُنَا طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ ( وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ) أَيْ إسْلَامُ أَحَدِ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ امْرَأَةِ الْكِتَابِيِّ ( ثَمَّةَ ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفُرْقَةِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ فَأَقَمْنَا شَرْطَهَا وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ مَقَامَ السَّبَبِ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ امْرَأَةِ الْكِتَابِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ هُوَ الزَّوْجُ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا
( قَوْلُهُ : يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَى الْآخَرِ ) يَعْنِي إنْ كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا عَرَضَ عَلَى أَبَوَيْهِ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ بَقِيَ النِّكَاحُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَجْنُونًا لَكِنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ يُنْتَظَرُ عَقْلُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً مَعْلُومَةً بِخِلَافِ الْجُنُونِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِرُّ صَبِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ بَالِغًا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ ) هَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ طَلَاقًا ، وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا يَكُونُ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْهُمَا وَنَظِيرُهُ إذَا كَانَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ عِنِّينًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ طَلَاقًا اتِّفَاقًا ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا مَهْرَ فِي هَذَا إلَّا لِلْمَوْطُوءَةِ ) شَامِلٌ لِلصَّغِيرَةِ الْمَجْنُونَةِ الَّتِي فُرِّقَ بِإِبَاءِ وَالِدِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَا نَفْعَ لَهَا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا بِهِ ، فَيَكُونُ وَارِدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لِلصَّغِيرِ فَلْيُنْظَرْ جَوَابُهُ .
( قَوْلُهُ : لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَلَا تَكُونُ عِدَّةً ؛ وَلِذَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا وَلَا تَلْزَمُهَا عِدَّةٌ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِمُضِيِّ الْحَيْضِ ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْمَبْسُوطِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا ا هـ .
وَأَطْلَقَ الطَّحَاوِيُّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ طَلَاقٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَسْخٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ
عَنْهُمَا ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِبَاءُ عَنْ الْإِسْلَامِ بِشَرْطِ مُضِيِّ الْحَيْضِ أَوْ الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ .
( قَوْلُهُ : وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ ) عَدَلَ بِهِ عَنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوضَ عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَعْقِلَ وَنَظِيرُهُ فِي اللُّغَةِ عَرَضَتْ النَّاقَةُ عَلَى الْحَوْضِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَجِّعُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادُ الْبُلَغَاءِ .
( قَوْلُهُ : فَأَقَمْنَاهُ شَرْطَهَا ) أَيْ شَرْطَ الْفُرْقَةِ وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ مَقَامَ السَّبَبِ يَعْنِي بِهِ الْإِبَاءَ عَنْ الْإِسْلَامِ .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ أَيْ السَّبَبُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَبَبٌ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ هُوَ الْإِبَاءُ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ ) يَعْنِي بِهِ أَنَّ لِلْإِضَافَةِ إلَى الشَّرْطِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ نَظِيرًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ حَافِرُ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ يُضَافُ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِالسُّقُوطِ فِيهِ إلَى الْحَفْرِ وَهُوَ شَرْطٌ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ ثِقَلُ الْوَاقِعِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ لِكَوْنِهِ طَبِيعِيًّا فَأُضِيفَ إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ الْحَفْرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعَارِضْهُ الْعِلَّةُ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ
( أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ لَمْ تَبِنْ ) ؛ إذْ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا ابْتِدَاءً فَالْبَقَاءُ أَوْلَى ( تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفُرْقَةِ لَا السَّبْيُ ) حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ أَسْلَمَ أَوْ عَقَدَ عَقْدَ الذِّمَّةِ فِي دَارِنَا أَوْ سُبِيَ وَأُدْخِلَ فِيهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَبَبُهَا السَّبْيُ لَا التَّبَايُنُ
( قَوْلُهُ : تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفُرْقَةِ ) يَعْنِي تَبَايُنُهُمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا ؛ لِأَنَّ بِهِ لَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ حَتَّى لَوْ نَكَحَ مُسْلِمٌ حَرْبِيَّةً كِتَابَةً ثَمَّةَ ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهَا بَانَتْ عِنْدَنَا ، وَلَوْ خَرَجَتْ قَبْلَ الزَّوْجِ لَمْ تَبِنْ ، كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ التَّبَايُنَ وَإِنْ وُجِدَ حَقِيقَةً لَمْ يُوجَدْ حُكْمًا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِهَا حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهَا أَحَدٌ كُرْهًا فَإِنَّهَا تَبِينُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ؛ لِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا وَزَوْجَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا ، وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ ا هـ .
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْسُورَةَ لَا تَبِينُ بِهِ لِعَدَمِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِيمَا يُخَالِفُ هَذَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ
( حَائِلٌ ) هِيَ ضِدُّ الْحَامِلِ ( هَاجَرَتْ ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَيْنَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً ( تُنْكَحُ بِلَا عِدَّةٍ ) بِخِلَافِ الْحَامِلِ حَيْثُ لَا تُنْكَحُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَجْهُ جَوَازِ النِّكَاحِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } حَيْثُ أَبَاحَ نِكَاحَ الْمُهَاجِرَةِ مُطْلَقًا فَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ فَسْخٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ
( قَوْلُهُ : حَائِلٌ هَاجَرَتْ تُنْكَحُ بِلَا عِدَّةٍ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَجْهُ جَوَازِ النِّكَاحِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } ) التِّلَاوَةُ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ
( ارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ( فَسْخٌ عَاجِلٌ ) لِلنِّكَاحِ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى الْحُكْمِ وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ فَسْخًا أَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ لَا يُنْتَقَصُ بِهِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَطَلَاقٌ ( فَلِلْمَوْطُوءَةِ كُلُّ الْمَهْرِ ) سَوَاءٌ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ فَلَا يُتَصَوَّرُ سُقُوطُهُ ( وَلِغَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ ( النِّصْفُ ) أَيْ نِصْفُ الْمَهْرِ ( لَوْ ارْتَدَّ ) الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ تُوجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ ( وَلَا شَيْءَ ) مِنْ الْمَهْرِ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ ( لَوْ ارْتَدَّتْ ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِمَعْصِيَةٍ تُوجِبُ سُقُوطَهُ ( وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ ) أَيْ نَظِيرُ الِارْتِدَادِ حَتَّى إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ يَجِبُ الْمَهْرُ كُلُّهُ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ مِنْهُ يَجِبُ النِّصْفُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ ( ارْتَدَّا وَأَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ ، وَلَوْ أَسْلَمَا مُتَعَاقِبًا بَانَتْ ) فَإِنَّ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا إذَا تَقَدَّمَ يَبْقَى الْآخَرُ عَلَى رِدَّتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الِاخْتِلَافُ
( قَوْلُهُ : ارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ فِي الْحَالِ ) جَوَابُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى أَفْتَى بِهِ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ ، وَلَوْ دِينَارًا وَلِكُلِّ قَاضٍ فِعْلُ ذَلِكَ رَضِيَتْ أَمْ لَا وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ وَبَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخِي وَسَمَرْقَنْدَ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ بِرِدَّتِهَا حَسْمًا لِاحْتِيَالِهَا عَلَى الْخَلَاصِ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ .
( قَوْلُهُ : وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ ) فِيهِ اسْتِدْرَاكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا مَهْرَ فِي هَذَا أَيْ إبَائِهَا إلَّا لِلْمَوْطُوءَةِ .
( قَوْلُهُ : ارْتَدَّا وَأَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ ) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَعًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمَا ارْتَدَّا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ سَبْقَ أَحَدِهِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ سَبْقَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الرِّدَّةِ جَعَلَ الْحُكْمَ كَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا كَمَا فِي الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ( تَنْبِيهٌ ) : لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ مَنْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ هُنَّ كِتَابِيَّاتٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقَدَةٍ وَاحِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَفِي عَقْدٍ فَنِكَاحُ مَنْ يَحِلُّ لِسَبْقِهِ جَائِزٌ وَنِكَاحُ مَنْ تَأَخَّرَ فَوَقَعَ بِهِ الْجَمْعُ أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ بَاطِلٌ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ
بَابُ الْقَسْمِ ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمَ الْقَاسِمُ الْمَالَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَرَّقَهُ بَيْنَهُمْ وَعَيَّنَ أَنْصِبَاءَهُمْ وَمِنْهُ الْقَسْمُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَهُوَ إعْطَاءُ حَقِّهِنَّ فِي الْبَيْتُوتَةِ عِنْدَهَا لِلصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِيهَا كَمَا فِي الْمَحَبَّةِ ( يَجِبُ الْعَدْلُ فِيهِ وَفِي الْمَلْبُوسِ وَالْمَأْكُولِ ) وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ( وَالْبِكْرُ وَالْجَدِيدَةُ وَالْمُسْلِمَةُ كَأَضْدَادِهَا ) يَعْنِي الثَّيِّبَ وَالْقَدِيمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ ( فِيهَا ) أَيْ الْقَسْمِ وَالْمَلْبُوسِ وَالْمَأْكُولِ ( وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمَنْكُوحَاتِ ) إظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ ( وَيُسَافِرُ بِمَنْ شَاءَ ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ الْقَسْمُ فِي السَّفَرِ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فِيهِ ( وَالْقُرْعَةُ أَوْلَى ) تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ ( وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ إنْ تَرَكَتْ قَسْمَهَا لِأُخْرَى ) ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَائِمِ ، فَيَكُونُ الرُّجُوعُ امْتِنَاعًا بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ فِيهَا مَتَى شَاءَ لِمَا قُلْنَا ( وَلَا يَسْقُطُ بِمَرَضِهَا ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( بَابُ الْقَسْمِ ) .
( قَوْلُهُ : يُجِبْ الْعَدْلُ فِيهِ ) لِذَا سُمِّيَ بِالْعَدْلِ كَمَا سُمِّيَ بِالْقَسْمِ وَحَقِيقَتُهُ مُطْلَقًا مُمْتَنِعَةٌ كَمَا أَخْبَرَهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } فَقَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يُسْتَطَاعُ فَعُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ) إخْرَاجٌ لِلْمَتْنِ عَنْ إفَادَتِهِ مُوَافَقَةَ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي النَّفَقَةِ مِنْ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ بِعَدَمِ تَعَدِّي الْوَاجِبِ فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى نِسَائِهِ غَنِيَّةً لَا تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأُخْرَى الْفَقِيرَةِ مِثْلَهَا فَتَفْسِيرُ الْعَدْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ ، وَلَيْسَ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى تَسَاوِي حَالِ النِّسَاءِ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ .
( قَوْلُهُ : وَالْبِكْرُ
إلَخْ ) كَذَا الْمَجْنُونَةُ الَّتِي لَا يُخَافُ مِنْهَا مَعَ الْعَاقِلَةِ وَالْمُرَاهِقَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالْمُحْرِمَةِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا إنْ قَصَدَ رَجْعَتَهَا مَعَ مُقَابَلَتِهَا وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ كَالْفَحْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ وَلَا يُجَامِعُ الْمَرْأَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَا يَدْخُلُ لَيْلًا عَلَى الَّتِي لَا قَسْمَ لَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا نَهَارًا لِحَاجَةٍ وَيَعُودَهَا فِي مَرَضِهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا فَإِنْ ثَقُلَ مَرَضُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تُشْفَى أَوْ تَمُوتَ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( تَنْبِيهٌ ) : الْقَسْمُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ فَمَنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا فِي يَوْمٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَصْحَبَهَا أَحْيَانًا
عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَوْلَدَاتٌ وَإِمَاءٌ فَلَا قَسْمَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ فِي الْمُضَاجَعَةِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( تَنْبِيهٌ آخَرُ ) لَيْسَ اللَّازِمُ بَعْدَ تَمَامِ الدَّوْرِ عَلَى نِسَائِهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الدَّوْرَ عَلَيْهِنَّ عَقِبَ تَمَامِهِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ عِنْدَ الْكُلِّ بَعْضَ اللَّيَالِيِ وَانْفَرَدَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الدَّوْرِ عَلَى نِسَائِهِ مَعَ سَرَارِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا نَقَلْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا تَجَدُّدَ الْمَسَرَّاتِ بِالْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فَوَائِدَ جَلِيلَةٍ .
وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَدْ قَالُوا إنَّ الرَّجُلَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْقَسْمِ يُضْرَبُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ الْحَقُّ فِيهِ بِالْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ا هـ .
وَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، بَلْ إذَا عَادَ مَا نَهَاهُ الْقَاضِي أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً وَأَمَرَهُ بِالْعَدْلِ لِإِسَاءَةِ أَدَبِهِ وَارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ الْقَاضِي يُخَيَّرُ فِي التَّعْزِيرِ بَيْنَ الْحَبْسِ وَالضَّرْبِ لِاخْتِصَاصِ هَذَا بِغَيْرِ الْحَبْسِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ
.
( كِتَابُ الرَّضَاعِ ) ( هُوَ ) فِي اللُّغَةِ مَصُّ الثَّدْيِ مُطْلَقًا وَفِي الشَّرْعِ ( مَصُّ ) الصَّبِيِّ ( الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ آدَمِيَّةٍ ) احْتِرَازًا عَنْ ثَدْيِ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الرَّضِيعَيْنِ إذَا مَصَّاهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ كَمَا سَيَأْتِي ( فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ هُوَ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( حَوْلَانِ وَنِصْفٌ ، وَعِنْدَهُمَا حَوْلَانِ ) فَقَطْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ إذَا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ ، ثُمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ إذَا مَضَتْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ } وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ إذَا فُطِمَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَلَا يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ ضَرُورِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ( وَيَثْبُتُ بِهِ ) أَيْ بِالرَّضَاعِ ( وَإِنْ قَلَّ ) ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يَكْتَفِي الصَّبِيُّ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ( أُمُومَةُ الْمُرْضِعَةِ ) فَاعِلُ يَثْبُتُ ( لِلرَّضِيعِ وَأُبُوَّةُ زَوْجِ مُرْضِعَةٍ لَبَنُهَا مِنْهُ ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ ( لَهُ ) أَيْ لِلرَّضِيعِ يَعْنِي يَثْبُتُ بِالرَّضَاعِ كَوْنُ الْمُرْضِعَةِ أُمًّا لِلرَّضِيعِ وَكَوْنُ زَوْجِهَا أَبًا لَهُ إذَا كَانَ لَبَنُهَا مِنْهُ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ لَبَنُهَا مِنْهُ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ ذَاتُ لَبَنٍ رَجُلًا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدًا لَهُ مِنْ الرَّضَاعِ ، بَلْ يَكُونُ رَبِيبُهُ مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَوْلَادِ الزَّوْجِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِهَا وَبِأَخَوَاتِهِ
كَمَا فِي النَّسَبِ وَيَكُونُ وَلَدًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الثَّانِي فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ ، ثُمَّ إنَّ انْتِفَاءَ هَذَا الْقَيْدِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْأُبُوَّةِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ نِكَاحِ الزَّوْجِ لِلرَّضِيعَةِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْضِعَةِ الْمَوْطُوءَةِ لَهُ ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ ، وَلَوْ بِجِهَةِ الرَّضَاعِ كَمَا مَرَّ
( كِتَابُ الرَّضَاعِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ هُوَ الْأَصْلُ وَبِكَسْرِهَا لُغَةٌ فِيهِ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ الرَّضَاعُ وَالرَّضَاعَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَالرَّضْعُ ، الْخَامِسَةُ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ مَعَ الْهَاءِ وَفَعَلَهُ فِي الْفَصِيحِ مِنْ حَدِّ عَلِمَ يَعْلَمُ وَأَهْلُ نَجْدٍ قَالُوهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ السَّلُولِ يَذُمُّ عُلَمَاءَ زَمَانِهِ وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضَعُونَهَا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَفِي الشَّرْعِ مَصُّ الصَّبِيِّ ) تَعْبِيرُهُ بِالْمَصِّ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ وُصُولُ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِهِ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا بِالْإِقْطَارِ فِي الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ وَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ وَالْحُقْنَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا حَوْلَانِ فَقَطْ ) بِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ إذَا انْقَضَتْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ ) أَيْ سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ الْكَمَالُ .
وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا أَيْ الْحُرْمَةُ تَثْبُتُ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الرَّضَاعِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ فَإِنَّ مَا قَبْلَ الْمُدَّةِ مَظِنَّةُ عَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ ا هـ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَنُقِلَ مِثْله عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهَا بَعْدَهُ خِلَافَ الْمُعْتَمَدِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى إذَا اخْتَلَفَتْ كَانَ التَّرْجِيحُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَهُ ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ مُدَّتِهِ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ نَعَمْ
أَجَازَ الْبَعْضُ التَّدَاوِيَ بِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ ، كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْبَعْضُ لَمْ يُجَوِّزُوا شُرْبَهُ لِلتَّدَاوِي ا هـ .
وَقَدَّمْنَا مَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَمْ يَبْقَ حَرَامًا .
( قَوْلُهُ : وَأُبُوَّةُ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ ) كَذَا أُبُوَّةُ مَوْلَى الْمُرْضِعَةِ وَاللَّبَنُ مِنْهُ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ زِنًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ لِرَضِيعَتِهِ عَلَى فُرُوعِ الزِّنَى وَأُصُولِهِ وَالْأَوْجَهُ دِرَايَةُ عَدَمِ تَحْرِيمِهِ لَا رِوَايَةُ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَلَامَ الْكَمَالِ الْأَوْجَهِيَّةِ وَقَيَّدَ أُسْتَاذُنَا بِمَا قُلْنَاهُ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَهُ بِمَا يَأْتِي آخِرَ كَلَامِ الْكَمَالِ ا هـ
وَفِي الْجَوْهَرَةِ إنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ ابْنُ الْوَاطِئِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْوَاطِئِ يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ ، وَمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيَكُونُ وَلَدًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجْعَلُهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الثَّانِي إنْ كَانَ رَقِيقًا أَوْ مُطَلِّقًا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ دَرَّ بَعْدَمَا جَفَّ اخْتَصَّ بِهَا كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ
( فَيَحْرُمُ بِهِ ) أَيْ بِالرَّضَاعِ ( مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ وَأَخِيهِ ) فَإِنَّ أُمَّ الْأُخْتِ وَالْأَخِ مِنْ النَّسَبِ هِيَ الْأُمُّ أَوْ مَوْطُوءَةُ الْأَبِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا حَرَامٌ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ وَهِيَ شَامِلَةٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ : الْأُولَى الْأُمُّ رَضَاعًا لِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخِ نَسَبًا كَأَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ الرَّضَاعَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ ، وَالثَّانِيَةُ الْأُمُّ نَسَبًا لِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخِ رَضَاعًا كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ النَّسَبِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ ، وَالثَّالِثَةُ الْأُمُّ رَضَاعًا لِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخِ رَضَاعًا كَأَنْ يَجْتَمِعَ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ الْأَجْنَبِيَّانِ عَلَى ثَدْيِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَلِلصَّبِيَّةِ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ ( وَأُخْتُ ابْنِهِ ) فَإِنَّ أُخْتَ الِابْنِ مِنْ النَّسَبِ ، أَمَّا الْبِنْتُ أَوْ الرَّبِيبَةُ ، وَقَدْ وُطِئَتْ أُمُّهَا وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ ( وَجَدَّةُ ابْنِهِ ) فَإِنَّ جَدَّةَ ابْنِهِ نَسَبًا أُمُّ مَوْطُوءَتِهِ أَوْ أُمُّهُ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ ( وَأُمُّ عَمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَأُمُّ خَالِهِ وَخَالَتِهِ ) فَإِنَّ أُمَّ الْأُولَيَيْنِ مَوْطُوءَةُ الْجَدِّ الصَّحِيحِ وَأُمُّ الْأُخْرَيَيْنِ مَوْطُوءَةُ الْجَدِّ الْفَاسِدِ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ ( لِلرَّجُلِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْتَثْنَى فِي قَوْلِهِ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ
إلَخْ يَعْنِي أَنَّ شَيْئًا مِنْ النِّسْوَةِ الْمَذْكُورَاتِ لَا يَحْرُمُ لِلرَّجُلِ إذَا كَانَتْ مِنْ الرَّضَاعِ ( وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ مُطْلَقًا ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ كَالْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
( قَوْلُهُ : وَأُخْتُ ابْنِهِ
إلَخْ ) لَا حَصْرَ فِيمَا ذُكِرَ ؛ إذْ يُتَصَوَّرُ الْحِلُّ فِي أُخْتِ ابْنِهِ وَبِنْتِهِ نَسَبًا بِأَنْ يَدَّعِيَ شُرَكَاءُ فِي أَمَةِ وَلَدِهَا فَإِذَا كَانَ لِكُلِّ بِنْتٍ مِنْ غَيْرِ الْأَمَةِ حَلَّ لِشَرِيكِهِ التَّزَوُّجُ بِهَا وَهِيَ أُخْتُ وَلَدِهِ نَسَبًا مِنْ الْأَبِ وَأَلْغَزَ بِهَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ وَمِمَّنْ يَحِلُّ رَضَاعًا لَا نَسَبًا أُمُّ وَلَدِ وَلَدِهِ
( وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ امْرَأَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُمَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَبَاعِدَةٍ وَسَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُمَا مِنْ ثَدْيٍ وَاحِدٍ أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ ثَدْيٍ وَالْآخَرَ مِنْ آخَرَ ( بِخِلَافِ الشَّاةِ ) وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لَبَنِهَا حُكْمُ الرَّضَاعِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ بِوَاسِطَةِ شُبْهَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمُرْضِعَةُ ، ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالْآدَمِيِّ وِلَادًا فَكَذَا رَضَاعًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا .
( وَ ) لَا حِلَّ أَيْضًا ( بَيْنَ رَضِيعَةٍ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَيْضًا أَخَوَانِ ( وَوَلَدِ وَلَدِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُخْتِهَا
( وَيَحْرُمُ ) أَيْ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ ( لَبَنُ الْبِكْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ فَتَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الْبَعْضِيَّةِ كَلَبَنِ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ .
( وَ ) الْمَرْأَةُ ( الْمَيِّتَةُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا لَبَنٌ حَقِيقَةً ( كَذَا ) أَيْ يَحْرُمُ أَيْضًا لَبَنُ الْمَرْأَةِ ( الْمَخْلُوطُ بِمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ أَوْ لَبَنِ ) امْرَأَةٍ ( أُخْرَى أَوْ ) لَبَنِ ( شَاةٍ إذَا غَلَبَ ) أَيْ لَبَنُ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْبَاتَ اللَّحْمِ وَإِنْشَازَ الْعَظْمِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ ( لَا ) أَيْ لَا يَحْرُمُ ( الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ ) هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَلَبَةُ فِيهِ ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَشَرَطَ الْقُدُورِيُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَوْنَ الطَّعَامِ مُسْتَبِينًا كَالثَّرِيدِ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ اللَّبَنُ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ فَإِنْ تَقَاطَرَ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
( قَوْلُهُ : أَيْ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ لَبَنُ الْبِكْرِ ) هَذَا إذَا حَصَلَ مِنْ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا ، وَلَوْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِلَبَنِهَا التَّحْرِيمُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ لَبَنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْلُوطُ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَوْ شَاةٍ إذَا غَلَبَ ) يَعْنِي أَوْ سَاوَى وَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ إجْمَاعًا إذَا تَسَاوَى لَبَنُهُمَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَإِذَا غَلَبَ لَبَنُ إحْدَاهُمَا ثَبَتَ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا ، وَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ مِثْلُ قَوْلِهِمَا وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِتَأْخِيرِهِ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قِيلَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ فِيهِ إنْبَاتَ اللَّحْمِ وَإِنْشَازَ الْعَظْمِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إذَا جُعِلَ مَخِيضًا أَوْ رَائِبًا أَوْ شِيرَازًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا فَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ ؛ وَلِذَا لَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَلَا يَنْشِزُ الْعَظْمَ وَلَا يَكْتَفِي بِهِ الصَّبِيُّ فِي الِاغْتِذَاءِ فَلَا يَحْرُمُ بِهِ ا هـ .
وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا جُبِّنَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ وَأُطْعِمَ الصَّبِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ ) مُفِيدٌ أَنَّهُ إذَا مَسَّتْهُ لَا يُحَرِّمُ وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَوْ غَلَبَ اللَّبَنُ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ مُنْلَا مِسْكِينٌ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَوْ كَانَتْ النَّارُ قَدْ مَسَّتْ اللَّبَنَ وَأَنْضَجَتْ الطَّعَامَ حَتَّى تَغَيَّرَ فَلَا يُحَرِّمُ سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ بِكُلِّ حَالٍ ) أَيْ مِنْ حَالَتَيْ التَّقَاطُرِ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ
وَعَدَمِهِ إذَا تَنَاوَلَهُ لُقْمَةً لُقْمَةً ، أَمَّا لَوْ حَسَاهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَشْرَبْهُ ، أَمَّا إذَا حَسَاهُ حَسْوًا أَيْ شَرِبَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَفْظَةُ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يَجِبُ ؛ وَلِذَا حَذَفَهَا قَاضِي خَانْ فَقَالَ هَذَا إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ لُقْمَةً لُقْمَةً فَإِنْ حَسَاهُ حَسْوًا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ا هـ .
.
( وَ ) لَا ( لَبَنُ الرَّجُلِ وَ ) لَا ( لَبَنُهَا إذَا احْتَقَنَ بِهِ ) أَيْ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ ( الصَّبِيُّ ) ، أَمَّا لَبَنُ الرَّجُلِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ حَقِيقَةً فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ ، وَأَمَّا الِاحْتِقَانُ بِلَبَنِهَا فَلِأَنَّ النُّشُوءَ لَا يُوجَدُ فِيهِ وَالتَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِالْغِذَاءِ وَهُوَ مِنْ الْأَعْلَى لَا الْأَسْفَلِ ( أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حَرُمَتَا ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حَرُمَتَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا ( وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ تُوطَأْ ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَجِئْ مِنْ قِبَلِهَا بِأَنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَارْتَضَعَتْهَا الصَّغِيرَةُ أَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لَبَنَهَا فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا ( وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُهُ ) أَيْ نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مِنْ قِبَلِهَا ؛ إذْ لَا عِبْرَةَ لِارْتِضَاعِهَا ( وَيَرْجِعُ ) أَيْ الزَّوْجُ ( بِهِ ) أَيْ بِنِصْفِ الْمَهْرِ ( عَلَى الْمُرْضِعَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِلَّا فَلَا ، طَلُقَتْ لَبُونٌ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ آخَرَ فَحَبِلَتْ وَأَرْضَعَتْ فَحُكْمُهُ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى تَلِدَ ) يَعْنِي امْرَأَةً لَهَا لَبَنٌ مِنْ الزَّوْجِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَحَبِلَتْ مِنْهُ وَنَزَلَ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى تَلِدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِذَا وَلَدَتْ فَاللَّبَنُ يَكُونُ مِنْ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ وَشَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مِنْ الثَّانِي فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ
( قَوْلُهُ : فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ ) أَيْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ لَبَنٌ عَلَى التَّحْقِيقِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حُكْمُهُ ا هـ .
وَلَبَنُ الْخُنْثَى إنْ كَانَ وَاضِحًا فَوَاضِحٌ ، وَإِنْ أَشْكَلَ إنْ قَالَ النِّسَاءُ إنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِامْرَأَةٍ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا احْتَقَنَ بِهِ الصَّبِيُّ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ صَوَابُهُ حَقَنَ لَا احْتَقَنَ يُقَالُ حَقَنَ الْمَرِيضَ دَاوَاهُ بِالْحُقْنَةِ وَاحْتَقَنَ الصَّبِيُّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَاحْتُقِنَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعَيَّنَ حَقَنَ ، وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الِاحْتِقَانُ حَقَنَهُ كَرَدَنَ فَجَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ ا هـ .
كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ مَا فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ مِنْ التَّفْسِيرِ لَا يُفِيدُ الِافْتِعَالَ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَالصَّبِيِّ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ : وَإِذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ ، بَلْ إلَى الْحُقْنَةِ وَهِيَ آلَةُ الِاحْتِقَانِ وَالْكَلَامُ فِي بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الصَّبِيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ قَاصِرٍ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْرُورِ وَالظَّرْفِ كَجَلَسَ فِي الدَّارِ وَمَرَّ بِزَيْدٍ ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ بِاعْتِبَارِ الْآلَةِ وَالظَّرْفِ جَوَازُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفْعُولِ ، بَلْ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا إلَيْهِ بِنَفْسِهِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حَرُمَتَا ) أَمَّا حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ فَمُؤَيَّدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ الرَّجُلِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا مُؤَبَّدًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ
يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ إلَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَيَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ لِلدُّخُولِ بِالْأُمِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ ) بِأَنْ تَعْلَمَ قِيَامَ النِّكَاحِ وَأَنَّ الرَّضَاعَ مِنْهَا مُفْسِدٌ وَاعْتُبِرَ الْجَهْلُ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ وَأَنْ تَتَعَمَّدَهُ لَا لِدَفْعِ الْجُوعِ أَوْ الْهَلَاكِ عِنْدَ خَوْفِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ .
وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ ظَنَّتْ أَنَّهَا جَائِعَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا شَبْعَانَةُ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا لَا ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْقَوْلُ لِلْكَبِيرَةِ بِيَمِينِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : طَلُقَتْ لَبُونٌ
إلَخْ ) فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ زَوْجُ مُرْضِعَةِ لَبَنِهَا مِنْهُ غِنًى عَنْ هَذَا
( أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ عَلَى التَّعَاقُبِ حَرُمَتَا ) يَعْنِي رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ رَضِيعَتَانِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ عَلَى التَّعَاقُبِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا حَرَامٌ ( قَالَ ) رَجُلٌ مُشِيرًا إلَى امْرَأَتِهِ ( هَذِهِ رَضِيعَتِي ، ثُمَّ رَجَعَ ) عَنْ قَوْلِهِ ( صَدَقَ ) فِي رُجُوعِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَجْرِي فِيهِ الْغَلَطُ فَكَانَ مَعْذُورًا فَقَدْ يَقَعُ عِنْدَ الرَّجُلِ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانَةَ رَضَاعًا فَيُخْبِرُ بِذَلِكَ ، ثُمَّ يَتَفَحَّصُ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَيَتَبَيَّنُ لَهُ غَلَطٌ فِي ذَلِكَ فَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَلَطٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ أُخْتُهُ أَوْ أُمُّهُ أَوْ بِنْتُهُ رَضَاعًا ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَقَالَ أَخْطَأْت أَوْ وَهَمْت أَوْ نَسِيت وَصَدَّقَتْهُ فَهُمَا مُصَدَّقَانِ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ( وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ) أَيْ وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى قَوْلِهِ .
وَقَالَ هُوَ حَقٌّ كَمَا قُلْت ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ( فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ) ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِ وَأَنْكَرَ ، ثُمَّ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا ، وَقَالَتْ أَخْطَأْت وَتَزَوَّجَهَا جَازَ ، وَكَذَا إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَهَا جَازَ ، وَلَوْ أَقَرَّا جَمِيعًا بِذَلِكَ ، ثُمَّ أَكْذَبَا أَنْفُسَهُمَا ، وَقَالَا أَخْطَأْنَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا جَازَ ، وَكَذَا فِي النَّسَبِ لَيْسَ يَلْزَمُهُ إلَّا مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ هَذِهِ أُخْتِي أَوْ أُمِّي ، وَلَيْسَ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ ، ثُمَّ قَالَ وَهَمْت صُدِّقَ ، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، كَذَا فِي الْكَافِي
( قَوْلُهُ : أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ عَلَى التَّعَاقُبِ حَرُمَتَا ) مُفِيدُ الْحُرْمَةِ بِالْمَعِيَّةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فَلَوْ كُنَّ ثَلَاثًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِأَنْ أَوْجَرَتْ وَاحِدَةً وَأَلْقَمَتْ ثَدْيَيْهَا ثِنْتَيْنِ حُرِّمْنَ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ بَانَتْ الْأُولَيَانِ فَقَطْ وَالثَّالِثَةُ امْرَأَتُهُ وَالتَّوْجِيهُ وَتَمَامُ التَّفْرِيعِ فِي الْفَتْحِ وَالْمُحِيطِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ رَجَعَ صَدَقَ ) يَعْنِي رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ الثَّبَاتُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ) وَلَا يَنْفَعُهُ جُحُودُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ
( وَيَثْبُتُ ) أَيْ الرَّضَاعُ ( بِمُثْبِتِ الْمِلْكِ كَالْبَيِّنَةِ ) أَيْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ( وَالتَّصَادُقُ ) وَثُبُوتُهُ بِهَذَا لَا يُنَافِي ارْتِفَاعَ حُكْمِهِ بِالتَّكَاذُبِ كَمَا عَرَفْت
( قَوْلُهُ : وَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ ) لَكِنْ لَا يَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
.
( كِتَابُ الطَّلَاقِ ) ( وَهُوَ ) لُغَةً رَفْعُ الْقَيْدِ مُطْلَقًا يُقَالُ أَطْلَقَ الْفَرَسَ أَوْ الْأَسِيرَ ، وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّفْعِيلِ كَالسَّلَامِ وَالسَّرَاحِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسْرِيحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَبِتَخْفِيفِهَا يَحْتَاجُ ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَشَرْعًا ( رَفْعُ قَيْدٍ ثَابِتٍ شَرْعًا ) خَرَجَ بِهِ قَيْدٌ ثَابِتٌ حِسًّا كَحَلِّ الْوَثَائِقِ ( بِالنِّكَاحِ ) خَرَجَ بِهِ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ قَيْدٍ ثَابِتٍ شَرْعًا لَكِنَّ ذَلِكَ الْقَيْدَ لَمْ يَثْبُتْ بِالنِّكَاحِ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ أَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ الْفَسْخِ وَفِيهِ وَلِهَذَا زِدْت قَوْلِي ( يَزِيدُ ) أَيْ ذَلِكَ الرَّفْعُ مِنْ وَاحِدٍ ( إلَى الثَّلَاثَةِ ) فَخَرَجَ الْفَسْخُ ؛ إذْ لَا عَدَدَ فِيهِ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحْسَنُ وَحَسَنٌ وَبِدْعِيٌّ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ ( طَلْقَةٌ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ أَحْسَنُ ) طَلْقَةٌ مُبْتَدَأٌ وَأَحْسَنُ خَبَرُهُ يَعْنِي أَنَّ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ تَطْلِيقُهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَمِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ ، وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ ( وَطَلَاقُ غَيْرِ مَوْطُوءَةٍ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي حَسَنٌ ( وَلَوْ ) كَانَ ذَلِكَ الطَّلَاقُ ( فِي حَيْضٍ ، وَ ) طَلَاقُ ( مَوْطُوءَةٍ بِتَفْرِيقِ الثَّلَاثِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالطَّلَاقِ ( فِي أَطْهَارٍ لَا وَطْءَ فِيهَا ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّفْرِيقِ ( فِيمَنْ تَحِيضُ ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِتَفْرِيقِ الثَّلَاثِ ( وَأَشْهُرٍ ) عَطْفٌ عَلَى أَطْهَارٍ ( فِي ) حَقِّ ( الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ ) يَعْنِي أَنَّ تَطْلِيقَ غَيْرِ
مَوْطُوءَةٍ وَاحِدَةً وَتَطْلِيقَ مَوْطُوءَةٍ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ أَوْ أَشْهُرٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ .
وَقَالَ مَالِكٌ الثَّلَاثُ بِدْعَةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَلَا يُبَاحُ إلَّا لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ وَلَنَا { قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُرْ ابْنَكَ فَلْيُرَاجِعْهَا ، ثُمَّ يَدَعْهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ، ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إنْ أَحَبَّ .
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّكَ أَخْطَأْتَ السُّنَّةَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا وَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءَ } يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ سُنِّيًّا
( كِتَابُ الطَّلَاقِ ) .
( قَوْلُهُ : وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّفْعِيلِ ) يُقَالُ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّأْكِيدُ ، أَمَّا إذَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَلِلتَّكْثِيرِ كَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ ( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِسَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ وَرُكْنِهِ وَمَحَاسِنِهِ وَوَصْفِهِ ، وَسَبَبُهُ الْحَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ ، وَشَرْطُهُ كَوْنُ الزَّوْجِ مُكَلَّفًا وَالْمَرْأَةِ مَنْكُوحَةً أَوْ فِي عِدَّةٍ تَصْلُحُ مَعَهَا مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ وَرُكْنُهُ نَفْسُ اللَّفْظِ وَمَحَاسِنُهُ مِنْهَا ثُبُوتُ التَّخَلُّصِ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَمِنْهَا جَعْلُهُ بِيَدِ الرِّجَالِ لَا النِّسَاءِ وَشَرَعَهُ ثَلَاثًا ، وَأَمَّا وَصْفُهُ فَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : أَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ الْفَسْخِ فِيهِ وَلِهَذَا زِدْت قَوْلِي يَزِيدُ
إلَخْ ) لَوْ أَبْدَلَ الزِّيَادَةَ بِمَا أَرَادَهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَصَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّهُ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ لَكَانَ أَوْلَى وَاللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ طَلَّقَ صَرِيحًا كَطَالِقٍ أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ .
( قَوْلُهُ : طَلْقَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ ) أَيْ وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ فِي أَيِّ زَمَنٍ مِنْهُ يُوقَعُ الطَّلَاقُ .
وَفِي الْهِدَايَةِ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا طَهُرَتْ كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِبَ الْوَقَاعِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَطَلَاقُ مَوْطُوءَةٍ بِتَفْرِيقِ الثَّلَاثِ
إلَخْ ) لَمْ يُبَيِّنْ أَيْضًا زَمَنَ إيقَاعِ الطَّلْقَةِ
الْأُولَى ، وَقِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَى آخِرِ الطُّهْرِ ، وَقِيلَ يُطَلِّقُهَا عَقِبَ الطُّهْرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَيَتَأَتَّى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ ) قَالَ الْكَمَالُ تَخْصِيصُ هَذَا بِاسْمِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَا وَجْهَ لَهُ ا هـ .
أَيْ لِأَنَّ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ سُنِّيٌّ أَيْضًا ا هـ .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَحْسَنَ سُنِّيٌّ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْرِيحِ بِكَوْنِهِ سُنِّيًّا وَصَرَّحَ بِكَوْنِ الْحَسَنِ سُنِّيًّا لِدَفْعِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ لَا لِأَنَّهُ عِنْدَنَا سُنِّيٌّ دُونَ الْأَوَّلِ ، كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا .
( قَوْلُهُ : يَعْنِي أَنَّ تَطْلِيقَ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ ) عَبَّرَ بِالتَّطْلِيقِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَطَلَاقُ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ لِيَصِحَّ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ حَسَنًا وَسُنِّيًّا ؛ إذْ الْفِعْلُ هُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِالسُّنَّةِ ا هـ .
وَالسُّنِّيُّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَالْبِدْعِيُّ كَذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ سُنِّيًّا ) مَعْنَى السُّنِّيِّ مِنْ الطَّلَاقِ مَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ فَاعِلُهُ عِتَابًا إذَا صَدَرَ لِحَاجَةٍ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ
( وَحَلَّ طَلَاقُهُنَّ ) أَيْ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ ( عَقِيبَ الْوَطْءِ ) ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا ، وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ ( وَثَلَاثٌ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي بِدْعِيٌّ ( أَوْ ثِنْتَانِ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ فِي طُهْرٍ لَا رَجْعَةَ فِيهِ أَوْ وَاحِدَةٌ فِي طُهْرٍ وُطِئَتْ فِيهِ أَوْ ) وَاحِدَةٌ ( فِي حَيْضِ مَوْطُوءَةٍ بِدْعِيٌّ ) ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِدْعِيًّا قَبِيحًا ، ( وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الرَّجْعَةِ فِي الْأَخِيرَةِ ) أَيْ الْمُطَلَّقَةِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ ، وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا تُسْتَحَبُّ ( فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إنْ شَاءَ ) وَإِلَّا أَمْسَكَهَا
( قَوْلُهُ : لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا ) ضَمِيرُ هُوَ رَاجِعٌ لِلتَّوَهُّمِ وَالْإِشَارَةُ بِهُنَا إلَى الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاشْتِبَاهِ حَالِ الْعِدَّةِ إمَّا بِالْأَقْرَاءِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ عُلُوقٌ أَوْ بِالْوَضْعِ إنْ حَصَلَ وَالِاشْتِبَاهُ مُنْتَفٍ فِيهِنَّ لِعَدَمِ خَفَاءِ أَمْرِ الْحَبَلِ .
( قَوْلُهُ : فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِدْعِيًّا قَبِيحًا ) فَفَاعِلُهُ يَكُونُ عَاصِيًا بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الرَّجْعَةِ ) كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا تُسْتَحَبُّ ) قَالَ الْكَمَالُ كَأَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إنْ شَاءَ ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ تَطْلِيقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا وَرَاجَعَهَا فِيهَا ، وَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ .
وَفِي الْأَصْلِ خِلَافُهُ وَهُوَ نَصُّ الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَا وَإِذَا طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ، ثُمَّ طَهُرَتْ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا : وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ قَوْلُ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكِيَ الْخِلَافَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيهِ فَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ
( قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ ) حَالَ كَوْنِهَا ( مِمَّنْ تَحِيضُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِلَا نِيَّةٍ ) أَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ ( يَقَعُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ وَإِنَّمَا قَالَ مِمَّنْ تَحِيضُ ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْد شَهْرٍ أُخْرَى ، وَكَذَا الْحَالُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ وَقَعَتْ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْكَلَامِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ وَلَمْ يَبْقَ فِي حَقِّهَا وَقْتَ السُّنَّةِ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ ( إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْكُلَّ ) أَيْ وُقُوعَ الْكُلِّ ( الْآنَ أَوْ ) يَنْوِيَ ( وَاحِدَةً عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ ) فَحِينَئِذٍ يَقَعُ مَا نَوَى ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ ؛ لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا ؛ إذْ وُقُوعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ ) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَيَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا .
( قَوْلُهُ : لَهُ ثُمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ ) مُفِيدٌ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا طَلُقَتْ أُخْرَى ، وَكَذَا ثَالِثًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فَمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ لِلْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ ا هـ .
وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَ الْمَدْخُولَ بِهَا لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَتَطْلُقُ بَعْدَهُ فِي طُهْرَيْنِ طَلْقَتَيْنِ فَلْيُنْظَرْ
( يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَلَا الْمُكَاتَبُ إلَّا الطَّلَاقَ } ( وَلَوْ مُكْرَهًا ) فَإِنَّ طَلَاقَهُ صَحِيحٌ لَا إقْرَارَهُ بِالطَّلَاقِ ( أَوْ هَازِلًا ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَقْصِدُ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ( أَوْ سَفِيهًا ) أَيْ ضَعِيفَ الْعَقْلِ ( أَوْ سَكْرَانَ ) زَائِلُ الْعَقْلِ فَإِنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ ، وَكَذَا خُلْعُهُ وَإِعْتَاقُهُ ( أَوْ أَخْرَسَ ) فِي الْيَنَابِيعِ هَذَا إذَا وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ ( بِإِشَارَتِهِ ) الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي نِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ فَهِيَ كَالْعِبَارَةِ مِنْ النَّاطِقِ اسْتِحْسَانًا ، كَذَا فِي الْكَافِي ( أَوْ سَاهِيًا ) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَثَلًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ
( قَوْلُهُ : وَلَوْ مُكْرَهًا فَإِنَّ طَلَاقَهُ صَحِيحٌ لِإِقْرَارِهِ بِالطَّلَاقِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِنْشَاءُ ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّيْئَيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا ، وَفَوْتُ الرَّضَاعِ لَا يُخِلُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ سَكْرَانَ ) أَيْ مِنْ مُحَرَّمٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا الْأَصَحُّ عَدَمُ وُقُوعِ طَلَاقِهِ كَمَا لَا يُحَدُّ ، كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَا إذَا سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا سَكِرَ مِنْ مُحَرَّمٍ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ .
( قَوْلُهُ : زَائِلُ الْعَقْلِ ) وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ السُّكْرُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ التَّصَرُّفَاتُ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ يَسْتَحْسِنُ مَا يَسْتَقْبِحُهُ النَّاسُ وَيَسْتَقْبِحُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ النَّاسُ لَكِنَّهُ يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ ) أَيْ الْمَقْرُونَةِ بِتَصْوِيتٍ مِنْهُ وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَا اسْتِحْسَانًا .
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا تَقَعُ بِالْإِشَارَةِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِمَا هُوَ أَدَلُّ مِنْ الْإِشَارَةِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ سَاهِيًا ) يَعْنِي مُخْطِئًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْمِثَالِ وَلَا يَدِينُ لِمَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِي الطَّلَاقِ وَفِي الْعَتَاقِ يَدِينُ وَالْغَلَطُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ الثَّانِي أَيْ أَبُو يُوسُفَ لَا يَدِينُ فِيهِمَا ا هـ .
( فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمَوْلَى ) أَيْ تَطْلِيقُهُ ( امْرَأَةَ عَبْدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ ( وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ } ( وَالْمُبَرْسَمِ ) مِنْ الْبِرْسَامِ بِكَسْرِ الْبَاءِ عِلَّةٌ مَعْرُوفَةٌ كَالْجُنُونِ ( وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَعْتُوهِ ) مِنْ الْعَتَهِ وَهُوَ اخْتِلَالٌ فِي الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ فَيُشْبِهُ مَرَّةً كَلَامَ الْعُقَلَاءِ وَمَرَّةً كَلَامَ الْمَجَانِينِ ( وَالنَّائِمِ ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُمْ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ أَوْ الْعَقْلِ فِيهِمْ
( قَوْلُهُ : وَالنَّائِمُ ) كَذَا لَوْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْته لَا يَقَعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ
( إذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ( الْآخَرَ ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ ( بَطَلَ النِّكَاحُ ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ تُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَتَمْنَعُ بَقَاءَهُ ( وَلَوْ حَرَّرَتْهُ ) أَيْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا الْمَمْلُوكَ ( حِينَ مَلَكَتْهُ فَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ( مُسْلِمَةً ، ثُمَّ خَرَجَ ) زَوْجُهَا ( مُسْلِمًا فَطَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا ) ( أَلْغَاهُ ) أَيْ الطَّلَاقَ ( أَبُو يُوسُفَ ) أَيْ قَالَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( وَأَوْقَعَهُ ) أَيْ الطَّلَاقَ ( مُحَمَّدٌ ) فِيهِمَا
( قَوْلُهُ : وَإِذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ) يَعْنِي مِلْكًا حَقِيقِيًّا فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَزَوْجَتِهِ إذَا اشْتَرَاهَا لِقِيَامِ الرِّقِّ وَالثَّابِتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : أَلْغَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَوْقَعَهُ مُحَمَّدٌ ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ وَنَفْيُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَيُخَالِفُهُ نَقْلُ الْكَمَالِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا لَوْ حَرَّرَهَا بَعْدَ شِرَائِهِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ وَالْحُكْمُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ هَذَا .
وَقَالَ لَا يَقَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَهُ قَاضِي خَانْ ا هـ .
فَعَلَيْهِ تَكُونُ الْفَتْوَى عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا لَوْ حَرَّرَتْهُ هِيَ بَعْدَ شِرَائِهَا إيَّاهُ
( وَاعْتِبَارُهُ ) أَيْ الطَّلَاقِ وَالْمُرَادُ عَدَدُهُ ( بِالنِّسَاءِ فَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ) أَيْ جَمِيعُ طَلَاقِهَا ( ثَلَاثَةٌ ) حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا ( وَ ) طَلَاقُ ( الْأَمَةِ اثْنَتَانِ ) حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا ( وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ بِلَا عَكْسٍ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَعْتَقْتُكِ تَطْلُقُ إنْ نَوَى أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ الْحَالُ ، وَإِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ طَلَّقْتُكِ لَا تُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ الْقَيْدِ ، وَلَيْسَتْ الْأُولَى لَازِمَةً لِلثَّانِيَةِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعَارَةُ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى وَيَصِحُّ الْعَكْسُ
بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ) الطَّلَاقُ نَوْعَانِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ ، الصَّرِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى صَارَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ بِحَيْثُ يَسْبِقُ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا ( صَرِيحُهُ مَا ) أَيْ لَفْظٌ ( لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِيهِ كَطَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَاقٌ ) قَالَ الشَّاعِرُ : فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَمْ تُسْتَعْمَلْ إلَّا فِي الطَّلَاقِ ( وَيَقَعُ بِهِ ) أَيْ بِالصَّرِيحِ ( وَاحِدٌ ) ، أَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَلِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ حَتَّى قِيلَ لِلْمُثَنَّى طَالِقَانِ وَلِلثَّلَاثِ طَوَالِقُ فَلَا يُحْتَمَلُ الْعَدَدُ ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَذِكْرُ الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِطَلَاقٍ هُوَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ لَا لِطَلَاقٍ هُوَ تَطْلِيقٌ وَالْعَدَدُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ لُغَةً وَيَدُلُّ عَلَى التَّطْلِيقِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الرَّجُلِ اقْتِضَاءً فَاَلَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي التَّطْلِيقِ حَقِيقَةً وَبِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِهِ يَتَعَدَّدُ لَازِمُهُ أَيْ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ، وَأَمَّا الَّذِي هُوَ صِفَةُ الرَّجُلِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَبَيَّنَهُ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَقَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّلَاقِ لَا الْمَرْأَةِ لَا يَسْتَقِيمُ فَلْيُتَأَمَّلْ ، وَأَمَّا الْبَوَاقِي فَلِأَنَّهَا لِلْإِخْبَارِ لُغَةً ، وَالشَّارِعُ نَقَلَهَا إلَى الْإِنْشَاءِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ
فِي جَمِيعِ أَوْضَاعِهِ اعْتَبَرَ الْمَعَانِيَ اللُّغَوِيَّةَ حَتَّى اخْتَارَ لِلْإِنْشَاءِ أَلْفَاظًا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ مَعَانِيهَا فِي الْحَالِ كَأَلْفَاظِ الْمَاضِي فَإِذَا قَالَ طَلَّقْتُك وَهُوَ فِي اللُّغَةِ لِلْإِخْبَارِ وَجَبَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مَوْصُوفَةً بِهِ فِي الْحَالِ فَيُثْبِتُ الشَّرْعُ الْإِيقَاعَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ اقْتِضَاءً لِيَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ ، فَيَكُونُ الطَّلَاقُ ثَابِتًا اقْتِضَاءً فَلَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ؛ إذْ لَا عُمُومَ لِلْمُقْتَضِي ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا تَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِكَوْنِ الثَّلَاثِ وَاحِدًا اعْتِبَارِيًّا وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْمَجَازِ إلَّا فِي اللَّفْظِ كَنِيَّةِ التَّخْصِيصِ
( بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ) .
( قَوْلُهُ : الطَّلَاقُ ضَرْبَانِ ) أَيْ التَّطْلِيقُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : ظُهُورًا بَيِّنًا ) أَيْ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالصَّرِيحُ مَا يَقُومُ لَفْظُهُ مَقَامَ مَعْنَاهُ .
( قَوْلُهُ : حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا ) الضَّمِيرُ لِلصَّرِيحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ
( رَجْعِيٌّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } ، وَقَدْ قَالُوا الْإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ هُوَ الرَّجْعَةُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ نَوَى وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُرَادِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعَيْنِ الْكَلَامِ وَقَامَ مَقَامَ مَعْنَاهُ فَاسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ الْإِبَانَةِ قَصَدَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَلْغُو قَصْدُهُ كَمَا إذَا سَلَّمَ يُرِيدُ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ ، وَكَذَا نِيَّةُ الثَّلَاثِ تُعْتَبَرُ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ كَمَا سَنُبَيِّنُ فَتَلْغُو ( وَلَا يَمْنَعُ ) أَيْ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ( الْإِرْثَ أَصْلًا ) أَيْ لَا فِي الصِّحَّةِ وَلَا فِي الْمَرَضِ ( وَصُدِّقَ فِي نِيَّةِ الْوَثَاقِ دِيَانَةً ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدُ عَدْلٍ عِنْدَهَا لَكِنْ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ( وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ ) أَيْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَنْ وَثَاقٍ ( صُدِّقَ مُطْلَقًا ) أَيْ لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً ( وَفِي نِيَّةِ الْعَمَلِ لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا ) لَا دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ ( كَذَا ) أَيْ كَمَا ذَكَرَ مِنْ الصُّوَرِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ ( أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لَكِنْ يَقَعُ بِهَا ) أَيْ بِهَذَا الصُّوَرِ ( وَاحِدٌ رَجْعِيٌّ إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُرَادِ ( أَوْ ثِنْتَيْنِ ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْفَرْدُ ( وَإِنْ نَوَى تَمَامَ الْعَدَدِ ) وَهُوَ الثَّلَاثُ فِي الْحُرَّةِ وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ ( صَحَّ
) لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ لَفْظَ الْمَصْدَرِ مُفْرَدٌ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ وَالثَّلَاثُ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ لِكَوْنِهِ تَمَامَ الْجِنْسِ ، وَكَذَا الثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَعَدَدٌ مَحْضٌ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُمَا
( قَوْلُهُ : مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ نَوَى وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ ) شَامِلٌ لِقَوْلِهِ وَطَلَاقٌ ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ اللَّامِ وَالْمُحَلَّى فَيَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا نَوَى ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِ ( فَإِنْ قِيلَ ) كَيْفَ تَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ طَالِقٍ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهَا ( قُلْنَا ) إنَّهُ يُرَادُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَاتُ طَلَاقٍ أَوْ يَجْعَلُ ذَاتَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ فَلَا يَرِدُ الْإِيرَادُ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالتَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ ) لَعَلَّ إنَّمَا قَالَ يَعْنِي وَحَصَرَ شَرْحَهُ بِالتَّصْوِيرِ بِطَالِقٍ ؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ شَامِلٌ لِقَوْلِهِ مُطَلَّقَةٌ وَطَلَاقٌ فَيُنْظَرُ هَلْ تَعْمَلُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ عَنْ وَثَاقٍ فِيهِمَا دِيَانَةً أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ
إلَخْ ) فَتَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهَا بِغَيْرِ الْقَتْلِ عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى وَعَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ نَقْتُلُهُ بِالدَّوَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ قَرُبَهَا فِيهَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ قَائِمَةً فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ فَلَا تَمْنَعُهُ عَنْ نَفْسِهَا .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ صُدِّقَ مُطْلَقًا ) هَذَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَدَدِ فَلَوْ قَالَ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْقَيْدِ وَقَعَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ نَوَى تَمَامَ الْعَدَدِ صَحَّ ) ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ قَوْلِهِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةٌ بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ قَبْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَسَنَذْكُرُ فِي الْكِنَايَاتِ عَنْ الْكَافِي أَنَّ التَّنْصِيصَ عَنْ
الْوَاحِدَةِ يُنَافِي نِيَّةَ الثَّلَاثِ ا هـ .
وَذَكَرَ الْكَمَالُ فِي الْكِنَايَاتِ أَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَحْدُودَ بِالْهَاءِ لَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ .
( قَوْلُهُ : وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّتُهُمَا فِي الْحُرَّةِ ، وَلَوْ سَبَقَ لَهَا طَلْقَةٌ وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ صِحَّةِ نِيَّتِهِمَا فِيمَنْ سَبَقَ تَطْلِيقُهَا سَهْوٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ
( إنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ ، وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا ( أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا كَالرَّقَبَةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ( وَالْعُنُقِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } ( وَالرُّوحِ ) يُقَالُ هَلَكَ رُوحُهُ ( وَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ وَالْفَرْجِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ } ( وَالْوَجْهِ ) يُقَالُ يَا وَجْهَ الْعَرَبِ ( وَالرَّأْسِ ) فُلَانٌ رَأْسُ الْقَوْمِ ( أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ كَنِصْفِهَا وَثُلُثِهَا وَقَعَ ) أَيْ الطَّلَاقُ جَزَاءً لِقَوْلِهِ إنْ أَضَافَ فَإِنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ مَحَلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ، فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لَكِنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً .
( وَ ) إنْ أَضَافَهُ ( إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْقَلْبِ لَا ) أَيْ لَا تَطْلُقُ ؛ إذْ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْكُلِّ فَإِنْ قِيلَ الْيَدُ وَالْقَلْبُ عَبَّرَ بِهِمَا عَنْ الْكُلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ } وقَوْله تَعَالَى { فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } وقَوْله تَعَالَى { مَا أَلَّفْت بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أَيْ بَيْنَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى { وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِمْرَارُ اسْتِعْمَالِهِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنَّمَا جَاءَ عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَيَّ عُضْوٍ كَانَ ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَضَافَ
إلَخْ ) الْإِضَافَةُ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَبِالتَّجَوُّزِ فِيمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَرَقَبَتُك وَسَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجَسَدِ كَهَذَا الرَّأْسِ أَمْ قَالَ رَأْسُك ، أَمَّا لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى نَحْوِ الرَّقَبَةِ فَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ أَوْ قَالَ الرَّقَبَةُ مِنْك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ جَوَابَ الشَّرْطِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْقَوْلَةِ لِيَحْسُنَ اسْتِدْلَالُهُ لِإِطْلَاقِ نَحْوِ الرَّقَبَةِ عَلَى إرَادَةِ الذَّاتِ فِيمَا عُطِفَ عَلَيْهَا .
( قَوْلُهُ : وَالْفَرْجُ ) كَذَا الِاسْتُ فَيَقَعُ بِقَوْلِهِ اسْتُك طَالِقٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ
.
( وَ ) يَقَعُ ( بِنِصْفِ طَلْقَةٍ ) أَوْ ثُلُثِهَا وَفَاعِلُ يَقَعُ الْمُقَدَّرُ قَوْلُهُ الْآتِي وَاحِدَةٌ يَعْنِي إذَا طَلَّقَهَا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً ، وَكَذَا كُلُّ جُزْءٍ شَائِعٍ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ .
( وَ ) يَقَعُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَإِلَى ثَلَاثٍ ) أَيْ يَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ ، أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ ( ثِنْتَانِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى عِنْدَهُ تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا لَا الثَّانِيَةُ ، وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ ، .
وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْأُولَى شَيْءٌ وَفِي الثَّانِيَةِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ .
( وَ ) يَقَعُ ( بِثَلَاثِ أَنْصَافِ طَلْقَتَيْنِ ) ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الطَّلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ ، وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ يَكُونُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً ( وَ ) يَقَعُ بِثَلَاثَةِ أَنْصَافِ ( طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ ) ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ تَكُونُ طَلْقَةً وَنِصْفًا فَيَتَكَامَلُ النِّصْفُ فَيَحْصُلُ طَلْقَتَانِ ( وَقِيلَ ) يَقَعُ ( ثَلَاثٌ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فَيَحْصُلُ ثَلَاثٌ ( وَوَاحِدَةً ) بِالنَّصْبِ أَيْ يَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ( فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ) لِكَوْنِهِ صَرِيحًا ( أَوْ نَوَى الضَّرْبَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ شَيْئًا فِي الْمَضْرُوبِ ( وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَانَ فِي الْمَوْطُوءَةِ
( قَوْلُهُ : وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ ) قَالَ الْعَتَّابِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ نَوَى مَعَ ثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ ) يَشْمَلُ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ
( وَفِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ ) أَيْ إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى وَثِنْتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةً ( كَوَاحِدَةٍ وَثِنْتَيْنِ ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةً وَلَا يَبْقَى لِلثِّنْتَيْنِ مَحَلٌّ ، وَإِنْ نَوَى مَعَ ثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ .
( وَ ) يَقَعُ ( بِثِنْتَيْنِ ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ( فِي ثِنْتَيْنِ بِنِيَّةِ الضَّرْبِ ثِنْتَانِ ) لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْمَضْرُوبِ شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ
( قَوْلُهُ : وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ ا هـ .
فَقَيْدُ الدُّخُولِ خَاصٌّ بِالصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَيَجِبُ إطْلَاقُ الْأُولَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ لَا يَفْتَرِقُ فِيهَا حَالُ الدُّخُولِ عَنْ عَدَمِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَهُ كَوَاحِدَةٍ فِي ثِنْتَيْنِ أَنَّ فِي تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ
( وَ ) يَقَعُ ( بِمِنْ ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ ( هُنَا إلَى الشَّامِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ) .
وَقَالَ زُفَرُ هِيَ بَائِنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَوِيلَةً ، وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ كَانَ بَائِنًا ، كَذَا هُنَا ، قُلْنَا لَا ، بَلْ وَصَفَهُ بِالْقِصَرِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا وَنَفْسُ الطَّلَاقِ لَا يَحْتَمِلُ الْقِصَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَقَصْرُ حُكْمِهِ بِكَوْنِهِ رَجْعِيًّا ( وَقَوْلُهُ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي الدَّارِ تَنْجِيزٌ ) يَقَعُ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ ، وَلَوْ عَنَى بِهِ التَّعْلِيقَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَوْبِ كَذَا تَنْجِيزٌ ، وَلَوْ نَوَى التَّعْلِيقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الظِّلِّ أَوْ فِي الشَّمْسِ ( وَقَوْلُهُ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( إذَا دَخَلْت مَكَّةَ ، وَ ) قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ( فِي دُخُولِك الدَّارَ تَعْلِيقٌ ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِ وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ لِلظَّرْفِيَّةِ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ فَإِنَّ الْمَظْرُوفَ يُجَامِعُ الظَّرْفَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ ، وَكَذَلِكَ الْمَشْرُوطُ يُجَامِعُ الشَّرْطَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَالشَّرْطُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَشْرُوطِ ، وَكَذَا الظَّرْفُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَظْرُوفِ فَتَقَارَبَا فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ
( وَبَانَتْ ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ ( طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ يَقَعُ ) أَيْ الطَّلَاقُ ( عِنْدَ الصُّبْحِ ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ( وَصَحَّ فِي الثَّانِي ) أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي غَدٍ ( نِيَّةُ الْعَصْرِ ) يَعْنِي آخِرَ النَّهَارِ وَمُرَادُهُ فِي الْقَضَاءِ ، وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُصَدَّقُ فِيهِمَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِمَا قَضَاءً وَيُصَدَّقُ فِيهِمَا دِيَانَةً .
( وَفِي ) أَنْتِ طَالِقٌ ( الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ ) وَيَلْغُو الثَّانِي يَعْنِي طَلَّقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ وَفِي الثَّانِيَةِ تَطْلُقُ فِي الْغَدِ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ إذَا ذَكَرَ ثَبَتَ حُكْمُهُ تَعْلِيقًا أَوْ تَنْجِيزًا فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْبِيرَ بِذِكْرِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يَقْبَلُ التَّنْجِيزَ وَالْمُنَجَّزَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ حَيْثُ لَا يَقَعُ قَبْلَ غَدٍ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِمَجِيءِ غَدٍ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ ، وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ
( أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَمَا سَيَأْتِي ، فَيَكُونُ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْإِيقَاعِ وَمَوْتُهَا يُنَافِي مَحَلِّيَّةَ الْوُقُوعِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا ( كَذَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمَسَّ وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فِيهِ فَلَغَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي أَوْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ حَيْثُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ أَلَا يُرَى مَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقِ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ طَلَاقِ غَيْرِهِ لِانْعِدَامِهِمَا فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِسْنَادِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ
( قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرَيْنِ ) أَوْ أَكْثَرَ وَمَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ ( لَمْ تَطْلُقْ ) لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ ( وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ طَلُقَتْ ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ ( وَلَا مِيرَاثَ لَهَا ) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ تَنْقَضِي بِشَهْرَيْنِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ( قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ ، وَقَدْ وُجِدَ حَيْثُ سَكَتَ فَإِنَّ مَتَى صَرِيحٌ فِي الْوَقْتِ لِكَوْنِهَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ وَمَا أَيْضًا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ .
( وَ ) لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ( إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَا ) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالسُّكُوتِ ، بَلْ يَمْتَدُّ النِّكَاحُ ( حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا ) قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ ( وَإِذَا وَإِذَا مَا بِلَا نِيَّةٍ كَانَ عِنْدَهُ وَمَتَى عِنْدَهُمَا ) ، وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُمَا ( وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ أَوْ الشَّرْطَ فَذَاكَ ) لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ كُلًّا مِنْهُمَا .
( وَفِي ) ( قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ بِالْأَخِيرَةِ ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ زَمَانُ اشْتِغَالِهِ بِالطَّلَاقِ قُبَيْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ الْقَدْرِ عَنْ الْيَمِينِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرَيْنِ
إلَخْ ) كَذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي أَوْ قَبْلَ مَوْتِك بِشَهْرَيْنِ يَعْنِي وَمَاتَ لِتَمَامِهِ عِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَتَرِثُ مِنْهُ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِهِ مُقْتَصِرًا كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَعِنْدَهُ يَقَعُ مُسْتَنِدًا حَتَّى إذَا كَانَ صَحِيحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا تَرِثُ مِنْهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثَلَاثُ حِيَضٍ .
ا هـ .
( أَقُولُ ) فِي الْحُكْمِ بِعَدَمِ تَوْرِيثِهَا نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ فَمَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً وَمَاتَ فِيهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ فَلْيُتَأَمَّلْ ، ثُمَّ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً تَأَمَّلْته فَظَهَرَ لِي وَجْهُ النَّظَرِ مِنْ وُجُوهٍ ، الْأَوَّلُ أَنَّ الطَّلَاقَ مُقَيَّدٌ بِالثَّلَاثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَتَرَكَ الْقَيْدَ فِي الدُّرَرِ وَهُوَ مُخِلٌّ بِالْحُكْمِ لِافْتِرَاقِ الْبَائِنِ عَنْ الرَّجْعِيِّ حُكْمًا ، وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ فِي الدُّرَرِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْجَامِعِ وَالْوُقُوعُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرْطِ فَإِنَّ الشَّرْطَ مَا كَانَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ كَقُدُومِ زَيْدٍ ، وَجَائِزٌ أَنْ لَا يَقْدَمَ وَالْمَوْتُ الْمُضَافُ الطَّلَاقُ لِمَا قَبْلَهُ بِكَذَا كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ مُعَرِّفًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِمَعْنًى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَكَانَ مُعَرَّفًا فَيَقَعُ الْجَزَاءُ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ مُسْتَنِدًا لِأَوَّلِ الْمُدَّةِ ، وَالثَّالِثِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ تَنْقَضِي بِشَهْرَيْنِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ هُوَ كَذَلِكَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لَكِنَّهُ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ بَعْدَهُ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ ضَعِيفًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَجْهَهُ فَإِنَّ مَنْعَهَا الْمِيرَاثِ بِإِمْكَانِ انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ لَا وَجْهَ لَهُ لِكَوْنِ الزَّوْجِ فَارًّا ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ فِي شَرْحِ
الْجَامِعِ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ بِمَا دُونَ شَهْرَيْنِ وَنَصُّهُ : وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ فَمَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَ وَلَهَا الْمِيرَاثُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَطْلُقُ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا لَكِنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي بِمَا دُونَ الشَّهْرَيْنِ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يُشْرِفْ عَلَى الْمَوْتِ وَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ ا هـ .
فَلَوْلَا الْفِرَارُ مَا وَرِثَتْ بِمَوْتِهِ فِي عِدَّتِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ عِدَّةَ زَوْجَةِ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَبِمُضِيِّ ثَلَاثِ حَيْضٍ فِي شَهْرَيْنِ بِالْحَقِيقَةِ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَيَبْقَى مِنْهَا شَهْرَانِ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ لِإِتْمَامِ أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ فَتَرِثُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مُضِيِّهِ فَكَيْفَ تُمْنَعُ بِمُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ بِإِمْكَانِ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِيهَا هَذَا مَمْنُوعٌ مَعَ أَنَّهُ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ اسْتِنَادُ الْعِدَّةِ كَالطَّلَاقِ بِمَبْدَأِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَنَصُّهُ : وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَجِبُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ ا هـ .
فَكَانَ فِي اقْتِصَارِ صَاحِبِ الدُّرَرِ عَلَى نَقْلِهِ ذَلِكَ قُصُورٌ عَنْ الْوُصُولِ لِلصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَالْعُذْرُ لَهُ عَدَمُ مُطَالَعَةِ تَمَامِ الْبَابِ وَانْقِطَاعُ الْكَلَامِ الَّذِي يَلِي مَا نَقَلَهُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِهِ لَكِنَّهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَعَادَ فَذَكَرَ الصَّحِيحَ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ اقْتِصَارُ الْعِدَّةِ عَلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَلَا يَلْزَمُ اسْتِنَادُهَا لِأَوَّلِ الْمُدَّةِ كَالطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ وَلَازِمُ الشَّيْءِ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ لِمُقْتَضٍ لَهُ كَتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ كَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إذَا عَيَّنَهُ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ لِكُلٍّ مِنْ
امْرَأَتَيْنِ قَالَ لَهُمَا إحْدَاكُمَا طَالِقٌ كَانَ الْعِدَّةُ عَلَى الَّتِي عَيَّنَهَا مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ ، وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي مَتْنِ الصَّدْرِ سُلَيْمَانَ وَشَرْحِهِ لِلْفَخْرِ عُثْمَانَ الْمَارْدِينِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ فَقَالَ : أَمَّا الْعِدَّةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجِبُ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ ، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ .
وَلَمْ يَذْكُرْ الضَّعِيفَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ فَكَانَ هَذَا الرَّابِعُ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ ، ثُمَّ إنَّ الْمَارْدِينِيَّ قَالَ مَا نَصُّهُ : ثُمَّ التَّفْرِيعُ فِي الْإِرْثِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا يَتَأَتَّى عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنَّ عِدَّتَهَا مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فَتَرِثُ عِنْدَ الْإِمَامِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ الصَّدْرِ سُلَيْمَانَ فِي مَتْنِهِ وَلَا يَتَأَتَّى أَيْ اشْتِرَاطُ تِلْكَ الْعِدَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ إرْثُهَا عَلَيْهَا فَتَرِثُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَا مَضَى ؛ إذْ لَا يَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهَا الْمُتَعَلِّقِ بِمَالِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْفَرْعِ الَّذِي قَالَهُ الْكَمَالُ بِمَنْعِ إرْثِهَا بِمُضِيِّ شَهْرٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَتَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ مَا فِي مَنْظُومَةِ الْإِمَامِ عُمَرَ النَّسَفِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الضَّعِيفِ ، وَقَدْ تَبِعَهُ شُرَّاحُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذِكْرِ الصَّحِيحِ مِنْهُمْ حَيْثُ قَالَ النَّسَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْتِ كَذَا قَبْلَ مَمَاتِ مَنْ ذَكَرَ بِمُدَّةٍ مُسْتَنِدٌ لَا مُقْتَصِرٌ فَلَمْ تَرِثْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ كَذَا قَبْلَ وَفَاتِي بِكَذَا إذَا مَضَى فَقُلْت لَزِمَ عَلَيْنَا نَظْمُ الصَّحِيحِ لِيَتَنَبَّهَ لَهُ الْحَاذِقُ النِّحْرِيرُ الْفَصِيحُ ( فَقُلْت ) تَفْرِيعُهُ بِمَنْعِهَا عَنْ إرْثِهَا فَرْعُ اسْتِنَادِ عِدَّةٍ كَانَتْ لَهَا مَبْدَؤُهَا الْوُقُوعُ لِلطَّلَاقِ وَالرَّاجِحُ الْقَصْرُ بِالِاتِّفَاقِ لِعِدَّةٍ عَلَى وَفَاةِ الْفَانِي وَرَّثَهَا الْإِمَامُ
وَالشَّيْخَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فِي التَّخْرِيجِ أَنْقَيْته مِنْ مُتْعَبٍ مَرِيجٍ وَتَمَامُهُ مَبْسُوطٌ بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا الْفَرِيدَةَ بَيْنَ الْإِعْلَامِ .
( قَوْلُهُ : بَلْ يَمْتَدُّ النِّكَاحُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا ) يُفِيدُ أَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا حَلِفُهُ عَلَى الدُّخُولِ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِمَوْتِهَا ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا بِخِلَافِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ بِمَوْتِهِ فَيَحْنَثُ قُبَيْلَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( وَفِي ) قَوْلِهِ ( أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ الْإِنْهَارُ ، وَإِذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ ظَرْفَ الزَّمَانِ إذَا تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ بِلَا لَفْظِ فِي يَكُونُ مِعْيَارًا لَهُ كَقَوْلِهِ صُمْت السَّنَةَ بِخِلَافِ صُمْت فِي السَّنَةِ فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مُمْتَدًّا كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ كَانَ الْمِعْيَارُ مُمْتَدًّا فَيُرَادُ بِالْيَوْمِ النَّهَارُ ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ كَوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَانَ الْمِعْيَارُ غَيْرَ مُمْتَدٍّ فَيُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي التَّلْوِيحِ ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِيهِ
( قَوْلُهُ : أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ أَتَزَوَّجُك ) الْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ قَالَهُ نَضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ ، وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَالنَّهَارُ الْبَيَاضُ خَاصَّةً وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : الْيَوْمُ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ
إلَخْ ) قَالَ الْمُحَقِّقُونَ إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ الْجَزَاءُ وَهُوَ الطَّلَاقُ هُنَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ تَسَامَحَ فَاعْتَبَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْجَوَابُ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِهِ الْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مِمَّا يَمْتَدُّ نَحْوُ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَسِيرُ فُلَانٌ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ الْأَوْجَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِالْأَوْجَهِ وَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي
( وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ سَيِّدِك فَأَعْتَقَ سَيِّدُهَا لَهُ ) أَيْ لِلزَّوْجِ ( الرَّجْعَةُ ) يَعْنِي رَجُلٌ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَهَا هَذِهِ الْعِبَارَةُ فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَطَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ ؛ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ لَكِنَّهُ يَمْلِكُهَا ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى شَرْطٌ لِلتَّطْلِيقِ وَلَا يُنَافِيهِ لَفْظُ مَعَ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى بَعْدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { : فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } ، فَيَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا يَكُونُ تَمَامُ طَلَاقِهَا ثِنْتَيْنِ ، بَلْ ثَلَاثًا فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ
( قَوْلُهُ : مَعَ عِتْقِ سَيِّدِك ) لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَفْعُولِ كَالْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِعَارَةِ الْحُكْمِ لِلْعِلَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِعْتَاقُ
( وَلَوْ عُلِّقَ ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( عِتْقُهَا وَطَلَّقْتهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ ) يَعْنِي قَالَ الْمَوْلَى إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَقَالَ الزَّوْجُ إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ( فَجَاءَ ) الْغَدُ ( لَا ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الرَّجْعَةُ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مُقَارِنٌ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ أَمَةٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْعِتْقَ هُنَاكَ مُقَدَّمٌ رُتْبَةً كَمَا عَرَفْت ، .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَسْرَعُ وُقُوعًا لِكَوْنِهِ رُجُوعًا إلَى الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ
( بَلْ تَعْتَدُّ كَالْحُرَّةِ ) بِالِاتِّفَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ ( تَطْلُقُ ) الْمَرْأَةُ ( بِأَنَا ) أَيْ بِقَوْلِ الزَّوْجِ أَنَا ( مِنْك بَائِنٌ أَوْ عَلَيْك حَرَامٌ إنْ نَوَى لَا بِأَنَا مِنْك طَالِقٌ وَإِنْ نَوَى ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَ الزَّوْجِ ، وَلَوْ كَانَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَالزَّوْجُ مِلْكٌ بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ ؛ لِأَنَّهَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَبِخِلَافِ التَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ أَيْضًا مُشْتَرَكٌ فَصَحَّتْ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَلَا يَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا إلَيْهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَلَا طَلَاقَ بَعْدَ مَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ شِقْصَهُ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَ قَبْلَ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا مَلَكَ الْآخَرَ بَطَلَ النِّكَاحُ فَإِنَّهُ إذَا بَطَلَ لَمْ يَحْتَمِلْ الْوُقُوعَ .
( وَ ) يَقَعُ ( بِأَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا يُشِيرُ بِبَطْنِ الْإِصْبَعِ بِعَدَدِ ) مُتَعَلِّقٌ بِيَقَعُ الْمُقَدَّرِ ( الْمَنْشُورِ ) أَيْ الْمَنْصُوبِ مِنْ الْإِصْبَعِ .
( وَ ) يَقَعُ بِمَا ذَكَرَ مُشِيرًا ( بِظَهْرِهِ بِعَدَدِ الْمَضْمُومِ ) فَإِنَّهُ إذَا أُشِيرَ بِالْإِصْبَعِ الْمَنْشُورِ فَالْعَادَةُ أَنْ يَكُونَ بَطْنُ الْكَفِّ فِي جَانِبِ الْمُخَاطَبِ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الْمَنْشُورِ ، وَإِذَا عَقَدَ الْإِصْبَعَ يَكُونُ بَطْنُ الْكَفِّ فِي جَانِبِ الْعَاقِدِ فَيُعْتَبَرُ الْعَدَدُ الْمَضْمُومُ اعْتِبَارًا بِطَرِيقِ الْحِسَابِ وَعُرْفِهِمْ .
( وَ ) يَقَعُ ( بِأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَشَدُّ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشُهُ أَوْ أَخْبَثُهُ أَوْ طَلَاقُ الشَّيْطَانِ أَوْ ) طَلَاقُ ( الْبِدْعَةِ أَوْ ) طَلَاقًا ( كَالْجَبَلِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ طَوِيلَةٌ أَوْ عَرِيضَةٌ بِلَا نِيَّةِ ثَلَاثٍ ) يَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ عَدَدًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ، وَهَذَا فِي الْحُرَّةِ ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَثِنْتَانِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِمَا مَرَّ
مِرَارًا ( وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ) فَاعِلُ يَقَعُ الْمُقَدَّرُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي إذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الزِّيَادَةِ أَوْ الشِّدَّةِ كَانَ بَائِنًا ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ ، فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ .
( وَ ) يَقَعُ ( بِهَا ) أَيْ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ ( ثَلَاثٌ ) لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَمَامُ الْجِنْسِ فَيَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ
قَوْلُهُ : وَيَقَعُ بِأَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا ) قَيَّدَ بِهَكَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مُشِيرًا بِالْأَصَابِعِ تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : يُشِيرُ بِبَطْنِ الْأُصْبُعِ بِعَدَدِ الْمَنْشُورِ وَبِظَهْرِهِ بِعَدَدِ الْمَضْمُومِ ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَبَرُ الْمَنْشُورُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمَضْمُومَةُ مُطْلَقًا قَضَاءً لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ وَتُعْتَبَرُ دِيَانَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمَوَاهِبِ وَقَاضِي خَانْ وَالْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ قِيلَ النَّشْرُ لَوْ عَنْ طَيٍّ وَالطَّيُّ لَوْ عَنْ نَشْرٍ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بَطْنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْمَنْشُورُ ، وَإِنْ إلَى الْأَرْضِ فَالْمَضْمُومُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طُولَ كَذَا وَكَذَا أَوْ عَرْضَ كَذَا وَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا تَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَاهَا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيَقَعُ بِهَا ثَلَاثٌ بِالنِّيَّةِ ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ ، وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ .
وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي طَالِقٍ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّطْلِيقَةِ وَأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةُ بِنَاءِ الْوَحْدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ
( قَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعْنَ ) أَيْ الثَّلَاثُ ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً ، وَإِذَا قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعْنَ ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا إلَى عِدَّةٍ ، وَقَوْلُهُ ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَطَفَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَلَنَا أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْعَدَدَ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْعَطْفِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِيهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَإِنْ فَرَّقَ ) أَيْ الطَّلَاقَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ( بَانَتْ بِالْأُولَى ) لَا إلَى عِدَّةٍ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ( وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ ) لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ
( وَيَقَعُ ) أَيْ الطَّلَاقُ ( بِعَدَدٍ قُرِنَ بِهِ ) أَيْ بِالطَّلَاقِ ( لَا بِهِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً يَقَعُ الطَّلَاقُ بِوَاحِدَةٍ لَا بِأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ مَوْقُوفٌ عَلَى ذِكْرِ الْعَدَدِ فَلَا يُفِيدُ الْحُكْمَ قَبْلَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ ( فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ لَغَا ) أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ قَيَّدَ بِمَوْتِهَا ؛ إذْ بِمَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَقَعُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِذِكْرِ الْعَدَدِ فِي مَوْتِهَا وَذِكْرُ الْعَدَدِ يَحْصُلُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَفِي مَوْتِ الزَّوْجِ ذَكَرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ ذِكْرُ الْعَدَدِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا فَأَخَذَ رَجُلٌ فَاهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ يَقَعُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظِهِ لَا بِقَصْدِهِ ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ
.
( وَ ) يَقَعُ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ ( بِوَاحِدَةٍ ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ ( وَوَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ ) طَلْقَةٌ ( وَاحِدَةٌ ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْبَوَاقِي فَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْأُولَى فِيهَا وُصِفَتْ بِالْقَبْلِيَّةِ ، فَلَمَّا وَقَعَتْ لَمْ يَبْقَ لِلثَّانِيَةِ مَحَلٌّ .
( وَ ) يَقَعُ ( بِوَاحِدَةٍ ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ( قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ ) طَلْقَتَانِ ( ثِنْتَانِ ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ صِفَةُ الثَّانِيَةِ لِاتِّصَالِهَا بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ فَاقْتَضَى إيقَاعَهَا فِي الْمَاضِي وَإِيقَاعَ الْأُولَى فِي الْحَالِ لَكِنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَرِنَانِ فَيَقَعَانِ مَعًا ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْأُولَى فَاقْتَضَى إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ فِي الْحَالِ وَإِيقَاعَ الْأُخْرَى قَبْلَ هَذِهِ فَيَقْتَرِنَانِ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَلِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ .
( وَ ) يَقَعُ ( بِإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ) طَلْقَةً ( وَاحِدَةً إنْ دَخَلَتْ ) الدَّارَ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَفِي الْمُنْجَزِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مَحَلٌّ فَكَذَا هُنَا ( وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ ) ، وَقَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ( فَثِنْتَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْجُزْأَيْنِ يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ دُفْعَةً فَيَقَعَانِ كَذَلِكَ .
( وَفِي الْمَوْطُوءَةِ ثِنْتَانِ فِي كُلِّهَا ) لِبَقَاءِ أَثَرِ النِّكَاحِ بِوُجُودِ الْعِدَّةِ هَذَا هُوَ الْمَحَلُّ لِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِي الْوِقَايَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا
قَوْلُهُ : أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ ) أَيْ وَجْهُهُ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذُكِرَ عَمَّا لَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَنِصْفًا أَوْ وَاحِدَةً وَأُخْرَى أَوْ وَاحِدَةً وَعُشْرَيْنِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ثِنْتَانِ وَالثَّالِثِ ثَلَاثٌ ، أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا عِبَارَةٌ أَخْصَرُ مِنْهُمَا فَكَانَ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ وَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ تَثْنِيَتُهُ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ أُخْرَى ابْتِدَاءً وَاسْتِقْلَالًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْبَوَاقِي ) مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ الْجَمْعِ وَإِرَادَةِ الْمُثَنَّى ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ صُورَتَانِ وَاحِدَةٌ قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٌ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ .
( قَوْلُهُ : فَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْأُولَى فِيهَا وُصِفَتْ بِالْقَبْلِيَّةِ ) يَعْنِي بِالصَّرَاحَةِ فِيمَا صَرَّحَ فِيهَا بِالْقَبْلِيَّةِ وَبِاللَّازِمِ فِيمَا لَمْ يُصَرِّحْ ؛ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةُ الْأَخِيرَةِ فَوَقَعَتْ الْأُولَى قَبْلَهَا ضَرُورَةً .
( قَوْلُهُ : وَفِي الْمُنْجَزِ وَتَقَعُ وَاحِدَةً ؛ إذْ لَا يَبْقَى لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مَحَلٌّ ) يَعْنِي فِيمَا لَوْ ذَكَرَ الثَّالِثَ
( قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ وَلَهُ ) أَيْ لِلزَّوْجِ ( خِيَارُ التَّعْيِينِ هُوَ الصَّحِيحُ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلَاقٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الْإِيلَاءِ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَعْنَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إيقَاعٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ جُمْلَةً ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ لَا يُقَالُ النَّصُّ قَدْ وَرَدَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا حَيْثُ قَالَ تَعَالَى { : حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلَا دَلَالَةَ فِي النَّصِّ عَلَى دُخُولِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ
( قَوْلُهُ : قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ ، وَقِيلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَالْبَيَانُ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ : مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا
إلَخْ ) قَدْ تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أُعِيدَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْلِيلِ
( لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ أَوْ قَالَ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ قِسْمَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَيْنَهُنَّ فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا ، وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلَاقَانِ هَكَذَا إلَى ثَمَانِ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا ) ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَنْوِيَ قِسْمَةً كُلَّ وَاحِدَةٍ بَيْنَهُنَّ فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا ) يَعْنِي فِي غَيْرِ قَوْلِهِ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ بِقِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ عَلَى الْأَرْبَعِ يُصِيبُ كُلَّ زَوْجَةٍ رُبُعٌ مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَيُكْمِلُ كُلَّ رُبُعٍ طَلْقَةً فَيَصِيرُ الْمُجْتَمِعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً وَبِقِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ كَذَلِكَ وَزِيَادَةً ، وَأَمَّا بِقِسْمَةِ الْوَاحِدَةِ بَيْنَهُنَّ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ رُبُعٌ وَبِقِسْمَةِ كُلٍّ مِنْ الثِّنْتَيْنِ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ رُبُعٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَيَجْتَمِعُ لِكُلٍّ رُبُعَانِ فَلَا تَطْلُقُ كُلُّ زَوْجَةٍ ثَلَاثًا فِيهِمَا ، وَلَوْ نَوَى ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ مُنْقَسِمَةٌ ضَرُورَةً أَرْبَاعًا وَالرُّبُعُ لَا يَصِيرُ ثَلَاثًا ، وَكَذَلِكَ الرُّبُعَانِ مِنْ قِسْمَةِ كُلٍّ مِنْ الطَّلْقَتَيْنِ عَلَيْهِنَّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي ، ثُمَّ رَأَيْته نَصًّا بِفَتْحِ الْقَدِيرِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلَاقَانِ هَكَذَا إلَى ثَمَانٍ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى انْقِسَامَ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِنَّ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا وَلَا يَخْفَى التَّوْجِيهُ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ
( وَكِنَايَتُهُ ) وَهِيَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا وَهِيَ هَا هُنَا ( مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ ) أَيْ لِلطَّلَاقِ ( وَاحْتَمَلَهُ وَغَيْرَهُ ) فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوضَعْ لَهُ وَاحْتَمَلَتْهُ وَغَيْرَهُ وَجَبَ التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ التَّعْيِينِ كَحَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَحَالِ الْغَضَبِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ ( إمَّا صَالِحٌ لِلْجَوَابِ ) عَنْ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا يَكُونُ رَدًّا لِكَلَامِهَا وَلَا سَبًّا لَهَا وَلَا شَتْمًا ( كَاعْتَدِّي ) فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نِعَمِي عَلَيْك أَوْ اعْتَدِّي مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَى الِاعْتِدَادَ مِنْ النِّكَاحِ زَالَ الْإِبْهَامُ وَوَجَبَ بِهَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اقْتِضَاءً كَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فَاعْتَدِّي وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا هُنَا وَتَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الْحُكْمِ لِسَبَبِهِ إذَا اخْتَصَّ السَّبَبُ بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ ( اسْتَبْرِئِي رَحِمَك ) فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعِدَّةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِبْرَاءَ لِيُطَلِّقَهَا فِي حَالِ فَرَاغِ رَحِمِهَا أَيْ تَعَرَّفِي بَرَاءَةَ رَحِمِك لِأُطَلِّقَك ( أَنْتِ وَاحِدَةٌ ) أَيْ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ قَوْمِك أَوْ مُنْفَرِدَةٌ عِنْدِي لَيْسَ لِي مَعَك غَيْرُك وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَا عِبْرَةَ بِإِعْرَابِ وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ الْأَعْرَابِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ فَإِذَا زَالَ الْإِبْهَامُ بِالنِّيَّةِ كَانَ دَلَالَةً عَلَى الصَّرِيحِ لَا عَامِلًا بِمُوجِبِهِ وَالصَّرِيحُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ
فَفِيهِ احْتِمَالُ الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ لَا الرَّدِّ وَلَا السَّبَبِ ( أَمْرُك بِيَدِك ) أَيْ عَمَلُك بِيَدِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي ( اخْتَارِي ) أَيْ اخْتَارِي نَفْسَك بِالْفِرَاقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فِي أَمْرٍ آخَرَ فَإِنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ ، فَيَكُونَانِ جَوَابًا لِسُؤَالِ الطَّلَاقِ ( وَمُرَادِفُهَا ) مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ .
( وَفِي الْأَخِيرَيْنِ ) يَعْنِي قَوْلَهُ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي ( لَا تَطْلُقُ ) الْمَرْأَةُ ( مَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا ) كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ ، وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ ( وَإِمَّا ) صَالِحٌ ( لِلْجَوَابِ ) عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ ( وَالرَّدِّ لِسُؤَالِهَا كَاخْرُجِي ) أَيْ مِنْ عِنْدِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ اُخْرُجِي وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ ( وَكَذَا اذْهَبِي قُومِي ) ، وَأَمَّا ( تَقَنَّعِي ) فَإِمَّا مِنْ الْقِنَاعِ وَهُوَ الْخِمَارُ أَيْ اسْتَتِرِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ الْقَنَاعَةِ أَيْ اقْنَعِي بِمَا رَزَقَك اللَّهُ مِنِّي مِنْ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ ، وَكَذَا ( تَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي ) وَأَمَّا ( اُغْرُبِي ) فَمِنْ الْغُرْبَةِ أَيْ اخْتَارِي الْغُرْبَةَ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِتَزُورِي أَهْلَك ، وَقِيلَ اُعْزُبِي وَهِيَ إمَّا مِنْ الْعُزُوبَةِ وَهِيَ التَّجَرُّدُ عَنْ الزَّوْجِ أَوْ بِمَعْنَى الْبُعْدِ أَيْ اخْتَارِي الْعُزُوبَةَ أَوْ الْبُعْدَ عَنِّي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ ( تَزَوَّجِي ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ ) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ اُطْلُبِي النِّسَاءَ ؛ إذْ الزَّوْجُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ ( الْحَقِي بِأَهْلِك ) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِأَنِّي أَذِنْت لَك وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ ( حَبْلُك عَلَى غَارِبِك ) الْغَارِبُ مَا بَيْنَ السَّنَامِ وَالْعُنُقِ أَيْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِئَلَّا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ وَفِي مَعْنَاهُ سَرَّحْتُك وَلِذَا لَمْ
يُفْرَدْ بِالذِّكْرِ ( لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك ) احْتِمَالُهَا لِلطَّلَاقِ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا احْتِمَالُ الرَّدِّ فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا جُحُودٌ لِلنِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا ، بَلْ كَذِبًا كَمَا سَيَأْتِي فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى الرَّدِّ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ ( وَمُرَادِفُهَا ) مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ ، وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ ( وَإِمَّا ) صَالِحٌ ( لِلْجَوَابِ وَالشَّتْمِ كَخَلِيَّةٍ بَرِيَّةٍ بَتْلَةٍ بَتَّةٍ بَائِنٌ ) وَفِي مَعْنَاهُ ( فَارَقْتُك ) وَلِذَا لَمْ يُفْرَدْ بِالذِّكْرِ ( حَرَامٌ ) احْتِمَالُهَا لِلطَّلَاقِ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا احْتِمَالُهَا الشَّتْمَ فَلِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ عَنْ الْخَيْرِ لَا حَيَاءَ لَك بَرِيَّةٍ عَنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَحَامِدِ بَتَّةٍ بَتْلَةٍ بَائِنٍ كُلُّهَا بِمَعْنَى الْمُنْقَطِعَةِ أَيْ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ كُلِّ رُشْدٍ ، وَعَنْ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ فَارَقْتُك مُفَارَقَةً صُورِيَّةً حَرَامُ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ ، ثُمَّ إنَّ الْأَحْوَالَ أَيْضًا ثَلَاثٌ ، حَالُ الرِّضَا وَحَالُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ بِأَنْ تَسْأَلَ هِيَ طَلَاقَهَا أَوْ يَسْأَلَهُ أَجْنَبِيٌّ وَحَالُ الْغَضَبِ ( فَفِي ) حَالِ ( الرِّضَا لَا يَقَعُ ) الطَّلَاقُ ( بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ ) لِلِاحْتِمَالِ وَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ .
( وَفِي ) حَالِ ( مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ يَقَعُ ) الطَّلَاقُ ( بِالصَّالِحِ لِلْجَوَابِ وَالرَّدِّ بِالنِّيَّةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْجَوَابَ وَالرَّدَّ ثَبَتَ الْأَدْنَى بِدُونِ النِّيَّةِ وَهُوَ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّهُ إبْقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ ، وَإِذَا وُجِدَتْ تَعَيَّنَ الْجَوَابُ .
( وَ ) يَقَعُ الطَّلَاقُ ( بِالْبَاقِيَيْنِ ) وَهُمَا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الصَّالِحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ وَالثَّالِثُ الصَّالِحُ لِلْجَوَابِ وَالشَّتْمِ ( بِدُونِهَا ) أَيْ بِلَا نِيَّةٍ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَالَ حَالُ الْجَوَابِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَصَارَ طَلَاقًا ، وَكَذَا الثَّالِثُ ؛ لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَصْلُحُ لِلشَّتْمِ فَتَعَيَّنَ الْجَوَابُ .
( وَفِي ) حَالِ (
الْغَضَبِ يَقَعُ ) الطَّلَاقُ ( بِالصَّالِحِ لَهُ ) أَيْ لِلْجَوَابِ ( فَقَطْ بِلَا نِيَّةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْغَضَبُ وَلَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ .
( وَ ) يَقَعُ ( بِالْبَاقِيَيْنِ ) وَهُمَا الْقِسْمُ الثَّانِي الصَّالِحُ لِلْجَوَابِ وَالرَّدِّ وَالثَّالِثُ الصَّالِحُ لِلْجَوَابِ وَالشَّتْمِ ( بِهَا ) أَيْ بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْجَوَابَ وَغَيْرَهُ اُحْتِيجَ إلَى مَا يُرَجِّحُ الْجَوَابَ وَهُوَ النِّيَّةُ ( وَتَطْلُقُ ) الْمَرْأَةُ ( بِالثَّلَاثِ الْأُوَلِ ) يَعْنِي اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك أَنْتِ وَاحِدَةٌ ( وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ) ، أَمَّا اعْتَدِّي فَلِأَنَّ حَقِيقَتَهُ الْأَمْرُ بِالْحِسَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نِعَمِي عَلَيْك أَوْ اعْتَدِّي مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَى الْأَخِيرَ زَالَ الْإِبْهَامُ وَوَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اقْتِضَاءً كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَاعْتَدِّي وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ وَتَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الْحُكْمِ لِلسَّبَبِ إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُخْتَصًّا بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَالطَّلَاقُ مُعَقِّبٌ لِلرَّجْعَةِ ، وَأَمَّا اسْتَبْرِئِي فَلِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعِدَّةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِبْرَاءُ لِيُطَلِّقَهَا فِي حَالِ فَرَاغِ رَحِمِهَا أَيْ تَعَرَّفِي بَرَاءَةَ رَحِمِك لِأُطَلِّقَك ، وَأَمَّا أَنْتِ وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ قَوْمِك أَوْ مُنْفَرِدَةٌ عِنْدِي لَيْسَ لِي مَعَك غَيْرُك وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ عَوَامَّ الْأَعْرَابِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ فَإِذَا زَالَ الْإِبْهَامُ بِالنِّيَّةِ كَانَ دَلَالَةً عَلَى الصَّرِيحِ لَا عَامِلًا بِمُوجِبِهِ وَالصَّرِيحُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ ( وَلَا تَصِحُّ ) فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ ( نِيَّةُ الثَّلَاثِ ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ
طَالِقٌ ثَبَتَ اقْتِضَاءً فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَمُضْمَرًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ كَانَ مُصَرَّحًا لَمْ يَقَعْ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ فَإِذَا كَانَ مُقْتَضًى أَوْ مُضْمَرًا أَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ فَإِنْ قِيلَ الْمَصْدَرُ لَمَّا كَانَ مُضْمَرًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ ، وَجَبَ أَنْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ، قُلْنَا التَّنْصِيصُ عَلَى الْوَاحِدَةِ يُنَافِي نِيَّةَ الثَّلَاثِ ، كَذَا فِي الْكَافِي
( قَوْلُهُ : حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّنْقِيحِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَتِرُ الْمُرَادُ فَصَرِيحٌ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ فَالْحَقِيقَةُ الَّتِي لَمْ تُهْجَرْ صَرِيحٌ وَاَلَّتِي هُجِرَتْ وَغَلَبَ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيُّ كِنَايَةٌ وَالْمَجَازُ الْغَالِبُ الِاسْتِعْمَالُ صَرِيحٌ وَغَيْرُ الْغَالِبِ كِنَايَةٌ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمَنَارِ وَكِنَايَاتُ الطَّلَاقِ سُمِّيَتْ بِهَا مَجَازًا ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ فِي التَّحْرِيرِ مَا قِيلَ لَفْظُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَجَازٌ ؛ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا غَلَطٌ ؛ إذْ لَا تُنَافِي الْحَقِيقَةُ الْكِنَايَةَ ا هـ .
وَبَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
( قَوْلُهُ : إمَّا صَالِحٌ لِلْجَوَابِ فَقَطْ كَاعْتَدِّي إلَى اخْتَارِي ) جَعَلَ مِنْهُ فِي الْمَوَاهِبِ سَرَّحْتُك فَارَقْتُك أَنْتِ حُرَّةٌ وَهَبْتُك لِأَهْلِك الْحَقِي بِأَهْلِك .
( قَوْلُهُ : وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ ، أَمَّا إذَا قَالَهُ أَيْ لَفْظَ اعْتَدِّي قَبْلَ الدُّخُولِ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ لِيَرِدَ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ غَيْرُ دَافِعٍ سُؤَالَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ ا هـ
وَفِي الْبَحْرِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ الْمَجَازِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا هُنَا ) يَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا عِبْرَةَ بِإِعْرَابِ وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ ) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ
رَاجِعٌ إلَى أَمْرِك بِيَدِك اخْتَارِي لَا لِمُحْتَمِلِ اخْتَارِي .
( قَوْلُهُ : وَمُرَادِفُهَا مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ ) وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ التَّطْلِيقِ بِلُغَةِ التُّرْكِ هَلْ هُوَ رَجْعِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ أَوْ بَائِنٌ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِ " سن بوش " أَوْ " بوش أَوَّل " ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ خَالِيَةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ فَلْيُنْظَرْ وَفِي الْمُحِيطِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ بِالْفَارِسِيِّ مُفِيدٌ الْحُكْمَ فِي هَذَا فَلْيُرَاجَعْ .
( قَوْلُهُ : وَإِمَّا صَالِحٌ لِلْجَوَابِ وَالرَّدِّ إلَى قَوْلِهِ الْحَقِي بِأَهْلِك ) جَعَلَ فِي الْمَوَاهِبِ الْحَقِي بِأَهْلِك مِمَّا هُوَ صَالِحٌ لِلْجَوَابِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ .
( قَوْلُهُ : وَفِي مَعْنَاهُ سَرَّحْتُك ) جَعَلَهُ فِي الْمَوَاهِبِ مِنْ الصَّالِحِ لِلْجَوَابِ فَقَطْ مَا ذَكَرْنَاهُ ( قَوْلُهُ : وَفِي مَعْنَاهُ فَارَقْتُك ) هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ .
( قَوْلُهُ : فَفِي حَالَةِ الرِّضَا ) يَعْنِي الْمُجَرَّدَةَ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ .
( قَوْلُهُ : أَمَّا اعْتَدِّي فَلِأَنَّ حَقِيقَتَهُ الْأَمْرُ بِالْحِسَابِ إلَى قَوْلِهِ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ عَوَامَّ الْأَعْرَابِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ ) مُكَرَّرٌ
.
( وَ ) تَطْلُقُ ( بِغَيْرِهَا ) مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ طَلْقَةً وَاحِدَةً ( بَائِنَةٌ ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ ) ، أَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كِنَايَةً عَنْ مُجَرَّدِ الطَّلَاقِ ، بَلْ عَنْ الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْنُونَةِ ، وَأَمَّا امْتِنَاعُ إرَادَةِ الثِّنْتَيْنِ فَلِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الطَّلَاقَ مَصْدَرٌ لَا يَحْتَمِلُ مَحْضَ الْعَدَدِ ( وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ) فِي غَيْرِهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ ( إلَّا فِي اخْتَارِي ) لِمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْكَنْزِ ( قَالَ اعْتَدِّي ثَلَاثًا ) أَيْ قَالَ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي ( وَنَوَى ) أَيْ قَالَ نَوَيْت ( بِالْأُولًى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا صُدِّقَ ) فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ) أَيْ قَالَ لَمْ أَنْوِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْبَاقِي ( شَيْئًا فَثَلَاثٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَانِ لِلطَّلَاقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ ( لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ .
( وَ ) كَذَا قَوْلُهُ لَهَا أَنَا ( لَسْت لَك ) بِزَوْجٍ ( طَلَاقٌ بَائِنٌ إنْ نَوَاهُ ) ، وَقَالَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا ؛ لِأَنَّهُ نَفَى النِّكَاحَ وَهُوَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ، بَلْ كَذِبًا لِكَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ مَعْلُومَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ سُئِلَ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فَكَذَا هُنَا وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَصْلُحُ لِإِنْكَارِ النِّكَاحِ وَتَصْلُحُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ ؛ لِأَنِّي مَا تَزَوَّجْتهَا فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنِك ( طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَجَعَلَهَا ثَلَاثًا صَارَتْ ثَلَاثًا )
وَقَالَا لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا وَلَهُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ ثَلَاثًا بِانْضِمَامِ الثِّنْتَيْنِ إلَيْهَا فَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ ( طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَجَعَلَهُ ) أَيْ فَقَالَ ( قَبْلَ الرَّجْعَةِ ) جَعَلْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ ( بَائِنًا صَارَ بَائِنًا ) ، .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ بَائِنًا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ إبْطَالُ وِلَايَةِ الرَّجْعَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَيَلْغُو وَلَهُمَا أَنَّهُ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ ابْتِدَاءً لِوُجُودِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَيَصِحُّ إلْحَاقُ هَذَا الْوَصْفِ بِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَتَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ وَإِنَّمَا قَالَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا ، ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا بَائِنَةً لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ بِالرَّجْعَةِ أَبْطَلَ عَمَلَ الطَّلَاقِ فَتَعَذَّرَ بِهِ جَعْلُهَا بَائِنَةً
قَوْلُهُ : وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْكَنْزِ ) هُوَ وَاقِعٌ فِي الْكَنْزِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِيهِ وَالِاعْتِرَاضُ أَصْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ وَالْجَوَابُ أَنَّ اخْتَارِي لَيْسَ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادٌ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ وَلَهُ بَابٌ مُسْتَقِلٌّ ، وَقَدْ قَيَّدَهُ فِي بَابِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ أَيْ بِالْبَاقِي شَيْئًا فَثَلَاثٌ ) جَعَلَهُ فِي التَّبْيِينِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ نَوَاهُ ) مَحَلُّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يُؤَكِّدْ النَّفْيَ بِالْيَمِينِ ، أَمَّا إذَا أَكَّدَهُ بِهِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ ، وَإِنْ نَوَى بِاتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا لِمَا فِي الْحَدَّادِيِّ ، وَقَدْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْت وَاَللَّهِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ، وَإِنْ نَوَى .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ سُئِلَ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ إنْ نَوَى كَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلَوْ نَوَى .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ بَائِنًا ) أَخَذَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ عَدَمِ جَعْلِهَا ثَلَاثًا ا هـ .
وَيُخَالِفُهُ تَصْحِيحُ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَصِيرُ بَائِنًا وَثَلَاثًا
( الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ ) أَيْ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( وَ ) الصَّرِيحُ يَلْحَقُ ( الْبَائِنَ ) أَيْ إذَا أَبَانَهَا ، ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } يَعْنِي الْخُلْعَ ، ثُمَّ قَالَ { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ الْوَصْلِ ، فَيَكُونُ هَذَا نَصًّا عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ الَّذِي هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ ، وَقَدْ حُقِّقَ هَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَأَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِيهِ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيُرَاجِعْهُ ثَمَّةَ ( وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِلْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ ( لَا الْبَائِنَ ) أَيْ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنُ الْبَائِنَ ( إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا ) بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ، ثُمَّ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ ، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ، أَمَّا لُحُوقُ الْبَائِنِ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ ، وَأَمَّا عَدَمُ لُحُوقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ فَلِإِمْكَانِ جَعْلِهِ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً ؛ لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ أَوْ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ ثَابِتٍ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً ضَرُورَةً وَلِهَذَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ كَمَا ذُكِرَ ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَهُ ، وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَقُولُ قَوْلُهُمْ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ إلَى آخِرِهِ يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ
إذَا أَبَانَهَا ، ثُمَّ قَالَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَقَعُ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ إذَا ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِلَا ذِكْرِ الثَّلَاثِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِي الْمَحَلِّ فَلَأَنْ تَثْبُتَ إذَا صَرَّحَ بِالثَّلَاثِ أَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الصَّرِيحَ يَلْحَقُ الْبَائِنَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا صَرِيحٌ بِلَا رَيْبٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ وَالْفُرْقَةَ الْكَامِلَةَ لَا الْبَيْنُونَةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْ الْكِنَايَاتِ
قَوْلُهُ : وَأَقُولُ قَوْلُهُمْ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ
إلَخْ ) يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا
إلَخْ ( قُلْت ) مَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ اللَّاحِقِ لَصَرِيحٌ وَبَائِنٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهِيَ حَادِثَةُ حَلَبَ ، وَكَذَا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ اللَّفْظُ لَا الْمَعْنَى وَالْكِنَايَاتُ الَّتِي تَقَعُ رَجْعِيَّةً تَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ كَقَوْلِهِ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ لِلْمُخْتَلِعَةِ الَّتِي هِيَ مُطَلَّقَةٌ بِتَطْلِيقَتَيْنِ أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِكَوْنِهِ صَرِيحًا ، وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ ثَلَاثًا وَهُوَ بَائِنٌ ا هـ .
قَالَ : وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ اللَّفْظِ لَا الْمَعْنَى وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا نُسِبَ نَقْلُهُ إلَى بَعْضِ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَائِنًا ، ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ بَعْضُهُمْ يَقَعُ الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي اللَّفْظِ وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الْبَائِنَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّهُ بَائِنٌ فِي الْمَعْنَى وَالْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْأَوْلَى مِنْ اللَّفْظِ ا هـ .
بِلَفْظِهِ هَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَنْسُوبًا إلَى قَاضِي خَانْ وَلَكِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَقَعُ أُخْرَى مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ أَعْنِي كَوْنَهُ بَائِنًا فِي الْمَعْنَى .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا قَالَ
لِلْمُبَانَةِ أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ جَوَابًا فَهَذَا لَيْسَ الصَّرِيحُ فِيهِ ظَاهِرًا ، وَقَدْ حَكَمَ بِالْوُقُوعِ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ تَقْدِيرَهُ بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى وَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
( طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إيقَاعٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ جُمْلَةً ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ أَقُولُ يَظْهَرُ بِهِ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُشْكِلَاتِ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْمَوْطُوءَةِ بَاطِلٌ مَحْضٌ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ خُصُوصَ سَبَبِ النُّزُولِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ .
( قَوْلُهُ : طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ
إلَخْ ) قَدْ تَكَرَّرَ ثَانِيًا فِيمَا مَضَى وَهَذِهِ ثَالِثُ مَرَّةٍ
( بَابُ التَّفْوِيضِ ) ( إذَا قَالَ ) لِامْرَأَتِهِ ( طَلِّقِي نَفْسَكِ ، أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ ، أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي بِهِمَا ) أَيْ بِالْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ( الطَّلَاقَ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فَلَا يَعْمَلَانِ بِلَا نِيَّةٍ ( لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ عَزْلَهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَا تَوْكِيلٌ لِامْتِنَاعِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا ( وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِ عِلْمِهَا ) فَإِنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَمَجْلِسُ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهَا فَإِنْ طَلُقَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا ؛ إذْ لِلْمُخَيَّرَةِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
( وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( طَالَ ) أَيْ الْمَجْلِسُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ( إلَّا إذَا زَادَ ) عَلَى قَوْلِهِ " طَلِّقِي نَفْسَكِ " وَأَخَوَاتِهِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ تَقَيَّدَ بِمَجْلِسِ عِلْمِهَا ( مَتَى ) شِئْتِ ( أَوْ مَتَى مَا ) شِئْتِ ( أَوْ إذَا ) شِئْتِ ( أَوْ إذَا مَا ) شِئْتِ ، أَمَّا " مَتَى " وَ " مَتَى مَا " فَلِأَنَّهُمَا لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ فَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، وَأَمَّا " إذَا " ، وَ " إذَا مَا " فَإِنَّهُمَا وَ " مَتَى " سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيُسْتَعْمَلَانِ لِلشَّرْطِ كَمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلظَّرْفِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ
( بَابُ التَّفْوِيضِ ) ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ) الصَّوَابُ أَنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَعْمَلَانِ بِلَا نِيَّةٍ ) هَذَا فِي غَيْرِ حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ الْمُذَاكَرَةِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَكَذَا إذَا كَانَا فِي غَضَبٍ ، أَوْ شَتِيمَةٍ فَلَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( تَنْبِيهٌ ) : لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهَا بِالتَّخْيِيرِ حَتَّى لَوْ خَيَّرَهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِهِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ وَقَالَ زُفَرُ : طَلُقَتْ ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كَالْوَصِيِّ لَوْ تَصَرَّفَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوِصَايَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ .
( قَوْلُهُ : وَأَخَوَاتِهِ ) مِنْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ ، وَإِرَادَةِ الْمُثَنَّى وَالْأَوْلَى وَأُخْتَيْهِ .
( وَفِي طَلِّقِي ضَرَّتَكِ ، أَوْ طَلِّقِي امْرَأَتِي عَكْسُهُمَا ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي ضَرَّتَكِ ، أَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْ امْرَأَتِي صَحَّ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ تَمْلِيكٌ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ كَمَا هُوَ حُكْمُ التَّوْكِيلِ ( إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ ) فَحِينَئِذٍ لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ وَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَقَالَ زُفَرُ : هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَالْأَوَّلِ وَعَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَبِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَمَالِكًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا الْمُوَكِّلُ ، أَوْ لَا فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْتَ وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَصْلُحُ وَكِيلًا وَمَالِكًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَالْمَالِكُ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ ، سَوَاءٌ تَصَرَّفَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا إنْ شِئْتَ كَانَ تَمْلِيكًا لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَمَطْلُوبٌ مِنْهُ الْفِعْلُ شَاءَ ، أَوْ لَمْ يَشَأْ ، وَقَوْلُهُ : لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةٌ تَثْبُتُ بِالصِّيغَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَشِيئَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِلْزَامِ وَكَلَامُنَا فِي مُوجَبِ الصِّيغَةِ ( فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِي الْأَوَّلِ ) مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ يَعْنِي إذَا قَالَ الزَّوْجُ : طَلِّقِي نَفْسَكِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ( أَوْ نَوَى ) طَلْقَةً ( وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ) نَفْسَهَا ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ ( وَقَعَتْ ) طَلْقَةٌ ( رَجْعِيَّةٌ ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الصَّرِيحَ ( وَلَوْ ) نَوَى ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ ( ثَلَاثًا وَقَعْنَ ) أَيْ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقِ لُغَةً فَيَقْتَضِي مَصْدَرًا هُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ
الْأَجْنَاسِ .
.
( وَ ) فِي قَوْلِهِ ( اخْتَارِي إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا ) بِأَنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي ( بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ ، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذَا اللَّفْظِ حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَرْتُكِ مِنْ نَفْسِي ، أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْكِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا الْإِيقَاعَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، وَوَجْهُ وُقُوعِ الْبَائِنِ أَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا إنَّمَا يَكُونُ بِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِهَا وَهُوَ فِي الْبَائِنِ ؛ إذْ فِي الرَّجْعِيِّ يَتَمَكَّنُ الزَّوْجُ مِنْ رَجْعَتِهَا بِلَا رِضَاهَا أَوْ قَالَتْ : أَخْتَارُ نَفْسِي ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ وَعْدٍ ، أَوْ يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَلَا تَطْلُقُ بِالشَّكِّ كَمَا إذَا قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ : أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنْ اخْتِيَارِهَا فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حِكَايَةً عَنْ تَطْلِيقِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ فِعْلُ اللِّسَانِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا ( وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ) أَيْ لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى الْغِلْظَةِ وَالْخِفَّةِ كَالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ .
قَوْلُهُ : فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ فِعْلُ اللِّسَانِ ) أَيْ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ فِعْلُ اللِّسَانِ وَقَوْلُهُ : وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلُ اللِّسَانِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ مَعَ نُطْقِهَا بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءُ التَّطْلِيقِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ فَلَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَضْعًا بِصِفَةِ الْعُمُومِ .
( وَفِي ) قَوْلِهِ ( أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْتِ ، أَوْ نَحْوِهِ ) أَيْ مَتَى مَا شِئْتِ ، أَوْ إذَا شِئْتِ ، وَإِذَا مَا شِئْتِ ( لَا يَتَقَيَّدُ ) بِالْمَجْلِسِ ( وَلَا يَرْجِعُ ) الزَّوْجُ ( وَلَا يَرْتَدُّ الْأَمْرُ ) بِرَدِّهَا ( بَلْ تُطَلِّقُ ) الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ( مَتَى شَاءَتْ ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِمَا مَرَّ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَا تَمْلِكُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِيَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا ( وَاحِدَةً فَقَطْ ) ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ لَا الْأَفْعَالَ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ لَا تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ .
( قَوْلُهُ : أَمَّا الْأَوَّلَانِ ) يَعْنِي بِهِ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ وَرُجُوعَ الزَّوْجِ وَقَوْلُهُ : فَلِمَا مَرَّ يَعْنِي مِنْ أَنَّ مَتَى شِئْتِ وَمَتَى مَا شِئْتِ لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ وَمِنْ أَنَّهُ تَمْلِيكُ طَلَاقِهَا لَهَا لَا تَوْكِيلٌ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الثَّالِثُ ) يَعْنِي عَدَمَ الرَّدِّ بِرَدِّهَا .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ ) أَيْ وَضْعًا
( وَفِي ) قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ( كُلَّمَا شِئْتِ تُطَلِّقُ ) الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ( إلَى الثَّلَاثِ ) لِأَنَّ كُلَّمَا يُفِيدُ عُمُومَ الْأَفْعَالِ ( بِالتَّفْرِيقِ ) لِأَنَّهَا تُفِيدُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ دُونَ الِاجْتِمَاعِ ( وَلَا تُطَلِّقُ ) الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ( بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ) ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمِلْكَ الْحَادِثَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ .
قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا تُفِيدُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ ) أَيْ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَزْمَانِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا تَطْلُقُ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ) يَعْنِي إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ طَلَّقَتْ دُونَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَى أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( وَفِي ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( حَيْثُ ) شِئْتِ ( وَأَيْنَ ) شِئْتِ ( لَا ) تَطْلُقُ حَتَّى تَشَاءَ ( وَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ ) لِأَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَكَانِ حَتَّى إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّامِ تَطْلُقُ الْآنَ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ خُصُوصًا كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت ، أَوْ عُمُومًا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت .
( قَوْلُهُ : فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ ) يَعْنِي خُصُوصًا وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لِيَصِحَّ عَطْفُ قَوْلِهِ : أَوْ عُمُومًا بَعْدَهُ عَلَيْهِ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ .
( قَوْلُهُ : يَقَعُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَقَعُ عِنْدَهُمَا مَا لَمْ تَشَأْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ ، وَقَوْلُهُ " تَقَعُ رَجْعِيَّةٌ " ظَاهِرٌ أَنَّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهَا مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ .
( وَفِي ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( كَيْفَ ) شِئْتِ ( يَقَعُ ) قَبْلَ الْمَشِيئَةِ طَلْقَةٌ ( رَجْعِيَّةٌ ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ ( فَإِنْ شَاءَتْ ) أَيْ قَالَتْ شِئْتُ ( بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ ) أَيْ الزَّوْجُ أَيْ قَالَ نَوَيْتُ ذَلِكَ ( وَقَعَ ) ذَلِكَ لِثُبُوتِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا ، وَإِرَادَتِهِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَشِيئَتَاهُمَا ) بِأَنْ أَرَادَتْ ثَلَاثًا وَالزَّوْجُ وَاحِدَةً ، أَوْ بِالْعَكْسِ ( فَرَجْعِيَّةٌ ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهَا لَغَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ ( وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ) أَيْ الزَّوْجُ ( فَمَا شَاءَتْ ) أَيْ يُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا جَرْيًا عَلَى مُوجَبِ التَّخْيِيرِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمَا ) فِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ اخْتِلَافُ مَشِيئَتِهَا مَعَ نِيَّتِهِ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ أَرَادَتْ ) يَعْنِي شَاءَتْ .
( قَوْلُهُ : فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ ) أَيْ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَمَا شَاءَتْ ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( وَفِي ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( كَمْ ) شِئْتِ ( أَوْ مَا ) شِئْتِ ( طَلَّقَتْ ) نَفْسَهَا ( مَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ ) لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلْعَدَدِ فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا أَيَّ عَدَدٍ شَاءَتْ ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَخِطَابٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي الْحَالِ ( وَإِنْ رَدَّتْ ارْتَدَّ ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَقْبَلُ الرَّدَّ .
( قَوْلُهُ : طَلُقَتْ مَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ ) لَا يُقَالُ : كَيْفَ أُبِيحَ لَهَا ذَلِكَ وَلَا يُبَاحُ لِلزَّوْجِ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَشِيئَةُ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةُ الْإِبَاحَةِ ، أَوْ نَقُولُ : إنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفَرِّقَ عَلَى الْأَطْهَارِ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا بِالتَّفْرِيقِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ لِقُدْرَتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا أَيَّ عَدَدٍ شَاءَتْ ) مُفِيدٌ أَنَّ الْوَاحِدَ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ فَقَالَ الْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِمَا تَكَرَّرَ لَهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ ، وَإِرَادَتِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي " كَمْ " ، وَأَمَّا فِي " مَا " فَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْعَدَدِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي تَفْوِيضِ الْعَدَدِ فَلَا يَثْبُتُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ وَتَرَجَّحَ اعْتِبَارُهَا بِالْعَدَدِ بِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَكُنْ مُؤَقَّتًا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ ) أَيْ شَأْنٌ .
( وَفِي ) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ تُطَلِّقُ مَا دُونَهَا ) أَيْ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ دُونَ الثَّلَاثِ وَعِنْدَهُمَا تُطَلِّقُ ثَلَاثًا أَيْضًا إنْ شَاءَتْ لِأَنَّ مَا يُحْكَمُ فِي الْعُمُومِ وَ " مِنْ " قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّمْيِيزِ فَيُحْمَلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت ، أَوْ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ وَلَهُ أَنَّ " مِنْ " حَقِيقَةٌ فِي التَّبْعِيضِ وَ " مَا " فِي التَّعْمِيمِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا ، وَفِيمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ تُرِكَ التَّبْعِيضُ لِدَلَالَةِ إظْهَارِ السَّمَاحَةِ ، أَوْ لِعُمُومِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى الْخِلَافِ .
ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ فَقَالَ ( وَالْمَجْلِسُ إنَّمَا يَخْتَلِفُ بِقِيَامِهَا ) إنْ كَانَتْ قَاعِدَةً ( أَوْ ذَهَابِهَا ) إنْ كَانَتْ قَائِمَةً ( أَوْ شُرُوعِهَا فِي قَوْلٍ ، أَوْ عَمَلٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا مَضَى ) مِنْ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ ، فَجُلُوسُ الْقَائِمَةِ ، وَاتِّكَاءُ الْقَاعِدَةِ ، وَقُعُودُ الْمُتَّكِئَةِ ، وَدُعَاءُ الْأَبِ لِلْمَشُورَةِ وَشُهُودٍ تُشْهِدُهُمْ ، وَوَقْفُ دَابَّةٍ - هِيَ رَاكِبَتُهَا - لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا لِجَمْعِ الرَّأْيِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَا مَضَى وَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْإِعْرَاضِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ لَا عَنْ قَبْضٍ دُونَ الْإِعْرَاضِ ( وَفُلْكُهَا كَبَيْتِهَا ، وَسَيْرُ دَابَّتِهَا كَسَيْرِهَا ) حَتَّى لَا يَتَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ بِجَرْيِ الْفُلْكِ ، وَيَتَبَدَّلُ بِسَيْرِ الدَّابَّةِ فَإِنَّ سَيْرَهَا وَوُقُوفَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى رَاكِبِهَا فَافْتَرَقَا .
( قَوْلُهُ : وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا دُونَهَا ) عِبَارَةُ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ ، وَفِي طَلِّقِي مِنْ ثَلَاثٍ فَلْيُنْظَرْ مَعَ هَذَا .
( قَوْلُهُ : وَمِنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّمْيِيزِ ) أَيْ لِلتَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ لِعُمُومِ الصِّفَةِ ) أَيْ فِي طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ .
( قَوْلُهُ : وَسَيْرُ دَابَّتِهَا كَسَيْرِهَا ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُنْفَرِدَةً ، أَوْ كَانَ مَعَهَا زَوْجُهَا عَلَى الدَّابَّةِ ، أَوْ الْمَحْمِلِ ، أَوْ لَا يَكُونَ وَلَوْ كَانَا فِي الْمَحْمِلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ وَهُمَا فِيهِ لَا يَبْطُلُ ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ عَنْ الْغَايَةِ .
( وَشُرِطَ ) فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ ( ذِكْرُ النَّفْسِ مِنْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الزَّوْجِ ، أَوْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ فِي الْمُفَسَّرَةِ بِذِكْرِ النَّفْسِ مِنْ أَحَدِهِمَا .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ فِي الْمُفَسَّرَةِ ) ضَمِيرُ هُوَ رَاجِعٌ لِلطَّلَاقِ الْوَاقِعِ بِالِاخْتِيَارِ أَيْ وَالطَّلَاقُ فِي الطَّلَاقِ الْمُفَسَّرِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْت مُبْهَمٌ فَلَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِمُبْهَمٍ إلَّا بِذِكْرِ النَّفْسِ ، أَوْ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمُفَسَّرِ مُتَّصِلًا ، وَإِنْ انْفَصَلَ فَإِنْ كَانَ الْمَجْلِسُ صَحَّ ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( فَلَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت بَطَلَ ) وَلَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ ( إلَّا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى اخْتِيَارِهَا ) أَيْ اخْتَارَ النَّفْسَ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ ذِكْرِ النَّفْسِ شَرْطًا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا ، وَإِنْ خَرَجَ الْكَلَامُ مِنْهُمَا مُجْمَلًا ( أَوْ يَقُولَ ) الزَّوْجُ ( اخْتَارِي اخْتِيَارَهُ فَتَقُولَ ) الْمَرْأَةُ ( اخْتَرْتُ ) فَإِنَّ ذِكْرَ الِاخْتِيَارِ كَذِكْرِ النَّفْسِ لِأَنَّ تَاءَ الْوَحْدَةِ تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ ، وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ تَارَةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَكِ بِمَا شِئْتِ أَوْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ( وَلَوْ ثَلَّثَهَا ) أَيْ ذَكَرَ لَفْظَةَ اخْتَارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ( فَقَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَهُ ، أَوْ ) قَالَتْ ( اخْتَرْت الْأُولَى ، أَوْ الْوُسْطَى ، أَوْ الْأَخِيرَةَ فَثَلَاثٌ ) أَمَّا وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي الْأُولَى فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّ ذِكْرَ الْأُولَى وَنَحْوِهَا إنْ كَانَ لَا يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبُ يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ وَلَهُ أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَغْوٌ لِأَنَّ الْمُجْتَمَعَ فِي الْمِلْكِ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ كَالْمُجْتَمَعِ فِي الْمَكَانِ ، وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ ، وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَإِذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ اخْتَرْت فَيَقَعُ الثَّلَاثُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَا يُؤَيِّدُ دَلَالَةَ الْحَالِ لِأَنَّهُ صَارَ جَوَابًا لِكُلِّ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا ( بِلَا نِيَّةٍ ) مِنْ الزَّوْجِ لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ ؛ إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ .
( قَوْلُهُ : قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ
إلَخْ ) نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُخَالِفُهُ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّصَادُقِ ثُمَّ قَالَ : فَلْيُتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ : فَإِنَّ ذِكْرَ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَذِكْرِ النَّفْسِ ) كَذَا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ ، أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتِيَارِيٌّ يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَا قَوْلُهَا : أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ بِخِلَافِ اخْتَرْت أُخْتِي ، أَوْ عَمَّتِي ، وَإِنْ قَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي فَالْعِبْرَةُ لِلسَّابِقِ وَلَوْ قَالَتْ ، أَوْ زَوْجِي يَبْطُلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ ثَلَّثَهَا
إلَخْ ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْطِفَ بِالْوَاوِ ، أَوْ بِالْفَاءِ ، أَوْ بِثُمَّ .
( قَوْلُهُ : أَمَّا وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي الْأُولَى ) يَعْنِي قَوْلَهَا اخْتَرْت الْأُولَى ، أَوْ الْوُسْطَى ، أَوْ الْأَخِيرَةَ جَوَابًا لِقَوْلِ الزَّوْجِ اخْتَارِي ثَلَاثًا .
( قَوْلُهُ : وَنَحْوِهَا ) يَعْنِي الْوُسْطَى ، أَوْ الْأَخِيرَةَ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبُ ) أَيْ الصِّفَةُ كَالْأَوَّلِيَّةِ وَالْوَسَطِيَّةِ لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الطَّلَقَاتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوَحْدَةُ فَإِنَّ أَوَّلِيَّةَ الْأُولَى إذَا كَانَتْ لَغْوًا فَوَحْدَتُهُ وَانْفِرَادُهُ مُتَحَقَّقٌ فِي نَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ : وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ ) أَيْ أَصَالَةً فِي أَصْلِهِ وَصِفَةُ الْوَحْدَةِ تَابِعَةٌ لَهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ ) أَيْ أَصْلِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ التَّرْتِيبُ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ أَيْ التَّبَعِ الَّذِي هُوَ الْإِفْرَادُ .
( قَوْلُهُ : بِلَا نِيَّةٍ مِنْ الزَّوْجِ ) أَيْ قَضَاءً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَذَهَبَ قَاضِي خَانْ وَأَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ إلَى اشْتِرَاطِهَا لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا يُزِيلُ الْإِبْهَامَ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْوَجْهُ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِ الْخِلَافِ : وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ رِوَايَةً وَدِرَايَةً