كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو
( قَوْلُهُ : فَظُهِرَ عَلَيْهِ ) أَيْ غُلِبَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ ظَهَرَ غَلَبَ وَظَهَرَ عَلَى اللِّصِّ غَلَبَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ ظَهَرَ فَلِأَنَّ السَّطْحَ إذَا عَلَاهُ وَحَقِيقَتُهُ صَارَ عَلَى ظَهْرِهِ .
ا هـ .
كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَحَكَمَ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ ) قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِحُكْمِ الْقَاضِي وَلَيْسَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ، وَقَدْ أَطْلَقَهَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ عَنْهُ تَبَعًا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
( قَوْلُهُ : فَهُوَ لِوَارِثِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَهَا أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ إنْ شَاءَ وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَالثَّانِي انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ وَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا ) هَذَا التَّوْجِيهُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِاللِّحَاقِ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِلْقَضَاءِ وَيَأْخُذُ الْوَارِثُ مَا أَخَذَهُ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ عَوْدِهِ وَرَجَعَ بِهِ ثَانِيًا يُوَجَّهُ بِأَنَّ عَوْدَهُ وَأَخْذَهُ وَلِحَاقَهُ ثَانِيًا يُرَجِّحُ جَانِبَ عَدَمِ الْعَوْدِ وَيُؤَكِّدُهُ فَتَقَرَّرَ مَوْتُهُ حُكْمًا وَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْقَضَاءِ بِاللِّحَاقِ لِصَيْرُورَتِهِ مِيرَاثًا إلَّا لِيُرَجَّحَ عَدَمُ عَوْدِهِ فَتَقَرَّرَ إقَامَتُهُ ثَمَّةَ فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ فَكَانَ رُجُوعُهُ وَأَخْذُهُ ثُمَّ عَوْدُهُ ثَانِيًا بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ جَعَلَهُ فَيْئًا لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ اللِّحَاقِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، وَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَقَدْ تَسَاهَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لِتَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ .
( قُضِيَ بِعَبْدٍ لِمُرْتَدٍّ ) صِفَةُ عَبْدٍ ( لَحِقَ ) صِفَةُ مُرْتَدٍّ ( لِابْنِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِ " قُضِيَ " يَعْنِي إذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ عَبْدٌ فَقُضِيَ بِهِ لِابْنِهِ ( فَكَاتَبَهُ ) ابْنُهُ ( فَجَاءَ ) الْمُرْتَدُّ ( مُسْلِمًا فَبَدَلُهَا ) أَيْ بَدَلُ الْكِتَابَةِ ( وَالْوَلَاءُ لِلْأَبِ ) إذْ لَا وَجْهَ لِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ لِنُفُوذِهَا بِدَلِيلٍ مُنْفِذٍ فَجُعِلَ الْوَارِثُ الَّذِي هُوَ خَلْفَهُ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ وَحُقُوقُ الْعَهْدِ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمَأْكُولِ وَالْوَلَاءِ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ .
( قَوْلُهُ : فَجَاءَ مُسْلِمًا ) يَعْنِي قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ لِلِابْنِ إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ وَقُيِّدَ بِالْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ إذَا دَبَّرَهُ ثُمَّ جَاءَ الْأَبُ مُسْلِمًا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلِابْنِ دُونَ الْأَبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة .
( قَوْلُهُ : بِدَلِيلٍ مُنْفِذٍ ) هُوَ الْقَضَاءُ بِالْعَبْدِ .
( قَتَلَ ) مُرْتَدٌّ رَجُلًا ( خَطَأً وَلَحِقَ أَوْ قُتِلَ ) عَلَى رِدَّتِهِ ( فَدِيَتُهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ ) لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ لِانْعِدَامِ النُّصْرَةِ فَيَكُونُ فِي مَالِهِ الْمُكْتَسَبِ فِي الْإِسْلَامِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ دُونَ الْمُكْتَسَبِ فِي الرِّدَّةِ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ .
( قَوْلُهُ : فَدِيَتُهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي الرِّدَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا إذَا غَصَبَ مَالًا فَأَفْسَدَهُ يَجِبُ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَهُمَا فِي الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ .
ا هـ .
وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ دَيْنَ كُلِّ حَالٍّ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهَا وَوَاضِحٌ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَنَّهَا فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ فَفِي كَسْبِ الرِّدَّةِ .
ا هـ .
وَقَدْ فَصَّلَ فِيهِ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فَقَالَ مَا غُصِبَ مِنْ شَيْءٍ وَاسْتَهْلَكَهُ ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ الْبَيِّنَةِ فَضَمَانُ ذَلِكَ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ يُؤَدَّى مِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ شَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَتِّبَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ فَعِنْدَهُمَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا ، .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ وَكَسْبُ الرِّدَّةِ مَا لَهُ عِنْدَهُ .
ا هـ .
.
( قُطِعَ يَدُهُ ) أَيْ يَدُ الْمُسْلِمِ ( عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَاتَ ) عَلَى رِدَّتِهِ ( مِنْهُ ) أَيْ الْقَطْعِ ( أَوْ لَحِقَ ) فَقُضِيَ بِهِ ( فَجَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الْقَاطِعُ نِصْفَ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ لِوَارِثِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَلَّ مَحَلًّا مَعْصُومًا وَالسِّرَايَةُ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَاعْتُبِرَ الْقَطْعُ لَا السِّرَايَةُ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِشُبْهَةِ الِارْتِدَادِ ( وَإِنْ ) لَمْ يَلْحَقْ الْمَقْطُوعُ بِيَدِ الْمُرْتَدِّ بَلْ ( أَسْلَمَ هُنَا فَمَاتَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ ( ضَمِنَ ) الْقَاطِعُ ( كُلَّهَا ) أَيْ كُلَّ الدِّيَةِ لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَقْتَ الْقَطْعِ وَوَقْتَ السِّرَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ
إلَخْ ) كَذَا الْحُكْمُ لَوْ لَحِقَ وَلَمْ يُقْضَ بِلَحَاقِهِ وَعَادَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى الْقَاطِعِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَنِصْفُ دِيَةٍ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ .
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ : لَا نَصَّ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا .
قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( مُكَاتَبٌ ارْتَدَّ فَلَحِقَ ) وَاكْتَسَبَ مَالًا ( فَأُخِذَ بِمَالِهِ ) وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ ( فَقُتِلَ فَبَدَلُهَا ) أَيْ بَدَلُ الْكِتَابَةِ ( لِسَيِّدِهِ وَالْبَاقِي لِوَارِثِهِ ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ اكْتِسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالرِّدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكِتَابَةِ فَكَذَا اكْتِسَابُهُ .
( قَوْلُهُ : مُكَاتَبًا ارْتَدَّ فَلَحِقَ فَاكْتَسَبَ مَالًا
إلَخْ ) إنَّمَا قُيِّدَ بِكَسْبِ الْمَالِ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِيُفِيدَ أَنَّ حُكْمَ مَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى ثُمَّ إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا إذْ الْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَالرِّدَّةُ أَوْلَى ، وَإِذَا كَانَتْ مِلْكَهُ قَضَى مِنْهَا مُكَاتَبَتَهُ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيُشْكِلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَلِّكُهُ كَسْبَ الرِّدَّةِ إذَا كَانَ حُرًّا وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ مُكَاتَبًا وَوَجْهُهُ مَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالرِّدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكِتَابَةِ أَيْ لَا تُبْطِلُهَا كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَكَذَا لَا تُؤَثِّرُ فِي اكْتِسَابِهَا .
( زَوْجَانِ ارْتَدَّا فَلَحِقَا ) فَحَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( فَوَلَدَتْ هِيَ ) وَلَدًا ( ثُمَّ وَلَدَ الْوَلَدُ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ جَمِيعًا ( فَالْوَلَدَانِ ) أَيْ وَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا ( فَيْءٌ ) أَيْ يَكُونَانِ رَقِيقَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُسْتَرَقُّ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ وَكَذَا وَلَدُ الْوَلَدِ .
( وَ ) الْوَلَدُ ( الْأَوَّلُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ يَتْبَعُونَ الْآبَاءَ فِي الدِّينِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يُجْبَرُ أَبُوهُ عَلَيْهِ ( وَقِيلَ يُجْبَرَانِ ) أَيْ وَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْبَرُ تَبَعًا لِلْجَدِّ .
( قَوْلُهُ زَوْجَانِ ارْتَدَّا فَلَحِقَا
إلَخْ ) قُيِّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فَارْتَدَّتْ الزَّوْجَةُ وَلَحِقَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ هُنَاكَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يُسْتَرَقُّ وَيَرِثُ أَبَاهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ فَإِنْ سُبِيَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ مَرْقُوقٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَلَا يَرِثُ أَبَاهُ لِحِرْمَانِهِ بِالرِّقِّ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ .
( صَحَّ ارْتِدَادُ صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَإِسْلَامُهُ فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ ( بِلَا قَتْلٍ إنْ أَبَى ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : ارْتِدَادُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَإِسْلَامُهُ مُعْتَبَرٌ .
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : كِلَاهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسَلَمَ فِي صِبَاهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَّحَ إسْلَامَهُ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُفْتَخِرًا بِهِ حَتَّى قَالَ سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طَرًّا غُلَامًا مَا بَلَغْت أَوَانَ الْحُلُمِ .
( قَوْلُهُ بِلَا قَتْلٍ إنْ أَبَى ) أَحَدُ مَسَائِلَ : لَا يُقْتَلُ فِيهَا الْمُرْتَدُّ .
الثَّانِيَةُ : الْمُسْلِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَبَوَيْهِ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا .
الثَّالِثَةُ : إذَا أَسْلَمَ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ بَلَغَ مُرْتَدًّا .
الرَّابِعَةُ : الْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا ارْتَدَّ اسْتِحْسَانًا فِي الْجَمِيعِ وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
الْخَامِسَةُ : اللَّقِيطُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ بَلَغَ كَافِرًا أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغَ كَافِرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( بَابُ الْبُغَاةِ ) ( هُمْ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ فَيَدْعُوهُمْ إلَى الْعَوْدِ وَيَكْشِفُ شُبْهَتَهُمْ ، فَإِنْ تَحَيَّزُوا ) أَيْ اتَّخَذُوا حَيِّزًا أَيْ مَكَانًا ( مُجْتَمِعِينَ فِيهِ حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ تَعَسْكُرُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ ، فَإِنْ صَبَرَ الْإِمَامُ إلَى بَدْئِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُ شَرِّهِمْ ( وَيُقْتَلُ جَرِيحُهُمْ ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا ( وَيُتْبَعُ مُولِيهِمْ ) أَيْ مُعْرِضُهُمْ ( لَوْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ ) أَيْ جَمْعِيَّةٌ وَفِيهِ أَيْضًا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَمْ يُفْعَلْ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْقَتْلِ كَانَ لِأَجْلِ الْخَوْفِ وَإِذْ لَا خَوْفَ لِعَدَمِ الْفِئَةِ فَلَا قَتْلَ لِكَوْنِهِ مُسْلِمًا ( وَلَا تُسْبَى ذُرِّيَّتُهُمْ وَحُبِسَ مَالُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَالْحَبْسُ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ ( وَاسْتَعْمَلَ ) أَيْ الْإِمَامُ ( سِلَاحَهُمْ وَخَيْلَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى .
( بَابُ الْبُغَاةِ ) .
( قَوْلُهُ : قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ بِتَأْوِيلٍ ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ : أَحَدُهَا : الْخَارِجُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ بِمَنَعَةٍ وَبِلَا مَنَعَةٍ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَسَيَذْكُرُهُمْ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُمْ هُنَا لِكَوْنِ قِتَالِهِمْ مِنْ الْجِهَادِ .
وَالثَّانِي : قَوْمٌ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ لَكِنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ .
وَالثَّالِثُ : قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَحَمِيَّةٌ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ يُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ وَهَؤُلَاءِ يَسْمَعُونَ بِالْخَوَارِجِ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيَسْبُونَ نِسَاءَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ الصَّحَابَةَ وَحُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ حُكْمُ الْبُغَاةِ .
وَالرَّابِعُ : قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَهُمْ الْبُغَاةُ وَحُكْمُهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
( قَوْلُهُ فَيَدْعُوهُمْ إلَى الْعَوْدِ وَيَكْشِفُ شُبْهَتَهُمْ ) لَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا بَلْ مُسْتَحَبٌّ ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ تَحَيَّزُوا مُجْتَمَعِينَ حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا ) هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَ مَا تَحَيَّزُوا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا يُقَاتِلُهُمْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ مِنْهُ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ
وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْإِمَامِ ، وَأَمَّا إعَانَةُ الْإِمَامِ فَمِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ .
ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الدَّفْعَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا إنْ أَبْدَوْا مَا يُجَوِّزُ لَهُمْ الْقِتَالَ كَأَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُمْ ظُلْمًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ جَوْرِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالُ مُشْتَبَهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلَ تَحْمِيلِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ مِنْهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيَقْتُلُ جَرِيحَهُمْ ) كَذَا أَسِيرُهُمْ وَإِنْ رَأَى أَنْ يُخَلِّيَ عَنْهُ فَعَلَ فَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إذَا أَخَذَ أَسِيرًا اسْتَحْلَفَهُ أَنْ لَا يُعِينَ عَلَيْهِ وَخَلَّاهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ شَرُّهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ .
ا هـ .
وَإِذَا أُخِذَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَكَانَتْ تُقَاتِلُ حُبِسَتْ وَلَا تُقْتَلُ إلَّا فِي حَالِ مُقَاتَلَتِهَا دَفْعًا وَإِنَّمَا تُحْبَسُ لِلْمَعْصِيَةِ وَلِمَنْعِهَا مِنْ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَحُبِسَ مَالُهُمْ ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الْكُرَاعَ وَيَحْبِسُ ثَمَنَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْظَرَ وَأَيْسَرَ لِأَنَّ الْكُرَاعَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ ، وَقَدْ تَأَتَّى عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ بَيْعُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ وَاسْتَعْمَلَ سِلَاحَهُمْ
إلَخْ ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ .
ا هـ .
وَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ .
( لَا شَيْءَ بِقَتْلِ الْبَاغِي مِثْلُهُ إنْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ ) لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ ( غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ مِصْرِيٌّ مِثْلَهُ فَظُهِرَ عَلَى الْمِصْرِيِّ قُتِلَ ) الْقَاتِلُ ( بِهِ ) أَيْ بِقَتْلِهِ مِثْلَهُ ( إذَا لَمْ يَجْرُوا ) أَيْ الْبُغَاةُ ( فِيهِ ) أَيْ الْمِصْرِ ( أَحْكَامَهُمْ ) إذْ حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةً عَنْ الْمِصْرِ فَتَجْرِي أَحْكَامُهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجْرَوْا فِيهِ أَحْكَامَهُمْ .
( قَوْلُهُ : لَا شَيْءَ بِقَتْلِ بَاغٍ مِثْلِهِ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ ) الْأَوْلَى مِنْهُ عِبَارَةُ الْكَافِي وَغَيْرِهِ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا أَجْرَوْا فِيهِ أَحْكَامَهُمْ ) أَيْ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ وَلَكِنْ يُسْتَحَقُّ عَذَابُ الْآخِرَةِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا أَوْ قَتَلَهُ ) أَيْ الْعَادِلَ ( بَاغٍ مُدَّعِيًا ) ذَلِكَ الْبَاغِي ( حَقِّيَّتَهُ وِرْثُهُ ) الْقَاتِلَ عَادِلًا كَانَ أَوْ بَاغِيًا يَدَّعِي الْحَقِّيَّةَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ الْبَاغِيَ أَوْ مَالَهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ تُبْطِلُ الْعِصْمَةَ وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُقَاتَلَتِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي } فَصَارَ قَتْلُهُمْ بِحَقٍّ كَقَتْلِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ قَتَلَ مُورِثَهُ بِقَوَدٍ لَهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ جَزَاءُ قَتْلٍ مَحْظُورٍ فَلَا يُنَاطُ بِقَتْلٍ مُبَاحٍ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْبَاغِيَ إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ يَأْثَمُ وَلَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الصَّحِيحِ فِي حَقِّ دَفْعِ الضَّمَانِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ كَتَأْوِيلِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ الضَّمَانُ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْحِرْمَانُ وَالْإِرْثُ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ .
( وَ ) إذَا قَتَلَهُ الْبَاغِي ( مُقِرًّا بِبُطْلَانِهِ لَا ) أَيْ لَا يَرِثُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْبُطْلَانِ يَجِبُ الضَّمَانُ فَيَلْزَمُ الْحِرْمَانُ .
( قَوْلُهُ مُدَّعِيًا ذَلِكَ الْبَاغِي حَقِيقَتَهُ ) أَيْ حَالَ الْقَتْلِ وَحَالَ طَلَبِ الْمِيرَاثِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ قَتَلَ الْبَاغِي الْعَادِلَ ، وَقَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ .
ا هـ .
وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي ، وَقَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي .
( كُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ( وَإِنْ لَمْ يُدْرَ أَنَّهُ مِنْهُمْ لَا ) أَيْ لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَا صَارِفَ عَنْهُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إمَامٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ آمِنُونَ وَالسُّبُلُ آمِنَةٌ فَخَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْإِمَامِ الْجَمَاعَةُ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوهُ إنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ .
( قَوْلُهُ : كُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ ) خَرَجَ بِهِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ السِّلَاحُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ وَهُمْ لَا يَتَفَرَّغُونَ لَهَا ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى ) قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
( كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ الْمَذْكُورِ فِي بَعْضِ أَبْوَابِهِ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ عَقَبَهُ بِهِ وَالْمَوَاتُ لُغَةً حَيَوَانٌ مَاتَ وَهَاهُنَا مُسْتَعَارٌ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ ( أَرْضٌ لَمْ تُمْلَكْ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ مُلِكَتْ ) فِيهِ ( وَلَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا وَتَعَذَّرَ زَرْعُهَا بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ ) عَنْهَا ( أَوْ غَلَبَتِهِ ) عَلَيْهَا ( أَوْ نَحْوِهِمَا ) كَمَا إذَا نَزَّتْ أَوْ صَارَتْ سَبِخَةً ( وَبَعُدَتْ مِنْ الْعَامِرِ ) بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ صَوْتٌ مِنْ أَقْصَاهُ ( مَلَكَهَا ) أَيْ تِلْكَ الْأَرْضَ ( مُحْيِيهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِلَا إذْنِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ مُحْيِيهَا ( ذِمِّيًّا ) وَ ( لَا ) يَمْلِكُهَا ( مُحْجِرُهَا ) التَّحْجِيرُ مِنْ الْحَجَرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَوْ الْحَجْرِ بِسُكُونِهَا سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّمُونَهَا بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ حَوْلَهَا أَوْ يُعَلِّمُونَهَا بِحَجَرِ غَيْرِهِمْ عَنْ إحْيَائِهَا فَتَبْقَى غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ كَمَا كَانَتْ هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْحَجَرِ بِأَنْ غَرَزَ حَوْلَهَا أَغْصَانًا يَابِسَةً أَوْ نَقَّى الْأَرْضَ وَأَحْرَقَ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ أَوْ حَصَدَ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ أَوْ الشَّوْكِ وَجَعَلَهُ حَوْلَهَا وَجَعَلَ التُّرَابَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتِمَّ الْمُسْنَاةَ ( فَلَوْ حَجَرَهَا ) تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ التَّحْجِيرَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُحْجِرُ لَوْ حَجَرَهَا ( وَتَرَكَ ثَلَاثَ سِنِينَ دَفَعَهَا ) الْإِمَامُ ( إلَى غَيْرِهِ ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ لِمُحْجِرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ قَالُوا هَذَا دِيَانَةٌ ، فَأَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ الْإِحْيَاءِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ ( وَمَا عَدَلَ عَنْهُ الْمَاءُ ) أَيْ مَوْضِعُ مَا زَالَ عَنْهُ الْمَاءُ وَانْكَشَفَ الْمَوْضِعُ ( وَامْتَنَعَ عَوْدُهُ ) إلَيْهِ ( فَمَوَاتٌ إنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِمَعْمُورٍ ) ، فَإِنْ جَازَ عَوْدُهُ لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ
الْمُسْلِمِينَ قَائِمٌ فِيهِ .
( كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ) .
( قَوْلُهُ : وَالْمَوَاتُ لُغَةً
إلَخْ ) كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْضًا وَالْإِحْيَاءُ لُغَةً بَلْ كَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَ بَيَانِ الْإِحْيَاءِ لُغَةً وَشَرِيعَةً وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلْأَرْضِ وَتَفْسِيرُ الْإِحْيَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ إحْيَاءَ الْأَرْضِ لَا يَكُونُ بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْبَذْرِ وَالزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ كَرِيهًا وَلَمْ يَسْقِ أَوْ سَقَى وَلَمْ يَكْرُبْ لَمْ يَكُنْ إحْيَاءٌ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا حَفَرَ لَهَا النَّهْرَ وَسَقَاهَا يَكُونُ إحْيَاءٌ وَكَذَا إذَا حَوَّطَهَا أَوْ سَنَّمَهَا بِحَيْثُ يَنْعَصِمُ الْمَاءُ يَكُونُ إحْيَاءٌ ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَبَعُدَتْ مِنْ الْعَامِرِ ) هُوَ الْمُخْتَارُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَنْ لَا يَرْتَفِقَ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا وَجْهُ الْمُخْتَارِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُحْتَطِبًا لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : مَلَكَهَا مُحْيِيهَا ) أَيْ وَيَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْخَرَاجُ عَلَى الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ وَضْعٍ فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَلِيقُ بِهِ وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ اُعْتُبِرَ بِهِ ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : قَالُوا هَذَا دِيَانَةٌ ) يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِيهِ ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ
( أَحْيَا مَوَاتًا ثُمَّ أَحَاطَ الْأَحْيَاءَ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ بِالتَّعَاقُبِ فَطَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي ) الْأَرْضِ ( الرَّابِعَةِ ) عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ صَارَ الْبَاقِي طَرِيقًا لَهُ فَإِذَا أَحْيَاهُ الرَّابِعُ فَقَدْ أَحْيَا طَرِيقَهُ بِحَسْبِ الْمَعْنَى فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ طَرِيقٌ .
( حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ بِالْإِذْنِ فَلَهُ حَرِيمُهَا لِلْعَطِنِ ) وَهُوَ بِئْرٌ يُنَاخُ الْإِبِلُ حَوْلَهَا وَتُسْقَى ( وَالنَّاضِحُ ) وَهُوَ بِئْرٌ يُسْتَخْرَجُ مَاؤُهَا بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِ ( أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ) إنَّمَا قَالَ ( فِي الْأَصَحِّ ) احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ أَرْبَعُونَ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ ( وَلِلْعَيْنِ خَمْسُمِائَةٍ كَذَلِكَ ) أَيْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ } وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الْمَزْرَعَةِ فَلِهَذَا يُقَدَّرُ بِالزِّيَادَةِ وَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسِمِائَةٍ بِالتَّوْقِيفِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ( وَمُنِعَ غَيْرُهُ مِنْ الْحَفْرِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْحَرِيمِ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْبِئْرِ ضَرُورَةَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، فَإِنْ حَفَرَ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَسُدَّهُ وَلَا يَضْمَنُهُ النُّقْصَانَ وَأَنْ يَأْخُذَ بِكَبْسِ مَا احْتَفَرَهُ لِأَنَّ إزَالَةَ جِنَايَةِ حَفْرِهِ بِهِ كَمَا فِي كُنَاسَةٍ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا وَقِيلَ يَضْمَنُهُ النُّقْصَانَ ثُمَّ يَكْسِبُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ( وَإِنْ حَفَرَ الثَّانِي ) بِئْرًا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ حَرِيمِ الْأَوَّلِ قَرِيبَةً مِنْهُ فَذَهَبَ مَاءُ بِئْرِ الْأُولَى وَعُرِفَ أَنَّ ذَهَابَهُ مِنْ حَفْرِ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيمَا صَنَعَ وَالْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي تَحْوِيلِ مَاءِ بِئْرِهِ إلَى بِئْرِ الثَّانِي كَالتَّاجِرِ إذَا كَانَ لَهُ حَانُوتٌ فَاِتَّخَذَ آخَرُ بِجَنْبِهِ حَانُوتًا لِمِثْلِ تِلْكَ التِّجَارَةِ فَكَسَدَتْ تِجَارَةُ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الثَّانِيَ ، كَذَا فِي الْكَافِي ( وَلَهُ ) أَيْ
لِلَّذِي حَفَرَ بِئْرًا فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ مُتَّصِلًا بِحَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى ( الْحَرِيمُ مِنْ ثَلَاثِ جَوَانِبَ سِوَى جَانِبِ الْأَوَّلِ ) لِسَبْقِ مِلْكِ الْحَافِرِ الْأَوَّلِ فِيهِ ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ حَفَرَ بَعِيدًا مِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى .
( قَوْلُهُ : أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ إذَا كَانَ عُمْقُ الْبِئْرِ زَائِدًا عَلَى أَرْبَعِينَ يُزَادُ عَلَيْهَا .
( وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ قَدْرَ مَا يُصْلِحُهَا ) الْقَنَاةُ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَمْ يُقَدَّرْ حَرِيمُهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا حَرِيمَ لَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ( وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ) يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَقَالَا لَهُ مُسْنَاةٌ لِلنَّهْرِ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَرِيمٌ إلَّا بِحُجَّةٍ ( فَمُسْنَاةٌ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ ( بَيْنَ نَهْرِ رَجُلٍ ) صِفَةُ مُسْنَاةٍ ( وَأَرْضٍ لِآخَرَ وَلَيْسَتْ ) تِلْكَ الْمُسْنَاةُ ( فِي يَدِ أَحَدٍ ) أَيْ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا غَرْسٌ أَوْ طِينٌ مُلْقًى تَكُونُ تِلْكَ الْمُسَنَّاةُ ( لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ) أَمَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَصَاحِبُ الشُّغْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ .
( قَوْلُهُ : وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ إلَّا بِحُجَّةٍ
إلَخْ ) أُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ النَّهْرِ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْكِفَايَةِ الِاخْتِلَافُ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى كَرْيِهِ فِي كُلِّ حِينٍ أَمَّا الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى كَرْيِهَا فِي كُلِّ حِينٍ فَلَهَا حَرِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَا لَهُ مُسْنَاةٌ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ ثُمَّ عَقَبَهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ بِمَا نَصُّهُ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لِضَرُورَةِ الِاحْتِيَاجِ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الِاخْتِيَارِ .
ا هـ .
ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْحَرِيمِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي رِوَايَةٍ يُقَدِّرُ أَبُو يُوسُفَ الْحَرِيمَ بِنِصْفِ عَرْضِ النَّهْرِ مِنْ جَانِبَيْهِ ؛ لِأَنَّ طِينَهُ يُلْقَى مِنْ جَانِبَيْهِ فَيُقْسَمُ عَرْضُهُ عَلَيْهِمَا وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ بِقَدْرِ عَرْضِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ إلْقَاءُ الطِّينِ مِنْ جَانِبَيْهِ جَمِيعًا فَيُقَدَّرُ بِعَرْضِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .
ا هـ .
.
( فَصْلٌ ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا الشِّرْبُ وَالثَّانِي الشَّفَةُ وَقَدْ خُلِطَ بَيْنَهُمَا فِي الْكُتُبِ وَمُيِّزَ هَاهُنَا فَبَيَّنَ أَوَّلًا الشِّرْبَ وَأَحْكَامَهُ ثُمَّ الشَّفَةَ وَأَحْكَامَهَا حَيْثُ قَالَ ( الشِّرْبُ نَصِيبُ الْمَاءِ يَشْتَرِكُ الْكُلُّ فِي مَاءِ أَوْدِيَةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ كَدِجْلَةَ ) وَنَحْوِهَا ( فِي عُمُومِ الْمَنَافِعِ كَكَرْيِ نَهْرٍ وَنَصْبِ رَحًى ) إذَا كَانَ فِي أَرْضِهِ ، وَلَوْ كَانَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ ( بِلَا ضَرَرِ الْعَامَّةِ ) فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَاجِبٌ وَذَلِكَ بِأَنْ يَمِيلَ الْمَاءُ إلَى هَذَا الْجَانِبِ إذَا انْكَسَرَ طَرَفُ النَّهْرِ فَيُغْرِقَ الْقُرَى وَالْأَرَاضِيَ ( صَحَّ دَعْوَاهُ ) أَيْ شِرْبُ الْمُجَرَّدِ ( بِلَا أَرْضٍ ) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ قَدْ يُمْلَكُ بِدُونِهَا إرْثًا وَقَدْ تُبَاعُ الْأَرْضُ وَيَبْقَى الشِّرْبُ لَهُ وَهُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ ( وَقَسَمَ ) الشِّرْبَ ( بِقَدْرِ الْأَرَاضِيِ قَوْمٌ اخْتَصَمُوا فِيهِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَاخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ وَلَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ أَصْلُ الشِّرْبِ بَيْنَهُمْ كَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِفَاعُ بِسَقْيِهَا فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّطَرُّقُ وَهُوَ فِي الدَّارِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ ( وَمُنِعَ الْأَعْلَى مِنْهُمْ مِنْ سَكْرِ النَّهْرِ ) أَيْ سَدِّهِ ( بِلَا رِضَاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَبْ مِنْهُ ) أَيْ النَّهْرِ ( بِدُونِهِ ) أَيْ السَّكْرِ يَعْنِي إنْ كَانَ الْأَعْلَى مِنْهُمْ لَا يَشْرَبُ حَتَّى يَسْكُرَ النَّهْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ ، فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ الْأَعْلَى حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ ( وَكُلٌّ مِنْهُمْ ) عَطْفٌ عَلَى الْأَعْلَى أَيْ مُنِعَ كُلٌّ مِنْهُمْ ( مِنْ شَقِّ نَهْرٍ مِنْهُ ) أَيْ
مِنْ أَصْلِ النَّهْرِ ( وَنَصْبِ رَحًى أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ جِسْرٍ عَلَيْهِ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ ) لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ طَرَفِ النَّهْرِ وَشَغْلَ مَوْضِعٍ مُشْتَرَكٍ بِالْبِنَاءِ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ ( رَحًى نُصِبَ فِي مِلْكِهِ غَيْرُ مُضِرٍّ بِالنَّهْرِ وَالْمَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ .
( فَصْلٌ ) قَوْلُهُ : كَدِجْلَةَ ) الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ لَا لِلتَّمْثِيلِ
( وَ ) مُنِعَ ( مِنْ تَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ ) أَيْ نَهْرِهِ فِي أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَكْسِرُ طَرَفَ أَصْلِ النَّهْرِ وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي أَخْذِ الْمَاءِ .
( وَ ) مُنِعَ أَيْضًا ( مِنْ الْقِسْمَةِ بِالْأَيَّامِ وَقَدْ كَانَتْ بِالْكِوَى ) بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِهَا وَقَدْ يُضَمُّ الْكَافُ فِي الْمُفْرَدِ فَالْجَمْعُ كُوًى كَعُرْوَةٍ وَعُرًى وَهِيَ رَوَازِنُ الْبَيْتِ اُسْتُعِيرَتْ لِلثُّقَبِ الَّتِي تُثْقَبُ فِي الْخَشَبِ لِيَجْرِيَ الْمَاءُ فِيهِ إلَى الْمَزَارِعِ أَوْ الْجَدَاوِلِ وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ .
( وَ ) مُنِعَ أَيْضًا ( مِنْ سَوْقِ شِرْبِهِ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا مِنْهُ شِرْبٌ ) لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ .
( وَيُورَثُ وَيُوصَى بِنَفْعِهِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُؤَجَّرُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يُجْعَلُ مَهْرًا وَبَدَلَ خُلْعٍ وَصُلْحٍ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَرَثَةَ خُلَفَاءُ الْمَيِّتِ فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ وَأَمْلَاكِهِ وَجَازَ أَنْ يَقُومُوا مَقَامَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ وَالْخَمْرِ ، فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالْإِرْثِ وَكَذَا الشِّرْبُ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِنَفْسِ الشِّرْبِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ أَوْ لِلْجَهَالَةِ أَوْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْحَالِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ عَلَى شِرْبٍ بِغَيْرِ أَرْضٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَا شِرْبَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ .
( وَلَا يَضْمَنُ مَنْ مَلَأَ أَرْضَهُ فَنَزَلَتْ أَرْضَ جَارِهِ أَوْ غَرِقَتْ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ ، فَإِنَّ فِعْلَهُ فِي أَرْضِهِ مُبَاحٌ فَلَا يَضْمَنُ قَالُوا هَذَا إذَا سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا مُعْتَادًا تَحْتَمِلُهُ أَرْضُهُ عَادَةً ، وَأَمَّا إذَا سَقَى سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَجْرَى الْمَاءَ إلَى أَرْضِ جَارِهِ تَقْدِيرًا ، كَذَا فِي الْكَافِي ( وَلَا ) يَضْمَنُ أَيْضًا ( مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ فِي رِوَايَةٍ ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ .
( وَفِي ) رِوَايَةٍ ( أُخْرَى يَضْمَنُ ) وَهُوَ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ( كُرِيَ نَهْرٌ لَمْ يُمْلَكْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْعَامَّةِ ( وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ) فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ ( فَعَلَى الْعَامَّةِ ) وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا وَفِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ ( وَكُرِيَ ) النَّهْرُ ( الْمَمْلُوكُ عَلَى أَهْلِهِ ) النَّهْرُ الْمَمْلُوكُ الَّذِي دَخَلَ مَاؤُهُ تَحْتَ الْقِسْمَةِ إمَّا عَامٌّ وَإِمَّا خَاصٌّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ بِهِ الشُّفْعَةَ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا فَهُوَ خَاصٌّ وَمَا لَا يَسْتَحِقُّهَا بِهِ فَعَامٌّ وَكَرْيُهُمَا عَلَى أَهْلِهِمَا لَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَعُودُ إلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ فَيَكُونُ مُؤْنَةُ الْكِرَى عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغَنْمِ .
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الشِّرْبِ وَأَحْكَامِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الشَّفَةِ وَأَحْكَامِهَا فَقَالَ ( وَالشَّفَةُ شِرْبُ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ وَلِكُلٍّ ) مِنْ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ ( حَقُّهَا ) أَيْ حَقُّ الشَّفَةِ ( فِي كُلِّ مَاءٍ لَمْ يُحْرَزْ بِطَرَفٍ فَيَشْتَرِكُونَ فِيهَا ) أَيْ الشَّفَةِ ( فَقَطْ ) أَيْ بِلَا اشْتِرَاكٍ لَهُمْ فِي الشِّرْبِ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ } وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الشِّرْبَ وَالشَّفَةَ ثُمَّ خُصَّ مِنْهُ الشِّرْبُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَاءِ فِي الْمُقَاسِمِ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ الشَّفَةُ وَلِأَنَّ الْبِئْرَ وَنَحْوَهَا لَمْ تُوضَعْ لِلْإِحْرَازِ وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ بِدُونِهِ كَالظَّبْيِ إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِهِ ( فِي أَنْهَارٍ مَمْلُوكَةٍ بِئْرٍ وَحَوْضٍ وَقَنَاةٍ ) وَلَمَّا كَانَتْ الشَّفَةُ مُتَنَاوِلَةً لِشُرْبِ الدَّوَابِّ وَكَانَ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ فِيهَا مُقْتَضِيًا لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ سَقْيِ الدَّوَابِّ مِنْ هَذِهِ الْمِيَاهِ اسْتَدْرَكَهُ بِقَوْلِهِ ( لَكِنْ لَا يَسْقِي دَوَابَّهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ إنْ خِيفَ تَخْرِيبُهُ لِكَثْرَتِهَا ) أَيْ الدَّوَابِّ ( وَلَا ) يَسْقِي ( أَرْضَهُ وَشَجَرَهُ مِنْهُ وَمِنْ قَنَاتِهِ وَبِئْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَيَسْقِي شَجَرًا أَوْ خُضَرًا فِي دَارِهِ حَمْلًا بِجِرَارِهِ ) فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ النَّهْرِ ( طَالِبُ الشَّفَةِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا فِي مِلْكِ شَخْصٍ خَلَاهُ ) أَيْ أَذِنَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الطَّالِبَ لِيَأْخُذَهُ ( أَوْ أَخْرَجَهُ إلَيْهِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْبِئْرُ أَوْ الْعَيْنُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً آخَرَ يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ قِيلَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ : إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الشَّفَةَ أَوْ تَتْرُكَهُ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ .
وَإِنَّمَا قَالَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ
يَمْنَعَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْحَفْرُ لِإِحْيَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ فَلَا يُقْطَعُ الشَّرِكَةُ فِي الشَّفَةِ ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) صَاحِبُ الْمَاءِ ( عَنْهُمَا ) أَيْ التَّخْلِيَةِ وَالْإِخْرَاجِ وَطَالِبُ الْمَاءِ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ ( قَاتَلَهُ بِالسِّلَاحِ ) لِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِهِ حَقَّهُ وَهُوَ الشَّفَةُ وَالْمَاءُ فِي الْبِئْرِ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ .
( وَفِي مَاءٍ مُحْرَزٍ ) فِي الْإِنَاءِ وَنَحْوِهِ قَاتَلَهُ ( بِلَا سِلَاحٍ ) بَلْ بِعَصًا وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ التَّعْزِيرِ لَهُ ( كَطَعَامٍ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ ) ، فَإِنَّ لِطَالِبِهِ أَنْ يُخَاصِمَ بِلَا سِلَاحٍ .
.
( كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَقَبَهَا بِهَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّ مَسَائِلَهُ تُنَاسِبُهَا بَعْضُهَا تَنَاسُبَ التَّضَادِّ وَبَعْضُهَا تَنَاسُبَ التَّجَانُسِ ( مَا كُرِهَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ ) فَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْكَرَاهَةَ فِي كُتُبِهِ أَرَادَ بِهِ الْحَرَامَ ( وَعِنْدَهُمَا إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ ) فَنِسْبَتُهُ إلَى الْحَرَامِ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ فَإِلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ
( كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ ) جَمَعَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ هَاتَيْنِ التَّسْمِيَتَيْنِ لِلْكِتَابِ وَغَيْرُهُ أَفْرَدَهُ بِإِحْدَاهُمَا وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهُ كِتَابَ الْحَظْرِ وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهُ كِتَابَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ ، أَمَّا التَّسْمِيَةُ بِالْكَرَاهِيَةِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَمَا لَا يُكْرَهُ وَبَيَانُ الْمَكْرُوهِ أَهَمُّ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ بِالْحَظْرِ فَلِأَنَّ فِيهِ مَا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا وَالْحَظْرُ الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ قَالَ تَعَالَى { وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } أَيْ مَا كَانَ رِزْقُ رَبِّكَ مَحْبُوسًا عَنْ الْبِرِّ وَالْفَاجِرُ وَالْمَحْظُورُ ضِدُّ الْمُبَاحِ وَالْمُبَاحُ مَا خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِالِاسْتِحْسَانِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَقَبَّحَهُ وَلَفْظَةُ الِاسْتِحْسَانِ أَحْسَنُ أَوْ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَسَائِلِهِ اسْتِحْسَانٌ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ فَلِأَنَّ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ أَطْلَقَهَا الشَّرْعُ وَالزُّهْدُ وَالْوَرَعُ تَرَكَهَا ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْجَوْهَرَةِ .
( فَصْلٌ ) .
( فُرِضَ الْأَكْلُ بِقَدْرِ دَفْعِ الْهَلَاكِ وَاسْتُحِبَّ بِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا وَصَوْمِهِ وَأُبِيحَ إلَى الشِّبَعِ لِيَزِيدَ قُوتُهُ وَحَرُمَ مَا فَوْقَهُ إلَّا لِقَصْدِ قُوَّةِ صَوْمِ الْغَدِ أَوْ دَفْعِ اسْتِحْيَاءِ ضَيْفِهِ وَكُرِهَ لَحْمُ الْأَتَانِ وَلَبَنُهَا ) وَهِيَ أُنْثَى الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ مِثْلَهُ ، بِخِلَافِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ ، فَإِنَّهُ وَلَبَنَهُ حَلَالٌ وَلَمْ يَقُلْ حَرُمَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ مَالِكٍ ( كَذَا لَحْمُ الْخَيْلِ وَلَبَنُهُ ) مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيلَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ( خِلَافًا لَهُمَا وَحَرُمَ بَوْلُ الْإِبِلِ وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ وَإِدْهَانٌ وَتَطَيُّبٌ مِنْ إنَاءٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ) قِيلَ : صُورَةُ الْإِدْهَانِ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ .
كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُكْرَهَ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَكَذَا لَوْ أَخَذَ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ ثُمَّ قِيلَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَنْفَتِحَ بَابُ اسْتِعْمَالِهَا أَقُولُ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مَعْنَى عِبَارَةِ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِمْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ إنَاءٍ ذَهَبٍ ابْتِدَائِيَّةٌ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْأَوَانِيَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسْبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ ، فَإِنَّ الْأَوَانِيَ الْكَبِيرَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَجْلِ أَكْلِ الطَّعَامِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُكِلَ الطَّعَامُ مِنْهَا بِالْيَدِ أَوْ
الْمِلْعَقَةِ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِأَجْلِ ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ مِنْهَا بِالْيَدِ أَوْ الْمِلْعَقَةِ فِي الْعُرْفِ ، وَأَمَّا إذَا أُخِذَ مِنْهَا وَوُضِعَ فِي مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَأُكِلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا وَكَذَا فِي الْأَوَانِي الصَّغِيرَةِ الْمَصْنُوعَةِ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُخِذَتْ وَصُبَّ مِنْهَا الدُّهْنُ عَلَى الرَّأْسِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صُنِعَتْ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ مِنْهَا بِذَلِكَ الْوَجْهِ ، وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ وَصَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاعِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ وَالسَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ مَعَ مُلَاحَظَةِ قَوْلِهِمْ مُتَّقِيًا مَوْضِعَ الْفِضَّةِ فَتَدَبَّرْ ( كَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَتِهِمَا وَالِاكْتِحَالُ بِمَيْلِهِمَا وَنَحْوُهُمَا ) مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ .
( فَصْلٌ ) .
( قَوْلُهُ : فُرِضَ الْأَكْلُ بِقَدْرِ دَفْعِ الْهَلَاكِ ) أَيْ وَكَذَا الشُّرْبُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَا يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَفِي إطْلَاقِ الْأَكْلِ إشَارَةٌ إلَى فَرْضِيَّةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَمَالِ الْغَيْرِ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ وَإِنْ ضَمِنَ مَالَ الْغَيْرِ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُؤْجِرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى فِيهِ فَإِنْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ } ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْقَاءَ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ .
( قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ بِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا وَصَوْمِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ } وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَا يَقْوَى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ طَاعَةٌ وَسُئِلَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ الصَّلَاةُ وَأَكْلُ الْخُبْزِ إشَارَةً إلَى مَا قُلْنَا كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ ( قَوْلُهُ وَأُبِيحَ إلَى الشِّبَعِ ) أَيْ مِنْ حِلٍّ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَاحَ لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ فِيهِ وَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : وَحَرُمَ مَا فَوْقَهُ إلَّا
إلَخْ ) كَذَا لَا بَأْسَ بِالزَّائِدِ لِيَتَقَيَّأَ بِهِ كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْكُلُ أَلْوَانَ الطَّعَامِ وَيَتَقَيَّأُ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ فَلَا حَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَإِذَا أَكَلَتْ الْمَرْأَةُ الْفَتِيتَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ لِأَجْلِ السِّمَنِ قَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ تَأْكُلْ فَوْقَ الشِّبَعِ ، كَذَا فِي قَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ : وَحَرُمَ بَوْلُ الْإِبِلِ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَكُرِهَ كَمَا قَالَ فِي لَحْمِ الْأَتَانِ لِلْخِلَافِ فِيهِ .
( قَوْلُهُ : كَذَا الْأَكْلُ
بِمِلْعَقَتِهِمَا ) مُسْتَفَادٌ حُكْمُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ وَإِدْهَانٌ وَتَطَيُّبٌ مِنْ إنَاءٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ فَكَأَنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ } وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الشُّرْبِ فَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ لِاسْتِوَاءِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْجَامِعُ أَنَّهُ زِيُّ الْمُتَكَبِّرِينَ وَتَنَعُّمُ الْمُتْرَفِينَ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَعُمُّ الْكُلَّ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِعُمُومِ النَّهْيِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ
( وَحَلَّ ) الْأَكْلُ ( مِنْ إنَاءٍ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ ، وَ ) إنَاءٍ ( مُفَضَّضٍ ، وَ ) حَلَّ ( جُلُوسُهُ عَلَى ) سَرِيرٍ وَسَرْجٍ ( مُفَضَّضٍ مُتَّقِيًا مَوْضِعَ الْفِضَّةِ ) ، فَإِنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوسَ عَلَى الْكُرْسِيِّ أَوْ السَّرِيرِ أَوْ السَّرْجِ أَوْ نَحْوِهِ مُفَضَّضًا إنَّمَا يَحِلُّ إذَا اتَّقَى مَوْضِعَ الْفِضَّةِ بِأَنْ لَا تَكُونَ الْفِضَّةُ فِي مَوْضِعِ الْفَمِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي مَوْضِعِ الْيَدِ عِنْدَ الْأَخْذِ وَفِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَّقِ مَوْضِعَهَا وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِأَحَدِهِمَا هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُكْرَهُ كُلُّهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا تَخَلَّصَ ، وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِقِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَئِمَّةُ الْعَصْرِ حَاضِرُونَ فَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ يُكْرَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ سَاكِتٌ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فَقَالَ إنْ وَضَعَ فَاهُ مَوْضِعَ الْفِضَّةِ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا فَقِيلَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ فِضَّةٌ فَشَرِبَ مِنْ كَفِّهِ أَيُكْرَهُ ذَلِكَ فَوَقَفَ الْكُلُّ فَتَعَجَّبَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ جَوَابِهِ وَهَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ بِأَنْ لَا تَكُونَ الْفِضَّةُ فِي مَوْضِعِ الْفَمِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي مَوْضِعِ الْيَدِ عِنْدَ الْأَخْذِ ) الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ تَلَقِّيه بِالْيَدِ ضَعِيفٌ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ يَجُوزُ الشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ إذَا كَانَ يَتَّقِي فَمُهُ مَوْضِعَ الْفِضَّةِ وَقِيلَ يَتَّقِي أَخْذَهُ بِالْيَدِ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْهِدَايَةِ
( وَقَبِلَ قَوْلُ كَافِرٍ وَلَوْ ) كَانَ ( مَجُوسِيًّا شَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ فَحَلَّ أَوْ ) شَرَيْته ( مِنْ مَجُوسِيٍّ فَحَرُمَ ) قَالَ فِي الْكَنْزِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الدِّيَانَاتِ ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ أَقُولُ لَيْسَ السَّاهِي صَاحِبَ الْكَنْزِ ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مَا يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَاتِ لَا مُطْلَقُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَمَا تُوُهِّمَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَافِي وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَجِيرٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ خَادِمٌ مَجُوسِيٌّ فَأَرْسَلَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ لَحْمًا فَاشْتَرَى وَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَكْلُهُ ثُمَّ قَالَ وَأَصْلُهُ أَنَّ خَبَرَ الْكَافِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ مَانِعٍ مِنْ الْكَذِبِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى قَبُولِهِ لِكَثْرَةِ الْمُعَامَلَاتِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْنَا وَالْعَجَبُ أَنَّهُ بَعْدَمَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ نَقَلَ مَحْصُولَ كَلَامِ الْكَافِي وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ الِاعْتِرَاضِ أَرَادَ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مَا يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَاتِ وَيُجْعَلُ كَلَامُ الْكَافِي قَرِينَةً عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ .
.
.
( وَ ) قُبِلَ ( قَوْلُ فَرْدٍ ، وَلَوْ كَافِرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا فِي الْمُعَامَلَاتِ ) لِأَنَّهَا تَكْثُرُ بَيْنَ أَجْنَاسِ النَّاسِ فَلَوْ شُرِطَ شَرْطٌ زَائِدٌ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ مُطْلَقًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ .
( وَ ) فِي ( التَّوْكِيلِ ) بِأَنْ أَخْبَرَ أَنِّي وَكِيلُ فُلَانٍ فِي بَيْعِ هَذَا حَيْثُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : وَفِي التَّوْكِيلِ ) ظَاهِرُ عَطْفِهِ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ مُغَايَرَتُهُ لَهَا وَهُوَ فَرْدٌ مِنْهَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ يُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ مِثْلَ الْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى الرَّأْيِ صِدْقُهُ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَذِبُهُ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ .
ا هـ .
.
( وَ ) قُبِلَ ( قَوْلُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ ) كَمَا إذَا جَاءَ بِهَدِيَّةٍ وَقَالَ أَهْدَى إلَيْك فُلَانٌ هَذِهِ الْهَدِيَّةَ يَحِلُّ قَبُولُهُ مِنْهُ أَوْ قَالَ أَنَا مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ( وَشُرِطَ الْعَدْلُ فِي الدِّيَانَاتِ ) الْمَحْضَةِ ( كَالْخَبَرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ ، فَإِنْ أَخْبَرَ بِهَا مُسْلِمٌ عَدْلٌ ، وَلَوْ عَبْدًا قُبِلَ ) قَوْلُهُ ( وَتَيَمَّمَ ) السَّائِلُ ( أَوْ ) أَخْبَرَ بِهَا ( فَاسِقٌ أَوْ مَسْتُورٌ تَحَرَّى ) وَعَمِلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ ( فَالْأَحْوَطُ الْإِرَاقَةُ فَالتَّيَمُّمُ فِي غَلَبَةِ صِدْقِهِ وَالتَّوَضُّؤُ وَالتَّيَمُّمُ فِي غَلَبَةِ كَذِبِهِ ) رَجُلٌ .
( قَوْلُهُ : كَالْخَبَرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ ) كَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَكِنْ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهِ عَلَى بَائِعِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ .
( دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ وَعَلِمَهُ لَمْ يَحْضُرْ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ حُضُورِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَدٍ ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَ وَإِلَّا خَرَجَ أَلْبَتَّةَ وَغَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ الْمُقْتَدِي ( إنْ قَعَدَ وَأَكَلَ جَازَ ) فَإِنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَى سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ } فَلَا تُتْرَكُ لِاقْتِرَانِ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا تُتْرَكُ لِأَجْلِ النَّائِحَةِ .
( قَوْلُهُ : دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ وَعَلِمَهُ لَمْ يَحْضُرْ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُقْتَدٍ أَوْ غَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : وَغَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ الْمُقْتَدِي إنْ قَعَدَ وَأَكَلَ جَازَ ) هَذَا إذَا كَانَ الْغِنَاءُ وَاللَّعِبُ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ لَا عَلَى الْمَائِدَةِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } .
( قَوْلُهُ : فَإِنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ
إلَخْ ) تَعْلِيلٌ لِمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُقْتَدٍ وَلَمْ يَكُنْ اللَّهْوُ عَلَى الْمَائِدَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَبْلَ حُضُورِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ وَفِي جُلُوسِ الْمُقْتَدَى بِهِ فَتْحُ بَابِ مَعْصِيَةٍ وَشَيْنُ الدِّينِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْكَافِي .
( فَصْلٌ ) .
( لَا يَلْبَسُ رَجُلٌ حَرِيرًا إلَّا قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ عَرْضًا وَعِنْدَهُمَا حَلَّ فِي الْحَرْبِ وَيَتَوَسَّدُهُ وَيَفْتَرِشُهُ وَيَلْبَسُ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُهُ ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ وَهُوَ مُسْدًى بِالْحَرِيرِ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِآخِرِ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَالنَّسْجِ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةَ لَا السُّدِّيَّ .
( وَ ) يَلْبَسُ ( عَكْسَهُ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ ) لِلضَّرُورَةِ وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا لِانْعِدَامِهَا ( فَلَا يَتَحَلَّى ) أَيْ لَا يَتَزَيَّنُ الرَّجُلُ ( بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إلَّا بِخَاتَمٍ وَمِنْطَقَةٍ وَحِلْيَةِ سَيْفٍ مِنْهَا ) أَيْ الْفِضَّةِ لَا الذَّهَبِ ( وَمِسْمَارٍ ذَهَبٍ لِثَقْبِ فَصٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَلَا يُعَدُّ لُبْسًا لَهُ ( وَحَلَّ لِلْمَرْأَةِ كُلُّهَا ) لِمَا رَوَاهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَبِإِحْدَى يَدَيْهِ حَرِيرٌ وَبِالْأُخْرَى ذَهَبٌ وَقَالَ هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ } وَيُرْوَى حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ ( وَلَا يُتَخَتَّمُ بِالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ ) أَمَّا الْحَدِيدُ { فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَأَمَرَهُ فَرَمَى بِهِ } ، وَأَمَّا الصُّفْرُ { فَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ صُفْرٍ فَقَالَ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ فَأَمَرَهُ فَرَمَى بِهِ } ( وَاخْتُلِفَ فِي الْحَجَرِ وَالْيَشْبِ ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَرَامٌ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ الْيَشْبَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ، فَإِنَّهُ قَالَ وَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَالْعَقِيقِ ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالْعَقِيقِ وَقَالَ تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ ، فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ أَقُولُ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ تِلْكَ الْعِبَارَةِ نَصًّا عَلَى مَا ذَكَرَاهُ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ التَّخَتُّمِ بِالْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَهَبٍ وَلَا حَدِيدٍ وَلَا صُفْرٍ ، وَقَدْ رُوِيَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ } وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ التَّخَتُّمِ بِالْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَهَبٍ وَلَا حَدِيدٍ وَلَا صُفْرٍ بَلْ هُوَ حَجَرٌ { وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ } ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ نَصٌّ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي احْتِمَالَ التَّأْوِيلِ وَالتَّخْصِيصِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَصْرِ فِي قَوْلِهِ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ الْقَصْرُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الذَّهَبِ ، فَإِنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ حَتَّى إذَا أُطْلِقَ الْحَجَرُ أَنْ لَا يُرَادَ إلَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْحَجَرِ لَكِنْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ الَّذِي هُوَ الْحَجَرُ وَقَالَ تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ ، فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ كَانَ التَّخَتُّمُ بِالْحَجَرِ جَائِزًا بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فَكَيْفَ يُعَارِضُهُ عِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْفِضَّةِ حَلَالٌ لِلرِّجَالِ بِالْحَدِيثِ وَبِالذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ بِالْحَدِيثِ وَبِالْحَجَرِ حَلَالٌ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْإِمَامِ قَاضِي خَانْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ وَفِعْلِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْعَقِيقِ لَمَّا ثَبَتَ بِهِمَا حَلَّ سَائِرُ الْأَحْجَارِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ حَجَرٍ وَحَجَرٍ وَحَرَامٌ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُحْتَمِلَةِ لَأَنْ يَكُونَ الْقَصْرُ فِيهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى الذَّهَبِ وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْمَأْخَذَيْنِ مِنْ التَّفَاوُتِ ( وَتَرْكُهُ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ أَوْلَى ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَخَتَّمُ لِحَاجَةِ الْخَتْمِ وَغَيْرُهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ .
فَصْلٌ ) .
( قَوْلُهُ : لَا يَلْبَسُ رَجُلٌ حَرِيرًا ) كَذَا الْمَصْبُوغُ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ أَوْ وَرْسٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ .
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ يُكْرَهُ الْأَحْمَرُ وَالْمُعَصْفَرُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ } .
ا هـ .
ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً ( قُلْت ) وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ مَحْمُولَةٌ عَلَى إرَادَةِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ أَوْ التَّكَبُّرِ وَتَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَحِلُّ لُبْسُ الْأَحْمَرِ وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ } وَتَأْوِيلُهَا بِذَاتِ الْخُطُوطِ مَرْدُودٌ وَلِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْمُثْبِتِ حِلَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِأَخْذِهِ عَامٌّ وَحُكْمُ الْعَامِّ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَلَنَا رِسَالَةٌ هِيَ تُحْفَةُ الْأَكْمَلِ الْمَصْدَرِ لِبَيَانِ جَوَازِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ ( قَوْلُهُ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ عَرْضًا ) أَيْ مَضْمُومَةً ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ .
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ لَيِّنَةُ الْحَرِيرِ أَيْ الْقَلْبِ وَتِكَّةُ الدِّيبَاجِ وَالْإِبْرَيْسَمُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا حَلَّ فِي الْحَرْبِ ) هَذَا إذَا كَانَ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّقَاءُ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ يُفِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَهُمَا لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ } وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَضَرَّةِ السِّلَاحِ
وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ .
( قَوْلُهُ : وَيَتَوَسَّدُ بِهِ وَيَفْتَرِشُهُ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَتَوَسُّدُ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشُهُ وَجَعْلُهُ سِتْرًا حَلَالٌ عِنْدَنَا وَحَرَّمَاهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ .
( قُلْت ) هَذَا التَّصْحِيحُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ الْمُعْتَبَرَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالشُّرُوحُ .
( قَوْلُهُ : وَيَلْبَسُ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُهُ ) لَكِنَّهُ يَكْرَهُ مَا سَدَاهُ ظَاهِرٌ كَالْعَتَّابِيِّ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ ، كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ .
وَفِي الِاخْتِيَارِ سَوَّى بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ وَمَا كَانَتْ سَدَاهُ ظَاهِرًا كَالْعَتَّابِيِّ قِيلَ : يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ لَابِسَهُ فِي مَنْظَرِ الْعَيْنِ لَابِسُ حَرِيرٍ وَفِيهِ خُيَلَاءُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ اعْتِبَارًا بِاللُّحْمَةِ ( قَوْلُهُ إلَّا بِخَاتَمِ فِضَّةٍ ) وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ مِثْقَالٍ فَمَا دُونَهُ وَيُجْعَلُ فِي خِنْصَرِ الْيُسْرَى وَفَصُّهُ إلَى بَاطِنِ الْكَفِّ ، بِخِلَافِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لِلزِّينَةِ فِي حَقِّهِنَّ ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فَصُّهُ عَقِيقًا أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ يَاقُوتًا وَنَحْوَهُ وَأَنْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ أَوْ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لِتَعَامُلِ النَّاسِ ، وَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ اجْعَلْهَا فِي يَمِينِك } فَمَنْسُوخٌ ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِلْبَغْيِ وَالْفَسَادِ وَالْحَلْقَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَلَوْ كَانَ خَاتَمُ الْفِضَّةِ كَهَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ فَصَّانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كُرِهَ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ .
ا هـ .
مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : وَحِلْيَةُ السَّيْفِ مِنْهَا ) أَيْ الْفِضَّةِ وَحَمَائِلُ السَّيْفِ مِنْ جُمْلَةِ حِلْيَتِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَحْرُمُ الرِّكَابُ وَاللِّجَامُ مِنْ الْفِضَّةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُتَخَتَّمُ بِالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ ) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّي بِاللُّؤْلُؤِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
حُلِيِّ النِّسَاءِ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( وَلَا يُشَدُّ سِنُّهُ إلَّا بِفِضَّةٍ ) أَيْ مَنْ تَحَرَّكَ سِنُّهُ يَشُدُّهَا بِالْفِضَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِالذَّهَبِ أَيْضًا ( وَكُرِهَ إلْبَاسُ الصَّبِيِّ ذَهَبًا أَوْ حَرِيرًا ) لِأَنَّ حُرْمَةَ اللُّبْسِ لَمَّا ثَبَتَتْ فِي حَقِّ الذُّكُورَةِ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ أَيْضًا كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا ( وَجَازَ خِرْقَةٌ لِوُضُوءٍ وَمُخَاطٍ وَنَحْوِهِ ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اسْتَعْمَلُوا فِي عَامَّةِ الْبَلَدِ أَنَّ مَنَادِيلَ الْوُضُوءِ وَالْخِرَقَ لِلْمُخَاطِ وَمَسْحِ الْعَرَقِ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ ، وَلَوْ حَمَلَهَا بِلَا حَاجَةٍ يُكْرَهُ كَالتَّرَبُّعِ وَالِاتِّكَاءِ لَا يُكْرَهَانِ لِحَاجَةٍ وَيُكْرَهَانِ بِدُونِهَا ( وَالرَّتَمُ ) وَهُوَ خَيْطُ التَّذَكُّرِ يُعْقَدُ فِي الْأُصْبُعِ قَالَ الشَّاعِرُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِهِمْ فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَشُدُّ سِنَّهُ إلَّا بِفِضَّةٍ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِالذَّهَبِ أَيْضًا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
ا هـ .
وَالْخِلَافُ فِي شَدِّ السِّنِّ أَمَّا اتِّخَاذُ الْأَنْفِ مِنْ الذَّهَبِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ .
( قَوْلُهُ : وَجَازَ خِرْقَةٌ ) أَيْ جَازَ حَمْلُهَا .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ حَمْلُهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ تَكَبُّرًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَنْ تَكَبُّرٍ وَصَارَ كَالتَّرَبُّعِ فِي الْجُلُوسِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَالرَّتَمُ ) اسْتَدَلَّ لِجَوَازِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ } وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبَثٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَرْضِ الصَّحِيحِ وَهُوَ التَّذَكُّرُ عِنْدَ النِّسْيَانِ .
ا هـ .
( فَصْلٌ ) ( يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إلَّا الْعَوْرَةَ ) وَهِيَ مِنْ تَحْتِ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ فَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ لَا السُّرَّةُ ، ثُمَّ حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ حَتَّى يُنْكَرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ وَفِي الْفَخِذِ يُعَنَّفُ وَفِي السَّوْأَةِ يُضْرَبُ إنْ أَصَرَّ ( وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ كَالرَّجُلِ لِلرَّجُلِ ) أَيْ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ حَتَّى يَجُوزَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُمَا إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ إذَا أَمِنَتْ الشَّهْوَةَ ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ حَتَّى يُنْكَرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ ) أَيْ بِرِفْقٍ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ وَفِي الْفَخِذِ بِعُنْفٍ .
( قَوْلُهُ : أَيْ تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ إذَا أُمِنَتْ الشَّهْوَةُ ) لَا يُعْلَمُ حُكْمُ مَا إذَا خَافَتْ أَوْ شَكَّتْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهَا إنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا .
ا هـ .
وَلَوْ كَانَ النَّاظِرُ إلَيْهَا .
هُوَ الرَّجُلُ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَنْظُرْ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ اعْتِبَارًا فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا اشْتَهَتْ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي جَانِبِهِ حَقِيقَةً وَاعْتِبَارًا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَقْوَى مِنْ الْمُتَحَقِّقِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ .
( وَيَنْظُرُ ) الرَّجُلُ ( إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ أَمَتِك وَامْرَأَتِك } ( الْحَلَالِ ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهَا إذَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا ( مُطْلَقًا ) أَيْ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِدُونِهَا .
( قَوْلُهُ : وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ
إلَخْ ) مُفِيدٌ نَظَرَ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ إلَى فَرْجِهِ .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ } وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ النِّسْيَانَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحَصُّلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ .
ا هـ .
وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَعْنِي بِهِ وَقْتَ الْجِمَاعِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَمَالِي قَالَ : سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ أَوْ تَمَسُّ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّكَ عَلَيْهِ .
ا هـ .
لَا تَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ لَا أَرْجُو أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ .
ا هـ
وَفِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْيَنَابِيعِ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ وَفَرْجِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ .
ا هـ .
.
( وَ ) يَنْظُرُ الرَّجُلُ ( إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ مِنْ مَحْرَمِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا فِي ثِيَابِ بِذْلَتِهَا عَادَةً فَلَوْ حَرُمَ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ ( وَأَمَةِ غَيْرِهِ ) فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَحْرَمِ لِضَرُورَةِ رُؤْيَتِهَا فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةَ ( إنْ أَمِنَ شَهْوَتَهُ ) وَإِلَّا فَلَا يَنْظُرُ ( لَا ) أَيْ لَا يَنْظُرُ ( إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ كَأَمَةِ غَيْرِهِ ) إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي كَشْفِهَا ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ ( وَمَا حَلَّ نَظَرُهُ مِنْهُمَا ) أَيْ مَحْرَمِهِ وَأَمَةِ غَيْرِهِ ( حَلَّ مَسُّهُ ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْمُسَافَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ ( وَلَهُ مَسُّ ذَلِكَ ) أَيِّ عُضْوٍ جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَمَةِ ( إنْ أَرَادَ شِرَاءَهَا ، وَإِنْ خَافَ شَهْوَتَهُ ) لِلضَّرُورَةِ ( وَأَمَةٍ تُشْتَهَى ) وَيُجَامَعُ مِثْلُهَا ( لَا تُعْرَضُ عَلَى الْبَيْعِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حَالُ الْبَلَاغَةِ .
( قَوْلُهُ مِنْ مَحْرَمِهِ ) الْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فِي الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ وَلَهُ مَسُّ ذَلِكَ ) إنْ أَرَادَ شِرَاءَهَا وَإِنْ خَافَ شَهْوَتَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُطْلِقَ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصَّلْ قَالَ مَشَايِخُنَا يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ اشْتَهَى لِلضَّرُورَةِ وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ .
ا هـ .
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حِلِّ الْمُسَافَرَةِ وَالْخَلْوَةِ بِأَمَةِ الْغَيْرِ مَعَ أَمْنِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
( وَيَنْظُرُ ) الرَّجُلُ ( إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا فَقَطْ ) لِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَنَحْوَهُمَا ( كَذَا السَّيِّدَةُ ) أَيْ لِمَمْلُوكِهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ سَيِّدَتِهِ وَكَفَّيْهَا لَا قَدَمَيْهَا ( وَإِنْ خَافَ ) أَيْ الرَّجُلُ أَوْ الْمَمْلُوكُ الشَّهْوَةَ ( لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } فَإِذَا خَافَ الشَّهْوَةَ لَمْ يَنْظُرْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَحْرَمِ ( كَقَاضٍ يَحْكُمُ عَلَيْهَا وَشَاهِدٍ يَشْهَدُ عَلَيْهَا ) فَإِنَّ نَظَرَهُمَا إلَى وَجْهِهَا جَائِزٌ ، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ لِلْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ بِالْقَضَاءِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْحُكْمَ عَلَيْهَا وَأَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَنْ قَصْدِ الْقَبِيحِ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا ) الْأَوْلَى عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ
إلَخْ .
( قَوْلُهُ : فَقَطْ ) تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى قَدَمِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الضَّرُورَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَسُّ مَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لِقِيَامِ الْمَحْرَمِ وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى ، بِخِلَافِ النَّظَرِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوًى ، وَالْمُحَرَّمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى يُبَاحُ مَسُّهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا لِعَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَسَيِّدَتِهِ ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى مَوْلَاتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا إجْمَاعًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِهَا وَمِثْلُهُ فِي قَاضِي خَانْ .
( تَنْبِيهٌ ) لَمْ يَنُصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْكَلَامِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ عَطَسَتْ وَكَانَتْ عَجُوزًا شَمَّتَهَا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَشَاهِدٍ يَشْهَدُ عَلَيْهَا ) يَعْنِي يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا لِمَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ لِلتَّحَمُّلِ إذَا اشْتَهَى عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يَشْتَهِي فَلَا ضَرُورَةَ ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْأَدَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا كَانَ يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظَةِ الْمَمْلُوكِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ خَافَ أَيْ الرَّجُلُ أَوْ الْمَمْلُوكُ الشَّهْوَةَ
( وَمَنْ يُرِيدُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ ) حَيْثُ جَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا ، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُغِيرَةِ إذَا أَرَدْت أَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أَبْصِرْهَا ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا } .
( وَرَجُلٌ يُدَاوِيهَا فَيَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ مَرَضِهَا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً مُدَاوَاتَهَا لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا دُونَ الرَّجُلِ .
( الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَالْمُخَنَّثُ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ ) أَمَّا الْخَصِيُّ فَلِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْخِصَاءُ مَثُلَةٌ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ وَقِيلَ هُوَ أَشَدُّ النَّاسِ جِمَاعًا ؛ لِأَنَّ آلَتَهُ لَا تَفْتُرُ بِالْإِنْزَالِ ، وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ فَلِأَنَّهُ يُسَاحِقُ فَيُنْزِلُ ، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ فَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا اخْتِلَاطَهُ بِالنِّسَاءِ فِي حَقِّهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ .
( وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ ) الْعَزْلُ أَنْ يَطَأَ فَإِذَا قَرُبَ إلَى الْإِنْزَالِ أَخْرَجَ وَلَمْ يُنْزِلْ فِي الْفَرْجِ ( بِلَا إذْنِهَا ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَوْلَى الْأَمَةِ اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت } .
( وَ ) يَعْزِلُ ( عَنْ زَوْجَتِهِ بِهِ ) أَيْ بِإِذْنِهَا { لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا } .
( قَوْلُهُ وَيَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ بِهِ ) الْمُرَادُ بِهَا الْحُرَّةُ ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَبِإِذْنِ مَوْلَاهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ ، وَإِذَا عَزَلَ عَنْ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ قَالُوا فِي زَمَانِنَا يُبَاحُ لِسُوءِ الزَّمَانِ ، وَإِذَا أَسْقَطَتْ الْوَلَدَ بِالْعِلَاجِ قَالُوا إنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خِلْقَتِهِ لَا تَأْثَمُ ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا أَقُولُ بِهِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ فَلَمَّا كَانَ مُؤَاخَذًا بِالْجَزَاءِ ثَمَّ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ هُنَا إذَا أَسْقَطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ إلَّا إنَّهَا لَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ .
.
( فَصْلٌ ) ( مَنْ مَلَكَ أَمَةً بِشِرَاءٍ وَنَحْوِهِ ) كَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَمِيرَاثٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْجَارِيَةُ ( بِكْرًا أَوْ مَشْرِيَّةً مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ ) أَمَّا إذَا كَانَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَبْدَهُ فَكَذَا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ مُسْتَغْرِقًا بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَكَاسِبَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ فَكَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَكَاسِبَهُ ( أَوْ ) مَشْرِيَّةً ( مِنْ مَحْرَمِهَا أَوْ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ) بِأَنْ بَاعَهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ( حَرُمَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمَالِكِ ( وَطْؤُهَا وَدَوَاعِيهِ ) مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحْرُمُ الدَّوَاعِي ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يَحْرُمُ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءُ وَيَشْتَبِهَ النَّسَبُ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الدَّوَاعِي وَرُدَّ بِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَيَدَّعِي الْبَائِعُ الْوَلَدَ فَيَسْتَرِدُّهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ وَطْأَهُ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الدَّوَاعِي ( حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الْمَالِكُ ) أَيْ يَتَعَرَّفَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا ( بِحَيْضَةٍ فِيمَنْ تَحِيضُ وَبِشَهْرٍ فِي ضِدِّهَا ) أَيْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَالْمُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ ، فَإِنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَيَّامِ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ يُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ ، وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بِأَنْ صَارَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ تَرَكَهَا حَتَّى
يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْتَبْرِئُهَا بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَتَى صَلَحَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ شُغْلٍ يُتَوَهَّمُ بِالنِّكَاحِ فِي الْإِمَاءِ فَلَأَنْ تَصْلُحَ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ شُغْلٍ يُتَوَهَّمُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى ، كَذَا فِي الْكَافِي ( وَيُوضَعُ الْحَمْلُ فِي الْحَامِلِ ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ { قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ } وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي الْمَسْبِيَّةِ لَكِنَّ سَبَبَ الِاسْتِبْرَاءِ حُدُوثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِبْرَاءُ لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاؤُهُ بِمَاءِ الْغَيْرِ إذْ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَعَرَّفَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَوَجَبَ التَّعَرُّفُ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْأَوْلَادِ عَنْ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يَدَّعِي الْوَلَدَ فَيَهْلِكُ لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ حَقِيقَةِ الشُّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِهِ لَكِنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى أَمْرٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ تَجْدِيدُ الْمِلْكِ ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ وَطْءِ الْمَوْلَى مَعْلُومًا كَمَا فِي الْأُمُورِ الْمَعْدُودَةِ ، فَإِنَّ حِكْمَةَ الْحُكْمِ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ ، فَإِنْ قِيلَ : إذَا عُلِمَ عَدَمُ وَطْءِ الْمَوْلَى كَيْفَ يُتَوَهَّمُ شَغْلُ الرَّحِمِ لِيَلْزَمَ اخْتِلَاطُ الْمَاءِ وَاشْتِبَاهُ النَّسَبِ قُلْنَا الشَّغْلُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَا التَّوَهُّمُ فِي الْبِكْرِ ثَابِتٌ ؛ لِأَنَّ الشَّغْلَ يُتَصَوَّرُ بِدُونِ زَوَالِ الْعُذْرَةِ ، كَذَا فِي الْكَافِي أَقُولُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ
الشَّغْلَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى كَانَ مِنْ الزِّنَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ نِكَاحَ الْمُزَنِيَّة وَوَطْأَهَا جَائِزٌ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَكَيْفَ يُوجِبُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ مِنْ الزِّنَا الِاسْتِبْرَاءَ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الشَّغْلَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ كَوْنُهُ مِنْ الزِّنَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى زَوَّجَهَا بِآخَرَ كَمَا سَيَأْتِي وَاعْتَرَضَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ حِكْمَةُ الْحُكْمِ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ لَا تُرَاعَى فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ لَكِنْ تُرَاعَى فِي الْأَنْوَاعِ الْمَضْبُوطَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ بِكْرًا أَوْ مَشْرِيَّةً مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ ثَابِتُ النَّسَبِ فَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَاطُ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْحَدِيثِ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ كَمَا عَرَفْت وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا بِكْرٌ أَوْ مَسْبِيَّةٌ مِنْ امْرَأَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمًا عَامًّا فَلَا يَخْتَصُّ بِالْحِكْمَةِ كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ الْحِكْمَةَ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ } الْآيَةَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ إنِّي أَشْرَبُهَا بِحَيْثُ لَا تُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَلَا تَصُدُّنِي عَنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ غَالِبَةً فِي تَحْرِيمِهَا فَالشَّرْعُ حَرَّمَهَا عَلَى الْعُمُومِ لِمَا أَنَّ فِي التَّخْصِيصِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْخَبْطِ وَتَجَاسَرَ النَّاسُ بِحَيْثُ تَرْتَفِعُ الْحِكْمَةَ ، فَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي السَّبْيِ عَلَى الْعُمُومِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ
كَذَلِكَ قِيَاسًا ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ مَعْلُومَةٌ ثُمَّ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ .
( فَصْلٌ ) .
( قَوْلُهُ : وَنَحْوِ ذَلِكَ ) يُرِيدُ بِهِ الْمَجْعُولَةَ بَدَلَ كِتَابَةٍ أَوْ بَدَلَ مَنْفَعَةٍ لِمَا اسْتَأْجَرَهُ وَالْمُسْتَوْلَى عَلَيْهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ( قَوْلُهُ : أَوْ مُشْتَرَاةً مِنْ مَحْرَمِهَا ) يُرِيدُ نَحْوَ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْمُشْتَرَاةَ مِنْ ابْنِ وَاطِئِهَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : بِأَنْ بَاعَهُ أَبُوهُ ) أَيْ بَاعَ الْمُشْتَرِيَ لِلْجَارِيَةِ أَبُو الصَّغِيرِ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ فِي بَاعَهُ لِلْجَارِيَةِ وَذُكِرَ الضَّمِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ .
( قَوْلُهُ : وَدَوَاعِيهِ ) شَامِلٌ لِلْمَسْبِيَّةِ ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاعِيَ فِي الْمَسْبِيَّةِ يَعْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْحَرْبِيِّ ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ .
ا هـ .
وَأَجَابَ عَنْ إشْكَالٍ فِيهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْمُنْقَطِعَةِ الْحَيْضُ ) إنْ أَرَادَ بِهِ الْآيِسَةَ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا نَصَّهُ قَبْلَهُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْمُمْتَدَّةَ الطُّهْرُ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ الْآتِي أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ فِي حَقِّهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُنَاقِضُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ كَذَا فِي الْكَافِي أَنَّ هَذَا فِيهِ كَذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَافِي مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بَلْ جَعَلَهُ قَسِيمًا لَهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِشَهْرٍ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بِأَنْ صَارَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ تَرَكَهَا حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا
يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ يَسْتَبْرِئُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَهِيَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الْحُرَّةِ ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ يَسْتَبْرِئُهَا بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ ثَابِتُ النَّسَبِ فَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَاطُ الْمِيَاهِ
إلَخْ ) لَا مَعْنَى لِهَذَا ؛ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِأَنَّهَا قَدْ بِيعَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْوِلَادَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَثِمَ وَلَا اسْتِبْرَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْمُبْتَغَى .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا ) الْأَنْسَبُ تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ .
( وَلَمْ تَكْفِ حَيْضَةٌ مَلَكَهَا فِيهَا ) ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْحَيْضَةُ وَهِيَ اسْمٌ لِلْكَامِلَةِ ( وَلَا الَّتِي بَعْدَ الْمِلْكِ وَقِيلَ الْقَبْضُ ) ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ قَبْلَ عِلَّتِهِ وَهِيَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ جَمِيعًا فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا ( أَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا صَحِيحًا أَوْ لَا ) أَيْ وَلَمْ تَكْفِ أَيْضًا ( وِلَادَةٌ كَذَلِكَ ) أَيْ حَصَلَتْ بَعْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ كَمَا سَبَقَ .
( قَوْلُهُ : وَلَمْ تَكْفِ أَيْضًا وِلَادَةٌ كَذَلِكَ ) فِيهِ خِلَافٌ لِأَبِي يُوسُفَ .
( قَوْلُهُ : أَوْ مُسْلِمَةً فَكَاتَبَهَا ) لَوْ قَالَ أَوْ غَيْرَ مَجُوسِيَّةٍ كَانَ أَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ الْكِتَابِيَّةَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَاتَبَهَا بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْ بَائِعِهَا إذْ لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ سَابِقَةً عَلَى الْقَبْضِ لَا يُحْتَاجُ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا
( وَكَفَتْ حَيْضَةٌ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ عَجَزَتْ ) يَعْنِي اشْتَرَى أَمَةً مَجُوسِيَّةً أَوْ مُسْلِمَةً فَكَاتَبَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ثُمَّ حَاضَتْ الْمُكَاتَبَةُ حَالَ كِتَابَتِهَا أَوْ حَاضَتْ الْمَجُوسِيَّةُ حَالَ مَجُوسِيَّتِهَا حَيْضَةً ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَجْزَأَتْ تِلْكَ الْحَيْضَةُ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ بَعْدَ سَبَبِهِ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لِمَانِعٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ .
.
( اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ مَنْ حَاضَتْ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ الْعَبْدِ ( إنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ دَيْنُهُ كَفَتْ ) تِلْكَ الْحَيْضَةُ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى وَقَبْضِهِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ دَيْنُهُ ( فَلَا ) أَيْ لَا تَكْفِي تِلْكَ الْحَيْضَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا .
( قَوْلُهُ : اشْتَرَى مِنْ مَأْذُونِهِ مَنْ حَاضَتْ عِنْدَهُ ) قُيِّدَ بِحَيْضِهَا عِنْدَ الْمَأْذُونِ إذْ لَوْ بَاعَهَا لِمَوْلَاهُ قَبْلَ حَيْضِهَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِبْرَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَأْذُونُ مَدْيُونًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ : خِلَافًا لَهُمَا ) هُوَ الْقِيَاسُ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ ، كَذَا فِي قَاضِي خَانْ .
( وَيَجِبُ ) الِاسْتِبْرَاءُ ( بِشِرَاءِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ ) الْجَارِيَةِ ( الْمُشْتَرَكَةِ ) لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ ( لَا ) عِنْدَ ( عَوْدِ الْآبِقَةِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَأْجَرَة وَفَكِّ الْمَرْهُونَةِ ) لِانْتِفَاءِ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ .
قَوْلُهُ : لَا عِنْدَ عَوْدِ الْآبِقَةِ ) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا فِي إبْطَالِ بَيْعٍ بِخِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَلَوْ سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا بَاعَ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا قَبْلَ وَطْءِ الْمُشْتَرِي لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ : وَرَدِّ الْمَغْصُوبَةِ ) أَيْ إذَا لَمْ يَبِعْهَا الْغَاصِبُ فَإِنْ بَاعَهَا وَسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَاءٍ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَلِمَ بِالْغَصْبِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمَالِكِ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ لَمْ يَطَأْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا غَصْبٌ إنْ لَمْ يَطَأْ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ .
( وَرُخِّصَ حِيلَةُ إسْقَاطِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِالْأَوَّلِ إنْ عُلِمَ عَدَمُ وَطْءِ بَائِعِهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَبِالثَّانِي إنْ وَطِئَ وَهِيَ ) أَيْ الْحِيلَةِ ( أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي ) قَبْلَ الشِّرَاءِ ( إنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ حُرَّةٌ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ( ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا ) إذْ بِالنِّكَاحِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَيَحِلُّ الْوَطْءُ وَيَسْقُطُ الِاسْتِبْرَاءُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ رَأَيْت فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْلِكُهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهِ أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا فَكَمَا اشْتَرَاهَا بَطَلَ النِّكَاحُ وَلَا نِكَاحَ حَالَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ وَهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ وَهَذَا دَقِيقٌ حَسَنٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ( وَإِنْ كَانَتْ ) تَحْتَهُ حُرَّةٌ ( فَهِيَ ) أَيْ الْحِيلَةُ ( أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ ) يُزَوِّجَهَا ( الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مَنْ يَوْثُقُ بِهِ ) مَفْعُولُ يُزَوِّجَهَا أَيْ يُعْتَمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا ( ثُمَّ يَشْتَرِيهَا ) الْمُشْتَرِي ( وَيَقْبِضُهَا ) ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ فَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ حَلَّ عَلَى الْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ لَمْ يُوجَدْ حُدُوثُ الْمِلْكِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ ( أَوْ ) يُزَوِّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مَنْ يَوْثُقُ بِهِ وَ ( يَقْبِضَ فَيُطَلِّقَ الزَّوْجُ ) ، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ وَإِذَا حَلَّ بَعْدَ طَلَاقِ
الزَّوْجِ لَمْ يُوجَدْ حُدُوثُ الْمِلْكِ فَقَوْلُهُ فَيُطَلِّقَ الزَّوْجُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : وَيُفْتَى بِالْأَوَّلِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَهِيَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ ثُمَّ يُسَلِّمَهَا الْمَوْلَى إلَيْهِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ .
ا هـ .
وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ .
( قَوْلُهُ : قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ رَأَيْت فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ
إلَخْ ) نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ ظَهِيرُ الدِّينِ عِنْدِي يُشْتَرَطُ
إلَخْ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَهُ .
( قَوْلُهُ : أَيْ يُعْتَمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا ) فَإِنْ خَشَى عَدَمَ طَلَاقِهِ يُزَوِّجُهَا عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهِ مَتَى شَاءَ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ ) أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَقُيِّدَ بِطَلَاقِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الِاسْتِبْرَاءُ إذَا قَبَضَهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَهَا وَالْقَبْضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَيْسَتْ فِي نِكَاحٍ وَلَا عِدَّةٍ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ : أَوْ يُزَوِّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ وَيَقْبِضَ إلَى آخِرِ شَرْحِهَا ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ قَبْلَهُ ( قُلْت ) بَقِيَ حِيلَةٌ رَابِعَةٌ هِيَ أَحْسَنُ الْحِيَلِ وَهِيَ أَنْ يُكَاتِبَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَقْبِضَهَا فَيُفْسَخَ بِرِضَاهَا ، كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا وَهَذِهِ أَسْهَلُ الْحِيَلِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ حَالٍّ أَوْ مُنَجَّمٍ بِقَرِيبٍ فَتَعْجِزُ عَنْهُ .
( مَنْ فَعَلَ بِشَهْوَةٍ إحْدَى دَوَاعِي الْوَطْءِ بِأَمَتَيْهِ لَا يَجْتَمِعَانِ نِكَاحًا ) صِفَةُ أَمَتَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتَا أُخْتَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا ( حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْءُ وَاحِدَةٍ ) مِنْهُمَا ( وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يَحْرُمَ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ أَمَتَانِ كَمَا ذُكِرَ فَقَبَّلَهُمَا مَثَلًا بِشَهْوَةٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَمْلِكَ فَرْجَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ يُعْتِقَهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } عَطْفًا عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ تَحْرِيمِهِنَّ تَحْرِيمُهُنَّ فِي حَقِّ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَأَسْبَابِهِ بِالْإِجْمَاعِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ يُعْتِقَهَا ) مِثْلُهُ الْكِتَابَةُ ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالتَّدْبِيرِ .
( وَكُرِهَ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ وَعِنَاقُهُ فِي إزَارٍ ) وَاحِدٍ ( وَلَوْ عَلَيْهِ قَمِيصٌ ) أَوْ جُبَّةٌ ( لَا يُكْرَهُ ) وَعَنْ عَطَاءٍ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْمُعَانَقَةِ فَقَالَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فَلَمَّا وَصَلَ بِالْأَبْطَحِ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ وَعَانَقَهُ وَكَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُعَانَقَةِ وَتَجْوِيزِهَا وَالشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الْمَكْرُوهُ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ وَرَخَّصَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْبِيلَ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ الْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ ( كَمُصَافَحَتِهِ ) ، فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ لِمَا رَوَى { أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ نَعَمْ } .
( قَوْلُهُ : وَكُرِهَ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ فَشَمِلَ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا : لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ لَا تُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ وَعَنْ عَطَاءٍ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَرَخَّصَ الشَّيْخُ
إلَخْ ) هَذَا ، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ سُفْيَانَ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ سُنَّةٌ وَتَقْبِيلُ يَدِ غَيْرِهِ لَا يُرَخَّصُ فِيهِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُقَبِّلُونَ أَطْرَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ .
ا هـ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ وَتَكَلَّمُوا فِي تَقْبِيلِ يَدِ غَيْرِهِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَرَادَ تَعْظِيمَ الْمُسْلِمِ لِإِسْلَامِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَبَّلَ ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَمُصَافَحَتِهِ ) لَا تَخْتَصُّ الْمُصَافَحَةُ بِالْعَالِمِ وَالْمُتَوَرِّعِ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَارَثُ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ } .
ا هـ .
وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَالَ لَا بَأْسَ بَلْ يُنْدَبُ أَوْ نَحْوُهُ لِلْأَثَرِ فِي الْمُصَافَحَةِ وَلِي رِسَالَةٌ فِي الْمُصَافَحَةِ عَقِبَ الصَّلَاةِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِيَامِ لِلْغَيْرِ ، وَقَالَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ يَحْرُمُ تَقْبِيلُ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ لِلتَّحِيَّةِ وَقِيَامُ التَّالِي لِلدَّاخِلِ عَلَيْهِ إلَّا لِأُسْتَاذِهِ
أَوْ أَبِيهِ وَيُكْرَهُ الِانْحِنَاءُ لِلسُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ ، قِيلَ : وَالْقِيَامُ لِلتَّعْظِيمِ كَتَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ أَوْ يَدِ الْمَحْيَا عِنْدَ السَّلَامِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ الْقِيَامَ تَعْظِيمًا لِلْغَيْرِ وَرَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ الْقِيَامَ } وَعَنْ الشَّيْخِ الْحَكِيمِ أَبِي الْقَاسِمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ لَهُ وَيُعَظِّمُهُ وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : لِأَنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ فَلَوْ تَرَكْت تَعْظِيمَهُمْ لَتَضَرَّرُوا وَالْفُقَرَاءَ وَطَلَبَةَ الْعِلْمِ لَا يَطْمَعُونَ مِنِّي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ جَوَابَ السَّلَامِ وَالْكَلَامُ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ .
ا هـ
وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى لِلْأَنْطَاكِيِّ قِيَامُ الْقَارِئِ جَائِزٌ إذَا جَاءَ أَعْلَمُ مِنْهُ أَوْ أُسْتَاذُهُ الَّذِي عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْعِلْمَ أَوْ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ وَلَا يَجُوزُ الْقِيَامُ لِغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْجَائِي مِنْ الْأَجِلَّةِ وَالْأَشْرَافِ وَفِي مُشْكِلِ الْآثَارِ الْقِيَامُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِعَيْنِهِ إنَّمَا الْمَكْرُوهُ تَحِيَّةُ الْقِيَامِ لِمَنْ يُقَامُ لَهُ فَإِنْ قَامَ لِمَنْ لَا يُقَامُ لَهُ لَا يُكْرَهُ .
ا هـ .
.
( وَكُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ صِرْفَةً ) وَهِيَ رَجِيعُ الْآدَمِيِّ ( وَصَحَّ فِي الصَّحِيحِ مَخْلُوطَةً ) بِتُرَابٍ أَوْ رَمَادٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا ( كَبَيْعِ السِّرْقِينِ ) حَيْثُ جَازَ فِي الصَّحِيحِ ( وَصَحَّ الِانْتِفَاعُ بِمَخْلُوطِهَا ) فِي الصَّحِيحِ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ جَائِزٌ .
( قَوْلُهُ : كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ ) الْكَرَاهَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَكِنَّ مُقَابَلَتَهُ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ فِي الصَّحِيحِ مَخْلُوطَةً بِتُرَابٍ أَوْ رَمَادٍ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِ الْخَالِصَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالصِّحَّةِ الْحِلُّ .
( قَوْلُهُ : غَالِبٍ عَلَيْهَا ) كَذَا قُيِّدَ بِالْغَلَبَةِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ : وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَخْلُوطَةً بِرَمَادٍ أَوْ تُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْغَلَبَةِ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَخْلُوطَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
ا هـ .
وَكَذَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَبَيْعِ السِّرْقِينِ ) هُوَ رَجِيعُ مَا سِوَى الْإِنْسَانِ ( قَوْلُهُ حَيْثُ جَازَ فِي الصَّحِيحِ ) يُفِيدُ أَنَّ بَيْعَ السِّرْقِينِ لَا يَجُوزُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ وَلَمْ أَرَ خِلَافًا فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ بَيْعِ السِّرْقِينِ عِنْدَنَا وَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي ، وَقَدْ تَمَوَّلَ الْمُسْلِمُونَ السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَهُ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
إلَخْ ) مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ الَّذِي قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْعَذِرَةِ الْمَخْلُوطَةِ لَا الْخَالِصَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْخَالِصَةِ
( وَجَازَ أَخْذُ دَيْنٍ عَلَى كَافِرٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ دَيْنُ الْمُسْلِمِ عَلَى كَافِرٍ فَبَاعَ الْمَدْيُونُ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهُ لِدَيْنِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ الْمَدْيُونُ مُسْلِمًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ فَالثَّمَنُ حَرَامٌ .
.
.
( وَ ) جَازَ ( تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ ( وَتَعْشِيرُهُ وَنَقْطُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ وَالْآيَ تَوْقِيفِيَّةٌ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا فَبِالتَّعْشِيرِ حِفْظُ الْآيِ وَبِالنَّقْطِ حِفْظُ الْإِعْرَابِ وَلِأَنَّ الْعَجَمِيَّ الَّذِي لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا بِالنَّقْطِ ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ فَذَلِكَ فِي زَمَانِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْقُلُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أُنْزِلَ وَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ سَهْلًا عَلَيْهِمْ وَيَرَوْنَ النَّقْطَ مَحَلًّا لِحِفْظِ الْإِعْرَابِ وَالتَّعْشِيرَ مَحَلًّا لِحِفْظِ الْآيِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَجَمِيُّ فِي زَمَانِنَا فَيُسْتَحْسَنُ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ أَسَامِي السُّوَرِ وَعَدَدِ الْآيِ ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا فَمُسْتَحْسَنٌ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، كَذَا قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ .
( قَوْلُهُ : وَجَازَ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ ) التَّحْلِيَةُ غَيْرُ التَّمْرِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ ) وَلِذَا كُرِهَ مَدُّ الرَّجُلِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ عَلَى الْعُلُوِّ فَلَمْ يُحَاذِهِ ، وَإِذَا صَارَ خَلَقًا بِحَيْثُ لَا يُقْرَأُ فِيهِ يُجْعَلُ فِي خَرِيطَةٍ وَيُدْفَنُ كَالْمُسْلِمِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ، وَقَالَ فِي غَيْرِهَا يُغْسَلُ فِي مَاءٍ جَارٍ وَلَا يُحْرَقُ .
ا هـ .
وَفِي قَاضِي خَانْ يُكْرَهُ تَصْغِيرُ الْمُصْحَفِ وَأَنْ يَكْتُبَ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ ، وَإِذَا أَمْسَكَ الْمُصْحَفَ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِيهِ إنْ نَوَى بِهِ الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ لَا يَأْثَمُ بَلْ يُرْجَى لَهُ الثَّوَابُ ا هـ .
.
( وَ ) جَازَ ( دُخُولُ الذِّمِّيِّ الْمَسْجِدَ ) وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ .
( وَ ) جَازَ ( عِيَادَتُهُ ) إذَا مَرِضَ .
( قَوْلُهُ : وَجَازَ دُخُولُ الذِّمِّيِّ الْمَسْجِدَ ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبِهِ صُرِّحَ فِي الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ ) إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُمَا فِيهِ تَسَاهُلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ دُخُولُ الذِّمِّيِّ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ مُطْلَقًا وَالْمُرَادُ عِنْدَنَا بِالْمَنْعِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } مَنَعَهُمْ عَنْ الطَّوَافِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَجَازَ عِيَادَتُهُ ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَجُوسِيَّ وَقِيلَ : إنْ كَانَ مَجُوسِيًّا لَا يَعُودُهُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقِيلَ يَعُودُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَتَرْغِيبِهِ وَتَأْلِيفِهِ ، وَقَدْ نُدِبْنَا إلَيْهِ وَلَا يَدْعُو لِلذِّمِّيِّ بِالْمَغْفِرَةِ وَلَوْ دَعَا لَهُ بِالْهُدَى جَازَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِي قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَلَوْ دَعَا لَهُ بِطُولِ الْعُمُرِ قِيلَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ التَّمَادِيَ عَلَى الْكُفْرِ وَقِيلَ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِي طُولِ عُمُرِهِ انْتِفَاعَ الْمُسْلِمِينَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَيَكُونُ دُعَاءً لَهُمْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الدُّعَاءُ بِالْعَافِيَةِ وَلَا بَأْسَ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يَبْدَؤُهُ بِالسَّلَامِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهُ وَتَكْرِيمَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الْفَاسِقِ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْعِيَادَةُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
( وَخِصَاءُ الْبَهَائِمِ ، وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْحُقْنَةُ وَسَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ بِلَا مَحْرَمٍ ) فَإِنَّ مَسَّ أَعْضَائِهَا فِي الْإِرْكَابِ كَمَسِّ مَحْرَمٍ .
وَفِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ فِيهِ ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ فِيهِ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ .
( قَوْلُهُ : وَخِصَاءُ الْبَهَائِمِ ) شَامِلٌ لِلسِّنَّوْرِ وَبِهِ صُرِّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِكَيِّ الْأَغْنَامِ وَكَيِّ الصَّبِيِّ إنْ مِنْ مَرَضٍ لَا بَأْسَ بِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالْحُقْنَةُ ) يُرِيدُ بِهَا التَّدَاوِيَ لَا التَّسْمِينَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالنَّجِسِ كَالْخَمْرِ وَكَذَا كُلُّ تَدَاوٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالطَّاهِرِ .
وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُبَاحِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْحُرْمَةُ تَرْتَفِعُ لِلضَّرُورَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَدَاوِيًا بِالْحَرَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ { إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } أَوْ يُحْمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي دَاءٍ عُرِفَ لَهُ دَوَاءٌ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
( تَتِمَّةٌ ) لَا بَأْسَ بِالرُّقَى لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ إذْ كَانُوا يَرْقُونَ بِكَلِمَاتِ كُفْرٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ امْرَأَةٌ أَرَادَتْ أَنْ تَصْنَعَ تَعَاوِيذَاتٍ لِيُحِبَّهَا زَوْجُهَا بَعْدَمَا كَانَ يَبْغَضُهَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ .
ا هـ .
وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ } وَالتُّوَلَةُ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَفِي الْكَافِي
إلَخْ ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
( وَشِرَاءُ أَخٍ وَعَمٍّ وَأُمٍّ وَمُلْتَقِطٍ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِطِفْلٍ فِي حِجْرِهِمْ ) أَصْلُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الصَّغِيرِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيَمْلِكُهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ لَا كَقَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَنَوْعٌ هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَلَا يَمْلِكُهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ عَلَيْهِ وَنَوْعٌ هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّغِيرُ فِي أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُمْ مُتَصَرِّفُونَ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فِي أَيْدِيهِمْ ، كَذَا فِي الْكَافِي وَاسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ نَوْعٌ رَابِعٌ وَهُوَ الْإِنْكَاحُ فَيَجُوزُ مِنْ كُلِّ عَصَبَةٍ وَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( وَ ) جَازَ ( إجَارَةُ أُمِّهِ فَقَطْ ) دُونَ الْمَذْكُورِينَ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ تَسْتَخْدِمَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ هَؤُلَاءِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْوِلَايَةُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إلَى الْأَبِ وَوَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَالْوِلَايَةُ إلَى أَبِ الْأَبِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَاضِي وَمَنْ نَصَبَهُ وَلِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجَارَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَفِي الْمَقُولَاتِ وَالْعَقَارَاتِ جَمِيعًا ، فَإِنْ كَانَ بَيْعُهُمْ وَإِجَارَتُهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ بِمِقْدَارِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُهُمْ
لِلصَّغِيرِ وَشِرَاؤُهُمْ لَهُ إنْ كَانَ عَلَى الْمَعْرُوفِ جَازَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ نَفَذَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى النَّفْسِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْإِجَارَةَ ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَمْلَاكِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ .
وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إذَا آجَرَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْقَاضِي الصَّغِيرُ فِي عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ قِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ حَتَّى إذَا آجَرَهُ أَحَدُهُمْ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ ، وَلَوْ بِالْأَقَلِّ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَالَهُ قَالَ وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي تَعَلُّمِ الْحِرْفَةِ بِأَنْ دَفَعَهُ إلَى أُسْتَاذٍ لِيُعَلِّمَهُ الْحِرْفَةَ وَيَخْدُمَ أُسْتَاذَه أَمَّا إذَا كَانَ ، بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ .
( قَوْلُهُ وَجَازَ إجَارَةُ أُمِّهِ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَتْنًا وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي حِجْرِ الْعَمِّ فَآجَرَتْهُ أُمُّهُ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ هُنَا لِلْعَمِّ ، كَذَا فِي الْكَافِي وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطَ وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَنَفْعًا مَحْضًا لِلصَّغِيرِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : إلَى الْأَبِ وَوَصِيِّهِ ) أَيْ ثُمَّ وَصِيِّهِ .
( قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَوْ بِالْأَقَلِّ ) هَذَا وَلَوْ حُمِلَ الْأَقَلُّ عَلَى الْغَبْنِ الْيَسِيرِ دُونَ الْفَاحِشِ انْتَفَتْ الْمُخَالَفَةُ
( وَ ) جَازَ ( بَيْعُ الْعَصِيرِ مِنْ مُتَّخِذِهِ خَمْرًا ) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ ، بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ كَمَا مَرَّ .
.
( وَ ) جَازَ ( حَمْلُ خَمْرِ ذِمِّيٍّ بِأَجْرٍ ) خِلَافًا لَهُمَا ( لَا ) أَيْ لَا يَجُوزُ .
( قَوْلُهُ : وَجَازَ حَمْلُ خَمْرِ ذِمِّيٍّ بِأَجْرٍ ) أَيْ فَيَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً مِنْهَا حَامِلُهَا } وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا آجَرَ دَابَّتَهُ لِنَقْلِ الْخَمْرِ أَوْ نَفْسَهُ لِرَعْيِ الْخِنْزِيرِ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( إجَارَةُ بَيْتٍ بِالْأَمْصَارِ وَبِقُرَانَا لِيُتَّخَذَ بَيْتَ نَارٍ ) لِلْمَجُوسِ ( أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْعَةٌ ) لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ( أَوْ يُبَاعَ فِيهِ الْخَمْرُ ) ، وَإِنَّمَا قَالَ بِقُرَانَا ، إذْ قَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَوَّزَ مَا ذُكِرَ فِي السَّوَادِ لَكِنْ قَالُوا مُرَادُهُ سَوَادُ الْكُوفَةِ ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ ، وَأَمَّا فِي سَوَادِ بِلَادِنَا فَأَعْلَامُ الْإِسْلَامِ فِيهَا ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهَا أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَافِي .
.
( وَجَازَ بَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مِلْكُ مَنْ بَنَاهَا أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ بَنَى عَلَى الْأَرْضِ الْوَقْفِ جَازَ بَيْعُهُ فَهَذَا كَذَلِكَ ( وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ أَرْضِهَا ) جَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( قَوْلُهُ : وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ أَرْضِهَا ) اُقْتُصِرَ فِي الْكَنْزِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا ، وَقَالَ شَارِحُهُ قَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ ثُمَّ قَالَ وَيُكْرَهُ إجَارَةُ أَرْضِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَكَلَ أُجُورَ أَرْضِ مَكَّةَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا } وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ الْبَيْعِ وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ الْإِجَارَةِ .
.
( وَ ) جَازَ ( تَقْيِيدُ الْعَبْدِ ) احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاقِ وَالتَّمَرُّدِ ( بِخِلَافِ الْغُلِّ ) أَيْ جَعْلِ الْغُلِّ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ الظَّلَمَةِ .
وَفِي الْقُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِوَضْعِ الرَّايَةِ يَعْنِي الْغُلَّ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ خُصُوصًا فِي الْهُنُودِ .
( قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ ) عَزَاهُ الزَّيْلَعِيُّ لِلنِّهَايَةِ
( وَ ) جَازَ ( قَبُولُ هَدِيَّتِهِ تَاجِرًا وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْكُلُّ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لَكِنْ جُوِّزَ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ لِلضَّرُورَةِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ كَالضِّيَافَةِ لِيَجْتَمِعَ إلَيْهِ الْمُجَاهِرُونَ وَيَجْلُبُ قُلُوبَ الْمُعَامِلِينَ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ ( وَكُرِهَ كِسْوَتُهُ ثَوْبًا وَإِهْدَاؤُهُ النَّقْدَيْنِ ) لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ .
.
.
( وَ ) كُرِهَ ( اسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَى عَنْ مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ .
( قَوْلُهُ : وَكُرِهَ اسْتِخْدَامُ الْحَصَى ) قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٍ إطْلَاقُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْخِدْمَةِ مَكْرُوهٌ وَذَكَرَ فِي الْأَوْضَحِ إنَّمَا يُكْرَهُ اسْتِخْدَامُهُ فِي الْخِدْمَةِ الْمَعْهُودَةِ وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْحَرِيمِ .
ا هـ .
.
.
( وَ ) كُرِهَ ( إقْرَاضُ بَقَّالٍ دَرَاهِمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعَهَا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوْدِعَهُ دَرَاهِمَ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ جُزْءًا فَجُزْءًا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَرْضٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا شَيْءَ عَلَى الْآخِذِ .
قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ إقْرَاضُ بَقَّالٍ دَرَاهِمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ ) أَيْ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا يُقَابِلُ الدَّرَاهِمَ جُزْءًا فَجُزْءًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ حَالَ الْقَرْضِ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ مَشْرُوطًا عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْقَرْضِ جَازَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ غَلَّةٍ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَدَّ صِحَاحٍ كُرِهَ وَإِنْ رَدَّ صِحَاحًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا يُكْرَهُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْكَرْخِيِّ .
ا هـ .
وَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْقَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهَا تَبَرُّعًا أَوْ شِرَاءً أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِهَذَا أَوْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا أَخَذَ يَقُولُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَأْخُذُ فَهُوَ عَلَى مَا قَاطَعْتُك عَلَيْهِ .
.
( وَ ) كُرِهَ ( اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَكُلِّ لَهْوٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ لَعِبِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثَةً مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَتَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ وَمُنَاضَلَتَهُ لِقَوْسِهِ } وَأَبَاحَ الشَّافِعِيُّ الشِّطْرَنْجَ بِلَا قِمَارٍ وَلَا إخْلَالٍ بِحِفْظِ الْوَاجِبَاتِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشْحِيذَ الْخَاطِرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا .
( قَوْلُهُ وَكُرِهَ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ ) كَذَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى لَاعِبِيهِ اسْتِحْقَارًا بِهِمْ وَإِهَانَةً لَهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِهِ بَأْسًا لِشَغْلِهِمْ عَنْ اللَّعِبِ .
( وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ فِي الرَّمْيِ وَالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ إنْ شُرِطَ الْمَالُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ ) بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ كَذَا ، وَإِنْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ لِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَيْ بَعِيرٍ أَوْ نَضْلٍ أَيْ رَمْيٍ أَوْ حَافِرٍ أَيْ فَرَسٍ } ( وَحَرُمَ لَوْ ) شَرَطَاهُ ( مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك أَعْطَيْتُك كَذَا ، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَأَعْطِنِي كَذَا ( إلَّا إذَا أَدْخَلَا ثَالِثًا بَيْنَهُمَا ) وَقَالَا لِلثَّالِثِ إنْ سَبَقْتنَا فَالْمَالَانِ لَك ، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك وَلَكِنْ أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ وَكَذَا الْمُتَفَقِّهَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا الَّذِي مَعَهُ الصَّوَابُ صَحَّ ، وَإِنْ شَرَطَاهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُسَابَقَةِ .
( قَوْلُهُ : بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ
إلَخْ ) كَذَا لَوْ شَرَطَهُ ثَالِثٌ لِأَسْبَقِهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا أَدْخَلَا ثَالِثًا بَيْنَهُمَا ) أَيْ وَفَرَسُهُ كُفُؤٌ لِفَرَسَيْهِمَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إدْخَالِهِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : وَأَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ الْمَالَ ) أَيْ وَلَمْ يَسْبِقْهُمَا الثَّالِثُ فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ مِنْهُمَا ، وَإِذَا قَالَ الْأَمِيرُ لِجَمَاعَةِ الْفُرْسَانِ أَوْ الرُّمَاةِ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمْ أَوْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى تَعْلِيمِ آلَةِ الْحَرْبِ وَالْجِهَادِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ .
.
( وَ ) كُرِهَ قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك ( بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك ) يُرْوَى بِعِبَارَتَيْنِ الْأُولَى مِنْ الْعَقْدِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْقُعُودِ وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ الثَّانِيَةِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا الْأُولَى ؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ بِهَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ حَادِثًا ضَرُورَةً وَعِزُّ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَزَلًا وَأَبَدًا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ مِنْ دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ } وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي تَجْوِيزِهِمَا جَوَازُ جَعْلِ الْعِزِّ صِفَةً لِلْعَرْشِ لِأَنَّ الْعَرْشَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ فَكَذَا بِالْعِزِّ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْهَيْبَةِ وَإِظْهَارِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي ثُمَّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَلَكِنَّا نَقُولُ : هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِامْتِنَاعِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فَيُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ إذْ الْمُتَشَابِهُ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِيِّ .
ا هـ
وَفِي الِاخْتِيَارِ وَمَا رَوَاهُ خَبَرُ آحَادٍ وَلَا يُتْرَكُ بِهِ الِاحْتِيَاطُ
( وَ ) كُرِهَ قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ ( بِحَقِّ فُلَانٍ ) وَكَذَا بِحَقِّ أَنْبِيَائِك أَوْ أَوْلِيَائِك أَوْ رُسُلِك أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ أَوْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إذْ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ بِلَا وُجُوبٍ عَلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ بِحَقِّ اللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ شَرْعًا ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ .
.
( وَ ) كُرِهَ ( احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ وَالْبَهَائِمِ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ } وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَيَجِبُ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ عَزَّرَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ إنْ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَمُدَّةُ الْحَبْسِ قِيلَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقِيلَ شَهْرٌ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا لَكِنْ يَأْثَمُ ، وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ ( لَا غَلَّةِ أَرْضِهِ وَمَجْلُوبِهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ .
( قَوْلُهُ : وَكُرِهَ احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ وَالْبَهَائِمِ ) وَالِاحْتِكَارُ حَبْسُ الطَّعَامِ لِلْغَلَاءِ افْتِعَالٌ مِنْ حَكِرَ إذَا ظَلَمَ وَنَقَصَ وَحَكِرَ بِالشَّيْءِ إذَا اسْتَبَدَّ بِهِ وَحَبَسَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَتَقْيِيدُهُ بِقُوتِ الْبَشَرِ وَالْبَهَائِمِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثَوْبًا كَذَا فِي الْكَافِي .
( قَوْلُهُ : فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ ) أُطْلِقَ الْبَلَدُ ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالْكَافِي يُكْرَهُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ بِأَنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَنْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ مِلْكَهُ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ وَكَذَا تَلَقِّي الْجَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا لَمْ يُلْبِسْ الْمُتَلَقِّي عَلَى التُّجَّارِ سِعْرَ الْبَلَدِ فَإِنْ لَبَّسَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ أَضَرَّ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِالْبَلْدَةِ .
( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ } ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَزَادَ فِي الْكَافِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ احْتَكَرَ عَلَى النَّاسِ الطَّعَامَ رَمَاهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ } وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ ) أَيْ إلَى زَمَنٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّعَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ إنْ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا ) وَاضِحٌ عَلَى قَوْلِهِمَا وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَرَى الْحَجْرَ لِضَرَرٍ عَامٍّ كَمَا فِي الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ .
وَفِي الِاخْتِيَارِ قَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا رَدُّوا مِثْلَهُ وَلَيْسَ هَذَا حَجْرًا وَإِنَّمَا هُوَ دَفْعٌ لِلضَّرُورَةِ كَمَا
فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ .
ا هـ .
وَنَقَلَهُ عَنْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَمُدَّةُ الْحَبْسِ قِيلَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ } ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
ا هـ
وَفِي الْكَافِي مَرْوِيًّا { مَنْ احْتَكَرَ الطَّعَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَطْلُبُ الْقَحْطَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } فَالصَّرْفُ النَّفَلُ وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَكِنْ يَأْثَمُ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالِاخْتِيَارِ ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ مَكْرُوهَةٌ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْمَقْتَ فِي الدُّنْيَا وَالْإِثْمَ فِي الْآخِرَةِ .
ا هـ
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِمُنْلَا مِسْكِينٍ هَذَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الِاحْتِكَارِ وَتَرَبُّصِ الْغَلَاءِ وَقَصَدَ الْإِضْرَارَ بِالنَّاسِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُودٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَمَجْلُوبُهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْعَامَّةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ نَقْلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ يُجْلَبُ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ فِي الْغَالِبِ يُكْرَهُ حَبْسُهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ تَعَلَّقَ بِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُؤَخَّرًا قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِهِ .
( وَلَا يُسَعِّرُ حَاكِمٌ إلَّا إذَا تَعَدَّى الْأَرْبَابُ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا فَيُسَعِّرُ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ .
يُكْرَهُ إمْسَاكُ الْحَمَامَاتِ إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالنَّاسِ ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ حَمَامَاتٌ مَمْلُوكَةٌ يُطَيِّرُهَا فَوْقَ السَّطْحِ مُطَّلِعًا عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَكْسِرُ زُجَاجَاتِ النَّاسِ بِرَمْيَةِ تِلْكَ الْحَمَامَاتِ يُعَزَّرُ وَيُمْنَعُ أَشَدَّ الْمَنْعِ ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَبَحَهَا الْمُحْتَسِبُ .
( قَوْلُهُ فَيُسَعِّرُ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَخَافُ إنْ نَقَصَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْنِي مَا تُحِبُّ فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَهُ يَحِلُّ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
ا هـ
وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ بَيْنَهُمْ فَدَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ مِنْهُمَا دِرْهَمًا لِيُعْطِيَهُ فَأَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إلَّا بِسِعْرِ الْبَلَدِ .
( وَيُسْتَحَبُّ قَلْمُ أَظَافِيرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ وَقَّتَ لِقَلْمِ أَظَافِيرِهِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالُوا إنْ كَانَ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَخَّرَهُ إلَى يَوْمِهَا تَأْخِيرًا فَاحِشًا كَانَ مَكْرُوهًا ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا يَكُونُ رِزْقُهُ ضَيِّقًا ، فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ وَأَخَّرَهُ تَبَرُّكًا بِالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْبَلَايَا إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ } .
( قَوْلُهُ : قَالَ قَاضِي خَانْ
إلَخْ ) وَفِيهِ إذَا قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفِنَ ذَلِكَ فَإِنْ رَمَى بِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْكَنِيفِ أَوْ الْمُغْتَسَلِ يُكْرَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ دَاءً وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ حَلَقْت رَأْسِي بِمَكَّةَ فَخَطَّأَنِي الْحَجَّامُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا أَنِّي جَلَسْت مُسْتَدْبِرًا فَقَالَ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَنَاوَلْته الْجَانِبَ الْأَيْسَرَ فَقَالَ الْأَيْمَنُ وَأَرَدْت أَنْ أَذْهَبَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَقَالَ ادْفِنْ شَعْرَك فَدَفَنْته .
ا هـ .
.
.
( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( حَلْقُ عَانَتِهِ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً ) فِي الْقُنْيَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظَافِرَهُ وَيُحْفِيَ شَارِبَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ وَيُنَظِّفَ بَدَنَهُ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَلَا عُذْرَ فِي تَرْكِهِ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ فَالْأُسْبُوعُ هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأَوْسَطُ وَالْأَرْبَعُونَ الْأَبْعَدُ وَلَا عُذْرَ فِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ وَيَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ .
وَفِي الْمُحِيطِ ذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ أَنْ وَفِّرُوا الْأَظَافِيرَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ ، فَإِنَّهَا سِلَاحٌ وَهَذَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِلْمُجَاهِدِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَإِنْ كَانَ قَصُّ الْأَظَافِرِ مِنْ الْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ السِّلَاحُ مِنْ يَدِهِ وَقَرُبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ رُبَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِأَظَافِيرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ قَصِّ الشَّارِبِ ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَفِي حَقِّ الْغَازِي فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّ تَوْفِيرَ شَارِبِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ .
( قَوْلُهُ وَيُحْفِيَ شَارِبَهُ ) الْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اُحْفُوا الشَّارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى } وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَرْكُهَا حَتَّى تَكِثَّ وَتَكْثُرَ وَالتَّقْصِيرُ مِنْهَا سُنَّةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ ؛ لِأَنَّهَا زِينَةٌ وَكَثْرَتُهَا مِنْ كَمَالِ الزِّينَةِ وَطُولُهَا الْفَاحِشُ خِلَافُ الزِّينَةِ وَالسُّنَّةُ النَّتْفُ فِي الْإِبِطِ وَلَا بَأْسَ بِالْحَلْقِ وَيَبْتَدِئُ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ مِنْ تَحْتِ السُّرَّةِ ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالسُّنَّةُ حَلْقُ الشَّارِبِ وَقَصُّهُ حَسَنٌ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَعْلَى مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا ا هـ .
، وَقَالَ قَاضِي خَانْ حَتَّى يُوَازِيَ الطَّرَفَ مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَيَصِيرَ مِثْلَ الْحَاجِبِ .
ا هـ .
( رَجُلٌ تَعَلَّمَ عِلْمَ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوَهُ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ وَآخَرُ لِيَعْمَلَ بِهِ فَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ تَعَلُّمِ الْخَلْقِ أَكْثَرُ .
جَاءَ فِي الْأَثَرِ أَنَّ مُذَاكَرَةَ الْعِلْمِ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةٍ ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِيهَا رَجُلٌ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يَكُونُ عُقُوقًا قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مُلْتَحِيًا ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْخُرُوجِ وَمُرَادُهُ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ وَمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ دُونَ عِلْمِ الْكَلَامِ وَأَمْثَالِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ .
فَإِذَا كَانَ حَالُ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمُتَدَاوَلِ فِي زَمَانِهِمْ هَكَذَا فَمَا ظَنُّك بِالْكَلَامِ الْمَخْلُوطِ بِهَذَيَانَاتِ الْفَلَاسِفَةِ الْمَغْمُورِ بَيْنَ أَبَاطِيلِهِمْ الْمُزَخْرَفَةِ .
وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ عَلِمَ أَنَّ فُلَانًا يَتَعَاطَى مِنْ الْمُنْكَرِ هَلْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى أَبِيهِ بِذَلِكَ قَالُوا : إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ إلَى أَبِيهِ يَمْنَعُهُ الْأَبُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ وَإِلَّا فَلَا يَكْتُبُ كَيْ لَا تَقَعَ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ وَالْحَشَمِ إنَّمَا يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الرَّجُلَ إذَا كَانَ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَضُرُّ النَّاسَ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ فَذِكْرُهُ بِمَا فِيهِ لَا يَكُونُ غِيبَةً ، وَإِنْ أَخْبَرَ السُّلْطَانَ بِذَلِكَ لِيَزْجُرَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يَذْكُرُ مَسَاوِئَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَةً إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ يَذْكُرَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ يُرِيدُ السَّبَّ ، حُكِيَ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ الْحَافِظِ كُنْت أُفْتِي بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ رَجَعْت عَنْهَا كُنْت أُفْتِي أَنْ لَا يَحِلَّ لِلْمُعَلِّمِ
أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَكُنْت أُفْتِي أَنْ لَا يَنْبَغِيَ لِلْعَالِمِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى السُّلْطَانِ وَكُنْت أُفْتِي أَنْ لَا يَنْبَغِيَ لِصَاحِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْقُرَى فَيُذَكِّرَهُمْ لِيَجْمَعُوا لَهُ شَيْئًا فَرَجَعْت عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ ) عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ فَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ أَصْبَحَ الْوَجْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ ( قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ ) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِقَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ : دُونَ عِلْمِ الْكَلَامِ ) يَعْنِي فِيمَا وَرَاءَ قَدْرِ الْحَاجَةِ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ تَعَلُّمَ الْكَلَامِ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ وَرَاءَ قَدْرِ الْحَاجَةِ .
ا هـ .
( صِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ ) وَلَوْ بِسَلَامٍ وَتَحِيَّةٍ وَهَدِيَّةٍ وَهِيَ مُعَاوَنَةُ الْأَقَارِبِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ وَالتَّلَطُّفُ بِهِمْ وَالْمُجَالَسَةُ إلَيْهِمْ وَالْمُكَالَمَةُ مَعَهُمْ وَيَزُورُ ذَوِي الْأَرْحَامِ غِبًّا ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ أُلْفَةً وَحُبًّا بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَيَكُونُ كُلُّ قَبِيلَةٍ وَعَشِيرَةٍ يَدًا وَاحِدَةً فِي التَّنَاصُرِ وَالتَّظَاهُرِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَلَا يَرُدُّ بَعْضُهُمْ حَاجَةَ بَعْضٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَطِيعَةِ فِي الْحَدِيثِ { صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ } وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { لَا تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ } وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ اللَّهَ يَصِلُ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَيَقْطَعُ مَنْ قَطَعَهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
.
( فَصْلٌ ) فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ تَعْلِيمَ صِفَةِ الْإِيمَانِ لِلنَّاسِ وَبَيَانَ خَصَائِصِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ وَلِلسَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ تَصَانِيفُ وَالْمُخْتَصَرِ أَنْ يَقُولَ مَا أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ قَبِلْتُهُ وَمَا نَهَانِي عَنْهُ انْتَهَيْت عَنْهُ فَإِذَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَأَقَرَّ بِلِسَانِهِ كَانَ إيمَانُهُ صَحِيحًا وَكَانَ مُؤْمِنًا بِالْكُلِّ وَفِيهِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لَا أَدْرِي أَصَحِيحٌ إيمَانِي أَمْ لَا فَهَذَا خَطَأٌ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ نَفْيَ الشَّكِّ كَمَنْ يَقُولُ لِشَيْءٍ نَفِيسٍ لَا أَدْرِي أَيَرْغَبُ فِيهِ أَحَدٌ أَمْ لَا وَمَنْ شَكَّ فِي إيمَانِهِ ، وَقَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ كَافِرٌ إلَّا أَنْ يُؤَوِّلَهَا فَقَالَ لَا أَدْرِي أَخَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا مُؤْمِنًا فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ كَافِرًا .
وَفِي الْمُحِيطِ مَنْ أَتَى بِلَفْظَةِ الْكُفْرِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا كُفْرٌ إنْ كَانَ عَنْ اعْتِقَادٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَكْفُرُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَفْظَةُ الْكُفْرِ وَلَكِنْ أَتَى بِهَا عَنْ اخْتِيَارٍ فَقَدْ كَفَرَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا فِي ذَلِكَ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِشَيْءٍ آخَرَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَفْظَةُ الْكُفْرِ نَحْوُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ " بِحَقِّ آنكه تواخدى وَمَا بند كَانَ تو " فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَكْسُهُ فَلَا يَكْفُرُ وَفِي الْأَجْنَاسِ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصًّا أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَكَلْت فَقَالَ كَفَرْت أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ ، قَالُوا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَأَمَّا الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ وَمَنْ أَضْمَرَ الْكُفْرَ أَوْ هَمَّ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ كَفَرَ بِلِسَانِهِ طَائِعًا وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَا يَنْفَعُهُ مَا فِي قَلْبِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُعْرَفُ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ فَإِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ كَانَ كَافِرًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ ، وَفِي سِيَرِ الْأَجْنَاسِ مَنْ
عَزَمَ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْكُفْرِ كَانَ بِعَزْمِهِ كَافِرًا وَمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَضَحِكَ غَيْرُهُ يَكْفُرُ الضَّاحِكُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الضَّحِكُ ضَرُورِيًّا بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُضْحِكًا ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِهَا مُذَكِّرٌ وَقَبِلَ الْقَوْمُ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرُوا وَالرِّضَا بِكُفْرِ نَفْسِهِ كُفْرٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَأَمَّا الرِّضَا بِكُفْرِ غَيْرِهِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ .
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خواهر زاده فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ كُفْرًا إذَا كَانَ يَسْتَخِيرُ الْكُفْرَ أَوْ يَسْتَحْسِنُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنْ أَحَبَّ الْمَوْتَ أَوْ الْقَتْلَ عَلَى الْكُفْرِ لِمَنْ كَانَ شِرِّيرًا مُؤْذِيًا بِطَبْعِهِ حَتَّى يَنْتَقِمَ اللَّهُ مِنْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ كُفْرًا وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي قَوْله تَعَالَى { رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا } يَظْهَرُ لَهُ صِحَّةُ مَا ادَّعَيْنَاهُ وَعَلَى هَذَا إذَا دَعَا عَلَى ظَالِمٍ وَقَالَ أَمَاتَك اللَّهُ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ قَالَ سَلَبَ اللَّهُ عَنْك الْإِيمَانَ وَنَحْوَهُ فَلَا يَضُرُّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يَنْتَقِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ عَلَى ظُلْمِهِ وَإِيذَائِهِ الْخَلْقَ قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَقَدْ عَثَرْنَا عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ كُفْرٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَشْيَاءُ تُوجِبُ الْكُفْرَ إنْ تَكَلَّمَ بِهَا وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ وَهُوَ مَحْضُ الْإِيمَانِ وَمَنْ اعْتَقَدَ الْحَلَالَ حَرَامًا أَوْ بِالْعَكْسِ يَكْفُرُ إذَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ وَإِذَا كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ لَا يَكْفُرُ ، وَإِنْ اعْتَقَدَهُ ، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ إذَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ ثَابِتَةً بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا وَقَدْ اُسْتُوْفِيَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْفَتَاوَى فَعَلَى الطَّالِبِ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِهَذَا الدُّعَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً ، فَإِنَّهُ
سَبَبُ الْعِصْمَةِ مِنْ الْكُفْرِ بِدُعَاءِ سَيِّدِ الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ أَنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أُشْرِكَ بِك شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا لَا أَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْإِكْفَارَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ يَمِيلُ الْعَالِمُ إلَى مَا يَمْنَعُهُ وَلَا يُرَجِّحُ الْوُجُوهَ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الْوَجْهَ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْإِكْفَارَ ثُمَّ الْمَسْطُورُ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ لِأَنَّ الْكَافِرَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً إيمَانًا وَعِرْفَانًا وَالْفَاسِقَ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَالُ الْبَقَاءِ ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِهَا مُطْلَقًا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } .
( فَصْل ) قَوْلُهُ : ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْإِكْفَارَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ يَمِيلُ الْعَالِمُ إلَى مَا يَمْنَعُهُ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ لِمَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِ .
( قَوْلُهُ : بِحَقِّ آنكه
إلَخْ ) مَعْنَاهُ بِحَقِّ أَنَّك أَنْتَ الْإِلَهُ وَنَحْنُ عَبِيدُك .
ا هـ .
مُصَحِّحُهُ .
( فَصْلٌ ) وَفِي الْفَتَاوَى مَنْ يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ وَيَجْحَدُ الرِّسَالَةَ إذَا قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا ، وَإِذَا قَالَ مَعَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ يَصِيرُ مُسْلِمًا ، كَذَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ قَالَ دَخَلْتُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ، أَمَّا الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ إذَا قَالَهُمَا الْيَوْمَ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَفْسَرْته يَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ فَلَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى إيمَانِهِ يَنْضَمُّ إلَيْهِ التَّبَرِّي مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا قَالَ النَّصْرَانِيُّ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَتَبَرَّأُ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ ؛ إذْ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا ، وَإِنْ زَادَ ، وَقَالَ وَأَدْخُلُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ زَالَ الِاحْتِمَالُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُسْتَسْلِمُ لِلْحَقِّ وَكُلُّ ذِي دِينٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ، وَعَنْ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قَالَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ أَسْلَمْتُ يُسْأَلُ أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدُ ، إنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ تَرْكَ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ وَالدُّخُولَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ صَارَ مُسْلِمًا ، وَإِنْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ فِي دِينِ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا ، وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ حَتَّى صَلَّى بِجَمَاعَةٍ كَانَ مُسْلِمًا ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ أَوْ يُصَلِّيَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا ، وَإِنْ قَالَ الْوَثَنِيُّ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَارَ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَبِأَيِّهِمَا شَهِدَ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ تَنَازَعَا فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فَقِيلَ إنَّهُ يُبَاعُ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا مِنْ النَّصْرَانِيِّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ أَنَا مُسْلِمٌ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَّا إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ مِثْلُك قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ
يَصِيرَ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ جَوَابًا لِكَلَامِ غَيْرِهِ ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِأَنَا مُسْلِمٌ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُتْرَكُ عَلَى دِينِهِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْكُفْرِ فِيهِ سَوَاءٌ ، وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ بِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَأُجْبِرَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ .
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَفِي النَّوَادِرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ
فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ حَتَّى صَلَّى بِجَمَاعَةٍ كَانَ مُسْلِمًا ) كَذَلِكَ يَكُونُ مُسْلِمًا لَوْ أَذَّنَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا أَوْ صَلَّى فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَبَّى وَطَافَ كَمَا يَطُوفُ الْمُسْلِمُونَ لَا بِمُجَرَّدِ التَّلْبِيَةِ ، كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا عَنْ الْمُنْتَقَى نَصْرَانِيٌّ صَلَّى وَحْدَهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَكَبَّرَ ، ثُمَّ أَفْسَدَ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَفِي النَّوَادِرِ قُبِلَ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ : وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ ؛ لِأَنَّ نَفْسًا مَا لَا تُقْتَلُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ .
ا هـ .
( كِتَابُ النِّكَاحِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ شَرَعَ فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يُسْتَحْسَنُ وَأُخْرَى يُكْرَهُ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَسَائِرُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ قَالَ الشَّاعِرُ : إنَّ الْقُبُورَ تَنْكِحُ الْأَيَامَى ، النِّسْوَةَ الْأَرَامِلَ الْيَتَامَى أَيْ تَضُمُّ وَتَجْمَعُ إلَى نَفْسِهَا سُمِّيَ النِّكَاحُ نِكَاحًا لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ شَرْعًا إمَّا وَطْئًا أَوْ عَقْدًا حَتَّى صَارَ فِيهِ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ وَمَعْنَاهُ شَرْعًا ( عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ ) أَيْ حِلِّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَإِنْ تَبِعَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ قَوْلِنَا فِي مَحَلِّهَا كَمَا زِيدَ فِي النِّهَايَةِ احْتِرَازًا عَنْ بَيْعِ الْغِلْمَانِ وَالْبَهَائِمِ فَإِنَّ تَمَلُّكَهَا لَيْسَ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ الَّتِي هِيَ الْوَطْءُ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ ، بَلْ الْأَجْزَاءُ الْمُرْتَبِطَةُ نَحْوُ زَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ ، وَكَذَا بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ فَإِنَّ الشَّارِعَ قَدْ جَعَلَ بَعْضَ الْمُرَكَّبَاتِ الْإِخْبَارِيَّةِ إنْشَاءً بِحَيْثُ إذَا وُجِدَ وُجِدَ مَعَهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مَثَلًا إذَا قِيلَ زَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ وُجِدَ مَعْنًى شَرْعِيٌّ هُوَ النِّكَاحُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ ، وَكَذَا إذَا قِيلَ بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وُجِدَ مَعْنًى شَرْعِيٌّ هُوَ الْبَيْعُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ اللَّفْظِ الْإِنْشَائِيِّ وَمَعْنَاهُ مِنْ الْعَلَاقَةِ الْقَوِيَّةِ حَيْثُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ إيجَادُ مَعْنًى بِلَفْظٍ يُقَارِنُهُ فِي الْوُجُودِ سُمِّيَتْ الْأَلْفَاظُ الْإِنْشَائِيَّةُ بِأَسَامِي
مَعَانِيهَا حَيْثُ ذُكِرَ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَأُرِيدَ بِهِمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَلِذَا أَطْلَقَ النِّكَاحَ هَاهُنَا عَلَى الْعَقْدِ مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ مَوْضُوعٌ لِلنِّكَاحِ شَرْعًا كَمَا عَرَفْتَ فَظَهَرَ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمِلْكِ الْمُتْعَةِ لَيْسَتْ صِلَةً لِلْوَضْعِ ، بَلْ لِلْغَايَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ وَأَنَّ هَا هُنَا عِلَلًا أَرْبَعًا الْفَاعِلِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَانِ وَالْمَادِّيَّةُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالصُّورِيَّةُ الِارْتِبَاطُ وَالْغَائِيَّةُ الِاسْتِمْتَاعُ ، هَذَا تَحْقِيقُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ قَاصِرَةً عَنْ إفَادَتِهِ وَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَسَّرَ أَوَّلًا النِّكَاحَ بِعَقْدٍ مَوْضُوعٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَصَرَّحَ ثَانِيًا بِأَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ فَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ الِارْتِبَاطِ مَعْنَى النِّكَاحِ ، ثُمَّ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّ الشَّرْعَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ الْمَوْجُودَيْنِ حِسًّا يَرْتَبِطَانِ ارْتِبَاطًا حُكْمِيًّا فَيَحْصُلُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَكُونُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي أَثَرًا لَهُ فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْبَيْعُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ مَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ الْهَيْئَةِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ ، ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْبَيْعُ فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَكُونَا مُتَّحِدَيْنِ لَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَعْنًى لِلْآخَرِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْمُتَنَافِيَيْنِ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ، ( يُسَنُّ ) النِّكَاحُ ( حَالَ الِاعْتِدَالِ ) أَيْ اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ بَيْنَ الشَّوْقِ الْقَوِيِّ إلَى الْجِمَاعِ وَبَيْنَ الْفُتُورِ عَنْهُ ( وَيَجِبُ فِي التَّوَقَانِ ) وَهُوَ الشَّوْقُ الْقَوِيُّ ( وَيُكْرَهُ لِخَوْفِ الْجَوْرِ ) أَيْ عَدَمُ رِعَايَةِ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ
( كِتَابُ النِّكَاحِ ) ( قَوْلُهُ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً ) عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ قِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا ، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى الشَّافِعِيِّ ، وَقِيلَ قَلْبُهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا ، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ صَرَّحَ بِهِ مَشَايِخُنَا أَيْضًا .
وَقَالَ الْكَمَالُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ أَفْرَادِ الضَّمِّ وَالْمَوْضُوعُ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ ا هـ .
وَعَارَضَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِمَا لَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ إنَّهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ ) الْعَطْفُ لِلْبَيَانِ ؛ وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي عَلَى قَوْلِهِ النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ ا هـ .
وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الضَّمِّ تَعَلُّقُهُ بِالْأَجْسَامِ لَا الْأَقْوَالِ ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ يَتَلَاشَى الْأَوَّلُ مِنْهَا قَبْلَ وُجُودِ الثَّانِي فَلَا يُصَادِفُ الثَّانِيَ مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ لِمَا أَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى الضَّمِّ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ حَالَةَ الْوَطْءِ يَجْتَمِعَانِ وَيَنْضَمُّ كُلٌّ إلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَصِيرَا كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ قَوْلُهُ وَمَعْنَاهُ شَرْعًا عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ ) أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَهُمْ الْفُقَهَاءُ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ فَهُوَ لِلْوَطْءِ فَقَدْ تَسَاوَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَالشَّرْعِيُّ ؛ وَلِذَا قَالَ قَاضِي خَانْ إنَّهُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَكَلِّمِ ، كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاهِيهِ ( قَوْلُهُ : وَأَنَّ هَاهُنَا عِلَلًا أَرْبَعًا ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَظَهَرَ
أَنَّ اللَّامَ ( قَوْلُهُ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ ) أَيْ بَيْنَ التَّفْسِيرَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ ) أَيْ مِنْ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمِلْكِ الْمُتْعَةُ لَيْسَتْ صِلَةً ، بَلْ لِلْغَايَةِ ( قَوْلُهُ : يُسَنُّ
إلَخْ ) بَيَانٌ لِصِفَةِ النِّكَاحِ ، وَأَمَّا سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورًا تَعَلُّقُ بَقَاءِ الْعَالَمِ بِهِ الْمُقَدَّرِ فِي الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَشَرْطُهُ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ الْأَوَّلُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجَيْنِ وَلَا مُتَوَلِّي الْعَقْدِ ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي الْخَاصُّ لِلِانْعِقَادِ سَمَاعُ اثْنَيْنِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَاللَّفْظِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا وَحُكْمُهُ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَتَمَامُ صِفَتِهِ نَذْكُرُهَا مُنْقَسِمَةً إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا .
( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ فِي التَّوَقَانِ وَهُوَ الشَّوْقُ الْقَوِيُّ ) أَيْ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْهُ كَانَ النِّكَاحُ فَرْضًا بِشَرْطِ مِلْكِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَمِنْهَا .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ لِخَوْفِ الْجَوْرِ ) أَيْ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ كَانَ النِّكَاحُ حَرَامًا ، وَإِنْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْإِيفَاءِ بِمُوجِبِهِ كَانَ مُبَاحًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَعَ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَهِيَ سِتَّةٌ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ
( وَيَنْعَقِدُ ) النِّكَاحُ أَيْ يَحْصُلُ وَيَتَحَقَّقُ ( بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ كَمَا فِي بَنَيْت الْبَيْتَ بِالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ لَا لِلِاسْتِعَانَةِ كَمَا فِي كَتَبْت بِالْقَلَمِ ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي كَوْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَجْزَاءً مَادِّيَّةً وَالْمُرَادُ بِالْإِيجَابِ مَا يُقَدَّمُ مِنْ كَلَامِ الْعَاقِدَيْنِ سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ وُجُودَ الْعَقْدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبُولُ أَوْ يُثْبِتُ لِلْآخَرِ خِيَارَ الْقَبُولِ ( وُضِعَا ) فِي أَصْلِ اللُّغَةِ ( لِلْمُضِيِّ ) أَيْ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا حَدَثَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ شَرْعِيٍّ وَالنِّكَاحُ كَذَلِكَ وَالتَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالشَّرْعِ ، وَالشَّرْعُ قَدْ اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الْمَاضِي لُغَةً فِي الْإِنْشَاءِ لِيَدُلَّ عَلَى التَّحَقُّقِ وَالثُّبُوتِ ، فَيَكُونُ أَدَلَّ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ عَلَى شَيْءٍ لِامْرَأَةٍ زَوِّجِينِي نَفْسَكِ فَكَتَبَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ عَقِبَهُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ( كَزَوَّجْتُ ) أَيْ نَفْسِي إنْ صَدَرَ عَنْ الْمَرْأَةِ أَوْ بِنْتِي أَوْ نَحْوَهَا إنْ صَدَرَ عَنْ الرَّجُلِ ( وَتَزَوَّجْتُ ، وَ ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا ( بِمَا وُضِعَا ) أَيْ لَفْظَيْنِ وُضِعَ أَحَدُهُمَا ( لَهُ ) أَيْ لِلْمُضِيِّ .
( وَ ) الْآخَرُ ( لِلِاسْتِقْبَالِ ) يَعْنِي الْأَمْرَ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِقْبَالِ ( كَزَوِّجْنِي وَزَوَّجْت ) وَإِنَّمَا عَطَفَ قَوْلَهُ بِمَا وُضِعَا عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وُضِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي ، ثُمَّ قَالَ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَبِالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَعَادَ لَفْظَ
يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ لَيْسَا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ، بَلْ قَوْلُهُ زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ ، وَقَوْلُهُ زَوَّجْت إيجَابٌ وَقَبُولٌ حُكْمًا فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَصَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ كَأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ قَوْلَهُ ثَانِيًا وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ أَنَّ مَا وُضِعَ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فَقَصَدَ الِاخْتِصَارَ فَقَالَ الْأَوَّلُ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ لَفْظُهُمَا مَاضٍ كَزَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ أَوْ مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ كَزَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُ ، وَقَالَ الثَّانِي يَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي أَوْ أَحَدُهُمَا .
وَقَالَ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ : أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي أَوْ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمَاضِي وَالْآخَرُ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَجَعَلُوا مَا وُضِعَ لِلْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكُتُبِ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي فَيَقُولُ الْآخَرُ زَوَّجْتُكَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ ، وَقَوْلُهُ زَوَّجْتُكَ امْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ يَجْعَلُ زَوِّجْنِي شَطْرَ الْعَقْدِ وَيُوَافِقُهُ الشَّارِحُ فِيهِ ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ تَوْكِيلًا وَإِنَابَةً وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بَعْدَ مَا نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ الدَّقِيقَةِ كَيْفَ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا هَؤُلَاءِ الْأَفَاضِلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالِاسْتِقْبَالِ مَا يَتَنَاوَلُ الْمُضَارِعَ لِمَا نُقِلَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ الشَّيْخِ حَمِيدِ الدِّينِ أَنَّهُ قَالَ
نَظِيرُ الِانْعِقَادِ بِالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إنِّي أَتَزَوَّجُكِ فَتَقُولَ الْمَرْأَةُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ يَصِحُّ النِّكَاحُ
( قَوْلُهُ : وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ) أَيْ فِي مَجْلِسٍ ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَبُولِ الْمَجْلِسُ كَالْبَيْعِ لَا الْفَوْرُ وَصُورَةُ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ أَنْ يُوجِبَ أَحَدُهُمَا فَيَقُومُ الْآخَرُ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ يَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ فَسُكُوتُهُ بَعْدَ الْإِيجَابِ لَا يَضُرُّ إذَا قَبِلَ بَعْدَهُ وَيُشْتَرَطُ لِلِانْعِقَادِ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ بَعْدَ ذِكْرِ مَا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ مِنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ حَتَّى لَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَا يَصِحُّ كَقَوْلِهَا تَزَوَّجْتُكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبْلَ أَنْ تَقُولَ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ إذَا كَانَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ فَلَوْ أَوْجَبَ بِكَذَا ، فَقَالَ قَبِلْتُ النِّكَاحَ وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِيهِ تَبَعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاضِرِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى انْعِقَادِهِ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْغَائِبِ لَكِنْ بِشَرْطِ إسْمَاعِ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ مَعَ قَبُولِهَا أَوْ حِكَايَتِهَا مَا فِي الْكِتَابِ مَعَ الْقَبُولِ ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَزَوِّجِي نَفْسَكِ مِنِّي لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ بِمَا فِي الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُصَفَّى عَنْ الْكَامِلِ .
( قَوْلُهُ : إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا وُضِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ) هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِمَا نَذْكُرُ .
( قَوْلُهُ : وَأَعَادَ لَفْظَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ تَنْبِيهًا
إلَخْ ) مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذَا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَهِلَ الصِّحَّةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ ، فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا قَائِمًا بِالْمُجِيبِ وَصَرَّحَ غَيْرُ صَاحِبِ
الْهِدَايَةِ بِأَنَّ زَوِّجْنِي إيجَابٌ ، فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا أَيْ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ وَلَفْظُ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْكَمَالُ ، وَهَذَا أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظُ الْمُفِيدُ قَصْدَ تَحْقِيقِ الْمَعْنَى أَوَّلًا وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى لَفْظَةِ الْأَمْرِ فَلْيَكُنْ إيجَابًا ا هـ .
قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ أَوْ تَوْكِيلٌ فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْكَنْزِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا اعْتَرَضَ مُنْلَا خُسْرو مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ خَالَفَ الْكُتُبَ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَالْمُعْتَرِضُ غَفَلَ عَنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ حَفِظَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْهُ أَشْيَاءَ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ كَوْنُهُ إيجَابًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالِاسْتِقْبَالِ مَا يَتَنَاوَلُ الْمُضَارِعَ
إلَخْ ) يَرْجَحُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْإِيجَابَ هُوَ الصَّادِرُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ الْمِثَالَ الَّذِي جَعَلَهُ لِهَذَا بِقَوْلِهِ إنِّي أَتَزَوَّجُكِ فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ لَا يَقْتَضِي الِانْعِقَادَ بِالتَّوْكِيلِ بِلَفْظِهَا فَقَطْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَةِ إنِّي أَتَزَوَّجُكِ لِلتَّوْكِيلِ ، فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا ا هـ .
وَيَنْعَقِدُ بِالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالتَّاءِ تُزَوِّجُنِي بِنْتَكَ فَقَالَ قَبِلْتُ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الِاسْتِبْعَادِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْبِرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ ، وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ جِئْتُكَ خَاطِبًا ابْنَتَكَ أَوْ لِتُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ فَقَالَ الْأَبُ زَوَّجْتُكَ فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ ، وَلَيْسَ لِلْخَاطِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ
( وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَعْنَاهُ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِلَفْظٍ لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ أَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِهِ إنْ عَلِمَا أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ يَكُونُ نِكَاحًا عِنْدَ الْكُلِّ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَعْنَاهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْحُقُوقِ وَالْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ فَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ وَاقِعٌ فِي الْحُكْمِ ذَكَرَهُ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ ، وَإِذَا عَرَفَ الْجَوَابَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ .
( وَ ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا ( بِقَوْلِهِمَا داد ويذيرفت بِلَا مِيمٍ بَعْدَ دادي ويذير فَتَى ) يَعْنِي إذَا قِيلَ لِلْمَرْأَةِ خويشتن بزنى بِفُلَانٍ دَادِي فَقَالَتْ داد ، ثُمَّ قِيلَ لِلرَّجُلِ يذير فَتَى فَقَالَ يذيرفت بِلَا مِيمٍ يَصِحُّ النِّكَاحُ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقُولَ بِالْمِيمِ ، وَعَنْ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْخَاطِبُ خويشتن بزنى دادي ، وَتَقُولَ الْمَرْأَةُ خويشتن بزنى دادم ؛ لِأَنَّ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِدُونِ ذِكْرِ بزنى اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ( كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ ) أَيْ إذَا قِيلَ لِلْبَائِعِ فروختي فَقَالَ فروخت ، ثُمَّ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي خريدي فَقَالَ خريد يَصِحُّ الْبَيْعُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُولَا فروختم وخريدم لِمَا ذُكِرَ ( لَا ) يَنْعَقِدُ ( بِقَوْلِهِمَا عِنْدَ الشُّهُودِ مازن وشوهريم ) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ هَذِهِ امْرَأَتِي ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ هَذَا زَوْجِي عِنْدَ الشُّهُودِ لَا يَكُونُ نِكَاحًا قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَقَرَّا بِعَقْدٍ مَاضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ لَا يَكُونُ نِكَاحًا ، وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَأَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ يَكُونُ ذَلِكَ نِكَاحًا وَيَتَضَمَّنُ إقْرَارُهُمَا بِذَلِكَ إنْشَاءَ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّا بِعَقْدٍ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَعْنَاهُ ) هَذَا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ لَوْ عَقَدَا عَقْدَ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ لَا يَفْهَمَانِ كَوْنَهُ نِكَاحًا هَلْ يَنْعَقِدُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ ا هـ .
يَعْنِي بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مَعَ الْهَزْلِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ ا هـ لَفْظُ الْبَحْرِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْتُ نَفْسِي بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَعْلَمْ مَعْنَاهُ وَقَبِلَ أَيْ الزَّوْجُ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ النِّكَاحُ كَالطَّلَاقِ ، وَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمِثْلُ هَذَا فِي جَانِبِ الرَّجُلِ إذَا لَقَّنَتْهُ وَلَا يَعْلَمْ مَعْنَاهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا عَرَفَ الْجَوَابَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ
إلَخْ ) نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ قَاضِي خَانْ ( تَنْبِيهٌ ) لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ بَاقِي الْأَحْكَامِ مِنْ الْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْحُقُوقِ
إلَخْ ، وَقَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِي الْخُلْعِ قِيلَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْقَاضِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَا النَّفَقَةُ ، وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ أَنْ يَبْرَأَ ، وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا لَقَّنَ رَبَّ الدَّيْنِ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ لَا يَبْرَأُ ا هـ .
وَعَلِمْت بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَمِثْلُهُ التَّمْلِيكُ .
( قَوْلُهُ : كَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ هَذِهِ امْرَأَتِي ، وَقَالَتْ هَذَا زَوْجِي عِنْدَ الشُّهُودِ لَا يَكُونُ نِكَاحًا ) ، كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْوَاقِعَاتِ إنَّهُ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ صَحَّ النِّكَاحُ وَجُعِلَ إنْشَاءً وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
وَهَذَا أَعَمُّ مِمَّا فَصَّلَهُ قَاضِي خَانْ بَيْنَ أَنْ يُخْبِرَا بِمَا لَمْ يَكُنْ لَا يَنْعَقِدُ وَإِلَّا انْعَقَدَ ا هـ .
ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ ، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا
نِكَاحًا فَقَالَا نَعَمْ انْعَقَدَ ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْجَعْلِ ا هـ .
( وَلَا ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا ( بِالتَّعَاطِي ) وَهُوَ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْعَاقِدَانِ شَيْئًا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ، بَلْ تَرَاضَيَا عَلَى قَدْرٍ مِنْ الْمَهْرِ وَيُنَفِّذُهُ الزَّوْجُ أَوْ وَكِيلُهُ وَتَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ أَوْ وَكِيلُهَا وَتُسَلِّمُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ مُبَالَغَةً فِي صِيَانَةِ الْإِبْضَاعِ عَنْ الْهَتْكِ وَاحْتِرَامًا لِشَأْنِهَا وَيَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْخَسِيسِ لَا النَّفِيسِ ( وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ ) كَهِبَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَصَدَقَةٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا وُضِعَا لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ ( فِي الْحَالِ ) فَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا إذَا قُيِّدَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ أُطْلِقَتْ ، وَأَمَّا إذَا قِيلَ أَوْصَيْتُ بِبِنْتِي فُلَانَةَ لَكَ الْآنَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ ، وَقَالَ الرَّجُلُ قَبِلْتُ يَكُونُ نِكَاحًا .
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ إنْ ذُكِرَ الْمَهْرُ وَإِلَّا فَبِالنِّيَّةِ
( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ
إلَخْ ) أُورِدَ عَلَيْهِ انْعِقَادُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَلَفْظِ الرَّجْعَةِ وَكُونِي امْرَأَتِي فَقَبِلَتْ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى فِي النِّكَاحِ فَلْيُرَاجَعْ ( تَنْبِيهٌ ) لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِإِضَافَتِهِ لِجُزْءٍ شَائِعٍ فِي الصَّحِيحِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ خِلَافَهُ وَنَصُّهَا قَالَ زَوَّجْت نِصْفَ نَفْسِي مِنْك بِكَذَا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِد .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ ) هُوَ الصَّحِيحُ ، أَمَّا إذَا جُعِلَتْ أُجْرَةً فَيَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ مِلْكَ الْعَيْنِ لِلْحَالِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ شَرَطَ الْحُلُولَ أَوْ عُجِّلَتْ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ، وَقَالَ فِي الْفَتْحِ لَوْ جُعِلَتْ بَدَلَ الْإِجَارَةِ أَوْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ .
( قَوْلُهُ : وَالْإِعَارَةِ ) هُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ : وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا إذَا قَيَّدَتْ
إلَخْ ) كَذَا نَقْلُ التَّقْيِيدِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَجَازٌ عَنْ التَّمْلِيكِ فَلَوْ انْعَقَدَ بِهَا لَكَانَ مَجَازًا فِي النِّكَاحِ وَالْمَجَازُ لَا مَجَازَ لَهُ ا هـ .
وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ الْكَمَالُ ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ إنْ قَيَّدَ الْوَصِيَّةَ بِالْحَالِ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْتُ لَكِ بِبِنْتِي هَذِهِ الْآنَ يَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّهُ بِهِ صَارَ مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ ا هـ .
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي صِحَّتِهِ حِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ بِالْحَالِ يَصِحُّ ا هـ كَلَامُ الْكَمَالِ .
( قَوْلُهُ : وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة
إلَخْ ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِمَا يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ إذَا خَلَا الْحَالُ عَنْ نِيَّةٍ وَذِكْرِ الْمَهْرِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مُطْلَقًا .
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ
الشَّاهِدَيْنِ مَقْصُودَهُمَا ، كَذَا فِي الْبَحْرِ
( وَيُشْتَرَطُ سَمَاعُ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَفْظَ الْآخَرِ ) ؛ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الرِّضَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاضِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الْعِبَارَةِ ( وَ ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا ( حُضُورُ حُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ سَامِعَيْنِ مَعًا قَوْلَهُمَا ) ، وَقِيلَ الشَّرْطُ أَيْضًا حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ أَصَمَّيْنِ وَهِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِ السَّكَارَى إذَا فَهِمُوا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا بَعْدَ الصَّحْوِ ، وَإِنْ سَمِعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ فَأُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ ، وَلَوْ أَحَدُهُمَا أَصَمُّ فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ حَتَّى سَمِعَ لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا كَلَامَ الزَّوْجِ وَالْآخَرُ كَلَامَ الْمَرْأَةِ ، ثُمَّ أُعِيدَ وَانْعَكَسَ السَّمَاعُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَأَجَازَ أَبُو سَهْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ قَوْلُهُ قَوْلُهُمَا أَيْ قَوْلُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْوِقَايَةِ لَفْظَ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ قَوْلَ الْوَكِيلَيْنِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ شَهَادَتُهُمَا لِنِكَاحِ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ ( وَمُسْلِمَيْنِ لِنِكَاحِ مُسْلِمَةٍ ) ؛ إذْ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ( وَلَوْ ) كَانَا ( فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ أَعْمَيَيْنِ أَوْ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ ) ابْنَيْ ( أَحَدِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَهْلُ الْوِلَايَةِ ، فَيَكُونُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهَا ( وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ) النِّكَاحُ ( بِهِمَا ) أَيْ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ ابْنَيْ أَحَدِهِمَا ( إنْ ادَّعَى الْقَرِيبُ ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِلْقَرِيبِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا نَكَحَا بِحُضُورِ ابْنَيْ الزَّوْجِ فَإِنْ
ادَّعَى لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ ابْنَيْهِ لَهُ ، وَإِنْ ادَّعَتْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَهَا ، وَإِنْ نَكَحَا عِنْدَ ابْنَيْ الزَّوْجَةِ فَإِنْ ادَّعَتْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَهَا ، وَإِنْ ادَّعَى تُقْبَلُ
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ الشَّرْطُ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ ) إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ إنَّهُ يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ ، وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّحَهُ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَصَمَّيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْأَصَمِّ لِعَدَمِ السَّمَاعِ وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْمُحَقِّقُ الْكَمَالُ حَيْثُ قَالَ وَلَقَدْ أُبْعِدَ عَنْ الْفِقْهِ وَصُرِفَ عَنْ الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ جَوَّزَهُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : فَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الْأَصَمَّيْنِ وَهِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ قَيْدِ الْفَهْمِ مَتْنًا لِيَحْسُنَ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ
( كَمَا صَحَّ نِكَاحُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِمَا إنْ أَنْكَرَ ) ؛ إذْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُسْلِمُ تُقْبَلُ لَهُ ( أَمَرَ ) الْأَبُ شَخْصًا ( آخَرَ أَنْ يَنْكِحَ صَغِيرَتَهُ فَأَنْكَحَ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ إنْ حَضَرَ الْأَبُ صَحَّ ) النِّكَاحُ ( وَإِلَّا فَلَا ) فَإِنَّ الْأَبَ إذَا حَضَرَ انْتَقَلَ ، عِبَارَةُ الْوَكِيلِ إلَيْهِ فَصَارَ عَاقِدًا حُكْمًا وَالْوَكِيلُ مَعَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ شَاهِدَانِ ( كَأَبٍ زَوَّجَ بَالِغَتَهُ عِنْدَ رَجُلٍ إنْ حَضَرَتْ صَحَّ ) النِّكَاحُ ( وَإِلَّا فَلَا ) فَصَارَتْ الْبَالِغَةُ كَأَنَّهَا عَاقِدَةٌ وَالْأَبُ وَذَلِكَ الشَّاهِدُ شَاهِدَانِ
( قَوْلُهُ : عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ ) أَيْ وَلَوْ مُخَالِفَيْنِ اعْتِقَادًا كَمَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ .
( قَوْلُهُ : أَمَرَ الْأَبُ شَخْصًا ) يَعْنِي رَجُلًا لِيُفِيدَ حُكْمَ الصِّحَّةِ بِمَا صَوَّرَهُ مِنْ عَقْدِهِ بِحَضْرَةِ امْرَأَتَيْنِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ الشَّخْصُ امْرَأَةً شُرِطَ حُضُورُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى ا هـ .
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَأْمُورِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ ، بَلْ قَالَ هَذِهِ امْرَأَتُهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَنَحْوِهِ ، وَإِنْ بَيَّنَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ يَرِدُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ نَحْوِ الْقَبَّانِي وَالْقَاسِمِ ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ مَعَ بَيَانِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ
( حَرُمَ ) عَلَى الرَّجُلِ ( تَزَوُّجُ أَصْلَهُ ) ، وَإِنْ عَلَتْ ( وَفَرْعِهِ ) ، وَإِنْ سَفَلَتْ ( وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا ) وَإِنْ سَفَلَتْ ( وَبِنْتِ أَخِيهِ ) ، وَإِنْ سَفَلَتْ ( وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ ) بِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتَا ، وَأَمَّا بَنَاتُ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ فَحَلَالٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَهُنَّ غَيْرُ مَذْكُورَاتٍ فِي الْمُحَرَّمَاتِ ( وَبِنْتِ زَوْجَةٍ وُطِئْت وَأُمِّ زَوْجَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ ) الْأُمُّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَطْءَ الْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ وَنِكَاحَ الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ ( وَزَوْجَةِ أَصْلِهِ ) ، وَإِنْ عَلَا ( وَفَرْعِهِ ) ( وَإِنْ سَفَلَ وَالْكُلِّ رَضَاعًا ) أَيْ حَرُمَ تَزَوُّجُ كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ ، وَهَذَا يَشْمَلُ أَقْسَامًا كَبِنْتِ الْأُخْتِ مَثَلًا يَشْمَلُ الْبِنْتَ الرَّضَاعِيَّةَ لِلْأُخْتِ النَّسَبِيَّةِ وَالْبِنْتِ النَّسَبِيَّةِ لِلْأُخْتِ الرَّضَاعِيَّةِ وَالْبِنْتِ الرَّضَاعِيَّةِ لِلْأُخْتِ الرَّضَاعِيَّةِ .
( وَ ) حَرُمَ أَيْضًا تَزَوُّجُ ( أَصْلَ مَزْنِيَّتِهِ ) ، وَإِنْ عَلَتْ ( وَ ) أَصْلَ ( مَمْسُوسَتِهِ بِشَهْوَةٍ وَمَاسَّتِهِ وَنَاظِرَةٍ إلَى ذَكَرِهِ وَالْمَنْظُورِ بِشَهْوَةٍ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ ، وَلَوْ ) كَانَ نَظَرُهُ ( مِنْ زُجَاجٍ أَوْ مَاءٍ هِيَ ) أَيْ الْمَرْأَةُ ( فِيهِ ) أَيْ الْمَاءِ .
( وَ ) حَرُمَ أَيْضًا تَزَوُّجُ ( فُرُوعِهِنَّ ) ؛ إذْ بِالزِّنَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( لَا ) أَيْ لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ ( مِنْ مِرْآةٍ أَوْ مَاءٍ بِالِانْعِكَاسِ ) يَعْنِي إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ مِنْ زُجَاجٍ أَوْ مَاءٍ هِيَ فِيهِ تَحْرُمُ هِيَ لَهُ ، وَأَمَّا إذَا نَظَرَ إلَى مِرْآةٍ أَوْ مَاءٍ فَرَأَى فَرْجَهَا الدَّاخِلَ بِالِانْعِكَاسِ لَا تَحْرُمُ لَهُ ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ
( قَوْلُهُ : حَرُمَ عَلَى الرَّجُلِ
إلَخْ ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَهُوَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مَحَلًّا لَهُ وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي إضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَى الْأَعْيَانِ فَقِيلَ مَجَازٌ وَالْمُحَرَّمُ حَقِيقَةُ الْفِعْلِ وَرَجَّحُوا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَانْتِفَاءُ مَحَلِّيَّةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّكَاحِ شَرْعًا بِأَحَدِ تِسْعَةِ أَشْيَاءَ : النَّسَبِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَالرِّضَاعِ وَحُرْمَةِ الْجَمْعِ كَالْمَحَارِمِ وَالْخَمْسِ وَالتَّقْدِيمِ وَحَقِّ الْغَيْرِ وَعَدَمِ دِينٍ سَمَاوِيٍّ وَالتَّنَافِي كَنِكَاحِ السَّيِّدَةِ وَالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِالثَّلَاثِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ ( قَوْلُهُ : وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ ) كَذَا عَمَّةُ جَدِّهِ وَخَالَتُهُ وَعَمَّةُ جَدَّتِهِ وَخَالَاتُهَا الْأَشِقَّاءُ وَغَيْرُهُنَّ ، وَأَمَّا الْعَمَّةُ لِأُمٍّ فَلَا تَحْرُمُ عَمَّتُهَا ، وَكَذَا الْخَالَةُ لِأَبٍ لَا تَحْرُمُ خَالَتُهَا وَالتَّوْجِيهُ لَا يَخْفَى وَهُوَ فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَبِنْتِ زَوْجَتِهِ ) كَذَا بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ ، وَإِنْ سَفَلْنَ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ الْأُمُّ ) صَوَابُهُ الزَّوْجَةُ أَوْ الْبِنْتُ بَدَلَ الْأُمِّ .
( قَوْلُهُ : وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أَصْلِ مَزْنِيَّتِهِ ) أَخْرَجَ الْمَيِّتَةَ وَاَلَّتِي أَتَاهَا فِي دُبُرِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْجُزْئِيَّةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَمَمْسُوسَتِهِ ) شَامِلٌ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَفِي الشَّعْرِ اخْتِلَافٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا عَلَى الرَّأْسِ كَالْبَدَنِ بِخِلَافِ الْمُسْتَرْسِلِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُخْتَارِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْفَضْلِ عَدَمَ الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ ، وَإِذَا ادَّعَى عَدَمَ الشَّهْوَةِ صُدِّقَ إلَّا إذَا قَبَّلَ الْفَمَ أَوْ مَسَّ الْفَرْجَ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ .
(
قَوْلُهُ : إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ ) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ ، وَقِيلَ إلَى الشِّقِّ أَوْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ وَحَدُّ الشَّهْوَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنْ يَشْتَهِيَ بِقَلْبِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَهِيًا أَوْ يَزْدَادَ اشْتِهَاءً وَلَا يُشْتَرَطُ تَحَرُّكُ الْآلَةِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِانْتِشَارِ أَوْ ازْدِيَادِهِ إنْ كَانَ مُنْتَشِرًا وَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَحَلُّ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ الْإِنْزَالُ بِالْمَسِّ فَإِنْ أَنْزَلَ بِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْكَافِي وَفِي الشَّيْخِ وَالْعِنِّينِ عَلَامَةُ الشَّهْوَةِ أَنْ يَتَحَرَّكَ قَلْبُهُ بِالِاشْتِهَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّكًا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فَيَزْدَادُ التَّحَرُّكُ وَالِاشْتِهَاءُ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ الشَّهْوَةُ أَنْ يَمِيلَ قَلْبُهُ إلَيْهَا وَيَشْتَهِيَ أَنْ يُوَاقِعَهَا ، كَذَا فِي قَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ : لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ مِنْ مِرْآةٍ ) لَا يَصِحُّ هَذَا إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فَيُقَالُ لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُ أَصْلِ وَفَرْعِ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا لِمَا أَنَّهُ لَا تَحْرُمُ نَفْسُ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا .
( قَوْلُهُ : فَرَأَى فَرْجَهَا الدَّاخِلَ بِالِانْعِكَاسِ لَا يُحَرَّمُ لَهُ ) ضَمِيرُ يُحَرَّمُ رَاجِعٌ لِلنَّظَرِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَصْلُهَا وَفَرْعُهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّى بِعَلَى .
( قَوْلُهُ : كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ ) يَعْنِي بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْته وَعِبَارَةُ قَاضِي خَانْ لَوْ نَظَرَ فِي مِرْآةٍ فَرَأَى فَرْجَ امْرَأَةٍ فَنَظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فَرْجَهَا وَإِنَّمَا رَأَى عَكْسَ فَرْجِهَا .
ا هـ .
.
( قَبَّلَ أُمَّ امْرَأَتِهِ تَحْرُمُ ) امْرَأَتُهُ ( مَا لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ الشَّهْوَةِ وَفِي الْمَسِّ ) أَيْ إذَا مَسَّ أُمَّ امْرَأَتِهِ ( لَا ) تَحْرُمُ ( مَا لَمْ تَعْلَمْ الشَّهْوَةَ ) ؛ لِأَنَّ تَقْبِيلَ النِّسَاءِ غَالِبًا يَكُونُ عَنْ شَهْوَةٍ وَالْمُعَانَقَةُ بِمَنْزِلَةِ التَّقْبِيلِ ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ( وَمَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ لَيْسَتْ بِمُشْتَهَاةٍ ) فَإِنَّ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ قَدْ تَكُونُ مُشْتَهَاةً ، وَقَدْ لَا تَكُونُ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعِظَمِ الْجُثَّةِ وَصِغَرِهَا ، وَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِهَا تِسْعَ سِنِينَ فَلَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً وَبِهِ يُفْتَى ( كَذَا ) أَيْ كَمَا حَرُمَ تَزَوُّجُ أَصْلِ مَزْنِيَّتِهِ وَنَحْوِهَا كَذَلِكَ حَرُمَ ( الْجَمْعُ نِكَاحًا وَعِدَّةً ) أَيْ فِي النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْعِدَّةُ ( مِنْ ) طَلَاقٍ ( بَائِنٍ ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ .
( وَ ) الْجَمْعُ ( وَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ ) قَوْلُهُ ( بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمْعِ ( أَيَّتُهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى ) يَعْنِي يَحْرُمُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ أَوْ يَتَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الْأُخْرَى ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَأَنْ يَطَأَهُمَا مَمْلُوكَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ؛ إذْ الْمُعَادَاةُ مُعْتَادَةٌ بَيْنَ الضَّرَائِرِ ( فَجَازَ ) الْجَمْعُ ( بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجِهَا ) الَّذِي كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ ؛ إذْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ فَإِنَّ بِنْتَ الزَّوْجِ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا كَانَ ابْنَ الزَّوْجِ وَهُوَ حَرَامٌ ، أَمَّا الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَرْأَةُ
( قَوْلُهُ : فَإِنَّ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ قَدْ تَكُونُ مُشْتَهَاةً ، وَقَدْ لَا تَكُونُ ) إخْرَاجٌ لِلْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ بِنْتَ تِسْعٍ مُشْتَهَاةٌ قَطْعًا مُطْلَقًا ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَا دُونَ تِسْعٍ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ بِنْتُ خَمْسٍ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً اتِّفَاقًا وَبِنْتُ تِسْعٍ فَصَاعِدًا مُشْتَهَاةٌ اتِّفَاقًا وَفِيمَا بَيْنَ الْخَمْسِ وَالتِّسْعِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالرِّوَايَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَالْجَمْعِ وَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي كِتَابِ الْحَظْرِ لَكِنَّهُ تَبِعَ غَيْرَهُ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ لِذِكْرِهِمْ لَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ ( قَوْلُهُ : أَيَّتُهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةُ ، وَأَمَّا الْمُؤَقَّتَةُ فَلَا يَمْنَعُ ؛ وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً ، ثُمَّ سَيِّدَتَهَا جَازَ ؛ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ السَّيِّدَةِ عَلَيْهَا نَظَرًا إلَى مُطْلَقِ الْحُرْمَةِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجِهَا ) لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى صِيغَةِ الْحَصْرِ فَأَفَادَ تَصْوِيرَ مِثْلِهَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ قَاضِي خَانْ قَالُوا كُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حَرُمَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ إذَا جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبَيْنَ ابْنَةِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا ا هـ .
لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَامْرَأَةِ ابْنِهَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا لَحَرُمَ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَقَلْبُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ
( وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَةٍ وَطِئَهَا ) صَحَّ النِّكَاحُ لِصُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ لَكِنْ ( لَا يَطَأُ وَاحِدَةً ) مِنْ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ ( حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حَقِيقَةً ، وَلَوْ جَامَعَ الْمَمْلُوكَةَ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حُكْمًا ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا ، وَإِذَا حَرَّمَ الْمَمْلُوكَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ حَلَّ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ ، وَإِذَا طَلَّقَ الْمَنْكُوحَةَ حَلَّ وَطْءُ الْمَمْلُوكَةِ وَيَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ لِعَدَمِ الْجَمْعِ وَطْئًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا ( وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا ) أَيْ الْأُخْتَيْنِ ( بِعَقْدَيْنِ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَلَا تَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ ( وَنَسَى الْأَوَّلَ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بَطَلَ الثَّانِيَةُ ( فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ، وَالتَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ بَاطِلٌ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ الْجَهَالَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلِلضَّرَرِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِإِلْزَامِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ وَصَيْرُورَةِ الْمَرْأَةِ كَالْمُعَلَّقَةِ وَهِيَ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ قَدْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ ( فَإِنْ طَلَبَتَا الْمَهْرَ ، وَقَالَتَا لَا نَدْرِي الْأَوَّلِيَّةَ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ ) إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَجْهُولَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْأَوَّلِيَّةِ أَوْ الِاصْطِلَاحِ لِيَقْضِيَ لَهُمَا وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَا عِنْدَ الْقَاضِي لَنَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ
وَهُوَ لَا يَعْدُونَا فَتَصْطَلِحُ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ فَيَقْضِي الْقَاضِي ( وَإِنْ ادَّعَتْهَا ) أَيْ الْأَوَّلِيَّةَ ( كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَهُمَا تَمَامُ الْمَهْرَيْنِ إنْ فُرِّقَ بَعْدَ الدُّخُولِ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ ( وَنِصْفُ مَهْرٍ لَوْ قَبْلَهُ وَتَسَاوَى مُسَمَّيَاهُمَا ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْأَخِيرَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْمَهْرِ وَالنِّكَاحُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ ، وَقَدْ فَارَقَ الْأُولَى قَبْلَ الْوَطْءِ فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا يَدْرِي لِمَنْ هُوَ فَنُصِّفَ بَيْنَهُمَا ( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ مُسَمَّيَاهُمَا ( فَإِنْ عَلِمَا ) أَيْ الْمُسَمَّيَانِ بِأَنَّ أَيَّهُمَا لِفُلَانَةَ وَأَيَّهُمَا لِلْأُخْرَى ( فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا رُبُعُ مَهْرِهَا ) الْمُسَمَّى ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُسَمَّيَانِ ( فَنِصْفٌ ) أَيْ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفٌ ( أَقَلُّ الْمُسَمَّيَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ ( وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ ) مَهْرٌ لَهُمَا ( فَلَهُمَا مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ ) بَدَلَ نِصْفِ الْمَهْرِ ( كَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْمُحَرَّمِ جَمَعَهُمَا ) فِي النِّكَاحِ مِنْ الْمَحَارِمِ
( قَوْلُهُ : وَنَسَى ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ بَيَّنَ إحْدَاهُمَا بِالْفِعْلِ بِأَنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ بَيَّنَ أَنَّهَا سَابِقَةٌ قَضَى بِنِكَاحِهَا لِتَصَادُقِهِمَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْرَى ، وَلَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا وَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأُخْرَى سَابِقَةٌ يُعْتَبَرُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَيَانُ دَلَالَةٍ وَالثَّانِيَ صَرِيحًا وَالدَّلَالَةُ لَا تُقَاوِمُ الصَّرِيحَ ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ .
( قَوْلُهُ : فُرِّقَ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصَ الْعَدَدُ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يُفَارِقُ الْكُلَّ وَأُجِيبُ بِإِمْكَانِهِ هُنَاكَ لَا هُنَا ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مُتَيَقَّنُ الثُّبُوتِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ بِعَيْنِهِ مِنْهُنَّ مُتَمَسِّكًا بِمَا كَانَ مُتَيَقَّنًا وَلَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا فَدَعْوَاهُ حِينَئِذٍ تَمَسُّكٌ بِمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ ادَّعَتْهَا أَيْ الْأَوَّلِيَّةَ كُلٌّ فَلَهُمَا تَمَامُ الْمَهْرَيْنِ إنْ فُرِّقَ بَعْدَ الدُّخُولِ ) أَقُولُ إذَا كَانَ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَزِمَ لِكُلٍّ مَهْرَهَا وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ دَعْوَى الْأَوَّلِيَّةِ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ لِلْمُزَاحَمَةِ فِي نِصْفِ الْمُسَمَّى قَبْلَ الدُّخُولِ ا هـ .
وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمَهْرُ كَامِلًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ ا هـ .
وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِدَعْوَى الْأَوَّلِيَّةِ وَبَقِيَ مَا لَوْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ وَالْحُكْمُ مَعْلُومٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ .
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْمُسَمَّيَانِ فَنِصْفٌ أَيْ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ ) فِيهِ نَظَرٌ لِحُكْمِهِ شَرْحًا بِنِصْفِ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ فَتَأْخُذَانِ مَهْرًا كَامِلًا ، وَلَيْسَ لَهُمَا إلَّا نِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ ا هـ .
وَيُمْكِنُ إصْلَاحُ الْمَتْنِ بِالْعِنَايَةِ فَيُقَالُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْمُسَمَّيَانِ فَنِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ يَعْنِي لَهُمَا وَإِلَّا فَالْمُؤَاخَذَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ عَلِمَا فَلِكُلٍّ رُبُعُ مَهْرِهَا وَإِلَّا فَنِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ ا هـ .
فَتَأَمَّلْ
( صَحَّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ ) الْمُقِرَّةِ بِنَبِيٍّ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الصَّابِئَةِ ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً مُقِرَّةً بِنَبِيٍّ صَارَ ذِكْرُهَا عَبَثًا وَإِلَّا فَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا
( قَوْلُهُ : صَحَّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُمْ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَتُكْرَهُ الْكِتَابِيَّةُ الْحَرْبِيَّةُ إجْمَاعًا لِانْفِتَاحِ بَابِ الْفِتْنَةِ مَعَ إمْكَانِ التَّعَلُّقِ الْمُسْتَدْعِي لِلْمُقَامِ مَعَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَتَعْرِيضِ الْوَلَدِ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَعَلَى الرِّقِّ بِأَنْ تُسْبَى وَهِيَ حُبْلَى فَيُولَدُ الْوَلَدُ رَقِيقًا ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : الْمُقِرَّةِ بِنَبِيٍّ ) كَذَا قَالَ الْكَمَالُ الْكِتَابِيُّ مَنْ يُقِرُّ بِنَبِيٍّ وَيُؤْمِنُ بِكِتَابٍ وَفِي الْمُصَفَّى قَالُوا هَذَا يَعْنِي حِلَّ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ إذَا لَمْ تَعْتَقِدْ الْمَسِيحَ إلَهًا ، أَمَّا إنْ اعْتَقَدَتْ فَلَا .
وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ ، وَقِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ ا هـ .
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الذَّبِيحَةِ قَالَ ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ حَلَالٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ بِثَالِثِ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ أَيْ الْهِدَايَةِ وَالدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } ا هـ كَلَامُ الْكَمَالِ وَيُوَافِقُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ مِنْ ابْتِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ لَا عَلَى مَا يُضْمِرُونَ
( وَ ) نِكَاحُ ( الْمُحْرِمَةِ ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ نِكَاحُهَا ( لِمُحْرِمٍ ) فَإِنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ
.
( وَ ) نِكَاحُ ( الْأَمَةِ ، وَلَوْ ) كَانَتْ ( كِتَابِيَّةً أَوْ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَيُجَوِّزُهُ بِالْمُسْلِمَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ وَالْمُرَادُ بِطَوْلِ الْحُرَّةِ الْقُدْرَةُ عَلَى نِكَاحِهَا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَهْرُ الْحُرَّةِ وَنَفَقَتُهَا ( وَ ) نِكَاحُ ( الْحُرَّةِ عَلَيْهَا ) أَيْ الْأَمَةِ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّة ( وَلَوْ ) كَانَ نِكَاحُهَا ( فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ ) لِبَقَاءِ أَثَرِ النِّكَاحِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَقْدِ
( قَوْلُهُ : وَلَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ ) عَلِمْت كَرَاهَةَ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِكَرَاهَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُبَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ رَاجِحًا عَلَى الْفِعْلِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَنِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا ) كَذَلِكَ يَجُوزُ مَعَهَا وَيَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ .
( قَوْلُهُ : أَيْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ ) قَيَّدَ بِالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مُرَاجَعَةُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الرَّجْعَةِ وَالْمُرَادُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَلَوْ دَخَلَ بِالْحُرَّةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ وَخَمْسًا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْخَمْسِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ فَصَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ
.
( وَ ) نِكَاحُ ( أَرْبَعٍ مِنْ حَرَائِرَ وَإِمَاءٍ لِلْحُرِّ فَقَطْ ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَزْيَدُ مِنْ الْأَرْبَعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً ( وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ )
( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ } .
الْآيَةَ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ { فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } ، فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ حِلَّ الْأَرْبَعِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ وَثُبُوتِ الْمَنْعِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ خَوْفِهِ قَالَهُ الْكَمَالُ فِي بَابِ الْقَسْمِ .
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ مَا ظَاهِرُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا خَافَ عَدَمَ الْعَدْلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ .
( قَوْلُهُ : وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ قَوْلٌ بِالْمَفْهُومِ وَلَا نَقُولُ بِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْكَافِي وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : لَكِنْ لَا تُوطَأُ ) حُكْمُ الدَّوَاعِي كَالْوَطْءِ لَا تَحِلُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ
.
( وَ ) نِكَاحُ ( حُبْلَى مِنْ الزِّنَا ) لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } .
( وَ ) لَكِنْ ( لَا تُوطَأُ قَبْلَ وَضْعِهَا ) لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ لَا لِاحْتِرَامِ مَاءِ الزَّانِي هَذَا إذَا كَانَ النَّاكِحُ غَيْرَ الزَّانِي ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ الْكُلِّ ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ
( قَوْلُهُ : لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ ) فَإِنْ قِيلَ فَمُ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ فِي الْحَبَلِ فَكَيْفَ يَكُونُ سَاقِيًا قُلْنَا شَعْرُهُ يَنْبُتُ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي ا هـ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ ازْدِيَادُ نَبَاتِ الشَّعْرِ لَا أَصْلُ نَبَاتِهِ ؛ وَلِذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي ؛ لِأَنَّ بِهِ يَزْدَادُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ حِدَةً كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ ا هـ .
وَهَذِهِ حِكْمَتُهُ وَإِلَّا فَالْمُرَادُ الْمَنْعُ مِنْ الْوَطْءِ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ا هـ .
.
( وَ ) نِكَاحُ ( الْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكِ يَمِينٍ ) بِأَنْ وَطِئَهَا مَوْلَاهَا وَيَدْخُلُ فِيهِ أُمُّ الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ وَلِهَذَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ ( أَوْ زِنًا ) أَيْ صَحَّ نِكَاحُ الْمَوْطُوءَةِ بِزِنًا حَتَّى لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ ) كَذَا فِي الْكَافِي ، ثُمَّ قَالَ : وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا ا هـ .
أَيْ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ا هـ .
أَيْ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا ، وَكَذَا الزَّانِيَةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلَمْ يَتَقَابَلْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ فَكَانَ .
قَوْلُهُ : تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِمَا ا هـ
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِبْرَاؤُهَا إذَا أَرَادَ تَزْوِيجَهَا وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ .
وَفِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيُّ جَعَلَ الْوُجُوبَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا جَازَ وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَخِلَافُ مُحَمَّدٍ فِي حِلِّ الْوَطْءِ لَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَقَوْلُهُ : خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا لَا بِجَازِ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى صَحَّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ
( وَ ) نِكَاحُ الْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ وَثَنِيَّةً وَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى صَحَّ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَبِيعِ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَبِيعِ يَكُونُ قَبُولُ غَيْرِ الْمَبِيعِ شَرْطًا لِقَبُولِ الْمَبِيعِ وَهُوَ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ( وَمَا سُمِّيَ ) مِنْ الْمَهْرِ كُلِّهِ ( فَلَهَا ) ، وَقَالَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا فَمَا أَصَابَ الْمَضْمُومَةَ لَزِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْأُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ
( لَا نِكَاحُ أَمَتِهِ وَسَيِّدَتِهِ ) أَيْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ سَوَاءً كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُشْتَرَكَةً وَلَا نِكَاحُ الْعَبْدِ سَيِّدَتَهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِمَا .
( وَ ) لَا نِكَاحُ ( الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْمُشْرِكَاتِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } ( وَصَابِئَةٍ عَابِدَةِ كَوْكَبٍ لَا كِتَابَ لَهَا ) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الصَّابِئَةِ فَعِنْدَهُمَا هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ النُّجُومَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسُوا بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا يُعَظِّمُونَ النُّجُومَ كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ الْكَعْبَةَ ، فَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَتَدْخُلُ فِيمَا سَبَقَ ، وَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَاهُ لَمْ يَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ وَلِهَذَا قُيِّدَتْ هَاهُنَا بِمَا ذُكِرَ ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمَذْكُورَاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ نَقُولُ هُوَ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
( قَوْلُهُ : لَا نِكَاحُ أَمَتِهِ ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَبَقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَعَدِّهَا عَلَيْهِ خَامِسَةً .
ا هـ .
( قُلْت ) وَكَذَا ثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَالْكُلُّ مُنْتَفٍ ا هـ .
أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا مُتَنَزِّهًا عَنْ وَطْئِهَا حَرَامًا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ حَسَنٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ مُعْتَقَةَ الْغَيْرِ أَوْ مَحْلُوفًا عَلَيْهَا بِعِتْقِهَا ، وَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ سِيَّمَا إذَا تَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ا هـ .
وَلَا يَخْفَى مَا فِي عَدَمِ عَدِّهَا خَامِسَةً وَنَحْوِهِ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاطِ فِي وُقُوعِهِ فِي الْمُحَرَّمِ .
( قَوْلُهُ : وَصَابِئَةٍ عَابِدَةِ كَوْكَبٍ لَا كِتَابَ لَهَا ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هَكَذَا ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَنْعَ نِكَاحِهِنَّ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ : عِبَادَةُ الْكَوْكَبِ وَعَدَمُ الْكِتَابِ فَلَوْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَهُمْ كِتَابٌ تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ زَعَمُوا أَنَّ عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ لَا تُخْرِجُهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا حَقِيقَةً فَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ ، وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ الْكَعْبَةَ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الصَّابِئَةِ ) وَهُوَ لِاشْتِبَاهِ مَذَاهِبِهِمْ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ النِّكَاحَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ ) أَيْ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ } لَا فِي الْمَذْكُورِ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ
( وَ ) لَا نِكَاحُ ( خَامِسَةٍ فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ لِلْحُرِّ وَثَالِثَةٍ فِي عِدَّةِ ثَانِيَةٍ لِلْعَبْدِ ) فَإِنْ طَلَّقَ الْحُرُّ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ
( وَ ) لَا نِكَاحُ ( حُبْلَى ثَبَتَ نَسَبُ حَمْلِهَا كَحَامِلٍ سُبِيَتْ ) فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي دَارِهِمْ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِنَا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ كَحَامِلٍ مِنْ سَبْيٍ ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ حُصُولُ الْحَمْلِ بَعْدَ السَّبْيِ وَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ( أَوْ ) حَامِلٍ ( مِنْ مَوْلَاهَا ) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّ حَمْلَهَا مِنْهُ ( أَوْ ) حَامِلٍ ( مِمَّنْ زَوَّجَهَا ) مَوْلَاهَا ( إيَّاهُ ) فَإِنَّهُ أَيْضًا ثَابِتُ النَّسَبِ
.
( وَ ) لَا نِكَاحُ ( الْمُتْعَةِ ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ أَتَمَتَّعُ بِكِ ، كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ .
( وَ ) لَا ( النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ ) مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَقُلْ وَالْمُؤَقَّتُ لِئَلَّا يُفْهَمَ مِنْهُ عَطْفُهُ عَلَى الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ مَعَ عَدَمِ مَعْنَاهُ مُخَالِفٌ لِلْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ ( بَرْهَنَتْ ) امْرَأَةٌ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى رَجُلٍ ( أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَضَى بِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَهَا تَمْكِينُهُ فِي عَكْسِهِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يَسَعُهُ الْوَطْءُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ ؛ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَضَى عَلِيٌّ بِذَلِكَ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْهُ بُدٌّ فَزَوِّجْنِي إيَّاهُ فَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ ، وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لَأَجَابَهَا بِمَا طَلَبَتْ
قَوْلُهُ : وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ ) وَلَوْ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَشَمِلَ الْمُدَّةَ الْمَجْهُولَةَ أَيْضًا وَقَيَّدَ بِالْمُؤَقَّتِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَاطِعِ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ مُؤَبَّدًا وَبَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِنِيَّةِ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا مُدَّةً نَوَاهَا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّفْظِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : لَمْ يَقُلْ وَالْمُؤَقَّتُ لِئَلَّا يُفْهَمَ مِنْهُ عَطْفُهُ عَلَى الْمُتْعَةِ ) فِيهِ تَأَمُّلٌ .
( قَوْلُهُ : وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يَسَعُهُ الْوَطْءُ ) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ النَّفَاذِ بَاطِنًا وَفِي الْفَتْحِ وَالنِّهَايَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ
( لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِبِنْتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ زَوَّجْتُكِ فُلَانًا ، وَقَالَ فُلَانٌ تَزَوَّجْتُهَا فَإِنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ صَحَّ النِّكَاحُ لَمَا تَقَرَّرَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَا يَتَعَدَّاهَا وَالنِّكَاحُ لَيْسَ مِنْهَا ( وَلَا إضَافَتُهُ ) إلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمُحَرَّمِ مَثَلًا زَوَّجْتُهَا فُلَانًا فِي صَفَرٍ ، وَقَالَ فُلَانٌ قَبِلْتُهَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ ( وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ دُونَهُ ) أَيْ دُونَ النِّكَاحِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) أَيْ الشَّرْطُ ( كَائِنًا ) نُقِلَ فِي الْعِمَادِيَّةِ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ أَنَّ تَعْلِيقَ النِّكَاحِ بِشَرْطٍ مَعْلُومٍ لِلْحَالِ يَجُوزُ وَيَكُونُ تَحْقِيقًا بِأَنْ قَالَ لِآخَرَ زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ فَقَالَ إنِّي زَوَّجْتُهَا قَبْلَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْخَاطِبُ فَقَالَ أَبُو الْبِنْتِ إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتُهَا قَبْلَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتُهَا مِنْكَ وَقَبِلَ الْآخَرُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَوَّجَهَا يَنْعَقِدُ هَذَا النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَحْقِيقٌ ، فَيَكُونُ تَنْجِيزًا وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ
( قَوْلُهُ : فَإِنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ صَحَّ النِّكَاحُ ) لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُعَلَّقِ سِوَى الْمُصَنِّفِ ، بَلْ كَلَامُهُ فِي الْبُيُوعِ يُخَالِفُ هَذَا حَيْثُ قَالَ النِّكَاحُ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقِمَارِ ا هـ .
وَصَرَّحَ بِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُعَلَّقِ فِي الْفَتْحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْأَصْلِ وَالْخَانِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة وَفَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْقُنْيَةِ وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ النِّكَاحُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ بِالنِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ مَعَهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ .
( قَوْلُهُ : وَلَا إضَافَتُهُ إلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ
إلَخْ ) يُنَاقِضُ حُكْمَهُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُعَلَّقِ ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَالْمُضَافِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشُّرُوطِ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا إضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ا هـ
وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ كَمَا لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مُسْتَقْبَلٍ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ كَائِنًا ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( بَابُ الْوَلِيِّ وَالْكُفْءِ ) ( الْوَلِيُّ شَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ فِي الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالرَّقِيقِ ) ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ الْعَجْزُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمْ وَلِمَا عُلِمَ مِنْ كَوْنِ الْوَلِيِّ شَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ فِي الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي صِحَّةِ انْعِقَادِ نِكَاحِ أَضْدَادِهِمْ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ( فَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ ) أَيْ عَاقِلَةٍ بَالِغَةٍ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ( بِلَا وَلِيٍّ ) فَإِنَّ الْحُرَّةَ الْمُكَلَّفَةَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِوَلِيٍّ ، .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْفُذُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ
( بَابُ الْوَلِيِّ وَالْكُفْءِ ) .
( قَوْلُهُ : الْوَلِيُّ شَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ
إلَخْ ) هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِيهِ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ ، وَالثَّانِي وِلَايَةُ إجْبَارٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالرَّقِيقَةِ ، وَالْوَلِيُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْوَارِثُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَالْوَلِيُّ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ الْعَدُوِّ وَفِي أُصُولِ الدِّينِ هُوَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ حَسْبَمَا يُمْكِنُ الْمُوَاظِبُ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنِبُ الْمَعَاصِيَ الْغَيْرُ الْمُنْهَمِكِ فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : فَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا وَلِيٍّ ) أَيْ يَنْعَقِدُ لَازِمًا ، وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ا هـ .
( وَلَهُ ) أَيْ لِلْوَلِيِّ ( الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ كُفْءٍ ) إنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ شَاءَ جَازَ ( مَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ ) ، وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ ، فَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الْفَسْخِ كَيْ لَا يَضِيعَ الْوَلَدُ بِعَدَمِ مُرَبِّيهِ ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَعَلِمَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ فَسَكَتَ حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا جُعِلَ رِضًا فِي حَقِّ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( وَرُوِيَ عَدَمُ جَوَازِهِ ) .
رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ ( وَبِهِ يُفْتَى ) لِفَسَادِ الزَّمَانِ ( وَرِضَا الْبَعْضِ كَالْكُلِّ ) أَيْ رِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ كَرِضَا كُلِّهِمْ حَتَّى إذَا عَقَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَقْدِرْ الْبَاقِي عَلَى فَسْخِهِ ( لَوْ اسْتَوَوْا ) فِي الدَّرَجَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ مِنْ الْعَاقِدِ فَلَهُ فَسْخُهُ ( وَقَبْضُهُ ) أَيْ الْوَلِيِّ ( الْمَهْرَ وَنَحْوَهُ ) أَيْ نَحْوَ قَبْضِهِ الْمَهْرَ كَتَجْهِيزِهَا مِنْهُ وَمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِ الْوَلِيمَةِ ( رِضًا ) ؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ خَاصَمَ أَيْ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ رِضًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ رِضًا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( لَا سُكُوتُهُ ) ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُجْعَلُ رِضًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا
قَوْلُهُ : وَلَهُ الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ كُفْءٍ مَا لَمْ تَلِدْ ) فَإِنْ اخْتَارَ الْفُرْقَةَ شُرِطَ لَهَا قَضَاءُ الْقَاضِي وَلَا تَكُونُ طَلَاقًا ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : رُوِيَ عَدَمُ جَوَازِهِ وَبِهِ يُفْتَى ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَهَذَا أَيْ عَدَمُ انْعِقَادِهِ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا .
وَفِي الْخُلَاصَةِ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَفْتَوْا بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا ا هـ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْمَشَايِخِ أَفْتَوْا بِانْعِقَادِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ ا هـ .
عِبَارَةُ الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَرِضَاءُ الْبَعْضِ كَالْكُلِّ ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَقَيَّدَ بِالرِّضَا ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِأَنَّهُ كُفْءٌ مِنْ الْبَعْضِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مَنْ أَنْكَرَ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَإِنْكَارُ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إسْقَاطًا لَهُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ خَاصَمَ أَيْ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ
إلَخْ ) هَذَا إذَا كَانَ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ مُخَاصَمَةِ الْوَلِيِّ إيَّاهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَا يَكُونُ رِضًى بِالنِّكَاحِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ .
( قَوْلُهُ : لَا سُكُوتُهُ ) أَيْ مَا لَمْ تَلِدْ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي إلْحَاقُ الْحَبَلِ الظَّاهِرِ بِالْوِلَادَةِ .
( قَوْلُهُ : فَلَا يُجْعَلُ رِضًى إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا ) قَدْ جَمَعَهَا الْكَمَالُ بِنَظْمٍ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ وَزَادَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَسَائِلَ أُخْرَى
( لَا تُجْبَرُ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَلَى النِّكَاحِ ) أَيْ لَا تُنْكَحُ بِلَا رِضَاهَا ، بَلْ تُجْبَرُ الصَّغِيرَةُ عِنْدَنَا ، وَلَوْ ثَيِّبًا وَتُجْبَرُ الْبِكْرُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَلَوْ بَالِغَةً فَالْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ تُجْبَرُ اتِّفَاقًا وَالثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ لَا تُجْبَرُ اتِّفَاقًا ، ثُمَّ عِنْدَنَا كُلُّ وَلِيٍّ فَلَهُ الْإِجْبَارُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ إلَّا لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَبِ الْأَبِ ( فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا ) أَيْ الْبَالِغَةَ ( هُوَ ) أَيْ الْوَلِيُّ نَفْسُهُ ( أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ رَسُولُهُ أَوْ زَوَّجَهَا ) أَيْ الْوَلِيُّ ( فَعَلِمَتْ ) بِوُصُولِ خَبَرِ التَّزْوِيجِ إلَيْهَا ( فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ غَيْرَ مُسْتَهْزِئَةٍ ) فَإِنَّ ضَحِكَهَا مُسْتَهْزِئَةً لَا يَكُونُ رِضًا ، وَإِذَا تَبَسَّمَتْ فَهُوَ رِضًا هُوَ الصَّحِيحُ ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( أَوْ بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ كَانَ ؛ إذْنًا بِشَرْطِ أَنْ تَعْلَمَ الزَّوْجَ ) يَعْنِي أَنَّ سُكُوتَهَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ ؛ إذْنًا مِنْهَا إذَا عَلِمَتْ الزَّوْجَ أَنَّهُ مَنْ هُوَ لِتُظْهِرَ رَغْبَتَهَا فِيهِ مِنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ مِنْ رَجُلٍ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ أُزَوِّجُكِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا يُزَوِّجُهَا أَيًّا شَاءَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( لَا الْمَهْرَ ) أَيْ عِلْمُهَا الْمَهْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُبَلِّغُ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ( كَذَا ) أَيْ كَمَا أَنَّ سُكُوتَهَا الْمَذْكُورَ ؛ إذْنٌ كَذَلِكَ ( إذَا زَوَّجَهَا ) الْوَلِيُّ ( عِنْدَهَا فَسَكَتَتْ ) يَكُونُ سُكُوتُهَا ؛ إذْنًا ( فِي الْأَصَحِّ ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْأَقْرَبِ ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ وَلِيٌّ بَعِيدٌ ( فَإِذْنُهَا ) لَا يَكُونُ بِالسُّكُوتِ ، بَلْ ( بِالْقَوْلِ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى الرِّضَا بِخِلَافِ
الرَّسُولِ فَإِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَلِيِّ ( كَالثَّيِّبِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ } ؛ وَلِأَنَّ النُّطْقَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا مِنْهَا إذَا قَلَّ الْحَيَاءُ بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ .
وَفِي الْكَافِي إذَا وُجِدَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَهُوَ كَالْقَوْلِ كَتَمْكِينِهَا نَفْسَهَا وَمُطَالَبَتِهَا بِمَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ .
وَفِي الْمُحِيطِ ، لَوْ قَبِلَتْ الْهَدِيَّةَ أَوْ خِدْمَةَ الزَّوْجِ أَوْ أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ لَا يَكُونُ رِضًا ( وَيُشْتَرَطُ ) فِي اسْتِئْذَانِ غَيْرِ الْأَقْرَبِ ( إعْلَامُهُمَا ) أَيْ الْمَهْرِ وَالزَّوْجِ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فِي اسْتِئْمَارِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ رَغْبَتَهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قِلَّةِ الصَّدَاقِ وَكَثْرَتِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُزَوِّجَ إذَا كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا فَذِكْرُ الزَّوْجِ يَكْفِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَهْرِ إلَّا لِغَرَضٍ فَوْقَهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الزَّوْجِ وَالْمَهْرِ ، كَذَا فِي الْكَافِي
( قَوْلُهُ : أَوْ رَسُولُهُ ) سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ غَيْرَهُ اتِّفَاقًا .
( قَوْلُهُ : فَعَلِمَتْ بِوُصُولِ خَبَرِ التَّزْوِيجِ ) إنْ كَانَ بِرَسُولِهِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا شَرَطَ الْعَدَدَ أَوْ الْعَدَالَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ فِي الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ : لَا الْمَهْرَ ) أَيْ عِلْمُهَا الْمَهْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ، وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ مُصَحَّحَةٍ وَثَانِيهَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ رَغْبَتَهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ .
وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ ، وَثَالِثِهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا يَشْتَرِطُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ قَائِلِهِ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ إنَّمَا هِيَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ الْمَهْرِ ) أَقُولُ التَّعْلِيلُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْمَهْرِ لَهَا بِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ لَا يَنْهَضُ ؛ لِأَنَّهُ فِي نِكَاحٍ تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ صِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَهْرٌ ، فَيَكُونُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَازِمًا بِلَا ضَرَرٍ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلِمْ الْوَلِيُّ الْكَبِيرَةَ بِقَدْرِ الْمَهْرِ وَأَعْلَمَهَا بِالزَّوْجِ فَقَطْ ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا قَدْرًا لَا يُرْضِيهَا يَكُونُ إلْزَامُهَا بِالنِّكَاحِ لِسُكُوتِهَا حِينَئِذٍ إضْرَارًا بِهَا ؛ إذْ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ الْمُسَمَّى فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَهْرِ لَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِالزَّوْجِ هُوَ الْأَوْجَهُ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ .
( قَوْلُهُ : إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ عِنْدَهَا فَسَكَتَتْ يَكُونُ سُكُوتُهَا إذْنًا
فِي الْأَصَحِّ ) قَالَ الْكَمَالُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا أَوْ عَرَفَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ .
ا هـ .
( قُلْت ) وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهَا بِقَدْرِ الْمَهْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ .
( قَوْلُهُ : وَفِي الْكَافِي إذَا وُجِدَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَهُوَ كَالْقَوْلِ كَتَمْكِينِهَا
إلَخْ ) زَادَ الْكَمَالُ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ وَالضَّحِكِ سُرُورًا لَا اسْتِهْزَاءً وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ سِوَى أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا بِخِلَافِ الثَّيِّبِ لَا بُدَّ فِي حَقِّهَا مِنْ دَلَالَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مُجَرَّدِ السُّكُوتِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ إلَّا التَّمْكِينَ فَيَثْبُتُ بِدَلَالَةِ نَصِّ إلْزَامِ الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْقَوْلِ .
ا هـ .
وَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ .
( قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُزَوِّجَ إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا
إلَخْ ) رَدَّهُ الْكَمَالُ بَحْثًا مِنْهُ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْكَافِي فَالْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ وَمَا ذُكِرَ أَيْ فِي الْكَافِي مِنْ التَّفْصِيلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي تَزْوِيجِهِ الصَّغِيرَةَ بِحُكْمِ الْجَبْرِ وَالْكَلَامُ فِي الْكَبِيرَةِ الَّتِي وَجَبَ مُشَاوَرَتُهُ لَهَا وَالْأَبُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَصْدُرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا إلَّا بِرِضَاهَا غَيْرَ أَنَّ رِضَاهَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُضْعِفُ ظَنَّ كَوْنِهِ رِضًا وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَا تَرْضَى إلَّا بِالزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ ا هـ .
( الزَّائِلُ بَكَارَتَهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ ) هُوَ طُولُ مُكْثِهَا فِي أَهْلِهَا بَعْدَ إدْرَاكِهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ عِدَادِ الْأَبْكَارِ ( أَوْ زِنًا بِكْرٌ حُكْمًا ) أَيْ لَهَا حُكْمُ الْبِكْرِ فِي أَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا ( وَالْقَوْلُ لَهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ ) أَيْ إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِلْبِكْرِ الْبَالِغَةِ بَلَغَكِ النِّكَاحُ فَسَكَتِّ ، وَقَالَتْ : بَلْ رَدَدْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ وَتَمَلُّكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تَدْفَعُهُ ( وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى سُكُوتِهَا وَلَا تَحْلِفُ هِيَ عِنْدَ عَدَمِهَا ) أَيْ بَيِّنَتِهِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ التَّحْلِيفِ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ خِلَافًا لَهُمَا
( قَوْلُهُ : الزَّائِلِ بَكَارَتِهَا ) أَيْ عُذْرَتِهَا وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي عَلَى الْمَحَلِّ ؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ اسْمٌ لِمَنْ لَمْ تُجَامَعْ بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُلِّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ زِنًا ) يُرِيدُ بِهِ الْخَفِيَّ الَّذِي لَمْ تُشْهَرْ بِهِ بِأَنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِهِ وَلَمْ يَصِرْ عَادَةً لَهَا .
( قَوْلُهُ : بِكْرٍ حُكْمًا ) وَاضِحٌ فِي الزِّنَا ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ وَبَقِيَ مَسْأَلَةُ مَنْ طَلُقَتْ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ فُرِّقَ بَيْنهمَا بِعُنَّةٍ أَوْ جَبٍّ تُزَوَّجُ كَالْأَبْكَارِ ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً وَالْحَيَاءُ فِيهَا مَوْجُودٌ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ وَالْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا .
( قَوْلُهُ : أَيْ إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِلْبِكْرِ الْبَالِغَةِ بَلَغَكِ النِّكَاحُ
إلَخْ ) إنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ بِهَذَا الْمِثَالِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ بَلَغَنِي النِّكَاحُ يَوْمَ ، كَذَا فَرَدَدْتُ ، وَقَالَ الزَّوْجُ لَا بَلْ سَكَتِّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالْفَرْقُ فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى سُكُوتِهَا ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ ، وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِ زِيَادَةِ الرَّدِّ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ادَّعَى السُّكُوتَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إجَازَتَهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةُ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ بَيِّنَتُهَا أَوْلَى ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : خِلَافًا لَهُمَا ) سَيَأْتِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتِّ
( لِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ، وَلَوْ ) كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ( ثَيِّبًا ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، وَقَدْ مَرَّ ( بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ) وَهُوَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ بِأَنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا نُقْصَانًا فَاحِشًا ( أَوْ لِغَيْرِ كُفْءٍ ) بِإِذْنِ زَوْجِ بِنْتِهِ الصَّغِيرَةِ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً ( إنْ كَانَ ) أَيْ الْوَلِيُّ ( أَبًا أَوْ جَدًّا ) أَيْ أَبَ الْأَبِ خِلَافًا لَهُمَا قَالُوا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبُ صَاحِيًا ، وَلَوْ كَانَ سَكْرَانَ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا ، وَكَذَا لَوْ عُرِفَ مِنْهُ سُوءُ الِاخْتِيَارِ لِطَمَعِهِ أَوْ سَفَهِهِ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا ، لَهُمَا أَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ فَإِذَا تَضَمَّنَ ضَرَرًا لَا يَجُوزُ وَلَهُ أَنَّ شَفَقَتَهُمَا وَافِرَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الضَّرَرَ يَضْمَحِلُّ فِي مُقَابَلَةِ فَوَائِدَ أُخَرَ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجِ حَسَنَ الْخُلُقِ وَالْأُلْفَةِ وَوَاسِعَ النَّفَقَةِ وَالْعِفَّةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَصَدَاهَا بِالْعَقْدِ فَلَا ضَرَرَ ( وَإِلَّا ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا ( فَلَا ) أَيْ لَا يَصِحُّ إنْكَاحُهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ لِغَيْرِ كُفْءٍ اتِّفَاقًا لِفَقْدِ عِلَّةِ الصِّحَّةِ فِي الْغَيْرِ ( فَفِي عَقْدِهِمَا ) أَيْ عَقْدِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ( إذَا كَانَ ) ذَلِكَ الْعَقْدُ ( بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ كُفْءٍ لَزِمَ ) أَيْ الْعَقْدُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ( وَفِي ) عَقْدِ ( غَيْرِهِمَا ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ( خِيَارُ فَسْخٍ بِالْبُلُوغِ أَوْ الْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَعْنِي إذَا كَانَا عَالِمَيْنِ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِالْعَقْدِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ عِنْدَ الْبُلُوغِ إنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى النِّكَاحِ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِلَّا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَوْلُهُ غَيْرُهُمَا يَتَنَاوَلُ الْقَاضِيَ وَالْأُمَّ حَتَّى إذَا زَوَّجَ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، كَذَا
فِي الْكَافِي ( بِشَرْطِ الْقَضَاءِ ) يَعْنِي إذَا اخْتَارَ الصَّغِيرَةُ أَوْ الصَّغِيرُ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ مَا لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا ( بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ ) حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ .
( وَ ) بِخِلَافِ ( خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ) فَإِنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِلَا قَضَاءٍ ( فَيَتَوَارَثَانِ قَبْلَهُ ) أَيْ إذَا اشْتَرَطَ الْفُرْقَةَ بِالْقَضَاءِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بَلَغَ أَوْ لَا وَرِثَهُ الْآخَرُ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ( وَسُكُوتُ الْبِكْرِ هَاهُنَا ) أَيْ عِنْدَ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ( رِضًا وَخِيَارُهَا لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ، وَإِنْ جَهِلَتْ بِهِ ) أَيْ بِالْخِيَارِ فَإِنَّ الْبِكْرَ إذَا سَكَتَتْ هَا هُنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَلَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ ، وَإِنْ رَأَتْهُ بِاللَّيْلِ تَخْتَارُ بِلِسَانِهَا فَتَقُولُ فَسَخْتُ نِكَاحِي وَتُشْهِدُ إذَا أَصْبَحَتْ وَتَقُولُ رَأَيْتُ الدَّمَ الْآنَ فَإِنْ قَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ اخْتَرْت فَهِيَ عَلَى اخْتِيَارِهَا ، وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ فَدَعَا شُهُودًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا النِّكَاحُ وَلَمْ تُعْذَرْ ، وَلَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا ، وَلَوْ اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَتَقَدَّمْ إلَى الْقَاضِي بِشَهْرَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا كَخِيَارِ الْعَيْبِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ ) أَيْ إذَا أُعْتِقَتْ أَمَةٌ وَلَهَا زَوْجٌ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فَجَهْلُهَا عُذْرٌ ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْمَوْلَى تَمْنَعُ التَّعَلُّمَ بِخِلَافِ الْحَرَائِرِ فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ إذَا رَاهَقَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا
تَعَلُّمُ الْإِيمَانِ وَأَحْكَامِهِ أَوْ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِمَا التَّعْلِيمُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَا سُدًى قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ إذَا بَلَغُوا عَشْرًا }
( قَوْلُهُ : بِأَنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا نُقْصَانًا فَاحِشًا ) كَذَا لَوْ زَادَ فِي مَهْرِ زَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ زِيَادَةً فَاحِشَةً فَلَا اخْتِصَاصَ بِمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً ) فِيهِ تَأَمُّلٌ ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ .
( قَوْلُهُ : إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا ) قَيَّدَ لِقَوْلِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلِغَيْرِ كُفْءٍ لَا لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ نِكَاحِ الصَّغِيرِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْجَدُّ وَالْأَبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ سَكْرَانَ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا ) أَيْ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ فَقِيرٍ أَوْ مُحْتَرِفٍ حِرْفَةً دَنِيَّةً وَلَمْ يَكُنْ كُفُؤًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : بِشَرْطِ الْقَضَاءِ ، كَذَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ ) فِي سِتَّةٍ أُخْرَى .
( قَوْلُهُ : الْفُرْقَةِ ) بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنَقْضِ الْمَهْرِ وَالْإِبَاءِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَاللِّعَانِ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ وَالْمُخَيَّرَةِ ) بَقِيَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ الْفُرْقَةُ بِالْإِيلَاءِ وَالرِّدَّةِ وَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : أَيْ إذَا اشْتَرَطَ الْفُرْقَةَ بِالْقَضَاءِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بَلَغَ أَوْ لَا وَرِثَهُ الْآخَرُ ) اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ مُفَادِ الْمَتْنِ الْوِرَاثَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّ إفَادَتَهُ الْوِرَاثَةَ قَبْلَ فُرْقَةٍ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا
إلَخْ ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَفْسَخْ بِلِسَانِهَا حَتَّى فَعَلَتْهُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا تَعَسُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ غَايَةُ الْأَمْرِ كَوْنُ هَذِهِ
الْحَالَةِ كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ، وَلَوْ سَأَلَتْ الْبِكْرُ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا النِّكَاحُ ، وَكَذَا عَنْ الْمَهْرِ ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِهِ مِنْهَا لَا يُبْطِلُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا عَلَى الْخِلَافِ ، فَإِنَّ ذَاكَ إذَا لَمْ تَسْأَلْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِكُلِّ مَهْرٍ وَالسُّؤَالُ يُفِيدُ نَفْيَ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ رِضَاهَا عَلَى مَعْرِفَةِ كَمِّيَّتِهِ ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْقَادِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَيْفَ وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ لِغَرَضِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ ا هـ .
وَفِيهِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فِيهِ تَأَمُّلٌ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ إذَا رَاهَقَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا تَعَلُّمُ الْإِيمَانِ وَأَحْكَامِهِ ) فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ صَبِيٌّ وَلَا وُجُوبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ
( وَخِيَارُ الصَّغِيرِ ) أَيْ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِلصَّغِيرِ ( وَالثَّيِّبِ ) إذَا بَلَغَا ( لَا يَبْطُلُ بِلَا صَرِيحِ رِضًا ) بِأَنْ يَقُولَ رَضِيتُ أَوْ قَبِلْتُ ( أَوْ دَلَالَةً ) بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَالْقُبْلَةِ وَالْمَسِّ وَإِعْطَاءِ الْغُلَامِ الْمَهْرَ وَقَبُولِ الثَّيِّبِ الْمَهْرَ ( وَلَا بِقِيَامِهِمَا عَنْ الْمَجْلِسِ ) ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ ثَبَتَ بِعَدَمِ الرِّضَا لِتَوَهُّمِ الْخَلَلِ وَمَا ثَبَتَ بِعَدَمِ الرِّضَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا إلَّا أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا فَلَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَضْلًا عَمَّا وَرَاءَهُ لَا سُكُوتُ الْغُلَامِ فَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِالْقِيَامِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلسُّكُوتِ ، وَأَمَّا عَدَمُ بُطْلَانِ خِيَارِ الثَّيِّبِ بِقِيَامِهَا عَنْهُ ؛ فَلِأَنَّ خِيَارَ بُلُوغِهَا لَمْ يَثْبُتْ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنَّ التَّفْوِيضَ هُوَ الْمُقْتَصَرُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
( الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ لَا التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ ) فَإِنَّهُ لِلْأَبِ ، ثُمَّ لِأَبِيهِ ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِمَا ، ثُمَّ وَثُمَّ ( الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ ) وَهُوَ ذَكَرٌ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ بِلَا تَوَسُّطِ أُنْثَى احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعَصَبِيَّةِ بِالْغَيْرِ كَالْبِنْتِ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً بِالِابْنِ فَلَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى أُمِّهَا الْمَجْنُونَةِ ، وَعَنْ الْعَصَبَةِ مَعَ الْغَيْرِ كَالْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ حَيْثُ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى أُخْتِهَا الْمَجْنُونَةِ ( عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ ) أَيْ يُقَدَّمُ الْجُزْءُ ، وَإِنْ سَفَلَ ، ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ أَبُوهُ ، وَإِنْ عَلَا ، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ ، ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ ، ثُمَّ الْمُعْتَقُ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ، ثُمَّ عَصَبَةُ الْمَوْلَى فَوَلِيُّ الْمَجْنُونَةِ الِابْنُ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ ( وَالْحَجْبُ ) أَيْ الْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ ( بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَتَكْلِيفٍ ) فَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ عَلَى غَيْرِهِمْ ؛ إذْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ فَرْعُ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ ( وَإِسْلَامٍ فِي ) حَقِّ ( مُسْلِمَةٍ ) أَرَادَتْ التَّزَوُّجَ ( وَوَلَدٍ مُسْلِمٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أُمِّهِ كَافِرَةً أَوْ سُلْطَانًا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( ثُمَّ ) أَيْ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْعَصَبَةِ الْمَذْكُورَةِ ( الْأُمُّ ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، ثُمَّ لِأَبٍ ، ثُمَّ لِأُمٍّ ، ثُمَّ ذُو الرَّحِمِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ ) وَهُوَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَوَالَى غَيْرَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَنَى فَأَرْشُهُ عَلَيْهِ ،
وَإِنْ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لَهُ ( ثُمَّ السُّلْطَانُ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } ( ثُمَّ قَاضٍ ) كَتَبَ ( فِي مَنْشُورِهِ ) أَيْ مَكْتُوبِهِ الْمُعْطَى مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ ( ذَلِكَ ) أَيْ تَزْوِيجَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا ( لِلْأَبْعَدِ ) أَيْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ ( التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ ) غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ ، وَقِيلَ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ يَعْنِي ( مَسَافَةَ الْقَصْرِ ) ؛ إذْ لَيْسَ لِأَقْصَى مُدَّةِ السَّفَرِ نِهَايَةٌ فَاعْتُبِرَ الْأَدْنَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيِّ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، كَذَا فِي الْكَافِي ( وَقِيلَ مَا لَمْ يَنْتَظِرْ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ الْخَبَرَ مِنْهُ ) اخْتَارَهُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ حَيْثُ قَالَ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ أَوْ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِهِ يَفُوتُ الْكُفْءُ الَّذِي حَضَرَ فَالْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةٌ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ ( وَلَا يَبْطُلُ بِعَوْدِهِ ) يَعْنِي بَعْدَ مَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ إذَا زَوَّجَهَا ، ثُمَّ حَضَرَ الْأَقْرَبُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عُقِدَ بِوِلَايَةٍ تَامَّةٍ ، وَقَدْ حَصَلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ
قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ لِلْأَبِ ، ثُمَّ لِأَبِيهِ ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِمَا ) فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْأَبِ ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ ، ثُمَّ لِلْجَدِّ ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ ، ثُمَّ لِلْقَاضِي ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْمَأْذُونِ وَفِي آخِرِ بَابِ الْإِيصَاءِ آخِرَ الْكِتَابِ وَهُوَ الصَّوَابُ .
( قَوْلُهُ : الْعَصَبَةُ ) فِيهِ نَوْعُ تَدَافُعٍ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إلَى قَوْلِهِ لَا التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِمَا أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَهُمَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ .
( قَوْلُهُ : أَيْ يُقَدَّمُ الْجُزْءُ ) لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحِ مَنْ جُنَّ أَوْ عَتِهَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى .
( قَوْلُهُ : وَالْحَجْبُ ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ الْكَمَالُ وَقَائِلُهُ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ وَنَسَبَهُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ قَالَ أَيْ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ وَلَمْ يُنْقَلُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَرَأَيْتُ فِي مَوْضِعٍ مَعْزُوٍّ إلَى الْمَبْسُوطِ الْوِلَايَةَ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ كَوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ وَالشَّهَادَةِ وَلَا تَثْبُتُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ ) هَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَقَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِ أَبِي الصَّغِيرَةِ وَوَالَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ ا هـ .
وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُوهِمُ أَنَّ الْأَسْفَلَ يُزَوِّجُ بِنْتَ الَّذِي وَالَاهُ ، وَلَيْسَ صَحِيحًا فَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِ أَبِ الصَّغِيرَةِ فَيُزَوِّجُهَا مَوْلَى أَبِيهَا بَعْدَ فَقْدِهِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْأُمُّ
إلَخْ ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّةَ وَلَا مَرْتَبَتَهَا فِي التَّزْوِيجِ وَلَنَا فِيهَا رِسَالَةٌ يَلْزَمُ مُرَاجَعَتُهَا .
(
قَوْلُهُ : ثُمَّ قَاضٍ كَتَبَ فِي مَنْشُورِهِ ) لَكِنَّهُ لَا يُزَوِّجُ يَتِيمَةً مِنْ ابْنِهِ كَالْوَكِيلِ مُطْلَقًا إذَا زَوَّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ ابْنِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ لِلْقَاضِي حُكْمٌ مِنْهُ وَحُكْمُهُ لِابْنِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : لِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ
إلَخْ ) كَذَا لِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ بِالْإِجْمَاعِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ ( قُلْت ) وَالْمُرَادُ بِالْأَبْعَدِ الْقَاضِي دُونَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ دَفْعِ الظُّلْمِ وَلَنَا رِسَالَةٌ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ الْحَاصِلِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مُسَمَّاةٌ بِكَشْفِ الْمُعْضِلِ فِيمَنْ عَضَلَ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ مَا لَمْ يَنْتَظِرْ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْفَضْلِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ ا هـ .
( أَقَرَّ وَلِيُّ صَغِيرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ وَكِيلُ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ مَوْلَى الْعَبْدِ بِالنِّكَاحِ لَمْ يُصَدَّقْ ) وَاحِدٌ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى النِّكَاحِ أَوْ يُدْرِكَ الصَّغِيرُ أَوْ الصَّغِيرَةُ فَيُصَدِّقُهُ أَوْ يُصَدِّقُ الْمُوَكِّلَ أَوْ الْعَبْدَ ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ بِلَا شُهُودٍ وَالتَّصْدِيقُ صُورَتُهُ أَنْ يَدَّعِيَ عِنْدَ الْقَاضِي رَجُلٌ عَلَى أَبِي الصَّغِيرَةِ أَنَّهُ زَوَّجَهَا مِنْهُ وَأَقَرَّ الْأَبُ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ مَا لَمْ يَأْتِ الزَّوْجُ بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَيُنَصِّبُ إنْسَانًا عَنْ الصَّغِيرَةِ حَتَّى يُنْكِرَ النِّكَاحَ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَوْ تُدْرِكُ الصَّغِيرَةُ فَتُصَدِّقُ الرَّجُلَ وَالْأَبَ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي بِالنِّكَاحِ ( بِخِلَافِ الْأَمَةِ ) فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ بِنِكَاحِ أَمَتِهِ بَعْدَمَا ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحَهَا يَقْضِي بِنِكَاحِهَا بِلَا تَصْدِيقٍ وَبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ مُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَ الْجَارِيَةِ وَبُضْعَهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَقَطْ
قَوْلُهُ : أَقَرَّ وَلِيُّ صَغِيرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْكَافِي .
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ بِلَا شُهُودٍ وَتَصْدِيقٍ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى عَنْ أُسْتَاذِهِ يَعْنِي الشَّيْخَ حَمِيدَ الدِّينِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْوَلِيُّ فِي صِغَرِهِمَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى بُلُوغِهِمَا فَإِذَا بَلَغَا وَصَدَّقَاهُ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ وَإِلَّا يَبْطُلُ ، وَعِنْدَهُمَا يَنْفُذُ فِي الْحَالِ ، وَقَالَ إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ قَالَ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ وَأَنْكَرَ النِّكَاحَ فَأَقَرَّ الْوَلِيُّ ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ فِي صِغَرِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ ا هـ .
ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْجَهَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا بَلَغَا فَأَنْكَرَا النِّكَاحَ ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِمَا فِي صِغَرِهِمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا ا هـ .