كتاب : الجوهرة النيرة
المؤلف : أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني
قَوْلُهُ ( وَمَا جَبَاهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَمْ يَأْخُذْهُ الْإِمَامُ ثَانِيًا ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُجِيبُوا فَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يُطَالِبَهُمْ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ سِنِينَ فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُؤْخَذْ بِهَا لِعَدَمِ حِمَايَةِ الْإِمَامِ إذْ لَا يَجْرِي حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَقَّ يَلْزَمُهُ لِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ وَكَذَا مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَرَفَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا قَوْلُهُ ( فَإِنْ كَانُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ أَجْزَأَ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ وَأَفْتَى أَهْلُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعِيدُوا ذَلِكَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرَاجِ ؛ لِأَنَّهُمْ مُقَاتِلَةٌ فَكَانُوا مَصَارِفَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَفِي الْعُشْرِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُشْرَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى الْعُشْرِ وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بَاغِيًا وَهُوَ وَارِثُهُ فَهُوَ يَرِثُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِحَقٍّ فَلَا يُمْنَعَ الْإِرْثَ وَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي وَقَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى بَاطِلٍ لَمْ يَرِثْهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ ) الْحَظْرُ هُوَ الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّك مَحْظُورًا } أَيْ مَا كَانَ رِزْقُ رَبِّك مَحْبُوسًا مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَهُوَ هُنَا عِبَارَةٌ عَمَّا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا وَالْمَحْظُورُ ضِدُّ الْمُبَاحِ وَالْمُبَاحُ مَا خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَقَّبَ هَذَا الْبَابَ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ ثُمَّ قَالَ وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ مَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَرَامِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْحَرِيرِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ } وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْكَرْخِيُّ فِي بَابِ الْكَفَنِ قَوْلُهُ ( وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أُحِلَّ الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا } وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ إذَا كَانَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعٍ يَعْنِي مَضْمُومَةً .
( قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِتَوَسُّدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَكَذَا افْتِرَاشُهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا جُعِلَ وِسَادَةً وَهِيَ الْمِخَدَّةُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ اسْتِخْفَافٌ بِهِ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُكْرَهُ تَوَسُّدُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْجَبَابِرَةِ وَالْأَكَاسِرَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ وَعِنْدَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى الْحَرِيرِ وَلِأَنَّ لُبْسَهُ لَا يَجُوزُ فَكَذَا
الْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ } وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَضَرَ وَلِيمَةً فَجَلَسَ عَلَى وِسَادَةٍ حَرِيرٍ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ جَعَلَهُ سِتْرًا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ
قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الدِّيبَاجِ عِنْدَهُمَا فِي الْحَرْبِ وَيُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) اعْلَمْ أَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ يُكْرَهُ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ مُصْمَتًا لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى الرِّجَالَ عَنْ لُبْسِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ } ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْحَرْبِ فَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِأَنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَضَرَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ وَقُلْنَا الضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالْمَخْلُوطِ وَهُوَ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسُدَاهُ غَيْرُ حَرِيرٍ وَالْمَخْلُوطُ لَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ .
( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمُلْحَمِ الْحَرِيرِ إذَا كَانَ سُدَاهُ إبْرَيْسَمًا وَلُحْمَتُهُ قُطْنًا أَوْ خَزًّا ) يَعْنِي فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسُدَاهُ غَيْرَ حَرِيرٍ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَرْبِ إجْمَاعًا ، وَأَمَّا مَا كَانَتْ لُحْمَتُهُ وَسُدَاهُ كِلَاهُمَا مِنْ حَرِيرٍ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فِي الْحَرْبِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْحَرْبِ وَهَذَا إذَا كَانَ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّقَاءُ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ قَوْلُهُ ( إلَّا الْخَاتَمَ ) يَعْنِي مِنْ الْفِضَّةِ لَا غَيْرُ أَمَّا الذَّهَبُ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّخَتُّمُ بِهِ ثُمَّ الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ إذَا ضُرِبَ عَلَى صِفَةِ مَا يَلْبَسُهُ الرِّجَالُ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى صِفَةِ خَوَاتِمِ النِّسَاءِ فَمَكْرُوهٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَدْرُ فِضَّةِ الْخَاتَمِ مِثْقَالًا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْمِثْقَالَ وَلَوْ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَفَصُّهُ مِنْ عَقِيقٍ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ نَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ أَوْ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِهِ .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالصُّفْرِ وَالْحَجَرِ حَرَامٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمًا مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ وَرَأَى عَلَى آخَرَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ } وَفِي الْخُجَنْدِيِّ التَّخَتُّمُ بِالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ النَّارِ ، وَأَمَّا الْعَقِيقُ فَفِي التَّخَتُّمِ بِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ تَزَيُّنٌ فِي حَقِّهِنَّ وَإِنَّمَا يَتَخَتَّمُ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانُ لِحَاجَتِهِمَا إلَى الْخَتْمِ ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَرْكُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَتَّمَ فِي خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى لَا فِي الْيَمِينِ ثُمَّ الْحَلْقَةُ فِي الْخَاتَمِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا وَلَا مُعْتَبَرَ
بِالْفَصِّ حَتَّى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ قَوْلُهُ ( إلَّا الْخَاتَمَ وَالْمِنْطَقَةَ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ ) فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ
قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلنِّسَاءِ ) إنَّمَا قُيِّدَ بِالتَّحَلِّي ؛ لِأَنَّهُنَّ فِي اسْتِعْمَالِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَكْلِ فِيهَا وَالِادِّهَانِ مِنْهَا كَالرِّجَالِ
قَوْلُهُ ( وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الصَّبِيُّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالْحَرِيرَ ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ أَلْبَسَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهُ حَرُمَ سَقْيُهُ ؛ وَلِأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَأْلَفُوهُ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَعْلِيمِهِمْ الصَّلَاةَ وَضَرْبِهِمْ عَلَى تَرْكِهَا لِكَيْ يَأْلَفُوهَا وَيَعْتَادُوهَا قَالَ فِي الْعُيُونِ وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخَضِّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ ، وَأَمَّا خَضْبُ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَيُكْرَهُ تَغْيِيرُ الشَّيْبِ بِالسَّوَادِ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ وَالتَّطَيُّبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَلِكَ الْمُكْحُلَةُ وَالْمِبْخَرَةُ وَالْمِرْآةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْآنِيَةُ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهَا وَالِادِّهَانِ وَالتَّطَيُّبِ مِنْهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْخَشَبِ وَالطِّينِ قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ آنِيَةِ الزُّجَاجِ وَالرَّصَاصِ وَالْبَلُّورِ وَالْعَقِيقِ ) وَكَذَا الْيَاقُوتُ قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ الشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرُّكُوبُ عَلَى السَّرْجِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ ) هَذَا إذَا كَانَ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ أَيْ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفَمِ وَقِيلَ مَوْضِعَ الْفَمِ وَمَوْضِعَ الْيَدِ أَيْضًا فِي الْأَخْذِ وَفِي السَّرِيرِ وَالسَّرْجِ مَوْضِعَ الْجُلُوسِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا وَكَذَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّقْفِ وَالْمَسْجِدِ وَحَلْقَةِ الْمِرْآةِ وَجَعْلُهُ عَلَى الْمُصْحَفِ وَاللِّجَامِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى الثَّوْبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالْخِلَافُ عَلَى مَا تَخَلَّصَ أَمَّا التَّمْوِيهُ لَا بَأْسَ بِهِ إجْمَاعًا
قَوْلُهُ ( وَيُكْرَهُ التَّعْشِيرُ فِي الْمُصْحَفِ ) وَهُوَ التَّعْلِيمُ وَالْفَصْلُ بَيْنَ كُلِّ عَشْرِ آيَاتٍ بِعَلَامَةٍ يُقَالُ إنَّ فِي الْقُرْآنِ سِتُّمِائَةِ عَاشِرَةٍ وَثَلَاثًا وَعِشْرِينَ عَاشِرَةً قَوْلُهُ ( وَالنَّقْطُ ) إنَّمَا كَانَ النُّقَطُ مَكْرُوهًا فِيمَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَرَبًا صَرِيحًا لَا يَعْتَرِيهِمْ اللَّحْنُ وَالتَّصْحِيفُ أَمَّا الْآنَ فَقَدْ اخْتَلَطَتْ الْعَجَمُ بِالْعَرَبِ فَالنَّقْطُ وَالشَّكْلُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ إخْلَالٌ بِالْحِفْظِ قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ وَنَقْشِ الْمَسْجِدِ وَالزَّخْرَفَةِ بِمَاءِ الذَّهَبِ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ التَّعْظِيمُ وَالتَّشْرِيفُ وَيُكْرَهُ فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الرِّيَاءِ وَزِينَةِ الدُّنْيَا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ غَلَّةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ وَيَضْمَن الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ
قَوْلُهُ ( وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ ) لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي اسْتِخْدَامِهِمْ حَثٌّ لِلنَّاسِ عَلَى هَذَا الطَّبْعِ وَهُوَ مُثْلَةٌ مُحَرَّمَةٌ قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ الْبَهَائِمِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِلنَّفْعِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ تَسْمَنُ وَيَطِيبُ لَحْمُهَا بِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كَانَ يَرْكَبُ الْبَغْلَةَ وَيَتَّخِذُهَا } فَلَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مَكْرُوهًا لَمَا اتَّخَذَهَا وَلَا رَكِبَهَا وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَرِهَ ذَلِكَ لِبَنِي هَاشِمٍ فَلِأَنَّ الْخَيْلَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ قَلِيلَةً فَأَحَبَّ تَكْثِيرَهَا
قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ قَوْلَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالصَّبِيِّ ) وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ صِدْقُهُمْ وَثِقَتُهُمْ أَمَّا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ قَبُولُهُ مِنْهُمْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَتَى صَغِيرٌ بِفُلُوسٍ إلَى سُوقٍ لِيَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا مِنْهُ وَأَخْبَرَ أَنَّ أُمَّهُ أَمَرَتْهُ بِذَلِكَ فَإِنْ طَلَبَ الصَّابُونَ أَوْ الْأُشْنَانَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ وَإِنْ طَلَبَ الزَّبِيبَ أَوْ الْحَلْوَى أَوْ مَا يَأْكُلُهُ الصِّبْيَانُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَاذِبٌ وَقَدْ عَثَرَ عَلَى فُلُوسِ أُمِّهِ فَأَخَذَهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا حَاجَةَ نَفْسِهِ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا قَالَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى نَفْسَهَا أَوْ غَيْرَهَا
قَوْلُهُ ( وَيَقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلَ الْفَاسِقِ ) مِثْلَ الْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَاتِ وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى الرَّأْيِ صِدْقُهُ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَذِبُهُ فَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ فِي أَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ إلَّا الْعَدْلَ ) وَيَقْبَلُ فِيهَا قَوْلَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَمِنْ الدِّيَانَاتِ الْإِخْبَارُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ مَرْضِيٌّ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا تَحَرَّى فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَإِنْ أَرَاقَ الْمَاءَ وَتَيَمَّمَ كَانَ أَحْوَطَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَهَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ أَمَّا فِي الِاحْتِيَاطِ يَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا ) لِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَقَدْ يَضْطَرُّ إلَى كَشْفِ وَجْهِهَا لِلشَّهَادَةِ لَهَا وَعَلَيْهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَرُخِّصَ لَهَا فِيهِ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَى قَدَمِهَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبَاحُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَضْطَرُّ إلَى الْمَشْيِ فَيَبْدُو قَدَمُهَا فَصَارَ كَالْكَفِّ وَلِأَنَّ الْوَجْهَ يُشْتَهَى وَالْقَدَمُ لَا يُشْتَهَى فَإِذَا جَازَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا فَقَدَمُهَا أَوْلَى قُلْنَا الضَّرُورَةُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي كَشْفِ الْقَدَمِ إذْ الْمَرْأَةُ تَمْشِي فِي الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ فَتَسْتَغْنِي عَنْ إظْهَارِ الْقَدَمَيْنِ فَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ بِشَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الْآنُكُ هُوَ الرَّصَاصُ وَقَوْلُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ هُوَ أَنْ يُرِيدَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ فِي إقَامَةِ الشَّهَادَةِ أَصْلُهُ شُهُودُ الزِّنَا الَّذِينَ لَا بُدَّ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى الْعَوْرَةِ إذَا أَرَادُوا إقَامَةَ الشَّهَادَةِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لِقِيَامِ الْمُحَرِّمِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ النَّظَرِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَالْمُحَرِّمُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَلِأَنَّ اللَّمْسَ أَغْلَظُ مِنْ النَّظَرِ وَلِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى لَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا
لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ فَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ وَتُفَلِّي رَأْسَهُ وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً مَدَّتْ يَدَهَا إلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لِتُصَافِحَهُ فَقَالَ لَهَا اكْشِفِي عَنْ وَجْهِك فَكَشَفَتْهُ فَإِذَا هِيَ عَجُوزٌ فَصَافَحَهَا وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَأْمَنُ لَا يَحِلُّ لَهُ مُصَافَحَتُهَا وَإِنْ عَطَسَتْ امْرَأَةٌ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا شَمَّتَهَا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا
قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا وَلِلشَّاهِدِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ ) لِلْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِهِ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمَ عَلَيْهَا لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ ، وَأَمَّا النَّظَرُ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ إذَا اشْتَهَى قِيلَ مُبَاحٌ كَمَا فِي حَالَةِ الْأَدَاءِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يَشْتَهِي يَشْهَدُ فَلَا ضَرُورَةَ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْتَهِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ
قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ لِلطَّبِيبِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ مِنْهَا ) أَمَّا إذَا كَانَ الْمَرَضُ فِي سَائِرِ بَدَنِهَا غَيْرَ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ عِنْدَ الدَّوَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ امْرَأَةٌ تُدَاوِيهَا وَخَافُوا عَلَيْهَا أَنْ تَهْلِكَ أَوْ يُصْبِيَهَا بَلَاءٌ أَوْ وَجَعٌ لَا يُحْتَمَلُ سَتَرُوا مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْعِلَّةُ ثُمَّ يُدَاوِيهَا الرَّجُلُ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ إلَّا مِنْ مَوْضِعِ الْجُرْحِ وَكَذَلِكَ نَظَرُ الْقَابِلَةِ وَالْخِتَانُ عَلَى هَذَا
قَوْلُهُ ( وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ ) { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ } وَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ لِلرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ يُبَاحُ الْمَسُّ فِيهِ
قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ إذَا أَمِنَتْ الشَّهْوَةَ ) وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ
قَوْلُهُ ( وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ ) لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا
قَوْلُهُ ( وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ وَمِنْ زَوْجَتِهِ إلَى فَرْجِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَهُوَ فَوْقَ النَّظَرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ النَّظَرُ أَوْلَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ وَفَرْجِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ أَيَمَسُّ الرَّجُلُ فَرْجَ امْرَأَتِهِ وَتَمَسُّ هِيَ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّكَ عَلَيْهِ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ
قَوْلُهُ ( وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ ) وَالْمَحَارِمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهُنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مِثْلُ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فِي الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا يَحِلَّانِ مَحَلَّ الْفَرْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ أُمِّهِ كَانَ مُظَاهِرًا فَلَوْلَا أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ حَرَامٌ لَمَا وَقَعَ التَّحْرِيمُ بِالتَّشْبِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَرَأْسِ أُمِّي لَمْ يَقَعْ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَا تَحْرِيمُ النَّظَرِ إلَى الظَّهْرِ فَالْبَطْنُ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَطْنَ تُشْتَهَى مَا لَا يُشْتَهَى الظَّهْرُ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ .
( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ ) ( يَمَسَّ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْهَا ) إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ الشَّهْوَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ مَعَهُنَّ وَالْمُسَافِرَةِ بِهِنَّ
قَوْلُهُ ( وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ مَمْلُوكَةِ غَيْرِهِ إلَى مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ ) وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالْأَمَةِ الْقِنِّ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَالْحُرَّةِ وَالْمَدْيُونَةِ ، وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِالْأَمَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا وَالْمُسَافَرَةُ بِهِنَّ فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ وَقِيلَ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَفِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الضَّرُورَةَ فِيهِنَّ وَفِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ أَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ ) يَعْنِي مَا سِوَى الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهَا .
وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ اشْتَهَى لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ
قَوْلُهُ ( وَالْخَصِيُّ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْخَصِيُّ مِثْلُهُ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامِعُ وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ ؛ لِأَنَّهُ يُسَاحِقُ وَيُنْزِلُ وَكَذَا الْمُخَنَّثُ ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ فَاسِقٌ
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا إلَى مَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْهَا ) لِأَنَّهُ فَحْلٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةٌ لِجَوَازِ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ .
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ رَخَّصَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ وَالْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَقَالَ سُفْيَانُ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالَمِ سُنَّةٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْقُبْلَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ قُبْلَةُ تَحِيَّةٍ وَهُوَ أَنْ يُقَبِّلَ بَعْضُنَا بَعْضًا عَلَى الْيَدِ وَقُبْلَةُ رَحْمَةٍ وَهِيَ قُبْلَةُ الْوَالِدَيْنِ وَلَدَهُمَا عَلَى الْخَدِّ وَقُبْلَةُ شَفَقَةٍ وَهِيَ تَقْبِيلُ الْوَلَدِ وَالِدَيْهِ عَلَى رُءُوسِهِمَا وَقُبْلَةُ مَوَدَّةٍ وَهِيَ تَقْبِيلُ الْأَخِ أَخَاهُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَقُبْلَةُ شَهْوَةٍ وَهُوَ تَقْبِيلُ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْفَمِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قُبْلَةَ دِيَانَةٍ وَهُوَ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
قَوْلُهُ ( وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا ) لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ عَلَى مَوْلَاهَا قَوْلُهُ ( وَلَا يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا ) هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَالْإِذْن فِي ذَلِكَ إلَى مَوْلَاهَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْأَمَةِ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْوَطْءِ يَحْصُلُ لَهَا وَالْعَزْلُ نَقْصٌ فِيهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ إذْنِهَا كَالْحُرَّةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى أَحَقُّ بِإِمْسَاكِ وَلَدِهَا وَبِبَذْلِ وَطْئِهَا
قَوْلُهُ ( وَيُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ الِاحْتِكَارُ بِأَهْلِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ } فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ لِمِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ وَكَذَا التَّلَقِّي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَخُصَّ الِاحْتِكَارُ بِالْأَقْوَاتِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْقَتِّ وَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ ثِيَابًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا احْتِكَارَ فِي الثِّيَابِ وَصِفَةُ الِاحْتِكَارِ الْمَكْرُوهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ مِنْ السُّوقِ أَوْ مِنْ قُرْبِ ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي يُجْلَبُ طَعَامُهُ إلَى الْمِصْرِ فِي حَالِ عَوَزِهِ ثُمَّ الْمُدَّةُ إذَا قَصُرَتْ لَا يَكُونُ احْتِكَارًا وَإِذَا طَالَتْ كَانَ احْتِكَارًا ثُمَّ قِيلَ هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ } وَقِيلَ بِالشَّهْرِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ قَوْلُهُ ( وَمَنْ احْتَكَرَ غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ أَوْ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِمُحْتَكَرٍ ) أَمَّا إذَا احْتَكَرَ غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَهَا فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ ، وَأَمَّا مَا جَلَبَهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جُمِعَ مِنْ الْمِصْرِ وَجُلِبَ إلَى فِنَائِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ }
قَوْلُهُ ( وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ { السِّعْرَ غَلَا فِي الْمَدِينَةِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ سَعَّرْت فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ } وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْعَاقِدِ فَإِلَيْهِ تَقْدِيرُهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَقِّهِ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ دَفْعُ ضَرَرِ الْعَامَّةِ وَإِذَا وَقَعَ الضَّرَرُ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَاضْطُرُّوا إلَى الطَّعَامِ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إلَى الْقَاضِي أَمَرَ الْمُحْتَكِرَ أَنْ يَبِيعَ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ فِي ذَلِكَ وَيَنْهَاهُ عَنْ الِاحْتِكَارِ فَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ عَلَى مَا يَرَى زَجْرًا لَهُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ قَالَ مُحَمَّدٌ أُجْبِرُ الْمُحْتَكَرِينَ عَلَى بَيْعِ مَا احْتَكَرُوا وَلَا أُسَعِّرُ وَأَقُولُ لَهُمْ بِيعُوا كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ وَبِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا وَلَا أَقُولُ لَهُمْ بِيعُوا بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكَرِينَ وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا سَعَةً رَدُّوا مِثْلَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِحَجْرٍ إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَالِ غَيْرِهِ وَخَافَ الْهَلَاكَ جَازَ لَهُ تَنَاوُلُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ
قَوْلُهُ ( وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ ) مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ كَالْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَعُونَةً عَلَيْنَا وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ
قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا ) يَعْنِي لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ مِنْ الْمَجُوسِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُقَامُ بِعَيْنِ الْعَصِيرِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقَعُ بِعَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ دَيْنٌ فَبَاعَ الذِّمِّيُّ خَمْرًا وَقَضَى دَيْنَهُ لِلْمُسْلِمِ مِنْ ثَمَنِهَا جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهُ لِأَنَّ بَيْعَهُ لَهَا مُبَاحٌ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَبَاعَ الْمُسْلِمُ خَمْرًا وَقَضَاهُ مِنْ ثَمَنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْخَمْرِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ الثَّمَنُ حَرَامًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( كِتَابُ الْوَصَايَا ) الْوَصِيَّةُ مَحْثُوثٌ عَلَيْهَا مُرَغَّبٌ فِيهَا غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ وَلَا وَاجِبَةٍ لَكِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ أَنَّ { سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ مَرِضْت مَرَضًا أَشْرَفْت فِيهِ عَلَى الْمَوْتِ فَعَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مَالِي كَثِيرٌ وَلَيْسَ يَرِثُنِي إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ لَا قُلْت أَفَبِنِصْفِهِ قَالَ لَا قُلْت أَفَبِثُلُثِهِ قَالَ نَعَمْ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك يَا سَعْدُ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ أَوْ يَمُدُّونَ أَكُفَّهُمْ } فِي الْمَسْأَلَةِ لِلنَّاسِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَغْرُورٌ بِأَمَلِهِ مُقَصِّرٌ فِي عَمَلِهِ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ الْمَوْتُ وَخَافَ الْبَيَانَ يَحْتَاجُ إلَى تَلَافِي تَقْصِيرِهِ بِمَالِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ) لِأَنَّهَا إثْبَاتُ حَقٍّ فِي مَالٍ بِعَقْدٍ كَالْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ قَوْلُهُ ( وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْوَارِثِ ثُمَّ الدَّيْنُ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ وَالْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَالْوَاجِبَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّبَرُّعِ ثُمَّ هُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْمِيرَاثِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ الْمِيرَاثَ بَعْدَهُمَا بِقَوْلِهِ { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فَإِنْ قِيلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا قِيلَ إنَّ كَلِمَةَ أَوْ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ وَلَكِنَّهَا تُوجِبُ تَأْخِيرَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا إذَا انْفَرَدَ وَعَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا اجْتَمَعَا فَإِنْ قِيلَ هَلْ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى أَمْ تَرْكُهَا أَصْلًا قِيلَ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَهُ فَتَرْكُهَا أَوْلَى وَإِنْ
كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَقِيلَ هُوَ فِي هَذَا الْوَجْهِ مُخَيَّرٌ وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ قَالَ يَتْرُكُهُ لِوَرَثَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَأَنْ يُوصِيَ بِالرُّبْعِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ وَلَأَنْ يُوصِيَ بِالْخُمْسِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصِيَ بِالرُّبْعِ
قَوْلُهُ ( وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } ؛ وَلِأَنَّهُ حَيْفٌ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ } وَفَسَّرُوهُ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فَمَنْ كَانَ وَارِثًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ صَحَّتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَمَنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ لَمْ تَصِحَّ لَهُ الْوَصِيَّةُ مِثَالُهُ إذَا أَوْصَى لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَبَانَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهَا وَلَوْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَاتَ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهَا وَالْهِبَةُ مِنْ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ فِي هَذَا نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ حُكْمًا حَتَّى أَنَّهَا تُنَفَّذُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ عَلَى عَكْسِ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَالٍّ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ قَوْلُهُ ( إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ ) يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِهِ وَهْم أَصِحَّاءُ بَالِغُونَ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ فَيَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ وَإِنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثِهِ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ
قَوْلُهُ ( وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ ) يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُمْ أَصِحَّاءُ بَالِغُونَ فَإِنْ أَجَازَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُجِزْهُ بَعْضُهُمْ جَازَ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَيَبْطُلُ فِي حَقِّ الرَّادِّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا بَيَانُهُ إذَا تَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِلْمُوصَى لَهُ رُبْعَانِ وَهُوَ النِّصْفُ وَلِلِابْنَيْنِ رُبْعَانِ وَهُوَ النِّصْفُ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ وَلِلِابْنَيْنِ الثُّلُثَانِ وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ يُجْعَلُ فِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَيُعْطَى لِلْمُجِيزِ رُبْعُ الْمَالِ وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا وَيُعْطَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ فَيُجْعَلُ الْمَالُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَالرُّبْعُ لِلَّذِي أَجَازَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَالثُّلُثُ لِلَّذِي لَمْ يُجِزْ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَيَبْقَى خَمْسَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِجَازَتِهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازُوهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّاقِطَ مُتَلَاشٍ .
وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا لِأَنَّ السَّبَبَ صَدَرَ مِنْ الْمُوصِي وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ وَصَارَ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّهْنِ قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يَعْنِي إذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ
أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَالِ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُهُمَا مَا يَرِثَانِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ سَهْمًا مِنْ الْمِيرَاثِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِحَالٍ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَالُ الْمَرِيضِ لَا حَقَّ فِيهِ لِأَحَدٍ فَجَازَ أَنْ يُوصِيَ بِهِ فَعَلَى هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجًا وَلَمْ تَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَوْصَتْ لِأَجْنَبِيٍّ بِنِصْفِ مَالهَا فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَيَكُونُ لِلزَّوْجِ ثُلُثُ الْمَالِ وَلِلْمُوصَى لَهُ النِّصْفُ وَيَبْقَى السُّدُسُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا كَانَ لِلزَّوْجِ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُخْرِجَ الثُّلُثَ أَوَّلًا لِلْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِكُلِّ حَالٍ فَيَبْقَى الثُّلُثَانِ يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ نِصْفَهُ مِيرَاثًا وَيَبْقَى نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ تَكْمِلَةَ النِّصْفِ وَيَبْقَى السُّدُسُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ فَيَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا إذَا أَوْصَتْ بِذَلِكَ لِزَوْجِهَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لَهُ نِصْفُهُ مِيرَاثًا وَنِصْفُهُ وَصِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَارِثٌ وَإِنَّمَا جَازَتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهَا تَقِفُ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ عَلَى إجَازَتِهِ .
وَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ زَوْجَتَهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهَا وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لَهَا سُدُسٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْئًا حَتَّى يُخْرَجَ الثُّلُثُ الْوَصِيَّةُ فَإِذَا أُخْرِجَ الثُّلُثُ اسْتَحَقَّتْ رُبْعَ الْبَاقِي وَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ وَأَصْلُهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ أَرْبَعَةٌ وَهُوَ الثُّلُثُ يَبْقَى الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لِلزَّوْجَةِ رُبْعُهَا اثْنَانِ يَبْقَى سِتَّةٌ تَعُودُ لِلْمُوصَى لَهُ فَيَكُونُ لَهُ عَشْرَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَذَلِكَ
خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا وَلَوْ كَانَ أَوْصَى مَعَ الزَّوْجَةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَلَهَا بِجَمِيعِهِ بَدَأْنَا أَوَّلًا بِالْأَجْنَبِيِّ فَأَعْطَيْنَاهُ الثُّلُثَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ نُعْطِيهَا رُبْعَهَا مِيرَاثًا يَبْقَى سِتَّةٌ وَبَقِيَ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ تَمَامِ وَصِيَّتِهِ ثَمَانِيَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِالْجَمِيعِ وَالْمَرْأَةُ مُوصًى لَهَا بِثَمَانِيَةٍ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ بَعْدَ إخْرَاجِ الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ حَصَلَ لَهَا مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ سَهْمَانِ بَقِيَ لَهَا سِتَّةٌ مِنْ تَمَامِ وَصِيَّتِهَا وَالْبَاقِي مِنْ الْمَالِ سِتَّةٌ فَيُضْرَبُ فِيهَا الْأَجْنَبِيُّ بِثَمَانِيَةٍ وَالْمَرْأَةُ بِسِتَّةٍ يَكُونُ لِلرَّجُلِ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ السِّتَّةِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا لِأَنَّك إذَا جَمَعَتْ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي تَضْرِبُ بِهَا الرَّجُلَ إلَى السِّتَّةِ الَّتِي تَضْرِبُ بِهَا الْمَرْأَةَ كَانَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتَنْسُبُ الثَّمَانِيَةَ إلَيْهَا تَجِدُهَا أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِهَا وَتَنْسُبُ السِّتَّةَ مِنْهَا تَجِدُهَا ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهَا فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي مَخْرَجِ السُّبْعِ يَكُونُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِنْ ذَلِكَ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ فَيُعْطَى الرَّجُلُ أَوَّلًا ثُلُثَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْمَرْأَةِ رُبْعُهَا سَبْعَةٌ مِيرَاثًا يَبْقَى إحْدَى وَعِشْرُونَ يُعْطَى الرَّجُلُ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهَا اثْنَيْ عَشَرَ يَبْقَى مِنْهَا تِسْعَةٌ هِيَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا لِلْمَرْأَةِ فَيَكُونُ لِلرَّجُلِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ وَلَهَا سِتَّةَ عَشَرَ تِسْعَةٌ بِوَصِيَّتِهَا وَسَبْعَةٌ بِمِيرَاثِهَا .
وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ أَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ الثُّلُثِ وَمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِمِيرَاثِهَا وَهُوَ سِتَّةٌ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ لِلرَّجُلِ خَمْسَةُ أَثْمَانٍ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى السِّتَّةِ إلَى الثَّمَانِيَةِ لَا
مُنَازَعَةَ لَهَا فِيهِ وَهُوَ سَهْمَانِ فَيَكُونَانِ لِلرَّجُلِ بَقِيَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ سِتَّةٌ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَهَا ثَلَاثَةٌ وَلَهُ ثَلَاثَةٌ مَعَ سَهْمَيْهِ اللَّذَيْنِ انْفَرَدَ بِهِمَا يَكُونُ خَمْسَةً فَنَقُولُ لَهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ السِّتَّةِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي مَخْرَجِ الثُّمُنِ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لِلرَّجُلِ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ بِحَقِّ الثُّلُثِ يَبْقَى اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ لَهَا رُبْعُهَا ثَمَانِيَةٌ مِيرَاثًا يَبْقَى أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يُعْطَى الرَّجُلُ خَمْسَةَ أَثْمَانِهَا وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَضْمُومَةٌ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ يَكُونُ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا تِسْعَةٌ مَضْمُومَةٌ إلَى ثَمَانِيَةٍ يَكُونُ سَبْعَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ
قَوْلُهُ ( وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِقَاتِلٍ ) سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُبَاشِرًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ كَمَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ فَإِنْ أَوْصَى لِقَاتِلِهِ فَأَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ جَازَ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ الْوَصِيَّةِ عَلَى طَرِيقِ الْعُقُوبَةِ فَهُوَ كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَلَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُودُ إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ فَإِذَا أَجَازُوهَا جَازَتْ كَالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَأَوْصَى لِقَاتِلِهِ اسْتَحَقَّتْ الزَّوْجَةُ رُبْعَ الْمَالِ كَامِلًا وَمَا بَقِيَ وَصِيَّةً لِلْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ أَوْ يُجِيزُهَا الْوَارِثُ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهَا لَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَلَّمْنَا لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعَ مِيرَاثَهَا يَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ
قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ ) الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْحَرْبِيِّ بَاطِلَةٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ وَلَمْ تَجُزْ لِلْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ } ثُمَّ قَالَ { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ } الْآيَةَ .
وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّ فِيهَا نَوْعَ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُشْبِهُ الْمِيرَاثَ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَلَا تُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ثَبَتَ جَبْرًا فَلَا يَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِيهِ وَارِدًا فِي الْوَصِيَّةِ .
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إنَّ الْإِرْثَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِلَايَةِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ كَذَا فِي شَاهَانْ
قَوْلُهُ ( وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ) الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقِفُ عَلَى قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَقِفُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ كَالْمِيرَاثِ وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَوَقَفَ عَلَى الْقَبُولِ كَالتَّمْلِيكِ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ فَإِنْ وُجِدَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَمَّتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصِي زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْمُوصَى بِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُزِيلُ الْأَمْلَاكَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِهِ قَوْلُهُ ( فَإِنْ قَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ رَدَّهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ ) لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ إذَا قَبِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْقَبُولُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَرِيحٌ وَدَلِيلٌ فَالصَّرِيحُ أَنْ يَقُولَ قَبِلْت مَعَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالدَّلِيلُ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَكُونُ مَوْتُهُ قَبُولًا لِوَصِيَّتِهِ وَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ
قَوْلُهُ ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ الْإِنْسَانُ بِدُونِ الثُّلُثِ ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرَابَةِ بِتَوْفِيرِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ اسْتِكْمَالِ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ تَمَامِ حَقِّهِ فَلَا صِلَةَ وَلَا مِنَّةَ
قَوْلُهُ ( وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ فِي وَجْهِ الْمُوصِي وَرَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهَا فَقَدْ اطْمَأَنَّ قَلْبُ الْمُوصِي إلَى تَصَرُّفِهِ فَمَاتَ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ رَدُّهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِبَيْعِ مَالِهِ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَاكَ ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ مُوَكِّلِهِ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْكَرْخِيِّ عَلَى مَا إذَا وَكَّلَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ يَكُونُ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ رَدَّهَا فِي وَجْهِهِ فَهُوَ رَدٌّ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِقَبُولِهَا وَالْمُتَبَرِّعُ إنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى التَّبَرُّعِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامٍ فَكَانَ مُخَيَّرًا فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَقَدْ الْتَزَمَهُ لِأَنَّ هَذَا دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوِصَايَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَخْلُفُ الْمُوصِي عِنْدَ خَلَاءِ مَكَانِهِ كَالْوَارِثِ فَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةٌ فَالْخِلَافَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ لَا
يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَلَا كَذَلِكَ التَّوْكِيلُ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْحَيِّ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَوْ نَقُولُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ أَمْرٌ مِنْهُ وَالْعَزْلَ نَهْيٌ عَنْهُ وَأَوَامِرُ الْعِبَادِ وَنَوَاهِيهِمْ مُعْتَبَرَةٌ بِأَوَامِر اللَّهِ تَعَالَى وَنَوَاهِيهِ وَأَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى وَنَوَاهِيه لَا تَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ شَرِبُوا الْخَمْرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِالتَّحْرِيمِ فَنَزَلَ فِي عُذْرِهِمْ قَوْله تَعَالَى { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا } قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ أَوْ تَصَرَّفَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ بِهَا فَعَزْلُهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ أَمَّا إذَا حَضَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَالْحَاكِمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ
قَوْلُهُ ( وَالْمُوصَى بِهِ يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَدْخُلُ الْمُوصَى بِهِ فِي مِلْكِ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَمَّتْ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَحْلِقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا تُوقَفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَمَنْ أَوْصَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ وَالْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ فَالْأَهَمُّ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ
قَوْلُهُ ( وَمِنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي مِنْ الْوَصِيَّةِ وَنَصَبَ غَيْرَهُمْ ) هَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَهَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ سَتَبْطُلُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي الْعَبْدِ بَاطِلٌ حَقِيقَةً لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَكَذَا فِي الْكَافِرِ وَمَعْنَاهُ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَفِي الْفَاسِقِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَافِرِ فِي هَذَا الذِّمِّيُّ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهَا مَوْلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلَوْ أَجَازَ الْمَوْلَى الْوَصِيَّةَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَمْنَعَ الْعَبْدَ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلِهَذَا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ وَكَانَ عَلَى الْقَاضِي إخْرَاجُهُ مِنْهَا فَإِنْ تَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ جَازَ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ بِالْوَصِيَّةِ كَتَصَرُّفِهِ بِالْوَكَالَةِ وَالْعَبْدُ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْوَكَالَةِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُكَاتَبَهُ أَوْ مُكَاتَبَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ لِمَنَافِعِ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ فَإِذَا عَجَزَ صَارَ حَالُهُ كَحَالِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْكَافِرِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ بِالْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ الْقَاضِي صَحَّ تَصَرُّفُهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْفَاسِقِ ؛ لِأَنَّهُ مَخُوفٌ عَلَى الْمَالِ فَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ اعْتِبَارًا بِالْوَكَالَةِ وَإِنْ أَوْصَى رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ جَازَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ كَالرَّجُلِ وَإِنْ أَوْصَى إلَى
أَعْمًى جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَإِنْ أَوْصَى إلَى مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ جَازَ يَعْنِي التَّائِبَ أَمَّا إذَا لَمْ يَتُبْ فَهِيَ الْوَصِيَّةُ إلَى الْفَاسِقِ وَإِنْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ إلَى مُسْلِمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ إلَى الذِّمِّيِّ جَازَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الذِّمِّيِّ فَهِيَ بَاطِلَةٌ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَفِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكِبَارِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ لِلْكِبَارِ أَنْ يَبِيعُوهُ فَيَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ يَعْنِي أَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فِيهِ الْمُشْتَرَى فَيَعْجِزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ صِغَارًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُمْ فَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ كَالْحُرِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَبْدُ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى صَرْفِهَا إلَى الْوَرَثَةِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَهَذَا عَكْسُ الْمَشْرُوعِ وَإِنْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ جَازَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ مَضَى الْأَمْرُ وَإِنْ عَجَزَ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا
قَوْلُهُ ( وَمِنْ أَوْصَى إلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ ضَمَّ إلَيْهِ الْقَاضِي غَيْرَهُ ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِضَمِّ الْآخَرِ إلَيْهِ فَلَوْ شَكَا إلَيْهِ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ دُونَ صَاحِبِهِ ) إلَّا فِي أَشْيَاءَ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ وَهُوَ شَرْطٌ مُقَيَّدٌ بِرِضَا الْمُوصَى وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِالْمُثَنَّى وَلَيْسَ الْوَاحِدُ كَالْمُثَنَّى بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ وَقَدْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا .
( قَوْلُهُ إلَّا فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ لِلْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَفِي انْتِظَارِ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ تَأْخِيرٌ لِدَفْنِهِ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِتَعْجِيلِ دَفْنِهِ قَوْلُهُ ( وَطَعَامِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتِهِمْ ) يَعْنِي الصِّغَارَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ مَوْتَهُمْ جُوعًا أَوْ عُرْيًا فَتَسْقُطُ وِلَايَةُ الْغَائِبِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ ( وَرَدِّ وَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا ) وَكَذَا رَدُّ الْعَوَارِيِّ وَالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا وَكَذَا رَدُّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظُ الْمَالِ وَقَضَاءُ الدُّيُونِ .
قَوْلُهُ ( وَقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ ) يَعْنِي لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا جَازَ وَوَقَعَ عَنْ الْقَضَاءِ فَكَذَا إذَا أَخَذَهُ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لَوْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا بِغَيْرِ تَسْلِيمٍ مِنْهُمَا جَازَ فَكَذَا إذَا أَخَذَهَا بِتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا قَوْلُهُ ( وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى
الرَّأْيِ قَوْلُهُ ( وَالْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَتَّى مِنْهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يُفْهَمْ مَا يَقُولَانِ وَلَكِنْ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْقَبْضِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ وَكَذَا قَبُولُ الْهِبَةِ لِلصَّغِيرِ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ وَكَذَا بَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خَشْيَةَ التَّلَفِ وَفِيهِ ضَرُورَةٌ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا أَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ الْآخَرِ إجْمَاعًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ أَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ إجْمَاعًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَبَوَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْوَلَدِ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ إلَّا فِي الْأَشْيَاءِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْوَصِيَّيْنِ إلَّا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً إنْ كَانَ ابْنًا وَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا يُزَوِّجُهَا وَلَيْسَ لِلْآخِرِ أَنْ يُبْطِلَهُ .
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيِّينَ لَا تَنْتَقِلُ وِلَايَتُهُ إلَى الْآخَرِ حَتَّى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَا لَمْ يَنْصِبْ الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ أَوْ الْوَصِيُّ الَّذِي مَاتَ أَوْصَى إلَى الْحَيِّ أَوْ إلَى رَجُلٍ آخَرَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَا لَمْ يَنْصِبْ الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِ اثْنَيْنِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ فِي غَيْرِ الْأَشْيَاءِ
الْمَعْدُودَةِ ثُمَّ أَجَازَهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْدِيدِ الْعَقْدِ وَإِذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى غَيْرِهِ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ) أَمَّا إذَا أَجَازُوا اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثَ بِكَمَالِهِ فَيَكُونُ لَهُمَا الثُّلُثَانِ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ الثُّلُثُ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالسُّدُسِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ) لِأَنَّ الثُّلُثَ ضَاقَ عَنْ حَقَّيْهِمَا فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا فَيُعْطَى لِلْأَقَلِّ سَهْمٌ وَلِلْأَكْثَرِ سَهْمَانِ قَوْلُهُ ( فَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ) عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبْعُهُ وَتَخْرِيجُهُ أَنْ تَقُولَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ الثُّلُثَ الْمُوصَى بِهِ لِلْآخَرِ كَانَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَثْلَاثٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَاحِدٌ .
قَوْلُهُ ( وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ) يَعْنِي إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَقَعَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِحَقِّ الْغَيْرِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضْرَبَ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَإِنْ شِئْت قُلْت بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يُدْلِي بِسَبَبٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالثُّلُثِ فَتَسَاوَيَا فَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَيُعْطَى صَاحِبُ الْجَمِيعِ ثُلُثَيْ الْمَالِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ
فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ السُّدُسُ وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبْعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ .
فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ نِصْفُ الْمَالِ لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَلِلْآخَرِ الرُّبْعُ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ الرُّبْعُ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَإِنَّمَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ مُلْغَاةٌ عِنْدَهُ وَالْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ يَضْرِبُ بِالرُّبْعِ فَكَأَنَّهُ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالرُّبْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَرُبْعٌ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَثُلُثُهُ أَرْبَعَةٌ وَرُبْعُهُ ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَتَجْعَلُ وَصِيَّتَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَتَكُونُ السَّبْعَةُ ثُلُثَ الْمَالِ وَالْمَالُ كُلُّهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَبْعَةٌ مِنْهُ لِلْمُوصَى لَهُمَا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ لِلْوَرَثَةِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ سَهْمَانِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ سَهْمٌ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ يَضْرِبُ بِالرُّبْعِ وَالرُّبْعُ مِثْلُ نِصْفِ النِّصْفِ فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبْعٍ سَهْمًا فَالنِّصْفُ يَكُونُ سَهْمَيْنِ .
قَوْلُهُ ( وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ ) يَعْنِي تُلْغَى الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَصُورَةُ الْمُحَابَاةِ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقِيمَة الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ وَأَوْصَى أَنْ يُبَاع أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ لِفُلَانٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةٍ لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُنَا قَدْ حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخِرِ بِخَمْسِمِائَةِ
وَذَلِكَ كُلُّهُ وَصِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّ مُحَابَاتَهُمَا تَجُوزُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا أَحَدُهُمَا يُضْرَبُ فِيهِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ وَهَذَا ثُلُثُ مَالِهِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةٍ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ وَصُورَةُ السِّعَايَةِ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا .
وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ مِنْ الثُّلُثِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا أَثْلَاثًا فَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَالثُّلُثَانِ لِلْآخَرِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَهُوَ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَلَوْ كَانَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَجَبَ أَنْ يَسْعَى الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ فِي خَمْسِمِائَةٍ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَاَلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَضْرِبَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَهُوَ أَلْفٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَصُورَةُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ أَنْ يُوصِيَ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِأَلْفَيْنِ وَثُلُثُ مَالِهٍ أَلْفٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَصُورَةٌ أُخْرَى لِلثَّلَاثِ الْمَسَائِلِ وَصُورَةُ الْمُحَابَاةِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِمِائَةٍ وَقِيمَتَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ ثُمَّ يُوصِي
لِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَى الْعَبْدِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ مِائَةٌ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا فَوَصِيَّةُ الْأَوَّلِ مِائَتَانِ وَوَصِيَّةُ الثَّانِي مِائَةٌ فَاقْسِمْ الثُّلُثَ وَهُوَ مِائَةٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِصَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ ثُلُثَاهَا وَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ ثُلُثُهَا .
وَصُورَةُ السِّعَايَةِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَى الْعَبْدَيْنِ فَاقْسِمْ الثُّلُثَ وَهُوَ مِائَةٌ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِلَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ وَثُلُثُهَا لِلْآخَرِ وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ وَصُورَةُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ فَمَاتَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ وَهُوَ مِائَةٌ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِصَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ ثُلُثَاهَا وَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ ثُلُثُهَا وَإِنَّمَا يَضْرِبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَخْرُجُ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ أَوْ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ فِي مَخْرَجِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ مَالَهُ لَوْ كَثُرَ أَوْ خَرَجَ لَهُ مَالٌ آخَرُ تَدْخُلُ فِيهِ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ وَرَثَةٌ وَأَجَازُوا فَإِنَّ الْمَالَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي الثُّلُثِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ وَيَضْرِبُ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ وَهُوَ سَهْمٌ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يُضْرَبُ لَهُ بِالْجَمِيعِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَيُجْعَلُ الْمَالُ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ وَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ .
وَهَذَا إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ فَيَكُونُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا فَيُقَسَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ مِنْ الدَّيْنِ ) لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَالدَّيْنَ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّبَرُّعِ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ) لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْغَيْرِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ جَازَ ) لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّرُ بِهِ قَوْلُهُ ( فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ ) لِأَنَّا نَجْعَلُ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ كَابْنٍ ثَالِثٍ فَيَكُونُ مَالُهُ مَقْسُومًا عَلَى ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ بِغَيْرِ إجَازَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَجَازَهُ الِابْنُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِنِصْفِ مَالِهِ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ وَمَا زَادَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ وَقَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ بِنَصِيبِ ابْنَتِهِ وَلَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَلَا ابْنَةٌ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ جَازَ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ لَا عَيْنُهُ فَيُعْتَبَرُ نَصِيبُ الِابْنِ ثُمَّ يُزَادُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ فَإِنْ أَجَازَهُ الِابْنُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَلَهُ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَلَهُ الثُّلُثُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتِهِ وَلَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ نَصِيبِ الْبِنْتِ فَإِنْ أَجَازَتْهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ تُجِزْهُ فَلَهُ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ لِأَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ ثُلُثَيْ الْمَالِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثٌ فَمِثْلُ نَصِيبِ إحْدَاهُمَا الثُّلُثُ وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ يُعْطِي نِصْفَ الْمَالِ إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ يُعْطِي ثُلُثَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ مَعْدُومٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ نَصِيبُ ذَلِكَ الِابْنِ بِسَهْمٍ وَمِثْلُهُ سَهْمٌ أَيْضًا فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ
بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ هُنَاكَ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ وَلَمْ يَقُلْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ أَوْ بَاعَ وَحَابَى أَوْ وَهَبَ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَيَضْرِبُ بِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مَكَانَ قَوْلِهِ جَائِزٌ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فِي مَرَضِهِ مِنْ الْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالْمُحَابَاةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصَايَا فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ فِيهِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً فَلَا ؛ لِأَنَّهُ مُنْجَزٌ قَبْلَ مَوْتِهِ غَيْرُ مُضَافٍ فَصَارَ كَاَلَّذِي يُنْجِزُهُ فِي صِحَّتِهِ لَكِنَّهُ سَاوَى الْوَصَايَا فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ فِيهِ أَوْ نَقُولُ لَعَلَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَصِيَّةً الِاعْتِبَارُ مِنْ الثُّلُثِ وَالضَّرْبُ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا حَقِيقَةَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا مُنْجَزٌ وَاعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ قَوْلُهُ ( فَإِنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) هَذَا إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا أَمَّا إذَا اتَّسَعَ لَهُمَا أَمْضَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جِهَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْمُحَابَاةُ أَوْلَى إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَقَدْ أَخْرَجَهَا مَخْرَجَ الْمُعَاوَضَةِ فَصَارَتْ كَالدَّيْنِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ الْمَرِيضُ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْمُعَاوَضَةِ قَوْلُهُ ( فَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ ) ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي هَذَا الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي الْعِتْقِ مَزِيَّةُ التَّقْدِيمِ بِوُقُوعِهِ وَلَا يَلْحَقُ الْفَسْخُ وَلِلْمُحَابَاةِ مَزِيَّةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي فَلَمَّا تَسَاوَيَا تَحَاصَّا .
قَوْلُهُ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةَ قَدْ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ فَكَانَ الْعِتْقُ أَوْلَى وَصُورَتُهُ مَرِيضٌ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَاشْتَرَى عَبْدًا
قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ فَحَصَلَ لِلْبَائِعِ أَلْفٌ مُحَابَاةً وَجَمِيعُ مَالِهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَإِنْ بَدَأَ بِالْعِتْقِ ثُمَّ بِالْمُحَابَاةِ تَحَاصَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى تَقَدَّمَ عَلَى الْمُحَابَاةِ أَوْ تَأَخَّرَ فَيُصْرَفُ الثُّلُثُ وَهُوَ أَلْفٌ إلَى الْعِتْقِ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ إلَى الْوَرَثَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْجِهَةِ فَمَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا سَاوَاهَا وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَالْمُحَابَاةِ نِصْفَيْنِ فَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْجِهَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ أَعْتَقَ تَسَاوَيَا فِي الثُّلُثِ كَذَلِكَ هَذَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ رَجُلٌ لَهُ عَبْدَانِ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ يُسَاوِي أَلْفًا فَأَعْتَقَهُ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى وَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَيَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ بِأَلْفَيْنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ فَإِنْ قُدِّمَ الْعِتْقُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ سَعَى الْمُعْتَقُ لِلْوَرَثَةِ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالتَّرْكِ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيُتِمُّ لَهُ السُّدُسَ ) وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ لَهُ أَخَسَّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى السُّدُسِ فَحِينَئِذٍ يُعْطَى السُّدُسَ فَقَطْ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ النُّقْصَانُ عَنْ السُّدُسِ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَاعْتَمَدَهَا السَّرَخْسِيُّ وَأَخَذَ بِهَا صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ حَيْثُ قَالَ وَالسَّهْمُ أَدْنَى حَقِّ أَهْلِ الْإِرْثِ فَإِنْ يَزِدْ فَالسُّدُسُ دُونَ الثُّلُثِ أَيْ فَإِنْ يُزَادُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عَلَى السُّدُسِ فَلَهُ السُّدُسُ حِينَئِذٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ إلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا مَزِيدَ لَهَا عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ بَيَانُهُ زَوْجَةٌ وَابْنٌ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْطِي الْمُوصَى لَهُ سُدُسَ الْمَالِ لِأَنَّ أَخَسَّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ الثُّمْنُ وَهُوَ نَصِيبُ الزَّوْجَةِ وَهُوَ نَاقِصٌ عَنْ السُّدُسِ فَيُتِمُّ لَهُ السُّدُسَ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُعْطِي مِثْلَ نَصِيبِ الزَّوْجَةِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا عَنْ السُّدُسِ فَيُزَادُ عَلَى الْفَرِيضَةِ سَهْمٌ يَكُونُ تِسْعَةً فَيُعْطِي الْمُوصَى لَهُ سَهْمًا وَالزَّوْجَةَ سَهْمًا وَيَبْقَى لِلِابْنِ سَبْعَةً وَكَذَا أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ أَخَسَّ سِهَامِهِمْ لَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ وَإِنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَأَخَسُّ سِهَامِهِمْ الرُّبْعُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْطَى السُّدُسَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُعْطَى الرُّبْعَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ وَيُزَادُ عَلَى الْفَرِيضَةِ سَهْمٌ يَكُونُ خَمْسَةً فَيُعْطِي الْمُوصَى لَهُ الْخُمْسَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ
فَمَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَيُجْعَلُ نِصْفُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ ابْنٍ وَاحِدٍ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطَوْهُ مَا شِئْتُمْ ) ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ بِخِلَافِ السَّهْمِ ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ فَلَا يَقِفُ عَلَى بَيَانِ الْوَرَثَةِ وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِحَظٍّ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِشِقْصٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ أَوْ بِنَصِيبٍ أَوْ بِبَعْضٍ فَإِنَّ الْبَيَانَ إلَى الْمُوصِي مَا دَامَ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ فَالْبَيَانُ إلَى وَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَمَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَهُ ثُلُثُ مَالِي وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُ مَالِهِ وَيَدْخُلُ السُّدُسُ فِيهِ وَإِنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ فَلَهُ سُدُسٌ وَاحِدٍ لِأَنَّ السُّدُسَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ وَالْمَعْرِفَةُ مَتَى أُعِيدَتْ يُرَادُ بِالثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَعْهُودُ فِي اللُّغَةِ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا سَوَاءٌ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا مِثْلُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ ) لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبِدَايَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا مُتَسَاوِيَةً فِي الْقُوَّةِ بَدَأَ مِنْهَا بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ جَمِيعِهَا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ فَقَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَبْدَأ بِالْحَجِّ وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ لَا غَيْرُ وَكَانَ الْحَجُّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْفَرْضِيَّةِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَكَانَتْ أَقْوَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا أَوْصَى أَنْ يَتَّخِذ طَعَامًا لِلنَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلَّذِينَ يَحْضُرُونَ التَّعْزِيَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ لِلَّذِي يَطُولُ مُقَامُهُ عِنْدَهُمْ وَلِلَّذِي يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي لَا يَطُولُ مُقَامُهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ لِيَقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُضْرَبَ عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةٌ أَوْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحْمَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ حَمَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ ضَمِنَ مَا أَنْفَقَ فِي حَمْلِهِ وَلَوْ قِيلَ لِمَرِيضٍ أَوْصِ بِشَيْءٍ فَقَالَ بِثُلُثِ مَالِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا إنْ أَخْرَجَهُ عَلَى أَثَرِ السُّؤَالِ يُخْرَجُ ثُلُثُ مَالِهِ وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ قَالَ تَصَدَّقُوا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْوَصِيَّةُ
جَائِزَةٌ وَمَصْرِفُهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك فَهُوَ هِبَةٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ قَوْلُهُ ( وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي ) يَعْنِي النَّوَافِلَ لِأَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ وَالْإِنْسَانُ يُقَدِّمُ الْأَهَمَّ فَكَانَ مَا قَدَّمَهُ أَوْلَى
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ وَإِنَّمَا قَالَ رَاكِبًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَاشِيًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ كَذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الثُّلُثُ يَتَّسِعُ لِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْطَانٌ كَثِيرَةٌ حَجَّ عَنْهُ رَاكِبًا مِنْ أَقْرَبِ أَوْطَانِهِ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا فَمَاتَ بِخُرَاسَانَ فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْقِرَانِ فَيَحُجُّ عَنْهُ قَارِنًا مِنْ خُرَاسَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ وَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ لَا يَفِي بِذَلِكَ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْوَصِيَّةُ النَّفَقَةَ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ ) لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَالْمُمْكِنُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ ( وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ فَعِنْدَهُمَا يَحُجُّ عَنْهُ بِالْبَاقِي مِنْ حَيْثُ مَاتَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضُمُّ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ إلَى مَالِ الْمُوصِي وَيُؤْخَذُ ثُلُثُهُ وَيَحُجُّ بِهِ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا أَنْفَقَ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ
قَوْلُهُ ( وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هِبَتُهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَحَالُ الصِّحَّةِ آكَدُ فِي الثُّبُوتِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْبَالِغِ أَنْ يَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا أَدْرَكْت فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً لَمْ تَصِحَّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا أَضَافَا الْوَصِيَّةَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِحَيْثُ تَصِحُّ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا مُسْتَتَمَّةٌ وَالْمَانِعَ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى حَالِ سُقُوطِهِ قَوْلُهُ ( وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً ) لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ
قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ ) لِأَنَّهَا نَوْعُ تَبَرُّعٍ لَمْ تَتِمَّ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا كَالْهِبَةِ قَالُوا إلَّا فِيمَا وَقَعَ لَازِمًا كَالْمُحَابَاةِ الْمُنْجَزَةِ وَالتَّبَرُّعِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ أَوْ فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ كَانَ رُجُوعًا ) أَمَّا الصَّرِيحُ فَيَقُولُ أَبْطَلْت وَصِيَّتِي أَوْ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانِ فَهُوَ لِفُلَانٍ فَهُوَ رُجُوعٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ إذْ لَوْ أَرَادَهَا لَبَيَّنَ لَفْظَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهَا ، وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ كَمَا إذَا أَوْصَى بِثَوْبٍ ثُمَّ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ أَوْ بِغَزْلٍ فَنَسَجَهُ أَوْ بِدَارٍ فَبَنَى فِيهَا أَوْ بِشَاةٍ فَذَبَحَهَا أَوْ بِأَمَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ دَبَّرَهَا فَهَذَا كُلُّهُ يَكُونُ رُجُوعًا وَإِبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ الْمُوصَى بِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا
قَوْلُهُ ( وَمَنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ) هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيَكُونُ رُجُوعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمْ الْمُلَاصِقُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُمْ الْمُلَاصِقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ وَجَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } وَفَسَّرُوهُ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَارَ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهَذَا الْجِوَارِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِجِيرَانِي فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لِجِيرَانِهِ الْمُلَاصِقِينَ لِدَارِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لِلْمَمَالِكِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ وَصِيَّةٌ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ لِلْمُوصِي ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ دُونَ مَوْلَاهُ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ ) وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ ابْنِهِ وَمِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَمِنْ زَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَصْهَارُهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الزَّوْجَةُ وَلَا زَوْجَةُ الِابْنِ وَلَا زَوْجَةُ الْأَبِ وَلَا زَوْجَةُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَصْهَارَ يَخْتَصُّونَ بِأَهْلِهَا دُونَهَا وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ أَوْ فِي عِدَّتِهِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَالصِّهْرُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِأَنَّ بَقَاءَ الصِّهْرِيَّةِ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَهُوَ شَرْطٌ وَقْتَ الْمَوْتِ
قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَوْصَى لِأَخْتَانَهُ فَالْخَتَنُ زَوْجُ كُلِّ ذَات رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ ) وَكَذَا مَحَارِمُ الْأَزْوَاجِ لِأَنَّ الْخَتَنَ اسْمٌ لِزَوْجِ الْبِنْتِ وَزَوْجِ الْأُخْتِ وَزَوْجِ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَمِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا وَأُمُّ الزَّوْجِ وَجَدَّتُهُ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا عُرْفُنَا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَزْوَاجُ الْمَحَارِمَ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى كُلُّهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ لَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ مِنْ الْمُوصِي
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ ثُلُثُ مَالِي لِذَوِي قَرَابَتِي وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الرَّحِمُ الْمَحْرَمُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ الصِّلَةُ فَاخْتَصَّتْ بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَالنَّفَقَةِ وَإِيجَابِ الْعِتْقِ قَوْلُهُ ( وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ ) لِأَنَّ الْقَرَابَةَ اسْمٌ لِمَا يَقْرُبُ مِنْ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِهِ وَالْأَبَوَانِ أَصْلُ الْقَرَابَةِ وَالْوَلَدُ يَقْرُبُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ الِاسْمُ وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ سَمَّى وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ عُقُوقًا مِنْهُ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الْأَقْرَبِينَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَتَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ) ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ فِي الْمَوَارِيثِ اثْنَانِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } وَالْمُرَادُ بِهِ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَقَدْ قَالُوا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ لِذَوِي فَهُوَ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّ هَذَا اسْمٌ لِلْوَاحِدِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اشْتَرَطَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَرَابَةَ وَعَدَمَ الْوِرَاثَةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ أَوْلَادٌ وَالْجَمْعِيَّةُ وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَوَافَقَهُ صَاحِبَاهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَخَالَفَاهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَمْ يَشْتَرِطَاهَا وَهِيَ الْجَمْعِيَّةُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ .
قَوْلُهُ ( فَإِذَا أَوْصَى بِذَلِكَ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لَمَا بَيَّنَّا أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ اعْتِبَارَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَالْعَمَّانِ أَقْرَبُ مِنْ الْخَالَيْنِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ فَلِلْعَمِّ النِّصْفُ
وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ ) لِأَنَّ الْبَعِيدَ عِنْدَهُ لَا يُسَاوِي الْقَرِيبَ فَكَأَنَّ الْعَمَّ انْفَرَدَ فَيَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ الْوَصِيَّةَ لِجَمْعٍ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَمُّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهَا وَبَقِيَ النِّصْفُ الثَّانِي لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ أَقْرَبَ مِنْ الْخَالَيْنِ فَكَانَ لَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عَمٌّ وَاحِدٌ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا بَقِيَ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ فَتَبْطُلُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ فَيُرَدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْعَمِّ كُلُّ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَرْدِ فَيُحْرِزُهَا كُلَّهَا إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ تَرَكَ عَمًّا وَعَمَّةً وَخَالًا وَخَالَةً فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا وَهِيَ أَقْوَى مِنْ قَرَابَةِ الْأَخْوَالِ وَالْعَمَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً فَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ رَقِيقًا أَوْ ذِمِّيًّا .
قَوْلُهُ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مِنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ ) وَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ وَالْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ قَرِيبٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِ قَرَابَتِهِ جِهَةَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فِي الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا يَشْتَرِكُونَ فِي الثُّلُثِ وَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ وَالْأَبْعَدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ بَيَانُهُ إذَا أَوْصَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ لِأَقَارِبِهِ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ مِنْ يُنْسَبُ إلَى الْعَبَّاسِ وَكَذَلِكَ الْعَلَوِيُّ إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ثُمَّ عَلَى
أَصْلِهِمَا إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ اشْتَرَكَ فِيهِ الْعَمَّانِ وَالْخَالَانِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبَ وَإِنْ تَرَكَ عَمًّا وَخَالَيْنِ فَلِلْعَمِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَلِلْخَالَيْنِ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هِيَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا النِّصْفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ عَلَى أَصْلِهِمَا لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ فُلَانٍ فَهُوَ عَلَى زَوْجَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اسْمَ الْأَهْلِ حَقِيقَةً فِي الزَّوْجَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ فُلَانٌ بِبَلَدِ كَذَا أَيْ تَزَوَّجَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ اسْمُ الْأَهْلِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَعُولُهُ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ الْقِيَاسُ فِي هَذَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا أَنْ يَكُونَ لِجَمِيعِ مَنْ يَعُولُهُ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمْ مَنْزِلُهُ مِنْ الْأَحْرَارِ وَالزَّوْجَةِ وَالْيَتِيمِ فِي حِجْرِهِ وَالْوَلَدِ إذَا كَانَ يَعُولُهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا قَدْ اعْتَزَلَ أَوْ كَانَتْ بِنْتًا قَدْ تَزَوَّجَتْ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَمَالِيكُ وَلَا وُرَّاثٌ لِلْمُوصِي وَلَا يَدْخُلُ الْمُوصَى لِأَهْلِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِمَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ وَالْمُضَافُ غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ فِي الْوَصِيَّةِ
قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ ) وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ الْغَنَمُ كُلُّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حِينَئِذٍ وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ يُعْطَى قِيمَةَ شَاةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهَا إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ وَإِنْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَالِ وَبِدُونِهَا يُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَقِيلَ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِسَيْفِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ أُعْطِيهِ السَّيْفَ بِجَفْنِهِ وَحِلْيَتِهِ وَكَذَا قَالَ زُفَرُ يَعْنِي أَنَّ لَهُ جَفْنَهُ وَحَمَائِلَهُ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِسَرْجٍ فَلَهُ السَّرْجُ وَتَوَابِعُهُ مِنْ اللِّبْدِ وَالرِّفَادَةِ وَكَذَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِمُصْحَفٍ فَلَهُ الْغِلَافُ عِنْدَ زُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي السَّيْفِ لَهُ النَّصْلُ دُونَ الْجَفْنِ وَفِي السَّرْجِ لَهُ الدَّفَّتَانِ وَالرِّكَابَانِ دُونَ اللِّبْدِ وَالْمِيثَرَةِ وَهِيَ قُطْنٌ مَحْشُوٌّ يُتْرَكُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ وَفِي الْمُصْحَفِ لَهُ الْمُصْحَفُ دُونَ الْغِلَافِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُنْفَصِلَةٌ فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ كَمَنْ أَوْصَى بِدَارٍ لَا يَدْخُلُ فِيهَا الْمَتَاعُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ الْغِلَافَ تَابِعٌ لِلْمُصْحَفِ كَجَفْنِ السَّيْفِ عَلَى أَصْلِهِ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِمِيزَانٍ فَلَهُ الْكِفَّتَانِ وَالْعَمُودُ وَاللِّسَانُ وَلَيْسَ
لَهُ الصَّنَجَاتُ وَلَا التَّخْتُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمِيزَانِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَكْمُلُ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ هِيَ مُنْفَصِلَةٌ فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِحِنْطَةٍ فِي جَوَالِقَ فَلَهُ الْحِنْطَةُ دُونَ الْجَوَالِقِ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ فَلَهُ الْقَوْصَرَّةُ وَالتَّمْرُ لِأَنَّ الْقَوْصَرَّةَ تَدْخُلُ فِي بَيْعِ التَّمْرِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْجَوَالِقِ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِعَسَلٍ فِي زِقٍّ أَوْ بِسَمْنٍ فِي ظَرْفٍ أَوْ بِزَيْتٍ فِي إنَاءٍ لَمْ تَدْخُلْ الْآنِيَةُ وَإِنَّمَا لَهُ الْعَسَلُ وَحْدَهُ وَالسَّمْنُ وَحْدَهُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ
( قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثِيَابِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَاهَا وَبَقِيَ ثُلُثُهَا وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ ) هَذَا إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّ الثِّيَابَ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً لَا يُقَسَّمُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ فَالْبَاقِي مِنْهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَلَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْبَاقِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمُوصَى لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ
( قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَهُ مَالٌ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَتْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَتْ إلَى الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ دَفَعَ إلَيْهِ ثُلُثَ الْعَيْنِ وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ أَخَذَ ثُلُثَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ فِي الْعَيْنِ فَضْلًا عَلَى الدَّيْنِ
( قَوْلُهُ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إذَا وُضِعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْوَصِيَّةِ ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ لَهُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ إلَّا أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ لَهُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَيْسَتْ بِاسْتِخْلَافِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِيُمَلِّكَهُ شَيْئًا ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَهِيَ جَائِزَةٌ أَيْضًا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ بَابَ الْوَصِيَّةِ وَاسِعٌ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ وَعَجْزِهِ وَلِهَذَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَوْجُودِ كَالثَّمَرَةِ فَلَأَنْ تَصِحُّ فِي الْمَوْجُودِ أَوْلَى وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ بِمَا فِي بَطْنِ دَابَّتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَمَعْرِفَةُ وُجُودِهِ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حَدَثَ بَعْدَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ فِي الْعِدَّةِ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ فَكَذَلِكَ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي الْجَارِيَةِ وَالدَّابَّةِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَوْصَى بِالْجَارِيَةِ لِرَجُلٍ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ جَازَ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ حِينَئِذٍ تَكُونُ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَارِيَةِ
( قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ ) أَيْ أَوْصَى بِهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فَقَدْ جَعَلَ الْجَارِيَةَ وَصِيَّةً وَمَا فِي بَطْنِهَا مِيرَاثًا وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ وَلِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَفْظًا لَكِنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَجَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَمَا لَا فَلَا وَلَوْ أَوْصَى بِرَقَبَةِ الْجَارِيَةِ لِإِنْسَانٍ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَلَدِ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهَا لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهَا وَغَلَّتِهَا لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَالْغَلَّةِ عَادَ الْمِلْكُ إلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ دُونَ وَرَثَةِ الْمُوصَى
( قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْمُوصَى لَهُ ثُمَّ قَبِلَ وَهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ ) لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدَ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَقْضِيَ بِهَا دُيُونَهُ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصَى لَهُ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْمُوصَى لَهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشَّرْطَ فِي الْهِدَايَةِ وَصَوَابُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَوْلُهُ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَا وَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ذَكَرَ فِي الْكَرْخِيِّ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ بِالثُّلُثِ وَأَخَذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا وَلِهَذَا اسْتَحَقَّهُمَا الْمُوصَى لَهُ إذَا خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا لَمْ يَخْرُجَا جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ فِيهِمَا بِالْحِصَّةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمِّ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الْأُمِّ وَالْوَلَدُ يَدْخُلُ مَعَهَا عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ فَإِذَا لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْأُمِّ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ الْخِلَافُ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَجُعِلَ قَوْلُهُمَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَهُمَا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ لَهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَمَةٌ تُسَاوِي ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَوْصَى بِالْأَمَةِ لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الْأُمُّ وَثُلُثُ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ وَهَذَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ
وَهُوَ ضِدُّ مَا فِي الْقُدُورِيِّ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثًا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ صَحَّتْ فِي الْأُمِّ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُفْسَخَ الْوَصِيَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّتِهَا وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدَ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ فَلَوْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا جَمِيعًا تَنْتَقِضُ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ قَدْ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا فِي حَالَةِ الِاتِّصَالِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا بِالِانْفِصَالِ هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهَا فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ خَالِصِ مِلْكِهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ
( قَوْلُهُ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ سِنِينَ مَعْلُومَةً وَيَجُوزُ بِذَلِكَ أَبَدًا ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ مِنْ الثُّلُثِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ ) لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ وَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْوَرَثَةُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ وَهَذَا إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ أَجْزَاءَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ خِدْمَتِهِ عَلَى الْمُهَايَأَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ تُقَسَّمُ عَيْنُ الدَّارِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا ثُمَّ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوهُ إلَّا إذَا أَجَازَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَإِذَا أَجَازَ لَمْ يَنْتَقِلْ حَقَّهُ إلَى الْعِوَضِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إلَى الْوَرَثَةِ ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
( قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ) لِأَنَّ إيجَابَهَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ وَلِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ الْقَبُولُ وَمِنْ شَرْطِ الْقَبُولِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ عُدِمَ هَذَا
( قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ ) لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَنْتَظِمُ الْكُلَّ انْتِظَامًا وَاحِدًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ وَلَدٌ مِنْ صُلْبِهِ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ وَلَدُ الِابْنِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ الْإِنَاثُ وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا فِي وَلَدِ الصُّلْبِ فَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي ذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ وَإِنْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الذُّكُورَ يَنْفَرِدُونَ بِذَلِكَ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ اسْمُ الْبَنِينَ وَفِي رِوَايَةٍ يَدْخُلُونَ مَعَ الذُّكُورِ وَيَكُونُونَ سَوَاءً وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ اسْمَ الْبَنِينَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا بَنِي آدَمَ } فَالْخِطَابُ مُتَنَاوِلٌ لِلْكُلِّ ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لِبَنِي فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا بَنَاتٌ مُنْفَرِدَاتٌ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْمِ لِلذُّكُورِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ خَمْسَةٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى سَبْعَةٍ لَهُنَّ ثَلَاثَةٌ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ سَهْمَانِ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ جِنْسَانِ وَالْمَذْكُورُ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ اثْنَانِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى كَمَا إذَا قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اُعْتُبِرَ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ .
وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَالْمَسَاكِينَ فَنِصْفُهُ لِفُلَانٍ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا
وَعِنْدَهُ لَا يُصْرَفُ إلَّا إلَى مَسَاكِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْبَائِسِ وَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يُجْعَلُ الثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ لِلْبَائِسِ وَهُوَ الزَّمِنُ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا جُزْءٌ وَجُزْءٌ لِلْمِسْكِينِ وَهُوَ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَجُزْءٌ لِلْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَطُوفُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَلَا يَسْأَلُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْعَلُ عَلَى جُزْأَيْنِ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ وَاحِدٌ وَالْبَائِسُ وَاحِدٌ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكَتْك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِ مِائَةٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ بِتَنْصِيفِ نَصِيبِهِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى لَفْظِ الْوَرَثَةِ عُلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ التَّفْضِيلَ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَإِنْ أَوْصَى لِعَقِبِ فُلَانٍ فَالْعَقِبُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ الْإِنْسَانِ فَأَمَّا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَلَيْسُوا بِعَقِبٍ لَهُ وَعَقِبُ وَلَدِهِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَوَلَدُ وَلَدِهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ أَيْضًا وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ وَلَدُ الْإِنَاثِ لِأَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ لَيْسُوا بِعَقِبٍ لَهُ وَإِنَّمَا هُمْ عَقِبٌ لِآبَائِهِمْ وَيُقَدَّمُ وَلَدُ الصُّلْبِ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ عَقِبٌ لِآبَائِهِمْ وَآبَاؤُهُمْ عَقِبٌ لِجَدِّهِمْ فَإِنْ عُدِمَ الْآبَاءُ فَالْعَقِبُ وَلَدُ الْوَلَدِ
( قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِذَا عَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ وَهَذَا كُلُّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا بِنِصْفِ الثُّلُثِ وَنِصْفُهُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَا حَيَّيْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ فِي حِصَّتِهِ وَانْتَقَلَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلِلْحَيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ نَصِيبُهُ مَوْرُوثًا عَنْهُ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَزَيْدٌ مَيِّتٌ كَانَ لِعَمْرٍو نِصْفُ الثُّلُثِ ) لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ كَلِمَةُ تَقْسِيمٍ وَاشْتِرَاكٍ فَقَدْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَسَكَتَ كَانَ لَهُ كُلُّ الثُّلُثِ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ سَالِمٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَإِنْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِعَمْرٍو وَلِزَيْدٍ إنْ كَانَ فَقِيرًا نَظَرْت إنْ كَانَ زَيْدٌ وَقْتَ الْمَوْتِ فَقِيرًا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَتْ حِصَّتُهُ وَانْتَقَلَ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلِعَمْرٍو نِصْفُ الثُّلُثِ
( قَوْلُهُ وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا اسْتَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَهَلَكَ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا لِمَا بَيَّنَّا ( مَسَائِلُ ) إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا وَكَانَتْ زَائِدَةً عَلَى الثُّلُثِ وَأَرَدْت قِسْمَةَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنْ تَجْمَعَ الْوَصَايَا كُلَّهَا ثُمَّ تَنْظُرُ إلَيْهَا وَإِلَى الثُّلُثِ وَإِلَى نُقْصَانِهِ مِنْ الْوَصَايَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ مِثْلَ نِصْفِ الْوَصَايَا نَقَصْت مِنْ كُلِّ وَصِيَّةٍ نِصْفَهَا وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ مِثْلَ ثُلُثِ الْوَصَايَا نَقَصْت مِنْ كُلِّ وَصِيَّةٍ ثُلُثُهَا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَكُونُ الْعَمَلُ مِثَالُهُ إذَا بَلَغَتْ الْوَصَايَا أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَحَدِهِمْ مِائَةٌ وَلِآخَرَ مِائَتَانِ وَلِآخَرَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَلِآخَرَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثُلُثُ مَالِهِ خَمْسُمِائَةٍ فَالنُّقْصَانُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ إلَى مَبْلَغِ الْوَصَايَا مِثْلُ نِصْفِ الْوَصَايَا خَمْسُمِائَةٍ فَيَنْقُصُ مِنْ كُلِّ وَصِيَّةٍ نِصْفُهَا فَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ خَمْسُونَ وَلِصَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ مِائَةٌ وَلِصَاحِبِ الثَّلَاثِمِائَةِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَلِصَاحِبِ الْأَرْبَعِمِائَةِ مِائَتَانِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ .
وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِرُبْعِ مَالِهِ وَلِثَالِثٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ أَرْبَعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْرِبُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِالثُّلُثِ وَلِصَاحِبِ الرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا كَانَ ثُلُثُ الْمَالِ أَحَدَ عَشَرَ كَانَ جَمِيعُهُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ اثْنَا عَشَرَ فَالْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوصَ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَتُعْطِيهِ ثُلُثَ اثْنَيْ
عَشَرَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَلِلثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ النِّصْفُ وَذَلِكَ سِتَّةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ الرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَةَ فَيَكُونُ الْمَالُ كُلُّهُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ وَإِنْ أَجَازُوا لَا نَصَّ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسٌ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَالسُّدُسُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ لَا مُنَازَعَةَ لَهُ فِي الثُّلُثَيْنِ فَسَلَّمَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَاسْتَوَيَا فِي الثُّلُثِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ هَذَا قَبِيحٌ فَإِنَّ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مِثْلُ نَصِيبِهِ عِنْدَ عَدَمِهَا بَلْ يَجِبُ لَهُ الرُّبْعُ وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَتَخْرِيجُ مَا قَالَهُ الْحَسَنُ أَنْ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الثُّلُثِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ ثُمَّ يُقَسَّمُ الثُّلُثَيْنِ فَنَقُولُ أَصْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ ثُمَّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ فَانْكَسَرَ فَأَضْعِفْهُ فَيَكُونُ سِتَّةً فَصَارَ الثُّلُثُ سَهْمَيْنِ بَيْنَهُمَا وَبَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهَا وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَدَّعِي مِنْهَا سَهْمًا لِيَصِيرَ لَهُ مَعَ السَّهْمِ الْأَوَّلِ ثُلُثُ الْجَمِيعِ فَسَلَّمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ مِنْهَا ثَلَاثَةً وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي السَّهْمِ الْبَاقِي فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا
نِصْفَيْنِ فَانْكَسَرَ فَأَضْعِفْ السِّتَّةَ تَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ تِسْعَةٌ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ الرُّبْعُ لِأَنَّ الْمَالَ إذَا صَارَ اثْنَيْ عَشَرَ قُسِّمَ ثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا أَوَّلًا نِصْفَيْنِ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ صَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهَا وَالْآخَرُ لَا يَدَّعِي مِنْهَا إلَّا سَهْمَيْنِ لِيَكْمُلَ لَهُ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَلَا مُنَازَعَةَ لَهُ فِي السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ فَسُلِّمَتْ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَبَقِيَ سَهْمَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِمَا فَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا إلَّا أَنَّ التَّخْرِيجَ مُخْتَلِفٌ فَعِنْدَهُ بِالْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَوْلِ وَتَخْرِيجُ قَوْلِهِمَا أَنْ نَقُولَ اجْتَمَعَ وَصِيَّةٌ بِالْكُلِّ وَوَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ فَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَجْلِ الثُّلُثِ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهَا وَالْآخَرُ يَدَّعِي سَهْمًا فَتَعُولُ إلَى أَرْبَعَةٍ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ وَلِلْآخِرِ ثَلَاثَةٌ وَلَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ فَنَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالِانْتِفَاعِ دُونَ الْوَرَثَةِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمَالِكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( كِتَابُ الْفَرَائِضِ ) الْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّقْدِيرُ يُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا وَالْفَرَائِضُ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهَا لِافْتِقَارِ النَّاسِ إلَيْهَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْفَرَائِضُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنْ الْأُمَّةِ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكِلْ قَسْمَ مَوَارِيثِكُمْ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا إلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَكِنْ تَوَلَّى رَبُّنَا بَيَانَهَا فَقَسَمَهَا أَبَيْنَ قَسْمٍ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعُلُومِ وَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَسَيُنْزَعُ الْعِلْمُ مِنْ أُمَّتِي حَتَّى يَخْتَلِفَ الرَّجُلَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَعْرِفُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا } فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ قِيلَ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ حَالَتَيْنِ حَالَةَ حَيَاةٍ وَحَالَةَ مَوْتٍ وَالْفَرَائِضُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَوْتِ فَيَكُونُ لَفْظُ النِّصْفِ هَاهُنَا عِبَارَةً عَنْ قِسْمٍ مِنْ قِسْمَيْنِ وَمُنَاسَبَتُهَا بِالْوَصَايَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُصْرَفُ فِي حَالِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْفَرَائِضُ حُكْمٌ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ عَشْرَةٌ ) إنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيهِ .
( قَوْلُهُ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا وَالْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ وَالزَّوْجُ ) الْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ أَمَّا أَبُو الْأُمِّ فَهُوَ رَحِمٌ وَلَيْسَ بِعَصَبَةٍ فَلَا يَرِثُ إلَّا مِيرَاثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْعَصَبَاتِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
( قَوْلُهُ وَمِنْ الْإِنَاثِ سَبْعٌ الِابْنَةُ وَابْنَةُ الِابْنِ وَإِنْ سَفْلَتَ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ وَالْأُخْتُ
وَالزَّوْجَةُ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ ) فَالْجَدَّةُ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ لَا ذِكْرَ لِمِيرَاثِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ { جَدَّةً جَاءَتْ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا لَمْ أَجِدْ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا فَقَامَ إلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ شَهِدْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَتْهُ جَدَّةٌ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا فَفَرَضَ لَهَا السُّدُسَ فَأَوْجَبَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ } وَأَمَّا مَوْلَاةُ النِّعْمَةِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { تَحُوزُ الْمَرْأَةُ مِيرَاثَ عَتِيقِهَا وَلَقِيطِهَا وَوَلَدِهَا الَّذِي لَاعَنَتْ بِهِ } وَالْمُرَادُ بِلَقِيطِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَدُهَا مِنْ الزِّنَا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ }
( قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُ أَرْبَعَةٌ الْمَمْلُوكُ وَالْقَاتِلُ مِنْ الْمَقْتُولِ وَالْمُرْتَدُّ وَأَهْلُ الْمِلَّتَيْنِ ) أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ نَوْعُ تَمْلِيكٍ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ لِسَيِّدِهِ وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْمَيِّتِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ فِي رَقَبَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ كَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ إلَّا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مِنْهُ كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ وَمَا فَضَلَ يَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ ، وَأَمَّا الْمُسْتَسْعَى فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يَسْعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَحُرٍّ مَدْيُونٍ وَهَذَا مِثْلُ مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى لَا لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ وَلَكِنْ لِحَقٍّ فِيهَا كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ وَالْمَأْذُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ أَوْ الْأَمَةِ إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَأَبَتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَرِثُونَ وَيُورَثُونَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا الْقَاتِلُ فَلَا يَرِثُ مِنْ الْمَقْتُولِ لَا مِنْ الدِّيَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ } ؛ وَلِأَنَّهُ حُرِمَ الْمِيرَاثَ عُقُوبَةً لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَمُنِعَ مِنْ الْمِيرَاثِ وَهَذَا إذَا كَانَ قَتْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْكَفَّارَةُ أَمَّا مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ .
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ وَمِنْ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَلَا الْكَفَّارَةَ هُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَا مُوَرِّثَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِيرَاثُهُمَا وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ بِالسَّبَبِ كَمَا إذَا أَشْرَعَ رَوْشَنًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ سَاقَ دَابَّةً أَوْ قَادَهَا فَوَطِئَتْ مُوَرِّثَهُ أَوْ قَتَلَهُ قِصَاصًا أَوْ
رَجْمًا أَوْ مَالَ حَائِطُهُ فَأَشْهَد عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ حَتَّى سَقَطَ عَلَى مُوَرِّثِهِ أَوْ وُجِدَ مُوَرِّثُهُ قَتِيلًا فِي دَارِهِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَلَا يُمْنَعُ الْإِرْثَ وَكَذَا الْعَادِلُ إذَا قَتَلَ الْبَاغِيَ لَا يُمْنَعُ الْإِرْثَ ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْبَاغِي الْعَادِلَ إنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَرِثُهُ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْحَقِّ فَعِنْدَهُمَا يَرِثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرِثُ وَالْأَبُ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ خَطَأً لَا يَرِثُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ وَيُشْكِلُ هَذَا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَّا أَنَّا نَقُولُ قَدْ وَجَبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَرِثُ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ ، وَأَمَّا أَهْلُ مِلَّتَيْنِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ } وَلَا يَرِثُ الْحَرْبِيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ وَلَا الذِّمِّيُّ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَأَهْلُ الْحَرْبِ كُلُّهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا إذَا كَانَتْ دَارُهُمْ مُخْتَلِفَةً فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا إذَا كَانَا فِي حِصْنَيْنِ يَسْتَحِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمَ الْآخَرِ فَإِنْ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ أَوْ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَسْبُ الرِّدَّةِ وَكَسْبُ الْإِسْلَامِ مَوْرُوثٌ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كَسْبُ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ سَوَاءٌ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ
( قَوْلُهُ وَالْفُرُوضُ الْمَحْدُودَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ النِّصْفُ وَالرُّبْعُ وَالثُّمْنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ الِابْنَةُ وَابْنَةُ الِابْنِ إذَا لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ الصُّلْبِ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ وَلِلْأُمِّ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ إذَا لَمْ تَكُنْ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ ) وَلَا أَخُوهَا ( وَالزَّوْجُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ ) وَمَا فَضَلَ مِنْ هَذَا يُصْرَفُ إلَى الْعَصَبَةِ .
( قَوْلُهُ وَالرُّبْعُ فَرْضٌ لِلزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَلِلزَّوْجَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ ) وَإِنَّمَا خُصَّ وَلَدُ الِابْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ ذُو رَحِمٍ لَا يَرِثُ إلَّا مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا يَحْجُبُ الزَّوْجَيْنِ .
( قَوْلُهُ وَالثُّمْنُ لِلزَّوْجَاتِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ ) وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ .
( قَوْلُهُ وَالثُّلُثَانِ لِكُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِمَّنْ فَرْضُهُ النِّصْفُ إلَّا الزَّوْجَ ) يَعْنِي الِابْنَتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا .
( قَوْلُهُ وَالثُّلُثُ لِلْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } .
( قَوْلُهُ وَيَفْرِضُ لَهَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ أَوْ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ فَلَهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ ) وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ فَلَهَا ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ لِكُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } وَهَذَا يَقْتَضِي التَّسَاوِي بَيْنَهُمْ .
( قَوْلُهُ وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَهُوَ لِلْأُمِّ مَعَ
الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَلِلْجَدِّ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ ) وَلِلْجَدَّاتِ وَلِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ
( قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ الْجَدَّاتُ بِالْأُمِّ وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ بِالْأَبِ ) أَمَّا الْجَدَّاتُ فَيَسْقُطْنَ بِالْأُمِّ سَوَاءٌ كُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَكَذَلِكَ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ تَسْقُطُ مَعَ ابْنِهَا وَالْأَبُ يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَلَا يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ حَتَّى أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ مَعَ الْأَبِ وَالْجَدَّاتُ سِتٌّ ثِنْتَانِ لَك وَثِنْتَانِ لِأَبِيك وَثِنْتَانِ لِأُمِّك وَكُلُّهُنَّ وَارِثَاتٌ غَيْرَ أُمِّ أَبِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ كَالِابْنِ إذَا كَانَ قَاتِلًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ وَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ هَذَا كَالِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ مَعَ الْأَبِ وَمَعَ ذَلِكَ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ حَجَبَهُمَا
( قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأُمِّ بِأَحَدِ أَرْبَعَةٍ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَتْ بَنَاتُ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَوْ بِإِزَائِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ابْنُ ابْنٍ فَيَعْصِبُهُنَّ ) وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ( قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لَهُنَّ فَيَعْصِبُهُنَّ ) وَلَا يَعْصِبُهُنَّ ابْنُ الْأَخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( بَابُ أَقْرَبِ الْعَصَبَاتِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ الْبَنُونَ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْإِخْوَةُ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْجَدَّ أَبًا لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ عِنْدَهُ وَلَا حَظَّ لَهُمْ مَعَهُ فِي الْمِيرَاثِ لِأَنَّ لَهُ وِلَادًا وَتَعَصُّبًا مِنْ جِهَةِ الْوِلَادَةِ أَيْضًا فَأَشْبَهَ الْأَبَ ؛ وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ ابْنِ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ لَهُ فَأَشْبَهَ الْأَبَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ مَا دَامَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ أُعْطِيَ الثُّلُثَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَتِهِمْ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ بَنُو الْجَدِّ وَهْم الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُو أَبٍ الْجَدِّ ) وَهْم أَعْمَامُ الْأَبِ وَأَوْلَادُهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَبْعَدُ الْوَرَثَةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ
( قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَوَى وَارِثَانٍ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ تَعْصِيبًا وَوِلَايَةً .
( قَوْلُهُ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَالْإِخْوَةُ يُقَاسِمُونَ أَخَوَاتِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَمَنْ عَدَاهُمْ مِنْ الْعَصَبَاتِ يَنْفَرِدُ ذُكُورُهُمْ بِالْمِيرَاثِ دُونَ إنَاثِهِمْ ) مِثْلُ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِ الْجَدِّ
( قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَالْعَصَبَةُ هُوَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَةِ الْمَوْلَى ) يَعْنِي الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ الْحَجْبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُحْجَبُ الْأُمُّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ أَوْ بِأَخَوَيْنِ ) أَوْ أُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَخَوَانِ أَوْ الْأُخْتَانِ وَارِثَيْنِ أَوْ سَقَطَا عَنْ الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَا عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يَحْجُبَانِهَا .
( قَوْلُهُ وَالْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ لِبَنِي الِابْنِ وَأَخَوَاتِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وَالْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا تَرَكَ بِنْتًا وَبَنَاتِ ابْنٍ وَبَنِي ابْنٍ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِبَنِي الِابْنِ وَأَخَوَاتِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وَكَذَا الْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِبَنِي الْأَبِ وَبَنَاتِ الْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ) لِأَنَّ لَهُ قَرَابَتَيْنِ مِنْ جِهَتَيْنِ .
( قَوْلُهُ وَالْمُشَرِّكَةُ أَنْ تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ زَوْجًا وَأُمًّا وَإِخْوَةً مِنْ أُمٍّ وَإِخْوَةً مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِأَوْلَادِ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلَا شَيْءَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الثُّلُثُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالسَّوِيَّةِ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ وَلِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثَ فَاسْتَغْرَقَتْ الْفَرِيضَةُ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ } وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( بَابُ الرَّدِّ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ ذَوِي السِّهَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ إلَّا عَلَى الزَّوْجَيْنِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يُرَدَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ فَرْضَهُمَا بِالسَّبَبِ لَا بِالنَّسَبِ فَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَحَقَّاهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ السَّبَبِ الَّذِي يَسْتَحِقَّانِ بِهِ فَلَا يُزَادَانِ عَلَى فَرْضِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ بَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَوِيَ حَالُهُمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانُوا أَوْلَى بِالْفَاضِلِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الزَّوْجَيْنِ يَسْتَحِقَّانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ النِّكَاحُ فَإِذَا اسْتَحَقَّا بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سَبَبٌ غَيْرَ ذَلِكَ يَسْتَحِقَّانِ بِهِ وَأَهْلُ النَّسَبِ يَسْتَحِقُّونَ بِالنَّسَبِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ فِي الْبِنْتِ وَالْأُخُوَّةُ فِي الْأُخْتِ وَالْبَاقِي بِالرَّحِمِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنْ الْمَقْتُولِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا وَيَرِثُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مِنْ أَبِيهِ إذَا قَتَلَهُ وَالْبَالِغُ الْعَاقِلُ إذَا وَقَعَ مُوَرِّثُهُ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ سَقَطَ عَلَى حَجَرٍ وَضَعَهُ فِي الطَّرِيقِ أَوْ وَجَدَ الْأَبُ فِي دَارِ ابْنِهِ قَتِيلًا أَوْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ قَتَلَهُ مُكْرَهًا أَوْ شَهِدَ الِابْنُ عَلَى أَبِيهِ بِالزِّنَا فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ .
( قَوْلُهُ وَالْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ يَتَوَارَثُ بِهِ أَهْلُهُ وَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَمَالُ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) يَعْنِي مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ .
( قَوْلُهُ وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْءٌ ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَرِثْهُ وَرَثَتُهُ الْكُفَّارُ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مِلْكَهُ لَا
يَزُولُ بِالرِّدَّةِ فَحَالُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ فِي كَسْبِهِ كَحَالِهِ قَبْلَهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ مُبَاحُ الدَّمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيْئًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَارِثُ الْمُرْتَدِّ يُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ الرِّدَّةِ فَإِنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا يَوْمَ رِدَّتِهِ وَرِثَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا يَوْمَ الرِّدَّةِ لَمْ يَرِثْهُ وَإِنْ أُعْتِقَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ لَمْ يَرِثْهُ
( قَوْلُهُ وَإِذَا غَرِقَ جَمَاعَةٌ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِمْ حَائِطٌ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوَّلًا فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِلْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ ) وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِمْ مَعًا
( قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجُوسِيِّ قَرَابَتَانِ لَوْ تَفَرَّقَتَا فِي شَخْصَيْنِ وَرِثَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ) فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي شَخْصٍ وَرِثَ بِهِمَا جَمِيعًا تَفْسِيرُهُ مَجُوسِيٌّ تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا ثُمَّ مَاتَ عَنْ أُمٍّ هِيَ زَوْجَتُهُ وَعَنْ بِنْتٍ هِيَ أُخْتُهُ لِأُمِّهِ فَلَا تَرِثُ الْأُمُّ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلَا ابْنَتُهُ بِالْأُخْتِيَّةِ لِأَنَّ الْأُخْتَ لِلْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الِابْنَةِ وَلَكِنْ لِلْأُمِّ السُّدُسُ بِاعْتِبَارِ الْأُمُومِيَّةِ وَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ مَجُوسِيٌّ تَزَوَّجَ بِنْتَه فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَتَيْنِ فَمَاتَ الْمَجُوسِيُّ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الِابْنَتَيْنِ فَإِنَّهَا مَاتَتْ عَنْ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ وَعَنْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ بِالْأُمُومِيَّةِ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ بِالْأُخْتِيَّةِ لِلْأَبِ لِأَنَّا لَمَّا اعْتَبَرْنَا الْأُخْتِيَّةَ لِلْأَبِ الَّتِي وُجِدَتْ فِي الْأُمِّ لِاسْتِحْقَاقِ السُّدُسِ بِهَا صَارَ ذَلِكَ كَالْمَوْجُودِ فِي شَخْصٍ آخَرَ كَأَنَّهَا تَرَكَتْ الْأُخْتَيْنِ وَهُمَا يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى
( قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُ الْمَجُوسِيُّ بِالْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَسْتَحِلُّونَهَا فِي دِينِهِمْ ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ التَّوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُوجِبُهُ بَيْنَ الْمَجُوسِيِّ بِخِلَافِ الْأَنْسَابِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَجُوسَ يَرِثُونَ بِالزَّوْجِيَّةِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا جَائِزًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا جَائِزًا فَإِنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِالزَّوْجِيَّةِ وَمَعْرِفَةُ الْجَائِزِ مِنْ الْفَاسِدِ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ لَوْ أَسْلَمَا يُتْرَكَانِ عَلَيْهِ فَذَلِكَ نِكَاحٌ جَائِزٌ وَمَا لَا يُتْرَكَانِ عَلَيْهِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَمَا كَانَ يُدْلِي بِسَبَبَيْنِ وَأَحَدُهُمَا لَا يَحْجُبُ الْآخَرَ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالسَّبَبَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَحْجُبُ الْآخَرَ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ وَلَا يَرِثُ بِالْمَحْجُوبِ بَيَانُهُ مَجُوسِيٌّ تَرَكَ زَوْجَةً هِيَ أُمُّهُ وَهِيَ أُخْتُهُ لِأَبِيهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا ثُمَّ تَزَوَّجَ هَذَا أُمَّهُ وَهِيَ أُخْتُهُ لِأَبِيهِ فَإِنَّ هَذَا النِّكَاحَ فَاسِدٌ لَا يَرِثُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَيَرِثُ ثُلُثَ الْمَالِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ وَتَرِثُ أَيْضًا نِصْفَ الْمَالِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ لِأَبِيهِ فَيَرِثُ بِالسَّبَبَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَحْجُبُ الْآخَرَ وَالْبَاقِي رُدَّ عَلَيْهِمَا بِالسَّبَبَيْنِ جَمِيعًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ وَلَوْ تَرَكَ امْرَأَةً وَهِيَ ابْنَتُهُ وَهِيَ أُخْتُهُ لِأُمِّهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا فَهَذِهِ بِنْتُهُ وَأُخْتُهُ لِأُمِّهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا النِّصْفُ بِكَوْنِهَا بِنْتًا وَلَا تَرِثُ بِكَوْنِهَا أُخْتًا لِأُمٍّ لِأَنَّ الْأُخْتَ لِلْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ
( قَوْلُهُ وَعَصَبَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ الْأُمَّهَاتِ ) لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ تَعَلَّقَ ذَلِكَ بِأُمِّهِ وَكَذَا وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ الْأُمَّهَاتِ فَإِذَا مَاتَ ذَلِكَ الْوَلَدُ يَكُونُ مِيرَاثُهُ لِأُمِّهِ وَأَوْلَادِ أُمِّهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ فَإِذَا تَرَكَ أَخًا أَوْ أُخْتًا أَوْ إخْوَةً مِنْ أُمٍّ فَلِلْوَاحِدِ السُّدُسُ وَلِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ مِيرَاثِ الْأُمِّ وَأَوْلَادِهَا يَكُونُ لِعَصَبَةِ الْأُمِّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً لِقَوْمٍ كَانَ الْبَاقِي لِمَوَالِي أُمِّهِ أَوْ لِعَصَبَةِ مَوَالِي أُمِّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَالْبَاقِي رُدَّ عَلَى الْأُمِّ وَأَوْلَادِهَا
( قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ حَمْلًا وُقِفَ مَالُهُ حَتَّى تَضَعَ امْرَأَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ سِوَى الْحَمْلِ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ سِوَاهُ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أُعْطِيَ خُمْسَ الْمَالِ وَأُوقِفَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى أُعْطِيت تُسْعَ الْمَالِ وَأُوقِفَ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْطَى الِابْنُ نِصْفَ الْمَالِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثُلُثَ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِدُ فِي الْعَادَةِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَيَسْتَحِقُّ هَذَا الْمَوْجُودُ الثُّلُثَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَلِدُ فِي الْعَادَةِ وَلَدًا وَاحِدًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا تَلِدُ الْمَرْأَةُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ فَيَسْتَحِقُّ الِابْنُ الْخُمْسَ وَالْبِنْتُ تَسْتَحِقُّ التُّسْعَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هَذَا كُلُّهُ إذَا عُرِفَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَاتَ الْمُوَرِّثُ أَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ إذَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى
( قَوْلُهُ وَالْجَدُّ أَوْلَى بِالْمَالِ مِنْ الْإِخْوَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَاسِمُهُمْ إلَّا أَنْ تُنْقِصَهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْ الثُّلُثِ ) ثُمَّ عَلَى قَوْلِهَا لِلْجَدِّ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُقَاسَمَةِ وَبَيْنَ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَالثَّانِيَةُ إذَا كَانَ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا الْمُقَاسَمَةُ أَوْ ثُلُثُ مَا بَقِيَ أَوْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ بَيَانُهُ جَدٌّ وَأَخٌ لِلْجَدِّ النِّصْفُ وَلِلْأَخِ النِّصْفُ جَدٌّ وَأَخَوَانِ الثُّلُثُ وَالْمُقَاسَمَةُ هُنَا سَوَاءٌ جَدٌّ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ الثُّلُث هُنَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ أُعْطِيَ فَرْضَهُ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَإِلَى سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِلَى الْمُقَاسَمَةِ يُنْظَرُ أَوَّلًا إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَإِلَى سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ أَيُّهُمَا خَيْرٌ لَهُ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى أَخْيَرِهِمَا وَإِلَى الْمُقَاسَمَةِ فَأَيُّهُمَا كَانَ خَيْرًا لَهُ كَانَ لَهُ بَيَانُهُ بِنْتٌ وَجَدٌّ وَأَخٌ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَمِنْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهُنَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَسُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْمُقَاسَمَةُ سَوَاءٌ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَهِيَ بِحَالِهَا فَثُلُثُ الْبَاقِي وَهُوَ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ بِنْتَانِ وَجَدٌّ وَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٌّ لِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ الثُّلُثُ يُعْطَى الْجَدُّ مِنْهُ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي وَإِنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَجَدًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمًّا فَلِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلْجَدِّ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ السُّدُسِ وَمِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَلَوْ زَادَ فِي الْفَرِيضَةِ فَرِيضَةً
أُخْرَى كَابْنَتَيْنِ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ أُخْتٍ فَلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَبَقِيَ السُّدُسُ يُعْطَى لِلْجَدِّ لِأَنَّ مَذْهَبَ زَيْدٍ أَنَّ نَصِيبَ الْجَدِّ لَا يُنْتَقَصُ مِنْ السُّدُسِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ لِأَنَّ الْأُخْتَ هَاهُنَا عَصَبَةٌ
( قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْجَدَّاتُ فَالسُّدُسُ لِأَقْرَبِهِنَّ ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْضُ الْجَدَّاتِ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ فَإِنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَجْعَلُ السُّدُسَ لِلْقُرْبَى مِنْ أَيْ جِهَةٍ كَانَتْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَعَنْ زَيْدٍ إنْ كَانَتْ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَالسُّدُسُ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ شَارَكَتْهَا الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُوَرِّثُ الْقُرْبَى وَالْبُعْدَى جَمِيعًا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ قُرْبَى وَبُعْدَى وَرِثَ أَقْرَبَهَا مِثَالُ ذَلِكَ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ السُّدُسُ لِأُمِّ الْأُمِّ وَفِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ بَيْنَهُمَا أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السُّدُسُ لِأُمِّ الْأَبِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ وَعَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا أُمُّ أَبٍ أَبٍ وَأُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السُّدُسُ لِأُمِّ الْأَبِ وَعَلَى قَوْلِ زَيْدٍ هُوَ بَيْنَهُمَا وَإِذَا كَانَ لِلْجَدَّةِ قَرَابَتَانِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَهَا نَصِيبُ جَدَّتَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا نَصِيبُ جَدَّةٍ وَاحِدَةٍ بَيَانُهُ رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالَتِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا فَإِنَّ جَدَّةَ الرَّجُلِ أُمَّ أُمِّهِ هِيَ جَدَّةُ هَذَا الْوَلَدِ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ وَهِيَ أَيْضًا جَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّ أَبِيهِ فَإِنْ مَاتَ الرَّجُلُ وَخَلَّفَ جَدَّتَهُ أُمَّ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ وَخَلَّفَ هَاتَيْنِ الْجَدَّتَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِصَاحِبَةِ الْقَرَابَتَيْنِ ثُلُثًا السُّدُسِ وَلِلْأُخْرَى الَّتِي هِيَ أُمُّ أَبٍ الْأَبِ ثُلُثُ السُّدُسِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ السُّدُسُ كُلُّهُ لِصَاحِبَةِ الْقَرَابَتَيْنِ
( قَوْلُهُ وَيَحْجُبُ الْجَدُّ أُمَّهُ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا يَحْجُبُ الْجَدُّ أُمَّهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْجَدُّ غَيْرَ وَارِثٍ أَمَّا إذَا كَانَ وَارِثًا فَإِنَّهُ يَحْجُبُهَا لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ وَقَدْ اسْتَحَقَّ هَذَا الْمِيرَاثَ فَلَا تَرِثُ مَعَهُ كَأُمِّ الْأُمِّ قَالَ الْخُجَنْدِيِّ وَلَا يَحْجُبُ الْجَدُّ مِنْ الْجَدَّاتِ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ
( قَوْلُهُ وَلَا تَرِثُ أُمُّ أَبٍ الْأُمِّ ) لِأَنَّهَا رَحِمٌ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلِأَنَّهَا تُدْلِي بِابْنِهَا وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْجَدَّةَ الْفَاسِدَةَ وَابْنُهَا الْجَدَّ الْفَاسِدَ
( قَوْلُهُ وَكُلُّ جَدَّةٍ تَحْجُبُ أُمَّهَا ) لِأَنَّ مَحَلَّ أُمِّ الْجَدَّةِ مَعَ الْجَدَّةِ كَمَحِلِّ الْجَدَّةِ مَعَ الْأُمِّ وَالْأُمُّ تَحْجُبُ أُمَّهَا فَكَذَا الْجَدَّةُ تَحْجُبُ أُمَّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ عَصَبَةٌ وَلَا ذُو سَهْمٍ وَرِثَهُ ذَوُو الْأَرْحَامِ ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } .
( قَوْلُهُ وَهْم عَشْرَةٌ وَلَدُ الْبِنْتِ وَوَلَدُ الْأُخْتِ وَبِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ وَأَبُو الْأُمِّ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ وَالْعَمَّةُ وَوَلَدُ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ وَمَنْ أَدْلَى بِهِمْ ) ثُمَّ تَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَتَوْرِيثِ الْعَصَبَةِ يَرِثُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنَّ الْكَلَامَ وَقَعَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَقْرَبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقْرَبُهُمْ إلَى الْمَيِّتِ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ثُمَّ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ كَذَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ أَقْرَبَهُمْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَقَالَا الْأَقْرَبُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ثُمَّ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ ثُمَّ أَوْلَادُهُنَّ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَفِي الْقُدُورِيِّ أَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ وَلَدَ الْمَيِّتِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ سَفَلَ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَهْم بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ ) يَعْنِي أَنَّهُمْ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ الْجَدِّ وَهْم الْعَمَّاتُ وَمَنْ شَاكَلَهُمْ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ مِنْ أَوْلَادِ الْجَدِّ أَبِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَكَذَلِكَ أَوْلَادُهُمْ أَقْرَبُ إلَيْهِ كَأَوْلَادِ ابْنِهِ أَمَّا إذَا تَرَكَ جَدَّهُ أَبَا أُمِّهِ وَابْنَةَ أَخِيهِ لِأُمِّهِ فَالْمَالُ لِلْجَدِّ أَبٍ الْأُمِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ لِابْنَةِ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ابْنَةِ
الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ أَنَّ الْمَالَ لِلْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ لِأَنَّ لِلْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ وِلَادًا فَهُوَ أَوْلَى
( مَسَائِلُ ) بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ بِنْتِ بِنْتٍ الْمَالُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ ، ابْنُ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتٍ أُخْرَى أَوْ هُمَا لِبِنْتٍ وَاحِدَةٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَأَنَّهُ تَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا مِنْ صُلْبِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْأَصْلُ فِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَبْدَانَ وَيُقَسِّمُ بِالْأَبْدَانِ إنْ كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ أَوَّلَ الْخِلَافِ فَإِنْ كَانَ أَوَّلُ الْخِلَافِ يَقَعُ بِالْأَبْدَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْأَصْلِ يُعْطِي لَهُمْ مِيرَاثَ الْأَصْلِ بَيَانُهُ إذَا تَرَكَ بِنْتَ بِنْتٍ وَابْنَ بِنْتٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يُشْكِلُ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَبْدَانَ وَأَحَدُهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَوَّلَ الْخِلَافِ وَقَعَ بِالْأَبْدَانِ وَلَوْ تَرَكَ ابْنَ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتَ ابْنِ بِنْتٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُلُثَاهُ لِابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ وَثُلُثُهُ لِبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُ الْمَالِ لِابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ وَثُلُثَاهُ لِبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَوَّلَ الْخِلَافِ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي أَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ كَمَا إذَا تَرَكَ ابْنَ أُخْتٍ وَبِنْتَ أَخٍ كِلَاهُمَا لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُمَا مِيرَاثُ أَصْلِهِمَا ثُلُثَانِ لِبِنْتِ الْأَخِ وَثُلُثٌ لِابْنِ الْأُخْتِ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ وَلَدُ أَبَوَيْ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَهْم الْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَالْعَمَّاتُ ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ بَعْدَ مَنْ ذَكَرْنَا وَإِنْ اجْتَمَعَ عَمَّةٌ
وَخَالَةٌ فَثُلُثُ الْمَالِ لِلْخَالَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَثُلُثَاهُ لِلْعَمَّةِ لِأَنَّ الْعَمَّةَ تُدْلِي بِالْأَبِ وَالْخَالَةَ بِالْأُمِّ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نَصِيبُ مَنْ تُدْلِي بِهِ وَإِنْ تَرَكَ عَمًّا لِأُمٍّ وَخَالًا لِأَبٍ فَلِلْخَالِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ مِنْ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْأَبْدَانِ وَالْعَمُّ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبَةِ وَالْخَالُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ كَذَلِكَ هَذَا وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةَ بَنِي أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِيرَاثَ أَصْلِهِمْ لِأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلِأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسُ مِيرَاثَ أَصْلِهِمْ وَالْبَاقِي رُدَّ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمِيرَاثُ لِوَلَدِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَهُمَا يَعْتَبِرَانِ بِمَنْ تُدْلِي بِهِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَا كَانَ لِأُمِّهَا ، وَأَمَّا الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ فِيهِنَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا أَوْلَادُهُنَّ .
فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقَسِّمُ بِالْأَبْدَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ بَيَانُهُ ثَلَاثُ خَالَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ الْمَالُ لِلْخَالَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ إجْمَاعًا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَخْوَالٍ مُتَفَرِّقِينَ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْخَالِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَوْ تَرَكَ خَالًا وَخَالَةً كِلَاهُمَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ وَلَوْ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً
لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثُ وَلَوْ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالًا فَالثُّلُثُ لِلْخَالِ وَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّةِ وَإِنْ تَرَكَ خَالَةً وَابْنَ عَمَّةٍ الْمَالُ لِلْخَالَةِ لِأَنَّ ابْنَ الْعَمَّةِ أَبْعَدُ فِي الدَّرَجَةِ وَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ خَالٍ وَابْنَ خَالَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الثُّلُثَانِ لِابْنَةِ الْخَالِ وَالثُّلُثُ لِابْنِ الْخَالَةِ يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ أَصْلِهِ وَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ عَمٍّ وَابْنَ عَمَّةٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْعَمِّ لِأَنَّهَا مِنْ أَوْلَادِ الْعَصَبَةِ وَالْآخَرُ مِنْ أَوْلَادِ ذَوِي الْأَرْحَامِ
( قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَوَى وَارِثَانٍ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَوْلَاهُمْ مَنْ أَدْلَى بِوَارِثٍ ) كَرَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَةَ عَمٍّ وَابْنَ عَمَّةٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْعَمِّ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ بِنْتَ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ فَالْمَالُ لِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ .
( قَوْلُهُ وَأَقْرَبُهُمْ أَوْلَى مِنْ أَبْعَدِهِمْ ) فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَقْرَبُ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ثُمَّ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ ثُمَّ أَوْلَادُهُنَّ ( قَوْلُهُ وَأَبُو الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ .
( قَوْلُهُ وَالْمُعْتَقُ أَحَقُّ بِالْفَاضِلِ مِنْ سَهْمِ ذَوِي السِّهَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ سِوَاهُ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَرِثُ ) وَهُوَ الرَّجُلُ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ وَيُوَالِيهِ وَيُعَاقِدُهُ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَمِيرَاثُهُ لَهُ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ مِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ
( قَوْلُهُ وَإِذَا تَرَكَ الْمُعْتَقُ أَبَا مَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ فَمَالُهُ لِلِابْنِ ) عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ بَيْنَهُمَا لِلْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَ جَدَّ مَوْلَاهُ وَأَخَ مَوْلَاهُ فَالْمَالُ لِلْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ شَيْئًا فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ ( قَوْلُهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ بَيْنَهُمَا ) لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْإِخْوَةَ يُشَارِكُونَهُ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ قَوْلُهُ ( وَلَا يُبَاع الْوَلَاءُ وَلَا يُوهَبُ ) ؛ لِأَنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَالنَّسَبُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ
( حِسَابُ الْفَرَائِضِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نِصْفٌ وَنِصْفٌ أَوْ نِصْفٌ وَمَا بَقِيَ فَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْنِ ) فَالْأَوَّلُ كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَالثَّانِي كَزَوْجٍ وَعَمٍّ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ فِيهَا ثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ أَوْ ثُلُثَانِ وَمَا بَقِيَ فَأَصْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ ) فَالْأَوَّلُ كَأُمٍّ وَعَمٍّ وَالثَّانِي كَابْنَتَيْنِ وَعَمٍّ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ فِيهَا رُبْعٌ وَمَا بَقِيَ أَوْ رُبْعٌ وَنِصْفٌ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ ) الْأَوَّلُ كَزَوْجَةٍ وَعَصَبَةٍ وَالثَّانِي كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا ثُمْنٌ وَمَا بَقِيَ أَوْ ثُمْنٌ وَنِصْفٌ وَمَا بَقِيَ فَأَصْلُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ ) فَالْأُولَى كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ وَالثَّانِيَةُ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٌ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نِصْفٌ وَثُلُثٌ أَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٌ فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ ) فَالْأُولَى كَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَالثَّانِيَةُ كَأُمٍّ وَبِنْتٍ .
( قَوْلُهُ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَتِسْعَةٍ وَعَشْرَةٍ ) فَالْأَوَّلُ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَهَذِهِ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَالثَّانِي كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ فَهَذِهِ تَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ وَالثَّالِثُ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ فَهَذِهِ تَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ وَالرَّابِعُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ هَؤُلَاءِ أُمٌّ فَهِيَ تَعُولُ إلَى عَشْرَةٍ .
( قَوْلُهُ وَلَا تَعُولُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ) الْعَوْلُ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْفَرَائِضِ عِنْدَ تَضَايُقِ الْمُسْتَحِقِّينَ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ مَعَ الرُّبْعِ ثُلُثٌ أَوْ سُدُسٌ فَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ) فَالْأَوَّلُ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَالثَّانِي كَزَوْجَةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ .
( قَوْلُهُ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ ) فَاَلَّتِي تَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَابْنَتَانِ وَاَلَّتِي تَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ وَاَلَّتِي تَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ إذَا كَانَ
مَعَ هَؤُلَاءِ أُمٌّ
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ مَعَ الثُّمُنِ سُدُسَانِ أَوْ ثُلُثَانِ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ) فَالْأَوَّلُ كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنٍ وَالثَّانِي كَزَوْجَةٍ وَابْنَتَيْنِ .
( قَوْلُهُ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ ) كَزَوْجَةٍ وَابْنَتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ وَهَذِهِ تُسَمَّى الْمِنْبَرِيَّةَ لِأَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَجَابَ بِهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ عَادَ ثُمُنُهَا تُسْعًا وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَةً أَوَّلَهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِالْحَقِّ قَطْعًا وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى فَلَمَّا سُئِلَ قَالَ عَادَ ثُمُنُهَا تُسْعًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى الْخُطْبَةِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَسَمَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ فَقَدْ صَحَّتْ وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ فِي أَصْلِ الْفَرِيضَةِ وَعَوِّلْهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَمَا خَرَّجَتْ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ ) كَامْرَأَةٍ وَأَخَوَيْنِ لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعُ سَهْمٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُونُ ثَمَانِيَةً وَمِنْهَا تَصِحُّ وَقَوْلُهُ وَعَوْلُهَا إنْ عَالَتْ كَمَا إذَا كَانَتْ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا وَثَلَاثَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ
( قَوْلُهُ فَإِنْ وَافَقَ سِهَامَهُمْ عَدَدُهُمْ ضَرَبْت وَفْقَ عَدَدِهِمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ) فَمَا بَلَغَ فَالْمَسْأَلَةُ تَصِحُّ مِنْهُ كَامْرَأَةٍ وَسِتَّةِ أَعْمَامٍ لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعُ سَهْمٌ وَلِلْأَعْمَامِ مَا بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ يُوَافِقُ مَا فِي أَيْدِيهمْ عَدَدَ رُءُوسِهِمْ بِثُلُثٍ وَثُلُثٍ فَاضْرِبْ ثُلُثَ عَدَدِهِمْ وَهُوَ اثْنَانِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً وَمِنْهَا تَصِحُّ لِلزَّوْجَةِ الرُّبْعُ سَهْمَانِ وَلِلْأَعْمَامِ سِتَّةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ سِهَامُ فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَ فَاضْرِبْ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْآخَرِ ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي الْفَرِيقِ الثَّالِثِ ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ) كَزَوْجَتَيْنِ وَخَمْسِ جَدَّاتٍ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَعَمٍّ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجَتَيْنِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمَانِ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَانْكَسَرَ عَلَى الزَّوْجَتَيْنِ وَالْجَدَّاتِ وَالْإِخْوَةِ فَاضْرِبْ عَدَدَ الزَّوْجَتَيْنِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي عَدَدِ الْجَدَّاتِ يَكُونُ عَشْرَةً ثُمَّ اضْرِبْ الْعَشَرَةَ فِي ثَلَاثَةٍ عَدَدُ الْإِخْوَةِ يَكُونُ ثَلَاثِينَ ثُمَّ اضْرِبْ الثَّلَاثِينَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ يَكُونُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ ثُمَّ نَقُولُ مَنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الْفَرِيضَةِ مَضْرُوبًا فِي ثَلَاثِينَ لِلزَّوْجَتَيْنِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثِينَ يَكُونُ تِسْعِينَ وَهُوَ الرُّبْعُ مِنْ الْجَمِيعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْجَدَّاتِ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثِينَ يَكُونُ سِتِّينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ اثْنَا عَشَرَ وَلِلْإِخْوَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثِينَ يَكُونُ مِائَةً وَعِشْرِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ وَلِلْعَمِّ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثِينَ يَكُونُ تِسْعِينَ فَذَلِكَ كُلُّهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ
( قَوْلُهُ فَإِنْ تَسَاوَتْ الْأَعْدَادُ أَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَامْرَأَتَيْنِ وَأَخَوَيْنِ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ) وَهَذَا يُسَمَّى التَّمَاثُلُ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَتَيْنِ الرُّبْعُ سَهْمٌ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمَا وَلِلْأَخَوَيْنِ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مُنْكَسِرٌ أَيْضًا وَأَحَدُ الْعَدَدَيْنِ يُغْنِيك عَنْ الْآخَرِ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ يَكُونُ ثَمَانِيَةً لِلزَّوْجَتَيْنِ سَهْمَانِ وَلِلْأَخَوَيْنِ سِتَّةٌ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْآخَرِ أَجْزَأَ الْأَكْثَرُ عَنْ الْأَقَلِّ كَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأَخَوَيْنِ إذَا ضَرَبْت الْأَرْبَعَةَ أَجْزَأَك عَنْ عَدَدِ الْأَخَوَيْنِ ) وَهَذَا يُسَمَّى الْمُتَدَاخِلَ فَتَقُولُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَاتِ سَهْمٌ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمْ وَلِلْأَخَوَيْنِ ثَلَاثَةٌ مُنْكَسِرَةٌ أَيْضًا فَاسْتَغْنِ بِضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يَدْخُلَانِ فِيهَا فَاضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ فِي أَرْبَعَةٍ فَتَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ لِلزَّوْجَاتِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ اثْنَا عَشَرَ
( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مُوَافِقًا لِلْآخَرِ ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ) فَمَا اجْتَمَعَ فَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأُخْتٍ وَسِتَّةِ أَعْمَامٍ فَالسِّتَّةُ تُوَافِقُ الْأَرْبَعَةَ بِالْأَنْصَافِ فَاضْرِبْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا صَحَّتْ الْمَسْأَلَةُ فَاضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي التَّرِكَةِ ثُمَّ اقْسِمْ مَا اجْتَمَعَ عَلَى مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْفَرِيضَةُ يُخْرِجُ حَقَّ ذَلِكَ الْوَارِثِ ) لِأَنَّك تَقُولُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَاتِ الرُّبْعُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ سِتَّةٌ فَاضْرِبْ نِصْفَ عَدَدِ الزَّوْجَاتِ فِي عَدَدِ الْأَعْمَامِ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ فِي الْفَرِيضَةِ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لِلزَّوْجَاتِ اثْنَا عَشَرَ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلْأَعْمَامِ اثْنَا عَشَرَ
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تُقْسَمْ التَّرِكَةُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ يَنْقَسِمُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ وَرَثَتِهِ فَاقْسِمْهُ وَقَدْ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ صَحَّحْت فَرِيضَةَ الْمَيِّتِ الثَّانِي بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثُمَّ ضَرَبْت إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْأُخْرَى إذَا لَمْ يَكُنْ سِهَامُ الْمَيِّتِ الثَّانِي تُوَافِقُ مَا صَحَّتْ مِنْهُ فَرِيضَتُهُ ) كَزَوْجَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَرْبَعَةِ أَعْمَامٍ ثُمَّ لَمْ تُقْسَمْ التَّرِكَةُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الْأَعْمَامِ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَى إخْوَتِهِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَةِ سَهْمٌ وَلِلْأُخْتِ سَهْمَانِ وَلِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمْ فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ يَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأُخْتِ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأَعْمَامِ أَرْبَعَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَخَلَّفَ إخْوَتَهُ الثَّلَاثَةَ وَبِيَدِهِ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى وَرَثَتِهِ فَاضْرِبْ مَسْأَلَتَهُ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي سِتَّةَ عَشَرَ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ يَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ رُبْعُ الْجَمِيعِ وَلِلْأُخْتِ ثَمَانِيَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ النِّصْفُ يَبْقَى اثْنَا عَشَرَ بَيْنَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ سِهَامُهُمْ مُوَافِقَةً فَاضْرِبْ وَفْقَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَأْخُذُهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَأْخُذُهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي ) مِثَالُهُ زَوْجٌ وَأَخَوَانِ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَخَلَّفَ أَرْبَعَةَ بَنِينَ أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَيَتَوَافَقَانِ بِالْإِنْصَافِ فَاضْرِبْ نِصْفَ عَدَدِهِمْ فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَمِنْهُ تَصِحُّ
الْمَسْأَلَتَانِ لِلْأَخَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِأَوْلَادِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ
( قَوْلُهُ وَإِذَا صَحَّحَتْ مَسْأَلَةَ الْمُنَاسَخَةِ وَأَرَدْت مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ قَسَمْت مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَمَا خَرَجَ أَخَذْت لَهُ مِنْ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ حَبَّةً ) صُورَتُهُ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَابْنٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَخَلَّفَ ابْنًا وَأَبًا وَجَدَّةً وَجَدًّا وَهُمْ الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ وَبِيَدِهِ خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَصْلُ فَرِيضَتِهِ مِنْ سِتَّةٍ فَاضْرِبْ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى يَكُونُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِلْأَبِ فِي الْأُولَى اثْنَا عَشَرَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَبُو أُمٍّ وَلِلْأُمِّ سَبْعَةَ عَشَرَ وَلِلزَّوْجِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الْأَبُ فِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلِابْنِ فِي الثَّانِيَةِ عِشْرُونَ فَاقْسِمْ سِهَامَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَخْرُجُ نِصْفُ السِّهَامِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ يُقَابِلُ ذَلِكَ نِصْفُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَثُلُثُ السِّهَامِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يُقَابِلُهَا ثُلُثُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ كُلُّ سَهْمٍ ثُلُثَا حَبَّةٍ وَلِلثَّلَاثَةِ الْأَسْهُمِ حَبَّتَانِ وَالرُّبْعُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَالدَّانِقُ اثْنَا عَشَرَ وَالثُّمْنُ تِسْعَةٌ وَالْقِيرَاطُ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَالطَّسُّوجُ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيرَاطِ وَهُوَ حَبَّتَانِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَالْحَبَّةُ سَهْمٌ وَنِصْفٌ وَلِكُلِّ سَهْمٍ ثُلُثَا حَبَّةٍ .
وَقَدْ قُلْت إنَّ لِلْأَبِ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا وَذَلِكَ دَانِقٌ وَلِلْأُمِّ سَبْعَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَانِقٌ وَثَلَاثُ حَبَّاتٍ وَثُلُثُ حَبَّةٍ لِأَنَّ الدَّانِقَ اثْنَا عَشَرَ بَقِيَ خَمْسَةٌ قَابِلْهَا بِثُلُثَيْهَا كَمَا قَابَلْت سِتَّةً وَثَلَاثِينَ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَقَابَلْت أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ بِسِتَّةَ عَشَرَ فَيُقَابَلُ كُلُّ شَيْءٍ بِثُلُثَيْهِ فَإِنْ قَابَلْت خَمْسَةً بِثُلُثَيْهَا كَانَ ثُلُثَاهَا ثَلَاثَةً وَثُلُثًا كَمَا ذُكِرَ وَلِلزَّوْجِ رُبْعُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثُ حَبَّاتٍ وَثُلُثُ حَبَّةٍ وَلِابْنِ الِابْنِ
رُبْعُ دِرْهَمٍ وَحَبَّةٌ وَثُلُثُ حَبَّةٍ فَجَمِيعُ ذَلِكَ دِرْهَمٌ وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ وَيُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ ثُمَّ الدَّانِقُ سُدُسُ دِرْهَمٍ وَسُدُسُ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثَمَانِيَةٌ حِصَّتُهَا مِنْ سِهَامِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ اثْنَا عَشَرَ وَالطَّسُّوجُ حَبَّتَانِ وَالدَّانِقُ أَرْبَعَةُ طَسَاسِيجَ وَالْقِيرَاطُ نِصْفُ دَانِقٍ وَيُعْتَبَرُ بِالْقِيرَاطِ نِصْفُ سُدُسِ الدِّرْهَمِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَ نِصْفَ سُدُسِ الدِّرْهَمِ قِيرَاطًا وَهُوَ أَرْبَعُ حَبَّاتٍ وَقَدْ يُقَالُ الدِّرْهَمُ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَالدَّانِقُ ثَمَانِيَةُ حَبَّاتٍ وَالْمُرَادُ حَبَّةُ الشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطِ الَّتِي لَمْ تُقَشَّرْ لَكِنْ قُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ وَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَأَقْرَبُ مِنْ هَذَا أَنْ تَقُولَ صُورَتُهُ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَابْنٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَبِ السُّدُسُ اثْنَانِ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ اثْنَانِ وَيَبْقَى لِلِابْنِ خَمْسَةٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَخَلَّفَ ابْنًا وَأَبًا وَهُوَ الزَّوْجُ فِي الْأُولَى وَجَدَّةٌ وَهِيَ الْأُمُّ فِي الْأُولَى فَرِيضَتُهُ مِنْ سِتَّةٍ وَمَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَبِيَدِهِ خَمْسَةٌ لَا تُوَافَقُ وَلَا تَنْقَسِمُ فَاضْرِبْ الْفَرِيضَةَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى تَكُونُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِنْهُ تَصِحُّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ لِلزَّوْجِ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلْأُمِّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَلِلْأَبِ فِي الْأُولَى اثْنَا عَشَرَ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَبُو أُمٍّ وَلِلِابْنِ الْهَالِكِ الثَّانِي عِشْرُونَ فَذَلِكَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ .
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَاضْرِبْ نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَاقْسِمْهُ عَلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ تَصِحُّ لِلْأَبِ ثَمَانُ حَبَّاتٍ وَلِلْأُمِّ أَحَدَ عَشَرَ حَبَّةً وَثُلُثُ حَبَّةٍ وَلِلزَّوْجِ خَمْسَةَ عَشَرَ حَبَّةً وَثُلُثُ حَبَّةٍ وَلِابْنِ الِابْنِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ حَبَّةً وَثُلُثُ حَبَّةٍ
فَلِذَلِكَ كُلِّهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَبَّةً وَامْتِحَانُهُ أَنْ تَقُولَ التَّرِكَةُ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ ثُلُثًا الْفَرِيضَةُ وَهِيَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ فَتُسْقِطُ مِنْ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ ثُلُثَهُ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ التَّرِكَةِ فَإِنْ أَسْقَطْت مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ ثُلُثَهُ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَثُلُثَانِ بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَكَذَا كُلُّ وَارِثٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا دَائِمًا أَبَدًا