كتاب : الجوهرة النيرة
المؤلف : أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني
تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَهُمْ مُعْسِرُونَ وَلَا تَجِبُ مَعَ كُفْرِهِمْ .
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمِلْكِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا ) بِشَرْطِ تَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ تُنْقَلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ انْتِقَالَهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ ابْتِدَاءً فَأَمَّا بَعْدَ مَا انْتَقَلَتْ إلَى مَنْزِلِهِ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا إنَّهَا إذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ قَبْلَ تَحَوُّلِهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ يُطَالِبْهَا بِالنَّقْلَةِ ؛ لِأَنَّ النَّقْلَةَ حَقٌّ لَهُ وَالنَّفَقَةَ حَقٌّ لَهَا فَإِذَا تَرَكَ حَقَّهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا وَإِنْ طَالَبَهَا بِالنَّقْلَةِ فَامْتَنَعَتْ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَسْتَوْفِي مَهْرَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا وَالنَّفَقَةَ حَقُّهَا وَالْمُطَالَبَةُ بِأَحَدِ الْحَقَّيْنِ لَا تُسْقِطُ الْآخَرَ وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا مَهْرَهَا أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَامْتَنَعَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ ( قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِحَالِهِمَا جَمِيعًا مُوسِرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ مُعْسِرًا ) هَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَتَفْسِيرُهُ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْيَسَارِ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَنَفَقَةُ الْإِعْسَارِ وَإِنْ كَانَتْ كَرُهَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ أَسْلَفَهَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ، وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَنَفَقَةُ الْإِعْسَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } ( قَوْلُهُ وَكِسْوَتُهَا ) ، وَهِيَ دِرْعَانِ وَخِمَارَانِ وَمِلْحَفَةٌ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ فِي
الشِّتَاءِ دِرْعٌ هَرَوِيٌّ وَمِلْحَفَةٌ وَخِمَارٌ وَكِسَاءٌ وَفِي الصَّيْفِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعٌ هَرَوِيٌّ وَمِلْحَفَةٌ دِينَوَرِيَّةٌ وَخِمَارٌ إبْرَيْسَمٌ وَكِسَاءٌ وَلِخَادِمِهَا قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَكِسَاءٌ وَيُفْرَضُ لَهَا فِي الصَّيْفِ دِرْعٌ سَابُورِيٌّ وَخِمَارٌ إبْرَيْسَمٌ وَمِلْحَفَةٌ ، وَلَوْ فُرِضَ لَهَا الْكِسْوَةُ فِي مُدَّةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ لَبِسَتْهَا مُعْتَادًا لَمْ تَتَخَرَّقْ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَإِنْ بَقِيَ الثَّوْبُ بَعْدَ الْمُدَّةِ إنْ كَانَ بَقَاؤُهُ لِعَدَمِ اللُّبْسِ أَوْ لِلُبْسِ ثَوْبٍ غَيْرِهِ أَوْ لِلُبْسِهِ يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لَهَا كِسْوَةٌ أُخْرَى وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا إذَا أَمْسَكَتْ نَفَقَتَهَا وَلَمْ تُنْفِقْهَا فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةٌ أُخْرَى فَإِنْ لَبِسَتْ كِسْوَتَهَا لُبْسًا مُعْتَادًا فَتَخَرَّقَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ جَدَّدَ لَهَا أُخْرَى وَإِذَا لَمْ تَتَخَرَّقْ فِي الْمُدَّةِ لَا يَجِبُ غَيْرُهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ .
وَلَوْ سُرِقَ الثَّوْبُ لَا يَجِبُ غَيْرُهُ وَإِنْ قَتَرَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي النَّفَقَةِ وَفَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي الْمُدَّةِ وَجَبَ غَيْرُهَا .
وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا ضَاعَتْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عِنْدَهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا تَفْتَرِشُهُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ طَنْفَسَةٌ فِي الشِّتَاءِ وَنِطْعٌ فِي الصَّيْفِ وَعَلَى الْفَقِيرِ حَصِيرٌ فِي الصَّيْفِ وَلِبْدٌ فِي الشِّتَاءِ وَلَا تَكُونُ الطَّنْفَسَةُ وَالنِّطْعُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَفْتَرِشَ الْحَصِيرَ وَيَجِبُ لَهَا مَا تَتَنَظَّفُ بِهِ وَيُزِيلُ الْوَسَخَ كَالْمُشْطِ وَالدُّهْنِ وَالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَأَمَّا الْخِضَابُ وَالْكُحْلُ فَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ هُوَ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَأَمَّا الطِّيبُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يَقْطَعُ بِهِ السَّهُوكَةَ لَا غَيْرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا
يَقْطَعُ بِهِ الصُّنَانَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّوَاءُ لِلْمَرَضِ وَلَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَلَا الْفَصَّادِ وَلَا الْحَجَّامِ وَعَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا تَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهَا وَبَدَنَهَا مِنْ الْوَسَخِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَإِنْ كَانَتْ كَرُهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَلَهُ إلَيْهَا وَإِنْ شَاءَ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَذْهَبَ لِتَنْقُلَهُ لِنَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً اسْتَأْجَرَتْ مَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَاءُ الْوُضُوءِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَدَاسٌ لِلرِّجْلِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ ) يَعْنِي الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مُؤَجَّلًا وَبَعْضُهُ حَالًا وَاسْتَوْفَتْ الْحَالَّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ عِنْدَهُمَا وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَجَلًا مَعْلُومًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا إلَى اسْتِيفَاءِ الْمُؤَجَّلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُصُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْحَبْسِ بِالْإِنْفَاقِ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا النَّفَقَةُ وَعِنْدَهُمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالِامْتِنَاعُ لِابْتِغَاءِ الصَّدَقَهْ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يُزِيلُ النَّفَقَهْ .
وَفِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ يَكُنْ صَدَاقُهَا مُؤَجَّلَا فَقَبْلَ نَقْدِ مَهْرِهَا الدُّخُولُ لَا وَصُورَتُهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةً إلَى سَنَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ حَتَّى يُعْطِيَهَا جَمِيعَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ نَشَزَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ ) النُّشُوزُ خُرُوجُهَا مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ سَاكِنًا فِي بَيْتِهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا كَانَتْ نَاشِزَةً إلَّا إذَا سَأَلَتْهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا وَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ سَلَّمَتْ إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِمَعْنًى فِيهَا وَأَمَّا الْمَهْرُ فَيَجِبُ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُنْتَفَعُ بِهَا لِلِاسْتِئْنَاسِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ فَأَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءُ وَالْمَرْأَةُ كَبِيرَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ مَالِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا صَغِيرَانِ لَا يُطِيقَانِ الْجِمَاعَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَرِيضَةً مَرَضًا لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهَا فَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ وَلَمْ يَكُنْ نَقَلَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ إذَا لَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ الِانْتِقَال عِنْدَ طَلَبِهِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الِانْتِقَالِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا .
( قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا رَجْعِيًّا كَانَ الطَّلَاقُ أَوْ بَائِنًا ) وَكَذَا الْكِسْوَةُ أَيْضًا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَلَهَا السُّكْنَى بِلَا نَفَقَةٌ وَالْمُبَانَةُ بِالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَمُجَامَعَةِ أُمِّهَا فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنَّهَا حَامِلٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا إلَى سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً تَطَاوَلَتْ عِدَّتُهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَإِنْ امْتَدَّ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ اتَّهَمَهَا حَلَّفَهَا بِاَللَّهِ مَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا .
( قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ) سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا إلَّا إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ ، وَهِيَ حَامِلٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ زَالَ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا أَوْجَبْنَاهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ .
( قَوْلُهُ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ) مِثْلُ الرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَوْ تَمْكِينِهِ مِنْ نَفْسِهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَانِعَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ كَالنَّاشِرَةِ وَأَمَّا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ ارْتَدَّتْ فِي الْعِدَّةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فَإِنْ أَسْلَمَتْ عَادَتْ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِلْإِدْرَاكِ أَوْ لِلْعَتَاقِ أَوْ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى ، وَلَوْ خَلَعَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى إلَّا إذَا خَلَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ النَّفَقَةِ دُونَ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى خَالِصِ حَقِّ اللَّه تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا ) سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا .
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا حُبِسَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَيْنٍ أَوْ غَصَبَهَا رَجُلٌ كَرْهًا فَذَهَبَ بِهَا أَوْ حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ مُحْرِمٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ) وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا حُبِسَتْ فِي الدَّيْنِ لَا تَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِاخْتِيَارِهَا وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ حَبَسَهَا الزَّوْجُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ كَرْهًا فَذَهَبَ بِهَا أَشْهُرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَهَا النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْهَا وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّل وَقَوْلُهُ أَوْ حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ يَعْنِي حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ نَقَلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وُجِدَ وَالْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ لِأَدَاءِ فَرْضٍ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَالصَّائِمَةِ فِي رَمَضَانَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا نَفَقَةَ لَهَا سَوَاءٌ حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ أَوْ لَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لِنَفْسِهَا وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ قَبْلَ النَّقْلَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ حَجَّتْ بِمُحْرِمٍ ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ ؛ لِأَنَّهَا الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَيْهِ فَإِنْ جَاوَرَتْ بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَتْ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ إقَامَةً لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَأَمَّا إذَا حَجَّ الزَّوْجُ مَعَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي طَرِيقِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونِ السَّفَرِ وَلَا يَجِبُ الْكِرَى وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ لِلتَّطَوُّعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إجْمَاعًا إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا مِنْ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا مَرِضَتْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ ) ؛ لِأَنَّهَا مُسَلِّمَةٌ لِنَفْسِهَا وَالْمَنْعُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِ نَفَقَتهَا وَلِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ وَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ كَالْحَيْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ لَا تَجِبُ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحّ ، وَهَذَا حَسَنٌ وَفِي لَفْظِ الْكِتَابُ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ احْتَرَزَ عَمَّا إذَا مَرِضَتْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي الرَّتْقَاءِ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا مَا لَمْ يَنْقُلْهَا فَإِذَا نَقَلَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ كَالْحَائِضِ .
( قَوْلُهُ وَيُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ مُوسِرًا نَفَقَةُ خَادِمِهَا ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يُصْلِحُ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا وَأَمَّا شَرْطُهُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ مُوسِرًا فَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهِيَ الْأَصَحُّ وَعَنْهُ أَيْضًا يُفْرَضُ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ( قَوْلُهُ وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ ) وَاحِدٌ ، هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ لَهَا خَادِمَانِ فَرَضَ لَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَى خَادِمَيْنِ أَحَدُهُمَا يَخْدُمُهَا فِي مَنْزِلهَا وَالثَّانِي تُرْسِلُهُ إلَى زَوْجِهَا يَطْلُبُ مِنْهُ النَّفَقَةَ وَيَبْتَعْ لَهَا مَا يَصْلُحُ لَهَا وَتُرْسِلُهُ إلَى أَبَوَيْهَا وَيَقْضِي حَوَائِجَهَا وَلَهُمَا أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ خَادِمٍ فَكَذَا إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَالْخَادِمُ هُوَ الْمَمْلُوكُ وَقِيلَ أَيُّ خَادِمٍ كَانَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ مَمْلُوكَةَ الْغَيْرِ ، وَالْمَنْكُوحَةُ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ .
( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي دَارٍ مُنْفَرِدَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْتَضِرُّ بِمَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيُخَافُ مِنْهُ عَلَى مَتَاعِهَا وَقَدْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُسْكِنَهُ مَعَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَقَدْ تَخَافُ مِنْهُ عَلَى مَتَاعِهَا .
( قَوْلُهُ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ وَالِدِيهَا وَوَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَهْلَهَا الدُّخُولَ عَلَيْهَا ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا الْخَلْوَةَ مَعَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَبِدُخُولِ هَؤُلَاءِ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ وَالِدِيهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَحَارِمِ التَّقْدِيرُ بِسَنَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَكَلَامُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ شَاءُوا ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلِأَنَّ أَهْلَهَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ افْتِقَادِهِمْ وَالْعِلْمِ بِحَالِهَا وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَهُ اسْتَدِينِي عَلَيْهِ ) فَائِدَةُ الْإِذْنِ فِي الِاسْتِدَانَةِ أَنَّهَا تُحِيلُ الْغَرِيمَ عَلَى الزَّوْجِ فَيُطَالِبُهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ وَإِنْ اسْتَدَانَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهَا خَاصَّةً وَإِنْ اسْتَدَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهَا الْحَاكِمُ فَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ لَمْ تُفْرَضْ لَهَا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَتْ قَدْ فُرِضَتْ لَمْ تَكُنْ مُتَطَوِّعَةً بَلْ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ رَجُلٍ مُعْتَرِفٍ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ فَرَضَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَالِ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الْغَائِبِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَوَالِدِيهِ ) وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَرِفْ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ أَوْ دَيْنًا أَوْ مُضَارَبَةً وَأَمَّا إذَا جَحَدَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ مُحْتَاطٌ وَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ رُبَّمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى طَلَاقِهَا أَوْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا نَفَقَتَهَا فَيَضْمَنُ الْكَفِيلُ وَكَذَا أَيْضًا يُحَلِّفُهَا الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمَا سَبَبٌ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ مِنْ نُشُوزٍ أَوْ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ ) يَعْنِي الزَّوْجَةَ وَالْأَوْلَادَ الصِّغَارَ وَالْوَالِدَيْنِ ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَنْفُسِهِمْ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ .
أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِلْأَبَوَيْنِ أَنْ يَبِيعَا عَلَى الْوَلَدِ إذَا كَانَ غَائِبًا الْعُرُوضَ فِي نَفَقَتِهِمَا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمَا وَلَا يَبِيعَانِ الْعَقَارَ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهَا بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَخَاصَمَتْهُ إلَى الْقَاضِي تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهَا حَقٌّ بِيَسَارِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فِيهَا وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى مِقْدَارِهَا فَيَقْضِي لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ عِنْدَنَا فَلَا يَسْتَحِكُمْ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ أَمَّا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ فَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا إذَا فَرَضَهَا الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ بِاصْطِلَاحِهَا ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَإِذَا صَارَتْ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالِاصْطِلَاحِ لَمْ تَسْقُطْ بِطُولِ الزَّمَانِ إلَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ تَسْقُطُ ( قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ أَوْ مَضَتْ شُهُورٌ سَقَطَتْ ) وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَوْ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ ؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ عَمَّا سَيَجِبُ فَلَا يَصِحُّ ، وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ وَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ فِي مَالِ الزَّوْجِ مَا دَامَا حَيَّيْنِ وَتَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَنْفَقَتْهُ دَيْنًا بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ) أَيْ عَجَّلَهَا ( ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَمْ يُسْتَرْجَعْ مِنْهَا شَيْءٌ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا إذَا أَعْطَاهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ مِلْكًا لَهَا وَتُورَثُ عَنْهَا ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُحْسَبُ لَهَا نَفَقَةُ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ لِلزَّوْجِ ) أَيْ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ وَيُرَدُّ مَا بَقِيَ إلَى الزَّوْجِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُرَدُّ الْبَاقِي مِنْهَا وَكَذَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا قَبَضَتْ قَبْضًا مَضْمُونًا لَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَجِبُ رَدُّهُ كَالدَّيْنِ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَوْتُهُ أَوْ مَوْتُهَا فِي الْمُدَّهْ يُوجِبُ فِيمَا اسْتَعْجَلَتْهُ رَدَّهْ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَا دُونَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْيَسِيرِ وَإِنْ قَبَضَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ دَفَعَ عَنْهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ وَرَدَّتْ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْكَثِيرِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهَا ) قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَلَيْسَ عَلَى مَوْلَاهَا أَنْ يُبَوِّئَهَا مَعَهُ وَبِدُونِ التَّبْوِئَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنَّمَا يُبَاعُ فِيهَا إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي عَيْنِ النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَكَذَا إذَا قُتِلَ فِي الصَّحِيحِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَوْلَى فِي التَّزْوِيجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَلَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، وَلَوْ بِيعَ فِي مَهْرِهَا وَلَمْ يَفِ بِالثَّمَنِ يُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ نَفَقَةُ امْرَأَةِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَوْلَى كَالْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا يُبَاعُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ فَلَا يُبَاعَانِ بَلْ يُسْتَسْعَيَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بَلْ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَى مَوْلَاهَا وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَنَفَقَتُهُ عَلَى أُمِّهِ إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى مَنْ يَرِثُ الْوَلَدَ مِنْ الْقَرَابَةِ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةِ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ مُكَاتَبٌ مِثْلُهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِمَا عَلَى مَوْلَاهُمَا وَالْمُكَاتَبُ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَإِذَا كَانَ الْأَبَوَانِ مُكَاتَبَيْنِ فَوَلَدُهُمَا يَدْخُلُ فِي كِتَابَةِ الْأُمِّ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَةً فَبَوَّأَهَا مَوْلَاهَا مَعَهُ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا مَعَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ) وَالتَّبْوِئَةُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا الْمَوْلَى فَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ وَإِنْ خَدَمَتْهُ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْأَمَةِ .
( قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ كَمَا لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ أَحَدٌ ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا إلَّا إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَبُ كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْإِنَاثِ إذَا كُنَّ فُقَرَاءَ وَالذُّكُورِ إذَا كَانُوا زُمَنَاءَ أَوْ عُمْيَانًا أَوْ مَجَانِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرَةِ غَائِبًا أُمِرَ الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرْجِعَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ وَإِذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُعْسِرًا وَلَهُ أَبَوَانِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الْأُمَّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا فَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ أَنْ تُرْضِعَهُ ) ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ يَجْرِي مَجْرَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } أَيْ بِإِلْزَامِهَا إرْضَاعَهُ مَعَ كَرَاهَتِهَا ، وَهَذَا إذَا كَانَ يُوجَدُ فِي الْمَوْضِعِ مَنْ تُرْضِعُهُ غَيْرُهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ سِوَاهَا فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ فَعَلَى هَذَا لَا أُجْرَةَ لَهَا ( قَوْلُهُ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَهَا ) يَعْنِي إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا أَرْضَعَتْهُ الظِّئْرُ عِنْدَهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَعُودَ الظِّئْرُ إلَى مَنْزِلِهَا فَلَهَا ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ يَكُونَ الْإِرْضَاعُ فِي بَيْتِ الْأُمِّ لَزِمَهَا الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ قَالَ فِي الْحُسَامِيَّةِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الظِّئْرِ الْإِرْضَاعَ عِنْدَ الْأُمِّ كَانَ لَهَا أَنْ تَحْمِلَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَقُولَ أَخْرِجُوهُ فَتُرْضِعَهُ عِنْدَ فِنَاءِ دَارِ الْأُمِّ ثُمَّ يُدْخَلَ الْوَلَدُ إلَى أُمِّهِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا ، وَهِيَ زَوْجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ لِتُرْضِعَ وَلَدهَا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي الْحُكْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ } إلَّا أَنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَإِذَا قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ أَوْ مُعْتَدَّةً ) يَعْنِي مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ رِوَايَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ وَأَمَّا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْبَائِنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ الرَّجْعِيِّ لِإِرْضَاعِ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ سَوَاءٌ أَوُجِدَ غَيْرُهَا أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَاسْتَأْجَرَهَا عَلَى إرْضَاعِهِ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْأَبَ إذَا الْتَمَسَ مَنْ يُرْضِعُهُ فَأَرَادَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرْضِعَهُ فَهِيَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَمُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ أُجْرَةً مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ الْأَبُ لَا أَسْتَأْجِرُهَا وَجَاءَ بِغَيْرِهَا فَرَضِيَتْ الْأُمُّ بِمِثْلِ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ ) كَانَتْ أَحَقَّ وَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ .
( قَوْلُهُ وَتَجِبُ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى أَبِيهِ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ ) صُورَتُهُ ذِمِّيٌّ تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهَا وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ الْكَافِرِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَدَّ فَارْتِدَادُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَإِنْ خَالَفَاهُ فِي الدِّينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } يَعْنِي الْكَافِرَيْنِ وَحُسْنُ الْمُصَاحَبَةِ أَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا وَيُعَاشِرَهُمَا مُعَاشَرَةً جَمِيلَةً وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا .
( قَوْلُهُ وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ) { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي } وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَقْدَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ مِنْ الْأَبِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ أُمِّ ابْنِهِ عَاصِمٍ وَنَازَعَهَا فِيهِ رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ قَالَهُ وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ وَمُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَرُوِيَ { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي } وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْحَضَانَةِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهَا ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمٌّ أَوْ كَانَتْ إلَّا أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ فَأُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ ) يَعْنِي إنَّ أُمَّ الْأُمِّ وَإِنْ بَعُدَتْ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْهَا فَمَنْ أَوْلَى بِهَا أَوْلَى ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأُمُّ الْأَبِ ) وَإِنْ بَعُدَتْ ( أَوْلَى مِنْ الْأَخَوَاتِ ) ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَايَةً فَهِيَ أَدْخَلُ فِي الْوِلَايَةِ وَأَكْثَرُ شَفَقَةً .
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَدَّةٌ فَالْأَخَوَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ ) ؛ لِأَنَّهُنَّ أَقْرَبُ ؛ لِأَنَّهُنَّ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ وَلِهَذَا قُدِّمْنَ فِي الْمِيرَاثِ وَأَوْلَاهُنَّ مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ وَالْخَالَةِ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْخَالَةُ وَالِدَةٌ } وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأُخْتَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ الْأَبِ وَالْخَالَةُ بِنْتُ الْجَدِّ وَالْقُرْبَى أَوْلَى وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَأَمَّا أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَاتِ أَوْلَى مِنْهُنَّ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ وَبَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ فَأَمَّا بَنَاتُ الْعَمِّ وَبَنَاتُ الْخَالِ وَبَنَاتُ الْعَمَّةِ وَبَنَاتُ الْخَالَةِ فَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ ؛ لِأَنَّهُنَّ رَحِمٌ بِلَا مَحْرَمٍ ( قَوْلُهُ وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ ثُمَّ الْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ ) تَرْجِيحًا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ( قَوْلُهُ وَيَنْزِلْنَ كَمَا تَنْزِلُ الْأَخَوَاتُ ) أَيْ تُرَجَّحُ ذَوَاتُ قَرَابَتَيْنِ .
( مَسْأَلَةٌ ) إذَا قِيلَ لَك مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ الْأَبِ وَهُوَ خُلِقَ مِنْ مَائِهِمَا جَمِيعًا فَالْجَوَابُ إنَّ مَاءَ الْأُمِّ مِنْ قُدَّامِهَا مِنْ بَيْنِ تَرَائِبِهَا قَرِيبًا مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الشَّفَقَةِ وَمَحِلُّ الْمَحَبَّةِ وَالْأَبُ يَخْرُجُ مَاؤُهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ مِنْ الصُّلْبِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ فَإِنْ قِيلَ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ قِيلَ ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْأُمِّ يُخْلَقُ مِنْهُ الْحُسْنُ فِي الْوَلَدِ وَالسِّمَنُ وَالْهُزَالُ وَالشَّعْرُ وَاللَّحْمُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَدُومُ فِي الْوَلَدِ بَلْ تَزُولُ وَتَتَغَيَّرُ وَتَذْهَبُ وَمَاءُ الرَّجُلِ يُخْلَقُ مِنْهُ الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ وَالْعُرُوقُ وَالْمَفَاصِلُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَزُولُ مِنْهُ وَلَا تُفَارِقُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ ( قَوْلُهُ وَكُلّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ سَقَطَ حَقُّهَا ) أَيْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ
حَضَانَتُهَا وَتَصِيرُ كَالْمَيِّتَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ مِنْ زَوْجِ أُمِّهِ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا وَيُعْطِيهِ نَزْرًا الشَّزْرُ نَظَرُ الْغَضْبَانِ بِمُؤَخِّرِ الْعَيْنِ وَالنَّزْرُ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ جِدًّا وَكُلُّ مَنْ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ هَؤُلَاءِ بِالتَّزْوِيجِ فَمَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ أَبَانَهَا عَادَ حَقُّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ ( قَوْلُهُ إلَّا الْجَدَّةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدَّ ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ لَهُ أَبٌ بِمَنْ لَهَا أُمٌّ فَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَتَمُوتَ الزَّوْجَةُ فَحَضَانَتُهَا لِأُمِّهَا فَإِذَا تَزَوَّجَتْ سَقَطَ حَقُّهَا إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ جَدَّ الطِّفْلِ الَّذِي هُوَ أَبُو زَوْجِ بِنْتِهَا وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ عَمَّ الطِّفْلِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ .
مِنْهُ مِمَّنْ لَهُ حَضَانَتُهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا لِقِيَامِ الشَّفَقَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَاخْتَصَمَ فِيهِ الرِّجَالُ فَأَوْلَاهُمْ بِهِ أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا ) وَكَذَا إذَا اسْتَغْنَى الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ أَوْ بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ فَالْعَصَبَات أَوْلَى بِهِمَا عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْقَرَابَةِ وَالْأَقْرَبُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَإِذَا اجْتَمَعَ مُسْتَحِقُّو الْحَضَانَةِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَا حَقَّ لِابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ الْخَالِ فِي كَفَالَةِ الْجَارِيَةِ وَلَهُمَا حَقٌّ فِي كَفَالَةِ الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَحْرَمٍ لَهَا فَلَا يُؤْمَنَانِ عَلَيْهَا .
( قَوْلُهُ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ ) قَدَّرَهُ الْخَصَّافُ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ قَالَ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّاتُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ وَهُنَا بِلَفْظِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّهُنَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفِي الْكَرْخِيِّ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّتَانِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا بَلَغَ هَذَا الْمَبْلَغَ اسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ النِّسَاءِ وَاحْتَاجَ إلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ ( قَوْلُهُ وَبِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تُشْتَهَى مَا لَمْ تَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَنْ بَلَغَ مَعْتُوهًا كَانَ عِنْدَ الْأُمِّ سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا أَوْ بِنْتًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ بِنْتٌ بَالِغَةٌ وَطَلَبَتْ الِانْفِرَادَ مِنْهُ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَهِيَ مَأْمُونَةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَلَهَا رَأْيٌ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَرِهَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الِانْفِرَادِ وَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً وَإِذَا اخْتَلَفَ الْأُمُّ وَالْأَبُ فِي الْوَلَدِ لَمْ يُخَيَّرْ قَبْلَ الْبُلُوغِ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ إذَا عَقَلَا التَّخْيِيرَ لَنَا أَنَّ مَصَالِحَ الصَّغِيرِ لَا يُرْجَعُ فِيهَا إلَى اخْتِيَارِهِ كَمَصَالِحِ مَالِهِ وَلِأَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يُخْلِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّعِبِ وَيَتْرُكُ تَأْدِيبَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ وَأَمَّا مَا رُوِيَ { أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يَنْتَزِعَ ابْنَهُ مِنِّي وَإِنَّهُ قَدْ نَفَعَنِي وَسَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ فَقَالَ اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ
الرَّجُلُ مَنْ يُشَاقُّنِي فِي ابْنِي فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْغُلَامِ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت فَاخْتَارَهَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ } فَقَدْ رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ } فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِهِ إلَّا نَظَرَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ بَالِغٌ ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ نَفَعَنِي أَيْ اكْتَسَبَ عَلَيَّ وَقِيلَ إنَّ بِئْرَ أَبِي عُتْبَةَ لَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ الِاسْتِسْقَاءُ مِنْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ الصَّغِيرَ مِنْ أُمِّهِ وَيُسَافِرَ بِهِ قَبْلَ بُلُوغِ الْحَدِّ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ فِيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَمَنْ سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا تُشْتَهَى ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ هَؤُلَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْوِلَادَةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ مَا دَامَ الصَّغِيرُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَضَانَةِ فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى .
( قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ فَهِيَ فِي الْوَلَدِ كَالْحُرَّةِ ) يَعْنِي فِي الْحَضَانَةِ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَقٌّ فِي الْوَلَدِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ وَلَا حَقَّ لِلْإِمَاءِ فِي الْوِلَايَةِ وَلِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَبِالِاشْتِغَالِ بِالْحَضَانَةِ تَنْقَطِعُ خِدْمَةُ الْمَوْلَى ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَهِيَ أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ .
( قَوْلُهُ وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ وَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَصُورَتُهُ أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ فَتَقَعَ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى عَقَلَ عَوَّدَتْهُ أَخْلَاقَ الْكُفْرِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُخْرِجَهُ إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ الزَّوْجُ تَزَوَّجَهَا فِيهِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ فِي بَلَدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقِيمُ فِيهِ فَقَدْ الْتَزَمَ لَهَا الْمُقَامَ فِي بَلَدِهَا وَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْقُلَهُ إلَى بَلَدِهَا وَقَدْ وَقَعَ النِّكَاحُ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمُقَامَ فِي بَلَدِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ دَارُ غُرْبَةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ تَفَاوُتٌ أَمَّا إذَا تَقَارَبَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْأَبَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى وَلَدِهِ وَيَبِيتَ فِي بَيْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
( قَوْلُهُ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ ) وَيَعْتَبِرَ فِيهِمْ الْفَقْرَ وَلَا تَعْتَبِرَ الزَّمَانَةَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا وَالْأَبُ فَقِيرًا إلَّا أَنَّهُ صَحِيحُ الْبَدَنِ لَمْ يُجْبَرْ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الِابْنَ فِي نَفَقَتِهِ وَأَمَّا الْأُمُّ إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الِابْنَ نَفَقَتُهَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ، وَهِيَ غَيْرُ زَمِنَةٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَإِذَا كَانَ الِابْنُ يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَالْأُمُّ أَحَقُّ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَبُ أَحَقُّ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الِابْنِ فِي صِغَرِهِ دُونَ الْأُمِّ وَقِيلَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ أَبٌ وَابْنٌ صَغِيرٌ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِهِمَا فَالِابْنُ أَحَقُّ وَقِيلَ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يَأْكُلَانِ مَعَهُ مَا أَكَلَ وَإِنْ احْتَاجَ الْأَبُ إلَى زَوْجَةٍ وَالِابْنُ مُوسِرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً وَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا كَمَا يَجِبُ نَفَقَةُ الْأَبِ وَكِسْوَتُهُ فَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ أُمُّ وَلَدٍ لَزِمَ الِابْنَ نَفَقَتُهَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ زَوْجَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَلْزَمْ الِابْنَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَدْفَعُهَا إلَى الْأَبِ وَهُوَ يُوَزِّعُهَا عَلَيْهِنَّ وَقَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ يَعْنِي إذَا كَانَا ذِمِّيَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَا حَرْبِيَّيْنِ لَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَا مُسْتَأْمِنَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ بِرِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ ( قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا لِلزَّوْجَةِ
وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ ) وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ } ( قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ ) مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ غَنِيٌّ وَابْنٌ غَنِيٌّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الِابْنِ دُونَ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مُضَافٌ إلَى الْأَبِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَابْنُ ابْنٍ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الِابْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَنَفَقَةُ هَؤُلَاءِ تُقَدَّرُ فِي مَالِهِ .
( قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ بَالِغَةً فَقِيرَةَ أَوْ كَانَ ذَكَرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى فَقِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَقِيرًا فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ إلَّا لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ وَالِابْنُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ فَإِذَا كَانَ فَقِيرًا فَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَنِيِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ النِّصَابِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْمَالِيَّةِ ، وَهَذَا حَقٌّ آدَمِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِمْكَانُ ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ ) كَمَا إذَا كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَعَلَى الْجَدِّ سُدُسُ النَّفَقَةِ وَالْبَاقِي عَلَى ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ أَوْ أُمٌّ وَعَمٌّ فَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ إذَا كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ ، وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقُونَ وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ مُعْسِرٌ أَوْ كَبِيرٌ زَمِنٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَعَلَى أَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ أَسْدَاسًا وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا زَمِنًا وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ وَلَهُ أَخٌ مُوسِرٌ فُرِضَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى عَمِّهِ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُعْسِرًا وَلَهُ زَوْجَةٌ وَلِلزَّوْجَةِ أَخٌ مُوسِرٌ أُجْبِرَ أَخُوهَا عَلَى نَفَقَتِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ
يَتْبَعُهُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ ؛ لِأَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةً وَابْنُ عَمٍّ فَعَلَى الْخَالَةِ الثُّلُثُ وَعَلَى الْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ ؛ لِأَنَّ رَحِمَ ابْنِ الْعَمِّ غَيْرُ كَامِلٍ وَإِذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ مُتَفَرِّقُونَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَعَلَى الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ أَسْدَاسًا ؛ لِأَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَهُمَا .
( قَوْلُهُ وَتَجِبُ نَفَقَةُ الِابْنِ الزَّمِنِ وَالِابْنَةِ الْبَالِغَةِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ ثَلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ ) اعْتِبَارًا لِلْمِيرَاثِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ ( قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ ) لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ وَالضَّمِيرُ فِي نَفَقَتِهِمْ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ الِابْنَةِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَيُجْبَرُ الْكَافِرُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ وَيُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا لِرَحِمٍ مُتَأَكِّدٍ فَتَجِبُ صِلَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ .
( قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ ) ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ صِلَةً وَالْفَقِيرُ يَسْتَحِقُّهَا عَلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْعَبْدَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَدَ وَلِأَنَّ إكْسَابَهُ لِمَوْلَاهُ وَكَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْحُرِّ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمَمْلُوكِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ قُضِيَ فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ ) وَلَا يُنْفَقُ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ إلَّا عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَلِلْأَبِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الِابْنِ الْغَائِبِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا ؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ مِلْكٍ فِي مَالِهِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَ أَبَوَاهُ مَتَاعَهُ فِي نَفَقَتِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَإِنَّمَا يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ أَمَّا الْأُمُّ إذَا انْفَرَدَتْ لَا تَتَوَلَّاهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُ لِلْأَبِ الْعُرُوضَ وَلَكِنْ لَا يَتَعَرَّضُ عَلَيْهِ فِي بَيْعِهَا ( قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ الْعَقَارَ لَمْ يَجُزْ ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ فِي يَدِ أَبَوَيْهِ فَأَنْفَقَا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا
( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مِنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ بِالنَّفَقَةِ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ ) ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ مَعَ الْيَسَارِ وَقَدْ حَصَلَتْ الْكِفَايَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَيْهِ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَيَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَكَانَ لَهُمْ الرُّجُوعُ بِهِ ، وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا صَغِيرًا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَرَابَةٌ أَغْنِيَاءُ .
( قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْمَمَالِيكِ { إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ } وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا مَرْهُونًا أَوْ مُؤْجَرًا وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شِرَاءُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ لِرَقِيقِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَبِيدٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْكِسْوَةِ وَتَكُونُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَإِدَامِهِ وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى إرْضَاعِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَلَدَ إلَى غَيْرِهَا وَأَرَادَتْ هِيَ إرْضَاعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَقَدْ يُرِيدُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا أَوْ خِدْمَتَهَا وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا ( قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ بَقَاءَ الْمَمْلُوكِ حَيًّا وَبَقَاءَ مِلْكِ الْمَالِكِ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَفِ كَسْبَهُمَا بِنَفَقَتِهِمَا فَالْبَاقِي عَلَى الْمَوْلَى وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْعَبْدِ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى وَيَأْكُلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا فَإِنْ كَانَ مُكْتَسِبًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا أَنْفَقَ الثَّانِي وَرَجَعَ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى نَفَقَتِهِمَا أَوْ بَيْعِهِمَا ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ زَمِنًا وَالْجَارِيَةُ لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِهِمَا إيفَاءَ حَقِّهِمَا وَحَقِّ الْمَوْلَى بِالْعِوَضِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى
تَكْلِيفُ الْعَبْدِ مَا لَا يُطِيقُ مِنْ الْعَمَلِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا اسْتَخْدَمَهُ نَهَارًا أَنْ يَتْرُكَهُ لَيْلًا وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالْقَيْلُولَةِ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ إذَا أَعْيَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَعَلَى الْعَبْدِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي الْخِدْمَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَتَرَكَ الْكَسَلِ وَمَنْ مَلَكَ بَهِيمَةً لَزِمَهُ عَلْفُهَا وَسَقْيُهَا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إمَّا بِالْإِنْفَاقِ وَإِمَّا بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ تَعْذِيبًا لَهَا وَقَدْ { نَهَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ } وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُكْرَهُ الِاسْتِقْصَاءُ فِي حَلْبِ الْبَهِيمَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا لِقِلَّةِ الْعَلَفِ وَيُكْرَهُ تَرْكُ الْحَلْبِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُصَّ الْحَالِبَ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا مَا دَامَ لَا يَأْكُلُ غَيْرُهُ وَيُكْرَهُ تَكْلِيفُ الدَّابَّةِ مَا لَا تُطِيقُهُ مِنْ تَثْقِيلِ الْحِمْلِ وَإِدَامَةِ السَّيْرِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ نَحْلٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْقِيَ لَهَا فِي كُورَاتِهَا شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَإِنْ قَامَ شَيْءٌ بِغَدَائِهَا مَقَامَ الْعَسَلِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ إبْقَاءُ الْعَسَلِ ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ .
( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَجَاءَ رَجُلٌ إلَيْهَا ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ لَهَا : أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْك مَا دُمْت فِي الْعِدَّةِ بِشَرْطِ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك فَرَضِيَتْ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ ، وَهَذَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِهَذَا الشَّرْطِ أَمَّا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهَا التَّزْوِيجَ لَكِنْ عَلِمَتْ بِهِ عُرْفًا أَنَّهُ أَنْفَقَ لِذَلِكَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( كِتَابُ الْعِتْقِ ) الْعِتْقُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقُوَّةُ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الضَّعْفِ وَهُوَ الرِّقُّ وَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُرِّيَّةُ قُوَّةً حُكْمِيَّةً لِأَنَّ بِهَا يَظْهَرُ سُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ وَنَفَاذُ الْوِلَايَةِ ، وَالشَّهَادَةِ إذْ الْمَمْلُوكُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } ، وَفِي الشَّرْعِ : عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْمَوْلَى حَقَّهُ عَنْ مَمْلُوكِهِ بِوَجْهٍ يَصِيرُ بِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ ، وَالْإِعْتَاقُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } ؛ وَلِهَذَا اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ ، وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِتَحَقُّقِ مُقَابَلَةِ الْأَعْضَاءِ .
{ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الرِّقَابِ خَيْرٌ قَالَ : أَعْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْعِتْقُ يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ ) فِي مِلْكِهِ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ وَشَرْطُ الْبُلُوغِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ وَشَرْطُ الْعَقْلِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ الصَّبِيُّ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ إذَا احْتَلَمَتْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ } .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ لِأَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ قَدْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك فَقَدْ عَتَقَ نَوَى الْمَوْلَى الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِيهِ فَأَغْنَى عَنْ نِيَّتِهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ الصَّرِيحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ إخْبَارٍ كَقَوْلِهِ : قَدْ أَعْتَقْتُك أَوْ حَرَّرْتُك وَصِفَةٍ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ وَنِدَاءٌ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يَا مُعْتَقُ فَإِنْ قَالَ : نَوَيْت أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ نَوَيْت الْكَذِبَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَإِنْ قَالَ : يَا حُرُّ ، وَاسْمُهُ حُرُّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِحْضَارُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ ، وَلَوْ زَاحَمَتْهُ امْرَأَةٌ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ تَأَخَّرِي يَا حُرَّةُ فَبَانَتْ أَمَتَهُ لَا تُعْتَقُ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ قُلْ لِمَنْ اسْتَقْبَلَك أَنَا حُرٌّ فَقَالَ الْعَبْدُ ذَلِكَ عَتَقَ إلَّا إذَا قَالَ لَك سَمَّيْتُك حُرًّا حِينَئِذٍ لَا يَعْتِقُ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يَعْتِقُ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا أَرَادَ بِهِ الْكَذِبَ ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ : قُلْ لِعَبْدِك أَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عِتْقٌ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَعْتِقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ ، وَلَوْ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْعِتْقُ عَتَقَ ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ مَرِيضٌ : أَنَا حُرٌّ ؟ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ أَيْ نَعَمْ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : نَسَبُك حُرٌّ أَوْ أَصْلُك حُرٌّ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَسْبِيٌّ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْبِيًّا عَتَقَ .
وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَا يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَإِنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فَتَهَجَّى ذَلِكَ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ، وَالْعِتْقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ يَجْعَلُوهُ صَرِيحًا .
قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : رَأْسُك حُرٌّ
أَوْ وَجْهُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ بَدَنُك ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ قَالَ : رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَوْ وَجْهُك وَجْهُ حُرٍّ أَوْ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ بِالْإِضَافَةِ لَا يَعْتِقُ وَكَذَا إذَا قَالَ مِثْلُ رَأْسِ حُرٍّ أَوْ مِثْلُ وَجْهِ حُرٍّ أَوْ مِثْلُ بَدَنِ حُرٍّ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَوْ وَجْهُك وَجْهٌ حُرٌّ أَوْ بَدَنُك بَدَنٌ حُرٌّ بِالتَّنْوِينِ عَتَقَ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ وَلَيْسَ بِتَشْبِيهٍ وَكَذَا إذَا قَالَ : فَرْجُك فَرْجٌ حُرٌّ بِالتَّنْوِينِ عَتَقَتْ لِمَا ذَكَرْنَا .
قَوْلُهُ : ( وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ ) عَتَقَتْ لِأَنَّ الْفَرْجَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ ، وَفِي الدُّبُرِ ، وَالِاسْتِ رِوَايَتَانِ ، وَالصَّحِيحُ لَا تَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ ذَكَرُك حُرٌّ أَوْ فَرْجُك حُرٌّ فَالصَّحِيحُ لَا يَعْتِقُ ، وَفِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الْعِتْقُ وَإِنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى عُضْوٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ لَا يَعْتِقُ مِثْلُ يَدِك حُرٌّ أَوْ رِجْلُك أَوْ سَاقَك أَوْ فَخِذُك أَوْ شَعْرُك لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ نَوَى .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَالَ : لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَنَوَى بِهِ الْحُرِّيَّةَ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَعْتِقْ وَكَذَلِكَ كِنَايَاتُ الْعِتْقِ ) مِثْلُ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِي وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْت سَبِيلَك لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مِنْ هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فَقَوْلُهُ : خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِي يَحْتَمِلُ بِالْبَيْعِ وَبِالْعِتْقِ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّك وَفَّيْت بِالْخِدْمَةِ فَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك بِاللَّوْمِ ، وَالْعُقُوبَةِ وَيَحْتَمِلُ لِأَنَّك مُعْتَقٌ وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : قَدْ أَطْلَقْتُك وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي زَوَالَ الْيَدِ وَقَدْ نَزَلَ يَدُهُ عَنْهَا بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مِثْلُ خَلَّيْت سَبِيلَك ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : طَلَّقْتُك وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُزِيلُ الْيَدَ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَالرِّقُّ يَجْتَمِعُ مَعَ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ جَارِيَةً قَدْ وَطِئَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا فَلَمْ يَكُنْ التَّحْرِيمُ دَلَالَةً عَلَى الْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ : فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ لِمَا ذَكَرْنَا .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَالَ : لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ ) لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا يَدَ لِي عَلَيْك بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : لَا سَبِيلَ عَلَيْك وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ أَنَّهُ يَعْتِقُ لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا إنَّمَا يَكُونُ بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا فَلِهَذَا يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ وَإِنْ قَالَ : لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إلَّا سَبِيلَ الْوَلَاءِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَرْفِهِ عَنْ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى السَّبِيلَ عَنْهُ وَأَثْبَتَ الْوَلَاءَ ، وَالْوَلَاءُ يَقْتَضِي الْحُرِّيَّةَ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا قَالَ : عِتْقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ لَا يَعْتِقُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَالَ : هَذَا ابْنِي وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ عَتَقَ ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : هَذِهِ بِنْتِي أَوْ أُمِّي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : هَذَا أَبِي أَوْ عَمِّي أَوْ خَالِي فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ يَقَعُ بِهَا الْعِتْقُ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فَإِنْ قَالَ : نَوَيْت بِهِ الْكَذِبَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ، وَقَوْلُهُ : وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَعْتِقُ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَيَعْتِقُ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ أَيْ لَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا ، وَقِيلَ احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ مَنْ لَا يُولَدُ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : هَذَا أَبِي وَمِثْلُهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ : هَذَا ابْنِي مِنْ الزِّنَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَلَوْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْأَخُ لِلْأُمِّ عَتَقَ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَمْلُوكُ وَلَدَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَإِنْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ سَيِّدِهِ عَتَقَ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَاشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَعْتِقُ عِنْدَهُمَا فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَمْ يَعْتِقْ إجْمَاعًا فَإِنْ اشْتَرَتْ الْمُكَاتَبَةُ ابْنَهَا مِنْ سَيِّدِهَا عَتَقَ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : هَذَا ابْنَتِي قِيلَ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ وَقِيلَ : لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا .
قَوْلُهُ : ( أَوْ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : هَذِهِ مَوْلَاتِي وَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ الْكَذِبَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ثُمَّ فِي قَوْلِهِ هَذَا مَوْلَايَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَكَذَا يَا مَوْلَايَ لِأَنَّ النِّدَاءَ بِالصَّرِيحِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَقَوْلِهِ : يَا حُرُّ وَيَا عَتِيقُ ثُمَّ الْحُرِّيَّةُ لَا تَقَعُ بِالنِّدَاءِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يَا مَوْلَايَ فَإِنْ قَالَ : يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي لَا يَعْتِقُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعَادَةِ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِكْرَامِ ، وَالشَّفَقَةِ وَلَا يُرَادُ بِهِ إلَّا تَحْقِيقَ وَإِنْ قَالَ : يَا ابْنُ بِالضَّمِّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَالَ لِغُلَامٍ لَهُ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي عَتَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ ، وَالْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ هَذَا أَبِي أَوْ جَدِّي أَوْ هَذِهِ أُمِّي كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي عَلَى الْخِلَافِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ إجْمَاعًا وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ أَمَّا وُقُوعُ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بِأَنْ وَطِئَ بِزِنًا أَوْ بِشُبْهَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ عَتَقَ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمُمْكِنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ فَقُبِلَ إقْرَارُهُ وَقَوْلُنَا وَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَالَ هَذَا أَخِي وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ صَبِيٌّ : هَذَا جَدِّي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُوجِبٌ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ الْأَبُ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي كَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ ، وَالْبُنُوَّةِ لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا أَخِي لَا يَعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذِهِ بِنْتِي قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : أَنْتِ حُرٌّ عَتَقَ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ وَهِيَ تُولَدُ لِمِثْلِهِ أَوْ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ : هَذِهِ بِنْتِي لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بِذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَنْوِي الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَعْتِقْ ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الْعِتْقُ وَإِنْ نَوَاهُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ تُخَمَّرِي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ ، وَالطَّلَاقُ رَفَعَ الْقَيْدَ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِقَ بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَى فَيَقْدِرُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى ، وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَمَّا هُوَ فَوْقَهُ فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْإِعْتَاقِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ مِثْلَ الْحُرِّ لَمْ يَعْتِقْ ) يَعْنِي ، وَلَوْ نَوَى كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَالَ : مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ لِلْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ، وَفِي إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ .
وَإِنْ قَالَ : مَا أَنْتَ إلَّا مِثْلَ الْحُرِّ لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ قَالَ : كُلُّ مَالِي حُرٌّ ، وَلَهُ عَبِيدٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَإِنْ قَالَ : عَبِيدُ الدُّنْيَا كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ قَالَ : أَوْلَادُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ ، وَلَوْ قَالَ لِثَوْبٍ خَاطَهُ مَمْلُوكُهُ هَذِهِ خِيَاطَةُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّشْبِيهَ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إذَا شَتَمْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهُ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيك لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَتْمٍ بَلْ هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَالْبَهِيمَةِ أَوْ الْحَائِطِ أَوْ السَّارِيَةِ فَقَالَ : عَبْدِي حُرٌّ وَهَذَا أَوْ قَالَ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَا لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ إجْمَاعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ عَبْدَ الْغَيْرِ يُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ جِهَةِ مَوْلَاهُ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْقَعَ حُرِّيَّةً مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ أَمَةٍ حَيَّةٍ وَأَمَةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ : أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ هَذِهِ أَوْ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ لَمْ تَعْتِقْ أَمَتُهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ تُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ فَيُقَالُ مَاتَتْ حُرَّةً وَمَاتَتْ أَمَةً فَلَا تَخْتَصُّ الْحُرِّيَّةُ بِأَمَتِهِ وَإِنْ قَالَ لِجِدَارٍ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَبْدِي عَتَقَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ خَيَّرَ نَفْسَهُ فِيهِمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْعَبْدِ أَوْ الْحَائِطِ .
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ حُرٍّ فَقَالَ : أَحَدُكُمَا لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ
إلَّا بِالنِّيَّةِ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَجِئْ غَدٌ وَإِنْ قَالَ الْيَوْمَ وَغَدًا عَتَقَ الْيَوْمَ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَوْ غَدٍ فَقَدْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ لَا فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَوْ أَوْقَعْنَاهُ فِي الْيَوْمِ كَانَ وَاقِعًا فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ الْيَوْمَ عَتَقَ غَدًا ، وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَغَدًا فَقَدْ أَوْقَعَهُ فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا فَإِذَا وَقَعَ فِي الْيَوْمِ كَانَ وَاقِعًا فِي الْغَدِ وَإِذَا وَقَعَ فِي الْغَدِ لَا يَكُونُ وَاقِعًا فِي الْيَوْمِ وَإِذَا قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَقْدَمَا جَمِيعًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ كَمَالِهِ وَكَمَالُهُ آخِرُهُ وَإِنْ قَالَ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ فَقَدِمَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِهِمَا وَقَدْ وُجِدَ وَإِذَا قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ عَتَقَ وَإِذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ لَا لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ فِعْلٍ وَوَقْتٍ وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ أَوْ فَإِنْ وُجِدَ الْفِعْلُ أَوَّلًا يَقَعُ وَإِنْ وُجِدَ الْوَقْتُ أَوَّلًا لَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ الْفِعْلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَعَلَّقُ بِأَسْبَقِهِمَا وُجُودًا .
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا تَطْلُقُ فِي الْيَوْمِ وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ فِي الْغَدِ إلَّا إذَا قَالَ : عَنَيْت فِي الْغَدِ أُخْرَى ، وَلَوْ قَالَ غَدًا ، وَالْيَوْمَ طَلُقَتْ فِي الْيَوْمِ وَاحِدَةً ، وَفِي الْغَدِ أُخْرَى لِأَنَّ عَطْفَ الْيَوْمِ عَلَى الْغَدِ لَا يَصِحُّ فَكَانَ ذَلِكَ لِلِاسْتِئْنَافِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ ) سَوَاءٌ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ أَوْ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لِأَنَّ عِتْقَهُمْ بِالْمِلْكِ وَمِلْكُ هَؤُلَاءِ صَحِيحٌ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا إذَا مَلَكَ الْحَرْبِيُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعْتِقُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعْتِقُ ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ عَتَقَ إجْمَاعًا ، وَلَوْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ هُنَاكَ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا لَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ بِالْقَوْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَمْلُوكُ وَلَدَهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَإِنْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ عَتَقَ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَلَكَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَاشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَعْتِقُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ الْمُكَاتَبِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ : نِصْفُك حُرٌّ أَوْ ثُلُثُك أَوْ رُبْعُك فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ جُزْءًا مَجْهُولًا كَمَا إذَا قَالَ : بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك حُرٌّ فَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ وَإِنْ قَالَ : سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْتِقُ سُدُسُهُ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَعْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ، وَالِاسْتِيلَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ أَوْ هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ ، وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ وَحَقُّ التَّصَرُّفِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُتَصَرِّفِ وَهُوَ إزَالَةُ حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ .
قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى : الْإِعْتَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ مُتَجَزِّئٌ ثُبُوتًا وَزَوَالًا لِمَا عُرِفَ فِي بَيْعِ النِّصْفِ وَشِرَاءِ النِّصْفِ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ يَظْهَرُ بِهَا سُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ وَنَفَاذُ الْوِلَايَةِ ، وَالشَّهَادَةِ ، وَالْقُوَّةُ لَا تَتَجَزَّأُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشَّخْصِ قَوِيًّا وَبَعْضُهُ ضَعِيفًا وَهَذَا كَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهَا مُتَجَزِّئَةٌ
وَيَتَعَلَّقُ بِهَا إبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَكَذَلِكَ عَدَدُ الطَّلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ فَلَا يَزُولُ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ لِأَنَّ سُقُوطَ الرِّقِّ وَثُبُوتَ الْعِتْقِ حُكْمٌ بِسُقُوطِ كُلِّ الْمِلْكِ فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ فَقَدْ وُجِدَ شَطْرُ عِلَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَكُونُ حُرًّا أَصْلًا فِي شَهَادَاتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُكَاتَبٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ إلَّا أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ قَصْدًا لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّ الْعَبْدِ ، وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ لِأَنَّ ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَيْهِ لِلْمُجَازَاةِ عَلَى الِاسْتِنْكَافِ عَنْ السَّلَامِ ، وَعَنْ الِانْقِيَادِ ، وَالتَّعَبُّدِ لِلَّهِ تَعَالَى فَجُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِضَرْبِ الرِّقِّ عَلَيْهِ ، وَالْجَزَاءُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ قَصْدًا وَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ ضِمْنًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ تَعَدَّى إلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَإِزَالَةُ الرِّقِّ كَالْإِعْلَامِ إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَإِزَالَةُ الْجَهْلِ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ لِأَنَّ الرِّقَّ عُقُوبَةٌ ، وَالْعُقُوبَةُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهَا عَلَى النِّصْفِ لِأَنَّ الذَّنْبَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا أُثْبِتَ بَعْضُهُ ثَبَتَ كُلُّهُ كَالطَّلَاقِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمِلْكَ مُتَجَزِّئٌ إجْمَاعًا ، وَالْإِعْتَاقَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ أَمَّا إثْبَاتُ الْعِتْقِ فَعِنْدَهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ قَصْدًا ، وَالرِّقِّ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَعِنْدَهُمَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَيُزِيلُ الرِّقَّ قَصْدًا ، وَالْمِلْكَ تَبَعًا فَأَحْكِمْ هَذَا الْأَصْلَ وَاحْفَظْهُ ، فَفِيهِ فِقْهٌ كَثِيرٌ ، وَقَوْلُهُ :
عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِغَيْرِ سِعَايَةٍ .
وَقَوْلُهُ : وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ إمَّا إلَى الْمُعْتَقِ إذَا ضَمِنَ وَإِمَّا إلَى الْآخَرِ إذَا اخْتَارَ السِّعَايَةَ لِأَنَّ الرِّقَّ بَاقٍ وَإِنَّمَا يَسْعَى لِتَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَتَزَوَّجُ وَلَهُ خِيَارُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُ الْمُكَاتَبَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلسِّعَايَةِ وُقُوعُ الْحُرِّيَّةِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ بَعْدَ الْعَجْزِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ حُرٍّ مَدْيُونٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ وُقُوعٌ فِي جَمِيعِهِ وَإِنَّمَا يُؤَدِّي دَيْنَهُ مَعَ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ ثُمَّ الْمُسْتَسْعَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ كُلُّ مَنْ يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ وَكُلُّ مَنْ يَسْعَى فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ الَّذِي لَزِمَهُ بِالْعِتْقِ فَهُوَ كَالْحُرِّ فِي أَحْكَامِهِ وَكَالْمَرْهُونِ ، وَالْمَأْذُونِ إذَا أَعْتَقَا وَعَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ ، وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَأَبَتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ ) يَعْنِي إذَا قَالَ : نَصِيبِي مِنْك حُرّ أَوْ قَالَ : نِصْفُك حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَمَّا إذَا قَالَ نَصِيبُ صَاحِبِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ) الْمُعْتِقُ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَلِشَرِيكِهِ ثَلَاثُ خِيَارَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : إنْ شَاءَ أَعْتَقَ كَمَا أَعْتَقَ شَرِيكُهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ الْإِعْتَاقُ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ أَوْ يَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ وَمَتَى ضَمِنَهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلضَّامِنِ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ حِينَ يَمْلِكُهُ بِالضَّمَانِ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَيُّ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَ الشَّرِيكُ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ السِّعَايَةِ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ) وَلَيْسَ لَهُ التَّضْمِينُ ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ أَوْ السِّعَايَةِ مَعَ الْإِعْسَارِ ) لِأَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَقَدْ وَجَبَ لَهُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلَّذِي لَمْ يَعْتِقْ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ مَعَ يَسَارِ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُمَا ثُمَّ إذَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا السِّعَايَةُ ، وَالْوَلَاءُ فِي
الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا عَلَى قَوْلِهِمَا لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ وَانْتَقَلَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إلَيْهِ وَيَعْنِي بِالْوَجْهَيْنِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ سَعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ لَا لِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَى الْمُعْتِقِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعُسْرَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ، وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي رَقَبَةٍ قَدْ فُكَّتْ أَوْ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الثَّانِي بَعْدَهُ فَلِلثَّالِثِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ مُوسِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِيُسَاوِيَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ النَّقْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْوَلَاءِ ، وَالْوَلَاءُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْأَوَّلِ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَعْتِقَ لِأَنَّ السَّهْمَ انْتَقَلَ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُضَمِّنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ الثَّانِيَ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَقَدْ قَامَ هَذَا مَقَامَهُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا لَمَّا أَعْتَقَ الْأَوَّلُ عَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ فَعِتْقُ الثَّانِي بَاطِلٌ ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْيَسَارِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مَالِكًا لِمِقْدَارِ قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ أَوْ الْعُرُوضِ مِقْدَارُ قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُهُ وَهُوَ الْمُعْسِرُ الْمُرَادُ بِالْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِ الْعَبْدِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي الضَّمَانِ ،
وَالسِّعَايَةِ يَوْمَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ سَبَبُ الضَّمَانِ وَكَذَا حَالُ الْمُعْتِقِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ أَيْضًا يَوْمَ الْعِتْقِ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) سَوَاءٌ عَلِمَ الْآخَرُ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثَاهُ ) يَعْنِي يَعْتِقُ نَصِيبَ الْأَبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ ) وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي الشِّرَاءِ يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ أَبِيهِ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَأَمَّا فِي الْإِرْثِ فَلَا يَضْمَنُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِيهِ السِّعَايَةُ لَا غَيْرُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَلَكَاهُ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَعِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي نَصِيبِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَقَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثَاهُ صُورَتُهُ امْرَأَةٌ اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَعَنْ أَخِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ لِلرَّجُلَيْنِ ابْنُ عَمٍّ وَلِابْنِ الْعَمِّ جَارِيَةٌ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الْعَمِّ عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِالْحُرِّيَّةِ سَعَى الْعَبْدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّ لَهُ الضَّمَانَ أَوْ السِّعَايَةَ وَقَدْ تَعَذَّرَ الضَّمَانُ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ فَبَقِيَتْ السِّعَايَةُ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْيَسَارِ ، وَالْإِعْسَارِ ، وَفِي السِّعَايَةِ ، وَالْوَلَاءِ لَهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ عِتْقُ نَصِيبِ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ ، وَعِتْقُ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ
وَوَلَاؤُهُ لِي .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا ) لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ السِّعَايَةَ لَا تَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ فَوُجُودُ الْيَسَارِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْرَاءٌ لِلْعَبْدِ مِنْ السِّعَايَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا ، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ وَلَمْ يَسْعَ لِلْمُعْسِرِ ) لِأَنَّ الْمُوسِرَ يَقُولُ : لَا ضَمَانَ لِي عَلَى شَرِيكِي لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا وَلِي السِّعَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ وَأَمَّا الْمُعْسِرُ فَيَقُولُ : إنَّ الْعِتْقَ أَوْجَبَ لِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِي وَأَسْقَطَ السِّعَايَةَ عَنْ الْعَبْدِ فَكَانَ مُبَرِّئًا لَهُ وَيَعْتَقِدُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى شَرِيكِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الشَّرِيكِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِالسِّعَايَةِ لِإِبْرَائِهِ مِنْهَا ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يَتَبَرَّأُ مِنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى لِمَ إعْتَاقُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ ؟ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ حُرٌّ حِينَ شَهِدَ الْمَوْلَيَانِ وَتَعَذُّرُ السِّعَايَةِ عِنْدَهُمَا لَا يَمْنَعُ الْحُرِّيَّةَ فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَلَمْ يَشْهَدْ الْآخَرُ جَازَ إقْرَارُ الشَّاهِدِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَجُزْ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الْعِتْقَ فِي نَصِيبِهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا السِّعَايَةُ فَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ ، وَالْإِعْسَارِ فِي زَعْمِ الشَّاهِدِ أَنَّ الشَّرِيكَ قَدْ أَعْتَقَهُ وَأَنَّ لَهُ الضَّمَانَ أَوْ السِّعَايَةَ وَقَدْ تَعَذَّرَ الضَّمَانُ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَبَقِيَتْ السِّعَايَةُ ، وَأَمَّا الْمُنْكِرُ فَفِي زَعْمِهِ أَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ
بِإِقْرَارِ شَرِيكِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : السِّعَايَةُ لَا تَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ فَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُوسِرًا فَلَا سِعَايَةَ لِلشَّاهِدِ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ وَلَا حَقَّ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ فَقَدْ أَبْرَأ الْعَبْدَ مِنْ السِّعَايَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُعْسِرًا فَلِلشَّاهِدِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ لِأَنَّ السِّعَايَةَ تَثْبُتُ مَعَ الْإِعْسَارِ وَأَمَّا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَيُسْتَسْعَى بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ السِّعَايَةِ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : الْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَزْعُمُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِشَرِيكِهِ وَشَرِيكُهُ يَجْحَدُ فَلِهَذَا وَقَفَ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ ) إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ كَفَرَ ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
قَوْلُهُ : ( وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ ، وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ ) كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُكْرِهِ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَكَذَا إذَا قَالَ : إذَا شَاءَ هَذَا الْحَائِطُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَعْتِقْ ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قَالَ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ كَمَا يَصِحُّ فِي الطَّلَاقِ ) فَالْإِضَافَةُ إلَى الشَّرْطِ مِثْلُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ إلَّا فِي التَّدْبِيرِ خَاصَّةً وَإِذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا : لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ إذَا أَعْتَقْت فَمَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَعْتَقَ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْحُرِّيَّةَ إلَى مِلْكٍ صَحِيحٍ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَمْلِكُهُ يَوْمَ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَلَا يَعْتِقُ مَنْ اسْتَقْبَلَ مِلْكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ : إذَا اشْتَرَيْت مَمْلُوكَيْنِ فَهُمَا حُرَّانِ فَاشْتَرَى أَمَةً حَامِلًا لَمْ يَعْتِقَا ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي غَيْرَك حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَمْلُهَا لِأَنَّ اسْمَ الْمَمْلُوكِ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَمَالِيكِهِ ، وَلَوْ قَالَ إنَّ عَبْدًا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ نَسَمَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَإِنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الشَّاةَ فَهِيَ هَدْيٌ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنْ اشْتَرَيْتهَا بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ ) لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ لَيْسَ مُسْتَأْمَنًا فِي تِجَارَةٍ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَأَسْلَمَ بَاعَهُ الْإِمَامُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّا أَمَّنَّاهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبْقِيَتُهُ عَلَى مِلْكِ الْكَافِرِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَذَلَّةِ اسْتِرْقَاقِ الْكَافِرِ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ مَوْلَاهُ حَاضِرًا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ فَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا أَعْتَقَ جَارِيَةً حَامِلًا عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا لِاتِّصَالِهِ بِهَا ، وَلَوْ أَنَّ جَارِيَةً مُوصًى بِهَا لِرَجُلٍ وَبِحَمْلِهَا الْآخَرِ فَأَعْتَقَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ الْأُمَّ عَتَقَ الْحَمْلُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ خَاصَّةً عَتَقَ وَلَمْ تَعْتِقْ الْأُمُّ ) يَعْنِي إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا وُجُودَهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَمْ يَعْتِقْ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ فَلَا تَعْتِقُ بِالشَّكِّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ وَجَاءَتْ بِهِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهَا عَتَقَا جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ وَإِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ : إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ مِثْلُ أَنْ تَلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ يَبِيعَهَا فَتَلِدَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا يَعْتِقُ .
وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ : إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ وَلَدًا حَيًّا فَإِنَّ الثَّانِيَ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ شَرْطَ الْيَمِينِ وُجُودُ الْأَوَّلِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِوَضْعِهِ وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ عَلَى الثَّانِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ إلَّا عَلَى حَيٍّ وَاسْتَحَالَ وُقُوعُهُ عَلَى الْمَيِّتِ صَارَتْ الْحَيَاةُ مَشْرُوطَةً فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ بَعْدَهُ عَبْدٌ حَيٌّ عَتَقَ الْحَيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ الْحَيُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ وَيَعْتِقُ
الْحَيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَبْدَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ الرِّقُّ ، وَالرِّقُّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَلَيْسَ هَذَا بِعَبْدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَعْتِقُ الثَّانِي وَإِنْ قَالَ : إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا عَتَقَتْ وَطَلَقَتْ الْمَرْأَةُ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ يَقُولُ الْوَلَدُ : الْمَيِّتُ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِوَلَدٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدِهِ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يَرِثُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَوُقُوعُ الْعِتْقِ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلَمْ يَكُنْ وَلَدًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ وَلَدًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ الَّذِي عَلَّقَ عِتْقَهُ بِوِلَادَتِهِ وَلَا يُقَالُ فَهَلَّا كَانَ وَلَدًا فِي حَقِّ الثَّانِي حَتَّى لَا يَعْتِقَ قُلْنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّ الثَّانِي أَنْ لَا يَعْتِقَ وَإِنَّمَا حَقُّهُ أَنْ يَعْتِقَ ، وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِمَا فِي بَطْنِ هَذِهِ فَوَلَدَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا كَانَ جَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لِلْحَيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك ذَكَرًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مَا " عَامَّةٌ فَتَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَرًا .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ وَإِنْ قَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْمَالُ وَصَارَ مَأْذُونًا ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ تَجِينِي بِهَا فَقَبِلَ الْعَبْدُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَعَتَقَ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهَا بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَقَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ ، وَالْعُرُوضِ ، وَالْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ وَكَذَا الْمَكِيلُ ، وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ الْوَصْفِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ وَأَمَّا إذَا كَثُرَتْ الْجَهَالَةُ بِأَنْ قَالَتْ : أَنْتَ حُرٌّ عَلَى ثَوْبٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَصِيرُ مَأْذُونًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِذَا مَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ حَيْثُ أَدَّيْت فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَلَا يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ فَلَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا لِأَنَّهُ رَغْبَةٌ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا لَمْ يَقْبَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيُؤَدِّ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْأُولَى وَيُؤَدِّيَ فِي الثَّانِيَةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَكَانَ الْعَبْدُ
رَقِيقًا كَمَا إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَمَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَيَعْتِقُ بِالْقَبُولِ قَبْلَ أَدَاءِ الْمَالِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَفِي غَيْرِهَا أَنَّهُ يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ قَبْضِهِ ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبْضِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَإِنْ أَبْرَأهُ الْمَوْلَى عَنْ الْبَعْضِ أَوْ عَنْ الْكُلِّ لَا يَبْرَأُ أَوْ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ، وَلَوْ أَدَّى الْعَبْدُ الْمَالَ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ عَتَقَ وَكَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ وُجُودُ الْأَدَاءِ وَقَدْ وُجِدَ فَعَتَقَ بِهِ وَإِنَّمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ مَالُ الْمَوْلَى فَإِذَا أَدَّاهُ صَارَ كَأَنَّهُ أَدَّى مَالًا مَغْصُوبًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ لِلْعَبْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت فَيَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ .
وَفِي قَوْلِهِ : إذَا أَدَّيْت لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ مَتَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ : أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا أَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ فِي الْحَالِ أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ وَإِنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ قِيلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي أَرْبَعَ سِنِينَ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْخِدْمَةِ
بَطَلَتْ الْخِدْمَةُ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَدَمَهُ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَةِ نَفْسِهِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَةُ خِدْمَةِ ثَلَاثِ سِنِينَ وَكَذَا لَوْ مَاتَ تَرَكَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ مَالًا يُقْضَى فِي مَالِهِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقِيمَةِ الْخِدْمَةِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَعِنْد مُحَمَّدٍ بِقِيمَةِ الْجَارِيَة ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّه بَطَل الِاسْتِثْنَاء وَعَتَقَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَقَعَتْ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي لَغْوٌ فَفَصَلَ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ ، وَالِاسْتِثْنَاءِ كَالسُّكُوتِ وَعِنْدَهُمَا الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ وَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ لِلَّهِ إنْ شَاءَ اللَّه ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَقَالَ : أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ عَتَقَ كُلُّهُمْ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ عَتَقَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَوْقَعَ الْعِتْقَ الثَّانِي عَلَى عَبْدَيْنِ فَعَتَقَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا وَاحِدٌ فَيَعْتِقُ بِاللَّفْظِ الثَّالِثِ ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ حُرٌّ أَحَدُكُمْ حُرٌّ أَحَدُكُمْ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا وَاحِدٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ عَتَقَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدَيْنِ .
فَقَالَ : أَحَدُكُمْ حُرٌّ فَلَمْ يَعْتِقْ بِاللَّفْظِ الثَّانِي ، وَالثَّالِثُ حُكْمٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ .
( مَسْأَلَةٌ ) رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَقَالَ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ أَحَدُهُمَا وَثَبَتَ الْآخَرُ ثُمَّ دَخَلَ الثَّالِثُ فَقَالَ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ فَمَا دَامَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : كَذَلِكَ إلَّا فِي الدَّاخِلِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبْعَهُ أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبْعًا آخَرَ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الدَّاخِلِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الثَّابِتَ قَدْ كَانَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَشَاعَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي فِي نِصْفَيْهِ فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحِقَّ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لَغَا وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ يَبْقَى فَيَكُونُ لَهُ الرُّبْعُ فَتَمَّ لَهُ ثَلَاثُ أَرْبَاعٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي عَتَقَ نِصْفُهُ الْبَاقِي ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ فَيَتَنَصَّفُ فَيَعْتِقُ مِنْهُ الرُّبْعُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي ، وَالنِّصْفُ بِالْأَوَّلِ وَلِلدَّاخِلِ نِصْفُ حُرِّيَّةٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِي حَالٍ وَلَا يَعْتِقُ فِي حَالٍ ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَيَقِلُّ لِمَا دَارِ الْإِيجَابِ بَيْنَ الثَّابِتِ ، وَالدَّاخِلِ وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتُ مِنْهُ الرُّبْعَ .
فَكَذَا يُصِيبُ الدَّاخِلُ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا وَقَضِيَّتُهُ التَّنْصِيفُ وَإِنَّمَا نَزَلَ إلَى الرُّبْعِ فِي حَقِّ الثَّابِتِ لِاسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلدَّاخِلِ مِنْ قَبْلُ فَيَثْبُتُ فِيهِ النِّصْفُ وَإِنْ شِئْت قُلْت فِي الِاحْتِجَاجِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَ
الصِّحَّةِ ، وَالْفَسَادِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلَ الْخَارِجَ صَحَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الثَّابِتَ لَا يَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ عَبْدٍ وَحُرٍّ ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَا مَحَالَةَ أَفَادَ حُرِّيَّةَ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ وَإِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الصِّحَّةِ ، وَالْفَسَادِ يُفِيدُ حُرِّيَّةَ نِصْفِ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا فَأَصَابَ الدَّاخِلُ نِصْفَ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ الثَّابِتُ فِي الْإِيجَابِ الثَّانِي الرُّبْعَ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا يُصِيبُ الدَّاخِلُ الرُّبْعَ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ ضَرَبُوهُ فِي الثُّلُثِ بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقُّوا وَيُقْسَمُ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا وَمَعْنَاهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ فَيُضْرَبُ الثَّابِتُ فِي رَقَبَتِهِ بِثَلَاثَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّاخِلِ ، وَالْخَارِجِ بِسَهْمَيْنِ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ وَمِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ ، وَالْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَيَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ سِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفَ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهِ وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ سُبْعَاهُ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْبَاعِهِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سِتَّةٍ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَهُ مِنْ الدَّاخِلِ سَهْمٌ وَمِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَلِلْوَرَثَةِ مِثْلُ ذَلِكَ فَيَكُونُ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَتُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةً فَيُضْرَبُ الثَّابِتُ فِيهَا بِثَلَاثَةٍ فَيَسْتَحِقُّ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْخَارِجُ ثُلُثَ رَقَبَةٍ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ
وَيَسْتَحِقُّ الدَّاخِلُ سُدُسَ رَقَبَةٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ .
( قَوْلُهُ : وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ ) لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى وَهَذَا إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى .
قَوْلُهُ : ( وَوَلَدُهَا مِنْ زَوْجِهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا ) لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَ بِهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ .
قَوْلُهُ : ( وَوَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ الْعَبْدِ حُرٌّ ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا .
( مَسَائِلُ ) إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ، وَالْعَبْدُ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ أَمَةٌ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى إجْمَاعًا وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ ، وَالْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ يَشْتَمِلُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ وَعَلَى حُقُوقِ الْعَبْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّتُهُ وَدَفْعُ الْقَهْرِ عَنْهُ لَكِنَّهُمَا قَالَا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا فِيهِ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ، وَالْأُضْحِيَّةِ وَإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا ، وَالشَّهَادَةُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِتْقِ نَفْعُ الْعَبْدِ فَلَا يُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا فِي دَعْوَى الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفُرُوجِ وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ .
إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ دَخَلَهَا لَا يَعْتِقُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ لَا يَعْتِقُ ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ وَكَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ طَلَقَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( كِتَابُ التَّدْبِيرِ ) التَّدْبِيرُ هُوَ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ يَذْكُرُ صَرِيحَ التَّدْبِيرِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ مِثَالُهُ : إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي ، وَيُقَالُ التَّدْبِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْلِيقِ الْمَوْلَى عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْطٍ مُتَحَقِّقٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ الْمَوْتُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَيَقَعُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ لَهُ بِرَقَبَتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتُكَ فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا تَمْلِيكُهُ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي إثْبَاتَ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ عِنْدَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي وَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَكَانَ الْمَوْتِ الْوَفَاةَ أَوْ الْهَلَاكَ وَكَذَا إذَا قَالَ : إنْ مِتّ أَوْ مَتَى مِتّ ثُمَّ التَّدْبِيرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ فَالْمُطْلَقُ مَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ شَيْءٍ إلَيْهِ مِثْلُ دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَوْصَيْت لَك بِرَقَبَتِك أَوْ بِثُلُثِ مَالِي فَتَدْخُلُ رَقَبَتُهُ فِيهِ ، وَالْمُقَيَّدُ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ مِثْلُ : إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ فِي سَفَرِي هَذَا أَوْ غَرِقْت أَوْ قُتِلْت قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ : إنْ مِتّ وَدُفِنْت أَوْ غُسِّلْت أَوْ كُفِّنْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَبِمَعْنًى آخَرَ ، وَالتَّدْبِيرُ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَمَوْتِي فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوَّلًا فَهُوَ مُدَبَّرٌ لِأَنَّهُ وُجِدَ أَحَدُ
الشَّرْطَيْنِ فِي مِلْكِهِ ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي مَوْتُ الْمَوْلَى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ لَا لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَلَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الشَّرْطَ الثَّانِيَ وُجِدَ بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ قَبْلَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْحُرِّيَّةَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ الرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُؤَاجِرَهُ ) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَمْنَعُ الِاسْتِخْدَامَ ، وَالْإِجَارَةَ فَكَذَا التَّدْبِيرُ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحُرِّ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمُدَبَّرِ كَالْإِجَارَةِ ، وَالِاسْتِخْدَامِ ، وَالْوَطْءِ فِي الْأَمَةِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَجُوزُ فِي الْحُرِّ لَا يَجُوزُ فِي الْمُدَبَّرِ إلَّا الْكِتَابَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ الْمُدَبَّرَ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَطِئَهَا ) لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فِيهَا .
( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا ) لِأَنَّ مَنَافِعَ بَعْضِهَا عَلَى مِلْكِهِ فَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَخْذِ الْعِوَضِ قَالُوا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا لِأَنَّ وَطْأَهَا عَلَى مِلْكِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَيَسْتَوِي فِيهِ التَّدْبِيرُ الْمُطْلَقُ ، وَالْمُقَيَّدُ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَا إذَا زَالَ مِلْكُ الْمَوْلَى عَنْ الْمُدَبَّرِ بِغَيْرِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِثْلُ أَنْ يَرْتَدَّ وَيَلْحَقَ فَيُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَوْتِ قَوْلُهُ : ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ) لِأَنَّ عِتْقَهُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا عَتَقَ ثُلُثُهُ سَعَى فِي ثُلُثَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَ عَلَى الْوَلِيِّ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ سَعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِغُرَمَائِهِ ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ قُلْنَا لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ ، وَالدَّيْنُ مَنَعَ الْوَصِيَّةَ إلَّا أَنَّ تَدْبِيرَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَمَنْ دَبَّرَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ يَتَبَعَّضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْعِتْقِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا فِي الْعِتْقِ عِنْدَهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلِشَرِيكِهِ خَمْسُ خِيَارَاتٍ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ وَيَكُونُ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَسَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْبَاقِي إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَخْذِ السِّعَايَةِ حِينَئِذٍ تَبْطُلُ السِّعَايَةُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُدَبَّرُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَيَكُونُ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّ الشَّرِيكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ فَلَمَّا ضَمِنَ شَرِيكَهُ قَامَ مَقَامَهُ فِيمَا كَانَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ
وَسَعَى الْعَبْدُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَامِلًا لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ كَانَ غَيْرَ مُدَبَّرٍ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِأَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ فَإِذَا أَدَّى السِّعَايَةَ عَتَقَ ذَلِكَ النِّصْفُ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ فَيَسْتَسْعِيَهُ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ كُلُّهُ وَإِذَا مَاتَ الْمُدَبِّرُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ السِّعَايَةَ بَطَلَتْ السِّعَايَةُ وَعَتَقَ ذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا مَاتَ يَكُونُ نَصِيبُهُ مَوْرُوثًا لِوَرَثَتِهِ وَيَكُونُ لَهُمْ الْخِيَارُ فِي الْعِتْقِ ، وَالسِّعَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ عَتَقَ ذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ الثُّلُثِ وَلِغَيْرِ الْمُدَبِّرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَبِّرُ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلشَّرِيكِ أَرْبَعُ خِيَارَاتٍ وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ إنْ شَاءَ دَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ .
هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا قَدْ صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَبَعَّضُ فَقَدْ صَارَ جَمِيعُهُ مُدَبَّرًا وَانْتَقَلَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إلَيْهِ فَضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ ضَمَانَ النَّقْلِ لَا يَخْتَلِفُ الْيَسَارُ ، وَالْإِعْسَارُ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ .
قَوْلُهُ : ( وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ) لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِأُمِّهِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ : إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مِنْ مَرَضِ كَذَا ) فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَتَقَ كَمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ ) يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ عَلَى مَوْلَاهُ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مَعَ مَوْلَاهُ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ وَهِيَ لَا تُسَلَّمُ لِلْقَاتِلِ إلَّا أَنَّ فَسْخَ الْعِتْقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَصِحُّ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَجَّلُوا الْقِصَاصَ ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَوْفُوا السِّعَايَةَ ثُمَّ قَتَلُوهُ وَلَا يَكُونُ اخْتِيَارُ السِّعَايَةِ مُسْقِطًا لِلْقِصَاصِ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الرِّقِّ لَا عِوَضَ عَنْ الْمَقْتُولِ وَإِنْ قَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ وَكَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إلَّا أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى عَبِيدِ مَوْلَاهُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ كَذَا أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ إذَا قَتَلَ الْآخَرَ عَمْدًا وَهُمَا لِوَاحِدٍ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى عَبِيدِ مَوْلَاهُ خَطَأً فَهِيَ هَدَرٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ عَلَى مُدَبَّرِهِ دَيْنٌ وَكَذَا الْمَوْلَى إذَا جَنَى عَلَى مُدَبَّرِهِ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْقَتْلَ مَوْتٌ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ سِعَايَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ عِتْقَهَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَتَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا يَعْنِي إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا خَطَأً كَانَ رَدًّا
لِلْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بَابُ الِاسْتِيلَادِ ) .
الِاسْتِيلَادُ طَلَبُ الْوَلَدِ وَهُوَ فَرْعُ النَّسَبِ فَإِذَا ثَبَتَ الْأَصْلُ ثَبَتَ فَرْعُهُ فَكُلُّ مَمْلُوكَةٍ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكٍ لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَكَذَا إذَا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِ مَمْلُوكَةٍ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حِينِ مَلَكَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَقَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ سِقْطًا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ إذَا أَقَرَّ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْحَيِّ الْكَامِلِ الْخَلْقِ لِأَنَّ السِّقْطَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ بِدَلَالَةِ الْعِدَّةِ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ .
قَوْلُهُ : ( لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا وَلَا هِبَتُهَا ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِهَا أَمَّا لَوْ بَاعَهَا مِنْ نَفْسِهَا جَازَ وَتَعْتِقُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ رَقَبَتِهَا بِبَيْعِهَا وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِيهَا .
قَوْلُهُ : ( وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا ) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا قَائِمٌ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ ) قَالَ أَصْحَابُنَا : إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَنْفِيَهُ وَيَجِبُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْهُ وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحْصِنْهَا جَازَ لَهُ نَفْيُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاعْتِرَافُ بِالشَّكِّ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ
يَعْتِقَهَا فَإِذَا مَاتَ أَعْتَقَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِئَلَّا يُسْتَرَقَّ بِالشَّكِّ ، وَمَنْ تَزَوَّجَ مَمْلُوكَةَ غَيْرِهِ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَأَمَّا وَلَدُهَا الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ اسْتِيلَادِهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إذَا مَلَكَهُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ .
وَقَالَ زُفَرُ : إذَا مَلَكَهُ صَارَ ابْنَ أُمِّ وَلَدٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ الَّذِي تَجِيءُ بِهِ مِنْ الْغَيْرِ بَعْدَ مِلْكِ الْمَوْلَى إيَّاهَا فَهُوَ ابْنُ أُمِّ وَلَدٍ إجْمَاعًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ مِنْهُ ) مَعْنَاهُ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَفَاهُ انْتَفَى بِقَوْلِهِ : لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكَ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي وَلَدَهَا بِنَفْيِهِ إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأَكُّدِ فِرَاشِهَا .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ ) لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ ، وَالنَّسَبِ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَعْتِقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُهَا السِّعَايَةُ لِلْغُرَمَاءِ إذَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَا تَضْمَنَ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْعَى لِلْوَرَثَةِ ، وَلِلْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لِرَقَبَتِهَا لِأَنَّهَا لَا تَسْعَى لِلْوَرَثَةِ ؛ وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَهَا
أَحَدُهُمَا لَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا وَلَمْ تَسْعَ فِي نَصِيبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قَالَ فِي الْمُصَفَّى : قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُمَا ثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَةِ الْقِنِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا قِيمَةَ لِأُمِّ الْوَلَدِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ حَتَّى تُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ .
وَقَالَ زُفَرُ : تَعْتِقُ فِي الْحَالِ ، وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَرَضَ عَلَى الْمَوْلَى الْإِسْلَامَ فَأَبَى فَإِنْ أَسْلَمَ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا أَمَّا إذَا مَاتَ مَوْلَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ بِلَا سِعَايَةٍ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ) هَذَا عِنْدَنَا ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلَوْ زَنَى بِأَمَةِ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا الزَّانِي لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ فِيهِ لِلْوَلَدِ إلَى الزَّانِي وَإِنَّمَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ عَلَى الزَّانِي إذَا مَلَكَهُ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جُزْءُ غَيْرِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ) سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الِابْنُ أَوْ كَذَّبَهُ ادَّعَى الْأَبُ شُبْهَةً أَوْ لَمْ يَدَّعِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ حُرًّا مُسْلِمًا وَسَكَتَ الِابْنُ عَنْ دَعْوَى الْوَلَدِ أَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا وَابْنُهُ مُسْلِمًا لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ مِنْ الْأَبِ فَإِنْ ادَّعَاهُ الِابْنُ مَعَ أَبِيهِ فَالْوَلَدُ لِلِابْنِ ، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَذَكَرَ الْجَارِيَةَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِلتَّمْلِيكِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلِابْنِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ بِحَيْثُ لَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ فَدَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَلْزَمُ الْأَبَ الْعُقْرُ ثُمَّ دَعْوَتُهُ الْأَبَ إنَّمَا تَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ الِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى وَأَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةً مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ أَوْ عَبْدًا فَأُعْتِقَ لَا يَصِحُّ ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ دَعْوَةُ الْجَدِّ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ مِلْكِ الِابْنِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ فَادَّعَاهُ الْأَبُ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ لِزَوَالِ الْوِلَايَةِ عَنْ مَالِ الِابْنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الِابْنُ فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ فَادَّعَاهُ الْأَبُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ .
قَوْلُهُ : ( وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ) يَعْنِي الْأَبَ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّا نَقَلْنَاهَا إلَيْهِ مِنْ مِلْكِ الِابْنِ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَّا بِعِوَضٍ وَيَسْتَوِي الْيَسَارُ ، وَالْإِعْسَارُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ نَقْلٍ كَالْبَيْعِ وَتَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعُلُوقِ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ حِينَئِذٍ .
قَوْلُهُ : ( وَلَيْسَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَلَا قِيمَةُ
وَلَدِهَا ) أَمَّا عُقْرُهَا فَلِأَنَّا ضَمَّنَّاهُ قِيمَتَهَا وَهُوَ ضَمَانُ الْكُلِّ وَضَمَانُ الْعُقْرِ ضَمَانُ الْجُزْءِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَمَاتَ وَأَمَّا قِيمَةُ وَلَدِهَا فَلِأَنَّا نَقَلْنَا إلَيْهِ بِالْعُلُوقِ فَمَلَكَهَا حِينَئِذٍ فَصَارَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ ، وَالْوَلَدُ حُرُّ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْأُمَّ بِالضَّمَانِ حَصَلَ الْوَلَدُ حَادِثًا عَلَى مِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ الْعُقْرُ إذَا ذُكِرَ فِي الْحَرَائِرِ يُرَادُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِذَا ذُكِرَ فِي الْإِمَاءِ فَهُوَ عُشْرُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا كَذَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ مِنْ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَخْلُو مِنْ حَسَدٍ أَوْ مَهْرٍ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَبَقِيَ الْمَهْرُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّا نَقَلْنَاهُ إلَيْهِ مِنْ مِلْكِ وَلَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيجَابِ الْقِيمَةِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ وُلِدَ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِيهِ لَا يَصِحَّ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا وَطِئَ أَبٌ الْأَبِ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ حَالَ قِيَامِ الْأَبِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْجَدِّ كَمَا يَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ ) لِظُهُورِ وِلَايَتِهِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ وَكُفْرِ الْأَبِ وَرِقُّهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْوِلَايَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ نَصْرَانِيًّا ، وَالْجَدُّ ، وَالِابْنُ مُسْلِمَيْنِ صَحَّتْ دَعْوَةُ الْجَدِّ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى ابْنِهِ الْمُسْلِمِ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْجَدِّ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ ، وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُ الْأَبِ أَمَّا أَبُ الْأُمِّ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَتُهُ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ) لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ كَمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ فِي الْعُلُوقِ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَتَعَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ .
قَوْلُهُ : ( وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ) لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ إذْ هُوَ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ حُكْمًا وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً .
قَوْلُهُ : ( وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ بِالِاسْتِيلَادِ وَيَسْتَوِي فِيهَا الْيَسَارُ ، وَالْإِعْسَارُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ نَقْلٍ كَضَمَانِ الْبَيْعِ .
قَوْلُهُ : ( وَعَلَيْهِ نِصْفُ عُقْرِهَا ) لِأَنَّ الْحَدَّ لَمَّا سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ وَجَبَ الْعُقْرُ .
قَوْلُهُ : ( وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا ) لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ ادَّعَيَاهُ جَمِيعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا ) مَعْنَاهُ إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَهُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَكْثَرُ إذَا ادَّعَوْهُ مَعًا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ .
قَوْلُهُ : ( وَكَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعُقْرِ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَى الْآخَرِ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاطِئٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ لَزِمَهُ الْعُقْرُ وَيَكُونُ قِصَاصًا بِمَالِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَيَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ
فَوَلَدَتْ فَادَّعَيَاهُ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَلَا عُقْرَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ وَطْءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ مِلْكِ الْآخَرِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فَالْكِتَابِيُّ أَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ فَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى ، وَلَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَةِ فَالسَّابِقُ أَوْلَى كَائِنًا مَنْ كَانَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .
قَوْلُهُ : ( وَيَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنِ كَامِلٍ ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمِيرَاثِهِ كُلِّهِ .
قَوْلُهُ : ( وَيَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ .
( مَسْأَلَةٌ ) إذَا أَقَرَّ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ صَحَّ إقْرَارُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى جَارِيَةَ مَكَاتِبِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَكَانَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي صِحَّةِ دَعْوَتِهِ إلَى تَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّهِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ فَهَذَا أَوْلَى وَلَنَا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ ، وَالْأَبُ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَقَيَّدَ بِجَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا فَإِنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَدَّقَتْ أَوْ كَذَّبَتْهُ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ إذَا اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ .
وَقَوْلُهُ : وَقِيمَةُ وَلَدِهَا يَعْنِي قِيمَتَهُ يَوْمِ الْخُصُومَةِ قَوْلُهُ : ( وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ فِي النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ ) لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَمَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِزَوَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَانِعُ .
( كِتَابُ الْمُكَاتَبِ ) الْكِتَابَةُ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ أَيَّ ضَمٍّ كَانَ وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ ، وَالْكِتَابَةُ ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمٍّ مَخْصُوصٍ ، وَهُوَ ضَمُّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ لِلْمُكَاتَبِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ فِي الْمَالِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَالْمُكَاتَبُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِمَنْزِلَةِ الْأَحْرَارِ ، وَفِي بَعْضِهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَرِقَّاءِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا : الْمُكَاتَبُ طَارَ عَنْ قَيْدِ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ بِسَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالنَّعَامَةِ إنْ اُسْتُطِيرَ تَبَاعَرَ وَإِنْ اُسْتُحْمِلَ تَطَايَرَ ، وَالْكِتَابَةُ مُسْتَحَبَّةٌ إذْ طَلَبَهَا الْعَبْدُ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وقَوْله تَعَالَى { فَكَاتِبُوهُمْ } أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ لَا أَمْرُ حَتْمٍ وَإِيجَابٍ وقَوْله تَعَالَى { إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قِيلَ : أَرَادَ بِهِ إقَامَةَ الصَّلَاةِ وَأَدَاءَ الْفَرَائِضِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَا دَامَ عَبْدًا يَكُونُ تَحْتَ يَدِ مَوْلَاهُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْأَفْضَلُ أَنَّهُ لَا يُكَاتِبُهُ فَإِنْ كَاتَبَهُ جَازَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ رُشْدًا إشْفَاقًا وَأَمَانَةً وَوَفَاءً وَقُدْرَةً عَلَى الْكَسْبِ وقَوْله تَعَالَى { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ } قِيلَ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ بَعْضَ مَالِ الْكِتَابَةِ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ صَرْفَ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْإِيتَاءَ هُوَ الْإِعْطَاءُ دُونَ الْحَطِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { وَفِي الرِّقَابِ } .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ صَارَ مُكَاتَبًا ) شَرَطَ الْمَالَ احْتِرَازًا عَنْ الْمَيْتَةِ ، وَالدَّمِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِمَا وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ
فَيَعْتِقُ بِالشَّرْطِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَدَّى الْخَمْرَ أَوْ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَشَرْطُ قَوْلِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَبُولِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِأَدَاءِ الْكُلِّ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ } قَالَ لِخُجَنْدِيٌّ الْمُكَاتَبُ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا : وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّهُ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَيَكُونُ غَرِيمًا كَالْغُرَمَاءِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : إذَا أَدَّى قَدْرَ الْقِيمَةِ عَتَقَ ، وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى ، وَالْعَبْدُ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ إذَا شَرَطَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا سُمِّيَ لَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً .
قَوْلُهُ : ( وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَالَ حَالًّا ، وَيَجُوزُ مُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ حَالًّا وَلَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ .
قَوْلُهُ : ( وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ ، وَالشِّرَاءَ ) لِأَنَّ الْعَاقِلَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ ، وَالتَّصَرُّفِ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ ، وَالشِّرَاءَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا حَتَّى لَوْ قَبِلَ عَنْهُ غَيْرُهُ لَا يَعْتِقُ وَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا قَبِلَ عَنْهُ إنْسَانٌ جَازَ وَيَتَوَقَّفُ إلَى إدْرَاكِهِ فَإِنْ أَدَّى هَذَا الْقَابِلُ عَتَقَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ اسْتِحْسَانًا .
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ ) هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَوْلُهُ : خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى حَتَّى لَوْ جَنَى عَلَيْهِ وَجَبَ الْأَرْشُ ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا وَجَبَ الْعُقْرُ ثُمَّ الْكِتَابَةُ فِي الْحَالِ فَكُّ الْحَجْرِ وَبَعْدَ الْأَدَاءِ عِتْقُهُ وَعِتْقُ أَوْلَادِهِ وَكَذَا إذَا أَبْرَأهُ مَوْلَاهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ .
قَوْلُهُ : ( وَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ ، وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ ) لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يُوجِبُ الْإِذْنَ فِي الِاكْتِسَابِ وَلَا يَحْصُلُ الِاكْتِسَابُ إلَّا بِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا قَالُوا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمَوْلَى وَيَبِيعَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْآخَرِ مُرَابَحَةً عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مُكَاتَبِهِ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيلَاءِ وَثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ) يَعْنِي لَا يُزَوِّجُ نَفْسَهُ وَلَا عَبْدَهُ وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا وَهُوَ يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ مَهْرِهَا بِخِلَافِ تَزْوِيجِ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ تَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ وَكَذَا تَزْوِيجُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَفْسَهُ الدَّيْنُ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّ بُضْعَهَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِعَقْدِ
الْكِتَابَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ عِتْقُ عَبْدِهِ لَا بِبَدَلٍ وَلَا بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّحْقِيقَ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ إلَّا الْكِتَابَةَ فَإِنَّهَا تَجُوزُ مِنْهُ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُبَادَلَةٍ ، وَالْعِتْقُ يَنْزِلُ بِالْأَدَاءِ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ ، وَالْوَصِيَّ ، وَالْمُفَاوِضَ لَا يَمْلِكُونَ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ وَيَمْلِكُونَ الْكِتَابَةَ وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَلِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يَهَبُ وَلَا يَتَصَدَّقُ إلَّا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ ) يَعْنِي كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ ، وَالْبَصَلِ ، وَالْمِلْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ فَإِنْ وَهَبَ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يَتَكَفَّلُ ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ فَلَا يَمْلِكُهُ بِنَوْعَيْهِ نَفْسًا وَمَالًا وَلَا يُقْرِضُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْكَفَالَةِ فَكَفَلَ أُخِذَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ ، وَالشِّرَاءُ إلَّا عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِمَا وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَيْفَمَا كَانَ وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ ، وَالِاسْتِيفَاءِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ لَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ وَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ ) فَإِنْ قِيلَ اسْتِيلَادُ الْمُكَاتَبِ جَارِيَةَ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هَذَا قُلْنَا يُمْكِنُ أَنَّهُ وَطْءٌ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ نَقُولُ صُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا كُوتِبَ اشْتَرَاهَا فَتَلِدُ لَهُ وَلَدًا وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا مِنْ زَوْجِهَا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا أَيْضًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمِلْكِ وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ عَلَيْهِ بَيَانُهُ " إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ إنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ مِنْهُ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَإِذَا اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ الْوَلَدِ فَعَلَى قَوْلِهِمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَلَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَلَهُ بَيْعُهَا كَالْحُرِّ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَلَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ ، وَلَوْ اشْتَرَتْ الْمُكَاتَبَةُ زَوْجَهَا لَا يَتَكَاتَبُ بِالْإِجْمَاعِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ ثُمَّ كَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَانَ كَسْبُهُ لَهَا ) لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ ؛ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ ، وَالْحُرِّيَّةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهَا وَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ لَزِمَهُ الْعُقْرُ ) لِأَنَّ الْمَوْلَى عَقَدَ مَعَهَا عَقْدًا مَنَعَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا أَوْ فِي مَنَافِعِهَا ، وَالْوَطْءُ مِنْ مَنَافِعِهَا ؛ وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ الْمُكَاتَبَةَ حَرَامٌ عَلَى مَوْلَاهَا مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ يَدِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا لَزِمَتْهُ الْجِنَايَةُ ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْوَطْءِ يَعْنِي جِنَايَةَ خَطَأٍ فَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا عَمْدًا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَتْلَفَ مَالَهَا غَرِمَهُ ) لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ ) يَعْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَيَرِقُّ بِرِقِّهِ وَلَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ مَلَكَهُ مِنْ قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ كَالْأَجْدَادِ ، وَالْجَدَّاتِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا إذَا عَجَزَ حِينَئِذٍ لَهُ الرَّدُّ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ دَخَلَ وَلَدُهَا فِي الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا ) يُرِيدُ بِهَذَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مَعَ وَلَدِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْوَلَدَ بَعْدَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ بَيْعُهَا وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا سَوَاءٌ كَانَ وَلَدُهَا بَاقِيًا أَوْ مَيِّتًا .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا وِلَادَةَ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) حَتَّى إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَالَ الْكِتَابَةِ وَهُمْ فِي مِلْكِهِ عَتَقُوا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَحَقُّ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ وَاسْتِدَامَتَهُ وَيَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ وَصُورَتُهُ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً مِنْ مُسْلِمٍ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ حَتَّى وَجَبَتْ الْعِدَّةُ يَبْقَى النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَصُورَتُهُ فِي الْعَبْدِ إذَا زَوَّجَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ الْمُتَقَدِّمُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمِ نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْتَضِيهِ أَوْ مَالٌ يَقْدَمُ عَلَيْهِ لَمْ يَعْجَلْ بِتَعْجِيزِهِ وَانْتُظِرَ عَلَيْهِ الْيَوْمَيْنِ ، وَالثَّلَاثَةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ) لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ هِيَ الْعِدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ ، وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ فَلَا يَزِدْ عَلَيْهَا .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ وَطَلَبَ الْمَوْلَى تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ ) هَذَا .
قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ ) تَيْسِيرًا عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ عَادَ إلَى الرِّقِّ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِ ثَابِتٌ إلَّا أَنَّ الْكِتَابَةَ مَنَعَتْ الْمَوْلَى عَنْ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَإِذَا عَجَزَ عَادَ إلَى أَحْكَامِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَكَانَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الِاكْتِسَابِ لِمَوْلَاهُ ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى مَوْلَاهُ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ طَيِّبٌ لِلْمَوْلَى لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَتَمَلَّكُهُ صَدَقَةً ، وَالْمَوْلَى عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ { هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ } وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَاحَ لِلْغَنِيِّ أَوْ لِلْهَاشِمَيَّ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْوَلِيِّ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ وَقُضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ اكْتِسَابِهِ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ) وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَيَعْتِقُ أَوْلَادُهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تَرَكَهُ لِمَوْلَاهُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَتَرَكَ وَلَدًا مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ سَعَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ عَلَى نُجُومِهِ ) صُورَتُهُ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهُ سَعَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ وَكَسْبُهُ مِثْلُ كَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ فَإِنْ تَرَكَ مَعَهُ أَبَوَيْهِ وَوَلَدًا آخَرَ مُشْتَرًى فِي الْكِتَابَةِ فَهُمْ مَوْقُوفُونَ عَلَى أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُمْ وَلَا لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُمْ فَإِذَا أَدَّى الْمَوْلُودُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ وَعَتَقُوا جَمِيعًا ، وَلَوْ عَجَزَ رُدَّ فِي الرِّقِّ وَرُدَّ هَؤُلَاءِ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ نُؤَدِّي الْمَالَ السَّاعَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعَجْزِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا أَدَّى حَكَمْنَا بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَعَتَقَ الْوَلَدُ ) لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ حَالَّةً وَإِلَّا رُدِدْت إلَى الرِّقِّ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْلُودِ فِي كِتَابَتِهِ ، وَالْمُشْتَرَى فِي أَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ عَلَى نُجُومِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ ) لِأَنَّ الْخَمْرَ ، وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَا بِمَالٍ فِي حَقِّهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَأَمَّا عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَهِيَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَوَصْفًا وَجِنْسًا فَتَفَاحَشَ الْجَهَالَةُ فَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْمُسَمَّى وَيُزَادُ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْبَدَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ عَلَى مُرَادِ الْعَاقِدِ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ وَكَذَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ وَيَجِبُ الْأَكْثَرُ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ يَلْزَمُ الْقِيمَةُ وَإِنْ كَانَتْ بَدَلُ الْكِتَابَةِ أَكْثَرَ لَا يَسْتَرِدُّ الْفَضْلَ وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَقُولَ إذَا أَدَّيْت إلَى ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لَا لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَالْجَائِزَةِ أَنَّ فِي الْفَاسِدَةِ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْعَبْدِ ، وَفِي الْجَائِزَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إلَّا بِرِضَا الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْجَائِزَةِ ، وَالْفَاسِدَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ وَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ غَيْرُهَا ثُمَّ الْقِيمَةُ تَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا فَإِنْ اخْتَلَفَا يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَإِنْ اتَّفَقَ اثْنَانِ عَلَى شَيْءٍ يُجْعَلُ ذَلِكَ قِيمَةً وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَعَشَرَةٍ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْأَقْصَى .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَدَّاهُ لَمْ يَعْتِقْ ) لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى إلَيْهِ ثَوْبًا عَتَقَ لِأَجْلِ الشَّرْطِ .
قَوْلُهُ : ( إنْ كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ ) يَعْنِي أَنَّهُ بَيَّنَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فَرَسٌ أَوْ بَغْلٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ بَعِيرٌ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ مِنْهُ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ أَمَّا إذَا قَالَ دَابَّةٌ أَوْ حَيَوَانٌ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى عَبْدٍ جَازَ وَلَهُ عَبْدٌ وَسَطٌ فَإِنْ أَحْضَرَ عَبْدًا دُونَ الْوَسَطِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبْضِهِ ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى عَبْدٍ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ أَدَّاهُ لَا يَعْتِقُ كَمَا فِي الثَّوْبِ ، وَالدَّابَّةِ وَإِنْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى دَرَاهِمَ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ فَإِذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي ذَلِكَ مُتَفَاحِشَةٌ وَلَيْسَ لِلدَّرَاهِمِ وَسَطٌ حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَاكَ بِالْقَبُولِ ، وَالْجَهَالَةُ فَاحِشَةٌ فَوَجَبَتْ قِيمَةُ نَفْسِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ وَإِنْ كَاتَبَهُمَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَا وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى ) وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ قَبُولُهُمَا جَمِيعًا فَإِنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَطَلَ لِأَنَّهُمَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِهِمَا كَالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا أَدَّيَا مَعًا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ وَإِنْ عَجَزَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَجْزِهِ حَتَّى إذَا أَدَّى الْآخَرُ الْمَالَ عَتَقَا جَمِيعًا وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالنِّصْفِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْجَمِيعِ نِصْفَهُ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ وَنِصْفَهُ بِحَقِّ الْكَفَالَةِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى شَيْئًا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي ضَمَانِ الْمَالِ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا عَتَقَ وَسَقَطَتْ حِصَّتُهُ عَنْ الْآخَرِ وَيَكُونُ مُكَاتَبًا بِمَا بَقِيَ وَيُطَالِبُ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ لِأَجَلِ الْأَصَالَةِ ، وَالْمُعْتِقُ لِأَجَلِ الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَدَّاهَا الْمُعْتِقُ رَجَعَ بِهَا عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ أَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ عَتَقَ بِعِتْقِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ مَالُ الْكِتَابَةِ ) يَعْنِي مَعَ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ ، وَالْأَوْلَادِ لَهُ لِأَنَّهُ بِعِتْقِهِ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَهُ إلَّا مُقَابِلًا بِالْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ دُونَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ ، وَقِيلَ لَهُ : أَدِّ الْمَالَ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى عَلَى نُجُومِهِ ) لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَقَامَ الْمَيِّتِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُتَزَوِّجًا بِنْتَ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ رَقَبَتَهُ وَإِنَّمَا تَمْلِكُ دَيْنًا فِيهَا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَعْتِقْ ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِمْ بِالْإِرْثِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَالِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَعْتَقُوهُ جَمِيعًا عَتَقَ وَسَقَطَ عَنْهُ مَالُ الْكِتَابَةِ ) مَعْنَاهُ يَعْتِقُ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ لِلذُّكُورِ مِنْ عَصَبَتِهِ دُونَ الْإِنَاثِ وَإِنَّمَا عِتْقُهُمْ اسْتِحْسَانًا وَأَمَّا فِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرِثُوا رَقَبَتَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ وَرِثُوا دَيْنًا فِيهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عِتْقَهُمْ تَتْمِيمُ الْكِتَابَةِ فَصَارَ كَالْأَدَاءِ ، وَالْإِبْرَاءِ وَلِأَنَّهُمْ بِعِتْقِهِمْ إيَّاهُ مُبَرِّئُونَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَبَرَاءَتُهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ تُوجِبُ عِتْقَهُ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَوْا مِنْهُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ إبْرَاءَهُ لَهُ إنَّمَا يُصَادِقُ حِصَّتَهُ لَا غَيْرُ ، وَلَوْ بَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَعْتِقْ كَذَا هَذَا ، وَلَوْ دَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَى وَصِيِّ الْمَيِّتِ عَتَقَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَمْ لَا لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْوَارِثِ إنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ مِنْهُ ، فَصَارَ كَالدَّفْعِ إلَى أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ وَيَدْفَعَ إلَى الْوَصِيِّ حِصَّةَ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ عَلَى هَذَا
الْوَجْهِ لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَذَا فِي شَرْحِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ جَازَ ) لِأَنَّهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وَطْأَهَا وَإِجَارَتَهَا فَمِلْكُ مُكَاتَبَتِهَا كَالْمُدَبَّرَةِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ وَيُسَلَّمُ لَهَا الْأَوْلَادُ ، وَالْأَكْسَابُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى سَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ ) لِأَنَّ مَوْتَهُ يُوجِبُ عِتْقَهَا .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ وَلَدَتْ مُكَاتَبَتُهُ مِنْهُ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلٍ بِبَدَلٍ وَآجِلٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَتُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى وَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ الْعُقْرَ مِنْ مَوْلَاهَا وَاسْتَعَانَتْ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا فَإِذَا أَدَّتْ عَتَقَتْ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِكَوْنِهِ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَتَرَكَتْ مَا لَا يُؤَدِّي مِنْهُ كِتَابَتَهَا وَمَا بَقِيَ مِيرَاثٌ لِابْنِهَا وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا فَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذْ هُوَ وَلَدُهَا فَيَتْبَعُهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَاتَبَ مُدَبَّرَتَهُ جَازَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ كَانَتْ بِالْخِيَارِ وَبَيْنَ أَنْ تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ فِي جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَهُ مَالٌ تَخْرُجُ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَتْ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَهَذَا قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ انْعَقَدَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الرِّقِّ وَلَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى مَا فَاتَ مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَلَا تُخَيَّرُ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْأَقَلِّ وَلَا يَقِفُ عِتْقُهَا عَلَى الْأَكْثَرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ قَابِلٌ الْبَدَلَ بِالْكُلِّ وَقَدْ سَلَّمَ لَهَا الثُّلُثَ بِالتَّدْبِيرِ فَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ أَوْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذَا كَانَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْكِتَابَةَ سَعَتْ عَلَى النُّجُومِ وَإِنْ اخْتَارَتْ السِّعَايَةَ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ سَعَتْ حَالًّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْعَى فِي الْأَصْلِ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ بِلَا خِيَارٍ فَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْمِقْدَارِ وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدٌ وَاتَّفَقَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي نَفْيِ الْخِيَارِ وَخَالَفَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ .
قَوْلُهُ : ( تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا ) يَعْنِي مُدَبَّرَةً لَا قِنَّةً لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عُقِدَتْ حَالَ كَوْنِهَا مُدَبَّرَةً قَالَ فِي الْحُسَامِيَّةِ : رَجُلٌ دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقِيمَته ثَلَثُمِائَةٍ وَذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ
شَاءَ سَعْي فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ مِائَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ مِائَةٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهُ بَلْ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ وَهُوَ مِائَةٌ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَتَهُ صَحَّ التَّدْبِيرُ وَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ مُدَبَّرَةً ) وَإِنَّمَا صَحَّ تَدْبِيرُ الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ إيجَابِ عِتْقٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْكِتَابَةَ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ ، وَالتَّدْبِيرُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَلِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ ، وَالْعِتْقُ إبْرَاءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهَا وَهِيَ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ بِلَا خِيَارٍ ، وَالِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْخِيَارِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمِقْدَارِ ، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّهَا تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إبْرَاءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ ، وَالْإِبْرَاءُ فِي الْمَرَضِ لَا يَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ الْكِتَابَةِ وَبَقِيَ ثُلُثَاهَا فَتَسْعَى فِي ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنَّهَا تَبْرَأُ بِالْأَقَلِّ فَلَا يَلْزَمُهَا الْأَكْثَرُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا وَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ ، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْخِيَارِ أَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي الْمُصَفَّى : الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَقِيَ الثُّلُثَانِ عَبْدًا ، وَقَدْ تَلَقَّاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ بِبَدَلَيْنِ مُؤَجَّلٍ بِالتَّدْبِيرِ وَمُعَجَّلٍ بِالْكِتَابَةِ فَتُخَيَّرُ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعَ فَائِدَةٍ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِيهِ فَعَسَى يَخْتَارُ الْكَثِيرَ الْمُؤَجَّلَ عَلَى الْقَلِيلِ
الْمُعَجَّلِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا أَعْتَقَ بَعْضَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ فَهُوَ حُرٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَهُوَ يَخْتَارُ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَجُزْ ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ وَهَبَ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ جَازَ ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ إيجَابُ عِتْقٍ بِبَدَلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْبَيْعِ فَلَمَّا جَازَ لَهُ بَيْعُ عَبْدِهِ جَازَ لَهُ مُكَاتَبَتُهُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَدَّى الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْأَوَّلُ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى ) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَوْعَ مِلْكٍ وَكَذَا إذَا أَدَّيَا مَعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَصِحُّ الْوَلَاءُ مِنْهُ فَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ مَوْلَاهُ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَعْتِقُ لِيُرَاجِعَ الْوَلَاءَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ ، وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَدَّى الثَّانِي بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لَهُ ) لِأَنَّ الْعَاقِدَ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الْأَوَّلَ لَمَّا أَدَّى صَارَ حُرًّا فَإِذَا أَدَّى الثَّانِي بَعْدَ كَوْنِهِ حُرًّا عَتَقَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ .
( مَسْأَلَةٌ ) إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ نِصْفَ عَبْدِهِ عَلَى مَالٍ جَازَ وَكَانَ نِصْفُهُ مُكَاتَبًا ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ نِصْفُهُ وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ نِصْفُهُ لَهُ وَنِصْفُهُ لِلْمَوْلَى وَصَارَ النِّصْفُ الْآخَرُ مُسْتَسْعًى فَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُخْرِجُهُ إلَى الْعِتْقِ ، وَالْعِتْقُ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ فَكَذَا الْكِتَابَةُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ كُلُّهُ مُكَاتَبًا عِنْدَهُمَا فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ كُلُّهُ وَمَا اكْتَسَبَ فَهُوَ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبِ .
( كِتَابُ الْوَلَاءِ ) الْوَلَاءُ نَوْعَانِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَيُسَمَّى وَلَاءَ نِعْمَةٍ وَسَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ قَرِيبُهُ بِالْوِرَاثَةِ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ عَمَّا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ سَبَبَهُ الْإِعْتَاقُ فَعِنْدَهُمْ إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْإِعْتَاقِ ، وَالثَّانِي وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَسَبَبُهُ الْعَقْدُ وَهُوَ أَنْ يُسْلِمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَيَقُولُ لَهُ ، وَالَيْتُك عَلَى أَنِّي إنْ مِتّ فَإِرْثِي لَك وَإِنْ جَنَيْت فَعَقْلِي عَلَيْك وَعَلَى عَاقِلَتِك ، وَقَبِلَ الْآخَرُ فَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنْ جَنَى الْأَسْفَلُ يَعْقِلُهُ الْأَعْلَى وَإِنْ مَاتَ يَرِثُهُ الْأَعْلَى وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ عَلَى يَدِهِ بِدُونِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ يَجْرِي التَّوَارُثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ مَمْلُوكَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } .
قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَعْتِقُ ) وَيَسْتَوِي فِيهِ الْإِعْتَاقُ بِمَالٍ وَبِغَيْرِ مَالٍ أَوْ عَتَقَ بِالْقَرَابَةِ أَوْ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ الْوَفَاةِ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ الْإِفْطَارِ أَوْ الْيَمِينِ أَوْ النَّذْرِ وَسَوَاءٌ شَرَطَ الْوَلَاءَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ أَوْ تَبْرَأُ مِنْ الْوَلَاءِ ، وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَهُ يَكُونُ الْعِتْقُ لِلْآمِرِ اسْتِحْسَانًا ، وَالْوَلَاءُ لَهُ .
وَقَالَ زُفَرُ يَكُونُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَإِنْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فَأَعْتَقَهُ يَكُونُ عَنْ الْمَأْمُورِ ، وَالْوَلَاءُ لَهُ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْآمِرِ ، وَالْوَلَاءُ لَهُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ سَائِبَةٌ
فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ { ، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ .
قَوْلُهُ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } ، وَالسَّائِبَةُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنَّ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى وَكَذَا إنْ أُعْتِقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَوَلَاؤُهُ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى ) أَيْ ، وَلَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَتَقَ الْمُسْلِمُ ، وَالذِّمِّيُّ ، وَالْمَجُوسِيُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ بِالْعِتْقِ سَوَاءٌ ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا ، وَالْمُعْتِقُ لَهُ مُسْلِمًا ثَبَتَ الْوَلَاءُ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ ذِمِّيًّا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ ، وَالْكُفْرُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ فَكَذَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُهُ الْكَافِرُ إلَّا إذَا أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ قَبْلَ الْمَوْتِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَوَلَاؤُهُمْ لَهُ ) لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا مِنْ جِهَتِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ ) صُورَتُهُ " أُخْتَانِ اشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا أَبَاهُمَا فَمَاتَ عَنْهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالْفَرْضِ ، وَالثُّلُثُ لِلْمُشْتَرِيَةِ بِالْوَلَاءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَبْعَدُ مِنْ الْعَصَبَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدُ رَجُلٍ أَمَةً لِآخَرَ فَأَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا وَوَلَاءُ الْحَمْلِ لِمَوْلَى الْأُمِّ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا ) لِأَنَّ الْمَوْلَى بَاشَرَ الْحَمْلَ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأَمَةِ فَلِهَذَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْوَلَاءُ عَنْهُ هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّيَقُّنِ بِالْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَا حَمْلٍ وَاحِدٍ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدًا فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ ) لِأَنَّهُ عَتَقَ تَبَعًا لَهَا لِاتِّصَالِهِ بِهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الْوَلَاءِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ وَانْتَقَلَ عَنْ مَوْلَى الْأُمِّ إلَى مَوْلَى الْأَبِ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا ثَبَتَ فِي الْوَلَدِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةِ الْعَرَبِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ حُكْمُهُمْ فِي هَذَا حُكْمُ أَبِيهِمْ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةٍ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي الْأُمِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَبَ مَجْهُولُ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَلَا وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَيْسَ لَهُ عَاقِلَةٌ فَكَانَ وَلَاءُ وَلَدِهِ لِمَوَالِي أُمِّهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ " رَجُلٌ حُرُّ الْأَصْلِ عَجَمِيٌّ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ لَيْسَ بِمُعْتِقٍ لِأَحَدٍ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةِ الْعَرَبِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَعِنْدَهُمَا وَلَاءُ الْأَوْلَادِ لِمَوَالِي الْأُمِّ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ فَصَارَ كَمُعْتَقَةٍ تَزَوَّجَتْ عَبْدًا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أَبِيهِمْ قَالَ فِي شَاهَانْ الْوَضْعُ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ كَانَ التَّزَوُّجُ بِمُعْتَقَةِ غَيْرِ الْعَرَبِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةً لَا وَلَاءَ عَلَيْهَا لِأَحَدٍ ، وَالْأَبُ مَوْلًى فَالْوَلَدُ حُرٌّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي حُكْمِهَا .
قَوْلُهُ : ( وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ ) أَيْ مُوجِبًا لِلْعُصُوبَةِ اعْلَمْ أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَبْعَدُ مِنْ الْعَصَبَةِ وَمُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَيَرِثُهُ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ ابْنَ مَوْلًى وَبِنْتَ مَوْلًى فَالْمِيرَاثُ لِلِابْنِ دُونَهَا وَإِنْ تَرَكَ ابْنَ مَوْلًى وَأَبَ مَوْلًى فَالْمِيرَاثُ لِلِابْنِ خَاصَّةً عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عُصُوبَةٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسًا لِلْأَبِ السُّدُسُ ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَإِنْ تَرَكَ جَدًّا مَوْلًى وَأَخًا مَوْلًى فَالْمِيرَاثُ لِلْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ ، وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَهُمْ أَوْلَى مِنْهُ ) لِأَنَّ مَوَالِي الْعَتَاقَةِ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَإِنَّمَا يَرِثُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُعْتِقِ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ فِي حَالٍ أَمَّا إذَا كَانَ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فِي حَالٍ أَيْ صَاحِبُ فَرْضٍ لَهُ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْبِنْتِ بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّ لَهُ حَالَ فَرْضٍ وَحَالَ تَعْصِيبٍ فَلَا يَرِثُ الْمُعْتِقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِبَنِي الْمَوْلَى دُونَ بَنَاتِهِ ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ تَعْصِيبٌ وَلَا تَعْصِيبَ لِلْمَرْأَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ ) بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَدَّ الْحَدِيثَ ، وَفِي آخِرِهِ { أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتَقِهِنَّ } وَصُورَةُ الْجَرِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا زَوَّجَتْ عَبْدَهَا امْرَأَةً حُرَّةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَإِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ دُونَ مَوَالِي أَبِيهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ يَكُونُ مِيرَاثُهُ
لِمَوَالِي الْأُمِّ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا جَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى مَوْلَاتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ جَرَّتْ وَلَاءَ مُعْتَقِهَا إلَى نَفْسِهَا فَبَعْدَ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ الِابْنُ وَلَا مِيرَاثَ لَهُ لِأَبِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَمِيرَاثُهُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَعْتَقَتْ أَبَاهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ وَقَوْلُهُ : أَوْ أَعْتَقَ مِنْ أَعْتَقْنَ يَعْنِي أَنَّ مُعْتَقَهَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ وَبَقِيَ الثَّانِي وَلَا وَارِثَ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لَهَا لِأَنَّهَا أَعْتَقَتْ مَنْ أَعْتَقَهُ ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ ابْنَ مَوْلَاتِهِ وَأَخَاهَا فَالْوَلَاءُ لِابْنِهَا دُونَ أَخِيهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عُصُوبَةً إلَّا أَنَّ عَقْلَ جِنَايَتِهَا عَلَى أَخِيهَا لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا .
قَوْلُهُ : ( أَوْ دَبَّرَتْ ) صُورَتُهُ امْرَأَةٌ دَبَّرَتْ عَبْدَهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقُضِيَ بِلَحَاقِهَا حَتَّى عَتَقَ مُدَبَّرُهَا ثُمَّ جَاءَتْ مُسْلِمَةً إلَيْنَا ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ وَتَرَكَ مُدَبَّرَتَهُ هَذِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهَا .
قَوْلُهُ : ( أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ ) صُورَتُهُ أَنَّ هَذَا الْمُدَبَّرَ بَعْدَ مَا عَتَقَ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي فَوَلَاؤُهُ لِمُدَبِّرِ مُدَبِّرِهِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ تَرَكَ الْمَوْلَى ابْنًا وَأَوْلَادَ ابْنٍ آخَرَ فَمِيرَاثُ الْمُعْتَقِ لِلِابْنِ دُونَ بَنِي الِابْنِ ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُمْ قَوْلُهُ : ( وَالْوَلَاءُ لِلْكَبِيرِ ) أَيْ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ فَالْوَلَاءُ صَحِيحٌ وَعَقْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ ) صُورَتُهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ قَالَ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَالَيْتُك عَلَى أَنِّي إنْ مِتّ فَمِيرَاثِي لَك وَإِنْ جَنَيْت فَعَقْلِي عَلَيْك فَقَبِلَ الْآخَرُ صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَيَكُونُ الْقَائِلُ مَوْلًى لَهُ إذَا مَاتَ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ إذَا جَنَى وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَا تَصِحُّ الْمُوَالَاةُ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْوَارِثِ وَإِنْ شَرَطَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَعَلَى مَا شَرَطَ فَإِنْ جَنَى الْأَسْفَلُ يَعْقِلُهُ الْأَعْلَى وَإِنْ مَاتَ يَرِثُهُ الْأَعْلَى وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى .
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ التَّوَارُثَ يَجْرِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ إذَا شَرَطَاهُ وَكَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ ثُمَّ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ لَهُ شَرَائِطُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْمُوَالَاةِ .
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَقًا لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمِيرَاثَ ، وَالْعَقْلَ ، وَالْمَرْأَةُ إذَا عَقَدَتْ مَعَ رَجُلٍ عَقْدَ الْوَلَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهَا وَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ وَأَمَّا الرَّجُلُ إذَا ، وَالَى أَحَدًا ثَبَتَ وَلَاؤُهُ وَوَلَاءُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَلَا يَثْبُتُ وَلَاءُ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَمِيرَاثُهُ لِلْمَوْلَى ) يَعْنِي الَّذِي عَاقَدَهُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ .
( قَوْلُهُ : وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ بِوِلَايَةٍ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ الْأَعْلَى ) يَعْنِي الْأَسْفَلَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ لَحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ وَلَيْسَ لِلْأَعْلَى وَلَا لِلْأَسْفَلِ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْوَلَاءِ قَصْدًا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ ثُمَّ الْفَسْخُ عَلَى ضَرْبَيْنِ فَسْخٌ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ فَسَخْت الْوَلَاءَ مَعَك وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِحَضْرَتِهِ وَفَسْخٌ مِنْ طَرِيقِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَ الْأَسْفَلُ مَعَ آخَرَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَبِغَيْرِ حَضْرَتِهِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَيْسَ لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا ) لِأَنَّ وَلَاءَ الْعِتْقِ فَرْعُ النَّسَبِ ، وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يُخَالِفُ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ فِي فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ يَتَوَارَثَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ، وَالثَّانِي أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ لَا يَحْتَمِلُهَا ، وَالثَّالِثُ أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ .
( كِتَابُ الْجِنَايَاتِ ) الْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ التَّعَدِّي ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي النُّفُوسِ ، وَالْأَطْرَافِ وَيُقَالُ الْجِنَايَةُ مَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَهِيَ تَعُمُّ الْأَنْفُسَ ، وَالْأَطْرَافَ ، وَالْأَمْوَالَ إلَّا أَنَّ اسْمَهَا اخْتَصَّ بِالْأَنْفُسِ فِي تَعَارُفِ أَهْلِ الشَّرْعِ ؛ وَلِهَذَا سَمَّى الْفُقَهَاءُ التَّعَدِّيَ فِي الْأَنْفُسِ جِنَايَةً ، وَالتَّعَدِّيَ فِي الْأَمْوَالِ غَصْبًا وَإِتْلَافًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ وَعَمْدٍ وَخَطَأٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ ) وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشَبَهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَإِنَّمَا زَادَ الشَّيْخُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِبَيَانِ حُكْمِهِمَا وَإِنْ دَخَلَا فِي حُكْمِ الْخَطَأِ وَقَوْلُهُ : عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ يَعْنِي الْقَتْلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِلَّا فَأَنْوَاعُهُ أَكْثَرُ كَالْقَتْلِ الَّذِي هُوَ رَجْمٌ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ ، وَالْقَتْلِ قِصَاصًا ، وَالْقَتْلِ صَلْبًا لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَتُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنْهُ فَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّوْبَةِ مِنْهُ لَا يَتَحَتَّمُ دُخُولُهُ النَّارَ بَلْ هُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ فَإِنْ دَخَلَهَا لَمْ يُخَلَّدْ فِيهَا .
قَوْلُهُ : ( فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مُجْرَى السِّلَاحِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالْمُحَرَّرِ مِنْ الْخَشَبِ ، وَالْحَجَرِ ، وَالنَّارِ ) الْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ ، وَالسِّكِّينِ ، وَالرُّمْحِ ، وَالْخَنْجَرِ ، وَالنُّشَّابَةِ ، وَالْإِبْرَةِ ، وَالْأَشْفَارِ وَجَمِيعِ مَا كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ يَقْطَعُ أَوْ يُبْضِعُ أَوْ يَرُضُّ كَالسَّيْفِ وَمِطْرَقَةِ الْحَدَّادِ ، وَالزَّبْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ أَمْنَهُ الْهَلَاكَ أَمْ لَا وَلَا يُشْتَرَطُ
الْحَدُّ فِي الْحَدِيدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْقَتْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } وَكَذَا كُلُّ مَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالصُّفْرِ ، وَالرَّصَاصِ ، وَالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ كَانَ يُبْضِعُ أَوْ يَرُضُّ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ بِالْمُثَقَّلِ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ بِعَمُودٍ مِنْ صُفْرٍ أَوْ رَصَاصٍ وَقَوْلُهُ : أَوْ مَا أُجْرِيَ مُجْرَى السِّلَاحِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالزُّجَاجِ ، وَاللِّيطَةِ ، وَالْحَجَرِ الْمُحَدَّدِ وَكُلِّ مَا كَانَ يَقَعُ بِهِ الذَّكَاةُ إذَا قَتَلَهُ بِهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِمِزْرَاقٍ فَقَتَلَهُ إنْ أَصَابَهُ الْعُودُ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَغَرِقَ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ الْمَاءُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَمَّطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَغَرِقَ تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ .
وَلَوْ غَلَّقَ عَلَى حُرٍّ بَيْتًا أَوْ طَيَّنَهُ فَمَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ وَإِنَّمَا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرُ وَهُوَ فَقْدُ الطَّعَامِ ، وَالْمَاءِ فَلَمْ يَبْقَ لَا الْيَدَ ، وَالْحُرُّ لَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ أَدَّاهُ إلَى التَّلَفِ كَسَقْيِ السُّمِّ وَإِنْ سَقَى رَجُلًا سُمًّا أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي أَطْعَمَهُ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَيُضْرَبُ وَإِنْ أَوْجَرَهُ إيَّاهُ أَوْ كَلَّفَهُ أَكْلَهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ الْقَاتِلُ لَهَا وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ إلَيْهِ إنَّمَا
غَرَّهُ ، وَالْغُرُورُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُ النَّفْسِ وَإِنْ أَلْقَاهُ مِنْ سَطْحٍ أَوْ مِنْ جَبَلٍ عَلَى رَأْسِهِ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ ( قَوْلُهُ : مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ ) سَوَاءٌ تَعَمَّدَ الْمَقْتَلَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَخْطَأَهُ فَوَقَعَ فِي غَيْرِهِ فَمَاتَ مِنْهُ فَهُوَ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ .
قَوْلُهُ : ( وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ ، وَالْقَوَدُ وَلَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ عِنْدَنَا ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْعَمْدَ وَحُكْمَهُ فَقَالَ { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ وَذَكَرَ الْخَطَأَ وَحُكْمَهُ فَبَيَّنَ الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَأِ فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي الْعَمْدِ كَوُجُوبِهَا فِي الْخَطَأِ لَبَيَّنَهَا وَمِنْ حُكْمِ الْقَتْلِ أَنْ يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ .
قَوْلُهُ : ( إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَكَذَا لَهُمْ أَنْ يُصَالِحُوا عَنْهُ عَلَى مَالٍ فَإِذَا صَالَحُوا سَقَطَ حَقُّهُمْ عَنْ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ عَفَوْا .
( قَوْلُهُ : وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ ثُمَّ إذَا صَالَحَ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ مَالٍ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَإِنْ لَمْ يُصَالِحُوا وَلَكِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ بَطَلَ الْقِصَاصُ وَلَا يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْعَافِي مَالًا وَيَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْبَاقِي مَالًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لَا يَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا وَمَتَى تَعَذَّرَ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا ثُمَّ نَصِيبُ الْعَافِي لَا يَنْقَلِبُ مَالًا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ تَعَذَّرَ مِنْ جِهَتِهِ وَنَصِيبُ الَّذِي لَمْ يَعْفُ يَنْقَلِبُ مَالًا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ ) بَلْ يَضْرِبُهُ بِشَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ كَمِدَقَّةٍ الْقَصَّارِينَ ، وَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ ، وَالْعَصَا الْكَبِيرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا قَتَلَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَهُ وَقَالَا هُوَ عَمْدٌ وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهُ بِعَصًا صَغِيرَةٍ أَوْ لَطَمَهُ عَمْدًا فَمَاتَ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ فَمَاتَ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ إجْمَاعًا وَإِنْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ صَغِيرٍ وَوَالَى الضَّرْبَ حَتَّى قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ .
( قَوْلُهُ : وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَهُمَا أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا ) لِأَنَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ يُقْصَدُ التَّأْدِيبُ .
قَوْلُهُ : ( وَمُوجَبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَأْثَمُ ، وَالْكَفَّارَةُ ) فَإِنْ قُلْت : وَجَمَعَ فِي هَذَا بَيْنَ الْإِثْمِ ، وَالْكَفَّارَةِ وَهِيَ سِتَارَةٌ قُلْت : جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَالْإِثْمُ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَسْقُطُ الْإِثْمُ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ وَقَوْلُهُ : عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا قَوَدَ فِيهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ وَإِذَا الْتَقَى صَفَّانٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّهُ كَافِرًا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ أَيْضًا إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ أَمَّا إذَا كَانَ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَفِيهِ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ أَيْضًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَدْخُلُ الْقَاتِلُ مَعَهُمْ فِي الدِّيَةِ فَيَكُونُ كَأَحَدِهِمْ .
قَوْلُهُ : ( وَالْخَطَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ ) أَوْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ رَمَى إلَى حَرْبِيِّ أَسْلَمَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ رَمَى إلَى رَجُلٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَأَمَّا إذَا قَصَدَ عُضْوًا مِنْ شَخْصٍ فَأَصَابَ عُضْوًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَهُوَ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ .
قَوْلُهُ : ( وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ خَطَأٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي الْفِعْلِ ، وَالْآخَرَ فِي الْقَصْدِ .
قَوْلُهُ : ( وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَسَوَاءٌ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ ، وَالْكَفَّارَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَإِنْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إلَيْنَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا يُحْرَزْ دَمُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ هُنَاكَ وَهَاجَرَ إلَيْنَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَهُ بِدَارِنَا .
قَوْلُهُ : ( وَلَا مَأْثَمَ فِيهِ ) يَعْنِي لَا إثْمَ فِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ خَطَأً فِي الْقَصْدِ أَوْ خَطَأً فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ ، وَالْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ أَمَّا نَفْسُ الْإِثْمِ فَلَا يَعْرَى عَنْهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّثَبُّتَ فِي حَالَةِ الرَّمْيِ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ وَيُظْهِرَ الْخَطَأَ فَاتُّهِمَ فَسَقَطَ
مِيرَاثُهُ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قَتْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَمَا لَا فَلَا أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَهُوَ الْقَتْلُ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ تَطَؤُهُ دَابَّةٌ وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ انْقَلَبَ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ فَقَتَلَهُ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ حَجَرٌ أَوْ لَبِنَةٌ أَوْ خَشَبَةٌ أَوْ حَدِيدَةٌ فَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ بِالْمُبَاشَرَةِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ إنْ كَانَ وَارِثًا ، وَالْوَصِيَّةَ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَأَمَّا الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهُوَ أَنْ يَقْتُلَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ مُورِثَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ عِنْدَنَا وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُورِثَهُ بِالسَّبَبِ كَمَا إذَا أَشْرَعَ جَنَاحًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى مُورِثِهِ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا مُورِثُهُ فَمَاتَ لَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ إذَا قَتَلَهُ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَرُجِمَ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ .
وَكَذَا إذَا وَضَعَ حَجَرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَتَعَقَّلَ بِهِ مُورِثُهُ أَوْ سَاقَ دَابَّةً أَوْ قَادَهَا فَأَوْطَأَتْ مُورَثَهُ فَمَاتَ لَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَكَذَا إذَا وَجَدَ مُورَثَهُ قَتِيلًا فِي دَارِهِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ ، وَالدِّيَةُ وَلَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَكَذَا الْعَادِلُ إذَا قَتَلَ الْبَاغِيَ لَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الْكَفَّارَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْبَاغِيَ الْعَادِلَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَرِثُهُ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا عَلَى الْحَقِّ ، وَالْآنَ أَيْضًا أَنَا عَلَى الْحَقِّ وَرِثَهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ هَذَا قَتْلٌ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا وَلَا كَفَّارَةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرِثُهُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَالْأَبُ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا لَا يَجِبُ
الْقِصَاصُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ وَيُشْكِلُ هَذَا عَلَى أَصْلِنَا إلَّا أَنَّا نَقُولُ قَدْ وَجَبَ الْقِصَاصُ هُنَا ثُمَّ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرِثُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْقَتْلِ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَعَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ وَمُتَأَوِّلٍ وَيُورَثُ دَمُ الْمَقْتُولِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَيَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ وَلَيْسَ لِلْبَعْضِ أَنْ يَقْتَصَّ حَتَّى يَجْتَمِعُوا كُلُّهُمْ فَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتَصُّوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا اقْتَصَّ مِنْ ابْنِ مُلْجَمٍ ، وَفِي وَرَثَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صِغَارٍ وَقَدْ أَوْصَى إلَيْهِ عَلِيٌّ بِذَلِكَ ، وَقَالَ اضْرِبْهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَيْسَ لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتَصُّوا حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَدِيَةُ الْمَقْتُولِ خَطَأً تَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ لِجَمِيعِ وَرَثَتِهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجَانِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالزَّوْجِيَّةُ تَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ وَلَنَا حَدِيثُ { الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا أَشَيِمَ } وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِثُلُثِ مَالِهِ دَخَلَتْ دِيَتُهُ فِي تِلْكَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ مَالُ الْمَيِّتِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ مِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ ) يَعْنِي مِنْ سُقُوطِ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ لَهُمْ وَإِنْ اجْتَمَعُوا مَعَ الْمَوْلَى ) لِأَنَّ الْمَوْلَى سَقَطَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ فَاجْتِمَاعُهُ مَعَ الْوَارِثِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَبَقِيَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لَهُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ ، وَالْمُرْتَهِنُ ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِيهِ ، وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ فَشُرِطَ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ وَهَذَا .
قَوْلُهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا قِصَاصَ لَهُ وَإِنْ اجْتَمَعَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَقَيَّدَ بِاجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَا فَلَهُمَا الْقِيمَةُ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَلَوْ قُتِلَ عَبْدُ الْإِجَارَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمُؤَجِّرِ وَأَمَّا الْمَبِيعُ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إجَازَةَ الْبَيْعِ فَلَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّ الْمَبِيعِ فَلِلْبَائِعِ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا قِصَاصَ وَلِلْبَائِعِ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ) لِأَنَّ سَبَبَ الْقَتْلِ وُجِدَ مِنْهُ وَاتَّصَلَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا مَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ ، وَلَوْ شَقَّ بَطْنَ رَجُلٍ وَأَخْرَجَ أَمْعَاءَهٌ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَالْقَاتِلُ الَّذِي ضَرَبَ الْعُنُقَ لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ بَعْدَ شَقِّ الْبَطْنِ وَلَا يَعِيشُ بَعْدَ ضَرْبِ الْعُنُقِ فَإِنْ كَانَ ضَرَبَ رَقَبَتَهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَعَلَى الَّذِي شَقَّ الْبَطْنَ ثُلُثُ الدِّيَةِ أَرْشُ الْجَائِفَةِ فَإِنْ كَانَ الشَّقُّ نَفَذَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَجَبَ ثُلُثَا الدِّيَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ الشَّقُّ يُتَوَهَّمُ مَعَهُ الْحَيَاةُ بِأَنْ كَانَ يَعِيشُ مَعَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ الْحَيَاةُ وَإِنَّمَا يَضْطَرِبُ اضْطِرَابَ الْمَقْتُولِ فَالْقَاتِلُ الَّذِي شَقَّ الْبَطْنَ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَاَلَّذِي ضَرَبَ الْعُنُقَ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْمُنْكَرَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ذَبَحَ الْمَفْرُوغَ مِنْهُ وَكَذَا إذَا جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا يَعِيشُ مِنْهَا وَجَرَحَهُ آخَرُ فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ أَمَّا إذَا كَانَتَا مَعًا فَهُمَا قَاتِلَانِ ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ وَرِجْلَيْهِ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ اقْتَصَّ مِنْهُ وَتُحَزُّ رَقَبَتُهُ وَلَا يُقْطَعُ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْصِلِ عَمْدًا قُطِعَتْ يَدُهُ ، وَلَوْ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ يَدِ الْمَقْطُوعِ ) وَهَذَا كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ وَلَا قِصَاصَ قَبْلَ الْبُرْءِ .
قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ الرِّجْلُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ ، وَالْأُذُنُ ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ بِقَطْعِ ذَلِكَ الْقِصَاصُ أَمَّا الرِّجْلُ فَمَعْنَاهُ إذَا قَطَعَهَا مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ أَوْ مِنْ مَفْصِلِ الرُّكْبَةِ وَأَمَّا الْأَنْفُ فَإِنْ قُطِعَ مِنْهُ الْمَارِنُ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ بَعْضَ الْقَصَبَةِ أَوْ كُلَّهَا فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ إلَّا السِّنَّ وَأَمَّا الْأُذُنُ إذَا قَطَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَدْرِهِ وَإِلَّا فَلَا .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ فَقَلَعَهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَذَهَبَ ضَوْءُهَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ) وَأَمَّا إذَا انْخَسَفَتْ أَوْ قَوِرَتْ فَلَا قِصَاصَ وَكَيْفِيَّةُ الْقِصَاصِ فِيهَا إذَا كَانَتْ وَتُرْبَطُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَهُوَ .
قَوْلُهُ : تُحْمَى لَهُ الْمِرْآةُ وَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ أَيْ مَبْلُولٌ عَيْنُهُ الْأُخْرَى بِقُطْنٍ رَطْبٍ أَيْضًا وَيُقَابِلُ عَيْنَهُ بِالْمِرْآةِ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا قَضَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى وَكَذَا الْيَدَانِ ، وَالرِّجْلَانِ وَكَذَا أَصَابِعُهُمَا وَيُؤْخَذُ إبْهَامُ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى السَّبَّابَةِ بِالسَّبَّابَةِ ، وَالْوُسْطَى بِالْوُسْطَى وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْيُمْنَى إلَّا بِالْيُمْنَى وَلَا الْيُسْرَى إلَّا بِالْيُسْرَى .
قَوْلُهُ : ( وَفِي السِّنِّ الْقِصَاصُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ } وَسَوَاءٌ كَانَ سِنُّ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا لَا تَتَفَاوَتُ وَكَذَا الْيَدُ وَمَنْ نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَنْزُوعَةُ سِنُّهُ سِنَّ النَّازِعِ فَنَبَتَ سِنُّ الْأَوَّلِ فَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهُ لَمَّا نَبَتَتْ أُخْرَى انْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ ؛ وَلِهَذَا يَسْتَأْنِي حَوْلًا وَقِيلَ إنْ فِي سِنِّ الْبَالِغِ لَا يَسْتَأْنِي لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَنْبُتُ ، وَالنَّادِرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ لَكِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْقَلْعِ أَمَّا فِي التَّحْرِيكِ يَسْتَأْنِي حَوْلًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ، وَلَوْ قَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا عَمْدًا لَمْ تُقْلَعْ سِنُّ الْقَالِعِ بَلْ تُؤْخَذُ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطَ مَا سِوَى ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي كُلِّ شَجَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ الْقِصَاصُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } قَوْلُهُ : ( وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنّ ) وَلَا تُؤْخَذُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى وَتُؤْخَذُ الثَّنِيَّةُ بِالثَّنِيَّةِ ، وَالنَّابُ بِالنَّابِ ، وَالضِّرْسُ بِالضِّرْسِ وَلَا يُؤْخَذُ الْأَعْلَى بِالْأَسْفَلِ وَلَا الْأَسْفَلُ بِالْأَعْلَى ، وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ يُؤْخَذُ مِنْ سِنِّ الْكَاسِرِ بِقَدْرِ ذَلِكَ بِالْمِبْرَدِ وَلَا قِصَاصَ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَا قِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ ، وَاللَّكْمَةِ ، وَاللَّكْزَةِ ، وَالْوَجَاءَةِ ، وَالدَّقَّةِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِذَا آلَتْ الضَّرْبَةُ إلَى النَّفْسِ فَإِنْ كَانَتْ بِحَدِيدَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ مُحَدَّدَةٍ فَفِيهِ الْقِصَاصُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ بِشَيْءٍ لَا يَعْمَلُ عَمَلَ السِّلَاحِ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَبَعٌ لِلْجِنَايَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ ، وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ) حَتَّى لَوْ قَطَعَ يَدَهَا عَمْدًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْأَرْشَ مُخْتَلِفُ الْمِقْدَارِ ، وَالتَّكَافُؤُ مُعْتَبَرٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْيَمِينَ بِالْيَسَارِ وَلَا الْيَدَ الصَّحِيحَةَ بِالشَّلَّاءِ وَنَاقِصَةِ الْأَصَابِعِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فِي الْأَنْفُسِ فَإِنَّ التَّكَافُؤَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ ، وَالْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ فَإِنْ كَانَ التَّكَافُؤُ مُعْتَبَرًا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا تَكَافُؤَ بَيْنَ يَدِ الرَّجُلِ ، وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّ يَدَهَا تَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ يَدُهُ كَالطَّحْنِ ، وَالْخَبْزِ ، وَالْغَزْلِ وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًّا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْأَنْفُسِ ( قَوْلُهُ : وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ ، وَالْعَبْدِ ) لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ لَا تُكَافِئُ يَدَ الْحُرِّ لِأَنَّ أَرْشَهُمَا مُخْتَلِفٌ فَأَرْشُ يَدِ الْعَبْدِ قِيمَتُهَا .
قَوْلُهُ : ( وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ ) لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ ، وَالظَّنِّ .
قَوْلُهُ : ( وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالْكَافِرِ ) يَعْنِي الذِّمِّيَّ وَكَذَا بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ الْحُرَّتَيْنِ ، وَالْمُسْلِمَةِ ، وَالْكِتَابِيَّةِ وَكَذَا بَيْنَ الْكِتَابِيَّتَيْنِ ، وَلَوْ رَمَى بِسَهْمٍ إلَى مُسْلِمٍ فَقَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ السَّهْمُ ارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ فَوَقَعَ بِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّامِي فِي الْخَطَأِ ، وَفِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتُبِرَ حَالَةُ خُرُوجِ السَّهْمِ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مُبَاحَةَ الدَّمِ ، وَلَوْ رَمَى إلَى مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالَةُ الْإِصَابَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ أَوْ جَرَحَهُ جَائِفَةً ) فَبَرِئَ مِنْهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ السَّاعِدَ عَظْمٌ وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ وَلِأَنَّ هَذَا كَسْرٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكْسِرَ سَاعِدَهُ مِثْلَ مَا كَسَرَهُ وَكَذَا إذَا قَطَعَ نِصْفَ السَّاقِ وَكَذَا إذَا جَرَحَهُ جَائِفَةً لَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ وَيَجِبُ الْأَرْشُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ صَحِيحَةً وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ فَالْمَقْطُوعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ الْيَدَ الْمَعِيبَةَ وَلَا شَيْء لَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ كَامِلًا ) وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا قَطَعَ لَهُ أُصْبُعَيْنِ وَلَيْسَ لِلْقَاطِعِ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهَا وَيَأْخُذُ أَرْشَ الْأُخْرَى وَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً ، وَفِي يَدِهِ مِثْلُهَا فَلَا قِصَاصَ الْقِصَاصُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ أَمَّا سُقُوطُ الْقِصَاصِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّهُ مَاتَ بِثِقَلِهِ وَأَمَّا حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ قَتْلَهُ وَأَظْهَرَ النَّوْمَ وَإِنَّمَا أُجْرِيَ ذَلِكَ مُجْرَى الْخَطَأِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الْخَطَأِ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا قَصْدَ لَهُ فَلَا يُوصَفُ فِعْلُهُ بِعَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ فَلِهَذَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَطَأِ .
قَوْلُهُ : ( وَأَمَّا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَمِّدٍ الْقَتْلَ وَلَا خَاطِئٍ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ لِتَعَدِّيهِ .
( قَوْلُهُ : وَمُوجِبُ ذَلِكَ إذَا تَلِفَ فِيهِ آدَمِيٌّ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ وَلَا وَقَعَ بِثِقَلِهِ وَلَا يُشْبِهُ الرَّاكِبَ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا وَطِئَتْ آدَمِيًّا أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِوَطْئِهَا وَثِقَلِ الرَّاكِبِ ؛ وَلِهَذَا قَالُوا لَا كَفَّارَةَ عَلَى السَّائِقِ ، وَالْقَائِدِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا الْقَتْلَ وَلَا مَاتَ بِثِقَلِهِمَا وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِسَبَبِ الْحَفْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حَفَرَهَا فِي مَمَرِّ النَّاسِ أَمَّا فِي غَيْرِ مَمَرِّهِمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَوَاضِعُ الْحَجَرِ ) إنَّمَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَى الْحَجَرِ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ الْمَارُّ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَنَى عَلَى نَفْسِهِ بِتَعَمُّدِهِ الْمُرُورَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَحَّاهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَلِيُّ ، وَالْحَافِرُ فَقَالَ الْحَافِرُ هُوَ الَّذِي أَسْقَطَ نَفْسَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَافِرِ اسْتِحْسَانًا .
وَفِي الْخُجَنْدِيِّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ .
قَوْلُهُ : ( وَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّ دَمَهُ إنَّمَا هُوَ مَحْقُونٌ فِي دَارِنَا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِهِ وَصَارَ مُبَاحَ الدَّمِ ، وَالْحَقْنُ هُوَ الْمَنْعُ يُقَالُ حَقَنَ دَمَهُ أَيْ مَنَعَهُ أَنْ يُسْفَكَ ، وَالْحَقْنُ أَيْضًا الْحِفْظُ .
قَوْلُهُ : ( وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِسَيِّدِهِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَهُمَا ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ .
قَوْلُهُ : ( وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ نَاقِصُ عَنْ الْمَقْتُولِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَسْتَوِيَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَهُوَ أَكْمَلُ فَهَذَا أَوْلَى .
قَوْلُهُ : ( وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) ، وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَ وَهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إذَا قَتَلَ عَبْدًا لِمَوْلَاهُ .
قَوْلُهُ : ( وَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا سَرَقَ مِنْ الذِّمِّيِّ أَنَّهُ يُقْطَعُ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الْكُفْرُ .
قَوْلُهُ : ( وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ ) وَكَذَا بِالْمَجْنُونِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي النَّفْسِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ ، وَالرِّجْلَيْنِ ، وَالْأُذُنَيْنِ ، وَالْمَذَاكِيرِ وَمَفْقُوءَ الْعَيْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ وَلَا بِعَبْدِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ } وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي قَتْلِ الِابْنِ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَكَذَا لَا قِصَاصَ عَلَى الْأَبِ فِيمَا جَنَى عَلَى الِابْنِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَيْضًا وَكَذَا حُكْمُ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا لَا يُقْتَلُ بِابْنِ الِابْنِ وَكَذَا الْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَا الْجَدُّ وَسَفَلَ الْوَلَدُ وَكَذَا الْأُمُّ وَإِنْ عَلَتْ وَكَذَا الْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْنَ فَأَمَّا الِابْنُ إذَا قَتَلَ الْأَبَ أَوْ الْأُمَّ أَوْ الْجَدَّةَ أَوْ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ ، وَفِيمَا دُونَهَا .
إذَا كَانَ عَمْدًا وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْأَبِ ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَأَمَّا الْأَبُ فَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْجُزْءِ مِنْ الْوَلَدِ فَكَانَ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي قَتْلِ إنْسَانٍ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ ، وَالْآخَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَالْأَبِ ، وَالْخَاطِئِ ، وَالْعَامِدِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِالسَّيْفِ ، وَالْآخَرُ بِالْعَصَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَاَلَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْخَاطِئِ وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ شَرِيكِ الْأَبِ فَأَمَّا الْأَبُ ، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا اشْتَرَكَا الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا بِعَبْدِهِ ) لِأَنَّهُ مَالُهُ ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِإِتْلَافِ مَالِهِ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمُطَالَبَةِ بِدَمِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَسْتَحِقَّ
ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا بِمُدَبَّرِهِ وَلَا بِمَكَاتِبِهِ ) لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَمْلُوكٌ ، وَالْمُكَاتَبَ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَكَذَا لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ فَكَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهَا كَأَمَتِهِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَوْلَى بِقَتْلِ عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِ وَلَدِهِ فَإِنْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ مَوْلَاهُ عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ ) لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَإِذَا سَقَطَ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَصُورَتُهُ بِأَنْ قَتَلَ أُمَّ ابْنِهِ عَمْدًا أَوْ قَتَلَ أَخَا وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ وَهُوَ وَارِثُهُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ قَتَلَهُ الْأَبُ وَوَلَدُهُ وَارِثُهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ .
قَوْلُهُ : وَرِثَ الْقِصَاصَ وَهُوَ لِلْوَارِثِ ثَبَتَ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ عَفْوُ الْوَارِثِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُورَثِ ، وَالْمُورَثُ يَمْلِكُ الْقِصَاصَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً قُلْنَا ثَبَتَ عِنْدَ الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ أَوْ نَقُولُ تَعَيَّنَ صُورَةٌ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْإِرْثُ بِأَنْ قَتَلَ رَجُلٌ أَبَا امْرَأَتِهِ يَكُونُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَرْأَةِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الْوَاجِبَ عَلَى أَبِيهِ كَذَا فِي الْمُشْكِلِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا عَفَا الْمَجْرُوحُ ثُمَّ مَاتَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَفَوْهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْوَرَثَةِ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَأَنَّهُ أَبْرَأهُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَجُوزُ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَإِنَّمَا يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَائِهِ فَأَسْقَطَ حَقَّهُ فَإِذَا أَسْقَطَهُ جَازَ وَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَيْسَ بِمَالٍ كَالطَّلَاقِ وَقَالُوا فِي الْوَارِثِ إذَا عَفَا عَنْ الْجَارِحِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ حَقِّ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجْرُوحَ لَوْ عَفَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ الْحَقُّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِذَا عَفَا قَبْلَ ثُبُوتِ حَقِّهِ لَمْ يَجُزْ ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَجُوزُ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ الْجُرْحِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا أَبْرَأَ عَنْهُ عِنْدَ ثُبُوتِ سَبَبِ الْمَوْتِ وَهُوَ الْجِرَاحَةُ جَازَ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ إلَّا بِالسَّيْفِ ) سَوَاءٌ قَتَلَهُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدَّدِ أَوْ النَّارِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْتَلُ بِمِثْلِ الْآلَةِ الَّتِي قَتَلَ بِهَا وَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ لِأَنَّهُ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَلَنَا .
قَوْلُهُ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ } .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى فَلَهُ الْقِصَاصُ ) هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا ، وَالْحُرُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ وَإِذَا تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ فِيهِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ وَقَعَتْ ، وَالْمُسْتَحِقُّ الْمَوْلَى لِبَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِ وَحَصَلَ الْمَوْتُ ، وَالْمُسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَمَّا تَغَيَّرَ الْمُسْتَحِقُّ صَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ كَمَنْ جَرَحَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ وَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِيَ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي قِصَاصٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا قِصَاصَ لَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ جِهَتَا الِاسْتِحْقَاقِ صَارَ كَاخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فَمَنَعَ الْقِصَاصَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِحُقُوقِ الْمُكَاتَبِ فِي الْحَالَيْنِ فَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الثُّؤْلُولِ وَذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَاقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَدِيَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ الْيَدُ وَقَدْ اسْتَوْفَى النَّفْسَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقَطْعِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ .
( مَسْأَلَةٌ ) إذَا قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدٌ وَذَلِكَ لِعِلَاجٍ كَمَا إذَا وَقَعَتْ فِيهَا أَكَلَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ لَا يَحِلُّ لَهُ قَطْعُهَا فِي الْحَالَيْنِ ثُمَّ لَوْ سَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ بِالْأَمْرِ وَإِنْ قَالَ لَهُ : اُقْتُلْنِي لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ قَالَ اُقْتُلْ عَبْدِي فَقَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَالْحِجَامُ ، وَالْخِتَانُ ، وَالْبَزَّاغُ ، وَالْفِصَادُ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ إذَا كَانَ بِالْإِذْنِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا شَجَّةً فَاسْتَوْعَبَتْ الشَّجَّةُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فَالْمَشْجُوجُ بِالْخِيَارِ ) إنْ شَاءَ ( اقْتَصَّ بِمِقْدَارِ شَجَّتِهِ يَبْتَدِئُ مِنْ أَيْ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ كَامِلًا ) يَعْنِي يَأْخُذُ مِقْدَارَهَا طُولًا وَعَرْضًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ لَا تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَهِيَ تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمَشْجُوجُ أَيْضًا إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ قَدْرَ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ كَامِلًا لِلتَّعَدِّي إلَى غَيْرِ حَقِّهِ وَإِنْ شَجَّهُ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشُجَّهُ فِي مُؤَخِّرِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ ) هَذَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهُ أَمَّا إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ الْقِصَاصُ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا فِي الذَّكَرِ إذَا قُطِعَ ) لِأَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ فَلَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ .
قَوْلُهُ : ( إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الْحَشَفَةَ ) لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ كَالْمَفْصِلِ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ ذَلِكَ ، وَالشَّفَةُ إذَا اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْمُسَاوَاةُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا اصْطَلَحَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ) ثُمَّ إذَا لَمْ يَذْكُرُوا حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا فَهُوَ حَالٌّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ الْأَجَلَ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الدَّمِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ مِنْ الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَبَعَّضُ فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ سَقَطَ كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ وَعَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْآخَرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ قِصَاصَانِ وَهُنَا الْوَاجِبُ قِصَاصٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا انْقَلَبَ حَقُّ الْبَاقِينَ مَالًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا تَعَذَّرَ بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ انْتَقَلَ إلَى الْمَالِ وَأَمَّا الْعَافِي فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ ثُمَّ مَا يَجِبُ لِلْبَاقِينَ مِنْ الْمَالِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ ، وَالْعَمْدُ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَيَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَلَوْ عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ الْقِصَاصِ فَقَتَلَهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَفْوِ أَوْ عَلِمَ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ : عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِالْعَفْوِ فَصَارَ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ أَبَاهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ أَبَاهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِعَفْوِ صَاحِبِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ دَمَهُ صَارَ حَرَامًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إجْمَاعًا وَلَهُ عَلَى الْمَقْتُولِ نِصْفُ الدِّيَةِ .
( مَسْأَلَةٌ ) رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلَيْنِ وَوَلِيُّهُمَا وَاحِدٌ فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْقِصَاصِ فِي أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِالْآخَرِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا نَسَمَةً وَاحِدَةً فِي الِاثْنَيْنِ فَإِذَا عَفَا فِي أَحَدِهِمَا فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ الْقِصَاصَ فِي نِصْفِهِ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَقْتَصَّ دُونَ بَعْضٍ .
حَتَّى يَجْتَمِعُوا فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا لَمْ يَقْتُلْ الْقَاتِلَ حَتَّى يَحْضُرُوا جَمِيعًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ قَدْ عَفَا وَلَيْسَ لِلْغَائِبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ اسْتَوْفَى مَعَ غَيْبَتِهِ اسْتَوْفَاهُ مَعَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَفَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَفَا لَأَظْهَرَ الْعَفْوَ وَمَنْ عَفَا مِنْ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقِصَاصِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ امْرَأَةً فَعَفَا زَوْجُهَا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ لِأَنَّ الدَّمَ مَوْرُوثٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةَ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَحَضَرَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ قُتِلَ بِجَمَاعَتِهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قُتِلَ لَهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَبَعَّضُ فَإِذَا قُتِلَ بِجَمَاعَةٍ صَارَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَتَلَهُ عَلَى الِانْفِرَادِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَمَاتَ سَقَطَ الْقِصَاصُ ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) لِأَنَّ الْيَدَ تَتَبَعَّضُ فَيَصِيرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آخِذًا لِبَعْضِهَا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِخِلَافِ النَّفْسِ لِأَنَّ الْإِزْهَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ ( .
قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ ) يَعْنِي نِصْفَ دِيَةِ جَمِيعِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ دِيَةَ الْيَدِ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا إذَا جَنَى رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْوَاحِدِ فِيهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ قَلَعَا سِنَّهُ أَوْ قَطَعَا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَعَلَيْهِمَا الْأَرْشُ نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ هَذَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ الْأَرْشُ عَلَى عَدَدِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِينَ وَإِنْ كَثُرُوا .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قَطَعَ وَاحِدٌ يُمْنًى رَجُلَيْنِ فَحَضَرَا فَلَهُمَا أَنْ يَقْطَعَا يَمِينَهُ وَيَأْخُذَا مِنْهُ نِصْفَ الدِّيَةِ يَقْتَسِمَانِهَا نِصْفَيْنِ ) يَعْنِي يَأْخُذَانِ مِنْهُ دِيَةَ يَدٍ وَاحِدَةٍ يَقْتَسِمَانِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ وَبَقِيَ لَهُ الْبَعْضُ فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ إلَى الْأَرْشِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَطَعَ يَدَهُ وَلِلْآخِرِ عَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ ) يَعْنِي نِصْفَ دِيَةِ جَمِيعِ الْإِنْسَانِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الْيَدِ وَإِنَّمَا سَقَطَ حَقُّهُ عَنْ بَعْضِهَا بِالْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا غَابَ الْآخَرُ فَلَا مُزَاحَمَةَ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَلَا يَلْزَمُهُ انْتِظَارُ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ دِيَةُ يَدِهِ وَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَكَانَ لِلثَّانِي أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا تَعَيَّنَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَالَ اقْطَعُوهُ ثُمَّ اُقْتُلُوهُ وَإِنْ شَاءَ قَالَ اُقْتُلُوهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ مَعْنَاهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُهُ وَسَقَطَ حُكْمُ الْيَدِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ يُلَاقِي حَقَّ الْمَوْلَى بِالْإِبْطَالِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِنَفْسِهِ فَقِيلَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى وَكَانَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ مِنْهُ السَّهْمُ إلَى آخَرَ فَمَاتَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِلْأَوَّلِ ، وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي عَلَى عَاقِلَتِهِ ) لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ إحْدَاهُمَا عَمْدٌ وَمُوجَبُهَا الْقِصَاصُ ، وَالثَّانِيَةُ خَطَأٌ وَمُوجَبُهَا الدِّيَةُ وَمَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ كَانَ عَلَى الْعَاقِلَةِ .
( كِتَابُ الدِّيَاتِ ) الدِّيَةُ بَدَلُ النَّفْسِ ، وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ، وَالدِّيَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُؤَدَّى فِي بَدَلِ الْإِنْسَانِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَالْقِيمَةُ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَائِبِ وَلَمْ يُسَمِّ الدِّيَةَ قِيمَةً لِأَنَّ فِي قِيَامِهَا مَقَامَ الْفَائِتِ قُصُورًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الدِّيَةُ تَجِبُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ ، وَفِي شَبَهِ الْعَمْدِ ، وَفِي الْقَتْلِ بِسَبَبٍ ، وَفِي قَتْلِ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ وَهَذِهِ الدِّيَاتُ كُلُّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا قَتْلَ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَإِنَّهَا فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا شَبَهَ عَمْدٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ) سُمِّيَ هَذَا الْقَتْلُ شَبَهَ عَمْدٍ لِأَنَّهُ شَابَهُ الْعَمْدَ حِينَ قَصَدَ بِهِ الْقَتْلَ وَشَابَهُ الْخَطَأَ حِينَ لَمْ يَضْرِبْهُ بِسِلَاحٍ وَلَا بِمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَصَارَ عَمْدًا خَطَأً .
قَوْلُهُ : ( وَدِيَةُ شَبَهِ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا إلَى آخِرِهِ ) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَثْلَاثًا ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا حَامِلَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا يَعْنِي الْأَرْبَعِينَ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يُثْبِتُوهُ إلَّا فِيهَا .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تَتَغَلَّظْ ) حَتَّى أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي الْفِضَّةِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَا فِي الذَّهَبِ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ .
قَوْلُهُ : ( وَقَتْلُ الْخَطَأِ يَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } قَوْلُهُ : ( وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا إلَى آخِرِهِ ) وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّهُمَا جَعَلَا بَدَلَ ابْنِ الْمَخَاضِ ابْنَ لَبُونٍ .
قَوْلُهُ : ( وَمِنْ الْعَيْنِ أَلْفُ دِينَارٍ ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ .
قَوْلُهُ : ( وَمِنْ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافٍ ) يَعْنِي وَزْنَ سَبْعَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ ) إزَارٌ وَرِدَاءٌ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ كُلِّ شَاةٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ .
قَوْلُهُ : ( وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ ، وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا دِيَةَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ ، وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ جُعِلَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ فِي مِيرَاثِهَا وَشَهَادَتِهَا فَكَذَا فِي دِيَتِهَا وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُعْتَبَرٌ بِدِيَتِهَا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَالرَّجُلُ ، وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَأَلَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ قَطَعَ أُصْبُعَ امْرَأَةٍ فَقَالَ فِيهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ قَالَ فِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ فَإِنْ
قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ قَالَ فِيهَا ثَلَاثُونَ قَالَ فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعًا قَالَ فِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ رَبِيعَةُ لَمَّا عَظُمَ أَلَمُهَا وَزَادَتْ مُصِيبَتُهَا قَلَّ أَرْشُهَا فَقَالَ لَهُ أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ ؟ قَالَ : لَا بَلْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ قَالَ هَكَذَا السُّنَّةُ أَرَادَ سُنَّةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَيُسَمَّى الْأَرْنَبَةَ ، وَلَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ ) يَعْنِي اللِّسَانَ الْفَصِيحَ أَمَّا لِسَانُ الْأَخْرَسِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَكَذَا فِي قَطْعِ بَعْضِ اللِّسَانِ إذَا مَنَعَ الْكَلَامَ تَجِبُ الدِّيَةَ كَامِلَةً لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ دُونَ بَعْضٍ قُسِمَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرُوفِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِيهِ الدِّيَةُ بِقِسْطِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى حُرُوفِ اللِّسَانِ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا الْأَلِفُ ، وَالتَّاءُ ، وَالثَّاءُ ، وَالدَّالُ ، وَالْجِيمُ ، وَالذَّالُ ، وَالرَّاءُ ، وَالزَّايُ ، وَالسِّينُ ، وَالشِّينُ ، وَالصَّادُ ، وَالضَّادُ ، وَالطَّاءُ ، وَالظَّاءُ ، وَالْكَافُ ، وَاللَّامُ ، وَالنُّونُ ، وَالْيَاءُ قَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ ) يَعْنِي الذَّكَرَ الصَّحِيحَ أَمَّا ذَكَرُ الْعِنِّينِ ، وَالْخَصِيِّ ، وَالْخُنْثَى فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِذَلِكَ مَنْفَعَةُ الْوَطْءِ ، وَالْإِيلَاجِ ، وَالرَّمْيِ بِالْبَوْلِ وَدَفْعُ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْإِعْلَاقِ وَكَذَا فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ ، وَالدَّفْقِ ، وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَطَعَ الذَّكَرَ ، وَالْأُنْثَيَانِ بَاقِيَتَانِ أَمَّا إذَا قُطِعَ وَقَدْ كَانَتَا قُطِعَتَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ بِقَطْعِهَا يَصِيرُ خَصِيًّا ، وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ حُكُومَةٌ وَلِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلذَّكَرِ مَعَ فَقْدِهِمَا وَإِنْ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَالذَّكَرَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ قَطَعَهُمَا عَرَضًا يَجِبُ دِيَتَانِ وَإِنْ قَطَعَهُمَا طُولًا إنْ قَطَعَ الذَّكَرَ أَوَّلًا ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ دِيَتَانِ وَإِنْ بَدَأَ بِالْأُنْثَيَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالذَّكَرِ فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَفِي الذَّكَرِ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلذَّكَرِ مَعَ فَقْدِهِمَا ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ : الْأَعْضَاءُ الَّتِي تَجِبُ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ ثَلَاثَةٌ اللِّسَانُ ، وَالْأَنْفُ ، وَالذَّكَرُ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْعَقْلِ إذَا ضَرَبَ رَأْسَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ الدِّيَةُ ) لِأَنَّ بِذَهَابِ الْعَقْلِ يَتْلَفُ مَنْفَعَةُ الْأَعْضَاءِ فَصَارَ كَتَلَفِ النَّفْسِ وَلِأَنَّ أَفْعَالَ الْمَجْنُونِ تَجْرِي مَجْرَى أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ وَكَذَا إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ أَوْ كَلَامُهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَكَلَامُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي اللِّحْيَةِ إذَا حُلِقَتْ فَلَمْ تَنْبُتْ الدِّيَةُ ) يَعْنِي لِحْيَةَ الرَّجُلِ أَمَّا لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا لِأَنَّهَا نَقْصٌ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ أَنَّ اللِّحْيَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ كَانَتْ وَافِرَةً تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَإِنْ كَانَتْ شُعَيْرَاتٍ قَلِيلَةً مُجْتَمَعَةً لَا يَقَعُ بِهَا جَمَالٌ كَامِلٌ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ كَانَتْ شَعَرَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ تَشِينُهُ فَلَا شَيْءَ فِيهَا لِأَنَّهُ أَزَالَ عَنْهُ الشَّيْنَ فَإِنْ نَبَتَتْ بَيْضَاءَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ فِي الْحُرِّ ، وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةٌ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةٌ فِي الْحُرِّ أَيْضًا وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ ، وَالْخَطَأُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ كَبَعْضِ أَطْرَافِهَا ، وَفِي لِحْيَةِ الْعَبْدِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ حُكُومَةٌ ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِيهَا كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ ، وَفِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ .
قَوْلُهُ : ( ، وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْبُتْ سَوَاءٌ حَلَقَهُ أَوْ نَتَفَهُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ ، وَالْمَرْأَةُ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي التَّجَمُّلِ بِهِ وَأَمَّا شَعْرُ الصَّدْرِ ، وَالسَّاقِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَجَمَّلُ بِهِ الْجَمَالَ الْكَامِلَ وَلَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَ رَجُلٍ فَنَبِتْ أَبْيَضَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شَيْءَ فِيهِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَفِيهِ أَرْشُ النُّقْصَانِ .
قَوْلُهُ : ( ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ ، وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ ) ، وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الْمُبْصِرَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَا فِي عَيْنِ الْأَحْوَلِ ، وَالْأَعْمَشِ وَقَوْلُهُ : وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ يَعْنِي دِيَةَ الْمَرْأَةِ وَهِيَ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ ، وَفِي حَلَمَتَيْ ثَدْيَيْهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً لِفَوَاتِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ اللَّبَنِ ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَفِي ثَدْيَيْ الْخُنْثَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا فِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَعِنْدَهُمَا نِصْفُ مَا فِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ وَنِصْفُ مَا فِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ عَلَى أَصْلِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ ، وَفِي يَدِ الْخُنْثَى مَا فِي يَدِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا نِصْفُ مَا فِي يَدِ الرَّجُلِ وَنِصْفُ مَا فِي يَدِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ قُتِلَ الْخُنْثَى عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ ، وَفِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا رُبْعُ الدِّيَةِ ) هَذَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ أَمَّا إذَا نَبَتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ لِأَنَّهُ شَعْرٌ وَلَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ ، وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا
فَفِيهَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَصَارَ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ ، وَالرِّجْلَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ .
قَوْلُهُ : ( وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ ) يَعْنِي صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا سَوَاءٌ قَطَعَ الْأَصَابِعَ دُونَ الْكَفِّ أَوْ قَطَعَ الْكَفَّ ، وَفِيهِ الْأَصَابِعُ وَكَذَا الْقَدَمُ مَعَ الْأَصَابِعِ ، وَلَوْ قَطَعَ الْكَفَّ مَعَ الزَّنْدِ ، وَفِيهِ الْأَصَابِعُ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْأَصَابِعِ وَيَدْخُلُ الْكَفُّ فِيهَا تَبَعًا لِأَنَّ الْكَفَّ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا إلَّا بِهَا وَإِنْ قَطَعَ الْيَدَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ فَفِي الْأَصَابِعِ دِيَتُهَا ، وَفِي السَّاعِدِ حُكُومَةٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَدْخُلُ أَرْشُ السَّاعِدِ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ وَإِنْ قَطَعَ الذِّرَاعَ مِنْ الْمَفْصِلِ خَطَأً فَفِي الْكَفِّ ، وَالْأَصَابِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَفِي الذِّرَاعِ حُكُومَةٌ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَالذِّرَاعُ تَبَعٌ وَمَا فَوْقَ الْكَفِّ تَبَعٌ وَكَذَا لَوْ قَطَعَ الْيَدَ مَعَ الْعَضُدِ أَوْ الرِّجْلَ مَعَ الْفَخِذِ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَمَا فَوْقَ الْقَدَمِ عِنْدَهُ تَبَعٌ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتْبَعُ الْأَصَابِعَ غَيْرُ الْكَفِّ وَكَذَا أَصَابِعُ الرِّجْلِ لَا يَتْبَعُهَا غَيْرُ الْقَدَمِ .
قَوْلُهُ : ( وَكُلُّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَمَا فِيهَا مَفْصِلَانِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ ) لِأَنَّ مَا فِي الْأُصْبُعِ يَنْقَسِمُ عَلَى أَصْلِهَا كَمَا انْقَسَمَ مَا فِي الْيَدِ عَلَى عَدَدِ الْأَصَابِعِ ، وَالْقَطْعُ ، وَالشَّلَلُ سَوَاءٌ إذَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ خَطَأً أَمَّا فِي الْعَمْدِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَدِيَةُ سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ سِنِّ الرَّجُلِ وَقَوْلُهُ : خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهَذَا إذَا سَقَطَتْ أَوْ اسْوَدَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ وَلَمْ تَسْقُطْ فَإِنَّ فِيهَا الْأَرْشَ تَامًّا وَلَا قِصَاصَ فِيهَا إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُضْرَبَ سِنُّهُ فَتَسْوَدَّ أَوْ تَخْضَرَّ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ وَأَمَّا إذَا اصْفَرَّتْ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ تَجِبُ حُكُومَةٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَحُكُومَةٌ وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَا شَيْءَ فِيهَا ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ حُرًّا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحُكُومَةٌ وَعِنْدَهُمَا حُكُومَةٌ فِي الْحُرِّ ، وَالْعَبْدِ .
وَعِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ أَرْشُهَا تَامًّا .
قَوْلُهُ : ( وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ ) لِأَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الطَّوَاحِينَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَنْفَعَةُ الطَّحْنِ فَفِي الضَّوَاحِكِ زِينَةٌ تُسَاوِي ذَلِكَ ، وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى فَمِهِ حَتَّى أَسْقَطَ أَسْنَانَهُ كُلَّهَا وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنْهَا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ كَانَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ دِيَةٍ وَهِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَثُلُثٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهَا ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَخْمَاسِ ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ ضَرَبَ عُضْوًا فَأَذْهَبَ مَنْفَعَتَهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ كَالْيَدِ إذَا شُلَّتْ ، وَالْعَيْنِ إذَا ذَهَبَ ضَوْءُهَا ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعُضْوِ الْمَنْفَعَةُ فَذَهَابُ مَنْفَعَتِهِ كَذَهَابِ عَيْنِهِ وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ رَجُلٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ يَجِبُ الدِّيَةُ وَكَذَا لَوْ أَحْدَبَهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ اسْتِوَاءُ الْقَامَةِ فَإِنْ زَالَتْ الْحُدُوبَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَالشِّجَاجُ عَشَرَةٌ ) يَعْنِي الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ ، وَالرَّأْسِ لِأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ فِي الْبَدَنِ لَا يُقَالُ لَهُ شَجَّةٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ جِرَاحَةٌ .
قَوْلُهُ : ( الْحَارِصَةُ ، وَالدَّامِعَةُ ، وَالدَّامِيَةُ ، وَالْبَاضِعَةُ ، وَالْمُتَلَاحِمَةُ ) فَالْحَارِصَةُ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ ، وَالدَّامِعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ ، وَقِيلَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسِيلُهُ وَالدَّامِيَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ وَيَسِيلُ ، وَالْبَاضِعَةُ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ ، وَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَذْهَبُ فِي اللَّحْمِ أَكْثَرَ مِنْ الْبَاضِعَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَالسِّمْحَاقُ ، وَالْمُوضِحَةُ ، وَالْهَاشِمَةُ ، وَالْمُنَقِّلَةُ ، وَالْآمَّةُ ) فَالسِّمْحَاقُ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ تُسَمَّى تِلْكَ الْجِلْدَةُ السِّمْحَاقَ لِخِفَّتِهَا وَرِقَّتِهَا وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغَيْمِ الرَّقِيقِ سَمَاحِيقُ ، وَالْمُوضِحَةُ هِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ ، وَالْهَاشِمَةُ هِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ ، وَالْمُنَقِّلَةُ هِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ أَيْ تُحَوِّلُهُ ، وَالْآمَّةُ هِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَهِيَ جِلْدَةٌ تَحْتَ الْعَظْمِ فَوْقَ الدِّمَاغِ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ وَهِيَ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغُ وَبَعْدَهَا الدَّامِغَةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعِيشُ مَعَهَا فِي الْغَالِبِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهَا .
قَوْلُهُ : ( فَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَتْ عَمْدًا ) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهَا مُمْكِنَةٌ بِأَنْ تَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَسَاوَيَانِ وَلَا تَكُونُ الْمُوضِحَةُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُوضِحَةَ لِأَنَّ مَا فَوْقَهَا مِنْ الشِّجَاجِ لَا قِصَاصَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا كَالْهَاشِمَةِ ، وَالْمُنَقِّلَةِ ، وَالْآمَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا