كتاب : الجوهرة النيرة
المؤلف : أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني
الْوَقْتِ إذَا صَلَّى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِخُرُوجِهِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ كَانَ فَرْضُ الْوَقْتِ هُوَ الْعَصْرَ وَإِذَا نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ كَانَ نَاوِيًا لِلْعَصْرِ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ لَا تَجُوزُ بِنِيَّةِ الْعَصْرِ ، وَإِنْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ جَازَ ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَاعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَأَدَّى بِاللِّسَانِ ؛ لِأَنَّهَا إرَادَةٌ وَالْإِرَادَةُ عَمَلُ الْقَلْبِ لَا عَمَلُ اللِّسَانِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ اللِّسَانِ يُسَمَّى كَلَامًا لَا إرَادَةً إلَّا أَنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ مَعَ عَمَلِ الْقَلْبِ سُنَّةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَشْغَلَ قَلْبَهُ بِالنِّيَّةِ وَلِسَانَهُ بِالذِّكْرِ وَيَدَهُ بِالرَّفْعِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ مُطْلَقُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرَاوِيحِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةِ التَّرَاوِيحِ ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ تَجُوزُ التَّرَاوِيحُ وَالسُّنَنُ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي السُّنَّةِ أَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ وَفِي الْوِتْرِ أَنْ يَنْوِيَ الْوِتْرَ ، وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَدَاءُ فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَلَا سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَلَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ إلَّا مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَفَرَ ثُمَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا وَمَنْ كَانَ نَائِيًا عَنْهَا فَفَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا أَيْضًا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ اشْتِرَاطُ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِلنَّائِي فَعَلَى قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ يُشْتَرَطُ وَعَلَى الصَّحِيحِ لَا يُشْتَرَطُ ، وَإِنْ صَلَّى إلَى الْحَطِيمِ أَوْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَنْوِ الْكَعْبَةَ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَفَرْضُهُ الْعَيْنُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إصَابَتِهَا بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّ قِبْلَةَ الْمَدِينَةِ ثَبَتَتْ مِنْ حَيْثُ النَّصُّ وَسَائِرُ الْبِقَاعِ بِالِاجْتِهَادِ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَكُونَ خَائِفًا فَيُصَلِّيَ إلَى أَيِّ وِجْهَةٍ قَدَرَ ) سَوَاءٌ كَانَ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ أَوْ كَانَ عَلَى خَشَبَةٍ فِي الْبَحْرِ إنْ انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ أَنْ يَغْرَقَ أَوْ الْمَرِيضُ لَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ يَجِدُ إلَّا أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالتَّحْوِيلِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا اجْتَهَدَ وَصَلَّى ) الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ اجْتِهَادُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجِهَاتِ قِيلَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ ، وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ لَا يَشُكَّ وَلَا يَتَحَرَّى وَجَوَابُهُ أَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ وَالثَّانِي أَنْ يَشُكَّ وَلَا يَتَحَرَّى ، وَجَوَابُهُ أَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى الْفَسَادِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ
الْقِبْلَةَ لَا يُعِيدُ ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ اسْتَأْنَفَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ وَالثَّالِثُ أَنْ يَشُكَّ وَيَتَحَرَّى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَوَازِ وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً إجْمَاعًا فَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يُشِيرُ إلَيْهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ بِالدَّلَائِلِ فَإِذَا فَرَّطَ لَمْ يَكُنْ الْجَهْلُ عُذْرًا مِنْ الدَّلَائِلِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْقُطْبُ ( قَوْلُهُ : بِحَضْرَتِهِ ) حَدُّ الْحَضْرَةِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ بِهِ سَمِعَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ مَنْ يَسْأَلُهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ سُؤَالُهُ وَالْأَخْذُ بِقَوْلِهِ ، وَلَوْ خَالَفَ رَأْيَهُ إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَكَانَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ ، وَكَذَا الْأَعْمَى إذَا لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الشُّرُوعِ مَنْ يَسْأَلُهُ وَأَخْطَأَ جَازَ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ، وَلَوْ اجْتَهَدَ وَبِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ الْقِبْلَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ ) لِأَنَّ فَرْضَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حِينَ عَلِمَ فَلَزِمَهُ الِاسْتِدَارَةُ ، وَلَوْ سَأَلَ قَوْمًا بِحَضْرَتِهِ فَلَمْ يُخْبِرْهُ حَتَّى صَلَّى بِالتَّحَرِّي ثُمَّ أَخْبَرُوهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ
أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إلَى الْقِبْلَةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ تَرَكَ مَنْ يَسْأَلُهُ بِحَضْرَتِهِ فَصَلَّى وَأَصَابَ الْقِبْلَةَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَإِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ صَلَّى إلَى غَيْرِهَا فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ ، وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ اعْلَمْ أَنَّ الْوَصْفَ كَلَامُ الْوَاصِفِ وَالصِّفَةَ هِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِ الْمَوْصُوفِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ زَيْدٌ عَالِمٌ وَصْفٌ لِزَيْدٍ لَا صِفَةٌ لَهُ وَالْعِلْمُ الْقَائِمُ بِهِ صِفَتُهُ لَا وَصْفُهُ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ قِيَامَ الْوَصْفِ بِالْوَاصِفِ وَقِيَامَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ ) أَيْ فَرَائِضُ نَفْسِ الصَّلَاةِ ، وَالْقِيَاسُ سِتٌّ بِدُونِ الْهَاءِ ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ لَكِنَّهُ قَالَ عَلَى تَأْوِيلِ الْفُرُوضِ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ الصَّلَاةِ لِلْمَعْهُودِ أَيْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ .
( قَوْلُهُ : التَّحْرِيمَةُ ) يَعْنِي تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ عَدَّهَا مِنْ الْفُرُوضِ لِاتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَابِ لِلدَّارِ فَإِنَّ الْبَابَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَهُوَ يُعَدُّ مِنْهَا وَسُمِّيَتْ تَحْرِيمَةً ؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَهَا مِنْ الْكَلَامِ وَالِالْتِفَاتِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا وَفَرْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا فَسَدَتْ الْفَرِيضَةُ تَنْقَلِبُ نَفْلًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا وَفِيمَا إذَا شَرَعَ فِي الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ زَالَتْ الشَّمْسُ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ لَا ، فَإِنْ قُبِلَتْ فَقَدْ صَارَتْ الشُّرُوطُ سَبْعَةً وَالْفُرُوضُ خَمْسَةً وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْعَدَدِ فَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ الطَّهَارَةُ بِأَنْوَاعِهَا وَاحِدَةٌ وَالسَّادِسُ التَّحْرِيمَةُ وَالْفُرُوضُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالسَّادِسُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالصُّنْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالطُّمَأْنِينَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ عِنْدَهُمَا .
( قَوْلُهُ : وَالْقِيَامُ ) يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ وَحَدُّ الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إذَا مَدَّ يَدَيْهِ لَا يَنَالُ
رُكْبَتَيْهِ وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ عَلَى أَحَدِ الْقَدَمَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ وَلِلْعُذْرِ لَا تُكْرَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى .
( قَوْلُهُ : وَالْقِرَاءَةُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْقِرَاءَةُ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ فَثَبَتَتْ أَنَّهَا فِي الصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ : وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } فَالرُّكُوعُ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودُ هُوَ الِانْخِفَاضُ .
( قَوْلُهُ : وَالْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ فَرَغَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَتَكَلَّمَ أَوْ أَكَلَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ قَالَ فِي الْمُحِيطِ : لَوْ فَرَغَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَتَكَلَّمَ أَوْ أَكَلَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ .
( قَوْلُهُ : وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ ) أُطْلِقَ اسْمُ السُّنَّةِ وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ السُّورَةِ إلَيْهَا وَمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالسُّجُودِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَاهِيًا وَقَامَ وَصَلَّى تَمَامَ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ الْمَتْرُوكَةَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا وَمِنْ الْوَاجِبَاتِ أَيْضًا الْقَعْدَةُ الْأُولَى وَقِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْقُنُوتُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالْمُخَافَتَةُ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ وَلِهَذَا وَجَبَ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا وَإِنَّمَا سَمَّاهَا سُنَّةً ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ كَبَّرَ ) أَيْ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ } أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ .
( قَوْلُهُ : كَبَّرَ ) أَيْ عَظَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ ( قَوْلُهُ : وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ ) الرَّفْعُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَقَوْلُهُ مَعَ التَّكْبِيرَةِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا فَإِذَا اسْتَقَرَّتَا فِي مَوْضِعِ الْمُحَاذَاةِ كَبَّرَ ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ كَأَنَّهُ نَبَذَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَالْيَدُ الْيُمْنَى كَالْآخِرَةِ وَالْيُسْرَى كَالدُّنْيَا ؛ وَلِأَنَّ فِي الرَّفْعِ نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِمَنْزِلَةِ إثْبَاتِ الْكِبْرِيَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا تَصِحُّ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ إلَّا فِي حَالِ الْقِيَامِ أَمَّا إذَا حَنَى ظَهْرَهُ ثُمَّ كَبَّرَ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ لَا يَصِحُّ .
( قَوْلُهُ : حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ حَذْوَ رَأْسِهِ وَقَالَ طَاوُسٍ فَوْقَ رَأْسِهِ وَأَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرْفَعُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّكْبِيرُ فِي الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا فِي الرَّفْعِ كَالرَّجُلِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ بَدَلًا مِنْ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ) وَهَلْ يُكْرَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ عِنْدَهُمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا .
وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ } وَقَوْلُهُ بَدَلًا مِنْ التَّكْبِيرِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَغَيْرُهُ بَدَلٌ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ سَاهِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَهْوٌ إلَّا فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى .
( قَوْلُهُ : أَجْزَأَهُ ) هَذَا إذَا قَرَنَ اسْمَ اللَّهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ أَكْبَرُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ الِاسْمِ لَمْ يَكْمُلْ بِهِ التَّعْظِيمُ وَالثَّنَاءُ وَإِذَا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ فَقَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَوْ الرَّبُّ صَحَّ دُخُولُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ مَعَ الِاسْمِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْظِيمِ بِذِكْرِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ ، وَلَوْ افْتَتَحَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ بِسُبْحَانَ اللَّهَ تَبَارَكَ اللَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ أَوْ لَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَلْفَاظٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ اللَّهُ كَبِيرٌ اللَّهُ الْكَبِيرُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ } فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَحْرِيمَ بِغَيْرِهِ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } وَلَوْ قَالَ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ الرَّحْمَنُ جَازَ وَلَوْ قَالَ الرَّحِيمُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا ؛
لِأَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ كَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي هَذَا ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا أَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَوْ حَوْقَلَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَلَوْ افْتَتَحَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُكْرَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُجْزِئُهُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ .
( قَوْلُهُ : وَيَعْتَمِدُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ) وَقَالَ مَالِكٌ يُرْسِلُ يَدَيْهِ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلّ يَمِينه عَلَى شِمَالِهِ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضَعُ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ رُسْغَهُ الْيُسْرَى وَاسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيُحَلِّقَ بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى الرُّسْغِ وَوَقْتُهُ حِينَ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَضَعُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ لِاعْتِمَادِ سُنَّةِ الْقِيَامِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يُرْسِلَ حَالَةَ الثَّنَاءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ حَتَّى إنَّهُ يُرْسِلُ حَالَةَ الثَّنَاءِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يُعْتَمَدُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيَعْتَمِدُ فِي حَالَةِ الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك حِينَ تَقُومُ } .
( قَوْلُهُ : وَتَبَارَكَ اسْمُك ) أَيْ دَامَ خَيْرُك وَالْبَرَكَةُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ قَالَ صَاحِبُ الْحَوَاشِي مِنْ بَرَكَةِ اسْمِهِ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا جَاوَرَ جِلْدًا مُهَانًا لَا يَمَسُّ ذَلِكَ الْجِلْدَ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ ( قَوْلُهُ : وَتَعَالَى جَدُّك ) أَيْ عَظَمَتُك وَالْجَدُّ هُوَ الْعَظَمَةُ وَالْجَلَالُ ( قَوْلُهُ : وَلَا إلَهَ غَيْرُك ) الْمَشْهُورُ فِي إلَهٍ الْفَتْحُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ الْمُؤْتَمُّ الصَّلَاةَ بَعْدَمَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ لَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ بَلْ يَسْمَعُ وَيُنْصِتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } وَقِيلَ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ
بَيْنَ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ كَلِمَةً كَلِمَةً .
( قَوْلُهُ : وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) أَيْ يَلْجَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُقَالُ عُذْت بِفُلَانٍ أَيْ لَجَأْت إلَيْهِ وَسُمِّيَ الشَّيْطَانُ لِشُطُونِهِ عَنْ الْخَيْرِ أَيْ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَالشَّيْطَانُ الْبَعِيدُ وَالرَّجِيمُ بِمَعْنَى الْمَرْجُومِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ وَيَقْرُبَ مِنْهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ إنَّ التَّعَوُّذَ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِافْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْتِي بِهِ وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَقِيبَ الثَّنَاءِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ وَعِنْدَهُمَا بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ لَا يَأْتِي بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ عَقِيبَ الثَّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا يَأْتِي بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ الْآنَ وَاخْتَارَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا الْمَعَانِي فَيَقَعُ بِهَا الْإِعْجَازُ ( قَوْلُهُ : وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) لَمَّا قَالَ يَقْرَأُ وَفَصَلَهَا عَنْ الثَّنَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَأَمْرُهُ بِالْمُخَافَتَةِ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ بَلْ هِيَ آيَةٌ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ وَلِهَذَا كُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ بِخَطٍّ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يَتَأَدَّى بِهَا فَرْضُ الْقِرَاءَةِ ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ وَلَيْسَتْ بِآيَةٍ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَهُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ قَوْلَانِ وَفِي تَكْرَارِهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّةً وَلَا يُعِيدُهَا فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ
يَقْرَؤُهَا فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ وَلَا يَقْرَؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَبَعْدَهَا لِلسُّورَةِ وَهَذَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ أَمَّا فِي الْجَهْرِيَّةِ فَلَا يُعِيدُهَا فِيهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّةً وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيُسِرُّ بِهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْهَرُ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَقْرَؤُهَا لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا إلَّا فِي التَّرَاوِيحِ يَفْتَتِحُ بِهَا السُّورَةَ دُونَ الْفَاتِحَةِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ) سُمِّيَتْ فَاتِحَةً ؛ لِأَنَّهَا يُفْتَتَحُ بِهَا الْقِرَاءَةُ أَيْ يَبْدَأُ وَتُسَمَّى الْوَافِيَةَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَصِفُ فِي الصَّلَاةِ وَتُسَمَّى السَّبْعَ الْمَثَانِي ؛ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثُمَّ قِرَاءَتُهَا لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا عِنْدَنَا وَكَذَا ضَمُّ السُّورَةِ إلَيْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَاتِحَةِ وَلِمَالِكٍ فِيهِمَا لَنَا قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَالتَّعْيِينُ يَنْفِي التَّيْسِيرَ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ ) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ خِفْيَةً وَالضَّالُّونَ هُمْ النَّصَارَى وَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمْ الْيَهُودُ .
( قَوْلُهُ : وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ وَيُخْفِيهَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا } وَإِذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ هَلْ يُؤَمِّنُ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ } وَلَمْ يُفَصِّلْ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُؤَمِّنُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَغْوٌ فَلَا يُتْبَعُ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ إذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْمُقْتَدَى التَّأْمِينَ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يُؤَمِّنُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُخْفِي الْإِمَامُ التَّعَوُّذَ وَالتَّشَهُّدَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ ) .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ فَفِي الْأَوَّلِ يُكَبِّرُ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ وَفِي الثَّانِي يَقْتَضِي مُقَارَنَةَ التَّكْبِيرِ مَعَ الِانْحِطَاطِ وَيَحْذِفُ الْمَدَّ فِي التَّكْبِيرِ وَلَا يُطَوِّلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا وَهُوَ كُفْرٌ وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ .
وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً فَإِنْ قَالَ آللَّهُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ فَهَذَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَإِنْ تَعَمَّدْ يَكْفُرْ ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ وَأَمَّا إذَا خَلَّلَ الْأَلِفَ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ ؛ لِأَنَّهُ إشْبَاعٌ وَلَكِنَّ الْحَذْفَ أَوْلَى وَأَمَّا إذَا مَدَّ الْهَمْزَةَ مِنْ أَكْبَرُ تُفْسِدُ أَيْضًا لِمَكَانِ الشَّكِّ وَإِنْ مَدَّ مَا بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ بِأَنْ وَسَّطَ أَلِفًا بَيْنَهُمَا قَالَ بَعْضُهُمْ يُفْسِدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُفْسِدُ وَيَجْزِمُ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الرَّفْعُ بِالْخَبَرِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { الْآذَانُ جَزْمٌ وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ } .
( قَوْلُهُ : وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَفْرِجُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ) وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَلَا إلَى الضَّمِّ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ لِيَقَعَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ مُوَاجِهَةً لِلْقِبْلَةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يَتَكَلَّفُ لَا لِلضَّمِّ وَلَا لِلتَّفْرِيجِ ( قَوْلُهُ : وَيَبْسُطُ ظَهْرَهُ وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ ) رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَعْتَدِلُ فِي رُكُوعِهِ بِحَيْثُ لَوْ وُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ لَمْ يُهْرَقْ } وَلَوْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ رَاكِعٌ فَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ مُنْحَنِيًا إنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَلَوْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَكَعَ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ قَلِيلًا إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ أَقْرَبَ أَجْزَأَهُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ كَانَ أَحْدَبَ تَبْلُغُ حُدُوبَتُهُ إلَى الرُّكُوعِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْفِضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ أَكْثَرَ مِنْ حُدُوبَتِهِ وَلَا تُجْزِئُهُ حُدُوبَتُهُ عَنْ الرُّكُوعِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَائِمِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ .
( قَوْلُهُ : وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمَ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ ) أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ أَوْ أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَهَا عَشْرًا .
وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَدْنَاهُ ثَلَاثٌ وَالْأَوْسَطُ خَمْسٌ وَالْأَكْمَلُ سَبْعٌ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ فَسَمِعَ مِنْ خَلْفِهِ خَفْقَ النِّعَالِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْتَظِرُهُمْ خَشْيَةَ الرِّيَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ أَيْضًا زَجْرًا لَهُمْ عَنْ التَّأْخِيرِ عَنْ الْجَمَاعَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الدَّاخِلُ غَنِيًّا لَمْ يَنْتَظِرْهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ انْتِظَارُهُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ عَرَفَهُ لَا يَنْتَظِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَا بَأْسَ بِانْتِظَارِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ عَادَتُهُ حُضُورَ الْمَسْجِدِ وَمُلَازَمَةَ الْجَمَاعَةِ جَازَ انْتِظَارُهُ وَإِلَّا فَلَا ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ) هَذِهِ الْقَوْمَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَرْضٌ وَقَوْلُهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَيْ أَجَابَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَاهُ يُقَالُ سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ إذَا قَبِلَهَا ( قَوْلُهُ : وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ ) وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقُولُهَا سِرًّا بَعْدَ أَنْ يَقُولَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ يَعْنِي لَمَّا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ صَارَ مُحِثًّا عَلَى التَّحْمِيدِ فَكَانَ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ فَيَأْتِي بِهِ مَعَ التَّسْمِيعِ كَالْمُنْفَرِدِ قُلْنَا الْمُنْفَرِدُ لَمَّا حَثَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ يَمْتَثِلْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لَهُ ، قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ } وَهَذِهِ قِسْمَةٌ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَلِهَذَا لَا يَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِالتَّسْمِيعِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَقُولُهَا لَوَقَعَ تَحْمِيدُهُ
بَعْدَ تَحْمِيدِ الْمَأْمُومِ وَهَذَا خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ ) أَمَّا الِاسْتِوَاءُ قَائِمًا فَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَرْضٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ .
( قَوْلُهُ : وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ) يَعْنِي فِي حَالَةِ سُجُودِهِ .
( قَوْلُهُ : وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حَذْوَ أُذُنَيْهِ ) لِأَنَّ آخِرَ الرَّكْعَةِ مُعْتَبَرٌ بِأَوَّلِهَا فَكَمَا يَجْعَلُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ الرَّكْعَةِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ فَكَذَا فِي آخِرِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فِي سُجُودِهِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا سَاجِدًا قَدْ عَدَلَ بِيَدَيْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ اسْتَقْبِلْ بِهِمَا الْقِبْلَةَ فَإِنَّهُمَا يَسْجُدَانِ مَعَ الْوَجْهِ ( قَوْلُهُ : سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَإِنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ وَحْدَهَا دُونَ الْأَنْفِ جَازَ وَكَذَا لَوْ وَضَعَ أَنْفَهُ وَبِالْجَبْهَةِ عُذْرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ لِأَجْلِ الْعُذْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْجَبْهَةِ عُذْرٌ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُكْرَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى خَدِّهِ لَا يَجُوزُ لَا فِي حَالِ الْعُذْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي حَالِ الْعُذْرِ يُومِئُ ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْخَدِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ ثُمَّ السُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ .
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ السُّجُودُ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَرْضٌ وَعَلَى الْيَدَيْنِ لَيْسَ بِفَرْضٍ .
( قَوْلُهُ : وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ ) إنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَنْفِ ؛ لِأَنَّهُ يُوضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الْجَبْهَةِ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ السُّجُودِ أَنْ لَا يَرْفَعَ قَدَمَيْهِ فِيهِ فَإِنْ رَفَعَهُمَا فِي حَالِ سُجُودِهِ لَا تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ وَإِنْ رَفَعَ أَحَدَهُمَا قَالَ فِي الْمَرْتَبَةِ يُجْزِئُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَأَدْلَى
رِجْلَيْهِ عَنْ الدُّكَّانِ عِنْدَ السُّجُودِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا عَلَى السَّرِيرِ إذَا أَدْلَى رِجْلَيْهِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ السُّجُودِ أَرْفَعَ مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنْ كَانَ التَّفَاوُتُ مِقْدَارَ اللَّبِنَةِ أَوْ اللَّبِنَتَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَأَرَادَ اللَّبِنَةَ الْمَنْصُوبَةَ لَا الْمَفْرُوشَةَ وَحَدُّ اللَّبِنَةِ رُبُعُ ذِرَاعٍ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) إنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إذَا سَجَدَ عَلَى مَا صَلُبَ مِنْهُ أَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى مَا لَانَ مِنْهُ وَهُوَ الْأَرْنَبَةُ لَا يَجُوزُ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ( قَوْلُهُ : فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ أَجْزَأَهُ ) وَكَوَّرَهَا دَوَّرَهَا يُقَالُ كَوَّرَ عِمَامَتَهُ إذَا أَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا وَجَدَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى الْقُطْنِ الْمَحْلُوجِ إنْ وَجَدَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا عَلَى الْحَشِيشِ الْمَوْضُوعِ وَالتِّبْنِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ جَازَ وَعَلَى الذُّرَةِ وَالدَّخَنِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الْجَوَالِقِ جَازَ فِي جَمِيعِهَا ، كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِنْ وَضَعَ كَفَّيْهِ وَسَجَدَ عَلَيْهِمَا جَازَ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ إنْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَسَجَدَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَأَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى فَاضِلِ ثَوْبِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لِدَفْعِ الْأَذَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِدَفْعِ الْأَذَى يُكْرَهُ ( قَوْلُهُ : وَيُبْدِي ضَبْعَيْهِ ) أَيْ يُظْهِرُهُمَا وَالضَّبُعُ بِالسُّكُونِ الْعَضُدُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يَفْعَلُ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَفْعَلُ وَتُلْصِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذِهَا فِي السُّجُودِ
وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ وَأَمَّا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ فَهِيَ كَالرَّجُلِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ( قَوْلُهُ ) : ( وَيُجَافِي بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ ) أَيْ يُبَاعِدُهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَخْفِضُ وَتُلْصِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذِهَا وَالْمَرْأَةُ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ تَرْفَعُ يَدَيْهَا عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ إلَى مَنْكِبَيْهَا وَتَضَعُ يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيِهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا وَلَا تُبْدِي ضَبْعَيْهَا وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً فِي التَّشَهُّدِ وَلَا تَفْرِجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ وَتَقِفُ الْإِمَامَةُ وَسْطَهُنَّ وَلَا تَجْهَرُ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهَا فِيهِ كَالرَّجُلِ ( قَوْلُهُ : وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ ) وَكَذَلِكَ أَصَابِعُ يَدَيْهِ وَيَعْتَدِلُ فِي سُجُودِهِ وَلَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ وَيَضُمُّ فَخِذَيْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَفْتَرِشْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ وَلْيَضُمَّ فَخِذَيْهِ } .
( قَوْلُهُ : وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ ) لِأَنَّهُ { لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى } قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ } قَالَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ } ، وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ أَيْ أَدْنَى تَسْبِيحَاتِ السُّجُودِ أَوْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ أَوْ أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ ، وَالْكَمَالُ أَنْ يَقُولَهَا عَشْرًا .
وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَدْنَاهُ ثَلَاثَةٌ وَالْأَوْسَطُ خَمْسٌ وَالْأَكْمَلُ سَبْعٌ قَالَ الثَّوْرِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَهَا الْإِمَامُ خَمْسًا لِيَتَمَكَّنَ الْمُقْتَدِي مِنْ ثَلَاثٍ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ الثَّلَاثِ أَوْ تَرَكَهُ أَصْلًا جَازَ وَيُكْرَهُ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ
وَيُكَبِّرُ ) وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَرْفَعَ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا وَتَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِهِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا رَفَعَ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ أَجْزَأَهُ .
وَفِي الْهِدَايَةِ ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى حَالِ السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْجُلُوسِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ عِنْدَنَا ( قَوْلُهُ : فَإِذَا اطْمَأَنَّ جَالِسًا كَبَّرَ وَسَجَدَ ) الطُّمَأْنِينَةُ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَرْضٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِوُجُوبِهَا قَالَ الْكَرْخِيُّ وَعَنْ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إذَا تَرَكَهَا سَاهِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَجِبُ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا اطْمَأَنَّ سَاجِدًا كَبَّرَ وَاسْتَوَى قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ ) مُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَقْعُدُ وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ( قَوْلُهُ : وَيَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى ) أَيْ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً ( قَوْلُهُ : وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْفَعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ وَالْقُنُوتِ وَالْعِيدَيْنِ } كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ
الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا ) وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعًا الْمَسْنُونُ فِيهِمَا التَّوَرُّكُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِثْلُ قَوْلِنَا وَفِي الثَّانِيَةِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ جَلَسَتْ عَلَى أَلْيَتِهَا الْيُسْرَى وَأَخْرَجَتْ رِجْلَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَتَضُمُّ فَخِذَيْهَا وَتَجْعَلُ السَّاقَ الْيُمْنَى عَلَى السَّاقِ الْيُسْرَى .
( قَوْلُهُ : وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ ) يَعْنِي أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى .
( قَوْلُهُ : وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ) لِأَنَّهُ أَسْلَمُ مِنْ الْعَبَثِ فِي الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ : وَبَسَطَ أَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ ) وَيُفَرِّقُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ هَذِهِ الْقَعْدَةُ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا مُتَعَمِّدًا فَإِنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ .
( قَوْلُهُ : وَيَتَشَهَّدُ ) هَذَا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا التَّشَهُّدِ فَقِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ كَالْقَعْدَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَلَا خِلَافَ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي أَنَّهُ وَاجِبٌ وَفِي شَرْحِهِ التَّشَهُّدُ مَسْنُونٌ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالتَّشَهُّدُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ ) هَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ { أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ قُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ إلَى آخِرِهِ } وَمَعْنَى التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْبَقَاءُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ يَعْنِي الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالطَّيِّبَاتُ قِيلَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَعْنِي الْوَحْدَانِيَّةَ لِلَّهِ وَقِيلَ الزَّكَاةُ وَهَلْ يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى السَّكِينَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقْبِضَ أُصْبُعَهُ الْخِنْصَرَ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى بِالْإِبْهَامِ وَيُشِيرَ بِمُسَبِّحَتِهِ ( قَوْلُهُ : السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ) أَيْ ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي سَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْك لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَهَذَا حِكَايَةٌ عَنْ ذَلِكَ السَّلَامِ لَا ابْتِدَاءُ سَلَامٍ وَمَعْنَى السَّلَامِ أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ .
( قَوْلُهُ : وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ) الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالصَّلَاحُ ضِدُّ الْفَسَادِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى ) فَإِنْ زَادَ إنْ كَانَ عَامِدًا كُرِهَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ الْمُوجِبَةِ لِلسَّهْوِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَادَ حَرْفًا وَاحِدًا وَقِيلَ إذَا زَادَ اللَّهُمَّ
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقِيلَ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقُولَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَسْبُوقِ إذَا قَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا وَقِيلَ يَدْعُو وَقِيلَ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
وَفِي النِّهَايَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدَّعَوَاتِ وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُصَلِّي سَجْدَتَا السَّهْوِ وَبَلَغَ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ هَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَيَدْعُو قَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يَزِيدُ عَلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيُسَلِّمُ وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدَّعَوَاتِ فِي تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ يَأْتِي بِهِ قَبْلَ سُجُودِ السَّهْوِ .
( قَوْلُهُ : وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ خَاصَّةً ) وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ سُنَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ بَيَانُ الْأَفْضَلِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السَّهْوُ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ جَلَسَ كَمَا يَجْلِسُ فِي الْأُولَى ) هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْقَعْدَةِ مُتَوَرِّكًا ( قَوْلُهُ : وَتَشَهَّدَ ) وَهُوَ وَاجِبٌ أَعْنِي التَّشَهُّدَ وَأَمَّا الْقَعْدَةُ فَهِيَ فَرْضٌ ( قَوْلُهُ : وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا عِنْدَنَا ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ فَرْضَانِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ .
( قَوْلُهُ : وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ ) لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّشْبِيهِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعِبَادِ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الدَّعَوَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً إلَى آخِرِهِ أَوْ يَأْتِي بِمَعْنَاهُ مِثْلَ اللَّهُمَّ عَافِنِي وَاعْفُ عَنِّي وَأَصْلِحْ أَمْرِي وَاصْرِفْ عَنِّي كُلَّ شَرٍّ اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك وَارْحَمْنِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَدْعِيَةَ الْمَأْثُورَةَ ) يَجُوزُ نَصْبُ الْأَدْعِيَةِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظَ وَيَجُوزُ خَفْضُهَا عَطْفًا عَلَى الْقُرْآنِ وَالْمَأْثُورَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كُلُّهُ وَلَك الْمُلْكُ كُلُّهُ وَبِيَدِك الْخَيْرُ كُلُّهُ وَإِلَيْك يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ أَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَعَنْ { أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي ، فَقَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ ) وَكَلَامُهُمْ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْهُمْ مِثْلُ اللَّهُمَّ اُكْسُنِي اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ
فَإِنْ دَعَا بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ النَّاسِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَا يُفْسِدُهَا فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَا يُفْسِدَهَا مَا يُشْبِهُهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ صُنِعَ مِنْهُ فَيُتِمُّ بِهِ صَلَاتَهُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ فَكَانَ بِهَذَا الدُّعَاءِ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ لَا مُفْسِدًا لَهَا .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ) وَلَا يَقُولُ وَبَرَكَاتُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ .
( قَوْلُهُ : وَيُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ) وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى فَإِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَالَ السَّلَامُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْكُمْ لَمْ يَصِرْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَإِنْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِهَا وَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى بِالسَّلَامِ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ غَابَ عَنْ النَّاسِ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يُكَلِّمُونَهُ وَعِنْدَ الْفَرَاغِ كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَيُسَلِّمُ ، وَلَوْ سَلَّمَ أَوَّلًا عَنْ يَسَارِهِ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُ عَنْ يَسَارِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَهْوٌ إذَا فَعَلَهُ سَاهِيًا وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةُ لِلتَّسْوِيَةِ وَتَرْكِ الْجَفَاءِ وَيَنْوِي بِالسَّلَامِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ ، وَكَذَا فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُقَدِّمُ فِي النِّيَّةِ الْحَفَظَةَ لِفَضِيلَتِهِمْ .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُقَدِّمُ بَنِي آدَمَ لِمُشَاهَدَتِهِمْ وَلَا يَنْوِي لِلْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا ؛ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي عَدَدِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسَةٌ مِنْ الْحَفَظَةِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ أَمَامِهِ يُلَقِّنُهُ الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَوَاحِدٌ عِنْدَ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُبَلِّغُهُ إلَيْهِ وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ وُكِّلَ بِالْعَبْدِ سِتُّونَ مَلِكًا ، وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ يَذُبُّونَ عَنْهُ وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ .
( قَوْلُهُ : وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا ) هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَاتِرُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ ) لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يُسْمِعُهُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ ) ظَاهِرُهُ أَنَّ حَدَّ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَيَكُونُ حَدُّ الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحَ الْحُرُوفِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّ أَدْنَى الْجَهْرِ عِنْدَهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَأَقْصَاهُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَحَدُّ الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَالْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً دُونَ الصَّوْتِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ الَّتِي لَا يُجْهَرُ فِيهَا فَإِنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَجْهَرُ فِيهَا بَلْ يُخَافِتُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى قَدْرِ مَا يُسْمِعُ أُذُنَيْهِ فَقَدْ أَسَاءَ .
( قَوْلُهُ : وَيُخْفِي الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ) وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ } وَقِيلَ صَمَّاءُ أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ فِيهِمَا وَمَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا وَلَا يَتَخَيَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
( قَوْلُهُ : وَالْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ ) وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دُونَ الْفَرْضِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِظُهُورِ آثَارِ السُّنَنِ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ قَالَ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ هِيَ وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَأَنَّهَا لَا تُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةِ الْوِتْرِ وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمَا اُحْتِيجَ إلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ } وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلِهَذَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضَافَ الزِّيَادَةَ إلَى اللَّهِ لَا إلَى نَفْسِهِ وَالسُّنَنُ تُضَافُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَذَّنْ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَيْت بِآذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ .
( قَوْلُهُ : لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ ) اُحْتُرِزَ بِهَذَا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( قَوْلُهُ : وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ ) الْقُنُوتُ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا وَهَلْ يَجْهَرُ بِهِ أَوْ يُخَافِتُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُخْتَارُ فِيهِ الْإِخْفَاءُ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَمِنْ سُنَّةِ الْأَدْعِيَةِ الْإِخْفَاءُ وَلَا إشْكَالَ فِي الْمُنْفَرِدِ أَنَّهُ يُخَافِتُ وَأَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُخَافِتُ وَإِلَيْهِ مَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجْهَرُ ؛ لِأَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالْقِرَاءَةِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ الِاخْتِيَارُ
الْإِخْفَاءُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ } وَهَلْ يُرْسِلُ يَدَيْهِ أَوْ يَعْتَمِدُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ يُرْسِلُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَعْتَمِدُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ .
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنَّمَا مَوْضِعُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْفَتَاوَى ، وَأَمَّا صُورَةُ الْقُنُوتِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ .
( قَوْلُهُ : فِي جَمِيعِ السَّنَةِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ .
( قَوْلُهُ : وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَهُ وَلَوْ أَنَّهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ قَنَتَ وَنَسِيَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى رَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقْرَأُ وَيُعِيدُ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَنَسِيَ السُّورَةَ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقْرَأُ السُّورَةَ وَيُعِيدُ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، وَكَذَا إذَا قَرَأَ السُّورَةَ وَنَسِيَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيُعِيدُ السُّورَةَ وَالْقُنُوتَ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ ، وَلَوْ أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ ، وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَنَسِيَ الْقُنُوتَ فَرَكَعَ إنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَعُودُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا لَا يَعُودُ وَلَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْمَسْبُوقُ يَقْنُتُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَقْنُتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا يَقْضِي .
( قَوْلُهُ : وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْوِتْرِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً ) أَمَّا
عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيهَا وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَسَدَتْ إجْمَاعًا .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَقْنُتُ ) أَمَّا التَّكْبِيرُ فَلِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ مِنْ حَقِيقَةٍ إلَى شَبَهِهَا وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فَلِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ بَلِيَّةٍ فَإِنْ وَقَعَتْ الْبَلِيَّةُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا { فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَنَتَ فِيهَا شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ ثُمَّ تَرَكَهُ } كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا ) يَعْنِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَقِفُ صِحَّتُهَا عَلَى سُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَلْ يَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذ سُورَةً لِلصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا لَا يَقْرَأُ غَيْرَهَا ) لِمَا فِيهِ مِنْ هِجْرَانِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ وَيَعْنِي بِذَلِكَ مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُعَيِّنَ سُورَةَ السَّجْدَةِ وَهَلْ أَتَى لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا إذَا رَأَى ذَلِكَ حَتْمًا وَاجِبًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِأَيِّ سُورَةٍ قَرَأَهَا وَلَكِنْ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُكْرَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانَا كَيْ لَا يَظُنَّ جَاهِلٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُمَا .
( قَوْلُهُ : وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) يُرِيدُ مَا دُونَ الْآيَةِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى { لَمْ يَلِدْ } وَمِثْلُ قَوْلِهِ { وَلَمْ يُولَدْ } ، وَلَوْ تَهَجَّى آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ .
وَفِي الْمُحِيطِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ فَالْفَرْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ وَهُوَ آيَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ كَلِمَتَيْنِ تَجُوزُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { : ثُمَّ نَظَرَ } وَإِنْ كَانَتْ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِثْلَ { مُدْهَامَّتَانِ } أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ " ص " وَ " ن " فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يَجُوزُ بِقَوْلِهِ { مُدْهَامَّتَانِ } ؛ لِأَنَّهَا آيَةٌ قَصِيرَةٌ وَالْوَاجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ، وَالْمَسْنُونُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطُوَالِ الْمُفَصَّلِ وَهُوَ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى الْبُرُوجِ ، وَقِيلَ فِي الظُّهْرِ دُونَ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ شُغْلٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَلِ ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِهِ وَهُوَ مِنْ الْبُرُوجِ إلَى لَمْ يَكُنْ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ وَهُوَ مِنْ إذَا زُلْزِلَتْ إلَى آخِرِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ إذَا كَانَ مُقِيمًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا أَوْ الْفَاتِحَةَ وَمَعَهَا آيَةٌ أَوْ آيَتَانِ أَوْ يَقْرَأَ السُّورَةَ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةً وَفِي الْأُخْرَى سُورَةً فَوْقَهَا يُكْرَهُ ، وَإِذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا قِرَاءَةُ الْآيَاتِ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى آيَةً فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَى آيَةً مِنْ
سُورَةٍ فَوْقَهَا .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ ) كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الدِّينِ وَقَوْلُهُمَا فِي الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ أَمْرٌ حَسَنٌ ، وَفِي السَّفَرِ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَيِّ سُورَةٍ شَاءَ ؛ لِأَنَّ لِلسَّفَرِ أَثَرًا فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَوْ قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَيَجُوزُ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا حَتَّى يَبْلُغَ آيَةً تَامَّةً لَا يَجُوزُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا مَا خَلَا الْفَجْرَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطَوِّلَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ وَفِيهِ إعَانَةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ عِلْمٍ وَيَقَظَةٍ فَلَوْ تَغَافَلُوا فِي غَيْرِ الْفَجْرِ إنَّمَا يَتَغَافَلُونَ بِاشْتِغَالِ دُنْيَاهُمْ وَذَلِكَ مُضَافٌ إلَى تَقْصِيرِهِمْ ، وَأَمَّا غَفْلَتُهُمْ بِالنَّوْمِ فَلَيْسَ بِاخْتِيَارِهِمْ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا تَطْوِيلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ ، وَأَمَّا إطَالَةُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَهَذَا فِي الْفَرَائِضِ ، وَأَمَّا فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ فَلَا يُكْرَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي التَّطَوُّعِ لَا يُكْرَهُ وَفِي الْفَرَائِضِ يُكْرَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ أَسْتَحْسِنُ لَهُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ احْتَاجَ إلَى نِيَّتَيْنِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْمُتَابَعَةِ ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُتَابَعَةَ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ اللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَصِيرَ مُقْتَدِيًا ، وَلَوْ نَوَى حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَنْ هُوَ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ ، وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ يَظُنُّهُ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو وَصَحَّ أَيْضًا وَإِذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِرَجُلٍ لَيْسَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ) أَيْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ .
وَفِي التُّحْفَةِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ لَا يُؤَذَّنُ فِيهِمْ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ عَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ الذِّئْبُ الْفَارَّةَ } اسْتَحْوَذَ أَيْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ وَتَمَكَّنَ مِنْهُمْ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ فِي حَالِ الْعُذْرِ مِثْلُ الْمَطَرِ وَالرِّيحِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَلَيْسَتْ الرِّيحُ عُذْرًا وَكَذَا مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ إذَا خَرَجَ يَخَافُ أَنْ يَحْبِسَهُ غَرِيمُهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ كَانَ يَخَافُ الظُّلْمَةَ أَوْ يُرِيدُ سَفَرًا وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيَخْشَى أَنْ تَفُوتَهُ الْقَافِلَةُ أَوْ كَانَ قَيِّمًا بِمَرِيضٍ أَوْ يَخَافُ ضَيَاعَ مَالِهِ أَوْ حَضَرَ الْعِشَاءُ وَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ وَكَذَا الْأَعْمَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَلَا يَجِبُ عَلَى مُقْعَدٍ وَلَا مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا مَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَلَا الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ ، وَلَوْ صَلَّى مَعَهُ صَبِيٌّ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ كَانَتْ جَمَاعَةً حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ وَأَمَّ صَبِيًّا يَعْقِلُ حَنِثَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ فَقَدْ أَتَى بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَلَوْ نَامَ أَوْ سَهَا أَوْ شُغِلَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ
أَهْلَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ وَقَدْ { قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَتَيْنِ بَرَاءَةً مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةً مِنْ النِّفَاقِ } .
( قَوْلُهُ : وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ) أَيْ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدُهَا وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ هُنَا الشَّرِيعَةُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ) يَعْنِي إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ وَأَحَدُهُمْ قَارِئٌ قُدِّمَ الْقَارِئُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَوْرَعُهُمْ ) لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ الْوَرَعِ وَهُوَ دَرَجَةٌ فَوْقَ التَّقْوَى ؛ لِأَنَّ التَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَالْوَرَعَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ ) أَيْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا ؛ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْشَعُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي السِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَحْسَنُهُمْ وَجْهًا .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ ) لِأَنَّ الْعَبْدَ مُسْتَخَفٌّ بِهِ وَيَنْفِرُ النَّاسُ عَنْهُ وَالْأَعْرَابِيَّ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَوَادِيَ وَالْجَهْلُ فِي الْأَعْرَابِ غَالِبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ } ( قَوْلُهُ : وَالْفَاسِقِ ) لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ دِينِهِ .
( قَوْلُهُ : وَوَلَدِ الزِّنَا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُفَقِّهُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَعْمَى ) لِأَنَّهُ لَا يَتَجَنَّبُ النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْقِبْلَةِ إلَّا بِغَيْرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ مِنْ الْبُصَرَاءِ أَفْضَلَ مِنْهُ فَهُوَ أَوْلَى ( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ } ؛ وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَفْسَقَ أَهْلِ زَمَانِهِ حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ جَاءَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِجِنَايَاتِهَا وَجِئْنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ لَغَلَبْنَاهُمْ يَعْنِي الْحَجَّاجَ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ هَؤُلَاءِ أَوْ الِانْفِرَادُ قِيلَ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَاسِقِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ صَلَاةِ الصَّحَابَةِ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِانْفِرَادُ أَوْلَى لِجَهْلِهِمْ بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَكْرَهُ إمَامَتَهُمْ وَقَدْ { قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ } وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ شَارِبِ الْخَمْرِ وَآكِلِ الرِّبَا ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُطَوِّلَ بِهِمْ الصَّلَاةَ ) يَعْنِي بَعْدَ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِقَوْمٍ فَأَطَالَ بِهِمْ الْقِيَامَ فَشَكَوْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَهَا ثَلَاثًا أَيْنَ أَنْتَ مِنْ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } وَرُوِيَ أَنَّهُ { قَالَ صَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ } وَذُكِرَ فِي الْمَصَابِيحِ { أَنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِقَوْمِهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَافْتَتَحَهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ فَقَالَ مُعَاذٌ إنَّهُ مُنَافِقٌ فَذَهَبَ الرَّجُلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَتَجَوَّزْت فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ قَالَهَا ثَلَاثًا اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَنَحْوَهُمَا } { ، وَقَالَ أَنَسٌ مَا صَلَّيْت خَلْفَ أَحَدٍ أَتَمَّ وَأَخَفَّ مِمَّا صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَرُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالُوا أَوْجَزْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ فَخَشِيت عَلَى أُمِّهِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاعِيَ حَالَ الْجَمَاعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً ) يَعْنِي بِغَيْرِ رِجَالٍ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ وَالتَّرَاوِيحُ ، وَأَمَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُنَّ أَنْ يُصَلِّينَهَا بِجَمَاعَةٍ وَتَقِفُ الْإِمَامَةُ وَسْطَهُنَّ ؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا صَلَّيْنَهَا فُرَادَى أَدَّى ذَلِكَ إلَى فَوَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِأَدَاءِ الْوَاحِدَةِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ مِنْ الْبَاقِيَاتِ نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ فَعَلْنَ وَقَفَتْ الْإِمَامَةُ وَسْطَهُنَّ ) وَبِقِيَامِهَا وَسْطَهُنَّ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ ؛ لِأَنَّ فِي التَّوَسُّطِ تَرْكَ مَقَامِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أَرْشَدَ الشَّيْخُ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَرَاهَةً مِنْ التَّقَدُّمِ إذْ هُوَ أَسْتَرُ لَهَا ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ تَرْكِ السَّتْرِ فَرْضٌ وَالِاحْتِرَازَ عَنْ تَرْكِ مَقَامِ الْإِمَامِ سُنَّةٌ فَكَانَ مُرَاعَاةُ السَّتْرِ أَوْلَى فَإِذَا صَلَّيْنَ بِجَمَاعَةٍ صَلَّيْنَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِنَّ إمَامَتُهُنَّ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُنَّ ، وَقَوْلُهُ وَسْطَهُنَّ هُوَ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنٌ فَهُوَ وَسْطٌ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَيَكُونُ وَسْطٌ ظَرْفًا كَقَوْلِك جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ أَيْ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنٌ فَهُوَ وَسَطٌ بِتَحْرِيكِ السِّينِ وَيَكُونُ وَسَطٌ اسْمًا لَا ظَرْفًا كَقَوْلِك جَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ ، وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا عُرَاةً أَرَادُوا الصَّلَاةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا قُعُودًا بِالْإِيمَاءِ وَيَتَبَاعَدُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَقَفَ الْإِمَامُ وَسْطَهُمْ كَالنِّسَاءِ وَصَلَاتُهُمْ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ ) إنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ وُقُوفُهُ مُسَاوِيًا لِلْإِمَامِ وَسُجُودُهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَوْضِعِ الْقِيَامِ ، وَلَوْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْكَانِ وَقَدْ وُجِدَتْ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَوَسَّطُهُمَا ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ فَقَامَ وَسْطَهُمَا قُلْنَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَانَ ذَلِكَ لِضِيقِ الْبَيْتِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَقْتَدُوا بِامْرَأَةٍ وَلَا بِصَبِيٍّ ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ } أَيْ كَمَا أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَالْإِرْثِ وَجَمِيعِ الْوِلَايَاتِ وَهَلْ تَنْعَقِدُ التَّحْرِيمَةُ إذَا اقْتَدَى بِهَا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ لَا تَنْعَقِدُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ، وَفِي الِاقْتِدَاءِ بِالْعُرْيَانِ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ لِلْبَالِغِينَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ وَفِي التَّرَاوِيحِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا .
( قَوْلُهُ : وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ ثُمَّ النِّسَاءُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى } أَيْ الْبَالِغُونَ أُولُو الْعُقُولِ وَالْحَالِمُ هُوَ الْبَالِغُ سَوَاءٌ احْتَلَمَ أَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ خَنَاثَى وَقَفُوا بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ احْتِيَاطًا .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ إلَى جَانِبِ رَجُلٍ وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَفْسَدَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ ) وَالْمَحَارِمُ كَالْأَجَانِبِ ، وَهَذَا إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ يَضُرَّهُ مُحَاذَاتُهَا وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ النِّيَّةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ؛ وَلِأَنَا لَوْ صَحَّحْنَا اقْتِدَاءَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَدَرَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ عَلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ مَتَى شَاءَتْ بِأَنْ تَقِفَ إلَى جَانِبِهِ فَتَقْتَدِيَ بِهِ وَمِنْ شَرَائِطِ الْمُحَاذَاةِ الْمُفْسِدَةِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً احْتِرَازًا عَنْ الْمَسْبُوقِ وَأَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الشَّهْوَةِ حَالًا أَوْ مَاضِيًا وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَلَا فُرْجَةٌ وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرِّجْلِ وَغِلَظُهُ غِلَظُ الْأُصْبُعِ وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقُومُ فِيهِ الرَّجُلُ وَأَنْ تَتَّفِقَ الْجِهَةُ حَتَّى لَوْ اُخْتُلِفَ لَا تُفْسِدُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْكَعْبَةِ وَأَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ إمَامَتَهَا إلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَدَّرَ بَعْضُهُمْ سِنَّ الْمَرْأَةِ بِسَبْعِ سِنِينَ وَقِيلَ بِتِسْعٍ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِشَيْءٍ وَالْمَجْنُونَةُ إذَا حَاذَتْهُ لَا تُفْسِدُ ، وَلَوْ كَانَتْ بَالِغَةً مُشْتَهَاةً لِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنْهَا ، وَالصَّبِيَّةُ إذَا كَانَتْ تَعْقِلُ الصَّلَاةَ وَهِيَ لَا تَشْتَهِي لَا تُفْسِدُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُكْمِ الْمُحَاذَاةِ أَنْ تُدْرِكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ بَلْ لَوْ سَبَقَهَا بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَحَاذَتْهُ فِيمَا أَدْرَكَتْ تُفْسِدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ فَحَاذَتْهُ فِيمَا يَقْضِيَانِ لَا تُفْسِدُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ حُضُورُ الْجَمَاعَاتِ ) يَعْنِي الشَّوَابَّ مِنْهُنَّ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَخْرُجُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ وَلَهُ أَنَّ شِدَّةَ الْغُلْمَةِ حَامِلَةٌ عَلَى الِارْتِكَابِ وَلِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَفِي الْعِيدِ الْجَبَّانَةُ مُتَّسِعَةٌ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ الْفِسْقِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَا يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إلَى الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَجَعَلَهَا كَالظُّهْرِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ جَعَلَهَا كَالْعِيدَيْنِ حَتَّى إنَّهُ يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَيْهَا بِالْجَمَاعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُصَلِّي الطَّاهِرُ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَلَا الطَّاهِرَاتُ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسٌ وَانْفِلَاتُ رِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومَ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ ( قَوْلُهُ : وَلَا الْقَارِئُ خَلْفَ الْأُمِّيِّ ) وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَالْأُمِّيُّ هُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ أَمَّ الْأُمِّيُّ أُمِّيِّينَ جَازَ وَإِنْ أَمَّ قَارِئِينَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ .
وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ خَلْفَهُ قَارِئًا ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ وَفِي الْكَرْخِيِّ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالنِّيَّةِ لِإِمَامَةِ الْقَارِئِ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ لَا تَفْسُدُ كَالْمَرْأَةِ ، وَلَوْ افْتَتَحَ الْأُمِّيُّ ثُمَّ أَتَى الْقَارِئُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ وَلَوْ حَضَرَ الْأُمِّيُّ وَالْقَارِئُ يُصَلِّي فَلَمْ يَقْتَدِ بِهِ وَصَلَّى وَحْدَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَمَّ قَارِئِينَ وَأُمِّيِّينَ فَصَلَاةُ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيِّينَ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا صَلَاتَهُمْ بِقِرَاءَةٍ بِأَنْ يَقْتَدُوا بِقَارِئٍ وَعِنْدَهُمَا صَلَاتُهُ ، وَصَلَاةُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ جَائِزَةٌ وَلَوْ صَلَّى الْأُمِّيُّ وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ جَازَ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْأُمِّيِّ بِالْأَخْرَسِ لَا يَأْتِي بِالتَّحْرِيمَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا الْمُكْتَسِي خَلْفَ الْعُرْيَانِ ) وَلَا تَنْعَقِدُ التَّحْرِيمَةُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ ، وَلَوْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ ، وَلَوْ أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ فَصَلَاةُ الْعَارِي وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُ
جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا صَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَبِأَصِحَّاءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ قَارِئِينَ وَأُمِّيِّينَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَارِيَ وَالْمَجْرُوحَ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا صَلَاتَهُمْ بِثِيَابٍ وَلَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ اقْتَدَوْا بِصَحِيحٍ وَلَابِسٍ وَالْأُمِّيُّ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِقَارِئٍ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ ( قَوْلُهُ : وَالْمَاسِحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْغَاسِلِينَ ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ لَا تَقِفُ عَلَى الضَّرُورَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعُ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ .
( قَوْلُهُ : وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقَاعِدُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَاقْتَدَى بِهِ قَائِمٌ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى غَيْرُ مَعْذُورٍ بِمَعْذُورٍ فَلَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى وَالنَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَهُمَا إنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَصْحَابِهِ كَانَ فِيهَا قَاعِدًا وَهُمْ قَائِمُونَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مُشَارَكَةُ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ فِي الْقِيَامِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ كَبَّرَ قَائِمًا وَرَكَعَ وَاعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْقِيَامِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُصَلِّي الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خَلْفَ الْمُومِئِ ) وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا زُفَرَ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ ذَلِكَ قَالَ ؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ بَدَلٌ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ فَكَذَا هَذَا قُلْنَا الْإِيمَاءُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ فَلَوْ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ كَانَ مُقْتَدِيًا فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُصَلِّي الْمُومِئُ لِاسْتِوَائِهِمَا إلَّا أَنْ يُومِئَ الْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ مُضْطَجِعًا فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ وَالْمُقْتَدِي قَائِمًا بِالْإِيمَاءِ جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُصَلِّي الْمُفْتَرِضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَشْتَمِلُ عَلَى صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَزِيَادَةً فَصَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِخِلَافِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ قَوِيٍّ عَلَى ضَعِيفٍ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ إذَا جَوَّزْتُمْ صَلَاةَ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ فَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ عَلَى الْمُقْتَدِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَهِيَ عَلَى الْإِمَامِ نَفْلٌ فَكَانَ فِيهَا اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ قُلْنَا لَمَّا اقْتَدَى بِهِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ قِرَاءَةٌ لَا فَرِيضَةٌ وَلَا نَافِلَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّحَادِ وَسَوَاءٌ تَغَايَرَ الْفَرْضَانِ اسْمًا أَوْ صِفَةً كَمُصَلِّي ظُهْرِ أَمْسِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي ظُهْرَ
الْيَوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَتْهُمْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اقْتِدَاءُ الْمُقْتَدِي هَلْ يَكُونُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا فَفِي الْخُجَنْدِيِّ نَعَمْ .
وَفِي الزِّيَادَاتِ وَالنَّوَادِرِ لَا يَكُونُ تَطَوُّعًا وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءً لِلْمُقْتَدِي ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَيُصَلِّي الْمُتَنَفِّلُ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ ) لِأَنَّ فِيهِ بِنَاءَ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ فَجَازَ وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي حَائِطٌ مُنِعَ الِاقْتِدَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ قَصِيرًا مِقْدَارَ الذِّرَاعِ أَوْ الذِّرَاعَيْنِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَابٌ مَفْتُوحٌ أَوْ نَقْبٌ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْإِمَامِ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَابٌ مُغْلَقٌ أَوْ نَقْبٌ صَغِيرٌ لَوْ أَرَادَ الْوُصُولَ إلَى الْإِمَامِ لَا يُمْكِنُهُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إذَا لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ حَالُ إمَامِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي أَقْصَى الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ فِي الْمِحْرَابِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ وَإِنْ اتَّسَعَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ ) وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ إمَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ أَحْدَثَ ثُمَّ صَلَّى فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ وَالثَّانِي أَنْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَهُ صَلَّيْت بِك وَأَنَا مُحْدِثٌ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ وَيُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَعْبَثَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ ) الْعَبَثُ هُوَ كُلُّ لَعِبٍ لَا لَذَّةَ فِيهِ فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ لَذَّةٌ فَهُوَ لَعِبٌ وَكُلُّ عَمَلٍ مُفِيدٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِقَ فِي صَلَاتِهِ فَسَلَتَ الْعَرَقَ عَنْ جَبْهَتِهِ } ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهِ ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ فَيُكْرَهُ وَالْعَبَثُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصَّوْمِ وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ } .
وَرُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا } أَيْ شُغْلًا لِلْمُصَلِّي بِأَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِغَيْرِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا حَكَّ جَسَدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مِرَارًا وَبَيْنَ كُلِّ مَرَّتَيْنِ فُرْجَةٌ أَمَّا إذَا فَعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ مَرَّتَيْنِ لَا تَفْسُدُ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَفْسُدُ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا حَكَّ جَسَدَهُ ثَلَاثًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَكِّ هَلْ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أَوْ الذَّهَابُ مَرَّةً وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أُخْرَى .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُقَلِّبُ الْحَصَى إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ فَيُسَوِّيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً ) وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ وَأَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعُ عَبَثٍ { ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِي ذَرٍّ مَرَّةً يَا أَبَا ذَرٍّ وَإِلَّا فَذَرْ } وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ سَجْعًا وَهُوَ سَأَلَ أَبُو ذَرٍّ خَيْرَ الْبَشَرِ عَنْ تَسْوِيَةِ الْحَجَرِ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً وَإِلَّا فَذَرْ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ ) وَهُوَ أَنْ يَغْمِزَهَا أَوْ يَمُدَّهَا حَتَّى تُصَوِّتَ { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي } { وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الضَّاحِكُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُلْتَفِتُ وَالْمُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ } .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَتَخَصَّرُ ) أَيْ لَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْيَهُودِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَضْعِ الْمَسْنُونِ وَقِيلَ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِعْلُ الْمُصَابِ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ حَالَةٌ يُنَاجِي فِيهَا الْعَبْدُ رَبَّهُ فَهِيَ حَالَةُ الِافْتِخَارِ لَا حَالَةُ إظْهَارِ الْمُصِيبَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُسْدِلُ ثَوْبَهُ ) وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَهُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمَيْهِ أَوْ يَضَعَ الرِّدَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى بَعْضِهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَعْقِصُ شَعْرَهُ ) وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَهُ وَيَعْقِدَهُ فِي مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ سَاجِدٍ عَاقِصٍ شَعْرَهُ فَحَلَّهُ حَلًّا عَنِيفًا وَقَالَ إذَا طَوَّلَ أَحَدُكُمْ شَعْرَهُ فَلْيُرْسِلْهُ لِيَسْجُدَ مَعَهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَكُفُّ ثَوْبَهُ ) وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ { قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ لَا أَكُفُّ ثَوْبًا وَلَا أَعْقِصُ شَعْرًا } .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَلْتَفِتُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إيَّاكُمْ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ } وَالِالْتِفَاتُ الْمَكْرُوهُ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ حَتَّى يَخْرُجَ وَجْهُهُ عَنْ وِجْهَةِ الْقِبْلَةِ ، وَأَمَّا إذَا الْتَفَتَ بِصَدْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ نَظَرَ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ لَا يُكْرَهُ { ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ } مُؤْقُ الْعَيْنِ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ وَاللِّحَاظُ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأُذُنَ ، وَمُؤْخِرُ عَيْنَيْهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ مُخَفَّفًا طَرَفُهَا الَّذِي يَلِي الصُّدْغَ وَيُكْرَهُ أَنْ
يَرْفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ كَالِالْتِفَاتِ وَأَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ ؛ لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُدَبِّحَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ تَدْبِيحَ الْحِمَارِ } وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَمَايَلَ عَلَى يُمْنَاهُ أَوْ يُسْرَاهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُقْعِي ) وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ عَقِبَيْهِ وَيَجْلِسَ عَلَيْهِمَا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَالْكَلْبِ إلَّا أَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ فِي نَصْبِ الْيَدَيْنِ وَإِقْعَاءَ الْآدَمِيِّ فِي نَصْبِ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى صَدْرِهِ ، .
وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ نَصْبًا وَهَذَا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَفْتَرِشَ ذِرَاعَيْهِ { لِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَانِي خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ ثَلَاثٍ أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ } وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَمَطَّى أَوْ يَتَثَاوَبَ فَإِنْ غَلَبَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَظَمَ وَجَعَلَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَدْخُلَ فِي حَلْقِهِ شَيْءٌ مِنْ الْهَوَامِّ وَيُكْرَهُ أَنْ يُغْمِضَ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ إلَّا إذَا تَثَاوَبَ فَلَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ وَلَا بِيَدِهِ ) فَإِنْ رَدَّهُ بِلِسَانِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَا إذَا صَافَحَ بِنِيَّةِ السَّلَامِ تَفْسُدُ أَيْضًا وَإِنْ أَشَارَ بِرَدِّ السَّلَامِ بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ لَا تَفْسُدُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُصَلِّي وَالْجَالِسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَتَرَبَّعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ) لِأَنَّ فِيهِ تُرْكُ سُنَّةِ الْقُعُودِ فَإِنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْأَعْذَارَ تُؤَثِّرُ فِي فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَكَذَا فِي هَيْئَتِهَا .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ ) فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أَكَلَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يُنَافِي الصَّلَاةَ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ ، قَالَ فِي الْغَايَةِ مَا أَفْسَدَ الصَّوْمَ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ وَمَا لَا فَلَا حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ فَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ دُونَ الْحِمَّصَةِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرِيقِهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْسَدَ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ ، وَلَوْ ابْتَلَعَ دَمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلرِّيقِ وَإِنْ ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً أَفْسَدَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُفْسِدُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ غَلَبَهُ انْصَرَفَ ) السَّبْقُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَقَصْدِهِ وَالْغَلَبَةُ بِعِلْمِهِ لَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهِ ، وَلَوْ عَطَسَ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ تَنَحْنَحَ أَوْ سَعَلَ فَخَرَجَ بِقُوَّتِهِ رِيحٌ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي هُوَ الصَّحِيحُ .
( قَوْلُهُ : انْصَرَفَ ) أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً قَدْرَ مَا يُؤَدِّي رُكْنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِذَا انْصَرَفَ يُبَاحُ لَهُ الْمَشْيُ وَالِاغْتِرَافُ مِنْ الْإِنَاءِ وَالِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ وَالِاسْتِنْجَاءُ إذَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ عَوْرَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ تَحْتِ الْقَمِيصِ ، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً فِي مَكَان وَجَاوَزَهُ إلَى مَكَان آخَرَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا مَشْيٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ ) كَيْفِيَّةُ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَجُرَّهُ بِثَوْبِهِ إلَى الْمِحْرَابِ ثُمَّ الْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ إمَامًا أَمَّا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مُصَلَّاهُ وَالْأَفْضَلُ الْعَوْدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ وَقِيلَ الْأَفْضَلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمَشْيِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقْتَدِيًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَيَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ فَرَغَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ وَعَادَ إلَى مُصَلَّاهٌ صَارَ مَأْمُومًا وَالْإِمَامُ هُوَ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ خَرَجَ مِنْ
الْإِمَامَةِ وَصَارَ مُؤْتَمًّا ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الثَّانِي مَكَانَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا وَقَوْلُهُ وَبَنَى مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبِنَاءِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْ الْبِئْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَاءٌ آخَرُ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يَبْنِي مَعَ الِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ ، وَلَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ لَا يَبْنِي ؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ عَمْدٌ وَهُوَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَإِنْ مَلَأَ الْإِنَاءَ وَحَمَلَهُ بِيَدَيْنِ لَا يَبْنِي وَإِنْ حَمَلَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بِيَدَيْنِ عَمَلٌ كَثِيرٌ .
( قَوْلُهُ : وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ ) تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْكُلِّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ قَطْعًا وَأَمَّا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ إنْ كَانَا يَجِدَانِ جَمَاعَةً فَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَا لَا يَجِدَانِ فَالْبِنَاءُ أَفْضَلُ صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَصُحِّحَ هَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ الِاسْتِئْنَافُ وَفِي الْكَرْخِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَتَكَلَّمَ وَيَسْتَأْنِفَ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضَهُ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ وَلَا اخْتِلَافٍ فَهُوَ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ قَهْقَهَ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ جَمِيعًا ) لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ يَنْدُرُ وُجُودُهَا فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَكَذَا الْقَهْقَهَةُ ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هِيَ أَفْحَشُ مِنْ الْكَلَامِ عِنْدَ الْمُنَاجَاةِ حَتَّى نَقَضَتْ الْوُضُوءَ ثُمَّ سَوَّى بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ فِي الْكَلَامِ فَفِي الْقَهْقَهَةِ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) يَعْنِي كَلَامًا يُعْرَفُ فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ سَوَاءٌ حَصَلَتْ بِهِ حُرُوفٌ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ قَالَ مَا يُسَاقُ بِهِ الْحِمَارُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ أَنَّ فِي صَلَاتِهِ أَوْ تَأَوَّهَ أَوْ بَكَى فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ أَيْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ إنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَمْ يَضُرَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ وَالْبُكَاءُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ { وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ } أَيْ يَخِرُّونَ سُجُودًا عَلَى الْوُجُوهِ يَكُونُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذْقَانِ الْوُجُوهُ { وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَيُسْمَعُ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ } وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ كُنْت أُصَلِّي خَلْفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ حَتَّى إذَا بَلَغَ قَالَ إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ سَمِعْت نَشِيجَهُ وَأَنَا آخِرَ الصُّفُوفِ ، الْأَزِيزُ غَلَيَانُ الْقِدْرِ وَالْمِرْجَلُ الْقِدْرُ وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ قَطَعَ الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْجَزَعِ وَالتَّأَسُّفِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَنِينُ مِنْ الْوَجَعِ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ نَفَخَ التُّرَابَ عَنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَسْمُوعٍ لَا يُفْسِدُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا أَفْسَدَ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ تَنَحْنَحَ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَحَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ نَحْوَ أَخْ أَخْ بِالْفَتْحِ أَوْ الضَّمِّ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا بِأَنْ اجْتَمَعَ الْبَلْغَمُ فِي
حَلْقِهِ فَهُوَ عَفْوٌ كَالْعُطَاسِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَنَحْنَحَ لِإِصْلَاحِ الْقِرَاءَةِ لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَإِنْ قَبَّلَتْ الْمُصَلِّي امْرَأَتُهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهَا هُوَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ قَبَّلَهَا هُوَ فَسَدَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ هِيَ تُصَلِّي فَقَبَّلَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَضُّؤِ لِيَأْتِيَ بِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ) أَيْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْبِنَاءُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْإِمَامُ إذَا قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا وَخَلْفَهُ لَاحِقُونَ وَمَسْبُوقُونَ فَهَذَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالسَّلَامُ وَالْكَلَامُ وَالْقِيَامُ فَفِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا صَلَاةُ الْكُلِّ تَامَّةٌ فِي السَّلَامِ وَالْقِيَامِ وَالْكَلَامِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِ تَامَّةٌ وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ فَفَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي تُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْقَهْقَهَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ جَوَازًا وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُمْ فَصَارَ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ الْقَوْمَ يَذْهَبُونَ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ وَإِنْ سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَلِّمُوا ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ وَالْكَلَامَ مَنْهِيَّانِ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ مُفْسِدَانِ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ ) وَكَذَا إذَا عَلِمَ بِأَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ الْحَدَثُ أَمَّا إذَا سَبَقَهُ فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ فَوَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ، وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَسْتَقْبِلُ وَلَا يَبْنِي ، وَقَوْلُهُ بَطَلَتْ هَذَا إذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا أَوْ كَانَ مَعَ أَخِيهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَمَّا لَوْ رَآهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ لَا تَبْطُلُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ وَطَلَبَهُ فَأَعْطَاهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَاسْتَأْنَفَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ رَآهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ إلَى آخِرِهِ ) الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْخُرُوجُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِفِعْلٍ هُوَ قُرْبَةٌ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا تَأَدَّى بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ إنَّ فُرُوضَ الصَّلَاةِ تَتَأَدَّى بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ ؛ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَوْ أَرَادَ اسْتِدَامَةَ التَّحْرِيمَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا مُنِعَ مِنْ الْبَقَاءِ عَلَى الْقُعُودِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ ) حَتَّى لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ
فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَاسِحٌ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِمَا .
( قَوْلُهُ : فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ ) هَذَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْهُ أَوْ كَانَ بِحَالٍ إذَا نَزَعَ خُفَّيْهِ خَافَ التَّلَفَ عَلَى رِجْلَيْهِ لَمْ تَفْسُدْ إجْمَاعًا .
( قَوْلُهُ : أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ ) يُحْتَرَزُ بِهِ مِمَّا إذَا كَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَصِحُّ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ خَلْعُهُ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ بِأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ وَاسِعًا لَا يَحْتَاجُ فِي نَزْعِهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ ) ( كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً ) أَيْ تَذَكَّرَهَا أَوْ سَمِعَ مَنْ يَقْرَأُ سُورَةً أَوْ آيَةً فَحَفِظَهَا أَمَّا إذَا تَعَلَّمَ مُتَلَقِّنًا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَتَصِحُّ إجْمَاعًا وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مَأْمُومًا لَا تَبْطُلُ إجْمَاعًا ، وَلَوْ تَعَلَّمَهَا وَهُوَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ عُرْيَانًا فَوَجَدَ ثَوْبًا ) يَعْنِي بِالْمِلْكِ أَمَّا بِالْإِبَاحَةِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّيَمُّمِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً فَائِتَةً قَبْلَ هَذِهِ ) وَلَوْ كَانَتْ وِتْرًا وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَهِيَ فِي حَيِّزِ التَّرْتِيبِ لَمْ تَبْطُلْ .
( قَوْلُهُ : أَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الْقَارِئُ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا ) قِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ .
( قَوْلُهُ : أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقُرْصِ بَلْ إذَا رَأَى الشُّعَاعَ الَّذِي لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جَبَلٌ يَمْنَعُهُ لَرَأَى الْقُرْصَ كَمَا فِي بِلَادِنَا فَإِنَّهَا تُبْطِلُ صَلَاتَهُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ) هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْجَبِيرَةِ فَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ ) وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَأُعْتِقَتْ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ أَوْ كَانَ صَاحِبَ الْعُذْرِ فَانْقَطَعَ عُذْرُهُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا وَلَوْ عَرَضَ هَذَا كُلُّهُ بَعْدَمَا عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ يَعْنِي أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ إجْمَاعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا صَحِيحَةٌ ، وَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ وَعِنْدَهُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَإِنْ اعْتَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا بَعْدَمَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالسَّلَامِ يَخْرُجُ مِنْ التَّحْرِيمَةِ وَلِهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُ الْمُسَافِرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ إحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ التَّحْرِيمَةِ يَحْصُلُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ .
( قَوْلُهُ : بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ )
وَلَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَهِيَ إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي الْجُمُعَةِ وَفِيمَا عَدَاهَا لَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَمَّتْ صَلَاتُهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك } قُلْنَا مَعْنَاهُ قَارَبَتْ التَّمَامَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } أَيْ قَارَبَ التَّمَامَ لَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْأَدَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ خَلَفُهُ إذْ الْأَدَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ وَالْقَضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ وَالتَّسْلِيمُ لِمِثْلِ الْوَاجِبِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمَضْمُونَاتِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْأَدَاءُ يَجُوزُ بِلَفْظِ الْقَضَاءِ إجْمَاعًا وَفِي الْقَضَاءِ بِلَفْظِ الْأَدَاءِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنَّمَا قَالَ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَلَمْ يَقُلْ قَضَاءُ الْمَتْرُوكَاتِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَمْدًا بَلْ تَفُوتُهُ بِاعْتِبَارِ غَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفَوَائِتَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَقَالَ فِي الْحَجِّ بَابُ الْفَوَاتِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ قَضَاهَا إذَا ذَكَرَهَا ) ، وَكَذَا إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا فِسْقًا أَوْ مَجَانَةً أَيْ قِلَّةَ مُبَالَاةٍ يَجِبُ الْقَضَاءُ أَيْضًا لَكِنْ لِلْمُسْلِمِ عَقْلٌ وَدِينٌ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ التَّفْوِيتُ قَصْدًا فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّفْوِيتِ لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ وَحَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ .
( قَوْلُهُ : وَقَدَّمَهَا عَلَى صَلَاةِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ صَلَاةِ الْوَقْتِ عَلَى الْفَائِتَةِ ثُمَّ يَقْضِيهَا ) التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَفَرْضِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا شَرْطٌ مُسْتَحَقٌّ وَيُسْقِطُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ ضِيقُ الْوَقْتِ وَالنِّسْيَانُ وَدُخُولُ الْفَوَائِتِ فِي حَيِّزِ التَّكْرَارِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ صَلَاةِ الْوَقْتِ فَيُقَدِّمَ صَلَاةَ الْوَقْتِ عَلَى الْفَائِتَةِ ) فَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ لَجَازَ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ وُصُولُ الْوَقْتِيَّةِ عَنْ الْفَوَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا
قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ لَهَا بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا فِيهِ } ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَلَاةِ الْوَقْتِيَّةِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ يَتَّسِعُ لَهُمَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَنَفَّلَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَإِنَّمَا يُنْهَى عَنْ صَلَاةِ الْوَقْتِ خَاصَّةً وَالنَّهْيُ إذَا اخْتَصَّ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ اقْتَضَى الْفَسَادَ ، وَأَمَّا فِي حَالِ ضِيقِ الْوَقْتِ فَالنَّهْيُ عَنْ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَأْخِيرِ الْوَقْتِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَنَفَّلَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ نُهِيَ عَنْهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ ، وَالنَّهْيُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَمْ يَقْتَضِ الْفَسَادَ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوْلَى فِي حَالِ ضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَقْتِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالْفَائِتَةِ فَاتَتْهُ الْوَقْتِيَّةُ فَيَصِيرَانِ جَمِيعًا فَائِتَتَيْنِ فَإِذَا بَدَأَ بِالْوَقْتِيَّةِ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فَائِتَةً فَلَأَنْ يُصَلِّيَ إحْدَاهُمَا وَقْتِيَّةً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فَائِتَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا افْتَتَحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ وَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَلَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي حَالِ ضِيقِ الْوَقْتِ فَلَمَّا صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ ، فَالْقِيَاسُ أَنْ تُفْسِدَ الْعَصْرَ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَمْضِيَ فِيهَا ثُمَّ يَقْضِيَ الظُّهْرَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ بَعْدَمَا احْمَرَّتْ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ وَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ الْوَقْتُ
الْمَكْرُوهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ الْعَصْرَ ثُمَّ يَفْتَتِحَ الْعَصْرَ ثَانِيًا ثُمَّ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ ، وَلَوْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ وَأَطَالَهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَلَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى صَلَاتِهِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ ) أَيْ عِنْدَ قِلَّةِ الْفَوَائِتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ مُرَتِّبًا ثُمَّ قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } وَهَذَا أَمْرٌ بِالتَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ صَلُّوا كَمَا أُصَلِّي أَوْ كَمَا صَلَّيْت ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا صَلَّى فِي الْخُشُوعِ ، وَالْأَرْبَعُ صَلَوَاتٍ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَقَضَاهُنَّ بَعْدَ هَوًى مِنْ اللَّيْلِ أَيْ طَائِفَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهِيَ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ ) مُرَادُهُ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَدَخَلَ وَقْتُ السَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ السَّابِعَةِ وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ بِدُخُولِ السَّابِعَةِ لَا تَزِيدُ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتٍّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّابِعَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْأَغْلَبِ عَلَى الْكُلِّ فَإِنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ خُرُوجَ السَّادِسَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِدُخُولِ السَّابِعَةِ وَعِنْدَ دُخُولِ السَّابِعَةِ تَحَقُّقُ فَوَاتِ السِّتِّ وَالسَّابِعَةِ بِعَرَضِيَّةِ أَنْ تَفُوتَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ عَلَى السِّتِّ بِالْوِتْرِ وَمَتَى قَضَى الْفَوَائِتَ إنْ قَضَاهَا بِجَمَاعَةٍ وَكَانَتْ يُجْهَرُ فِيهَا جَهَرَ الْإِمَامُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ يَتَخَيَّرُ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْوَقْتِ ، وَلَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ عَادَ التَّرْتِيبُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ
الْأَظْهَرُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعُودُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَوَاشِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا قَضَاهَا مُرَتِّبًا عَادَ التَّرْتِيبُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا مُرَتِّبًا لَمْ يُعِدْ بَيَانُهُ إذَا تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ وَقَضَاهَا إلَّا صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى وَقْتِيَّةً وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْبَاقِي قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو جَعْفَرٍ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
وَفِي الْهِدَايَةِ عَوْدُ التَّرْتِيبِ هُوَ الْأَظْهَرُ ، وَلَوْ أَدَّى بَعْضَ الْعَصْرِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ صَلَاتَانِ قَبْلَهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ يُتِمُّهَا وَطَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي هَذَا وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لِلْقَضَاءِ وَالْمُسْقِطُ لِلتَّرْتِيبِ مِنْ الضِّيقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْغُرُوبِ وَصَارَ الْوَقْتُ وَاسِعًا ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ افْتِتَاحِهَا كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَالْعَارِي إذَا وَجَدَ الثَّوْبَ ، وَمَا ذَكَرَهُ عِيسَى هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنَّ مُحَمَّدًا اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَانَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَ الْعَصْرِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا ، وَلَوْ أَتَمَّهَا كَانَ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا فَكَانَ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ عِنْدَ الضِّيقِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَتَى سَقَطَ فِي صَلَاةٍ لَا يَعُودُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ فَهُنَاكَ التَّرْتِيبُ غَيْرُ سَاقِطٍ لَكِنْ تَعَذَّرَ لِلْجَهْلِ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ بَقِيَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ الْعُذْرُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ .
وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ احْتِيَاطًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ رَأْيٌ عَمِلَ عَلَى غَالِبِ رَأْيِهِ ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَنْوِي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الثَّلَاثَ عَدَدُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْوِي بِهَا مَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدَّى رَكْعَتَيْنِ وَخَرَجَ مِنْهَا إلَى صَلَاةٍ أُخْرَى بِانْتِقَالِهِ وَكَذَا فِي الْمَغْرِبِ وَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ ، وَلَوْ صَلَّى الْفَجْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ فَصَلَاةُ الْفَجْرِ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى الْفَجْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَعِنْدَهُمَا صَلَاةُ الْفَجْرِ تَامَّةٌ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوِتْرِ فَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا كَانَ التَّرْتِيبُ شَرْطًا وَعِنْدَهُمَا كَانَ سُنَّةً فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا فَسَدَ فَرْضُ الْفَجْرِ هَلْ تَفْسُدُ سُنَّتُهُ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى لَا تَفْسُدُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَنْظُومَةِ فَقَالَ وَالْوِتْرُ فَرْضٌ وَيُرَى بِذِكْرِهِ فِي فَجْرِهِ فَسَادُ فَرْضِ فَجْرِهِ فَقَيَّدَ بِفَسَادِ فَرْضٍ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْبَابَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ الْعَوَارِضِ فَأَشْبَهَ الْفَوَاتَ فَتَجَانُسُ الْبَابَانِ وَحُجَّةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْأَوْقَاتَ الَّتِي تُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَاتِهِ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ تَقَعُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ جَانِبِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا لَقَّبَ الْبَابَ بِالْكَرَاهَةِ ثُمَّ بَدَأَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْأَغْلَبَ وَالْمَكْرُوهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ أَعَمُّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ فَالْكَرَاهَةُ فِيهِ حَاصِلَةٌ أَيْضًا كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْمَكْرُوهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَالْكَرَاهَةُ ثَابِتَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَلَيْسَ عَدَمُ الْجَوَازِ ثَابِتًا فِي الْكَرَاهَةِ وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ مِثْلُ تَسْمِيَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِنْ انْخَرَطَ فِيهِ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ قِيَامِهَا فِي الظَّهِيرَةِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا ) يَعْنِي قَضَاءَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْفَائِتَةِ عَنْ وَقْتِهَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِالتِّلَاوَةِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ وَالْوِتْرِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الْفَرَائِضُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ حَتَّى أَنَّهُ يَجُوزُ عَصْرَ يَوْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ نَاقِصًا لِنُقْصَانِ سَبَبِهِ ، فَقَوْلُهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَرَادَ مَا سِوَى النَّفْلِ .
وَفِي الْمُشْكِلِ قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ ذَكَرَهُ مُعَرَّفًا بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ وَهُمَا لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّطَوُّعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَلِفَ
وَاللَّامَ هُنَا لِلْمَعْهُودِ وَهُوَ الْفَرْضُ فَيَنْصَرِفُ عَدَمُ الْجَوَازِ إلَيْهِ فَقَطْ فَنَقُولُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ النَّفَلُ فَمَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا شَرْعًا أَمَّا لَوْ شَرَعَ فِيهَا وَفَعَلَهَا جَازَ وَإِنْ شَرَعَ فِيهَا وَقَطَعَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْفَرْضَ لَا يَجُوزُ أَصْلًا ( قَوْلُهُ : عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ) حَدُّ الطُّلُوعِ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ .
وَفِي الْمُصَفَّى مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ إلَى قُرْصِ الشَّمْسِ فَهِيَ فِي الطُّلُوعِ لَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ تُبَاحُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ وَلَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ ) هَذَا إذَا وَجَبَتَا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ وَأُخِّرَتَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعًا أَمَّا لَوْ وَجَبَتَا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَأُدِّيَتَا فِيهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ نَاقِصَةً كَمَا وَجَبَتْ إذْ الْوُجُوبُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَالتِّلَاوَةِ فَإِنْ قُلْت مَا الْأَفْضَلُ الْأَدَاءُ أَوْ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ قُلْت أَمَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَالْأَفْضَلُ الْأَدَاءُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ وَقَالَ ثَلَاثٌ لَا يُؤَخَّرْنَ جِنَازَةٌ أَتَتْ وَدَيْنٌ وَجَدْت مَا تَقْضِيهِ وَبِكْرٌ وُجِدَ لَهَا كُفْءٌ } وَأَمَّا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى التَّرَاخِي وَفِي الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْمَذْكُورِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الْكَرَاهَةُ حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا فِيهِ أَوْ تَلَا سَجْدَةً فِيهِ وَسَجَدَهَا جَازَ ؛ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ نَاقِصَةً كَمَا وَجَبَتْ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْت لِمَ أُلْحِقَتْ هُنَا بِالصَّلَاةِ وَلَمْ تُلْحَقْ بِهَا فِي الْقَهْقَهَةِ مَعَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ } قُلْت : عَدَمُ الْإِلْحَاقِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ
فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ لِلْعَهْدِ وَإِنَّمَا الصَّلَاةُ الْمَعْهُودَةُ هِيَ ذَاتُ التَّحْرِيمَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا تَتَنَاوَلُ السُّجُودَ مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمَةٍ ، وَأَمَّا هُنَا النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَيْ لَا يَقَعَ التَّشَبُّهُ بِالصَّلَاةِ بِمَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَبِالسُّجُودِ يَحْصُلُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ أَيْضًا فَكُرِهَ .
( قَوْلُهُ : إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ) لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ وَذَلِكَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ نَاقِصٌ ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَقَدْ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ وَلَوْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَسَدَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا غَرَبَتْ عَلَى مُصَلِّي الْعَصْرِ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا غَرَبَتْ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا فِي وَقْتٍ وَأَمَّا إذَا طَلَعَتْ فَقَدْ خَرَجَ لَا إلَى وَقْتٍ ، بَلْ هُوَ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ فَفَسَدَتْ وَلَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَجِبُ قَطْعُهَا وَقَضَاؤُهُمَا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ الْأَفْضَلُ قَطْعُهَا وَلَوْ مَضَى فِيهَا خَرَجَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ وَلَا يَجِبُ سِوَاهُ فَإِنْ قَطَعَهَا وَأَدَّاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا إذَا دَخَلَ فِي التَّطَوُّعِ عِنْدَ قِيَامِ الظَّهِيرَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ عِنْدَ الْغُرُوبِ ، قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَ وَيَقْضِيَ فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ وَمَضَى عَلَيْهِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ فَهُمَا سَوَّيَا بَيْنَ الصَّوْمِ
وَالصَّلَاةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الصَّلَاةُ تَقَعُ أَوَّلًا بِالتَّحْرِيمَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ عِنْدَنَا فَانْعَقَدَتْ فِي غَيْرِ نَهْيٍ وَالدُّخُولُ فِي الصَّوْمِ يَقَعُ عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ إذْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّوْمِ صَوْمٌ فَوَقَعَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْوُجُوبُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا ) يَعْنِي إذَا احْمَرَّتْ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاةً فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ ، وَلَوْ صَلَّاهَا فِيهَا خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ ، وَكَذَا لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ ، وَلَوْ صَامَهَا فِيهِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُجْزِئُهُ .
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ النَّحْرِ أَفْطَرَ وَقَضَى فَهَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ هُمَا يَقُولَانِ نَذَرَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَنَا أَنَّ النَّهْيَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ لَكِنَّهُ يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ ثُمَّ يَقْضِي إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ .
وَفِي فَتَاوَى صَاعِدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ مَنْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ يُؤْمَرُ بِالْقَطْعِ ثُمَّ بِالْقَضَاءِ أَمَّا لَوْ دَخَلَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْعَصْرَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ يُؤْمَرُ بِالْإِتْمَامِ ، وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَأَفْسَدَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ يَلْزَمُهُ وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ صَلَّاهَا فَقَطَعَهَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الَّذِي اقْتَدَى بِهِ ذَكَرَهُ
الْخُجَنْدِيُّ فِي بَابِ السَّهْوِ ، وَفِي النِّهَايَةِ يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي الْقَضَاءُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ) يَعْنِي قَصْدًا أَمَّا لَوْ قَامَ فِي الْعَصْرِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سَاهِيًا أَوْ فِي الْفَجْرِ لَا يُكْرَهُ وَيُتِمُّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يُضِيفُ رَكْعَةً فِي الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ بَعْدَهُمَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ أَفْسَدَهَا وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ ( قَوْلُهُ : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ وَيَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ ) وَلَا يُصَلِّي فِيهِمَا الْمَنْذُورَ وَلَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَلَا مَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ) فَإِنْ قُلْت هُمَا وَاجِبَتَانِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ كَوُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْتِيَ بِهِمَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ قُلْت إنَّا عَرَفْنَا كَرَاهَتَهُمَا بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِذِي طُوًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ رَكْعَتَانِ مَقَامُ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَخَّرَهُمَا إلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَمَا وَجَبَ مُضَافًا إلَى الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ كَالْمَنْذُورَةِ وَالنَّفَلِ الَّذِي يُفْسِدُهُ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا بِفِعْلِهِ وَهُوَ شُرُوعُهُ فِي الطَّوَافِ فَإِنْ قُلْت وُجُوبُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِفِعْلِهِ وَهُوَ التِّلَاوَةُ قُلْت الْوُجُوبُ فِيهَا لِعَيْنِهِ وَفِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوُجُوبُ فِيهَا لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ الْوَقْتِ وَهُوَ خَتْمُ الطَّوَافِ وَصِيَانَةُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْكَرَاهَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ النَّهْيُ عَمَّا سِوَاهُمَا لِحَقِّ الْفَجْرِ لَا لِخَلَلٍ فِي الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهُمَا حَتَّى لَوْ نَوَى تَطَوُّعًا كَانَ عَنْهُمَا فَقَدْ مُنِعَ عَنْ تَطَوُّعٍ آخَرَ لِيَبْقَى جَمِيعَ الْوَقْتِ كَالْمَشْغُولِ بِهِمَا لَكِنَّ صَلَاةَ فَرْضٍ آخَرَ فَوْقَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَجَازَ أَنْ يَصْرِفَ الْوَقْتَ إلَيْهِ .
وَفِي التَّجْنِيسِ مَنْ صَلَّى تَطَوُّعًا فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ الْإِتْمَامُ أَفْضَلَ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا عَنْ قَصْدٍ قَالَ فِي الْفَتَاوَى وَلَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ طَلَعَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى أَدَاءِ الْمَغْرِبِ مُسْتَحَبٌّ فَكَانَ النَّهْيُ لِئَلَّا يَكُونَ النَّفَلُ شَاغِلًا عَنْ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ لَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَكَذَا النَّفَلُ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ يُكْرَهُ لِئَلَّا يَتَشَاغَلَ عَنْ سَمَاعِهَا إلَّا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بَابُ النَّوَافِلِ ) النَّفَلُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْغَنِيمَةُ نَفْلًا ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ الْجِهَادُ وَهُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ وَسُمِّيَ وَلَدُ الْوَلَدِ نَافِلَةً ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مَسْنُونٍ وَكُلُّ سُنَّةٍ نَافِلَةٌ وَلَيْسَ كُلُّ نَافِلَةٍ سُنَّةً فَلِهَذَا لَقَّبَهُ بِالنَّوَافِلِ ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى السُّنَنِ .
وَفِي النِّهَايَةِ لَقَّبَهُ بِالنَّوَافِلِ وَفِيهِ ذِكْرُ السُّنَنِ لِكَوْنِ النَّوَافِلِ أَعَمَّ كَمَا لَقَّبَ الْأَوْقَاتَ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ النَّفَلُ شُرِعَ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ حَتَّى أَنَّ أَحَدًا لَوْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ لَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ) بَدَأَ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِ السُّنَنِ وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَدَعْهَا فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَقَالَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ { هُمَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } ، وَقَالَ { صَلُّوهَا وَلَوْ طَرَقَتْكُمْ الْخَيْلُ } وَقَدَّمَ فِي الْمَبْسُوطِ سُنَّةَ الظُّهْرِ ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلظُّهْرِ وَالظُّهْرُ أَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ .
وَقِيلَ إنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَخَشِيَ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الصَّفِّ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ إذَا خَشِيَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ مِنْ
الْفَرْضِ وَيُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَعْدَ الصَّفِّ أَوْ فِي الصَّفِّ إنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا غَيْرَهُ ، وَأَشَدُّ الْكَرَاهَةِ أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ إذَا كَانَ يَجِدُ مَوْضِعًا غَيْرَهُ وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْأَدَاءُ فِي الْبَيْتِ وَكَذَا سَائِرُ السُّنَنِ إلَّا التَّرَاوِيحَ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ بَيَانِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إذَا فَاتَتْ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا تُقْضَى عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُقْضَى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ إلَى قَبْلِ قِيَامِ الظَّهِيرَةِ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا تُقْضَى إلَّا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ سَوَاءٌ قَضَى الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ إلَى الزَّوَالِ وَفِيمَا بَعْدَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يَقْضِي الْفَرْضَ وَحْدَهُ وَقِيلَ يَقْضِي السُّنَّةَ مَعَهُ ، وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا فَلَا تُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَحْدَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ بَعْدَهُ .
( قَوْلُهُ : وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ ) يَعْنِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُنَّ مُؤَكَّدَاتٌ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوًا مِنْ عَشْرِ آيَاتٍ وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَإِنْ أَدَّاهُنَّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِنَّ مِنْ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ وَالْفَرْضُ أَرْبَعٌ فَكَذَا النَّفَلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَجْرَ لَمَّا كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ كَانَ نَفْلُهُ مِثْلَهُ ، وَأَمَّا بَعْدَ الظُّهْرِ شَرَعَ رَكْعَتَيْنِ تَيْسِيرًا وَالْجُمُعَةُ أَصْلُهَا أَرْبَعٌ وَبِسَبَبِ الْخُطْبَةِ عَادَتْ إلَى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ النَّفَلُ أَرْبَعًا عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ فَإِنْ تَرَكَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْأُولَى خَشْيَةَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْضِيهَا بَعْدَ الْفَرْضِ وَيَقْضِيهَا قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقَدِّمُ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الْأَرْبَعِ وَيَنْوِي الْقَضَاءَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَفِي
النَّوَادِرِ يَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِالْأَرْبَعِ ثُمَّ يَنْوِي الْقَضَاءَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا مُبْتَدَأً فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَفِي الْحَقَائِقِ يُقَدِّمُ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْأَرْبَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
وَفِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَةِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ مَقَالَاتِ مُحَمَّدٍ ، وَالسُّنَّةُ الْأُولَى مِنْ الظُّهْرِ إذَا فَاتَتْ فَقَبْلَ شَفْعِهَا لَهَا الْقَضَاءُ أَيْ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ .
وَفِي الْمُصَفَّى اخْتَلَفُوا فِي قَضَاءِ الْأَرْبَعِ هَلْ هُوَ نَفْلٌ مُبْتَدَأٌ أَوْ سُنَّةٌ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ نَفْلٌ مُبْتَدَأٌ يَقْضِيهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا سُنَّةٌ يَقْضِيهَا قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ إلَّا أَنَّ إحْدَاهُمَا فَائِتَةٌ فَيَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ .
( قَوْلُهُ : وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا ) وَهُمَا مُؤَكَّدَتَانِ .
( قَوْلُهُ : وَأَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ ) وَهُنَّ مُسْتَحَبَّاتٌ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ { قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ } ؛ وَلِأَنَّ الْعَصْرَ لَمَّا كَانَتْ أَرْبَعًا قُدِّرَتْ النَّافِلَةُ بِهَا ( قَوْلُهُ : وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ) وَهُمَا مُؤَكَّدَتَانِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُطِيلَ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا { الم تَنْزِيلُ } وَفِي الثَّانِيَةِ { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } } ( قَوْلُهُ : وَأَرْبَعًا قَبْلَ الْعِشَاءِ ) وَهُنَّ مُسْتَحَبَّاتٌ .
( قَوْلُهُ : وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ ) قِيلَ إنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ أَمَّا إذَا صَلَّاهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي الْأَرْبَعَ كُلَّهَا جَبْرًا لِذَلِكَ النَّقْصِ وَلَا يَتَخَيَّرُ وَأَرْبَعًا قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَأَرْبَعًا
بَعْدَهَا وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَرْبَعًا قَبْلَهَا وَسِتًّا بَعْدَهَا وَفِي الْكَرْخِيِّ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ .
وَفِي الْمَنْظُومَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ اثْنَتَيْنِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ثُمَّ رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعَصْرِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَصَحُّ أَنَّ أَقْوَاهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ ثُمَّ الْأَرْبَعُ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَاَلَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ وَاَلَّتِي بَعْدَ الْمَغْرِبِ سَوَاءٌ فَإِنْ قِيلَ لَك لِمَا شُرِعَ بَعْضُ النَّوَافِلِ قَبْلَ الْفَرْضِ وَبَعْضُهَا بَعْدَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي بَعْدَ الْفَرْضِ شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ قَطْعًا لِطَمَعِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَقُولُ مَنْ لَمْ يُطِعْنِي فِي تَرْكِ مَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ كَيْفَ يُطِعْنِي فِي تَرْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ ، وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرْضَ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا تَنَفَّلَ فِي مَكَانِهِ ظَنَّ الدَّاخِلُ أَنَّهُ فِي الْفَرْضِ فَيَقْتَدِي بِهِ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ حَتَّى لَا تَتَشَوَّشَ الصُّفُوفُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ
( قَوْلُهُ : فَإِنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ ) يَعْنِي أَقَلَّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي اللَّيْلِ بِثَمَانِي رَكَعَاتٍ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ } ثُمَّ قَالَ { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَطَالَ قِيَامَ اللَّيْلِ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
( قَوْلُهُ : وَنَوَافِلُ النَّهَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا ) وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا نَافِلَةُ اللَّيْلِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ ) يَعْنِي إنْ شَاءَ صَلَّى بِاللَّيْلِ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ سِتًّا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ ثَمَانِيًا بِتَسْلِيمَةٍ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَيْلًا وَنَهَارًا .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَثْنًى مَثْنًى وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا مَثْنًى مَثْنًى وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ لَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ تَحْرِيمَةٍ وَتَسْلِيمَةٍ وَدُعَاءٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَدْوَمُ تَحْرِيمَةً فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةً وَأَزْيَدَ فَضِيلَةً ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَخْرُجُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَأَمَّا فِي التَّرَاوِيحِ فَإِنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَيُرَاعَى فِيهَا التَّيْسِيرُ .
( قَوْلُهُ : وَتُكْرَهُ ) ( الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ ) أَيْ عَلَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ
فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَالزِّيَادَةُ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَمُوجِبُ الْعَقْدِ فِي التَّطَوُّعِ رَكْعَتَانِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الشَّفْعُ الثَّانِي بِالْقِيَامِ إلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ كَصَلَاةٍ عَلَى حِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً وَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ اسْتَفْتَحَ كَمَا يَسْتَفْتِحُ عَقِيبَ التَّحْرِيمَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ أَوْ السِّتِّ أَوْ الثَّمَانِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ يَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَلْزَمُهُ مَا نَوَى وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ يَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا وَإِنْ قَالَ نِصْفَ رَكْعَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ وَإِذَا لَزِمَتْهُ رَكْعَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَكُونُ وِتْرًا وَلَوْ قَالَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ بِوُضُوءٍ تَصْحِيحًا لِلنَّذْرِ وَلَوْ قَالَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ وَأَمَّا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَهِيَ عِبَادَةٌ كَصَلَاةِ الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ .
( قَوْلُهُ : وَالْقِرَاءَةُ فِي الْفَرَائِضِ وَاجِبَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ) أَيْ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ فِي حَقِّ الْعَمَلِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَرْضٌ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ وَكُلُّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ } وَقَالَ مَالِكٌ فُرِضَ فِي ثَلَاثٍ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا فِي الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَيُفَارِقَانِهِمَا فِي حَقِّ السُّقُوطِ وَصِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ وَفِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ } فَهُوَ شَاهِدٌ لَنَا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا وَالصَّلَاةُ مَتَى ذُكِرَتْ مُطْلَقَةً لَا تَنْصَرِفُ إلَى رَكْعَةٍ وَإِنَّمَا تَنْصَرِفُ إلَى صَلَاةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ رَكْعَتَانِ عُرْفًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَمْ يَقُلْ صَلَاةً فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا صَلَّى رَكْعَةً .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ ) يَعْنِي مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ ثَلَاثُ تَسْبِيحَاتٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا الْفَاتِحَةَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنْ شَاءَ قَرَأَ يَعْنِي الْفَاتِحَةَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ يَعْنِي ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ يَعْنِي مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ ثَلَاثُ تَسْبِيحَاتٍ فَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُسَبِّحْ كَانَ مُسِيئًا إنْ تَعَمَّدَ السُّكُوتَ ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَهْوٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ
شَاءَ سَكَتَ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ السُّكُوتَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِإِسَاءَةٍ وَعِنْدَهُمَا إسَاءَةٌ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ كَرَاهَةٌ وَالْكَرَاهَةُ أَفْحَشُ مِنْ الْإِسَاءَةِ فَالْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ وَالتَّسْبِيحُ مُبَاحٌ وَالسُّكُوتُ إسَاءَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَالْقُرَّاءُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَفِي جَمِيعِ الْوِتْرِ ) أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَلِهَذَا يَسْتَفْتِحُ فِيهَا وَيَتَعَوَّذُ وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِوُجُودِ عَلَامَةِ الْأَمْرَيْنِ فَاحْتَاطُوا لَهُ بِإِيجَابِ الْقِرَاءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَفْلًا وَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ مِنْهُ وَلَا يَتَعَوَّذُ وَلَا يُكْمِلُ تَشَهُّدَهُ الْأَوَّلَ لِشَبَهِهِ بِالْفَرْضِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ نَفْلٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَاهَا ) هَذَا إذَا دَخَلَ فِيهَا قَصْدًا أَمَّا سَاهِيًا كَمَا إذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَا يَقْضِيهَا ثُمَّ أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا رَكْعَتَانِ وَإِنْ نَوَى مِائَةَ رَكْعَةٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَقَوْلُهُ أَفْسَدَهَا سَوَاءٌ فَسَدَتْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَرَى الْمَاءَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَكَالْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ فِي التَّطَوُّعِ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْفَرْضِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَعَدَ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ ) لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَالْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَكُونُ مَلْزُومًا وَهَذَا إذَا أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا بِأَنْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا أَمَّا إذَا أَفْسَدَهَا قَبْلَ الْقِيَامِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي اعْتِبَارًا لِلشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَقَعَدَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْعُدْ وَأَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ لَزِمَهُ قَضَاءُ أَرْبَعٍ إجْمَاعًا .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا ) وَهُوَ احْتِيَاطٌ ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إنَّ الزَّوْجَ لَوْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ أَوْ أُخْبِرَتْ بِشُفْعَةٍ لَهَا فَأَتَمَّتْ أَرْبَعًا لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهَا وَلَا خِيَارُهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ وَالْكَرْخِيِّ إنْ سَلَّمَتْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ أَتَمَّتْ الْأَرْبَعَ بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ صَلَاةٌ أُخْرَى وَإِذَا كَانَتْ فِي أَرْبَعِ الظُّهْرِ الْأُولَى لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا بِانْتِقَالِهَا إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَعَادَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَرْبَعًا وَهَذِهِ
الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا يَرْفَعُ التَّحْرِيمَةَ وَلَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْفَعُ التَّحْرِيمَةَ وَيُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الثَّانِي وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ إذَا فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَالشَّفْعُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ حَتَّى يَأْتِيَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ بِقِرَاءَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ إذَا صَحَّ يَلْزَمُهُ الشَّفْعُ الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ ثَمَانِ مَسَائِلَ أَحَدُهُمَا إذَا صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا فَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ مِنْ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا فَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ ارْتَفَعَتْ التَّحْرِيمَةُ وَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِي وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ تَفْسُدْ التَّحْرِيمَةُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَفْسَدَ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ مَا لَمْ يَأْتِ بِرَكْعَةٍ مَعَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَالثَّانِيَةُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ فَلَزِمَهُ الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَأَفْسَدَهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ ، وَالثَّالِثَةُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ يَكُونُ الْأُخْرَيَانِ صَلَاةً عِنْدَهُمَا نَعَمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَوْ قَهْقَهَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ ، وَالرَّابِعَةُ إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى
الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ أَرْبَعٍ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَكْعَتَيْنِ أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَيَقُولُ فَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وُجِدَ مِنْهُ رَكْعَةٌ بِقِرَاءَةٍ ثُمَّ فَسَدَتْ بَعْدُ .
وَالْخَامِسَةُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَالسَّادِسَةُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَالْأُولَيَانِ فَسَدَتَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْأُخْرَيَانِ صَلَاةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَالسَّابِعَةُ إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَرْبَعٌ وَالثَّامِنَةُ إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ أَرْبَعٍ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَنَوَى بِهِ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ عُقِدَتْ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَكُونُ بَعْضُهَا قَضَاءً وَبَعْضُهَا أَدَاءً قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَبْطُلْ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ فَسَادُهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا يُفْسِدُ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَالَ وَهَذَا إذَا قَعَدَ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ أَرْبَعٍ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الثَّانِي يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَقْعُدْ فَبَانَ لَك مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِ الْمَسَائِلِ أَنَّ أَرْبَعًا مِنْهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهُنَّ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَالْأُخْرَيَيْنِ فَفِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ يَقْضِي
رَكْعَتَيْنِ إجْمَاعًا وَأَرْبَعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ يَقْضِي أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَرْبَعًا .
( قَوْلُهُ : وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ } أَيْ فِي حَقِّ الْأَجْرِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا لِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلَا لِحَالَةِ الْعُذْرِ وَلَا لِحَالَةِ غَيْرِ الْعُذْرِ فَمَا وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى مَا ادَّعَيْتُمُوهُ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ قِيلَ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ قَاعِدًا مُسَاوِيَةٌ لِصَلَاةِ الْقَائِمِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْأَجْرِ فَلَمْ يَبْقَ حِينَئِذٍ إلَّا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ قَاعِدًا بِدُونِ الْعُذْرِ فَهُوَ عَلَى نِصْفِ الْأَجْرِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ ، وَإِنَّمَا جَازَتْ النَّافِلَةُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْ هَذَا الْخَيْرِ الْمَوْضُوعِ وَقُيِّدَ بِالنَّافِلَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ قِيلَ كَيْفَ شَاءَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْزَمٌ ثُمَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَذَا إذَا شَرَعَ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَهُ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ جَازَ فَالْبَقَاءُ أَوْلَى بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَهُ نَصًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يُنَصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشُّرُوعِ وَالنَّذْرِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا فَصَامَ الْبَعْضَ وَمَرِضَ فَأَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَفِي الشُّرُوعِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَكَذَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ مَاشِيًا وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ مَاشِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ كَذَا هُنَا فَإِنْ قِيلَ إذَا افْتَتَحَهَا هَلْ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ شُرُوعِهِ قَائِمًا كَمَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الثَّانِيَةِ قِيلَ نَعَمْ ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ وَصْفِهِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَلَمْ يَقُلْ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَلْزَمُهُ قَائِمًا ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَوْجَبَهُ قَائِمًا وَلَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَقُومَ فَقَامَ وَصَلَّى مَا بَقِيَ جَازَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ يَتَنَفَّلُ عَلَى دَابَّتِهِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إيمَاءً ) لِأَنَّ النَّافِلَةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ مَشْرُوعٍ عَلَى حَسَبِ النَّشَاطِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْقَافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ وَكِلَاهُمَا ضَرَرٌ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي التَّنَفُّلِ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ إلَّا حِفْظُ اللِّسَانِ مِنْ فُضُولِ الْكَلَامِ لَكَانَ كَافِيًا وَقُيِّدَ بِالنَّافِلَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ أَنْ يَخَافَ مِنْ النُّزُولِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ كَانَ فِي طِينٍ أَوْ رَدْغَةٍ لَا يَجِدُ عَلَى الْأَرْضِ مَكَانًا جَافًّا أَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ فَتَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَكَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ عَنْ الرَّاكِبِ يَسْقُطُ عَنْهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الرَّدْغَةُ بِالتَّحْرِيكِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمَاءُ وَالطِّينُ الْوَحَلُ الشَّدِيدُ وَكَذَا الرَّدْغَةُ بِالتَّسْكِينِ أَيْضًا وَالْجَمْعُ رَدْغٌ وَرِدَاغٌ وَالْوَحَلُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الطِّينُ الرَّقِيقُ وَبِتَسْكِينِ الْحَاءِ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ ، وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَيَنْفِي الْجَوَازَ فِي الْمِصْرِ وَحَدُّ خَارِجِ الْمِصْرِ قِيلَ قَدْرُ الْمِيلِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ قَدَّرُوهُ بِمُصَلَّى الْعِيدِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لَهُمَا أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ إنَّمَا جُوِّزَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بِالنُّزُولِ يَنْقَطِعُ عَنْ الْقَافِلَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الْمِصْرِ ( قَوْلُهُ : تَنَفَّلَ ) يُحْتَرَزُ عَنْ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ سَائِرَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً فَلَا وَلَوْ صَلَّى الْفَرْضَ عَلَى بَعِيرٍ قَائِمٍ لَا يَسِير لَا يَجُوزُ وَلَوْ صَلَّى عَلَى عِجْلٍ قَائِمٍ لَا يَسِير جَازَ وَلَا يُشْبِهُ الْحَيَوَانَ الْعِيدَانُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَالذَّخِيرَةِ إذَا صَلَّى الْفَرْضَ فِي شِقِّ مَحْمَلٍ عَلَى دَابَّةٍ وَرَكَزَ تَحْتَ الْمَحْمَلِ خَشَبَةً حَتَّى صَارَ قَرَارُ الْمَحْمَلِ عَلَيْهَا جَازَ وَلَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ خَارِجَ الْمِصْرِ رَاكِبًا ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ رَاكِبًا بَطَلَتْ تَحْرِيمَتُهُ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ يُتِمُّهَا عَلَى الدَّابَّةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَهُ وَقِيلَ يَنْزِلُ وَيُتِمُّهَا نَازِلًا ، وَلَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ يَسْتَأْنِفُ ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَعِنْد زُفَرَ يَبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ ( قَوْلُهُ : إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ بِهِ ) فَإِنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ الدَّابَّةُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَقَوْلُهُ يُومِئُ إيمَاءً وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَاشِي أَنْ يُصَلِّيَ أَيْنَ كَانَ وَجْهُهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ فَاعِلٌ لِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْكَلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ فِي حَالَةِ السِّبَاحَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَشْيِ وَإِذَا كَانَ عَلَى سَرْجِ الدَّابَّةِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ لُعَابِ الْحِمَارِ أَمَّا إذَا كَانَ دَمًا أَوْ عَذِرَةً أَوْ بَوْلًا لَمْ يَجُزْ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ ،
وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا وَجَوَّزَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَفِي شَرْحِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ فِي السَّرْجِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهَا كَذَلِكَ هَذَا .
( بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ ) لَمَّا انْتَهَى ذِكْرُ الْأَدَاءِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَالْقَضَاءِ شَرَعَ فِي جَبْرِ نُقْصَانِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِمَا جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَ النَّوَافِلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ لِكَوْنِهَا جَبْرًا لِنُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْفَرَائِضِ فَلِهَذَا ذَكَرَ السَّهْوَ عَقِيبَ النَّوَافِلِ لِكَوْنِهِ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَكَانَ بَعْدَ الْجَمِيعِ وَهُوَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالسَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ ضِدُّ الذِّكْرِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ عُزُوبُ الشَّيْءِ عَنْ النَّفْسِ بَعْدَ حُضُورِهِ وَالسَّهْوُ قَدْ يَكُونُ عَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ بِهِ عَالِمًا وَعَمَّا لَا يَكُونُ عَالِمًا بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( سُجُودُ السَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ) سَوَاءٌ ( بَعْدَ السَّلَامِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَبْلَ السَّلَامِ فِيهِمَا وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لِلنُّقْصَانِ فَقَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ لِلزِّيَادَةِ فَبَعْدَ السَّلَامِ ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ عِنْدَنَا قَبْلَ السَّلَامِ جَازَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى ( قَوْلُهُ : يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ وَلَكِنْ لَا يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ ؛ لِأَنَّ الْأَقْوَى لَا يَرْتَفِعُ بِالْأَدْنَى بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ فَتَرْفَعُهَا وَقَوْلُهُ يُسَلِّمُ أَيْ يَأْتِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَمَنْ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي الْفَجْرِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَلَّتْ الشَّمْسُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ سَقَطَتَا عَنْهُ وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْسُ وَفِي الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا كَذَا فِي الْفَتَاوَى
وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ يَعْنِي بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرَ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَدْعُو فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعًا وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَخِيرَةِ ، وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَخْرُجُ خُرُوجًا مَوْقُوفًا ثُمَّ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ عَادَ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فَاقْتِدَاؤُهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُمَا إنْ عَادَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ ، وَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَسَقَطَ عَنْهُ السَّهْوُ إجْمَاعًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ ، وَكَذَا إذَا قَهْقَهَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْقَعْدَةُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَا لِيَقَعَ خَتْمُ الصَّلَاةِ بِهَا حَتَّى لَوْ قَامَ وَتَرَكَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَذَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ .
( قَوْلُهُ : وَالسَّهْوُ يَلْزَمُهُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا لَيْسَ مِنْهَا ) فِي قَوْلِهِ يَلْزَمُهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَكَانَ وَاجِبًا كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ بِتَأْخِيرِهِ أَوْ بِتَغْيِيرِ رُكْنٍ سَاهِيًا ، وَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِهَا اُحْتُرِزَ عَنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَتَقْلِيبِ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا أَوْ مُفْسِدًا فَإِنْ قُلْت مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ مِنْهَا إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّائِدَ لَيْسَ مِنْهَا قُلْت اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَوْ الْقُعُودَ فَإِنَّهُ زَادَ فِيهَا فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ فَرْضٌ فَإِنْ قُلْت لِمَ وَجَبَ السَّهْوُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةُ ضِدُّ النُّقْصَانِ قُلْتُ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا نُقْصَانٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ سِتُّ أَصَابِعَ كَانَ لَهُ رَدُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ رَدُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَاعْلَمْ أَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ يُجْبِرَانِ النُّقْصَانَ وَيُرْضِيَانِ الرَّحْمَنَ وَيُرْغِمَانِ الشَّيْطَانَ فَلِهَذَا هُمَا وَاجِبَتَانِ ( قَوْلُهُ : أَوْ تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا ) أَيْ فِعْلًا وَاجِبًا عُرِفَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ كَالْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ قَامَ فِي مَوْضِعِ الْقُعُودِ أَوْ تَرَكَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِعْلًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَهَا عَنْ الْأَذْكَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ كَمَا إذَا سَهَا عَنْ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَسْبِيحَاتِهِمَا إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ : تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْقُنُوتُ وَالتَّشَهُّدُ وَالْقِرَاءَةُ وَتَأْخِيرُ السَّلَامِ عَنْ مَوْضِعِهِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ
وَكَذَا إذَا تَرَكَ أَكْثَرَهَا ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ( قَوْلُهُ : وَالْقُنُوتَ ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْقُنُوتِ ( قَوْلُهُ : أَوْ التَّشَهُّدَ ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ ) أَوْ الْبَعْضَ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ يَجِبُ السَّهْوُ وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ السُّورَةَ وَلَوْ قَرَأَ فِيهِمَا الْفَاتِحَةَ ثُمَّ السُّورَةَ ثُمَّ الْفَاتِحَةَ سَاهِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَهْوٌ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَرَّتَيْنِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ سَاهِيًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَةَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ ، وَلَوْ صَلَّى بِسُورَةِ السَّجْدَةِ فَلَمَّا سَجَدَ قَامَ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ سَاهِيًا ثُمَّ قَرَأَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ ( قَوْلُهُ : أَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ ) لِأَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُخَافَتَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا خَافَتَ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَإِنْ جَهَرَ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمِقْدَارِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَيُمْكِنُ عَنْ الْكَثِيرِ وَمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ .
وَفِي النَّوَادِرِ إذَا جَهَرَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ وَجَبَ
عَلَيْهِ السَّهْوُ .
( قَوْلُهُ : وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ ) لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ لَازِمَةٌ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ ) لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مُتَابِعًا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ ) لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ وَإِنْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ الْأَصْلُ تَبَعًا .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ إلَى حَالِ الْقُعُودِ أَقْرَبُ ) يَعْنِي بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا يَعُودُ وَإِنْ اسْتَتَمَّ لَا يَعُودُ وَصَحَّحَ هَذَا صَاحِبُ الْحَوَاشِي ( قَوْلُهُ : عَادَ فَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ ) لِأَنَّ مَا قَرُبَ إلَى الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الْمِصْرِ يَأْخُذُ حُكْمَ الْمِصْرِ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ سُجُودَ السَّهْوِ هَهُنَا .
وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ كَمَا إذَا لَمْ يَقُمْ .
وَفِي النِّهَايَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَوُجِدَ بِخَطِّ الْمَكِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ إلَى حَالِ الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَمْ يُعِدْ ) لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ مَعْنًى ( وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ فَلَوْ عَادَ هُنَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا إذَا عَادَ بَعْدَمَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْقَعْدَةَ الْأُولَى وَاجِبَةٌ فَلَا يَتْرُكُ الْفَرْضَ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا بِمَا إذَا تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الْقِيَامَ وَهُوَ فَرْضٌ وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فَقَدْ تَرَكَ الْفَرْضَ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ قِيلَ كَانَ الْقِيَاسُ هُنَاكَ أَيْضًا أَنْ لَا يَتْرُكَ الْقِيَامَ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَامَ بِالْأَثَرِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَسْجُدُونَ وَيَتْرُكُونَ الْقِيَامَ لِأَجْلِهَا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إظْهَارُ التَّوَاضُعِ وَمُخَالَفَةُ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ السُّجُودِ فَجَوَّزَ تَرْكَ الْقِيَامِ تَحْقِيقًا لِمُخَالَفَتِهِمْ ، وَهَذَا فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ أَمَّا فِي النَّفْلِ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ مِنْ غَيْرِ قَعْدَةٍ فَإِنَّهُ يَعُودُ وَلَوْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ رَجَعَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ وَأَلْغَى الْخَامِسَةَ ) أَيْ تَرَكَهَا ؛ لِأَنَّ فِي رُجُوعِهِ إلَى الْقَعْدَةِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ مَا لَمْ يَسْجُدْ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ مَحَلٌّ لِلرَّفْضِ ( قَوْلُهُ : وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ) لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا وَهُوَ الْقَعْدَةُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ بَطَلَ فَرْضُهُ ) يَبْطُلُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ وَعِنْد مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهَا ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السُّجُودِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لِيَتَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَهُوَ السُّجُودُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ( قَوْلُهُ : وَتَحَوَّلَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَتَحَوَّلُ نَفْلًا بَلْ تَبْطُلُ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ إذَا فَسَدَتْ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ وَإِذَا بَطَلَتْ عِنْدَهُ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى قَالَ : لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَبْطُلْ تَصِيرُ تَطَوُّعًا وَتَرْكُ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي التَّطَوُّعِ مُفْسِدٌ عِنْدَهُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَرْكُ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُفْسِدُ فَبَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ فَيُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى حَتَّى يَصِيرَ مُتَنَفِّلًا بِسِتٍّ .
( قَوْلُهُ : وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَشْفَعَ الْخَامِسَةَ ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ شُرِعَ شَفْعًا لَا وِتْرًا وَهَذَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَفِي قَاضِي
خَانْ إلَّا الْفَجْرَ فَإِنَّهُ لَا يُضِيفُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مَكْرُوهٌ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ أَعْنِي الْخَامِسَةَ وَالسَّادِسَةَ يَلْزَمُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ نَفْلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْقَطَعَ الْإِحْرَامُ حِينَ فَسَدَ الْفَرْضُ وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ وَالْمَظْنُونُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الضَّمُّ ثُمَّ إذَا ضَمَّ هَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عِنْدَهُمَا الْأَصَحُّ لَا يَسْجُدُ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ يَظُنُّهَا الْقَعْدَةَ الْأُولَى عَادَ إلَى الْقُعُودِ مَا لَمْ يَسْجُدْ فِي الْخَامِسَةِ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنْ سَلَّمَ قَائِمًا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ عَادَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ ) فَإِنْ قُلْت هَلْ ضَمَّ الْأُخْرَى عَلَى الْإِيجَابِ أَمْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قُلْت ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ ثُمَّ إذَا أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ لَفْظَةَ السَّلَامِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ وَقَعَ فِي الْفَرْضِ وَقَدْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى النَّفْلِ وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ انْتِقَالَهُ إلَى النَّفْلِ بِنَاءً عَلَى التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ السَّهْوِ كَأَنَّهُمَا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ أَحَدٌ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْفَرْضِ لَمَّا لَمْ يَنْقَطِعْ عِنْدَهُ صَارَ الْمُقْتَدِي شَارِعًا فِي الْكُلِّ فَلَزِمَهُ مَا أَدَّى الْإِمَامُ بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ أَدَّى سِتًّا وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ فِي النَّفْلِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْفَرْضِ فَإِنْ أَفْسَدَ الْمُقْتَدِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
( قَوْلُهُ : وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ) وَهَذَا السُّجُودُ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكِّنِ فِي النَّفْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِدُخُولِهِ
فِيهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْفَرْضِ وَهُوَ خُرُوجُهُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ اقْتَدَى بِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْمُقْتَدِي قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحْكَمَ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَإِنَّمَا النُّقْصَانُ فِي النَّفْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي سِتًّا ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ .
( قَوْلُهُ : وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَالرَّكْعَتَانِ لَهُ نَافِلَةٌ ) وَلَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَظْنُونَتَانِ وَالْمَظْنُونُ نَاقِصٌ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ يَعْرِضُ لَهُ كَثِيرًا بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ إنْ كَانَ لَهُ ظَنٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ ) الشَّكُّ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَالظَّنُّ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ وَجِهَةُ الصَّوَابِ أَرْجَحُ ، وَالْوَهْمُ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ وَجِهَةُ الْخَطَأِ أَرْجَحُ .
( قَوْلُهُ : أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ ) قِيلَ فِي عُمُرِهِ وَقِيلَ فِي الصَّلَاةِ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ السَّهْوُ مِنْ عَادَتِهِ ، وَفَائِدَتُهُ إذَا سَهَا فِي صَلَاتِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاسْتَقْبَلَ ثُمَّ وَقَفَ سِنِينَ ثُمَّ سَهَا عَلَى قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ يَسْتَأْنِفُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْعَادَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَعَلَى الْعِبَارَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : بَنَى عَلَى الْيَقِينِ ) وَهُوَ الْأَقَلُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ ) إنَّمَا ذَكَرَهُ عَقِيبَ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ إلَّا أَنَّ السَّهْوَ أَكْثَرُ فَكَانَ أَهَمَّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ فَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ مِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ ثُمَّ إضَافَتُهُ إضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ كَقِيَامِ زَيْدٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمَرِيضِ الْقِيَامُ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ ) اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمَرَضِ الَّذِي يُبِيحُ لَهُ الصَّلَاةَ قَاعِدًا فَقِيلَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ إذَا قَامَ سَقَطَ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ دَوَرَانِ الرَّأْسِ ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ دُونَ تَمَامِهِ أُمِرَ بِأَنْ يَقُومَ مِقْدَارَ مَا يَقْدِرُ فَإِذَا عَجَزَ قَعَدَ حَتَّى لَوْ قَدَرَ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا لِلتَّحْرِيمَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ يَعْنِي لِلْقِرَاءَةِ أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ لِبَعْضِ الْقِرَاءَةِ دُونَ تَمَامِهَا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا وَيَقْرَأَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدَ إذَا عَجَزَ فَقَوْلُهُ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ يَعْنِي جَمِيعَهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مُتَّكِئًا لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ فَيَقُومُ مُتَّكِئًا .
( قَوْلُهُ : صَلَّى قَاعِدًا ) يَعْنِي يَقْعُدُ كَيْفَ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ أَوْ إلَى إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ، وَلَا يُجْزِئُهُ مُضْطَجِعًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَوْمَأَ إيمَاءً ) أَوْمَأَ بِالْهَمْزَةِ ( قَوْلُهُ : وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ ) لِأَنَّ الْإِيمَاءَ قَامَ مَقَامَهُمَا فَأَخَذَ حُكْمَهُمَا .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ ) فَإِنْ رَفَعَ إنْ وَجَدَ الْإِيمَاءَ جَازَ وَيَكُونُ مُسِيئًا وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ كَانَ بِجَبْهَتِهِ قُرُوحٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ عَلَيْهَا لَمْ يُجْزِهِ الْإِيمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى
أَنْفِهِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ وَجَعَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ يُومِئُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ) يَعْنِي بَعْدَ أَنْ تُوضَعَ وِسَادَةٌ تَحْتَ رَأْسِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيمَاءِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِلْقَاءَ يَمْنَعُ الْإِيمَاءَ مِنْ الْأَصِحَّاءِ فَكَيْفَ مِنْ الْمَرْضَى فَإِنْ صَلَّى مُضْطَجِعًا فَنَامَ فِيهَا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اسْتَلْقَى عَلَى جَنْبِهِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ جَازَ ) يَعْنِي عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلْقَاءَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ إذَا بَلَغَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُفِيقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَسْقُطُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَقَدَمَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَقْضِي إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ قَضَى إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَقَلَّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَزْدَوِيِّ الصَّغِيرِ وَقَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ وَلَا
بِقَلْبِهِ وَلَا بِحَاجِبَيْهِ ) .
وَقَالَ زُفَرُ يُومِئُ بِقَلْبِهِ فَإِذَا صَحَّ أَعَادَ ، وَقَالَ الْحَسَنُ يُومِئُ بِحَاجِبَيْهِ وَقَلْبِهِ وَيُعِيدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ أَعَادَ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ إيمَاءً ) فَإِنْ أَوْمَأَ قَائِمًا جَازَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا أَرَادَ أَنْ يُومِئَ لِلرُّكُوعِ أَوْمَأَ قَائِمًا وَيُومِئُ لِلسُّجُودِ قَاعِدًا وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا بِالْكُلِّ .
وَفِي الْوَاقِعَاتِ إذَا أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ قَائِمًا لَا يُجْزِئُهُ وَلِلرُّكُوعِ يُجْزِئُهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ صَلَّى الصَّحِيحُ بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا وَحَدَثَ بِهِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ الْقِيَامَ أَتَمَّهَا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ يُومِئُ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ بِنَاءَ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِمَرَضٍ بِهِ ثُمَّ صَحَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْقَاعِدَ يَؤُمُّ الْقَائِمَ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَلَاةَ الْقَائِمِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْقَاعِدِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْتَقْبِلُ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْقَائِمَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ الْقَاعِدِ فَكَذَا لَا يَبْنِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِإِيمَاءٍ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ ) هَذَا إذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَمَا رَكَعَ وَسَجَدَ أَمَّا إذَا قَدَرَ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ الْأَدَاءِ صَحَّ لَهُ الْبِنَاءُ كَذَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ .
وَقَالَ زُفَرُ يَبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَصْلِهِ فِي الِاقْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ الرَّاكِعُ بِالْمُومِئِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَمَا دُونَهَا قَضَاهَا إذَا صَحَّ ) وَإِنْ فَاتَهُ بِالْإِغْمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ الْأَعْذَارَ أَنْوَاعٌ مُمْتَدَّةٌ جِدًّا كَالصِّبَا وَتَسْقُطُ بِهِ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا وَقَاصِرٌ جِدًّا كَالنَّوْمِ لَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْإِغْمَاءُ فَإِنْ امْتَدَّ أُلْحِقَ بِالْمُمْتَدِّ جِدًّا وَإِنْ لَمْ يَمْتَدَّ أُلْحِقَ بِالْقَاصِرِ جِدًّا حَتَّى يُوجِبَ الْقَضَاءَ وَامْتِدَادُهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَدْخُلُ الْفَائِتَةُ فِي حَيِّزِ التَّكْرَارِ ، وَفِي إيجَابِ قَضَاءِ ذَلِكَ حَرَجٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ، وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ وَإِنْ أَكَلَ الْبَنْجَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ مَتَى كَثُرَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْبَنْجَ بِالْإِغْمَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَهُ بِالْخَمْرِ ، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْفَزَعِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ سَبُعٍ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ فَاتَهُ بِالْإِغْمَاءِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ ) الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِالسَّاعَاتِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْأَوْقَاتِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الصَّلَوَاتُ فَمَا لَمْ تَصِرْ الصَّلَاةُ سِتًّا لَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ عِنْدَهُ وَفَائِدَتُهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّحْوَةِ ثُمَّ أَفَاقَ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِسَاعَةٍ فَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ لَمْ تَزِدْ عَلَى خَمْسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَيُقَالُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ فَالتِّلَاوَةُ سَبَبٌ بِلَا خِلَافٍ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا صَلَّى فَقَدْ انْقَادَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَفِي التِّلَاوَةِ إذَا سَجَدَ فَقَدْ انْقَادَ أَيْضًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَفِي إضَافَةِ السُّجُودِ إلَى التِّلَاوَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَتَبَهَا أَوْ تَهَجَّاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً إلَى آخِرِهِ ) اعْلَمْ أَنَّ بِالْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً سَبْعَةٌ مِنْهَا فَرِيضَةٌ وَثَلَاثٌ مِنْهَا وَاجِبٌ وَأَرْبَعٌ مِنْهَا سُنَّةٌ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ فَرْضٌ ؛ وَالرَّعْدِ فَرْضٌ ؛ وَالنَّحْلِ فَرْضٌ ؛ وَبَنِي إسْرَائِيلَ فَرْضٌ ؛ وَمَرْيَمَ فَرْضٌ ؛ وَالْأُولَى فِي الْحَجِّ فَرْضٌ ؛ وَالْفُرْقَانِ وَاجِبَةٌ ؛ وَالنَّمْلِ سُنَّةٌ وَالَمْ تَنْزِيلُ وَاجِبَةٌ وَ ( ص ) فَرْضٌ وَ حم السَّجْدَةِ وَاجِبَةٌ ؛ وَالنَّجْمِ سُنَّةٌ ؛ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ سُنَّةٌ ؛ وَاقْرَأْ سُنَّةٌ فَمَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ ( ص ) وَحُسْنَ مَآبٍ ؛ وَفِي حم السَّجْدَةِ ( لَا يَسْأَمُونَ ) .
وَهَلْ تَجِبُ السَّجْدَةُ بِشَرْطِ قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْآيَةِ أَمْ بَعْضِهَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ حَرْفَ السَّجْدَةِ وَقَبْلَهُ كَلِمَةٌ وَبَعْدَهُ كَلِمَةٌ وَجَبَ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ لَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِآيَةِ السَّجْدَةِ إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مُتَهَيِّئِينَ لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ وَإِنْ تَلَا بِالْفَارِسِيِّ لَزِمَ السَّامِعَ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا فَهِمَ وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَإِنْ قَرَأَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَجَبَ عَلَى السَّامِعِ فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ إجْمَاعًا ، وَفِي الْحَجِّ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ سَجْدَةٌ عِنْدَنَا
وَهِيَ الْأُولَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَجْدَتَانِ وَسَجْدَةُ ص عِنْدَنَا تِلَاوَةٌ وَعِنْدَهُ سَجْدَةُ شُكْرٍ فَلَا يَسْجُدُهَا عِنْدَهُ إذَا تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ ، أَمَّا السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْحَجِّ فَلَيْسَتْ عِنْدَنَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ ؛ لِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالرُّكُوعِ وَذَلِكَ أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ دُونَ السَّجْدَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالسُّجُودُ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ) يَعْنِي عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا وَيَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ سُنَّةٌ .
( قَوْلُهُ : عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ ) سَوَاءٌ قَصَدَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ كَانَ التَّالِي طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ سَكْرَانًا فَذَلِكَ كُلُّهُ يُوجِبُ عَلَى السَّامِعِ السُّجُودَ ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ نَائِمٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا سَمِعَهَا مِنْ مَجْنُونٍ يَجِبُ ، وَكَذَا مِنْ النَّائِمِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ أَيْضًا وَهَلْ يَجِبُ عَلَى النَّائِمِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ تَلَوْا أَوْ سَمِعُوا ، وَلَوْ تَلَاهَا وَهُوَ أَصَمُّ يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ تَلَاهَا ثُمَّ سَمِعَهَا مِنْ آخَرَ أَوْ سَمِعَهَا ثُمَّ تَلَاهَا وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَجْلِسُ وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْ الصَّدَى لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا تَلَا الْإِمَامُ آيَةَ سَجْدَةٍ سَجَدَهَا وَسَجَدَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ ) سَوَاءٌ سَمِعَهَا مِنْهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ أَوْ الْمُخَافَتَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَأَهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ فَإِنْ سَمِعَهَا رَجُلٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ بَعْدَ سُجُودِ الْإِمَامِ لَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سُجُودٌ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَنَظِيرُهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْوِتْرِ فِي الرُّكُوعِ فِي رَمَضَانَ يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلْقُنُوتِ حَتَّى لَا يَأْتِيَ بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ الْإِمَامِ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ السُّجُودُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ لَهُ السَّمَاعُ وَهُوَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ السُّجُودُ كَذَا فِي شَرْحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ تَلَا الْمَأْمُومُ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ ) يَعْنِي لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ وَلَا مَانِعَ بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ أَوْ التِّلَاوَةِ ؛ لِأَنَّ التَّالِيَ كَالْإِمَامِ لِلسَّامِعِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا خِلَافِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ وَذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْجُدَ التَّالِي أَوَّلًا فَيُتَابِعَهُ الْإِمَامُ فَيَنْقَلِبَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا وَالْمَتْبُوعُ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ الْإِمَامُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ أَيْضًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا أَوْ التِّلَاوَةِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَيُتَابِعَهُ التَّالِي وَهَذَا خِلَافُ مَوْضُوعِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّ التَّالِيَ إمَامُ السَّامِعِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ سُجُودُ التَّالِي قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لِلتَّالِي كُنْت إمَامَنَا
لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا } قَالَهُ لِرَجُلٍ تَلَا عِنْدَهُ آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } وَذَلِكَ دَلِيلُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَالْوِلَايَةُ دَلِيلُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَالْمَحْجُورُ لَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعَهَا مِنْ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَحْجُورَيْنِ بَلْ مَنْهِيَّيْنِ وَالتَّصَرُّفَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا يُعْتَدُّ بِهَا وَيُعْتَبَرُ حُكْمُهَا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَمِعُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ آيَةَ سَجْدَةٍ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدُوهَا فِي الصَّلَاةِ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ فَيَكُونُ إدْخَالُهَا فِيهَا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهِيَ وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالْمَنْهِيِّ .
( قَوْلُهُ : وَسَجَدُوهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ ) لِصِحَّةِ التِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ سَجَدُوهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُجْزِهِمْ ) لِنُقْصَانِهَا يَعْنِي أَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ وَغَيْرُ الصَّلَاتِيَّةِ لَا يُؤَدَّى فِي الصَّلَاةِ فَيُمْكِنُ النُّقْصَانُ بِأَدَائِهَا فِي الصَّلَاةِ وَمَا وَجَبَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةَ ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ .
وَفِي النَّوَادِرِ تُفْسِدُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهَا سَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ وَأَجْزَأَتْهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا ، وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ سَجْدَةٍ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَدَخَلَ مَعَهُ بَعْدَمَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلَا فِيهَا السَّجْدَةَ أَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَا مَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالسَّجْدَةِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ ، وَقِيلَ تَصِيرُ صَلَاتِيَّةً فَلَا تَلْزَمُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا وَسَجَدَ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ ) لِأَنَّ الثَّانِيَةَ أَقْوَى لِكَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً فَاسْتَتْبَعَتْ الْأُولَى وَكَوْنُهَا سَابِقًا لَا يُنَافِي التَّبَعِيَّةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى لِلظُّهْرِ .
وَفِي النَّوَادِرِ يَسْجُدُ أُخْرَى بَعْدَ الْفَرَاغِ ؛ لِأَنَّ لِلْأُولَى قُوَّةَ السَّبْقِ فَاسْتَوَيَا قُلْنَا لِلثَّانِيَةِ قُوَّةُ اتِّصَالِ السَّجْدَةِ بِالتِّلَاوَةِ فَتَرَجَّحَتْ عَلَى الْأُولَى فَاسْتَتْبَعَتْهَا وَهَذَا إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ أَمَّا إذَا تَبَدَّلَ لَمْ يُجْزِهِ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الصَّلَاةِ .
وَفِي النَّوَادِرِ وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ بَلْ يَسْجُدُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْأَكْلِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْأُولَى تَبَعًا ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلَّاحِقِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الثَّانِيَةِ تَبَعًا ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى فَوَجَبَ اعْتِبَارُ كُلِّ وَاحِدٍ سَبَبًا فَالصَّلَاتِيَّةُ تُؤَدَّى فِيهَا وَالْأُولَى تُؤَدَّى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ الْمَتْلُوَّ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَكَانُ وَاحِدٌ وَالثَّانِيَةُ أَكْمَلُ ؛ لِأَنَّ لَهَا حُرْمَتَيْنِ حُرْمَةَ التِّلَاوَةِ وَحُرْمَةَ الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ فَلَوْ لَمْ يَسْجُدْهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا سَقَطَتْ عَنْهُ السَّجْدَتَانِ جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ مَا وَجَبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ تَلَاهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا سَجَدَ لَهَا وَلَمْ تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ الْأُولَى ) لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَقْوَى فَلَا تَنُوبُ الْأُولَى عَنْهَا وَلَوْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ
فَسَجَدَهَا ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَ تِلْكَ الْآيَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ أُخْرَى .
وَفِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى وَوَفَّقَ أَبُو اللَّيْثِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ إذَا تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَأَعَادَهَا فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ ثَانِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَعَادَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَلْزَمُهُ أُخْرَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَكْفِيهِ الْأُولَى وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ تَجْمَعُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ فَيَصِيرُ كُلُّهَا كَالْمَحَلِّ الْوَاحِدِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ السُّجُودَ مِنْ مُوجَبِ التِّلَاوَةِ وَكُلُّ رَكْعَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا تِلَاوَةٌ وَلَا تَنُوبُ عَنْهَا تِلَاوَةٌ فِي غَيْرِهَا فَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِهَا سُجُودٌ وَلَا يَنُوبُ عَنْهُ سُجُودٌ فِي غَيْرِهَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى هَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَمَّا إذَا صَلَّى بِالْإِيمَاءِ لَا يَجِبُ أُخْرَى وَكَذَا لَوْ أَعَادَهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ كَرَّرَ تِلَاوَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَإِذَا تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ تِلْكَ الْآيَةَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مِرَارًا يَكْفِيهِ تِلْكَ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَاتِ الْمَوْجُودَةِ بَعْدَ السَّجْدَةِ وَقَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ وَالتَّبْدِيلُ يَكُونُ حَقِيقَةً وَيَكُونُ حُكْمًا فَالْحَقِيقَةُ ظَاهِرٌ وَالْحُكْمُ كَمَا إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ بَيْعٍ فَانْتَقَلَ إلَى مَجْلِسِ نِكَاحٍ أَوْ أَكَلَ كَثِيرًا أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا أَوْ هُوَ فِي مَكَانِهِ أَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اشْتَغَلَ بِالْحَدِيثِ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَمَلُ قَلِيلًا كَمَا إذَا أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ شَرِبَ جُرْعَةً أَوْ جُرْعَتَيْنِ أَوْ تَكَلَّمَ كَلِمَةً أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ خَطَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ بِالْأَكْلِ حَتَّى يَشْبَعَ أَوْ بِالشُّرْبِ حَتَّى يُرْوَى أَوْ بِالْعَمَلِ وَالْكَلَامِ حَتَّى يَكْثُرَ كَذَا قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ التَّهْلِيلِ أَوْ الْقِرَاءَةِ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْمَجْلِسِ ، وَلَوْ قَرَأَهَا وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَامَ أَوْ قَائِمٌ فَقَعَدَ أَوْ نَامَ قَاعِدًا لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ .
وَلَوْ قَرَأَهَا ثُمَّ رَكِبَ عَلَى الدَّابَّةِ ثُمَّ نَزَلَ قَبْلَ السَّيْرِ لَمْ يَنْقَطِعْ أَيْضًا ، وَلَوْ قَرَأَهَا فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ بَعْدَ ذَلِكَ طَوِيلًا ثُمَّ أَعَادَ تِلْكَ السَّجْدَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى ، وَلَوْ قَرَأَهَا مِرَارًا فِي الدَّوْسِ أَوْ تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ أَوْ دَوَرَانِ الرَّحَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلِاحْتِيَاطِ وَكَذَا الْمُنْتَقِلُ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ يَتَكَرَّرُ بِهِ الْوُجُوبُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ قَرَأَهَا فِي الْمَسْجِدِ
الْجَامِعِ فِي زَاوِيَةٍ ثُمَّ تَلَاهَا فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى مِنْهُ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَعَ تَبَاعُدِ أَطْرَافِهِ يُجْعَلُ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ السَّجْدَةِ ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا وَلَوْ تَلَاهَا فِي السِّبَاحَةِ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي حَوْضٍ صَغِيرٍ لَا يَتَكَرَّرُ وَإِنْ قَرَأَهَا وَهُوَ مَاشٍ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ سَجْدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ قَدْ اخْتَلَفَ وَإِنْ قَرَأَهَا فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي السَّفِينَةِ سَائِرَةً كَانَتْ أَوْ وَاقِفَةً كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ إذَا كَرَّرَهَا عَلَيْهَا وَهِيَ تَسِيرُ إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ .
وَلَوْ قَرَأَهَا فِي مَكَان ثُمَّ قَامَ فَرَكِبَ الدَّابَّةَ ثُمَّ قَرَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَسِير فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ يَسْجُدُهَا عَلَى الْأَرْضِ ، وَلَوْ سَارَتْ ثُمَّ تَلَاهَا يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ وَكَذَا إذَا قَرَأَهَا رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يَسِير فَقَرَأَهَا فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ يَسْجُدُهَا عَلَى الْأَرْضِ ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ السَّجْدَةِ ، وَالْمَرْأَةُ إذَا قَرَأَتْ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلَاتِهَا فَلَمْ تَسْجُدْ لَهَا حَتَّى حَاضَتْ سَقَطَتْ عَنْهَا ، وَلَوْ سَمِعَ سَجْدَةً مِنْ رَجُلٍ وَسَمِعَهَا مِنْ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ قَرَأَهَا هُوَ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْآيَةِ وَالْمَكَانِ ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ يَسْمَعُهَا ثُمَّ قَامَ التَّالِي وَذَهَبَ ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ تِلْكَ الْآيَةَ ثَانِيًا ثُمَّ قَامَ فَذَهَبَ هَكَذَا مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي بِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ عَلَى حِدَةٍ ، وَأَمَّا السَّامِعُ فَتَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ مَجْلِسُ التَّالِي وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَجْلِسُ السَّامِعِ ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ
التَّالِي مَكَانَهُ وَالسَّامِعُ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيَسْمَعُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى السَّامِعِ لِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ نَامَ مُضْطَجِعًا انْقَطَعَ حُكْمُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ نَامَ قَاعِدًا لَمْ يَنْقَطِعْ ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَجَدَهَا عَلَيْهَا جَازَ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا فِي رَاكِبٍ خَارِجَ الْمِصْرِ ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ رَاكِبًا فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَجْزَأهُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إيمَاءٍ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى رَكِبَ لَا يُجْزِئُهُ إنْ سَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ كَذَا فِي هَذَا وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا أَدَّاهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَتْ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَرَأَهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى أَدَّاهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً لِاخْتِلَافِ الْآيَاتِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ ) اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِيهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا هُوَ الْمُخْتَارُ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَقُولَ فِيهَا { سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا } أَيْ قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ أَنَّ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ نَبِيًّا مِنْ الْعَرَبِ وَيُنْزِلُ عَلَيْهِ - قُرْآنًا فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ سَجَدُوا لِلَّهِ وَحَمِدُوهُ عَلَى إنْجَازِ الْوَعْدِ وَقَالُوا قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا أَجْزَأَهُ ، وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي يَحْرُمُ بِهَا أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، وَلَا تَجُوزُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إلَّا بِمَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ الشَّرَائِطِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يَكُونُ مَرِيضًا فَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا ، وَإِنْ سَجَدَتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ مُقْتَدِيَةً بِهِ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى إمَامَتَهَا ( قَوْلُهُ : وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ ) لِأَنَّ ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهَا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَكُونُ التَّحْرِيمَةُ مُنْعَدِمَةً وَقَدْ قَالَ وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ ، وَالتَّكْبِيرُ لِلتَّحْرِيمَةِ قُلْتُ لَيْسَ هُوَ لِلتَّحْرِيمَةِ بَلْ لِمُشَابَهَتِهَا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ لِلِانْتِقَالِ فَكَذَا هَذَا
انْتِقَالٌ مِنْ التِّلَاوَةِ إلَى السُّجُودِ ، مَسْأَلَةٌ : سَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا عِبْرَةَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَرْكُهَا أَوْلَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَهُمَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَصُورَتُهَا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ تَجَدَّدَتْ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا أَوْ وَلَدًا أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ أَوْ شُفِيَ لَهُ مَرِيضٌ أَوْ قَدِمَ لَهُ غَائِبٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلَّهِ شُكْرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ فِيهَا وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أُخْرَى فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ إذَا نَامَ فِيهَا وَفِيمَا إذَا تَيَمَّمَ لَهَا هَلْ يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ لَهَا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ لَهَا كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا .
( بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْء إلَى شَرْطِهِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ لِلسُّجُودِ وَالسَّفَرَ سَبَبٌ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ السُّجُودِ التِّلَاوَةُ وَهِيَ عِبَادَةٌ وَسَبَبَ قَصْرِ الصَّلَاةِ السَّفَرُ وَلَيْسَ هُوَ بِعِبَادَةٍ ، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ وَالْعِبَادَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُبَاحَاتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( السَّفَرُ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ ) أَيْ الْأَحْكَامُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ وَتَغَيُّرُهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ وَامْتِدَادُ مُدَّةِ الْمَسْحِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسُقُوطُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ ( قَوْلُهُ : أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ مَوْضِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِصْرِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا ) الْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ لِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْقَصْدَ فَقَالَ أَنْ يَقْصِدَ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَسِيرَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ جَمِيعَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَقْصِدْ مَكَانًا بِعَيْنِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَكَذَا الْقَصْدُ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ سَيْرٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ عَنْ السَّيْرِ وَلَا بِالسَّيْرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَصْدِ ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ اجْتِمَاعُهُمَا وَقَوْلُهُ : ( مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) يَعْنِي بِهَا رَادُّونَ لَيَالِيَهَا ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَيَعْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَقْصَرَ أَيَّامِ السَّنَةِ وَذَلِكَ إذَا حَلَّتْ الشَّمْسُ الْبَلْدَةَ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ ؟ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ وَبَلَغَ الْمَرْحَلَةَ وَنَزَلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ
كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النُّزُولِ لِاسْتِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطِيقُ السَّفَرَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْفَجْرِ ، وَكَذَا الدَّابَّةُ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَأُلْحِقَتْ مُدَّةُ الِاسْتِرَاحَةِ بِمُدَّةِ السَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ ، وَالْفِقْهُ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ الرُّخْصَةَ شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ مَشَقَّةِ الْوَحْدَةِ وَكَمَالُ الْمَشَقَّةِ الِارْتِحَالُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ وَالنُّزُولُ فِي غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الِارْتِحَالَ مِنْ الْأَهْلِ وَالنُّزُولَ فِي غَيْرِهِمْ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ الِارْتِحَالُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالنُّزُولُ فِيهِمْ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ لَهُ أَهْلٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدَهُ .
( قَوْلُهُ : بِسَيْرِ الْإِبِلِ ) يَعْنِي الْقَافِلَةَ دُونَ الْبَرِيدِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا مُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ بِالسَّيْرِ فِي الْمَاءِ ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ بِالسَّيْرِ فِي الْبَحْرِ وَلَا السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ بِالسَّيْرِ فِي الْبَرِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُمَا مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَوْضِعٌ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ وَهِيَ تُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُسْتَوِيَةً وَالثَّانِي فِي الْبَرِّ وَهِيَ تُقْطَعُ فِي يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا ذَهَبَ فِي طَرِيقِ الْمَاءِ يَقْصُرُ ، وَفِي الْبَرِّ لَا يَقْصُرُ وَلَوْ كَانَ إذَا سَارَ فِي الْبَرِّ وَصَلَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِذَا سَارَ فِي الْبَحْرِ وَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ قَصَرَ فِي الْبَرِّ وَلَا يَقْصُرُ فِي الْبَحْرِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْبَحْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي رِيحٍ مُسْتَوِيَةٍ أَيْ غَيْرِ عَالِيَةٍ وَلَا سَاكِنَةٍ كَمَا فِي الْجَبَلِ يُعْتَبَرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ فِي السَّهْلِ يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ ثَلَاثًا بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَسَارَ إلَيْهَا عَلَى الْفَرَسِ أَوْ الْبَرِيدِ جَرْيًا حَثِيثًا فَوَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ قَصَرَ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ فِي مِصْرَ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأُخْرَى فِي يَوْمَيْنِ إنْ اخْتَارَ الْأَبْعَدَ قَصَرَ وَإِنْ اخْتَارَ الْأَقْرَبَ لَا يَقْصُرُ .
( قَوْلُهُ : وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ عِنْدَنَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ رَكْعَتَانِ ) قَيَّدَ بِالرُّبَاعِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَا قَصْرَ فِيهِمَا وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ احْتِرَازًا عَنْ السُّنَنِ فَإِنَّهَا لَا تُقْصَرُ .
( قَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا ) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ صَارَ عَاصِيًا عِنْدَنَا .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَتَانِ عَنْ فَرْضِهِ وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةٌ ) وَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ ، وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَمَّا إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ يَنْوِي الظُّهْرَ وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ خَاصَّةً وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهَا لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا ؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الْأُخْرَى فَهَكَذَا هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ وَلَا تَكُونُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْقَلِبُ كُلُّهَا نَفْلًا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا كَمَا فِي الْفَجْرِ ، وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الْقَعْدَةَ هُنَا وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ وَأَتَمَّهَا أَرْبَعًا فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ ) يَعْنِي مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لَا جَوَانِبِ كُلِّ الْبَلَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ خَلَفَ الْأَبْنِيَةَ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ أَبْنِيَةٌ أُخْرَى مِنْ جَانِبٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُتِمَّ ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ كَالطُّهْرِ وَالسَّفَرُ عَارِضٌ كَالْحَيْضِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَا الْإِقَامَةِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ أَيْ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ تُوجِبُ الْإِتْمَامَ وَمُدَّةُ الطُّهْرِ تُوجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَقَوْلُهُ : ( حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ ) اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ كَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْمَوْلَى ، وَالْمَرْأَةِ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ إذَا كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ وَكَذَا الْجُنْدِيُّ مَعَ السُّلْطَانِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ التَّبَعُ نِيَّةَ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا كَذَا فِي الْوَجِيزِ ، وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا سَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا مَسْبُوقًا كَانَ أَوْ مُدْرِكًا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي بَلَدٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْمَفَازَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَةِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّعَاةَ إذَا نَزَلُوا مَوْضِعًا كَثِيرَ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَنَوَوْا إقَامَةً خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ يَكْفِيهِمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ صَارُوا مُقِيمِينَ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْعُمْرَانِ
وَالْبُيُوتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْخَشَبِ لَا الْخِيَامِ وَالْأَخْبِيَةِ وَالْوَبَرِ ، وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَمَّا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ السَّفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا ، وَكَذَا لَوْ صَلَّاهُمَا وَهُوَ مُقِيمٌ وَسَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَتَبَيَّنَ لَهُ فَسَادٌ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ ، وَلَوْ سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَقْصُرُ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مِقْدَارُ التَّحْرِيمَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَقَامَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي حَالِ السَّفَرِ جَازَ وَإِلَّا صَلَّى أَرْبَعًا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ قَلَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ أَوْ كَثُرَ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنَّمَا يَقُولُ غَدًا أَخْرُجُ أَوْ بَعْدَ غَدٍ أَخْرُجُ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ) لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَان سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَقَامَ بِنَيْسَابُورَ سَنَةً يَقْصُرُ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَنَوَوْا إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمُّوا ) ظَاهِرُ هَذَا وَلَوْ كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبُوا فَيَقِرُّوا وَبَيْنَ أَنْ يُغْلَبُوا فَيَفِرُّوا فَلَمْ يَكُنْ دَارُ إقَامَةٍ كَالْمَفَازَةِ ، وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ أَوْ الْمَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا فَالْعَبْدُ مُقِيمٌ بِإِقَامَةِ مَوْلَاهُ وَالْمَرْأَةُ مُقِيمَةٌ بِإِقَامَةِ زَوْجِهَا وَمُسَافِرَيْنِ بِسَفَرِهِمَا ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُمَا لَا تَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا وَالْعَبْدَيْنِ الْمَوْلَيَيْنِ فِي السَّفَرِ إذَا نَوَى أَحَدُهُمَا الْإِقَامَةَ دُونَ الْآخَرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مُقِيمًا ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ أَحَدِهِمَا إنْ أَوْجَبَتْ إقَامَتَهُ فَمُسَافَرَةُ الْآخَرِ تَمْنَعُهُ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ مُقِيمًا ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ فَتَرَجَّحَ الْإِقَامَةُ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَإِذَا نَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ حَتَّى صَلَّى أَيَّامًا صَلَاةَ مُسَافِرٍ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا أَخْبَرَهَا زَوْجُهَا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ يَلْزَمُهَا الْإِعَادَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَمَّ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ وَنَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ صَحَّتْ بِنِيَّتِهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهِمَا إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَعَ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ فَبَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ وَالْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ ) سَوَاءٌ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا أَوْ آخِرَهَا ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ تَعُودُ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ أَرْبَعًا فِي ضِمْنِ الِاقْتِدَاءِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَعُودُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ بَقَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ ، وَكَذَا إذَا اقْتَدَى مُسَافِرُونَ بِمُسَافِرٍ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ لَزِمَهُ وَإِيَّاهُمْ جَمِيعًا الْإِتْمَامُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي فَائِتَةٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ ) يَعْنِي فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ ، أَمَّا إذَا كَانَتْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ كَانَتْ فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ مُؤَدَّاهُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْإِمَامُ يَرَى قَوْلَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ مَعَهُ فِي الظُّهْرِ بَعْدَ الْمِثْلِ قَبْلَ الْمِثْلَيْنِ ، وَقَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ هَذَا إذَا دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمَّا إذَا دَخَلَ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ فَأُلْحِقَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ كَمَا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ أَرْبَعًا ، وَلَوْ صَلَّى مُقِيمٌ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ مُسَافِرٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِينَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ ) يَعْنِي وُحْدَانًا وَلَا يَقْرَءُونَ فِيمَا يَقْضُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ يَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ ( قَوْلُهُ : وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ) أَيْ مُسَافِرُونَ وَسَفْرٌ جَمْعُ مُسَافِرٍ كَرَكْبٍ جَمْعُ رَاكِبٍ وَصَحْبٌ جَمْعُ صَاحِبٍ ، وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ يَعْنِي التَّسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مِصْرَهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فِيهِ ) سَوَاءٌ دَخَلَهُ بِنِيَّةِ الِاجْتِيَازِ أَوْ دَخَلَهُ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ ؛ لِأَنَّ مِصْرَهُ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِقَامَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ ثُمَّ سَافَرَ فَدَخَلَ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ ) وَإِنْ اسْتَحْدَثَ وَطَنًا أَهْلِيًّا وَأَهْلُهُ الْأَوَّلُونَ بَاقُونَ فِي الْوَطَنِ الْأَوَّلِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطَنٌ أَهْلِيٌّ لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْطَانَ ثَلَاثَةٌ وَطَنٌ أَهْلِيٌّ وَوَطَنُ إقَامَةٍ وَوَطَنٌ سَكَنِيٌّ فَالْأَهْلِيُّ مَا كَانَ مُتَأَهِّلُهُ فِيهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ مَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا يَبْطُلُ بِالْأَهْلِيِّ وَبِمِثْلِهِ بِإِنْشَاءِ سَفَرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَوَطَنُ السُّكْنَى مَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَوْطَانِ يَبْطُلُ بِالْكُلِّ ، وَهَلْ مِنْ شَرْطِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ تَقَدُّمُ سَفَرٍ عَلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ بَعْدَ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالثَّانِي يَكُونُ وَطَنًا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ سَفَرٌ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمِنْ حُكْمِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْأَهْلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَبِإِنْشَاءِ السَّفَرِ ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِوَطَنِ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ بَيَانُ هَذَا زُبَيْدِيٌّ خَرَجَ إلَى الْمَهْجَمِ فَاسْتَوْطَنَهَا ، وَنَقَلَ أَهْلَهُ إلَيْهَا ثُمَّ سَافَرَ مِنْهَا إلَى عَدَنَ فَمَرَّ بِزُبَيْدٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهَا رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ بِاسْتِحْدَاثِ هَذَا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَحْدَثَ بِالْمَهْجَمِ أَهْلًا وَأَهْلُهُ الْأَوَّلُونَ بَاقُونَ بِزُبَيْدٍ فَسَافَرَ مِنْ الْمَهْجَمِ إلَى عَدَنَ فَمَرَّ بِزُبَيْدٍ صَلَّى بِهَا أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا وَطَنٌ لَهُ فَإِنْ كَانَ وَطَنُهُ ابْتِدَاءً بِزُبَيْدٍ فَخَرَجَ إلَى مَكَّةَ فَنَوَى الْمُقَامَ بِالْمَهْجَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَا دَامَ بِهَا فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَهْجَمِ صَلَّى بِهَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى
يَأْتِيَ إلَى زُبَيْدٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ إلَى مَكَّةَ فَسَقَطَ حُكْمُهُ وَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَهْجَمِ إلَى حُرُضَ فَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى زُبَيْدٍ صَلَّى بِالْمَهْجَمِ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِوَطَنٍ إقَامَةُ مِثْلِهِ فَإِنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ الْمَهْجَمِ بَعْدَ إقَامَتِهِ بِهَا إلَى مَوْرٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَهْجَمِ صَلَّى بِهَا أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إنْشَاءُ سَفَرٍ صَحِيحٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا فِي مَوَاضِعَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْإِنْسَانِ تُضَافُ إلَى مَوْضِعِ مَبِيتِهِ ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ مَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّ السَّفَرِ ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ إقَامَةً .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَالَةِ الْإِقَامَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ وَهُوَ مُسَافِرٌ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ سَافَرَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا .
( قَوْلُهُ : وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ كَمَنْ سَافَرَ بِنِيَّةِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ حَجَّتْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ وَعِنْدَنَا يَتَرَخَّصُ هَؤُلَاءِ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إذَا خَافُوا وَاسْتِكْمَالِ مُدَّةِ الْمَسْحِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } عَلَّقَ رُخْصَةَ الْإِفْطَارِ بِنَفْسِ السَّفَرِ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ { فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ } ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا } كُلُّ هَذَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ ، وَكَذَا مَنْ غَصَبَ خُفًّا وَلَبِسَهُ تَرَخَّصَ بِالْمَسْحِ ، وَكَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَ السُّنَنِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا قَصْرَ فِيهَا وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِعْلُهَا أَوْ تَرْكُهَا ، فَالْجَوَابُ إنْ كَانَتْ الْقَافِلَةُ نَازِلَةً فَالْفِعْلُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَضُرَّ بِنَفْسِهِ وَبِرُفْقَتِهِ .
( بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ) مُنَاسَبَتُهَا لِلسَّفَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنَصِّفٌ لِلصَّلَاةِ بِوَاسِطَةٍ فَالسَّفَرُ بِوَاسِطَةِ السَّفَرِ وَهَذَا بِوَاسِطَةِ الْخُطْبَةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ شَامِلٌ فِي كُلِّ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَهَذَا فِي الظُّهْرِ خَاصَّةً وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ وَالْجُمُعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَهِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ } .
( قَوْلُهُ : أَوْ فِي مُصَلَّى الْمِصْرِ ) لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمِصْرِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ وَقَدَّرُوهُ بِمُنْتَهَى حَدِّ الصَّوْتِ وَالْآذَانِ ثُمَّ شَرَائِطُ لُزُومِ الْجُمُعَةِ اثْنَا عَشَرَ سَبْعَةٌ فِي نَفْسِ الْمُصَلِّي وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِقَامَةُ وَالصِّحَّةُ وَسَلَامَةُ الرِّجْلَيْنِ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَخَمْسَةٌ فِي غَيْرِ الْمُصَلِّي الْمِصْرُ وَالسُّلْطَانُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْخُطْبَةُ وَالْوَقْتُ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْمِصْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كُلُّ بَلَدٍ فِيهَا أَسْوَاقٌ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ حَوَائِجُ الدِّينِ وَعَامَّةُ حَوَائِجِ الدُّنْيَا فَحَوَائِجُ الدِّينِ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَحَوَائِجُ الدُّنْيَا أَنْ يَعِيشَ فِيهَا كُلُّ صَانِعٍ بِصِنَاعَتِهِ مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ ، .
وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمِصْرِ لِلْجُمُعَةِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْمِصْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَصَرَ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الْمِصْرِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ ، وَالْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ نَوَى أَنْ يَمْكُثَ يَوْمَهُ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْجَامِعَيْنِ نَهْرٌ عَظِيمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سَبَقَ وَعَلَى الْآخَرِينَ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَإِنْ صَلَّوْا مَعًا وَلَا يُدْرَى مَنْ سَبَقَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى ) فَإِنْ قُلْت قَدْ عُرِفَ هَذَا بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فَمَا الْحَاجَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ قِيلَ هَذَا تَأْكِيدٌ وَقَدْ جَاءَ التَّأْكِيدُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ } ثُمَّ قَالَ { وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } وَقَدْ عُلِمَ هَذَا بِقَوْلِهِ { وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ } .
( قَوْلُهُ : وَلَا تَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا بِالسُّلْطَانٍ ) لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي التَّقَدُّمِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ وَالْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ وَفِي نَصْبِ الْخَطِيبِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ بَعْضُ النَّاسِ إلَى الْجَامِعِ فَيُقِيمُونَهَا لِغَرَضٍ لَهُمْ وَتَفُوتُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَجُعِلَ أَمْرُهَا إلَى السُّلْطَانِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ .
( قَوْلُهُ : أَوْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ ) يَعْنِي الْأَمِيرِ أَوْ الْقَاضِي .
( قَوْلُهُ : وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْوَقْتُ وَتَصِحُّ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَا تَصِحُّ بَعْدَهُ ) حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ وَلَا يَبْنِي الظُّهْرَ عَلَى الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَبْنِي لَنَا أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ يَجْهَرُ فِي إحْدَاهُمَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَالْفَجْرِ وَالظُّهْرِ .
( قَوْلُهُ : وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْخُطْبَةُ قَبْلَ الصَّلَاةِ ) ثُمَّ لِلْخُطْبَةِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالثَّانِي بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ ، وَلَوْ خَطَبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ .
( قَوْلُهُ : يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ ) وَمِقْدَارُهُمَا مِقْدَارُ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَمِقْدَارُ مَا يَقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثٌ قِصَارٌ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْخُطْبَةِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَاجِبَةٌ وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارُ مَا يَجْلِسُ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ عِنْدَنَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ حَتَّى لَا يُكْتَفَى عِنْدَهُ بِالْخُطْبَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ طَالَتْ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ السُّنَّةُ فِي الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِظَ النَّاسَ وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَكُونَ الْجَهْرُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى .
( قَوْلُهُ : وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى طَهَارَةٍ ) لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا مُتَوَارَثٌ ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلسَّائِلِ أَلَسْت تَتْلُو قَوْله تَعَالَى { وَتَرَكُوك قَائِمًا } ( قَوْلُهُ : فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } وَلَمْ يُفَصِّلْ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ أَمَّا إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ مُتَعَجِّبًا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ إجْمَاعًا .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً ) وَأَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ وَالتَّسْبِيحُ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا تَجُوزَ قَبْلَ الْوَقْتِ قُلْنَا لَيْسَتْ كَالصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ وَلَا يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ وَكَذَا لَوْ خَطَبَ مُضْطَجِعًا أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ يَعْقِلُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالصَّلَاةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ لَوْ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَتَوَضَّأَ وَجَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ جَازَ ، وَلَوْ تَغَدَّى فِي بَيْتِهِ وَجَاءَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ مَا لَمْ يُعِدْ الْخُطْبَةَ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَقَدَّمَ رَجُلًا مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ ، وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ قَدْ انْعَقَدَتْ الصَّلَاةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْخُطْبَةِ فِي حَالِ بَقَائِهَا وَهُنَا لَمْ تَنْعَقِدْ فَصَارَ كَالْإِمَامِ نَفْسِهِ يُصَلِّي بِغَيْرِ خُطْبَةٍ .
( قَوْلُهُ : وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ ) وَهِيَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ الْمُبْتَدَأِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ الْمُؤَكَّدِ وَذَلِكَ بِالرَّكْعَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ شَرْطُ الدَّوَامِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ فَعِنْدَهُمَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ ، وَلَوْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ السُّجُودِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ وَتَغَافَلَ الْقَوْمُ وَلَمْ يُكَبِّرُوا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الثَّنَاءِ وَأَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ مِقْدَارَ آيَةٍ قَصِيرَةٍ ثُمَّ كَبَّرُوا فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ لِلْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا ، أَمَّا لَوْ كَبَّرُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْقِرَاءَةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَبَّرُوا قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةً طَوِيلَةً صَحَّتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ شَرَعُوا قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ خَطَبَ وَنَفَرَ عَنْهُ النَّاسُ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا النِّسَاءُ أَوْ الصِّبْيَانُ لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً فِيهَا بِحَالٍ وَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ عَبِيدٌ أَوْ مُسَافِرُونَ أَوْ مَرْضَى صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ ، وَلَوْ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ فَذَهَبُوا كُلُّهُمْ وَجَاءَ آخَرُونَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُ .
( قَوْلُهُ : وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ ) وَالشَّرْطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا صَالِحِينَ لِلْإِمَامَةِ أَمَّا إذَا كَانُوا لَا يَصْلُحُونَ لَهَا كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ ) لِأَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ الْجَمَاعَةِ حَتَّى إنَّ الْإِمَامَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } فَهَذَا
يَقْتَضِي مُنَادِيًا وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ وَذَاكِرًا وَهُوَ الْإِمَامُ ، وَقَوْلُهُ فَاسْعَوْا خِطَابُ جَمْعٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَهَرَ فِيهِمَا .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ فِيهِمَا قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ .
( قَوْلُهُ : وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ ) لِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِأَدَائِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِانْتِظَارِ الْإِمَامِ عَنْ سَفَرِهِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ كَالصَّوْمِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا امْرَأَةٍ ) لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَمَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا مَرِيضٍ ) لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُمَرِّضُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا عَبْدٍ ) لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُخَيَّرُ وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فِي حَالِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى .
( قَوْلُهُ : وَلَا عَلَى أَعْمَى ) وَلَوْ وَجَدَ قَائِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنَّمَا لَا يَهْتَدِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ السَّعْيُ فَأَشْبَهَ الزَّمِنَ ، وَكَذَا الْأَجِيرُ لَا يَذْهَبُ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ لَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ ، وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُخْتَفِي مِنْ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ وَتَسْقُطُ أَيْضًا بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَالْوَحْلِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ حَضَرُوا وَصَلَّوْا مَعَ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ ) لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهُ فَصَارُوا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ .
( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ أَنْ يَؤُمُّوا فِي الْجُمُعَةِ ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِمْ فَأَشْبَهُوا الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ وَلَنَا أَنَّ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ عُذِرُوا دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ فَرْضُ الْوَقْتِ بِأَدَائِهِمْ الْجُمُعَةَ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ عَنْهُمْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يَقَعُ فِعْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ وَإِذَا ثَبَتَ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ بِائْتِمَامِهِمْ اُعْتُدَّ بِهِمْ فِي عَدَدِ الْمُؤْتَمِّينَ كَالْحُرِّ الْمُقِيمِ ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْعَدَدِ .
( قَوْلُهُ : مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا عُذْرَ بِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الْفَرِيضَةُ أَصْلًا وَالظُّهْرُ كَالْبَدَلِ وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الدَّلِيلِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ } وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ هَذَا الْيَوْمِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى التَّكْلِيفِ عَلَى التَّمَكُّنِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَعَلَى التَّمَكُّنِ بِدُونِ التَّكْلِيفِ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا فَاتَ الْوَقْتُ قَضَى الظُّهْرَ دُونَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ وَقَدْ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ أَجْزَأَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الظُّهْرُ وَقَدْ أُمِرَ بِإِسْقَاطِهِ بِالْجُمُعَةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَدْرِي مَا أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ يَعْنِي أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ وَفَائِدَتِهِ إذَا أَحْرَمَ لِلْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ وَلَا تَتَأَدَّى الْجُمُعَةُ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ عِنْدَهُ وَقَدْ نَوَاهَا .
وَقَوْلُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ قُيِّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ، وَقَوْلُهُ وَلَا عُذْرَ بِهِ فَلَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ مِنْ
الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ شَهِدَ الْجُمُعَةَ كَانَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضَهُ عِنْدَنَا وَانْقَلَبَ ظُهْرُهُ نَفْلًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَهَا فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ .
وَقَالَ زُفَرُ فَرْضُهُ الظُّهْرُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ الظُّهْرُ مَوْقِعَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ وَفَائِدَتُهُ إذَا صَلَّى الْمَعْذُورُ أَوْ الْعَبْدُ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ ؛ لِأَنَّ ظُهْرَهُ الْأَوَّلَ انْقَلَبَتْ نَفْلًا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ وَفِي سَائِرِهَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ كَانَ فَرْضُهُ مَا أَدَّاهُ فِي بَيْتِهِ كَذَا هَذَا لَكِنَّا نَقُولُ الْجُمُعَةُ أَقْوَى مِنْ الظُّهْرِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا لَا يُشْتَرَطُ لِلظُّهْرِ وَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالسَّعْيِ ) فَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا أَعَادَ الظُّهْرَ ، وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ فِي الِانْتِقَاضِ بِالسَّعْيِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَهَذَا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَّا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَقَدْ صَلَّاهَا الْإِمَامُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ .
وَفِي النِّهَايَةِ إذَا سَعَى قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجُو إدْرَاكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلْ عِنْدَ الْبَلْخِيِّينَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ كَذَا فِي
النِّهَايَةِ ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ وَفَرَاغُ الْإِمَامِ مَعًا لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ وَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ الظُّهْرُ فِي حَقِّهِ وَلَمْ تَبْطُلْ فِي حَقِّهِمْ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِارْتِفَاضِ الظُّهْرِ عِنْدَهُمَا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُرْتَفَضُ ظُهْرُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْجُمُعَةَ كُلَّهَا وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَا : لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقُولَا حَتَّى يُكْمِلَهَا مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الرُّسْتَاقِيِّ إذَا سَعَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الْمِصْرِ يُرِيدُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ وَإِقَامَةَ حَوَائِجِهِ وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ قَصْدِهِ إقَامَةَ حَوَائِجِهِ لَا يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَعْذُورُونَ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَدِي بِهِمْ غَيْرُهُمْ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا أَهْلُ السِّجْنِ ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ مَرِيضٌ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ حَسَنٌ وَكَذَا جَمَاعَةُ الْمَرْضَى بِخِلَافِ أَهْلِ السِّجْنِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَرْضَى عَاجِزُونَ بِخِلَافِ الْمَسْجُونِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا ظَلَمَةً قَدَرُوا عَلَى إرْضَاءِ الْخُصُومِ وَإِنْ كَانُوا مَظْلُومِينَ أَمْكَنَهُمْ الِاسْتِغَاثَةُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ وَبَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ ) فَإِذَا قَامَ هَذَا الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَائِهِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِتَوَهُّمِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجُهَّالِ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ ) يَعْنِي إذَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ فِي الرُّكُوعِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا ) بِأَنْ أَدْرَكَهُ وَقَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي الْجُمُعَةَ إجْمَاعًا .