كتاب : المنثور في القواعد
المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
وَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ فَصَلَّى فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ .
الثَّانِي : مَا يَجْرِي فِي الْأَصَحِّ كَمَا إذَا وَجَبَ فِي الْفِطْرَةِ قُوتُ نَفْسِهِ أَوْ الْبَلَدِ فَعَدَلَ إلَى أَعْلَى مِنْهُ أَجْزَأَ فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا ، وَادَّعَى الرَّافِعِيُّ ( فِيهِ ) الِاتِّفَاقَ لَكِنْ فِيهِ وَجْهٌ فِي الْحَاوِي .
( وَمِنْهَا ) لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ أَجْزَأَ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ وَادَّعَى الْإِمَامُ فِيهِ الْوِفَاقَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْغَسْلُ وَإِنَّمَا حُطَّ تَخْفِيفًا وَقِيلَ : لَا يُجْزِئُ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَعَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ غَسْلِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ قَطْعًا لِإِتْلَافِهِ وَمِثْلُهُ ) لَوْ اغْتَسَلَ الْمُحْدِثُ نَاوِيًا رَفْعَ الْجَنَابَةِ يَصِحُّ ( فِي ) الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ الْغُسْلُ وَإِنَّمَا حُطَّ عَنْهُ تَخْفِيفًا كَمَا ( قُلْنَا ) فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَكَلَامُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ يَقْتَضِي تَصْوِيرَ هَذَا بِالْغَالِطِ وَأَنَّ ( الْمُتَعَمَّدَ ) لَا يَصِحُّ وَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَمِنْهَا : لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ مُدَّةٍ مُتَفَرِّقَةٍ ( أَجْزَأَهُ التَّتَابُعُ ) فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ .
الثَّالِثُ مَا لَا يُجْزِئُ قَطْعًا كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يُجْزَ بِدِينَارٍ .
وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَأَخْرَجَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً لَمْ يُجْزِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الصُّورَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَمِنْ لَطِيفِ الْقَوْلِ ( أَنَّا ) إذَا أَوْجَبْنَا الْعُمْرَةَ لَمْ تَقُمْ حَجَّةٌ مَقَامَهَا وَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ ( وَزَادَتْ وَيُقِيمُ الْغُسْلَ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَهَذَا مِنْ أَصْدَقِ الْأَدِلَّةِ عَلَى تَغَايُرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) .
وَمِنْ هَذَا : لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ بِدِرْهَمٍ فَبَاعَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي احْتِمَالٍ لِبَعْضِهِمْ .
الرَّابِعُ : مَا لَا يُجْزِئُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ قُلْنَا : إنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ فِي الْحَجِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَالْمَشْيَ نَوْعَانِ فَلَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَفْضَلُ مَقَامَ غَيْرِ الْأَفْضَلِ كَمَا لَا تُجْزِئُ الصَّدَقَةُ بِالذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ .
وَمِثْلُهُ : لَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ مِنْ ( دُوَيْرَةِ ) أَهْلِهِ لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ قُلْنَا : الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ .
وَمِنْهَا : لَوْ اغْتَسَلَ الْمُحْدِثُ وَلَمْ ( يُرَتِّبْ ) أَعْضَاءَهُ فَالْأَصَحُّ لَا يُجْزَى لِتَرْكِهِ ( التَّرْتِيبَ ) وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يُحِلُّ الْأَعْضَاءَ الْأَرْبَعَةَ فَلَوْ قُلْنَا : يُحِلُّ الْبَدَنَ جَمِيعَهُ صَحَّ .
وَمِنْهَا : لَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ لَمْ تَسْقُطْ .
قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَفِي الْكِفَايَةِ وَجْهٌ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ وَقَعَ قَدْرُ الْوَاجِبِ زَكَاةً وَالْبَاقِي تَطَوُّعًا .
وَمِنْهَا : لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً بِعَيْنِهَا فَذَبَحَ عِوَضَهَا بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً لَمْ تُجْزِ ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَحَكَى فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ الرَّوْضَةِ فِيهِ الْخِلَافَ .
الْبَحْثُ السَّادِسُ : الْوَاجِبُ الْمُقَدَّرُ إذَا أُتِيَ بِهِ وَزِيدَ عَلَيْهِ هَلْ يَتَّصِفُ الْكُلُّ بِالْوُجُوبِ أَوْ ( الْمُقَدَّرُ ) الْوَاجِبُ وَالزَّائِدُ سُنَّةٌ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ طَوَّلَ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ زِيَادَةً عَلَى مَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمِيعَ يَكُونُ وَاجِبًا وَالثَّانِي يَقَعُ مَا زَادَ سُنَّةً .
وَمِثْلُهُ : الْخِلَافُ فِي مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَفِي الْبَعِيرِ الْمُخْرَجِ فِي الزَّكَاةِ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ، وَقَالَ فِي الْأُضْحِيَّةِ : الْأَرْجَحُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَقَعُ تَطَوُّعًا ، وَكَذَا قَالَ فِي ( بَابِ الدِّمَاءِ فِي الْبَدَنَةِ ) أَوْ الْبَقَرَةِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ الشَّاةِ الْأَصَحُّ أَنَّ الْفَرْضَ يَتْبَعُهَا .
وَهَذَا ( مَا ) لَمْ يَتَمَيَّزْ ( فَإِنْ تَمَيَّزَ ) وَوَقَعَ مُرَتَّبًا فَالزَّائِدُ نَفْلٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَاجِبُ قَطْعًا أَوْ يَجْرِي الْخِلَافُ طَرِيقَانِ صَحَّحَ فِي ( الْأُضْحِيَّةِ مِنْ الرَّوْضَةِ ) الثَّانِيَ وَالْأَقْرَبُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِوُقُوعِهِ الْمَوْقِعَ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ .
وَلِهَذَا قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ : لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ دُفْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا أَجْزَأَ الْآخَرُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ( فَإِنْ أَعْتَقَهُمَا ) مُرَتِّبًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الثَّانِي أَجْزَأَ الْأَوَّلُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ لَمْ يَجْزِهِ وَإِنْ قَالَ : أَعْتَقْت الثَّانِيَ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ .
السَّابِعُ : يَنْقَسِمُ الْوَاجِبُ إلَى مَا هُوَ عَلَى الْفَوْرِ ( وَإِلَى مَا هُوَ عَلَى ) التَّرَاخِي فَاَلَّذِي عَلَى التَّرَاخِي يَصِيرُ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ بِشَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَضِيقَ وَقْتُهُ بِالِاتِّفَاقِ .
وَثَانِيهِمَا : بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ قَطْعُهُ بِلَا عُذْرٍ .
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ وَجَبَ قَضَاؤُهُ ( عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ صَارَ ) عَلَى الْفَوْرِ بِإِحْرَامِهِ وَعَدَّاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ إلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي حَرْفِ الشَّيْنِ فِي ( فَصْلِ الشُّرُوعِ ) .
الثَّامِنُ : وَقَدْ يَجِبُ الشَّيْءُ وَيَسْقُطُ ( لِتَعَارُضِ ) الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ : مِنْهَا : لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ هَلْ وَجَبَ ( الْمَهْرُ ) ثُمَّ سَقَطَ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا وَجْهَانِ ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا السَّيِّدُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ قُلْنَا : لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ أَصْلًا وَجَبَ بِالدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ ، وَإِنْ قُلْنَا : وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ لَمْ يَجِبْ بِالدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَوْفَى .
وَمِنْهَا : الْأَبُ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ هَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ثُمَّ سَقَطَ أَوْ لَمْ يَجِبْ ( أَصْلًا ؟ وَجْهَانِ وَالْمَذْهَبُ ) الثَّانِي كَمَا قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ .
وَزَعَمَ الْإِمَامُ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمِنْ فَوَائِدِهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِهِ .
وَمِنْهَا : الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ وَهَلْ يُقَالُ ( يَحْمِلُهَا ) ( الْإِمَامُ عَنْهُ ) ( أَوْ ) لَمْ تَجِبْ أَصْلًا ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ ، وَفَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا .
التَّاسِعُ : إذَا امْتَنَعَ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْوَاجِبِ فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْهُ النِّيَابَةُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ ( تَعَالَى ) نُظِرَ إنْ ( كَانَتْ ) صَلَاةً طُولِبَ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ وَإِنْ كَانَ صَوْمًا حُبِسَ وَمُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ .
وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ حُبِسَ ( حَتَّى يَفْعَلَهُ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ الِاخْتِيَارِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ وَكَالْمُقِرِّ بِمُبْهَمٍ يُحْبَسُ ) حَتَّى يُبَيِّنَ .
وَأَمَّا إذَا دَخَلَتْهُ النِّيَابَةُ قَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ وَقَدْ سَبَقَتْ صُورَةٌ ( فِي حَرْفِ الْكَافِ ) .
الْعَاشِرُ : مَا كَانَ صِفَةً لِلْوَاجِبِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْوَاجِبِ إلَّا فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا : إذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَحْدَهُ ، وَقُلْنَا : إنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ ، فَإِنَّ فَرْضَ الْجَمَاعَةِ لَا يَسْقُطُ وَإِنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ .
الثَّانِيَةُ : إذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَحْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقُلْنَا بِالْقَدِيمِ : إنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَى الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا مَعَ الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ ( الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي الْأُمِّ .
الثَّالِثَةُ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ ( يَوْمَ ) الْجُمُعَةِ خَارِجَ الصَّحْرَاءِ .
الْوَارِثُ فِي قِيَامِهِ مَقَامَ ( الْمُورِثِ ) ( فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى ) أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا يَقُومُ مَقَامَهُ قَطْعًا وَهُوَ فِي مَا لَهُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْحُقُوقِ وَيُقْبَلُ بَيَانُهُ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ وَحَلِفُهُ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ ( يَمِينٌ ) وَمَاتَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ( صِدْقُهُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ) عَدَمُهُ ( حَرُمَ أَوْ اسْتَوَيَا ) فَوَجْهَانِ قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْوَدِيعَةِ .
وَلَوْ قَالَ : لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك ( فَأَدَّى ) الْحَقَّ ( لِوَارِثِهِ ) ( يَبْرَأُ ) ( وَاسْتَشْكَلَهُ ) الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْكَتَّانِيُّ فَإِنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ لِلْوَرَثَةِ وَالدَّفْعَ مَا حَصَلَ لِلْمَحْلُوفِ ( عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ ) لِوَارِثِهِ .
( وَمِنْهُ ) التَّحَالُفُ ( يَقُومُ وَارِثُ ) الْمُتَبَايِعَيْنِ مَقَامَهُمَا وَكَذَلِكَ أَحَدُهُمَا مَعَ وَارِثِ الْآخَرِ .
وَمِثْلُهُ : الْإِقَالَةُ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِهَا أَنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْوَصَايَا ( أَنَّهَا تَجُوزُ ) مَعَ الْمُشْتَرِي وَوَارِثِ الْبَائِعِ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ اسْتَأْجَرُوا مَنْ يَحُجُّ عَنْ مُورِثِهِمْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ الْوَاجِبَةِ وَلَمْ يَكُنْ أَوْصَى بِهَا ثُمَّ تَقَايَلُوا مَعَ الْأَجِيرِ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُورِثِهِمْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ( لَهُمْ ) فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَوُجُودِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ وَأَصْلَحُ جَازَ الْإِقَالَةُ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُورِثِهِمْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ( لَهُمْ ) فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَوُجُودِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ وَأَصْلَحُ جَازَ وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَضَاقَ ( الْوَقْتُ ) امْتَنَعَ .
الثَّانِي : مَا يَقُومُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا إذَا مَاتَ الْعَاقِدُ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ يَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِوَارِثِهِ ، وَكَمَوْتِ الْمُسْتَأْجَرِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ لَا ( يَفْسَخُ ) الْإِجَارَةَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيَقُومَ مَقَامَ ( وَارِثِهِ ) اسْتِصْحَابًا لِدَوَامِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ وَمَاتَ فَجَاءَ مَنْ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَهُ فَهَلْ يَحْلِفُ الْوَارِثُ ( لَتُنَفَّذَ ) الْوَصِيَّةُ فِيهِ احْتِمَالَانِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ مِنْ الرَّافِعِيِّ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَاَلَّذِي ( جَزَمَ بِهِ ) الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ حَلِفُ الْوَارِثِ .
الثَّالِثُ : مَا لَا يَقُومُ مَقَامَهُ قَطْعًا كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِرْقَاقِ وَالْوَلَاءِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُقْبَلُ تَعْيِينُهُ فِي ( الطَّلَاقِ ) الْمُبْهَمِ .
الرَّابِعُ : مَا لَا يَقُومُ فِي الْأَصَحِّ كَحَوْلِ الزَّكَاةِ ، وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْحَجِّ لَا يَبْنِي الْوَارِثُ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَلِكَ الْقَبُولُ لِإِيجَابِ الْبَيْعِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلدَّارِكِيِّ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَخُرِقَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ .
وَلَوْ حَلَفَ فِي الْقَسَامَةِ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْيَمِينِ لَمْ ( يُبِنْ ) وَارِثُهُ فِي الْأَصَحِّ .
تَنْبِيهَانِ : الْأَوَّلُ : قَدْ ( يَثْبُتُ ) الْحَقُّ لِلْوَارِثِ مَعَ حَيَاةِ ( الْمُورِثِ ) وَذَلِكَ فِي ( الْوَلَاءِ ) وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا أَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا كَانَ قَاتِلًا كَانَ مِيرَاثُ الْعَتِيقِ لِعَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ فِسْقٍ ( أَوْ غَيْرِهِ ) انْتَقَلَ التَّزْوِيجُ إلَى الْأَبْعَدِ مِنْ عَصَبَاتِهِ وَلَمْ ( يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا ) قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ نُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي هَذِهِ أَنَّ الْأَبْعَدَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَا يُزَوِّجُ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعَاقِلَةِ عَلَى أَنَّ الْعَصَبَةَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْوَلَاءِ مَعَ حَيَاةِ الْمُعْتِقِ فَإِذَا فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ ( فُضَّ ) عَلَيْهِمْ ، وَنُصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ عَصَبَةَ الْمُعْتِقِ الَّذِينَ عَلَى دِينِ ( الْعَتِيقِ ) يَرِثُونَ الْعَتِيقَ ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ حَيًّا فَأَثْبَتَ الشَّافِعِيُّ لَهُمْ الْوَلَاءَ وَالْمِيرَاثَ بِهِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتَقِدِ وَهَذَا يَرُدُّ مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُمْ لَا يَتَحَمَّلُونَ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ .
الثَّانِي : لَوْ وَرِثَ الْقِصَاصَ جَمَاعَةٌ فَعَفَا أَحَدُهُمْ سَقَطَ ، وَلَوْ وَرِثَ حَدَّ الْقَذْفِ جَمَاعَةٌ فَعَفَا أَحَدُهُمْ لَمْ يَسْقُطْ وَلِلْبَاقِينَ اسْتِيفَاؤُهُ ، وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْقِصَاصَ إذَا سَقَطَ رُجِعَ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الدِّيَةُ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ إذَا سَقَطَ لَا يُرْجَعُ إلَى بَدَلٍ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِجَمَاعَةٍ فَعَفَا أَحَدُ سَادَاتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَعُ إلَى بَدَلٍ إذْ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْءٌ .
الْوَثَائِقُ الْمُتَعَلِّقَةُ ( بِالْأَعْيَانِ ) ثَلَاثَةٌ الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ وَالشَّهَادَةُ قَالَهُ الْإِمَامُ فِي بَابِ الرَّهْنِ قُلْت : ثُمَّ مِنْ الْعُقُودِ مَا يَدْخُلُهُ الثَّلَاثَةُ كَالْبَيْعِ وَالسَّلَمِ وَالْقَرْضِ ( وَأُرُوشِ ) الْجِنَايَاتِ الْمُسْتَقِرَّةِ .
وَمِنْهُ مَا يُسْتَوْثَقُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ لَا بِالرَّهْنِ وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ ( جَزَمَ ) بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِهَا قَالَ : لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَنُجُومَ الْكِتَابَةِ لَا رَهْنَ فِيهَا وَلَا ضَمِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ وَكَذَلِكَ الْجَعَالَةُ ، وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا ( يَدْخُلُهَا ) الضَّمِينُ .
وَمِنْهُ الْمُسَابَقَةُ إذَا اُسْتُحِقَّ رَهْنُهَا جَازَ الرَّهْنُ وَالضَّمِينُ ، وَقِيلَ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ( جَائِزٌ أَوْ لَازِمٌ ) .
وَمِنْهُ مَا يَدْخُلُهُ الضَّمِينُ دُونَ الرَّهْنِ وَهُوَ ضَمَانُ الدَّرْكِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يُسْتَدْرَكُ عَلَى الْإِمَامِ ( حَصْرُ ) الْوَثَائِقِ فِي ثَلَاثٍ ( بِأُمُورٍ ) مِنْهَا : الْحَبْسُ عَلَى الْحُقُوقِ إلَى الْوَفَاءِ ( أَوْ حُضُورِ ) الْغَيْبِ وَإِفَاقَةِ الْمَجَانِينِ وَبُلُوغِ الصِّبْيَانِ .
وَمِنْهَا حَبْسُ الْمَبِيعِ ( حَتَّى يَقْبِضَ ) الثَّمَنَ ، وَكَذَلِكَ مَنْعُ الْمَرْأَةِ ( تَسْلِيمَ ) نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ الْمَهْرَ وَغَيْرُ ( ذَلِكَ ) .
فِي الْبَيْعِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَيَقُومُ مَقَامَهَا فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَفِي بَابِ الدَّعْوَى ، وَكَذَا السَّلَمُ إذَا كَانَ الْوَصْفُ لَا يُؤَدِّي إلَى ( عِزَّةِ ) الْوُجُودِ وَفِي الْجَعَالَةِ لَوْ شَرَطَ الْجُعَلَ بِسَلْبِ الْعَبْدِ أَوْ ثِيَابِهِ وَوَصَفَهُ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَلَهُ الْمَشْرُوطُ وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهُوَ جَوَابٌ عَلَى أَنَّ ( اسْتِيفَاءَ ) الْأَوْصَافِ فِي الْبَيْعِ عَلَى وَجْهٍ يُفِيدُ الْإِحَاطَةَ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فَإِنْ مَنَعْنَاهُ كَانَ ( كَالْمُسْتَأْجَرِ ) .
الْوَطْءُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ عَلَى أَضْرُبٍ : أَحَدُهَا : يُعْتَبَرُ ( فِيهِ ) كُلُّ ( وَاحِدٍ ) مِنْ الْوَاطِئَيْنِ بِحَالِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحَدُّ وَالْغُسْلُ ( فَأَيُّهُمَا كَانَ ) مُكَلَّفًا لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا .
ثَانِيهَا : مَا ( يُعْتَبَرُ بِالْوَاطِئِ ) دُونَ الْمَوْطُوءَةِ وَهُوَ لُحُوقُ النَّسَبِ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ فَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْوَاطِئُ زَانِيًا لَحِقَ النَّسَبُ ( وَوَجَبَتْ ) الْعِدَّةُ ، وَحَيْثُ كَانَ زَانِيًا ( لَا يَثْبُتَانِ ) ثَالِثُهَا : يُعْتَبَرُ بِالْمَوْطُوءَةِ دُونَ الْوَاطِئِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَتْ زَانِيَةً لَمْ تَسْتَحِقَّ الْمَهْرَ وَإِلَّا اسْتَحَقَّتْ وَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُ الْوَاطِئِ أَنَّهُ زَانٍ أَوْ غَيْرُ زَانٍ ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَتَبِعُوهُ .
الثَّانِي : الْوَطْءُ مَعَ الْفَسْخِ بِعَيْبِ النِّكَاحِ مَضْمُونٌ بِلَا خِلَافٍ إمَّا بِالْمُسَمَّى عَلَى قَوْلٍ أَوْ بِالْمَهْرِ عَلَى قَوْلٍ وَفِي بَابِ الْبَيْعِ ( فِي ) رَدِّ الْجَارِيَةِ بِالْعَيْبِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَطْءَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ فَوَجَبَ بَدَلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَالْوَطْءُ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْعَقْدُ عَلَى الرَّقَبَةِ وَالْوَطْءُ مَنْفَعَةُ مِلْكِهِ فَلَمْ يُقَابِلْهُ بِعِوَضٍ .
الثَّالِثُ : لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فِي النِّكَاحِ حُكْمُهُ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبْدَانِ ، وَالْأَحْكَامُ الْمُوجِبَةُ لِلْوَطْءِ فِيهِ عَشْرَةٌ : وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ سَوَاءٌ سَمَّى لَهَا فِي الْعَقْدِ شَيْئًا أَمْ لَا ، يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إذَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُمَا مَعًا ، تَحْرُمُ ( عَلَى آبَائِهِ ) مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ ، يَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَجَدَّاتُهَا نَسَبًا وَرَضَاعًا ، تَصِيرُ فِرَاشًا بِهَذَا الْوَطْءِ وَلَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ يَمْلِكُ بِهِ اللِّعَانَ وَهُوَ إذَا قَذَفَهَا بِزِنًى وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا أَوْ وَلَدِهَا ، قَالَ : وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَطْءِ بِمُلْكِ الْيَمِينِ سَبْعَةٌ : تَصِيرُ فِرَاشًا بِنَفْسِ الْوَطْءِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ، تَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ، يَمْتَنِعُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا ( عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا ) يَجِبُ ( عَلَيْهَا ) الِاسْتِبْرَاءُ فَإِنْ ( ادَّعَتْ ) وَحَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَلْحَقْهُ وَكَانَ مَنْفِيًّا عَنْهُ ( بِلَا لِعَانٍ ) وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمَتِهِ هَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ .
الرَّابِعُ : قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الصَّدَاقِ : لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْلُوَ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْيَمِينِ مَعَ كَوْنِهِ ( مُحْتَرَمًا ) عَنْ الْمَهْرِ إذَا أَمْكَنَ تَقْرِيرُهُ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : الذِّمِّيَّةُ إذَا نُكِحَتْ فِي الشِّرْكِ عَلَى التَّفْوِيضِ وَكَانُوا يَرَوْنَ سُقُوطَ الْمَهْرِ عِنْدَ الْمَسِيسِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهٌ مِنْ عَبْدِهِ فَلَا يَثْبُتُ الْمَهْرُ أَصْلًا .
وَأَمَّا فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ ( الصُّورَتَيْنِ ) فَلَا يُتَصَوَّرُ خُلُوُّ مَسِيسٍ فِي نِكَاحٍ عَنْ مَهْرٍ هَذَا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً فِي طُرُقِهِمْ .
قَالَ الْقَاضِي : إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا وَهِيَ مُفَوِّضَةٌ : طَأْنِي وَلَا مَهْرَ عَلَيْك ؛ فَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهَا صَاحِبَةُ الْحَقِّ وَقَدْ سَلَّطَتْهُ مَعَ الرِّضَا بِنَفْيِ الْمَهْرِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا ( قَالَتْ ) أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ فَوَطِئَهَا ظَانًّا حِلَّهُ فَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ قَوْلَانِ ( انْتَهَى ) .
وَعَبَّرَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يَخْلُو عَنْ مَهْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ إلَّا فِي مَسَائِلَ : هَاتَانِ " وَالثَّالِثَةُ : وَطْءُ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْإِقْبَاضِ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ .
الرَّابِعَةُ : السَّفِيهُ إذَا تَزَوَّجَ رَشِيدَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَوَطِئَ فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ .
الْخَامِسَةُ : أَعْتَقَ الْمَرِيضُ أَمَتَهٌ وَتَزَوَّجَهَا وَكَانَتْ ثُلُثَ مَالِهِ .
السَّادِسَةُ : إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْوَطْءِ فَوَطِئَ عَلَى ظَنِّ الْحِلِّ .
السَّابِعَةُ : إذَا وُطِئَتْ الْمُرْتَدَّةُ وَالْحَرْبِيَّةُ بِشُبْهَةٍ .
الثَّامِنَةُ : إذَا وَطِئَ السَّيِّدُ أَمَتَهٌ .
التَّاسِعَةُ : وَطْءُ ( الزَّوْجِ ) مَا عَدَا الْوَطْأَةَ الْأُولَى عَلَى ( وَجْهِ أَنَّ ) الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْأَةِ الْأُولَى خَاصَّةً .
الْخَامِسُ : الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَهُوَ فِي الْقُبُلِ إلَّا فِي سَبْعِ صُوَرٍ ذَكَرَهَا فِي الرَّوْضَةِ : التَّحْصِينُ وَالتَّحْلِيلُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْفَيْئَةِ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْعُنَّةِ وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْبِكْرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاذَا وُطِئَتْ الْكَبِيرَةُ فِي فَرْجِهَا وَقَضَتْ وَطَرَهَا وَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ وَجَبَ إعَادَةُ الْغُسْلِ فِي الْأَصَحِّ ( وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي دُبُرِهَا ) لَمْ تُعِدْ .
وَالسَّابِعَةُ : لَا يَحِلُّ بِحَالٍ وَالْقُبُلُ يَحِلُّ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ .
وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ ( بِصُوَرٍ ) : ( إحْدَاهَا ) إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً وَقُلْنَا : إذَا وَطِئَهَا فِي ( الْقُبُلِ ) تُقْتَلُ فَلَا تُقْتَلُ هَا هُنَا ( بِنَاءً ) عَلَى أَنَّ عِلَّةَ قَتْلِهَا مَخَافَةَ أَنْ تَلِدَ آدَمِيًّا .
وَمِنْهَا : لَا أَثَرَ لِوَطْءِ ( الْبَائِعِ ) فِي قُبُلِ الْخُنْثَى فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي دُبُرِهِ فَسْخٌ كَقُبُلِ غَيْرِ الْخُنْثَى .
وَمِنْهَا : الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ هَلْ يُثْبِتُ الْمُصَاهَرَةَ ، إنْ ظَنَّ أَنَّهُ الْقُبُلُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ الْتِحَاقَهُ بِالْقُبُلِ .
وَمِنْهَا : هَلْ يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ ؟ قَالَ الْحَنَّاطِيُّ : نَعَمْ .
( وَمِنْهَا : لَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ ) فَوَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ فَوَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْحِنْثِ وَسَبَقَ أَنَّ الْمُخْتَارَ خِلَافُهُ .
وَمِنْهَا : لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَلْحَقْ السَّيِّدَ فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ .
وَمِنْهَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ كَانَ لَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِيبَةٌ ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ .
وَمِنْهَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ سَقَطَتْ حَصَانَتُهُ فِي الْأَصَحِّ .
وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ غُلَامًا جُلِدَ الْمَفْعُولُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْفَاعِلُ فَإِنْ كَانَ ثَيِّبًا رُجِمَ ( أَوْ بِكْرًا ) جُلِدَ .
وَمِنْهَا لَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي دُبُرِ رَجُلٍ كَانَ جُنُبًا لَا مُحْدِثًا فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ .
وَمِنْهَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي دُبُرِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا كَانَ الطَّلَاقُ بِدْعِيًّا عَلَى وَجْهٍ .
وَمِنْهَا وَطِئَهَا فِي دُبُرِهَا وَهِيَ بِكْرٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَهَلْ يُقْسِمُ لَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي قَسَمَ بِكْرٍ أَمْ ثَيِّبٍ .
السَّادِسُ : الْوَطْءُ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ فِي الْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ وَنَحْوِهِمَا ؟ اخْتَلَفَتْ فُرُوعُهُ وَقَدْ يُظَنُّ تَعَارُضُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ( لَهَا ) مَأْخَذٌ يَظْهَرُ بِضَابِطٍ فَنَقُولُ : ( هُوَ ) أَنْوَاعٌ .
الْأَوَّلُ : مَا مَلَّكَهُ لِلْغَيْرِ وَتَوَقَّفَ عَلَى أَمْرٍ كَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَلَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ الْمُوصَى بِهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا عَلَى الْأَصَحِّ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ( إحْبَالٌ ) وَوَطْءُ الْمُدَبَّرَةِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ التَّدْبِيرِ عَزَلَ أَمْ لَا .
الثَّانِي : مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مُنَجَّزًا فَلَا يَكُونُ الْوَطْءُ فِيهِ اسْتِرْجَاعًا .
وَلِهَذَا لَا يَحْصُلُ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ بِالْفَلَسِ بِوَطْءِ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَكُونُ وَطْءُ الْأَبِ الْمَوْهُوبَةَ رُجُوعًا فِي هِبَةِ وَلَدِهِ عَلَى ( الصَّحِيحِ ) .
وَمِثْلُهُ لَوْ بَاعَ أَمَتَهُ بِعَبْدٍ وَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْجَاعُ الْأَمَةِ فَلَوْ وَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْبَيْعِ ( وَفِي الْعَبْدِ ) وَاسْتِرْجَاعًا لَهَا لِزَوَالِ مِلْكِهِ .
الثَّالِثُ : أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الزَّوَالِ وَهُوَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا لَا يَحْصُلُ ابْتِدَاؤُهُ بِالْفِعْلِ فَكَذَلِكَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَوَطِئَ إحْدَاهُنَّ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلنِّكَاحِ فِيهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمُطَلَّقَةِ لَا يَكُونُ رَجْعَةً .
وَلَوْ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا ( لَا يَكُونُ ) تَعْيِينًا فِي الْأَصَحِّ أَمَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُعَيَّنًا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا قَطْعًا .
وَلَوْ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ فَلَا يَكُونُ وَطْءُ إحْدَاهُمَا تَعْيِينًا فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ تَعْيِينٌ .
وَلَوْ وَطِئَ السَّيِّدُ جَارِيَتَهُ الْجَانِيَةَ لَمْ يَكُنْ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ فِي الْأَصَحِّ وَالثَّانِي يَكُونُ اخْتِيَارًا لَهُ كَفَسْخِ الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ خِيَارَ الْبَيْعِ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ فَسَقَطَ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ ( فَإِنَّ ) خِيَارَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ الثَّانِي : أَنْ يَحْصُلَ ابْتِدَاؤُهُ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ فَسْخًا وَرُجُوعًا .
فَمِنْهَا وَطْءُ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمُشْتَرِي إجَازَةً وَإِنَّمَا خَرَجَتْ عَنْ الْقَاعِدَةِ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَالسَّبْيِ فَكَذَلِكَ دَوَامُهُ .
وَمِنْهَا إذَا ظَهَرَتْ مَعِيبَةً فَذَهَبَ لِيَرُدَّهَا فَوَطِئَهَا فِي الطَّرِيقِ امْتَنَعَ الرَّدُّ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَحْصُلُ بِالْفِعْلِ .
وَمِنْهَا السَّيِّدُ إذَا وَطِئَ أَمَةَ الْمَأْذُونِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَانَ وَطْؤُهَا حَجْرًا عَلَيْهِ فِيهَا وَقِيلَ : يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ يَعْزِلَ أَمْ لَا كَذَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ نَعَمْ لَوْ كَانَ فِي الْقِرَاضِ جَارِيَةٌ لَمْ يَجُزْ لِلْمَالِكِ وَطْؤُهَا فَلَوْ وَطِئَ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْقِرَاضِ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ .
السَّابِعُ : كُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِنْزَالُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَهِيَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى لَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَحْصِينِ الْجَارِيَةِ وَالْوَطْءِ وَالْإِنْزَالِ .
الثَّامِنُ : الْمِلْكُ الْقَاصِرُ مِنْ ابْتِدَائِهِ لَا يُسْتَبَاحُ فِيهِ الْوَطْءُ بِخِلَافِ مَا ( لَوْ ) كَانَ الْقُصُورُ طَارِئًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا مُنِعَ الرَّاهِنُ مِنْ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْمُرْتَهِنِ .
التَّاسِعُ : الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَارِضٍ هَلْ يَسْتَتْبِعُ تَحْرِيمَ مُقَدِّمَاتِهِ أَمْ لَا ؟ إنْ كَانَ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَقُصُورِهِ أَوْ خَشْيَةِ عَدَمِ ثُبُوتِهِ كَالْمُسْتَبْرَأَةِ إذَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ فَيَحْرُمُ سَائِرُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ بِهَا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ فَهُوَ نَوْعَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) الْعِبَادَاتُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْوَطْءِ وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : ضَرْبٌ يَمْتَنِعُ فِيهِ جِنْسُ التَّرَفُّهِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ فَيَمْتَنِعُ الْوَطْءُ وَالْمُبَاشَرَةُ كَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ .
وَضَرْبٌ يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ وَمَا أَفْضَى ( إلَى الْإِنْزَالِ وَلَا يَمْنَعُ ) مِمَّا يَبْعُدُ ( إفْضَاؤُهُ ) إلَيْهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَهُوَ الصِّيَامُ .
الثَّانِي : غَيْرُ الْعِبَادَاتِ ( وَهِيَ ) عَلَى أَرْبَعَةِ ( أَقْسَامٍ ) .
الْعَاشِرُ : إنَّمَا يُبَاحُ الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ التَّامِّ دُونَ الْمُزَلْزَلِ .
وَلِهَذَا لَوْ اتَّفَقَ الْغَاصِبُ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُ عَنْ قِيمَةِ الْحَيْلُولَةِ جَارِيَةً وَعَوَّضَهَا لَهُ الْغَاصِبُ جَازَ وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ : تَفَقُّهًا إنْ قُلْنَا : لَا يَمْلِكُ الْقِيمَةَ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَفِيهِ تَرَدُّدٌ مِنْ أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ مِلْكًا ( تَامًّا ) مُسَلَّطًا عَلَى الْوَطْءِ .
قُلْت : يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ فَإِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَالَ فِيمَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْمَغْصُوبِ مَعْلُومًا : إنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ الْقِيمَةَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَحَكَى فِي اسْتِقْرَارِهِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَجْهَانِ وَقَضِيَّةُ الِاسْتِقْرَارِ حِلُّ الْوَطْءِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ الْقِيمَةَ ( قِيمَةَ فَرْضٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا عَلَى حُكْمِ رَدِّ الْعَيْنِ وَهَذَا قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْوَطْءُ .
وَمِنْهَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ : بِعْتُكهَا وَقَالَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ : بَلْ وَهَبْتنِيهَا ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِ الْكَامِلِ : يَحِلُّ لِمُدَّعِي الْهِبَةِ وَطْؤُهَا فِي الْبَاطِنِ إذَا كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ وَكَانَ قَدْ قَبَضَهَا وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي صَادِقًا انْتَهَى .
وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي إبَاحَةِ الْوَطْءِ تَعَيُّنُ ( جِهَةٍ ) ؟ ( كَلَامُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ) يَقْتَضِي اشْتِرَاطَهُ فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَطَأُ بِالزَّوْجِيَّةِ أَوْ ( بِالْمِلْكِ ) .
الْحَادِيَ عَشَرَ : كُلُّ وَطْءٍ مُحَرَّمٍ إنْ حُرِّمَ لِحُرْمَةِ عِبَادَةٍ ( وَجَبَتْ ) فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، وَإِنْ ( حَرُمَ ) لَا لِحُرْمَةِ الْعِبَادَةِ لَمْ يَجِبْ كَوَطْءِ الْحَائِضِ عَلَى الْجَدِيدِ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَهِيَ مَنْقُوضَةٌ بِوَطْءِ الْمُظَاهِرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مَعَ أَنَّهُ لَا لِحُرْمَةِ عِبَادَةٍ .
الثَّانِيَ عَشَرَ : اُخْتُلِفَ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مُبَاحٌ أَوْ لَا يُوصَفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهُمَا الثَّالِثُ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْمُبَاحِ مَا أُذِنَ فِيهِ شَرْعًا فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا لَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِ وَلَا تَرْكِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ فَأَيْنَ الْخِلَافُ ( وَهَكَذَا ) الْقَوْلُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَنَحْوِهِ .
وَقْتُ الشَّيْءِ هَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ هُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَكُونَ رُكْنًا فِي الْمَقْصُودِ ( فَيَنْزِلُ ) .
وَلِهَذَا إذَا دَخَلَ اللَّيْلُ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُفَطِّرَ وَكَذَلِكَ مُضِيُّ مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ تُوجِبُ النَّزْعَ وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ .
وَإِذَا وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ شَيْئًا عِنْدَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ وَمَضَى زَمَنُ إمْكَانِهِ صَارَ كَالْمَقْبُوضِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ فِي الْقَبْضِ .
وَإِذَا مَضَى زَمَانُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْإِجَارَةِ بَعْدَ التَّمْكِينِ اسْتَقَرَّتْ ( الْأُجْرَةُ ) وَإِنْ لَمْ تُسْتَوْفَ الْمَنْفَعَةُ وَكَذَلِكَ إقَامَةُ زَمَنِ عَرْضِهَا عَلَى الزَّوْجِ الْغَائِبِ مَقَامَ التَّوْكِيلِ حَتَّى تَجِبَ النَّفَقَةُ إذَا عَلِمَ وَمَضَى زَمَنُ إمْكَانِ وُصُولِهِ إلَيْهَا وَلَمْ يَصِلْ فِيهِ وَكَذَلِكَ إقَامَةُ زَمَنِ التَّمْكِينِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِي الْمَرْأَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فِي الْغَيْبَةِ فِي مُضِيِّ قَدْرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ مَقَامَ الْوَطْءِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ رُكْنًا فِي الْمَقْصُودِ فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ كَدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الرَّمْيِ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ فَقَالَ : إذَا دَخَلَ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ وَأَلْزَمَهُ الْأَصْحَابُ بِطَرْدِهِ فِي الطَّوَافِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ .
وَمِنْهَا : الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ إذَا وَقَفَا بِعَرَفَةَ ثُمَّ دَفَعَا بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ كَمَّلَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَا يَسْقُطُ فَرْضُهُمَا خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ .
وَمِنْهَا : وَقْتُ الْخَرْصِ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الْخَرْصِ ؟ إنْ قُلْنَا : لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالتَّضْمِينِ - لَمْ يَقُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ الْمَنْعُ ( وَقَالَ قَبْلَ ) ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ نَخِيلٌ يَخْتَلِفُ إدْرَاكُهَا فِي الْعَامِ فَإِنْ أُطْلِعَ ( الْمُتَأَخِّرُ ) قَبْلَ بُدُوِّ ( صَلَاحِ ) الْأَوَّلِ ضَمَّهُ إلَيْهِ أَوْ بَعْدَ جِدَادِ الْأَوَّلِ فَوَجْهَانِ قَالَ الْقَفَّالُ : لَا يَضُمُّ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ فَعَلَى قَوْلِ الْقَفَّالِ فَهَلْ يُقَامُ وَقْتُ الْجِدَادِ مَقَامَ الْجِدَادِ وَجْهَانِ أَفْقَهُهُمَا يُقَامُ فَإِنَّ الثِّمَارَ بَعْدَ وَقْتِ الْجِدَادِ كَالْمَجْدُودَةِ .
وَلِهَذَا لَوْ أُطْلِعَتْ النَّخْلَةُ الْعَامَ الثَّانِيَ وَعَلَيْهَا بَعْضُ ثَمَرَةِ الْأَوَّلِ لَمْ تُضَمَّ قَطْعًا .
وَمِنْهَا : لَوْ أَفْرَدَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ بِالْعَقْدِ وَقْتَ التَّأْبِيرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ بِإِفْرَادِهِ بِالْبَيْعِ انْقَطَعَ ( عَنْ التَّبَعِيَّةِ ) وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ تَنْزِيلُ وَقْتِ التَّأْبِيرِ مَقَامَ التَّأْبِيرِ وَمِثْلُهُ إقَامَةُ وَقْتِ ( بُدُوِّ ) الصَّلَاحِ مَقَامَ الصَّلَاحِ .
الْوَقْفُ فِي الْأَحْكَامِ ( كَثُرَ ) فِي كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ بِخِلَافِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ نَاجِزَةٌ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) الْوَقْفُ إلَّا فِي ( صُوَرٍ ) نَادِرَةٍ .
مِنْهَا : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ .
وَمِنْهَا : قَالَ الرُّبَيِّعُ : ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ فِي الْأَمَالِي الْقَدِيمَةِ وَحَكَى اخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهَا فَقُلْت لَهُ : فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فِيهَا ؟ فَقَالَ : أَنَا مُتَوَقِّفٌ ، حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ : لَكِنَّهُ أَزَالَ التَّوَقُّفَ بَعْدُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَامْتَنَعَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ إثْبَاتِهِ قَوْلًا .
وَالْوَقْفُ يُطْلِقُهُ الْفُقَهَاءُ لِبَيَانِ مَا يَحْدُثُ فِي الْعِبَادَاتِ وَفِي الْعُقُودِ فَمِنْ الْأَوَّلِ حَجُّ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ إنْ دَامَ كَانَ نَفْلًا وَإِنْ بَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ انْقَلَبَ فَرْضًا .
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ فَسَلَّمَ سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَرِيبًا فَفِي صِحَّةِ سَلَامِهِ الثَّانِي وَجْهَانِ فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ فَقَدْ ( فَاتَ مَحَلُّ السُّجُودِ ) وَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ فَإِنْ سَجَدَ فَهُوَ بَاقٍ ( فِي الصَّلَاةِ لَوْ أَحْدَثَ لَبَطَلَتْ وَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ قَالَ الْإِمَامُ : فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ) فِي الصَّلَاةِ وَلَا بُدَّ مِنْ السَّلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : السَّلَامُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ سَجَدَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ تَرَكَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ تَحَلَّلَ وَأَمَّا فِي الْعُقُودِ فَالْوَقْفُ فِيهَا يُعَبَّرُ ( بِهِ ) عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ : إحْدَاهَا : بَيْعُ الْفُضُولِيِّ وَهُوَ وَقْفُ صِحَّةٍ بِمَعْنَى أَنَّ الصِّحَّةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ فَلَا تَحْصُلُ إلَّا بَعْدَهَا وَتَكُونُ الْإِجَازَةُ مَعَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ( ثَلَاثَتُهَا ) أَرْكَانُ الْعَقْدِ .
هَذَا مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الصِّحَّةَ نَاجِزَةٌ وَالْمُتَوَقِّفَ ) عَلَى الْإِجَازَةِ هُوَ الْمِلْكُ .
الثَّانِيَةُ : بَيْعُ مَالِ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ
وَهُوَ وَقْفٌ ( تَبَيَّنَ ) بِمَعْنَى أَنَّ الْعَقْدَ ( فِيهِ صَحِيحٌ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ فِي ثَانِي الْحَالِ ) ( فَهُوَ وَقْفٌ ) عَلَى ظُهُورِ أَمْرٍ كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَالْمِلْكُ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَلَا خِيَارَ فِيهِ .
( الثَّالِثَةُ ) تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ وَهِيَ مَا إذَا غَصَبَ أَمْوَالًا وَبَاعَهَا وَتَصَرَّفَ فِي أَثْمَانِهَا بِحَيْثُ يَعْسُرُ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَتَبُّعُهَا بِالنَّقْضِ ، وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْبُطْلَانُ وَالثَّانِي لِلْمَالِكِ أَنْ يُجِيزَ وَيَأْخُذَ الْحَاصِلَ مِنْ أَثْمَانِهَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهَا كَالْأُولَى ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّهَا كَالثَّانِيَةِ فِي عَدَمِ الْخِيَارِ وَتَبَيُّنِ الْمِلْكِ مِنْ قَبْلُ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مِنْ الْوَقْفِ مَا يَصِحُّ مَعَهُ الْعَقْدُ وَمِنْهُ مَا يَبْطُلُ .
وَضَبَطَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الدَّعْوَى الْوَقْفَ الْبَاطِلَ فِي الْعُقُودِ بِتَوَقُّفِ الْعَقْدِ عَلَى وُجُودِ شَرْطٍ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ وَيَنْحَصِرَانِ فِي سِتَّةِ أَنْوَاعٍ : الْأَوَّلُ : مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِ شَرْطٍ بَعْدَهُ فَهُوَ الْبَاطِلُ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ .
وَلَوْ قَالَ : أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَأَنَا ( وَالرُّكَّابُ ) ضَامِنُونَ ، وَقَالَ : أَرَدْت إنْشَاءَ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ ، فَقِيلَ : إنْ رَضُوا ( بِهِ ) ثَبَتَ الْمَالُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا ( تُوقَفُ ) عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا مَا ارْتَضَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ وَقَرَّبَ فِي الْوَسِيطِ الْأَوَّلَ وَقَالَ : يَلْزَمُهُمْ الْمَالُ ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَقُولُ بِوَقْفِ الْعُقُودِ فَإِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ لِلْحَاجَةِ .
الثَّانِي : مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَبْيِينٍ وَانْكِشَافٍ سَابِقٍ عَلَى الْعَقْدِ فَهُوَ الصَّحِيحُ كَبَيْعِ مَالِ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ وَأَلْحَقَ بِهَا الرَّافِعِيُّ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ مُكَاتَبٌ وَكَانَ قَدْ رَجَعَ أَوْ فَسَخَ الْكِتَابَةَ ( وَكَذَلِكَ ) لَوْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ وَكَّلَهُ فِي ذَلِكَ يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ إذَا قُلْنَا : لَا تَتَوَقَّفُ الْوَكَالَةُ عَلَى الْقَبُولِ وَأَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ .
وَمِثْلُهُ ( مُعَامَلَةُ ) مَنْ عُرِفَ رِقُّهُ وَكَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ .
وَذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيمَا لَوْ كَاتَبَ الْعَبْدُ كِتَابَةً فَاسِدَةً ثُمَّ أَوْصَى بِهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ الْكِتَابَةِ فَفِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ قَوْلَانِ وَقَالَ : إنَّهُمَا أَصْلُ وَقْفِ الْعَقْدِ وَقَضِيَّتُهُ ( تَرْجِيحُ صِحَّةِ ) الْوَصِيَّةِ وَلَا نَظَرَ لِاعْتِقَادِ الْمُوصَى .
الثَّالِثُ : مَا تَوَقَّفَ عَلَى انْقِطَاعِ تَعَدٍّ فَقَوْلَانِ وَالْأَصَحُّ الْإِبْطَالُ كَبَيْعِ الْمُفْلِسِ مَالَهُ ثُمَّ يُفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ( أَوْ ) يَفْضُلُ عَنْ الْغُرَمَاءِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ( فِي الْأَصَحِّ ) ( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَكِّ إنْ وُجِدَ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا فَهُوَ وَقْفُ تَبْيِينٍ .
الرَّابِعُ : مَا تَوَقَّفَ عَلَى ارْتِفَاعِ حَجْرٍ حُكْمِيٍّ خَاصٍّ كَالْعَبْدِ يُقِيمُ شَاهِدَيْنِ عَلَى عِتْقِهِ ( وَلَمْ ) يَعْدِلَا فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْجُرُ عَلَى السَّيِّدِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَى التَّعْدِيلِ فَلَوْ بَاعَهُ السَّيِّدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ عَدَالَتِهِمْ فَعَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ فِي صُورَةِ الْمُفْلِسِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا أَخَصُّ مِنْهَا لِوُجُودِ الْحَجْرِ هُنَا عَلَى الْعَيْنِ خَاصَّةً ، وَهُنَاكَ عَلَى الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ تَصَرُّفُ السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي أُبْطِلَ وَقِيلَ : يَكُونُ مَوْقُوفًا إنْ فَدَاهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا .
الْخَامِسُ : مَا تَوَقَّفَ لِأَجْلِ حَجْرٍ شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ الْحَاكِمِ وَفِيهِ صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا : تَصَرُّفَاتُ الْمَرِيضِ بِالْمُحَابَاةِ فِيمَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الثُّلُثِ فِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَارِثُ صَحَّتْ وَإِلَّا بَطَلَتْ ، وَهَذِهِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُفْلِسِ ؛ لِأَنَّ ضِيقَ ( الثُّلُثِ ) وَمُزَاحَمَةَ الْغُرَمَاءِ أَمْرٌ ( مُسْتَقْبَلٌ ) وَالْمَانِعَ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُفْلِسِ وَالرَّاهِنِ قَائِمٌ حَالَةَ التَّصَرُّفِ .
ثَانِيَتُهُمَا : إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِي الْمَالِ غَائِبٌ فَتَصَرَّفَ الْوَرَثَةُ فِي ثُلُثَيْ الْحَاضِرِ ثُمَّ بَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ أَلْحَقَهَا الرَّافِعِيُّ بِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ فَأَلْحَقَهَا بِبَيْعِ مَالِ أَبِيهِ يَظُنُّ حَيَاتَهُ ، وَهَذَا أَشْبَهُ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ صَادَفَ مِلْكَهُ فَهِيَ بِبَيْعِ الِابْنِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْفُضُولِيِّ .
السَّادِسُ : مَا تَوَقَّفَ لِأَجْلِ حَجْرٍ وَضْعِيٍّ أَيْ بِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ كَالرَّاهِنِ يَبِيعُ الْمَرْهُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْجَدِيدِ وَعَلَى الْقَدِيمِ الَّذِي يَجُوزُ وَقْفُ الْعُقُودِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الِانْفِكَاكِ وَعَدَمِهِ وَأَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِبَيْعِ الْمُفْلِسِ مَالَهُ .
فَوَائِدُ : الْوَقْفُ الْمُمْتَنِعُ فِي الْعُقُودِ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الِاسْتِدَامَةِ .
وَلِهَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ الزَّوْجَةُ كَانَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ مَوْقُوفًا وَلَوْ ابْتَدَأَ النِّكَاحَ عَلَى مُرْتَدَّةٍ لَمْ يَجُزْ .
قَدْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْقَى الْمِلْكُ مَوْقُوفًا فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَمِلْكُ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ إنْ ( قَبِلَ ) تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مِلْكٌ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ وَإِلَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ وَكَذَلِكَ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ مَالَهُ .
الْوِلَايَةُ إذَا أُثْبِتَتْ لِشَخْصٍ بِالتَّقْدِيمِ لِقُرْبِهِ فَغَابَ انْتَقَلَتْ إلَى السُّلْطَانِ كَحِفْظِ الْمَالِ وَالتَّزْوِيجِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحَضَانَةُ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِلْأَبْعَدِ لَا لِلسُّلْطَانِ فَإِذَا غَابَتْ الْأُمُّ انْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ ( لِلْجَدَّةِ ) فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْإِمَامُ وَفَرَّقَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي التَّزْوِيجِ وَالْمَالِ يَتَهَيَّأُ مِنْ السُّلْطَانِ نَفْسِهِ ( أَوْ إقَامَةِ ) غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ .
وَأَمَّا الْحَضَانَةُ ( فَمَبْنَاهَا ) عَلَى الشَّفَقَةِ الْمُسْتَحِثَّةِ عَلَى إدَامَةِ النَّظَرِ إذَا الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيَّزِ مُحْتَاجٌ لِذَلِكَ وَقَدْ قُلْنَا : لَا يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ ( الصَّغِيرَةَ ) .
الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ ( أَقْوَى ) مِنْ الْعَامَّةِ وَلِهَذَا لَا يَتَصَرَّفُ الْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ وَأَهْلِيَّتِهِ وَيَنْعَزِلُ الْخَاصُّ بِالْفِسْقِ دُونَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ فَاسِقًا وَقُلْنَا : لَا يَلِي التَّزْوِيجَ كَانَ لَهُ تَزْوِيجُ بَنَاتِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لَا بِالْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّزْوِيجَ عَلَيْهَا بِجِهَتَيْنِ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ إحْدَاهُمَا عَمِلَتْ الْأُخْرَى .
وِلَايَةُ الْمَالِ قَدْ تُجَامِعُ وِلَايَةَ النِّكَاحِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي الْأَطْفَالِ وَقَدْ يَكُونُ وَلِيًّا فِي الْمَالِ رُونَ النِّكَاحِ كَالْوَصِيِّ وَعَكْسُهُ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ يُزَوِّجُ مُولِيَتَهُ وَلَا يَلِي مَالَهَا ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْجَدُّ فِيمَنْ طَرَأَ سَفَهُهَا فَإِنَّ وِلَايَةَ الْمَالِ تَنْتَقِلُ لِلْقَاضِي وَوِلَايَةَ التَّزْوِيجِ تَبْقَى لِلْأَبِ ( ؛ لِأَنَّ الْعَارَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ) نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَلِطَ ( صَاحِبُ طِرَازِ الْمَحَافِلِ ) فَقَالَ : إنَّ التَّزْوِيجَ لِلْقَاضِي كَمَا ( ذَكَرَهُ ) الرَّافِعِيُّ ( فِيمَنْ ) طَرَأَ عَلَيْهَا الْجُنُونُ أَنَّ السُّلْطَانَ يُزَوِّجُهَا إذَا قُلْنَا : إنَّهُ يَلِي الْمَالَ وَقِيَاسُهُ هُنَا كَذَلِكَ .
الْأَوَّلُ : ( الْحَادِثُ ) بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ ذَكَرَ أَصْلَهَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْحَاوِي .
الْأَوَّلُ مَا يُعْتَبَرُ بِالْأَبَوَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْأَكْلِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا مَأْكُولَيْنِ .
فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَأْكُولٍ حَرُمَ ( لِغَلَبَةِ الْحَظْرِ ) وَفِي حِلِّ الذَّبِيحَةِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا تَحِلُّ زَكَاتُهُمَا ، وَفِي الْمُنَاكَحَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مِمَّنْ يَحِلُّ نِكَاحُهُمَا ( فَالْمُتَوَلِّدُ ) بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ ( لَا يَحِلُّ ) إنْ كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الْكِتَابِيَّةُ قَطْعًا وَكَذَا الْأَبُ فِي ( الْأَظْهَرِ وَفِي ) الزَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا زَكَوِيَّيْنِ فَالْمُتَوَلِّدُ ( بَيْنَ ) الْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ لَا تَجِبُ فِيهِ وَامْتِنَاعُ التَّضْحِيَةِ بِهِ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ ، وَكَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ فَلَا سَهْمَ لِلْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ .
الثَّانِي : مَا يُعْتَبَرُ بِالْأَبِ خَاصَّةً وَذَلِكَ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : النَّسَبُ وَتَوَابِعُهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى .
ثَانِيهِمَا : الْحُرِّيَّةُ إذَا كَانَ ( مِنْ أَمَتِهِ وَكَذَا ) مِنْ أَمَةِ غَيْرِهِ وَغُرَّ بِحُرِّيَّتِهَا أَوْ وَطِئَهَا ( وَيَظُنُّهَا ) زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ وَطِئَ أَمَةَ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ حُرًّا .
ثَالِثُهَا : ( الْكَفَاءَةُ ) فَالرِّقُّ فِي الْأُمَّهَاتِ لَا يُؤَثِّرُ ( فَمَنْ ) وَلَدَتْهُ رَقِيقَةٌ كُفْءٌ لِمَنْ وَلَدَتْهَا عَرَبِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا وَلِذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوَلَاءُ .
( رَابِعُهَا الْوَلَاءُ ) : فَإِنَّهُ يَكُونُ ( عَلَى ) الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ .
خَامِسُهَا : قَدْرُ الْجِزْيَةِ فَإِذَا كَانَ أَبُوهُ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ جِزْيَةٌ ( وَأُمُّهُ ) مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ جِزْيَةٌ فَجِزْيَتُهُ جِزْيَةُ أَبِيهِ .
سَادِسُهَا : مَهْرُ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ بِنِسَاءِ عَصَبَةِ الْأَبِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقَرَابَةُ الْأُمِّ .
سَابِعُهَا : سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى .
الثَّالِثُ مَا يُعْتَبَرُ بِالْأُمِّ خَاصَّةً وَهُوَ شَيْئَانِ : الْحُرِّيَّةُ إذَا كَانَ أَبُوهُ رَقِيقًا فَإِنَّ وَلَدَ الْحُرَّةِ مِنْ الْعَبْدِ حُرٌّ .
وَالثَّانِي : الرِّقُّ إذَا كَانَ أَبُوهُ حُرًّا وَأُمُّهُ رَقِيقَةً فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا ( كَذَلِكَ ) إلَّا فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا : إذَا اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ .
وَالثَّانِيَةُ : إذَا نُكِحَتْ الْأَمَةُ وَغَرَّتْ زَوْجَهَا بِالْحُرِّيَّةِ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ رَقِيقَةً وَعَلَى اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ ( الصُّورَتَيْنِ ) اقْتَصَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي بَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْفُرُوقِ وَأَشَارَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُمَا ، أَمَّا ( الْمَغْرُورُ ) فَلِأَنَّهُ إنَّمَا تَبَعُ الشَّرْطِ لَا تَبَعُ الْأُمِّ وَلَا تَبَعُ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُشْتُرِطَ حُرِّيَّتُهَا فَقَدْ ( اُشْتُرِطَ ) حُرِّيَّةُ وَلَدِهَا .
وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ فَالْحُكْمُ بِرِقِّهِ ( مُحَالٌ ) ؛ لِأَنَّ ( الْعُبُودِيَّةَ ) وَالْوَلَدِيَّةُ مُتَنَافِيَانِ فَلَمَّا اسْتَحَالَ أَنْ يُخْلَقَ رَقِيقًا لِاقْتِرَانِ الْمَعْنَى الْمُنَافِي بِأَصْلِ الْفِطْرَةِ خُلِقَ حُرًّا وَيَثْبُتُ لِلْأُمِّ بِذَلِكَ حَقُّ حُرِّيَّةٍ ( فَتُعْتَقُ ) بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } .
الثَّالِثَةُ : لَوْ وَطِئَهَا يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ حُرًّا .
الرَّابِعَةُ : إذَا وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَالْوَلَدُ حُرٌّ .
الْخَامِسَةُ : إذَا نَكَحَ مُسْلِمٌ حَرْبِيَّةً ثُمَّ سُبِيَتْ بَعْدَ حَمْلِهَا مِنْهُ لَمْ يَتْبَعْهَا الْوَلَدُ فِي الرِّقِّ وَإِنْ كَانَ ( مُجْتَنًّا ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا .
وَتَجِيءُ سَادِسَةٌ عَلَى وَجْهِ إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا وَالْأُمُّ أَمَةً وَقُلْنَا : لَا يُسْتَرَقُّ الْعَرَبُ ، قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ : كُلُّ مَنْ وَطِئَ أَمَةً فِي غَيْرِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَمَةٌ ؛ انْعَقَدَ وَلَدُهُ رَقِيقًا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ الْعَرَبِيُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَإِنَّ وَلَدَهُ لَا يُسْتَرَقُّ فِي قَوْلٍ وَيَكُونُ حُرَّ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ لِلسَّيِّدِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ اقْتَصَرُوا عَلَى الْأَمْرَيْنِ فِيمَا يُعْتَبَرُ بِالْأُمِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا ثَالِثٌ ، وَهُوَ الْمِلْكُ وَإِنَّمَا سَكَتُوا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الرِّقِّ فَوَلَدُ الْحُرِّ مِنْ الْمَمْلُوكَةِ مِلْكُ سَيِّدِهَا وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ مِنْ الْمَمْلُوكِ مِلْكٌ لِسَيِّدِ الْمَمْلُوكَةِ دُونَ سَيِّدِ الْمَمْلُوكِ ، وَكَذَلِكَ إذَا ( أَنْزَى ) فَحْلٌ مِنْ الْبَهَائِمِ ( عَلَى الْأُنْثَى ) كَانَ مِلْكًا ( لِصَاحِبِ ) الْأُنْثَى لَا لِمَالِكِ الْفَحْلِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ ( وَكَذَا قَالَ ) الرَّافِعِيُّ فِي الْغَصْبِ .
لَوْ أَنْزَى فَحْلُ غَيْرِهِ عَلَى ( رَمَكَةٍ ) بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْوَلَدُ لَهُ دُونَ صَاحِبِ الْفَحْلِ .
( وَرَابِعًا ) وَهُوَ التَّبْعِيضُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي السِّيَرِ سُئِلَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ عَمَّنْ أَوْلَدَ أَمَةً نِصْفُهَا حُرٌّ وَنِصْفُهَا رَقِيقٌ بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًى كَيْفَ حَالُ الْوَلَدِ ؟ فَقَالَ : يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ ثُمَّ اسْتَقَرَّ جَوَابُهُ عَلَى أَنَّهُ كَالْأُمِّ حُرِّيَّةً وَرِقًا ، قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِحُرِّيَّتِهِ إلَّا الْأُمُّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهَا .
الرَّابِعُ : مَا يُعْتَبَرُ بِأَحَدِهِمَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا يُعْتَبَرُ بِأَشْرَفِهِمَا وَذَلِكَ فِي أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : الْإِسْلَامُ ، فَمَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ وَالْآخَرُ كَافِرًا فَهُوَ مُسْلِمٌ وَفِي مَعْنَاهُ السَّابِي فَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَى سَبْيٍ صَغِيرٍ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ كَانَ مُسْلِمًا تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ ( قَالَ ) الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : وَخَرَجَ مِنْ هَذَا حِلُّ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ ( فَإِنَّهُ ) فَضِيلَةٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَكْفِي فِيهِ أَحَدُهُمَا ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ امْتَازَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَى عَلَيْهِ .
ثَانِيهَا : ( فِي الْجِزْيَةِ ) يُتْبَعُ مَنْ لَهُ كِتَابٌ فَلَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ عُقِدَتْ لَهُ الْجِزْيَةُ لِغَلَبَةِ حَقْنِ الدِّمَاءِ .
ثَالِثُهَا : مَا يُتْبَعُ فِيهِ أَغْلَظُهُمَا وَذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ : ( مِنْهَا : فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ ) يُتْبَعُ أَغْلَظُهُمَا حُكْمًا فَلَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ وَمَا لَا يَجِبُ كَالضَّبُعِ وَالذِّئْبِ وَجَبَ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِي الْمُتَوَلِّدِ ( بَيْنَ ) الْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا الْإِسْقَاطُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ السَّوْمُ وَالْعَلَفُ أَوْ الْمِلْكُ وَعَدَمُهُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ غَلَبَ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ وَفِي الْجَزَاءِ إذَا اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ وَمَا يُسْقِطُ يَغْلِبُ الْإِيجَابُ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّيْدَ الْوَاقِفَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمِ إذَا قَتَلَهُ قَاتِلٌ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّضْمِينِ ( فِي الْجَزَاءِ ) أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ ، وَأَغْرَبَ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ مَا يُقَابِلُ الْمَضْمُونَ وَهُوَ النِّصْفُ أَمَّا الْجَمِيعُ فَلَا .
وَمِنْهَا قَدْرُ الدِّيَةِ ( وَقِيمَةُ ) الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ يُتْبَعُ النِّصْفُ أَمَّا الْجَمِيعُ فَلَا .
وَمِنْهَا قَدْرُ الدِّيَةِ ( وَقِيمَةُ ) الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ يُتْبَعُ أَغْلَظُهُمَا قَدْرًا عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَغْلِبُ فِيهِ طَرَفُ التَّغْلِيظِ ، وَقِيلَ : تُتْبَعُ أَخَسُّهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ .
وَكَالْإِيَاسِ مِنْ الْحَيْضِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ نِسَاءُ ( عَشِيرَتِهِ ) ( مِنْ جِهَةِ الْأَبِ يَنْقَطِعُ حَيْضُهُنَّ عَلَى رَأْسِ سَبْعِينَ وَنِسَاءُ ) ( عَشِيرَتِهِ ) مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ يَنْقَطِعُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ يُعْتَبَرُ بِجَانِبِ الْأَبِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ اُعْتُبِرَ بِجَانِبِ الْأُمِّ ، وَفِي الْحَيْضِ يُعْتَبَرُ بِنِسَاءِ الْعَشِيرَةِ .
وَفِي مَهْرِ الْمِثْلِ بِنِسَاءِ الْعَصَبَاتِ .
الضَّرْبُ الثَّانِي مَا يُعْتَبَرُ بِأَخَسِّهِمَا وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَةٍ : أَحَدُهُمَا : النَّجَاسَةُ فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ لَهُ حُكْمُ النَّجِسِ فِي الْفَضَلَاتِ وَغَيْرِهَا ، وَهَلْ يُتْبَعُ أَغْلَظُهُمَا نَجَاسَةً كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ كَلْبٍ وَذِئْبٍ وَهُوَ الدَّيْسَمُ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ التَّعْفِيرَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْكَلْبِ وَهَذَا لَا يُسَمَّى كَلْبًا ، فَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِالْخِنْزِيرِ كَفَى غَسْلُهُ مَرَّةً بِلَا تُرَابٍ عَلَى الْقَدِيمِ الْمُخْتَارِ فِي الدَّلِيلِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْخِنْزِيرِ فِيمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ .
ثَانِيهَا : الْمُنَاكَحَةُ فَلَا تَحِلُّ ( الْمُتَوَلِّدَةُ ) بَيْنَ ( كِتَابِيَّةٍ ) وَوَثَنِيٍّ ، وَكَذَلِكَ فِي الذَّبِيحَةِ وَالْأَطْعِمَةِ فَلَا يُؤْكَلُ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُتْبَعَ الْأَخَسُّ حَتَّى لَا يُجْزِئَ فِيهَا مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ شَاةٍ وَظَبْيٍ وَإِنْسِيٍّ وَبَقَرِ وَحْشٍ .
وَلَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ إبِلٍ وَبَقَرٍ فَفِي إجْزَائِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ نَظَرٌ يُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ وَعَدَمُهُ فَإِنْ قُلْنَا : ( يُجْزِئُ ) فَهَلْ يُعْتَبَرُ سِنُّ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ ؟ الْقِيَاسُ اعْتِبَارُ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِهِ عَلَى شَكْلِ الْأَبِ .
ثَالِثُهَا : اسْتِحْقَاقُ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ فَالْبَغْلُ لَا ( سَهْمَ ) لَهُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحِمَارِ عَلَى الْفَرَسِ .
فُرُوعٌ : أَسْلَمَ فِي غَنَمٍ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا خَرَجَتْ ( مِنْ ) الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الْبَحْرِ ، أَحَدُهَا : يَجُوزُ قَبُولُهُ ، وَالثَّانِي : لَا وَالثَّالِثُ : إنْ كَانَتْ الْأُمُّ غَنَمًا جَازَ قَبُولُهُ وَإِلَّا فَلَا .
الثَّانِي : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابٍ ( مِنْ ) الرَّهْنِ مِنْ تَعْلِيقِهِ : الْوَلَدُ لَا يُعْطَى حُكْمَ أُمِّهِ فِي ثَلَاثَ عَشَرَةَ مَسْأَلَةً : وَلَدُ الْمَرْهُونَةِ غَيْرُ مَرْهُونٍ ، وَوَلَدُ الْمَبِيعَةِ الْحَادِثُ فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُهُ ، وَوَلَدُ الْمَضْمُونَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ ، وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ مَغْصُوبٌ ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَلَدُ الْمُسْتَعَارَةِ فِيهِ وَجْهَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ كَمَا لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي دَارِهِ فَإِنْ عَرَفَ صَاحِبَهُ وَأَخَّرَ رَدَّهُ ضَمِنَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهُ فَهُوَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ ، وَلَدُ الْمُسْتَأْجَرَةِ غَيْرُ مُسْتَأْجَرٍ ، وَلَدُ الْمَوْقُوفَةِ فِي كَوْنِهِ مَوْقُوفًا وَجْهَانِ .
قُلْت أَصَحُّهُمَا لَا ، وَلَدُ ( الْمُودَعَةِ ) كَالثَّوْبِ الَّذِي أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ، وَلَدُ الْمُوصَى بِهَا الْحَادِثُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَبَعْدَ الْقَبُولِ لِلْمُوصَى لَهُ ( أَوْ بَعْدَهُ ) وَقِيلَ : الْقَبُولُ يُبْنَى عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ ، وَلَدُ الْجَانِيَةِ لَا يَتْبَعُهَا فِي الْجِنَايَةِ ، وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ فِيهِ قَوْلَانِ وَكَذَا الْمُعْتَقَةُ بِصِفَةٍ وَالْمُكَاتَبَةُ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ يَتْبَعُهَا فِي حُكْمِهَا هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ .
وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ وَلَدُ الْمَاشِيَةِ الَّتِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا تَكُونُ مَالَ تِجَارَةٍ فِي الْأَصَحِّ كَالْأُمِّ وَوَلَدُ مَالِ الْقِرَاضِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَفُوزُ بِهِ الْمَالِكُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كِيسِ الْعَامِلِ فَلَا حَظَّ لَهُ فِيهِ وَالْمَأْخَذُ هُنَا حُدُوثُهُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ ، وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَأُمِّهِ ، وَوَلَدُ الْمُبَعَّضَةِ هَلْ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ ( وَالْحُرِّيَّةِ ) أَوْ يَكُونُ حُرًّا وَجْهَانِ ، وَفِي وَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ الْهَدْيِ ( الْمَنْذُورَيْنِ إذَا عُيِّنَ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ ) أَوْجُهٌ : أَصَحُّهَا كَوَلَدِ الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً وَالثَّانِي لَا يَتْبَعُ ،
وَالثَّالِثُ إنْ كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً تَبِعَ وَإِلَّا فَلَا وَفِي وَلَدِ الْمَبِيعَةِ إذَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا بَقَاءُ حُكْمِ ( الْمَبِيعِ ) عَلَيْهِ وَإِذَا أَتْبَعْنَا الْوَلَدَ أُمَّهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَهَلْ يَجِبُ التَّصَدُّقُ مِنْ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ أَمْ يَكْفِي التَّصَدُّقُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَمْ يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ مِنْ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ ( فِيهِ ) أَوْجُهٌ ، وَإِذَا دَخَلَ الْكَافِرُ دَارَ السَّلَامِ بِأَمَانٍ فَهَلْ يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ نَعَمْ إنْ كَانَ مَعَهُ دُونَ مَا إذَا خَلَفَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ فِي الْأَصَحِّ وَإِذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ أَوْ الْمُسْتَأْمَنُ الْعَهْدَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَلَدَهُ عِنْدَنَا لَا يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا ( وَفِي ) بَطْنِهَا وَلَدٌ آخَرُ فَبِيعَتْ قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَالْوَلَدُ الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ وَفِي وَجْهٍ لِلْبَائِعِ تَبَعًا لِلْأَوَّلِ .
وَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ وَلَهُ فِرَاخٌ فِي الْحِلِّ فَمَاتَتْ جُوعًا ( ضَمِنَهَا ) قَطْعًا .
وَلَوْ غَصَبَ حَمَامَةً فَتَلِفَتْ فِرَاخُهَا فَفِي ضَمَانِ الْفِرَاخِ وَجْهَانِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ قِسْمَانِ : وَلَدٌ مَوْجُودٌ ، وَقَدْ سَبَقَ وَوَلَدٌ حَادِثٌ وَهُوَ مَنْ تَعَدَّى حُكْمَ الْأُمِّ إلَيْهِ عَلَى أَقْسَامٍ .
أَحَدُهَا : مَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ قَطْعًا .
وَضَابِطُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْأُمِّ ( كَوَلَدِ ) ( الْأُضْحِيَّةِ ) الْمُعَيَّنَةِ ( لِلْأُضْحِيَّةِ ) ابْتِدَاءً أَوْ جَرَيَانُ سَبَبِهِ اللَّازِمِ كَمَا إذَا أَتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِوَلَدٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًى كَانَ تَبَعًا لَهَا يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا ( وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَالُ التَّغْلِيظِ ) كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ مِثْلُهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ يُعْتَقُ ( بِمَوْتِ ) السَّيِّدِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ الْمَرْهُونَةُ الْمَقْبُوضَةُ ( وَالْجَانِيَةُ ) جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا إذَا اسْتَوْلَدَهَا مَالِكُهَا الْمُعْسِرُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ الِاسْتِيلَادُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( فَتُبَاعُ ) حِينَئِذٍ فَإِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًى ثُمَّ اشْتَرَاهَا السَّيِّدُ الْأَوَّلُ مَعَ أَوْلَادِهَا الْمَذْكُورِينَ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ دُونَهُمْ فَلَا يُعْتَقُونَ بِمَوْتِهِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا فِي الْمُفْلِسِ فَإِنَّ فِي الْخُلَاصَةِ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْمُفْلِسِ فِي الِاسْتِيلَادِ فَلَوْ اسْتَوْلَدَ نَفَذَ .
الثَّانِي : مَا لَا يَتَعَدَّى قَطْعًا كَالْمَرْهُونَةِ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا إذَا حَدَثَ بَعْدَ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الرَّهْنِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ عِنْدَ ( الْبَيْعِ فَهُوَ ) تَبَعٌ لَهَا قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْئِهَا ، وَوَلَدُ الْمَبِيعَةِ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ يَعْنِي وَلَدًا ( حَدَثَ ) بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ قِيلَ : وَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ مَضْمُونٌ كَالْأُمِّ ( فَهَلَّا كَانَ وَلَدُ الْمَبِيعَةِ ) كَذَلِكَ قُلْنَا : ( الْمَبِيعُ يَضْمَنُ ) بِالْعَقْدِ عَلَى مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَالْوَلَدُ لَمْ يُقَابَلْ بِالثَّمَنِ وَالْغَاصِبُ يَضْمَنُ بِالْعُدْوَانِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ بِإِدَامَةِ الْيَدِ عَلَى الْوَلَدِ كَالْأُمِّ .
الثَّالِثُ : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ التَّعَدِّي كَمَا لَوْ عَيَّنَ ( شَاةً ) عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ تَبِعَهَا فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا وَلَدُ الْأَمَةِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهَا إذَا حَدَثَ بَعْدَ النَّذْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَكَذَا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ السَّيِّدِ لَمْ يَبْطُلْ التَّدْبِيرُ فِيهِ ، وَكَذَا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الْحَادِثُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُعْتَقُ بِعِتْقِهَا مَا دَامَتْ الْكِتَابَةُ بَاقِيَةً لِجَرَيَانِ سَبَبٍ لَازِمٍ عَلَى السَّيِّدِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ مِنْ النُّجُومِ ، وَكَذَا وَلَدُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا كَالْأُمِّ عَلَى الصَّحِيحِ رَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهُ لِلْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ .
وَلَوْ أَوْدَعَ بَهِيمَةً فَوَلَدَتْ فَهُوَ وَدِيعَةٌ كَالْأُمِّ إنْ قُلْنَا : إنَّ الْوَدِيعَةَ عَقْدٌ ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْإِمَامُ : إنْ جَعَلْنَاهُ وَدِيعَةً فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنٍ جَدِيدٍ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ إدَامَةُ الْيَدِ عَلَيْهِ .
الرَّابِعُ : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ كَوَلَدِ الْمُوصَى بِهَا إذَا حَدَثَ لَا يَتْبَعُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَوَلَدُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ إذَا ( حَدَثَ ) بَعْدَ التَّعْلِيقِ ( عَلَى ) .
الْأَصَحِّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ ، وَوَلَدُ الْعَارِيَّةِ وَالْمَأْخُوذُ بِسَوْمٍ غَيْرُ مَضْمُونٍ فِي الْأَصَحِّ ، وَوَلَدُ الْمَوْقُوفَةِ لَيْسَ بِمَوْقُوفٍ بَلْ مِلْكٍ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ، وَوَلَدُ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ إذَا أَتَتْ بِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَفُوزُ بِهِ الْمُشْتَرِي .
وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الدَّفْعَ ( تَعَدَّى ) إلَى الْوَلَدِ قَطْعًا ( وَإِنْ ) قَبِلَ الدَّفْعَ وَلَكِنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى عَدَمِ الْقَبُولِ جَرَى الْخِلَافُ ، قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ : وَعِمَادُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّمَا صَارَ الْمِلْكُ ( مُسْتَغْرَقًا ) بِهِ حَتَّى يُعَدَّ الْمِلْكُ مُسْتَحَقًّا فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَبَلَغَ مَا يَجِدُهُ مَبْلَغًا يَمْنَعُ تَقْدِيرَ زَوَالِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى الْوَلَدِ كَالِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ أَوْلَادَهَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا كَأُمِّهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَتَاقَةِ ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَلَدَ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّ تَعْيِينَهَا لِجِهَةِ الْقُرْبَةِ لَا يَزُولُ ( كَالِاسْتِيلَادِ ) وَإِنَّمَا جَرَى الْخِلَافُ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ ، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهَا قِيلَ : كَالْمُدَبَّرَةِ ، وَقِيلَ : تَتَعَدَّى إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا رُجُوعَ عَنْهُ .
الثَّالِثُ : الْوَلَدُ إذَا تَبِعَ الْأُمَّ لَا يَنْقَطِعُ الْحُكْمُ بِمَوْتِ الْأُمِّ .
وَلِهَذَا إذَا مَاتَتْ الْمُسْتَوْلَدَةُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ بَقِيَ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ ( وَهُوَ ) أَحَدُ الْمَوَاضِعِ ( الَّتِي ) يَزُولُ فِيهَا الْمَتْبُوعُ وَيَبْقَى حُكْمُ التَّابِعِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ ، وَالْفُرُوعُ نِصَابٌ لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْأُمَّهَاتِ بَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ ، وَقَالَ ( الْأَنْمَاطِيُّ ) : يَنْقَطِعُ ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمَذْهَبِ ( وَيُنْكَرُ ) مَذْهَبُهُ بِوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وَمِثْلُهُ وَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ .
قَاعِدَةٌ : وَلَدُ الْوَلَدِ هَلْ يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؟ هَذَا ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَدْخُلَ فِي مُسَمَّاهُ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَعَدَمِهِ وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ كَالْبَنَاتِ وَحَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ ، وَكَذَلِكَ فِي امْتِنَاعِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْأَبِ وَوَلَدِهِ وَامْتِنَاعِ قَطْعِهِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ وَرَدِّ شَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَإِعْتَاقِهِ إذَا مَلَكَهُ وَجُزْءِ الْوَلَاءِ وَالِاسْتِتْبَاعِ بِإِسْلَامِ الْجَدِّ وَامْتِنَاعِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إذَا كَانَ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ .
ثَانِيهِمَا ( أَنْ يَدْخُلَ ) فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ لَا مَعَ وُجُودِهِ وَذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ يَرِثُ وَلَدُ الْوَلَدِ جَدَّهُمْ مَعَ فَقْدِ أَبِيهِمْ كَمَا يَرِثُونَ أَبَاهُمْ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْجُودًا لَمْ يَرِثُوهُ .
وَمِنْهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ فَيَلِي الْجَدُّ فِيهَا بَعْدَ الْأَبِ مُقَدَّمًا عَلَى الِابْنِ وَكَذَلِكَ وِلَايَةُ الْمَالِ وَالْحَضَانَةُ وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَالِاسْتِئْذَانُ فِي الْجِهَادِ .
وَمِنْهَا الْوَقْفُ عَلَى الْوَلَدِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْوَلَدِ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَوْلَادُ أَوْلَادٍ تَعَيَّنُوا قَطْعًا .
لَا يُكْرَهُ السِّوَاكُ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمَنْ كَانَ يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يَدْمَى فَمُهُ وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَا مَاءَ عِنْدَهُ .
لَا أَثَرَ لِلزِّيَادَةِ ( الْمُتَّصِلَةِ ) إلَّا فِي الصَّدَاقِ وَقَدْ سَبَقَتْ ( فِي حَرْفِ الزَّايِ ) .
لَا يَتَوَلَّى أَحَدُ طَرَفَيْ التَّصَرُّفِ إلَّا الْأَبَ وَالْجَدَّ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَكَذَلِكَ تَمَلُّكُ ( الْمُلْتَقِطِ ) وَبَيْعُ الظَّافِرِ مَا أَخَذَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَقَبْضَ الثَّمَنِ وَإِقْبَاضَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ قَبْضُهُ لِجِنْسِ حَقِّهِ قَائِمٌ فِيهِ مَقَامَ قَابِضٍ وَمُقَبِّضٍ وَسَبَقَ فِي اتِّحَادِ الْقَابِضِ ( صُوَرٌ ) أُخْرَى .
لَا يَثْبُتُ لِلشَّخْصِ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ .
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرِيكِ الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ .
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ لِمُورِثِهِ إذَا مَاتَ مُورِثُهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ قِصَاصٌ عَلَى نَفْسِهِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ وَإِذَا امْتَنَعَ سَقَطَ فِي حَقِّهِ وَإِذَا سَقَطَ فِي حَقِّهِ سَقَطَ فِي حَقِّ مُورِثِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ .
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُورِثِهِ .
لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ سَبَقَتْ فِي ( بَابٍ ) .
لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِ مِلْكِهِ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ كَالْعَبْدِ ( الْمَرْهُونِ ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ( وَكَذَا ) إذَا مَلَكَ صَيْدًا أَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ أَتْلَفَهُ وَجَبَ ضَمَانُهُ لِحَقِّ اللَّهِ .
لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ إلَّا ( الشَّوْكَ ) أَوْ دَوَاءً .
لَا يَجُوزُ ابْتِلَاعُ حَيَوَانٍ ( حَيًّا ) إلَّا السَّمَكَ وَالْجَرَادَ فِي الْأَصَحِّ وَيَجُوزُ قَطْعُ فِلْقَةٍ مِنْ ( السَّمَكِ ) وَالْجَرَادِ فِي حَيَاتِهِمَا ( فِي ) وَجْهٍ .
لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَ ( الْحُبُوبِ ) فِي الْكِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِقْدَارَ مَا فِيهَا حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ كِمَامِهَا لِتَصِلَ إلَى الْمَسَاكِينِ ( كَامِلَةَ ) الْمَنْفَعَةِ ، وَإِلَّا ( الْعَلَسَ وَالْأَرُزَّ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّخَرَانِ وَعَلَيْهِمَا الْكِمَامُ قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ مِنْ تَعْلِيقِهِ .
لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَفْرُوضَيْنِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا النُّسُكَيْنِ وَقَوْلُ الْقَفَّالِ : عِبَادَتَيْنِ ، يَرِدُ عَلَيْهِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ عَلَى قَوْلٍ وَالتَّحِيَّةُ وَالْفَرْضُ .
لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ جِنَايَةَ غَيْرِهِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ : الْعَاقِلَةُ وَالسَّيِّدُ يَحْمِلُ جِنَايَةَ أُمِّ الْوَلَدِ تَجْنِي جِنَايَةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً ( قَالَهُ ) ابْنُ الْقَاصِّ وَزَادَ ( الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ ) ثَالِثَةً ، وَهِيَ إذَا حَفَرَ بِئْرًا وَخَلَّفَ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَأَعْطَى لِلْغُرَمَاءِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ حَيَوَانٌ فَتَلِفَ وَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ فِيمَا تَمَلَّكُوهُ وَقَبَضُوهُ قَضَاءً عَنْ دَيْنِهِ .
لَا يُحْكَمُ بِتَبْعِيضِ الرِّقِّ ابْتِدَاءً إلَّا فِي صُوَرٍ يَسِيرَةٍ : وَمِنْهَا الْأَسِيرُ إذَا رَأَى الْإِمَامُ إرْقَاقَ بَعْضِهِ .
وَمِنْهَا وَلَدُ الْمُبَعَّضَةِ ( هُوَ ) مُبَعَّضٌ كَأُمِّهِ عَلَى الْأَصَحِّ .
لَا يَخْلُو الْوَطْءُ عَنْ مَهْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ سَبَقَتْ ( فِي حَرْفِ الْوَاوِ ) .
لَا يَدْخُلُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِي مِلْكِ كَافِرٍ ابْتِدَاءً إلَّا فِي صُوَرٍ نَحْوِ الْخَمْسِينَ مَذْكُورَةٍ فِي الْفَلَكِ الدَّائِرِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ .
لَا يَزِيدُ الْبَعْضُ عَلَى الْكُلِّ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ .
وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، كَانَ صَرِيحًا وَلَمْ ( يُدَنْ ) وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي ، لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَدِينَ قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ .
وَزَادَ بَعْضُهُمْ صُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : لَوْ قَالَ : زَنَى فَرْجُك حُدَّ ، وَلَوْ قَالَ : زَنَى بَدَنُك لَمْ يُحَدَّ عَلَى قَوْلٍ .
الثَّانِيَةُ : حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَارَ مُولِيًا وَلَا يُدَانُ فَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْفَرْجَ بِأَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا جَامَعْتُك ( أَوْ لَا ) وَطِئْتُك فَهُوَ مُولٍ فِي الْحُكْمِ ، وَلَوْ نَوَى غَيْرَهُ دِينَ
لَا يَزِيدُ الْفَرْعُ عَلَى أَصْلِهِ .
وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَصِحَّ ضَمَانُ نُجُومِ الْكِتَابَةِ لِيَتَمَكَّنَ الْمُكَاتَبُ مِنْ الْإِسْقَاطِ وَالضَّمَانُ لَازِمٌ وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ الْأَمَانَاتِ كَالْمَالِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُقَارِضِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةِ الْعَيْنِ .
وَنَسْتَثْنِي مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَضَمِنَهُ حَالًّا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَيَكُونُ حَالًّا وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ الْبُطْلَانَ لِئَلَّا يَكُونَ الْفَرْعُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ .
لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ .
إحْدَاهُمَا : إذَا كَانَ لَهُ عَبِيدٌ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَأَعْتَقَهُمْ كُلَّهُمْ وَمَاتُوا عَتَقُوا فِي قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ : إنَّهُ لَا يُعْتَقُ مِنْهُمْ شَيْءٌ .
الثَّانِيَةُ : إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَأَوْصَى بِجَمِيعِ الْمَالِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ فِي الْإِشْرَافِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَصَايَا عَنْ الْأُسْتَاذِ تَرْجِيحَ ( قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَرْجِيحًا غَيْرَهُ وَنُقِلَ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ تَرْجِيحٌ ) .
وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ ثَالِثَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ وَرَقَةٍ : مُسْتَأْمَنٌ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ صَحَّ فِي الْجَمِيعِ ، وَقَالَ ( اليعفي ) صَحَّ فِي الثُّلُثِ وَالثُّلُثَانِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقِيلَ : لِبَيْتِ الْمَالِ .
لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَلَا عَكْسُهُ سَبَقَ ( فِي مَبَاحِثِ الْمِلْكِ ) .
لَا تُقْبَلُ ( شَهَادَةُ الشُّهُودِ ) عَلَى الْقَاضِي أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا ( وَلَا ) يُرْجَعُ إلَيْهِمْ حَتَّى يَتَذَكَّرَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ .
وَهِيَ ( مَا ) إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَّنَ مُشْرِكًا قَالَهُ فِي الْإِشْرَافِ ( وَسَبَقَتْ ) .
لَا يَقْبِضُ ( مِنْ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ ) إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : إذَا أَكَلَ الْمُلْتَقَطَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ نَفْسِهِ فَصَارَ أَمَانَةً .
وَالثَّانِيَةُ : إذَا قَالَ : مَا لِي عَلَيْك مِنْ الْعَيْنِ فَأَسْلِمْهُ لِي فِي كَذَا صَحَّ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَهُ فِي الْإِشْرَافِ .
لَا تَقُومُ الْكِلَابُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ عَلَى قَوْلٍ .
لَا يُنْكَرُ إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَى مَنْعِهِ .
أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا نُنْكِرُهُ إلَّا فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ .
إحْدَاهَا : أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ ( مُعْتَقِدَ التَّحْرِيمِ ) فَيُنْكَرُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ .
وَلِهَذَا يُعَزَّرُ وَاطِئُ الرَّجْعِيَّةِ إذَا اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ .
الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ بَعِيدَ الْمَأْخَذِ بِحَيْثُ يُنْقَضُ فَيُنْكَرُ حِينَئِذٍ عَلَى ( الذَّاهِبِ ) إلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يُقَلِّدُهُ وَأَيُّ إنْكَارٍ أَعْظَمُ مِنْ ( نَقْضِ ) الْحُكْمِ .
وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا وَطِئَ الْمَرْهُونَةَ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِخِلَافِ عَطَاءٍ .
الثَّالِثَةُ : أَنْ يَتَرَافَعَ فِيهِ لِحَاكِمٍ فَيَحْكُمَ بِعَقِيدَتِهِ وَلِهَذَا يَحِدُّ الْحَنَفِيُّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ إذْ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ وَأَبْعَدَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ نَاقِضَةٌ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، وَقَالَ : أَيُّ إنْكَارٍ أَعْظَمُ مِنْ الْحَدِّ وَلَمْ يَقِفْ عَلَى مَأْخَذِهَا .
الرَّابِعَةُ : أَنْ يَكُونَ لِلْمُنْكِرِ فِيهِ حَقٌّ كَالزَّوْجِ يَمْنَعُ زَوْجَتَهُ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ إذَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ وَكَذَلِكَ الذِّمِّيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ .
لَا يُؤْمَرُ بِضَمِّ الْأَصَابِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ قَالَ الرَّافِعِيُّ : قَالَ الْأَئِمَّةُ : سُنَّةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ إذَا كَانَتْ مَنْشُورَةً فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ التَّفْرِيجُ الْمُقْتَصَدُ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ .
قُلْت قَالَ الْإِمَامُ : لَمْ أَعْثُرْ ( فِيهِ ) عَلَى خَبَرٍ وَلَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَنَازَعَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ لِلْوَجِيزِ وَقَالَ : قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ } وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ ( وَهُوَ ) أَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهَا عَدَلَ ( الْإِبْهَامَ ) عَنْ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ حَالَةِ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ بِبُطُونِهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي تَفْرِيقِهَا عُدُولٌ بِبُطُونِهَا عَنْ الْقِبْلَةِ .
لَا يَشْتَغِلُ الْمَأْمُومُ بِفِعْلِ مَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ مِنْ سُجُودِ تِلَاوَةٍ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ وَاجِبٌ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِهِ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ .
إحْدَاهُمَا : جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ لِقِصَرِهَا .
الثَّانِيَةُ : الْقُنُوتُ إذَا لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى وَزَادَ بَعْضُهُمْ انْفِرَادَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَقُّ وَلَا يُسْتَثْنَى لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ .
لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْأَيْمَانِ يَتَعَدَّدُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي ابْتِدَاءً إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ : اللِّعَانُ وَالْقَسَامَةُ ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّحَرُّرِ عَنْ الْأَصْحَابِ .
لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبِضَ مَا فِي الذِّمَّةِ لِمَالِكِهِ بِسُؤَالِ الْمَدْيُونِ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ : الْأُولَى : الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الرَّاهِنِ إذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ تَوْفِيَتَهُ وَأَخْذَ الرَّهْنِ فَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ كَانَ غَائِبًا .
الثَّانِيَةُ : إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ وَكَانَ السَّيِّدُ مَجْنُونًا ، وَكَذَلِكَ إذَا أَدَّاهَا قَبْلَ الْمَحَلِّ ، وَالسَّيِّدُ غَائِبٌ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ إذَا عَلِمَ أَنَّ السَّيِّدَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ بِتَعَلُّقِهِ هُنَا بِالْعِتْقِ .
الثَّالِثَةُ : الْمَالُ الْمَضْمُونُ إذَا أَدَّاهُ الضَّامِنُ فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ أَخْذِهِ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَلِلْقَاضِي أَخْذُهُ .
وَأَمَّا فِي الْأَعْيَانِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ كَالْمُودِعِ يَحْمِلُ الْوَدِيعَةَ لِلْقَاضِي عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ فِي الْأَصَحِّ .
وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً كَالْغَاصِبِ يَحْمِلُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ إلَيْهِ فَوَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا لَا يَجِبُ لِيَبْقَى مَضْمُونًا لِلْمَالِكِ .
لَيْسَ لَنَا نَجَسٌ يُزَالُ بِغَيْرِ الْمَاءِ إلَّا مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَمَا فِي ( مَعْنَاهَا ) قَالَهُ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ .
لَيْسَ لَنَا نَجَسٌ مَائِعٌ ( تَجِبُ ) إرَاقَتُهُ إلَّا الْخَمْرَةَ غَيْرَ الْمُحْتَرَمَةِ وَكَذَا الْمُحْتَرَمَةُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَكَذَلِكَ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ .
وَزَادَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ : الْمَائِعَ الْمُتَنَجِّسَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ تَجِبُ إرَاقَتُهُ وَمُرَادُهُ غَيْرُ الدُّهْنِ فَإِنَّهُ يُسْتَصْبَحُ بِهِ وَكَذَا الْخَلُّ ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِصَبْغٍ ( وَلَعَلَّ ) مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَصْلًا .
لَيْسَ لَنَا صَلَاةٌ يُفْصَلُ فِيهَا بَيْنَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ بِشَيْءٍ غَيْرَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِالتَّكْبِيرَاتِ .
لَيْسَ لَنَا ( مَنْ ) تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ بِرُكْنٍ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَضَى الْمَأْمُومُونَ عَلَى التَّفَرُّدِ رُكْنًا ثُمَّ اسْتَخْلَفُوا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدُ ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْإِمَامِ .
لَيْسَ لَنَا مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُقِيمٌ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُسَافِرُ إذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِبَلْدَةٍ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِغَرَضٍ فَتَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ ؛ لِأَنَّ ( شَرْطَهَا ) رُخْصَةٌ وَقَدْ امْتَنَعَ تَرَخُّصُهُ بِإِقَامَتِهِ ثُمَّ لَا يَتِمُّ الْعَدَدُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَوْطِنٍ وَلِهَذَا ( سُمِّيَ ) غَرِيبًا .
الْيَتِيمُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ ، وَأَنَّ ( الْيَتِيمَ ) فِي الْآدَمِيِّ بِمَوْتِ الْأَبَاءِ وَفِي الْبَهَائِمِ بِمَوْتِ الْأُمَّهَاتِ ، ( قَالَ ) الْمَاوَرْدِيُّ ؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ تُنْسَبُ إلَى أُمِّهَا فَكَانَ بِمَوْتِ الْأُمِّ يُتْمُهَا وَالْآدَمِيُّ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ فَكَانَ يُتْمُهُ بِمَوْتِ الْأَبِ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كِتَابِ الْحَجَرِ مِنْ تَعْلِيقِهِ الْيَتِيمُ مَنْ لَا أَبَ لَهُ وَلَا أُمَّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ مَنْ لَا أَبَ لَهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الْيَتِيمِ قَوْلًا وَاحِدًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ وَكَانَ لَهُ أَبٌ فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتِيمٌ وَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ : إنَّ الْأُمَّ تَلِي أَمْرَ ابْنِهَا .
انْتَهَى .
يَحْرُمُ طَلَبُ مَا يُحْزَمُ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ فِعْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : الْأُولَى : إذَا ادَّعَى دَعْوَى صَادِقَةً فَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ ثُمَّ أَرَادَ الْحَلِفَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَحْلِيفُهُ .
الثَّانِيَةُ : الْجِزْيَةُ يَجُوزُ طَلَبُهَا مِنْ الذِّمِّيِّ مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إعْطَاؤُهَا ( مَعَ أَنَّهُ ) مُتَمَكِّنٌ مِنْ إزَالَةِ الْكُفْرِ ( بِالْإِسْلَامِ فَإِعْطَاؤُهُ ) إيَّاهَا إنَّمَا هُوَ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى الْكُفْرِ وَهُوَ حَرَامٌ .
يَدْخُلُ ( الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ ) دُونَ الْعَكْسِ وَلِهَذَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَطْعًا ، وَفِي الْعَكْسِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ أَضْعَفُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُزَاحِمَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا فِي الْوُجُوبِ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَوْ أَدْخَلَهَا عَلَى حَجٍّ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ امْتَنَعَ قَطْعًا .
وَمِثْلُهُ فِرَاشُ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى مَا قَالُوهُ ، فَإِذَا وَطِئَ أَمَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا ثَبَتَ نِكَاحُهَا وَحُرِّمَتْ الْأَمَةُ ؛ لِأَنَّ أَقْوَى الْفِرَاشَيْنِ زَاحَمَ أَضْعَفَهُمَا وَإِنْ تَقَدَّمَ النِّكَاحُ حُرِّمَ ( عَلَيْهِ ) الْوَطْءُ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ الْفِرَاشَيْنِ .
الْيَدُ قِسْمَانِ حِسِّيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ .
فَالْحِسِّيَّةُ عِنْدَنَا مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْكُوعِ وَيَدْخُلُ الذِّرَاعُ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ ( لَا ) بِالْحَقِيقَةِ وَمِنْ هُنَا يَقْوَى الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَيْدِيكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } ذَكَرَ اسْمَ الْيَدِ ثُمَّ زَادَ عَلَى الِاسْمِ إلَى الْمَرَافِقِ ، وَقَالَ ( أَبُو عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ ) : مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْإِبْطِ ، حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي بَابِ الْجِرَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ لَا تَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَعِنْدَنَا تَجِبُ وَإِنْ قَطَعَهَا مِنْ السَّاعِدِ فَكَذَلِكَ مَعَ حُكُومَةِ الْبَاقِي ، قَالَ : وَفِي السَّرِقَةِ حَمَلْنَا الْيَدَ عَلَيْهَا مِنْ الْكُوعِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ خِلَافَ أَبِي عُبَيْدٍ لَا يَجْرِي فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ تَعْطِيلُ الْجَارِحَةِ وَكَفُّهُ عَنْ الْأَخْذِ بِهَا وَهَذَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْكَفِّ ؛ لِأَنَّ بِهَا يَنْقَطِعُ الْبَطْشُ وَالْأَخْذُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ .
أَمَّا الْمَعْنَوِيَّةُ فَالْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْحِيَازَةِ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ بِالْيَدِ يَكُونُ التَّصَرُّفُ وَقَدْ اعْتَبَرُوهَا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ مَلَكَهُ وَرَجَّحُوا بِهَا عِنْدَ ( تَعَارُضِ ) الْبَيِّنَتَيْنِ وَلَمْ ( يَجْعَلُوهَا ) سَبَبًا لِجَوَازِ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِصَاحِبِ ( الْيَدِ ) بِالْمِلْكِ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ قَالَ : هِيَ مِلْكُك ثُمَّ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً رَجَعَ هَذَا ( الْمُقِرُّ ) الَّذِي هُوَ مُشْتَرٍ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ الْيَدَ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعٌ وَالْمُشْتَرِي فِي النِّتَاجِ بَعْدَ ظُهُورِ عَيْبٍ هَلْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ حَدَثَ عِنْدِي فَهُوَ لِي ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ ( فَعَنْ ) النَّصِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ أَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي لَكِنَّهُ مُعْتَرِفٌ لِلْبَائِعِ بِالْيَدِ السَّابِقَةِ عَلَى أُمِّهِ وَهُوَ تَابِعٌ
لَهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ حُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ هَذِهِ الْعَيْنَ وَلَمْ يَقُولُوا وَهِيَ مِلْكُهُ حُكِمَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْبَعُ مَا لَا يَمْلِكُ بَلْ يَكُونُ لَهُ فِيهَا ( يَدٌ إنْ نُوزِعَ ) فِيهَا ، وَقَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الدَّعَاوَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّ الْيَدَ وَالتَّصَرُّفَ لَا يَدُلَّانِ عَلَى الْمِلْكِ إلَّا عِنْدَ ثُبُوتِ أَصْلِ الْمِلْكِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَيَكُونَانِ دَالَّيْنِ عَلَى تَعْيِينِ صَاحِبِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ ( رُخْصَةً ) ( وَقَضِيَّتُهُ ) أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ لِمَنْ فِي يَدِهِ صَغِيرٌ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَطْلَقَهُمَا الطَّبَرِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ : إنْ سَمِعَهُ يَقُولُ هُوَ عَبْدِي أَوْ سَمِعَ النَّاسَ يَقُولُونَ : إنَّهُ عَبْدُهُ شُهِدَ لَهُ بِالْمِلْكِ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ اللَّقِيطِ .
وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُشْكِلٌ بِمَا إذَا ادَّعَى رِقَّ صَبِيٍّ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِالرِّقِّ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : الْيَدُ دَالَّةٌ عَلَى الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ وَلَهُ مَرَاتِبُ أَعْلَاهَا : ثِيَابُ الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَى بَدَنِهِ وَدَرَاهِمُهُ الَّتِي فِي كُمِّهِ وَنَحْوُهُ .
الثَّانِيَةُ : الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ أَوْ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا .
( الثَّالِثَةُ ) : الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا فَإِنَّ يَدَهُ فِي ذَلِكَ أَضْعَفُ مِنْ يَدِ رَاكِبِهَا .
( الرَّابِعَةُ ) : الدَّارُ الَّتِي ( هُوَ ) سَاكِنُهَا وَدَلَالَتُهَا دُونَ دَلَالَةِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ ( لِأَنَّهُ ) غَيْرُ ( مُسْتَوْلٍ ) عَلَيْهِمَا ( جَمِيعَهَا ) .
وَتُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَلَوْ كَانَ اثْنَانِ فِي دَارٍ تَنَازَعَا فِيهَا أَوْ فِيمَا هُمَا لَابِسَانِهِ جُعِلَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاتِّصَالِ ، وَجُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلُ ( كُلٍّ مِنْهُمَا ) فِي الثِّيَابِ
الْمُخْتَصَّةِ بِهِ لِقُوَّةِ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاكِبَانِ فِي مَرْكُوبِهِمَا حَلَفَا وَجُعِلَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاكِبُ مَعَ الْقَائِدٌ وَالسَّائِقِ قُدِّمَ الرَّاكِبُ عَلَيْهِمَا بِيَمِينِهِ .
الْيَدُ اللَّاحِقَةُ تَابِعَةٌ لِلْيَدِ السَّابِقَةِ فَإِنْ كَانَتْ السَّابِقَةُ يَدَ أَمَانَةٍ فَكَذَلِكَ ( الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهَا ) أَوْ يَدَ ضَمَانٍ فَكَذَلِكَ وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ لَا يُضَمِّنُ الْمُرْتَهِنَ ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَوْ ضَمَّنَّاهُ أَدَّى ذَلِكَ إلَى فَقْدِ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ وَلِأَنَّا فِي غَنِيَّةٍ عَنْ ذَلِكَ بِتَضْمِينِ الْمُسْتَعِيرِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا ثُمَّ أَعَارَهَا فَتَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا يَدُ أَمَانَةٍ .
يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ كَمِلْكِ الْكَافِرِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فِي الصُّوَرِ الْمَعْرُوفَةِ وَمِلْكِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ ثُمَّ يَعْتِقُ اغْتَفَرْنَا ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ وَلَمْ يُغْتَفَرْ دَوَامُهُ ، وَالْجِمَاعُ إذَا طَرَأَ فِي الْحَجِّ أَفْسَدَهُ .
وَلَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا فَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ صَحِيحًا .
وَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ وَوَارِثُهُ مُحْرِمٌ فَالْأَصَحُّ يَرِثُهُ ثُمَّ يَزُولُ مِلْكُهُ عَلَى ( الْفَوْرِ ) .
( وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ وَقَفَهُ صَحَّ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فَلَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ وَرِثَهُ الْوَاقِفُ ) وَالْأَصَحُّ عَوْدُ الْمَنَافِعِ إلَى الْمُعْتِقِ .
وَصَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ تَجُوزُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا لِلْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا .
وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي مُتَمَكِّنًا عَلَى الْأَرْضِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ فَحَدَثَ خَوْفٌ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَرَكِبَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا .
نُصَّ عَلَيْهِ ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا لَوْ رَكِبَ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ بَنَى ، وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُجَامِعُ زَوْجَتَهُ فَلَهُ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِمْرَارِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً .
وَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ وُجِدَ سَبَبُ إرْثِ الْوَلَدِ ( لَهُ ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ عَتِيقَ زَوْجَتِهِ ( فَإِنَّ الْقِصَاصَ ) يَثْبُتُ لَهَا فَإِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَتْ وَرِثَهُ الِابْنُ ثُمَّ يَسْقُطُ .
وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ نَقْدٌ فَأَتْلَفَ رَبُّ الدَّيْنِ شَيْئًا لِلْمَدْيُونِ مُتَقَوِّمًا بِذَلِكَ النَّقْدِ فَإِنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ ثُمَّ تَسْقُطُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ ( عَبْدُهُ ) مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ ( فَلَوْ عَتَقَ الْأَبُ بَعْدَهُ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ فَلَوْ مَاتَ مَوَالِي الْأَبِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَمْ يَعُدْ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ ) بَلْ يَخْلُفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَبْقَى لِبَيْتِ الْمَالِ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ ، وَلَوْ
زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ وَقُلْنَا : وَجَبَ الْمَهْرُ ثُمَّ سَقَطَ ( وَمِثْلُهُ قَتَلَ ابْنَهُ ) وَقُلْنَا : وَجَبَ الْقِصَاصُ ثُمَّ سَقَطَ .
وَلَوْ تَكَفَّلَ بِبَدَنِ مَيِّتٍ صَحَّ ، أَوْ حَيٍّ فَمَاتَ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ فِي وَجْهٍ وَيَجُوزُ لِلْمُفْلِسِ أَنْ يَسْتَدِينَ ( مُؤَجَّلًا ) عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ ( حَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي قَوْلٍ ) .
وَلِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ ( أَنْ يَقْتَرِضَ لَهُ مُؤَجَّلًا وَلَوْ جُنَّ ) حَلَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلٍ .
وَلَوْ أَذِنَ لِأَمَتِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا فَفِي بُطْلَانِ الْإِذْنِ خِلَافٌ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ ابْتِدَاءً لِمُسْتَوْلَدَتِهِ وَأَمَتِهِ .
وَلَوْ تَبَايَعَا مُتَبَاعِدَيْنِ وَقُلْنَا : يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَهُوَ أَصَحُّ احْتِمَالَيْ الْإِمَامِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فَقَدْ أَثْبَتْنَا ابْتِدَاءَ الْخِيَارِ مَعَ التَّفَرُّقِ وَلَمْ نُثْبِتْ دَوَامَهُ مَعَ التَّفَرُّقِ ، أَوْصَى عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ الشُّرُوطُ ( ثُمَّ وُجِدَتْ ) فَقَدْ اُغْتُفِرَ ثُمَّ وُجِدَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَمَرَّ عَدَمُ الشَّرْطِ فَقَدْ اغْتَفَرْنَا إبْدَاءَ الْإِيصَاءِ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَلَمْ يُغْتَفَرْ دَوَامُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ : النُّفُوذُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَأَنَّهُ وَقْتُ الِابْتِدَاءِ .
يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ ( فِي صُوَرٍ ) : مِنْهَا : لَوْ حَضَرَ الْقِتَالَ مَعْضُوبًا أَوْ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى لَمْ يُسْهَمْ لَهُمْ ، فَلَوْ حَضَرَ صَحِيحًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ السَّهْمِ فِي الْأَصَحِّ وَمِنْهَا : عَقْدُ الذِّمَّةِ .
لَا ( يُعْقَدُ ) مَعَ تُهْمَةِ الْخِيَانَةِ ، فَلَوْ اتَّهَمَهُمْ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُنْبَذْ عَهْدُهُمْ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ فَإِنَّهُ يُنْبَذُ فِيهَا الْعَقْدُ بِالتُّهْمَةِ .
وَمِنْهَا : نِكَاحُ الْمُحْرِمِ لَا يَصِحُّ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ فِي الْأَصَحِّ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الِاسْتِدَامَةِ .
وَمِنْهَا : إذَا قُلْنَا : ( لَا تُمْنَعُ ) هِبَةُ الْآبِقِ فَلَوْ أَبَقَ الْمَوْهُوبُ فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَى الْأَبِ الرُّجُوعُ فِيهِ وَجْهَانِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فَرْعُ ( بَقَائِهِ ) .
وَمِنْهَا : قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ قَالَ أَصْحَابُنَا : كُلُّ امْرَأَةٍ جَازَ لَهُ ابْتِدَاءً نِكَاحِهَا فِي الْإِسْلَامِ جَازَ لِلْمُسْلِمِ إمْسَاكُهَا بِعَقْدٍ مَضَى فِي الشِّرْكِ وَهَذَا مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ .
وَمِنْهَا : ابْتِدَاءُ ( الْقَرْضِ ) عَلَى ( الْعُرُوضِ ) لَا يَصِحُّ ، وَلَوْ فَسَخَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ ثُمَّ عَقَدَ الْمَالِكُ لِذَلِكَ الْعَامِلِ الْقِرَاضَ عَلَيْهَا ( صَحَّ ) فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ .
كِتَابَةُ بَعْضِ الْعَبْدِ ( بَاطِلَةٌ ) فَلَوْ كَاتَبَهُ السَّيِّدَانِ صَحَّ بِشَرْطِهِ ، فَلَوْ عَجَزَ فَعَجْزُهُ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ الْآخَرُ إبْقَاءَهُ ( فَهُوَ كَابْتِدَاءِ ) الْعَقْدِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً وَأَمَةً وَأَسْلَمُوا تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ وَانْدَفَعَتْ الْأَمَةُ فِي الْأَصَحِّ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ : أَحَدُهَا : مَا يَحْرُمُ ابْتِدَاءً فِعْلِهِ وَاسْتِدَامَتُهُ كَالصُّورَةِ عَلَى السَّقْفِ وَالثَّوْبِ وَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى شَارِبِهِ تَقَيُّؤُهُ .
ثَانِيهَا : مَا لَا يُحَرَّمَانِ وَهُوَ سَائِرُ الْمُبَاحَاتِ .
ثَالِثُهَا : مَا يَحْرُمُ ابْتِدَاءً فِعْلِهِ وَلَا تَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ كَتَمْوِيهِ السَّقْفِ بِمَا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ وَكَالصُّوَرِ الْمَنْقُوشَةِ عَلَى الْحُصْرِ وَالْبُسُطِ ( وَالْأَرْضِ ) .
رَابِعُهَا : مَا تَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ وَلَا يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ كَنِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَلَوْ مَلَكَهَا حُرِّمَ عَلَيْهِ دَوَامُ النِّكَاحِ ، وَلِهَذَا يُفْسَخُ نِكَاحُهُ ، وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ يُبَاحُ فِعْلُهُ وَتَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ مُدَّةَ الْإِحْرَامِ .
وَكَذَلِكَ الْمُضْطَرُّ إذَا أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ وَأَيْسَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَحُرِّمَ عَلَيْهِ اسْتِدَامَتُهُ ( وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ الْمَيْتَةَ لِيَأْكُلَهَا ثُمَّ وَجَدَ الْحَلَالَ حُرِّمَ عَلَيْهِ إدَامَةُ يَدِهِ عَلَيْهَا ) وَكَذَلِكَ الصَّائِمُ إذَا جَامَعَ وَطَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْجِمَاعِ .
يُغْتَفَرُ فِي الشَّيْءِ إذَا كَانَ تَابِعًا مَا لَا يُغْتَفَرُ إذَا كَانَ مَقْصُودًا كَمَا فِي الشُّفْعَةِ لَا تَثْبُتُ فِي الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَتَثْبُتُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ إذَا بِيعَتْ مَعَهَا .
وَكَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى غَيْرِ النَّخِيلِ وَالْعِنَبِ ( تَثْبُتُ ) تَبَعًا لَهُمَا ، كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُحْرِمِ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِلشَّعْرِ الَّذِي عَلَيْهَا وَالظُّفْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا ( هُنَا ) تَابِعَانِ غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ بِالْإِبَانَةِ .
وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ كُشِطَتْ جِلْدَةُ الرَّأْسِ فَلَا فِدْيَةَ وَيُشْبِهُ هَذَا مَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ الصَّغِيرَةَ الْكَبِيرَةُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ ، وَلَوْ قَتَلَتْهَا لَا يَجِبُ الْمَهْرُ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ تَابِعٌ عِنْدَ الْقَتْلِ غَيْرُ مَقْصُودٍ .
وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي الِاخْتِيَارِ فِي النِّكَاحِ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ ( نِسْوَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ ، وَفِي الِاخْتِيَارِ لِلْفِرَاقِ وَجْهَانِ لِأَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ اخْتِيَارُ الْأَرْبَعِ لِلنِّكَاحِ فَلَيْسَ أَصْلًا فِيهِ بَلْ تَابِعًا فَاغْتُفِرَ .
وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ وَأَطْلَقَ فَزَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهَا إذَا عَتَقَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُقَالُ ( هَلَّا جَرَى ) فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ خِلَافٌ كَمَا جَرَى فِي ضَمَانِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ هَا هُنَا جَرَى فِي ضِمْنِ عَقْدٍ مَأْذُونٍ فِيهِ .
وَقَدْ يُمْنَعُ الشَّيْءُ مَقْصُودًا وَإِذَا حَصَلَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ لَمْ يَمْتَنِعْ وَنَظِيرُهُ : يَصِحُّ خُلْعُ الْعَبْدِ قَوْلًا وَاحِدًا وَيُمْنَعُ مِنْ تَمْلِيكِ السَّيِّدِ بِعَقْدِ الْهِبَةِ فِي الْأَصَحِّ .
وَالصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَجُوزُ تَبَعًا لَهُمْ وَفِي جَوَازِهَا اسْتِقْلَالًا أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا الْكَرَاهِيَةُ .
وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لَوْ اسْتَأْجَرَ
بِئْرًا ( لِيَسْتَقِيَ ) مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ أَكْرَى دَارًا لِيَسْكُنَهَا وَفِيهَا بِئْرُ مَاءٍ جَازَ أَنْ ( يَسْتَقِيَ ) مِنْهَا تَبَعًا .
يُغْتَفَرُ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْعَاقِدِ مَا لَا يُغْتَفَرُ مَعَ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَجَّرَ دَارًا لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مِنْ آخَرَ وَيَجُوزُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ وَالِاسْتِيفَاءُ مُتَّصِلٌ ( تَابِعٌ ) .
وَحَيْثُ أَبْطَلْنَا الْمُخَابَرَةَ فَتَجُوزُ إذَا كَانَ بَيْنَ النَّخِيلِ بَيَاضٌ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ سَقْيُ النَّخِيلِ إلَّا بِسَقْيِهِ فَيَعْقِدُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ وَالْمُخَابَرَةِ تَبَعًا وَإِنْ أَفْرَدَ الْمُسَاقَاةَ عَلَى النَّخِيلِ ثُمَّ أَرَادَ عَقْدَ الْمُخَابَرَةِ فِي ذَلِكَ الْبَيَاضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ جَازَ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَحْصُلُ لِوَاحِدٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ( فِي ) صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ : بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ النَّخِيلِ وَيَجُوزُ مِنْ مَالِكِهَا فِي الْأَصَحِّ .
وَبَيْعُ الْوَارِثِ رَقَبَةَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا لِلْمُوصَى لَهُ يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ .
وَلَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُهُ بِحَمَامِ غَيْرِهِ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَهِبَتُهُ شَيْئًا مِنْهُ لِثَالِثٍ ، وَيَجُوزُ لِصَاحِبِهِ فِي الْأَصَحِّ وَبَيْعُ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ يَجُوزُ قَطْعًا ، وَمِنْ غَيْرِهِ خِلَافٌ ، وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى وَجْهٍ وَيَمْتَنِعُ مِنْ غَيْرِهِ قَطْعًا .
قُلْت : وَقَدْ تَنْعَكِسُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي صُورَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَبَاعَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ نَفَذَ قَطْعًا ، وَلَوْ ( بَاعَهُ ) مِنْ الْبَائِعِ بِإِذْنٍ فَإِذْنُهُ حَاصِلٌ بِقَوْلِهِ ، وَلَكِنَّهُ وَاقِعٌ بَعْدَ الْإِيجَابِ فَهَلْ يَصِحُّ ( أَمْ ) يَقْتَضِي بَعْدُ فَسَادَ الْإِيجَابِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ وَجْهَانِ : ( ثَانِيَتُهُمَا ) بَيْعُ الْمَرْهُونِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ صَحِيحٌ قَطْعًا وَبَيْعُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ فَكِّ الرَّهْنِ
فِيهِ وَجْهَانِ قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ مَعَ أَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي الصِّحَّةِ .
يُغْتَفَرُ فِي مُعَامَلَةِ الْكُفَّارِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا تَأْلِيفًا لَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ يُغْتَفَرُ فِي الْعُقُودِ الضِّمْنِيَّةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي ( قُدِّرَ ) دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ بِالشِّرَاءِ قَبْلَ الْعِتْقِ عَلَيْهِ وَيُغْتَفَرُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ .
وَلَوْ قَالَ : اعْتِقْ عَبْدَك إذَا جَاءَ الْغَدُ عَلَى كَذَا فَفَعَلَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ ( ذَلِكَ ) مُتَضَمِّنًا لِلتَّمْلِيكِ ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ ، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْإِبْرَاءِ .
وَلَوْ قَالَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِإِحْدَاهُنَّ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ فَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ اخْتِيَارٌ لِلنِّكَاحِ وَتَعْلِيقُ الِاخْتِيَارِ يَمْتَنِعُ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الطَّلَاقِ وَالِاخْتِيَارُ يَحْصُلُ ضِمْنًا وَيُحْتَمَلُ فِي الْعُقُودِ الضِّمْنِيَّةِ مَا لَا يُحْتَمَلُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَالِاسْتِقْلَالِ ( قَالَهُ ) الرَّافِعِيُّ ( فِي ) ( الْعُقُودِ الضِّمْنِيَّةِ ) .
يُغْتَفَرُ فِي الْفُسُوخِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي ابْتِدَاءِ الْعُقُودِ سَبَقَتْ ( فِي مَبَاحِثِ الْفَسْخِ ) .
يُغْتَفَرُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ مَا لَا يُغْتَفَرُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ بَعْدَ غُسْلِ ( النَّجَاسَةِ ) ( تَغَيُّرُ ) اللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَضُرَّ ، وَكَمَا لَوْ نَوَى الْقَارِئُ قَطْعَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ الْقِرَاءَةُ ، وَإِنْ سَكَتَ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ تَبْطُلْ فَلَوْ سَكَتَ وَنَوَى الْقَطْعَ بَطَلَتْ .
وَلَوْ أَخْرَجَ الْوَدِيعَةَ وَنَوَى التَّصَرُّفَ فِيهَا ضُمِّنَ وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُضَمَّنْ .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ دَعْوَى ابْنِ الصَّلَاحِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ الدُّفُّ وَالشَّبَّابَةُ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَحَيْثُ انْفَرَدَ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ ( يَتَخَرَّجَ ) عَلَى هَذَا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ مَا إذَا أَبْدَلَ فِي الظِّهَارِ لَفْظَ الْأُمِّ وَالظَّهْرَ بِأَنْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَيَدِ أُخْتِي فَإِنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ إبْدَالُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَضُرَّ فَإِذَا أَبْدَلَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ ظِهَارًا قَطْعًا وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا .
الْيَقِينُ شَرْطٌ فِي الْإِقْرَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) : أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ فِي الْأَقَارِيرِ الْيَقِينُ وَأَطْرَحُ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ .
فَقَوْلُهُ : " الْغَلَبَةُ " تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ تَرَكَ الْحَقِيقَةَ فِي الْأَقَارِيرِ وَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى غَيْرِ غَالِبِهِ وَهُوَ ( الْمَجَازُ ) .
الْأَوَّلُ : هِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : يَمِينٌ عَلَى إثْبَاتِ فِعْلِ نَفْسِهِ ، أَوْ عَلَى نَفْيِهِ ، وَيَمِينٌ عَلَى إثْبَاتِ فِعْلِ الْغَيْرِ ، أَوْ نَفْيِهِ .
وَكُلُّهَا عَلَى الْقَطْعِ إلَّا الْيَمِينَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ فَإِنَّهَا عَلَى ( نَفْيِ ) الْعِلْمِ وَقَدْ سَبَقَتْ ( فِي حَرْفِ الْحَاءِ ) .
الثَّانِي : الْيَمِينُ عَلَى حَسَبِ الدَّعْوَى إلَّا فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ جَحَدَ الْوَرَثَةُ تَدْبِيرَ الْعَبْدِ فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً بِالتَّدْبِيرِ سُمِعَتْ وَلَا تُسْمَعُ بِالْعِتْقِ ( ؛ لِأَنَّ عِتْقَ ) التَّدْبِيرِ حُكْمٌ وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ عَلَى مَا أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ لَا عَلَى الْحُكْمِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ الْوَرَثَةُ كَانَتْ يَمِينُهُمْ ( فِي نَفْيِ الْعِلْمِ ) دُونَ الْبَتِّ ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ نَفْيٍ لِفِعْلِ غَيْرِهِمْ وَكَانُوا فِي أَيْمَانِهِمْ مُخَيَّرِينَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى نَفْيِ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى التَّدْبِيرِ دُونَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُؤَدِّي مَا تَحَمَّلَتْهُ وَهُوَ الْعَقْدُ وَالْيَمِينُ مَا تَضَمَّنَتْهُ الدَّعْوَى وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدِ وَالْعِتْقِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي .
الثَّالِثُ : الْيَمِينُ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا تَقَعُ فِي غَيْرِ الْمُحَاكَمَةِ .
وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إلَّا فِي طَاعَةٍ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا حَلَفْت بِاَللَّهِ ( تَعَالَى ) قَطُّ لَا صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا .
وَثَانِيهِمَا : مَا تَقَعُ فِي الْمُحَاكَمَةِ ( وَهِيَ ) نَوْعَانِ : يَمِينُ دَفْعٍ وَيَمِينُ إيجَابٍ .
فَيَمِينُ الدَّفْعِ هِيَ الْمَشْرُوعَةُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ .
وَيَمِينُ الْإِيجَابِ خَمْسَةٌ : اللِّعَانُ ، وَالْقَسَامَةُ ، مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي الْأَمْوَالِ ، وَيَمِينُ الْمُدَّعِي إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ ، وَيَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا فِي الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ لَا بُدَّ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَلِكَ مُدَّعِي الْإِعْسَارِ إذَا عُلِمَ لَهُ مَالٌ فِي الْبَاطِنِ وَأَنَّ الشُّهُودَ اعْتَمَدُوا ( عَلَى ) الظَّاهِرِ وَنَحْوِهِ ، وَقَدْ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً كَمَا لَوْ طَلَبَتْ ( الْمَرْأَةُ ) مِنْ الْحَاكِمِ التَّزْوِيجَ فَيُحَلِّفُهَا عَلَى الْخُلُوِّ مِنْ الْمَوَانِعِ اسْتِحْبَابًا فِي الْأَصَحِّ وَغَيْرِهِ .
الرَّابِعُ : أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَجِبُ قَطُّ بَلْ يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ وَأَنْ يَرُدَّ وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي بَعْدَ الرَّدِّ عَلَيْهِ ، قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : ( وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ : أَمَّا يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً لَمْ يَحِلَّ ) ( لَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ ) تَجِبَ عَلَيْهِ .
وَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فَإِنْ كَانَ ( مِمَّا يُبَاحُ ) بِالْإِبَاحَةِ كَالْأَمْوَالِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ وَبَيْنَ أَنْ ( يَنْكُلَ ) إذَا عَلِمَ أَنَّ خَصْمَهُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا وَإِنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَاذِبًا فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَلِفُ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ كَذِبِ خَصْمِهِ كَمَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مِمَّا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ كَالدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ خَصْمَهُ لَا يَحْلِفُ إذَا نَكَلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْحَلِفِ وَالنُّكُولِ كَالْمَالِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَحْلِفُ لَمْ ( يَحِلَّ ) لَهُ النُّكُولُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسَبُّبِ إلَى الْعِصْيَانِ كَمَا إذَا ادَّعَى ( عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ الْقَطْعَ كَاذِبًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النُّكُولُ كَيْ لَا يَكُونَ عَوْنًا عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ أَوْ يَدَّعِي ) عَلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَحِلُّ ( لَهَا ) النُّكُولُ كَيْ لَا تَكُونَ عَوْنًا عَلَى الزِّنَى بِهَا .
وَأَمَّا يَمِينُ الْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَلَا تَحِلُّ لَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَجِبَ وَإِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فَإِنْ ( كَانَ ) مِمَّا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ فَالْأَوْلَى بِالْمُدَّعِي إذَا نَكَلَ أَنْ يُبِيحَ الْحَقَّ أَوْ يُبَرِّئَ ذِمَّتَهُ مِنْهُ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ أَضْرَارِ خَصْمِهِ بِالْبَاطِلِ .
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَيَعْلَمُ الْمُدَّعِي أَنَّ الْحَقَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ أَنْ يَحْلِفَ حِفْظًا لِمَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ .
كَمَا إذَا ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ الْبَيْنُونَةَ فَيُعْرَضُ الْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ فَيُنْكِرُ وَيَنْكُلُ ( فَيَلْزَمُهَا
) الْحَلِفُ حِفْظًا لِبُضْعِهَا مِنْ الزِّنَى وَتَوَابِعِهِ مِنْ الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى الْأَمَةِ الْعِتْقَ وَإِنْكَارُ سَيِّدِهَا وَنُكُولِهِ فَيَلْزَمُهَا الْحَلِفُ وَنَظَائِرُهُ .
قِيلَ : هَلْ يَجُوزُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُطَالِبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِ ( وَفُجُورِهِ ) قُلْنَا : يَجُوزُ وَذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّا ( لَوْ ) لَمْ نُجَوِّزْ ذَلِكَ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْأَيْمَانِ وَضَاعَ بِذَلِكَ الْحُقُوقُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُرِّمَ لَمَا جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي تَحْلِيفِ خَصْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ خَصْمَهُ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ وَيَمِينِهِ قُلْت : وَمِنْ السَّلَف مَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَأَوْفَى الْحَقَّ خَشْيَةَ أَنْ يُصَادِفَ قَضَاءً فَيُقَالُ : إنَّهُ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى مَفْسَدَةِ الْأَخْذِ بِإِعْطَائِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ .
الْخَامِسُ : الْيَمِينُ إذَا تَعَلَّقَتْ بِدَمٍ غُلِّظَتْ بِالْعَدَدِ فَتَكُونُ خَمْسِينَ يَمِينًا ( كَمَا ) نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) ( وَالْأَصْحَابُ ) وَتُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالصِّفَةِ إذَا تَعَلَّقَتْ بِمَالٍ وَهُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ .
السَّادِسُ : يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى يَمِينِ الْمُدَّعِي إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ : الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ وَالْمَحْجُورِ .
وَلِهَذَا فِي الْمُفْلِسِ لَوْ أَقَامَ مُسْتَحِقُّ السِّلْعَةِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا لَهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهَا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الرَّهْنِ ، وَقَالَ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ : يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ فِي سِتِّ مَسَائِلَ : أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ ( عَلَى الْمُفْلِسِ بِدَيْنٍ وَالْغُرَمَاءُ يَجْحَدُونَهُ وَالْمُفْلِسُ يُصَدِّقُهُ يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ ) أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ ، الثَّانِي : أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، الثَّالِثُ : أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ ، الرَّابِعُ : الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ ، الْخَامِسُ : يُقِيمَهَا عَلَى الْمَيِّتِ ، السَّادِسُ : يُقِيمَهَا عَلَى الْغَائِبِ .
قَالَ : وَلَيْسَ لِلْقَاضِي اسْتِحْلَافُ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْخَصْمِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ السِّتَّةِ وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ .
السَّابِعُ : الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ ( تَقُمْ ) بَيِّنَةٌ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ .
الثَّامِنُ : الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ كَالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْمُتَنَازِعَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا كَذَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي مَوَاضِعَ وَأَوْرَدَ عَلَيْهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ تَعَدِّيَهَا إلَى الْعَاقِلَةِ وَإِلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ .
وَإِذَا ادَّعَى عَلَى الْأَبِ تَزْوِيجَ ابْنَتِهِ فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِهِ فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ لَكِنَّ الْمَحْذُورَ تَعَدِّيَهَا إلَى ثَالِثٍ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَمَّا حَيْثُ قَبِلْنَاهُ ( فَلَا ) وَسَبَقَ فِي حَرْفِ النُّونِ فِي فَصْلِ النُّكُولِ لِهَذَا تَتِمَّةٌ فَاسْتَحْضِرْهُ وَصُورَةُ الْعَاقِلَةِ إذَا ادَّعَى عَلَى الْجَانِي قَتْلَ الْخَطَأِ وَنَكَلَ عَلَى الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي وَقُلْنَا : ( الْيَمِينُ ) الْمَرْدُودَةُ كَالْبَيِّنَةِ ثَبْتٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَكَانَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْجَانِي خَطَأً فِي الدِّيَةِ فَلَيْسَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ .
التَّاسِعُ : الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ سَوَاءٌ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ ( بِالْعَتَاقِ ) فَإِنْ حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ بِاَللَّهِ ( تَعَالَى ) فَعَلَى نِيَّةِ الْحَاكِمِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ مَظْلُومًا كَالْحَالِفِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا شُفْعَةَ عَلَيْهِ لِلْجَارِ ، أَوْ كَانَ حَنَفِيًّا حَلَفَ ( لَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَالنِّيَّةُ ) فِي الْيَمِينِ نِيَّةُ الْحَالِفِ دُونَ الْحَاكِمِ الْمُسْتَحْلِفِ قَالَهُ ( الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ) .
وَمِثْلُهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا أَوْ لَا بَيِّنَةَ بِإِعْسَارِهِ ( وَإِنْ أَقَرَّ ) حُبِسَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُورِيَ فِي يَمِينِهِ وَالتَّوْرِيَةُ هِيَ أَنْ تُوَافِقَ يَمِينُهُ قَصْدَهُ وَإِنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ إذَا كَانَ مَا قَصَدَهُ مِنْ مَجَازِ اللَّفْظِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ جَوَّزَ لِلْمُعْسِرِ الْحَلِفَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ ( يَخَفْ الْحَبْسَ ) حَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ .
الْعَاشِرُ : بَابُ الْيَمِينِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ .
وَلِذَلِكَ تُقْبَلُ الْيَمِينُ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ كَالْفَاسِقِ وَالْفَاجِرِ وَالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ غَالِبًا إلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ فَيُعْتَضَدُ بِهِ .
وَلِهَذَا لَوْ رَأَى بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ( صِحَّتُهُ ) كَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ أَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ وَكُلُّ مَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ جَازَ الْحَلِفُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْعَكِسُ .
( الْحَادِي ) عَشَرَ : ( مَنْ ) وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَدِيَ عَنْهَا بِمَالٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ ، قَالَهُ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي أَوَّلِ الصُّلْحِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ ( الْجَوَازَ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْبُوَيْطِيِّ ) اخْتَارَ فِيهِ قَوْلَ مَالِكٍ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ ( وَقَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْمٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ فَحَلَفَ أَكْثَرُهُمْ وَافْتَدَى بَعْضُهُمْ يَمِينَهُ بِمَالٍ فَمَا حَالَ الْحَوْلُ حَتَّى هَلَكَ مَنْ حَلَفَ ) وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ( مَا قَالَهُ ) .
( الثَّانِي ) عَشَرَ : الْيَمِينُ عِنْدَنَا لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ( أَيْ لَا تَجْعَلُ الْمُبَاحَ حَرَامًا ) وَلَا تُوجِبُ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ .
فَإِنْ قِيلَ : وَطْءُ الزَّوْجَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِيمَا عَدَا الْوَطْأَةَ الْأُولَى عَلَى وَجْهٍ وَمَعَ هَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَارَ الْوَطْءُ وَاجِبًا فَقَدْ غَيَّرَتْ الْيَمِينُ حُكْمَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قُلْنَا : الْمُرَادُ لَا يُغَيَّرُ حَالَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّا وَيَمِينُ الْمَوْلَى كَذَلِكَ .
وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي الْأَسْرَارِ حِكَايَةً عَنْ الْقَفَّالِ لِي أَصْلٌ أُخَرِّجُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مَسَائِلَ الْأَيْمَانِ وَهُوَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تُحَرِّمُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُ الْيَمِينِ عِنْدَنَا : تَحْقِيقُ الْأَمْرِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَهُمْ : تَحَقُّقُ الْوَعْدِ بِمَا يُكَفَّرُ بِضِدِّهِ .
وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ سَبْعُ مَسَائِلَ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْيَمِينَ بِالْيَهُودِيَّةِ لَا تَنْعَقِدُ وَعِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْيَمِينِ التَّحْرِيمُ وَأَنَّهُ قَدْ حُرِّمَ تَحْرِيمُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا قَالَ : حَرَّمْت هَذِهِ الْجَارِيَةَ عَلَى نَفْسِي .
الثَّالِثَةُ : إذَا قَالَ : حَرَّمْت هَذَا الطَّعَامَ عَلَى نَفْسِي لَا يَنْعَقِدُ يَمِينًا .
الرَّابِعَةُ : يَمِينُ الْغَمُوسِ لَا يَنْعَقِدُ ( بِهَا ) لِأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي حَظْرًا .
الْخَامِسَةُ : لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُحَرِّمُ فِعْلَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَنْتَصِبُ شَيْئًا .
السَّادِسَةُ : يَمِينُ الْكَافِرِ لَا تَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّهَا تَحْرِيمٌ فِي الْمِلْكِ .
السَّابِعَةُ : ( إذَا حَلَفَ وَحَنِثَ ) نَاسِيًا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ وَإِنْ ارْتَكَبَهُ نَاسِيًا .
قَالَ : وَنَصُّ مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا مَعْنَاهُ وَتَعْظِيمِي حُرْمَةَ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ ( كَذَا ) فَإِنْ فَعَلْت كُنْت تَارِكًا تَعْظِيمِي حُرْمَةَ
اللَّهِ ( تَعَالَى ) وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَكَذَا هَذَا الْفِعْلُ يَحْرُمُ .
وَإِنَّمَا تَحْقِيقُهُ عَلَى أَصْلِنَا أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الْحَلِفُ فِي تَوَعُّدِهِ أَوْ أَمْرِهِ ( الْمُؤَكَّدِ ) وَكَانَ مَجْبُورًا بِالتَّكْفِيرِ ، وَالْحَاصِلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُوجِبَةِ قِرْبَةٍ وَلَا مَوْعُودٍ فِي مُقَابَلَةِ سَبَبٍ حَتَّى يُقَالَ : يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ وَعْدُ تَوْكِيدٍ فَاسْتُحِبَّ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ .
الثَّالِثُ عَشَرَ : سَبَقَ أَنَّ الْيَمِينَ إنْ تَعَلَّقَتْ بِدَعْوَى فَوَاجِبَةٌ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ لَا تَجِبُ فِي مَوَاضِعَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى يَمِينِ الْأَوَّلِ : وَضَابِطُهَا أَنَّهُ كُلُّ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ وَهَذَا أَشَارَ إلَيْهِ ( الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ) فِي الْأُمِّ حَيْثُ قَالَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ لِأَنِّي لَمْ أُلْحِقْهُ بِهِ بِاعْتِرَافٍ وَإِنَّمَا أَلْحَقْته بِهِ شَرْعًا وَهُوَ لَوْ رَجَعَ عَنْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فَلَا مَعْنَى لِإِحْلَافِهِ .
الثَّانِيَةُ : دَعْوَى الْأَبِ الْحَاجَةَ لِلنِّكَاحِ ( إذَا ظَهَرَتْ ) يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ .
الثَّالِثَةُ : ادَّعَى عَلَى قَاضٍ أَنَّهُ حَكَمَ بِعَبْدَيْنِ فَحَضَرَ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ .
الرَّابِعَةُ : ادَّعَى عَلَى الشَّاهِدِ أَنَّهُ شَهِدَ بِالزُّورِ لَا يَحْلِفُ .
الْخَامِسَةُ : ادَّعَى عَلَى قَاسِمِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ غَلِطَ لَا يَحْلِفُ قَالَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضَتِهِ .
السَّادِسَةُ : لَوْ طَالَبَ الْإِمَامُ السَّاعِيَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَوَاتِ فَقَالَ : لَمْ آخُذْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ لَزِمَهُ كَذَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : ( تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ ) حَكَاهُ شُرَيْحٌ .
السَّابِعَةُ : ادَّعَى الصَّبِيُّ الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ لَا يَحْلِفُ .
الثَّامِنَةُ : قَالَ رَجُلٌ : أَنَا وَكِيلُ زَيْدٍ فِي قَبْضِ دُيُونِهِ فَأَدِّهِ إلَيَّ ؛ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : لَا أَعْلَمُ أَنَّك وَكِيلٌ ؛ فَقَالَ الْمُدَّعِي : أَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ .
وَلَوْ قَالَ لِلْوَصِيِّ أَوْ الْوَكِيلِ : أَنْتَ مَعْزُولٌ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ فَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ فِيهِ وَجْهَانِ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ وَمَالَ إلَى تَرْجِيحِ الْمَنْعِ قَالَ : وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلْقَاضِي : أَنْتَ مَعْزُولٌ لَمْ تَلْزَمْهُ
الْيَمِينُ .
التَّاسِعَةُ : ادَّعَى عَلَى وَصِيٍّ مَيِّتٍ أَنَّ الْمَيِّتَ وَصَّى لَهُ وَطَالَبَهُ فَقَالَ الْوَصِيُّ : لَا أَعْلَمُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ الْعَاشِرَةُ : ادَّعَتْ الْأَمَةُ عَلَى سَيِّدِهَا أَنَّهُ وَطِئَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَصْلَ الْوَطْءِ فَطَلَبَتْ يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ فِي الْأَصَحِّ ( كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ ) .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : ادَّعَى الْمُودِعُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ قَدْ عَلِمَ عُمُومَهُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فَإِنْ ادَّعَى عِلْمَ عُمُومِهِ وَلَمْ ( يَعْلَمْ وُقُوعَهُ ) فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِيَمِينٍ .
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : إذَا طَلَبَ سَهْمَ الْمَسَاكِينِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ أَعْطَى إذَا شَهِدَتْ لَهُ الْقَرَائِنُ بِأَنْ كَانَ شَيْخًا هَرِمًا أَوْ زَمِنًا وَكَذَا إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ فِي الْأَصَحِّ .
الثَّالِثَةَ عَشْرَ : كَاتَبَا عَبْدًا عَلَى مَالٍ فَادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنِّي أَدَّيْت إلَيْك جَمِيعَ النُّجُومِ لِتَأْخُذَ نَصِيبَك وَتَدْفَعَ نَصِيبَ الْآخَرِ إلَيْهِ فَقَالَ دَفَعْت إلَيَّ نَصِيبِي وَنَصِيبَ الْآخَرِ دَفَعْته إلَيْهِ بِنَفْسِك وَأَنْكَرَ الْآخَرُ الْقَبْضَ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَصُدِّقَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ نَصِيبَ الْآخَرِ بِيَمِينِهِ وَصَدَقَ الْآخَرُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ نَصِيبَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا .
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ جَنَى عَلَيْهِ فَادَّعَى زَوَالَ عَقْلِهِ وَلَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَإِنَّ لَهُ ( دِيَةً ) بِلَا يَمِينٍ .
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : طَلَبَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمَالِكِ فَادَّعَى مَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَلَمْ يُتَّهَمْ فِي دَعْوَاهُ لَمْ يَحْلِفْ قَطْعًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ اُتُّهِمَ فَهَلْ يَحْلِفُ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : قَالَ الصَّبِيُّ : قَتَلْت وَأَنَا صَبِيٌّ ؛ فَلَا قِصَاصَ وَلَا يَحْلِفُ .
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ :
عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى مَشِيئَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ : شِئْت ؛ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : ( عَلَى وَجْهٍ ادَّعَى أَبُو الصَّبِيِّ فِي الْحَضَانَةِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرَ نَقْلَةٍ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ ) .
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : ( أَكْرَى ) مَنْ يَحُجُّ ( عَنْهُ ) فَقَالَ الْأَجِيرُ : حَجَجْت قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُمْكِنُ وَالرُّجُوعُ إلَى الْأَجِيرِ قَالَهُ الدَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ .
( قَالَ ) وَإِنْ قَالَ لَهُ : قَدْ جَامَعْت فِي حَجِّك فَأَفْسَدْته ؛ لَمْ يَحْلِفْ أَيْضًا وَلَا تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ جَامَعَهَا مُحْرِمًا بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَقَالَ : كُنْت نَاسِيًا قُبِلَ مِنْهُ وَلَا يَضُرُّ وَصَحَّ حَجُّهُ وَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ .
( وَكَذَا ) لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بَعْدَ عُبُورِهِ الْمِيقَاتَ أَوْ قَتَلَ صَيْدًا فِي إحْرَامِهِ أَوْ ( فِي ) الْحَرَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى .
الْعِشْرُونَ : لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَتْ : تَزَوَّجْت ( بِزَوْجٍ ) وَدَخَلَ بِي وَطَلَّقَنِي وَاعْتَدَدْت ؛ قُبِلَ مِنْهَا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَلَا يَمِينَ .
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً ، وَقَالَ : ظَنَنْت أَنَّهَا امْرَأَتِي فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا قَالَهُ الدَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ .
قَالَ : وَإِنْ وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ وَقَالَ : ظَنَنْتهَا تَحِلُّ لِي وَمِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ ؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ ( يَحْلِفُ مَا ) وَطِئَهَا إلَّا وَهُوَ يَرَاهَا ( حَلًّا ) لَهُ ثُمَّ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ .
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ : لَا تَجِبُ الْيَمِينُ فِي حَدِّ الزِّنَى وَالشُّرْبِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ( وَهِيَ ) أَنْ يُقِرَّ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَيَدَّعِي الشُّبْهَةَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ ( رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ) قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ
الْعِرَاقِيِّينَ : إذَا أَصَابَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ أُمِّهِ وَقَالَ : ظَنَنْتهَا تَحِلُّ لِي أُحْلِفَ مَا وَطِئَهَا إلَّا وَهُوَ يَرَاهَا حَلَالًا ، وَأَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ وَيَلْزَمُهُ الْيَمِينُ وَلَا أَقْبَلُ هَذَا مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ جَهْلُهُ بِهِ .
قَالَ : وَكُلُّ شَتْمٍ وَضَرْبٍ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ فَيَحْلِفُ مَا ( شَتَمَهُ ) هَذَا الشَّتْمَ وَلَا ( ضَرَبَهُ ) هَذَا الضَّرْبَ .
الْأُولَى : مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ ( تَعَالَى ) عَلَى الْمُكَلَّفِينَ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يَكُونُ سَبَبُهُ جِنَايَةً وَيُسَمَّى عُقُوبَةً وَالْجِنَايَاتُ سَبْعٌ .
وَإِلَى مَا يَكُونُ سَبَبُهُ إتْلَافًا وَيُسَمَّى ضَمَانًا وَإِلَى مَا يَكُونُ سَبَبُهُ الْتِزَامًا وَيُسَمَّى ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً أَوْ مَهْرًا أَوْ غَيْرَهُ .
وَمِنْهُ أَدَاءُ الدُّيُونِ وَالْعَوَارِيّ وَالْوَدَائِعُ وَاجِبَةٌ بِالِالْتِزَامِ وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ : أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا هُوَ الْتِمَاسُ إتْلَافٍ بِعِوَضٍ وَكَذَلِكَ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا وَكَذَا الْتِزَامُ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ وَبَدَلِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَعِوَضِ الْقَرْضِ وَسَائِرِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَهَذَا غَيْرُ الِالْتِزَامِ بِضَمَانِ الْغَيْرِ وَمِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى فِدَاءً كَخُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِدَاءِ الْأَسِيرِ ( وَكَذَا ) الْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ثُمَّ ( يَشْتَرِيهِ ) وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُعَاوَضَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَأَمَّا خُرُوجُ الْمَدْفُوعِ عَنْ مِلْكِ دَافِعِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ فَإِنْ وَقَعَ فِي مُعَاوَضَةٍ فَذَاكَ .
وَمِنْهُ الِافْتِدَاءُ فِي الْخُلْعِ فَإِنَّ فِيهِ إزَالَةَ مِلْكٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَانِبِ الزَّوْجِ بِإِزَالَةِ يَدِ الْعِصْمَةِ وَجَانِبِ الْبَاذِلِ فَإِنَّ فِيهِ إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْ الْمَالِ الْمَبْذُولِ ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ عَلَى عِوَضٍ .
وَأَمَّا افْتِدَاءُ الْأَسِيرِ فَلَيْسَ فِيهِ إزَالَةُ مِلْكٍ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَمْ يَمْلِكْ الْمُسْلِمَ ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْفَادِي فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا بَذَلَ مِنْ الْفِدَاءِ وَالْكَافِرُ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا نُعْطِيهِ لَهُ لِلضَّرُورَةِ .
وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرْنَا بِهِ أَعْطَيْنَاهُ لَهُ .
وَأَمَّا افْتِدَاءُ الْحُرِّ مِمَّنْ يَسْتَرِقُّهُ فَإِنْ عَلِمَ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهُ ظَالِمٌ فَكَالْأَسِيرِ وَإِنْ جَهِلَ كَانَ مَعْذُورًا .
وَأَمَّا ضَمَانُ السَّفِينَةِ الْمُشْرِفَةِ عَلَى الْغَرَقِ
وَلَا يُنْقِذُهُمْ إلَّا إلْقَاءُ الْمَتَاعِ يَجِبُ إلْقَاؤُهُ وَلَكِنْ بِعِوَضٍ إذَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ تَعُودُ إلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ : إنَّ الْمُلْقَى ( لَا ) يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ حَتَّى لَوْ لَفَظَهُ الْبَحْرُ عَلَى السَّاحِلِ وَظَفِرْنَا بِهِ فَهُوَ لِمَالِكِهِ وَيُسْتَرَدُّ ( أَيْضًا مِنْهُ ) الْمَبْذُولُ وَهَلْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَمْسِكَ مَا يَأْخُذُهُ وَيَرُدُّ بَدَلَهُ ؟ فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِي الْعَيْنِ الْمُقْرَضَةِ إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً هَلْ لِلْمُقْرَضِ إمْسَاكُهَا وَرَدُّ بَدَلِهَا ؟
الثَّانِيَةُ : مَنْ مَلَكَ شَيْئًا لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً بِالتَّمْلِيكِ بِأَنْوَاعِهِ ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَبِالْإِبْرَاءِ ، إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ كَإِسْقَاطِ الْأَبِ حَقَّ الْوِلَايَةِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ أَوْ التَّزْوِيجِ لَا يَسْقُطُ ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ اسْتِحْقَاقُ حَقٍّ كَهِبَةِ الْمَرْأَةِ نَوْبَتَهَا لِضَرَّتِهَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَهَا وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ شَائِعًا بَيْنَ بَقِيَّةِ النِّسَاءِ ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ فَإِنْ كَانَ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي صُورَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ ، وَكَذَلِكَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ وَالتَّحَجُّرُ وَمَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ .
وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ إذَا كَانَ لِإِنْسَانٍ غَرَضٌ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَاسْتَنْزَلَ عَنْهَا زَوْجُهَا بِمَالٍ جَازَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يُسْتَدَلُّ لَهُ بِقِصَّةِ ( سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ) حَيْثُ قَالَ ( لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ) : ( اُنْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ شِئْت أَنْزِلُ لَك عَنْهَا ) فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ .
وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ اسْتِنْبَاطُهُ مِنْ صُورَةِ الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِضَرُورَةِ الِافْتِدَاءِ وَخَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَةِ ( مَا بَذَلَهُ ) .
نَعَمْ وَرَدَ أَنَّ ( الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ) نَزَلَ عَنْ الْخِلَافَةِ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ قَالَ ( ابْنُ بَطَّالٍ ) فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ } وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ ( فِيهِ ) مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الِانْخِلَاعِ مِنْ الْخِلَافَةِ وَالْعَهْدِ بِهَا عَلَى أَخْذِ مَالٍ جَائِزٌ لِلْمُخْتَلَعِ وَالْمَالُ لَهُ طَيِّبٌ ،
وَكَذَلِكَ هُوَ جَائِزٌ لِلْمُصَالِحِ الدَّافِعِ لِلْمَالِ وَكَانَ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلَ الْحَسَنِ : إنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمَجْبُولُونَ عَلَى الْكَرَمِ وَالتَّوَسُّعِ لِمَنْ حَوَالَيْنَا مِنْ الْأَهْلِ وَالْمَوَالِي ، وَقَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ مَا صَارَتْ لَنَا بِهِ عَادَةُ اتِّفَاقٍ وَإِفْضَالٍ عَلَى الْأَهْلِ وَالْحَاشِيَةِ فَإِنْ ، تَخَلَّيْت عَنْ هَذَا الْأَمْرِ قَطَعْنَا الْعَادَةَ فَقَالَ ( مُعَاوِيَةُ ) : نَفْرِضُ لَك مِنْ الْمَالِ ( عَلَى الْعَامِ ) كَذَا وَمِنْ الْأَقْوَاتِ وَالثِّيَابِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ لِكُلِّ مَا ذَكَرْت فَصَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ .
الثَّالِثَةُ : اتِّبَاعُ خَيْرِ " الْخَيْرَيْنِ مَطْلُوبٌ وَاجْتِنَابُ شَرِّ الشَّرَّيْنِ ( فِيهِ ) مَرْغُوبٌ .
الرَّابِعَةُ : حَدِيثُ النَّفْسِ الْوَارِدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ ( فِي الْقَلْبِ ) مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الشَّرِّ مَكْتُوبٌ فِي الْخَيْرِ فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْقَلْبِ وَوَقَعَ الْإِصْرَارُ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ فِي الْمُحَرَّمِ وَيَنْقُصُ الْأَجْرُ فِي الْمَكْرُوهِ وَيُتَجَاوَزُ عَنْهُ فِي الْمُبَاحِ وَيَزْدَادُ الْأَجْرُ بِهِ فِي الْوَاجِبِ ( وَالْمَنْدُوبِ وَالْعَمَلِ ) بِمَا اسْتَقَرَّ ( يَنْزِلُ ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي زِيَادَةِ الْأَجْرِ وَحُصُولِ الْإِثْمِ وَعَدَمِهِمَا وَسَبَقَ ( فِي حَرْفِ الْحَاءِ ) .
الْخَامِسَةُ : الْأَخْذُ بِالرُّخَصِ وَالْعَزَائِمِ فِي مَحَلِّهَا مَطْلُوبٌ رَاجِحٌ فَإِذَا قَصَدَ بِالرُّخْصَةِ قَبُولَ فَضْلِ اللَّهِ ( تَعَالَى ) كَانَ أَفْضَلَ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ } إذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَطْلُوبُ الشَّرْعِ الْوِفَاقُ وَرَدُّ الْخِلَافِ إلَيْهِ .
وَلِهَذَا كَانَ عَمَلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْعَزَائِمِ وَالْعَمَلِ بِالْمُخْتَلِفِ فِيهِ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ ( فَإِذَا وَقَعَ لِلْإِنْسَانِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَأَمْكَنَهُ الْأَخْذُ فِيهِ بِالْعَزِيمَةِ ) ( فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ ) ( وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقُوَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْأَخْذُ بِالْعَزِيمَةِ ) أَخَذَ بِالرُّخْصَةِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقُوَّةِ ( وَإِنْ ) كَانَ رَاجِحًا ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ ( الضَّعْفِ ) إنْ كَانَ مَرْجُوحًا فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُخَالَفَةِ الْمَحْضَةِ .
إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَتَقَلَّدْ أَمْرًا لِلْمُسْلِمِينَ رُخْصَةً وَعَزِيمَةً إلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَوَاعِدِ فَلْتَعْرِفْ مَقَاصِدَهُمْ وَتَقْتَدِي بِأَفْعَالِهِمْ .
السَّادِسَةُ : الشَّرِيعَةُ قِسْمَانِ مَأْمُورَاتٌ وَمَنْهِيَّاتٌ وَاعْتِنَاءُ الشَّرْعِ بِالْمَنْهِيَّاتِ فَوْقَ اعْتِنَائِهِ بِالْمَأْمُورَاتِ .
وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ } .
وَمِنْ ثَمَّ سُومِحَ فِي تَرْكِ ( بَعْضِ ) الْوَاجِبَاتِ بِأَدْنَى مَشَقَّةٍ فِي الْإِقْدَامِ كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الصَّوْمِ .
وَالْفَاقِدِ لِلْمَاءِ يَعْدِلُ لِلتَّيَمُّمِ وَلَمْ يُسَامَحْ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ ) وَخُصُوصًا الْكَبَائِرَ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْقَتْلِ ( أَوْ الزِّنَى أَوْ الْمُضْطَرَّ ) إلَى تَنَاوُلِ الْخَمْرِ لَا يُبَاحُ لَهُمْ وَإِنْ عَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي التَّرْكِ حَتَّى بَلَغَتْ الرُّوحَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَامَحَةَ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْسَعُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ فِي فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ بَلَغَ الْعُذْرُ نِهَايَتَهُ ( وَانْبَنَى ) عَلَى ذَلِكَ قَوَاعِدُ : مِنْهَا : أَنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ وَهُوَ عُذْرٌ فِي الْمَنْهِيَّاتِ وَقَدْ ( سَبَقَتْ ) .
الْمُطَارَحَاتُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي أَوَّلِ الْمُطَارَحَاتِ التَّحَاسُدُ عَلَى الْعِلْمِ دَاعِيَةُ التَّعَلُّمِ وَمُطَارَحَةُ الْأَقْرَانِ فِي الْمَسَائِلِ ذَرِيعَةٌ إلَى الدِّرَايَةِ وَالتَّنَاظُرُ فِيهَا يُنَقِّحُ الْخَوَاطِرَ وَالْأَفْهَامَ ، وَالْخَجَلُ الَّذِي يَحِلُّ بِالْمَرْءِ مِنْ غَلَطِهِ يَبْعَثُهُ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِ الْعِلْمِ لِيَعْلَمَ وَيَتَصَفَّحَ الْكُتُبَ فَيَتَسَبَّبُ بِذَلِكَ إلَى بَسْطِ الْمَعَانِي وَيَحْفَظُ الْكُتُبَ .
مَسْأَلَةٌ : رَجُلٌ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِخَمْسِ وُضُوآت فَلَمَّا فَرَغَ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ مَسْحَ الرَّأْسِ فِي أَحَدِهَا وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُ فَجَاءَ إلَى الْمُفْتِي وَلَمْ يُحْدِثْ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ ) : تَوَضَّأْ وَأَعِدْ الْخَمْسَ ( فَتَوَضَّأَ وَأَعَادَ الْخَمْسَ ) فَلِمَا فَرَغَ تَيَقَّنَ أَنَّهُ ( تَرَكَ ) مَسْحَ الرَّأْسِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ أَيْضًا فَجَاءَ إلَى الْمُفْتِي فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ( لَهُ ) : تَوَضَّأْ وَأَعِدْ الْعِشَاءَ ( الْآخِرَةَ ) .
وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ ذَلِكَ وَحَلُّهُ أَنَّ وُضُوءَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَتَرَكَ الْمَسْحَ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَعَادَ الْخَمْسَ ( بِوُضُوءٍ صَحِيحٍ ) وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا بِأَنْ يَكُونَ تَرَكَ الْمَسْحَ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا الْعِشَاءُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْمَسْحَ فِيهِ وَغَيْرُهُ وَقَعَ صَحِيحًا ، وَلَوْ لَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ فِي الْأُولَى بَلْ أَعَادَ الْخَمْسَ مُعْتَقِدًا لِلطَّهَارَةِ كَانَ كَمَا لَوْ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَتَرَكَ فِيهِ مَسْحَ الرَّأْسِ فَلَا ( يَلْزَمُهُ إلَّا إعَادَةُ ) الْعِشَاءِ .
قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْعَالِمُ ( مَعَ أَصْحَابِهِ ) ( تَشْحِيذًا ) لِلْأَذْهَانِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ النَّخْلَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الزُّهْرِيُّ ) قَالَ ( سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ) : حَدِّثُونِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ يُتَشَهَّدُ فِيهِنَّ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فَإِذَا سُئِلَ عَنْهَا قَالَ : تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ يَسْبِقُ الرَّجُلُ ( فِيهَا ) بِرَكْعَةٍ ، ثُمَّ يُدْرِكُ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَتَشَهَّدُ ( فِيهِمَا ) .
قُلْت : وَيُتَصَوَّرُ فِيهَا أَرْبَعُ تَشَهُّدَاتٍ كَأَنْ يُدْرِكَ الْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِتَشَهُّدَيْنِ وَيُتَصَوَّرُ فِيهَا خَمْسَةٌ بِأَنْ يَشُكَّ ( وَهُوَ ) فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فِي رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَيَتَشَهَّدُ .
وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ ( قَالَ ) لَمَّا قَدِمَ ( عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ ) الْعِرَاقَ قَصَدْنَاهُ وَامْتَحَنَّاهُ بِمَسَائِلَ ( عَوِيصَةٍ مِنْ فِقْهِ ) أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فَأَجَابَ عَنْهَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا ثَوْرٍ بِمَاذَا تَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ قُلْت : بِفَرْضٍ ، فَقَالَ : أَخْطَأْت ، قُلْت : بِنَفْلٍ ، قَالَ : أَخْطَأْت ، قُلْت : بِمَاذَا ؟ قَالَ : بِهِمَا ، وَهُمَا التَّكْبِيرُ وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ .
التَّكْبِيرُ فَرْضٌ ( وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ فِيهَا بِهِمَا ) تَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ .
قُلْت : وَتَجِيءُ ( مَسْأَلَةُ ) الِامْتِحَانِ بِمَا تُخْتَتَمُ الصَّلَاةُ .
وَيُحْكَى أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ لَمَّا حَجَّ وَمَعَهُ أَبُو يُوسُفَ حَضَرَ ( مَعَ ) مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِمَالِكٍ : مَا يَقُولُ الشَّيْخُ ( فِي الْمُحْرِمِ ) إذَا أَخَذَ فِي كُمِّهِ مِيزَانًا فَقَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهَلْ يَكُونُ لِلْمُحْرِمِ كُمٌّ ؟ فَقَالَ ( مَالِكٌ ) : مَا ذَهَبْتُ إلَى مَا ذَهَبْتَ إلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : عَادَةُ الشُّيُوخِ كَذَا تَارَةً يُخْطِئُونَ وَتَارَةً ( يُصِيبُونَ ) فَقَالَ مَالِكٌ : مَا عَلِمْت أَنَّهُ
يَسْتَهْزِئُ بِحَضْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنْ مَا تَقُولُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَوْمَ ) الْجُمُعَةِ بِعَرَفَاتٍ أَصَلَّى جُمُعَةً أَمْ ( صَلَّى ) ظُهْرًا مَقْصُورَةً ( لِأَنَّهُ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ ) ؟ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : صَلَّى جُمُعَةً ؛ ( لِأَنَّهُ ) خَطَبَ ( لَهَا ) قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَالِكٌ : أَخْطَأَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ السَّبْتِ لَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ ؛ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : مَا الَّذِي صَلَّاهَا ؟ فَقَالَ مَالِكٌ : صَلَّى ظُهْرًا مَقْصُورَةً ؛ لِأَنَّهُ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ فَصَوَّبَهُ هَارُونُ فِي احْتِجَاجِهِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ : إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ( يَقُولُ ) : أَبَا يُوسُفَ بَلْ يَقُولُ : يَا يَعْقُوبُ .
( وَمِنْ الْمُمْتَحَنَاتِ مِنْ عَوِيصِ مَسَائِلِ الْمِفْتَاحِ ) لِابْنِ الْقَاصِّ رَمَى رَجُلَانِ صَيْدًا فَقَتَلَاهُ كَانَ حَرَامًا وَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَالَ ( الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ ) تِلْمِيذُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ : سَأَلَنِي بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ فَقُلْت : لَيْسَتْ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ صَيْدٌ مُحَرَّمٌ يُمْلَكُ وَيَكُونُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صُورَتَيْنِ : فَالصُّورَةُ الْأُولَى الَّتِي يَكُونُ فِيهَا حَرَامًا إذَا أَثْبَتَهُ أَحَدُهُمَا وَرَمَاهُ الْآخَرُ فِي ( غَيْرِ ) الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ذَكَاتُهُ فِي ( غَيْرِ ) الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَقَدْ تَرَكَ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ السَّابِقُ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَحَالَفَا وَتَرَكَا .
وَأَمَّا الصُّورَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا نِصْفَيْنِ فَهِيَ إذَا أَثْبَتَ الْأَوَّلُ وَذَبَحَهُ الْآخَرُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَاخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ تَحَالَفَا وَجُعِلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، قَالَ الْقَاضِي : فَلَمَّا ذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ قَبْلَ قُدُمِي فَقُلْت لَهُ : مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : سَأَلْت عَنْ ذَلِكَ الْإِمَامَ الْمُتَوَلِّي مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَانَ آخِرَ جَوَابِهِ أَنِّي لَا أَعْلَمُ ، فَقُلْت لَهُ : وَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ أَنَّ مَا قُلْته صَحِيحٌ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا شَيْخٌ فَقِيهٌ مِنْ جِيلَانَ قَرَأَ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيِّ شَيْخِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ ( الشِّيرَازِيِّ ) وَالشَّيْخُ أَبُو حَاتِمٍ قَرَأَ عَلَى ابْنِ الْقَاصِّ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرْته فَعَلِمْت صِحَّتَهُ قَالَ الْفَارِقِيُّ : وَهَذَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ لِلْمُصَنِّفِينَ أَنْ يَضَعُوا ( فِي تَصَانِيفِهِمْ ) أَسْرَارًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهُمْ لِيَحْتَاجَ إلَى مُرَاجَعَتِهِمْ فِي شَرْحِهَا .
وَقَدْ كَانَ ( الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَيْضَاوِيُّ ) قَدْ اعْتَزَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي نَصْرِ بْنِ
الصَّبَّاغِ يُدَرِّسُ فِي مَسْجِدٍ فَأَشْكَلَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ السَّبَقِ وَالرَّمْيِ فَجَاءَ إلَى ابْنِ الصَّبَّاغِ رَاجَعَهُ فِيهَا ( فَذَكَرَهَا لَهُ ) فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُسَطَّرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، فَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ : لَوْ لَمْ تُسَطَّرْ هَكَذَا كَيْفَ كُنْت تَتْرُكُ التَّدْرِيسَ وَتَحْضُرُ لِلسُّؤَالِ .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْغَضَائِرِيُّ فِي كِتَابِ الْوَشَائِحِ سُئِلَتْ عَنْ قَوْلِ ( أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ ) فِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ : وَلَا يَرِثُ ( الْحَمْلُ ) إلَّا بِالْبَيِّنَةِ .
مَا صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؟ فَأَجَبْت : صُورَتُهَا مَمْلُوكَانِ سُبِيَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَأَعْتَقَهُمَا سَيِّدُهُمَا ثُمَّ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا أَخُوهُ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَطَلَبَ الْآخَرُ مِيرَاثَهُ ( نُظِرَ ) إلَى السَّيِّدِ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَرِثَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلسَّيِّدِ وَذَلِكَ ( سَبَبُ ) الْمِيرَاثِ ( فَمَنْ ) ادَّعَى شَيْئًا ( يَتَقَدَّمُ فَعَلَيْهِ ) إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ .
رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يُحْسِنُ النِّصْفَ الْأَوَّلَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَآخَرُ يُحْسِنُ النِّصْفَ الْآخَرَ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ : هَذَا مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ ( الْمُتَعَنِّتُ ) فَيُقَالُ : أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ .
( وَمِثْلُهُ ) أَنْ يُقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخَنَاثَى إمَامُهُمْ أَيْنَ يَقِفُ ؟ وَهَذَا مُحَالٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : سَأَلْت الْقَفَّالَ عَنْ تَجْدِيدِ التَّيَمُّمِ فَقَالَ : كِدْت تُغَالِطُنِي ، التَّجْدِيدُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي التَّيَمُّمِ ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَجُوزُ بِالطَّلَبِ وَطَلَبُ الْمَاءِ يُبْطِلُهُ فَإِذَا تَيَمَّمَ ثَانِيًا فَيَكُونُ هُوَ الْفَرْض .
قُلْت : وَفِي اعْتِرَاضِ الْقَفَّالِ عَلَى الْقَاضِي نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ ( قَدْ ) لَا يَجِبُ الطَّلَبُ لِلتَّيَمُّمِ إذَا قُطِعَ بِعَدَمِ الْمَاءِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ مَوْضِعِهِ .
وَفِي الذَّخَائِرِ أَنَّ الْقَفَّالَ قَالَ : لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَاءِ .
وَأَمَّا ( الْجُرْحُ ) فَيُجَدَّدُ الْمَغْسُولُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ ؟ وَجْهَانِ .
قَالَ الشَّاشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجَدَّدَ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِي ( النَّافِلَةِ ) .
اجْتَمَعَ أَبُ الْمُعْتِقِ وَمُعْتِقُ الْأَبِ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ أَبٌ وَمُعْتِقٌ كَانَ لَا مَحَالَةَ مُعْتِقًا وَكَانَ قَدْ مَسَّهُ الرِّقُّ ثُمَّ لَحِقَهُ الْعِتْقُ وَحِينَئِذٍ لَا وَلَاءَ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الِانْجِرَارِ فَلَا مَعْنَى لِمُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَطَلَبِ ( الْأَوْلَوِيَّةِ ) .
شَرْطُ السَّعْيِ وُقُوعُهُ بَعْدَ ( طَوَافِ مَا ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فَإِنْ قُلْت : هَلْ يَصِحُّ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ ؟ قُلْت : هَذَا مُغَالَطَةٌ ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَا يَصِحُّ قَبْلَ إتْمَامِ الْمَنَاسِكِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَبْلَ السَّعْيِ .
يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِنَا : إذَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ ( بِجِمَاعٍ فِي يَوْمَيْنِ ) لُزُومَ كَفَّارَتَيْنِ وُجُوبُ النِّيَّةِ لِكُلِّ ( يَوْمٍ ) وَقَدْ وَافَقْنَا الْمَالِكِيَّةَ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَوَجْهُ الْإِلْزَامِ ( إمَّا أَنْ ) يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ ( مُتَّحِدًا ) فَمَا وَجْهُ ( تَعَدُّدِ ) الْكَفَّارَةِ ، وَإِنْ ( كَانَا ) عِبَادَتَيْنِ فَيَلْزَمُ لِكُلِّ ( وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) نِيَّةٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا ( كَانَتْ تَفْتَقِرُ ) إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ صَارَتْ كَالْوَاحِدَةِ .
قُلْنَا : كَفَى بِاللَّيْلِ فَاصِلًا .
وَكَانَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ يَحْكِي أَنَّ الشَّيْخَ شَمْسَ الدِّينِ ( الْأَصْفَهَانِيَّ ) كَانَ يَحْفَظُ مِائَةَ نُكْتَةٍ فِي الْجَدَلِ وَكَانَ شَيْخُهُ ( التَّاجُ الْأُرْمَوِيُّ ) يَحْفَظُ أَلْفَ نُكْتَةٍ فِي الْجَدَلِ وَكَانَ أُسْتَاذُهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ يَحْفَظُ عَشْرَةَ آلَافِ نُكْتَةٍ فِي الْجَدَلِ .
( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا دَائِمًا أَبَدًا وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
عَلَّقَ هَذِهِ النُّسْخَةَ بِيَدِهِ الْفَانِيَةِ عَلِيٌّ عَبْدُ الْمُحْسِنِ عَلِيٌّ عُمَرُ الرَّاجِي عَفْوًا بِهِ وَمَغْفِرَتَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدِيهِ وَلِمَنْ نَظَرَ فِيهِ وَدَعَا لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ .
وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَثَمَانِي مِائَةٍ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) .