كتاب : المنثور في القواعد
المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
التَّقْوِيمُ يُعْتَبَرُ فِي الْمَغْصُوبِ بِغَالِبِ النُّقُودِ لَا بِأَدْنَاهَا وَفِي السَّرِقَةِ أَطْلَقَ الدَّارِمِيُّ أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِأَدْنَى دَنَانِيرِ الْبَلَدِ وَقَضِيَّتُهُ ذَلِكَ وَإِنْ غَلَبَ رَوَاجُ الْأَعْلَى .
وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ خَالِصَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَأَحَدُهُمَا أَعْلَى قِيمَةً مِنْ الْآخَرِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ دَنَانِيرِ الْبَلَدِ فِي زَمَانِ السَّرِقَةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِأَيِّهِمَا يُقَوَّمُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْأَدْنَى اعْتِبَارًا بِعُمُومِ الظَّاهِرِ ( الثَّانِي ) بِالْأَعْلَى دَرْءًا لِلْقَطْعِ بِالشُّبْهَةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِسَرِقَةٍ فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقَ نِصَابًا وَالْآخَرُ دُونَهُ فَلَا قَطْعَ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ نِصَابٌ وَقَوَّمَهُ آخَرُ بِدُونِهِ فَلَا قَطْعَ وَيُؤْخَذُ فِي الْغُرْمِ بِالْأَقَلِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَفِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَوْفَرَ الْقِيمَتَيْنِ وَقِيلَ : بَلْ أَقَلُّهُمَا وَذَلِكَ مُتَعَيَّنٌ وَقَالُوا فِي الزَّكَاةِ لَوْ تَمَّ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْمَوَازِينِ وَنَقَصَ فِي بَعْضٍ لَمْ تَجِبْ فِي الْأَصَحِّ وَالسَّرِقَةُ أَوْلَى بِذَلِكَ فَإِنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَهَا هُنَا ضَابِطٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى التَّقْوِيمِ وَعُرِضَ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَحَكَمُوا بِالتَّقْوِيمِ تَقْرِيبًا فَهُوَ الْمُتَّبَعُ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ وَإِنْ تَطَرَّقَ إلَيْهِ تَقْدِيرُ النُّقْصَانِ ظَنًّا .
إلَّا فِي بَابِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لِسُقُوطِ الْقَطْعِ بِالشُّبْهَةِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْقِرَاضِ وَقَالَ فِي بَابِ السَّرِقَةِ لَوْ بَلَغَ قِيمَةُ الْغَرَضِ الْمَسْرُوقِ بِالِاجْتِهَادِ رُبْعَ دِينَارٍ فَقَدْ يُؤْخَذُ لِلْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَقْطَعْ الْمُقَوِّمُونَ بِبُلُوغِهَا نِصَابًا .
الْأَحْكَامُ التَّقْدِيرِيَّةُ ( مِنْهَا ) الْمِلْكُ فِي الْعِتْقِ الْمُسْتَدْعَى ، وَالدِّيَةُ يُقَدَّرُ دُخُولُهَا فِي مِلْكِ الْقَتِيلِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهَا دُيُونَهُ وَقِيلَ : تَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً .
وَلَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ بَلَغَ وَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَرْجِعُ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَى الِابْنِ أَوْ لِلْأَبِ وَجْهَانِ .
وَمَنْ قَالَ يَرْجِعُ لِلْأَبِ فَقَدْ نَازَعَ فِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الصَّدَاقُ فِي مِلْكِهَا إلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الِابْنِ .
وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفٍ وَتَبَرَّعَ عَنْهُ آخَرُ بِالثَّمَنِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّ الْمَبِيعَ هَلْ يَرُدُّ الْمُؤَدَّى إلَى الْمُشْتَرِي أَمْ إلَى الْمُتَبَرِّعِ ؟ وَالْقَوْلُ بِرَدِّهِ إلَى الْمُتَبَرِّعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ هُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ .
تَلْقِينُ الْإِمَامِ يُشْرَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ وَلَا يُلَقَّنُ مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ بَلْ حَتَّى يَقِفَ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي .
( الثَّانِي ) فِي الْخُطْبَةِ إذَا حَضَرَ ، وَلَا يُلَقَّنُ حَتَّى يَسْكُتَ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ .
قَالَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ يَفْتَحُ لَهُ وَقَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ فَإِنْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ لُقِّنَ فِي الْخُطْبَةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُلَقَّنُ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَحَيْثُ قَالَ يُلَقَّنُ إذَا وَقَفَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِ وَحَيْثُ قَالَ لَا يُلَقَّنُ إذَا كَانَ تَرَدَّدَ لِيَفْتَحَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ إنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إنْ فَتَحَ عَلَيْهِ انْطَلَقَ فَتَحَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْهَشُ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ .
التَّمَنِّي أَنْوَاعٌ ( إحْدَاهَا ) : تَمَنِّي الرَّجُلِ حَالَ أَخِيهِ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا عَلَى أَنْ يَذْهَبَ مَا عِنْدَهُ وَهَذَا حَرَامٌ فَإِنَّهُ الْحَسَدُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى مَا فِي تَمَنِّي زِينَةِ الدُّنْيَا وَكَثْرَةِ مَتَاعِهَا الْمُطْغِي بِقِصَّةِ ( قَارُونَ ) وَمَنْ تَمَنَّى مِثْلَ مَا أُوتِيَ ( قَارُونُ ) حَتَّى شَهِدُوا الْمِنَّةَ فِي الْمَنْعِ لَا فِي الْإِعْطَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ ( الْوَاحِدِيُّ ) فِي الْبَسِيطِ ، ( وَابْنُ فُورَكٍ ) فِي مُشْكِلِهِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّمَنِّيَ فِي قَوْله تَعَالَى ( { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } ) عَلَى التَّحْرِيمِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ : لَيْتَ مَالَ فُلَانٍ لِي ، وَإِنَّمَا لَيْتَ لِي مِثْلَهُ وَحَكَوْا عَنْ ( الْفَرَّاءِ ) أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَغَلَّطُوهُ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَنْصَرِفُ عَنْ مُقْتَضَاهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ تَعْلِيقِهِ : كَمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ يَحْرُمُ التَّفَكُّرُ فِيهِ بِقَلْبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( { لَا تَتَمَنَّوْا } ) .
الْآيَةَ ، فَمَنَعَ مِنْ التَّمَنِّي مِمَّا لَا يَحِلُّ كَمَا مَنَعَ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } لَكِنَّ النَّظَرَ يَفْسُقُ بِهِ وَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بِخِلَافِ الْفِكْرِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَتَّى لَوْ أَخْبَرْنَا بِهِ ، كَانَ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ .
الثَّانِي : أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ مَا لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَتِهِ عَنْهُ ، فَهَذَا غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَعَلَيْهِ جَاءَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ( { لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ } ) ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ ( الْغِبْطَةُ ) .
وَنَبَّهَ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَلَى أَنَّ مَا يَتَمَنَّى بِهِ كَرَامَةَ الْآخِرَةِ لَا يُنْهَى عَنْهُ .
الثَّالِثُ : تَمَنِّي فِعْلِ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ شَقَّتْ عَلَيْهِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَنْ طَلَبَ
الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا ، وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ ، وَقَدْ ثَبَتَ تَمَنِّي الشَّهِيدِ فِي الْبَرْزَخِ الرُّجُوعَ إلَى الدُّنْيَا وَهُوَ دَلِيلٌ لِجَوَازِ ذَلِكَ .
وَفِي الْحَدِيثِ { وَدِدْت أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ } .
وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ سُؤَالَ الشَّهَادَةِ وَهِيَ قَتْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ ، وَقَتْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ مَعْصِيَةٌ .
وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَحْصُلُ فِي الْحَرْبِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ غَيْرِ قَتْلِ الْكَافِرِ .
( وَثَانِيهِمَا ) أَنَّ الشَّهَادَةَ لَهَا جِهَتَانِ إحْدَاهُمَا حُصُولُ تِلْكَ الْحَالَةِ الشَّرِيفَةِ فِي رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الْمَسْئُولَةُ ، وَالثَّانِيَةُ : قَتْلُ الْكَافِرِ وَهِيَ كَذَلِكَ .
الرَّابِعُ : تَمَنِّي لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ } ، وَهَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى تَمَنِّي لِقَائِهِ إدْلَالًا بِالْقُوَّةِ ، وَاعْتِمَادًا عَلَيْهَا .
فَأَمَّا تَمَنِّي ذَلِكَ ، لِإِقَامَةِ الْجِهَادِ اعْتِمَادًا عَلَى اللَّهِ ( تَعَالَى ) دُونَ الْقُوَى وَالْأَسْبَابِ مِنْ الْإِنْسَانِ فَحَسَنٌ ، لِأَنَّ تَمَنِّي الْفَضَائِلِ وَسِيلَةٌ إلَيْهَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي كِتَابِ الشَّجَرَةِ وَقَالَ صَاحِبُهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ، لَمَّا كَانَ لِقَاءُ الْمَوْتِ مِنْ أَشَقِّ الْأَشْيَاءِ وَأَصْعَبِهَا عَلَى النُّفُوسِ وَكَانَتْ الْأُمُورُ الْمُقَدَّرَةُ عِنْدَ النَّفْسِ لَيْسَتْ كَالْأُمُورِ الْمُحَقَّقَةِ لَهَا خَشِيَ أَلَّا يَكُونَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ ، كَمَا يَنْبَغِي ، فَكُرِهَ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ لِذَلِكَ .
الْخَامِسُ : فِي تَمَنِّي الْمَوْتِ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِضَرَرٍ نَزَلَ بِهِ ، فَإِنَّ طُولَ الْعُمْرِ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ قِصَرِهِ لِيَسْتَعْتِبَ مِنْ إسَاءَتِهِ وَيَسْتَكْثِرَ مِنْ طَاعَاتِهِ ، فَإِذَا تَمَنَّى الْمَوْتَ كَانَ تَمَنِّيًا لِفَوَاتِ الطَّاعَاتِ ، أَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى دِينِهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ ، فَلَا
يُكْرَهُ ، بَلْ قَدْ يُسْتَحَبُّ وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ( أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ ) ( وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ) السَّادِسُ : فِي تَمَنِّي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ مَعَ إهْمَالِ الطَّاعَاتِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى } وَفِي الْحَدِيثِ { الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ } .
السَّابِعُ : تَمَنِّي خِلَافِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَهُوَ مَذْمُومٌ وَلِلشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِيهِ نَصَّانِ : أَحَدُهُمَا : قَالَ فِي الْأُمِّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ ، وَقَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ لَا يَسْتَرِقُّ عَرَبِيٌّ قَالَ ( الْإِمَامُ ) ( الشَّافِعِيُّ ) ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) ، لَوْلَا أَنَّا نَأْثَمُ بِالتَّمَنِّي لَتَمَنَّيْنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا هَكَذَا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَغَيُّرَ الْأَحْكَامِ ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ التَّمَنِّيَ كُلَّهُ حَرَامٌ .
وَالثَّانِي : فِي طَبَقَاتِ الْعَبَّادِيِّ عَنْ ( ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ) ، سُئِلَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) عَنْ نِكَاحِ الْعَامَّةِ الْهَاشِمِيَّاتِ ، فَقَالَ إنَّهُ جَائِزٌ وَوَدِدْت ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، إلَّا أَنِّي لَا أَرَى فَسْخَهُ وَالْمَنْعَ مِنْهُ ، لِأَنِّي سَمِعْت اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } انْتَهَى .
وَهَذَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَحْكَامِ ، أَمَّا فِي وَقْتِ النَّسْخِ ، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَمَّا أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَكَانَ يَتَمَنَّى التَّوَجُّهَ لِلْكَعْبَةِ فَنَوَّلَهُ اللَّهُ ( تَعَالَى ) مُرَادَهُ .
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ، أَنَّ مَنْ يَتَمَنَّى تَحْلِيلَ مَا كَانَ حَرَامًا ، إنْ كَانَ مُبَاحًا ، ثُمَّ حَرُمَ لَمْ يَكْفُرْ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَحِلَّ فَقَطْ وَفِيهِ نَظَرٌ .
الثَّامِنُ : أَنْ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ( تَعَالَى ) مِنْ غَيْرِ أَنْ ( تَقْتَرِنَ ) أُمْنِيَّتُهُ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى : { وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ } .
( قَالَ ) بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلَى ، لِمَنْ سَأَلَ اللَّهَ ( سُبْحَانَهُ ) ( وَتَعَالَى ) مِنْ الْمَتَاعِ ( الْفَانِي ) أَنْ يَقْرِنَ ( بِرَغْبَتِهِ ) سُؤَالَهُ التَّوْفِيقَ لِلْعَمَلِ لِلَّهِ ( تَعَالَى ) بِالطَّاعَةِ وَالْعِصْمَةِ مِنْ التَّعَرُّضِ بِهِ لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } وَهَذَا تَفْسِيرُ حَدِيثِ ( ابْنِ مَسْعُودٍ ) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { اسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ } ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ بِفَضْلِ اللَّهِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَهُ .
هُوَ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُفْرَحَ بِهِ .
وَأَمَّا الْإِقْتَارُ وَضَرَرُ الْأَبْدَانِ ، فَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ فِيهَا انْتِظَارُ الْفَرَجِ .
فُرُوعٌ : قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ : مَنْ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا إنْ تَمَنَّى فِي زَمَنِ نَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّبِيُّ دُونَ الَّذِي نُبِّئَ بِالْحَقِيقَةِ ، فَقَدْ كَفَرَ ، وَكَذَا لَوْ تَمَنَّى بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَبِيًّا ، لِأَنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شُرِّفَ بِخَتْمِ النُّبُوَّةِ وَأَمَّا مَنْ تَمَنَّى النُّبُوَّةَ فِي زَمَنِ جَوَازِهَا ، فَلَا يَكْفُرُ .
قَالَ : وَلَوْ كَانَ فِي قَلْبِ مُسْلِمٍ غِلٌّ عَلَى كَافِرٍ ، فَأَسْلَمَ ، فَحَزِنَ الْمُسْلِمُ لِذَلِكَ وَتَمَنَّى لَوْ عَادَ إلَى الْكُفْرِ ، لَا يَكْفُرُ ، لِأَنَّ اسْتِقْبَاحَهُ الْكُفْرَ ، هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى تَمَنِّيهِ لَهُ وَاسْتِحْسَانَهُ الْإِسْلَامَ ، هُوَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى كَرَاهَتِهِ لَهُ ، قَالَ : وَإِنَّمَا يَكُونُ تَمَنِّي الْكُفْرِ كُفْرًا ، إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ لَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِدُعَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا } .
قَالَ : تَمَنَّى أَنْ لَا يُؤْمِنُوا ، وَزَادَ عَلَى التَّمَنِّي بِأَنْ دَعَا
اللَّهَ بِذَلِكَ ، لَمَّا عَاتَبَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ ، لَوْ قُتِلَ عَدُوٌّ لِلْإِنْسَانِ ظُلْمًا ، فَفَرِحَ بِمَوْتِهِ ، هَلْ يَأْثَمُ ؟ قَالَ ، إنْ فَرِحَ بِكَوْنِهِ عَصَى اللَّهَ فِيهِ : فَنَعَمْ ، وَإِنْ فَرِحَ بِكَوْنِهِ خَلَصَ مِنْ شَرِّهِ ، فَلَا بَأْسَ لِاخْتِلَافِ سَبَبِ الْفَرَحِ ، فَإِنْ قَالَ : لَا أَدْرِي بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَرَحِي ، قُلْنَا لَا إثْمَ عَلَيْك ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَفْرَحَ بِمَصَائِبِ عَدُوِّهِ ، لِأَجْلِ الِاسْتِرَاحَةِ .
التَّنْكِيرُ يَقْتَضِي التَّوْحِيدَ وَهُوَ يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُطْلَقَ وَالنَّكِرَةَ سَوَاءٌ يَدُلُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَبَيَانُهُ أَنَّ التَّنْوِينَ يَدُلُّ عَلَى الْمِقْدَارِ بِدَلِيلِ وُقُوعِهِ جَوَابًا عَنْهُ ، إذَا قِيلَ كَمْ رَأَيْت مِنْ الرِّجَالِ ، فَيَقُولُ رَأَيْت رَجُلًا .
وَالسُّؤَالُ عَنْ الْمِقْدَارِ ، إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِالْمِقْدَارِ ، فَعَلِمَ أَنَّ لِلتَّنْوِينِ دَلَالَةً عَلَى الْمِقْدَارِ ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ ، فَحِينَئِذٍ ، فَقَوْلُهُ أَعْتِقْ رَقَبَةً بِمَثَابَةِ أَعْتِقْ رَقَبَةً وَاحِدَةً لَا سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَةِ الْحَنَفِيَّةِ ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ انْضِمَامَ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْأَعْدَادِ إلَى الْوَاحِدِ يُبْطِلُ وَحْدَةَ الْوَاحِدِ .
التَّوَاطُؤُ قَبْلَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ ( الْمَشْرُوطِ ) فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ .
كَمَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى مَهْرٍ سِرًّا ، وَأَعْلَنُوا زِيَادَةً ، وَكَمَا لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا : هَذَا الثَّوْبُ هَرَوِيٌّ ، فَقَالَ لَهَا : إنْ أَعْطَيْتنِي هَذَا الثَّوْبَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَأَعْطَتْهُ ، فَبَانَ مَرْوِيًّا .
وَلَوْ تَوَاطَأَ عَلَى الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا ، ثُمَّ عَقَدَاهُ ، فَهَلْ يَبْطُلُ ، وَجْهَانِ : مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّوَاطُؤَ ، هَلْ يُلْحَقُ بِالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا لَا : فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْقَرْضُ .
قَالَ فِي الْكَافِي ، وَهَلْ يَحِلُّ بَاطِنًا يَحْتَمِلُ ( وَجْهَانِ ) : أَصَحُّهُمَا عِنْدِي يَحِلُّ لِحَدِيثِ عَامِلِ أَهْلِ ( خَيْبَرَ ) .
وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا وَقَالَ إنْ كَانَ يَكْفِينِي هَذَا قَبَاءً فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ ( فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ وَلَوْ قَالَ أَيَكْفِينِي هَذَا قَبَاءً فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ اقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَطْعًا .
التَّوْبَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ التَّوْبَةُ لُغَةً : الرُّجُوعُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ عَنْ ذَنْبٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { إنِّي لَأَتُوبُ إلَى اللَّهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً } فَإِنَّهُ رَجَعَ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِمَصَالِحِ الْخَلْقِ ( إلَى الْحَقِّ ) { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } ثُمَّ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَشْرِيعًا وَلِيَفْتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِلنَّاسِ كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا صَلَّى وَصَامَ وَنَكَحَ لَنَا ( أَيْ ) لِيُعَلِّمَنَا كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ ( سُئِلَ ) بَعْضُ أَكَابِرِ الْقَوْمِ عَنْ قَوْله تَعَالَى { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ } مِنْ أَيْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ عَرَّضَ بِتَوْبَةِ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ سَتْرًا لِمَنْ أَذْنَبَ يُشِيرُ الشَّيْخُ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَقَامًا مِنْ الْمَقَامَاتِ الصَّالِحَةِ إلَّا تَابِعًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْلَا ذِكْرُ تَوْبَتِهِ عَلَيْهِ مَا حَصَلَ لِأَحَدٍ تَوْبَةٌ وَأَصْلُ هَذِهِ التَّوْبَةِ أَخْذُ الْعَلَقَةِ مِنْ صَدْرِهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ ( هَذِهِ حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْك ) وَهَذَا أَوْلَى مَا يُقَالُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَيُعْتَمَدُ .
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَالرُّجُوعُ عَنْ ( التَّعْوِيجِ ) إلَى سُنَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ .
وَالتَّوْبَةُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ ، لَا يَتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا أَحَدٌ مِنْ الْبَشَرِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةِ الْجَوَارِحِ وَإِنْ تَصَوَّرَ خُلُوَّهُ عَنْهَا لَمْ يَخْلُ عَنْ الْهَمِّ بِالذُّنُوبِ وَلِأَنَّ تَصَوُّرَ خُلُوِّهِ عَنْهُ لَمْ يَخْلُ عَنْ وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ بِإِيرَادِ الْخَوَاطِرِ الْمُتَفَرِّقَةِ الْمُذْهِلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ( تَعَالَى ) وَإِنْ خَلَا عَنْهَا فَلَا يَخْلُو مِنْ غَفْلَةٍ وَقُصُورٍ فِي الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كُلُّ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَحْوَالِهِمْ وَمَقَامَاتِهِمْ وَالْكُلُّ يَفْتَقِرُ إلَى التَّوْبَةِ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمَقَادِيرِ : فَتَوْبَةُ
الْعَوَامّ مِنْ الذَّنْبِ وَالْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ وَمَنْ فَوْقَهُمْ مِنْ رُكُونِ الْقَلْبِ إلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
( الثَّانِي ) : فِي حُكْمِهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ فَمَنْ أَخَّرَهَا زَمَنًا يَتَّسِعُ لَهَا صَارَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَكَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ عِصْيَانُهُ بِتَكَرُّرِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَّسِعَةِ لَهَا فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْبَةٍ مِنْ تَأْخِيرِهَا قَالَ : وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ ( انْتَهَى ) .
وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَاعِدَتِنَا فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ إذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ أَعْلَى الْقِيَمِ لِأَنَّهُ عَاصٍ فِي كُلِّ زَمَنٍ إلَى آخِرِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ .
أَمَّا الْكَبَائِرُ فَبِالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ إطْلَاقِ غُفْرَانِ الذُّنُوبِ جَمِيعِهَا عَلَى فِعْلِ بَعْضِ الطَّاعَاتِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لِحَدِيثِ { الْوُضُوءُ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ } .
وَحَدِيثِ { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } { وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } { وَمَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } وَنَحْوُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى الصَّغَائِرِ فَإِنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا غَيْرُ التَّوْبَةِ وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَقَالَ فَضْلُ اللَّهِ أَوْسَعُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ كِتَابُ الِاعْتِكَافِ .
فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } قَالَ يُغْفَرُ لَهُ جَمِيعُ ذُنُوبِهِ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا وَحَكَاهُ ( ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ) فِي التَّمْهِيدِ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ ( قِيلَ : يُرِيدُ بِهِ أَبَا مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيَّ الْمُحَدِّثَ ) أَنَّ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ يُكَفِّرُهَا الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ قَالَ وَهُوَ
جَهْلٌ بَيِّنٌ وَمُوَافَقَةٌ لِلْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالتَّوْبَةِ مَعْنًى ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهَا فَرْضٌ وَالْفُرُوضُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بِقَصْدٍ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ } .
( وَأَمَّا ) التَّوْبَةُ مِنْ الصَّغَائِرِ فَوَاجِبَةٌ عِنْدَ ( الْأَشْعَرِيِّ ) ، وَخَالَفَ فِيهِ ( أَبُو هَاشِمٍ بْنُ الْجُبَّائِيِّ ) وَادَّعَى بَعْضُ أَئِمَّتِنَا الْإِجْمَاعَ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَنَسَبَ أَبَا هَاشِمٍ إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا تَابَ مِنْ الْكَبَائِرِ انْدَرَجَتْ الصَّغَائِرُ فِي ضِمْنِهَا ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْمَعَ فِي ذَلِكَ ، وَيُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي التَّوْبَةِ عَنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّغَائِرِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ ، أَمَّا التَّوْبَةُ عَنْهَا عَيْنًا أَوْ فِعْلَ مَا يُكَفِّرُهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ .
( وَقَالَ ) الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي أَحْكَامِهِ ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ بِالْعِبَادَاتِ ، هَلْ هُوَ مَشْرُوطٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدِهِمَا : ( نَعَمْ ) وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ } وَظَاهِرُهُ الشَّرْطِيَّةُ ، فَإِذَا اُجْتُنِبَتْ ، كَانَتْ مُكَفِّرَاتٍ لَهَا ، وَإِلَّا فَلَا .
وَذَكَرَ ( ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ ) ، أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ وَالشَّرْطُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّقْدِيرُ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ ، إلَّا الْكَبَائِرَ قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ لِمُطْلَقِ ( حَدِيثِ خُرُوجِ الْخَطَايَا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَعَ قَطْرِ الْمَاءِ ) وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ التَّكْفِيرَ ، هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوْبَةُ ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ فَمَنْ
جَعَلَ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ شَرْطًا فِي تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ ، لَمْ يَشْتَرِطْ التَّوْبَةَ ، وَجَعَلَ هَذِهِ خُصُوصِيَّةً لِمُجْتَنِبِ الْكَبَائِرِ ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ اشْتَرَطَ التَّوْبَةَ وَعَدَمَ الْإِصْرَارِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ( حَدِيثُ الَّذِي قَبَّلَ الْمَرْأَةَ ثُمَّ نَدِمَ فَأَخْبَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ كَفَّرَتْ عَنْهُ ) ، وَكَانَ النَّدَمُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ .
وَالنَّدَمُ تَوْبَةٌ ، لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّكْفِيرَ ، كَانَ بِنَفْسِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ بِمُجَرَّدِهَا تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا ، فَلَوْ اشْتَرَطْنَاهَا مَعَ الْعِبَادَاتِ ، لَمْ تَكُنْ الْعِبَادَاتُ مُكَفِّرَةً ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا مُكَفِّرَاتٌ ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ التَّوْبَةِ مَعَهَا .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ ، هَلْ هُوَ قَيْدٌ فِي التَّكْفِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ ، لَمْ يُغْفَرْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّغَائِرِ ( أَوْ هُوَ قَيْدُ التَّعْمِيمِ ، أَيْ تَعْمِيمِ الْمَغْفِرَةِ ) ، فَعَلَى هَذَا تُغْفَرُ الصَّغَائِرُ ، وَإِنْ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي التَّكْفِيرِ ، لِأَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } .
قَالَ صَاحِبُ ( الْإِحْيَاءِ ) ، ( وَاجْتِنَابُ ) الْكَبِيرَةِ ، إنَّمَا يُكَفِّرُ الصَّغِيرَةَ إذَا اجْتَنَبَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ ، كَمَنْ ( تَمَكَّنَ ) ( مِنْ امْرَأَةٍ وَيَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا فَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّظَرِ وَاللَّمْسِ ، فَإِنَّ مُجَاهَدَةَ نَفْسِهِ ) فِي الْكَفِّ عَنْ الْوِقَاعِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي تَنْوِيرِ قَلْبِهِ مِنْ إقْدَامِهِ عَلَى النَّظَرِ فِي إطْلَاقِهِ ، فَإِنْ كَانَ عِنِّينًا لَمْ يَكُنْ امْتِنَاعُهُ ، إلَّا بِالضَّرُورَةِ لِلْعَجْزِ أَوْ كَانَ قَادِرًا ، لَكِنْ امْتَنَعَ لِخَوْفٍ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ ( فَهَذَا ) لَا يَصْلُحُ لِلتَّكْفِيرِ أَصْلًا ، قَالَ وَكُلُّ مَنْ لَا يَشْتَهِي الْخَمْرَ بِطَبْعِهِ ، وَلَوْ ( أُتِيحَ )
لَهُ لَمَا شَرِبَهُ ، فَاجْتِنَابُهُ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ الصَّغَائِرَ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَاتُهُ كَسَمَاعِ الْمَلَاهِي .
الرَّابِعُ فِي شُرُوطِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ مُسْتَصْحَبَةً ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ : ( الْأَوَّلُ ) النَّدَمُ عَلَى الْفِعْلِ ، وَعَلَامَةُ صِحَّةِ النَّدَمِ ، رِقَّةُ الْقَلْبِ وَغَزَارَةُ الدَّمْعِ .
( وَالثَّانِي ) ، الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ .
( وَالثَّالِثُ ) : الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ ، لِعِلْمِهِ أَنَّ الْمَعَاصِيَ حَائِلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْبُودِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ غَيْرَ مُسْتَصْحَبَةٍ فَشَرْطَانِ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ .
وَفِي الْحَقِيقَةِ رُكْنُ التَّوْبَةِ النَّدَمُ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ { النَّدَمُ تَوْبَةٌ } ، لَكِنْ ، لَا يَتَحَقَّقُ النَّدَمُ إلَّا بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا ، إذْ يَسْتَحِيلُ تَقْدِيرُ أَنْ يَكُونَ نَادِمًا عَلَى مَا هُوَ مُصِرٌّ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ عَازِمًا عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ .
وَلِهَذَا قِيلَ فِي حَدِّ التَّوْبَةِ ذَوَبَانُ الْحَشَى لِمَا سَبَقَ مِنْ الْخَطَا .
وَلِهَذَا ، قِيلَ النَّدَمُ رُكْنُهَا ، وَالْآخَرَانِ شَرْطٌ .
وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّهُمَا شَطْرٌ أَوْ شَرْطٌ وَشَرْطُ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ ، أَنْ يَتْرُكَ الذَّنْبَ لِلَّهِ خَالِصًا ، كَمَا ارْتَكَبَهُ لِهَوَاهُ خَالِصًا .
قَالَ الْعَبَّادِيُّ : وَمَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً سِرًّا ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَنْدَمَ وَيُقْلِعَ عَنْهَا سِرًّا ، فَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ فَيَتُوبُ عَلَانِيَةً .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَقَدْ تَكُونُ التَّوْبَةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْعَزْمِ وَالْإِقْلَاعِ ، فَلَا يَسْقُطُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ بِالْمَعْجُوزِ عَنْهُ ، كَمَا لَا يَسْقُطُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بِمَا عَجَزَ عَنْهُ وَذَلِكَ كَتَوْبَةِ الْأَعْمَى عَنْ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ ، وَتَوْبَةِ الْمَجْبُوبِ عَنْ الزِّنَى قُلْت : وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) ، فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ .
قَالَ : لِأَنَّ التَّوْبَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نَدَمٍ يَبْعَثُ عَلَى التَّرْكِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ ،
وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَقَدْ انْعَدَمَ بِنَفْسِهِ لَا بِتَرْكِهِ إيَّاهُ .
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا ، مَا لَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ جُبَّ ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَيْئُهُ بِاللِّسَانِ ، بِأَنْ يَقُولَ : لَوْ قَدَرْت لَفِئْت ، وَلَا يَقُولُ إذَا ، وَاعْتَبَرَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنْ يَقُولَ مَعَهُ نَدِمْت عَلَى مَا كَانَ مِنِّي .
( فَرْعٌ ) مَنْ عَلِمَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) مِنْهُ الْإِصْرَارَ عَلَى ذَنْبٍ ، وَطَبَعَ عَلَى قَلْبِهِ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ .
امْتَنَعَتْ تَوْبَتُهُ مِنْهُ ، وَلَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ غَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَمْرَ يَكْفِي فِيهِ الْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ .
( فَرْعٌ ) هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّوْبَةِ عَلَى شَرْطٍ ؟ قِيلَ : لَا ، لِأَنَّهَا النَّدَمُ ، وَالنَّدَمُ عَلَى الْمَاضِي ، وَالتَّعْلِيقُ يَكُونُ فِي الِاسْتِقْبَالِ ، وَهَلْ يَصِحُّ عَلَى الذَّنْبِ الْمَظْنُونِ ، قِيلَ لَا ، وَقِيلَ : يَصِحُّ مِمَّا يَظُنُّ أَنَّهُ أَثِمَ بِهِ .
أَمَّا الْوُجُوبُ ، فَلَا يَجِبُ بِدُونِ تَحَقُّقِ الْإِثْمِ .
الْخَامِسُ : الْمَعْصِيَةُ ، إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ ، أَوْ لِآدَمِيٍّ .
الْأَوَّلُ : إنْ كَانَ تَرْكُ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمِ أَوْ زَكَاةٍ ، فَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْهُ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الْقَضَاءُ .
( وَالثَّانِي ) : التَّوْبَةُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَاجِبَةٌ ، وَمَظَالِمُ الْعِبَادِ فِيهَا أَيْضًا مَعْصِيَةٌ وَجِنَايَةٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ، نَهَى عَنْ ظُلْمِهِمْ ، فَيَجِبُ فِيهَا الشُّرُوطُ السَّابِقَةُ ، وَيَزِيدُ رَدُّ الظُّلَامَةِ .
ثُمَّ لَا يَخْلُو ، إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي النُّفُوسِ ، أَوْ الْأَمْوَالِ أَوْ الْأَعْرَاضِ أَوْ الْقُلُوبِ ، وَهُوَ الْإِيذَاءُ الْمَحْضُ : فَفِي النُّفُوسِ ، يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُسْتَحِقُّ وَيَقُولَ : إنْ شِئْت أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْعُقُوبَةَ وَإِنْ شِئْت فَاعْفُ .
قَالَ الْعَبَّادِيُّ : فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اُعْفُ عَنِّي ، لَا يَكُونُ تَمْكِينًا ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ
الْإِخْفَاءُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَى ، أَوْ بَاشَرَ مَا يَجِبُ فِيهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي التَّوْبَةِ أَنْ يَفْضَحَ نَفْسَهُ ، بَلْ عَلَيْهِ السِّتْرُ بِسِتْرِ اللَّهِ وَيُقِيمَ حَدَّ اللَّهِ ( تَعَالَى ) عَلَى نَفْسِهِ ، بِأَنْوَاعِ الْمُجَاهَدَةِ وَالتَّعْذِيبِ .
وَفِي الْأَعْرَاضِ ، يَأْتِي مَنْ اغْتَابَهُ وَيُخْبِرُهُ بِمَا قَالَ فِيهِ حَتَّى يَعْفُوَ عَنْهُ ، وَلَا يَكْفِي ( الْإِبْهَامُ عَلَى الْأَصَحِّ ) ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَصِحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِحْيَاءِ " قَالَ : اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَوْ ذَكَرَ ، أَوْ عَرَّفَهُ لَتَأَذَّى بِمَعْرِفَتِهِ كَزِنَاهُ بِجَارِيَتِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ نَسَبِهِ بِاللِّسَانِ إلَى عَيْبٍ مِنْ خَفَايَا عُيُوبِهِ ، يَعْظُمُ أَذَاهُ بِذِكْرِهِ ، فَقَدْ انْسَدَّ عَلَيْهِ طَرِيقُ الِاسْتِحْلَالِ فَلَيْسَ لَهُ ، إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْهُمَا وَيَبْقَى لَهُ مَظْلِمَةٌ ، فَلْيَجْبُرْهُ بِالْحَسَنَاتِ ، كَمَا يَجْبُرُ مَظْلِمَةَ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمُغْتَابَ ، فَقَالَ الْحَنَّاطِيُّ يَكْفِيهِ النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ ، وَزَادَ غَيْرُهُ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْلَاغُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، عَنْ الْإِمَامِ الْوَرَعِ ( عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ) ، وَقَدْ نَاظَرَ ( سُفْيَانُ ) فِي ذَلِكَ فَقَالَ : لَا يُؤْذِهِ مَرَّتَيْنِ .
فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ أَوْ تَعَسَّرَ لِغَيْبَتِهِ الْبَعِيدَةِ ، اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ ، كَذَا قَالَهُ الْحَنَّاطِيُّ ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُوَرِّثُونَ هَذَا الْحَقَّ .
وَأَمَّا الْحَسَدُ ، فَجَعَلَهُ الْعَبَّادِيُّ كَالْغَيْبَةِ ، وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ : الْمُخْتَارُ الْمَنْعُ ، وَلَوْ قِيلَ يُكْرَهُ لَمْ يُبْعِدْ وَفِي الْأَمْوَالِ ، فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا ، مَا دَامَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ غَائِبًا عَزَمَ عَلَى أَدَائِهِ ، إذَا ظَفِرَ بِهِ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ ، فَإِنْ مَاتَ دَفَعَ إلَى وَارِثِهِ ، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فَإِلَى الْحَاكِمِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ أَعْطَى ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ يُرْجَى لَهُ الْعَفْوُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ ، وَلَوْ كَانَ ( لَهُ ) عَلَى رَجُلٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ، وَلَمْ يُطَالِبْ حَتَّى مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِوَارِثِهِ هَكَذَا كُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ انْتَقَلَ لِلْآخَرِ ، وَقِيلَ إنْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِالْأَدَاءِ ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُ ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ اسْتَقْصَى فِي طَلَبِ حَقِّهِ ، فَيَبْقَى لَهُ ، وَلَكِنْ هَذَا بِشَرْطَيْنِ ، أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَى وَارِثِهِ ، وَلَا يُبْرِيهِ وَارِثُهُ ، فَإِنْ أَدَّى حَقَّهُ إلَى وَارِثِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ وَارِثُهُ سَقَطَ الْحَقُّ مِنْ ذِمَّتِهِ ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيمَا لَوْ قَصَّرَ الْمَدْيُونُ وَمَاتَ الْمُسْتَحِقُّ وَاسْتَحَقَّهُ وَارِثٌ بَعْدَ آخَرَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ، أَرْجَحُهَا ، وَبِهِ أَفْتَى الْحَنَّاطِيُّ أَنَّهُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَوَّلًا ، وَالثَّانِي لِآخَرَ وَارِثٍ ، وَالثَّالِثُ ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الرَّقْمِ ، أَنَّهُ يَكْتُبُ الْآخَرُ لِكُلِّ وَارِثٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ، ثُمَّ بَعْدَهُ لِمَنْ بَعْدَهُ .
السَّادِسُ : التَّوْبَةُ هَلْ تُسْقِطُ الْحَدَّ : يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَحْضَ حَقِّ الْآدَمِيِّ ، كَحَدِّ الْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ ، لَمْ ( يَسْقُطْ ) كَالدُّيُونِ .
وَلِهَذَا ، لَوْ أَتْلَفَ مَالًا ثُمَّ مَاتَ ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْغُرْمِ .
وَإِنْ كَانَ مَحْضَ حَقِّ اللَّهِ ( تَعَالَى ) وَتَابَ مِنْهُ إلَى اللَّهِ التَّوْبَةَ النَّصُوحَةَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ فَأَطْلَقَ الْحَلِيمِيُّ سُقُوطَ الْحَدِّ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَقَالَ ( تُبْت ) لَمْ يَسْقُطْ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمُحَارِبِينَ وَقَدْ عَلَّقَ ( الْإِمَامُ ) .
الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ فِي غَيْرِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ بِالتَّوْبَةِ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ .
قُلْت : أَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ يَتُوبُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ عَنْهُ وَقَطْعِ الرَّجُلِ وَالصَّلْبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } .
وَأَمَّا حَدُّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ فَفِي سُقُوطِهَا بِالتَّوْبَةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَرَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ السُّقُوطَ أَيْضًا كَالْحِرَابَةِ ( قَالُوا ) وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ إلَّا أَنَّ غَيْرَ الْمُحَارِبِ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ التَّوْبَةُ وَإِصْلَاحُ الْعَمَلِ وَالْمُحَارِبُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ التَّوْبَةُ فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الزِّنَى { فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا } وَفِي قَطْعِ السَّرِقَةِ ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ) وَقَالَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
وَلَك أَنْ تَقُولَ لِمَ لَا حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَعَلَّهُمْ بَنَوْهُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا لِعَدَمِ اطِّلَاعِنَا عَلَى خُلُوصِ التَّوْبَةِ أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَاَللَّهُ عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ فَإِذَا عَلِمَ خُلُوصَ تَوْبَةِ عَبْدٍ لَمْ يُطَالِبْهُ لِمَا أَخْبَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ لِذَلِكَ ) .
وَفِي أَمَالِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا قُلْنَا التَّوْبَةُ لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ فَأَيُّ شَيْءٍ تُسْقِطُهُ قُلْنَا تُسْقِطُ الْإِثْمَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ التَّوْبَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِوَى التَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ اطِّلَاعِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ ) لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ سَقَطَ شَرْطُ وُجُوبِ التَّمْكِينِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِنَا الْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ أَرْبَعُ صُوَرٍ : (
إحْدَاهَا ) إذَا زَنَى الذِّمِّيُّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي السِّيَرِ .
( ثَانِيهَا ) قَاطِعُ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ الْمُتَحَتِّمُ .
( ثَالِثُهَا ) الْمُرْتَدُّ يَسْقُطُ حَدُّهُ بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ الْعَوْدُ ( إلَى الْإِسْلَامِ ) .
( رَابِعُهَا ) تَارِكُ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ حَدُّهَا بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ ( الْعَوْدُ ) لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَالْمُرْتَدِّ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ كَيْفَ تَنْفَعُ التَّوْبَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ وَهَذَا كَلَامُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا .
الْبَحْثُ السَّابِعُ : الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ قَطْعًا ، وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا ظَنًّا عَلَى الصَّحِيحِ وَتُفِيدُ الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي صُوَرٍ : ( إحْدَاهَا ) فِي الْإِحْصَانِ فَمَنْ زَنَى مَرَّةً ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا وَلَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَا يُحَدُّ .
( الثَّانِيَةُ ) شَهِدَ ، فَرُدَّ لِفِسْقِهِ ثُمَّ تَابَ فَأَعَادَهَا لَمْ تُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ رُدَّتْ لِعَدَاوَةٍ فَزَالَتْ ثُمَّ أَعَادَهَا .
( الثَّالِثَةُ ) اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ قَدْ زَنَى فِي يَدِ الْبَائِعِ وَتَابَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ لِأَنَّ ذَنْبَ الزِّنَى لَا يَزُولُ ) بِالتَّوْبَةِ ، وَلِهَذَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ ( الرَّابِعَةُ ) التَّائِبُ مِنْ الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَبَدًا كَمَا قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَفِي الْحَاوِي أَنَّ مَنْ اسْتَتَرَ بِالْمَعْصِيَةِ إذَا تَابَ قَبْلَ ظُهُورِ حَالِهِ يَعُودُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَى حَالِهِ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ قُبِلَتْ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَلَمْ
يَتَوَقَّفْ لِاسْتِبْرَاءِ صَلَاحِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ مَسْتُورًا إلَّا عَنْ صَلَاحٍ يُغْنِي عَنْ اسْتِبْرَاءِ الْحَالِ .
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَوَجَبَ التَّوَقُّفُ لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ لِجَوَازِ التَّصَنُّعِ .
وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَتَى بِمَا يَكُونُ بِهِ تَائِبًا عَادَ إلَى حَالِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ تَوْبَتِهِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ شُرُوطُ الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْبَلُ قَبْلَ الرِّدَّةِ نُظِرَ فِي التَّوْبَةِ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ عَرْضِهِ لِلْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ شُرُوطُ الْعَدَالَةِ بِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ وَإِنْ تَابَ قَبْلَ ذَلِكَ عَادَ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَى عَدَالَتِهِ .
( الثَّامِنُ ) : أَنَّ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا يَرْفَعُ الذَّنْبَ السَّابِقَ وَلَا يَدْفَعُ اللَّاحِقَ وَهُوَ الْكَثِيرُ .
( وَمِنْهَا ) : مَا يَرْفَعُ الذَّنْبَ السَّابِقَ وَاللَّاحِقَ وَيُسَمَّى رَافِعًا دَافِعًا كَصَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ رَافِعٌ لِذُنُوبِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَدَافِعٌ لِذُنُوبِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ( كَمَا ثَبَتَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ ) .
قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَلَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ تُكَفِّرُ مَا بَعْدَهَا غَيْرَ صَوْمِ عَرَفَةَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ( فَفِي الْحَدِيثِ { الْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ } وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ لَغْوِهِ وَرَفَثِهِ الْوَاقِعِ فِي رَمَضَانَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ .
وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا مِنْ أَوَّلِ ( رَمَضَانَ ) وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ دَافِعَةً لِمَا يَقَعُ فِي الصِّيَامِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ كَانَتْ رَافِعَةً وَيَقَعُ السُّؤَالُ كَثِيرًا عَنْ هَذَا التَّكْفِيرِ هَلْ هُوَ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ فَقَطْ أَمْ يَعُمُّ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ صَامَهُ ( إمَّا أَنْ يَكُونَ ) ، عَلَيْهِ ذُنُوبٌ أَمْ لَا ، فَإِنْ كَانَ (
فَالصَّوْمُ ) يُكَفِّرُ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ وَإِلَّا فَيُعْطَى مِنْ الثَّوَابِ قَدْرَ مَا يُكَفِّرُ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ذُنُوبٌ .
( وَكَذَلِكَ ) نَقُولُ : ( الصَّلَاةُ ) لَهَا فَضْلَانِ : أَحَدُهُمَا الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ بِشَرْطِ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَالثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا وَقَدْ يَكُونُ فِي فَضْلِهِ مَا يَدْفَعُ الْكَبَائِرَ أَيْضًا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى { إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } .
( التَّاسِعُ ) : يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْفِسْقِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ مُضِيُّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِإِظْهَارِهَا لِتَرْوِيجِ شَهَادَتِهِ وَعَوْدِ وِلَايَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِبَارِهِ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهَا أَنَّهُ قَدْ صَلَحَ عَمَلُهُ وَسَرِيرَتُهُ .
ثُمَّ الْمُحَقِّقُونَ قَالُوا لَا يَتَقَدَّرُ بِمُدَّةٍ بَلْ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ الْعَدَالَةِ وَقَالَ آخَرُونَ تَتَقَدَّرُ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ سَنَةٌ وَهَلْ هِيَ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي ، وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ شَهْرَانِ ، وَقِيلَ شَهْرٌ حَكَاهَا الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ .
قَالَ الْإِمَامُ وَكَيْفَ الطَّمَعُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَثْبُتُ إلَّا تَوْقِيفًا .
وَقَدْ اسْتَثْنَى الشَّيْخُ ( أَبُو إِسْحَاقَ ) فِي التَّنْبِيهِ صُورَتَيْنِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى اسْتِبْرَاءٍ : الْكَافِرُ يُسْلِمُ وَمَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِنُقْصَانِ مُرُوءَتِهِ إذَا تَرَكَ لَمْ يَحْتَجْ لِاسْتِبْرَاءٍ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَحُصُولُ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالْعَوْدِ إلَى حِفْظِ الْمُرُوءَةِ ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُبَادِرَ بِالشَّهَادَةِ إذَا جَرَحْنَاهُ يُسْتَبْرَأُ أَيْضًا وَلَا يَبْلُغُ اسْتِبْرَاؤُهُ مَبْلَغَ اسْتِبْرَاءِ الْفَاسِقِ يَتُوبُ .
وَمَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ مِنْ إسْلَامِ الْكَافِرِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ عِنْدَ عَرْضِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا سَبَقَ
عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ .
وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ فِيهِ الِاسْتِبْرَاءَ مَسَائِلُ : إحْدَاهَا : إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ ثَلَاثًا ثُمَّ زَوَّجَهَا مَنْ عَضَلَ صَحَّ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مُضِيَّ ( الِاسْتِبْرَاءِ ) الثَّانِيَةُ : إذَا امْتَنَعَ الْقَاضِي مِنْ الْوِلَايَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ عَلَيْهِ عَصَى ، فَلَوْ قَبِلَهَا جَازَ وَصَحَّتْ وِلَايَتُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وَلِيٌّ ( وَكَذَا ) قَالَ فِي الْعَاضِلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي حَصَلَ الْفِسْقُ بِسَبَبِهِ زَالَ يَقِينًا فَأَشْبَهَ الْكَافِرَ يُسْلِمُ بِخِلَافِ التَّوْبَةِ عَنْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ فَاشْتَرَطَ الِاسْتِبْرَاءَ ( وَنَظِيرُ ) تَجْوِيزِ إسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ يَقِينًا وَلَا يَتَدَاوَى بِهَا لِأَنَّ الشِّفَاءَ مَظْنُونٌ .
الثَّالِثَةُ : إذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي بِزِنَى شَخْصٍ ، وَلَمْ يَكْتَمِلْ النِّصَابُ ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ اسْتِبْرَاءٌ فِي الْأَصَحِّ إذَا تَابَ ، وَقَبْلَ التَّوْبَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ ، وَقِيلَ : لَا كَالشَّهَادَةِ .
الرَّابِعَةُ : لَوْ غَرِمَ الْغَارِمُ فِي مَعْصِيَةٍ ، وَلَمْ يَتُبْ لَمْ يُدْفَعُ إلَيْهِ سَهْمَ الْغَارِمِينَ فَإِنْ تَابَ أُعْطِيَ فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا مُدَّةَ زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ ، إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ ، قَالَ يُعْطِي إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ ، قَالَ ( النَّوَوِيُّ ) ، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ .
الْخَامِسَةُ : ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ ( اخْتِبَارِهِ ) فِي الِاسْتِبْرَاءِ ، لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ شَهِدَا بِجُرْحِهِ فِي سَنَةٍ أَوْ بَلَدٍ ، ثُمَّ شَهِدَ اثْنَانِ بِتَعْدِيلِهِ فِي سَنَةٍ بَعْدَهَا ، أَوْ فِي بَلَدٍ ( آخَرَ انْتَقَلَ إلَيْهِ ) ، حُكِمَ بِتَعْدِيلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتُوبُ وَيَنْتَقِلُ عَنْ الْفِسْقِ إلَى الْعَدَالَةِ وَيَهْفُو كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ثُمَّ يَسْتَقِيمُوا ، وَهَذَا حُكْمٌ مِنْهُ بِالتَّعْدِيلِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ مُرَاقَبَةٍ ، وَلَا اخْتِيَارٍ .
(
تَنْبِيهَانِ ) الْأَوَّلُ : ( قَالَ فِي الْبَسِيطِ ) الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ فِي جَمِيعِ الْكَبَائِرِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الصَّغَائِرِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ ، لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ التَّوْبَةِ مِنْهَا ، كَمَا سَبَقَ .
الثَّانِي : أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِي التَّوْبَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ ، أَمَّا الرِّوَايَةُ فَلَا ، وَلِهَذَا لَوْ حُدَّ بَعْضُ شُهُودِ الزِّنَى لِنَقْصِ النِّصَابِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ ، حَتَّى يَتُوبُوا ، وَفِي قَبُولِ رِوَايَتِهِمْ قَبْلَ التَّوْبَةِ ، وَجْهَانِ : فِي الْحَاوِي ، قَالَ ( وَأَشْهَرُهُمَا ) الْقَبُولُ ، ( وَالْأَقْيَسُ ) عَدَمُ الْقَبُولِ كَالشَّهَادَةِ .
التَّيَمُّنُ إنَّمَا يُطْلَبُ بَيْنَ الْعُضْوَيْنِ اللَّذَيْنِ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ تُقَدَّمُ يُمْنَاهُمَا فِي الطَّهَارَةِ وَالْمُصَافَحَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِتَمَيُّزِهَا بِالْقُوَى الْمُودَعَةِ فِيهَا ، وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْعُضْوَيْنِ ، وَلِهَذَا كُرِهَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا ، وَأَنْ تَمَسَّ بِهَا ( السَّوْأَتَانِ ) .
وَأَمَّا الْعُضْوَانِ اللَّذَانِ لَا شَرَفَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَالْأُذُنَيْنِ فَلَمْ يُقَدِّمْ الشَّرْعُ مَسْحَ يُمْنَاهُمَا عَلَى يُسْرَاهُمَا إذْ لَا فَضْلَ لِيُمْنَاهُمَا فِي الْمَصْلَحَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا ( وَكَذَلِكَ ) لَمْ يُقَدِّمْ يَمِينَ الْخَدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ : نَعَمْ يَخْرُجُ عَنْ هَذَا حَلْقُ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ( مَعَ تَسَاوِي الشِّقَّيْنِ ) .
( الْجَوَازُ ) يُطْلَقُ فِي أَلْسِنَةِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أُمُورٍ .
أَحَدُهَا : عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا .
الثَّانِي : عَلَى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ ، وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ .
الثَّالِثُ : عَلَى مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ فِي الْعُقُودِ ، فَيَقُولُونَ الْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْقِرَاضُ عَقْدٌ جَائِزٌ ، وَيَعْنُونَ بِهِ مَا لِلْعَاقِدِ فَسْخُهُ بِكُلِّ حَالٍ ، إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ إلَى اللُّزُومِ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ الْخِيَارُ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ ، فَإِنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى اللُّزُومِ ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ ، فَإِنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ ، لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ لِلُّزُومِ .
وَقَدْ يَجْرِي فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ : جَازَ كَذَا وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وَيُرِيدُونَ بِهِ الْوُجُوبَ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ دَائِرًا بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالْوُجُوبِ فَيُسْتَفَادُ بِقَوْلِهِمْ يَجُوزُ رَفْعُ الْحُرْمَةِ ، فَيَبْقَى الْوُجُوبُ .
وَلِهَذَا لَا يَحْسُنُ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ عَلِمَ دُخُولَ شَهْرِ ( رَمَضَانَ ) بِالْحِسَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ فِي الصَّبِيِّ : لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ ، لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَوَجَبَ .
يَكُونُ فِي مَوَاضِعَ : أَحَدُهَا : مَا لَا يُجْبَرُ ، إلَّا بِالْعَمَلِ الْبَدَنِيِّ ، كَالْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ مَخْصُوصٍ أَوْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَبْرُ فِي كُلِّ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَلَا فِي الْوَاجِبِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِعَيْنِهِ وَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ { النَّوَافِلَ جَوَابِرُ لِلْفَرَائِضِ } ، فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَى ( تَكْمِيلِ ) الْفَرَائِض بِهَا أَنَّهَا تَجْبُرُ السُّنَنَ الَّتِي فِي الْفَرَائِضِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَدِّلَ شَيْءٌ مِنْ السُّنَنِ وَاجِبًا أَبَدًا ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ أَحَدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ } .
الثَّانِي : مَا لَا يُجْبَرُ ، إلَّا بِالْمَالِ فَقَطْ ، كَمَا فِي سِنِّ الزَّكَاةِ الْأَعْلَى ، فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ ، مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ ، فَأَخْرَجَ فَصِيلًا مَعَ الْجُبْرَانِ ، لَمْ يَجُزْ ، بِلَا خِلَافٍ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ ، وَلَا هُوَ مِمَّا يُجْزِئُ فِيهَا ، بِخِلَافِ الثَّنِيَّةِ ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ فِيهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَسْنَانِهَا .
وَخَرَجَ بِالثَّانِي ، مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ ، وَلَمْ يَجِدْهَا وَوَجَدَ ابْنَ لَبُونٍ فَهَلْ يُقْبَلُ مَوْضِعُ الْجُبْرَانِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ ، لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ بَدَلٌ وَالْجُبْرَانُ يَدْخُلُ مَعَ الْأُصُولِ ، لَا مَعَ الْأَبْدَالِ .
وَمِنْهُ جَبْرُ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْهَرِمِ بِالْإِطْعَامِ ، وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ وَالْحَامِلُ وَمُؤَخِّرُ قَضَاءِ ( رَمَضَانَ ) حَتَّى دَخَلَ آخَرُ .
( الثَّالِثُ ) : مَا يُجْبَرُ تَارَةً بِالْعَمَلِ الْبَدَنِيِّ ، وَتَارَةً بِالْمَالِ وَهُوَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ، فَإِنَّهُمَا يُجْبَرَانِ تَارَةً بِالصَّوْمِ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ، وَتَارَةً بِالْمَالِ كَذَبْحِ النُّسُكِ فِيهِ وَتَارَةً يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا كَارْتِكَابِ بَعْضِ الْمَحْظُورَاتِ .
وَمِنْهُ الصَّوْمُ تَارَةً يُجْبَرُ بِمِثْلِهِ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ ، وَبِالْمَالِ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ ، وَتَارَةً
يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، كَمَا فِي الْحَامِلِ .
الْجَعَالَةُ كَالْإِجَارَةِ ، إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : تَعْيِينُ الْعَامِلِ وَثَانِيهِمَا : الْعِلْمُ بِمِقْدَارِ الْعَمَلِ .
الْجِلْسَاتُ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ ثِنْتَانِ وَاجِبَتَانِ : وَهُمَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ .
وَثِنْتَانِ سُنَّتَانِ : وَهُمَا جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ .
فَأَمَّا جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَفِي التَّتِمَّةِ ، أَنَّهَا قَدْرُ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ ، أَنَّهَا خَفِيفَةٌ ، وَلِقَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ : خَفِيفَةٌ جِدًّا .
وَيُسْتَثْنَى صَلَاةُ التَّسْبِيحِ ، وَقَطَعَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا مِنْ الثَّانِيَةِ ، وَأَبْدَى صَاحِبُ الذَّخَائِرِ ( ثَالِثًا ) أَنَّهَا مِنْ ( الْأُولَى ) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي تَعْلِيقِ الْيَمِينِ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، وَقَدْ يَظْهَرُ فِي أَنَّهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً ، وَقَدْ حَكَاهُ ( صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ ) ، فَإِنْ قُلْنَا فَأَصْلُهُ كَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً لَهَا وَأُخْرَى لِقِيَامِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا مِنْ الثَّانِيَةِ لَمْ يُكَبِّرْ إلَّا وَاحِدَةً ، لِأَنَّ جُزْءَ الرُّكْنِ لَا يُكَبَّرُ لَهُ .
قَالَ الْأَصْحَابُ ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا ، لَا تُشْرَعُ فِي حَقِّهِ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ جَالِسٌ .
قُلْت : يَنْبَغِي تَقْدِيرُهَا فِي حَقِّهِ ، كَمَا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَمِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهُ لَا يَدْعُو فِيهَا بِشَيْءٍ ، إلَّا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ .
وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَهَلْ هِيَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ ، أَوْ لِلْفَصْلِ ؟ وَجْهَانِ : صَحَّحَ الدَّارِمِيُّ الْأَوَّلَ .
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ قَامَ إلَى ثَانِيَةٍ سَهْوًا ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، فَهَلْ يَجْلِسُ مُطَمْئِنًا ، ثُمَّ يَسْجُدُ عَقِبَهُ أَوْ لَا يَجِبُ الْجُلُوسُ بَلْ ( الْقِيَامُ ) يَقُومُ ( عِنْدَ السَّهْوِ مَقَامَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ؟ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ ، وَإِنْ قُلْنَا : مَقْصُودٌ كَالسُّجُودِ ، لَمْ يَقُمْ عَنْهُ ) الْقِيَامَ ، وَإِنْ
قُلْنَا ( بِالْفَصْلِ ) كَفَى .
وَقَدْ أَشَارَ الْإِمَامُ إلَى هَذَا الْبِنَاءِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى النَّوَوِيِّ ، فَإِنَّهُ رَجَّحَ الْفَصْلَ مَعَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا .
الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ ( قَسَّمَهُ ) الْإِمَامُ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فِي كِتَابِ الظِّهَارِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا يَحْرُمَانِ ( فِيهِ ) ، كَالْحَجِّ ، وَالْعُمْرَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ ، وَالرَّجْعِيَّةِ ، وَالْمُسْتَبْرِئَة غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ .
ثَانِيهَا : مَا يَحْرُمُ دُونَ دَوَاعِيهِ ، كَالْحَيْضِ ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقُبْلَةِ ، وَاللَّمْسِ ، وَنَحْوِهِ ( فِي ) ( الْمُسْتَبْرِئَةِ ) الْمَسْبِيَّةِ .
ثَالِثُهَا : مَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ ، وَفِي دَوَاعِيهِ قَوْلَانِ وَهُوَ الِاعْتِكَافُ .
رَابِعُهَا : مَا يَحْرُمُ وَلَا تَحْرُمُ دَوَاعِيهِ ، إذَا لَمْ يُحَرِّكْ الشَّهْوَةَ وَهُوَ الصَّوْمُ ، لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَخَفْ الْإِنْزَالَ ، وَلَا يُفْسِدُهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ .
الْجَمْعُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دَرَاهِمُ وَفَسَّرَهَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُقْبَلُ عِنْدَنَا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدَرَاهِمَ ، لَا يُخْرِجُ عَنْ نَذْرِهِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَهَكَذَا فِي الْيَمِين ، لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ مَا لِي دَرَاهِمُ ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَيَّامٍ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِدَرَاهِمَ ، لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ ، لِأَنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا ، وَالْبَيْعُ لَا يَقْبَلُ ( الْغُرُورَ ) ، وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ ، وَيُحْمَلُ عَلَى ثَلَاثَةٍ .
الْجَهْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : فِي مَعْنَاهُ : قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى قَاعِدَةِ ( مُدِّ عَجْوَةٍ ) مَعْنَاهُ الْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ ( عَدَمُ ) الْعِلْمِ .
قُلْت : وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى الْمُرَكَّبُ وَالثَّانِي الْبَسِيطُ ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَيْدٍ وَهُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ ( عَمَّا ) شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا ، لَا عَدَمُ الْعِلْمِ مُطْلَقًا ، وَإِلَّا لَوُصِفَتْ الْجَمَادَاتُ بِكَوْنِهَا جَاهِلَةً .
( الثَّانِي ) : الْجَهْلُ بِالصِّفَةِ هَلْ هُوَ جَهْلٌ بِالْمَوْصُوفِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ؟ الْمُرَجَّحُ الثَّانِي ، ( لِأَنَّهُ ) جَاهِلٌ بِالذَّاتِ مِنْ حَيْثُ صِفَاتِهَا ، لَا مُطْلَقًا .
وَمِنْ ثَمَّ لَا نُكَفِّرُ ( أَحَدًا ) مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ ( الْإِمَامِ ) الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِيمَا ، إذَا نَكَحَ وَشَرَطَ فِيهَا الْإِسْلَامَ ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا النَّسَبَ أَوْ الْحُرِّيَّةَ ، فَاخْتُلِفَ هَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ ؟ وَالْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ ، وَهُوَ الْجَدِيدُ مَأْخَذُهُ ، أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ ، لَا يَتَبَدَّلُ بِالْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ وَالْقَوْلُ بِالْفَسَادِ مَأْخَذُهُ أَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ ، كَاخْتِلَافِ ( الْعَيْنِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ ، أَخَذَ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ خِلَافًا فِي تَكْفِيرِ مُنْكِرِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، ( وَقَضِيَّتُهُ ) تَرْجِيحُ عَدَمِ التَّكْفِيرِ ، قَالَ ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْبَيْعِ ، إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْفَرَسَ ، ( وَكَانَ ) بَغْلًا ، لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ .
الثَّالِثُ : الْجَهْلُ بِمَعْنَى اللَّفْظِ مُسْقِطٌ لِحُكْمِهِ .
فَإِذَا نَطَقَ الْأَعْجَمِيُّ بِكَلِمَةِ ( كُفْرٍ ) ، أَوْ إيمَانٍ ، أَوْ طَلَاقٍ ، أَوْ إعْتَاقٍ ، أَوْ بَيْعٍ ، أَوْ شِرَاءٍ ، أَوْ نَحْوِهِ ، وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ ، لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ مُقْتَضَاهُ ، ( وَكَذَلِكَ ) ، إذَا نَطَقَ الْعَرَبِيُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ ( الْعِبَارَةِ ) بِلَفْظٍ أَعْجَمِيٍّ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ : نَعَمْ ، لَوْ قَالَ الْأَعْجَمِيُّ ، أَرَدْت بِهِ مَا يُرَادُ عِنْدَ أَهْلِهِ : فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَذَلِكَ ، لِأَنَّهُ ، إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى اللَّفْظِ ، لَمْ يَصِحَّ قَصْدُهُ .
وَمِثْلُهُ ، لَوْ قَالَ طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ ، وَجَهِلَ الْحِسَابَ ، وَلَكِنْ قَصَدَ مَعْنَاهُ وَقَعَتْ طَلْقَةً وَقِيلَ طَلْقَتَانِ .
وَلَوْ نَطَقَ الْعَرَبِيُّ بِكَلِمَاتٍ عَرَبِيَّةٍ ، لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعَانِيَهَا فِي الشَّرْعِ ، مِثْلَ قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ، أَوْ لِلْبِدْعَةِ ، وَهُوَ جَاهِلٌ بِمَعْنَى اللَّفْظِ أَوْ نَطَقَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ ، أَوْ النِّكَاحِ ، فَفِي الْقَوَاعِدِ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ إذْ لَا شُعُورَ لَهُ بِمَدْلُولِهِ حَتَّى يَقْصِدَهُ إلَى اللَّفْظِ ، قَالَ وَكَثِيرًا مَا يُخَالِعُ الْجُهَّالُ بَيْنَ ( الْأَغْبِيَاءِ ) الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ مَدْلُولَ لَفْظِ الْخُلْعِ ، وَيَحْكُمُونَ بِصِحَّتِهِ لِلْجَهْلِ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ ، ( وَقَدْ ) قَالُوا فِيمَا لَوْ قَالَ زَنَأْت ( بِالْهَمْزِ ) فِي الْجَبَلِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ ، لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الصُّعُودِ سَوَاءٌ كَانَ قَائِلُهُ عَامِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَعَنْ ( ابْنِ سَلَمَةَ ) أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ اللُّغَةَ دُونَ غَيْرِهِ ، فَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ ، إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، لَوْ قَالَ أَلَيْسَ لِي ( عَلَيْك ) أَلْفٌ ؟ فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ ، وَقِيلَ ، لَا يَلْزَمُهُ فِي نَعَمْ ، وَهُوَ قِيَاسُ النَّحْوِ ، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ الْعَامِّيِّ
وَالنَّحْوِيِّ ) نَعَمْ فَصَلُوا بَيْنَهُمَا ، فِيمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ بِفَتْحِ أَنْ ، فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ قَائِلُهُ نَحْوِيًّا ، بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ ، فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ إلَّا التَّعْلِيقَ .
( الرَّابِعُ ) : الْجَهْلُ بِالتَّحْرِيمِ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ وَالْحُكْمُ فِي الظَّاهِرِ لِمَنْ ( يَخْفَى ) عَلَيْهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَ ( الْمُرَتَّبَ عَلَيْهِ لَمْ يُعْذَرْ .
وَلِهَذَا ، لَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ عُذِرَ ، وَلَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ ) الْإِبْطَالَ بَطَلَتْ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ جِنْسَ الْكَلَامِ يَحْرُمُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ التَّنَحْنُحَ وَالْمِقْدَارَ الَّذِي نَطَقَ بِهِ ( مُحَرَّمٌ ) فَمَعْذُورٌ فِي الْأَصَحِّ .
وَمِنْهَا ، لَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ عُذِرَ ، وَلَمْ يُحَدَّ ، فَلَوْ قَالَ عَلِمْت التَّحْرِيمَ وَجَهِلْت الْحَدَّ حُدَّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت الْحَدَّ ، وَلَكِنْ ظَنَنْت أَنَّ ( ذَلِكَ ) الْقَدْرَ لَا يُسْكِرُ حُدَّ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ فِي السُّكْرِ .
وَمِنْهَا لَوْ تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا فِدْيَةَ ، خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ ، وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الِاسْتِعْمَالِ ، وَجَهِلَ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ وَجَبَتْ ، وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ وَجَهِلَ كَوْنَ الْمَمْسُوسِ طِيبًا ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَوْ مَسَّ طِيبًا رَطْبًا وَهُوَ يَظُنُّهُ يَابِسًا لَا يَعْلَقُ ( بِهِ مِنْهُ ) شَيْءٌ ، فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَوْلَانِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْجَدِيدَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَمِنْهَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْفَوْرِ ، فَلَوْ أَخَّرَ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي الرَّدَّ ، قُبِلَ إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ ، وَلَوْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ قُبِلَ ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ ، قَالَ النَّوَوِيُّ ( وَهَذَا ) بِشَرْطِ ) أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُهُ ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الشُّفْعَةِ .
وَمِنْهَا لَوْ ( عَتَقَتْ ) الْأَمَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَقَالَتْ جَهِلْت الْخِيَارَ عُذِرَتْ فِي الْأَظْهَرِ .
وَمِنْهَا ، لَوْ قَالَ عَلِمْت تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ وَجَهِلْت وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ وَجَبَتْ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ وَهُوَ رَاجِحٌ .
وَمِنْهَا لَوْ أَكَلَ الصَّائِمُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ ، وَكَانَ يَجْهَلُ مِثْلَ ذَلِكَ لَمْ يُفْطِرْ ، وَإِلَّا أَفْطَرَ ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ( تَصْوِيرُ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الصَّوْمِ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ ، فَمَتَى لَمْ يَعْرِفْ الصَّائِمُ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ ، وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَتَعَمَّدُ الْفِطْرَ مَعَ الْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ الْإِفْطَارِ .
وَيُمْكِنُ ( تَصْوِيرُهَا ) بِمَا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا وَقُلْنَا لَا يُفْطِرُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهَذَا الظَّنِّ مُتَعَمِّدًا جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ .
وَمِنْهَا لَوْ سَبَقَ الْإِمَامُ بِرُكْنَيْنِ عَمْدًا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، ( فَإِنْ ) كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ ، لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ ، فَيَتَدَارَكُهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ .
تَنْبِيهَانِ : ( الْأَوَّلُ ) : هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِحُقُوقِ اللَّهِ ( تَعَالَى ) ، بَلْ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ ، فَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا وَادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَكَانَ مِثْلُهُ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ قَوِيٌّ .
( الثَّانِي ) : إعْذَارُ الْجَاهِلِ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ ، لَا مِنْ حَيْثُ جَهْلُهُ .
وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) : لَوْ عُذِرَ الْجَاهِلُ ، لِأَجْلِ جَهْلِهِ لَكَانَ الْجَهْلُ ( خَيْرًا ) مِنْ الْعِلْمِ ( إذْ ) كَانَ يَحُطُّ عَنْ الْعَبْدِ أَعْبَاءَ التَّكْلِيفِ ( وَيُرِيحُ ) قَلْبَهُ ( مِنْ ) ضُرُوبِ التَّعْنِيفِ ، فَلَا ( حُجَّةَ ) لِلْعَبْدِ فِي جَهْلِهِ ( بِالْحُكْمِ ) بَعْدَ التَّبْلِيغِ وَالتَّمْكِينِ ، ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) .
( الْخَامِسُ ) : الْجَهْلُ بِالشَّرْطِ مُبْطِلٌ وَإِنْ صَادَفَهُ .
فَمَنْ صَلَّى جَاهِلًا بِكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ أَصَابَ كَمَا أَنَّ ( مَنْ ) فَسَّرَ كِتَابَ اللَّهِ ( تَعَالَى ) بِغَيْرِ عِلْمٍ أَثِمَ ، وَإِنْ أَصَابَ ( وَكَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ وَهُوَ جَاهِلٌ بِحُكْمِ اللَّهِ يَدْخُلُ النَّارَ ، وَإِنْ أَصَابَ ) ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ مَنْ اعْتَقَدَ التَّوْحِيدَ عَمَّا ظَنَّهُ دَلِيلًا وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ فِي الْحَقِيقَةِ فَهُوَ غَيْرٌ عَارِفٍ بِالتَّوْحِيدِ ( كَمَنْ ) اعْتَقَدَهُ ( لَا عَنْ دَلِيلٍ ) أَصْلًا .
وَلِهَذَا امْتَنَعَ عَلَى الشَّاهِدِ إذَا كَانَ فَاسِقًا مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْحَاكِمَ عَلَى الْبَاطِلِ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْحَاكِمَ قَضَى بِالْحَقِّ فَكَيْفَ يَكُونُ بَاطِلًا ، لِأَنَّا نَقُولُ السَّبَبُ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا كَانَ بَاطِلًا ( شَرْعًا ) كَانَ الْقَضَاءُ ) بَاطِلًا وَإِنْ صَادَفَ الْحَقَّ .
انْتَهَى .
وَكَمَا أَنَّ { مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ يَضْمَنُ وَإِنْ أَصَابَ } ( رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ) ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَصَفَ وَهُوَ طَبِيبٌ دَوَاءً لِأَبِيهِ فَاسْتَعْمَلَهُ فَمَاتَ لَمْ يَرِثْهُ ، إنْ كَانَ جَاهِلًا بِالطِّبِّ ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاتِلًا ، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا ، فَلَا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَغُشَّهُ ، ( قَالَ ) الرَّافِعِيُّ ، لَوْ سَقَى مُوَرِّثَهُ الصَّبِيُّ دَوَاءً ( أَوْ بَطَّ ) ، جُرْحَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَالَجَةِ وَمَاتَ لَمْ يَرِثْهُ ، ( وَفِيهِ ) وَجْهٌ حَكَاهُ ( ابْنُ اللَّبَّانِ ) عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّبِيِّ يُخْرِجُ الْبَالِغَ .
السَّادِسُ ) : الْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ يُعْذَرُ بِهِمَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ الْمَأْمُورَاتِ وَالْأَصْلُ فِيهِ ( حَدِيثُ ) { مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ ، لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِعَادَةِ لِجَهْلِهِ بِالنَّهْيِ } وَحَدِيثُ { يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ حَيْثُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَزْعِ الْجُبَّةِ عَنْ الْمُحْرِمِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْفِدْيَةِ لِجَهْلِهِ } ، ( وَاحْتَجَّ ) ( بِهِ ) ( الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) عَلَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ فِي الْإِحْرَامِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ إقَامَةُ مَصَالِحِهَا وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ ، إلَّا بِفِعْلِهَا ، وَالْمَنْهِيَّاتِ مَزْجُورٌ عَنْهَا ( بِسَبَبِ ) مَفَاسِدِهَا امْتِحَانًا لِلْمُكَلَّفِ بِالِانْكِفَافِ عَنْهَا ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّعَمُّدِ لِارْتِكَابِهَا وَمَعَ النِّسْيَانِ وَالْجَهَالَةِ لَمْ يَقْصِدْ الْمُكَلَّفُ ارْتِكَابَ ( الْمَنْهِيِّ ) فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ فِيهِ .
( وَمِنْ فُرُوعِهَا ) وَلَوْ جَاوَزَ الْمُرِيدُ لِلْإِحْرَامِ الْمِيقَاتَ نَاسِيًا لَزِمَهُ الدَّمُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَطَيَّبَ نَاسِيًا ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَالطِّيبُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، لَكِنْ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَصُّ ( الْأَظَافِرِ ) ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَلَوْ فَعَلَهُ نَاسِيًا ، لَزِمَهُ الدَّمُ ، وَلَوْ نَسِيَ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ لَا يَجْزِيه عَلَى الْجَدِيدِ ( وَكَذَا ) ، لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ نَاسِيًا ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُمَا جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ ( وَصَلَّى ) بِالتَّيَمُّمِ ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى أَوْ صَامَ أَوْ تَوَضَّأَ بِالِاجْتِهَادِ ، فَصَادَفَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بِالْإِنَاءِ النَّجَسَ ، أَوْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْقِبْلَةِ أَوْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ نَاسِيًا ( أَوْ رَأَوْا سَوَادًا ) ظَنُّوهُ عَدُوًّا ، فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ لِمَنْ ظَنَّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا أَوْ
مَرِضَ وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ مَعْضُوبٌ ، فَأَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَبَرِئَ أَوْ غَلِطُوا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَوَقَفُوا ( فِي ) الثَّامِنِ أَوْ بَاعَهُ حَيَوَانًا ، عَلَى أَنَّهُ بَغْلٌ فَبَانَ حِمَارًا ، أَوْ بِالْعَكْسِ ، فَإِنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي الْجَمِيعِ ( قَالَ ) ، لَكِنْ صَحَّحُوا الصِّحَّةَ فِي صُوَرٍ أُخْرَى ، كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ خَلْفَ زَيْدٍ ( هَذَا ) ، فَبَانَ ( عَمْرًا ) أَوْ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ زَيْدٍ ( فَبَانَ ) ( عَمْرًا ) أَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ ، فَبَانَ مَيِّتًا أَوْ شُرِطَ فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَصْفًا فَبَانَ خِلَافُهُ سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى مِنْ الْمَشْرُوطِ أَوْ دُونَهُ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ وَلَمْ تَسْمَعْ فَخَرَجَتْ فَالْأَصَحُّ لَا حِنْثَ ، لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ حَصَلَ .
( أَمَّا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَقَدْ لَا يُعْذَرُ ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا جَهِلَ مَرَضَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ الْمَرِيضَ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَبَسَ مَنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ مُدَّةً لَا يَمُوتُ فِيهَا الشَّبْعَانُ عِنْدَ الْحَبْسِ لَا قِصَاصَ ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ أَمَارَاتِ الْمَرَضِ ، لَا تَخْفَى ، بِخِلَافِ الْجُوعِ .
وَلَوْ شَهِدَا بِقَتْلٍ ثُمَّ رَجَعَا ، وَقَالَا تَعَمَّدْنَا ، وَلَكِنْ مَا عَرَفْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ، فِي الْأَصَحِّ إذْ لَمْ يَظْهَرْ تَعَمُّدُهُمْ لِلْقَتْلِ .
وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا رَثًّا لَا يُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ ، وَكَانَ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ الرُّبُعِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ ) .
( وَمِنْهَا فِي حِنْثِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي قَوْلَانِ : أَرْجَحُهُمَا الْمَنْعُ ) .
وَمِنْ صُوَرِ الْجَهْلِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ، فَبَانَ أَنَّهُ ( عَلَى ) خِلَافِ مَا ظَنَّهُ ، وَبِهَاتَيْنِ صَوَّرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ صُورَتُهُ أَنَّهُ يُعَلِّقُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ ، فَيَفْعَلُهُ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ ، أَوْ
جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .
وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ( لَوْ ) جَلَسَ مَعَ جَمَاعَةٍ فَقَامَ وَلَبِسَ خُفَّ غَيْرِهِ ، فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ اسْتَبْدَلْت بِخُفِّك وَلَبِسْت خُفَّ غَيْرِك ، فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا لَبِسَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ بَقِيَ غَيْرُهُ ( فَقَالَ ) الرَّافِعِيُّ طَلُقَتْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ وَقَصَدَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بَدَلَهُ حَنِثَ إنْ كَانَ ( عَالِمًا ) وَإِلَّا فَقَوْلَا النَّاسِي .
تَنْبِيهَاتٌ : ( الْأَوَّلُ ) : لَا فَرْقَ فِي الْجَاهِلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إذَا حَلَفَ أَنَّ ( هَذَا ) ذَهَبُهُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ فُلَانٍ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ ( أَنَّهُ لَيْسَ ذَهَبُهُ ) حَنِثَ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى نَفْيٍ ( لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ) الْإِحَاطَةُ بِهِ .
( الثَّانِي ) : إذَا قُلْنَا لَا يَحْنَثُ النَّاسِي صَدَقَ فِي دَعْوَاهُ النِّسْيَانَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى قَوْلَيْ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ .
وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ فِيمَا لَوْ قَالَ ( لَهَا ) إنْ ضَرَبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَضَرَبَ امْرَأَةً غَيْرَهَا أَوْ نَفْسَهُ فَأَصَابَهَا فَهُوَ ضَارِبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَكُونُ ( قَاتِلًا تَجِبُ ) بِهِ الدِّيَةُ ، وَهَلْ يَحْنَثُ ؟ فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ : فَإِنْ قُلْنَا لَا يَحْنَثُ الْمُكْرَهُ فَادَّعَى أَنِّي قَصَدْت ضَرْبَ غَيْرِهَا أَوْ ضَرْبَ نَفْسِي فَأَصَابَهَا لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّ الضَّرْبَ ( تَعَيَّنَ ) ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْبَلَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ انْتَهَى .
وَالْأَشْبَهُ التَّفْصِيلُ ( بَيْنَ مَا ) يَتَعَلَّقُ بِهِ ( حَقُّ ) الْغَيْرِ أَوْ لَا وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَوْ حَلَفَ وَقَالَ لَمْ أَقْصِدْ الْيَمِينَ بِهِ صُدِّقَ إلَّا فِي طَلَاقٍ أَوْ ( عَتَاقٍ )
وَإِيلَاءٍ فَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ .
( الثَّالِثُ ) : قَدْ يَحْنَثُ النَّاسُ كَمَا لَوْ ( حَلَفَ ) لَا يَفْعَلُ كَذَا عَالِمًا وَلَا نَاسِيًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا انْحَلَّتْ يَمِينُهُ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ مَقْصُودَ الْيَمِينِ وُجُودُ الدَّاعِي إلَى ( فِعْلِهِ ) فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ ( الْأَصْلِيُّ ) .
الْحَاجَةُ الْعَامَّةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ الْخَاصَّةِ فِي حَقِّ آحَادِ النَّاسِ كَرَّرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْبُرْهَانِ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ .
فَقَالَ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ إنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ وَالْجَعَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا جَرَتْ عَلَى حَاجَاتٍ ( خَاصَّةٍ ) ( تَكَادُ ) تَعُمُّ ، وَالْحَاجَةُ إذَا عَمَّتْ ( كَانَتْ ) كَالضَّرُورَةِ فَتَغْلِبُ فِيهَا الضَّرُورَةُ الْحَقِيقِيَّةُ .
( مِنْهَا ) : مَشْرُوعِيَّةُ الْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّهَا وَرَدَتْ عَلَى مَنَافِعَ مَعْدُومَةٍ قَالَ شَارِحُهُ الْإِبْيَارِيُّ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الشَّرْعَ كَمَا اعْتَنَى ( بِدَفْعِ ضَرُورَةِ ) الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ لَا ( يَعْتَنِي ) بِهِ مَعَ حَاجَةِ ( الْجِنْسِ ) وَلَوْ مَنَعَ ( الْجِنْسَ ) ( مِمَّا ) تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لَنَالَ آحَادُ ( الْجِنْسِ ) ضَرُورَةً تَزِيدُ عَلَى ضَرُورَةِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فَهِيَ بِالرِّعَايَةِ أَوْلَى .
وَمِنْ فُرُوعِهَا : شَرْعِيَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَمَا أَخَذَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَيْسَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَضْمَنَهُ .
( وَمِنْهَا ) : مَسْأَلَةُ الْجُعْلِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْجُعْلَةِ بِجَارِيَةٍ مِنْهَا يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ مَعَ أَنَّ الْجُعْلَ الْمُعَيَّنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَمْلُوكًا وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا .
وَكَذَلِكَ الْجَعَالَةُ وَالْقِرَاضُ وَغَيْرُهُمَا ( مِمَّا ) جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ وَكَذَلِكَ إبَاحَةُ النَّظَرِ لِلْعِلَاجِ وَنَحْوِهِ .
الْحَاجَةُ الْخَاصَّةُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ ( كَتَضْبِيبِ ) الْإِنَاءِ لِلْحَاجَةِ قَالُوا لَا يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ عَنْ التَّضْبِيبِ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ الْعَجْزَ يُبِيحُ أَصْلَ الْإِنَاءِ مِنْهُمَا قَطْعًا ، بَلْ الْمُرَادُ الْأَغْرَاضُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّضْبِيبِ ( سِوَى التَّزْيِينِ ) ( كَإِصْلَاحِ ) مَوْضِعِ الْكَسْرِ كَالشَّدِّ وَالتَّوَثُّقِ وَكَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهَا احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الشَّعْبِ .
وَثَانِيهِمَا : الْعَجْزُ عَنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ سَوَاءٌ عَجَزَ عَنْ إنَاءٍ ( آخَرَ ) أَمْ لَا .
( وَمِنْهَا ) : الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ الْكُفَّارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَائِزٌ لِلْغَانِمِينَ رُخْصَةً لِلْحَاجَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ طَعَامٌ آخَرُ بَلْ يَأْخُذُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ .
( وَمِنْهُ ) : لُبْسُ الْحَرِيرِ ( لِحَاجَةِ الْجَرَب ) وَالْحَكَّةِ وَدَفْعِ الْقَمْلِ وَسَكَتُوا ( عَنْ ) اشْتِرَاطِ وُجْدَانِ مَا يُغْنِي ( عَنْهُ ) مِنْ دَوَاءٍ أَوْ لُبْسٍ كَمَا فِي التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ .
( وَمِنْهُ ) : إبَاحَةُ تَحْلِيَةِ آلَاتِ الْحَرْبِ غَيْظًا ( لِلْمُشْرِكِينَ ) ، وَحَكَوْا فِي ( بُرَّةِ ) النَّاقَةِ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحُوا الْمَنْعَ وَالْمُخْتَارُ الْإِبَاحَةُ ( فَإِنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ جَمَلًا فِي أَنْفِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ } ) .
( وَمِنْهُ ) : الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ لِلْجِهَادِ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَلِكَ ( التَّبَخْتُرُ ) بَيْنَ الصَّفَّيْنِ { وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ هَذِهِ مِشْيَةٌ يَبْغُضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ } .
الْحَالُّ لَا يَتَأَجَّلُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ : إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : ( إحْدَاهُمَا ) : إذَا قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُطَالِبَهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ لَزِمَ وَفِي تَصْوِيرِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الصُّورَةَ إنْ كَانَتْ فِي مُعْسِرٍ فَالْإِنْظَارُ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي مُوسِرٍ ( قَاصِدٍ ) لِلْأَدَاءِ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ أَخْذَهُ مِنْهُ وَاجِبٌ ( وَلَا ) يَصِحُّ ( إبْطَالُ ) الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ .
( الثَّانِيَةُ ) : إذَا ( أَوْصَى ) مَنْ لَهُ الدَّيْنُ الْحَالُّ أَنْ لَا يُطَالِبَ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ ( قَبْلَ بَابِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ) لَا بُدَّ لِلْمَسْأَلَةِ مِنْ قَيْدٍ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ ثُلُثِهِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يُحْسَبُ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ مَنَعَ الْوَرَثَةَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَكَانَ كَإِخْرَاجِهِ عَنْ ( مِلْكِهِمْ وَهَذَا ) مِثْلُهُ .
قُلْت : هَذَا الْقَيْدُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ عَنْ وَالِدِهِ ( ثُمَّ خَالَفَهُ ) .
وَزَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا ( ثَالِثَةً ) وَهِيَ مَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا ثُمَّ ذَكَرَ الْأَجَلَ فِي مَجْلِسِ ( الْعَقْدِ ) ( وَفَرَّعْنَا ) عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ الْتِحَاقُ الزِّيَادَةِ بِالْعَقْدِ وَأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ فِي ( الْمَبِيعِ فِي ) زَمَانِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ حَالًّا وَقَدْ تَأَجَّلَ ( بَلْ هَذِهِ بِالْفَرْضِ أَوْلَى لِأَنَّ مَا كَانَ حَالًّا لَا يُؤَجَّلُ ) وَفِيمَا عَدَاهَا قَدْ يُقَالُ إنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ بِصِفَتِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ طَلَبِهِ مَانِعٌ ( كَالْإِعْسَارِ ) .
وَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ فِي الصُّورَتَيْنِ الدَّيْنُ لَمْ يُؤَجَّلْ وَإِنَّمَا هُوَ حَالٌّ وَلَكِنْ مَنَعَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مَانِعٌ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ إنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا فَلَا يُطَالِبُ إلَّا كَمَا الْتَزَمَ وَثَبَتَ
الْأَجَلُ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ ( يُسْتَثْنَى ) مَعَ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْحُلُولِ إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ وَهُوَ الْتِزَامُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ .
( الْأَوَّلُ ) بِالنِّسْبَةِ لِثُبُوتِهِ وَارْتِفَاعِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ ذَكَرَهَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ : ( أَحَدُهَا ) مَا ( يَثْبُتُ ) بِلَا حَاكِمٍ ( وَيَنْفَكُّ بِغَيْرِهِ ) وَهُوَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ .
( الثَّانِي ) : لَا يَثْبُتُ إلَّا ( بِالْحَاكِمِ ) وَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِهِ وَهُوَ السَّفِيهُ .
( الثَّالِثُ ) لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَاكِمٍ وَفِي انْفِكَاكِهِ بِغَيْرِهِ وَجْهَانِ وَهُوَ ( الْمُفْلِسُ ) .
( الرَّابِعُ ) : ( وَهُوَ ) مَا ( يَثْبُتُ ) بِغَيْرِ حَاكِمٍ وَهَلْ يَنْفَكُّ بِحَاكِمٍ عَلَى ؟ وَجْهَيْنِ وَهُوَ الصَّبِيُّ يَبْلُغُ رَشِيدًا هَلْ يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهُ ( يَعْنِي ) ( بِفَكِّ ) مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ مِنْ أَبٍ أَوْ حَاكِمٍ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَقِيلَ إنَّهُمْ سِتَّةٌ .
وَ ( الْخَامِسُ ) : الْمَرِيضُ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ الْحَاكِمِ وَإِذَا أَزَالَ الْمَرَضَ زَالَ الْحَجْرُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمْ .
( السَّادِسُ ) : الْمُرْتَدُّ هَلْ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ أَوْ ( لَا بُدَّ ) مِنْ حَجْرِ الْحَاكِمِ ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو حَامِدٍ فِي الْجَامِعِ ( وَإِذَا أَسْلَمَ ) زَالَ الْحَجْرُ بِلَا خِلَافٍ .
( الثَّانِي ) : يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ : ( أَحَدُهَا ) : مَا لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ قَطْعًا وَهُوَ حَجْرُ الصَّبِيِّ ( وَالْمَجْنُونِ ) ( ثَانِيهَا ) : مَا يَجُوزُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ قَطْعًا وَهُوَ السَّفَهُ .
( ثَالِثُهَا ) : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ وَهُوَ الْمُفْلِسُ إذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْإِفْلَاسِ .
( الثَّالِثُ ) : يَنْقَسِمُ أَيْضًا لِمَا هُوَ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ حَجْرُ الصَّبِيِّ ( وَالْمَجْنُونِ ) وَالسَّفِيهِ وَمَا لِحَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ : أَحَدُهَا : حَجْرُ الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ .
الثَّانِي : الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ .
الثَّالِثُ : الْمَرِيضُ لِلْوَرَثَةِ .
الرَّابِعُ : الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ .
الْخَامِسُ : الْمُرْتَدُّ لِلْمُسْلِمِينَ .
السَّادِسُ : الْحَجْرُ لِلْغَرِيبِ .
السَّابِعُ : إذَا امْتَنَعَ مَعَ
الْيَسَارِ مِنْ الْبَيْعِ ( لِوَفَاءِ ) الدَّيْنِ فَلِلْحَاكِمِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِالْتِمَاسِ الْغُرَمَاءِ .
الثَّامِنُ : الْحَجْرُ عَلَى الْمُكَاتَبِ .
التَّاسِعُ : الْحَجْرُ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي .
الْعَاشِرُ : الْحَجْرُ عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَعَلَى الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ قَبْلَ ( وَفَاءِ الدَّيْنِ ) الْحَادِيَ عَشْرَ الْحَجْرُ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا قَبْلَ الْقَبُولِ الثَّانِيَ عَشَرَ ( الْحَجْرُ ) عَلَى الشَّرِيكِ فِي حِصَّتِهِ قَبْلَ أَخْذِ قِيمَتِهَا ، إذَا أَعْتَقَ شَرِيكُهُ حِصَّتَهُ ( وَقُلْنَا ) ( يَتَوَقَّفُ الْعِتْقُ ) عَلَى أَدَاءِ ( الْقِيمَةِ ) .
الثَّالِثَ عَشَرَ .
- الْعَبْدُ الْمُسْتَحِقُّ عِتْقُهُ بِالشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ ، ( إنْ قُلْنَا ) الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْبَائِعِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ أَيْضًا ، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ أَنَّهُ ، إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَمْ يُجْزِهِ ، وَإِلَّا أَجْزَأَ عَنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ .
الرَّابِعَ عَشَرَ - إذَا قَصَّرَ ثَوْبًا أَوْ خَاطَهُ بِأُجْرَةٍ ، فَإِنَّ لَهُ حَبْسُهُ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى يَقْبِضَ الْأُجْرَةَ ( فَيَمْنَعُ ) الْمَالِكَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ .
الْخَامِسَ عَشَرَ - إذَا اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً ( فَاسِدًا ) وَأَقْبَضَ ثَمَنَهُ ، فَإِنَّ لَهُ حَبْسُهُ إلَى اسْتِرْدَادِ ثَمَنِهِ عَلَى قَوْلٍ فَيَمْتَنِعْ عَلَى هَذَا ، عَلَى مَالِكِهِ التَّصَرُّفَ ( فِيهِ ) قَبْلَ رَدِّ الثَّمَنِ .
( السَّابِعَ عَشَرَ ) ، إذَا أَخَذَ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ ( لِلْحَيْلُولَةِ ) ، ثُمَّ ظَفِرَ الْغَاصِبُ بِهِ ، فَلَهُ حَبْسُهُ لِيَقْبِضَ الْقِيمَةَ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ ( الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي ( الْحُسَيْنُ ) ، فَلْيَمْتَنِعْ عَلَى الْمَالِكِ بَيْعُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ ( حِسًّا ) حَتَّى يَرُدَّ الْقِيمَةَ .
( الثَّامِنَ عَشَرَ ) ، إذَا رَكِبَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ الدُّيُونُ ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى
السَّيِّدِ التَّصَرُّفَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ ، وَكَذَا بِغَيْرِ إذْنِ الْعَبْدِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ .
( التَّاسِعَ عَشَرَ ) - نَفَقَةُ الْجَارِيَةِ ، إذَا أَخَذَتْهَا مِنْ زَوْجِهَا لِلسَّيِّدِ فِيهَا حَقُّ الْمِلْكِ وَلَهَا حَقُّ التَّوَثُّقِ ، كَمَا أَنَّ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِأَكْسَابِهِ ، وَالْمِلْكُ فِيهَا لِلسَّيِّدِ ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْمَأْخُوذِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ .
( الْعِشْرُونَ ) - بَدَلُ الْمُوصَى ( بِمَنْفَعَتِهِ ) ، إذَا أَتْلَفَ يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَارِثِ التَّصَرُّفَ فِيهِ لِاسْتِحْقَاقِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ .
الْحُجَّةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إلَيْهَا الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ قِسْمَانِ تَحْقِيقِيَّةٌ - كَالْإِقْرَارِ - وَالشَّاهِدَيْنِ - وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ .
وَتَقْدِيرِيَّةٌ - وَهِيَ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ ، فَإِنَّهَا فِي تَقْدِيرِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ عَلَى الْخِلَافِ وَالْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي تَقْدِيرِ الْبَيِّنَةِ .
حَدِيثُ النَّفْسِ لَهُ خَمْسُ مَرَاتِبَ ( الْأُولَى ) : ( الْهَاجِسُ ) وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا وَلَا مُؤَاخَذَةَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ ، لِأَنَّهُ وَارِدٌ مِنْ اللَّهِ ( تَعَالَى ) ، لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ دَفْعَهُ .
الثَّانِيَةُ : الْخَاطِرُ - وَهُوَ جَرَيَانُهُ فِيهَا .
الثَّالِثَة : حَدِيثُ نَفْسِهِ وَهُوَ مَا يَقَعُ ( مَعَ ) التَّرَدُّدِ ، هَلْ يَفْعَلُ ( أَوْ ) لَا ، وَهَذَانِ أَيْضًا مَرْفُوعَانِ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتَيْ مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ } ، فَإِذَا ارْتَفَعَ حَدِيثُ النَّفْسِ ارْتَفَعَ مَا قَبْلَهُ بِطَرِيقِ ( الْأَوْلَى ) .
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ - فِيمَا لَوْ نَوَى الْمُودِعُ الْأَخْذَ ، وَلَمْ يَأْخُذْ لَا ( ضَمَانَ ) فِي الْأَصَحِّ ، الْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ تَجْرِيدُ ( الْقَصْدِ ) .
فَأَمَّا مَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَدَاعِيَةُ ( الذِّهْنِ ) تَدْفَعُهُ ، فَلَا حُكْمَ لَهُ ، ( وَإِنْ تَرَدَّدَ ) الرَّأْيُ وَلَمْ ( يَجْزِمْ ) قَصْدًا ، فَالظَّاهِرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ حَتَّى يُجَرِّدَ قَصْدَهُ فِي الْعُدْوَانِ .
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ ، لَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَسْتَمِرُّ بَطَلَتْ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَدُّدِ أَنْ يَطْرَأَ شَكٌّ مُنَاقِضٌ لِلْجَزْمِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَجْرِي فِي الْفِكْرِ أَنَّهُ لَوْ تَرَدَّدَ فِي الصَّلَاةِ ( كَيْفَ ) يَكُونُ الْحَالُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْمُوَسْوِسُ ، وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ ( بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ) ، فَلَا مُبَالَاةَ بِذَلِكَ - قَالَهُ إمَام الْحَرَمَيْنِ انْتَهَى .
وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ : لَا خِلَافَ أَنَّ الْآدَمِيَّ يُؤَاخَذُ بِعَمَلِ اللِّسَانِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ .
قُلْت ، إلَّا مَا سَبَقَ ( بِهِ ) لِسَانُهُ ، أَوْ نَظَرَ الْفَجْأَةِ ، وَفِي الْحَدِيثِ { لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى } ، قَالَ أَمَّا الْفُؤَادُ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْئُولًا } فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ يُؤَاخَذُ بِمَا يَسْعَى بِهِ ( الْبَاطِنُ ) ، ( إلَّا أَوَّلَ خَطْرَةً ) وَهُوَ الْهَاجِسُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ ( بِسَاعِي الْبَاطِنِ ) ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا } وَقِيلَ إنْ اتَّصَلَ بِالْعَمَلِ يُؤَاخَذُ بِالْكُلِّ انْتَهَى .
( فَتَحَصَّلْنَا ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ مُطْلَقًا .
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ ( الثَّلَاثَةُ ) أَيْضًا ، لَوْ كَانَتْ فِي الْحَسَنَاتِ لَمْ يُكْتَبْ لَهُ بِهَا ( أَجْرَهُ ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلِعَدَمِ الْقَصْدِ .
الرَّابِعَةُ - الْهَمُّ - وَهُوَ ( تَرْجِيحُ قَصْدِ ) الْفِعْلِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ } الْآيَةَ وَلَوْ كَانَتْ مُؤَاخَذَةً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ } .
الْخَامِسَةُ - الْعَزْمُ وَهُوَ قُوَّةُ الْقَصْدِ وَالْجَزْمِ بِهِ وَعَقْدُ الْقَلْبِ ، وَهَذَا يُؤَاخَذُ بِهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ، قَالَ إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ } .
فَعَلَّلَ بِالْحِرْصِ ( وَلِلْإِجْمَاعِ ) عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ كَالْحَسَدِ ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ كَالْهَمِّ لِعُمُومِ حَدِيثِ ( التَّجَاوُزِ ) عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْحِرْصِ بِأَنَّهُ ( قَارَنَهُ ) فِعْلٌ وَسَبَقَ عَنْ الْعَبَّادِيِّ تَرْجِيحُهُ ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فِي الْأُمِّ حَيْثُ قَالَ فِي ( بَابِ ) الرَّجْعَةِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي نَفْسِهِ ، وَلَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَمْ يُحَرِّكْ
لِسَانَهُ فَهُوَ حَدِيثُ ( النَّفْسِ ) الْمَوْضُوعُ عَنْ بَنِي آدَمَ انْتَهَى .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَدِيثُ النَّفْسِ الَّذِي يُمْكِنُ دَفْعُهُ ، لَكِنَّ فِي دَفْعِهِ مَشَقَّةً لَا إثْمَ فِيهِ ، لِقَوْلِهِ { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا } ، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ حَدِيثِ النَّفْسِ .
وَإِذَا تَعَلَّقَ ( هَذَا ) النَّوْعُ بِالْخَيْرِ ( أُثِيبَ ) عَلَيْهِ وَيَجْعَلُ تِلْكَ الْمَشَقَّةَ مُوجِبَةً لِلرُّخْصَةِ دُونَ إسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْكَسْبِ وَإِلَّا كَانَ يُقَالُ إنَّمَا ( سَقَطَ ) التَّكْلِيفُ بِهِ فِي طَرَفِ ( الشَّرِّ ) لِمَشَقَّةِ اكْتِسَابِ دَفْعِهِ فَصَارَ كَالضَّرُورِيِّ وَالضَّرُورِيُّ يُثَابُ ( عَلَيْهِ ) وَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ ( كَذَلِكَ ) هَذَا .
تَنْبِيهٌ : يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطْرَةِ مَا إذَا تَعَمَّدَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فَقَالَ نَقْلًا عَنْ ( الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ) وَذَكَرَ ( مِمَّا ) لَا يُؤَاخَذُ بِهِ حَدِيثُ النَّفْسِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَى { لَك النَّظْرَةُ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَك الثَّانِيَةُ } إذَا كَانَتْ الْأُولَى لَا عَنْ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ فَإِذَا أَعَادَ النَّظَرَ فَهُوَ كَمَنْ حَقَّقَ الْخَطْرَةَ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِذَا تَعَمَّدَ الْخُطْوَةَ فَهُوَ كَمَنْ حَقَّقَ ( النَّظْرَةَ ) وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا تُتْبِعْ نَظَرَ عَيْنِك نَظَرَ قَلْبِك وَالثَّانِي لَا تُتْبَعْ النَّظْرَةَ الَّتِي وَقَعَتْ سَهْوًا النَّظْرَةَ الَّتِي وَقَعَتْ عَمْدًا قَالَ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا أَنَّ مَنْ نَظَرَ لَا عَنْ قَصْدٍ ثُمَّ نَظَرَ مَرَّةً أُخْرَى هَلْ يَأْثَمُ وَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُ ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَسْقُطُ وَعَلَى الثَّانِي تَسْقُطُ وَلَا يُقْبَلُ حَتَّى يَتُوبَ .
( الْأَوَّلُ ) .
تَنْقَسِمُ إلَى ضَرْبَيْنِ .
مَا يَجِبُ لِلَّهِ ، وَمَا يَجِبُ لِلْآدَمِيِّ .
وَاَلَّذِي لِلْآدَمِيِّ ضَرْبَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : مَا يَجِبُ لِحِفْظِ النُّفُوسِ وَهُوَ الْقِصَاصُ .
( وَثَانِيهِمَا ) : لِلْأَعْرَاضِ وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ وَلِهَذَا يُورَثُ عَنْهُ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ .
وَاَلَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ : ( أَحَدُهَا ) : يَجِبُ لِحِفْظِ ( الْأَنْسَابِ ) وَهُوَ حَدُّ الزِّنَى وَاللِّوَاطِ .
( ثَانِيهَا ) : لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَهُوَ السَّرِقَةُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ وَإِنْ ( اخْتَلَفَ ) هَلْ يَغْلِبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ أَوْ الْحَدِّ وَرَجَّحُوا الْأَوَّلَ لَكِنْ قَالُوا لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَلَى مَالٍ وَجَبَ الْمَالُ ( وَيَسْقُطُ ) الْقِصَاص وَيُقْتَلُ حَدًّا .
( وَالثَّالِثُ ) : مَا يَجِبُ لِحِفْظِ الْعُقُولِ وَالْأَمْوَالِ وَهُوَ حَدُّ الْخَمْرِ فَإِنَّهَا حُرِّمَتْ ( حِفْظًا ) لِلْعُقُولِ وَصِيَانَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَمَّا يُشْغِلُهُمَا فَإِنَّهُمَا لَا يُدْرِكَانِ إلَّا بِوُجُودِ الْعَقْلِ حَتَّى حَرَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) التَّوَاجُدَ وَتَعَاطِي أَسْبَابِهِ مِنْ الْمُطْرِبَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ الْمُلْهِيَاتِ نَقَلَهُ ( الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ الْعَطَّارِ ) فِي كِتَابِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ قَالَ وَيَجِب ( أَنْ يُفَرَّقَ ) بَيْنَ الْأَمْرِ الْحَامِلِ عَلَى الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ ( عَمَّا ) ذَكَرْنَا سَوَاءٌ كَانَ يُلَائِمُ النَّفْسَ ( أَوْ لَا يُلَائِمُهَا ) مِمَّا تَحْصُلُ مَعَهُ الْغَيْبَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ ( مُطْلَقًا ) قَالَ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ يُخَالِفُ فِيهِ .
( الثَّانِي ) أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ إلَّا فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ ( سَبَقَتْ فِي فَصْلِ التَّوْبَةِ ) .
الثَّالِثُ : أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَتَحْقِيقُهَا يَأْتِي فِي حَرْفِ الشَّيْنِ .
( الرَّابِعُ ) : فِي سُقُوطِهَا بِالرُّجُوعِ إنْ ( كَانَتْ ) مَحْضَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا ، وَالشُّرْبِ سَقَطَ قَطْعًا .
وَإِنْ كَانَتْ مَحْضَ حَقِّ الْآدَمِيِّ كَالْقَذْفِ لَمْ
يَسْقُطْ قَطْعًا وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى النَّوْعَيْنِ كَالسَّرِقَةِ فَلَا يُقْبَلُ فِي رُجُوعِهِ عَنْ الْغُرْمِ وَفِي ( قَبُولِ ) رُجُوعِهِ فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ قَوْلَانِ ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ ( تَعَالَى ) فِي الْقَطْعِ ( ثَبَتَ ) تَبَعًا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ .
( الْخَامِسُ ) : حَيْثُ انْتَفَى الْحَدُّ فِي الْوَطْءِ ثَبَتَ الْمَهْرُ إلَّا فِي وَطْءِ السَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ ( الْوَلِيِّ ) فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ .
الْحَدَثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ ( الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ ) : وَهُوَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَعِنْدَ ( آخَرِينَ وَهُوَ ) الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ حُلُولُ مَعْنًى عَلَى كُلِّ ( الْجَسَدِ ) أَوْ بَعْضِهِ يَمْنَعُ بَقَاؤُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى زَوَالِهِ بِالْمَاءِ الْإِقْدَامَ عَلَى الصَّلَاةِ .
وَمَا الطَّهَارَةُ فِيهِ شَرْطٌ .
" وَاعْلَمْ " أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْخَارِجِ وَعَلَى الْمَنْعِ ( الْمُتَرَتِّبِ ) عَلَيْهِ وَعَلَى مَعْنًى يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مَعْنًى ( يَقْدِرُ ) عَلَى الْأَعْضَاءِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ ( النَّجَاسَةِ ) الْحِسِّيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ .
وَأَمَّا الْمَعْنَى الْمُتَوَسِّطُ فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ وَتَصِحُّ إرَادَتُهُ وَبَنَوْا عَلَيْهِ فُرُوعًا كَثِيرَةً : ( مِنْهَا ) : تَبْعِيضُ الطَّهَارَةِ وَتَفْرِيقُ النِّيَّةِ ، وَارْتِفَاعُ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَتَقْرِيرُ كَوْنِ التَّيَمُّمِ مُبِيحًا لَا رَافِعًا وَغَيْرُهُ .
وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى أَصْغَرَ وَهُوَ مَا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ وَأَكْبَرَ وَهُوَ مَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ وَجَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْحَيْضَ ( أَكْبَرَ ) ( وَالْجَنَابَةَ ) أَوْسَطَ .
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ ( مِنْ ) تَصَرُّفِهِمْ أَنَّهُ مَرَاتِبُ : أَكْبَرُ وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَكَبِيرٌ وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَقَطْ وَصَغِيرٌ وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَطْ وَأَصْغَرُ وَهُوَ مَا يُوجِبُ غُسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ فِي نَزْعِ الْخُفِّ .
( الثَّانِي ) : لَا خِلَافَ أَنَّ الْأَكْبَرَ يَحِلُّ ( بِجَمِيعِ ) الْبَدَنِ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصْغَرِ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ ( يَخْتَصُّ ) بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ الثَّانِي ، وَبَنَى عَلَيْهِمَا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي مَا لَوْ غَطَسَ ( الْمُتَوَضِّئُ ) وَلَمْ يَمْكُثْ زَمَنًا يُقَدِّرُ فِيهِ التَّرْتِيبَ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ صَحَّ ( أَوْ بِالثَّانِي ) فَلَا .
( الثَّالِثُ ) : قِيلَ إنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ
لِتَحْرِيمِهِ الصَّلَاةَ لَكِنْ مُوَسَّعًا إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ ، وَقِيلَ إنَّمَا يُوجِبُهُ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِهِ قَبْلَهُ ( حَكَاهَا ) ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قِيلَ تَجِبُ الطَّهَارَةُ عِنْد دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهَا ( تُرَادُ ) لَهَا وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْحَدَثِ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِبْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ( لَمَا ) جَازَ فِعْلُهَا فَإِنَّ عِبَادَاتِ الْأَبَدَانِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا مَقْصُودَةً عَلَى وَقْتِ دُخُولِهَا .
( الرَّابِعُ ) : أَنَّ الْوُضُوءَ هَلْ يَبْطُلُ بِالْحَدَثِ أَوْ تَنْتَهِي ( مُدَّتُهُ ) كَانْتِهَاءِ مُدَّةِ ( الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ) وَجْهَانِ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الثَّانِيَ وَاعْتَرَضَ عَلَى مَنْ ( عَبَّرَ ) بِنَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ الطَّهَارَةُ ( بَطَلَتْ بِالْحَدَثِ لَوَجَبَ ) أَنْ يُقَالَ ( إنَّ ) الصَّلَاةَ الَّتِي أَدَّاهَا ( بِهَا ) بَطَلَتْ .
وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ الْحَدَثُ فِي الدَّوَامِ ( لَا يُبْطِلُ الْمَاضِيَ ) وَإِنَّمَا يُوجِبُ طَهَارَةً أُخْرَى بِدَلِيلِ الْحَائِضِ لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَلَمْ تَجِدْ مَاءً وَ ( تَيَمَّمَتْ ) يُبَاحُ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا فَلَوْ ( أَحْدَثَتْ ) لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا وَلَوْ كَانَ الْحَدَثُ مُبْطِلًا لِلطُّهْرِ السَّابِقِ ( لَحَرُمَ ) وَطْؤُهَا .
الْخَامِسُ : يَنْقَسِمُ إلَى حَدَثٍ مُنْقَطِعٍ وَدَائِمٍ كَالِاسْتِحَاضَةِ وَالسَّلَسِ وَيَخْتَصُّ الْحَدَثُ الدَّائِمُ ( بِسِتَّةِ ) شُرُوطٍ الشَّدُّ ، وَالتَّعْصِيبُ وَالْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَتَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ ، وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ .
الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَلِهَذَا لَوْ حَبَسَ حُرًّا وَلَمْ يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ .
( وَلَوْ ) وَطِئَ حُرَّةً بِالشُّبْهَةِ وَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ ، لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ فِي الْمَشْهُورِ ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً وَجَبَتْ الْقِيمَةُ ، قَالَ الْمَحَامِلِيُّ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ الْأَمَةِ أَوْسَعُ ، فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ ، وَالْحُرَّةُ إنَّمَا تُضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ ، وَلَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ .
وَلَوْ حَبَسَ أَمَةَ غَيْرِهِ ضَمِنَ ( بِأَدَاءِ ) مَنْفَعَةِ الْبَدَنِ ، وَلَا يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ ، لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَمَنْفَعَةُ الْبَدَنِ مَالٌ ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا الْيَدُ بِدَلِيلِ أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ ، ( فَلَمْ ) يُوجَدْ لِلضَّمَانِ سَبَبٌ ، بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْبَدَنِ ، فَإِنَّ الْيَدَ تَثْبُتُ عَلَيْهَا ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجَّرُ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ ، كَمَا لَا يَبِيعُهُ ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي .
وَلَوْ نَامَ ( عَبْدٌ ) عَلَى بَعِيرٍ فَقَادَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْقَافِلَةِ قَطْعٌ أَوْ حَرٌّ فَلَا فِي الْأَصَحِّ لِمَا ( ذَكَرْنَا ) .
وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا ( حُرًّا ) فِي مَسْبَعَةٍ ، فَأَكَلَهُ سَبُعٌ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَبْدًا .
وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَةً تَحْتَ رَجُلٍ وَادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَيْهَا لَا عَلَى الرَّجُلِ ، لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ .
وَلَوْ أَقَامَ رَجُلَانِ ( كُلٌّ ) مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ لَمْ تُقَدَّمْ بَيِّنَةُ مَنْ هِيَ تَحْتَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ، بَلْ هُمَا كَاثْنَيْنِ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى نِكَاحِ خَلِيَّةٍ .
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَبَّرِ مَالٌ وَقَالَ كَسَبْته بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ لِي ، وَقَالَ الْوَارِثُ بَلْ قَبْلَهُ ( فَهُوَ ) لِي ، صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ ، لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ ، بِخِلَافِ دَعْوَاهُمَا الْوَلَدَ ، لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ وَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ
تَحْتَ الْيَدِ .
وَلَوْ ( أَفْضَى ) امْرَأَةً مُكْرَهَةً فَمَهْرُ ( مِثْلِهَا ) ثَيِّبًا ، وَأَرْشُ بَكَارَةٍ ، وَقِيلَ مَهْرُ بِكْرٍ وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ ، فَجَعَلَ فِي الْأَمَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَجِبُ مَهْرُ بِكْرٍ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ وَقَالَ فِي الْحُرَّةِ الْبِكْرِ إذَا وُطِئَتْ يَجِبُ مَهْرُ بِكْرٍ بِدُونِ أَرْشٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ ( الْإِمَامِ ) الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي الْأُمِّ ، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْأَرْشَ فِي الْحُرَّةِ .
وَأَمَّا ثِيَابُ الْحُرِّ الْبَالِغِ وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَلَا ( تَدْخُلُ ) فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ ، لِأَنَّهَا فِي يَدِ الْحُرِّ حَقِيقَةً ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ، ( أَوْ مَجْنُونًا فَكَذَلِكَ ) فِي الْأَصَحِّ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ السَّرِقَةِ .
الْحُرُّ ( ضَرْبَانِ ) ضَرْبٌ اسْتَقَرَّتْ لَهُ الْحُرِّيَّةُ فَذَاكَ .
وَضَرْبٌ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا ( كَاللَّقِيطِ ) - فَفِي إعْطَائِهِ أَحْكَامَ الْحُرِّ مُطْلَقًا خِلَافٌ ، وَالْأَصَحُّ نَعَمْ ، وَكَذَلِكَ ( الْمُعْتَقُ ) فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ الْآنَ ظَاهِرًا ، وَإِذَا قَتَلَهُ قَاتِلٌ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، ثُمَّ لَمْ يَحْصُلْ عِتْقُ شَيْءٍ مِنْهُ ، لِوُجُودِ الدَّيْنِ وَعَدَمِ الْإِجَازَةِ مِنْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ عِتْقُ كُلِّهِ ، لِعَدَمِ إجَازَةِ الْوَارِثِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ ، إذَا لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ ( الْمُعْتِقِ ) يَكُونُ رَقِيقًا أَوْ مُبَعَّضًا ، فَإِنْ قُلْنَا يَمُوتُ حُرًّا تَكَمَّلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ ، وَهَذَا يُتَصَوَّرُ مَعَ ( وُجُوبِ ) دِيَتِهِ ، إذَا كَانَتْ الدِّيَةُ مُؤَجَّلَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ ، فَإِنَّ الْمُؤَجَّلَ كَالْعَدَمِ .
وَلَوْ زَنَى هَذَا الْمَذْكُورُ لَمْ يُجْلَدْ مِائَةً ، وَلَمْ يُغَرَّبْ عَامًا لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ رِقُّهُ ( فَنَكُونُ ) قَدْ زِدْنَا عَلَى الْوَاجِبِ .
الْحَرِيمُ يَدْخُلُ فِي الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ ، فَكُلُّ ( مُحَرَّمٍ ) لَهُ حَرِيمٌ يُحِيط بِهِ كَالْفَخِذَيْنِ ( فَإِنَّهُمَا ) حَرِيمٌ لِلْعَوْرَةِ الْكُبْرَى ، وَالْحَرِيمُ هُوَ الْمُحِيطُ بِالْحَرَامِ وَكُلُّ وَاجِبٍ دَخَلَ فِي بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ كَغَسْلِ الْوَجْهِ لَا يَتَحَقَّقُ ، إلَّا بِغَسْلِ شَيْءٍ مِنْ الرَّأْسِ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ ، إمَّا جَزْمًا كَمَسْأَلَتِنَا أَوْ عَلَى الْأَصَحّ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيه لِطَهَارَتِهِ إلَّا بِتَكْمِيلِهِ بِمَائِعٍ يُسْتَهْلَكُ فِيهِ ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ ، فَلَا ( حَرِيمَ ) لَهَا لَسَعَتِهَا وَعَدَمِ الْحَجَرِ فِيهَا .
الْحَشَفَةُ أَحْكَامُ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِقَدْرِهَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمِيعُ ، إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ وُجُوبُ الدِّيَةِ .
الْحَصْرُ وَالْإِشَاعَةُ هِيَ ( عَلَى ) أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ : مَا نَزَّلُوهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ قَطْعًا ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَعْطَاهُ عَشَرَةً عَدَدًا ، فَوُزِنَتْ ( وَكَانَتْ ) أَحَدَ عَشَرَ كَانَ الزَّائِدُ لِلْمَقْبُوضِ مِنْهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، فِي بَابِ الرِّبَا ، وَأَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ فِيمَا لَوْ اقْتَرَضَ مِنْ شَخْصٍ ( أَلْفًا ) وَخَمْسَمِائَةٍ فَوَزَنَ لَهُ أَلْفًا وَثَمَانِمِائَةٍ غَلَطًا ، ثُمَّ عَلِمَا بِذَلِكَ ، وَادَّعَى الْمُقْتَرِضُ تَلَفَ الثَّلَاثِ مِائَةٍ الزَّائِدَةٌ ، أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فَاللَّازِمُ لَهُ ( عَنْ ) الْمَبْلَغِ الَّذِي أَحْضَرَهُ ( مِائَتَا دِرْهَمٍ ) وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا ، لِأَنَّ كُلَّ مِائَةٍ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا مَقْبُوضٌ وَسُدُسُهَا أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ ، فَالذَّاهِبُ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ سُدُسُ الثَّلَثِمِائَةِ الْمُقَرَّرَةِ وَالْبَاقِي لَازِمٌ لَهُ طَرِيقُ الْقَرْضِ وَاسْتَشْهَدَ لَهَا بِصُورَةِ الْإِقْرَاضِ الْآتِيَةِ ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ .
وَمِنْهَا لَوْ أَوْصَى بِمُبَعَّضٍ ( لِمُوَرِّثِهِ ) ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا ( مُهَايَأَةٌ ) ، فَإِنْ قُلْنَا لَا تَدْخُلُ النَّادِرَةُ فِي الْمُهَايَأَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ ، فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ إنْ انْتَهَيْنَا إلَى ذَلِكَ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ أَيْضًا ، فَإِنَّ الْمُبَعَّضَ فِيهَا ( يَتَصَرَّفُ ) لِمَالِك الرَّقَبَةِ وَهُوَ الْوَارِثُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ احْتِمَالًا إلَى أَنَّهَا تَبْطُلُ فِي حِصَّةِ الْوَارِثِ وَتَصِحُّ فِي حِصَّةِ الشَّخْصِ فَإِنَّ التَّبْعِيضَ لَيْسَ بِدْعًا فِي الْقَضَايَا .
الثَّانِي : مَا نَزَّلُوهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ فِي الْأَصَحِّ ، كَمَا إذَا بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ ، ( يَعْلَمُ ) - صِيعَانَهَا صَحَّ الْبَيْعُ ثُمَّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يُنَزَّلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ ، فَلَوْ كَانَتْ عَشَرَةُ آصَاعٍ وَتَلِفَ الْعُشْرُ تَلِفَ مِنْ الْمَبِيعِ بِقَدْرِهِ وَهُوَ الْعُشْرُ ، وَقِيلَ يُنَزَّلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ تَلِفَ شَيْءٌ بَقِيَ الْمَبِيعُ ، وَلَوْ بَقِيَ صَاعٌ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَحَتَّى ، لَوْ صَبَّ عَلَيْهَا صُبْرَةً أُخْرَى ، ثُمَّ تَلِفَ الْجَمِيعُ ، إلَّا صَاعًا ( يُعَيَّنُ ) أَيْضًا .
وَمِنْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ كِيسٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ فِيهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَك نِصْفُ ( مَا فِي هَذَا الْكِيسِ فَيُحْمَلُ إقْرَارُهُ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ ، أَوْ عَلَى نِصْفِ ) مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ رُبُعُ الْجَمِيعِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي إقْرَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِدَيْنٍ مَعَ إنْكَارِ الْبَعْضِ ، هَلْ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الدَّيْنِ أَوْ قَدْرُ حِصَّتِهِ ، وَجْهَانِ ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي .
وَفِي الْحَاوِي عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ رَجَاءٍ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ ( الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ) ، أَنَّ مَذْهَبَهُ سُؤَالُ الْمُقِرِّ فَإِنْ قَالَ لَا شَيْءَ ( لِي ) فِيهِ نَزَلَ إقْرَارُهُ ( فِيهِ ) عَلَى مَا يَمْلِكُهُ ، وَإِنْ قَالَ لِي نِصْفُهُ نَزَلَ الْإِقْرَارُ عَلَى الرُّبُعِ مُشَاعًا ، وَكَانَ الرُّبُعُ الْآخَرُ لَهُ وَالنِّصْفُ لَلشَّرِيكِ ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ شَرِيكِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ .
وَمِنْهَا فِي الْقِرَاضِ لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةً وَالرِّبْحُ عِشْرِينَ ، فَاسْتَرَدَّ الْمَالِكُ عِشْرِينَ بَعْدَ الرِّبْحِ ، فَالْمُسْتَرَدُّ يَكُونُ شَائِعًا فِي الرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ ، قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ طَرِيقَةَ الْعِرَاقِيِّينَ تَقْتَضِي انْحِصَارَ الْمُسْتَرَدِّ فِي رَأْسِ الْمَالِ .
وَمِنْهَا أَصْدَقَهَا عَيْنًا ( وَقَبَضَتْهَا ) فَوَهَبَتْ لِلزَّوْجِ نِصْفَهَا ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَهُ نِصْفُ الْبَاقِي أَيْ وَهُوَ الرُّبُعُ وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهِ ، لِأَنَّ ( الْهِبَةَ ) وَرَدَتْ عَلَى مُطْلَقِ الْجُمْلَةِ ( فَيَشِيعُ ) ( فِيمَا ) أَخْرَجَتْهُ وَمَا أَبْقَتْهُ وَمَجْمُوعُ الرُّبُعَيْنِ عَيْنُ قِيمَةِ النِّصْفِ ، وَفِي قَوْلٍ ( نِصْفُ ) الْبَاقِي ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِالطَّلَاقِ ، وَقَدْ وُجِدَ فَيَنْحَصِرُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا فَتَنْحَصِرُ هِبَتُهَا فِي نِصْفِهَا تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهَا .
وَمِنْهَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي التَّضْحِيَةِ بِشَاتَيْنِ ، لَا يَجْزِي فِي الْأَصَحِّ .
الثَّالِثُ : مَا نَزَّلُوهُ عَلَى الْحَصْرِ قَطْعًا .
فَمِنْهُ لَوْ قَالَ اُعْطُوهُ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِي فَمَاتَ وَمَاتُوا كُلُّهُمْ ، إلَّا وَاحِدًا ، تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ فَلَمْ يُنَزِّلُوهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ ، كَمَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّاعِ السَّابِقَةِ .
وَمِنْهَا ( لَوْ ) أَوْصَى بِثُلُثِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَاهُ تَنَاوَلَ الثُّلُثَ الْمَمْلُوكَ إنْ وَفَّى بِهِ ثُلُثُ مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ( الْإِمَامُ ) الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) ، وَقَالَ ( أَبُو ثَوْرٍ ) يُرَدُّ إلَى ثُلُثِ الثُّلُثِ .
وَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ مِنْ كُلِّ ( جُزْءٍ ) نَقَلَهُ فِي الْبَسِيطِ ( وَقَالَ ) فِي نَظِيرِهِ مِنْ ( الْمَبِيعِ ) خِلَافٌ فِي ( الْمَذْهَبِ أَنَّا ) نَحْصُرُ أَمْ نُشِيعُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَإِنْ تَرَدَّدَتْ تُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ ، كَالْوَصِيَّةِ بِالطَّبْلِ يُحْمَلُ عَلَى طَبْلِ الْحَرْبِ مَيْلًا إلَى الصِّحَّةِ ، وَالصَّحِيحُ الْحَصْرُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ بَاعَ النِّصْفَ ، وَمَلَكَ النِّصْفَ ، وَذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ إلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ فِي جُزْءٍ مِنْ ( حِصَّتِهِ ) ، وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ ( يَفْسُدُ ) بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَفْسُدُ ، فَأَمْكَنَ تَفْرِيقُهَا .
وَمِنْهَا لَوْ مَلَكَ نِصَابَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ مَثَلًا فَوَاجِبُ كُلِّ نِصَابٍ يَنْحَصِرُ فِيهِ .
كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوهُ ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي النِّصَابِ وَالْوَقْصِ ، ( قَالَ ) وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ وَاجِبُ النِّصَابَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ انْحِصَارٍ وَاخْتِصَاصٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ وَاجِبُ نَصِيبٍ ( وَهِيَ الْأَخْمَاسُ ) ، ( ثُمَّ لَا وَجْهَ إلَّا إضَافَةُ ) بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَى جَمِيعِ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَحَصْرٍ ، وَكَذَلِكَ إذَا وَجَبَ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فَالْوَجْهُ إضَافَتُهَا ( إلَى جَمِيعِ ) الْمَالِ ثُمَّ ( إذَا صَحَّ هَذَا ) فِي الْأَسْنَانِ وَجَبَ طَرْدُهُ حَيْثُ تَكُونُ الزِّيَادَةُ بِالْعَدَدِ فَالْوَجْهُ إضَافَةُ الْكُلِّ إلَى الْكُلِّ .
الرَّابِعُ : مَا نَزَّلُوهُ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْأَصَحِّ .
( فَمِنْهُ ) ، لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ عَبْدٍ ، لَا يَمْلِكُ مِنْهُ ، ( إلَّا ) الثُّلُثَ ، فَاَلَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا مَلَكَهُ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمَعْقُولَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ ( إنَّمَا ) أَرَادَ بِمَا يَمْلِكُهُ مِنْهُ ، وَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْصَيْت بِنَصِيبِي مِنْهُ ، وَحَكَى وَجْهًا ( آخَرَ ) ، أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ جَامِعًا لِلنَّصِيبَيْنِ ، لِأَنَّ الثُّلُثَ مُشَاعٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَعَلَى هَذَا ، لَا يَحْصُلُ إلَّا ثُلُثُ الثُّلُثِ ، الَّذِي هُوَ مَالِكُهُ مِنْ الْعَبْدِ ، وَهُوَ ( تُسْعُ ) جَمِيعِ الْعَبْدِ ، قَالَ ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْإِمْلَاءِ فِي الْمَرْأَةِ إذَا اخْتَلَعَتْ بِنِصْفِ مَهْرِهَا ، قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا .
وَمِنْهَا - عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَالِكَيْنِ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ ، فَقَالَ نِصْفُك حُرٌّ وَلَمْ ( يُرِدْ ) نَصِيبَهُ ، وَلَا نَصِيبَ شَرِيكِهِ ، بَلْ أَطْلَقَ ( فَعَلَى ) أَيِّ النِّصْفَيْنِ يُحْمَلُ ؟ وَجْهَانِ : قَالَ النَّوَوِيُّ لَعَلَّ أَقْوَاهُمَا الْحَمْلُ عَلَى الْمَمْلُوكِ ، لَا الْمُوَكَّلِ فِيهِ .
قُلْت وَقَدْ ( يُوَجَّهُ ) بِأَنَّ ( تَصَرُّفَهُ ) فِيمَا هُوَ مِلْكُهُ أَتَمُّ ، ( وَكَانَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ أَنْسَبُ ) .
وَلَوْ قَالَ : أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَعْتَقْت مِنْ هَذَا الْعَبْدِ النِّصْفَ ، فَهَلْ يَخْتَصُّ بِجَانِبِهِ أَوْ يَشِيعُ فِي الْجَانِبَيْنِ ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ ، وَلَا تَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ هُنَا ، لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ سَرَى إلَى بَقِيَّةِ نَصِيبِهِ وَإِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، إلَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا ، وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ وَكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي الْخُلْعِ ، إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا وَلَا إلَى نَفْسِهِ ، وَلَا نَوَى شَيْئًا ، قَالَ الْغَزَالِيُّ ( تُحْمَلُ عَلَى الْوَكَالَةِ ) وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ بَحْثٌ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ ، لِأَنَّ خُلْعَ الْأَجْنَبِيِّ نَادِرٌ ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ .
وَمِنْهَا ، لَوْ مَلَكَ ( نِصْفًا ) مِنْ عَبْدٍ ، أَوْ دَارٍ ، وَقَالَ بِعْتُك النِّصْفَ مِنْهُ ، وَلَمْ يُضِفْ إلَى مِلْكِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ النَّوَوِيِّ يَنْصَرِفُ إلَى نِصْفِهِ الْمَمْلُوكِ وَالثَّانِي إلَى نِصْفِ الْعَبْدِ شَائِعًا ، وَصَحَّحَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ ذَلِكَ النِّصْفِ ( بِمُصَادَقَتِهِ ) مِلْكَ الشَّرِيكِ ، وَيَجْرِي فِي نِصْفِ النِّصْفِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ ( وَلَوْ ) أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِنِصْفِ الْعَبْدِ ( الْمُشْتَرَكِ ) ، يَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ ، لَكِنَّهُ فِي نِصْفِ نَصِيبِهِ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا ، لِأَنَّ ( الْإِقْرَارَ ) لَيْسَ ( بِعَقْدٍ فَيَتَفَرَّقُ ) .
وَمِنْهَا ، لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى نِصْفِ صَدَاقِك ، إمَّا أَنْ يَقُولَ الَّذِي تَمْلِكِينَهُ الْآنَ ، أَوْ الَّذِي أَمْلِكُهُ أَوْ يُطْلِقُ فَإِنْ أَطْلَقَ ، فَفِيهَا قَوْلَا الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْحَصْرِ ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ فِي نِصْفِهَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ ( وَيَرْجِعُ ) فِي جَمِيعِ الصَّدَاقِ ( النِّصْفُ ) بِالطَّلَاقِ وَالنِّصْفُ بِالْخُلْعِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْإِشَاعَةِ رَجَعَ لَهُ النِّصْفُ وَهُوَ قَدْ خَالَعَهَا عَلَى شَيْءٍ يَمْلِكُهُ وَشَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ ، فَرَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَمِنْهَا إذَا ابْتَاعَ ذِرَاعًا مِنْ أَرْضٍ ( يَعْلَمُ ) أَنَّهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ صَحَّ ، وَكَأَنَّهُ بَاعَ ( الْعَشْرَ ) ( فَهُوَ تَنْزِيلٌ عَلَى الْإِشَاعَةِ ) ، قَالَ الْإِمَامُ ، إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ مُعَيَّنًا ، فَيَبْطُلُ كَمَسْأَلَةِ الْقَطِيعِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَا ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَرَدْت الْإِشَاعَةَ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ ، وَقَالَ الْبَائِعُ ، بَلْ أَرَدْت مُعَيَّنًا فَفِي الْمُصَدَّقِ احْتِمَالَانِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ النَّوَوِيِّ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ .
وَمِنْهَا ، إذَا قَالَ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَك صَحَّ فِي الْأَصَحِّ أَوْ لَا ؟ لَمْ يَصِحَّ ( فِي الْأَصَحِّ ) ، فَلَوْ قَالَ خُذْ الْمَالَ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ وَأَطْلَقَ ، فَكَلَامُ سُلَيْمٍ فِي الْمُجَرَّدِ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ الْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ تَنْزِيلًا عَلَى شَرْطِ النِّصْفِ لِلْعَامِلِ قَالَ سُلَيْمٌ ، وَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَرَدْت أَنَّ النِّصْفَ لِي فَيَكُونُ فَاسِدًا وَادَّعَى الْعَامِلُ الْعَكْسَ صُدِّقَ الْعَامِلُ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَهَذَا ( يُخَالِفُ ) تَرْجِيحَ النَّوَوِيُّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا .
( وَمِنْهَا ) : مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلْ وَجَبَ لِلْفُقَرَاءِ شَاةٌ مُبْهَمَةٌ أَمْ وَجَبَ لَهُمْ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ بِلَا تَرْجِيحٍ .
( وَمِنْهَا ) : رَجُلٌ لَهُ زَوْجَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدَةً ( مِنْهُنَّ ) وَحَنِثَ أَفْتَى النَّوَوِيُّ لَهُ التَّعْيِينُ فِي ( وَاحِدَةٍ ) مِنْهُنَّ وَلَا طَلَاقَ عَلَى الْبَاقِيَاتِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الطَّلَاقَ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ فَلَا يُكَلَّفُ زِيَادَةً وَخَالَفَهُ ( الْبَاجِيُّ ) ، وَقَالَ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِالْحِنْثِ طَلْقَةٌ عَلَيْهِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ بَعْضُهَا وَتَكْمُلُ .
( وَمِنْهَا ) : ( لَوْ ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ تَقَعُ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَالثَّانِي طَلْقَتَانِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ نِصْفُ هَذَيْنِ الْكِيسَيْنِ فَلَهُ مِنْ كُلِّ كِيسٍ نِصْفُهُ وَإِذَا وَقَعَ نِصْفُ طَلْقَةٍ تَكْمُلُ .
الْحُقُوقُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ ( الْأَوَّلُ ) : مَا لَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ وَلَا النَّقْلَ وَلَا الْإِرْثَ كَحَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ، وَحَقِّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ ، وَحَقِّ الْعَاقِلَةِ فِي ( التَّأْجِيلِ ) ، وَحَقِّ الْإِرْثِ وَحَقِّ وِلَايَةِ النِّكَاحِ ، وَحَقِّ الْحَضَانَةِ ، وَحَقِّ التَّقَدُّمِ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى ، وَحَقِّ تَفْضِيلِ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي تَقْدِيمِهِمْ عَلَيْهِنَّ ( وَاسْتِحْقَاقِ التَّدْرِيسِ ) ، وَحَقِّ سِرَايَةِ الْعِتْقِ .
( الثَّانِي ) : يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ وَالْإِرْثَ دُونَ النَّقْلِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالْوَصَايَا ، وَالْوِلَايَاتِ وَنَحْوِهَا .
( الثَّالِثُ ) : ( مَا ) لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلَا الْإِرْثَ كَحَقِّ الْوَالِدَيْنِ .
( الرَّابِعُ ) : مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلَا الْإِرْثَ وَيَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ كَالسَّبْقِ إلَى مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَكَذَا حَقُّ التَّقْدِيمِ فِي ( الْحِلَقِ ) .
( الْخَامِسُ ) : مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَيَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ وَكَذَا الْإِرْثُ عَلَى الْأَصَحِّ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ ، وَأَمَّا خِيَارُ الثَّلَاثِ فَيَقْبَلُ الْإِرْثَ قَطْعًا وَالْإِسْقَاطَ دُونَ النَّقْلِ .
الْحُقُوقُ تُوَرَّثُ كَمَا ( يُوَرَّثُ الْمَالُ ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ } وَأَوْرَدَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الِاصْطِلَامِ بِلَفْظِ { مَالًا أَوْ حَقًّا } فَيُوَرَّثُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَأَمَّا الْأَجَلُ فَإِنَّمَا لَا يُوَرَّثُ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ لَا لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ حَقُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ لِيَقْضِيَ الدُّيُونَ وَلَا يُتَصَوَّرُ إرْثٌ لِحَقٍّ يَكُونُ عَلَيْهِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ كَانَ حَقًّا مَالِيًّا لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ وَالدَّيْنُ لَا يُوَرَّثُ وَكَيْفَ يُوَرَّثُ ( الْأَجَلُ ) وَمَتَى يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى شَخْصٍ ( وَالْأَجَلُ لِغَيْرِهِ ) فَإِنْ قِيلَ ( لِمَ لَا ) وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ بَاقِيًا عَلَى الْمَيِّتِ فِي ذِمَّتِهِ ( بِأَجَلِهِ ) ؟ قُلْنَا : لَيْسَ هَذَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْقَ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي سُقُوطِ الْأَجَلِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ ( يُفَرِّغُ ) ذِمَّتَهُ ، وَإِذَا كَانَ الْأَجَلُ لِنَفْسِهِ فَمَتَى كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ فِي سُقُوطِهِ سَقَطَ .
( وَالضَّابِطُ ) : أَنَّ مَا كَانَ تَابِعًا ( لِلْمَالِكِ ) يُوَرَّثُ عَنْهُ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَسُقُوطِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَكَذَلِكَ مَا يَرْجِعُ لِلتَّشَفِّي كَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَوَّلُ إلَى الْمَالِ وَكَذَا حَدُّ الْقَذْفِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا يَرْجِعُ ( لِلشِّهْوَةِ ) وَالْإِرَادَةِ كَخِيَارِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ لَا يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ .
( وَكَذَلِكَ ) إذَا طَلَّقَ ( إحْدَى ) امْرَأَتَيْهِ لَا ( بِعَيْنِهَا ) ثُمَّ مَاتَ .
وَكَذَا اللِّعَانُ إذَا قَذَفَ ( الْمُورِثُ ) زَوْجَتَهُ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَقُمْ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ وَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ لِلشَّهْوَةِ .
وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ : خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَنْتَقِلُ لِلْوَرَثَةِ فِي صُورَتَيْنِ : ( إحْدَاهُمَا ) : إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى الْعَيْبِ .
( وَالثَّانِيَةُ ) : إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْفَسْخِ حَتَّى مَاتَ وَقُلْنَا يَجُوزُ ( تَأْخِيرُ ) الْفَسْخِ إلَى وَقْتِ التَّمْكِينِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَالْحَاكِمِ ، وَأَمَّا إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُفْسَخْ مَعَ التَّمْكِينِ بَطَلَ حَقُّهُ ، فَأَمَّا خِيَارُ الْقَبُولِ لَا يُوَرَّثُ كَمَا لَوْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ لِإِنْسَانٍ فَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ مَاتَ الْمُشْتَرِي وَوَارِثُهُ حَاضِرٌ فَأَرَادَ الْقَبُولَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَيْسَ بِلَازِمٍ .
وَاعْلَمْ : أَنَّ الْحُقُوقَ لَا تُوَرَّثُ مُجَرَّدَةٌ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا ( تُوَرَّثُ ) تَبَعًا ( لِلْأَمْوَالِ كَمَا فِي الْخِيَارِ ) وَنَحْوِهِ فَلَوْ لَمْ يَرِثْ الْمَالَ لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا وَهَبَ ( لِوَلَدِهِ ) ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ وَوَارِثُهُ أَبُوهُ لِكَوْنِ الْوَلَدِ مُخَالِفًا لَهُ فِي الدِّينِ فَلَا رُجُوعَ لِلْجَدِّ الْوَارِثِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ إنَّمَا تُوَرَّثُ تَبَعًا لِلْأَمْوَالِ وَهُوَ لَا يَرِثُ .
وَكَذَا لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَكُنْ ( لِوَارِثٍ غَيْرِهِ ) الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ( تَوَابِعِ ) الْمَالِ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ عَنْهُ وَحَقُّ الرُّجُوعِ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةِ الْأُبُوَّةِ وَقَدْ مَاتَ .
وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ مَوْرُوثٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُوَرَّثُ لَكِنْ لَلْعَصَبَاتِ خَاصَّةً .
قُلْت : قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ هَذَا الَّذِي ( يَقُولُهُ ) الْفُقَهَاءُ أَنَّ فُلَانًا وَارِثُ الْوَلَاءِ وَفُلَانًا لَمْ يَرِثْهُ إنَّمَا هُوَ ( تَجَوُّزٌ فِي الْعِبَارَةِ ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ بَلْ يُوَرَّثُ بِهِ .
الْحُقُوقُ الْمُوَرَّثَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ ( أَحَدُهَا ) : مَا ثَبَتَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِتَمَامِهِ وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ فِي الْأَصَحِّ فَإِذَا عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِي ( الِاسْتِيفَاءُ ) كَامِلًا لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ ( مَعَرَّةِ ) الْمَيِّتِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِيهِ وَلَا يُدْفَعُ ( الْعَارُ ) إلَّا بِتَمَامِ الْحَدِّ .
( الثَّانِي ) : مَا ثَبَتَ لِجَمِيعِهِمْ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ( حِصَّتُهُ ) سَوَاءٌ تَرَكَ شُرَكَاؤُهُ حُقُوقَهُمْ أَوْ لَا وَهُوَ حَقُّ ( الْمَالِ ) .
( الثَّالِثُ ) : مَا ثَبَتَ لِجَمِيعِهِمْ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ شَيْئًا مِنْهُ وَهُوَ الْقِصَاصُ إذَا عَفَا أَحَدُهُمْ يَسْقُطُ الْكُلُّ .
( الرَّابِعُ ) : مَا ثَبَتَ لَهُمْ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَإِذَا عَفَى بَعْضُهُمْ ( يُوَفِّرُ ) الْحَقَّ عَلَى الْبَاقِينَ وَهُوَ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ( الْغَنِيمَةُ ) .
حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ( الْأَوَّلُ ) : عِبَادَاتٌ مَحْضَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا نَيْلُ الدَّرَجَاتِ وَالثَّوَابِ ( وَتَتَعَلَّقُ ) بِأَسْبَابٍ مُتَأَخِّرَةٍ كَالنِّصَابِ وَالزَّكَاةِ وَالْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ .
( الثَّانِي ) : عُقُوبَاتٌ مَحْضَةٌ تَتَعَلَّقُ ( بِمَحْظُورَاتٍ ) هِيَ عَنْهَا زَاجِرَةٌ .
( الثَّالِثُ ) : كَفَّارَاتٌ وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ ثُمَّ غَالِبُ الْكَفَّارَاتِ يَكُونُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا ( لَوْ وَاقَعَ ) فِي رَمَضَانَ ، وَالْإِمْسَاكِ فِي الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ لَكِنَّ فِيهِ مُشَابَهَةً ( لِكَفَّارَةِ ) الْيَمِينِ فَإِنَّ الْحِنْثَ وَإِنْ جَازَ لَكِنْ يَقْتَضِي الدَّلِيلُ حُرْمَتَهُ فَإِنَّهُ ( إخْلَالٌ ) بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى .
حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ فِي شَيْءٍ .
وَمِنْ ثَمَّ قُبِلَ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَى وَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّهُمْ ( يَتَضَرَّرُونَ ) وَالْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : ( أَحَدُهَا ) : مَا يَجِبُ لَا بِسَبَبِ مُبَاشَرَةٍ مِنْ الْعَبْدِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِذَا عَجَزَ ( عَنْهَا ) وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى ( لَوْ أَيْسَرَ ) بَعْدُ لَمْ يَلْزَمْهُ .
( الثَّانِي ) : ( مَا ) يَجِبُ بِسَبَبِ [ مُبَاشَرَتِهِ ] عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ إمَّا عَنْ إتْلَافٍ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِذَا عَجَزَ وَقْتَ ( وُجُوبِهِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ ) تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْغَرَامَةِ ، وَإِمَّا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ ) كَكَفَّارَةِ اللِّبَاسِ ( وَالطِّيبِ ) ( فَكَذَلِكَ ) عَلَى الصَّحِيحِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ .
( الثَّالِثُ ) : مَا يَجِبُ لَكِنْ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ وَالْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ .
وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ الْمَالِيَّةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ بِسَبَبِ مُبَاشَرَتِهِ مِنْ الْتِزَامٍ أَوْ إتْلَافٍ وَلَا تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ أَصْلًا ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً فَلَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِحُلُولِ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَتْ حَالَّةً فَهَلْ يَجِبُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ الطَّلَبِ ؟ فِيهِ ( خَمْسَةُ ) ( أَوْجُهٍ ) سَبَقَتْ فِي حَرْفِ الْهَمْزَةِ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ .
حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اجْتَمَعَتْ فَهِيَ عَلَى أَقْسَامٍ ( الْأَوَّلُ ) : مَا يَتَعَارَضُ وَقْتُهُ فَيُقَدَّمُ آكَدُهُ .
( فَمِنْهُ ) : تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ آخِرَ وَقْتِهَا عَلَى رَوَاتِبِهَا وَكَذَلِكَ عَلَى ( الْمَقْضِيَّةِ ) إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مَا يَسَعُ الْحَاضِرَةَ فَإِنْ كَانَ يَسَعُ الْمُؤَدَّاةَ وَالْمَقْضِيَّةَ ( فَالْفَائِتَةُ ) أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ .
( وَمِنْهَا ) : تَقْدِيمُ النَّوَافِلِ الْمَشْرُوعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدَيْنِ عَلَى الرَّوَاتِبِ نَعَمْ تُقَدَّمُ الرَّوَاتِبُ عَلَى التَّرَاوِيحِ فِي الْأَصَحِّ ( وَتَقْدِيمُ الرَّوَاتِبِ عَلَى النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَتَقْدِيمُ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي الْأَصَحِّ ) وَتَقْدِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالصِّيَامِ الْوَاجِبِ عَلَى نَفْلِهِ وَالنُّسُكِ الْوَاجِبِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِذَا تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ وُجُودَ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ فَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِانْتِظَارِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْدِيمِ بِالتَّيَمُّمِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ ( بِهِ ) قُدِّمَ غُسْلُ الْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ عَلَى الْحَدَثِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ ( وَالْحَيْضِ ) ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فَيَقْرَعُ ، وَيُقَدِّمُ ( غُسْلَ الْمَيِّتِ ) وَالْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَغْسَالِ وَأَيَّهُمَا يُقَدِّمُ ؟ قَوْلَانِ : فَصَحَّحَ الْعِرَاقِيُّونَ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ ، لِأَنَّ ( الْإِمَامَ ) الشَّافِعِيَّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) عَلَّقَ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى صِحَّةِ ( الْحَدِيثِ ) ، وَصَحَّحَ الْخُرَاسَانِيُّونَ ( وَتَابَعَهُمْ ) النَّوَوِيُّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ ، لِصِحَّةِ ( أَحَادِيثِهِ ) .
وَمِنْهَا قَاعِدَةُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا .
الثَّانِي : مَا يَتَسَاوَى ( فِيهِ ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ ، كَمَنْ عَلَيْهِ فَائِتٌ مِنْ ( رَمَضَانَيْنِ ) ، فَإِنَّهُ ( يَبْدَأُ ) بِأَيِّهِمَا شَاءَ ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ الَّذِي عَلَيْهِ فِدْيَةُ ( أَيَّامٍ ) مِنْ ( رَمَضَانَيْنِ ) وَمَنْ عَلَيْهِ شَاتَانِ مَنْذُورَتَانِ فَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى ( إحْدَاهُمَا ) ، أَوْ نَذَرَ حَجًّا ( أَوْ عُمْرَةً ) قِرَانًا ، فَإِنَّهُ ( يَبْدَأُ ) بِأَيِّهِمَا شَاءَ .
الثَّالِثُ : ( مَا تَفَاوَتَتْ ) ، ( فَيُقَدَّمُ ) الْمُرَجَّحُ ، كَالدَّمِ الْوَاجِبِ فِي الْإِحْرَامِ ، وَالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي شَاةٍ ، فَالزَّكَاةُ أَوْلَى ، وَمِثْلُهُ زَكَاةُ ( التِّجَارَةِ ) وَالْفِطْرَةِ ، إذَا اجْتَمَعَا فِي مَالٍ يَقْصُرُ عَنْهُمَا ، ( فَالْفِطْرَةُ ) أَوْلَى ، ( لِتَعَلُّقِهِمَا ) بِالْعَيْنِ .
وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ ، وَوَجَدَ الْإِطْعَامَ لِإِحْدَاهُمَا وَهُوَ ( مِنْ أَهْلِهِ ، وَقُلْنَا ) ( بِالْإِطْعَامِ ) فِي الْقَتْلِ ، فَالظِّهَارُ أَوْلَى .
الرَّابِعُ : مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَالْعَارِي ( هَلْ يُصَلِّي قَائِمًا ؟ ) ، ( وَيُتِمُّ ) الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مُحَافَظَةً عَلَى الْأَرْكَانِ ، أَوْ يُصَلِّي قَاعِدًا مُومْيَا ( مُحَافَظَةً عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ ) أَوْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ؟ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ، وَكَذَا الْمَحْبُوسُ بِمَكَانٍ نَجَسٍ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ وَلَا يَجْلِسُ ، بَلْ يَنْحَنِي لِلسُّجُودِ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَاسَةَ .
وَلَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَمَعَهُ ثَوْبٌ ، فَهَلْ يَبْسُطُهُ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا أَوْ يُصَلِّي فِيهِ أَوْ ( يَتَخَيَّرُ ) بَيْنَهُمَا ؟ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ ، إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ ، فَالْأَصَحُّ تَجِبُ الصَّلَاةُ فِيهِ .
وَلَوْ اجْتَمَعَ عُرَاةٌ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ ( يُصَلُّوا ) فُرَادَى أَوْ جَمَاعَةً ( أَوْ يَتَخَيَّرُوا أَمْ هُمَا ) سَوَاءٌ ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ .
وَمِنْهُ ( مَسْأَلَةُ ) ابْتِلَاعِ الْخَيْطِ فِي ( رَمَضَانَ ) ، وَالْأَصَحُّ مُرَاعَاةُ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ ( سَبَقَتْ فِي فُصُولِ التَّعَارُضِ ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي : حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ إذَا اجْتَمَعَتْ : فَتَارَةٌ ، تَسْتَوِي كَالْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ، وَتَسَاوِي أَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ فِي دَرَجَةٍ ، وَتَسْوِيَةِ الْحُكَّامِ ( بَيْنَ ) الْخُصُومِ فِي الْمُحَاكَمَاتِ ، وَتَسَاوِي الشُّرَكَاءِ فِي الْقِسْمَةِ ( وَالْإِجْبَارِ ) عَلَيْهَا ، وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ السَّابِقِينَ إلَى مُبَاحٍ .
وَتَارَةٌ ، يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَقَرِيبِهِ ، وَتَقْدِيمِ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ عَلَى نَفَقَةِ قَرِيبِهِ ، وَتَقْدِيمِ غُرَمَائِهِ عَلَيْهِ فِي بَيْعِ مَالِهِ ، وَقَضَاءِ دَيْنِهِ ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَى غُرَمَائِهِ بِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَكُسْوَتِهِمْ فِي مُدَّةِ الْحَجْرِ ، وَتَقْدِيمِ الْمُضْطَرِّ عَلَى غَيْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ ، وَتَقْدِيمِ ذَوِي الضَّرُورَاتِ عَلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ ، وَالتَّقْدِيمِ بِالسَّبَقِ ، إلَى الْمَسَاجِدِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَتَقْدِيمِ حَقِّ الْبَيْعِ عَلَى ( حَقِّ ) الشِّرَى ، وَالتَّقْدِيمِ فِي الْإِرْثِ بِالْعُصُوبَةِ وَقُرْبِ الدَّرَجَةِ وَفِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ بِالْأُبُوَّةِ وَالْجُدُودَةِ ، ثُمَّ بِالْعُصُوبَةِ ، ثُمَّ بِالْوَلَاءِ وَتَقْدِيمِ حَقِّ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دُيُونٌ ، فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى دَيْنِ الْكِتَابَةِ ، وَالْحَقُّ الثَّابِتُ لِمُعَيَّنٍ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ الثَّابِتِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، وَالْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ وَلِهَذَا قُدِّمَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُفْلِسِ بِالسِّلْعَةِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ يُقَدَّمُ ( بِالْمَرْهُونِ وَيُقَدَّمُ ) مَا لَهُ مُتَعَلِّقٌ وَاحِدُ ، عَلَى مَا لَهُ مُتَعَلَّقَانِ ، ، كَمَا لَوْ جَنَى الْمَرْهُونُ يُقَدَّمُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، لِأَنَّهُ لَا ( مُتَعَلِّقَ ) لَهُ سِوَى الرَّقَبَةِ ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَجْتَمِعَ حَقُّ اللَّهِ ( تَعَالَى ) وَحَقُّ الْآدَمِيِّ ( وَهُوَ ) ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : ( الْأَوَّلُ ) : مَا قُطِعَ فِيهِ بِتَقْدِيمِ حَقِّ اللَّهِ ( تَعَالَى ) ، كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ ، فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ التَّرَفُّهِ وَالْمَلَاذِّ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ فِي الْآخِرَةِ ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ وَطْءِ الْمُتَحَيِّرَةِ ، وَإِيجَابُ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ .
( الثَّانِي ) : مَا قُطِعَ فِيهِ بِتَقْدِيمِ حَقِّ الْآدَمِيِّ كَجَوَازِ التَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ وَلُبْسِ الْحَرِيرِ عِنْدَ الْحَكَّةِ ، ( وَكَتَجْوِيزِ ) التَّيَمُّمِ بِالْخَوْفِ مِنْ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ ، وَكَذَلِكَ الْأَعْذَارُ الْمُجَوِّزَةُ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ ، وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ ، وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهَا ، وَالتَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ غَيْرِ الْخَمْرِ وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَتْلُ قِصَاصٍ وَرِدَّةٍ قُدِّمَ قَتْلُ الْقِصَاصِ وَجَوَازُ التَّحَلُّلِ بِإِحْصَارِ الْعَدُوِّ .
( الثَّالِثُ ) : مَا فِيهِ خِلَافٌ ( بِحَقِّهِ ) .
فَمِنْهَا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ وَفِيهِ أَقْوَالٌ - ثَالِثُهَا يَتَسَاوَيَانِ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
وَمِنْهَا الْحَجُّ وَالْكَفَّارَةُ ، وَكَذَلِكَ حَقُّ سِرَايَةِ الْعِتْقِ مَعَ الدُّيُونِ .
وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ وَالسِّرَايَةِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ ، وَلَا تَجْرِي هَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ ، بَلْ يُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَيُؤَخَّرُ حَقُّ اللَّهِ ( تَعَالَى ) مَا دَامَ حَيًّا ، وَمُرَادُهُ ( الْحُقُوقُ الْمُسْتَرْسِلَةُ ) فِي الذِّمَّةِ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ حَيًّا وَمَيِّتًا ، وَلِهَذَا الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْمَرْهُونِ تُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، ( وَإِذَا ) اجْتَمَعَ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنُ آدَمِيٍّ وَجِزْيَةٌ ، فَالصَّحِيحُ تَسَاوِيهِمَا ، وَالْفَرْقُ ( بَيْنَهَا ) وَبَيْنَ الزَّكَاةِ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي
الْجِزْيَةِ حَقُّ الْآدَمِيِّ ، فَإِنَّهَا عِوَضٌ عَنْ ( سُكْنَى ) الدَّارِ ، فَأَشْبَهَتْ غَيْرَهَا مِنْ دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ ، وَلِهَذَا ، لَوْ أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ ، لَا تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ ، وَلَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ، لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ .
وَأَيْضًا ، فَإِنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ ( فِي أَوَّلِ الْوُجُوبِ وُجُوبًا ) مُوَسَّعًا ، وَالزَّكَاةُ لَا تَجِبُ ، إلَّا بِآخِرِ الْحَوْلِ .
وَمِنْهَا إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَطَعَامَ الْغَيْرِ ، فَأَقْوَالٌ ؟ الثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ ، ( وَالْأَصَحُّ ) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ .
وَمِنْهَا لَوْ بَذَلَ لَهُ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ فِي الْحَجِّ وَجَبَ عَلَى الْأَبِ قَبُولَهَا ، وَكَذَا لَوْ بَذَلَ لَهُ الْأُجْرَةَ عَلَى وَجْهٍ وَلَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الْقَبُولَ فِي دَيْنِ الْآدَمِيِّ ، بِلَا ( خِلَافٍ ) .
فَائِدَةٌ : قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ - اعْلَمْ أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى - كَحَدِّ ( الزِّنَى ) وَالشُّرْبِ ( لَا يَلْزَمُ ) الْإِقْرَارُ بِهِ ، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى سَتْرِهِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ ، وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ فَعَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِهِ وَالتَّمْكِينُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ .
( وَأَمَّا ) حَقُّ اللَّهِ ( تَعَالَى ) ( الْمَالِيُّ ) ، كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ ، لَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ ، بَلْ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ عَنْ إقْرَارِهِ ( أَمَّا ) حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ ، وَالْحَقِّ كَالشُّفْعَةِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقُّهُ عَالِمًا بِهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ عَيْنًا ، إذْ لَا تَدَارُكَ فِيهِ مَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَنَاكُرٌ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ بِالتَّصَادُقِ وَالِاتِّفَاقِ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ وَالْأَدَاءِ .
الْحُكْمُ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ( الْأَوَّلُ ) : مَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ - وَهُوَ مَسَائِلُ التَّدْيِينِ فِي الطَّلَاقِ .
( الثَّانِي ) : ( مَا يُؤَاخَذُ بِهِ ) فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَالَ الزَّكَوِيِّ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ يَسْقُطُ عَنْهُ فِي الظَّاهِرِ ، وَهُوَ مُطَالَبٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ( تَعَالَى ) ، وَكَذَلِكَ ، إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ زَوْجَتَهُ فِرَارًا مِنْ الْإِرْثِ ، وَكَذَا ، لَوْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ لِحِرْمَانِ الْبَاقِي وَكَذَا لَوْ سَعَى ( رَجُلٌ ) إلَى ظَالِمٍ ، ( فَأَخَذَ ) مِنْهُ ( مَالًا ) ، وَقِيلَ يَضْمَنُهُ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا ، حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَزَيَّفَهُ ، ( فَإِنَّ ) الضَّمَانَ ، لَوْ وَجَبَ فِي الْبَاطِنِ لَوَجَبَ فِي الظَّاهِرِ ، وَكَذَا إقْرَارُ السَّفِيهِ بِالْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ الثَّالِثُ : مَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَهُوَ كَثِيرٌ .
الْأَوَّلُ : فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ - هَلْ يُغَيَّرُ الْحُكْمُ بَاطِنًا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( أَصَحُّهُمَا ) ، كَمَا ( قَالَهُ ) الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ ، إنَّ ( الَّذِي ) إلَيْهِ مِيلُ الْأَئِمَّةِ الْحِلُّ بَاطِنًا .
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ : ( مِنْهَا ) لِلشَّافِعِيِّ طَلَبُ شُفْعَةِ الْجِوَارِ مِنْ حَنَفِيٍّ مَثَلًا ، وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْحِلُّ .
الثَّانِي ) : قَالُوا حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا لَا يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ ، أَمَّا مَا يُنْقَضُ فِيهِ فَلَا .
الثَّالِثُ : ( مَدَارُ نَقْضِ الْحُكْمِ ) عَلَى ( تَبَيُّنِ ) الْخَطَأِ ، وَالْخَطَأُ إمَّا فِي اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ( حَيْثُ ) تَبَيَّنَ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ أَوْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ بِخِلَافِهِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ ، وَإِمَّا فِي السَّبَبِ ، حَيْثُ يَكُونُ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَى سَبَبٍ بَاطِلٍ ، كَشَهَادَةِ الزُّورِ ( وَفِي ) الْقِسْمَيْنِ ( تَبَيَّنَ ) أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَنْفُذْ فِي الْبَاطِنِ ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي ( الثَّانِي ) فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ، وَأَمَّا الْحُكْمُ الصَّادِرُ عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ إجْمَاعًا أَوْ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا ، فَنَافِذٌ قَطْعًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَالصَّادِرُ عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ ، وَلَكِنَّهُ فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ أَوْ مُجْتَهَدٍ فِيهِ ( مُتَقَدِّمٌ ) فِيهِ خِلَافٌ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى رَدِّهِ ( فَنَافِذٌ ) ظَاهِرًا ( وَبَاطِنًا ) أَيْضًا ، وَقِيلَ ، لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ .
وَمِثَالُهُ - شُفْعَةُ الْجِوَارِ ، إذَا حَكَمَ بِهَا حَنَفِيٌّ وَالْأَصَحُّ ( حِلُّهَا ) عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ .
وَرَجُلٌ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهُ ) الْآخَرُ ( فَقَضَى ) الْقَاضِي عَلَى الْمُقِرِّ بِكُلِّ الدَّيْنِ ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ ، وَهُوَ
( وُجُودُ ) الدَّيْنِ عَلَى ( أَبِيهِ ) ، وَالْوَارِثُ الْمُقِرُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ ، إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي ، إلَّا ظَاهِرًا لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مَوْجُودٍ ( هُنَاكَ ) .
الْحَلَالُ عِنْدَ ( الْإِمَامِ ) الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) : مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى حِلِّهِ .
وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ - فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) هُوَ مِنْ الْحَلَالِ ( وَعَلَى قَوْلِ ) أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) هُوَ مِنْ الْحَرَامِ ( وَيُعَضِّدُ ) ( قَوْلَ ) الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } .
الْآيَةَ ، ( وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ ، فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا } .
وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ ( الْمُشْكِلِ ) ( حَالُهَا ) وَبِهِ يَظْهَرُ وَهْمُ مَنْ خَرَّجَهَا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلُّ أَوْ الْإِبَاحَةُ .
وَمِنْهَا الْحَيَوَانُ الْمُشْكِلُ أَمْرُهُ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْحِلُّ ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي ( كِتَابِ ) الْأَطْعِمَةِ ، أَنَّ فِي مَوْضِعِ الْإِشْكَالِ يَمِيلُ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) إلَى الْإِبَاحَةِ وَيَمِيلُ ( أَبُو حَنِيفَةَ ) ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) إلَى التَّحْرِيمِ .
وَمِنْهَا النَّبَاتُ الْمَجْهُولُ ( تَسْمِيَتُهُ ) ، قَالَ الْمُتَوَلِّي يَحْرُمُ أَكْلُهُ ، وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ الْمُوَافِقُ لِلْمَحْكِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي يُشْبِهُ الْمَحْكِيَّ ( فِيهَا ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) .
وَمِنْهَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُ ( النَّهْرِ ) هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَمْلُوكٌ ، هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ أَوْ الْمِلْكِ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ ( مَبْنِيِّينَ ) عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ أَوْ الْإِبَاحَةُ .
الْأَوَّلُ : هُوَ ( مَا تَعَلَّقَ ) بِهِ حِنْثٌ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) ، قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي : قِيَاسُ مَذْهَبِنَا ( أَنَّهُ ) لَا يَقَعُ ، لِأَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ وُجُودَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَامْتَنَعَ الْحِنْثُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَلِفَ لَيْسَ بِيَمِينٍ ، وَالْيَمِينُ ( حَيْثُ ) ( أُطْلِقَتْ ) ، إنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ ، وَالْحَلِفُ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ لَا ( يَكُونُ ، كَمَا ) فِي التَّعْلِيقِ عَلَى الْحَثِّ أَوْ الْمَنْعِ أَوْ التَّحْقِيقِ .
وَقَدْ غَايَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ بَيْنَهُمَا ، فَقَالَ ( فِيمَا ) ، إذَا حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَهَا ، لَا يَكُونُ مُولِيًا ، وَاَلَّذِي جَرَى مِنْهُ يَمِينٌ أَوْ تَعْلِيقٌ فَافْهَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَيْسَ بِيَمِينٍ .
الثَّانِي : الْحِنْثُ فِي الْحَلِفِ الْوَاحِدِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُوجِبُ إلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ، ( وَمَتَى ) وُجِدَ الْحِنْثُ مَرَّةً انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَا تُعَادُ مَرَّةً ثَانِيَةً .
وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ الْحَلِفُ الْوَاحِدُ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْحِنْثِ بِأَيِّ وَاحِدٍ وَقَعَ ، وَلَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ ، لِأَنَّ الْيَمِينَ ( الْوَاحِدَةَ ) ، لَا يَتَبَعَّضُ فِيهَا الْحِنْثُ ، بَلْ مَتَى حَصَلَ ( حِنْثٌ ) حَصَلَ الِانْحِلَالُ ، وَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ ، فَدَخَلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حِنْثَ وَسَقَطَتْ الْيَمِينُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا ( لِصَاحِبِ الْإِفْصَاحِ ) ، كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ ، وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ ، إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ تَخْصِيصَ كُلِّ وَاحِدَةٍ ( بِالْإِيلَاءِ ) عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِصَوَاحِبِهَا أَنَّهُ إذَا وَطِئَ وَاحِدَةً لَا يَرْتَفِعُ الْيَمِينُ ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ ( رَحِمَهُمُ اللَّهُ ) فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّ تَقْدِيرَ ( الْمُقْسَمِ ) بِهِ ، لَا يَقْتَضِي يَمِينًا ، وَلَوْ نَوَاهُ الْحَالِفُ ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ حَلَفْت لَأَفْعَلَنَّ كَذَا ( أَوْ أَقْسَمْت ) لَأَفْعَلَنَّ ( لَيْسَ ) بِيَمِينٍ ، وَإِنْ نَوَاهُ ، وَغَايَةُ التَّقْدِيرِ الَّذِي قَدَّرَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ ( كَهَذَا ) ( وَلَا ) أَثَرَ لَهُ فِي إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ ، ( أَمَّا مَنْ ) قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَلَا ( عَمْرًا ) ، فَفِيهَا احْتِمَالَانِ - أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، إلَّا بِالْمَجْمُوعِ وَهُوَ مَا فِي الْوَسِيطِ ، وَكَأَنَّ " لَا " عِنْدَهُ زَائِدَةً لِتَوْكِيدِ النَّفْي .
وَالثَّانِي : وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ( أَنَّهُ يَحْنَثُ ) بِأَيِّ وَاحِدٍ كَلَّمَهُ ، وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ( بِكَلَامِ ) كُلٍّ مِنْهُمَا الْخِلَافُ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ ، أَمَّا لَوْ كَانَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ مِنْ صُوَرِ الْإِيلَاءِ - فَإِنْ
نَوَى ( تَعَدُّدَ ) الطَّلَاقِ كَانَ مُتَعَدِّدًا ، وَإِنْ أَطْلَقَ ، ( فَالْأَقْرَبُ ) أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ ، وَلَا يَلْزَمُهُ ، إلَّا طَلَاقٌ ( وَاحِدٌ ) .
أَمَّا الْحَلِفُ الْمُتَعَدِّدُ ، فَالْأَصْلُ فِيهِ تَعَدُّدُ مُوجِبِهِ .
وَلِهَذَا ، لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَكَرَّرَهُ ، وَأَطْلَقَ حَنِثَ بِتَعَدُّدِهِ فِي الْأَصَحِّ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَرَّرَ لَفْظَ ( الظِّهَارِ ) ، وَأَطْلَقَ فَالْأَصَحُّ ، خِلَافًا ( لِلْحَاوِي الصَّغِيرِ ) أَنَّهُ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الطَّلَاقِ مُوجِبَ اللَّفْظِ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ ، بِخِلَافِ الظِّهَارِ ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ ، وَلَا نَظَرَ إلَى تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ ، لِأَنَّ تَعَدُّدَهَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ لَا مِنْ حَيْثُ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ حَرَامٌ عَلَيَّ ، وَلَهُ زَوْجَاتٌ وَإِمَاءٌ ، ( وَنَوَى ) التَّحْرِيمَ فِيهِنَّ ) أَوْ طَلَّقَ ، وَجَعَلْنَاهُ صَرِيحًا كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ .
وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَنْتُنَّ حَرَامٌ عَلَيَّ ، وَلَوْ قَالَ ( أَنْتُنَّ ) ( عَلَيَّ حَرَامٌ ) وَنَوَى التَّحْرِيمَ ( أَوْ أَطْلَقَ ) ، فَإِنْ ( قَالَهَا ) فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَفَتْهُ ( كَفَّارَةٌ ) وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ ، وَأَرَادَ التَّكْرَارَ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِئْنَافَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ( وَاحِدَةٍ ) كَفَّارَةٌ ، وَقِيلَ يَكْفِي كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي فَصْلِ الْكِنَايَةِ ، بِلَا تَرْجِيحٍ ، وَالْأَرْجَحُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ، كَمَا فِي الْأَيْمَانِ ، وَهُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهَا .
وَلَوْ كَرَّرَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " ( بِلَا نِيَّةٍ لَهُ وَقَعَ الثَّلَاثُ .
نَعَمْ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ أَعَادَ ثَلَاثًا ) بِلَا نِيَّةٍ لَهُ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ بِالدُّخُولِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَمِثْلُهُ : وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت الدَّارَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ
مَجَالِسَ ، وَفَعَلَهُ ، لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ زَوَائِدِهِ ، وَالِاتِّحَادُ عِنْدَ الِاسْتِئْنَافِ مُشْكِلٌ .
( الثَّالِثُ ) : الْحَلِفُ يَكُونُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا ، وَأَمَّا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، فَإِنْ كَانَ إثْبَاتًا ، حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ، إلَّا فِي صُورَتَيْنِ : ( إحْدَاهُمَا ) - جَنَتْ بَهِيمَتُك ، ( فَتَحْلِفُ ) عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا .
الثَّانِيَةُ - جَنَى عَبْدُك ، فَتَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ فِعْلَ بَهِيمَتِهِ ، وَفِعْلَ عَبْدِهِ كَفِعْلِهِ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ .
نَعَمْ قَدْ يَشْكُلُ عَلَى الْقَاعِدَةِ صُوَرٌ : مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْغُرَابِ ، إذَا قَالَ ( لِإِحْدَاهُمَا ) ، إنْ كَانَ غُرَابًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ - حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ( أَنَّهُ ) ، لَمْ يَكُنْ غُرَابًا وَلَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدُّخُولِ ، لَوْ عَلَّقَ عَلَى دُخُولِهَا ، أَوْ دُخُولِ غَيْرِهَا ، ( فَتَنَازَعَا ) اكْتَفَى مِنْهُ بِيَمِينٍ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالدُّخُولِ ، قَالَ فِي الْبَسِيطِ ، كَذَا قَالَهُ إمَامِي وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ أَصْلًا .
بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ( وَعَلَيْهِ ) يَمِينٌ جَازِمَةٌ ( أَوْ نُكُولٌ ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا .
قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ : وَمِنْ الْعَجَبِ ( يُوَجَّهُ ) بِالْعَجْزِ عَنْ الْفَرْقِ ، وَعِنْدِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ جِدًّا ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى دُخُولِ زَيْدٍ الدَّارَ تَعْلِيقٌ عَلَى فِعْلٍ ( يَتَجَدَّدُ ) مِنْ زَيْدٍ قَطْعًا ، ( يَحْلِفُ ) نَافِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ .
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغُرَابِ فَلَيْسَتْ تَعْلِيقًا عَلَى فِعْل الْغَيْرِ مُطْلَقًا ، بَلْ ( تَعْلِيقًا ) عَلَى كَوْنِ هَذَا الطَّائِرِ الْمُشَاهَدِ ( بِصِفَةِ ) كَوْنِهِ غُرَابًا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَوُجُودِهِ ، بَلْ عَلَى مَحْضِ كَوْنِهِ ( غُرَابًا حَلَفَ ) مَنْ يَنْفِي وُجُودَ الصِّفَةِ الْمُحَقَّقَةِ عَلَى الْبَتِّ ، ( كَأَنَّ ) هَذِهِ الصِّفَةَ لَمْ تُوجَدْ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَنْفِي فِعْلَ غَيْرِهِ .
قُلْت : وَالْإِمَامُ ( قَدْ فَرَّقَ ) ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الدُّخُولَ هُنَاكَ فِعْلُ الْغَيْرِ ، وَالْحَلِفُ
عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ ، وَنَفْيُ الْغَرَابِيَّةِ لَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُوَ نَفْيُ صِفَةٍ ( عَنْ ) الْغَيْرِ وَنَفْيُ الصِّفَةِ ( كَثُبُوتِهَا ) فِي إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ ، وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ لَمْ تَتَغَيَّرْ الْقَاعِدَةُ فِيهِ مِنْ تَعَذُّرٍ أَوْ ( تَعَسُّرٍ ) .
وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ مَالٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ، فَادَّعَى اثْنَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْدَعَهُ ( إيَّاهُ ) وَقَالَ : هُوَ لِأَحَدِكُمَا ( وَنَسِيت ) عَيْنَهُ ، وَكَذَبَاهُ ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ ، أَنَّهُ الْمَالِكُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودِعِ بِيَمِينِهِ ، وَيَكْفِيه يَمِينٌ وَاحِدَةٌ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ، لِأَنَّ ( الْمُدَّعَى شَيْءٌ وَاحِدٌ ) وَهُوَ عِلْمُهُ ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ .
الْحَمْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : هَلْ يُعْلَمُ أَمْ لَا قَوْلَانِ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى ( أَنَّهُ ) يُفْرَضُ مَعْلُومًا ، بَلْ يُعْطَى حُكْمُ الْمَعْلُومِ .
اعْلَمْ ) أَنَّهُمْ قَطَعُوا فِي مَوَاضِعَ بِإِعْطَائِهِ حُكْمَ الْمَعْلُومِ وَفِي مَوَاضِعَ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَأَجْرَوْا فِي مَوَاضِعَ قَوْلَيْنِ : فَمَا أُعْطِيَ حُكْمَ الْمَعْلُومِ قَطْعًا إبِلُ الدِّيَةُ ، يَجِبُ فِيهَا الْحَوَامِلُ ، وَفِي الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ الْإِبِلُ إحْدَى وَسِتِّينَ حَوَامِلَ ، لَا يُؤْخَذُ فِيهَا حَامِلٌ ، لِأَنَّهَا فِي التَّقْدِيرِ اثْنَانِ ، وَلَا يَخْرُجُ اثْنَانِ عَنْ وَاحِدٍ ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْحَامِلِ ، وَإِنَّمَا قَطَعُوا هَا هُنَا ، بِأَنَّ ( لِلْحَمْلِ ) حُكْمَ الْمَعْلُومِ ، لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا يَكَادُ يَطْرُقُهَا الْفَحْلُ ، إلَّا وَهِيَ تَحْبَلُ ، فَجُعِلَ كَالْمُحَقَّقِ ، وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ مَا طَرَقَهَا الْفَحْلُ .
وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَتْ ( الْحَائِضُ ) أَنَّهَا حَامِلٌ لَمْ تُقْتَلْ ، وَتُؤَخَّرُ لِلْوَضْعِ قَطْعًا خَشْيَةَ قَتْلِ الْجَنِينِ الْمُحْتَمَلِ وُجُودُهُ ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ : وَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ اجْتِمَاعِ خَلْقِ الْحَمْلِ ، فَهِيَ شَهِيدَةٌ فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ ، لَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا .
وَمِثْلُهُ تَحْرِيمُ وَطْءِ الْأَمَةِ الْحَامِلِ إذَا مَلَكَهَا حَتَّى تَضَعَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ } ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَتْ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَاةُ حَامِلًا يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ قَطْعًا .
وَمِمَّا ) نَزَلَ فِيهِ مَنْزِلَةَ ( الْمَوْجُودِ ) وَقْفُ مِيرَاثِهِ ( وَوُجُوبُ ) النَّفَقَةِ إذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ، وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا ، أَوْ لِلْحَمْلِ ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ؛ وَفِي حُصُولِ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَتِهِ فِي بَيْعِ الْحَامِلِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ ( لَهُ ) ، لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ ( بِالْمُسْتَقْبَلِ ) ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ ، لِأَنَّهُ ( تَسْلِيطٌ ) فِي الْحَالِ ، وَهَلْ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِ ؟ إنْ كَانَ تَبَعًا جَازَ
قَطْعًا ، وَهَلْ يُفْرَدُ ، قَالَ فِي الذَّخَائِرِ : وَعَنْ الْبَحْرِ لَا وَهُوَ الْأَشْبَهُ ، لِأَنَّ الْأَبَ ، لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ، ( فَكَيْفَ ) يَنْقُلُهَا لِلْغَيْرِ .
وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى الْحَمْلِ ، وَكَانَ هُنَاكَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ فَقَطَعَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ بِالْوُقُوعِ ، لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ، أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَيُنْتَظَرُ ( الْوَضْعُ ) لِلشَّكِّ الْقَائِمِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، وَلَعَلَّ مَأْخَذَ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا ، وَإِذَا ظَهَرَ بِالْمُطَلَّقَةِ حَمْلٌ ، فَهَلْ يَجِبُ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا يَوْمًا فَيَوْمًا أَوْ تُؤَخَّرُ ( إلَى ) الْوَضْعِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا التَّعْجِيلُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتُ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ، } ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْحَمْلَ ، هَلْ يُعْرَفُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ( لَا ) يُعْرَفُ ، ( فَلَوْ ) كَانَ الْحَمْلُ مُوسِرًا ، وَقُلْنَا النَّفَقَةُ لَهُ ، وَأَنَّ التَّعْجِيلَ يَجِبُ فَلَا تُؤْخَذُ ( مِنْ مَالِ الْحَمْلِ ) ، كَمَا لَا نُوجِبُ فِيهِ الزَّكَاةَ ، وَلَكِنْ يُنْفِقُ الْأَبُ عَلَيْهَا ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَفِي رُجُوعِهِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَجْهَانِ .
وَلَوْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ ، ( وَفِي ) بَطْنِهَا جَنِينٌ مُسْلِمٌ جُعِلَ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ ، لِيَتَوَجَّهَ الْجَنِينُ إلَى الْقِبْلَةِ ، لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ عَلَى مَا ذُكِرَ إلَى ظَهْرِ الْأُمِّ ، ثُمَّ الْأَصَحُّ تُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ، وَقِيلَ فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ ، وَلَعَلَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ - الْحَمْلَ لَا حُكْمَ لَهُ .
وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُ فِيمَا ( قَبْلَهُ ) .
وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّا إنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ أَنَّ السَّقَطَ الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ صُلِّيَ عَلَيْهَا وَنُوِيَ بِالصَّلَاةِ الْوَلَدُ الَّذِي فِي جَوْفِهَا ( وَقَضِيَّتُهُ ) أَنَّ الْأَصَحَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ ، لِأَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ لَهُ ظُهُورُهُ وَلَمْ يُوجَدْ .
وَلَوْ بَاعَ الدَّابَّةَ بِشَرْطِ كَوْنِهَا حَامِلًا ، فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ ، هَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ ؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَحَكَى فِي الثَّمَرَةِ ( غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ ) طَرِيقِينَ أَظْهَرُهُمَا : أَنَّهُ ( عَلَى ) خِلَافِ الْحَمْلِ تَشْبِيهًا ( لِلثَّمَرَةِ ) فِي الْكِمَامِ بِالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ ، وَالثَّانِي : الْقَطْعُ بِأَنَّهَا تَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ ، لِأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ ، أَمَّا اللَّبَنُ فَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ ، فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ تَخْرِيجًا لَهُ ( عَلَى الْحَمْلِ ) وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالنَّصِّ ، فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ فِي التَّصْرِيَةِ مُقَابِلًا لِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ ، فَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِيهِ .
وَمِمَّا يَنَزَّلُ فِيهِ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ ، لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ ، وَلَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِي الْبَسِيطِ ( لِلْغَزَالِيِّ ) أَنَّ فِي كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ ( تَرَدُّدًا ) فِيهِ مِنْ كَوْنِ الْحَمْلِ يُعْلَمُ .
قَالَ ( صَاحِبُ الْوَافِي ) وَلَمْ أَرَهُ فِي كُتُبِهِمْ .
وَلَوْ أُسِرَتْ حَرْبِيَّةٌ فِي بَطْنِهَا مُسْلِمٌ اُسْتُرِقَّتْ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَارٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ( عَنْ ) ، حَمْلٍ ، ثُمَّ بَاعَ الْآخَرُ ( نَصِيبَهُ ) فَلَا شُفْعَةَ لِلْحَمْلِ ، لِأَنَّهُ ( لَا ) يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الشُّفْعَةِ ، ثُمَّ قَالَ فَلَوْ وِرْثَ الْحَمْلُ الشُّفْعَةَ عَنْ مُوَرِّثِهِ فَهَلْ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهٍ الْأَخْذُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ ؟ وَجْهَانِ ، وَجْهُ الْمَنْعِ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ ، أَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ .
وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ مِنْهُمْ دَخَلَ الْحَدَثُ ، وَكَذَا
لَوْ لَمْ يَقُلْ وَعَلَى مِنْ يَحْدُثُ مِنْهُمْ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ حَمْلًا عِنْدَ الْوَقْفِ ، هَلْ يَدْخُلُ حَتَّى يُوقَفَ لَهُ ( شَيْءٌ فَوَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا - ( لَا ) - لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَا يُسَمَّى وَلَدًا ، وَأَمَّا ( غَلَّتُهُ ) بَعْدَ الِانْفِصَالِ ( فَيَسْتَحِقُّهَا ) ، إلَّا إذَا قُلْنَا الْأَوْلَادُ الْأَدْنَوْنَ لَا يَسْتَحِقُّونَ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ( وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ ) عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مُدَّةَ الْحَمْلِ ( أَنَّهُ ) لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ غَلَّةَ ( نَخْلَةٍ ) ، ( فَخَرَجَتْ ) ثَمَرَتُهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْحَمْلِ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ شَيْءٌ .
قَطَعَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ ، وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ - قَوْلَانِ - هَلْ لَهَا حُكْمُ الْمُؤَبَّرِ ، فَتَكُونُ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا تَكُونُ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ ؟ قَالَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَجْرِيَانِ هُنَا ، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالتَّفْرِيعِ .
الثَّانِي : الْحَمْلُ يَنْدَرِجُ فِي كُلِّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ صَدَرَ ( بِالِاخْتِيَارِ ) كَالْبَيْعِ ، فَلَوْ انْتَفَى الِاخْتِيَارُ كَبَيْعِ الْحَامِلِ الْمَرْهُونَةِ فِي الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ بِسَبَبِ الْفَلَسِ وَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِي هِبَةِ وَلَدِهِ ، وَفِي السَّفِيهِ قَوْلَانِ ( أَوْ ) انْتَفَى الْعِوَضُ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ فَفِي التَّبَعِيَّةِ قَوْلَانِ ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ فِي الْهِبَةِ أَنَّ الْجَدِيدَ فِيهَا عَدَمُ الِانْدِرَاجِ ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الْجَزْمَ فِيهَا بِالِانْدِرَاجِ ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ، لَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ الْحَمْلُ ، وَلَوْ دَبَّرَ حَامِلًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَلَوْ مَاتَتْ أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا دَامَ تَدْبِيرُ الْوَلَدِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ تَابِعًا فِي التَّدْبِيرِ دُونَ الرُّجُوعِ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ ، وَفِي الرَّهْنِ الْأَصَحُّ الِانْدِرَاجُ ، وَفِي الرُّجُوعِ ( فِي الْهِبَةِ ) بَنَاهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْإِقَالَةِ ، كَمَا فَعَلَ ( فِي الرَّدِّ ) بِالْعَيْبِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الِانْدِرَاجِ ، وَلَكِنَّ الْمَنْصُوصَ ( لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ) فِي ( الْمُفْلِسِ ) التَّبَعِيَّةُ ، وَأَمَّا الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ فَالْأَصَحُّ ( فِيهَا الِانْدِرَاجُ ) وَأَمَّا غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ فَتَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ وَالصُّلْحِ وَالصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْأُجْرَةِ قَطْعًا ، وَلَا تَتْبَعُ ( فِي ) الرُّجُوعِ بِالطَّلَاقِ قَطْعًا وَهَلْ تَتْبَعُ فِي الرُّجُوعِ بِالْفَلَسِ أَوْ بَيْعِ الْمَرْهُونِ قَهْرًا ؟ ( وَجْهَانِ ، أَجْرَاهُمَا ) الْجُرْجَانِيُّ فِي بَيْعِ نَخِيلِ ( الْمُفْلِسِ ) فِي دَيْنِهِ ، وَهَلْ تَتْبَعُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَرُجُوعِ الْوَلَدِ ؟ وَجْهَانِ .
وَأَمَّا الصُّوفُ وَاللَّبَنُ الَّذِي حَدَثَ ، وَلَمْ ( يُؤْخَذْ ) فَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ إنَّهُمَا لِلْمُشْتَرِي لَا يَتْبَعَانِ فِي الرَّدِّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا يَتْبَعَانِ كَالْحَمْلِ ، وَيَلْزَمُ الرَّافِعِيَّ أَنْ يَقُولَ لَا يَتْبَعَانِ كَالْحَمْلِ عِنْدَهُ ، بَلْ أَوْلَى ، وَقَدْ ( قَالَ ) أَنَّهُ يُرَدُّ الصُّوفُ وَلَمْ
يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ اللَّبَنِ .
الثَّالِثُ : اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ نَقْصٌ أَوْ زِيَادَةٌ ، وَذَكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ اضْطِرَابًا وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ ، بَلْ الْحَمْلُ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ بِدَلِيلِ قَبُولِهَا فِي الزَّكَاةِ ، وَأَنَّ دِيَاتِ الْإِبِلِ تُغَلَّظُ بِهَا ، وَتُخَفَّفُ بِعَدَمِهِ .
( وَلَوْ ) شَرَطَ فِي الْبَيْعِ كَوْنَ الدَّابَّةِ حَامِلًا ، ( فَأَخْلَفَ ) ( ثَبَتَ ) الْخِيَارُ وَلَوْلَا أَنَّهُ زِيَادَةٌ لَمْ ( يَثْبُتْ ) ، ( قِيلَ ) لَكِنْ لَا تُقْبَلُ الْحَامِلُ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ ، وَلَا مَوْطُوءَةٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ حَبَلُهَا كَمَا ( قَالَهُ ) صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ .
قُلْت لَكِنْ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ : " لَوْ ضَرَبَ الْفَحْلُ ، فَلَمْ نَدْرِ أَحَمَلَتْ أَمْ لَا ، لَا يَأْخُذُهَا جَبْرًا ، وَلَوْ جَاءَ الْجَانِي ( بِغُرَّةٍ ) ، ( وَقَالَ ) وُطِئَتْ قَبِلْنَاهَا ، لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الضِّرَابِ الْحَمْلَ ، بِخِلَافِ بَنَاتِ آدَمَ " انْتَهَى .
وَالْحَمْلُ فِي بَنَاتِ آدَمَ نَقْصٌ ، وَلِهَذَا ، لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَظَهَرَ أَنَّهَا حَامِلٌ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الصَّدَاقِ أَنَّ حَمْلَ الْأَمَةِ زِيَادَةٌ ( وَنَقْصٌ ) .
الرَّابِعُ : ظُهُورُ الْحَمْلِ يُعْرَفُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ ، وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسْوَةِ ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُنَّ ، إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَالْجُمْهُورُ لَمْ يَشْتَرِطُوهُ .
الْحَوَاسُّ خَمْسَةٌ السَّمْعُ ، وَالْبَصَرُ ، وَالشَّمُّ ، وَالذَّوْقُ ، وَاللَّمْسُ ، وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ ثَمَانِيَةً ، لِأَنَّ اللَّمْسَ عِنْدَهُ مُدْرِكٌ لِلْقُوَى الْأَرْبَعِ ، لَكِنَّهَا لَمَّا اجْتَمَعَتْ كُلُّهَا فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ ظُنَّ أَنَّ الْجَمِيعَ قُوَّةٌ وَاحِدَةٌ ، فَتَكُونُ الْقُوَى ( الْمُدْرِكَةُ ) فِي الظَّاهِرِ عَلَى هَذَا ( ثَمَانِيًا ) ، ( وَمِنْ ) الْمُهِمِّ الْبَحْثُ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ ، وَقَدْ تَعَرَّضَ لِجَمِيعِ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَصَاحِبُهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ .
فَأَمَّا اللِّسَانُ فَالْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ ظَاهِرَةٌ ( فَاشِيَةٌ ) ، كَالْقَذْفِ ( وَالْغِيبَةِ ) وَالنَّمِيمَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، إلَّا مَا سَبَقَ بِهِ اللِّسَانُ ، أَوْ وَقَعَ عَلَى جِهَةِ السَّهْوِ ( وَالنِّسْيَانِ ) ، وَهَذَا يَرْفَعُ الْإِثْمَ دُونَ الضَّمَانِ .
وَأَمَّا ( حَاسَّةُ ) الْبَصَرِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْإِثْمُ ، إمَّا بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ كَالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَاتِ وَالصُّوَرِ الْمُشْتَهَاةِ كَالْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْمُرْدِ ، وَإِمَّا بِاجْتِنَابِ الْمَأْمُورَاتِ ، كَتَرْكِ الْحِرَاسَةِ الْوَاجِبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَتَرْكِ حِرَاسَةِ الْأَجِيرِ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى ( حِرَاسَتِهِ ) ، وَتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَى الشُّهُودِ النَّظَرُ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَإِسْقَاطِهَا فِي الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ ، وَأَمَّا حَاسَّةُ اللَّمْسِ فَلِعُمُومِهَا لِلْبَدَنِ تَعَلُّقٌ بِالْوَجْهِ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَاسَّةِ إمَّا فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ ، كَتَرْكِ إمْسَاسِ الْجَبْهَةِ الْأَرْضَ فِي السُّجُودِ ، وَإِمَّا فِعْلِ الْمَحْظُورِ كَإِمْسَاسِ الْوَجْهِ ( الْمُحَرَّمِ ) ، لَا سِيَّمَا بِالْقُبْلَةِ ، وَإِمَّا فِعْلِ الْمَمْنُوعَاتِ ، كَلَمْسِ عَوْرَاتِ الْأَجَانِبِ وَلَمْسِ مَا خَرَجَ مِنْ الْعَوْرَةِ كَأَبْدَانِ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُخَافُ الِافْتِتَانُ بِمَسِّهِ ، وَكَالْمُلَامَسَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمُحْرِمَيْنِ بِشَهْوَةٍ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ .
وَأَمَّا الْيَدَانِ فَتَعَلُّقُ الْإِثْمِ بِهِمَا ظَاهِرٌ ، أَمَّا
تَرْكُ الْوَاجِبِ ( فَبِتَرْكِ ) كُلِّ بَطْشٍ مَأْمُورٍ بِهِ كَالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالرَّجْمِ وَالْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ ، وَمَا يَجِبُ مِنْ التَّعْزِيرَاتِ ، وَكَذَلِكَ تَرْكُ ( كِتَابَةِ ) مَا يَجِبُ كِتَابَتُهُ ، وَتَرْكُ كُلِّ مَا لَا يَتَأَتَّى الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ فِيهِ ، إلَّا ( بِاسْتِعْمَالِهِمَا ) كَالرَّمْيِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِمَّا بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ ( كَبَسْطِهِمَا ) لَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ كَالْبَطْشِ وَالضَّرْبِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ الْحَرَامَ ) بِالْمُنَاوَلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الرَّأْسُ ، فَيُمَثَّلُ ( تَرْكُ ) الْوَاجِبِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ بِتَرْكِ غَسْلِهِ الْوَاجِبِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ ، وَكَالْمَسْحِ فِي ( الْوُضُوءِ ) وَتَرْكِ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ .
وَيُمَثَّلُ فِعْلُ الْمُحَرَّمِ بِتَرْكِ سَتْرِهِ فِي الْإِحْرَامِ ( وَكَالدُّهْنِ ) ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يَدْخُلُ فِي مَمْنُوعَاتِ اللَّمْسِ أَيْضًا ، لِمَا ( ذَكَرْنَاهُ ) مِنْ عُمُومِ هَذِهِ ( الْحَاسَّةِ ) ( لِلْبَدَنِ ) .
وَأَمَّا الْأَرْجُلُ ( فَتَعَلُّقُ الْإِثْمِ بِهَا ظَاهِرٌ ) ، إمَّا فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ فَكَتَرْكِ الْمَشْيِ إلَى الْجِهَادِ الْمُتَعَيِّنِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ ( الْمُتَعَيِّنَةِ ) ، ( وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ) الْوَاجِبَيْنِ ، وَتَرْكِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ ، ( وَكَشْفِهَا ) فِي الْإِحْرَامِ وَتَرْكِ الْمَشْيِ عِنْدَ الدُّعَاءِ إلَى الشَّهَادَةِ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْأَدَاءُ وَالْمَشْيُ .
وَأَمَّا فِي ( ارْتِكَابِ ) الْمَحْظُورَاتِ فَكَالْمَشْيِ إلَى كُلِّ مُحَرَّمٍ مَقْصُودٍ ، ( أَوْ تَوَسُّلًا ) إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، وَالْمَقْصُودُ التَّمْثِيلُ لَا الْحَصْرُ .
وَأَمَّا الْفَمُ ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ اللِّسَانُ ، وَيَتَعَلَّقُ بِحَاسَّةِ الذَّوْقِ ، فَمِنْهُ ذَوْقُ الْحَرَامِ وَتَرْكُ ذَوْقِ مَا يَتَوَقَّفُ ( إيصَالُ ) الْحَقِّ بِهِ عِنْدَ التَّخَاصُمِ مِنْ الْحَاكِمِ ، أَوْ الشُّهُودِ .
وَأَمَّا ( الْخَيَاشِيمُ ) فَإِثْبَاتُ الْخَطَايَا فِيهَا أَغْمَضُ مِنْ إثْبَاتِهِ فِي غَيْرِهَا ، فَيُمَثَّلُ الْإِثْمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ ( كَتَرْكِ
) الشَّمِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ ( الشُّهُودِ الْمَأْمُورَيْنِ ) بِالشَّمِّ لِأَجْلِ الْخُصُومَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي رَوَائِحِ الْمَشْمُومِ حَيْثُ يُقْصَدُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ أَوْ يُقْصَدُ ( مَنْعُ الرَّدِّ ) إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، وَيُمَثَّلُ الْإِثْمُ بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ ( بِتَرْكِ ) شَمِّ الطِّيبِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ( وَتَحْرِيمِ ) إشْمَامِ طِيبِ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ ( الَّذِي يَدْعُو ) إلَى الْمَفْسَدَةِ .
وَأَمَّا شَمُّ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ ، كَشَمِّ الْإِمَامِ الطِّيبِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ ، إذَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي ( جُرْمِهِ ) ، فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ بَعْضِ الْأَكَابِرِ ( وَهُوَ عُمَرُ ) بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ ، وَيُعَلَّلُ بِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنْهُ إلَّا بِرِيحِهِ ، ( وَقَدْ قِيلَ ) إنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، ( بَلْ رَدَّ ) ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، فَقَالَ إنَّ فِي كَوْنِهِ وَرَعًا نُظِرَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ شَمَّهُ لَا يُؤَثِّرُ نَقْصًا وَلَا ( عَيْبًا ) ، فَيَكُونُ إدْرَاكُ الشَّمِّ لَهُ بِمَثَابَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ ، بِخِلَافِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ إلَى ( مَسَاكِنِ ) النَّاسِ وَغُرَفِهِمْ ( وَدُورِهِمْ ) ، ( لَمْ ) يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ ، إلَّا إذَا خَشِيَ الِافْتِتَانَ بِالنَّظَرِ إلَى أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ( مَسَّ ) جِدَارَ إنْسَانٍ لَمْ يُمْنَعْ ( مِنْ مَسِّهِ ) ، وَلَوْ اسْتَنَدَ إلَى جِدَارِهِ جَازَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ .
وَلَوْ مَنَعَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ إلَى ( جِدَارِهِ ) ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ ( فِيهِ ) إذَا كَانَ الِاسْتِنَادُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْجِدَارِ أَلْبَتَّةَ .
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ فِي شَمِّ رِيحِ الْمُتَطَيِّبِ إذَا جَالَسَ مُتَطَيِّبًا ، وَقَالَ الشَّيْخُ ( تَقِيُّ الدِّينِ ) بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : أَمَّا النَّظَرُ فِي كَوْنِهِ وَرِعًا فِيمَا فَعَلَهُ ذَلِكَ ( الْكَثِيرُ ) ، وَاسْتِبْعَادِ كَوْنِهِ وَرِعًا ( فَيَبْعُدُ ) عِنْدِي ، وَلَيْسَ كَمَا اُسْتُبْعِدَ كَوْنُهُ وَرِعًا مِنْ أَكْلِ طَعَامٍ حَلَالٍ حَمَلَهُ ظَالِمٌ ، وَلَا سِيَّمَا
الطَّعَامُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ كَطَعَامِ الْوَلَائِمِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الِاسْتِبْعَادِ مِنْ حَدِيثِ الطِّيبِ .
فَائِدَةٌ : دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِهِ إذَا ( تَنَجَّسَ ) ، وَأَنَّهُ ، لَوْ ابْتَلَعَ مِنْهُ نُخَامَةً أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ الْقَيْءُ بَطَلَ صَوْمُهُ .
وَلَوْ وَضَعَ فِيهِ شَيْئًا لَا يَبْطُلُ وَفِي حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ .
وَلَوْ ابْتَلَعَ ( مِنْهُ ) الرِّيقَ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ .
الْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّ وَحَقِّهِ ضَرْبَانِ قَوْلِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ : فَالْفِعْلِيَّةُ تُوجِبُ الضَّمَانَ قَطْعًا ، كَالْغَصْبِ ، وَفِي الْقَوْلِيَّةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا : نَعَمْ ، كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ ، بَلْ لِعَمْرٍو ( فَإِنَّا نَحْكُمُ ) ، بِكَوْنِهَا لِزَيْدٍ وَيَغْرَمُ لِعَمْرٍو قِيمَتَهَا فِي الْأَصَحِّ ، وَكَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ وَقَفِيَّةَ مِلْكٍ لَهُ ( وَأَخْبَرَ ) أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ، فَأَقَرَّ ( بِالْوَقْفِ ) ، هَلْ يَحْلِفُ لِلْآخَرِ ؟ قَوْلَانِ ، أَصَحُّهُمَا : نَعَمْ ، رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ فَيَلْزَمُهُ الْغُرْمُ وَهُمَا مُطَرَّدَانِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ مِنْ الْأَقَارِيرِ وَغَيْرِهَا ، إلَّا فِي الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالْعِتْقِ فَيَغْرَمُونَ قَطْعًا ، لِأَنَّهُ ( لَا مُسْتَدْرَكَ ) لَهُ قَالَهُ الْإِمَامُ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ التَّغْرِيمُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ ادَّعَى اثْنَانِ عَلَى وَاحِدٍ أَنَّك ( رَهَنَتْنَا ) هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةٍ وَ ( أَقَبَضْته ) فَصَدَّقَ أَحَدَهُمَا ، فَالرَّهْنُ لَلْمُصَدِّقِ ، وَلَيْسَ ( لِلْمُكَذِّبِ ) تَحْلِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَغْرَمُ ( لَهُ ) شَيْئًا ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَثِيقَةِ ( وَمَرْجِعُ ) الدَّيْنِ إلَى الذِّمَّةِ ، فَحَصَلَ أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ تُضْمَنُ قَطْعًا ، وَكَذَا الْقَوْلِيَّةُ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُسْتَدْرَكُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ بِالتَّصَادُقِ ( فَالْقَوْلَانِ ) أَصَحُّهُمَا الْغُرْمُ ، إلَّا فِي صُورَةِ الرَّهْنِ ، ( فَإِذَا رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ ) ضَمِنَا ) إذْ لَا تَدَارُكَ بِالتَّصَادُقِ وَالِاتِّفَاقِ ، وَكُلُّ مَنْ حَالَ بَيْنَ رَجُلٍ وَبُضْعِهِ غَرِمَ مَهْرَ الْمِثْلِ ، كَالرِّضَاعِ وَالشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ ، إلَّا فِي الْهُدْنَةِ فَإِنَّا لَا نَرُدُّ ( الْمُسْلِمَةَ ) وَنُغَرِّمُ الْمُسَمَّى .
وَاعْلَمْ أَنَّ ( الْإِمَامَ ) الشَّافِعِيَّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) نَصَّ ( عَلَى ) أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ عَلَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ بِالرَّضَاعِ ، يَلْزَمُهُ نِصْفُ ( مَهْرِ ) ( مِثْلِهَا
) ، وَنَصَّ فِي شُهُودِ الطَّلَاقِ ، إذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِلُزُومِ ( غُرْمِ ) جَمِيعِ الْمَهْرِ فَقِيلَ قَوْلَانِ ( بِنَاءً ) أَوْ تَخْرِيجًا .
وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الشُّهُودَ وَالْمُرْضِعَةَ ، هَلْ تَغْرَمُ قَدْرَ مَا غَرِمَ الزَّوْجُ أَوْ قِيمَةَ مَا فَاتَ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ ، وَالصَّحِيحُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَقْطَعُوا بِنِكَاحِهِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ فِي الرُّجُوعِ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَفْسَدَتْ نِكَاحَ الرَّجُلِ بِالرِّضَاعِ ، فَقَدْ قَطَعَتْ الْعِصْمَةَ وَقَطْعُ الْعِصْمَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ ، بِخِلَافِ الْحَيْلُولَةِ فِي الشَّهَادَةِ ، وَكُلُّ مَنْ حَالَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ مِلْكِهِ لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، وَقَدْ يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّ الْفَرْقَ عَلَى الْعَكْسِ أَوْلَى ، فَإِنَّ قَطْعَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ الْحَيْلُولَةِ ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْحَيْلُولَةِ جَمِيعُ الْمَهْرِ ، ( فَلَأَنْ ) يَجِبَ فِي قَطْعِ النِّكَاحِ بِالرَّضَاعِ أَوْلَى ، لَكِنْ يُجَابُ عَنْهُ ، بِأَنَّ قَطْعَ النِّكَاحِ قَدْ ثَبَتَ لَهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْحُكْمُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ فِي الْغُرْمِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشُّهُودِ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقْطَعُوا النِّكَاحَ ، لِجَوَازِ كَذِبِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ بِالرُّجُوعِ ، وَالثَّابِتُ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ أَنَّ مَنْ حَالَ بَيْنَ شَخْصٍ وَبَيْنَ مِلْكِهِ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ ، كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا ، فَأَبَقَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ لِلْحَيْلُولَةِ ، فَإِذَا عَادَ الْعَبْدُ رَدَّ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ وَاسْتَرْجَعَ الْعَبْدَ .
وَلَك أَنْ تُقَسِّمَ مَسَائِلَ الْحَيْلُولَةِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : ( أَحَدُهَا ) : مَا يَغْرَمُ ( الْحَائِلُ ) قَطْعًا وَعَكْسُهُ ، وَمَا يَغْرَمُ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَكْسُهُ .
فَالْأَوَّلُ كَالْحَيْلُولَةِ الْفِعْلِيَّةِ فِي الْأَمْوَالِ وَمِنْهُ إذَا ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ وَسَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ ، وَكَتَبَ بِهَا إلَى قَاضِي بَلَدِ ( الْعَيْنِ ) لِيُسَلِّمَهَا لِلْمُدَّعِي بِكَفِيلٍ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا ، وَفِي هَذَا حَيْلُولَةٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَمَالِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، قَالَ الْفُورَانِيُّ : وَيُؤْخَذُ مِنْ الطَّالِبِ الْقِيمَةُ لِلْحَيْلُولَةِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ أَيْضًا .
( وَالثَّانِي ) : كَالْحَيْلُولَةِ الْفِعْلِيَّةِ فِي الْقِصَاصِ ، كَمَا إذَا حَالَ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَمُسْتَحِقُّ الدَّمِ .
( الثَّالِثُ ) : كَغَالِبِ أَحْوَالِ الْحَيْلُولَةِ الْقَوْلِيَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ .
( الرَّابِعُ ) : كَمَا إذَا قَطَعَ صَحِيحُ الْأُنْمُلَةِ الْوُسْطَى ( مَنْ ) لَا عُلْيَا لَهُ ، فَهَلْ لَهُ طَلَبُ الْأَرْشِ لِلْحَيْلُولَةِ ؟ ( وَجْهَانِ ) ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يَعْفُو عَنْ الْجَانِي ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ هَلْ يَكُونُ عَفْوًا عَنْ الْقِصَاصِ ، وَإِذَا سَقَطَتْ الْعُلْيَا ، هَلْ يَرُدُّهُ وَيَقْتَصُّ ، حَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى مَا لَوْ أَخَذَ الْقِيمَةَ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيُطَالِبُ بِالْمِثْلِ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ شَبَّهَ الْوَجْهَيْنِ بِالْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَبِالْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ مَنْ أَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ ، ( فَهَلْ ) لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ ( وَالْأَرْشَ ) وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ .
وَلَوْ ثَبَتَ الْقِصَاصُ عَلَى حَامِلٍ ، وَأَخَّرْنَا الِاسْتِيفَاءَ لِلْوَضْعِ وَطَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ الْمَالَ لِلتَّأْخِيرِ فَفِي إعْطَائِهِ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ وَجْهَانِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ
أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ ، إذَا لَمْ يَعْفُ ، وَقَالُوا إنَّ أَخْذَهُ الدِّيَةِ ، عَفْوٌ عَنْ الْقِصَاصِ .
وَمِنْهُ لَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ ، الْمُسْلَمَ ، إلَيْهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مَئُونَةٌ ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَلَوْ أَحْبَلَ الْأَبُ جَارِيَةَ الِابْنِ امْتَنَعَ بَيْعُهَا عَلَى الِابْنِ ، لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِحُرٍّ ، وَفِي وَجْهٍ عَلَى الْأَبِ قِيمَتُهَا فِي الْحَالِ ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّ عِنْدَ الْوَضْعِ ، وَالْأَصَحُّ لَا ، لِاسْتِمْرَارِ يَدِ الْوَلَدِ عَلَيْهَا وَانْتِفَاعِهِ بِالِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِهِ .
وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ ثَمَنُ عَبْدٍ وَصَدَّقَهُ سُلِّمَ الْعَبْدُ إلَيْهِ وَقَبَضَ مِنْهُ الثَّمَنَ وَإِنْ كَذَّبَهُ حَلَفَ الْمَالِكُ وَبَرِئَ ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَحُكِمَ لَهُ بِالْعَبْدِ ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَلْفَ ، وَهَلْ يَمْلِكُهَا السَّيِّدُ ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا : ( نَعَمْ ) ( كَحُكْمِ ) الْحَاكِمِ الثَّانِي يَكُونُ كَالْمُحْتَالِ عَلَى حَقِّهِ أَيْ كَالْحَيْلُولَةِ كَذَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي أَوَاخِرِ الصَّدَاقِ مِنْ تَعْلِيقِهِ : الْحِيَلُ جَائِزَةٌ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ ( اللَّهُ ) تَعَالَى فِي قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ { مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ } ، { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } ( وَخَلَّصَ ) بِهِ ( نَفْسَهُ ) ، وَاحْتَالَ لِصِدْقِهِ وقَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } .
وَمِنْ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ حَنْظَلَةَ ، قَالَ : { خَرَجْنَا وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ نُرِيد النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهُ أَعْدَاءٌ لَهُ فَحَرِجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْت أَنَّهُ أَخِي فَخَلَّى عَنْهُ الْعَدُوُّ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ صَدَقْت الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمُ } فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلَهُ قُلْت وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ ( بِحَدِيثِ بِلَالٍ فِي شِرَاءِ التَّمْرِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا } ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ( الشِّرَى ) مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ ، وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ ، وَإِلَّا يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ .
وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَائِشَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ) { إذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْخُذْ عَلَى أَنْفِهِ وَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ } ( هُوَ ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ( سَمِعْت ) ( الدَّارَقُطْنِيّ ) يَقُولُ ( سَمِعْت ) أَبَا بَكْرٍ الشَّافِعِيَّ الصَّيْرَفِيَّ يَقُولُ كُلُّ مَنْ أَفْتَى مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحِيَلِ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ ( هَذَا الْحَدِيثِ ) ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ الْحِيَلِ مَا كَانَ مُبَاحًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مُبَاحٍ فَأَمَّا فِعْلُ ( الْمَحْظُورِ لِيَصِلَ بِهِ إلَى الْمُبَاحِ
) ، فَلَا يَجُوزُ وَقَدْ أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ الْحِيلَةَ الْمَحْظُورَةَ لِيَصِلَ بِهَا إلَى الْمُبَاحِ ، ( وَقَدْ رَوَى ) ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) أَنَّ امْرَأَةً شَكَتْ إلَيْهِ زَوْجَهَا ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا ارْتَدِّي لِيُفْسَخَ النِّكَاحُ ، وَحُكِيَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ قَبِّلْ أُمَّ امْرَأَتَك بِشَهْوَةٍ فَإِنَّ نِكَاحَ زَوْجَتِك يَنْفَسِخُ .
وَالدَّلِيلُ ( عَلَى ) ( أَنَّ ) مِثْلَ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَاقَبَ مِنْ احْتَالَ بِحِيلَةٍ مَحْظُورَةٍ فَقَالَ ( تَعَالَى ) { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ } وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْهِمْ صَيْدَ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَكَانَ السَّمَكُ لَا يَدْخُلُ مَوْضِعَ ( يَصْطَادُونَهُ ) فِيهِ ، إلَّا يَوْمَ السَّبْتِ فَاحْتَالُوا بِأَنْ وَضَعُوا الشِّبَاكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدَخَلَ السَّمَكُ يَوْمَ السَّبْتِ وَأَخَذُوهُ يَوْمَ الْأَحَدِ فَمَسَخَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قِرَدَةً .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } ( وَلَمَّا نَظَرَ ) مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى هَذَا قَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَصَّلَ إلَى الْمُبَاحِ بِالْمَعَاصِي ، ثُمَّ نَاقَضَ فِي الْمَشْهُودِ لَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَتِهِ ( فَقَالَ ) ( إنَّهَا تَحِلُّ ) لَهُ ( وَكَذَلِكَ ) قَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ ( يَحْرُمُ ) مُعَالَجَةُ الْخَمْرِ بِمَا يَصِيرُ بِهِ خَلًّا ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسَبُّبِ إلَى الْمُحَرَّمِ بِالْعِلَاجِ وَالِاحْتِيَالِ فَهُوَ كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ السَّبْتِ .
قَالَ الْقَاضِي فَأَمَّا الْحِيلَةُ فِي الْأَيْمَانِ فَضَرْبَانِ .
حِيلَةٌ تَمْنَعُ الْحِنْثَ وَحِيلَةٌ تَمْنَعُ الِانْعِقَادَ : فَاَلَّتِي تَمْنَعُ الْحِنْثَ ضَرْبَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : الْخُلْعُ فِي النِّكَاحِ وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ فِي الرَّقِيقِ ، فَإِذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( ثَلَاثًا ) ، فَالْحِيلَةُ فِي دُخُولِهَا أَنْ يُخَالِعَهَا فَتَبِينُ ، ثُمَّ تَدْخُلُ الدَّارَ فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ ، وَيَعْقِدُ النِّكَاحَ عَلَيْهَا .
وَإِذَا قَالَ ( لِعَبْدِهِ ) إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَدْخُلُ الدَّارَ فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ .
وَالْحِيلَةُ الْعَامَّةُ أَسْهَلُ ( فِي ) هَذِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ : كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ( فَإِنْ ) دَخَلَتْ ( الدَّارَ ) لَمْ تَطْلُقْ وَفِي ( الرِّقِّ ) ( يَقُولُ ) لِعَبْدِهِ : كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك عِتْقِي ( فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَهُ ) فَيَدْخُلُ الدَّارَ وَلَا يَعْتِقُ .
قُلْت أَمَّا مَسْأَلَةُ الْخُلْعِ فَقَدْ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ وَأَخَذُوهُ مِنْ أَنَّهُ ، لَوْ وَقَعَ لَكَانَ تَعْلِيقًا قَبْلَ الْمِلْكِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهَا تَعُودُ بِمَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ ( فَالطَّلَاقُ ) لَوْ قِيلَ بِوُقُوعِهِ فَهُوَ الْمَمْلُوكُ الَّذِي كَانَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ تَعْلِيقًا قَبْلَ الْمِلْكِ ، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالصِّفَةَ كِلَاهُمَا حَالُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَلْيُنْظَرْ إلَى أَنَّهَا هَلْ ( تَمْنَعُ ) الْوُقُوعَ أَمْ لَا .
قَالَ الْقَاضِي : وَأَمَّا الْحِيلَةٌ الْمَانِعَةُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ ، فَكَمَنْ حَلَفَ كَانَ يَمِينُهُ عَلَى نِيَّتِهِ دُونَ مَا يُظَنُّ بِهِ ، إلَّا إذَا حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ .
هَذَا إذَا كَانَ ( فِيمَا ) هُوَ حَقٌّ عِنْدَهُمَا ، فَأَمَّا مَا هُوَ حَقٌّ عِنْدَ الْحَاكِمِ ظُلْمٌ عِنْدَ الْحَالِفِ كَالْحَنَفِيِّ يَعْتَقِدُ شُفْعَةَ الْجِوَارِ وَالْحَالِفُ لَا يَعْتَقِدُهَا يَحْلِفُ ( لَا يَسْتَحِقُّ ) عَلَى الشُّفْعَةِ ، وَيَنْوِي عَلَى قَوْلِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ
يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ قَالَ : وَعَلَى هَذَا كُلُّ الْأَيْمَانِ عِنْد الْحَاكِمِ ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ ( إنَّ ) النِّيَّةَ ( فِيهِ ) ( نِيَّةُ ) الْمُسْتَحْلِفِ أَبَدًا ، وَهَذَا غَلَطٌ .
وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ لِنَفْسِهِ فَالنِّيَّةُ نِيَّتُهُ أَبَدًا ، فَإِذَا نَوَى غَيْرَ مَا نَطَقَ بِهِ ، وَكَانَ ( سَائِغًا ) بَرَّ فِي يَمِينِهِ ، فَكُلُّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ كَانَ قَدْ فَعَلَهُ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ وَنَوَى أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ ، وَكَذَا غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَهُ اسْمٌ فِي اللُّغَةِ ، فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَنِسَائِي طَوَالِقُ ، وَنَوَى ( نِسَاءً لَا امْرَأَتَهُ ) ، أَوْ قَالَ كُلُّ جَارِيَةٍ لِي حُرَّةٌ وَنَوَى بِذَلِكَ السُّفُنَ صَحَّ ( فَلَوْ ) قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِعَلَيْك عَلَى ظَهْرِك أَوْ عَلَى رَقَبَتِك لَمْ يَحْنَثْ ، فَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ : اللَّهُ يَعْلَمُ مَا فَعَلَ شَيْئًا ، وَجَعَلَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي ، لَا النَّافِيَةِ صَحَّ .
( وَلَوْ ) قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ : طَلَّقْت فُلَانَةَ ثَلَاثًا ، فَقَالَ : نَعَمْ وَنَوَى بِنَعَمْ إبِلَ بَنِي فُلَانٍ ، لَمْ تَطْلُقْ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ : نَعَامٌ ، يَعْنِي نَعَامَ الْبَرِّ صَحَّ ، وَإِذَا حَلَفَ مَا كَاتَبْت فُلَانًا وَلَا عَرَفْته وَلَا شَفَعْت لَهُ وَلَا سَأَلْته حَاجَةً قَطُّ ، وَنَوَى بِالْكِتَابَةِ كِتَابَةَ الْعَبِيدِ ، وَمَا جَعَلْته عَرِيفًا ، ( وَمَا شَفَعْت شُفْعَتَهُ ) وَمَا ( سَأَلْته ) حَاجَةً يَعْنِي ( شَجَرَةً ) صَغِيرَةً فِي الْبِئْرِ يُقَالُ لَهَا الْحَاجَةُ لَمْ يَحْنَثْ .
هَذَا آخَرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ .
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّلْخِيصِ : الْحِيلَةُ فِي إبْطَالِ شُفْعَةِ الْجِوَارِ مُبَاحَةٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ ، لِأَنَّهَا حِيلَةٌ فِي إبْطَالِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبِ .
وَأَمَّا الْحِيلَةُ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ بِالْمُشَارَكَةِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُجُوبِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ ، ( وَإِنْ ) كَانَ قَبْلَ ( وُجُوبِهَا ) قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُكْرَهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَحَّ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ ( يُبَاحُ )
، وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ تَجُوزُ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ ، وَقَالَ آخَرُ : لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ ( الضَّرَرِ ) ، وَالْحِيلَةُ تَمْنَعُ دَفْعَ ( الضَّرَرِ ) ، قُلْنَا إنَّمَا يَجِبُ زَوَالُ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ وُجُودِهَا ( بِكَمَالِهَا ) ، ( فَأَمَّا ) إذَا لَمْ تُوجَدْ ، فَلَا يُقَالُ إنَّ فِي ذَلِكَ مَنْعًا لِزَوَالِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي .
حِيلَةٌ فِي الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَجْهُولِ : طَرِيقُهُ أَنْ يَذْكُرَ غَايَةً يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي الْبُوَيْطِيِّ إلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَّلَ رَجُلًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ ، حَتَّى يُبَيِّنَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ حَلَّلَهُ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا انْتَهَى .
لَيْسَ ( لِأَبِي الزَّوْجَةِ الْعَفْوُ ) عَنْ الصَّدَاقِ ، فَإِنْ أَرَادَهُ فَطَرِيقُهُ فِي إبْرَاءِ الزَّوْجِ مِنْ الصَّدَاقِ أَنْ تُخَالِعَ زَوْجَهَا ( عَلَى الصَّدَاقِ ) فِي ذِمَّةِ الْأَبِ ( فَيَصِيرُ لِلزَّوْجِ ) فِي ذِمَّةِ الْأَبِ أَلْفٌ مَثَلًا وَلَهَا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ أَلْفٌ فَيُحِيلُ ( الزَّوْجُ ) بِنْتَه عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ مِنْ ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَيَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْأَبِ ، وَلَا يَتَخَلَّصُ بِالضَّمَانِ إذْ لَا ( أَصِيلَ ) هَا هُنَا .
حِيلَةٌ تُسْقِطُ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمَذْهَبِ : وَهِيَ أَنْ يَسْتَبْرِئَ الْبَائِعُ قَبْلَ ( الْبَيْعِ ) ثُمَّ يُعْتِقُهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ ، فَيَجُوزُ لَهُ ( تَزْوِيجُهَا ) ، كَمَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ ، وَتَجِيءُ صُورَةٌ عَلَى وَجْهٍ وَهِيَ أَنْ ( يَشْتَرِيَهَا ) ثُمَّ يُزَوِّجَهَا لِغَيْرِهِ فَيُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ فِي الْحَالِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَحِلُّ لِلسَّيِّدِ عَلَى وَجْهٍ ، قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ ، وَيُقَالُ أَنَّهُ عَلَّمَهُ ( لِلرَّشِيدِ ) فِي أَمَةٍ أَرَادَ وَطْئَهَا .
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كُنْت فِي مَجْلِسِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الشَّاشِيِّ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَلْبِسُ هَذَا الثَّوْبَ وَقَدْ احْتَاجَ لِلُبْسِهِ ، فَقَالَ ( سُلَّ
مِنْهُ خَيْطًا فَسَلَّ مِنْهُ ) قَدْرَ الْأُصْبُعِ أَوْ الشِّبْرِ ، ثُمَّ قَالَ الْبَسْ لَا شَيْءَ عَلَيْك وَأَيَّدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ اللَّفْظِ لَا الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ فِي الْعُرْفِ .
( حَلَفَ ) لَا بِعْت هَذَا الثَّوْبَ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ النِّصْفَ ، وَوَهَبَهُ النِّصْفَ لَمْ يَحْنَثْ ( لِأَنَّ الْيَمِينَ وَقَعَتْ عَلَى بَيْعِ الْجَمِيعِ ، فَلَمْ يَحْنَثْ ) بِبَعْضِهِ .
حَلَفَ ( لَيَشْتَرِيَنَّ ) جَارِيَةً فَاشْتَرَى سَفِينَةً ( بَرَّ ) ، حَكَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ ( الْإِمَامِ ) الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) .
رَجُلٌ لَهُ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَقَالَ إنْ لَمْ آخُذْهُ مِنْك الْيَوْمَ ، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ، وَقَالَ صَاحِبُهُ إنْ ( أَعْطَيْته ) ( الْيَوْمَ ) ، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ، فَالطَّرِيقُ أَنْ ( يَأْخُذَهُ ) مِنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ جَبْرًا ، وَلَا يَحْنَثَانِ ، قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي .
الْحِيلَةُ فِيمَا ( إذَا ) ادَّعَى ( أَدَاءَ ) عَلَيْهِ وَأَرَادَ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ ( بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ ) أَنْ يَقُولَ : هَذَا الْمُدَّعِي قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَبْرَأَنِي ، كَذَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْهُ ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ .
الْحِيلَةُ فِي أَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ ، إذَا جَاءَ إلَيْهِ أَنْ يَقُولَ اعْرِضْهُ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ ، فَإِنْ قَالُوا لَا يُسَاوِي هَذَا الثَّمَنَ فَرُدَّهُ فَعَرَضَهُ عَلَيْهِمْ ، وَرَجَعَ وَأَرَادَ الرَّدَّ قَالَ الْقَفَّالُ ، لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ ، لِأَنَّهُ قَصَّرَ فِي الرَّدِّ ( بِلَا شَكٍّ ) .
قُلْت ، وَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ ، لِإِبْطَالِ حَقِّهِ .
( لَوْ ) صَالَحَ عَلَى ( أَنَّهُ ) يَسْقِي دَوَابَّهُ الْمَاءَ مِنْ بِئْرِهِ لَا يَجُوزُ ، ( قَالَ ) الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَبِيعَ سَهْمًا مِنْ الْقَنَاةِ ، ثُمَّ الْمَاءُ ( يَسْتَتْبِعُ ) الْقَنَاةَ .
وَلَوْ بَاعَ الْمَرْعَى لَا يَجُوزُ ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَبِيعَ الْكَلَأَ بِدِينَارٍ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي رَعْيِ الْمَاشِيَةِ ( فِي الْمَرْعَى ) ، ( قَالَ ) الْمُتَوَلِّي فِي بَابِ الصُّلْحِ ، إذَا مَلَكَ أَرْضًا لَهَا حَشِيشٌ فَصَالَحَ مِنْ ذَلِكَ الْحَشِيشِ عَلَى مَالٍ لِتَرْعَى فِيهِ الْمَوَاشِي لَا يَصِحُّ ، إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ الْقَلْعِ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الْحَشِيشَ رَطْبًا ، لِتَأْكُلَهُ الْمَوَاشِي .
فَطَرِيقُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ ، ثُمَّ يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ حَتَّى تَكُونَ الْعُرُوقُ مَمْلُوكَةً لَهُ فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الزِّيَادَةِ ( يَكُونُ مِلْكًا لَهُ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الزِّيَادَةِ ) يَكُونُ لِلْبَائِعِ ، ( فَإِذَا ) لَمْ يَقْطَعْ وَحَدَثَتْ زِيَادَةٌ تَكُونُ مَسْأَلَةُ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ .
إذَا ( شَهِدَا ) عِنْدَ قَاضٍ أَنَّك حَكَمْت بِكَذَا ( وَلَمْ ) يَتَذَكَّرْ لَمْ يَعْتَمِدْهَا ، وَالطَّرِيقُ أَنْ ( يُجَدِّدَ ) الْمُدَّعِي الدَّعْوَى ، وَيَشْهَدَانِ لَهُ بِالْحَقِّ .
لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى النَّسَبِ حِسِّيَّةٌ ، وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهَا تُقْبَلُ ( أَثْبَتَ الْقَاضِي النَّسَبَ وَأَسْجَلَ لَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ) ، فَالطَّرِيقُ أَنْ يَنْظُرَ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ فَتُنْكِرُ هِيَ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ ، وَتَجُوزُ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْحَاجَةِ .
وَقِيلَ لَا تَجُوزُ ، لِأَنَّ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةَ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ بِهَا .
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا ثُمَّ حَلَفَ عَلَى أَكْلِ مَا فِي كُمِّ زَيْدٍ وَكَانَ فِيهِ بَيْضٌ ، فَطَرِيقُ الْبَرَاءَةِ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْحَلْوَى ، وَيَأْكُلَهَا وَيُقَالُ إنَّ الْقَفَّالَ سُئِلَ ( عَنْهَا ) وَهُوَ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فَتَوَقَّفَ فَأَجَابَ الْمَسْعُودِيُّ بِهَذَا ، فَمِنْ ثَمَّ قِيلَ قُفِلَ ( عَلَى ) الْقَفَّالِ ، وَسَعِدَ بِهَا الْمَسْعُودِيُّ .
يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَلَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ اللَّحْمَ وَبَعْضُهُمْ الْقُرْبَةَ جَازَ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَهْلِ
الذِّمَّةِ وَبَعْضُهُمْ مُسْلِمٌ ، وَنَوَى التَّضْحِيَةَ بِحِصَّتِهِ جَازَ وَطَرِيقُ قِسْمَةِ اللَّحْمِ إنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا أَنْ ( يُعَيِّنُوا ) اللَّحْمَ أَجْزَاءً ، وَيُعَيِّنُوا بِاسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ ( مِنْهَا ) جُزْءًا ثُمَّ يَبِيعُ صَاحِبُ كُلِّ جُزْءٍ نَصِيبَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ بِالدَّرَاهِمِ وَيَشْتَرِي مَا لِأَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِالدَّرَاهِمِ وَيَتَقَاصُّوا .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، إذَا أَرَدْت الْحِيلَةَ فِي قَسْمِ ( الْفَاكِهَةِ ) الرَّطْبَةِ ، وَقُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ ، فَإِنَّك تَجْعَلُهَا جُزْأَيْنِ ، وَيَبْتَاعُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ نِصْفَ ( الْجُزْءِ ) الَّذِي اخْتَارَهُ بِدِينَارٍ ( وَيَبِيعُ ) عَلَى شَرِيكِهِ نِصْفَ ( الْجُزْءِ ) الْآخَرِ وَيَتَقَاصَّانِ الدِّينَارَ بِالدِّينَارِ ، وَيَسْتَقِرُّ ( مِلْكُ ) كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِصَّتِهِ .
إذَا صَرَفَ مِنْهُ ( دِينَارًا ) بِعِشْرِينَ وَمَعَهُ عَشَرَةٌ ، فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَسْتَقْرِضَهُ مِنْ مَالٍ ( آخَرَ ) ، فَلَوْ اسْتَقْرَضَهُ ( مِمَّا ) أَخَذَ مِنْهُ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّخَايُرِ لَا يَجُوزُ ( لِأَنَّ ) التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّخَايُرِ يَجُوزُ إنْ قُلْنَا أَنَّ التَّخَايُرَ لَا يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ، قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ .
حِيلَة فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا صَغِيرًا وَيُزَوِّجَهَا مِنْهُ ( بِرِضَاهَا ) ( ثُمَّ يَسْتَدْخِلُ ) حَشَفَتَهُ ثُمَّ يَبِيعُ الْعَبْدَ مِنْهَا ( فَيَنْفَسِخُ ) النِّكَاحَ ، وَيَحْصُلُ التَّحْلِيلُ قَالُوا وَهَذَا مِنْ لَطَائِفِ الْحِيَلِ ، لِأَنَّهُ يَخْشَى مِنْ الزَّوْجِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ ، وَأَنْ يَحْصُلَ بِوَطْئِهِ الْعُلُوقُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي عَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى الطَّلَاقِ وَعَدَمِ الْعُلُوقِ .
الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ وَالْمُسْتَمِرَّةُ وَعَيْشُ الْمَذْبُوحِ .
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ تَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ وَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ ( بَيْنَهَا ) فَأَمَّا الْمُسْتَمِرَّةُ فَهِيَ الْبَاقِيَةُ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ إمَّا بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي الثَّانِي .
وَالْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ هِيَ أَنْ تَكُونَ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ ( وَمَعَهَا ) الْحَرَكَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ دُونَ ( الِاضْطِرَارِيَّةِ ) كَالشَّاةِ ، إذَا أَخْرَجَ الذِّئْبُ حَشْوَتَهَا وَأَبَانَهَا ( حَرَّكَتْهَا ) حَرَكَةً اضْطِرَارِيَّةً ، فَلَا تَحِلُّ إذَا ذُبِحَتْ كَمَا لَوْ كَانَ إنْسَانًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَإِنْ عَضَّهَا الذِّئْبُ ، فَقَوَّرَ بَطْنَهَا ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ كِرْشُهَا فَحَيَاتُهَا مُسْتَقِرَّةٌ ( لِأَنَّ حَرَكَتَهَا الِاخْتِيَارِيَّةَ ) مَوْجُودَةٌ .
وَلِهَذَا لَوْ طُعِنَ إنْسَانٌ وَقُطِعَ ( بِمَوْتِهِ ) بَعْدَ سَاعَةٍ أَوْ يَوْمٍ وَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّ حَيَاتَهُ مُسْتَقِرَّةٌ ، وَحَرَكَتُهُ الِاخْتِيَارِيَّةُ مَوْجُودَةٌ ، وَلِهَذَا أَمْضَوْا وَصِيَّةَ ( أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ) عُمَرَ ( بْنِ الْخَطَّابِ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِينَتْ الْحَشْوَةُ ؛ لِأَنَّ مَجَارِيَ النَّفْسِ قَدْ ذَهَبَتْ وَصَارَتْ الْحَرَكَةُ اضْطِرَارِيَّةً ، وَقَدْ تَكُونُ الْحَوَاسُّ سَلِيمَةً وَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةً وَالْحَرَكَةُ اخْتِيَارِيَّةً ، وَيُعْطَى الْإِنْسَانُ فِيهَا حُكْمَ الْأَمْوَاتِ كَالْوَاقِعِ فِي بَحْرٍ لَا يَنْجُو مِنْهُ ( وَتَابَ ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، ( فَإِنَّهُ ) لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيُقَسَّمُ مَالُهُ وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُ ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُقْبَلْ إيمَانُ فِرْعَوْنَ ، وَفِي مِثْلِهَا لَوْ أَشْرَفَ إنْسَانٌ عَلَى الْغَرَقِ وَقَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ .
وَلَوْ كَانَتْ شَاةً فَذَبَحَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَلَّتْ ( وَأَمَّا حَيَاةُ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ وَهِيَ الَّتِي لَا يَبْقَى مَعَهَا ) ( إبْصَارٌ ) وَلَا نُطْقٌ وَلَا حَرَكَةٌ
اخْتِيَارِيَّةٌ ، فَإِذَا انْتَهَى الْإِنْسَانُ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةِ جَانٍ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَرَضٍ وَقَتَلَهُ قَاتِلٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، قَالَ الْإِمَامُ لَوْ انْتَهَتْ الشَّاةُ بِالْمَرَضِ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ فَذُبِحَتْ ( حَلَّتْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا افْتَرَسَهَا سَبُعٌ ، فَوَصَلَتْ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ، قَالَ وَلَوْ أَكَلْت الشَّاةُ نَبَاتًا مُضِرًّا ، فَصَارَتْ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ ، فَذُبِحَتْ فَقَدْ ذَكَرَ شَيْخِي فِيهِ وَجْهَيْنِ ثُمَّ قَطَعَ فِي كَثِيرٍ بِنَفْيِ ( الْحِلِّ ) لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ ، فَصَارَ كَجُرْحِ السَّبُعِ .
وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّاةَ إذَا انْتَهَتْ بِالْمَرَضِ إلَى حَالَةِ عَدَمِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ ، وَذُبِحَتْ حَلَّتْ وَهُوَ نَظِيرُ إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى ( قَاتِلِ ) الْمَرِيضِ ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْمَرِيضَ لَوْ انْتَهَى إلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ ، ( وَبَدَتْ ) مَخَايِلُهُ وَتَغَيَّرَتْ الْأَنْفَاسُ فِي ( الشَّرَاسِفِ ) لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْمَوْتِ حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى قَاتِلِهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْخَصَ بَصَرُ الْمَيِّتِ أَمْ لَا وَحَالَةُ شُخُوصِ الْبَصَرِ هُوَ الْحَالَةُ الَّتِي يُشَاهِدُ فِيهَا ( الْمَيِّتُ ) مَلَكَ الْمَوْتِ .
وَهَذِهِ الْحَالَةُ ( هِيَ ) الَّتِي لَا تُقْبَلُ فِيهَا التَّوْبَةُ قَالَ ( اللَّهُ ) تَعَالَى { وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ ، قَالَ إنِّي تُبْتُ الْآنَ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ } .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ لَا يُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ حُصُولِهَا فِي الشَّاةِ الْمَرِيضَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي ( أَكِيلَةِ ) السَّبُعِ وَنَحْوِهِ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنْ تَكُونَ الْحَيَاةُ ( الْمُسْتَقِرَّةُ )
بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ ( لَبَقِيَ ) يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وَغَيْرُ ( الْمُسْتَقِرَّةِ ) لَوْ تُرِكَ لَمَاتَ فِي الْحَالِ ، وَقَالَ ( غَيْرُهُ ) الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ أَنْ لَا تَنْتَهِيَ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، وَقَالَ فِي الْمُرْشِدِ تُعْرَفُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةِ بِشَيْئَيْنِ ( أَحَدُهُمَا - أَنْ تَكُونَ حَالَةُ وُصُولِ السِّكِّينِ إلَى الْحُلْقُومِ يَطْرِفُ عَيْنُهُ أَوْ يَتَحَرَّكُ ذَنَبُهُ لِأَنَّ ) الْحَيَاةَ إذَا زَالَتْ مِنْ أَسْفَلَ لَمْ يَتَحَرَّكْ ذَنَبُهُ ، وَيَشْخَصُ بَصَرُهُ - وَالثَّانِي - أَنْ لَا يَتَحَرَّكَ فِيهِ شَيْءٌ بَعْدَ إبَانَةِ الرَّأْسِ ، وَلَا ( عِبْرَةَ ) بِالِاخْتِلَاجِ بَعْدَ الذَّبْحِ ، وَكَذَا إنْهَارُ الدَّمِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ انْفِجَارَ الدَّمِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَتَدَفُّقَهُ مَعَ وُجُودِ الْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ مِنْ أَمَارَاتِ بَقَاءِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ .
وَأَنَّ الْحَرَكَةَ الشَّدِيدَةَ ( وَحْدَهَا ) كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ ، قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَعَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مُجَرَّدَ خُرُوجِ الدَّمِ دَلِيلٌ ( عَلَى ) اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ ( وَقَالَ ) فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَدْ وَقَعَتْ ( هَذِهِ ) الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَتَاوَى مَرَّاتٍ فَكَانَ الْجَوَابُ فِيهَا أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ تُعْرَفُ بِقَرَائِنَ يُدْرِكُهَا النَّاظِرُ ، مِنْ عَلَامَاتِهَا الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَجَرَيَانُ الدَّمِ ، فَإِذَا حَصَلَتْ قَرِينَةٌ مَعَ ( إحْدَاهَا ) حَلَّ الْحَيَوَانُ وَالْمُخْتَارُ الْحِلُّ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَحْدَهَا ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَعْتَمِدُهُ انْتَهَى .
وَاسْتَفَدْنَا مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَرَكَةَ الشَّدِيدَةَ ، لَا تَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ مَعَهَا ، بِخِلَافِ انْفِجَارِ الدَّمِ ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى قَرِينَةِ الْحَيَاةِ .
قَالَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ مَا يَجُوزُ أَنْ تَبْقَى مَعَ الْحَيَوَانِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ ( فَإِنْ
) شُقَّ جَوْفُهَا وَظَهَرَتْ الْأَمْعَاءُ وَلَمْ تَنْفَصِلْ ( إذَا ) ( ذُكِّيَتْ ) حَلَّتْ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ( مُنَزَّلٌ ) عَلَى ( مَا قَدَّمْنَاهُ ) ، قَالَ وَإِذَا جُرِحَتْ الشَّاةُ ( وَوَصَلَتْ ) إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ ( فَذُبِحَتْ ) ، فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ ، وَحَكَى صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا مَا دَامَتْ تَضْرِبُ بِيَدِهَا وَتَفْتَحُ عَيْنَهَا حَلَّتْ بِالذَّكَاةِ ، قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِيهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ ، فَإِنَّ ( حَرَكَتَهَا ) حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ ، ( فَلَا ) تَحِلُّ ، وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ .
فَرْعٌ شَكَّ فِي الْمَذْبُوحِ هَلْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بَعْدَ الذَّبْحِ ، فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْحِلُّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ ، وَأَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ لِلشَّكِّ فِي الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَقَاءُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ حَلَّتْ ، وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ .
تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْإِمَامِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا عِنْدَ أَوَّلِ الْقَطْعِ لَا بَعْدَهُ ، فَإِنَّهُ قَالَ ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ ابْتِدَاءِ قَطْعِ الْمَرِيءِ ، وَلَكِنْ لَمَّا قُطِعَ بَعْضُ الْحُلْقُومِ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، لِمَا ( نَالَهُ ) مِنْ ( قَبْلُ ) ( بِسَبَبِ ) قَطْعِ الْقَفَا فَهُوَ حَلَالٌ ؛ لِأَنَّ ( الْمَعْنَى بِمَا ) وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ ( بِقَطْعِ ) ( الْمَذْبَحِ ) انْتَهَى ، وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَلَامَ الْإِمَامِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ أَيْضًا بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، بَلْ الَّذِي يَقَعُ الِابْتِدَاءُ بِقَطْعِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَرِيءُ - وَالثَّانِي - ( عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الَّذِي يَقَعُ الِابْتِدَاءُ بِقَطْعِهِ فِي هَذِهِ ) ( الصُّورَةِ ) الْحُلْقُومُ أَنَّ ( الْمَذْهَبَ ) الِاكْتِفَاءُ بِكَوْنِ الْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةً عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي قَطْعِ الْحُلْقُومِ ، ( وَقِيَاسُهُ ) أَنْ يَكْتَفِيَ بِكَوْنِ الْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةً فِيمَا إذَا ابْتَدَأَ الْقَطْعَ ( مِنْ ) مُقَدَّمِ الْعُنُقِ عِنْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ خَاصَّةً أَيْضًا وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ قَوْلُ الْإِمَامِ فِي أَنَّ الْحَيَاةَ ، لَوْ كَانَتْ مُسْتَقِرَّةً عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي ( قَطْعِ ) الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ تَحِلُّ ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ عِنْدَ تَمَامِ ( قَطْعِهِمَا ) إذَا وُجِدَ الْإِسْرَاعُ عَلَى النَّسَقِ الْمُعْتَادِ لَكِنَّ الَّذِي حَكَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْ ( الْإِمَامِ ) الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهَا إنْ تَحَرَّكَتْ بَعْدَ قَطْعِ رَأْسِهَا أُكِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُؤْكَلْ ، وَفَسَّرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ ، بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) قَالَ إنَّمَا تُعْلَمُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَرَكَةُ شَدِيدَةً بَعْدَ قَطْعِ الرَّقَبَةِ (
فَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ ) ، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ إلَى انْتِهَاءِ مَا يَجِبُ قَطْعُهُ بِالذَّكَاةِ ، وَهُوَ ( يُوَافِقُ ) مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ النَّصِّ .
( قُلْت ) وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ انْتَهَى .
وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ، لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ مُقَدَّمِ عُنُقِهَا فَانْتَهَتْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، لَمْ تَحِلَّ ، وَإِنْ انْتَهَتْ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَبَعْضِ الْمَرِيءِ حَلَّتْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ ، وَلَمْ تَحِلَّ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَاخْتِيَارِ الْغَزَالِيِّ ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ الْبَعْضَ فَمَاتَتْ يَكُونُ مَوْتُهَا كَانْتِهَائِهَا إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، وَهَذَا قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا ( وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ فَتَحِلُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ انْتَهَتْ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ قَبْلَ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ الْمَرِيءِ ، بِخِلَافِ الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا ) لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ هُنَاكَ بِعِصْيَانِهِ بِالذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا ، لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ يَجِبُ أَنْ يُسْرِعَ الذَّابِحُ فِي الْقَطْعِ ، فَلَا يَتَأَتَّى بِحَيْثُ يَظْهَرُ انْتِهَاءُ الشَّاةِ قَبْلَ اسْتِتْمَامِ قَطْعِ الْمَذْبَحِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْمُتَعَبَّدَ بِهِ كَوْنُ الْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةً عِنْدَ الِابْتِدَاءِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ هُنَا ، إذَا تَبَيَّنَ مَصِيرُهُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهُنَاكَ ، إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْحَالُ ، قَالَ النَّوَوِيُّ ( وَهَذَا الَّذِي ) قَالَهُ خِلَافُ مَا سَبَقَ تَصْرِيحُ الْإِمَامِ بِهِ ، بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُقَصِّرٌ فِي الثَّانِي فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ، فَإِنَّهُ لَا تَقْصِيرَ فِي حَقِّهِ ، فَلَوْ لَمْ يُحَلِّلْهُ أَدَّى إلَى حَرَجٍ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ بِسِكِّينٍ غَيْرِ كَالٍّ ، وَيُسْرِعَ فَتَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الْقَطْعِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ بِسِكِّينٍ ( كَالَّةٍ ) ،
فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ، كَمَا لَوْ تَبَاطَأَ فِي الذَّبْحِ بِالسِّكِّينِ غَيْرِ ( الْكَالِّ ) .
قَالَ النَّوَوِيُّ ، وَلَوْ أَمَرَّ السِّكِّينَ مُلْصَقًا بِاللَّحْيَيْنِ فَوْقَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَبَانَ الرَّأْسَ ، فَلَيْسَ هَذَا بِذَبْحٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَلَوْ أَخَذَ الذَّابِحُ فِي قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ ، وَأَخَذَ آخَرُ فِي نَزْعِ حَشْوَتِهِ ( أَوْ نَخْسِ خَاصِرَتِهِ ) لَمْ يَحِلَّ ، لِأَنَّ التَّذْفِيفَ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ ، ( وَإِذَا ) اقْتَرَنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا ، بِأَنْ يُجْرِيَ سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى الْتَقَيَا فَهِيَ مَيْتَةٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ قَطْعُ الْقَفَا وَبَقِيَتْ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةً إلَى وُصُولِ السِّكِّينِ الْمَذْبَحِ وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي هَذَا الْفَصْلِ لِأَنَّهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ ، وَقَلَّ مَنْ أَتْقَنَهُ .
الْحَيَوَانُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أُمُورٌ الْأَوَّلُ : كُلُّهُ طَاهِرٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ، إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلِّدَ مِنْهُمَا ، وَفِي الْخِنْزِيرِ قَوْلٌ قَدِيمٌ ، اُخْتِيرَ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ ، وَيَلْتَحِقُ بِهِمَا الْجَلَّالَةُ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ ، أَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الذَّكَاةُ عِنْدَنَا ، بَلْ هُوَ مَيْتَةٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) ، وَمَنَاطُ حِلِّ أَكْلِ الذَّبِيحَةِ هَلْ هُوَ جَوَازُ الذَّبْحِ أَوْ قَصْدُ الْأَكْلِ فِيهِ خِلَافٌ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ مِنْ الصَّائِلَةِ إذَا قُتِلَتْ بِالصِّيَالِ تَرَدَّدَ ابْنُ كَجٍّ فِي حِلِّ أَكْلِهَا وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ ، إنْ لَمْ يُصِبْ الْمَذْبَحَ لَمْ تَحِلَّ ، وَإِنْ أَصَابَ فَوَجْهَانِ .
وَمِنْهَا : تَذْكِيَةُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونِ ، وَالْأَصَحُّ الْحِلُّ ، وَالدَّابَّةُ الْمَوْطُوءَةُ إذَا قُلْنَا تُقْتَلُ ، فَذُبِحَتْ فَفِي حِلِّ أَكْلِهَا وَجْهَانِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهَا بِوُجُوبِ قَتْلِهَا الْتَحَقَتْ بِالْمُؤْذِيَاتِ .
الثَّانِي : فِي قَتْلِهِ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا فِيهِ نَفْعٌ بِلَا ضَرَرٍ ( فَيَحْرُمُ ) قَتْلُهُ .
ثَانِيهَا : مَا فِيهِ ضَرَرٌ بِلَا نَفْعٍ فَيُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ كَالْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ الْمُؤْذِيَةِ وَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَمِنْهُ الْعَنَاكِبُ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ السَّمُومِ ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ ( مَنْ ) يَمْتَنِعُ مِنْ قَتْلِهَا لِأَنَّهُ عَشَّشَ فِي فَمِ الْغَارِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَذْبَحَ الْحَمَامُ .
ثَالِثُهَا : مَا فِيهِ نَفْعٌ مِنْ وَجْهٍ ، كَالصَّقْرِ وَالْبَازِيِّ وَالشَّاهِينِ وَالْعُقَابِ وَنَحْوِهَا ، ( وَكَالْفَهْدِ ) ، وَسَائِرِ أَنْوَاعِ السِّبَاعِ الَّتِي تَصِيدُ ، فَلَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ لِلضَّرَرِ ، وَذُكِرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْأُمِّ .
رَابِعُهَا : مَا لَا نَفْعَ
فِيهِ وَلَا ضَرَرَ كَالْخَنَافِسِ وَالدِّيدَانِ ( وَالْجُعَلِ ) وَالْفَرَاشِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَحْرُمُ قَتْلُهَا لِعَدَمِ نَفْعِهَا ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لِعَدَمِ ( ضَرَرِهَا ) .
قَاعِدَةٌ : مَنْ مَلَكَ صَيْدًا حُرِّمَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ إلَّا فِي صُوَرٍ : أَنْ يُحْرِمَ ، أَوْ يَكُونَ لِلطَّائِرِ فَرْخٌ يَمُوتُ ( بِحَبْسِهِ ) ، أَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُهُ أَوْ مَا يَذْبَحُهُ ( بِهِ ) فَيَجِبُ إرْسَالُهُ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ حُرِّمَ ، قَالَ الْقَفَّالُ ( يَحْسِبُونَهُ ) قُرْبَةً وَهُوَ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ سَوَائِبَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقِيلَ يُبَاحُ ذَلِكَ وَيَزُولُ الْمِلْكُ ( كَالْعِتْقِ ) ( فِي الْعَبْدِ ) وَعَلَى الْأَصَحِّ : لَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِإِرْسَالِهِ ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ اصْطِيَادُهُ ، إلَّا أَنْ يُبِيحَهُ الْمَالِكُ لِمَنْ أَخَذَهُ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ لَهُ اخْتِيَارًا .
وَلِهَذَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا ( عَنْ ) طَائِرٍ فَوَقَفَ ، ثُمَّ طَارَ لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِنْ طَارَ عَقِبَ الْفَتْحِ فَقَوْلَانِ نَظِيرُهُ مَا لَوْ نَفَرَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَعَثَرَ فَمَاتَ ( عَقِبَ التَّنْفِيرِ ضَمِنَهُ ) ، وَإِنْ ( نَفَرَهُ ) فَسَكَنَ ، ثُمَّ عَثَرَ ( فَمَاتَ لَا ضَمَانَ ) ، وَمَا لَوْ أَكَلَ الْجَارِحُ مِنْ الصَّيْدِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ .
( قَالَ ) الْإِمَامُ وَدِدْت لَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَقِفَ زَمَانًا ، ثُمَّ يَأْكُلَ ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِ الْأَخْذِ ، لَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ، قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ تَعَرَّضَ لَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي مَسْأَلَةِ ، لَوْ وَضَعَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ فِي الْحِرْزِ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ ( وَسَيَّرَهَا ) حَتَّى خَرَجَتْ قُطِعَ ، وَإِنْ مَشَتْ بِنَفْسِهَا حَتَّى خَرَجَتْ فَلَا قَطْعَ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ إنْ سَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ قُطِعَ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ .
وَلَوْ عَلَّمَ قِرْدًا إخْرَاجَ الْمَتَاعِ ( بِنَقْبٍ ) وَأَرْسَلَهُ ، حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لِشُبْهَةِ اخْتِيَارِ الْحَيَوَانِ ، ( وَلَكِنْ ) لَوْ أَمْسَكَ إنْسَانًا وَعَرَّضَهُ لِلسَّبُعِ وَجَبَ الْقِصَاصُ قَطْعًا لِأَنَّهُ آلَةٌ ( لَهُ ) فَكَانَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ ، وَمِثْلُهُ ( الْحَيَوَانُ ) الضَّارِي بِطَبْعِهِ .
وَلَوْ رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَقَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ ( هَوَاءَ ) الْحَرَمِ فَوَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا : لَا يَضْمَنُهُ ، كَمَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا ( فِي ) الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ ، فَتَخَطَّى طَرَفَ الْحَرَمِ ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ ( وَأَصَحُّهُمَا ) يَضْمَنُ بِخِلَافِ الْكَلْبِ لِأَنَّ لِلْكَلْبِ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ السَّهْمِ ، ( وَلِهَذَا ) قَالَ الْأَصْحَابُ ، لَوْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَلَمْ يُصِبْهُ وَأَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الضَّمَانُ ، ( وَمِثْلُهُ ) ، لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا لَا يَجِبُ وَلَوْ سَرَقَ دَابَّةً لَا تُسَاوِي نِصَابًا فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا ، فَلَا قَطْعَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا
الْخَبَرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ .
( الْأَوَّلُ ) مُنْحَصِرٌ فِي ثَلَاثَةٍ : الْإِقْرَارُ ، وَالْبَيِّنَةُ ، وَالدَّعْوَى لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَقٍّ عَلَى الْمُخْبِرِ فَهُوَ الْإِقْرَارُ ، أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ الدَّعْوَى ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَهُوَ الشَّهَادَةُ .
وَضَبَطَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِضَابِطٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ إنْ كَانَ ضَارًّا لِقَائِلِهِ فَهُوَ الْإِقْرَارُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَارًّا بِهِ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَافِعًا لَهُ أَوْ لَا ، وَالْأَوَّلُ ( هُوَ ) الدَّعْوَى ، وَالثَّانِي الشَّهَادَةُ .
انْتَهَى .
( وَالثَّانِي ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ عَامًّا ، لَا يَخْتَصُّ ( بِمُعَيَّنٍ ) ، وَيَنْحَصِرُ أَيْضًا فِي ثَلَاثَةٍ : الرِّوَايَةُ ، وَالْحُكْمُ ، وَالْفَتْوَى لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ مَحْسُوسٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ فَهُوَ الْحُكْمُ ، وَإِلَّا فَالْفَتْوَى .
وَعُلِمَ مِنْ هَذَا ضَابِطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ .
وَمِنْ الْمُشْكِلِ اشْتِرَاطُهُمْ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ ( شَهْرِ ) رَمَضَانَ ، وَفِي الْمُتَرْجِمِ ( وَالْمُسْمِع ) أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ فَكَيْفَ تَلْحَقُ بِالشَّهَادَةِ الْخَاصَّةِ
الْخَبَرُ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : مَنْ أَخْبَرَتْنِي مِنْكُمَا بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ ، فَإِذَا أَخْبَرَتَا طَلُقَتَا صَدَقَتَا أَوْ كَذَبَتَا ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَقْرُونِ بِالْبَاءِ وَغَيْرِهَا .
وَقَالَ الْفُورَانِيُّ ، لَوْ قَالَ مَنْ أَخْبَرَتْنِي مِنْكُمَا بِقُدُومِ زَيْدٍ لَمْ يَقَعْ ، إلَّا إذَا أَخْبَرَتْهُ صَادِقَةً لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَصَارَ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْقُدُومِ فِي الْإِخْبَارِ .
وَمَنْ أَخْبَرَ بِبَعْضِ الْوَاقِعِ هَلْ يُسَمَّى كَاذِبًا ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَأَخْبَرَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِتِسْعِينَ فَهَلْ يَكُونُ كَاذِبًا فِي إخْبَارِهِ ، وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا : لَا - لِدُخُولِ التِّسْعِينَ فِي الْمِائَةِ ، فَعَلَى هَذَا لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي ، لِذَا عُلِمَ الْحَالُ وَالثَّانِي : أَنَّهُ كَاذِبٌ لِأَنَّ التِّسْعِينَ بَعْضُ الثَّمَنِ ، وَفِي مُقَابَلَةِ جَمِيعِ ( الْبَيْعِ ) ، وَعَلَى هَذَا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ .
وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً ، ثُمَّ قَالَ كَذَبْت أَوْ هِيَ مُبْطَلَةٌ امْتَنَعَ الْحُكْمُ بِهَا ، وَفِي بُطْلَانِ دَعْوَاهُ وَجْهَانِ ( اخْتَارَ ) صَاحِبُ التَّقْرِيبِ الْبُطْلَانَ لِأَنَّ الْكَذِبَ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ عَدَمُ مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ لِمَا فِي الْخَارِجِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشَّخْصُ ذَلِكَ ، وَعَنْ صُورَةِ الْجَهْلِ احْتَرَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ { مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } ، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ { وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِالرِّسَالَةِ وَهُمْ لَا يَشْهَدُونَ بِهَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِهَا اعْتِقَادُهَا أَوْ الْإِخْبَارُ بِهَا عَلَى وَجْهِ الِانْقِيَادِ وَمُوَاطَأَةُ الظَّاهِرِ لِلْبَاطِنِ وَأَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِكَذِبِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَلَهُمْ حُكْمُ الْكَاذِبِينَ ( إذْ ) رَضُوا بِخَبَرٍ يُجَوِّزُونَ كَذِبَهُ جَوَازًا غَيْرَ بَعِيدٍ ، ( فَذَلِكَ ) رِضًا بِالْكَذِبِ ، وَهَذَا فِي قَوْلِهِ مُبْطِلِينَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلظَّاهِرِ ، فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ .
الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ قَالَ الْإِمَامُ : قَالَ الْأَئِمَّةُ : تُعْتَبَرُ فِي ثَلَاثِ شَهَادَاتٍ : الشَّهَادَةِ عَلَى أَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الْعَدَالَةِ ، وَعَلَى الْإِعْدَامِ .
قُلْت : وَالْأُولَيَانِ مِنْ مَنْصُوصَاتِ الْأُمِّ ، وَشَرْطُ الثَّانِيَةِ أَنْ تَكُونَ مَعْرِفَتُهُ مُتَقَادِمَةً ، قَالَ الْإِمَامُ ، وَإِنَّمَا ( شَرَطْنَاهَا ) فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ الشَّهَادَةِ فِيهَا ( السَّتْرُ ) عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْتَيْقَنُ ، وَلَكِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَنَازِلِ ، وَالِاكْتِفَاءِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ ، وَإِلَّا لَتَعَطَّلَ تَعْدِيلُ الشُّهُودِ وَتَسْلِيمُ التَّرِكَاتِ لِلْوَرَثَةِ ، وَالِاكْتِفَاءُ وَلَتَخَلَّدَ الْحَبْسُ عَلَى الْمُعْسِرِ .
قَالَ : ثُمَّ أَهْلُ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ مَنْ عَاشَرَهُ سَفَرًا وَحَضَرًا ، وَكَانَ يَطَّلِعُ عَلَى بَاطِنِ حَالِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْقَاضِي خِبْرَتَهُمْ بِإِخْبَارِهِمْ ، وَلَا يُشْتَرَطُ ( ذِكْرُهُ ) فِي صِيغَةِ الشَّهَادَةِ ، وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ فَلَا إشْكَالَ .
وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ صُورَةً رَابِعَةً ، وَهِيَ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ غَيْبَةَ وَلِيِّهَا ، فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) ، أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ ( خَاصٌّ حَاضِرٌ ) ، وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ مِنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَجْهَانِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا تُقْبَلُ فِي ( هَذِهِ ) إلَّا شَهَادَةُ مَنْ يَطَّلِعُ عَلَى حَالِهَا ، كَمَا فِي شَهَادَةِ الْإِعْسَارِ وَحَصْرِ الْوَرَثَةِ .
وَخَامِسَةٌ ذَكَرَهَا الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ .
( وَسَادِسَةٌ ) مَنْصُوصَةٌ فِي الْمُخْتَصَرِ ( وَهِيَ ) الشَّهَادَةُ بِالرُّشْدِ .
{ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } ( هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ) وَمَعْنَاهُ مَا خَرَجَ مِنْ الشَّيْءِ مِنْ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ ( وَغَلَّةٍ ) فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي عِوَضَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانِ الْمِلْكِ ، فَإِنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ ، فَالْغَلَّةُ لَهُ ، لِيَكُونَ الْغُنْمُ فِي مُقَابَلَةِ الْغُرْمِ .
وَقَدْ ذَكَرُوا عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ سُؤَالَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَرَاجُ فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ لَكَانَتْ الزَّوَائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ تَمَّ الْعَقْدُ أَوْ انْفَسَخَ إذْ لَا ضَمَانَ حِينَئِذٍ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ ( مِنْهُمْ ) بِذَلِكَ ، ( وَإِنَّمَا ) يَكُونُ لَهُ إذَا تَمَّ الْعَقْدُ حِينَئِذٍ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَرَاجَ يُعَلَّلُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْمِلْكِ وَبَعْدَهُ بِالضَّمَانِ وَالْمِلْكِ جَمِيعًا ، وَاقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَأَقْطَعُ لِطَلَبِهِ وَاسْتِبْعَادِهِ أَنَّ الْخَرَاجَ لِلْمُشْتَرِي ( يَبْذُلُهُ ) ، ( فَقِيلَ لَهُ ) إنَّ الْغُنْمَ فِي مُقَابَلَةِ الْغُرْمِ .
الثَّانِي : لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ ( الضَّمَانَ ) لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الزَّوَائِدُ لِلْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَمَانِ غَيْرِهِ ، وَمَتَى كَانَتْ الْعِلَّةُ أَشَدَّ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا أَوْلَى وَبِهَذَا اُحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) ( فِي ) أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ .
وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْمِلْكِ وَجَعَلَ الْخَرَاجَ لِمَنْ هُوَ مَالِكُهُ إذَا تَلِفَ } ( تَلِفَ ) عَلَى مِلْكِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْخَرَاجَ هُوَ الْمَنَافِعُ جَعَلَهَا لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ ، بَلْ إذَا أَتْلَفَهَا ، ( فَالْخِلَافُ ) فِي ضَمَانِهَا عَلَيْهِ ، فَلَا يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ ، وَهَذَا جَوَابُ ( الْإِمَامِ ) الشَّافِعِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) .
نَعَمْ ، خَرَجَ عَنْ ( هَذَا
مَسْأَلَةٌ ) ، وَهِيَ مَا لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا ، فَإِنَّ وَلَاءَهُ يَكُونُ ( لِابْنِهَا ) ، وَلَوْ جَنَى ( جِنَايَةً ) خَطَأً فَالْعَقْلُ عَلَى عَصَبَتِهَا دُونَهُ وَقَدْ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ الْعَصَبَاتِ يَعْقِلُ وَلَا يَرِثُ .
الْخُطَبُ اثْنَتَا عَشْرَةَ أَرْبَعٌ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَرْبَعٌ فِي الْحَجِّ ، وَأَرْبَعٌ فِي النِّكَاحِ .
فَالْأُوَلُ : خُطْبَتَا الْجُمُعَةِ وَهُمَا فَرْضَانِ ، وَخُطْبَتَا الْعِيدَيْنِ ، وَهُمَا سُنَّةٌ ، وَكَذَلِكَ خُطْبَتَا الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَكُلُّهَا مَثْنَى إلَّا الْكُسُوفَ فَتُجْزِئُ ( فِيهَا ) وَاحِدَةٌ عَلَى النَّصِّ ، حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ .
وَالثَّانِي : يَوْمَ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَهِيَ فَرْدَةٌ ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ بِمِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ ( خُطْبَتَيْنِ ) قَبْلَ الظُّهْرِ وَخُطْبَةٌ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ .
( وَخُطْبَةُ يَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْجَمْعِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ) ، إلَّا خُطْبَةَ عَرَفَةَ ، فَإِنَّهَا قَبْلَهَا كَالْجُمُعَةِ .
وَالثَّالِثُ : الْخُطْبَةُ عِنْدَ الْخِطْبَةِ ، وَعِنْدَ إجَابَةِ الْوَلِيِّ وَعِنْدَ الْعَقْدِ وَخُطْبَةُ الزَّوْجِ عِنْدَ الْقَبُولِ ، وَأَغْرَبَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي كِتَابِ الْأَعْدَادِ ، فَقَالَ : كُلُّهَا سُنَّةٌ ، إلَّا الْجُمُعَةُ وَخُطْبَةُ عَرَفَةَ ( فَهُمَا فَرْضٌ يُفْعَلَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ ) وَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ ( الْعِيدِ كُلُّهَا ) ( تَتَعَقَّبُ ) الصَّلَاةَ ، إلَّا الْجُمُعَةَ وَعَرَفَةَ قَالَ وَمَا يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ وَاجِبٌ ، وَمَا يَتَعَقَّبُهَا سُنَّةٌ .
الْخَطَأُ يَرْفَعُ الْإِثْمَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ } ، أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ الْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ فِيهَا سَوَاءٌ ، وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْخَطَأِ فِي الْعِبَادَةِ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَضَاءِ ، إنْ لَمْ يُؤْمَنْ ( وُقُوعُ ) مِثْلِهِ فِي الْمَفْعُولِ ثَانِيًا ، كَمَا لَوْ أَخْطَأَ الْحَجِيجُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَوَقَفُوا الْعَاشِرَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا يُؤْمَنُ فِي السِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ .
وَمِثْلُهُ الْأَكْلُ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا وَمُفْسِدُ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ ، إذَا أَفْسَدَ الْقَضَاءَ بِالْجِمَاعِ ، لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ قَضَاءٍ وَاحِدٍ .
وَلَوْ اجْتَهَدُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَحْرَمُوا ، ثُمَّ بَانَ الْخَطَأُ عَامًّا ، فَهَلْ يَنْعَقِدُ حَجًّا كَمَا لَوْ وَقَفُوا الْعَاشِرَ ( أَوْ عُمْرَةً ) ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ ، أَمَّا إذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ، فَلَا يَكُونُ الْخَطَأُ عُذْرًا فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ ، كَمَا إذَا أَخْطَأَ الْحَجِيجُ فِي الْمَوْقِفِ فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ عَرَفَةَ ، فَيَلْزَمُهُمْ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ كَانُوا جَمْعًا كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا ، قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الْمَوْقِفِ يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ .
وَكَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ يَجِدُ النَّصَّ بِخِلَافِهِ ، لَا يُعْتَدُّ بِحُكْمِهِ .
وَلَوْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي أَوَانِ أَوْ ثِيَابٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الَّذِي ( تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ لَبِسَهُ ) كَانَ نَجِسًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ .
وَلَوْ صَلَّى بِنَجِسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ ، وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ ، وَلَوْ صَلَّتْ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ ، وَكَانَ لَهَا سُتْرَةٌ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ ، إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَوْلَانِ ، كَالَّتِي قَبْلَهَا .
وَلَوْ
تَرَكَ الْفَاتِحَةَ نَاسِيًا وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ وَلَوْ أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ جَامَعَ بِاجْتِهَادٍ مُعْتَقِدًا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ ، وَكَانَ قَدْ ( طَلَعَ ) ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ وَلَمْ ( تَغْرُبْ ) لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ ( أَوْ اجْتَهَدَ ) فِي الصِّيَامِ فَوَافَقَ شَعْبَانَ وَتَبَيَّنَ الْحَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ ، لِكَوْنِهِ مَعْضُوبًا فَبَرِئَ ، أَوْ غَلِطُوا ( فَوَقَفُوا ) بِعَرَفَةَ الثَّامِنَ ، أَوْ رَأَوْا سَوَادًا ( فَظَنُّوهُ ) عَدُوًّا ، فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ لِمَنْ ظَنَّهُ فَقِيرًا ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ ( قَوْلَانِ وَبَعْضُهُ مُرَتَّبٌ عَلَى بَعْضٍ أَوْ أَقْوَى ، وَالصَّحِيحُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ ) .
الْخَلْطُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْلَافِ وَلِهَذَا لَوْ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَالِهِ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ ضَمِنَ .
وَلَوْ غَصَبَ حِنْطَةً أَوْ زَيْتًا وَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا فَهُوَ إهْلَاكٌ ، حَتَّى يَنْتَقِلَ ( ذَلِكَ ) الْمَالُ إلَيْهِ وَيَتَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلُهُ ، وَحِينَئِذٍ فَيَضْمَنُ ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ هَلَاكًا فِي ( الْفَلَسِ ) ، فَإِذَا خَلَطَ الْمُشْتَرِي صَاعُ ( الْبَائِعِ ) بِصَاعٍ مِثْلِهِ ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ أَخَذَ الْبَائِعُ صَاعًا مِنْهُ مُقَدَّمًا عَلَى الْغُرَمَاءِ وَلَمْ يَسْلُكُوا بِهِ فِي الْبَيْعِ مَسْلَكَ الْغَصْبِ ، وَلَا الْفَلَسِ ، بَلْ جَعَلُوهُ ( تَعْيِيبًا ) ، فَقَالُوا : لَوْ بَاعَ فَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ ( الْمَبِيعِ ) ، وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي .
وَلَوْ اخْتَلَطَ الثَّوْبُ بِأَمْثَالِهِ وَالشَّاةُ الْمَبِيعَةُ بِأَمْثَالِهَا ، فَالصَّحِيحُ الِانْفِسَاخُ .
وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ ، لَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ أَوْ حِنْطَةً مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَيْئًا مُعَيَّنًا ، ثُمَّ خَلَطَ الْجَمِيعَ ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ ، ثُمَّ فَرَّقَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الْمَخْلُوطِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ يَحِلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرُ حَقِّهِ ، وَإِنْ ( فَرَّقَ ) عَلَى بَعْضِهِمْ لَزِمَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ أَنْ يُقَسِّمَ الْقَدْرَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ( الْبَاقِينَ ) بِالنِّسْبَةِ إلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرَكًا لَا مُسْتَهْلَكًا .
وَلَوْ أَوْصَى بِحِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، ثُمَّ خَلَطَهَا كَانَ رُجُوعًا فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ إنْ خَلَطَ بِأَجْوَدَ فَرُجُوعٌ .
وَلَوْ أَوْصَى بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ ، ثُمَّ خَلَطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا فَرُجُوعٌ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ بِالْخَلْطِ زِيَادَةً لَمْ يَرْضَ بِتَسْلِيمِهَا ، أَوْ بِمِثْلِهَا فَلَا إذْ الْمُوصَى بِهِ كَانَ مُشَاعًا ، فَلَا تَضُرُّهُ زِيَادَةُ الْخَلْطِ وَكَذَا بِأَرْدَأَ فِي الْأَصَحِّ .
وَفِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ لِلْمَرْعَشِيِّ ، ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ ، لَوْ خَلَطَ
الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا ( كَذَلِكَ ) وَهُوَ عِنْدِي جَائِزٌ ، لِإِمْكَانِ تَمْيِيزِهَا ، وَإِنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ ( مِنْهُمَا ) بَقِيَّةً ، وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ فِضَّةً مُخْتَلِطَةً بِشَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ مَجْهُولٌ فَهُوَ كَتُرَابِ الْمَعْدِنِ الَّذِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهِ ، وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَنْعِ الْمُعَامَلَةِ بِالْمَغْشُوشِ .
الْخُلْفُ فِي الصِّفَةِ ( هَلْ ) يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ ( خُلْفِ ) الْعَيْنِ الضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ مَا قَامَ الْوَصْفُ فِيهِ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ كَالنِّكَاحِ ، فَإِذَا شَرَطَ فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَصْفَ إسْلَامٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ فَأَخْلَفَ فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ ، وَيَتَخَيَّرُ إنْ بَانَ دُونَ الْمَشْرُوطِ .
وَأَمَّا مَا لَا يُغْنِي فِيهِ الْوَصْفُ عَنْ الرُّؤْيَةِ كَالْبَيْعِ ، فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ خُلْفِ الْعَيْنِ قَطْعًا ، فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ أَنَّهُ كَاتِبٌ ، فَبَانَ خِلَافَهُ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ قَطْعًا ، وَلَكِنْ يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ ، وَمِنْ ذَلِكَ بَدَلُ الْخُلْعِ ، فَإِذَا قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ الْمَرْوِيِّ ، أَوْ عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ ، وَكَانَ هَرَوِيًّا فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ ، قَالَ الْإِمَامُ ، وَقَطَعَ الْأَئِمَّةُ أَجْوِبَتَهُمْ بِهِ ، فَإِنَّ الْفُرْقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ، وَلَا نَظَرَ إلَى خُلْفِ الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى هَذَا الْخَلِّ أَوْ هَذَا الْعَبْدِ فَبَانَ خَمْرًا أَوْ حُرًّا ، فَالْفُرْقَةُ وَاقِعَةٌ ، فَإِذَا كَانَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَالِيَّةِ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ ، فَخُلْفُ الصِّفَةِ أَوْلَى .
وَمِنْ هَا هُنَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ( السَّرَخْسِيِّ ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ لِحَاظِ أَنَّ الْخُلْفَ فِي الصِّفَةِ هَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ خُلْفِ الْعَيْنِ أَمْ لَا .
وَمِنْهَا ، لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ ( عَمْدًا ، فَأَقَرَّ ) بِالْقَتْلِ وَنَفَى الْعَمْدَ ، فَهَلْ تُغَلَّظُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا : نَعَمْ ، كَمَا فِي أَصْلِ الْقَتْلِ .
وَالثَّانِي : لَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ آكَدُ مِنْ الصِّفَةِ ، فَإِذَا حَلَفَ فَهَلْ لِلْمُدَّعِي طَلَبُ الدِّيَةِ ، قَالَ الْمُتَوَلِّي : فِيهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً ( أَمْ ) تَلَقِّيًا ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ الدِّيَةِ ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْخُلْفَ فِي
الصِّفَةِ ، هَلْ هُوَ كَالْخُلْفِ فِي الْمَوْصُوفِ ، وَفِيهِ قَوْلَانِ مِنْ النِّكَاحِ ، إنْ قُلْنَا نَعَمْ فَكَأَنَّهُ ادَّعَى مَالًا وَاعْتَرَفَ بِمَالٍ آخَرَ لَا يَدَّعِيهِ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا ، طَالَبَ بِالدِّيَةِ ، وَنَازَعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ .
أَمَّا اخْتِلَافُ الْجِنْسِ ، فَهَلْ هُوَ ( كَاخْتِلَافِ ) الْعَيْنِ أَوْ الصِّفَةِ ؟ وَجْهَانِ ، أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ .
وَلِهَذَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّهُ كَتَّانٌ فَبَانَ قُطْنًا ( أَوْ عَكْسَهُ ) فَالْأَصَحُّ فَسَادُ الْعِوَضِ لِمَا ( ذَكَرْنَاهُ ) فَأَشْبَهَ مَا لَوْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ فَقَبَضَ أَمَةً قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَؤُلَاءِ قَالُوا : لَوْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ كَتَّانٌ فَبَانَ قُطْنًا فَسَدَ الْبَيْعُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلْعِوَضِ يُصَحِّحُ صُورَةَ الْبَيْعِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَلَوْ رَدَّ الْعَقْدَ فِي الصَّرْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ ، وَخَرَّجَ أَحَدُهُمَا نُحَاسًا بَطَلَ الْعَقْدُ ، وَقِيلَ لَا تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ ، وَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ( إذَا ) اشْتَرَى زُجَاجَةً ظَنَّهَا جَوْهَرَةً يَصِحُّ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ .
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْجِهَةِ فَلَا يَضُرُّ عَلَى الْمَذْهَبِ ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ ، فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتَ أَعْتَقْت هَذَا الْعَبْدَ فَأَنْكَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَذَكَرَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ الرَّاكِبُ أَعَرْتنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ ، وَقَالَ الْمَالِكُ ( غَصَبْتهَا ) خَرَّجَهُ الْبَغَوِيّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْجِهَةِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ لَا يُخَرَّجُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مُتَّحِدَةٌ ، وَلَا أَثَرَ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْجِهَةِ مَعَ اتِّحَادِ الْعَيْنِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عَنْ ضَمَانٍ فَقَالَ الْمُقِرُّ لَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ وَاخْتِلَافُ الْجِهَةِ لَا يَمْنَعُ ( الْأَخْذَ ) ، لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ صَحَّحَ فِيمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ ، وَآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ عَنْ قَرْضٍ عَدَمَ اللُّزُومِ وَبَنَاهُ عَلَى مَسْأَلَةِ
الْإِقْرَارِ ، وَهُوَ بِنَاءٌ لَا يَصِحُّ ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي صُورَةِ الشَّهَادَةِ عَدَمُ تَوَارُدِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ .
الْخِلَافُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِاجْتِنَابِ مَا اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهِ وَفِعْلِ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ ، إنْ قُلْنَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُصِيبُ ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا كَانَ يُجَوِّزُ خِلَافَ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَنَظَرَ فِي مُتَمَسِّكِ مُخَالِفِهِ ، فَرَأَى لَهُ مَوْقِعًا ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاعِيَهُ عَلَى وَجْهٍ ، وَكَذَا الْخِلَافُ بَيْنَ الْمُجْتَهِدَيْنِ ، إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا إمَامًا لِمَا فِي الْمُخَالَفَةِ مِنْ الْخُرُوجِ ( عَلَى ) الْأَئِمَّةِ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) أَنَّهُ عَابَ عَلَى عُثْمَانَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) صَلَاتَهُ بِمِنًى أَرْبَعًا وَصَلَّى مَعَهُ ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : الْخِلَافُ شَرٌّ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ أَطْلَقَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْأَصْحَابِ ، قِيلَ وَيَعْنِي بِهِ ( ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ ) أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ حَيْثُ وَقَعَ أَفْضَلُ مِنْ التَّوَرُّطِ فِيهِ ، وَلَيْسَ كَمَا أَطْلَقَهُ ، بَلْ الْخِلَافُ أَقْسَامٌ .
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فَالْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ ( بِالِاجْتِنَابِ ) أَفْضَلُ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَالْإِيجَابِ ، فَالْفِعْلُ أَفْضَلُ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الشَّرْعِيَّةِ ، كَقِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ ، فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَاجِبَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) ، ( وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْحَدِيثِ ) ، فَإِنَّهَا سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) وَأَنْكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، " فَالْفِعْلُ أَفْضَلُ " .
قَالَ وَالضَّابِطُ أَنَّ مَأْخَذَ الْخِلَافِ ، إنْ كَانَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ ، فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِمَّا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِمِثْلِهِ ، وَإِنْ تَقَارَبَتْ الْأَدِلَّةُ ،
بِحَيْثُ لَا يَبْعُدُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ كُلَّ الْبُعْدِ ، فَهَذَا مِمَّا يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْهُ حَذَرًا مِنْ كَوْنِ الصَّوَابِ مَعَ الْخَصْمِ انْتَهَى .
قُلْت : لِمُرَاعَاتِهِ شُرُوطٌ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُ الْمُخَالِفِ قَوِيًّا ، فَإِنْ كَانَ وَاهِيًا لَمْ " يُرَاعَ " - كَالرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَنْكَرَهَا وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا لَا يَصِحُّ لَهَا مُسْتَنَدٌ ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُعَارِضَةٌ لَهَا ، وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ " عَطَاءٍ " مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الْجَوَارِي بِالْعَارِيَّةِ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ : إنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ ، " ؛ لِأَنَّهُمْ " لَمْ يُصَحِّحُوا النَّقْلَ عَنْهُ " فَإِنَّا " نَقُولُ وَلَوْ صَحَّ فَشُبْهَتُهُ " ضَعِيفَةٌ ، لَا أَثَرَ لَهَا " ، فَإِنَّ الْأَبْضَاعَ لَا تُبَاحُ بِالْإِذْنِ ، كَمَا فِي بِضْعِ الْحُرَّةِ فَصَارَ كَشُبْهَةِ الْحَنَفِيِّ فِي النَّبِيذِ ، فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا ، وَسَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَذَاهِبِ السَّالِفَةِ ، كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ فِي مَذْهَبِنَا كَخِلَافِ الْإِصْطَخْرِيِّ فِي تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ وَقَوْلُهُ إنَّمَا حُرِّمَ لِقُرْبِ عَهْدِ النَّاسِ " بِالْأَصْنَامِ " .
وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقَفَّالِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ ، وَأَنَّ ضَعْفَ الْمَأْخَذِ إذَا كَانَ فِيهِ احْتِيَاطٌ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ ، إذَا نَقَصَ " مِنْ " " الْقُلَّتَانِ " شَيْءٌ يَسِيرٌ " وَوَقَعَ فِيهِمَا " نَجَاسَةٌ ، قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يَقُولُ الْقُلَّتَيْنِ خَمْسُمِائَةِ " رَطْلٍ " تَحْدِيدًا ، فَإِذَا نَقَصَ شَيْءٌ وَوَقَعَ فِيهَا نَجَسٌ تَأَثَّرَتْ وَحِينَئِذٍ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ يَقْضِي بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّجَاسَةِ ، وَكَأَنَّهُ رَأَى اسْتِحْبَابَ الْإِعَادَةِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ .
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ يُسْتَحَبُّ " التَّحْجِيلُ " فِي التَّيَمُّمِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ " الْأَزْهَرِيِّ " ، مَسْحَ جَمِيعِ " الْيَدِ " وَاجِبٌ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ
عَنْ الْخِلَافِ ، هَذَا مَعَ ثُبُوتِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالِاقْتِصَادِ عَلَى الْكَفَّيْنِ .
الثَّانِي : أَنْ لَا تُؤَدِّيَ مُرَاعَاتُهُ إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ ، كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ أُذُنَيْهِ مَعَ الْوَجْهِ وَيَمْسَحُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ وَيُفْرِدُهُمَا بِالْغَسْلِ مُرَاعَاةً لِمَنْ قَالَ إنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ فَوَقَعَ فِي خِلَافِ الْإِجْمَاعِ ، " إذْ " لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْجَمْعِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَنْ غَلَّطَهُ فِي ذَلِكَ فَغَالَطَ ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " وَالْأَصْحَابَ اسْتَحَبُّوا غَسْلَ " النَّزْعَتَيْنِ " مَعَ الْوَجْهِ مَعَ أَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ فِي الرَّأْسِ أَيْ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْوَجْهِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ " بِوُجُوبِ " غَسْلِهِمَا وَمَسْحِهِمَا ، وَمَعَ ذَلِكَ اسْتَحَبُّوهُ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ مُمْكِنًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَلَا يُتْرَكُ الرَّاجِحُ عِنْدَ مُعْتَقَدِهِ لِمُرَاعَاةِ الْمَرْجُوحِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُدُولٌ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ اتِّبَاعِ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ قَطْعًا .
وَمِثَالُهُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ الْجَامِعِ فِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ ، لَا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ أَهْلَ الْقُرَى إذَا بَلَغَتْ الْعَدَدَ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُمْ ، وَلَا " يَجْزِيهِمْ " الظُّهْرُ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ .
وَمِثْلُهَا أَيْضًا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إنَّ مَنْ تَقَدَّمَ الْإِمَامَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا ، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِهَذَا الْوَجْهِ ، لَا يُمْكِنُ مَعَهُ مُرَاعَاةُ الْقَائِلِ بِأَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ مَرَّتَيْنِ مُبْطِلٌ ، إلَّا أَنْ يَخُصَّ الْبُطْلَانَ بِغَيْرِ " الْعُذْرِ " .
" وَمِثْلُهَا " أَيْضًا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ ، وَقَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ
أَصْحَابِنَا إنَّ هَذَا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ مُطْلَقًا وَيَصِيرُ بَعْدَهُ قَضَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا وَجْهًا ضَعِيفًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِهِمَا جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ الصُّبْحُ ، فَإِنَّ عِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ " أَنْ " يَخْرُجَ وَقْتُ الْجَوَازِ بِالْأَسْفَارِ وَذَلِكَ الْوَقْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " هُوَ الْأَفْضَلُ قُلْت يُمْكِنُ " بِفِعْلِهَا " مَرَّتَيْنِ فِي الْوَقْتَيْنِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَضْعُفُ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ ، إذَا أَدَّى " الْمَنْعَ " مِنْ الْعِبَادَةِ لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ بِالْكَرَاهَةِ أَوْ الْمَنْعِ كَالْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتَكَرَّرُ فِي السَّنَةِ ، وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إنَّهَا تُكْرَهُ " لِلْمُقِيمِ بِمَكَّةَ " فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَلَيْسَ التَّمَتُّعُ مَشْرُوعًا لَهُ وَرُبَّمَا قَالُوا إنَّهَا تُحَرَّمُ فَلَا يَنْبَغِي لِلشَّافِعِيِّ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ ، لِضَعْفِ مَأْخَذِ الْقَوْلَيْنِ ، وَلِمَا يُفَوِّتُهُ مِنْ كَثْرَةِ الِاعْتِمَارِ ، وَهُوَ مِنْ الْقُرُبَاتِ الْفَاضِلَةِ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَيَنْبَغِي الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ زِيَادَةُ تَعَبُّدٍ كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ يَجِبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِنْشَاقُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِ كَلْبٍ ثَمَانِي مَرَّاتٍ وَالْغَسْلُ مِنْ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ ثَلَاثًا " لِخِلَافِ " أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَسَبْعًا لِخِلَافِ أَحْمَدَ ، وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِخِلَافِ أَحْمَدَ فِي وُجُوبِهَا ، وَالتَّبْيِيتُ فِي نِيَّةِ صَوْمِ النَّفْلِ فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ " رَحِمَهُ اللَّهُ " وُجُوبُهُ ، وَإِتْيَانُ الْقَارِنِ بِطَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ مُرَاعَاةً لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " ، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ؛ لِأَنَّ مَالِكًا ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) يُوجِبُهَا وَكَذَلِكَ التَّنَزُّهُ عَنْ بَيْعِ الْعِينَةِ وَنَحْوُهُ " مِنْ " الْعُقُودِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا
.
وَأَصْلُ هَذَا الِاحْتِيَاطِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ : فَأَمَّا أَنَا فَأُحِبُّ أَنْ لَا أَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا عَلَى نَفْسِي .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَفْتَى بِمَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ عِنْدَهُ عَلَيْهِ أَيْ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ اخْتِيَارًا لَهَا ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَرَادَ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمَرِيضِ الْقَاعِدِ قَائِمًا الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ صَحِيحًا يُصَلِّي بِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَكَقَوْلِهِ إذَا حَلَفَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَفِّرَ بِالْمَالِ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَقَدْ أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ شَرَطَ لِلْقَصْرِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ فَكَانَ يَنْبَغِي اعْتِبَارُهُ وَالْجَوَابُ ضَعْفُ دَلِيلَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَقُوَّةُ دَلِيلِهَا .
وَمِنْ هُنَا كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ لِلْمُسَافِرِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ " بِهِ " وَإِنْ كَانَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَرَوْنَهُ جَائِزًا إذْ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُمْ فِيمَا ضَعُفَ مَأْخَذُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ إنَّ الشَّافِعِيَّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اعْتَبَرَ خِلَافَ " دَاوُد " فِي الْكِتَابَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ فَقَدْ " غَلَّطَهُ " فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَإِنَّ دَاوُد لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ الشَّافِعِيِّ " رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ " .
قُلْت : إنَّمَا أَرَادَ دَاوُد بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارَ " " أَحَدَ أَشْيَاخِ " الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " سَمِعْت ذَلِكَ " عَنْ " بَعْضِ الْأَشْيَاخِ .
سُؤَالٌ : " لِمَ اعْتَبَرْتُمْ " الْخِلَافَ وَإِنْ وَهِيَ عَلَى رَأْيٍ ضَعِيفٍ فِي مَسْأَلَةِ عَطَاءٍ فِي إبَاحَةِ الْجَوَارِي فَلَمْ تُوجِبُوا الْحَدَّ عَلَى وَجْهٍ وَلَمْ تَعْتَبِرُوا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ بَلْ أَوْجَبْتُمْ الْقِصَاصَ جَزْمًا فَهَلَّا أَجْرَيْتُمْ خِلَافًا كَمَا أَجْرَيْتُمْ
فِي مَسْأَلَةِ عَطَاءٍ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ .
وَأَجَابَ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ بِأَنَّ عَطَاءً أَجَلُّ مِنْ الْمُخَالِفِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُثْقَلِ فَمِنْ ثَمَّ اُعْتُبِرَ عَلَى رَأْيٍ وَإِنْ ضَعُفَ وَهَذَا جِوَابُ بِالْجَاهِ فَإِنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى الْقَائِلِينَ وَإِنَّمَا نَنْظُرُ إلَى الْأَقْوَالِ وَمَآخِذِهَا .
" وَإِنَّمَا الْجَوَابُ " أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " لَمْ يَقُلْ بِحِلِّ قَتْلِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالْمُثْقَلِ بَلْ هُوَ عِنْدَهُ عَظِيمٌ مِنْ الْوِزْرِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِهِ وَعَطَاءٌ أَبَاحَ الْجَوَارِي بِالْعَارِيَّةِ فَلَوْ أَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " فِي الْمُثْقَلِ مَا أَبَاحَهُ عَطَاءٌ فِي الْجَوَارِي لَرُوعِيَ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافِقٌ لَنَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَمَنْ عَلِمَ حُرْمَةَ شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ لَمْ يَنْفَعْهُ جَهْلٌ بِالْحَدِّ بِخِلَافِ مَنْ جَهِلَ الْحُرْمَةَ أَوْ يُنَازِعُ فِيهَا .
فَائِدَةٌ : قَالُوا يَجِبُ الْحَدُّ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إنْ صَحَّ رُجُوعُ " ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " لِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ نَقَلُوا عَنْ " زُفَرَ " " رَحِمَهُ اللَّهُ " أَنَّهُ أَلْغَى التَّأْقِيتَ وَصَحَّحَ النِّكَاحَ مُؤَبَّدًا فَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِذَلِكَ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّهُ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ السَّلَفِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ الرُّجُوعُ فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ رُجُوعَ ابْنِ عَبَّاسٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " فَقَدْ أَجْمَعُوا بَعْدَهُ عَلَى بُطْلَانِهَا .
فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ عَصْرٍ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ ثُمَّ اتَّفَقَ مَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ ( وَجَبَ ) الْحَدُّ وَإِلَّا فَلَا كَالْوَطْءِ فِي سَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَقَدْ يُقَالُ فِي الْجَزْمِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُحَقَّقٌ وَإِنْ ادَّعَى
الْأَوَّلُ نَفْيَهُ .
وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إذَا أَذِنَ " الرَّاهِنُ " لِلْمُرْتَهِنِ فِي وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ فَوَطِئَهَا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ قِيلَ لَا يُحَدُّ لِخِلَافِ عَطَاءٍ .
وَالصَّحِيحُ وُجُوبُهُ فَقِيلَ إنَّ هَذَا يَبْطُلُ " بِنِكَاحِ " الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْوَطْءِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ قَائِلٌ الْيَوْمَ فَقَالَ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِهِ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِ الْخِلَافِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْأَخْبَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ هَذَا .
قِيلَ لَهُ : فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَبَيْنَ شُرْبِ الْمُسْكِرِ حَيْثُ أُوجِبَ الْحَدُّ هُنَاكَ وَلَمْ يُوجَبْ هَا هُنَا فَقَالَ : ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَاكَ وَقَعَ فِي الْحَدِّ ، وَالْخِلَافُ فِي الْحَدِّ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ كَمَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْخِلَافِ كَذَا هَا هُنَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَقَعَ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ الْوَطْءِ وَفِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ قِيلَ لَهُ وَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ شُرْبَهُ مُبَاحٌ أَمْ لَا فَعِنْدَنَا لَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " مُبَاحٌ ، فَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ بِشَيْءٍ .
وَكَتَبَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ دُوَيْرٌ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْحَاشِيَةِ جَوَابًا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ فَقَالَ : حَدُّ الْخَمْرِ لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْعَقْلِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمَفَاسِدِ وَالْقَلِيلُ يَدْعُو إلَى الْكَثْرَةِ الْمُفْسِدَةِ فَزُجِرَ عَنْهُ تَأْكِيدًا وَهُوَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَحَدُّ الزِّنَى لِإِفْسَادِ الْفَرْشِ فِي مَوْضِعِ " إتْيَانِ " الْأَمَةِ وَذَلِكَ حُكْمٌ لَمْ يَثْبُتْ هَا هُنَا مَعَ إجَازَةِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مُضَافًا إلَى الشَّرْعِ بِالدَّلِيلِ فَلِذَلِكَ " سَقَطَ " " وَلِهَذَا " لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ .
الثَّانِي : إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ شَيْءٍ فَأَتَى بِهِ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ احْتِيَاطًا كَالْحَنَفِيِّ يَنْوِي فِي الْوُضُوءِ وَيُبَسْمِلُ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يَخْرُجُ مِنْ الْخِلَافِ وَتَصِيرُ الْعِبَادَةُ مِنْهُ صَحِيحَةً بِالْإِجْمَاعِ ؟ قَالَ " الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ " لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ ، وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ " مِمَّنْ يُخَالِفُهُ " لَا تَكُونُ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بَلْ يَخْرُجُ لِأَجَلِ وُجُودِ الْفِعْلِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ حَنَفِيٌّ هَذَا حَالُهُ وَآخَرُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ فَالصَّلَاةُ خَلْفَ الثَّانِي أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْخِلَافِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ قَلَّدَ فِيهِ " فَكَذَلِكَ " لِلْخِلَافِ فِي امْتِنَاعِ التَّقْلِيدِ .
فَإِنْ قِيلَ هَلْ مِنْ طَرِيقٍ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ .
قُلْت قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ إيجَابِهِ لَا يَكْفِي عَلَى رَأْيٍ ، وَتَقْلِيدُ مَنْ يَرَى الْوُجُوبَ " فِيهِ " وَاعْتِقَادَ " حَقِيقَتِهِ " لَا يَكْفِي أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَذَاهِبِ خِلَافٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّرَ فِعْلَ ذَلِكَ لِيَقَعَ وَاجِبًا وَلَوْ مَسَحَ الشَّافِعِيُّ جَمِيعَ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ وَصَلَّى خَلْفَهُ الْمَالِكِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْخِلَافِ وَلَا يَجْرِي فِيهِ خِلَافُ أَبِي إِسْحَاقَ لِأَمْرَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ إذَا مَسَحَ الْجَمِيعَ يَقَعُ وَاجِبًا عَلَى رَأْيٍ عِنْدَنَا .
الثَّانِي : أَنَّ " الْإِمَامَ " الشَّافِعِيَّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " " بَدَأَ " فِي " نِيَّةِ " الْوُضُوءِ بِإِجْمَاعٍ وَهَذِهِ النِّيَّةُ اقْتَضَتْ عِنْدَ مَالِكٍ " رَحِمَهُ اللَّهُ ، " وُجُوبَ مَسْحِ الرَّأْسِ فَوَقَعَ مَسْحُ الرَّأْسِ بِنِيَّةٍ وَاجِبَةٍ ؛ لِأَنَّ تَفْصِيلَ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ " غَيْرُ " وَاجِبٍ لِدُخُولِهِ فِي النِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَظَهَرَ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ خَرَجَ مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ " رَحِمَهُ اللَّهُ "
وَإِنْ اعْتَقَدَ النَّدْبَ فِي مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ .
" نَعَمْ " يَنْبَغِي أَنْ يَمْسَحَ الْجَمِيعَ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ ، فَإِنْ مَسَحَ بِنِيَّةِ النَّدْبِ كَانَ صَارِفًا عَنْ وُقُوعِهِ عَنْ الْإِيجَابِ عِنْدَ مَالِكٍ " رَحِمَهُ اللَّهُ " .
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ يَقْتَضِي مُوَافَقَةَ الْأُسْتَاذِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ اخْتِيَارِي أَنْ أُوتِرَ بِرَكْعَةٍ .
فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَيَكُونَ احْتِيَاطًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ " رَحِمَهُ اللَّهُ " فِي الْقَصْرِ فِي " ثَلَاثٍ " قُلْنَا : هَذَا لَا يُشْبِهُ ذَاكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ وَقَعَدَ فِي " الثَّانِيَةِ " لِلتَّشَهُّدِ كَمَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " لَا يَكُونُ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّعَ وَإِنْ اتَّفَقَ الْفِعْلَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ " رَحِمَهُ اللَّهُ " يُؤَدِّي الْوِتْرَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ نَوَى بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الْوِتْرَ فَقَطْ لَا يَكُونُ أَيْضًا خُرُوجًا بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ وَإِنْ نَوَى الْوِتْرَ لَا يَكُونُ ( تَامًّا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْخِلَافِ لِتَضَادِّ الِاعْتِقَادِ وَفِيمَا دُونَ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ الْإِتْمَامُ ) أَوْلَى مِنْ الْقَصْرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ ، وَإِذَا بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ حِينَئِذٍ نَأْمُرُهُ بِالْقَصْرِ فَيَنْتَقِلُ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ بِيَقِينٍ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْإِنْكَارَ مِنْ الْمُنْكِرِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا " اُجْتُمِعَ " عَلَيْهِ فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إنْكَارَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ ، أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلَا نَعْلَمُهُ ، وَلَمْ يَزَلْ " الْخِلَافُ " بَيْنَ السَّلَفِ فِي الْفُرُوعِ وَلَا يُنْكِرُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا وَهَذَا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ لَا يَرَى تَحْرِيمَهُ فَإِنْ كَانَ يَرَاهُ فَالْأَصَحُّ الْإِنْكَارُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَلِيمَةِ .
فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ شَرِبَ الْحَنَفِيُّ النَّبِيذَ حَدَدْنَاهُ وَأَيُّ إنْكَارٍ أَعْظَمُ مِنْ الْحَدِّ ، قُلْنَا : لِأَنَّ الْحَدَّ إلَى الْإِمَامِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ عَقِيدَتُهُ وَالْإِنْكَارُ " يَعْتَمِدُهُ " عَقِيدَةُ الْفَاعِلِ وَلِهَذَا لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ .