كتاب : المنثور في القواعد
المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
وَكَذَلِكَ فُرْقَةُ اللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ عَلَى قَوْلٍ .
الرَّابِعُ : اللِّعَانُ .
الْخَامِسُ : الرَّضَاعُ .
السَّادِسُ : السَّبْيُ " فَإِنَّهُ إذَا " سُبِيَ الزَّوْجَانِ الْحُرَّانِ أَوْ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا ، لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِيَّةِ أَحَدُ " فَرْعَيْ " الْمِلْكِ فَزَالَ " بِالسَّبْيِ " كَمِلْكِ الْيَمِينِ ، لِأَنَّهُ " يَحْدُثُ الرِّقُّ " بِالسَّبْيِ بِخِلَافِ " بَيْعِ " الزَّوْجَةِ لَا " يُفْسِخُ " النِّكَاحَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بِهِ رِقٌّ ، " فَإِنْ سُبِيَا وَهُمَا رَقِيقَانِ لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهُمَا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بِهِ رِقٌّ " ، وَقِيلَ : يَنْفَسِخُ اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ مِنْ السَّبْيِ .
وَلَوْ طَرَأَ الرِّقُّ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ قُطِعَ " النِّكَاحُ " فِي الْأَصَحِّ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ نِكَاحُهُ ، وَإِنْ مُنِعَ جَزْمًا " مِنْ " ابْتِدَائِهِ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ ، لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ .
السَّابِعُ : مِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ قُطِعَ النِّكَاحُ ، فَإِنْ فُسِخَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنْ قُلْنَا : لَا يَمْلِكُ أَوْ مَوْقُوفٌ ؛ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا : " يَمْلِكُ " بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَفِي انْفِسَاخِ " النِّكَاحِ " وَجْهَانِ ظَاهِرُ النَّصِّ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ الِانْفِسَاخُ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ .
الثَّامِنُ : إسْلَامُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَتَخَلُّفُ الْآخَرِ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ .
التَّاسِعُ : فُرْقَةُ " الرِّدَّةِ " كَذَلِكَ .
الْعَاشِرُ : " فُرْقَةُ " تَمَجُّسِ الْكِتَابِيَّةِ تَحْتَ مُسْلِمٍ ، إذَا قُلْنَا : إنَّهَا تُقِرُّ عَلَيْهِ .
" تَنْبِيهَاتٌ " : الْأَوَّلُ : تَنْقَسِمُ الْفُرْقَةُ إلَى مَا لَا يُتَوَقَّفُ فِيهِ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ وَلَا أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ الْقَهْرِيُّ ، بَلْ تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ ، وَإِلَى مَا يُتَوَقَّفُ وَهُوَ الِاخْتِيَارِيُّ ثُمَّ تَارَةً
تَكُونُ إلَى الْمَرْأَةِ دُونَ الزَّوْجِ وَالْحَاكِمِ وَهُوَ فُرْقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَالْغَرُورِ وَالْعَيْبِ .
وَتَارَةً تَكُونُ إلَى الزَّوْجِ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ بِلَا سَبَبٍ وَالْغَرُورُ وَالْعَيْبُ أَيْضًا ، وَتَارَةً يَكُونُ لِلْحَاكِمِ فِيهِ مَدْخَلٌ وَهُوَ فُرْقَةُ الْعِنِّينِ وَالْحَكَمَيْنِ وَالْإِيلَاءِ وَالْعَجْزِ عَنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَنِكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْهَا إسْلَامَ الزَّوْجِ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ .
الثَّانِي : كُلُّ فُرْقَةٍ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مُبَاشَرَتُهَا يَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِيهَا إذَا امْتَنَعَ لَا اخْتِيَارُ الزَّوْجَاتِ ، وَكَذَا الْإِيلَاءُ عَلَى قَوْلٍ .
الثَّالِثُ : مِنْ هَذِهِ الْفِرَقِ مَا لَا " يُتَلَافَى " إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَهُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ .
" وَمِنْهَا مَا لَا يُتَلَافَى بِوَجْهٍ وَهُوَ اللِّعَانُ وَالرَّضَاعُ وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ " .
وَمِنْهَا مَا يُتَلَافَى فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَإِسْلَامُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَتَمَجُّسُ النَّصْرَانِيَّةِ إنْ " قِيلَ " بِهِ بِالْإِسْلَامِ فَقَطْ وَبِهِ " أَوْ " بِالْعَوْدِ إلَى دِينِهَا الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلٍ " وَالطَّلَاقُ " دُونَ الثَّلَاثِ بِالرَّجْعَةِ .
الرَّابِعُ : قَالَ صَاحِبُ الْوَشَائِحِ : تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ " وَالْأَجْنَبِيِّ " وَالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَمِنْ غَيْرِ فِعْلٍ وَقَوْلٍ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَهُمَا حَيَّانِ ، فَالْفِعْلُ مِنْ الزَّوْجِ وَطْءُ أُمِّهَا أَوْ بَنَاتِهَا بِشُبْهَةٍ وَمِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ الرَّضَاعُ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَطْءُ " ابْنِهِ وَأَبِيهِ " إيَّاهَا بِشُبْهَةٍ ، وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا ، وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا مَا يَحِلُّ لَهُ بِعَقْدٍ وَهُوَ أَنْ " يُسْبَيَا " أَوْ أَحَدُهُمَا يَحِلُّ لَهُ إنْ اشْتَرَاهَا أَوْ تَزَوَّجَ بِهَا .
وَأَمَّا الْقَوْلُ فَمِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ .
فَأَمَّا " الْأَجْنَبِيُّ " فَهُوَ طَلَاقُ الْحَاكِمِ عَلَى الْمَوْلَى وَطَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ
إذَا قُلْنَا : تَحْكِيمٌ " لَا تَوْكِيلٌ ، " وَمِنْ " الزَّوْجَةِ الْإِسْلَامُ وَالرِّدَّةُ وَشِرَاؤُهَا زَوْجَهَا ، وَالْفَسْخُ بِالْعَيْبِ وَالْعُنَّةُ وَالْإِعْسَارُ بِالنَّفَقَةِ وَإِذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَاخْتَارَتْ .
" وَالْقَوْلُ " مِنْ الزَّوْجِ نَوْعَانِ طَلَاقٌ وَغَيْرُهُ فَالطَّلَاقُ ضُرُوبٌ : مِنْهَا : الْوَاحِدَةُ فِي حَقِّ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَحِلُّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ ، وَمِثْلُهُ الْوَاحِدَةُ وَالثِّنْتَانِ بِعِوَضٍ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي حَقِّ الْحُرِّ ، وَالْوَاحِدَةُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لَا " تَحِلُّ لَهُ " إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ ، وَالِاثْنَتَانِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ " لَا تَحِلُّ " إلَّا بِزَوْجٍ آخَرَ ، " وَالثَّلَاثُ " فِي الْحُرِّ لَا تَحِلُّ " لَهُ " إلَّا بِإِصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ " بِغَيْرِ طَلَاقٍ " " مِنْهُ " ، فَالْإِسْلَامُ وَالرِّدَّةُ وَشِرَاؤُهُ إيَّاهَا .
وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالْخُلْعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَاللِّعَانُ لَا يَحْرُمُ " بِشَيْءٍ " مِنْهُ بِهَذَا إلَّا " فِي اللِّعَانِ " .
وَأَمَّا الْفُرْقَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وَفِعْلٍ مِنْ أَحَدٍ فَهُوَ إذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِإِرْثٍ وَمِمَّا يَفْسَخُ بِهِ الزَّوْجُ " النِّكَاحَ " بِغَيْرِ طَلَاقٍ أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أُخْتَانِ فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا أَوْ وَاحِدَةً مِنْ الْأُخْتَيْنِ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْبَوَاقِي .
الْفَرْضُ لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهِ عِوَضٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِلْجِهَادِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْجِهَادِ تَعُودُ إلَيْهِ فَالْمَنْفَعَةُ حَاصِلَةٌ لَهُ ، وَمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ ، كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهُ " وَخَافَ " هَلَاكَهَا ، إنْ لَمْ يَقْبَلْ قَالَ " صَاحِبُ الْمُرْشِدِ " : لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ أُجْرَةَ الْحِفْظِ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةٍ مَكَانَهَا ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَصْلُ الْقَبُولِ دُونَ إتْلَافِ " مَنْفَعَةِ " نَفْسِهِ " وَحَرَّزَهُ " فِي الْحِفْظِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ .
غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُرْشِدِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ نَفْسَ الْحِفْظِ لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ وَأَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ يَقُولُ : يُؤْخَذُ وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ، وَخَرَّجَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ تَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ فِي جَعْلِهَا صَدَاقًا ، وَنَظَائِرِهَا .
وَلَوْ قَالَ : مَنْ دَلَّنِي عَلَى مَالِي فَلَهُ كَذَا ، فَدَلَّهُ مَنْ الْمَالُ فِي يَدِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ " عَلَيْهِ " بِالشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ ، بِخِلَافِ الرَّدِّ ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْجَعَالَةِ .
وَيُخَالِفُ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَدَلَّهُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فِي الْبَحْثِ عَنْهُ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ : وَإِذَا قُلْنَا : يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى وَضْعِ الْجُذُوعِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ : وَلَوْ دَفَعَ صَاحِبُ الْجِدَارِ إلَى صَاحِبِ الْجِذْعِ عِوَضًا ، لِيُسْقِطَ حَقَّهُ مِنْ الْوَضْعِ جَازَ .
وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَدَاءً شَهَادَةٍ لَهَا عِنْدَهُ أَوْ أَصْدَقَ كِتَابِيَّةً تَلَقَّيْنَ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَصِحَّ ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ .
وَلَوْ خَلَّصَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ بِالْوُقُوعِ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ لَا تَثْبُتُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ .
وَلَوْ كَانَ رَجُلَانِ فِي
بَادِيَةٍ فَمَرِضَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ عَلَى الْآخَرِ تَعَهُّدُهُ .
زَادَ الْإِمَامُ : وَلَا أُجْرَةَ لَهُ .
وَإِذَا وَجَبَ بَذْلُ الْمَاءِ الْفَاضِلِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ .
" وَإِذَا " تَحَمَّلَ شَهَادَةً وَطُلِبَ " أَدَاؤُهَا مِنْهُ " لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ " لِلنَّهْيِ " وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ : إحْدَاهُمَا : عَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ ، وَلَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ .
الثَّانِيَةُ : بَذْلُ الطَّعَامِ " فِي الْمَخْمَصَةِ " وَاجِبٌ وَلَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
وَفَرَّقَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ فِي تَخْلِيصِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ بِأَنَّ هُنَاكَ يَلْزَمُهُ التَّخْلِيصُ بِنَفْسِهِ ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبَ سَوَّى بَيْنَهُمَا ، فَقَالَ : إذَا احْتَمَلَ الْحَالُ فِي الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ تَقْرِيرَ أُجْرَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ تَخْلِيصُهُ ، إلَّا بِهَا كَالْمُضْطَرِّ .
الثَّالِثَةُ : أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِتَعْلِيمِهَا ، فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ ، بِخِلَافِ تَلْقِينِهَا كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَضْعِ الْجِذْعِ ، أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِرْفَاقِ كَبَذْلِ فَضْلِ الْمَاءِ لِلْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَلَا يُؤْخَذُ بَدَلُهُ .
الرَّابِعَةُ : تَعْلِيمُ " الْقُرْآنِ " فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ .
الْخَامِسَةُ : الْقَاضِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ " الْقَضَاءُ " وَهُوَ مُحْتَاجٌ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَتَعَطَّلُ بِالْقَضَاءِ عَنْ الْكَسْبِ ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لَمْ يَجُزْ " لَهُ " ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْأَقْضِيَةِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهُوَ الَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ .
السَّادِسَةُ : لَوْ " أَجَرَهُ " عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ كَالتَّعْلِيمِ وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ صَحَّ ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَصَحِّ .
السَّابِعَةُ : أَرْبَابُ الْحِرَفِ إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِمْ يَعْمَلُونَ
بِالْأُجْرَةِ ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ تَعْلِيمُ الْفَاتِحَةِ لِلْجَاهِلِ بِأُجْرَةٍ .
الثَّامِنَةُ : مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ شَهَادَةٍ وَدُعِيَ إلَيْهَا جَازَ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ " فِي " الْأَصَحِّ ، بِخِلَافِ الْأَدَاءِ لِلتُّهْمَةِ ، أَمَّا لَوْ أَتَاهُ الْمُتَحَمِّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ " عَلَى " قَطْعِ الْمَسَافَةِ لَا عَلَى نَفْسِ التَّحَمُّلِ ، قَالَ الْأَصْحَابُ : وَلَا يَأْخُذُ الشَّاهِدُ الرِّزْقَ عَلَى الشَّهَادَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِاتِّهَامِهِ ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَكَثِيرًا مَا يَسْأَلُ عَنْ التُّهْمَةِ الَّتِي تَحْلِقُ الشَّاهِدَ فِي أَخْذِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَيُجَابُ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ : أَمَّا فِي الْأَدَاءِ فَلِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا فِي التَّحَمُّلِ " فَلَا تُهْمَةَ " إذَا لَمْ يَنْحَصِرُوا " فَجُعِلَ " الرِّزْقُ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ ، وَالْمَجْعُولُ لَهُ لَا يَتِمُّ بِهِ الْمَقْصُودُ فَرَجَحَ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ ، وَوَجْهُ التُّهْمَةِ فِي الْأَدَاءِ ظَاهِرٌ ، وَفِي التَّحَمُّلِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْأَدَاءُ عِنْدَ الطَّلَبِ ، وَإِذَا عُلِمَ مِنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ لَا يَقُومُونَ بِذَلِكَ ، إلَّا بِجُعْلٍ مَعَ أَنَّ مَا يَشْهَدُونَ بِهِ لَا شَيْءَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ تَطَرَّقَ إلَيْهِمْ التُّهْمَةُ بِاحْتِمَالِ " ارْتِشَاءٍ " فَسُدَّ ذَلِكَ الْبَابُ .
قَالَ " وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ " وَالْقَاسِمِ " ؛ لِأَنَّ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا فِي الْغَالِبِ سَبَبُهُ ظَاهِرٌ ، فَإِمَّا أَنْ تُعْدَمَ التُّهْمَةُ أَوْ تَقِلَّ ، " وَفَصَلَ " الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَقَالَ : إنَّ الْجُعْلَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُكْمِ فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ نَظَرٌ ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ " لَهُ " الْأَخْذُ ، وَإِنْ كَانَ " مُكْتَفِيًا " فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَلَوْ أَخَذَ جَازَ ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ ، وَإِنْ كَانَ مُكْتَفِيًا " لَمْ يَجُزْ لِلتَّحَمُّلِ وَلَا
لِلْأَدَاءِ .
وَهَذَا مَا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ .
التَّاسِعَةُ : أَخْذٌ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتَابَةِ الصَّكِّ يَجُوزُ قَطْعًا " إنْ " لَمْ يَتَعَيَّنْ ، وَكَذَا إنْ تَعَيَّنَ فِي الْأَصَحِّ وَقَاسَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى أَخْذِ قِيمَةِ الطَّعَامِ فِي الْمَخْمَصَةِ وَادَّعَى فِي الْبَسِيطِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : هُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ التَّعَيُّنِ .
ضَابِطٌ : أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ .
أَنَّ الْوُجُوبَ إنْ لَاقَى الشَّخْصَ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُ الْأُجْرَةِ لِغَيْرِهِ ، وَإِنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ وَإِصْدَاقِ الْفَاتِحَةِ وَنَظَائِرِهَا فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الْأُجْرَةُ ، وَإِنْ لَمْ يُلَاقِهِ لَمْ يَجُزْ ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْجِذْعِ ، فَإِنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْجِذْعِ ، بَلْ لَهُ عَلَى جَارِهِ ، فَالْوُجُوبُ لَاقَى الْجَارَ أَوَّلًا فَلَا يَأْخُذُ " عَنْهُ عِوَضًا " .
فَرْضُ الْكِفَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : فِي حَقِيقَتِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ هُوَ كُلُّ " مُهِمٍّ " دِينِيٍّ يُرَادُ بِهِ حُصُولُهُ ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ " عَيْنُ " مَنْ يَتَوَلَّاهُ ، فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ فَرْضُ الْعَيْنِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ " دِينِيَّةٌ " وَدُنْيَوِيَّةٌ لَا يَنْتَظِمُ الْأَمْرُ إلَّا بِحُصُولِهَا " فَقَصَدَ " الشَّارِعُ تَحْصِيلَهَا وَلَا يَقْصِدُ تَكْلِيفَ " الْوَاحِدِ وَامْتِحَانَهُ " بِهَا ، بِخِلَافِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّ الْكُلَّ مُكَلَّفُونَ بِهَا مُمْتَحَنُونَ بِتَحْصِيلِهَا .
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَدُنْيَوِيَّةٌ لَا يُوَافِقُ الْغَزَالِيُّ ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الْحِرَفَ وَالصِّنَاعَاتِ وَمَا بِهِ قِوَامُ " الْمَعَاشِ " لَيْسَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ ، لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ خِلَافُهُ .
الثَّانِي : يَنْقَسِمُ إلَى دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ : الْأَوَّلُ الدِّينِيُّ " وَهُوَ " ضَرْبَانِ : مَا يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ .
فَالْأَوَّلُ : " الْقِيَامُ " بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ ، وَإِثْبَاتِ " النُّبُوَّاتِ " ، وَدَفْعِ الشُّبَهِ وَالْمُشْكِلَاتِ ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْقَهْرِيَّةِ بِالسَّيْفِ .
وَالثَّانِي : كَالِاشْتِغَالِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ ، وَالتَّبَحُّرِ فِي ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ { طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَقَالَ " الْحَافِظُ الْمَزِيُّ " لَهُ طُرُقٌ يَبْلُغُ بِهَا دَرَجَةَ الْحَسَنِ .
" وَعَدَّ " الشِّهْرِسْتَانِيّ " فِي كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ الِاجْتِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ ، " قَالَ " : حَتَّى لَوْ اشْتَغَلَ بِتَحْصِيلِهِ وَاحِدٌ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْجَمِيعِ ، وَإِنْ قَصَّرَ فِيهِ أَهْلُ عَصْرٍ عَصَوْا بِتَرْكِهِ وَأَشْرَفُوا عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الِاجْتِهَادِيَّةَ إذَا كَانَتْ مُرَتَّبَةً عَلَى الِاجْتِهَادِ " تُرَتَّبُ " الْمُسَبَّبُ عَلَى السَّبَبِ وَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ كَانَتْ الْأَحْكَامُ عَاطِلَةً ، وَالْآرَاءُ كُلُّهَا مُتَمَاثِلَةً ، فَلَا بُدَّ " إذَنْ " مِنْ مُجْتَهِدٍ .
انْتَهَى .
وَمِنْهُ : " الْقَضَاءُ وَالْفَتْوَى ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ نَهْجِ الشَّرِيعَةِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْفَقِيهِ الْمُفْتِي الْمَنْصُوبِ فِي النَّاحِيَةِ بِالْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ مُلْزَمٌ " مِنْ رَفْعٍ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ " وَالْمُفْتِي يَرْجِعُ إلَيْهِ " الْمُسْلِمُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ الْعَارِضَةِ .
وَمِنْ فُرُوضِ " الْكِفَايَةِ : الِاشْتِغَالُ بِعِلْمِ الطِّبِّ ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ .
وَأُلْحِقَ بِهِ وِفَاقًا لِلْغَزَالِيِّ الْحِسَابُ .
وَمِنْهُ : تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : الْمُخْتَارُ أَنَّهُ " إذَا " أَرَادَ سَفَرًا فَفَرْضُ عَيْنٍ لِكَثْرَةِ الِاشْتِبَاهِ
عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ .
وَمِنْهُ : تَصْنِيفُ كُتُبِ الْعِلْمِ لِمَنْ مَنَحَهُ اللَّهُ " تَعَالَى " فَهْمًا وَاطِّلَاعًا .
وَلَنْ تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مَعَ قِصَرِ أَعْمَارِهَا فِي ازْدِيَادٍ وَتَرَقٍّ فِي الْمَوَاهِبِ ، وَالْعِلْمُ لَا يَحِلُّ كَتْمُهُ ، فَلَوْ تُرِكَ التَّصْنِيفُ لَضُيِّعَ الْعِلْمُ عَلَى النَّاسِ وَقَدْ قَالَ " اللَّهُ " تَعَالَى { وَإِذَا أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } ، وَيُقَالُ : إنَّ فِي التَّوْرَاةِ : عَلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّانًا .
وَمِنْهُ : حُفِظَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ ، وَقَالَ : إنَّ حِفْظَهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ ، وَكَذَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْجَنَائِزِ مِنْ كِتَابِ الشَّافِي ، قَالَ : وَكَذَا تَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ .
وَمِنْهُ : نَقْلُ السُّنَنِ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إذَا نَقَلَهَا مَنْ " فِيهِ " كِفَايَةٌ " سَقَطَ " فَرْضُهُ عَنْ الْبَاقِينَ .
وَمِنْهُ : جِهَادُ النَّفْسِ " قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْبَاجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ : جِهَادُ النَّفْسِ " فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ لِيَرْقَى بِجِهَادِهَا فِي دَرَجَاتِ " الطَّاعَاتِ " وَيَطْهُرُ مَا " اسْتَطَاعَهُ " مِنْ الصِّفَاتِ لِيَقُومَ بِكُلِّ إقْلِيمٍ رَجُلٌ مِنْ " عُلَمَاءِ " أَهْلِ الْبَاطِنِ ، كَمَا يَقُومُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُفِيدُ الْمُسْتَرْشِدَ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ ، فَالْعَالِمُ يُقْتَدَى بِهِ وَالْعَارِفُ يُهْتَدَى بِهِ .
وَهَذَا مَا لَمْ " يَسْتَوْلِ " عَلَى النَّفْسِ طُغْيَانُهَا وَانْهِمَاكُهَا فِي عِصْيَانِهَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ صَارَ جِهَادُهَا فَرْضَ عَيْنٍ بِكُلِّ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اسْتَعَانَ عَلَيْهَا بِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْمَقْصُودُ مِنْ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، وَهُوَ " أَكْبَرُ الْجَهَادَيْنِ " إلَى أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ " تَعَالَى " .
وَمِنْهُ : الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ ، قَالَ
الرَّافِعِيُّ : وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ بِالْوَاجِبَاتِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ .
قُلْت : وَلِهَذَا نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُسْتَحَبِّ مُسْتَحَبٌّ .
وَمِنْهُ : إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالزِّيَارَةِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ صَلَاةٍ " أَوْ اعْتِكَافٍ أَوْ طَوَافٍ " وَفَهِمَ النَّوَوِيُّ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ الِاكْتِفَاءَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَنْ الْحَجِّ وَجَعْلِ الْحَجِّ مُتَعَيَّنًا ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الرَّافِعِيُّ إحْيَاءَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ الْحَجِّ .
وَمِنْهُ : الْجِهَادُ وَأَقَلُّهُ كُلُّ سَنَةٍ مَرَّةً كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ " وَوَجْهُهُ فِي الْمُهَذَّبِ " بِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بَدَلًا عَنْ عَيْنِهِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا ، وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهَا إلَّا إذَا عُجِزَ عَمَّا فَوْقَهَا .
وَمِنْهُ : دَفْعُ ضَرَرِ الْمَحَاوِيجِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كِسْوَةٍ أَوْ طَعَامٍ إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ بِزَكَاةٍ أَوْ بَيْتِ مَالٍ ، وَمِثْلُهُ مَحَاوِيجُ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ .
قَالَ الْإِمَامُ : وَيَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ الْمُوَاسَاةُ بِمَا زَادَ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ .
وَمِنْهُ : تَجْهِيزُ الْمَوْتَى غُسْلًا وَتَكْفِينًا وَالْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ .
وَمِنْهُ : فَكُّ الْأَسْرَى قَالَ ابْنُ كَجٍّ : وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ ابْتِيَاعُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، كَذَا رَأَيْته فِي التَّجْرِيدِ لَهُ .
وَمِنْهُ : تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ بِشَرْطِهِ وَتَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا ، لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ لِلْوَاجِبِ .
وَمِنْهُ : رَدُّ السَّلَامِ وَكَذَا الْأَذَانُ وَإِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ عَلَى رَأْيٍ .
الثَّانِي : الدُّنْيَوِيُّ : كَالْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ وَمَا بِهِ قِوَامُ " الْمَعَاشِ " كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ " وَالْحِرَاثَةِ " " وَلَا " بُدَّ مِنْهُ حَتَّى الْحِجَامَةِ وَالْكَنْسِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ " الْحَدِيثِ " " { اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ لِلنَّاسِ } " وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ " عَزَّ وَجَلَّ " " جُبِلَتْ " النُّفُوسُ
عَلَى الْقِيَامِ بِهَا .
وَلَوْ فُرِضَ امْتِنَاعُ الْخَلْقِ مِنْهَا أَثِمُوا وَلَمْ يَحْكِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِيهِ خِلَافًا ، وَقَدْ صَارَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ " إلَى " أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ " الطَّبْعَ " يَحُثُّ عَلَيْهَا فَأَغْنَى عَنْ حَثِّ الشَّرْعِ بِالْإِيجَابِ .
وَاسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِمْ : إنَّ أَصْحَابَ الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فَكَيْف لَا يَقْبَلُ " بِفِعْلِهِمْ " فَرْضًا ، وَعَدَّ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ " الْمُنَاكَحَاتِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى طَرِيقَةٍ فِي الصَّنَائِعِ ، لِأَنَّ الطَّبْعَ يَحُثُّ عَلَيْهَا .
الثَّالِثُ : فَرْضُ الْكِفَايَةِ " لَا يُبَايِنُ فَرْضَ الْعَيْنِ بِالْجِنْسِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ ، بَلْ يُبَايِنُهُ بِالنَّوْعِ .
وَلِهَذَا فَارَقَهُ فِي أَقْسَامٍ : مِنْهَا : أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَفَرْضَ الْكِفَايَةِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى الْبَعْضِ خِلَافٌ .
وَمِنْهَا : أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إلَّا لِعُذْرٍ وَفَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إلَّا فِي " الْجِهَادِ وَالْجِنَازَةِ " وَالْحَجِّ تَطَوُّعًا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ .
وَمِنْهَا : مَنْ تَرَكَ فَرْضَ عَيْنٍ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَفِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ خِلَافٌ جَارٍ فِي الْقَاضِي وَكَفَالَةِ اللَّقِيطِ وَغَيْرِهَا .
وَمِنْهَا : إنْ " تَعَيَّنَ " وَاحِدٌ مِمَّنْ " عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ " إنْ كَانَ الْمُعَيِّنُ " لَهُ الْإِمَامَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الْآحَادِ فَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَالشَّاهِدِ وَالْوَلِيِّ غَيْرِ الْمُجْبَرِ وَالْأَصَحُّ فِي الشَّاهِدِ إنْ عُلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ يُجِيبُ " فَلَا " يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ امْتِنَاعُ غَيْرِهِ وَجَبَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ ، وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى التَّوَاكُلِ وَأَمَّا الْقَاضِي فَكَالشَّاهِدِ ، وَأَمَّا الْمُفْتِي فَالْأَصَحُّ لَا يَأْثَمُ بِالرَّدِّ " إنْ " كَانَ هُنَاكَ " غَيْرُهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوهُ حُكْمَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَلَا التَّطَوُّعِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَيْلًا حَيْثُ صَحَّحُوا الْإِسْرَارَ ، وَلَمْ يَقُولُوا : يَجْهَرُ كَالْفَرْضِ ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَ السِّرِّ وَالْجَهْرِ كَالنَّافِلَةِ .
الرَّابِعُ : هَلْ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ " فِي حَرْفِ الشَّيْنِ " .
وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ أَنَّهُ لَوْ شُرِعَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ هَلْ يَلْزَمُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ مَبْنِيَّانِ عَلَى " أَنَّ " الثَّانِيَ " هَلْ " يَقَعُ فَرْضًا أَمْ لَا ؟
الْخَامِسُ : قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : " لِلْقِيَامِ " بِفَرْضِ " الْكِفَايَةِ " مَزِيَّةٌ عَلَى ( الْقِيَامِ ) بِفَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ فِي الْغِيَاثِيِّ : إنَّ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ ، لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ " الْمُتَعَيِّنُ " اخْتَصَّ هُوَ بِالْأَثِمِ .
وَلَوْ تَرَكَ الْجَمِيعُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَثِمُوا وَلَوْ فَعَلَهُ " أَسْقَطَ " الْحَرَجَ عَنْ الْجَمِيعِ .
قُلْت وَالْعِبَارَةُ الْأُولَى أَحْسَنُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَزِيَّةِ الْأَفْضَلِيَّةُ فَقَدْ يَخْتَصُّ الْمَفْضُولُ بِأَمْرٍ وَيَفْضُلُهُ الْفَاضِلُ بِأُمُورٍ .
وَأَمَّا الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ أَخَذَهَا النَّاسُ " مِنْهُ " " مُسَلَّمَةً " تَقْلِيدًا وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ إذَا ازْدَحَمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا يَسَعُ الزَّمَنُ إلَّا أَحَدَهُمَا فَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِ فَرْضِ الْعَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَدَلٌ ، كَمَا فِي سُقُوطِ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ لَهُ قَرِيبٌ مُمَرَّضٌ ، بَلْ قَالُوا : لَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ ، قُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجِنَازَةَ ؛ لِأَنَّ " لِلْجُمُعَةِ بَدَلًا " وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا لَهُمَا فَتَقْدِيمُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لَا يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَفَرْضٌ وَلَمْ يُخَفْ فَوْتُ الْفَرْضِ قُدِّمَ الْكُسُوفُ كَيْ لَا يَفُوتَ مَعَ أَنَّ الْكُسُوفَ سُنَّةٌ فَلَمْ يَكُنْ تَقْدِيمُهُ حُكْمًا بِأَفْضَلِيَّتِهِ .
وَلَوْ كَانَ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ " وَحَصَلَتْ لَهُ جِنَازَةٌ " " كُرِهَ " لَهُ قَطْعُ الطَّوَافِ " قَالَهُ الرَّافِعِيُّ " " إذْ لَا " يَحْسُنُ تَرْكُ فَرْضِ الْعَيْنِ " لِفَرْضِ " الْكِفَايَةِ .
انْتَهَى .
وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا أَنَّ الشُّرُوعَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ يُلْزَمُ بِهِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْهُ كَانَ قَضَاءً وَإِنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ " وَفِي الشُّرُوعِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ " خِلَافٌ " وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ فَرْضَ عَيْنٍ
أُجْبِرَ عَلَيْهِ قَطْعًا وَفِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ خِلَافٌ " وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَائِلِينَ " بِتَفْضِيلِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْعَيْنِ أَرَادُوا بِهِ الْجِنْسَ عَلَى الْجِنْسِ وَهُوَ مُنَازَعٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَنْ يَتَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَيَّ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِمْ } مَعَ أَنَّ فِي " تَعَلُّقِ " فَرْضِ الْكِفَايَةِ " بِالْجَمِيعِ " خِلَافًا .
وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الَّتِي " اسْتَنَدَ " إلَيْهَا هَذَا الْقَائِلُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَدِّيَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ وَلَيْسَتْ بِقَاعِدَةٍ مُطَّرِدَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ " فِي حَرْفِ الْعَيْنِ " وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَلَا شَكَّ فِي تَخْصِيصِهِ " بِمَنْ " سَبَقَ إلَيْهِ أَوَّلًا ، أَمَّا مَنْ " فَعَلَهُ " ثَانِيًا فَلَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا : يَقَعُ فَرْضًا ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ وَتَسْمِيَةَ الثَّانِي فَرْضًا إنَّمَا هُوَ لِحُصُولِ ثَوَابِ الْفَرْضِ .
الْفَسْخُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ كَمَا تَعَلَّقَتْ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْعَقْدُ كَمَا سَبَقَ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ .
الْأَوَّلُ : فِي حَقِيقَتِهِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : الِانْفِسَاخُ انْقِلَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ إلَى دَافِعِهِ ، وَالْفَسْخُ هُوَ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ فَهَذَا هُوَ فِعْلُ الْفَاسِخِ فَالْأَوَّلُ صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ " قَالَ " وَبِذَلِكَ رَدَدْنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ ، لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رَدُّ الصَّدَاقِ " فَمَا " انْقَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَذَهَبَتْ حَقِيقَةُ الْفَسْخِ .
الثَّانِي : الْفُسُوخُ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا يَخْتَلِفُ فِي " تَعَلُّقِ " الْفَسْخِ بِهِ كَالْعُنَّةِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ " وَالْمَهْرِ " فَيُفْتَقَرُ إلَى الْحَاكِمِ ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ .
وَالثَّانِي : مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى الْفَسْخِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْفَسْخُ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى الْحَاكِمِ مِثْلُ فَسْخِ الْأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ عَبْدٍ ، لَمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ لَمْ يُفْتَقَرْ لِحَاكِمٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ وَهُوَ مَا إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ وَكَذَا الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ .
فَأَمَّا " إنْ " كَانَ الْخِلَافُ ضَعِيفًا يَسُوغُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ الْفَسْخُ بِهِ إلَى حَاكِمٍ .
الثَّالِثُ : إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْفَسْخِ فَائِدَةٌ فَلَا يَمْلِكُهُ الْفَاسِخُ ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّدَاقِ .
وَلِهَذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ : لَوْ اسْتَأْجَرَ " شَخْصًا " لِيَحُجَّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَنْ " مَيِّتٍ مِنْ مَالِهِ فَأَخَّرَ عَنْهَا فَلَا خِيَارَ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ إمَّا فِي تَحْصِيلِ الْحَجِّ فِي " هَذِهِ السَّنَةِ ، وَقَدْ فَاتَ ، وَإِمَّا فِي الِانْتِفَاعِ بِالْأُجْرَةِ وَصَرْفِهَا فِي أَغْرَاضِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ الْجَانِيَ ثُمَّ اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ ، قَالَ : وَقَدْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَّا الرَّقَبَةُ : فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الرَّدِّ ؟ فَيُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا " رَدَّ " فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ إنْ عَتَقَ " بِمَا " يَفْضُلُ عَنْ قِيمَتِهِ عَلَى قَوْلٍ .
وَمِنْهَا : الْفَسْخُ بِالْإِعْسَارِ بِالصَّدَاقِ لَا فَائِدَةَ لَهُ ، لِأَنَّهَا إذَا فَسَخَتْ النِّكَاحَ وَتَزَوَّجَتْ لَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الصَّدَاقَ عَلَى الزَّوْجِ ، بَلْ يَسْقُطُ صَدَاقُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَبْقَى فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ .
وَلَوْ أُعْسِرَ بِصَدَاقِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ فَلَا خِيَارَ لِلْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ لَهَا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ وَبَعْدَ الدُّخُولِ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ ، كَمَا كَانَ وَيَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ النَّفَقَةِ .
وَمِنْهَا : لَوْ بَاعَ عَبْدًا " مِنْ رَجُلٍ " ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ فِي يَدِهِ .
قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ : يُنْظَرُ إنْ كَانَ مُشْتَرِيهِ قَدْ عَلِمَ بِهِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ نَظَرَ ؛ إنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِ مَا بَاعَهُ أَوْ بِأَكْثَرَ لَهُ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَهُ إنْ رَدَّهُ إلَيْهِ تَحْصُلُ لَهُ فَائِدَةٌ وَهُوَ عَوْدُ
الثَّمَنِ الْأَكْثَرِ إلَيْهِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الَّذِي بَاعَهُ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا : لَا " لِأَنَّ مُشْتَرِيَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي رَدِّهِ وَأَصَحُّهُمَا لَهُ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَهُ رُبَّمَا " يَرْضَى " بِهِ فَلَا يَرُدُّهُ .
الرَّابِعُ : الْفُسُوخُ لَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ .
وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْإِقَالَةِ إنْ قُلْنَا : فَسْخٌ وَإِنْ قُلْنَا : بَيْعٌ ثَبَتَ .
كَذَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ ، ثُمَّ قَالَ : وَمَنْ اخْتَارَ عَيْنَ مَالِهِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُفْلِسِ لَزِمَهُ وَلَا خِيَارَ " فِيهِ " ، وَقِيلَ : لَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ " شَبِيهٌ " ، بِالْخِلَافِ فِي الشَّفِيعِ انْتَهَى .
وَلَمْ يَطَّرِدُ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْإِقَالَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ لِثُبُوتِهَا بِالتَّرَاضِي بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ .
وَلَوْ تَقَايَلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ الْبَائِعُ عَلَى عَيْبٍ بِهِ حَدَثَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِقَالَةِ إنْ قُلْنَا : فَسْخٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الْإِقَالَةِ وَإِنْ قُلْنَا : بَيْعٌ لَهُ رَدُّ الْإِقَالَةِ إنْ كَانَ جَاهِلًا .
وَلَك أَنْ تُعَبِّرَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ .
" وَمِنْهُ مَا " فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي " الْبَيْعَ " بِعَيْبٍ قَدِيمٍ ، وَكَانَ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ " أَنْ انْفَسَخَ " فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الرَّدِّ ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ ، كَمَا لَوْ تَقَايَلَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ الرَّدِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ .
وَمِثْلُهُ قَوْلِهِمْ : إذَا قُلْنَا : " يَمْتَدُّ " خِيَارُ التَّصْرِيَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَاطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ " ثَلَاثٍ " ، لَا رَدَّ لَهُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الرَّدُّ وَيَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ انْتَهَى وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ، فَقَالَ : إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ الثَّلَاثِ رَدَّ ، كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا الثَّلَاثُ فُسْحَةٌ لَهُ إذَا عَلِمَ " التَّصْرِيَةَ " فِيهَا فَلَهُ تَأْخِيرُهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ وَالِانْفِسَاخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ دُونَ الْفُسُوخِ ، وَكَذَا الْعَزْلُ وَالِانْعِزَالُ ، كَمَا
اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ قَالَ " لَوْ " عَزَلَ الْمُودِعُ نَفْسَهُ فَوَجْهَانِ إنْ قُلْنَا : الْوَدِيعَةُ عَقْدٌ ارْتَفَعَتْ أَوْ مُجَرَّدُ إذْنٍ فَالْعَزْلُ لَغْوٌ ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي تَنَاوُلِ طَعَامِهِ لِلضِّيفَانِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَزَلْت نَفْسِي فَيَلْغُو قَوْلُهُ .
قُلْت : وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَمِينِ الْمَالِكِ ، أَمَّا الْأَمَانَاتُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالِاتِّفَاقِ ، كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ ، فَلَوْ قَالَ : فَسَخْت الْأَمَانَةَ كَانَ عَلَى الْأَمَانَةِ ، فَمَتَى لَمْ يَرُدَّ حَتَّى هَلَكَتْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا لَا ضَمَانَ .
وَمِمَّا " يَبْنِي " عَلَى هَذَا أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَنْعَزِلُ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ .
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ جَعَلَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ ، فَقَالَ الْوَكِيلُ : عَزَلْت نَفْسِي لَا يَنْعَزِلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ : أُلْزِمْت الْعَقْدَ فَيُلْزَمُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ فَقَالَ فُلَانٌ " عَزَلْت نَفْسِي عَنْ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِمَشِيئَتِي فَلَا يَصِحُّ بَلْ مَتَى شَاءَ وَقَعَ .
الْخَامِسُ : الْعَقْدُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى مَوْجُودٍ بِالْقُوَّةِ أَوْ بِالْفِعْلِ لِيَشْمَلَ الْحَمْلَ إذَا بَاعَ الْحَامِلُ وَأَطْلَقَ ، وَقُلْنَا : يُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ .
وَأَمَّا الْفَسْخُ فَيُرَدُّ عَلَى الْمَعْدُومِ فِي مَوْضِعَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : بَابُ التَّحَالُفِ .
الثَّانِي : الْإِقَالَةُ .
وَقَالَ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ " فِي كِتَابِ السَّلَمِ : لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ ثُمَّ اسْتَقَالَهُ الْبَائِعُ اسْتَرَدَّ مِنْهُ الثَّمَنَ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مِنْهُ ، قَالَ الْقَفَّالُ " فَجُوِّزَ " الْفَسْخُ فِي التَّالِفِ ، " لَكِنَّهُ " نَصَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَحَصَلَ قَوْلَانِ وَأَجْرَاهُمَا الْقَفَّالُ فَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِهِمَا عَيْبًا هَلْ لَهُ فَسْخُهُ فِي التَّالِفِ وَالْقَائِمِ ؟ قَوْلَانِ ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ : تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ إنْ جَعَلْنَاهَا فَسْخًا عَلَى الْأَصَحِّ كَالْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَفِي الْإِقَالَةِ فِي " الثَّانِي " وَجْهَانِ بِالتَّرْتِيبِ " أَوْ " الْقَائِمُ تُصَادِفُهُ الْإِقَالَةُ ، وَيَسْتَتْبِعُ التَّالِفُ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ خَالَفُوا ذَلِكَ فِي الْفَسْخِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدَّرُوا الِانْفِسَاخَ قُبَيْلَهُ ، فَقَالُوا : لِأَنَّ التَّالِفَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فِيهِ ، كَمَا لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ فَاحْتَجْنَا " لِلتَّقْدِيرِ " .
" وَقَدْ ثَبَتَ " الْخِيَارُ فِي التَّالِفِ ، كَمَا فِي إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِلْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ .
السَّادِسُ : سَائِرُ الْعُقُودِ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ الْخُلْعِ قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ النِّكَاحَ هَلْ يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي ؟ أَحَدُهُمَا : نَعَمْ كَالْبَيْعِ ، وَالثَّانِي : لَا ، لِأَنَّ وَضْعَ النِّكَاحِ عَلَى الدَّوَامِ وَالتَّأْيِيدِ وَإِنَّمَا يُفْسَخُ لِضَرُورَةٍ عَظِيمَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ .
وَجَعَلَهَا أَصْلَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ .
وَأَغْرَبَ الْإِمَامُ هُنَاكَ " أَيْضًا " فَنَقَلَ " عَنْ شَيْخِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ الْبَيْعَ هَلْ يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ " بِقَبُولِهِ " الْفَسْخَ .
وَالْقَوْلَانِ فِي لَفْظِ الْإِقَالَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كُلُّ مَا فُرِضَ عَلَى التَّرَاضِي سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْفَسْخِ أَوْ الْإِقَالَةِ ، فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَا نَظَرَ إلَى لَفْظِ الْفَسْخِ فَالْفَسْخُ لَفْظٌ أَلِفَهُ الْفُقَهَاءُ وَمَعْنَاهُ رَدُّ شَيْءٍ وَاسْتِرْدَادُ مُقَابِلِهِ ، وَالْإِقَالَةُ مِنْ طَرِيقِ اللِّسَانِ صَرِيحَةٌ فِي رَفْعِ مَا تَقَدَّمَ ، وَرَدِّ الْأَمْرِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ .
تَنْبِيهٌ : هَذَا فِي الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ ، أَمَّا الْجَائِزَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَرَاضِيهِمَا ، بَلْ لِكُلٍّ مِنْهَا الْفَسْخُ ، وَكَذَلِكَ فِي الْجَائِزَةِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَالْمُرْتَهِنِ يَفْسَخُ الرَّهْنَ ، وَالْعَبْدُ يَفْسَخُ الْكِتَابَةَ ، وَالْعَامِلُ فِي الْجَعَالَةِ وَنَحْوِهِ .
السَّابِعُ : مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ فَقَالَ : أَسْقَطْته هَلْ يَسْقُطُ ؟ نَظَرٌ ، إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَجَدَّدُ ضَرَرُهُ سَقَطَ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَدَّدُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَسْقُطُ ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ السَّلَمِ ، وَقَدْ " بَيَّنْت " فُرُوعَهَا فِي بَحْثِ الْخِيَارِ .
الثَّامِنُ : الْفَسْخُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الرَّافِعُ لِلْعَقْدِ كَالْفَسْخِ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ أَوْ تَلَفِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، أَوْ " بِعَيْبِ " أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ .
وَالْمَجَازُ أَنْ لَا يَكُونَ رَافِعًا ، " بَلْ " قَاطِعًا كَالطَّلَاقِ لَيْسَ رَفْعًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ قَطْعًا لِلْعِصْمَةِ ، " وَكَذَلِكَ " الْعِتْقُ وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ قَاطِعٌ لِلْمِلْكِ وَالْفَسْخُ رَافِعٌ لِلْعَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْمِلْكِ ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي " أَنَّ " الْفَسْخَ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ : إذَا قُلْنَا مِنْ حِينِهِ فَهُوَ وَالْقَطْعُ سَوَاءٌ ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَشِرَاؤُهُ اقْتَضَى أَحْكَامًا مِنْ الْمِلْكِ ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ مَثَلًا " أَوْ بَاعَهُ " أَوْ وَهَبَهُ كَانَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ قَاطِعَةً لِلْمِلْكِ وَلَيْسَتْ رَافِعَةً " لِشِرَائِهِ " ، لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ آثَارِهِ ، فَكَيْف تَرْفَعُهُ ، فَإِنَّ شِرَاءَهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى إعْتَاقِهِ ، فَإِذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ " رَجَعَ " إلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَكَانَ الْمِلْكُ الثَّانِي مُسْتَفَادًا مِنْ شِرَائِهِ السَّابِقِ عَلَى بَيْعِهِ ، وَلَيْسَ مِلْكًا جَدِيدًا بِالْفَسْخِ ، وَلَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ كَانَ عَوْدُهُ إلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ مُبْتَدَأً .
وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا " رَدُّهُ " لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ رَدَّهُ " عَلَيْهِ بِعَيْبٍ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ لَا يُعْتَقُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيقًا قَبْلَ الْمِلْكِ ، " لِأَنَّ الْمِلْكَ " الْعَائِدَ هُوَ الْأَوَّلُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ " حَيْثُ " فَرَّقُوا بَيْنَ رُجُوعِهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ ، وَرُجُوعِهِ بِالْأَوَّلِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ .
التَّاسِعُ : الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ ؟ خِلَافٌ ، وَالْأَصَحُّ : الثَّانِي " حَيْثُ يَفُوزُ الرَّدُّ " بِالزَّوَائِدِ ، وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخِيَارِ إلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَعُودُ إلَى " الْفَاسِخِ " مَعَ الْفَسْخِ " أَوْ قَبْلَهُ " ، وَهَذَا النَّظَرُ أَدَقُّ مِمَّا قَبْلَهُ .
وَالْمُرَادُ بِارْتِفَاعِهِ مِنْ حِينِهِ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ " فِي الْمَبِيعِ " فَقَطْ دُونَ زَوَائِدَ ، وَهَذَا الْخِلَافُ يَجْرِي فِي الْفَسْخِ " بِخِيَارِ " الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي الْإِقَالَةِ ، وَقِيلَ : فِي الْإِقَالَةِ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ وَيَجْرِي فِي الْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ .
وَلَوْ فُسِخَ الْمَبِيعُ بِالْفَلَسِ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَى الثَّمَنِ ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا وَالزَّوَائِدُ لَهُ قَطْعًا .
وَمِثْلُهُ رُجُوعُ الْوَالِدِ فِي هِبَةِ الْوَلَدِ ، وَيَجْرِي فِي الِانْفِسَاخِ أَيْضًا ، فَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ ، وَهَلْ يُقَدَّرُ ارْتِفَاعُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِ التَّلَفِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ .
وَهُنَا تَنْبِيهَانِ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُمْ حَكَوْا هَذَا الْخِلَافَ فِي الْفَسْخِ وَلَمْ يُطْرِدُوهُ فِي الْإِجَازَةِ هَلْ تَقْتَضِي اسْتِقْرَارَ الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ حُدُوثِهِ مِنْ حِينِهَا ؟ وَثَانِيهِمَا : أَنَّهُمْ لَمْ يُجْرُوا هَذَا الْخِلَافَ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ ، وَالْقِيَاسُ مَجِيئُهُ فِي الْفَسْخِ بِالْعُيُوبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ مِنْ أَصْلِهِ " أَنْ يُتَبَيَّنَ " " عَدَمُ الْوُقُوعِ ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّرْعَ سَلَّطَ الْعَاقِدَ عَلَى رَفْعِ أَحْكَامِهِ وَجَعَلَهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَإِنْ كَانَتْ عُيُوبُهَا مُخْتَلِفَةً ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ .
إمَّا أَنْ يَرْفَعَ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ .
فَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْلِهِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَمْ يَجِبْ
الْمُسَمَّى سَوَاءٌ كَانَ بِمُقَارِنٍ " أَوْ بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ أَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ " .
وَإِنْ كَانَ مِنْ حِينِهِ وَجَبَ الْمُسَمَّى وَلَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ .
وَالتَّفْصِيلُ مَا وَجْهُهُ ؟ وَلِهَذَا السُّؤَالِ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَفْعٌ " لِلْعَقْدِ " مِنْ حِينِ حُدُوثِ سَبَبِهِ لَا مِنْ أَصْلِ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ حِينِ الْفَسْخِ ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهَا الْمَنَافِعُ وَهِيَ لَا " تُقْبَضُ " حَقِيقَةً ، إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ " وَأَمَّا " الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَالرِّقِّ وَالْإِعْسَارِ وَنَحْوِهِ قَاطِعَةٌ لَهُ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا وَلَا تَعُودُ إلَى أَصْلِ " الْعَقْدِ " " قَطْعًا وَلَا يَقْتَضِي تَرَادَّ الْعِوَضَيْنِ ، بَلْ إنْ كَانَ مِنْهُمَا سَقَطَ الْمَهْرُ " ، وَإِلَّا فَلَا .
وَلِهَذَا إذَا " اشْتَرَتْ " زَوْجَهَا سَقَطَ فِي الْأَصَحِّ " وَإِذَا " اشْتَرَاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يُشْطَرُ فِي الْأَصَحِّ .
الْعَاشِرُ : أَنَّهُمْ فَصَلُوا فِي النِّكَاحِ بَيْنَ الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فِي تَشْطِيرِ الصَّدَاقِ " وَتَكْمِيلِهِ " وَلَمْ يَذْكُرُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ، وَنَقَلُوا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَلْحَقَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ بِالنِّكَاحِ ، وَقَالَ فِي الْجَمِيعِ مَا كَانَ فَسْخًا حَقِيقَةً يَقْتَضِي رَدَّ الْعِوَضِ وَمَا كَانَ فَسْخًا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الِاخْتِيَارِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، وَقَالَ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ أَبِيهِ بِعَشْرَةٍ " دَفَعَهَا " وَاسْتَنْفَقَهَا الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَخَلَّفَ الدَّارَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَهَلْ تَنْفَسِخُ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا : لَا ، وَالثَّانِي ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ : نَعَمْ ، وَقَالَ الشَّارِحُونَ : هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الشِّرَاءِ .
الْحَادِيَ عَشَرَ : تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِصِفَةٍ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَتْ الْأَمَةُ : مَتَى أُعْتِقْت تَحْتَ " هَذَا " الْعَبْدِ فَقَدْ اخْتَرْت فَسْخَ نِكَاحِهِ لَمْ يَصِحَّ .
وَلَوْ أَسْلَمَ عَنْ زَوْجَاتٍ مُشْرِكَاتٍ وَقَالَ : كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ فَقَدْ اخْتَرْت فَسْخَ نِكَاحِهَا ؛ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا إنْ أَرَادَ " بِهِ " حِلَّ عَقْدِ النِّكَاحِ .
الثَّانِيَ عَشَرَ : الْفُسُوخُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي ابْتِدَاءِ الْعُقُودِ .
وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا بِثَوْبٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَهُ اسْتِرْدَادُ الْعَبْدِ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ وَجَدَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ بِهِ عَيْبًا فَقِيلَ : يَرُدُّهُ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : عَلَى الْوَجْهَيْنِ .
وَلَوْ تَقَايُلًا حَيْثُ لَا عَيْبَ وَقُلْنَا : الْإِقَالَةُ فَسْخٌ ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ اغْتَفَرُوا فِيهَا حُصُولَ مِلْكِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْفَسْخِ وَإِنْ " لَمْ " يُخَيِّرُوهُ ابْتِدَاءً .
وَمِنْهُ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ ، وَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَجْهَانِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ ، " وَرَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ الْجَوَازَ " ، وَادَّعَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَيَتَأَيَّدُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ .
الثَّالِثَ عَشَرَ : مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْفَسْخُ " فَأَجَازَ " ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي صُوَرٍ يَضْبِطُهَا أَنْ يَدُومَ الضَّرَرُ ، وَقَدْ سَبَقَتْ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ .
الرَّابِعَ عَشَرَ : إذَا اجْتَمَعَ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ تَغْلِبُ الْإِجَازَةُ إلَّا فِي " صُورَتَيْنِ " " إحْدَاهُمَا " إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَأَعْتَقَهَا فَالْإِجَازَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ .
الثَّانِيَةُ إذَا فَسَخَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ وَأَجَازَ فَالْإِجَازَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْفَسْخِ " ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَمَاتَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ وَالْآخَرُ الْإِجَازَةُ .
الْخَامِسَ عَشَرَ : " يَصِحُّ " التَّوْكِيلُ فِي الْفُسُوخِ إلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشَهْوَةِ النَّفْسِ ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ عِنْدَ إسْلَامِ الزَّوْجِ لَا يُوَكِّلُ فِيهِ فَإِنْ وَكَّلَ فِي طَلَاقِ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ جَازَ ، لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصِحُّ ضِمْنًا ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَمَوْضِعُ التَّوْكِيلِ بِالْفَسْخِ إذَا كَانَ عَلَى التَّرَاخِي ، وَإِلَّا فَالتَّوْكِيلُ " فِيهِ " تَفْسِيرٌ ، وَحَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي .
الْفَضِيلَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا وَمِنْ ثَمَّ الْجَمَاعَةُ خَارِجَ الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ دَاخِلَهَا .
وَالْجَمَاعَةُ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّفَلُ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ ، لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ الرِّيَاءِ رَاجِعٌ لِنَفْسِ الْعِبَادَةِ ، وَالْقُرْبُ مِنْ الْبَيْتِ لِلطَّائِفِ مُسْتَحَبٌّ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمْلُ إلَّا مَعَ الْبُعْدِ " عَنْهُ " آثَرَهُ ، لِأَنَّ الدُّنُوَّ فَضِيلَةٌ " مُتَعَلِّقَةٌ " بِالْمَكَانِ وَالرَّمْلُ فَضِيلَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ صُوَرٌ : مِنْهَا : مَنْ بِجِوَارِهِ مَسْجِدٌ تَتَعَطَّلُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ " كَثِيرَةٍ " فِي غَيْرِهِ ، فَإِنَّ إقَامَتَهَا فِيهِ أَفْضَلُ .
وَمِنْهَا : الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَثُرَتْ ، كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، لَكِنْ أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ : إنَّ " الْكَثِيرَةَ " فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الْقَلِيلَةِ فِي الْمَسْجِدِ .
فِعْلُ النَّفْسِ لَا يُرْجَعُ فِيهِ لِقَوْلِ أَحَدٍ كَالْمُصَلِّي يَنْسَى عَدَدَ الرَّكَعَاتِ وَالْقَاضِي وَالشَّاهِدِ يَنْسَيَانِ الْوَاقِعَةَ .
وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ : " إحْدَاهُمَا " حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّك فَعَلْته وَلَمْ يَسْتَحْضِرْهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى قَوْلِهِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ ، وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا سَكَنَتْ نَفْسُهُ لِخَبَرِهِمَا .
الثَّانِيَةُ : لَوْ شَهِدَا " عَلَى " الْقَاضِي أَنَّك أَمَّنْت فُلَانًا الْكَافِرَ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ حُكِمَ بِقَوْلِهِمَا ، " لِأَنَّهُ " شَهَادَةٌ عَلَى عَقْدٍ ، قَالَهُ الْهَرَوِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ : وَمُرَادُهُ بِالْعَقْدِ أَيُّ عَقْدِ أَمَانٍ ، وَهُوَ حَقْنُ الدَّمِ ، وَلِأَنَّهُ بَابٌ مُوَسَّعٌ وَالْقَتْلُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا اخْتِصَاصَ لِلْقَاضِي بِهَذَا بَلْ لَوْ شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ أَنَّك أَمَّنْت كَافِرًا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ .
كُلُّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ " فِعْلِ " نَفْسِهِ قَبِلْنَاهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ " إلَّا حَيْثُ تَتَعَلَّقُ " بِهِ " شَهَادَةٌ " كَشَهَادَةِ " الْمُرْضِعَةِ " وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَنَحْوِهِ ، أَوْ دَعْوَى كَوِلَادَةِ الْوَلَدِ الْمَجْهُولِ وَاسْتِلْحَاقِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ .
الْفِعْلُ يَنُوبُ عَنْ الْقَوْلِ مَعَ الْقَرِينَةِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا : الْمُعَاطَاةُ فِي الْبَيْعِ ، إذَا جَوَّزْنَاهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِيمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا .
وَمِنْهَا : لَوْ وَجَدَ هَدْيًا مَذْبُوحًا مُشْعِرًا حَلَّ لَهُ تَنَاوُلُهُ فِي الْأَظْهَرِ .
وَمِنْهَا : لَوْ قَلَّدَ الْهَدْيَ أَوْ أَشْعَرَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ نَحْرُهُ فِيهِ قَوْلَانِ بَنَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا " وَقَضِيَّتُهُ " اللُّزُومُ .
وَمِنْهَا : لَوْ لَبَّدَ الْمُحْرِمُ شَعْرَ رَأْسِهِ فَهَلْ يَكُونُ كَمَنْ نَذَرَ حَلْقَهُ " فَيَلْزَمُهُ حَلْقُهُ " فِيهِ قَوْلَانِ مِمَّا سَبَقَ .
وَمِنْهَا : تَصِيرُ الْبُقْعَةُ مَسْجِدًا بِالْفِعْلِ مَعَ النِّيَّةِ إذَا بَنَاهَا فِي مَوَاتٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَمِنْهَا : الرِّدَّةُ تَحْصُلُ بِالْفِعْلِ .
وَلِهَذَا قَالَ الْأَشْعَرِيُّ : بِنَاءُ الْكَنَائِسِ رِدَّةٌ ، قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْكَتَّانِيُّ : لِأَنَّ عِنْدَهُ إرَادَةَ الْكُفْرِ " كُفْرٌ " لَا لِذَاتِهَا ، لَكِنْ " لِكَوْنِهَا " اسْتِهَانَةً " بِالدِّينِ " .
الْفِعْلُ الْقَلِيلُ فِي الصَّلَاةِ لَا أَثَرَ لَهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ صُوَرٍ : إحْدَاهَا : مَا فِيهِ لَعِبٌ كَمَا لَوْ صَفَّقَتْ الْمَرْأَةُ لِأَمْرٍ " نَابَهَا فِي صَلَاتِهَا " بِبَطْنِ الْيَمِينِ عَلَى " بَطْنِ " الْيَسَارِ ، لِأَنَّهُ لَعِبٌ ، وَقَلِيلُ اللَّعِبِ مُبْطِلٌ .
الثَّانِيَةُ : مَا إذَا كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَبَلَعَ ذَوْبَهَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ .
الثَّالِثَةُ : إذَا نَوَى " بِهِ " عَمَلًا كَثِيرًا وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَلِيلِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ ، كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ .
وَمِثْلُهُ : إذَا سَكَتَ يَسِيرًا فِي الْفَاتِحَةِ نَاوِيًا قَطْعَهَا تَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ
الْقَبْضُ وَالْإِقْبَاضُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ إلَّا فِي صُوَرٍ : مِنْهَا : إذَا قَالَ مَالِكُ الْوَدِيعَةِ : سَلِّمْهَا لِهَذَا الصَّبِيِّ فَفَعَلَ بَرِئَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي إقْبَاضِ الزَّكَاةِ لِمُعَيَّنٍ ، وَلَوْ سَلَّمَتْ الْمُرَاهِقَةُ نَفْسَهَا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ .
وَمِنْهَا : لَوْ ثَبَتَ لِلسَّفِيهِ دَيْنٌ فَقَبَضَهُ بِإِذْنِ " وَلِيِّهِ " فَوَجْهَانِ رَجَّحَ الْحَنَّاطِيُّ الصِّحَّةَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ .
وَمِنْهَا : لَوْ بَاعَ سِلْعَتَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ جُنَّ الْمُشْتَرِي فَقَبَضَ الْبَائِعُ مِنْهُ صَحَّ ، وَإِنْ قَبَضَ مِنْ مَجْنُونٍ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ قُبَيْلَ بَابِ الْقِصَاصِ بِالسَّيْفِ ، وَقَاسَ عَلَيْهَا مَا لَوْ وَجَبَ عَلَى الْمَجْنُونِ قِصَاصٌ ، فَاسْتَوْفَاهُ الْمُسْتَحِقُّ وَقَعَ مَوْقِعَهُ .
الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحْصِيلِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْحَاصِلِ فِيمَا يَجِبُ لَهُ ، وَلَيْسَ كَالْقُدْرَةِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ .
فَمِنْ الْأَوَّلِ : الْفَقِيرُ الْقَادِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ غَنِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُوسِرِ نَفَقَتُهُ وَلَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ بِجِهَةِ الْفَقْرِ .
وَمِنْ الثَّانِي : الْمُفْلِسُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ نَعَمْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ لِلْغَرِيمِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الْأَصَحِّ ، لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَسْبِ ، لِوَفَاءِ الدَّيْنِ .
وَالْمُسَافِرُ الْفَاقِدُ لِثَمَنِ الْمَاءِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ لَهُ ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ .
وَالْفَقِيرُ الْكَسُوبُ لَا يَتَحَمَّلُ الْعَقْلَ قَطْعًا وَتَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ قَطْعًا ، بَلْ تَلْزَمُ الْعَاجِرَ عَنْ الْكَسْبِ فِي الْأَصَحِّ ، وَتَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ " حَتَّى يُوسِرَ " وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ " لِيَحُجَّ " كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَهُ صَنْعَةٌ " يَكْتَسِبُ " فِيهَا كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ وَمَئُونَةَ حَجِّهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَلَوْ كَانَ " يَكْتَسِبُ " فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ كُلِّفَ ، وَمِنْ طَرِيقِ الْأُولَى إذَا قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ فِي بَلَدِهِ " بِمَا " يَكْفِيه مَئُونَةُ أَيَّامٍ ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ .
وَمَنْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي إبِلِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ بِنْتِ مَخَاضٍ .
وَلَوْ كَانَ الْغَارِمُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ كَسُوبٌ يَقْدِرُ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ كَسْبِهِ ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْطِي بِخِلَافِ الْفَقِيرِ ، لِأَنَّ حَاجَتَهُ تَتَحَقَّقُ يَوْمًا فَيَوْمًا وَالْكَسُوبُ يَحْصُلُ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ ، وَهُنَا الْحَاجَةُ حَاصِلَةٌ فِي
الْحَالِ لِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى " اكْتِسَابِ " مَا يَقْضِي بِهِ " دَيْنَهُ " عَلَى التَّدْرِيجِ .
وَمِثْلُهُ : الْمُكَاتَبُ .
وَمِنْ " هَذَا " يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ قَادِرًا عَلَى التَّحْصِيلِ ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ إنَّمَا تَكُونُ " بِالْجُمْلَةِ " ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ .
وَأَمَّا الِاكْتِسَابُ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَرِدُ عَلَى الثَّانِي ، بَلْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوهُ فِي الْقَرِيبِ ، بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إحْيَاءُ نَفْسِهِ بِالْكَسْبِ فَكَذَلِكَ بَعْضُهُ ، لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ فِي الزَّوْجَةِ لِالْتِحَاقِ نَفَقَتِهَا بِالدُّيُونِ .
نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي صُوَرٌ : كَالْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ ، فَإِنَّهُ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ .
وَكَمَا لَوْ بُذِلَ " لِلْمُسَافِرِ " الْمَاءُ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ وَهُوَ وَاجِدٌ " الثَّمَنَ " يَلْزَمُهُ ، وَكَذَا الْقَادِرُ عَلَى ثَمَنِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ " يُعَدُّ وَاجِدًا لَهُمَا " حَتَّى يَلْزَمَهُ الْحَجُّ " وَكَذَا الْقَادِرُ عَلَى صَدَاقِ حُرَّةٍ يُعَدُّ قَادِرًا عَلَيْهَا حَتَّى تَحْرُمَ عَلَيْهِ الْأَمَةُ " .
وَكَذَا الْقَادِرُ عَلَى شِرَاءِ الْحَبِّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ " وَنَظَائِرُهُ "
الْقَرَائِنُ إذَا انْضَمَّتْ إلَى الضَّعِيفِ أَلْحَقَتْهُ بِالْقَوِيِّ ، لَكِنْ هَلْ الْعَمَلُ حِينَئِذٍ بِالْقَرَائِنِ وَحْدَهَا أَوْ بِالْمَجْمُوعِ ؟ قَوْلَانِ لِلْأُصُولِيِّينَ .
وَمِنْ فُرُوعِهِ : أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا احْتَفَتْ بِهِ الْقَرَائِنُ أَفَادَ الْعِلْمَ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَنَّ " الْخَبَرَ " الْمُرْسَلَ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ السَّبْعَةِ " الْمَشْهُورَةِ " الْتَحَقَ بِالْمُسْنَدِ .
وَمِنْهَا : الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ الصَّبِيِّ الْمَوْثُوقِ بِهِ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ وَجَعَلَ النَّوَوِيُّ الْخِلَافَ حَيْثُ لَمْ يَحْتَفِ بِهِ قَرِينَةٌ " لِصِدْقِهِ " فَإِنْ احْتَفَتْ " بِهِ " اُعْتُمِدَ قَطْعًا .
وَمِنْهَا : إخْبَارُ الْفَاسِقِ أَنْ لَا مَاءَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ ، كَمَا " قَالَهُ " الْمَاوَرْدِيُّ لِاعْتِضَادِهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ .
وَمِنْهَا : مَسَائِلُ اللَّوَثِ جَمِيعُهَا فِي بَابِ الْقَسَامَةِ دَائِرَةٌ مَعَ الْقَرَائِنِ .
وَلَوْ ادَّعَى سَبْقَ اللِّسَانِ إلَى الطَّلَاقِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ مِنْ مُدَّعِيه وَوُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ ، كَمَا إذَا قَالَ : طَلَّقْتُك ، ثُمَّ قَالَ : سَبَقَ لِسَانِي وَكُنْت أَقُولُ : " طَلَبْتُك " ، فَعَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَسَعُ امْرَأَتَهُ الْقَبُولُ .
وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا اُتُّهِمَ فَإِنْ كَانَتْ " قَرِينَةٌ " تُصَدِّقُهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا ذَلِكَ بِأَمَارَةٍ فَلَهَا أَنْ تَقْبَلَ قَوْلَهُ وَلَا تُخَاصِمَهُ .
وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ مَعَ الْقَرِينَةِ أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ .
وَمِمَّا لَمْ يُعْتَمَدْ فِيهِ عَلَى الْقَرِينَةِ مَسْأَلَةُ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَلِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : مَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا صَلُحَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ " وَمِنْهَا : دَعْوَى السَّارِقِ أَنَّهُ مِلْكُهُ تُسْمَعُ وَإِنْ كَانَتْ الْقَرَائِنُ بِخِلَافِهِ .
وَمِنْهَا : لَوْ ادَّعَى دَعْوَى " يَشْهَدُ الظَّاهِرُ بِكَذِبِهَا
مِثْلَ أَنْ ادَّعَى كَنَّاسٌ " عَلَى قَاضٍ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِكَنْسِ دَارِهِ تُسْمَعُ " .
وَمِنْهَا : كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى " الصَّرَائِحِ " بِالْقَرَائِنِ .
وَمِنْهَا : لَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى غَسَّالٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ عُرِفَ بِالْعَمَلِ بِالْأُجْرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمَنْصُوصِ مَا لَمْ يَشْرِطْهَا .
وَمِنْهَا : الْهِبَةُ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الثَّوَابُ .
الْقُرْبَةُ مَا كَانَ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ رَجَاءَ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، كَذَا ضَبَطَهُ الْقَفَّالُ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي فِي الْأَسْرَارِ قَالَ : وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدُّيُونِ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ " إيصَالُ " النَّفْعِ إلَى الْآدَمِيِّ .
وَأَوْرَدَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ قُرْبَةً .
وَأَجَابَ الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بَلْ السَّتْرُ عَادَةٌ وَمُرُوءَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْعَوْرَةِ .
قَالَ الْقَاضِي : قُلْت : عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ وَرَدُّ السَّلَامِ قُرْبَةٌ ، " قَالَ " : لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ عَلَيْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ انْتَهَى .
وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْقَفَّالِ أَنْ يُجِيبَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْتَزَمَ الْقَفَّالُ أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ لِصِحَّتِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ، وَقَالَ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ : إنَّهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْإِمَامِ وَلَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُثَبْ ، قَالَ : وَيَعْصِي لَوْ اسْتَوْفَاهُ " عَبَثًا " مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ : الْقُرْبَةُ مَا يَصِيرُ الْمُتَقَرِّبُ بِهِ مُتَقَرِّبًا ، وَقِيلَ : هِيَ الطَّاعَةُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ طَاعَةً وَلَا يَكُونُ قُرْبَةً ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقُرْبَةِ الْعِلْمُ " بِالْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ " فَمُحَالٌ " وُجُودُ الْقُرْبَةِ " قَبْلَ " الْعِلْمِ بِالْمَعْبُودِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الْمُؤَدَّيَانِ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ " تَعَالَى " فَهُوَ وَاجِبٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ " تَعَالَى " وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ ، فَكُلُّ قُرْبَةٍ طَاعَةٌ وَلَا تَنْعَكِسُ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَاجِبَةٌ وَطَاعَةٌ وَلَيْسَتْ " بِقُرْبَةٍ " ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا " تُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْهُ " .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَرَاتِبَ الْقُرَبِ تَتَفَاوَتُ ، فَالْقُرْبَةُ فِي الْهِبَةِ "
أَتَمُّ " مِنْهَا فِي الْقَرْضِ ، وَفِي الْوَقْفِ أَتَمُّ مِنْهَا فِي الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ دَائِمٌ يَتَكَرَّرُ ، وَالصَّدَقَةُ " أَتَمُّ " مِنْ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ قَطْعُ حَظِّهِ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ فِي الْحَالِ ، كَذَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ .
الْقُرْعَةُ وَهِيَ تُسْتَعْمَلُ فِي مَوَاضِعَ : الْأَوَّلُ : فِي تَمْيِيزِ الْمُسْتَحِقِّ إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ ابْتِدَاءً لِمُبْهَمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عِنْدَ تُسَاوِي الْمُسْتَحَقِّينَ كَاجْتِمَاعِ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ وَالْوَرَثَةِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ .
وَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَفِي الْحَاضِنَاتِ إذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ ، وَكَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْأَصَحِّ ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَقِّ فَوَجَبَتْ الْقُرْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا مُرَجَّحَةٌ ، وَقِيلَ : وَيَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ بِلَا قُرْعَةٍ .
الثَّانِي : فِي تَمْيِيزِ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِنْدَ اشْتِبَاهِهِ وَالْعَجْزِ عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : إنْ كَانَ " هَذَا " الطَّائِرٌ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ وَأَشْكَلَ لَا يُقْرَعُ مَا دَامَ الْحَالِفُ حَيًّا عَلَى الْمَذْهَبِ لِتَوَقُّعِ الْبَيَانِ وَقِيلَ : يُقْرَعُ كَمَا إذَا مَاتَ .
الثَّالِثُ : فِي تَمْيِيزِ الْأَمْلَاكِ .
وَقِيلَ : إنَّهُ لَمْ يَجِئْ إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ : إحْدَاهُمَا : الْإِقْرَاعُ بَيْنَ الْعَبِيدِ إذَا لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِهِمْ .
وَالثَّانِيَةُ : الْإِقْرَاعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ تَعْدِيلِ السِّهَامِ فِي الْقِسْمَةِ .
وَالثَّالِثَةُ : عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ .
الرَّابِعُ : فِي حُقُوقِ الِاخْتِصَاصَاتِ .
كَالتَّزَاحُمِ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَفِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ، وَنِيلِ الْمَعْدِنِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ الَّتِي يُبَاعُ فِيهَا .
وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْأَبْضَاعِ ، وَلَا فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ الْمُبْهَمِ " مِنْ " الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا ابْتِدَاءً ، وَلَا فِي " لِحَاقِ " النَّسَبِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ .
" وَلِهَذَا لَوْ " أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْهَا فِي النِّكَاحِ فَأَنْكَحَاهَا مَعًا فَبَاطِلَانِ ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ فِيهِ ، وَكَذَا لَا تَدْخُلُ فِي الطَّلَاقِ ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا أَقْرَعَ فِي الْعِتْقِ وَلَمْ " يَفْعَلْ " فِي الطَّلَاقِ وَلَا يُمْكِنُ
قِيَاسُهُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يُفَارِقُهُ ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ حَلَّ النِّكَاحَ .
وَالْقُرْعَةُ لَا تَدْخُلُ فِي النِّكَاحِ بِالْإِجْمَاعِ .
وَالْعِتْقَ حَلَّ الْمِلْكَ .
وَالْقُرْعَةُ تَدْخُلُ فِي تَمْيِيزِ الْأَمْلَاكِ .
وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ : إنَّمَا دَخَلَتْ فِي الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ " تَدْخُلُ فِي تَمْيِيزِ الرَّقِيقِ ابْتِدَاءً وَهُوَ عِنْدَ الْغَنِيمَةِ ، فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ .
وَقَدْ تَدْخُلُ " فِي " الطَّلَاقِ إذَا كَانَ هُنَاكَ عِتْقٌ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَعِتْقَ الْعَبْدِ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف دَخَلَتْ فِي شَيْئَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَدْخَلٌ فِي الْقُرْعَةِ .
قُلْنَا : يَجُوزُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الشَّيْئَيْنِ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ ، " وَإِنْ " ثَبَتَ بِهِ أَحَدُهُمَا ، كَمَا أَنَّ الْقَطْعَ مَعَ الْغُرْمِ فِي السَّرِقَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْغُرْمُ وَحْدَهُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ ، قَالَ الْإِمَامُ فِي " بَابِ " الْكِتَابَةِ ، وَالْإِقْرَاعُ فِي الْعِتْقِ لَا يَجْرِي إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْمَرِيضُ إذَا اسْتَوْعَبَ التَّرِكَةَ بِإِعْتَاقٍ وَاقْتَضَى الشَّرْعُ إرْقَاقَ بَعْضِهِمْ .
الثَّانِي : إذَا أَبْهَمَ السَّيِّدُ الْإِعْتَاقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ بِقَلْبِهِ وَمَاتَ " لَمْ " يَقُمْ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ ، " فَأَمَّا " إذَا " عَيَّنَ الْمُعْتِقُ " " وُقُوعًا " ثُمَّ اسْتَبْهَمَ فَلَا جَرَيَانَ لِلْقُرْعَةِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ بِمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ ، أَوْ قَالَ الْوَارِثُ : لَا عِلْمَ لِي فَإِنَّهُ يُقْرَعُ .
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ ، ثُمَّ مَاتَ فَأَقْرَعَ الْوَرَثَةُ بَيْنَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِأَحَدِهِمْ حُكِمَ بِعِتْقِهِ .
وَلَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَقْرَعَ ثَانِيًا وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِآخَرَ وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ مَا فَعَلُوا أَيْ
وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِعِتْقِ الْقَارِعِ ثَانِيًا .
وَلَوْ أَقْرَعَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا حُكْمَ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَقْرَعَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ .
وَمِنْهَا : أَنَّهُ لَوْ أَقْرَعَ بَيْنَ الْعَبِيدِ فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِوَاحِدٍ وَحَكَمْنَا بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ اشْتَبَهَ قَالَ يُقْرَعُ ثَانِيًا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا فِي مَرَضِهِ وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ غَانِمًا وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ وَعُرِفَ سَبْقُ " عِتْقِ " أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ أَسْبَقَ تَارِيخًا وَعُرِفَ عَيْنُ السَّابِقِ ثُمَّ اشْتَبَهَ لَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ، بَلْ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ لِلسَّابِقِ " قَطْعًا فَلَوْ أَقْرَعْنَا فَرُبَّمَا أَرْقَقْنَا الْحُرَّ وَهَا هُنَا الْقُرْعَةُ ظَنٌّ لَا يُوجِبُ الْحُرِّيَّةَ " قَطْعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ تِلْكَ إنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ لِوَاحِدٍ وَعُرِفَ عَيْنُ السَّابِقِ " ثُمَّ اُشْتُبِهَ يُحْكَمُ بِعِتْقِ ثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا ثَبَتَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ إذَا عُرِفَ السَّابِقُ " ثُمَّ اُشْتُبِهَ .
قَالَ : وَلَوْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ لِوَاحِدٍ ، لَكِنْ لَمْ نَعْرِفْهُ " بِأَنْ " قِيلَ : أَخْرِجْ بُنْدُقَةً بِاسْمِ الْحُرِّيَّةِ فَأَخْرَجَ فَتَلِفَتْ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ .
وَلْنَذْكُرْ طَرَفًا مِنْ أَحْكَامِهَا فَنَقُولُ : لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الطِّهَارَاتِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ فِي هَذَا الْإِنَاءِ دُونَ " ذَلِكَ " وَآخَرُ بِالْعَكْسِ تَعَارَضَا ، وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ الِاسْتِعْمَالِ فَفِي التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ أَنَّهُ لَا تَجِيءُ الْقُرْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الطَّهَارَاتِ لَكِنْ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمُحْدِثٌ وَكَانَ الْمَاءُ لَا يَفْضُلُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمَا
سَوَاءٌ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّلَاةِ ، فَعَلَى هَذَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ، وَالْمَشْهُورُ " تَقْدِيمُ " الْجُنُبِ .
وَمِنْهَا : لَوْ أَرَادَ رَجُلٌ بَذْلَ ثَوْبٍ لِلسَّتْرِ وَحَضَرَ رَجُلَانِ وَالثَّوْبُ لَا يَكْفِيهِمَا فَيُحْتَمَلُ التَّوْزِيعُ وَيُحْتَمَلُ التَّخْصِيصُ بِالْقُرْعَةِ ، " قَالَ " " الْعِجْلِيُّ " وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ يَسْتُرُ أَحَدَهُمَا فَإِنْ أَرَادَ الْإِنْصَافَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا .
وَمِنْهَا : فِي الْأَذَانِ إذَا تَنَازَعُوا فِي مَوْضِعِ تَسَاوِيهِمْ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ .
وَمِنْهَا : إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي صِفَاتِ الْإِمَامَةِ وَتَشَاحَّا فِي " التَّقْدِيمِ " أُقْرِعَ .
وَمِنْهَا : إذَا سَبَقَ اثْنَانِ إلَى الْجُلُوسِ بِالْأَمَاكِنِ الْمُبَاحَةِ كَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ وَرِحَابِ الْمَسَاجِد " أَوْ سَبَقَا " إلَى مَعْدِنٍ مُبَاحٍ وَضَاقَ إلَّا عَنْ أَحَدِهِمَا ، وَكَذَا إذَا اجْتَمِعَا عَلَى " نَهْرٍ " مُبَاحٍ أَوْ الْتَقَطَ اثْنَانِ طِفْلًا وَتَسَاوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ، وَالْأَوْلِيَاءُ فِي النِّكَاحِ إذَا اسْتَوَتْ دَرَجَتُهُمْ وَتَشَاحُّوا أُقْرِعَ .
وَمِنْهَا : إذَا " دَعَاهُ " اثْنَانِ مَعًا إلَى وَلِيمَةٍ وَاسْتَوَيَا فِي الصِّفَاتِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا .
وَمِنْهَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ " مَعًا " قَدَّمَ " إحْدَاهُمَا " بِالْقُرْعَةِ ، كَمَا يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ عِنْدَ السَّفَرِ بِالْقُرْعَةِ .
وَمِنْهَا : إذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ لِجَمَاعَةٍ وَتَشَاحُّوا فِي الِاسْتِيفَاءِ أُقْرِعَ .
وَمِنْهَا : ازْدِحَامُ الْخُصُومِ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي الْقِسْمَةِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ .
وَمِنْهَا : الْمُمَيِّزُ إذَا اخْتَارَ الْأَبَوَيْنِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ، وَيَكْفُلُهُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ " الْقُرْعَةُ " فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقِيلَ : يُقْرَعُ ، كَمَا لَوْ اخْتَارَهُمَا مَعًا ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ ، بَلْ تُقَدَّمُ الْأُمُّ اسْتِصْحَابًا " لِمَا كَانَ لَهَا " " قَاعِدَةٌ " مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ " اسْتَقَلَّ " بِالْحَقِّ وَلَا يَحْتَاجُ إذْنَ الْبَاقِينَ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا : بَابُ الْقِسْمَةِ إذَا "
جَرَتْ " بِالتَّرَاضِي لَا بِالِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ " التَّرَاضِي " بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ فِي الْأَصَحِّ ، وَلَا يَكْفِي الرِّضَا الْأَوَّلُ .
ثَانِيهِمَا : بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِبِنَائِهِ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ تَوَلَّاهُ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ فَلَوْ مَنَعَ غَيْرَهُ امْتَنَعَ ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُنْقَضُ " بِخُرُوجِهَا " لِغَيْرِهِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إبْرَائِهِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ .
الْقُصَارَةُ جَعَلُوهَا " فِي الْفَلَسِ عَيْنًا وَفِي الْغَصْبِ أَثَرًا " وَالضَّابِطُ : أَنَّ الْوَضْعَ إنْ كَانَ " مُحْتَرَمًا " فَعَيْنٌ وَأَلَّا فَأَثَرٌ
الْقَضَاءُ مُقَابِلُ الْأَدَاءِ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ : الْأَوَّلُ : لَا يُؤْمَرُ بِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ " سَبَبُ " الْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ ، وَالْمُرَادُ بِالسَّبَبِ " الْمُقْتَضِي " مَا هُوَ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ سَوَاءٌ قَارَنَهُ مَانِعٌ مِنْ تَرَتُّبِ حُكْمِهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا ، فَإِذَا تَقَدَّمَ السَّبَبُ وَلَمْ يَفْعَلْ أُمِرَ بِالْقَضَاءِ .
وَمَتَى لَمْ يَتَقَدَّمْ السَّبَبُ أَصْلًا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَضَاءِ وَكَذَلِكَ تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا يَقْضِي لِوُجُودِ " سَبَبِ الْوُجُوبِ " ، وَالنَّائِمُ يَقْضِي لِوُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي قَارَنَهُ " مَانِعُ " الْوُجُوبِ وَهُوَ النَّوْمُ .
وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِيمَا " انْعَقَدَ سَبَبُ " وُجُوبِهِ وَلَمْ يَجِبْ ، إمَّا لِمَانِعٍ " أَوْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ " أَوْ تَخْفِيفًا مِنْ الشَّارِعِ هَلْ يُسَمَّى تَدَارُكُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءً عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ ، فَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ حَقِيقَةٌ سَوَاءٌ تَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ فِعْلِهِ " فِي الْوَقْتِ " كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي كَانَ يُطِيقُ الصَّوْمَ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ شَرْعًا كَالْحَائِضِ أَوْ عَقْلًا كَالنَّائِمِ ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ : إطْلَاقُ اسْمِ الْقَضَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ ، لَكِنَّهُ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي كَانَ يَخْشَى الْهَلَاكَ فِي الصَّوْمِ وَتَرَدَّدَ فِي بَقِيَّةِ " الصُّوَرِ " ثُمَّ رَجَّحَ كَوْنَهُ مَجَازًا ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ إلَّا أَنْ يُلْحَظَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ فِي النِّيَّةِ .
وَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ : إحْدَاهَا " : أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ إذَا بَلَغَ لَا يُؤْمَرُ " بِقَضَاءِ " الصَّلَاةِ ، " لَا إيجَابًا " وَلَا نَدْبًا ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي ذِمَّتِهِ " سَبَبُ " الْوُجُوبِ .
وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا فَتَرَكَهَا ثُمَّ بَلَغَ أُمِرَ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَدْبًا ، كَمَا كَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَدَاؤُهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا : إنَّهُ مَأْمُورٌ " بِأَمْرِ الشَّرْعِ " فَإِنْ قُلْنَا : بِأَمْرِ
الْوَلِيِّ فَلَا " وَقَدْ حَكَى " ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ رِوَايَةِ الْجِيلِيِّ فِي أَمْرِهِ بِالْقَضَاءِ وَجْهَيْنِ وَلَعَلَّ مَأْخَذَهُمَا مَا ذَكَرْنَا الثَّانِيَةُ : أَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا أَفَاقَ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَحَبَّ ، لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّهِ رُخْصَةٌ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ تَخْفِيفًا ، لَكِنْ قَالُوا : إنَّهُ لَا يُنْدَبُ فِي حَقِّهِ قَضَاءُ النَّوَافِلِ " لِسُقُوطِ " الْفَرَائِضِ .
الثَّالِثَةُ : أَنَّ الْحَائِضَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا بَعْدَ الطُّهْرِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ ، لِأَنَّ سُقُوطَهَا فِي حَقِّهَا عَزِيمَةٌ وَلَيْسَتْ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْوُجُوبِ ، بَلْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ " أَبِي بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيِّ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْقَضَاءُ ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ الْكَرَاهَةُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ إلَّا مَا اتَّصَفَ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ ، " فَإِنَّهَا تُوصَفُ " بِالْأَدَاءِ وَلَا تُقْضَى .
وَمِثْلُهُ الْوُضُوءُ فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ أَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَلَا يَدْخُلُهُ " الْقَضَاءُ " ، فَلَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ " وَصَلَّى بِهِ تِلْكَ الصَّلَاةَ " وَقَعَتْ قَضَاءً ، وَلَا يُوصَفُ " الْوُضُوءُ " بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوصَفَ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ ، كَذَا تَرَدَّدَ فِيهِ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ تَفَقُّهًا ، وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَكَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَقُولُ : الطَّهَارَةُ لَا يَدْخُلُهَا الْقَضَاءُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى رَأْيِ أَبِي إِسْحَاقَ ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ لَابِسَ خُفٍّ فِي الْحَضَرِ فَأَحْدَثَ بَعْدَ الزَّوَالِ مَثَلًا وَهُوَ مُقِيمٌ وَخَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُوَ مُقِيمٌ وَسَافَرَ ثُمَّ مَسَحَ فِي السَّفَرِ " فَإِنَّهُ " عِنْدَهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ ، لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَنْ الطَّهَارَةِ اللَّازِمَةِ .
وَلَوْ تَطَهَّرَ فِي الْإِقَامَةِ وَمَسَحَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَسْحُ مُقِيمٍ ، " فَكَذَلِكَ " فِي قَضَائِهَا .
وَقَدْ أُورِدَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ إلَّا إذَا أَمْكَنَ وَصْفُهُ بِضِدِّهِ ، كَالْإِجْزَاءِ وَالصِّحَّةِ " لَا " يُوصَفُ بِهِمَا إلَّا مَا أَمْكَنَ وُقُوعُهُ غَيْرَ مُجْزِئٍ وَغَيْرَ صَحِيحٍ فَكَيْفَ تُوصَفُ الْجُمُعَةُ بِالْأَدَاءِ وَلَا تَقَعُ " غَيْرَ " مُؤَدَّاةٍ .
وَأُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَنْعُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَقَدْ يُوصَفُ " الشَّيْءُ " بِمَا لَا يُوصَفُ بِضِدِّهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْجُمُعَةَ تُقْضَى ظُهْرًا ، وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ اشْتِرَاكٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَقَبِلَتْ الْوَصْفَ بِذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ بَعْدَ الْوَقْتِ بِجَهْلٍ مِنْ فَاعِلِهَا سُمِّيَتْ قَضَاءً فَاسِدًا فَصَحَّ وَصْفُ الْجُمُعَةِ
بِالْقَضَاءِ لَمَّا صَحَّ وَصْفُ الصَّلَاةِ بِالْفَسَادِ ، وَقِيلَ : يُتَصَوَّرُ قَضَاءُ الْجُمُعَةِ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا وَتَكُونَ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ بِسَبَبِ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ ثُمَّ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ ، لَكِنْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ هَا هُنَا ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ الظُّهْرُ فَلَا يَقْضِي غَيْرَهَا .
الثَّالِثُ : الْعِبَادَاتُ تَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا " : مَا لَا يُوصَفُ بِقَضَاءٍ وَلَا أَدَاءٍ كَغَيْرِ الْمُؤَقَّتِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الذُّنُوبِ وَإِنْ أَثِمَ الْمُؤَخِّرُ لَهَا عَنْ الْمُبَادَرَةِ فَلَوْ تَدَارَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى قَضَاءً .
الثَّانِي : مَا يُوصَفُ بِهِمَا وَهُوَ مَا لَهُ وَقْتٌ " مُحَدَّدٌ " مِنْ الْفَرَائِضِ قَطْعًا ، " وَكَذَا " النَّوَافِلُ عَلَى الْأَظْهَرِ .
الثَّالِثُ : " مَا قَبْلَ " الْأَدَاءِ دُونَ الْقَضَاءِ وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَالْوُضُوءُ عَلَى مَا سَبَقَ وَحُكِيَ فِي الْبَيَانِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ " أَنَّ الْجُمُعَةَ " إذَا فَاتَتْ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ " الرَّكْعَتَيْنِ " ، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ ، قَالَ الْإِمَامُ : لَا مَعْنَى لِقَضَائِهَا فَإِنَّ النَّاسَ وَإِنْ سَقَوْا فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ بِصُورَةِ الِاسْتِسْقَاءِ " وَيُقِيمُونَهَا شُكْرًا " ، وَكَذَا صَلَاةُ " الْخُسُوفِ " لَا تُقْضَى بَعْدَ الِانْجِلَاءِ بِلَا خِلَافٍ ، " فَإِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ " لَيْسَتْ بِمُؤَقَّتَةٍ ، وَكَذَلِكَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الِاسْتِسْقَاءِ ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ لِمَعْنًى فَفَاتَتْ بِفَوَاتِهِ ، وَكَذَلِكَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ ، فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ " وَجَلَسَ " فَاتَتْ ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : وَلَا نَقُولُ : يَقْضِي ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا " لِسَبَبٍ " وَهُوَ احْتِرَامُ الْمَسْجِدِ ، وَقَدْ فَاتَ السَّبَبُ وَوُجِدَ التَّضْيِيعُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ بَانَ كَوْنُهُ مُحْدِثًا لَا " يَلْزَمُهُ " الْقَضَاءُ وَلَوْ فَعَلَ كَانَ ابْتِدَاءَ فِعْلٍ ، وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ الْمُتَطَوِّعُ بِهَا ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ لَا يَقْضِي قَطْعًا ، لِإِمْكَانِ تَدَارُكِهَا أَدَاءً مِنْ السُّنَّةِ الْأُخْرَى ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الْآتِيَةِ : قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَعْتَادُ صَوْمَ أَيَّامٍ تَطَوُّعًا فَتَرَكَ الصَّوْمَ فَلَيْسَ
" يَتَحَقَّقُ عِنْدِي " قَضَاؤُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ " أَفْسَدَهُ " بَعْدَ التَّحَرُّمِ بِهِ فَإِنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ يَكُونُ ابْتِدَاءَ تَطَوُّعٍ ، وَالْأَيَّامُ الَّتِي رَغَّبَ " الشَّارِعُ " فِي التَّطَوُّعِ بِصَوْمِهَا إذَا لَمْ يَصُمْهَا فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ قَضَائِهَا ، وَلَوْ تَحْرُمُ " بِالصَّوْمِ " ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَقَدْ يَتَخَيَّلُ إمْكَانَ الْقَضَاءِ وَلَسْتُ أَرَاهُ " أَيْضًا " وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى " انْتَهَى " .
ضَابِطٌ : حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ التَّقَرُّبُ بِهِ ابْتِدَاءً لَا يُقْضَى كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ وُجُودِ سَبَبِهِمَا ، وَمَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِهِ ابْتِدَاءً كَنَافِلَةِ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا هَلْ تُقْضَى فِيهِ قَوْلَانِ .
وَمِنْهُ " سَجْدَةُ " التِّلَاوَةِ ، وَقَدْ نَازَعَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهَا فَإِنَّهَا رَكْعَتَانِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ مَعَ أَنَّ قَضَاءَ الْعِيدِ مَشْرُوعٌ أَيْضًا .
الرَّابِعُ : يَنْقَسِمُ حَالُ الْمُكَلَّفِ فِي الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَقْسَامٍ " الْأَوَّلُ " مَنْ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ ، وَهُوَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَالْمُتَحَيِّرَةُ وَالْمُصَلِّي " عَارِيًّا " وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَعْذَارِ النَّادِرَةِ .
الثَّانِي : مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ وَلَا الْقَضَاءُ " وَهُوَ " الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فِيمَا فَاتَهُمَا مِنْ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْعُذْرِ .
الثَّالِثُ : مَنْ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ وَهُوَ " الْمُكَلَّفُ " الْكَامِلُ إذَا أَدَّاهَا بِشَرْطِهَا ، وَكَذَا مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ ، لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى .
وَيَنْقَسِمُ حَالُهُ فِي الصَّوْمِ إلَى أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَالْمُجَامَعِ فِي رَمَضَانَ .
ثَانِيهَا : مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْمُفْطِرُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَوْ " الْمَرَضِ " وَيَمُوتُ قَبْلَ زَوَالِ عُذْرِهِ
.
ثَالِثُهَا : مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ كَالْمُفْطِرِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ .
رَابِعُهَا : عَكْسُهُ كَالشَّيْخِ " الْهَرِمِ " .
فَائِدَةٌ : قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ : كُلُّ عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ إذَا تَرَكَهَا الْمُكَلَّفُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ أَوْ الْكَفَّارَةُ إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ إذَا أَوْجَبْنَاهُ فَدَخَلَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ ثَانِيًا يَقْتَضِي إحْرَامًا آخَرَ فَهُوَ وَاجِبٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَا بِالْقَضَاءِ نَعَمْ ، لَوْ صَارَ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ كَالْحَطَّابِ قَضَى لِتَمَكُّنِهِ .
وَقَدْ نُوَزِّعُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا " وَجَبَ " الْقَضَاءُ يَخْرُجُ ثُمَّ يَعُودُ مُحْرِمًا ، وَلَا نَقُولُ : إنَّ عَوْدَهُ يَقْتَضِي إحْرَامًا آخَرَ " كَمَا إذَا دَخَلَهَا لِنُسُكٍ " يَكْفِيهِ الْإِحْرَامُ بِهِ .
" وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ بِضْعُ عَشْرَةِ صُورَةٍ " لَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِيهَا : " إحْدَاهَا " : " الثَّانِيَةُ : مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ وَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَقِيلَ : يُمْكِنُ " الْقَضَاءُ " بِأَنْ يُسَافِرَ ثُمَّ يَقْضِيَ مَا أَفْطَرَ أَوْ يَصُومَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ .
" الثَّالِثَةُ " : إذَا تَرَكَ إمْسَاكَ يَوْمِ الشَّكِّ وَثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ وَاجِبٌ وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِتَرْكِهِ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ .
" الرَّابِعَةُ " : إذَا فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ عَنْ اثْنَيْنِ غَيْرَ مُتَحَرِّفٍ لِقِتَالٍ وَلَا مُتَحَيِّزٍ " إلَى فِئَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ مَتَى لَقِيَ مَنْ " يَجِبُ " قِتَالُهُ وَجَبَ قِتَالُهُ فَهَذَا اللِّقَاءُ لَا قَضَاءَ " لَهُ " .
" الْخَامِسَةُ " : رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ أَخَّرَهُ سَقَطَ عَنْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ تَعْلِيقِهِ ، " وَيُبْنَى " عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِرَدِّ
السَّلَامِ لَا يُقْبَلُ .
" السَّادِسَةُ " : لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ بِالْجِمَاعِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فَلَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ بِالْجِمَاعِ " أَيْضًا " " لَزِمَتْهُ " الْكَفَّارَةُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِهَذَا الثَّانِي قَضَاءٌ .
" السَّابِعَةُ " : مَنْ نَذَرَ " أَنْ يَحُجَّ " كُلَّ سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ فَفَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي صِيَامِ الدَّهْرِ .
" الثَّامِنَةُ " إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَأَخَّرَ وَاحِدَةً فَصَلَّاهَا فِي آخَرِ الْوَقْتِ " التَّاسِعَةُ " : إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَاضِلِ مِنْ قُوتِهِ كُلَّ يَوْمٍ فَأَتْلَفَ الْفَاضِلَ فِي يَوْمٍ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْفَاضِلَ عَنْ قُوتِهِ بَعْدَ هَذَا يَسْتَحِقُّ التَّصَدُّقَ بِهِ بِالنَّذْرِ لَا بِالْغُرْمِ .
" الْعَاشِرُ " : لَوْ نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ فَمَلَكَ عَبْدًا وَأَخَّرَ الْعِتْقَ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهُ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ .
" الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ " : نَفَقَةُ الْقَرِيبِ إذَا فَاتَ مِنْهَا يَوْمٌ أَوْ أَيَّامٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ [ قَضَاؤُهُ ] ، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ .
" الْخَامِسُ " : مَا وَجَبَ قَضَاؤُهُ تَارَةً يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا إذَا " أُفْسِدَتْ " الْعِبَادَةُ أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَتَارَةً يَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَا إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : " إحْدَاهُمَا " : فِي الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فِي هَذَا " الْعَامِ " وَجَبَ التَّدَارُكُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا أَفْطَرَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي السَّادِسُ : إنَّ التَّرْتِيبَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْوَقْتِ وَقَدْ فَاتَ .
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ : يَجِبُ " اعْتِبَارًا لِلْقَضَاءِ " بِالْأَدَاءِ ، قَالَ الْإِمَامُ فِي الْأَسَالِيبِ وَيَلْزَمُهُمْ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي رِعَايَةِ التَّتَابُعِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ مِنْ
حَيْثُ إنَّ الْأَيَّامَ كَانَتْ مُتَتَابِعَةً فِي الْأَدَاءِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ .
وَمِنْهَا لَوْ لَمْ يَصُمْ الْمُتَمَتِّعُ الثَّلَاثَ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ الْعَشَرَةِ ، وَهَلْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ صَوْمِ الثَّلَاثِ " وَالسَّبْعِ " ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ، لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْأَدَاءِ ، كَمَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ صَوْمَ السَّبْعِ عَلَى الثَّلَاثِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ وَلَهُ أَنْ يَصُومَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ ، لِأَنَّ التَّفَرُّقَ فِي الْأَدَاءِ كَانَ لِحَقِّ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ أُرْفِقَ بِهِ ، فَإِذَا صَارَ قَضَاءً سَقَطَ التَّفْرِيقُ ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَدَاءِ فِي أَوْقَاتِهَا فَإِذَا قُضِيَتْ جَازَ قَضَاؤُهَا مُتَتَابِعَةً .
وَمِنْهَا " لَوْ " تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ جَازَ قَضَاؤُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ بِاللَّيْلِ ، لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ فَعَلَى الْأَصَحِّ هَلْ تَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ " بَيْنَ " الْقَضَاءِ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ يَرْمِي أَوَّلًا عَنْ الْقَضَاءِ إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعًا ثُمَّ يَعُودُ فَيَرْمِي عَنْ الْأَدَاءِ ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ ، لِأَنَّ التَّرْتِيبَ " يَسْتَحِقُّ " عَلَيْهِ لِحَقِّ الْوَقْتِ ، فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ .
وَمِنْهَا لَوْ تَرَكَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ وَقَضَاهُ فِي السَّفَرِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْأَدَاءِ " فِي السَّفَرِ ، قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ : إنْ كَانَ مَعْذُورًا حَالَ أَدَاءِ الصَّوْمِ وَأَفْطَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي الْقَضَاءِ بِعُذْرِ السَّفَرِ ، وَقِيلَ : يُفْطِرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فِي الْأَصْلِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ هُوَ أَنَّهُ ، لَوْ افْتَتَحَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَهُ فِي الْحَضَرِ وَشَرَعَ فِي قَضَائِهِ " فِي السَّفَرِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّلَاةُ لَوْ افْتَتَحَهَا تَمَامًا فِي السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَصْرُهَا ، فَكَذَلِكَ إذَا
تَرَكَهَا فِي الْحَضَرِ وَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ فِي حَقِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ .
الْقِنْيَةُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُكَلَّفِ اقْتِنَاءُ أُمُورٍ : مِنْهَا : الْكَلْبُ لِمَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ " بَقِيَّةُ " الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ ، الْحَدَأَةُ " وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْحَيَّةُ " .
وَمِنْهَا : آلَاتُ الْمَلَاهِي حَتَّى " الشَّبَّابَةُ " وَزَمَّارَةُ الرُّعَاةِ .
وَمِنْهَا : أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَسَقْفُ الْبَيْتِ الْمَطْلِيُّ " بِهِمَا " إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ " لَوْ عُرِضَ " عَلَى النَّارِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ فِي الْمِيزَانِ فَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ لَمْ يَحْرُمْ اسْتِدَامَتُهُ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ حَرَامًا .
وَمِنْهَا : الْخَمْرُ " وَلَوْ " كَانَتْ مُحْتَرَمَةً عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " حَيْثُ أَوْجَبَ " إرَاقَتَهَا " مُطْلَقًا خِلَافًا لِلْمَرَاوِزَةِ ، " وَتَابَعَهُمْ " الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَمِنْهَا : الصَّنَمُ وَالْأَوْثَانُ " وَالْقِرْدُ " وَمِنْهَا : الصُّوَرُ الْمَنْقُوشَةُ فِي الْجِدَارِ " وَالسُّقُوفِ " دُونَ مَا فِي الْمَمَرِّ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ وَمَا يُدَاسُ عَلَى الْبِسَاطِ ، فَهَذَا يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ وَلَا يَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ .
الْقِيمَةُ هَلْ هِيَ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالْمُتَقَوِّمِ أَوْ هِيَ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ رَغَبَاتُ الرَّاغِبِينَ فِي اتِّبَاعِهَا ؟ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي .
قُلْت : " وَفِي أَصْلِ " هَذَا الْخِلَافِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ اسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْغَصْبِ ، قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ : وَهُوَ " يَقْرَبُ " بَعْضَ الْقُرْبِ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمُلَاحَةَ هَلْ هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ " أَوْ جِنْسٌ " يُعْرَفُ بِنَفْسِهِ أَوْ هِيَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ مَيْلِ الطِّبَاعِ .
قُلْت : وَهَذَا الْخِلَافُ الثَّانِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ السَّلَمِ .
وَقِيمَةُ النِّصْفِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ ، لِأَنَّ التَّشْقِيصَ عَيْبٌ .
وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي فَصْلِ التَّرَاجُعِ فِي خُلْطَةِ الزَّكَاةِ : قَدْ يَقْتَضِي الْأَخْذُ رُجُوعَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دُونَ التَّرَاجُعِ ، كَمَا فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ " فَيَرْجِعُ " الْمَأْخُوذُ مِنْهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهَذَا صَوَابُ الْعِبَارَةِ ، وَلَا يُقَالُ : قِيمَةُ النِّصْفِ فَإِنَّهُ أَقَلُّ ، وَمَنْ عَبَّرَ بِهَا فَهُوَ مُتَأَوِّلٌ .
وَلَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَهْرُ تَالِفٌ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : الْعِبَارَةُ " الْقَوِيَّةُ " أَنْ يُقَالَ : يَرْجِعُ بِنِصْفِ " الْقِيمَةِ " وَلَا يُقَالُ : بِقِيمَةِ النِّصْفِ ، كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا إنْكَارَ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِيهِ .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ : تَسَاهَلَ الْأَصْحَابُ فِي إطْلَاقِهِمْ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَمُرَادُهُمْ قِيمَةُ النِّصْفِ وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ .
انْتَهَى .
وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ الْمُطَلِّقَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ " الشَّطْرَ " فَإِذَا وَجَدَهُ " فَائِتًا " غَرِمَتْ لَهُ بَدَلَهُ وَهُوَ مِثْلُ نِصْفِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَةُ نِصْفِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ التَّشْقِيصَ عَيْبٌ مُسَلَّمٌ ، " لَكِنْ " الزَّوْجُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَرْعًا إلَّا الشِّقْصُ
وَلَمْ تُتْلِفْهُ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ .
فَإِنْ قِيلَ : الشَّرِيكُ إذَا أَتْلَفَ الْمُشْتَرَكَ الْمُتَقَوِّمَ يَغْرَمُ قِيمَةَ النِّصْفِ أَوْ نِصْفَ الْقِيمَةِ ؟ قُلْنَا : نِصْفُ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ إتْلَافَهَا إلَّا مِلْكَهَا ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْجَمِيعَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا الدُّخُولُ شَرْطٌ لِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغَصْبِ ، لَوْ غَصَبَ شَرِيكٌ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فِي عَبْدٍ مَثَلًا وَتَلِفَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الشَّرِيكِ الْغَاصِبِ نِصْفُ الْقِيمَةِ ، وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَ : الْوَاجِبُ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَا نَظِيرُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ، فَلَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى التَّنْصِيفِ كَانَ الْوَاجِبُ قِيمَةَ النِّصْفِ لَا نِصْفَ الْقِيمَةِ .
وَكَذَا فِي الشُّفْعَةِ ، لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا بِنِصْفِ عَبْدٍ مَثَلًا فَالْوَاجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ قِيمَةُ نِصْفِ الْعَبْدِ ، لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى نِصْفِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ نِصْفُ الْقِيمَةِ ، وَقَدْ نَبَّهَ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْوَصَايَا .
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّدَاقِ وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ " يُطَالِبُهَا " بِنِصْفِ الْقِيمَةِ فَلَعَلَّهُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ ، أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَهُوَ مَحِلُّ التَّوَقُّفِ .
عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْفَرْقُ وَهُوَ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْإِصْدَاقِ لَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي نِصْفِ " الصَّدَاقِ " مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ زَائِدًا فَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَدْفَعَ لَهُ الْبَدَلَ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا " أَنَّهُ " لَوْ انْفَسَخَ " الْعَقْدُ " قَبْلَ الدُّخُولِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ كَالرَّضَاعِ وَرِدَّتِهَا وَالصَّدَاقُ زَائِدٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ إلَّا الْقِيمَةُ فَلَمَّا " تَخَيَّلْنَا تَعَلُّقَهُ " بِالْقِيمَةِ كُلِّهَا " تَخَيَّلْنَا " عِنْدَ " الشَّطْرِ " النِّصْفَ وَبِهَذَا تَنْفَصِلُ صُورَةُ الْإِصْدَاقِ عَنْ نَظَائِرِهَا .
حَرْفُ الْكَافِ الْكُفْرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ إنْكَارُ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَإِنْكَارِ " وُجُودِ " الصَّانِعِ وَنُبُوَّتِهِ " عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " وَحُرْمَةِ الزِّنَى وَنَحْوِهِ .
وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِي كُلِّ مَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ " مَجِيئُهُ بِهِ " قَالَ " الزَّنْجَانِيُّ " فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ : هَكَذَا ضَبَطَهُ أُسْتَاذُنَا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ " وَهُوَ غَيْرُ وَافٍ بِالْمَقْصُودِ إذْ الْإِنْكَارُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ ، وَالْكُفْرُ " قَدْ " يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ وَإِنْكَارُ مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ الضَّرُورِيَّاتِ وَهُوَ كُفْرٌ فِي الْأَصَحِّ ، وَأَيْضًا فَإِنَّا قَدْ نُكَفِّرُ الْمُجَسِّمَ وَالْخَارِجِيَّ وَبُطْلَانُ قَوْلِهِمْ لَيْسَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ وَأَيْضًا فَالطَّاعِنُ فِي عَائِشَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالْقَذْفِ كَافِرٌ إجْمَاعًا وَبَرَاءَتُهَا ثَبَتَتْ " بِالْقُرْآنِ " وَالْأَدِلَّةُ اللَّفْظِيَّةُ عِنْدَهُ غَيْرُ مُوجِبَةٍ " لِلْعِلْمِ " فَضْلًا عَنْ الضَّرُورِيِّ وَشَرْطُ الْحَدِّ أَنْ يَكُونَ مُنْعَكِسًا ، قَالَ : وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَعْضَ الْأَقْوَالِ صَرِيحٌ فِي الْكُفْرِ وَبَعْضَهَا فِي مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ بَالَغَ فِيهِ وَجَعَلَ يَعُدُّ أَلْفَاظًا جَرَتْ بِهَا عَادَةُ " الْعَوَامّ " سِيَّمَا الشُّطَّارُ " " مِنْهَا " مَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا لَا ، وَفِي الْجُمْلَةِ " تَعْدَادُ الصُّوَرِ " مِمَّا يَتَعَذَّرُ " أَوْ يَتَعَسَّرُ " حَتَّى قَالُوا : مَنْ أَنْكَرَ مَسْأَلَةً مِنْ مَسَائِلِ الشَّرْعِ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَهُوَ خَطَأٌ عَظِيمٌ وَجَهْلٌ ظَاهِرٌ .
وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْمُجْتَهَدُ فِيهَا يُنْكِرُهَا الْمُخَالِفُونَ " فَلَا " شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ شَرْعٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ كَذَلِكَ بِالْجُمْلَةِ ، فَالتَّكْفِيرُ وَالتَّضْلِيلُ وَالتَّبْدِيعُ خَطَرٌ ، وَالْوَاجِبُ الِاحْتِيَاطُ وَعَلَى الْمُكَلَّفِ الِاحْتِرَازُ عَنْ مَوَاقِعِ الشُّبْهَةِ وَمَظَانِّ الزَّلَلِ
وَمَوَاضِعِ الْخِلَافِ .
انْتَهَى .
وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِأَفْعَالٍ كَلُبْسِ الزُّنَّارِ وَنَحْوِهِ عَلَى الضَّابِطِ .
فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ كُفْرًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ عَدَمُ التَّصْدِيقِ بَاطِنًا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ جَعَلَ الشَّرْعُ لَهُ مُعَرِّفَاتٍ يَدُورُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ لَا يَأْتِي بِهَذَا وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ الْكُفْرُ عَنْ أَوَّلِ التَّصْدِيقِ .
الثَّانِي : أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِ جَاحِدِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَنْ جَحَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فِيهِ نَصٌّ وَهُوَ مِنْ أُمُورِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهَا الْخَوَاصُّ " وَالْعَوَامُّ " كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَمَنْ جَحَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِكَافِرٍ .
قَالَ : وَمَنْ جَحَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ ظَاهِرًا لَا نَصَّ فِيهِ فَفِي الْحُكْمِ بِتَكْفِيرِهِ خِلَافٌ ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْسِنْ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْإِجْمَاعِ .
وَقَالَ : كَيْفَ نُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ رَدَّ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ ، وَإِنَّمَا نُبَدِّعُهُ وَنُضَلِّلُهُ ، وَأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ ثَابِتٌ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ حَلَّلَهُ " فَإِنَّهُ " يَكُونُ " رَدًّا " لِلشَّرْعِ .
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ تَارَةً يَصْحَبُهَا التَّوَاتُرُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَوُجُوبِ الْخُمُسِ وَقَدْ لَا يَصْحَبُهَا فَالْأَوَّلُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاتُرَ لَا " لِمُخَالَفَتِهِ " الْإِجْمَاعَ ، قَالَ : وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا " الزَّمَانِ " مِمَّنْ يَدَّعِي الْحِذْقَ فِي الْمَعْقُولَاتِ وَيَمِيلُ إلَى الْفَلْسَفَةِ فَظَنَّ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ " فِي حُدُوثِ " الْعَالَمِ مِنْ قَبِيلِ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ ، وَأَخَذَ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ لَا يُكَفَّرُ مُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ - أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ الْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَهَذَا " الْكَلَامُ " سَاقِطٌ بِمَرَّةٍ ، لِأَنَّ " حُدُوثَ " الْعَالَمِ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَالتَّوَاتُرُ بِالنَّقْلِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَيُكَفَّرُ الْمُخَالِفُ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ لَا بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ .
الثَّالِثُ : لَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ ، أَيْ لَا نُكَفِّرُهُمْ بِالذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ الْمَعَاصِي كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ حَيْثُ كَفَّرُوهُمْ بِهَا .
أَمَّا تَكْفِيرُ بَعْضِ " الْمُبْتَدَعَةِ " لِعَقِيدَةٍ تَقْتَضِي " كُفْرَهُ " حَيْثُ يَقْتَضِي الْحَالُ الْقَطْعَ بِذَلِكَ أَوْ تَرْجِيحَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِنَا : بِذَنْبٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بِكُفْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْطَعُ بِعَدَمِ كُفْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مَحِلُّ التَّرَدُّدِ .
فَمِنْ الْأَوَّلِ : تَكْفِيرُ مَنْ صَارَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ إلَى قِدَمِ الْعَالَمِ " وَإِنْكَارِ " حَشْرِ الْأَجْسَادِ وَعِلْمِ اللَّهِ " تَعَالَى " بِالْكُلِّيَّاتِ دُونَ الْجُزْئِيَّاتِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ .
وَقَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ " الْإِمَامِ " الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ : لَا " يُكَفَّرُ " مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إلَّا " وَاحِدٌ " وَهُوَ مَنْ نَفَى عِلْمَ اللَّهِ عَنْ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ كَوْنِهَا فَهُوَ كَافِرٌ .
وَمِنْ الثَّانِي : الْمُبْتَدِعُ الَّذِي لَا تَبْلُغُ بِدْعَتُهُ إنْكَارَ أَصْلٍ فِي الدِّينِ وَمِنْ الثَّالِثِ : مَنْ خَالَفَ أَهْلَ السُّنَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعَقَائِدِ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ : فَهَؤُلَاءِ أَمْرُهُمْ فِي مَحِلِّ الِاجْتِهَادِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ عَنْ التَّكْفِيرِ مَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا ، فَإِنَّ اسْتِبَاحَةَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ مِنْ الْمُصَلِّينَ إلَى الْقِبْلَةِ الْمُصَرِّحِينَ بِالتَّوْحِيدِ خَطَأٌ ، وَالْخَطَأُ فِي تَرْكِ أَلْفِ كَافِرٍ فِي الْحَيَاةِ أَهْوَنُ مِنْ الْخَطَأِ فِي سَفْكِ دَمِ مُسْلِمٍ .
قَالَ : وَقَدْ وَقَعَ التَّكْفِيرُ لِطَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُكَفِّرُ " بَعْضُهَا " بَعْضًا ، فَالْأَشْعَرِيُّ يُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلِيَّ زَاعِمًا أَنَّهُ كَذَّبَ الرَّسُولَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ " تَعَالَى " ، وَفِي إثْبَاتِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالصِّفَاتِ ، وَفِي الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ .
وَالْمُعْتَزِلِيُّ يُكَفِّرُ الْأَشْعَرِيَّ زَاعِمًا أَنَّهُ كَذَّبَ الرَّسُولَ فِي التَّوْحِيدِ ، فَإِنَّ إثْبَاتَ الصِّفَاتِ يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدَ الْقُدَمَاءِ .
قَالَ : وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ الْجَهْلُ " بِمَوْقِعِ " التَّكْذِيبِ وَالتَّصْدِيقِ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ " نَزَّلَ " قَوْلًا مِنْ أَقْوَالِ الشَّرْعِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الدَّرَجَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي لَا تُحَقِّقُ نَقْصًا فَهُوَ مِنْ " التَّعَبُّدِ " ، وَإِنَّمَا الْكَذِبُ أَنْ نَنْفِيَ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَانِي " وَيَزْعُمَ أَنَّ مَا قَالَهُ لَا مَعْنَى لَهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ كَذِبٌ مَحْضٌ وَذَلِكَ هُوَ الْكُفْرُ الْمَحْضُ " ، وَلِهَذَا لَا " يُكَفَّرُ " قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُذْبَحُ } ، فَإِنَّ مَنْ قَامَ عِنْدَهُ الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ عَرَضٌ أَوْ عَدَمُ عَرَضٍ وَأَنَّ " قَلْبَ " الْعَرَضِ " جِسْمًا " مُسْتَحِيلٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَيُنَزِّلُ الْخَبَرَ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْقِيَامَةِ يُشَاهِدُونَ ذَلِكَ وَيَعْتَمِدُونَ أَنَّهُ الْمَوْتُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي حِسِّهِمْ لَا فِي الْخَارِجِ وَيَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْيَقِينِ بِالْيَأْسِ عَنْ الْمَوْتِ .
قَالَ : وَقَدْ قَرَّرَ الْأَشْعَرِيَّةُ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ مِنْ ظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ ، وَالْمُعْتَزِلَةُ أَشَدُّ النَّاسِ غَلَطًا فِي التَّأْوِيلَاتِ .
وَقَدْ يَعْرِضُ الْخِلَافُ لِلْمُتَأَوِّلِينَ بِسَبَبِ الْبَحْثِ فِيهِ كَمَا فِي " حَدِيثِ وَزْنِ الْأَعْمَالِ " فَإِنَّ الْأَعْمَالَ أَعْرَاضٌ ، وَقَدْ عُدِمَتْ ، فَأَوَّلَهُ " الْأَشْعَرِيَّةُ " عَلَى وَزْنِ صَحَائِفِ الْأَعْمَالِ وَأَنَّهُ يَخْلُقُ فِيهَا أَوْزَانًا بِقَدْرِ دَرَجَاتِ الْأَعْمَالِ ،
وَالصَّحَائِفُ أَجْسَامٌ كُتِبَتْ فِيهَا ، " وَأَوَّلَ الْمُعْتَزِلَةُ نَفْسَ الْمِيزَانِ " ، " وَجَعَلَتْهُ " كِنَايَةً عَنْ سَبَبٍ " بِهِ " يَنْكَشِفُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِقْدَارُ عَمَلِهِ وَهُوَ أَبْعَدُ " فِي " التَّأْوِيلِ ، فَرَجَعَ حَاصِلُ الْخِلَافِ إلَى الْبَرَاهِينِ ، قَالَ " وَالْمُعْتَزِلِيُّ " يَقُولُ : لَا بُرْهَانَ عَلَى اسْتِحَالَةِ الرُّؤْيَةِ ، وَكَانَ كُلُّ " وَاحِدٍ يَرْفُضُ " مَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ " وَلَا يَرَاهُ " دَلِيلًا قَاطِعًا ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَسُوغُ لِكُلِّ فَرِيقٍ تَكْفِيرُ خَصْمِهِ بِمُجَرَّدِ ظَنِّهِ أَنَّهُ غَالَطَ فِي الْبُرْهَانِ نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ نُسَمِّيَهُ ضَالًّا ؛ لِأَنَّهُ ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ ، أَوْ مُبْتَدِعًا ؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَعَ أَقْوَالًا لَمْ يَقُلْهَا السَّلَفُ .
انْتَهَى مُلَخَّصًا .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : قَدْ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جَهْلًا بِالْمَوْصُوفَاتِ ، وَقَالَ : اخْتَلَفْنَا فِي عِبَارَاتٍ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ وَاحِدٌ ، وَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ بِمَنْ كَتَبَ إلَى عَبِيدِهِ " فَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ " فَاخْتَلَفُوا فِي صِفَاتِهِ هَلْ هُوَ أَبْيَضُ أَوْ أَسْوَدُ أَوْ أَحْمَرُ أَوْ أَسْمَرُ ؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي " صِفَتِهِ " اخْتِلَافٌ فِي كَوْنِهِ سَيِّدَهُمْ الْمُسْتَحِقَّ لِطَاعَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ ، فَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْمُسْلِمِينَ فِي صِفَاتِ الْإِلَهِ " لَيْسَ " اخْتِلَافًا فِي كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي جِهَةِ " " كَوْنِهِ خَالِقَهُمْ " وَسَيِّدَهُمْ الْمُسْتَحِقَّ لِطَاعَتِهِمْ ، فَإِنْ قِيلَ : يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ " وَتَعَالَى " فِي جِهَةِ كَوْنِهِ حَادِثًا قُلْنَا : لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ ، لِأَنَّ الْمُجَسِّمَةَ جَازِمُونَ بِأَنَّهُ فِي جِهَةٍ وَجَازِمُونَ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ .
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَاتِ كَالْقِدَمِ وَفِي الْأَحْوَالِ كَالْعَالَمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَفِي تَعَدُّدِ
الْكَلَامِ وَاتِّحَادِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُكَفِّرْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى كَوْنِهِ حَيًّا قَادِرًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا فَاتَّفَقُوا عَلَى كَمَالِهِ بِذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ .
وَقَالَ " الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ " " فِي " قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا جَازَ عَلَيْهِ } هَذَا وَعِيدٌ عَظِيمٌ لِمَنْ كَفَّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ " هُوَ " كَذَلِكَ " وَهُوَ وَرْطَةٌ " عَظِيمَةٌ وَقَعَ فِيهَا خَلْقٌ " كَثِيرٌ " مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقَائِدِ حَكَمُوا بِتَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَخَرَقَ حِجَابَ الْهَيْبَةِ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَشَوِيَّةِ .
وَهَذَا الْوَعِيدُ لَاحِقٌ بِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ خُصُومُهُمْ كَذَلِكَ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّكْفِيرِ وَسَبَبِهِ حَتَّى صُنِّفَ فِيهِ مُفْرَدًا وَاَلَّذِي " يَرْجِعُ " إلَيْهِ النَّظَرُ فِي هَذَا أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ هَلْ هُوَ مَذْهَبٌ أَمْ لَا ؟ فَمَنْ كَفَّرَ الْمُبْتَدِئَةَ قَالَ : إنَّهُ " مَذْهَبٌ فَيَقُولُ الْمُجَسِّمَةُ كُفَّارٌ " لِأَنَّهُمْ عَبَدُوا جِسْمًا وَهُوَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى كَفَرَ ، وَيَقُولُ : الْمُعْتَزِلَةُ كُفَّارٌ " لِأَنَّهُمْ وَإِنْ اعْتَرَفُوا بِأَحْكَامِ الصِّفَاتِ فَقَدْ أَنْكَرُوا الصِّفَاتِ وَيَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الصِّفَاتِ إنْكَارُ أَحْكَامِهَا ، وَمَنْ أَنْكَرَ أَحْكَامَهَا فَهُوَ كَافِرٌ ، " وَلِذَلِكَ " الْمُعْتَزِلَةُ نَسَبَتْ " إلَى غَيْرِهَا الْكُفْرَ " بِطَرِيقِ الْمَآلِ ، قَالَ : وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إلَّا بِإِنْكَارٍ مُتَوَاتِرٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ عَنْ صَاحِبِهَا فَأَنَّهُ " يَكُونُ " حِينَئِذٍ " مُكَذِّبًا لِلشَّرْعِ وَلَيْسَ مُخَالَفَةُ الْقَوَاطِعِ مَأْخَذَ التَّكْفِيرِ ، وَإِنَّمَا مَأْخَذُهُ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ السَّمْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ طَرِيقًا وَدَلَالَةً .
وَعَبَّرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ عَنْ هَذَا بِمَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ طَرِيقَ إثْبَاتِ الشَّرْعِ لَمْ يُكَفَّرْ كَمَنْ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ ، وَمَنْ أَنْكَرَ الشَّرْعَ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِطَرِيقَةِ كُفْرٍ ، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ ، " قَالَ " وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ
يَعْنِي بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّهُ قَالَ : لَا أُكَفِّرُ إلَّا مَنْ كَفَّرَنِي .
قَالَ الشَّيْخُ : وَرُبَّمَا خَفِيَ سَبَبُ هَذَا الْقَوْلِ " عَلَى " بَعْضِ النَّاسِ وَحَمَلَهُ عَلَى غَيْرِ " مَحْمَلِهِ " الصَّحِيحِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي " أَنْ " يُحْمَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْحُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ : كَافِرٌ ؛ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا } .
وَكَأَنَّ هَذَا الْمُتَكَلِّمَ يَقُولُ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ الْكُفْرُ لِأَحَدِ الشَّخْصَيْنِ " إمَّا الْمُكَفِّرُ أَوْ الْمُكَفَّرُ " ، فَإِذَا كَفَّرَنِي بَعْضُ النَّاسِ فَالْكُفْرُ وَاقِعٌ بِأَحَدِنَا " وَأَنَا " قَاطِعٌ " بِأَنِّي لَسْت " بِكَافِرٍ فَالْكُفْرُ رَاجِعٌ إلَيْهِ .
وَقَالَ " الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيُّ " : مَا دَامَ الْإِنْسَانُ يَعْتَقِدُ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَتَكْفِيرُهُ صَعْبٌ وَمَا يَعْرِضُ فِي قَلْبِهِ " مِنْ " بِدْعَةٍ إنْ لَمْ تَكُنْ مُضَادَّةً لِذَلِكَ لَا يُكَفَّرُ وَإِنْ كَانَتْ مُضَادَّةً " لَهُ " فَإِذَا عَرَضَتْ غَفْلَتُهُ عَنْهَا وَاعْتِقَادُهُ لِلشَّهَادَتَيْنِ مُسْتَمِرٌّ " فَأَرْجُو أَنَّ ذَلِكَ " يَكْفِيهِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمِلَّةِ كَذَلِكَ وَيَكُونُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا كَفَرَ بِهِ لَا بُدَّ فِي إسْلَامِهِ مِنْ تَوْبَتِهِ عَنْهُ فَهَذَا مَحِلُّ " النَّظَرِ " ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْعَقَائِدِ الَّتِي يُكَفَّرُ بِهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ قَدْ لَا يَعْتَقِدُهَا صَاحِبُهَا إلَّا حِينَ بَحْثِهِ يَوْمًا لِشُبْهَةٍ تَعَرَّضَ لَهُ " أَوْ مُجَادَلَةٍ لِغَيْرِهِ " .
وَفِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ يَغْفُلُ عَنْهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلشَّهَادَتَيْنِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمَوْتِ .
انْتَهَى .
وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ " فَلَا " وَجْهَ " لِلْوَقْفِ " فِيمَنْ صَدَرَتْ " مِنْهُ " ؛ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ ثُمَّ أَتَى بِمَا يُضَادُّهَا ؛ لِأَنَّهُ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ
الْمُضَادِّ فِي " كُلِّ آنٍ " وَغَفْلَتُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ " عَنْهَا " لَا يَقْتَضِي عَدَمَ مُؤَاخَذَتِهِ بِهَا ، كَمَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ إذَا غَفَلَ عَنْ عَقِيدَتِهِ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ ، ثُمَّ قَالَ : فَأَمَّا أَوْلَادُ الْمُبْتَدَعَةِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إذَا كَفَّرْنَاهُمْ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَوْلَادَهُمْ مُسْلِمُونَ مَا لَمْ يَعْتَقِدُوا بَعْدَ بُلُوغِهِمْ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ ؛ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ مُسْلِمِينَ ظَاهِرًا وَحُكْمُ اعْتِقَادِ أَبِيهِ لَا يَسْرِي " إلَيْهِ " .
قُلْت : " إذَا " انْعَقَدَ الْوَلَدُ بَعْدَ صُدُورِ الْعَقِيدَةِ الْمُكَفِّرَةِ مِنْ أَبَوَيْهِ فَهُوَ كَوَلَدِ الْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ ، وَالْأَظْهَرُ كَمَا " قَالَهُ " النَّوَوِيُّ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ ، وَنَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ الِاتِّفَاقَ عَلَى كُفْرِهِ فَقَدْ أَجْرَوْا حُكْمَ اعْتِقَادِ أَبِيهِ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ : ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى تَكْفِيرِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ أُصُولَ الْعَقَائِدِ بِأَدِلَّتِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ عَقْلًا وَنَقْلًا وَلَيْسَ الْإِيمَانُ عِبَارَةً عَمَّا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ " النُّظَّارُ " " بَلْ هُوَ نُورٌ " يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " { فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } ، وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِلَفْظَةِ التَّوْحِيدِ أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ } وَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مَأْخَذَ " التَّكْفِيرِ " مِنْ الشَّرْعِ لَا مِنْ الْعَقْلِ إذْ الْحُكْمُ بِإِبَاحَةِ الدَّمِ وَالْخُلُودِ فِي النَّارِ شَرْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ خِلَافًا لِمَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ .
انْتَهَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ نُسِبَ إلَى الْأَشْعَرِيِّ ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ " عَلَيْهِ " جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ " الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ " وَقَالَ : لَا يَصِحُّ عَنْهُ ، وَقَالَ " عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ " : إذَا تَرَكَ النَّظَرَ فِي الدَّلِيلِ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ مَا لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِكَافِرٍ عِنْدَهُ لِوُجُودِ مَا يُضَادُّ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ عَاصٍ بِتَرْكِهِ النَّظَرَ وَالِاسْتِدْلَالَ وَلِلَّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ .
انْتَهَى .
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ إيمَانًا كَامِلًا لَا نَفْيَ " الْإِيمَانِ " مُطْلَقًا وَإِلَّا لِمَا أَدْخَلَهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ .
الرَّابِعُ : اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " فِي أَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ مِلَلٌ وَالْمُرَجَّحُ أَنَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينٌ } فَجَعَلَ الْكُفْرَ كُلَّهُ دِينًا وَاحِدًا ، وقَوْله تَعَالَى { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ } .
" قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " : الْمُشْرِكُونَ فِي تَفَرُّقِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ يَجْمَعُهُمْ أَعْظَمُ الْأُمُورِ وَهُوَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ فَجَعَلَ " اخْتِلَافَهُمْ " كَاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْإِسْلَامِ ، فَالْمُسْلِمُونَ مُخْتَلِفُونَ ، وَالْكُلُّ عَلَى الْحَقِّ وَالْكُفَّارُ مُخْتَلِفُونَ وَالْكُلُّ عَلَى الْبَاطِلِ " وَرَجَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ " أَنَّهُ مِلَلٌ وَاحْتَجَّ بِمَا لَوْ ارْتَدَّ الْيَهُودِيُّ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَا يَقِرُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمَأْخَذُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ بَلْ الْمَعْنَى فِي عَدَمِ التَّقْرِيرِ " أَنَّهُ يَعْتَقِدُ " بُطْلَانَ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ " وَلَا يَقِرُّ الشَّخْصُ " عَلَى مَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ .
وَهُوَ إنْ اعْتَقَدَ بُطْلَانَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ " اعْتِقَادٌ " مُطَابِقٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .
وَبَنَى عَلَى هَذَا " فُرُوعٌ " كَثِيرَةٌ : كَجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ إنْ قُلْنَا : مِلَّةٌ ، وَإِلَّا امْتَنَعَ .
وَمِنْهَا : لَوْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةٌ وَلَهَا أَخٌ نَصْرَانِيٌّ وَأَخٌ يَهُودِيٌّ فَلَهُمَا الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا كَمَا يَتَشَارَكُونَ فِي مِيرَاثِهَا إنْ قُلْنَا : الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ ، وَلَا وَجْهَ لِتَرَدُّدِ الرَّافِعِيِّ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ يَعْقِلُ الْيَهُودِيُّ عَنْ النَّصْرَانِيِّ .
وَمِنْهَا : بَيْعُ الْعَبْدِ النَّصْرَانِيِّ مِنْ الْيَهُودِيِّ وَعَكْسِهِ " قَضِيَّةُ " كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازُ وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِالْمَنْعِ خَوْفًا مِنْ نَقْلِهِ إلَى دِينِهِ وَهُوَ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ وَخَالَفَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ وَقَالَ : لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِنَا تَهَوُّدَهُ أَوْ تَنَصُّرَهُ أَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ شِرَائِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْهُومٌ " وَإِنْ " كَانَ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ فَلَا مَحْذُورَ بَلْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّا لَا نَقْنَعُ مِنْهُ حِينَئِذٍ إلَّا بِالْإِسْلَامِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَالصَّوَابُ مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ .
الْخَامِسُ : الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ مُكَلَّفُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مَشْهُورٌ " وَأَنَّ " الْقَائِلِينَ بِتَكْلِيفِهِمْ هَلْ فَائِدَتُهُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْعِقَابِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَوْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ بَعْضُ الْأَحْكَامِ فِي الدُّنْيَا وَأَكْثَرُوا مِنْ الْفُرُوعِ فِي ذَلِكَ " بِمَا " حَاصِلُهُ " أَنَّا نُجْرِي " عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا : إذَا تَنَاكَحُوا فَاسِدًا وَأَسْلَمُوا " ثَانِيهَا " : إذَا تَبَايَعُوا وَتَقَابَضُوا كَذَلِكَ .
" ثَالِثُهَا " : لَا يُمْنَعُ الْجُنُبُ مِنْ " الْمُكْثِ " فِي الْمَسْجِدِ وَلَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ " مَسِّهِ " الْمُصْحَفَ ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ " رَابِعُهَا " : لَا يُحَدُّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ .
" خَامِسُهَا " : نِكَاحُهُ الْأَمَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ " الشُّرُوطُ " .
سَادِسُهَا : لَا يُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ " فِي الْأَصَحِّ وَمِثْلُهُ لُبْسُ الذَّهَبِ ، كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ .
سَابِعُهَا : لَا تَلْزَمُهُ إجَابَةُ مَنْ دَعَاهُ إلَى وَلِيمَةٍ .
ثَامِنُهَا : لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ " وَقِيلَ " : يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ أَسْلَمَ تَاسِعُهَا : لَا يُمْنَعُ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ بِحَنْيِ الظَّهْرِ إذَا مَنَعْنَا الْمُسْلِمَ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ عَاشِرُهَا : لِلْإِمَامِ اسْتِئْجَارُهُ لِلْجِهَادِ فِي الْأَصَحِّ .
حَادِيَ عَشَرَهَا : رَدُّ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ : وَقَعَ الْغَلَطُ لِجَمَاعَةٍ بِسَبَبِ هَذِهِ الْفُرُوعِ ، فَاعْتَقَدُوا عَدَمَ تَكْلِيفِهِمْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ شَرْعًا ، وَأَطْلَقُوا فِي حَقِّهِمْ الْإِبَاحَةَ حَتَّى اسْتَثْنَوْهَا مِنْ " هَذِهِ الْقَاعِدَةِ - يَعْنِي " قَاعِدَةَ التَّكْلِيفِ - وَهَذِهِ غَفْلَةٌ فَاحِشَةٌ ، وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِنَا : لَا يُمْنَعُونَ وَبَيْنَ قَوْلِنَا : لَهُمْ ذَلِكَ ، لِأَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ أَعَمُّ مِنْ الْإِذْنِ وَالْإِذْنُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَرِدْ وَقَدْ اسْتَنْكَرَ عِبَارَةَ " الْمِنْهَاجِ " فِيمَا إذَا صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ إحْدَاثَ الْكَنَائِسِ فَإِنَّهُمَا
تَقْتَضِي أَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْغَصْبِ مِنْ تَعْلِيقِهِ أَنَّا لَا نُطْلِقُ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا يُخَالِفُونَ فِيهِ الشَّرْعَ لَفْظَ التَّقْرِيرِ لَا عَلَى الْكُفْرِ وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَقَائِدِهِمْ الْخَبِيثَةِ وَإِنَّمَا جَاءَ الشَّرْعُ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ وَفَاءً بِالْعَقْدِ وَحِفْظًا لِعَقْدِ الْأَمَانِ الَّذِي جَرَى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا هُوَ التَّقْرِيرُ ؟ قُلْنَا " : لَا ، لِأَنَّ التَّقْرِيرَ يُوجِبُ فَوَاتَ الدَّعْوَى ، وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَا يُوجِبُ فَوَاتَهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَأْخِيرِ الْمُعَاقَبَةِ إلَى الْآخِرَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحُجَّةُ لَازِمَةً وَالدَّعْوَةُ قَائِمَةً ، وَتُؤَخَّرُ الْمُعَاقَبَةُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْفِي لُزُومَ الْحُجَّةِ وَتَوَجُّهَ الدَّعْوَةِ .
" وَمِمَّا " أُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّكْلِيفِ بِهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَكَذَا حَدُّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيُحَدُّ قَهْرًا وَقِيلَ : يُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِحُكْمِنَا " وَحُرْمَةُ " التَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ بَيْعًا وَشِرَاءً .
وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ ثَمَنُهَا مِنْهُمْ عَنْ الْجِزْيَةِ وَفِي الْمُبَايَعَاتِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَأَسْلَمَ وَأَحْرَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ ، وَإِذَا اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ لَا يَمْلِكُونَهَا ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا حَتَّى إذَا اُسْتُنْقِذَتْ مِنْهُمْ رُدَّتْ إلَيْهِمْ .
وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُمْ " لِجِهَةِ الْمَعْصِيَةِ كَبِنَاءِ الْكَنَائِسِ .
وَتَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي عَبْدِهِ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ " لِجَرَيَانِهَا مَجْرَى النَّفَقَةِ وَالْمَئُونَةِ ، لَكِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى ابْتِدَاءٍ ، بَلْ
بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ .
ثُمَّ مَا أَتَوْا بِهِ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى النِّيَّةِ صَحَّ كَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى نِيَّةِ التَّقَرُّبِ لَمْ يَصِحَّ كَالْعِبَادَاتِ .
وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ غُسْلُهُ وَلَا وُضُوءُهُ فِي الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَجَبَ إعَادَتُهُ " خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ ، نَعَمْ يُبَاحُ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا إذَا اغْتَسَلَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَرُدَّ تَكْفِيرَهُ بِالْعِتْقِ " حَتَّى " يُجْزِئَ ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ " الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مَعَ وُجُوبِ النِّيَّةِ " فِي " الْكَفَّارَةِ ، لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيهَا لِلتَّمْيِيزِ لَا لِلتَّقَرُّبِ ، وَالْمُمْتَنِعُ فِي حَقِّهِ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ النَّذْرُ لِغَلَبَةِ شَائِبَةِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا يَقَعُ الِالْتِزَامُ فِيهِ " بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ " فَكَانَ كَوْنُ النَّاذِرِ مُسْلِمًا أَقْرَبَ إلَى " الرُّكْنِيَّةِ " .
وَأَمَّا مَا كُلِّفُوا بِهِ فَلَمْ يَفْعَلُوهُ وَأَسْلَمُوا هَلْ يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ ؟ يُنْظَرُ : إنْ تَعَلَّقَ بِحَقِّ اللَّهِ " تَعَالَى " سَقَطَ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ ، وَكَالزِّنَى فَإِنَّهُ " يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، فَلَوْ زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ " الْحَدُّ " عَلَى النَّصِّ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ " قُبَيْلَ " الْجِزْيَةِ .
وَإِنْ تَعَلَّقَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَتَقَدَّمَهُ الْتِزَامٌ " بِذِمَّةٍ " أَوْ أَمَانٍ لَمْ يَسْقُطْ .
وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ وَلَوْ قَتَلَ خَطَأً " أَوْ حَلَفَ " وَحَنِثَ أَوْ ظَاهَرَ وَأَسْلَمَ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا " أَنَّهَا " مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ " وَلَا " يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ وَلِأَنَّهُ يَغْلِبُ فِي الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ إلَّا فِي ذَنْبٍ عَمْدًا وَخَطَأً ، وَالسَّبَبُ تَرْكُ التَّحَفُّظِ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا طُهْرَةٌ " وَهُوَ
لَيْسَ " مِنْ أَهْلِهَا وَاحْتَرَزْت " بِقَيْدِ " الِالْتِزَامِ عَنْ الْحَرْبِيِّ إذَا أَتْلَفَ نَفْسًا " أَوْ مَالًا " ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ .
الْكِنَايَةُ مَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا " وَهِيَ " فِي بَعْضِ الْمَعَانِي أَظْهَرُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى " أَنَا مِنْك طَالِقٌ " وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ احْتَمَلَهُمَا " عَلَى السَّوَاءِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً وَمُرَادُهُ بِظُهُورِ بَعْضِ الْمَعَانِي أَيْ فِي مَحَلِّ الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ لَوْ قَصَدَ الْمَعْنَى الْبَعِيدَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ، وَقَدْ قَالُوا فِيمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ " مَعَ " فَطَلْقَتَانِ ، فَإِنَّ " فِي " تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى " مَعَ " وَالِاحْتِمَالُ الْبَعِيدُ مَقْبُولٌ فِي الْإِيقَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي نَفْيِ الطَّلَاقِ .
وَتَلَطَّفَ الْقَفَّالُ " فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ " فِي الْأَسْرَارِ .
الْكِنَايَةُ بِدَايَةُ " التَّصْرِيحِ " وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أُمُورٌ .
مِنْهَا : أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ النِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِلتَّرَدُّدِ فِي الْمُرَادِ .
" وَمِنْهَا " : " هَلْ " يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِجَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْ لِآخِرِهِ أَوْ أَوَّلِهِ ؟ أَوْجُهٌ مَحْكِيَّةٌ فِي " كِتَابِ " الطَّلَاقِ ، وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهَا فِي غَيْرِهِ " فِيمَا " يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ .
وَمِنْهَا : إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا قَرَائِنُ التَّأْكِيدِ ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِلصَّرِيحِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ بَيْنُونَةً " كُبْرَى " لَا تَحِلُّ لِي أَبَدًا ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ " لَوْ " قَالَ : تَصَدَّقْت بِهِ كَانَ كِنَايَةً فَلَوْ ضُمَّ إلَيْهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ كَانَ صَرِيحًا ، وَفِي الْوَسِيطِ فِي الْبَيْعِ : إذَا انْضَمَّتْ الْقَرَائِنُ حَتَّى أَفَادَتْ الْعِلْمَ صَارَ صَرِيحًا .
الْكَفَّارَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ : هِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : الْأَوَّلُ : مُرَتَّبٌ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ " وَهِيَ " كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ وَالظِّهَارِ .
وَالثَّانِي : مُخَيَّرٌ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ وَهُوَ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى .
وَالثَّالِثُ : فِيهِ تَخْيِيرٌ وَتَرْتِيبٌ وَهُوَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَمَا الْتَحَقَ بِهَا مِنْ النَّذْرِ وَالْإِيلَاءِ ، وَقَوْلُهُ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " فَالتَّخْيِيرُ " فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّوْمِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ إذَا أَتَى الْمُكَلَّفُ بِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ " كَانَ كَانَتْ أَدَاءً إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ فَإِنَّ لَهَا وَقْتُ أَدَاءً وَهُوَ إذَا " فُعِلَتْ " بَعْدَ الْعَوْدِ وَقَبْلَ الْجِمَاعِ ، وَوَقْتُ قَضَاءٍ وَهُوَ إذَا فُعِلَتْ بَعْدَ الْعَوْدِ وَالْجِمَاعِ " صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ الثَّالِثُ : هَلْ تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ ؟ إنْ لَمْ " يَتَعَدَّ " بِسَبَبِهِ " فَعَلَى " التَّرَاخِي وَإِلَّا فَعَلَى الْفَوْرِ ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي : إذَا عَصَى بِالْحِنْثِ لَمْ يُبَحْ لَهُ تَأْخِيرُ التَّكْفِيرِ وَإِنْ كَانَ الْحِنْثُ طَاعَةً أَوْ مُبَاحًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُبْرِئَ الذِّمَّةَ فَلَوْ أَخَّرَ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ .
فَائِدَةٌ .
كَفَّارَةُ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ " يَعْتَوِرُهَا " الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ وَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ فَهِيَ أَدَاءٌ " أَوْ بَعْدَهُ " فَقَضَاءٌ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ
الْكُلِّيُّ الْمَجْمُوعَيْ " وَالْكُلِّيُّ الْإِفْرَادِيُّ " بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ فِي الْمَجْمُوعِيِّ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ، وَفِي الْإِفْرَادِيِّ بِكُلِّ فَرْدٍ .
وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِفُرُوعٍ : الْأَوَّلُ : لَوْ " بَاعَهُ " صُبْرَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَخَرَجَتْ زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحِّ نُظِرَ إلَى " الْقَيْدِ " التَّفْصِيلِيِّ فِي كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ فَخَرَجَتْ زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً لَا يَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ بِالثَّمَنِ حَصَلَتْ " بِمَجْمُوعِ الْبَيْعِ " مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ " عَلَى " الْأَجْزَاءِ .
الثَّانِي : لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبِيدِهِ الْعَشَرَةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ كَانَ مُغَايِرًا ؛ لِقَوْلِهِ : بِعْ كُلَّ عَبْدٍ مِنْهُمْ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ فِي الثَّانِيَةِ كُلَّ عَبْدٍ بِمُفْرَدِهِ بِعَشَرَةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِصَ عَنْهَا وَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَهُ أَنْ يَبِيعَ كُلَّ عَبْدٍ بِمُفْرَدِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمُوَكِّلِ بَيْعَ الْعَشَرَةِ بِمِائَةٍ دَيْنًا ، وَلَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ كَانَ لَهُ بَيْعُ بَعْضِهِمْ بِدُونِ عَشَرَةٍ إذَا لَمْ يَنْقُصْ " مَجْمُوعُ " ثَمَنِ الْعَشَرَةِ عَنْ مِائَةٍ .
الثَّالِثُ : لَوْ أَجَّرَ الدَّارَ ثَلَاثَ سِنِينَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ مُغَايِرًا لِقَوْلِهِ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَتَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ الرَّابِعُ : إذَا قَالَ : " وَاَللَّهِ " لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ ؛ كَانَ مُولِيًا مِنْهُنَّ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَوْ قَالَ : لَا أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَأَرَادَ الِامْتِنَاعَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَانَ مُولِيًا عَنْهُنَّ جَمِيعًا ، قَالَ الْإِمَامُ : وَلَيْسَ التَّعْمِيمُ هَا هُنَا كَالتَّعْمِيمِ فِي "
لَا أُجَامِعُكُنَّ " فَإِنَّ اللَّفْظَ هُنَاكَ يَتَنَاوَلُ كُلَّهُنَّ وَلَا يَحْصُلُ الْحِنْثُ بِجِمَاعٍ وَهَا هُنَا الْيَمِينُ تَتَعَلَّقُ بِإِحْدَاهُنَّ " وَتَنْزِلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الْبَدَلِ "
الْكُلِّيَّاتُ كُلُّ عِبَادَةٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِهَا إلَّا الصَّوْمَ وَالزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ .
كُلُّ عِبَادَةٍ يُخْرَجُ مِنْهَا بِفِعْلٍ يُنَافِيهَا وَيُبْطِلُهَا إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ " كُلُّ عِبَادَةٍ " شَمَلَتْ " أَرْكَانًا لَا يَجِبُ تَخْصِيصُ كُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا بِنِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ إذَا نَوَى أَصْلَ الْعِبَادَةِ إلَّا نِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهٍ " وَإِلَّا الطَّوَافُ عَلَى وَجْهٍ " .
كُلُّ وُضُوءٍ يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ إلَّا وُضُوءَ الْجَنَابَةِ .
كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ إلَّا الْمَنِيَّ مِنْ الْإِنْسَانِ وَكَذَا " الْوَلَدُ " .
كُلُّ مَنْ صَحَّ إحْرَامُهُ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ صَحَّ بِالنَّفْلِ إلَّا ثَلَاثَةً مَذْكُورَةً فِي آخِرِ التَّيَمُّمِ مِنْ الرَّوْضَةِ .
كُلُّ صَلَاةٍ تَفُوتُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لَا تُقْضَى إلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ .
كُلُّ مَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لَمْ تَسْتَبِحْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ " مُحَرَّمًا " عَلَيْهَا فِي الْحَيْضِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ : الصَّوْمُ " وَالطَّلَاقُ " وَالتَّزْوِيجُ فَإِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ بِالِانْقِطَاعِ .
كُلُّ مَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ " صِحَّةً " مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ " فِي تَبَعِ الْمَقْضِيِّ كَتَبَعِ الْمَجْزِيِّ " .
" كُلُّ " مَنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ " صِحَّةً " مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ " يَصِحُّ " الِاقْتِدَاءُ بِهِ إلَّا فِي صُوَرٍ إحْدَاهَا : اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ عَلَى الْجَدِيدِ .
الثَّانِيَةُ : الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى .
الثَّالِثَةُ : الْمُقْتَدِي يَقِينًا أَوْ ظَنًّا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فَلَا يَتْبَعْ فَلَوْ بَانَ إمَامًا فَقَوْلَانِ .
الرَّابِعَةُ : إذَا اقْتَدَى بِاثْنَيْنِ لِعَجْزِهِ عَنْ مُتَابَعَتِهِمَا .
الْخَامِسَةُ : الصَّبِيُّ فِي الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ .
السَّادِسَةُ : الْمُسْتَحَاضَةُ
الْمُتَحَيِّرَةُ إذَا قُلْنَا : لَا تَقْضِي كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ مِنْ أَصْلِهِ ، " وَلِذَلِكَ لَا يُحَدُّ الْمَجْنُونُ " " بِسَبَبٍ " وُجِدَ فِي عَقْلِهِ .
وَلَا السَّكْرَانُ " بِسَبَبٍ " وُجِدَ فِي صَحْوِهِ إذْ مَقْصُودُ الْحَدِّ الزَّجْرُ " وَهُوَ لَا يَحْصُلُ " ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ أَمَتِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ بِدُونِهِ " مِمَّا " هُوَ أَقْوَى مِنْهُ .
نَعَمْ خَرَجُوا " عَنْ " هَذَا فِي مَوْضِعَيْنِ : " أَحَدُهُمَا " إذَا اسْتَأْجَرَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا إجَارَةً عَيْنِيَّةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ .
وَفِي الْأَمْرِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ نَعَمْ فَهَذَا عَقْدٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ ، لَكِنْ الْمَاوَرْدِيُّ نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ كَبَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ وَقَضِيَّتُهُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ .
الثَّانِي : إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ " عَصَى بِالْيَمِينِ " وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ وَالْكَفَّارَةُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ أَصْلًا كَمَا لَوْ نَذَرَ مَعْصِيَةً يَبْطُلُ وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ .
كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ فَعَلَى مُتْلِفِهِ " قِيمَتِهِ " إلَّا فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا : الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْإِتْلَافِ وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ .
الثَّانِيَةُ : الْعَبْدُ إذَا قُتِلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ زَادَهَا الْقَفَّالُ وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ .
الثَّالِثَةُ : الْعَبْدُ التَّارِكُ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَمَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَمَا يُبَاعُ الْمُرْتَدُّ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ .
الرَّابِعَةُ : الزَّانِي الْمُحْصَنُ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى قَاتِلِهِ شَيْءٌ وَيُتَصَوَّرُ كَوْنُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ عَبْدًا مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْإِحْصَانِ الْحُرِّيَّةُ فِي الْكَافِرِ إذَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ وَالْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُرِقَّ .
وَقَالَ الْمَرْعَشِيُّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ : كُلُّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ إلَّا فِي " إحْدَى عَشْرَةَ " مَسْأَلَةً : أُمُّ الْوَلَدِ ، وَالْحُرُّ يَقُومُ بِالْحُكُومَةِ وَالْوُقُوفِ وَالْمَسَاجِدِ ، وَمَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ بِنَاءٍ وَسُتُورٍ ، وَالْهَدْيُ الْوَاجِبُ وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةُ وَكَذَلِكَ صَيْدُ الْحَرَمِ وَشَجَرُهُ .
كُلُّ أَرْشٍ " يُؤْخَذُ " مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ مَسْحُوبٌ مِنْ الثَّمَنِ .
" وَكُلُّ مَا يُؤْخَذُ " مَعَ ارْتِفَاعِ الْعَقْدِ فَهُوَ مَسْحُوبٌ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِذَلِكَ يَزُولُ " التَّنَاقُضُ عَمَّنْ ظَنَّ ذَلِكَ تَنَاقُضًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ .
كُلُّ عَيْبٍ يُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَا لَا فَلَا ، وَمَا لَا يُرَدُّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَلَوْ خَصَى الْعَبْدَ ثُمَّ عَرَفَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَا رَدَّ وَإِنْ " زَادَتْ " قِيمَتُهُ ، وَلَوْ نَسِيَ الْقُرْآنَ أَوْ الْحِرْفَةَ ثُمَّ عَرَفَ بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَلَا " رَدَّ لِنُقْصَانِ " الْقِيمَةِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : إلَّا فِي " الْأَقَلِّ " ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : لَعَلَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ فَقَطَعَهَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ ، كَمَا إذَا خَصَى الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ لَوْ اشْتَرَاهُ وَقَدْ قَطَعَ الْبَائِعُ أُصْبُعَهُ الزَّائِدَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَا " شَيْنَ " لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِخِلَافِ الْخَصِيِّ انْتَهَى ، لَكِنْ خَالَفَهُ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ : لَهُ الرَّدُّ فَحَصَلَ وَجْهَانِ .
" كُلُّ " مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً وَلَيْسَ فِيهَا عُلْقَةُ رَهْنٍ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ أَنْ يَطَأَهَا إذَا اسْتَبْرَأَهَا " إلَّا الْمُبَعَّضَ وَالْمُكَاتَبَ وَمَالِكَ الْقِرَاضِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ ، وَكَذَا قَبْلَهُ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ، لَكِنْ الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَلَا يُسْتَثْنَى ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ فَإِنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ .
كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ " حَقٌّ " وَامْتَنَعَ مِنْهُ قَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ ، إلَّا الْمَعْضُوبَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِئْجَارِ لِلْحَجِّ " وَامْتَنَعَ فَإِنَّهُ " لَا يَسْتَأْجِرُ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا إذَا بَذَلَ لَهُ الطَّاعَةَ وَهُوَ فَقِيرٌ فَلَمْ يَقْبَلْ لَا يَقْبَلُ عَنْهُ الْحَاكِمُ وَالْخِلَافُ " فِيمَنْ " طَرَأَ عَضَبُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَلْزَمُهُ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ أَمَّا مَنْ بَلَغَ مَعْضُوبًا فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ إذْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى الْفَوْرِ .
وَلَوْ نَذَرَ شَخْصٌ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَهَلْ لِلْحَاكِمِ مُطَالَبَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَذَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ " بِهَا " عَلَى الْفَوْرِ نَعَمْ إنْ فَرَضَ الْكَلَامَ فِي كَفَّارَةٍ تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَهِيَ الَّتِي فِيهَا مَحْظُورٌ وَفِي النَّذْرِ الَّذِي صَرَّحَ فِيهِ بِالْفَوْرِ اُتُّجِهَ الْخِلَافُ .
وَلَوْ امْتَنَعَ " الذِّمِّيُّ " مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ الْمُلْتَزَمَةِ بِالْعَقْدِ مَعَ الْقُدْرَةِ اُنْتُقِضَ عَقْدُهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ مَالِهِ " قَهْرًا " كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ " الدَّيْنِ " وَهَذَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ .
ثُمَّ الْمُمْتَنِعُ لِلْقَاضِي مَعَهُ أَحْوَالٌ : أَحَدُهَا : أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْفِعْلِ خَاصَّةً وَلَا يَنُوبُ عَنْهُ كَالِاخْتِيَارِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ حُبِسَ وَلَا يُفْسَخُ عَلَيْهِ نِكَاحُ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا يُطَلِّقُ عَلَى الْمُولِي زَوْجَتَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ زَوْجَةَ الْمُولِي مُعَيَّنَةٌ فَإِذَا طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِهِ " هُنَا " فَإِنَّ الزَّوْجَاتِ غَيْرُ مُعَيَّنَاتٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَلِّقَ ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ .
وَكَمَا لَوْ جَاءَ الْبَائِعُ بِالْمَبِيعِ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فَإِنْ " أَصَرَّ " أَمَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْبِضُهُ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ غَائِبًا .
وَلَوْ جَاءَ الْغَاصِبُ بِالْمَغْصُوبِ لِيَرُدَّهُ لِلْمَالِكِ فَامْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبْضِهِ ، لِأَنَّ عَلَى الْغَاصِبِ ضَرَرًا بِبَقَائِهِ فِي يَدِهِ مِنْ ضَمَانِ مَنَافِعِهِ وَضَمَانِهِ إنْ تَلِفَ فَإِنْ امْتَنَعَ نَصَّبَ الْحَاكِمُ عَنْهُ نَائِبًا حَتَّى " يَقْبِضَهُ " عَنْهُ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَامْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا وَقُلْنَا : إنَّهُ يَجِبُ " عَلَيْهِ " " وَطْأَةٌ وَاحِدَةٌ " لِاسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ ، قَالَ الْإِمَامُ : فَعَلَى هَذَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي إلَى أَنْ يَطَأَ .
قَالَ : وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ إلَى أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِيلَاءِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا : يُطَلِّقُ عَلَيْهِ لَأَدَّى ذَلِكَ " إلَى " قَطْعِ النِّكَاحِ وَالْمُرَادُ اسْتِمْرَارُهُ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إزَالَةُ الضَّرَرِ فَإِذَا لَمْ يَفِ لَمْ يَبْقَ " مُعَيَّنًا " إلَّا الطَّلَاقُ ،
وَمِنْ ذَلِكَ إذَا " جَبَرَ " عَظْمَهُ بِنَجَسٍ مَعَ وُجُودِ الطَّاهِرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّزْعُ إذَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ .
الثَّانِي : مَا يَنُوبُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ إجْبَارٍ كَحَقِّ " النِّكَاحِ " إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ الْمُجْبَرُ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لَزِمَ الْوَارِثَ إعْتَاقُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَعْتَقَهُ السُّلْطَانُ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي " بَابِ " الْعِتْقِ " .
الثَّالِثُ : مَا " يُخَيَّرُ " الْحَاكِمُ فِيهِ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ حَبْسُهُ أَوْ النِّيَابَةُ عَنْهُ ، كَمَا إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ .
الرَّابِعُ : مَا فِيهِ قَوْلَانِ " كَالْإِيلَاءِ " وَأَصَحُّهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْبِسُهُ ، وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَامْتَنَعَ مِنْ عِتْقِهِ ، وَقُلْنَا : الْحَقُّ لِلَّهِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ ، قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا فَيَجِيءُ خِلَافُ الْمُولِي حَتَّى يُعْتِقَهُ الْقَاضِي عَلَى قَوْلٍ وَيَحْبِسَهُ حَتَّى يَعْتِقَ عَلَى قَوْلٍ .
كُلُّ مَنْ أَخَذَ الشَّيْءَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إلَّا إذَا أَخَذَ مَالَ الْمُمْتَنِعِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِيَبِيعَهُ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ " فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ " عَلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ " كَالرَّهْنِ " قَالَهُ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ لَكِنْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ عَلَى الْقَاعِدَةِ .
كُلُّ أَمِينٍ مُصَدَّقٌ فِي الرَّدِّ إمَّا جَزْمًا أَوْ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : الْمُسْتَأْجِرُ يَدُهُ عَلَى الْعَيْنِ يَدُ أَمَانَةٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ " عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَهُوَ قَدْ قَبَضَ الْعَيْنَ لِغَرَضِهِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ .
الثَّانِيَةُ : " الْمُرْتَهِنُ " لَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ .
كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ لَا يُقْبَلُ إذَا كَانَ مُتَّهَمًا فِيهِ ، " وَاحْتُرِزَ " بِهَذَا عَنْ الْعَبْدِ يُقِرُّ بِالْجِنَايَةِ عَمْدًا يُقْبَلُ وَإِنْ أَضَرَّ بِالسَّيِّدِ وَإِقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ يُقْبَلُ وَإِنْ أَضَرَّ بِالزَّوْجِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ .
وَمَنْ أَقَرَّ " بِشَيْءٍ يَضُرُّهُ وَيَضُرُّ غَيْرَهُ " قُبِلَ فِيمَا يَضُرُّهُ وَلَا يُقْبَلُ فِيمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ .
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : خَالَعْتُكِ عَلَى مِائَةٍ " فَقَالَتْ : بَلْ مَجَّانًا " ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَسَقَطَ الْمَالُ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَعْتَقْتُك عَلَى مَالٍ ، فَقَالَ الْعَبْدُ : بَلْ مَجَّانًا ؛ عَتَقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَى " رَجُلٍ " أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ شِقْصًا مِنْ دَارٍ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ " بِمُقْتَضَى " إقْرَارِ أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ انْتَقَلَ انْتِقَالًا يُوجِبُ " الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَتَثْبُتُ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ لِكَوْنِ ذَلِكَ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ بِحَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ " هَذَا " صُوَرٌ : مِنْهَا : لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ غَيْرُ " الْحَائِزِ " بِابْنٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ " قَطْعًا وَلَا يَرِثُ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ تَحْتَهُ أَنَّهَا أُخْتُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ " وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ، حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ النَّصِّ وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ عَمَّا سَبَقَ ، بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ يَجُوزَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَالْعِوَضُ فِيهِمَا غَيْرُ " مُرْتَبِطٍ " كَارْتِبَاطِ الْمِيرَاثِ بِالنَّسَبِ .
كُلُّ عَقْدٍ فَسَدَ ثَبَتَ فِيهِ الْمُسَمَّى وَرَجَعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجِزْيَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي مَبَاحِثِ الْفَاسِدِ .
كُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ عُلِّقَ بِصِفَةٍ لَا يَقْتَضِي إطْلَاقُ الْعَقْدِ تِلْكَ الصِّفَةَ فَسَدَ بِالتَّعْلِيقِ قَطْعًا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ : وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ " دِرْهَمٍ غَدًا ، فَقَالَ الْعَبْدُ : قَبِلْت أَوْ قَالَ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي غَدًا عَلَى أَلْفٍ " فَقَالَ الْمَوْلَى : أَعْتَقْته غَدًا عَنْك عَلَى أَلْفٍ ، فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ عَتَقَ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ أَوْ الْمُسَمَّى وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ " وَإِنْ كَانَتْ " لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ " بِالصِّفَةِ " وَالْمُعَاوَضَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَابِعَةٌ لِلْعِتْقِ فَوَجَبَ الْمُسَمَّى .
كُلُّ عَدَدٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ فَهُوَ تَحْدِيدٌ " بِلَا خِلَافٍ " كَالْحُدُودِ وَأَحْجَارِ الِاسْتِنْجَاءِ وَنُصُبِ الزَّكَاةِ وَمَقَادِيرِهَا وَالدِّيَةِ .
كُلُّ مَا كَانَ رَاجِعًا إلَى " مَحَلِّ " الِاجْتِهَادِ فَهُوَ الَّذِي تُرُدِّدَ فِيهِ كَقَدْرِ الْقُلَّتَيْنِ بِالْأَرْطَالِ .
كُلُّ نَجَسٍ عُلِّقَتْ إزَالَتُهُ بِعَدَدٍ فَهُوَ وَاجِبٌ كَوُلُوغِ الْكَلْبِ وَالْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ .
كُلُّ مَا حَرُمَ نَظَرُهُ حَرُمَ مَسُّهُ ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ أَبْلَغُ .
كُلُّ امْرَأَةٍ حَرُمَتْ أَبَدًا حَلَّتْ رُؤْيَتُهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا إلَّا الْمُلَاعَنَةَ .
كُلُّ حَيْضٍ يَحْرُمُ فِيهِ الطَّلَاقُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ ، وَهِيَ الْحَامِلُ إذَا قُلْنَا : تَحِيضُ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَهَاهُنَا عِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ .
كُلُّ مَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ لَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ إلَّا فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ ، اسْتَثْنَاهَا الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي : إحْدَاهَا : إذَا عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا " الْهِلَالَ " فَرَآهُ غَيْرُهَا تَطْلُقُ .
الثَّانِيَةُ : قَالَ لِمَنْ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَةَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ - طَلُقَتْ فِي الْحَالِ .
الثَّالِثَةُ : إذَا عَلَّقَ بِصِفَةٍ مُسْتَحِيلَةٍ " فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ .
الرَّابِعَةُ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَوْ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ " فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ ، قَالَ : وَكُلُّ طَلَاقٍ بِصِفَةٍ يَقَعُ بِمَجِيءِ الصِّفَةِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ " وَاحِدَةٍ " وَهِيَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ ثَلَاثًا إنْ طَلَّقْتُك غَدًا وَاحِدَةً فَإِنْ طَلَّقَهَا غَدًا وَاحِدَةً لَمْ تَقَعْ الْوَاحِدَةُ وَلَا الثَّلَاثُ الَّتِي فِي الْيَوْمِ .
وَذَكَرَ " صَاحِبَا الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ " الْمُسْتَثْنَى مِنْ " الْأَوَّلِ " خَمْسُ صُوَرٍ وَزَادَا أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَا زَيْدٍ أَوْ لِدُخُولِ الدَّارِ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ رَضِيَ أَمْ لَا دَخَلَتْ أَمْ لَا ، وَتُحْمَلُ اللَّامُ عَلَى التَّعْلِيلِ ، وَذَكَرَا بَدَلًا " الثَّالِثَةُ " إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً " قَبِيحَةً " تَقَعُ فِي الْحَالِ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ الْوُقُوعِ حَالًّا ، قَالَ الْمُتَوَلِّي : إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَصُوَرُهُ فِيمَا لَوْ قَالَ : إنْ أَحْيَيْت مَيِّتًا وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ ، لَكِنْ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةٍ عَدَمُ الْوُقُوعِ ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ " الْأُولَى " نَظَرٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، لِأَنَّ مَعْنَى رَأَيْت عَلِمْت وَهِيَ لَا تُطْلَقُ إلَّا بِالْعِلْمِ ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا فَكَيْفَ يُسْتَثْنَى .
وَيُزَادُ " عَلَيْهَا " صُوَرٌ : " إحْدَاهَا " أَنْتِ طَالِقٌ " غَدًا " أَمْسِ أَوْ أَمْسِ غَدٍ " عَلَى الْإِضَافَةِ يَقَعُ فِي " الْحَالِ " " فَإِنَّهُ غَدًا أَمْسِ أَوْ أَمْسِ غَدٍ " " الثَّانِيَةُ : إذَا عَلَّقَ بِحَمْلِهَا
وَكَانَ ظَاهِرًا وَقَعَ فِي الْحَالِ " .
الثَّالِثَةُ : إذَا قَالَتْ لَهُ : يَا خَسِيسُ فَقَالَ : إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَصَدَ الْمُكَافَأَةَ يَقَعُ حَالًا .
الرَّابِعَةُ : إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : وَكَذَا لَوْ قَالَ قَبْلَ قُدُومِهِ ، وَعَنْ إسْمَاعِيلَ الْبُوشَنْجِيِّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا هَذَا وَأَصَحُّهُمَا إنْ قَدِمَ بِأَنَّ وُقُوعَهُ عِنْدَ اللَّفْظِ وَإِلَّا فَلَا " لِأَنَّ قَوْلَنَا هَذَا قَبْلَ هَذَا يَسْتَدْعِي وُجُودَهُمَا " وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ وُجُودٌ .
كُلُّ مَنْ جَهِلَ " تَحْرِيمَ " شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَفَعَلَهُ لَا يُحَدُّ وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ " وَقَدْ سَبَقَتْ " فِي حَرْفِ الْجِيمِ .
كُلُّ مَا جَازَ لِلْإِنْسَانِ " أَنْ يَشْهَدَ بِهِ " جَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْحَقُّ لَهُ .
وَقَدْ لَا يَجُوزُ الْعَكْسُ فِي مَسَائِلَ : مِنْهَا : أَنْ يُخْبِرَهُ ثِقَةٌ أَنَّ فُلَانًا " قَدْ " قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ غَصَبَ مَالَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَلَا يَشْهَدُ وَكَذَا لَوْ رَأَى بِخَطِّهِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ أَوْ أَنَّهُ قَضَاهُ ، وَكَذَا " خَطُّ " مُوَرِّثِهِ إذَا قَوِيَ عِنْدَهُ صِحَّتُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْهَدْ فِيهَا ؛ لِأَنَّ بَابَ الْيَمِينِ أَوْسَعُ " إذْ " يَحْلِفُ الْفَاسِقُ وَالْعَبْدُ " وَمِمَّنْ " لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يَشْهَدُونَ .
ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْفُرُوقِ .
كُلُّ " مَا شُرِطَ فِي الشَّاهِدِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الْأَدَاءِ " لَا " عِنْدَ التَّحَمُّلِ إلَّا فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ شُرُوطَهُ تُعْتَبَرُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَيْضًا لِتَوَقُّفِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ انْعِقَادُهُ بِالْمَسْتُورِ .
كُلُّ عِتْقٍ كَانَ عَنْ الْمَيِّتِ يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا الْمُسْتَوْلَدَةَ وَتَابِعَهَا " وَالْمُعْتَقَ بِالْقَبْلِيَّةِ عَلَى الْمَرَضِيِّ " .
الْأَوَّلُ : " الصَّرِيحُ " يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ " وَلَا يَقْبَلُ إرَادَةَ غَيْرِهِ بِهِ وَالْمُحْتَمَلُ " يَرْجِعُ فِيهِ إلَى إرَادَةِ اللَّافِظِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ : إذَا تَكَلَّمَ الْعَجَمِيُّ بِلِسَانِهِ بِكَلِمَةٍ تَحْتَمِلُ الْإِيلَاءَ وَغَيْرَهُ كَانَ كَالْعَرَبِيِّ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ " وَتَحْتَمِلُ " مَعْنَيَيْنِ " لَبِسَ " ظَاهِرُهُمَا الْإِيلَاءُ فَيَسْأَلُ فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الْإِيلَاءَ فَهُوَ مُولٍ وَإِنْ قَالَ : لَمْ أُرِدْ الْإِيلَاءَ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ طَلَبَتْ امْرَأَتَهُ .
انْتَهَى .
وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الطَّلَاقِ " وَنَحْوِهِ " .
وَقَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ : الْأَلْفَاظُ ثَلَاثَةٌ نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَأْوِيلٌ وَظَاهِرٌ يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ " وَمُحْتَمَلٌ بِتَرَدُّدٍ " بَيْنَ مَعَانٍ لَا يَظْهَرُ اخْتِصَاصُهُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَأَمَّا النَّصُّ فَلَا " مَحِيصَ " عَنْهُ ، وَأَمَّا الظَّاهِرُ فَإِنْ أَطْلَقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ عَلَى حُكْمِ ظُهُورِهِ ، وَإِنْ ادَّعَى اللَّافِظُ تَأْوِيلًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي الْمَذْهَبِ يَطُولُ ، وَأَمَّا " الْمُحْتَمَلُ " الَّذِي لَا يَظْهَرُ اخْتِصَاصُهُ بِجِهَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ صَاحِبِ اللَّفْظِ وَمِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ " كَمَا " لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ أَوْ ( مَالٍ ) عَظِيمٍ أَوْ " كَبِيرٍ " " وَنَحْوِهِ " وَقَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي التَّلْقِينِ : لَفْظُ الْمُقِرِّ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا غَيْرَ مُضَافٍ وَلَا مُحْتَمَلٍ وَلَا مَجْهُولٍ فَيَرْجِعُ إلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ دُونَ نِيَّتِهِ ، أَوْ مُحْتَمَلًا فَيَرْجِعُ إلَى تَفْسِيرِهِ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ " عَنْ " احْتِمَالِهِ ، أَوْ مَجْهُولًا فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى " بَيَانِهِ " وَإِنْ قَلَّ ذَلِكَ .
قُلْت : وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ قَالَ : هَذَا أَخِي ، وَفَسَّرَهُ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمَذْهَبِ ، أَوْ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْبَلْ قَطْعًا .
وَلَوْ قَالَ : غَصَبْت دَارَةً ، ثُمَّ قَالَ : أَرَدْت دَارَةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ؛ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ
حَكَاهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّاشِيِّ ، وَذَكَرَ الصَّيْدَلَانِيُّ ضَابِطًا فَقَالَ : مَنْ فَسَّرَ " اللَّفْظَ بِغَيْرِ " مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ يُنْظَرُ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قُبِلَ ، لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ لَا عَلَيْهِ قُبِلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُدَنْ فِي الْحُكْمِ إنْ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِحَقِّ آدَمِيٍّ " مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَنَحْوِهِ " .
قُلْت : وَلَا يَقْبَلُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ " وَاحِدَةً وَنَوَى عَدَدًا ؛ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مُخَالِفٌ اللَّفْظَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ " وَاحِدَةً وَنَوَى عَدَدًا فَالْمَنْوِيُّ فِي الْأَصَحِّ ، نَعَمْ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ ، فَلَوْ قَالَ : نَوَيْت أَحْسَنَ فِي التَّعْجِيلِ وَهُوَ زَمَنُ الْحَيْضِ قُبِلَ فِي الظَّاهِرِ ، لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ " قَالَهُ " الْإِمَامُ ، وَقِيلَ : يَفْصِلُ فِي الْقَبُولِ بَيْنَ الْقَرِينَةِ وَغَيْرِهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَ اسْمُهَا طَالِعًا ، وَقَالَ : أَرَدْته " فَالْتَفَّ الْحَرْفُ " " وَغَيْرُ " ذَلِكَ " وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ " " وَقَدْ " يَتَعَارَضُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ فَيَجِيءُ خِلَافٌ كَمَا لَوْ قَالَ : لِي عَلَيْك أَلْفٌ ، " فَقَالَ " فِي الْجَوَابِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ : لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَوَجْهَانِ فِي التَّتِمَّةِ أَصَحُّهُمَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَسَبَقَ فِي حَرْفِ الْهَمْزَةِ فِي " الِاصْطِلَاحِ الْخَاصِّ هَلْ يُرْفَعُ الْعَامُّ " كَلَامٌ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ مِنْ الرُّجُوعِ لِلَّافِظِ " هُوَ إذَا " كَانَ مَوْجُودًا وَأَرَادَ شَيْئًا " فَإِنْ " أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ .
وَقَدْ ذَكَرُوا فِي بَابِ التَّدْبِيرِ فِيمَا إذَا قَالَ : إنْ مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت ، أَنَّهُ يُرَاجِعُ وَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى إرَادَتِهِ فَإِنْ أَطْلَقَ
فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : وَبِهِ أَجَابَ الْأَكْثَرُونَ حَمْلُهُ عَلَى " الْمَشِيئَةِ " بَعْدَ الْمَوْتِ حَمْلًا عَلَى الظَّاهِرِ ، وَالثَّانِي : حَمْلُهُ عَلَى " الْمَشِيئَةِ " فِي الْحَيَاةِ ، وَالثَّالِثُ : يَشْتَرِطُ " الْمَشِيئَةَ " فِي الْحَيَاةِ " وَالْمَشِيئَةُ " بَعْدَ الْمَوْتِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : " وَيَجِيءُ " هَذَا الْخِلَافُ فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ .
الثَّانِي : اللَّفْظُ إذَا وَصَلَ بِهِ لَفْظٌ وَقَبِلَ فِي الْحُكْمِ إذَا نَوَاهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ وَيَدِينُ فِي الْبَاطِنِ إلَّا الِاسْتِثْنَاءَ فَإِنَّهُ إذَا وَصَلَهُ نُطْقًا يُقْبَلُ وَإِذَا نَوَاهُ لَا يَدِينُ قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ .
وَأَجْرَاهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِ الْمَلْفُوظِ " بِهِ " بِقَيْدٍ فَقَالَ فِي الْوَسِيطِ : لَوْ ذَكَرَ لَفْظًا وَنَوَى مَعَهُ أَمْرًا لَوْ صَرَّحَ بِهِ " لَانْتَظَمَ " مَعَ الْمَذْكُورِ فَفِي تَأْثِيرِهِ فِي الْبَاطِنِ وَجْهَانِ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ : نَوَيْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " أَوْ نَوَيْت إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَالْأَقْيَسُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ .
انْتَهَى .
وَالْمَعْرُوفُ " فِي " الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لَا يَدِينُ وَأَنَّهُ يَدِينُ فِي قَوْلِهِ : أَرَدْت أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ " أَوْ " إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ " تَعَالَى " " يَرْفَعُ حُكْمَ " اللَّفْظِ كُلِّهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ ، وَالتَّعْلِيقِ بِالدُّخُولِ وَمَشِيئَةِ زَيْدٍ لَا يَرْفَعُهُ ، بَلْ يُخَصِّصُهُ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ وَقَوْلُهُ عَنْ وَثَاقٍ تَأْوِيلٌ وَصَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنًى إلَى مَعْنًى " فَكَفَتْ " " النِّيَّةُ فِيهِ " وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِالنَّسْخِ لَمَّا كَانَ رَفْعًا " لِلْحُكْمِ " لَمْ يُجِزْ إلَّا بِاللَّفْظِ وَالتَّخْصِيصِ يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ كَمَا يَجُوزُ بِاللَّفْظِ .
" الثَّالِثُ " : قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ لُغَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا ، وَلَا " يُحْمَلُ " عَلَى الِاحْتِمَالِ الْخَفِيِّ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَوْ يَقْتَرِنْ بِهِ دَلِيلٌ فَمَنْ حَلِفَ بِالْقُرْآنِ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ، لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ .
" وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْعَوَامّ وَالْجُهَّالِ وَخَالَفَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَفِي قَوْلِهِمَا بَعْدُ " ، وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَلَا التَّجَوُّزُ بِالْمُصْحَفِ عَنْهُ بَلْ الْحَلِفُ بِهِ كَالْحَلِفِ بِالْكَعْبَةِ وَالنَّبِيِّ .
قُلْت : بَلْ قَوْلُهُمَا هُوَ الْقَرِيبُ ؛ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ " تَعَالَى " ، " وَالْعُرْفُ " لَا يُخَالِفُهُ ، وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي لَمَحَهُ الشَّيْخُ فَذَاكَ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْإِيمَانِ " لَا تَنْبَنِي " عَلَيْهَا .
الرَّابِعُ : اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ الْمُكَلَّفِ إذَا عُرِفَ مَدْلُولُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَّا بِأُمُورٍ : أَحَدُهَا " أَنْ يُنْقَلَ عَنْهُ وَيَصِيرُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي غَيْرِهِ كَالدَّابَّةِ فِي الْحِمَارِ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولُهُ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْلُولُهُ فِي اللُّغَةِ وَصَارَ ذَلِكَ كَالنَّاسِخِ فِي الْأَحْكَامِ .
ثَانِيهَا : أَنْ يَنْوِيَ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ غَيْرَ مَدْلُولِهِ الظَّاهِرِ وَيَكُونَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِمَا نَوَاهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ " وَقِيلَ " : لَا يُقْبَلُ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنْ اللَّفْظِ وَبُعْدِهِ .
وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ثُمَّ قَالَ : أَرَدْت وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ لِوُجُودِ لَفْظِ الْجَمْعِ فَلَوْ قَالَ : أَرَدْت بِهَذِهِ الثَّلَاثِ قُبِلَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ تَنَاوَلَ جَمِيعَ الْأَشْرِبَةِ ، فَلَوْ قَالَ : أَرَدْت شَرَابًا مُعَيَّنًا قُبِلَ لِعُمُومِ لَفْظِ " الْجَمْعِ " وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ اللَّفْظِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ ، وَقَالَ : أَرَدْت وَاحِدَةً فِي أَوَّلِ " الْحَالَيْنِ " فَيُقْبَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَأَمَّا " إذَا نَوَى بِاللَّفْظِ مَا لَا إشْعَارَ لَهُ بِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ كَمَا سَبَقَ فِي " أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً " وَنَوَى ثَلَاثًا .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَا أَشْرَبُ لَك مَاءً مِنْ عَطَشٍ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ غَيْرِ الْمَاءِ وَأَكَلَهُ وَإِنْ نَوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ اللَّفْظِ ، وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ وَلَا عُرْفَ يَقْتَضِيهِ لَغَا .
وَهَذَا كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ يَشْتَرِطُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يُوصِي فِيهِ كَقَوْلِهِ : فِي قَضَاءِ دُيُونِي ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْت لَك - لَغَا ، لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا
إذَا فَهِمَ الْعَامِّيُّ " مِنْ " اللَّفْظِ شَيْئًا آخَرَ " لَمْ " يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَا نَوَاهُ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ مِنْ الْحَالِفِ بِالْحَرَامِ أَيْشُ تَفْهَمُ مِنْهُ لَوْ سَمِعَتْ غَيْرَك يَحْلِفُ بِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِفَهْمِهِ عَلَى نِيَّتِهِ .
وَلَوْ كَانَ فَهِمَ الْعَوَامُّ حُجَّةً لَمْ يَنْظُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَلَا غَيْرِهَا مِمَّا يَصْدُرُ عَنْهُمْ وَلَكِنَّا نَنْظُرُ فِي ذَلِكَ وَيَجْرِي الْأَمْرُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهَا لُغَةً وَشَرْعًا سَوَاءٌ عَلِمْنَا أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ ذَلِكَ أَوْ جَهِلَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ فَقَدْ الْتَزَمَ حُكْمَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ تَفَاصِيلَهُ حِينَ النُّطْقِ بِهِ ، وَأَدِلَّةُ الشَّرْعِ شَاهِدَةٌ لِذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ " لَمَّا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أُلْزِم بِحُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ وَكُلُّ مَنْ " اسْتَفْتَانَا " " فَإِنَّمَا " نُفْتِيهِ عَلَى مُقْتَضَى لَفْظِهِ وَإِنْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ .
ثَالِثُهَا : أَنْ " يَسْبِقَ " لِسَانُهُ إلَيْهِ كَمَا فِي لَغْوِ الْيَمِينِ وَالطَّلَاقِ وَكَلِمَةِ الرِّدَّةِ ، لَكِنْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ إلَّا بِقَرِينَةٍ .
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ : لَوْ حَلَفَ ، وَقَالَ : لَمْ أَقْصِدْ الْيَمِينَ صَدَقَ إلَّا فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَإِيلَاءٍ فَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا لِحَقِّ الْغَيْرِ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : لَوْ " قَالَ : بِاَللَّهِ " ثُمَّ قَالَ : أَرَدْت يَمِينًا مَاضِيَةً قُبِلَ بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا إنْ عَلِمَ وَإِلَّا فَالنَّصُّ يُقْبَلُ .
رَابِعُهَا : أَنْ يَقْصِدَ اللَّفْظَ لَكِنْ يَقْصِدُ اسْتِعْمَالَهُ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ ، مِثْلَ أَنْ يَحْكِيَ لَفْظُ غَيْرِهِ أَوْ يَقْصِدَ تَعْلِيمَ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ .
خَامِسُهَا : أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهْلَ بِحُكْمِهِ وَيُمْكِنُ صِدْقُهُ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ .
وَمِنْ فُرُوعِهِ : لَوْ مَاتَ رَجُلٌ فَقَالَ ابْنُهُ : لَسْت أَرِثُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ
كَافِرًا سُئِلَ فَإِنْ فَسَّرَ بِالِاعْتِزَالِ وَالرَّفْضِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبِدَعِ " يُقَالُ " : لَك مِيرَاثُهُ وَاعْتِقَادُك خَطَأٌ .
وَمِنْهَا قَضَاءُ " الْحَنَفِيِّ لِلشَّافِعِيِّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ ، فَقَالَ : أَخَذْته بَاطِلًا لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ .
" وَمِنْهَا " مَاتَ رَجُلٌ عَنْ أَمَةٍ " أَوْلَدَهَا " بِنِكَاحٍ فَقَالَ : وَارِثُهُ لَا أَمْلِكُهَا ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ " وَلَدٍ " عَتَقَتْ " بِمَوْتِهِ " يُقَالُ : هِيَ مَمْلُوكَتُك وَلَيْسَتْ بِأُمِّ وَلَدٍ .
وَمِنْهَا : فِي الْقَسَامَةِ ، لَوْ قَالَ : ظَلَمْتُهُ بِالدِّيَةِ " بِكَذِبِي ، وَجَبَ " الرَّدُّ وَإِنْ قَالَ : لِأَخْذِي بِالْقَسَامَةِ فَإِنِّي حَنَفِيٌّ فَلَا .
سَادِسُهَا : أَنْ " يَبْنِيَهُ " عَلَى ظَاهِرٍ عِنْدَهُ ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خِلَافُهُ .
وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَ النَّجْمَ الْأَخِيرَ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَقَالَ : اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَا يُعْتَقُ .
وَمِثْلُهُ : لَوْ أَتَى بِلَفْظٍ مُوهِمٍ لِلطَّلَاقِ وَلَا يَقَعُ بِهِ فَتُوُهِّمَ وُقُوعُهُ أَوْ أَفْتَاهُ جَاهِلٌ بِوُقُوعِهِ فَأَخْبَرَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ " بِنَاءً " عَلَى ذَلِكَ لَا يَقَعُ " وَمِنْهَا مَاتَ عَنْ جَارِيَةٍ " أَوْلَدَهَا " بِنِكَاحٍ فَقَالَ وَارِثُهُ : لَا أَمْلِكُهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ وَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ " فَقَالَ " لَهُ : هِيَ مَمْلُوكَتُك وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِالنِّكَاحِ .
وَمِثْلُهُ : مَا لَوْ ادَّعَى قَتْلًا وَأَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ قَالَ " ظَلَمْته " وَأَخَذْته بَاطِلًا ، وَقَالَ : أَرَدْت أَنْ لَا أَعْتَقِدَ حِلَّهُ " " لَمْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ شَخْصٌ " فَقَالَ " ابْنُهُ لَسْت أَرِثُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ " اسْتَفْسَرَ " فَقَالَ " كَانَ رَافِضِيًّا أَوْ مُعْتَزِلِيًّا فَيُقَالُ لَهُ : لَك مِيرَاثُهُ " وَأَنْتَ مُخْطِئٌ فِي اعْتِقَادِك " وَمِنْهَا : لَوْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ أَلْفٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَكُونُ إبْرَاءً عَنْ خَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ لِيَصِحَّ لَهُ الْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ يَصِحَّ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا
ثُمَّ أَذِنَ لِلْمُشْتَرِي فِي عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ .
وَمِنْهَا : " مَا " فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَهُ " فَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْيَدِ " فَقَالَ الْمُدَّعِي : تَبَرَّأْت مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا دَعْوَى لِي فِيهَا ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدَّعِيَ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا دَعْوَى لِي فِيهَا " بَنَاهُ " عَلَى " قَوْلِهِ " تَبَرَّأْت مِنْهَا وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْنِ لَا تَصِحُّ .
وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ " كَثِيرَةٌ " وَلَا يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ بَلْ تَجْرِي فِي الْفِعْلِ فَمَا يَأْتِي بِهِ الْمُكَلَّفُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ جِنْسِهَا عَلَى ظَنِّ السَّهْوِ كَالْعَدَمِ ، " وَالتَّعَمُّدِ " عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ لَا يَتَحَقَّقُ " فِيهِ الْعَمْدُ بِهِ " .
وَمِثْلُهُ يَجِبُ قَضَاءُ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى الْفَوْرِ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِفِطْرِهِ لَا يُبَاحُ فِيهِ حَقِيقَةً .
وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَامِدًا لَا تَبْطُلُ " لِبِنَائِهِ " عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ .
" الْخَامِسُ " : - اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْعَقْدِ إذَا وَجَدَ مَعَهُ مَا يُنَافِيهِ بَطَلَ " لِلتَّهَافُتِ " .
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ : بِعْتُك بِلَا ثَمَنٍ وَأَجَّرْتُك الدَّارَ بِلَا أُجْرَةٍ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ وَاللَّفْظُ الْمُحْتَمَلُ عَقْدَيْنِ وَيَتَمَيَّزُ بِالصِّلَةِ فَإِذَا قَالَ : مَلَّكْتُك بِالثَّمَنِ كَانَ بَيْعًا ، وَلَوْ قَالَ : بِلَا عِوَضٍ كَانَ هِبَةً ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّمْلِيكِ يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ .
وَإِذَا قَالَ : بِعْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِعَشْرَةٍ كَانَ إجَارَةً وَلَوْ قَالَ : بِلَا " أُجْرَةٍ " كَانَ عَارِيَّةً .
وَلَوْ قَالَ : قَارَضْتُك اقْتَضَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الرِّبْحِ فَإِذَا شَرَطَ خِلَافَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ : كُلُّهُ لِي أَوْ كُلُّهُ لَك كَانَ فَاسِدًا " فَلَوْ " قَالَ : أَقْرَضْتُك هَذَا الْمَالَ اقْتَضَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُسْتَقْرِضِ " فَإِذَا " قَالَ : عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِي أَوْ بَيْنَنَا بَطَلَ وَكَانَ قِرَاضًا فَاسِدًا .
وَلَوْ قَالَ : أَبَضْعَتك هَذَا الْمَالَ صَارَ بِضَاعَةً بِمَعْنَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمَالِكِ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ ، فَلَوْ قَالَ : عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا " أَوْ لَك " كَانَ فَاسِدًا أَيْضًا .
وَلَوْ قَالَ : خُذْ هَذَا بِنَظَرِ مَا يَصْلُحُ لِلْقِرَاضِ أَوْ الْقَرْضِ فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَمَلَ بِهِ حَكَى الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْقِرَاضِ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ، فَأَمَّا فِي " الْأَقَارِيرِ " فَالتَّنَافِي غَيْرُ مُؤَثِّرٍ بَلْ الْعَمَلُ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ فَإِذَا قَالَ : لَهُ " عَلَيَّ " أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَقَدْ يَقُولُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ : الْكَلَامُ بِآخِرِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ ذِمِّيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مُكْرَهَةٌ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ .
وَمِثْلُهُ بِعْتُك بِلَا ثَمَنٍ " لَا يَصِحُّ " فِي الْأَصَحِّ .
السَّادِسُ : - قَاعِدَةٌ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ إذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ إرَادَةَ " الْمَعْنَى " مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ فَالْحَالُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَ إطْلَاقِهِ عَلَى أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَسْتَحْضِرَ الْمُطَلِّقُ أَنَّهُ نَوَى الْمَعْنَى الْغَالِبَ وَأَرَادَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ .
ثَانِيهَا : أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّهُ نَوَى الْمَعْنَى الْمُحْتَمَلَ غَيْرَ الْغَالِبِ .
الثَّالِثُ : أَنْ لَا يَحْضُرَهُ " أَنَّهُ " نَوَى الْغَالِبَ وَلَا غَيْرَهُ .
فَأَمَّا الْأَوَّلُ : فَيَنْوِي فِيهِ وَيَعْمَلُ بِمَا نَوَاهُ .
وَأَمَّا [ الثَّانِي ] فَهُوَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى الْمُحْتَمَلِ " إلَّا لِمَانِعٍ " وَفِيهِ تَفْصِيلٌ " بَيْنَ " مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ وَأَلْفَاظِ " الشَّارِعِ " فِي الْمَأْمُورَاتِ وَبَيْنَ أَلْفَاظِ " الْمُكَلَّفِينَ " فِي أَيْمَانِهِمْ وَتَعْلِيقَاتِهِمْ " وَفِيهِ طُولٌ .
وَأَمَّا الثَّالِثُ : فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : لَا يَلْحَقُ بِمَا " وُجِدَتْ " فِيهِ نِيَّةُ الْغَالِبِ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْغَالِبِ " إذْ " يَسْتَحْضِرُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : يَجْرِي مَجْرَى مَا وُجِدَتْ فِيهِ نِيَّةُ الْغَالِبِ لِغَلَبَةِ إرَادَةِ الْغَالِبِ عِنْدَ الِاسْتِرْسَالِ لِلْإِطْلَاقِ وَلَهُ الْتِفَاتٌ إلَى قَاعِدَةٍ عَقْلِيَّةٍ .
الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ وَالْعِلْمِ بِالْعِلْمِ بِالشَّيْءِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ حُضُورِ الشَّيْءِ وَحُضُورِ تَذَكُّرِهِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ حَاضِرًا وَلَا " يَحْضُرُنَا " " تَذَكُّرُهُ " " فَعَلَ " ذَلِكَ فِي وَقْتِهِ .
وَالْمَلَكَاتُ النَّفْسَانِيَّةُ " كُلُّهَا " مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ( الْعَقْلِ ) لَا يَحْصُلُ الْفِعْلُ إلَّا بِهِ فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ مَلَكَةً لِلنَّفْسِ كَانَ الشَّرْطُ حَاضِرًا .
وَإِلَّا لَوُجِدَ الْمَشْرُوطُ بِدُونِ شَرْطِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الْعِلْمُ بِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ وَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِالْعِلْمِ بِهِ أَوْ حَصَلَ لَكِنْ لَمْ يَحْضُرْ تَذَكُّرُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ حُضُورِهِ .
مِثَالُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ
تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ التَّرْكِيبِ بَيْنَ الْحُرُوفِ وَتَقَدُّمِ بَعْضِهَا " عَلَى بَعْضٍ " ضَرُورَةً ثُمَّ إنَّهَا تَكْثُرُ وَتَتَكَرَّرُ إلَى أَنْ تَصِيرَ مَلَكَةً لِلنَّفْسِ فَيَكْتُبُ مَا شَاءَ اللَّهُ " تَعَالَى " أَنْ يَكْتُبَ وَلَا يَسْتَحْضِرُ أَنَّهُ رَتَّبَ التَّرْتِيبَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ انْتِظَامُ الْكِتَابَةِ .
وَفِي التَّحْقِيقِ قَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ لَهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ تَذَكُّرُهُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ ، وَكَذَلِكَ وَنَقُولُ " فِي الْكَلَامِ إذَا كَثُرَ " اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى " وَتَكَرَّرَ " عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الِاسْتِرْسَالِ يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ سُئِلَ الْمُتَكَلِّمُ هَلْ تَسْتَحْضِرُ أَنَّك أَرَدْت بِهِ هَذَا الْمَعْنَى الْمُعَيَّنَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَضَرَتْهُ النِّيَّةُ " فِيهَا " بِعَيْنِهَا " وَيَجْرِي " هَذَا النَّظَرُ فِي بَعْضِ دَلَائِلِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْإِيمَانِ كَالْبَدْوِيِّ إذَا أَطْلَقَ لَفْظَ " الْبَيْتِ " فِي يَمِينِهِ فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ بَيْتًا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى بَيْتِ الشِّعْرِ حَتَّى يَحْنَثَ بِدُخُولِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ إرَادَتُهُ مَعَ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ وَبِهَذَا عَلَّلُوا حَمْلَ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ الْبَدْوِيِّ عَلَى بَيْتِ الشِّعْرِ ، وَقَالُوا : إذَا أَطْلَقَهُ مَنْ تَغْلِبُ عَلَيْهِ إرَادَتُهُ كَالْبَدْوِيِّ حُمِلَ عَلَيْهِ لِاجْتِمَاعِ الْوَضْعِ وَغَلَبَتْ الْإِرَادَةُ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لِإِرَادَةِ بَيْتِ الشِّعْرِ لَمْ تَسْتَحْضِرْ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اسْتَحْضَرَتْ لَمْ " تَضُمَّ " إلَى التَّعْلِيلِ لِغَلَبَةِ " الْإِرَادَةِ .
وَمِنْهَا " لَوْ " حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ " لَا يَحْنَثُ " بِلَحْمِ السَّمَكِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَحْضُرْهُ أَنَّهُ نَوَى اللَّحْمَ الْمُعْتَادَ لِغَلَبَةِ إرَادَتِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ .
وَهَذَا يُخَالِفُ مَسْأَلَةَ الْبَدْوِيِّ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّ "
اعْتِبَارَ " الْإِرَادَةِ ثُمَّ وَافَقَ الْوَضْعَ ، " وَاعْتِبَارُ " الْإِرَادَةِ هَا هُنَا خَالَفَهُ مُخَالَفَةُ التَّخْصِيصَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ الْإِيمَانِ انْتَقَلَ الِاسْمُ عَنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ الْوَضْعِيَّةِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مِنْ بَابِ اتِّبَاعِ الْوَضْعِ لَا لِلنَّظَرِ إلَى غَلَبَةِ الْإِرَادَةِ لَكِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ فِي كُلِّ مَكَان .
الْمَائِعُ الْجَارِي حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : الْجِرْيَةُ إذَا كَانَتْ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَائِعِ بَلْ يَحْكُمُ عَلَى جَمِيعِهِ بِالنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْمَاءِ .
الثَّانِيَةُ : الْمَائِعُ إذَا تَنَجَّسَ وَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَا يَعُودُ طَهُورًا بِخِلَافِ الْمَاءِ وَمِنْ هَذَا أَنَّ الْمَائِعَ إذَا تَنَجَّسَ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْمَاءِ .
مَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ بِخُصُوصِهِ لَا يُوجِبُ أَهْوَنُهُمَا بِعُمُومِهِ كَزِنَى الْمُحْصَنِ لِمَا " أَوْجَبَ " أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ بِخُصُوصِ زِنَا الْمُحْصَنِ وَهُوَ الرَّجْمُ لَا يُوجِبُ مَعَهُ أَدْنَاهُمَا وَهُوَ الْجَلْدُ بِعُمُومِ كَوْنِهِ زِنًى ، وَكَذَلِكَ زِنَى غَيْرِ الْمُحْصَنِ يُوجِبُ الْجَلْدَ وَتَحْصُلُ مَعَهُ الْمُلَامَسَةُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ فَلَا يَجِبُ مَعَهُ ، وَكَذَلِكَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ مَنِيًّا فَلَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِعُمُومِ كَوْنِهِ حَدَثًا ، وَكَذَلِكَ الْإِيلَاجُ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا " يُوجِبُ " مَعَهُ الْوُضُوءَ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَلِكَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْأَطْرَافِ إذَا أَفَضْت إلَى الْمَوْتِ تُوجِبُ دِيَةَ النَّفْسِ وَلَا تَجِبُ مَعَهَا دِيَةُ الْأَطْرَافِ .
وَقَدْ نُقِضَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِصُوَرٍ : " مِنْهَا " الْحَيْضُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ حَيْضًا وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ بِأَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ يُوجِبَانِ الْغُسْلَ وَلَا يُوجِبَانِ الْوُضُوءَ فَعَلَى هَذَا اسْتَقَامَتْ عَلَى الْقَاعِدَةِ .
" وَمِنْهَا " الْوِلَادَةُ تُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ .
وَمِنْهَا : مَنْ اشْتَرَى أَمَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَوَطِئَهَا لَزِمَهُ الْمَهْرُ لِاسْتِمْتَاعِهِ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ " إذَا " كَانَتْ بِكْرًا ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ إزَالَةِ الْعَيْنِ .
وَالْمَهْرُ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةٍ فَلَمَّا اخْتَلَفَ سَبَبُهَا لَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَهُمَا وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ .
وَقِيلَ : يَنْدَرِجُ الْأَرْشُ فِي الْمَهْرِ وَصَحَّحَهُ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ .
وَمِنْهَا : لَوْ شَهِدُوا عَلَى مُحْصَنٍ بِالزِّنَى فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ لَكِنْ يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ أَوَّلًا ثُمَّ يُرْجَمُونَ ، " وَذَكَرَ " الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْغَنِيمَةِ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ يَرْضَخُ لَهُ مَعَ السَّهْمِ ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَمِنْهُمْ مَنْ " نَازَعَ " كَلَامَهُ فِيهِ ، وَقَالَ : " يُزَادُ " مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ .
مَا تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا سَبَقَتْ قَاعِدَتُهُ فِي " حَرْفِ السِّينِ "
مَا اقْتَضَى عَمْدُهُ الْبُطْلَانَ اقْتَضَى سَهْوُهُ السُّجُودَ كَالْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَالرُّكُوعِ الزَّائِدِ إلَّا فِي الْحَدَثِ فَإِنَّ عَمْدَهُ وَسَهْوَهُ مُبْطِلٌ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ " وَإِلَّا " فِيمَا إذَا " تَنَفَّلَ " عَلَى الدَّابَّةِ وَحَوَّلَهَا عَنْ صَوْبِ مَقْصِدِهِ وَعَادَ عَلَى الْفَوْرِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَهَا فَلَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْجُدُ فِي الْأَصَحِّ .
" وَمَا " لَا يَقْتَضِي عَمْدُهُ الْبُطْلَانَ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ إلَّا فِيمَا إذَا نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا كَفَاتِحَةٍ " فِي " رُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِعَمْدِهِ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِي الْأَصَحِّ " وَإِلَّا " فِيمَا لَوْ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ " فَإِنَّ " عَمْدَهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ نَاسِيًا وَتَذَكَّرَهُ " بَعْدَ " أَنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ فَإِنَّهُ " لَا " يَقْعُدُ وَيَسْجُدُ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ فَأَتَمَّ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي التَّشَهُّدِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ الْإِتْمَامَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَمَا لَوْ طَوَّلَ الرُّكْنَ الْقَصِيرَ ، وَقُلْنَا " بِالْمُخْتَارِ " لَا يَبْطُلُ عَمْدُهُ فَالْأَصَحُّ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ .
مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ سَبَقَتْ فِي " حَرْفِ الْحَاءِ " .
وَمِنْهُ الصُّوَرُ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ كَالْمَرْهُونِ وَالْجَانِي وَالْمَبِيعِ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا مَعَ أَنَّ وَفَاءَ " الدَّيْنِ " مُتَأَخِّرٌ عَنْ التَّجْهِيزِ ، وَتَقَدَّمَ الْمُرْتَهِنُ فِي أَمْوَالِ الْمُفْلِسِ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُرْتَهِنٍ .
وَلَوْ تَنَازَعَ " الْمُتَبَايِعَانِ " فِي " الْبُدَاءَةِ " بِالتَّسْلِيمِ أُجْبِرَ الْبَائِعُ فِي الْأَظْهَرِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْمَبِيعِ مُعَيَّنٌ وَالثَّمَنُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ أَحَقُّ " بِالتَّقْدِيمِ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ " .
وَلَوْ رُقَّ الْحَرْبِيُّ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَغَنِمْنَا مَالَهُ مَعَ اسْتِرْقَاقِهِ فَلَا يُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي عَيْنِهِ وَالدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ سَبَقَ الرَّهْنَ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنْ فَاتَهُ الْعَيْنُ فَلَهُ بَدَلٌ وَهُوَ الذِّمَّةُ ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَزِيدُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ .
وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ ، قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ : الْجِنَايَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ وَالْغُرَمَاءُ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ .
مَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالشَّرْطِ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي فُرُوعِ التَّعْلِيقَاتِ .
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : طَلَّقْتُك بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِي الرَّجْعَةَ سَقَطَ قَوْلُهُ بِأَلْفٍ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ " ثَبَتَ " بِالشَّرْطِ وَالرَّجْعَةُ بِالشَّرْعِ فَكَانَ أَقْوَى ، وَنَحْوَهُ تَدْبِيرُ الْمُسْتَوْلَدَةِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا بِالْمَوْتِ ثَابِتٌ " بِالشَّرْعِ " فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى تَدْبِيرٍ .
وَلَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ وَنَوَى عِتْقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِالْقَرَابَةِ حُكْمٌ قَهْرِيٌّ وَالْعِتْقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ يَتَعَلَّقُ بِإِيقَاعِهِ وَاخْتِيَارِهِ .
وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ إذَا أَحْرَمَ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ النَّذْرِ وَقَعَ " ذَلِكَ " عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ " لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ " مُتَعَلِّقٌ بِالشَّرْعِ وَوُقُوعُهُ عَنْ التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ " مُتَعَلِّقٌ بِإِيقَاعِهِ عَنْهُمَا وَالْأَوَّلُ أَقْوَى .
وَمِثْلُهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُ الْوَاجِبِ .
وَلَوْ نَكَحَ أَمَةً لِمُورِثِهِ ثُمَّ قَالَ : إذَا مَاتَ سَيِّدُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَمَاتَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ يَرِثُهُ ؛ فَالْأَصَحُّ " أَنَّهُ " لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُقْتَضَى لِلِانْفِسَاخِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْتَنِعٌ فَقُدِّمَ أَقْوَاهُمَا وَالِانْفِسَاخُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالْقَهْرِ شَرْعًا وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى .
مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ اسْتَنْبَطَهَا " الْإِمَامُ " الشَّافِعِيُّ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُخَيَّلُ إلَيْهِ الشَّيْءُ فِي الصَّلَاةِ " لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِبْحًا " وَبَنَى عَلَيْهَا فُرُوعًا " كَثِيرَةً " .
كَمَنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةً أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِيَقِينِهِ وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ النِّكَاحَ " مُسْتَيْقِنٌ " فَإِذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ " أَمْ لَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَهَلْ طَلَّقَ " ثِنْتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَمِنْهَا الْأَقَارِيرُ ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ مُتَيَقِّنَةٌ " فَلَا شُغْلَ " إلَّا بِيَقِينٍ فَحَيْثُ يَحْتَمِلُ اللَّفْظُ الْإِقْرَارَ وَعَدَمَهُ لَا يَثْبُتُ نَعَمْ لَوْ قَالَ " لَهُ " عَلَيَّ دِرْهَمٌ ؛ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَازِنٌ ، فَلَوْ قَالَ : أَرَدْت دِرْهَمًا خَفِيفًا وَلَمْ أُرِدْ الْوَزْنَ بَلْ الشَّكْلَ وَالصُّورَةَ لَمْ يُقْبَلْ .
قَالَ الْإِمَامُ : فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ بِنَاءَ الْإِقْرَارِ عَلَى " إلْزَامِ " الْيَقِينِ وَطَرْحِ الشَّكِّ عَلَى اسْتِصْحَابِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ، وَهَذَا الْأَصْلُ يَقْتَضِي تَصْدِيقَ الْمُقِرِّ بِالدِّرْهَمِ الْمُطْلَقِ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ إرَادَةِ الشَّكْلِ دُونَ الْوَزْنِ ، قُلْنَا : هَذَا قَوْلُ " مَنْ لَمْ يَحُطَّ بِنِهَايَاتِ " الْأُمُورِ فَإِنَّ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ فِي الْإِقْرَارِ يَجْرِي عَلَى مُوجِبِ ظَاهِرِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ نَصًّا فِي " وَضْعِ " اللِّسَانِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَأْوِيلٌ فَإِنَّ الصَّرِيحَ مَا يَتَكَرَّرُ عَلَى الشُّيُوعِ أَمَّا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَوْ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ ، وَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ لَزِمَ إجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يُقْبَلُ الْعُدُولُ عَنْ مُوجِبِ الظَّاهِرِ فِي الظَّاهِرِ وَأَمْرُ السِّرِّ مُحَالٌ عَلَى الْأَحْكَامِ الْبَاطِنَةِ .
وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْ الزَّوْجِ فِي الظَّاهِرِ " قَوْلُهُ " أَرَدْت مِنْ وَثَاقٍ
وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الِاحْتِمَالِ ، فَإِنَّ الصَّرِيحَ حَقُّهُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى الظَّاهِرِ فِي ظَوَاهِرِ الْأَحْكَامِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَمْلِ الْإِقْرَارِ عَلَى الْأَقَلِّ إذَا كَانَ لَفْظُ الْمُقِرِّ مُحْتَمَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ اللَّافِظِ .
وَمِنْهَا أَنَّ الْمَفْقُودَ لَا يُقَسَّمُ مَالُهُ وَلَا تُنْكَحُ زَوْجَتُهُ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ " يَتَيَقَّنُ " أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَمْثَالُهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْحَيَاةِ مُتَيَقِّنٌ فَلَا نَرْفَعُهُ إلَّا بِيَقِينٍ .
وَمِنْهَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَمْسُ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِكُلٍّ مِنْهَا " يَقِينًا " .
وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ الْأُسْبُوعِ وَنَسِيَهُ " صَامَ آخِرَ الْأُسْبُوعِ " وَهُوَ الْجُمُعَةُ فَإِنْ يَكُنْ فَذَاكَ وَإِلَّا وَقَعَ قَضَاءٌ كَذَا قَالُوهُ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الْأُسْبُوعِ " السَّبْتُ وَالظَّاهِرُ " أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِيَقِينٍ إلَّا بِصَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتُ لِلْخِلَافِ فِي أَوَّلِ الْأُسْبُوعِ .
وَقَدْ نَقَضَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ فِي جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَذَا رَأَيْته فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ " لِأَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْعِجْلِيِّ " مُعْتَرِضًا بِهِ ، فَقَالَ : نَقَضَ الشَّافِعِيُّ أَصْلَهُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ لَا يُرْفَعُ إلَّا بِيَقِينٍ بِتَخْصِيصِهِ أَوْ نَسْخِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ النُّصُوصَ الْقَطْعِيَّةَ .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُرِدْ بِالْيَقِينِ الْقَطْعَ بَلْ إنَّ الشَّيْءَ الثَّابِتَ بِشَيْءٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمِثْلِهِ ، وَالنَّصُّ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ وَهُوَ كَافٍ فِي الْأَحْكَامِ .
مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا سَبَقَتْ " فِي حَرْفِ الضَّادِ " .
مَا جَازَ فِيهِ التَّخْيِيرُ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّبْعِيضُ إلَّا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ " وَرَضِيَ " سَبَقَتْ فِي حَرْفِ التَّاءِ فِي فَصْلِ التَّخْيِيرِ .
مَا جَازَ الرَّهْنُ بِهِ جَازَ ضَمَانُهُ وَمَا لَا فَلَا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ ضَمَانُ الدَّرْكِ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ وَضَمَانُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ .
مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ وَمَا لَا فَلَا إلَّا فِي صُوَرٍ : فَمِنْ الْأَوَّلِ " الْمَنَافِعُ تُبَاعُ بِالْإِجَارَةِ وَيَمْتَنِعُ هِبَتُهَا إذَا قُلْنَا : إنَّهَا عَارِيَّةٌ .
وَبَيْعُ الْأَوْصَافِ سَلَمًا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ " وَلَا يَجُوزُ هِبَتُهُ بِأَنْ يَقُولَ : وَهَبْتُك " أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي ذِمَّتِي ثُمَّ يُعَيِّنُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَقْبِضُهُ .
وَالْمُكَاتَبُ يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ .
وَمِنْ الثَّانِي : بَيْعُ " التَّحَجُّرِ " لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ " هِبَتُهُ " .
وَهِبَةُ إحْدَى الضَّرَّتَيْنِ نَوْبَتَهَا لِصَاحِبَتِهَا صَحِيحٌ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ، وَالطَّعَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ .
مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ وَمَا لَا فَلَا إلَّا فِي صُوَرٍ فَمِنْ الْأَوَّلِ : الْمَنَافِعُ تُبَاعُ بِالْإِجَارَةِ وَيَمْتَنِعُ رَهْنُهَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْقَبْضِ فِيهَا وَالدَّيْنُ يُبَاعُ وَلَا يُرْهَنُ وَكَذَا " الْمُشَاعُ " .
وَمِنْ الثَّانِي : رَهْنُ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ يَصِحُّ وَيُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَكَذَا رَهْنُ السِّلَاحِ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَنَظَائِرِهِ .
مَا " جُوِّزَ " لِلْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْكَلْبِ لِلْحِرَاسَةِ وَالصَّيْدِ فِي الْأَصَحِّ " وَبِهَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ .
وَمِثْلُهُ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ فِي الْأَصَحِّ " .
وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْهَدْيِ لِلرُّكُوبِ وَإِنْ جَازَ " رُكُوبُهُ " لِلْحَاجَةِ .
مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ اتِّخَاذُهُ إمَّا قَطْعًا كَآلَاتِ الْمَلَاهِي أَوْ عَلَى الْأَصَحِّ كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ .
وَلِهَذَا حَرُمَ اتِّخَاذُ الْكَلْبِ الصَّائِدِ لِمَنْ لَا يَصِيدُ فِي الْأَصَحِّ وَحَرُمَ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ وَالْفَوَاسِقِ وَالْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَالثَّوْبِ مِنْ الْحَرِيرِ لِلُبْسِ الرَّجُلِ وَالْحُلِيِّ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً .
" وَنَقَضَ " بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِمَسْأَلَةِ الْبَابِ فِي الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لَهُ فَتْحَهُ إذَا سَمَّرَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَهْلَ الدَّرْبِ يَمْنَعُونَهُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنْ مَاتُوا فَوَرَثَتُهُمْ وَهَلُمَّ جَرَّا .
وَأَمَّا مُتَّخِذُ الْإِنَاءِ فَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ فَرُبَّمَا جَرَّهُ اتِّخَاذُهُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ .
وَمَا لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ قَدْ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ .
كَالْكَلْبِ يُسْتَعْمَلُ " لِلزَّرْعِ " أَوْ مَاشِيَةٍ وَلَوْ اتَّخَذَهُ لِمَا " سَيَقَعُ " مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لِمَنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ .
مَا حَرُمَ عَلَى الْآخِذِ أَخْذُهُ حَرُمَ عَلَى الْمُعْطَى إعْطَاؤُهُ كَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالزَّمَّارِ وَالرِّشْوَةِ لِلْحَاكِمِ إذَا بَذَلَهَا لِيَحْكُمَ لَهُ بِغَيْرِ " الْحَقِّ " .
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ لَا تَحْرُمُ عَلَى الدَّافِعِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَى الْآخِذِ كَالرِّشْوَةِ لِلْحَاكِمِ لِيَصِلْ إلَى حَقِّهِ وَكَفَكِّ الْأَسِيرِ وَإِعْطَاءِ شَيْءٍ لِمَنْ يَخَافُ هَجْوَهُ .
وَلَوْ خَافَ الْوَصِيُّ أَنْ يَسْتَوْلِيَ غَاصِبٌ عَلَى الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا لِيُخَلِّصَهُ { وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ } .
مَا شَرَعَ فِعْلُهُ لِمَعْنًى " فَلَمْ " يُوجَدْ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ " وَأَمْكَنَ فِعْلُهُ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ اعْتِبَارًا بِنَفْسِهِ أَوْ لَا " اعْتِبَارًا بِجِنْسِهِ الْأَشْبَهُ الثَّانِي وَعَلَيْهِ فُرُوعٌ مِنْهَا الْحَلْقُ فِي الْحَجِّ لِمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَمِنْهَا السِّوَاكُ شُرِعَ لِلتَّنْظِيفِ فَلَوْ فُرِضَ شَخْصٌ نَقِيُّ الْأَسْنَانِ " قَوِيُّ " الطَّبِيعَةِ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَلَحُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ " سُنَّةَ " الِاسْتِيَاكِ قَالَهُ الْإِمَامُ .
وَمِنْهَا " السُّحُورُ " شُرِعَ لِلتَّقَوِّي فَلَوْ فُرِضَ شَخْصٌ فَاقِدُ الشَّهْوَةِ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِيمَا قَالَهُ نِزَاعٌ إذَا كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ .
وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا وَأَمْكَنَ عَمَّا إذَا وَلَدَ مَخْتُونًا .
مَا شُرِعَ لِمَعْنًى فَوُجِدَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ قَاصِدٍ فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ رُكْنًا فِيهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ فُرُوعٌ : مِنْهَا لَوْ وَقَفَ الْجُنُبُ لِلتَّيَمُّمِ فِي مَهَبِّ " الرِّيحِ " فَسَفَّتْهُ الرِّيحُ " فَرَدَّدَهُ " وَنَوَى لَمْ يُجْزِهِ ، لِأَنَّ النَّقْلَ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ .
وَمِنْهَا لَوْ وَقَفَ الْجُنُبُ تَحْتَ مِيزَابٍ أَوْ نَزَلَ عَلَيْهِ سَيْلٌ كَفَاهُ فِي الْأَصَحِّ .
وَمِنْهَا الْغَرِيقُ هَلْ يَكْفِي غَرْفَةٌ عَنْ الْغُسْلِ أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ .
وَمِنْهَا لَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ فَنَزَلَ فِي الْقَبْرِ مَاءٌ فَغَرَّقَهُ فَهَلْ يَكْفِي عَنْ نَبْشِهِ وَغُسْلِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَلَعَلَّهُمَا الْوَجْهَانِ قَبْلَهُمَا .
وَمِنْهَا لَوْ وَقَعَ جِلْدُ الْمَيِّتَةِ فِي مَدْبَغَةٍ كَفَى .
" مَا " شُرِطَ فِيهِ الْعَدَدُ إذَا تَكَرَّرَ الْوَاحِدُ مِنْهُ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ اثْنَيْنِ فِيهِ ؟ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا لَا " يُجْزِئُ " قَطْعًا كَمَا لَوْ شَهِدَ فِي قَضِيَّةٍ ثُمَّ أَعَادَ الشَّهَادَةَ " لَا " يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدِ الْآخَرِ .
ثَانِيهَا : مَا يُجْزِئُ قَطْعًا كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ مُدًّا فِي كَفَّارَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَفَعَهُ إلَى آخَرَ أَجْزَأَهُ قَطْعًا .
" الثَّالِثُ " مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ .
" فَمِنْهُ " لَوْ اسْتَعْمَلَ الْحَجَرَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَلَمْ يَتَلَوَّثْ " ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ " ثَانِيًا وَثَالِثًا أَجْزَأَ فِي " الْأَصَحِّ " .
وَلَوْ رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ أَخَذَهَا وَرَمَى بِهَا " وَهَكَذَا " سَبْعًا فَالْأَصَحُّ " فِي الرَّوْضَةِ " الْإِجْزَاءُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : الْأَقْوَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ، وَقَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ الْأَظْهَرُ .
" مَا " صَلُحَ لِلْحَلِّ لَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ كَمَا لَوْ تَحَرَّمَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ شَكَّ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ فَأَتَى بِتَكْبِيرَةٍ مَعَ النِّيَّةِ لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِهَا ، لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْعَقْدِ الْحِلَّ .
وَمِنْ ثَمَّ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ " وَجْهًا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ " لِلشِّقْصِ إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِعَقْدٍ يُوجِبُ تَنْفِيذَهُ كَانَ مُبْطِلًا لِلشُّفْعَةِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَثْبُتَ الشُّفْعَةَ مَا يُبْطِلُهَا وَزَيَّفَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ حُقُوقَ الْأَمْلَاكِ لَا تَتَلَقَّى مِنْ أَحْكَامِ النِّيَّاتِ فِي الْعِبَادَاتِ ، وَيُرَدُّ عَلَى الْإِمَامِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ الْمَمْلُوكَةَ " لِابْنِهِ " الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا وَلَا يَأْتِي " فِيهَا " الْوَجْهُ فِي عِتْقِ مُسْتَوْلَدَةِ الْكَافِرِ تُسْلِمُ ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُقْتَضِيًا لِلْإِدْخَالِ فِي " الْمِلْكِ مُقْتَضِيًا " لِلْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ " وَكَذَلِكَ " يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ " الْبَيْعُ " مُبْطِلًا لِلشُّفْعَةِ مُثَبِّتًا لَهَا .
مَا ضُبِطَ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَاخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا " كَمَا " لَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ حَصَلَ تَرَدُّدٌ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ وَشَكَّ هَلْ بَلَغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ أَمْ لَا وَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ ، وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ الطَّهَارَةَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ .
" وَمِنْهَا " مَا " لَوْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ هَلْ انْتَهَى إلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ أَمْ لَا قَالَ الْإِمَامُ : الَّذِي يَنْقَدِحُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الصِّحَّةِ ، وَالثَّانِي : الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ ، " وَالثَّالِثُ : يَتْبَعُ " غَلَبَةَ الظَّنِّ فَإِنْ اسْتَوَى الظَّنَّانِ فَالْأَصْلُ دَوَامُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالْأَظْهَرُ : اسْتِصْحَابُ الْحُكْمِ بِدَوَامِ الصَّلَاةِ .
وَمِنْهَا أَنَّ دَمَ الْبَرَاغِيثِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ إذَا كَانَ قَلِيلًا فَلَوْ تَرَدَّدَ فَفِيهِ " احْتِمَالٌ " لِلْإِمَامِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْقَلِيلِ وَأَنَّ بِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ أَيْ فَيُعْفَى عَنْهُ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ " بَيْنَهُمَا " وَبَيْنَ الْأُولَى عَلَى اخْتِيَارِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ عَمَلَ بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ " .
مَا قَارَبَ الشَّيْءَ أَعْطَى حُكْمَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ " فِي الْبَلَدِ " قُوتٌ مَعْلُومٌ يَلْزَمُهُمْ فِي الْفِطْرَةِ قُوتُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ .
" وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَقْدٌ وَأَتْلَفَ عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَيَقُومُ بِنَقْدِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ " وَلَوْ عَيَّنَ مَوْضِعًا لِلتَّسْلِيمِ فَخَرِبَ وَخَرَجَ عَنْ صَلَاحِيَّةِ التَّسْلِيمِ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ إلَيْهِ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ .
وَلَوْ عَقَدَ السَّلَمَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ بِأَنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ [ تَعْيِينِ ] مَوْضِعِ " التَّسْلِيمِ " فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيلَ : لَا يُشْتَرَطُ وَيَكْفِي أَقْرَبُ مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ إذَا " فُقِدَ التَّمْرُ فِي رَدِّ الْمُصَرَّاةِ " وَقِيمَتُهُ " وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي : أَحَدُهُمَا : قِيمَةُ أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ ، وَالثَّانِي : قِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ .
وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّافِعِيُّ غَيْرَهُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقِيَاسُ الْمُوَافِقُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي اعْتِبَارِ التَّمْرِ مِنْ تَمْرِ الْبَلَدِ الْوَسَطِ .
مَا كَانَ تَرْكُهُ كُفْرًا فَفِعْلُهُ " يَكُونُ " إيمَانًا كَكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ وَمَا لَا يَكُونُ تَرْكُهُ كُفْرًا لَا يَكُونُ فِعْلُهُ إيمَانًا .
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ صَلَّى الْكَافِرُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَكَّى أَوْ صَامَ " لِأَنَّهُ يَفْعَلُهَا " الْكُفَّارُ .
ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْقَفَّالُ وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي الْأَسْرَارِ مِنْهَا " مَا " لَوْ حَجَّ كَمَا يَحُجُّ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ كَكَلِمَةِ الْإِيمَانِ .
مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي " مَوْضِعِهِ " لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ سَبَقَتْ " فِي حَرْفِ الصَّادِ " .
مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا كَانَ عَدَمُهُ مَانِعًا سَبَقَتْ " فِي مَبَاحِثِ الشَّكِّ " .
مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ " وَجَبَ " وَرُبَّمَا يُقَالُ : لَا يُتْرَكُ الْوَاجِبُ إلَّا بِوَاجِبٍ وَهَذَا مَأْخَذُ الْأَصْحَابِ فِي وُجُوبِ الْخِتَانِ ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمَا كُشِفَتْ لَهُ الْعَوْرَةُ وَمَثَّلُوهُ بِقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَكَانَ حَرَامًا .
وَكَذَلِكَ إقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِهَا وَوُجُوبُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَقَدْ نُقِضَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّ الْفِعْلَ الزَّائِدَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ ، فَلَمَّا جَوَّزَهُ الشَّرْعُ كَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ وَلَمْ يُوجِبُوهُ .
" وَكَذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ وَلِهَذَا صَارَتْ الْحَنَفِيَّةُ إلَى الْوُجُوبِ " .
وَكَذَلِكَ الرُّكُوعَانِ فِي الْخُسُوفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ فِعْلِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ كَمَا أَوْضَحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ .
وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى الْمَخْطُوبَةِ .
وَالْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ وَإِنْ طَلَبَهَا الْعَبْدُ الْكَسُوبُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ قَبْلَهَا مَمْنُوعَةٌ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُعَامِلُ عَبْدَهُ .
وَلَا يُكْرَهُ حَلْقُ عَانَةِ الْمَيِّتِ وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالنَّظَرِ " إلَيْهَا " أَوْ بِمَسِّهَا .
وَكَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْأُصُولِيَّةُ إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بَعْدَ التَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْإِبَاحَةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ .
" لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ .
مَا حَصَلَ ضِمْنًا إذَا تَعَرَّضَ لَهُ لَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ ضَمَّ إلَى نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ نِيَّةَ التَّبَرُّدِ ، أَوْ إلَى فَرْضِ الصَّلَاةِ نِيَّةَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى غَسْلِ " الْجِنَايَةِ " نِيَّةَ الْجُمُعَةِ ، " لِأَنَّهَا " تَحْصُلُ ضِمْنًا فَلَا يَضُرُّ التَّعَرُّضُ لَهَا إلَّا فِي صُوَرٍ : مِنْهَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك الدَّابَّةَ وَحَمْلَهَا ؛ بَطَلَ ، وَإِنْ دَخَلَ الْحَمْلُ ضِمْنًا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ .
وَكَذَلِكَ : بِعْتُك الدَّارَ وَأُسَّهَا ؛ يَبْطُلُ بِذِكْرِ الْأُسِّ مَعَ أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ لَحَصَلَ ضِمْنًا .
وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دَخَلَ هُوَ فِيهِمْ وَلَوْ صَرَّحَ بِنَفْسِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ .
وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ لَوْ وَزَّعَ عَلَيْهِ وَعَلَى " عَبْدِ " فُلَانٍ " بَطَلَ " .
وَلَوْ بَاعَهُ مَعَ عَبْدِ فُلَانٍ صَحَّ فِي عَبْدِهِ فِي الْأَظْهَرِ .
وَلَوْ قَالَ : عَلَيَّ عَشْرٌ إلَّا دِرْهَمًا ؛ صَحَّ .
وَلَوْ قَالَ : عَشْرَةٌ وَاسْتَثْنَى دِرْهَمًا أَوْ أَخْرَجَ دِرْهَمًا فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي .
وَلَوْ قَالَ : لَك عَلَيَّ أَلْفٌ ، إنْ قَبِلْت إقْرَارِي لَا يَكُونُ إقْرَارًا ، لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنْ قُبِلَ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ قِيلَ : إنَّمَا يُؤَثِّرُ " فِي " تَكْذِيبِهِ ، فَلَوْ سَكَتَ فَقَدْ قَبِلَهُ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ يَوْمًا فَوَقْتُ " الصَّلَاةِ " يُسْتَثْنَى فَلَوْ صَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ .
مَا لَا يَدْخُلُ الشَّيْءَ رُكْنًا لَا يَدْخُلُهُ جُبْرَانًا وَلِهَذَا لَوْ سَهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ ، لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلسُّجُودِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ رُكْنًا فَلَا يَدْخُلُهَا جُبْرَانًا ، كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ ، وَنَقَضَ بِالدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ جُبْرَانًا ، فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُهُ رُكْنًا وَتَدْخُلُهُ جُبْرَانًا .
مَا لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِنَفْسِهِ اُعْتُبِرَ بِغَيْرِهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَرْشٌ " مُقَدَّرٌ " تُعْتَبَرُ بِالرَّقِيقِ .
وَمِنْهُ الْمَاءُ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ مَانِعٌ يُوَافِقُهُ فِي الصِّفَاتِ " قُدِّرَ بِغَيْرِهِ " " أَنَّهُ " لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ " إذَا كَانَ " يُغَيِّرُهُ " فَنَجِسٌ " ، وَإِلَّا فَلَا .
وَلَوْ كَانَ لَهُ رُطَبٌ لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ " تَمْرٌ " فَفِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِ النِّصَابِ بِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا رُطَبًا وَالثَّانِي تُعْتَبَرُ حَالَةُ جَفَافِهِ كَغَيْرِهِ ، وَعَلَى هَذَا " فَفِي الِاعْتِبَارِ " بِنَفْسِهِ " أَوْ " بِغَيْرِهِ وَجْهَانِ .
مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ مُنْفَرِدًا بِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ اسْتِيفَاءَهُ كَالْقِصَاصِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَكَاسْتِرْدَادِ نِصْفِ وَدِيعَةٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ سُرَيْجٍ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْإِشْرَافِ .
" مَا " لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّخْصِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ وَلِهَذَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَفِي تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِحَيْضِهَا .
وَلَوْ فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ وَاخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ فَالْمُصَدَّقُ النَّاوِي ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِضَمِيرِهِ ، وَفِي الْبَحْرِ لَوْ " قَالَتْ " : لَمْ " أَنْوِهِ " وَقَالَ الزَّوْجُ : بَلْ نَوَيْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ ، كَذَا " أَطْلَقَهُ " وَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ هُنَا جَزْمًا لِإِقْرَارِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَلَوْ دَعَاهَا لِلْوَطْءِ ؛ فَقَالَتْ : حِضْت فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا وَإِنْ أَمْكَنَ وَاتَّهَمَهَا بِالْكَذِبِ حَرُمَ وَإِلَّا جَازَ ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا " عَانَدَتْهُ " وَمَنَعَتْهُ حَقَّهُ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَثْبُتْ سَبَبُهُ .
قَالَ الشَّاشِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى حَيْضِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ .
وَفَرَّقَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِأَنَّ الزَّوْجَ مُقَصِّرٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا .
قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْحَيْضِ وَادَّعَى انْقِطَاعَهُ وَادَّعَتْ بَقَاءَهُ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِلَا خِلَافٍ .
" وَقَالَ فِي الْبَيَانِ " : إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَيْضِهَا فَقِيلَ : إنْ كَانَتْ فَاسِقَةً لَمْ يُقْبَلْ " قَوْلُهَا " وَإِنْ كَانَتْ عَفِيفَةً قُبِلَ .
وَقَالَ الشَّاشِيُّ : إنْ " كَانَتْ " مِمَّنْ يُمْكِنُ " صِدْقُهَا " قُبِلَ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً لَا يُقْبَلُ فِي الْعِدَّةِ .
وَمِنْهَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ الْغَيْرِ فَقَالَ : شِئْت " صَدَقَ " .
وَمِنْهَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ وَلِيِّهَا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَقَالَ وَارِثُهُ : زَوَّجَك وَلِيُّك بِغَيْرِ إذْنِك فَنِكَاحُك بَاطِلٌ وَلَا إرْثَ لَك ، وَقَالَتْ : بَلْ زَوَّجَنِي بِإِذْنِي وَلِيُّ الْمِيرَاثِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لِأَنَّ إذْنَهَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا .
وَمِنْهَا لَوْ قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا : نَكَحْت زَوْجًا وَوَطِئَنِي وَطَلَّقَنِي " ثَلَاثًا " وَانْقَضَتْ عِدَّتِي مِنْهُ قَبْلَ قَوْلِهَا عِنْدَ الِاحْتِمَالِ وَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ الثَّانِي وَصَدَقَ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْوَطْءِ وَيَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ .
ثُمَّ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقَهَا فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا كَرَاهَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْكِحَهَا ، وَإِنْ كَذَّبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِكَاحُهَا .
فَإِنْ قَالَ بَعْدُ : تَبَيَّنْت صِدْقَهَا - فَلَهُ نِكَاحُهَا ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ، وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ : كَيْفَ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي دَعْوَى الْفِرَاقِ وَقَدْ أَقَرَّتْ بِالزَّوْجِيَّةِ وَحُمِلَ كَلَامُهُ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَحْصُلْ مُنَازَعَةٌ وَلَكِنَّهَا ذَكَرَتْهُ مُبْتَدَأً فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا " فِيهِ " ، لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الْعُقُودِ عَلَى قَوْلِ أَرْبَابِهَا .
وَمِنْهَا : لَوْ اخْتَلَفَا فِي إسْقَاطِ جَنِينٍ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ ادَّعَتْ وِلَادَةَ تَامٍّ لَمْ يَكُنْ لَهَا " بُدٌّ " مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، قُلْنَا : السَّقْطُ يَسْقُطُ فِي أَوْقَاتٍ غَيْرِ مَضْبُوطَةٍ وَلَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يُنْتَظَرُ فَيَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الْكَامِلِ .
وَمِنْهَا : لَوْ قَتَلَتْ ثُمَّ ادَّعَتْ الْحَمْلَ فَالصَّحِيحُ تَصْدِيقُهَا وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مَخَايِلُهُ ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْ مَنْكُوحَةٍ يُخَالِطُهَا زَوْجُهَا لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ عَنْ الْإِمَامِ مَهْمَا ظَهَرَتْ مَخَايِلُ الْحَمْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَقُّفِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مَخَايِلُهُ " وَادَّعَتْهُ " الْمَرْأَةُ وَوَصَفَتْ عَلَامَاتٍ خَفِيَّةً فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ ، وَالظَّاهِرُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهَا وَطَرْدُ التَّرَدُّدِ فِيمَا إذَا لَمْ تَدَّعِهِ وَلَكِنَّهَا قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوَطْءِ وَاحْتِمَالُ الْحَمْلِ قَرِيبٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ " الْمَعْنَى " فِي الْكَفِّ عَنْ قَتْلِ الْحَامِلِ خَشْيَةَ قَتْلِ الْجَنِينِ الْمُحْتَمَلِ وُجُودُهُ فَهُوَ " لِمَعْنًى " فِي غَيْرِهَا وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَقَيَّدَ بِدَعْوَاهَا .
وَمِنْهَا : الْخُنْثَى الْمُشْكَلُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إخْبَارِهِ عَنْ ذُكُورَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ .
وَمِنْهَا : لَوْ ادَّعَى الصَّبِيُّ الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ مَعَ الْإِمْكَانِ صُدِّقَ قَطْعًا وَلَا يَحْلِفُ وَقَرَّرَ الْإِمَامُ فِي الدَّائِرَاتِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ فِي تَحْلِيفِهِ تَقْدِيرَ اعْتِمَادِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ لَا يَحْلِفُ فَلَوْ حَلَفَ لَمَا حَلَفَ .
وَلَوْ قَالَ : بَلَغْت " بِالسِّنِّ " فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ .
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ الْأَبُ : أَنَا مُحْتَاجٌ لِلنِّكَاحِ صَدَقَ بِلَا يَمِينٍ وَوَجَبَ عَلَى الْوَلَدِ إعْفَافُهُ .
وَمِنْهَا : لَوْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ وَقُلْنَا : يَسْتَرِدُّ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْجِيلِ وَلَا عَلِمَهُ الْقَابِضُ فَمَهْمَا " قَالَ الْمَالِكُ : قَصَدْت بِهِ التَّعْجِيلَ وَنَازَعَهُ الْقَابِضُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا إلَّا مِنْ جِهَتِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ " تَمْلِيكَهَا " بَطَلَ أَوْ لِيَصْرِفَ فِي عَلَفِهَا صَحَّ .
وَمِنْهَا : لَوْ " قَالَ الْمُوصِي : لَمْ تَكُنْ لِي إرَادَةٌ بَطَلَتْ وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ الْإِمَامُ .
وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْحَجِّ فَانْصَرَفَ وَقَالَ : " صَدَدْت " فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ " قَالَهُ " الْعَبَّادِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَخْفَى وَيُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ : رَأَيْت الْمَبِيعَ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَمْ أَرَهُ ، فَالْمَحْكِيُّ عَنْ النَّصِّ وَبِهِ أَجَابَ الْمَرَاوِزَةُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَمْرًا حَصَلَ مِنْهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِ نَفْسِهِ .
وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمَسْأَلَةُ الْأُصُولِيَّةُ لَوْ قَالَ الْعَدْلُ " الْمَعَاصِرُ " لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا صَحَابِيٌّ يُقْبَلُ مِنْهُ مَعَ أَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ كَمَالٍ لَهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُنْثَى يُخْبِرُ بِالذُّكُورَةِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى " الصُّحْبَةِ " وَمِنْهَا مَنْ " تَوَاجَدَ " عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَاضْطَرَبَ لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ الصِّدْقُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ .
" تَنْبِيهٌ " هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يُتَّهَمْ فِيهِ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ قَالَ الْخُنْثَى : أَنَا رَجُلٌ ، ثُمَّ قُطِعَ ذَكَرَهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَلَوْ قُطِعَ فِي حَالِ الْإِشْكَالِ ثُمَّ قَالَ : أَنَا رَجُلٌ قُبِلَ فِيمَا عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِطَلَبِ الْقِصَاصِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَكَلَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أُخِذَ لِيُعَزَّرَ فَادَّعَى أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ الْبَارِحَةَ لَمْ يُقْبَلْ وَلَوْ شَهِدَ أَوَّلًا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَرَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ ثُمَّ أَكَلَ لَمْ يُعَزَّرْ .
مَا لَا يُقْبَلُ التَّبْعِيضُ يَكُونُ اخْتِيَارُ بَعْضِهِ كَاخْتِيَارِ كُلِّهِ وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ كَإِسْقَاطِ كُلِّهِ " فَمِنْهُ أَعْتَقَ " بَعْضَ " عَبْدِهِ عَتَقَ كُلُّهُ وَسَرَى عَلَيْهِ .
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ : بَعْضُك طَالِقٌ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ .
وَمِثْلُهُ أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ .
وَمِنْهَا إذَا عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَلَى بَعْضِهِ سَقَطَ الْجَمِيعُ .
وَمِنْهَا : إذَا عَفَا الشَّفِيعُ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ سَقَطَ الْكُلُّ .
وَمِنْهَا : هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُرِقَّ بَعْضَ شَخْصٍ إذَا أَسَرَهُ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَإِذَا ضَرَبَ " الرِّقُّ " عَلَى بَعْضِهِ رَقَّ كُلُّهُ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : لَا يُرَقُّ شَيْءٌ وَضَعَّفَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ فِي إرْقَاقِ كُلِّهِ دَرْءَ الْقَتْلِ وَهُوَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْقِصَاصِ ثُمَّ وَجَّهَهُ بِنَظِيرِهِ مِنْ الشُّفْعَةِ .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ " هَذِهِ " صُوَرٌ : مِنْهَا حَدُّ الْقَذْفِ " فَالْعَفْوُ " عَنْ بَعْضِهِ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْهُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ .
مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَالِ هَلْ يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِقْبَالِ ؟ قِسْمَانِ : الْأَوَّلُ : مَا لَا يُؤَثِّرُ ، فَمِنْهُ لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ " حِصَّتَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ " ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَسْرِي عَلَيْهِ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ عِتْقُهُ فِي الْحَالِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي " الِاسْتِقْبَالِ " .
وَمِنْهَا : إذَا أَسْلَمَ شَخْصٌ وَلَهُ وَلَدٌ كَافِرٌ وَلِوَلَدِهِ وَلَدٌ صَغِيرٌ ، وَقُلْنَا : لَا يَسْتَتْبِعُ الْجَدُّ وَلَدَ وَلَدِهِ لِأَجْلِ وُجُودِ وَلَدِهِ فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْحَالِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الِاسْتِقْبَالِ " .
وَمِنْهَا : هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْإِحْصَانِ الْإِصَابَةُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ بَعْدَ التَّكْلِيفِ وَالْحُرِّيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ حَتَّى لَوْ أَصَابَ وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ صَغِيرٌ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ثُمَّ زَنَى ثُمَّ " كَمَّلَ " فَزَنَى لَا يُرْجَمُ .
وَمِنْ الثَّانِي : لَوْ اسْتَوْلَدَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَةَ وَقُلْنَا : لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فَزَالَ الرَّهْنُ " فَإِنَّهُ يَثْبُتُ " حُكْمُهُ فِي الْأَصَحِّ .
مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ إلَّا الْخُبْزَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَعَلَيْهِ عَمَلَ النَّاسُ " وَلَا يُسْلِمُ فِيهِ ، وَكَذَا الْخَمِيرُ يَجُوزُ قَرْضُهُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَلَا يُسْلِمُ فِيهِ .
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ شِقْصَ الدَّارِ يَمْتَنِعُ السَّلَمُ فِيهِ وَيَجُوزُ قَرْضُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِرْفَاقِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي " .
قُلْت : لَكِنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْقَرْضِ الْقِيمَةُ ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا : الْوَاجِبُ الْمِثْلُ ، لِأَنَّ وُجُودَ شِقْصِ مِثْلِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ " أَنْ " لَا اسْتِثْنَاءَ .
مَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِالْإِكْرَاهِ وَمَا لَا فَلَا سَبَقَتْ " فِي حَرْفِ الْهَمْزَةِ فِي فَصْلِ الْإِكْرَاهِ " مَا يَحْتَاجُ " إلَى مُبَاشَرَةٍ " لَا يُتِمُّ إلَّا بِهَا فَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ لَمْ " يَنْفُذْ بِأَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا مِثْلَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا .
وَمَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُبَاشَرَةٍ فَأَقَامَ فِيهِ وَكِيلَيْنِ فَأَمْضَاهُ أَحَدُهُمَا نَفَذَ ، كَمَا لَوْ " أَوْصَى " لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ بِدَفْعِهِ إلَى الْمُوصَى لَهُ فَدَفَعَهُ " إلَيْهِ " أَحَدُهُمَا جَازَ ، لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ " لَوْ " اسْتَقَلَّ بِقَبْضِهِ لَمْ يُمْنَعْ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَوَجَدَ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ " عِنْدَهُ " وَأَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ " لِأَحَدٍ " صَحَّ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ " يَدْفَعُهُ " إلَيْهِ وَكِيلَانِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا جَازَ .
ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَخْذِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَصِيَّةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَيْضًا ، وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمُمْتَنِعِ لَا فِي الْمُقِرِّ .
مَا يُفِيدُ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَقَعَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فَهَلْ يُفِيدُهُ إذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فِيهِ خِلَافٌ فِي فُرُوعٍ : مِنْهَا : إذَا تَحَجَّرَ مَوَاتًا فَجَاءَ آخَرُ وَأَحْيَاهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ .
وَمِنْهَا : إذَا عَشَّشَ طَائِرٌ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ وَفَرَّخَ لَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُ الدَّارِ فِي الْأَصَحِّ لَكِنَّهُ أَوْلَى بِتَمَلُّكِهِ فَلَوْ تَعَدَّى غَيْرُهُ وَأَخَذَهُ هَلْ يَمْلِكُهُ ؟ وَجْهَانِ قَرَّبَهُمَا الرَّافِعِيُّ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَوَائِلِ الْإِحْيَاءِ قُلْت : الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ ، قَالَ : وَكَذَا لَوْ تَوَحَّلَ ظَبْيٌ فِي مِلْكِهِ أَوْ وَقَعَ " الْبَلَحُ " فِيهِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى .
وَفِي زِيَادَاتِ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمَاءَ مَلَكَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا " صَارَ مِلْحًا لَا بِالْأَرْضِ " .
وَمِنْهَا : إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ مُؤَذِّنِينَ وَأَذَّنُوا عَلَى التَّرْتِيبِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ إنْ كَانَ رَاتِبًا فَإِنْ سَبَقَ غَيْرَ الرَّاتِبِ وَأَذَّنَ هَلْ يَسْتَحِقُّ وِلَايَةَ الْإِقَامَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا ؛ لِأَنَّهُ " مُسْتَثْنًى " بِالتَّقْدِيمِ .
وَمِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يُؤْخَذُ الْحُكْمُ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ " أَنَّهُ " إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ مَوْضِعٌ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ فَأُحْدِثَ مَكَانٍ آخَرُ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ وَسَبَقَتْ جُمُعَتُهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لِلْجَامِعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ " أُصُولِ " أَصْحَابِنَا لِمَا ذَكَرْتُهُ .
مَا وَجَبَ دَفْعُهُ عَلَى صِفَةٍ فَأَخَلَّ بِهَا عِنْدَ الدَّفْعِ لَمْ يُجْزَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ وَدَفْعِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ الْهَدْيَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ حَيٌّ فَذَبَحُوهُ لَا يُجْزِئُهُ وَيَسْتَرِدُّهُ ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَيْهِمْ ثَانِيًا وَمِنْهَا : لَوْ دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مُعْجَلَةً عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ فِي آخِرِ الْحَوْلِ صَارَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ وَصَارَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ بِنْتَ لَبُونٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا وَإِعْطَائِهَا لَهُمْ ثَانِيًا .
وَمِنْهَا : إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى فَقِيرٍ فَأَعْطَاهُ دَيْنَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَجُزْ بَلْ طَرِيقُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الزَّكَاةَ ثُمَّ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ الْفَقِيرُ مِنْ دَيْنِهِ ، نَعَمْ قَالُوا : إذَا خَرَصَ عَلَيْهِ الرُّطَبُ " فَأَعْطَاهُ لِلْفُقَرَاءِ " رُطَبًا ثُمَّ جَفَّ " عِنْدَهُمْ وَجَفَّ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِ أَجْزَأَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِرْدَادُهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ ثَانِيًا .
مَا وَسَّعَهُ الشَّرْعُ فَضَيَّقَهُ الْمُكَلَّفُ عَلَى نَفْسِهِ هَلْ يَتَضَيَّقُ ؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي صُوَرٍ : مِنْهَا : لَوْ وَقَعَ مِنْهُ أَحْدَاثٌ فَنَوَى بَعْضَهَا هَلْ يَرْتَفِعُ الْجَمِيعُ أَمْ لَا " فِيهِ " خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ لَا .
وَمِنْهَا : لَوْ قَالَ : أُصَلِّي " بِهِ " صَلَاةً وَاحِدَةً كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ " بِهِ " مَا لَمْ يُحْدِثْ .
وَمِنْهَا : لَوْ نَذَرَ صَلَاةَ النَّفْلِ قَائِمًا فَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ قَالَ الْأَصْحَابُ : لَا تَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ رُخْصَةٌ وَلَا يُمْكِنُ الْتِزَامُ " تَرْكِ " الرُّخْصَةِ ، لِأَنَّ الرُّخَصَ مِنْ الْقُرْبِ ، وَفِي الْحَدِيثِ { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا تُؤْتَى عَزَائِمُهُ } .
وَهَذَا كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَا يَنْعَقِدُ قَالَ الْقَاضِي : وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي النَّفْلِ زِيَادَةُ طَاعَةٍ وَإِنْ رُخِّصَ فِي تَرْكِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي صَلَاتِهِ لِمَا فِي إطَالَةِ الْقِيَامِ مِنْ " الْمَزِيَّةِ " .
مَا فِي الذِّمَّةِ إذَا عُيِّنَ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً " كَمَا " لَوْ لَزِمَهُ أُضْحِيَّةٌ أَوْ " هَدْيٌ " بِالنَّذْرِ ، فَقَالَ : عَيَّنْت هَذِهِ الشَّاةَ لِنَذْرِي تُعَيَّنُ فِي الْأَصَحِّ .
وَلَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ ثُمَّ عَيَّنَ عَبْدًا " عَمَّا " الْتَزَمَ فَالْخِلَافُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَأَوْلَى بِالتَّعْيِينِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَذَكَرَ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ أَنَّ النَّصَّ وَعَامَّةَ الْأَصْحَابِ عَلَى التَّعْيِينِ فِي الْعَبْدِ .
وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فَقَالَ : عَيَّنْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَمَّا فِي ذِمَّتِي مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ قَالَ الْإِمَامُ : قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَلْغُو كَمَا فِي دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الضَّحَايَا .
وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ ثُمَّ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ كَذَا عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي فِي ذِمَّتِي ، قَالَ الْأَكْثَرُونَ : لَا يَتَعَيَّنُ وَقَالُوا : الْعِتْقُ أَشَدُّ تَعْلِيقًا بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ مِنْ تَعْلِيقِ الصَّوْمِ بِالْيَوْمِ وَقَالَ " ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ " يَتَعَيَّنُ .
وَذُكِرَ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فَنَذَرَ صَرْفَهَا إلَى أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ مِنْ الْأَصْنَافِ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : يَتَعَيَّنُونَ رِعَايَةً لِحَقِّهِمْ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ : لَا ، وَفَرَّقُوا بِقُوَّةِ الْعِتْقِ .
وَفِي الْإِجَارَةِ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ " عَمَّا " فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَتَعَيَّنُ وَلَا تُبْدَلُ فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ ثَبَتَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِهَا نَعَمْ إنْ رَضِيَ بِالْإِبْدَالِ جَازَ ، وَلَوْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ ، وَكَانَ قَدْ دَفَعَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ أَخَذَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَنَقَدَهُ فَفِي تَعْيِينِهِ لِأَخْذِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ .
وَلَوْ عَقَدَ فِي السَّلَمِ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ بِمِثْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَسْلَمْت إلَيْك دِينَارًا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا ثُمَّ عَيَّنَ " الدِّينَارَ " وَسَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حَرِيمُ الْعَقْدِ وَلَهُ حُكْمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَفِي الْحَاوِي " فِيهِ " وَجْهٌ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي " الصَّرْفِ " بِأَنْ يَقُولَ : بِعْتُك دِينَارًا بِعِشْرِينَ ثُمَّ يُعَيِّنُ وَيُسَلِّمُ فِي الْمَجْلِسِ ، نَعَمْ لَوْ تَعَاقَدَا عَلَى مُعَيَّنٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبٌ رَدَّهُ وَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ عِنْدَنَا بِالْعَقْدِ ، " وَلَوْ " كَانَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ بَدَلَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ قَبْضِ الْبَدَلِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ .
" مَا " فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضِ مُكَلَّفٍ بَصِيرٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى طَعَامٍ فِي ذِمَّتِهَا وَوَصَفَهُ بِصِفَاتِ السَّلَمِ وَأَذِنَ - " لَهَا " فِي صَرْفِهِ لِوَلَدِهِ مِنْهَا " فَإِنَّهَا " تَبْرَأُ بِصَرْفِهِ إلَى الصَّغِيرِ خِلَافًا لِاحْتِمَالِ ابْنِ الصَّبَّاغِ .
الثَّانِيَةُ النَّفَقَةُ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ إذَا أَنْفَقَ عَلَى زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ يَبْرَأُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمُكَلَّفُ .
وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى أَعْمَى فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ " وَقَدْ " ذَكَرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَوَائِدِ الرِّحْلَةِ عَنْ الْعِمَادِ النَّبَهِيِّ صَاحِبِ الْبَغَوِيِّ ، فَقَالَ : لَا تُجْزِئُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ وَإِقْبَاضُهُ بَلْ يُوَكِّلُ .
الْمُتَوَقَّعُ لَا يُجْعَلُ كَالْوَاقِعِ سَبَقَ مِنْهَا فُرُوعٌ فِي حَرْفِ التَّاءِ بِالنِّسْبَةِ " إلَى التَّحْرِيمِ " وَمَا فِي مَعْنَاهُ .
وَمِنْهَا : لَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ انْقِطَاعَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عِنْدَ الْمَحِلِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ ، وَقِيَاسُهُ مَا لَوْ عَلِمَ " الْمُشْتَرِي " بِوُجُودِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ مُدَّةٍ .
وَلَوْ شَهِدَ " لِمُوَرَّثٍ " لَهُ مَرِيضٍ أَوْ جَرِيحٍ بِمَالٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ " وَلَوْ " ارْتَابَتْ " الْمُعْتَدَّةُ بِحَمْلٍ " فَلْتَصْبِرْ إلَى أَنْ تَزُولَ الرِّيبَةُ فَإِنْ نُكِحَتْ فَالْمَذْهَبُ عَدَمُ إبْطَالِهِ " فِي الْحَالِ " فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيهِ أَبْطَلْنَاهُ .
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فَخَافَ إنْ صَلَّى قَائِمًا أَنْ يَكْشِفَهُ الرِّيحُ صَلَّى قَائِمًا وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ .
وَبَيْعُ الثَّمَرَةِ الَّتِي يُحْتَمَلُ تَلَاحُقُهَا وَاخْتِلَاطُ الْحَادِثِ بِالْمَوْجُودِ يَصِحُّ مُطْلَقًا نَظَرًا لِلْحَالِ .
وَقَدْ خَرَجُوا عَنْ هَذَا الْأَصْلِ فِي صُوَرٍ : " إحْدَاهَا " لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ : لَا تَفْسَخُ وَنَحْنُ نُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ مَخَافَةَ أَنْ يَظْهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ يُزَاحِمُهُ فِيمَا قَبَضَهُ ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ " هَذَا " عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ .
الثَّانِيَةُ : لَوْ بَاعَ الْمُفْلِسُ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ بِدُيُونِهِمْ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ .
الثَّالِثَةُ : لَوْ طَلَبَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ السَّيِّدِ التَّزْوِيجَ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَصَحِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَعْجِزُ وَتَعُودُ إلَى الرِّقِّ فَيَتَضَرَّرُ .
الرَّابِعَةُ : بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ " بِتَوَهُّمِ " وُجُودِ الْمَاءِ .
الْخَامِسَةُ : لَوْ طَوَّلَ الْجُمُعَةَ حَتَّى تَحَقَّقَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْوَقْتَ خَرَجَ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ : فَعِنْدِي أَنَّهَا تَصِيرُ ظُهْرًا الْآنَ .
وَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِحَجَّةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا يَنْقَلِبُ " حَجُّهُ فَرْضًا " إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفَرْضِ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ، وَالْإِحْرَامُ بِالظُّهْرِ الْآنَ يَصِحُّ " ، وَفِي السِّلْسِلَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدَ إذَا أَحْرَمَا بِالْحَجِّ هَلْ يَنْعَقِدُ نَفْلًا أَوْ مَوْقُوفًا فَإِنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فَرْضٌ وَإِلَّا نَفْلٌ فِيهِ طَرِيقَانِ .
الْمُتَوَلِّدُ مِنْ مَأْذُونٍ فِيهِ لَا أَثَرَ لَهُ بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَلِهَذَا لَوْ اُقْتُصَّ مِنْ الْجَانِي أَوْ قُطِعَ فِي السَّرِقَةِ فَسَرَى " إلَى " النَّفْسِ فَلَا شَيْءَ .
وَلَوْ تَطَيَّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَسَرَى إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ، فَلَا كَفَّارَةَ " فِيمَا " تَوَلَّدَ مِنْهُ .
وَكَذَا مَحَلُّ الِاسْتِجْمَارِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَلَوْ عَرِقَ وَلَمْ " يَتَجَاوَزْ " فَتَلَوَّثَ " مِنْهُ " فَالْأَصَحُّ الْعَفْوُ ، وَلَوْ سَالَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبَدَنِ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ وَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ فِي قَلِيلِ بَوْلِ السَّلَسِ إذَا سَالَ ؟ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ : مَا إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ فِيهِ مَشْرُوطًا بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ وَنَحْوِهِ .
وَمِثَالُ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ مَنْهِيٍّ عَنْهُ : الْقَطْعُ فِي الْجِنَايَةِ لَمَّا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ ضَمِنَ سِرَايَتَهُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ تُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فَإِذَا بَالَغَ وَسَبَقَ الْمَاءُ أَفْطَرَ بِخِلَافِ السَّبْقِ فِيمَا إذَا لَمْ يُبَالِغْ .
الْمُتَوَلِّدُ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ " أَنَّ " لِكُلٍّ حُكْمَهُ غَالِبًا .
فَمِنْهَا : إذَا " أَوْجَبْنَا " الضَّمَانَ بِالْخِتَانِ فِي الْحَرِّ " أَوْ الْبَرْدِ " فَالْوَاجِبُ جَمِيعُ الضَّمَانِ لِلتَّعَدِّي أَمْ نِصْفُهُ ، لِأَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ وَالْهَلَاكَ حَصَلَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .
وَمِنْهَا : إذَا ضَرَبَهُ فِي الْحَدِّ فَأَنْهَرَ " دَمَهُ " فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رِقَّةِ جِلْدِهِ " فَإِنْ " عَادَ فَضَرَبَهُ فِي مَوْضِعِ إنْهَارِ الدَّمِ فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَفِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا جَمِيعُ الدِّيَةِ ، وَالثَّانِي نِصْفُهَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَمِنْهَا : لَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ لَزِمَ الْمُحْرِمَ نِصْفُ الْجَزَاءِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَلَالِ .
" الْمُخَاصِمُ " فِي الْعَيْنِ الْمَالِكُ أَمَّا الْمُودِعُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُخَاصِمُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالسَّرِقَةِ ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ يُوهِمُ خِلَافَهُ .
وَقَالَ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ : الْمُودِعُ يَسْتَرِدُّ مِنْ الْغَاصِبِ فِي وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ .
وَأَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُخَاصِمُ جَزْمًا ، لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَالَ : إنَّ الْغَاصِبَ يُخَاصِمُ " فِيمَا " إذَا اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ ، وَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ يُخَاصِمُ فَالْمُسْتَعِيرُ أَوْلَى .
الْمُدَّةُ " الْمُنْكَرَةُ " تَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ فَفِي الْإِجَارَةِ " تُحْسَبُ " مِنْ " حِينِ " الْعَقْدِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَذَا شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ ، وَكَذَا فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ .
وَأَمَّا فِي الْأَيْمَانِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّرْكِ حُمِلَتْ عَلَى الْمُدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْيَمِينِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا سَنَةً أَوْ شَهْرًا فَهُوَ حَالِفٌ مِنْ شَهْرٍ مِنْ حِينِ الْيَمِينِ .
وَلِهَذَا قَالُوا فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ : لَوْ قَالَ : لَا أُجَامِعُك " إلَى " سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً لَا يَكُونُ مُولِيًا فِي الْحَالِ .
وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ لَمْ تُحْمَلْ عَلَى الِاتِّصَالِ ، وَكَذَلِكَ النُّذُورُ .
مَسَافَةُ الْقَصْرِ فِي حُكْمِ السَّفَرِ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ فِي بَابِ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَجَمْعِهَا وَالتَّغْرِيبِ فِي الزِّنَا وَغَيْبَةِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَإِحْضَارِ الْخَصْمِ وَنَحْوِهِ إلَّا فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا : نَقْلُ الزَّكَاةِ فَإِنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْبَعِيدَةِ فِي الْأَصَحِّ حَتَّى يَمْتَنِعَ النَّقْلُ إلَيْهَا مِنْ بَلَدِ الْمَالِ .
الثَّانِيَةُ : عَدَمُ وُجُودِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الْمَشْيِ .
الثَّالِثَةُ : فِي إحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِبَدَنِهِ .
الرَّابِعَةُ : إذَا أَرَادَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ " سَفَرَ نَقْلَةٍ " فَالْأَبُ أَوْلَى احْتِيَاطًا " لِلنَّسَبِ " سَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ دُونِهَا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَشَرَطَ كَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الِانْتِقَالُ لِمَا دُونَهَا كَالْمُقِيمِ فِي مَحَلَّتَيْنِ مِنْ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ .
الْمُسْتَثْنَى شَرْطًا كَالْمُسْتَثْنَى شَرْعًا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ مِنْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَقَضَاءِ " حَاجَةٍ " جَازَ .
الْمُشْرِفُ عَلَى الزَّوَالِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الزَّائِلِ ؟ هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا يُعْطَى حُكْمَ الزَّائِلِ قَطْعًا كَالْمَرِيضِ الْمُنْتَهِي لِحَالَةٍ يُقْطَعُ فِيهَا بِمَوْتِهِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ، نَعَمْ فِي الْقَوَدِ بِقَتْلِهِ خِلَافٌ .
الثَّانِي : مَا يُعْطَاهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَهُ وَلَهُ مُكَاتَبٌ " فَالْمَذْهَبُ " لَا يَحْنَثُ ، وَلِهَذَا لَوْ زَنَى فَكَالْحُرِّ لَا يَحُدُّهُ غَيْرُ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ وَتُزَوَّجُ أَمَتُهُ كَالْحُرِّ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ ثُمَّ بَاعَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ كَالْعَبْدِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ .
وَلَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَحَدَثَ بِهَا نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَهَا هَرِيسَةً فَكَالتَّالِفِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَغْرَمُ بَدَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُشْرِفٌ عَلَى التَّلَفِ .
وَمِنْهُ : رَهْنُ مَا يَتَسَارَعُ فَسَادُهُ وَلَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ فَإِنْ كَانَ بِدَيْنٍ حَالٍّ صَحَّ أَوْ بِمُؤَجَّلٍ وَعُلِمَ فَسَادُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ .
وَلَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِإِشْرَافِهِ عَلَى الْفَسَادِ .
" الثَّالِثُ " مَا لَمْ يُعْطِهِ فِي الْأَصَحِّ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَلَا عَفْوَ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ " إذْ " قَدْ يَعْفُو الْمُسْتَحِقُّ .
وَمِنْهُ : اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي وَلَمْ يَتَحَالَفَا فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي وَطْءُ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ ؟ " فِيهِ " وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ ، وَبَعْدَ التَّحَالُفِ وَقَبْلَ الْفَسْخِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ وَأَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ لِإِشْرَافِهِ عَلَى الزَّوَالِ .
وَمِنْهُ لَوْ كُفِّنَ الْمَيِّتُ فِي كَفَنٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَسْرُوقٍ " وَدُفِنَ " فَالْأَصَحُّ يُنْبَشُ " لِيُرَدَّ " لِمَالِكِهِ وَقِيلَ : لَا بَلْ يُعْطَى لِصَاحِبِهِ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْهَالِكِ .
وَمِنْهُ : بَاعَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ .
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ : الْمُتَوَقَّعُ هَلْ يُجْعَلُ كَالْوَاقِعِ ؟ .
الْمُشْرِفُ عَلَى الزَّوَالِ إذَا اسْتَدْرَكَ وَصِينَ عَنْ الزَّوَالِ هَلْ يَكُونُ اسْتِدْرَاكُهُ كَإِزَالَتِهِ وَإِعَادَتِهِ ابْتِدَاءً أَوْ هُوَ مَحْضُ اسْتِدَامَةٍ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي بَابِ الرَّهْنِ " .
وَخَرَّجَ عَلَيْهَا مَسْأَلَتَيْنِ .
" إحْدَاهُمَا " جَنَى الْمَرْهُونُ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ : أَنَا أَفْدِيهِ لِيَكُونَ مَرْهُونًا بِالْفِدَاءِ وَآخُذُ الدَّيْنَ فَإِنْ جَوَّزْنَا الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ فَذَاكَ وَإِنْ مَنَعْنَا فَقَوْلَانِ مَأْخَذُهُمَا مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قُلْنَا : كَالزَّائِلِ جَازَ وَكَأَنَّهُ ابْتِدَاءُ رَهْنٍ " بِالدَّيْنَيْنِ جَمِيعًا وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ .
الثَّانِيَةُ : إذَا كَانَ عَلَى الشَّجَرِ ثَمَرٌ " غَيْرُ " مُؤَبَّرٍ فَبَاعَهَا وَاسْتَثْنَى الثِّمَارَ لِنَفْسِهِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَقَدْ نَصَّ " الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ " شَجَرَةً مُطْلِعَةً وَاسْتَبْقَى " الطَّلْعَ لِنَفْسِهِ لَمْ يُجْزَ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَى الزَّوَالِ " فَإِنَّهُ اسْتَبْقَى " كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ " اشْتَرَاهُ " وَذَكَرَهَا الْإِمَامُ كَذَلِكَ وَزَادَ ( ثَالِثَةً ) ، وَهِيَ إذَا دَبَّرَ عَبْدًا فَجَنَى فِي حَيَاتِهِ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ وَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ فَفَدَاهُ الْوَرَثَةُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَوْ سَلَّمُوهُ " لِبَيْعٍ " وَبَطَلَ الْعِتْقُ فِيهِ فَإِذَا فَدَوْهُ وَقُلْنَا : " بِنُفُوذِ " الْعِتْقِ فَالْوَلَاءُ لِمَنْ ؟ فَعَلَى قَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا : الْمُشْرِفُ عَلَى الزَّوَالِ كَالزَّائِلِ فَالْوَلَاءُ لِلْوَرَثَةِ وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ الْمَيِّتِ .
الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُحْكَمْ عَلَى الْمَاءِ " بِالِاسْتِعْمَالِ " مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ حَتَّى يَنْفَصِلَ وَلَا عَنْ الثَّوْبِ الْمَغْسُولِ فِي النَّجَاسَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تُصُوِّرَ رَفْعُ " حَدَثٍ " وَلَا إزَالَةُ نَجَسٍ .
وَلَمْ يَضُرَّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِالْمُكْثِ وَالطِّينِ وَالطُّحْلُبِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ وَلَمْ تَضُرَّهُ النَّجَاسَةُ إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَلَمْ " يَتَغَيَّرْ " أَوْ قَلِيلًا وَالنَّجَاسَةُ لَا يُدْرِكُهَا الطَّرَفُ ، وَكَذَا " الصُّوَرُ " الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ " تَنَجُّسِ " الْمَاءِ الْقَلِيلِ ، وَعُفِيَ عَنْ الْمَاءِ السَّائِلِ مِنْ فَمِ النَّائِمِ إذَا عَمَّتْ " بَلْوَى الشَّخْصِ بِهِ " عَلَى الظَّاهِرِ وَعَنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ " إذَا تَعَذَّرَ " الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَكَذَا كَثِيرُهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَعَنْ طِينِ الشَّارِعِ مِمَّا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا وَعُفِيَ عَنْ الدَّمِ الْقَلِيلِ " عَلَى " اللَّحْمِ ، وَالْعَظْمِ مِنْ الْمُذَكَّى قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ " وَالثَّعَالِبِيُّ " .
وَتُصَلِّي الْمُسْتَحَاضَةُ وَدَائِمُ الْحَدَثِ مَعَ النَّجَاسَةِ ، وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَائِضِ لِتَكَرُّرِهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ ، وَجَازَ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةِ لِلْمَرِيضِ وَسَقَطَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ حَتَّى لَا يَفُوتَ النَّاسَ " أَوْرَادُهُمْ " .
وَنَحْوُهُ تَعْلِيلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ " جَوَازَ " صَوْمِ التَّطَوُّعِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ أَنَّ الشَّرْعَ نُدِبَ لِلِاسْتِكْثَارِ مِنْ الصَّوْمِ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا تَبْيِيتَ النِّيَّةِ فِيهِ أَفْضَى إلَى تَقْلِيلِهِ .
" وَلِذَلِكَ " سُومِحَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ وَإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِالرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ وَاغْتَفَرْنَا زِيَادَةَ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ كَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي حَيْثُ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ فَضِيلَةِ الِاقْتِدَاءِ .
وَاغْتُفِرَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ
بِالْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مَعَ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ إنْ كَانَتْ عَادَتُهُ فِعْلَهَا لَوْلَا الْعُذْرُ خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ .
وَاغْتُفِرَ " تَغْيِيرُ " الْهَيْئَاتِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِمَصْلَحَةِ الْجَمَاعَةِ إذْ ذَاكَ ، وَتَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْفِضَّةِ وَلُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحَكَّةِ ، وَكَذَلِكَ الدِّيبَاجُ الثَّخِينُ الَّذِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ السِّلَاحِ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَجُعِلَ الرِّيقُ فِي فَمِ الصَّائِمِ عَفْوًا حَتَّى لَوْ تَمَضْمَضَ لَمْ " يُفْطِرْ " وَإِنْ كَانَ يَمْتَزِجُ بِالْمَاءِ ، وَعَدَمُ وُجُوبِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِأَوَّلِ الصَّوْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ .
وَالْفِطْرُ لِلْعُذْرِ .
وَلَوْ " اقْتَلَعَ " نُخَامَةً مِنْ صَدْرِهِ فَقِيلَ : يُفْطِرُ " كَالْقَيْءِ " وَالْأَصَحُّ : لَا ، لِلْمَشَقَّةِ فِي دَفْعِهَا ، وَالْعَفْوُ عَنْ وَضْعِ الْمُحْرِمِ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ " إذْ لَا " يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ .
وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ " وَلِحَكِّ " رَأْسِهِ " فَجُعِلَ " عَفْوًا ، وَسُومِحَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهِمَا لِلْمَعْضُوبِ وَالْمَيِّتِ ، وَإِبْهَامُ النِّيَّةِ وَتَعْلِيقُهَا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ، " وَالِاعْتِدَادُ " " فِيهِمَا " بِمَا لَيْسَ بِمَنْوِيٍّ كَمَنْ أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفَرْضُ يَنْصَرِفُ إلَى نَفْسِهِ " وَأَنَّهُ " لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْمُفْسِدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَصَّا بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ ، وَإِبَاحَةُ أَكْلِ الْمِيتَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَكَلِمَةِ الْكُفْرِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ ، " وَصِحَّةُ " اشْتِرَاطِ الْعِتْقِ فِي الْبَيْعِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْحُرِّيَّةِ ، " وَصِحَّةُ تَصَرُّفِ الْحَاكِمِ " فِي مَالِ الْغَيْرِ إمَّا مَعَ غَيْبَتِهِ أَوْ فِي حُضُورِهِ عِنْدَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ " مِنْهُ " .
تَنْبِيهَاتٌ : الْأَوَّلُ : هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَشَقَّةُ " وَوُقُوعُهَا " عَامًّا فَلَوْ كَانَ نَادِرًا لَمْ تُرَاعَ الْمَشَقَّةُ فِيهِ .
وَلِهَذَا تَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ ، وَتَقْضِي الْمُتَحَيِّرَةُ الصَّلَاةَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ ، وَوَجَّهَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَقَعُ نَادِرًا " أَوْ لَعَلَّهُ " لَمْ تَقَعْ قَطُّ ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ لِلتَّفْرِيعِ .
وَمِثْلُهُ لَوْ نَسِيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ مِنْ صَلَوَاتِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُتَّفِقَةٌ " أَوْ مُخْتَلِفَةٌ " فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ لِصَلَاةِ عِشْرِينَ صَلَاةً " لِيَسْقُطَ " الْفَرْضُ بِيَقِينٍ " وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ " ، وَمِثْلُهُ الْمُرْتَدُّ عِنْدَمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ وَأَدَّى إلَى الْمَشَقَّةِ ، وَقَالُوا فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ : " يُلْقِي " السِّلَاحَ إذَا دَمِيَ فَلَوْ عَجَزَ أَمْسَكَهُ وَلَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ ، لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَامٌّ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فَكَانَ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ ، وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَقْضِي لِنُدُورِ عُذْرِهِ ، ثُمَّ مَنَعَهُ ، وَقَالَ : تَلْطِيخُ السِّلَاحِ بِالدَّمِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ الْمُقَاتِلِ فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ .
الثَّانِي : الْمَشَقَّةُ يَخْتَلِفُ " ضَابِطُهَا " بِاخْتِلَافِ أَعْذَارِهَا ، فَفِي التَّيَمُّمِ يَعْدِلُ عَنْ الْمَاءِ إذَا خَافَ إتْلَافَ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ " أَوْ بُطْءَ " الْبُرْءِ أَوْ " شَيْنًا فَاحِشًا " فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ ، وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ : هَذِهِ كُلُّهَا لَا ضَابِطَ " لَهَا " وَمِنْهَا الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الضَّرُورَةُ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الِاسْمِ وَحَكَى الْإِمَامُ " عَنْ شَيْخِهِ " أَنَّ " الْمُعْتَبَرَ أَلَمٌ " يُلْهِي " عَنْ الْخُشُوعِ .
وَمَشَقَّةُ الصَّوْمِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْهَلَاكُ ، قَالَ الْإِمَامُ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ : وَالْوَجْهُ أَنْ يَتَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ تَضَرُّرًا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي " الْمَأْرَبِ " ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ : شَرْطُ الْمَرَضِ أَنْ يَكُونَ شَدِيدًا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ يَشُقُّ احْتِمَالُهُ عَلَى قَاعِدَةِ وُجُوهِ الْمَضَارِّ فِي التَّيَمُّمِ .
وَقَالَ " الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْبِلْفِيَائِيُّ : " يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَالُ " هُنَا " أَخَفَّ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى ذَلِكَ .
قَالَ : وَالشَّرْطُ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالْمَرَضِ مَشَقَّةٌ تَلْحَقُ الْمُسَافِرُ بِالسَّفَرِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ : مِنْ الْمُشْكِلِ ضَبْطُ الْمَشَقَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْفِيفِ كَالْمَرَضِ فِي الصَّوْمِ " فَإِنَّهُ إنْ ضُبِطَ " بِالْمَشَقَّةِ فَالْمَشَقَّةُ نَفْسُهَا غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ وَإِنْ " ضُبِطَ " بِمَا يُسَاوِي مَشَقَّةَ الْأَسْفَارِ فَذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودٍ ، وَكَذَلِكَ مَشَقَّةُ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِكَشْفِ الْعَوْرَةِ قَالَ : وَمَنْ ضَبَطَ ذَلِكَ بِأَقَلَّ " مِمَّا " يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، كَأَهْلِ الظَّاهِرِ خَلَصَ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ .
الثَّالِثُ : مَنْ خُفِّفَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ لَوْ تَكَلَّفَ وَفَعَلَ صَحَّ إذَا لَمْ يَخْشَ الْهَلَاكَ أَوْ الضَّرَرَ الْعَظِيمَ كَالْمَرِيضِ يَتَحَمَّلُ الْمَشَقَّةَ فِي حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَالْفَقِيرِ يَتَحَمَّلُ الْمَشَقَّةَ بِحُضُورِ عَرَفَاتٍ " وَسَقَطَ " عَنْهُ الْفَرْضُ " فَإِذَا " خَشِيَ ذَلِكَ فَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فِي الْمَرِيضِ يُرِيدُ الصَّوْمَ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ " أَنَّهُ " يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ فَإِنْ صَامَ عَصَى ، قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِهِ فَكَيْف يَتَقَرَّبُ بِمَا يَعْصِي بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إنَّمَا عَصَى " لِجِنَايَتِهِ " عَلَى الرُّوحِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كَالْمُصَلِّي فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ يَعْصِي لِتَنَاوُلِهِ حَقَّ " الْغَيْرِ " " وَكَذَلِكَ " هَذَا لَمْ يَعْصِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَائِمٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ سَعْيِهِ " فِي الْهَلَاكِ " .
قُلْت : وَيَجْرِي هَذَا فِي الْفَقِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْمَشْيِ " لِحَجٍّ " وَالْمَرِيضِ الْمُضْنَى يَقُومُ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ .