كتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا
المؤلف : أحمد بن علي القلقشندي
هاء مفتوحة في الاخر وراء مهملة قال ويقال لها أيضا لهاور
وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول مائة درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة
قال في اللباب وهي مدينة كبيرة كثيرة الخير خرج منها جماعة من أهل العلم
ومنها قنوج قال في تقويم البلدان بكسر القاف وفتح النون المشددة والواو ثم جيم
وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول مائة وإحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة
وذكر في الأطوال الطول بنقص سبع وعشرين درجة والعرض بزيادة ست درج
قال ابن سعيد وهي قاعدة لهاور وهي بين ذراعين من نهر كنك
وقال المهلبي هي في أقاصي الهند في جهة الشرق عن الملتان على مائتين واثنين وثمانين فرسخا
قال وهي مصر الهند وأعظم المدن بها
ثم قال وقد بالغ الناس في تعظيمها حتى قالوا إن بها ثلثمائة سوق للجوهر ولملكها ألفان وخمسمائة فيل وهي كثيرة معادن الذهب
قال في نزهة المشتاق هي مدينة حسنة كثيرة التجارات ومن مدنها قشمير الخارجة وقشمير الداخلة قال وملكها يسمى القنوج باسمها
ومنها جبال قامرون قال في تقويم البلدان بفتح القاف وألف وميم وراء مهملة ثم واو ونون
وهي حجاز بين الهند والصين وعدها في القانون من الجزائر قال وهي خارجة عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب قال في القانون والأطوال حيث الطول مائة وخمس وعشرون درجة والعرض عشر درج ومدينة الملك شرقيها وبها معدن العود القامروني
قلت وذكر في مسالك الأبصار عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي أن في مملكة صاحب الهند ثلاثة وعشرين إقليما عد منها بعض ما تقدم ذكره وهي إقليم دهلي وإقليم الدواكير وإقليم الملتان وإقليم كهران
وإقليم سامانا وإقليم سبوستان وإقليم وجا وإقليم هاسي وإقليم سرستي وإقليم المعبر وإقليم تلنك وإقليم كجرات وإقليم بدلون وإقليم عوض وإقليم القنوج وإقليم لكنوتي وإقليم بهار وإقليم كره ملاوه وإقليم لهاور وإقليم كلافور وإقليم جاجنكز وإقليم تلنج وإقليم دور سمند
ثم قال وهذه الأقاليم تشتمل على ألف مدينة ومائتي مدينة كلها مدن ذوات نيابات كبار وصغار وبجميعها الأعمال والقرى العامرة الاهلة
وقال إنه لا يعرف عدد قراها إلا أن إقليم القنوج مائة وعشرون لكا كل لك مائة ألف قرية فتكون اثني عشر ألف قرية وإقليم تلنك ستة وثلاثون لكا فيكون ثلاثة الاف ألف وستمائة ألف قرية وإقليم ملاوه أكبر من إقليم القنوج في الجملة
وحكي عن الشيخ مبارك الأنباتي أن على لكنوتي مائتي ألف مركب صغار خفاف للسير إذا رمى الرامي في إحداها سهما وقع في وسطها لسرعة جريانها ومن المراكب الكبار ما فيه الطواحين والأفران والأسواق وربما لم يعرف بعض ركابه بعضا إلا بعد مدة لاتساعة وعظمه إلى غير ذلك مما العهدة فيه عليه
واعلم أن ببحر الهند جزائر عظيمة معدودة في أعماله يكون بعضها مملكة منفردة
منها جزيرة سرنديب قال في تقويم البلدان بفتح السين والراء المهملتين وسكون النون وكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة من تحت ثم باء موحدة
قال ويقال لها جزيرة سنكاديب
كأنه باللسان الهندي وموقعها خارج عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب قال في الأطوال حيث الطول مائة وعشرون درجة والعرض عشر درج
قال ابن سعيد ويشق هذه الجزيرة جبل عظيم على خط الاستواء اسمه جبل الرهون يزعمون أن عليه هبوط ادم عليه السلام
قال ابن خرداذبه وهو جبل ذاهب في السماء يراه أهل المراكب على مسيرة عشرين يوما وأقل وأكثر
وذكرت البراهمة أن على هذا الجبل أثر قدم ادم عليه السلام قدم واحدة
مغموسة في الحجر وأنه خطا الخطوة الأخرى إلى الهند وهو منها على مسيرة يومين أو ثلاثة
قال وعلى هذا الجبل شبية بالبرق أبدا وعليه العود وسائر العطر والأفاويه وعليه وحواليه الياقوت وألوانه كلها وفي واديه الماس والسنباذج وغزال المسك وسنور الزباد وفي أنهار هذه الجزيرة البلور وحولها في البحر مغاصات اللؤلؤ ونهرها هو المعظم عند الهنود وقال ابن سعيد ومدينتها تسمى أغنا
وهي حيث الطول مائة وأربع وعشرون درجة
ومنها جزيرة الرانج قال في تقويم البلدان والظاهر إنها بالراء المهملة والألف والنون ثم جيم في الاخر وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول
قال في الأطوال وطولها مائة وثلاث عشرة درجة ولا عرض لها وفيها عمارة وزرع ونارجيل وغير ذلك
قال في كتاب الأطوال وجبالها ترى من جبال اليمن وبها جبال تشتعل النار فيها دائما وترى تلك النار في البحر من مسيرة أيام وبها حيات تبتلع الرجل والجاموس وفي البحر عند لهاور دور وهو مكان يدور فيه الماء ويخشى على المراكب عنده
قال ابن خرداذبه وفيها حيات عظام تبتلع الرجل والجاموس والفيل وفيها شجر الكافور تظل الشجرة منه مائة إنسان وعجائب لا تحصى
ومنها جزيرة لامري قال في تقويم البلدان بلام وألف وميم وراء مهملة ثم ياء اخر الحروف وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال في الأطوال حيث الطول مائة وست وعشرون درجة والعرض تسع درج
قال في تقويم البلدان وهي معدن البقم والخيزران
ومنها جزيرة كلة قال في تقويم البلدان بالكاف واللام وهاء في الاخر
وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال في القانون حيث الطول مائة وثلاثون درجة ولا عرض لها
قال في تقويم البلدان وهي فرضة ما بين
عمان والصين قال المهلبي وفيها مدينة عامرة بسكنها المسلمون وغيرهم وبها معادن الرصاص ومنابت الخيزران وشجر الكافور وبينها وبين جزائر المهراج عشرون مجرى
ومنها جزيرة المهراج قال في تقويم البلدان الظاهر أنها بالميم والهاء والراء المهملة ثم ألف وجيم في الاخر
قال في كتاب الأطوال وهي جزيرة سريرة وموقعها في الجنوب من خط الاستواء قال في الأطوال حيث الطول مائة وأربعون درجة والعرض في الجنوب درجة واحدة
قال ابن سعيد وهي عدة جزائر وصاحبها من أغنى ملوك الهند وأكثرهم ذهبا وفيلة
وجزيرته الكبيرة هي التي فيها مقر ملكه وعدها المهلبي في جزائر الصين وقال إنها عامرة اهلة وإنه إذا أقلع المركب منها طالبا للصين واجهه في البحر جبال ممتدة داخلة في البحر مسيرة عشرة أيام فإذا قرب المسافرون منها وجدوا فيها أبوابا وفرجا في أثناء ذلك الجبل يفضي كل باب منها إلى بلد من بلدان الصين
وعد ابن سعيد سريرة من جزائر الرانج وقال إن طولها من الشمال إلى الجنوب أربعمائة ميل وعرضها في كل طرف من الجنوبي والشمالي نحو مائة وستين ميلا وسريرة مدينة في وسطها ثم يدخل منها جون إلى البحر وهي على نهر
ومنها جزيرة اندرابي قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الدال والراء المهملتين ثم ألف وباء موحدة وفي الاخر ياء مثناة من تحتها
ومنه جزيرة الجاوة
قال في تقويم البلدان وهي جزيرة كبيرة مشهورة بكثرة العقاقير قال وطرف هذه الجزيرة الغربي حيث الطول مائة وخمس وأربعون درجة والعرض خمس درج
قال وفي جنوبي الجاوة مدينة فنصور التي ينسب إليها الكافور الفنصوري وهي حيث الطول مائة وخمس
وأربعون درجة والعرض درجة واحدة ونصف
ومنها جزيرة الصنف
التي ينسب إليها العود الصنفي
وهي من أشهر الجزائر الموجودة في الكتب وطولها من الغرب إلى الشرق نحو مائتي ميل وعرضها أقل من ذلك ومدينتها حيث الطول اثنتان وستون درجة
ومنها جزيرة قمار التي ينسب إليها العود القماري وهو دون الصنفي ومدينتها قمار حيث الطول ست وستون درجة والعرض درجتان وشرقيها جزائر الصين
ومنها جزيرة الرامي قال ابن خرداذبه وبها الكركدن وجواميس لا أذناب لها وبها البقم وفيها ناس عراة في غياض لا يفهم ما يقولون كلامهم صفير يستوحشون من الناس طول كل إنسان منهم أربعة أشبار للرجل منهم ذكر صغير وللمرأة فرج صغير وشعر رؤوسهم زغب أحمر يتسلقون على الأشجار بأيديهم وفي البحر هناك ناس بيض يلحقون المراكب سباحة والمراكب في شدة جريها يبيعون العنبر بالحديد يحلمونه في أفواهم وجزيرة فيها ناس سود يأكلون الناس أحياء وجبل طينة فضة تظهر بالنار
الجملة الثانية في حيوانها
قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ مبارك الأنباتي أن بها الخيل على نوعين عراب وبراذين وأكثرها مالا يحمد فعله قال ولذلك تجلب الخيل إلى الهند من جميع ما جاوره من بلاد الترك وتقاد له العراب من البحرين وبلاد اليمن والعراق وإن كان في داخل الهند خيل عراب يتغالى في أثمانها ولكنها قليلة
قال ومتى طال مكث الخيل بالهند انحلت
وعندهم البغال والحمير ولكنها مذمومة الركوب عندهم حتى لا يستحسن فقيه ولا ذو علم ركوب بغلة
أما الحمار فإن ركوبه عندهم مذلة وعار عظيم وخاصتهم تحمل أثقالهم على الخيل وعامتهم تحمل على البقر من فوق الأنف وهي عندهم كثيرة وبها الجمال قليلة لا تكون إلا للسلطان وأتباعه من الخانات والأمراء والوزراء وأكابر الدولة وبها من المواشي السائمة مالا يحصى من الجواميس والأبقار الأغنام والمعز وبها من دواجن الطير الدجاج والحمام والإوز وهو أقل أنواعه وإن الدجاج عندهم في قدر خلق الإوز
وبها من الوحوش الفيل والكركدن وقد تقدم ذكرهما في الكلام على الوحوش فيما يحتاج الكاتب إلى وصفه من الحيوان في المقالة الأولى وفي غير ذلك من الوحوش التي لا تعد
الجملة الثالثة في حبوبها وفواكهها ورياحينها وخضراواتها وغير ذلك
أما الحبوب فقد ذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي أن بها الأرز على أحد وعشرين نوعا وبها من سائر الحبوب الحنطة والشعير والحمص والعدس والماش واللوبياء والسمسم أما الفول فلا يوجد عندهمقال في مسالك الأبصار ولعل عدمه من حيث إنهم قوم حكماء والفول عندهم مما يفسد جوهر العقل ولذلك حرمت الصابئة أكله
وأما الفواكه ففيه التين والعنب على قلة والرمان الكثير من الحلو
والمز والحامض إلى غير ذلك من الفواكه كالموز والخوخ والتوت المسمى بالفرصاد وبها فواكه أخرى لا يعهد مثلها بمصر والشام كالعنباء وغيرها والسفرجل على قلة والكمثرى والتفاح وهما أقل من القليل ولكنهما والسفرجل تجلب إليه
وبها من الفواكه المستحسنة الرانج وهو المسمى عندهم بالنارجيل والعامة تسميه جوز الهند وبه البطيخ الأخضر والأصفر والخيار والقثاء والعجور وبه من المحضمات الأترج والليمون والليم والنارنج أما الحمر وهو التمر الهندي فكثير بباديتها
وأما الخضراوات فقصب السكر ببلادها كثير للغاية ومنه نوع أسود صلب المعجم وهو أجوده للامتصاص لا الاعتصار ولا يوجد في غيرها ويعمل من بقية أنواعه السكر الكثير من النبات وغيره ولكنه لا يجمد بل يكون كالسميذ الأبيض
وعندهم من الخضراوات اللفت والجزر والقرع والباذنجان والهليون والزنجبيل والسلق والبصل والفوم وهو الثوم والشمار والصعتر
وأما الرياحين فبها الورد واللينوفر والبنفسج والبان والخلاف والعبهر والنرجس والفاغية وهي التامر حناء
وأما غير ذلك فعندهم العسل أكثر من الكثير والشيرج ومنه وقودهم والزيت يأتيهم مجلوبا
أما الشمع فلا يوجد إلا في دور السلطان ولا يسمح فيه لأحد والحلوى على خمسة وستين نوعا والفقاع والأشربة والأطعمة على ما لا يكاد
يوجد في غيرم ا هنالك
وبه من أرباب الصنائع صناع السيوف والقسي والرماح والزرد وسائر أنواع السلاح والصواغ والزراكشة وغيرهم من سائر أرباب الصنائع
وللسلطان بدلي دار طراز فيها أربعة الاف قزاز تعمل الأقمشة المنوعة للخلع والكساوى والإطلاقات مع ما يحمل إليه من قماش الصين والعراق والإسكندرية
الجملة الرابعة في المعاملات
أما نقودهم فقد ذكر الشيخ مبارك الأنباتي أن لهم أربع دراهم يتعاملون بهاأحدها الهشتكاني وهو وزن الدرهم النقرة بمعاملة مصر وجوازه جوازه لا يكاد يتفاوت ما بينهما والدرهم الهشتكاني المذكور عنه ثمان جتيلات كل جتيل أربعة أفلس فيكون عنه اثنين وثلاثين فلسا
الثاني الدرهم السلطاني
ويسمى وكاني وهو ربع درهم من الدراهم المصرية وكل درهم من السلطانية عنه جتيلان ولهذا الدرهم السلطاني نصف يسمى جتيل واحد
الثالث الششتكاني
وهو نصف وربع درهم هشتكاني ويكون تقديره بالدراهم السلطانية ثلاثة دراهم
الرابع الدرهم الدرازدهكاني وجوازه بنصف وربع درهم هشتكاني
أيضا فيكون بمقدار الششتكاني ثم كل ثمانية دراهم هشتكانية تسمى تنكه
أما الذهب عندهم فبالمثقال وكل ثلاثة مثاقيل تسمى تنكة ويعبر عن تنكة الذهب بالتنكة الحمراء وعن تنكة الفضة بالتنكة البيضاء وكل مائة ألف تنكة من الذهب أو الفضة تسمى لكا إلا أنه يعبر عن لك الذهب باللك الأحمر وعن لك الفضة باللك الأبيض
وأما رطلهم فيسمى عندهم ستر وزنته سبعون مثقالا فتكون زنته بالدراهم المصرية مائة درهم ودرهمين وثلثي درهم وكل أربعين سترا من واحد وجميع مبيعاتهم بالوزن أما الكيل فلا يعرف عندهم
الجملة الخامسة في الأسعار
قد ذكر في مسالك الأبصار أسعار الهند في زمانه نقلا عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي وغيره فقال إن الجارية الخدامة لا تتعدى قيمتها بمدينة دهلي ثمان تنكات واللواتي يصلحن للخدمة والفراش خمس عشر تنكةوفي غير دهلي ارخص من ذلك حتى قال القاضي سراج الدين إنه اشترى عبدا مراهقا نقاعا بأربعة دراهم
ثم قال ومع هذا الرخص إن من الجواري الهنديات من تبلغ قيمتها عشرين ألف تنكة وأكثر لحسنهن ولطفهن
ونقل عن الشيخ مبارك الأنباتي وكان فيما قبل الثلاثين والسبعمائة فقال إن أوساط الأسعار حينئذ أن تكون الحنطة كل من بدرهم ونصف هشتكاني والشعير كل من بدرهم واحد هشتكاني والأرز كل من بدرهم ونصف وربع
هشتكاني إلا أنواعا معروفة من الأرز فإنها أغلى من ذلك والحمص كل منين بدرهم هشتكاني ولحم البقر والمعز كل أربعة أستار بدرهم سلطاني والإوز كل طائر بدرهمين هشتكانية والدجاج كل أربعة أطيار بدرهم هشتكاني والسكر كل خمسة أستار بدرهم هشتكاني والرأس الغنم الجيدة السمينة بتنكة وهي ثمانية دراهم هشتكانية والبقرة الجيدة بتنكتين وهما ستة عشر درهما هشتكانية وربما كانت بأقل والجاموس كذلك
اما الحمام والعصفور وأنواع الطير فبأقل ثمن وأنواع الصيد من الوحش والطير كثيرة وأكثر مأكلهم لحم البقر والمعز مع كثرة الضأن عندهم إلا إنهم اعتادوا أكل ذلك
وقد حكى في مسالك الأبصار عن الخجندي أنه قال أكلت انا وثلاثة نفر رفاق في بعض بلاد دلي لحما وخبزا بقريا وخبزا وسمنا حتى شبعنا بجيتل وهو أربعة أفلس كما تقدم
الجملة السادسة في الطريق الموصلة إلى مملكتي السند والهند
اعلم أن لهذه المملكة عدة طرقالطريق الأول طريق البحر قد تقدم في الكلام على الطريق الموصلة إلى اليمن ذكر الطريق من سواحل مصر من السويس والطور والقصير وعيذاب إلى عدن من اليمن في هذا البحر ومن عدن إلى أن يركب في بحر الهند المتصل ببحر القلزم إلى سواحل السند والهند ويخرج إلى أي البلاد أراد من الفرض الموصلة اليها
الطريق الثاني طريق بحر فارس قد تقدم في الكلام على مملكة إيران ذكر الطريق الموصلة من حلب إلى بغداد ثم من بغداد إلى البصرة
قال ابن خرداذبه ثم من البصرة إلى عبادان اثنا عشر فرسخا ثم إلى الخشبات فرسخان ومنها يركب في بحر فارس
فمن أراد طريق البر إلى السند والهند جاز هذا البحر إلى هرمز مدينة كرمان ومنها يتوصل إلى السند ثم الهند ثم الصين
ومن أراد الطريق في البحر فقد ذكر ابن خرداذبه أن من أبلة البصرة في نهر الأبلة إلى جزيرة خارك في نخيل فارس سبعين فرسخا ومنها إلى جزيرة لابن ثمانين فرسخا ثم إلى جزيرة أبرون سبعة فراسخ ثم إلى جزيرة خين سبعة فراسخ ثم إلى جزيرة كيش سبعة فراسخ ثم إلى جزيرة أبركاوان ثمانية عشر فرسخا ثم إلى جزيرة أرموز سبعة فراسخ ثم إلى بار سبعة أيام وهي الحد بين فارس والسند ثم إلى الديبل ثمانية أيام ثم إلى مصب مهران في البحر فرسخان ثم من مهران إلى بكين أول أرض الهند اربعة أيام ثم إلى المند فرسخان ثم إلى كول فرسخان ثم إلى سندان ثمانية عشر فرسخا ثم إلى ملي خمسة أيام ثم إلى بلين يومان
ثم يفترق الطريق في البحر
فمن أخذ على الساحل فمن بلين إلى باس يومان ثم إلى السنجلي وكبشكان يومان ثم إلى كودا مصب نهر فريد ثلاثة فراسخ ثم إلى كيل كان يومان ثم منها إلى سمندر ومن سمندر إلى أورسير اثنا عشر فرسخا ثم إلى أبينه أربعة أيام ثم إلى سرنديب يومان
ومن أراد جهة الصين عدل من بلين وجعل سرنديب عن يساره
فمن جزيرة سرنديب إلى جزيرة لنكبالوس عشرة أيام إلى خمسة عشر يوما ثم إلى جزيرة كله ستة أيام
وعن يسارها جزيرة بالوس على يومين ثم على خمسة عشر يوما بلاد تنبت العطر
الجملة السابعة في ذكر ملوك الهند
أما قبل الإسلام فملكها جماعة منهم ملوك الكفر أسماؤهم اعجمية لا حاجة إلى ذكرهم فأضر بنا عنهموأما في الإسلام فأول من أخذ في فتح ما فتح من الهند بنو سبكتكين ملوك غزنة المتقدم ذكرهم في مملكة خوارزم والقبجاق وما مع ذلك
ففتح يمين الدولة محمود بن سبكتكين منه مدينة بهاطية
وهي مدينة حصينة عالية السور وراء الملتان في سنة ست وتسعين وثلثمائة وسار إلى بيدا ملك الهند فهرب منه إلى مدينته المعروفة بكاليجار فحاصره فيها حتى صالحه على مال فأخذ المال وألبسه خلعته واستعفى من شد وسطه بالمنطقة فلم يعفه من ذلك فشدها على كره
ثم فتح إبراهيم بن مسعود منهم حصونا منه في سنة إحدى وخمسين واربعمائة
ثم كانت دولة الغورية بغزنة أيضا
ففتح شهاب الدين أبو المظفر محمد ابن سام بن الحسين الغوري منه مدينة لهاور في سنة سبع وأربعين وخمسمائة وأتبعها بفتح الكثير من بلادهم وبلغ من النكاية في ملوكهم ما لم يبلغه أحد من
ملوك الإسلام قبله وتمكن من بلاد الهند وأقطع مملوكه قطب الدين أيبك مدينة دهلي التي هي قاعدة الهند وبعث أيبك المذكور عساكره فملكت من الهند أماكن مادخلها مسلم قبله حتى قاربت جهة الصين
ثم فتح شهاب الدين محمد المذكور أيضا بعد ذلك نهرواله في سنة سبع وتسعين وخمسمائة وتوالت ملوك المسلمين وفتوحاتهم في الهند إلى أن كان محمد بن طغلقشاه في زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية فقوي سلطانه بالهند وكثرت عساكره وأخذ في الفتوح حتى فتح معظم الهند
قال في مسالك الأبصار قال الشيخ مبارك الأنباتي وأول ما فتح منه مملكة تلنك وهي واسعة البلاد كثيرة القرى عدة قراها تسعمائة ألف قرية وتسعمائة قرية
ثم فتح بلاد جاجنكز وبها سبعون مدينة جليلة كلها على البحر دخلها من الجوهر والقماش المنوع والطيب والأفاويه ثم فتح بلاد لكنوتي وهي كرسي تسعة ملوك
ثم فتح بلاد دواكير ويقال لها دكير ولها أربع وثمانون قلعة جليلات المقدار
ونقل عن الشيخ برهان الدين أبي بكر بن الخلال البزي أن بها ألف ألف قرية ومائتي ألف قرية
ثم فتح بلاد دور سمند وكان بها السلطان بلال الدبو وخمسة ملوك كفار ثم فتح بلاد المعبر وهو إقليم جليل له تسعون مدينة بنادر على البحر يجبى من دخلها الطيب واللانس والقماش المنوع ولطائف الافاق
وذكر انه حصل له من الأموال بسبب الفتوح التي فتحها مالا يكاد السامع يصدقه
فحكى عن الشيخ برهان الدين أبي بكر بن الخلال المقدم ذكره أنه حاصر ملكا على حد بلاد الدواكير فسأله أن يكف عنه على أن يرسل إليه من
الدواب ما يختار ليحمله له مالا فسأله عن قدر ما عنده من المال فأجابه فقال إنه كان قبلي سبعة ملوك جمع كل واحد منهم سبعين ألف صهريج متسعة من المال فأجابه إلى ذلك وختم على تلك الصهاريج باسمه وتركها بحالها وأقر الملك باسم ذلك الملك وأمر بإقامته عنده وجعل له نائبا بتلك المملكة
وحكى عن علي بن منصور العقيلي من عرب البحرين أنه تواتر عندهم من الأخبار أن هذا السلطان فتح مدينة بها بحيرة ماء وفي وسطها بيت بر معظم عندهم يقصدونه بالنذر وكلما أتي له بنذر رمي في تلك البحيرة فصرف الماء عنها وأخذ ما كان بها من الذهب فكان وسق مائتي فيل والاف من البقر إلى غير ذلك مما يكاد العقل أن ينكره ولذلك حصل عنده من الأموال مالا يأخذه الحصر واتسعت أموال عساكره حتى جاوزت الوصف حتى حكى الشيخ تاج الدين بن أبي المجاهد السمرقندي أنه غضب على بعض خاناته لشربه الخمر فأمسكه وأخذ ماله فكان جملة ما وجد له من الذهب ألف مثقال وسبعة وثلاثين ألف مثقال ومقدار ذلك ثلاثة وأربعون قنطار وسبعون قنطارا وهو مع ذلك يعطي العطاء الجزيل ويصل الأموال الجمة
فقد حكى ابن الحكيم الطياري أن شخصا قدم له كتبا فحثى له حثية من جوهر كان بين يديه قيمتها عشرون ألف مثقال من الذهب
وحكى الشريف السمرقندي أن شخصا قدم له اثنتين وعشرين حبة من البطيخ الأصفر حملها إليه من بخارى فأمر له بثلاثة الاف مثقال من الذهب
وحكى الشيخ أبو بكر بن أبي الحسن الملتاني أنه استفاض عنه أنه التزم أنه لا ينطق في إطلاقاته بأقل من ثلاثة الاف مثقال إلى غير ذلك من العطاء الذي يخرق العقول
وحكى عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي أنه مع كثرة البذل وسعة
العطاء في هباته وما ينفقه في جيوشه وعساكره لا ينفق نصف دخل بلاده
قلت ثم بعد محمد شاه ولي هذه المملكة من أقاربه سلطان اسمه فيروزشاه وبقي في الملك نحو أربعين سنة
ثم تنقلت المملكة في بيتهم إلى أن كان من تمرلنك ما كان من فتح دلي ونهبها
ثم ال الأمر بعده إلى سلطان من بيت الملك اسمه محمود خان وهو القائم بها إلى الان
وقد صارت الدواكير منها لسلطان بمفرده واسمه اليوم السلطان غياث الدين
الجملة الثامنة في ذكر عساكر هذه المملكة وأرباب وظائفها على ما ذكره في مسالك الأبصار عن دولة السلطان محمد بن طغلقشاه المقدم ذكره نقلا عن الشيخ مبارك الأنباتي وغيره
أما عساكره فقد ذكر أنها تشتمل على تسعمائة ألف فارس منهم من هو بحضرته ومنهم من هو في سائر البلاد يجري عليهم كلهم ديوانه وأن عسكره مجتمع من الترك والخطا والفرس والهنود وغيرهم من الأجناس
وكلهم بالخيل المسومة والسلاح الفائق والتجمل الظاهر وأن أعلى عسكره الخانات ثم الملوك ثم الأمراء ثم الاصفهسلارية ثم الجند
وذكر أن في خدمته ثمانين خانا أو أكثر وأن لكل واحد منهم من الأتباع ما يناسبه للخان عشرة الاف فارس وللملك ألف فارس وللأمير مائة فارس وللاصفهسلارية دون ذلك
وأن الاصفهسلارية لا يؤهل أحد منهم للقرب من
السلطان وإنما يكون منهم الولاة ومن يجري مجراهم وأن له عشرة الاف مملوك أتراك وعشرة الاف خادم خصي وألف خزندار وألف بشمقدار وله مائتا ألف عبد ركابية تلبس السلاح وتمشي في ركابه وتقاتل رجالة بين يديه وأن جميع الجند تختص بالسلطان ويجري عليهم ديوانه حتى من في خدمة الخانات والملوك والأمراء لا يجري عليهم إقطاع من جهة من هم في خدمته كما في مصر والشام
وأما أرباب الوظائف من أرباب السيوف فله نائب كبير يسمى بلغتهم امريت وأربعة نواب دونه يسمى كل واحد منهم شق وله الحجاب ومن يجري مجراهم من سائر أرباب الوظائف
وأما من أرباب الأقلام فله وزير عظيم وله أربعة كتاب سر يسمى كل واحد منهم بلغتهم دبيران ولكل منهم تقدير ثلثمائة كاتب
وأما القضاة فله قاضي قضاة عظيم الشأن وله محتسب وشيخ شيوخ وله ألف طبيب ومائتا طبيب
وأما غير هؤلاء فله ألف بازدار تحمل الطيور الجوارح للصيد راكبة الخيل وثلاثة الاف سواق لتحصيل الصيد وخمسمائة نديم وألفان ومائتان من الملاهي غير مماليكه الملاهي وهي ألف مملوك برسم تعليم الغناء خاصة وألف شاعر بالعربية والفارسية والهندية من ذوي الذوق اللطيف
يجري على جميع أولئك ديوانه مع طهارة الذيل والعفة في الظاهر والباطن
حذف 89
الجملة التاسعة في زي أهل هذه المملكة
أما أرباب السيوف فنقل عن الشيخ مبارك الأنباتي أن لبس السلطان والخانات والملوك وسائر أرباب السيوف نتريات وتكلاوات وأقبية إسلامية مخصرة الأوساط خوارزمية وعمائم صغار لا تتعدى العمامة منها خمسة أذرع أو ستة وأن لبسهم من البياض والجوخوحكي عن الشريف ناصر الدين محمد الحسيني الأدمي أن غالب لبسهم نترية مزركشة بالذهب ومنهم من يلبس مطرز الكمين بزركش ومنهم من يعمل الطراز بين كتفيه مثل المغل وأقباعهم مربعة الانبساط مرصعة بالجواهر وغالب ترصيعهم بالياقوت والماس ويضفرون شعورهم ذوائب كما كان يفعل بمصر والشام في أول الدولة التركية إلا أنهم يجعلون في الذوائب شراريب من حرير ويشدون في أوساطهم المناطق من الذهب والفضة ويلبسون الأخفاف والمهاميز ولا يشدون السيوف في أوساطهم إلا في السفر خاصة
وأما الوزراء والكتاب فزيهم مثل زي الجند إلا أنهم لا يشدون المناطق وربما أرخى بعضهم العذبة الصغيرة من قدامه كما تفعل الصوفية
وأما القضاة والعلماء فلبسهم فرجيات شبيهات بالحندات ودراريع
وحكي عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي أنه لا يلبس عندهم ثياب الكتان المجلوبة من الروس والإسكندرية إلا من ألبسه له السلطان وإنما لباسهم من القطن الرفيع الذي يفوق البغدادي حسنا وأنه لا يركب بالسروج الملبسة والمحلاة بالذهب إلا من أنعم عليه بها السلطان
الجملة العاشرة في أرزاق أهل دولة السلطان بهذه المملكة
أما الجند فنقل عن الشيخ مبارك الأنباتي أنه يكون للخانات والملوك والاصفهسلارية بلاد مقررة عليهم من الديوان إقطاعا لهم
وذكر أن إقطاع النائب الكبير المسمى بأمريت يكون إقليما عظيما كالعراق ولكل خان لكان كل لك مائة ألف تنكة كل تنكة ثمانية دراهم ولكل ملك من ستين الف تنكة إلى خمسين ألف تنكة ولكل أمير من أربعين ألف تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة وللاصفهسلارية من عشرين ألف تنكة إلى ما حولها ولكل جندي من عشرة آلاف تنكة إلى ألف تنكة ولكل مملوك من المماليك السلطانية من خمسة الاف تنكة إلى ألف تنكة مع الطعام والكسوة وعليق الخيل لجميعهم على السلطان
ولكل عبد من العبيد السلطانية في كل شهر عشر تنكات بيضاء ومنان من الحنطة والأرز وفي كل يوم ثلاثة أستار من اللحم وفي كل سنة أربع كساو
وأما أرباب الأقلام فإن الوزير يكون له إقليم عظيم نحو العراق إقطاعا له ولكل واحد من كتاب السر الأربعة مدينة من المدن البنادر العظيمة الدخل ولأكابر كتابهم قرى وضياع
ومنهم من يكون له خمسون قرية
ولكل من الكتاب الصغار عشرة الاف تنكة
ولقاضي القضاة المعبر عنه بصدر جهان عشر قرى يكون متحصلها نحو ستين ألف تنكة ولشيخ الشيوخ مثله وللمحتسب قرية يكون متحصلها نحو ثمانية الاف تنكة
وأما غير هؤلاء من سائر أرباب الوظائف فذكر أنه يكون لبعض الندماء قريتان ولبعضهم قرية ولكل واحد منهم من أربعين تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة إلى عشرين ألف تنكة على مقادير مراتبهم مع الكساوى والخلع والافتقادات وليقس على ذلك
الجملة الحادية عشرة في ترتيب أحوال هذه المملكة
وتختلف الحال في ذلك باختلاف أحوال السلطانأما الخدمة فخدمتان إحداهما الخدمة اليومية فإنه في كل يوم يمد الخوان في قصر السلطان ويأكل منه عشرون ألف نفر من الخانات والملوك والأمراء والاصفهسلارية وأعيان الجند ويمد للسلطان خوان خاص ويحضره معه من الفقهاء مائتا فقيه في الغداء والعشاء ليأكلوا معه ويبحثوا بين يديه
وحكي عن الشيخ أبي بكر بن الخلال أنه سأل طباخ هذا السلطان عن ذبيحته في كل يوم فقال ألفان وخمسمائة رأس من البقر وألفا رأس من الغنم غير الخيل المسمنة وأنواع الطير
والثانية الجمعية فحكي عن الشيخ محمد الخجندي ان لهذا السلطان يوم الثلاثاء جلوسا عاما في ساحة عظيمة متسعة إلى غاية يضرب له فيها حير كبير سلطاني يجلس في صدره على تخت عال مصفح بالذهب وتقف أرباب الدولة حوله يمينا وشمالا وخلفه السلاح دارية وأرباب الوظائف قيام بين يديه على منازلهم ولا يجلس إلا الخانات وصدر جهان وهو قاضي القضاة والدبيران وهو كاتب السر الذي تكون له النوبة ويقف الحجاب أمامه وينادى مناداة عامة إن من كان له شكوى أو حاجة فليحضر فيحضر من له شكوى أو حاجة فيقف بين يديه فلا يمنع حتى ينهي حاله ويأمر السلطان فيه أمره
ومن عادته أن لا يدخل عليه أحد ومعه سلاح البتة حتى ولا سكين صغيرة
ويكون جلوسه داخل سبعة أبواب ينزل الداخلون عليه على الباب الأول وربما أذن لبعضهم بالركوب إلى الباب السادس
وعلى الباب الأول منها رجل معه بوق فإذا جاء أحد من الخانات أو الملوك أو أكابر الأمراء نفخ في البوق إعلاما للسلطان أنه قد جاءه رجل كبير ليكون دائما على يقظة من أمره
ولا يزال ينفخ في البوق حتى يقارب الداخل الباب السابع فيجلس كل من دخل عند ذلك الباب حتى يجتمع الكل فإذا تكاملوا أذن لهم في الدخول فإذا دخلوا جلس من له أهلية الجلوس ووقف الباقون وجلس القضاة والوزير وكاتب السر في مكان لا يقع فيه نظر السلطان عليهم ومد الخوان
ثم يقدم الحجاب قصص أرباب المظالم وغيرهم ولكل قوم حاجب يأخذ قصصهم ثم يرفعون جيمع القصص إلى حاجب مقدم على الكل فيعرضها على السلطان ويسمع ما يأمر فيها
فإذا قام السلطان جلس ذلك الحاجب إلى كاتب السر فأدى إليه الرسائل في ذلك فينفذها
ثم يقوم السلطان من مجلسه ذلك ويدخل إلى مجلس خاص ويدخل عليه العلماء فيجالسهم ويحادثهم ويأكل معهم ثم ينصرفون ويدخل السلطان إلى دوره
أما حاله في الركوب فإنه كان في قصوره يركب وعلى رأسه الحتر والسلاح دارية وراءه محمولا بأيديهم السلاح
وحوله قريب اثنتي عشر ألف مملوك جميعهم ليس فيهم راكب إلا حامل الحتر والسلاح دارية والجمدارية حملة القماش إن كان في غير قصوره
وعلى رأسه أعلام سود في أوساطها تنين عظيم من الذهب ولا يحمل أحد أعلاما سودا إلا له خاصة
وفي ميسرته أعلام حمر فيها تنينان ذهب أيضا
وطبوله الذي يدق بها في الإقامة والسفر على مثل الإسكندر وهو مائتا حمل نقارات وأربعون حملا من الكوسات الكبار وعشرون بوقا وعشرة صنوج
قال الشيخ مبارك الأنباتي ويحمل على رأسه الحتر إن كان في غير الحرب فإن كان في الحرب حمل على رأسه سبعة جتورة منها اثنان مرصعان لا يقومان لنفاستهما
قال ولدسته من الفخامة والعظمة والقوانين الشاهنشاهية ما لا يكون مثله إلا للإسكندر ذي القرنين أو لملك شاه بن ألب أرسلان
ثم إن كان في الصيد فإنه يخرج في خف من اللباس في نحو مائة ألف فارس ومائتي فيل ويحمل معه أربعة قصور على ثمانمائة جمل كل قصر على مائتي جمل ملبسة جميعها بستور الحرير المذهبة وكل قصر طبقتان غير الخيم والخركاوات
فإن كان يتنقل من مكان إلى مكان للتنزه وما في معناه فيكون معه نحو ثلاثين ألف فارس وألف جنيب مسرجة ملجمة ما بين ملبس بالذهب ومطوق وفيها المرصع بالجواهر واليواقيت
وإن كان في الحرب فإنه يركب وعلى رأسه سبعة جتورة وترتيبه في الحرب على ما ذكره قاضي القضاة سراج الدين الهندي أن يقف السلطان في القلب وحوله الأئمة والعلماء والرماة قدامه وخلفه وتمتد الميمنة والميسرة موصولة بالجناحين وامامه الفيلة الملبسة البركصطوانات الحديد وعليها الأبراج المسترة فيها المقاتلة وفي تلك الأبراج منافذ لرمي النشاب وقوارير النفط وأمام الفيلة العبيد المشاة في خف من اللباس بالستور والسلاح فيسحبون حبال الفيلة والخيل في الميمنة والميسرة تضم أطراف الجيش من حول الفيلة ومن ورائها حتى لا يجد هارب له مفرا
أما غير السلطان من عساكره فقد جرت عادتهم أن الخانات والملوك والأمراء لا يركب أحد منهم في السفر والحضر إلا بالأعلام وأكثر ما يحمل الخان معه سبعة أعلام وأقل ما يحمل الأمير ثلاثة وأكثر ما يجر الخان في الحضر عشر
جنائب وأكثر ما يجر الأمير في الحضر جنيبان وفي السفر يتعاطى كل أحد منهم قدر طاقته
واما اتصال الأخبار بالسلطان فذكر قاضي القضاة سراج الدين الهندي أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال فأحوال الرعية له ناس يخالطون الرعية ويطلعون على أخبارهم فمن اطلع منهم على شيء أنهاه إلى من فوقه وينهيه الآخر إلى من فوقه حتى يتصل بالسلطان
وأحوال البلاد النائية لاتصال الأخبار منها من السرعة ما ليس في غيرها من الممالك وذلك أن بين أمهات الأقاليم وبين قصر السلطان أماكن متقاربة مشبهة بمراكز البريد بمصر والشأم إلا أن هذه الأماكن قريبة المدى بعضها من بعض بين كل مكانين نحو أربع غلوات سهم أو دونها في كل مكان عشرة سعاة ممن له خفة وقوة ويحمل الكتب بينه وبين من يليه ويعدو بأشد ما يمكنه إلى أن يوصله إلى الاخر ليعدو به كذلك إلى مقصده فيصل الكتاب من المكان البعيد في أقرب وقت
وفي كل مكان من هذه الأمكنة مسجد وسوق وبركة ماء
وبين دلي وقبة الإسلام اللتين هما قاعدتا المملكة طبول مرتبة في امكنة خاصة فحيثما كان في مدينة وفتح باب الأخرى أو أغلق يدق الطبل فإذا سمعه ما يجاوره دق فيعلم خبر فتح المدينة وفتح باب الأخرى وغلقه
الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية وما سامت ذلك ووالاه من الجهة الشمالية وفيه أربع ممالك
المملكة الأولى مملكة تونس وما أضيف إليها وفيه اثنتان وعشرون جملة
الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وحدودها
أما موقعها من الأقاليم السبعة فإن أكثرها واقع في الأقليم الثالث وبعضها واقع في أواخر الثانيوأما حدودها فعلى ما أشار إليه في التعريف حدها من الشرق العقبة الفاصلة بينها وبين الديار المصرية ومن الشمال البحر الرومي ومن الغرب جزائر بني مزغنان الآتي ذكرها ومن الجنوب اخر بلاد الجريد والأرض السواخة إلى ما يقال إن فيه المدينة المسماة بمدينة النحاس
قال في مسالك الأبصار وحدها من الجنوب الصحراء الفاصلة بينها وبين بلاد جباوة المسكونة بأمم من السودان
وحدها من الشرق اخر حدود أطرابلس وهي داخلة في التحديد
وحدها من الشمال البحر الشامي وهو الرومي وحدها من الغرب آخر حدود بدليس المجاورة لجزائر بني مزغنان اخر عمالة صاحب بر العدوة
وقد نقل في تقويم البلدان في الكلام على بونة عن ابن سعيد أن اخر سلطنة بجاية من الشرق مدينة بونة الاتي ذكرها وأنها أول سلطنة أفريقية من
الغرب
قال في مسالك الأبصار وطولها خمس وثلاثون يوما وعرضها عشرون يوما
الجملة الثانية في بيان ما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوى
عليه كل عملوهذه المملكة تشتمل على عملين
العمل الأول أفريقية
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وكسر القاف ومثناة تحت بعدها هاء في الاخر
وقد اختلف في سبب تسميتها أفريقية
فقيل إن أفريقس أحد تبابعة اليمن افتتحها واستولى عليها فسميت بذلك
وقيل إنما سميت بفارق بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام
وكانت قاعدتها القديمة سبيطلة بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون المثناة من تحتها وفتح الطاء المهملة واللام وفي اخرها هاء
وهي مدينة أزلية في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة حيث الطول ثلاثون درجة والعرض ثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وبها اثار عظيمة تدل على عظم أمرها
قال الإدريسي وكانت قبل الإسلام مدينة أفريسيس ملك الروم
الأفارقة فتحها المسلمون في صدر الإسلام وقتلوا ملكها المذكور
ثم صارت قاعدتها في أول الإسلام القيروان
بفتح القاف وسكون المثناة تحت وفتح الراء المهملة وواو وألف وفي اخرها نون
وهي مدينة في الإقليم الثالث أيضا حيث الطول ثمان وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة بنيت في صدر الإسلام بعد فتح أفريقية في جنوبي جبل شماليها وهي في صحراء وشرب أهلها من ماء الابار وقال في العزيزي من ماء المطر وليس لها ماء جار ولها واد في قبلة المدينة به ماء مالح يستعمله الناس فيما يحتاجونه
قال في العزيزي وهي أجل مدن الغرب يعني في القديم
وكان عليها سور عظيم هدمه زيادة الله بن الأغلب
قال الإدريسي وبينها وبين سبيطلة سبعون ميلا
ثم صارت قاعدتها بعد ذلك المهدية بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال المهملة نسبة إلى المهدي
وهي مدينة بناها عبيد الله المهدي جد الخلفاء الفاطميين بمصر في سنة ثلاث وثلثمائة وموقعها في الإقليم الثالث أيضا من الأقاليم السبعة حيث الطول ثلاثون درجة وأربعون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة فيما ذكره ابن سعيد
وهي على طرف داخل في البحر كهيئة كف متصل بزند والبحر محيط بها غير مدخلها وهو مكان ضيق كما في سبته
ولها سور حصين شاهق في الهواء مبني بالحجر الأبيض بأبراج عظام
وبها القصور الحسنة المطلة على البحر
ثم صارت قاعدتها بعد ذلك تونس بضم المثناة من فوق وسكون الواو وضم النون وفي اخرها سين مهملة وهي قاعدة هذه المملكة الان ومستقر
سلطانها
وهي مدينة قديمة البناء واقعة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة
وهي على بحيرة مالحة خارجة من البحر الرومي طولها عشرة أميال وتونس على اخرها
قال البكري ودور هذه البحيرة نحو أربعة وعشرون ميلا
قال في العزيزي وهي مدينة جليلة لها مياه ضعيفة جارية يزرع عليها وفيها الخصب وكثرة الغلات
وهي في وطاءة من الأرض في سفح جبل يعرف بأم عمرو يستدير بها خندق وسور حصين ولها ثلاثة أرباض كبيرة من جهاتها وأرضها سبخة وجميع بنائها بالحجر والاجر وأبنيتها مسقفة بالأخشاب ودور أكابرها مفروشة بالرخام وذم في الروض المعطار بيوتها فقال هي كما يقال ظاهرها رخام وباطنها سخام
وشرب أهلها من الابار وبيوتها صهاريج يجمع فيها ماء المطر لغسل القماش ونحوه وبها الحمامات والأسواق الجليلة وبها ثلاث مدارس وهي الشماعية والفرضية ومدرسة الهواء وبها البساتين البعيدة والقريبة منها والبساتين محيطة ببحيرتها المقدم ذكرها من جنوبيها
قال في مسالك الأبصار ومذ خلا الأندلس من اهله وأووا إلى جناح ملوكها مصروا إقليمها ونوعوا بها الغراس فكثرت مستنزهاتها وامتد بسيط بساتينها
قال وبها يعمل القماش الأفريقيي وهو ثياب رفاع من القطن والكتان معا ومن الكتان وحده وهو أمتع من النصافي البغدادي وأحسن ومنه جل كساوى أهل المغرب
وللسلطان بها قلعة جليلة يسكنها يعبرون عنها بالقصبة كما هو مصطلح المغاربة في تسمية القلعة بالقصبة وللسلطان بها
بستانان أحدهما ملاصق أرباض البلد يسمى برأس الطابية والثاني بعيد من البساتين يسمى بأبي فهر بينه وبين البلد نحو ثلاثة أميال والماء منساق إليهما من ساقية بجبل يعرف بجبل زغوان بفتح الزاي وسكون الغين المعجمتين ونون في الاخر على مسيرة يومين من تونس
وأما ما اشتملت عليه من المدن سوى القواعد المتقدمة الذكر
فمن مشارق تونس سوسة بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح السين الثانية ثم هاء
وهي مدينة على ساحل البحر واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة حيث الطول أربع وثلاثون درجة وعشر دقائق والعرض اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة
وهي في جنوبي تونس وشرقيها في طرف داخل في البحر
قال في العزيزي وهي مدينة أزلية بها سوق وفنادق وحمامات
قال الإدريسي وهي عامرة بالناس كثيرة المتاجر والمسافرون إليها قاصدون وعنها صادرون وعليها سور من حجر حصين
وذكر في مسالك الأبصار أن عليها سورا من لبن وأنها قليلة العمارة لاستيلاء العرب عليها
ومنها صفاقس بفتح الصاد المهملة ثم فاء وألف وقاف مضمومة وفي اخرها سين مهملة
وهي مدينة على ساحل البحر شرقي المهدية واقعة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة صغيرة في مستو من الأرض وجنوبيها جبل يسمى جبل السبع بفتح السين المهملة والباء الموحدة وعين مهملة في الاخر
يستدير عليها سور وشرب أهلها من الابار ولها بساتين قليلة ومن بحرها يستخرج الصوف المعروف عند العامة بصوف السمك المتخذ منه الثياب النفيسة
قال ابن السعيد أنا رأيته كيف يخرج يغوص الغواصون في البحر فيخرجون كمائم شبيهة بالبصل بأعناق في أعلاها زويرة فتنشر في الشمس فتنفتح تلك الكمائم عن وبر فيمشط ويؤخذ صوفه فيغزل ويعمل منه طعمة لقيام من الحرير وتنسج منه الثياب
ومنها قابس بفتح القاف وألف ثم باء موحدة وفي اخرها سين مهلمة
وهي مدينة في الإقليم الثالث حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة على ثلاثة أميال من البحر
قال في العزيزي وعليها سور وخندق
قال في تقويم البلدان وهي في أفريقية كدمشق في الشام ينزل إليها نهران من الجبل في جنوبيها يخترقان غوطتها قال وقد خصت من بلاد أفريقية بالموز وحب العزيز والخيار
ومنها أطرابلس بفتح الهمزة وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين وألف وباء موحدة بعدها لام مضمومتان وسين مهملة في الاخر
وهي مدينة شرقي تونس على البحر واقعة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وثلاثون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي اخر المدن التي شرقي القيروان وإذا فارقها المسافر مشرقا لا يجد مدينة فيها حمام حتى يصل الإسكندرية
وبناؤها بالصخر وهي واسعة الكورة وبها الخصب الكثير وليس بها ماء جار بل بها جباب عليها سواق
قال في العزيزي وبها مرسى للمراكب
ومنها قصر أحمد وضبطه معروف وموقعه في أول الإقليم الرابع حيث الطول إحدى وأربعون درجة واثنتان وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وسبع وثلاثون دقيقة
قال ابن سعيد وهو حد أفريقية من الشرق وحد برقة من الغرب
وهو قرية صغيرة وحوله قصور نحو اثني عشر ميلا وهي بلاد زيتون ونخيل وأهلها يجلبون الخيل للإسكندرية ومنها يركب المسافر البرية إلى الشرق
ومن مغارب تونس على مسيرة يومين باجة قال في المشترك بفتح
الباء الموحدة وألف وتخفيف الجيم ثم هاء
وهي مدينة بالإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول تسع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة
وهي مدينة كبيرة ولها بساتين قليلة وعيون ماء وعليها سور حصين
مبنية في مستو من الأرض على نحو يوم من البحر ويقابلها على البحر مرسى الخرز
ومنها بنزرت بفتح النون وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وفي اخرها تاء مثناة من فوق وقيل هي بتقديم الموحدة على النون وهي مرسى تونس وموقعها في الإقليم الثالث وقال ابن سعيد حيث الطول ثلاثون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وهي مدينة على نهر يجري في شرقيها وعليه مستنزهاتها
قال في تقويم البلدان ولها بحيرة حلوة في جنوبيها وبحيرة مالحة في شرقيها تصب كل واحدة منهما في الأخرى ستة أشهر فلا الحلوة تفسد بالمالحة ولا المالحة تعذب بالحلوة
قال الشيخ عبد الواحد أما زيادة الحلوة فبكثرة السيول أيام الشتاء وتقل عنها السيول في أيام الصيف فتعلو عليها المالحة
ومنها بونة قال في اللباب بضم الباء الموحدة وسكون الواو ثم نون وهاء
قال في مسالك الأبصار وهي المسماة الان بلد العناب وهي مدينة على ساحل البحر في أول الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وعشرون درجة والعرض ثلاث وثلاثون وخمسون دقيقة
قال في العزيزي وهي مدينة جليلة عامرة خصبة الزرع كثيرة الفواكه رخية بظاهرها معادن الحديد ويزرع بها الكتان الكثير
قال وحدث بها عن قريب مغاص مرجان ولكن ليس كمرجان مرسى الخرز
ومن قبلي تونس للجنوب بلاد الجريد
ومنها توزر
قال في تقويم البلدان عن الشيخ عبد الواحد بضم المثناة من فوق وسكون الواو وفتح الزاي المعجمة وراء مهملة في الاخر
وموقعها
في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ست وثلاثون درجة وسبع دقائق والعرض تسع وعشرون درجة وثمان دقائق
وهي قاعدة بلاد الجريد وبها بساتين ومحمضات ونخيل وزيتون ولها نهر يسقي بساتينها والمطر بها قليل ويزرع بها الكتان والحناء
قال في تقويم البلدان وبذلك وبقلة المطر تشبه مصر
وقد عابها في الروض المعطار بأن أهلها يبيعون ما يتحصل في مراحيضهم من رجيع الناس يفحلون به بقولهم وبساتينهم ولكنهم لايرغبون فيه إلا إذا كان جافا فيحملهم ذلك على عدم الاستنجاء في مراحيضهم ويخرج أحدهم من بيته حتى يأتي القناة فيستنجي من مائها وربما اتخذ أحدهم المراحيض على قارعة الطريق للواردين عليها ليأخذ ما يحتصل من ذلك فيبيعه
ومنها قفصة بفتح القاف وسكون الفاء ثم صاد مهملة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول إحدى وثلاثون درجة والعرض ثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال ابن سعيد وهي قاعدة مشهورة من بلاد الجريد بها النخيل والفستق
قال ولا يكون الفستق ببلاد المغرب إلا في قفصة
وبها من الفواكه والمشمومات أنوع كثيرة ومنها يجلب دهن البنفسج وخل العنصل وإليها ينسب جلد الأروى المتخذ منه النعال الشديدة الليونة
ومنها المسيلة قال في تقويم البلدان عن الشيخ عبد الواحد بكسر الميم والسين المهملة وسكون المثناة من تحت وفي اخرها لام ألف والجاري على الألسنة فتح الميم وهاء في الاخر وهي مدينة من بلاد الجريد موقعها في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ثلاث وعشرون درجة
وأربعون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة
قال في العزيزي وهي مدينة محدثة بناها القائم الفاطمي سنة خمس عشرة وثلثمائة
قال ابن سعيد ولها نهر يمر بغربيها ويغوص في رمال الصحارى
ومنها بسكرة قال في اللباب بكسر الباء الموحدة وقيل بفتحها وسكون السين المهملة وكاف وراء مهملة بعدها هاء وهي مدينة من بلاد الجريد في أواخر الإقليم الثاني قال ابن سعيد حيث الطول أربع وعشرون درجة وخمس وعشرون دقيقة والعرض سبع وعشرون درجة وثلاثون دقيقة
قال ابن سعيد وهي قاعدة بلاد الزاب ولها بلاد ذات نخيل وفواكه وزروع كثيرة ومنها يجلب الثمر الطيب الى تونس وبجاية
ومنها طرا قال في تقويم البلدان عن عبد الواحد بضم الطاء وتشديد الراء المهملتين وفي اخرها ألف ونقل عن بعضهم إبدال الألف هاء وهي مدينة من بلاد الجريد في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة قال في تقويم البلدان وبها يعمل الزجاج الصافي وتفاصيل الصوف ومنها يجلب إلى الإسكندرية
ومنها غذامس بفتح الغين والذال المعجمتين وألف وميم مكسورة وسين مهملة
وهي مدينة في الصحراء جنوبي بلاد الجريد على طريق السودان المعروفين بالكانم قال في العزيزي وهي مدينة جليلة عامرة وفي وسطها عين أزلية عليها أثر بنيان رومي عجيب يفيض الماء منها ويقتسمه أهل المدينة بأقساط معلومة وعليه يزرعون
وأهلها قوم من البربر مسلمون قال في تقويم
البلدان وبها الجلود المفضلة وليس لهم رئيس سوى مشايخهم
ومنها قلعة سنان قال في مسالك الأبصار وهو قصر لا يعرف على وجه الأرض أحصن منه على رأس جبل منقطع عن سائر الجبال في غاية العلو بحيث يقصر سهم العقار عن الوصول إليه يرتقى إليه من سلم نقر في الحجر طوله مائة وتسعون درجة وبه مصانع يجتمع فيها ماء المطر وبأسفله عين ماء عليها أشجار كثيرة الفواكه
العمل الثاني بلاد بجاية
وبجاية بكسر الباء الموحدة وفتح الجيم وألف ثم ياء مثناة تحت وهاء في الاخر مدينة من مدن الغرب الأوسط واقعة في أوائل الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وعشرون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقةقال في تقويم البلدان هي قاعدة الغرب الأوسط وهي مقابل طرطوشة من الأندلس وعرض البحر بينهما ثلاث مجار
قال في مسالك الأبصار وهي مدينة قديمة مستورة أضيف إلى جانبها ربض أدير عليه سور ضام لنطاق المدينة فصارا كالشيء الواحد
قال والربض في وطاءة والمدينة القديمة في سفح جبل يدخل إليها خور من البحر الرومي تدخل منه المراكب إليها
قال في تقويم البلدان ولها نهر في شرقيها على شاطئه البساتين والمنازه
قال في مسالك الأبصار وبها عينان من الماء إحداهما كبيرة ومنها شرب أهلها ولها نهر جار على نحو ميلين منها تحف به البساتين والمناظر على ضفتيه ممتدة نحو اثني عشر ميلا متصلا بعضها ببعض لا انفصال بينها إلا ما يسلك عليه إلى البساتين إلى أن يصب في بحر الروم
وبضفتيه للسلطان بستانان متقابلان شرقا وغربا الشرقي منهما يسمى الربيع
وغربي بجابة جزائر بني مزغنان بفتح الميم وسكون الزاي وكسر الغين المعجمتين ثم نونان بينهما ألف الأولى منهما مشددة كما في تقويم البلدان عن الشيخ شعيب وبعضهم يسقط النون الأخيرة وفي مسالك الأبصار مزغنانة بزيادة هاء في الاخر
وهي فرضة مشهورة هناك
قال في مسالك الأبصار وهي بلدة حسنة على ساحل البحر تقابل ميورقة من بلاد الأندلس بانحراف يسير وبعدها عن بجاية ستة أيام
ومن المدن التي بأعمال البجاية قسطينة قال في تقويم البلدان بضم القاف وسكون السين وكسر الطاء المهملتين وسكون المثناة من تحت ثم نون وهاء
قال وعن بعض المتأخرين أن بعد السين وقبل الطاء نونا وحينئذ فتكون بضم السين وسكون النون وهي مدينة من الغرب الأوسط في أواخر الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ست وعشرون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة واثنتان وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي على اخر مملكة بجاية وأول مملكة أفريقية
قال الإدريسي وهي على قطعة جبل منقطع مربع فيه بعض استدارة لا يتوصل إليه إلا من جهة باب في غربيها ليس بكثير السعة ويحيط بها الوادي من جميع جهاتها
قال في تقويم البلدان ولها نهر يصب في خندقها يسمع له دوي هائل ويرى النهر في قعر الخندق مثل ذؤابة النجم لشدة ارتفاع البلد عن الخندق قال الإدريسي وهي مدينة عامرة وبها أسواق وتجارات
قال وتقيم الحنطة في مطاميرها مائة سنة لا تفسد
وشرقي قسطينة في اخر مملكة بجاية مرسى الخرز بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة وزاي معجمة في الاخر
ومنه يستخرج المرجان من قعر البحر على ما تقدم في الكلام على الأحجار النفيسة فيما يحتاج الكاتب إلى وصفه من المقالة الأولى
ومنها سطيف بفتح السين وكسر الطاء المهملتين ثم ياء مثناة من تحت ساكنة بعدها فاء
وهي مدينة من الغرب الأوسط في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول سبع وعشرون درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة
وهي مدينة حصينة بينها وبين قسطينة أربع مراحل ولها حصن في جهة الجنوب عن بجاية على مرحلتين منها ولها كورة تشتمل على قرى كثيرة غزيرة المياه كثيرة الشجر المثمر بضروب من الفواكه وبها الجوز الكثير ومنها يحمل إلى سائر البلاد
ومنها تاهرت قال في اللباب بفتح التاء المثناة فوق وألف وهاء وسكون الراء المهملة وفي اخرها تاء ثانية
قال في تقويم البلدان ونقلت من خط ابن سعيد عوض الألف ياء مثناة تحت قال وهو الأصح لأن ابن سعيد مغربي فاضل
وهي مدينة من الغرب الأوسط وقيل من أفريقية في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول خمس وعشرون درجة وثلاثون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة
قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة خصبة كثيرة الزرع كانت قاعدة الغرب الأوسط وبها كان مقام ملوك بني رستم حتى انقرضت دولتهم بدولة الفاطميين خلفاء مصر
وذكر الإدريسي أنها كانت في القديم مدينتين القديمة منهما على رأس جبل ليس بالعالي قال في العزيزي وتاهرت القديمة تسمى تاهرت عبد الخالق وهي مدينة جليلة كانت قديما تسمى بغداد المغرب وتاهرت الجديدة على مرحلة منها وهي أعظم من تاهرت القديمة والمياه تخترق دور أهلها
وهي ذات أسواق عامرة وبأرضها مزارع وضياع جمة ويمر بها نهر يأتيها من جهة المغرب ولها نهر اخر يجري من عيون تجتمع فيه منه شرب أهلها وبها البساتين الكثيرة المونقة والفواكه الحسنة والسفرجل الذي ليس له نظير طعما وشما ولها قلعة عظيمة مشرفة على سوقها
وتاهرت كثيرة البرد كثيرة الغيوم والثلج وسورها من الحجر ولها ثلاثة
أبواب باب الصفا وهو باب الأندلس وباب النازل وباب المطاحن
وأما الطريق الموصل إليها فقد ذكر صاحب الذيل على كامل ابن الأثير في التاريخ عن ايدغدي التليلي وايدغدي الخوارزمي حين توجها رسولين إلى الغرب في سنة ست وسبعمائة أن من إسكندرية إلى طلميثا ومنها إلى سرت ومنها إلى سراتة ومنها إلى طهجورة ومنها إلى طرابلس ومنها إلى قابس ومنها إلى صفاقس ومنها إلى المهدية ومنها إلى سوسة ومنها إلى تونس
وأما طريقها في البحر فمن إسكندرية إلى تونس
الجملة الرابعة في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها
أما زروعها فقد ذكر في مسالك الأبصار أنها تزرع على الأمطار وان بها من الحبوب القمح والشعير والحمص والفول والعدس والذرة والدخن والجلبان والبسلا واسمها عندهم البسينأما الأرز فمجلوب إليها
وأما فواكهها فبها من الفواكه العنب والتين كل منهما على أنواع مختلفة والرمان الحلو والمز والحامض والسفرجل والتفاج والكمثرى والعناب والزعرور والخوخ والمشمش على أنواع والتوت الأبيض والفرصاد وهو التوت الأسود والقراصيا والزيتون والأترج والليمون والليم والنارنج أما الجوز بها فقليل وكذلك النخيل والفستق والبندق مفقود بها وكذلك الموز
قال في مسالك الأبصار وبها فاكهة تسمى مصغ فوق قدر البندقة لونها بين الحمرة والصفرة وطعمها بين الحموضة والقبض شبية بطعم السفرجل يوجد في الشتاء يقطف من شجره غضا فيدفى ويثقل كما يفعل بالموز فينضج
ويؤكل حينئذ
ويوجد بها قصب السكر على قلة ولا يعتصر بها
وبها البطيخ الأصفر على أنواع والبطيخ الأخضر مع قلة واسمه عندهم الدلاع وكذلك الخيار والقثاء وبها اللوبيا واللفت والباذنجان والقنبيط والكرنب والرجلة والبقلة اليمانية واسمها عندهم بلندس والخس والهندباء على أنواع وسائر البقول والملوخيا على قلة والهليون والصعتر
وبها من الرياحين الاس والورد ومعظمه أبيض والياسمين والنرجس واللينوفر الأصفر والترنجاني والمنثور والمرزنجوش والبنفسج والسوسن والزعفران والحبق والنمام
الجملة الخامسة في مواشيها ووحوشها وطيورها
أما مواشيها ففيها الخيل العراب المشابهة لخيل برقة والبغال والحمير والإبل والبقر وغنم الضأن والمعزوأما وحوشها ففيها الغزلان وبقر الوحش وحمره والنعام وغير ذلك
وأما طيورها ففيها الدجاج والحمام كثيرا والإوز بقلة وبها الكراكي وهي صيد الملوك كما بمصر وكذلك غيرها من طيور الصيد
الجملة السادسة فيما يتعلق بمعاملاتها من الدنانير والدراهم والأرطال
والمكاييل والأسعارأما الدنانير فإنها تضرب باسم ملكهم وزنة كل دينار من دنانيرهم
ويعبرون عنه بالدينار الكبير وذهبهم دون الذهب المصري في الجودة فهو ينقص عنه في السعر
وأما الدراهم فقد ذكر في مسالك الأبصار عن أبي عبد الله بن القويع أن دراهمهم على نوعين أحدهما يعرف بالقديم والاخر بالجديد ووزنهما واحد إلا أن الجديد منهما خالص الفضة والقديم مغشوش بالنحاس للمعاملة وتفاوت ما بينهما أن كل عشرة دراهم عتيقة بثمانية دراهم جديدة وإذا أطلق الدرهم عندهم فالمراد به القديم دون الجديد ثم مصطلحهم أن كل عشرة دراهم عتيقة بدينار وهذا الدينار عندهم مسمى لا حقيقة له كالدينار الجيشي بمصر والرائج بإيران
وإما أرطالها فزنة كل رطل ست عشرة أوقية كل أوقية أحد وعشرون درهما من دراهما
وإما كيلها فلهم كيلان أحدهما يسمى القفيز وهو ست عشرة ويبة كل ويبة اثنا عشر مدا قرويا وهو يقارب المد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام
وهو أيضا ثمانية أمداد بالكيل الحفصي وهو كيل قدره ملوكها الحفصيون اباء ملوكها القائمين بها الآن بقدر مد ونصف من المد المقدم ذكره
والثاني يسمى الصحفة وكل صحفة اثنا عشر مدا بالحفصي
الجملة السابعة في ذكر أسعارها
قد ذكر في مسالك الأبصار أن أوسط الأسعار بها في غالب الأوقات أن يكون كل قفيز من القمح بخمسين درهما والشعير دون ذلكقال وغالب سعر اللحم الضأن عندهم كل رطل أفريقي بدرهم قديم وبقية اللحوم دونه في القيمة وفي الربيع ينحط السعر عن هذا القدر
وذكر أن الدجاجة الجيدة عندهم بدرهمين جديدين
ثم قال وأحوالها مقاربة في للديار المصرية لقرب المجاورة وقد ذكر في مسالك الأبصار أن تونس وبجاية في المعاملة والسعر متقاربتان
الجملة الثامنة في صفات أهل هذه المملكة في الجملة
قال في مسالك الأبصار ولأهل أفريقية لطف أخلاق وشمائل بالنسبة إلى أهل بر العدوة وسائر بلاد المغرب بمجاورتهم مصر وقربهم من أهلها ومخالطتهم إياهم ومخالطة من سكن عندهم من أهل إشبيلية من الأندلسوهم من هم خفة روح وحلاوة بادرة
قال وهم على كل حال أهل انطباع وكرم طباع وناهيك من بلاد من شعر ملكها السلطان أبي العباس قوله
( مواطننا في دهرهن عجائب ... وأزماننا لم تعدهن الغرائب )
( مواطن لم تحك التواريخ مثلها ... ولا حدثت عنها الليالي الذواهب ) - طويل
وقوله
( انظر إلينا تجدنا ما بنا دهش ... وكيف يطرق أسد الغابة الدهش )
( لاتعرف الحادث المرهوب أنفسنا ! ... فإننا بارتكاب الموت ننتعش ! ) - بسيط
وقوله
( عسى الله يدني للمحبين أوبة ... فتشفى قلوب منهم وصدور )
( وكم من قصي الدار أمسى بحزنه ... فأعقبه عند الصباح سرور ) - طويل -
وإذا كان هذا رقة طبع السلطان فما ظنك بغيره من العلماء والأدباء
الجملة التاسعة في ذكر من ملكها جاهلية وإسلاما
أما ملوكها في الجاهلية قبل الإسلام فإن بلاد المغرب كلها كانت مع البربر ثم غلبهم الروم الكيتم عليها وافتتحوا قاعدتها قرطاجنة وملكوها ثم جرى بين الروم والبربر فتن كثيرة كان اخرها أن وقع الصلح بينهم على أن تكون المدن والبلاد الساحلية للروم والجبال والصحارى للبربر ثم زاحم الفرنج الروم في البلاد وجاء الإسلام والمستولي على بلاد المغرب من ملوك الفرنجة جرجيس ملكهم وكان ملكه متصلا من طرابلس من جهة الشرق إلى البحر المحيط من جهة الغرب وكرسي ملكه بمدينة سبيطلة وبقيت في يده حتى انتزعها المسلمون منه في سرية عبد الله بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان
وأما ملوكها في الإسلام فعلى أربع طبقات
الطبقة الأولى الخلفاء
قد تقدم أن أول من افتتحها عبد الله بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه زحف إليها في عشرين ألفا من الصحابة وكبار العرب ففرق جموع النصرانية الذين كانوا بها من الفرنجة والروم والبربر وهدم سبيطلة قاعدتها وخربها وعاثت خيول العرب في ديارهم إلى أن صالحوا عبد الله بن أبي سرح بثلثمائة قنطار من الذهب وقفل عنهم سنة سبع وعشرين من الهجرة بعد فتح مصر بسبع سنين أو ثمانثم أغزاها معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج السكوني سنة أربع وثلاثين
ثم ولى معاوية عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري سنة خمس وأربعين فبنى عقبة القيروان
ثم استعمل معاوية على مصر وأفريقية مسلمة بن مخلد فعزل عقبة عن أفريقية وولى عليها مولاه أبا المهاجر دينارا سنة خمس وخمسين
ولما استقل يزيد بن معاوية بالخلافة رجع عقبة بن نافع إلى أفريقية سنة اثنين وستين
ثم ولى عبد الملك بن مروان عليها زهير بن قيس البلوي في سنة سبع وستين إلى أن قتل في سنة تسع وستين فولى عليها حسان بن النعمان الغساني فسار ودخل القيروان وافتتح قرطاجنة عنوة وخربها فخرجت عليه الكاهنة ملكة الغرب فهزمته ثم عاد إليها وقتلها واستولى على بلادها ثم رجع إلى عبد الملك واستخلف على أفريقية رجلا اسمه صالح
ثم ولى الوليد بن عبد الملك موسى بن نصير بضم النون فقدم القيروان وبها صالح ثم قفل موسى إلى المشرق واستخلف على أفريقية ابنه عبد الله
ثم عزله سليمان بن عبد الملك في خلافته وولى مكانه محمد بن يزيد
ثم ولى عمر بن عبد العزيز في خلافته إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر
ثم ولى يزيد بن عبد الملك يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج وكاتبه فقدمها سنة إحدى ومائة فقتله البربر وردوا محمد بن يزيد الذي كان عليهم قبله إلى ولايته وكتبوا إلى يزيد بن عبد الملك بذلك فأقره عليهم
ثم ولي يزيد بن عبد الملك بشر بن صفوان الكلبي فقدمها سنة ثلاث ومائة ومات سنة تسع ومائة
ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن السلمي فقدمها سنة عشر ومائة ثم عزل هشام عبيدة وولى مكانه عبد الله بن الحبحاب مولى بني سلول فقدمها سنة أربع عشرة ومائة وبنى جامع تونس واتخذ بها دار الصناعة للمراكب البحرية
ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى مكانه كلثوم بن عياض ثم قتل فبعث هشام بن عبد الملك على أفريقية حنظلة بن صفوان الكلبي فقدمها سنة أربع وعشرين ومائة فخرج عليه عبد الرحمن بن حبيب سنة ست وعشرين ومائة فقفل حنظلة إلى المشرق سنة سبع وعشرين واستقل عبد الرحمن بملك أفريقية
وولي مروان بن محمد اخر خلفاء بني أمية فكتب له بولايتها
ثم كانت دولة بني العباس فأقره عليها السفاح ثم المنصور ثم قتل سنة سبع وثلاثين لعشر سنين من إمارته واشترك في إمارتها حبيب بن عبد الرحمن وعمه عمران بن حبيب واخوه إلياس بن عبد الرحمن ثم قتله عبد الملك بن أبي الجعد ثم غلب عليها عبد الأعلى بن السمح المعافري
ثم ولى أبو جعفر المنصور محمد بن الأشعت الخزاعي فقدم القيروان سنة خمس وأربعين ومائة وبنى سورها
ثم ثارت عليه المضرية واخرجوه منها سنة ثمان وأربعين وولوا عليهم عيسى بن موسى الخراساني
ثم ولى أبو جعفر المنصور عليها الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة بن سوادة التميمي بعده فقدم القيروان وسكن الناس ثم قتل سنة خمسين ومائة وقام بأمر أفريقية المخارق بن غفار
ولما بلغ المنصور قتل الأغلب بعث مكانه عمر بن حفص بن قبيصة ابن أبي صفرة التميمي أخي المهلب فقدمها سنة إحدى وخمسين ثم
انتقضت عليه البربر فضعف أمره فولى يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة التميمي ودخل القيروان منتصف سنة خمس وخمسين وهلك سنة سبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد وقام بأمره بعده ابنه داود
ثم ولى الرشيد أخاه روح بن حاتم فقدمها منتصف سنة إحدى وسبعين ومائة ومات في رمضان سنة أربع وسبعين فقام حبيب بن نصر مكانه وسار ابنه الفضل إلى الرشيد فولاه مكان أبيه فعاد إلى القيروان في المحرم سنة سبع وسبعين ومائة ثم قتله ابن الجارود في منتصف سنة ثمان وسبعين ومائة فولى الرشيد مكانه هرثمة بن أعين فسار إلى القيروان وقدمها سنة تسع وسبعين ومائة ثم استعفى فأعفاه الرشيد لسنتين ونصف من ولايته
وولى مكانه محمد بن مقاتل الكعبي فقدم القيروان في رمضان سنة إحدى وثمانين وكان سيء السيرة
ثم ولى الرشيد إبراهيم بن الأغلب فقدم أفريقية منتصف سنة أربع وثمانين ومائة وابتنى مدينة العباسية بالقرب من القيروان وانتقل إليها
وفي ولايته ظهرت دعوة الأدارسة من العلوية بالمغرب الأقصى
ثم مات إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين ومائة بعد أن عهد لابنه أبي العباس عبد الله بن إبراهيم بن
الأغلب بالولاية فقدم القيروان في صفر سنة سبع وتسعين ومائة
ثم مات في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين
وولي مكانه أخوه زيادة الله بن إبراهيم وجاءه التقليد من قبل المأمون وفي ولايته كان ابتداء فتح صقلية على يد أسد بن الفرات وتوفي في رجب سنة ثلاث وعشرين ومائتين لاحدى وعشرين سنة ونصف من ولايته
وولي مكانه أخوه أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب وتوفي في ربيع سنة ست وعشرين ومائتين
وولي بعده ابنه أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم فدانت له أفريقية وبنى مدينة بقرب تاهرت وسماها العباسية سنة سبع وثلاثين ومائتين وبنى قصر سوسة وجامعها سنة ست وثلاثين ومائتين وتوفي سنة ثنتين وأربعين
وولي مكانه ابنه أبو إبراهيم أحمد بن أبي العباس محمد بن الأغلب فأحسن السيرة وكان مولعا بالعمارة فبنى بأفريقية نحوا من عشرة الاف حصن وتوفي اخر سنة تسع وأربعين لثمان سنين من ولايته
وولي مكانه ابنه زيادة الله الأصغر بن أبي إبراهيم أحمد وتوفي اخر سنة خمسين ومائتين
وولي مكانه أخوه محمد أبو الغرانيق بن أبي إبراهيم أحمد ففتح جزيرة مالطة سنة خمس وخمسين ومائتين وبنى حصونا ومحارس على مسيرة خمسة عشر يوما من برقة في جهة المغرب وهي الان معروفة به
وفي أيامه كان أكثر فتوح صقلية
فلما حمل أهل القيروان أخاه إبراهيم بن أحمد أخي أبي الغرانيق على الولاية عليهم لحسن سيرته فامتنع ثم أجاب وانتقل إلى قصر الإمارة
وقام بالأمر أحسن قيام
وكان عادلا حازما فقطع أهل البغي والفساد وجلس لسماع الظلامات وبنى الحصون والمحارس بسواحل البحر حتى كانت النار توقد في ساحل سبتة للإنذار بالعدوة فيتصل إيقادها بالإسكندرية في الليلة الواحدة وبنى سور سوسة وانتقل إلى تونس فسكنها
وفي أيامه ظهرت دعوة العبيديين بالغرب ثم مات سنة تسع وثمانين ومائتين
وولي ابنه أبو العباس عبد بن إبراهيم أخي محمد أبي الغرانيق وكان عادلا حسن السيرة بصيرا بالحروب فنزل تونس مكان أبيه ودخلوا في أمره جملة وجرى بينه وبينه حروب ثم قتل في شعبان سنة تسعين ومائتين
وولي ابنه أبو مضر زيادة الله فأقبل على اللذات واللهو واهمل أمور الملك وقتل اخاه وعمومته واخواته وقوي حال الدعاة لعبيد الله المهدي جد الخلفاء الفاطميين بمصر فحمل زيادة الله أمواله وأثقاله ولحق بمصر فمنعه عاملها من الدخول إليها إلا بأمر المقتدر الخليفة فسار إلى العراق فاستأذن عليه فأتاه كتاب المقتدر بالرجوع إلى القيروان وإظهار الدعوة فوصل إلى مصر فأصابه بها علة سقط منها شعره ورجع إلى القدس فمات بها وانقرضت دولة بني الأغلب بالمغرب
الطبقة الثانية العبيديون
وكان مبدأ أمرهم أن محمدا الحبيب بن جعفر المصدق بن محمد المكتوم بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان مقيما بسلمية من أعمال حمص وكان أهل شيعتهم بالعراق واليمن وغيرهما يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين عليه السلام فلما أدركته الوفاة عهد إلى ابنه عبيد الله وقال له أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرة بعيدة وتلقى محنة شديدة وشاع خبر ذلك في الناس واتصل بالمكتفي خليفة بني العباس ببغداد فطلبه ففر من الشام إلى العراق ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا وخاصته وكان أبو عبد الله الشيعي قد بعث إليه بخبره بما فتح الله عليهم من البلاد الغربية فعزم على اللحوق به وخرج من مصر إلى أفريقية في زي التجار وسار حتى وصل إلى سجلماسة من بلاد المغرب فورد على عاملها كتاب بالقبض عليه فقبض عليه وحبسه هو وابنه أبا القاسم
ولما استفحل أمر أبي عبد الله الشيعي استخلف على أفريقية أخاه أبا العباس وارتحل إلى سجلماسة فأخرج المهدي وابنه من الحبس وبايع للمهدي ثم ارتحلوا إلى أفريقية ونزلوا رقادة في ربيع سنة سبع وتسعين ومائتين وبويع للمهدي البيعة العامة واستقام أمره وبعث العمال على النواحي
وولى عهده ابنه أبا القاسم محمدا ويقال نزار وبنى مدينة المهدية وجعلها دار ملكه
ولما فرغ منها صعد على سورها ورمى بسهم في جهة المغرب وقال إلى هنا ينتهي صاحب الحمار فكان الأمر كذلك
وذلك أنه خرج بالمغرب خارجي اسمه أبو يزيد يعرف بصاحب الحمار وتبعه الناس فقصد مدينة المهدية يريد فتحها فانتهى إلى حيث انتهى سهم المهدي ثم رجع من حيث أتى فعظم أمر المهدي واستولى على فاس ودخل ملوكها من الأدارسة تحت طاعته في سنة ثمان وثلثمائة ومهد المغرب ودوخ أقطاره وتوفي في ربيع الأول سنة ثنتين وعشرين لأربع وعشرين سنة من خلافته
وولي بعده ابنه القائم بأمر الله أبو القاسم المتقدم ذكره وفي أيامه خرج
أبو يزيد صاحب الحمار
وتوفي سنة أربع وثلاثين وثلثمائة وكان قد عهد إلى ابنه المنصور بالله إسماعيل فقام بالأمر بعده وكتم موت أبيه فلم يتسم بالخليفة ولا غير السكة والخطبة والبنود وتوفي سلخ رمضان سنة إحدى وأربعين وثلثمائة لسبع سنين من خلافته
وولي الأمر بعده ابنه المعز لدين الله معد فاستقام له الأمر وانتهت مملكته بالغرب إلى البحر المحيط وافتتح مصر على يد قائده جوهر في منتصف شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة واختط له القاهرة ثم قدم المعز إلى مصر ودخل القاهرة لخمس من رمضان سنة ثنتين وستين وثلثمائة ما سبق في الكلام على مملكة الديار المصرية
الطبقة الثالثة ملوكها من بني زيري
كان المعز معد الفاطمي حين قدم مصرعلى ما تقدم استخلف على أفريقية والمغرب بلكين بن زيبري بن مياد البربري ويقال الحميري وأنزله القيروان وسماه يوسف وكناه أبا الفتوح ولقبه سيف الدولة وبقي حتى توفي سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة ومات المعز بالقاهرة وانتقلت الخلافة بعده إلى ابنه العزيز نزار فولى على أفريقية والمغرب بعد بلكين ابنه المنصور بن بلكين بولاية عهد من أبيه وبقي حتى توفي سنة خمس وثمانين وثلثمائةوقام بأمره بعده ابنه باديس بن المنصور فبقي حتى توفي سنة ست وأربعمائة بمعسكره فجأة وهو نائم بين أصحابه
وبويع ابنه المعز بن باديس وهو ابن ثماني سنين واستمر ملكه بأفريقية وعظم ملكه بها وكان المعز منحرفا عن الرفض والتشيع منتحلا للسنة وأعلن بذلك في أول ولايته ثم كان اخر أمره أن خلع طاعة العبيديين وقطع الخطبة لهم بأفريقية سنة أربعين وأربعمائة على عهد المستنصر العبيدي خليفة مصر وخطب للقائم بن القادر الخليفة العباسي ببغداد فاضطرب لذلك ملكه وثارت عليه
الثوار وملكوا منه النواحي ومات المعز سنة أربع وخمسين وأربعمائة
وقام بأمره من بعد ابنه تميم بن المعز بن باديس وغلبه العرب على أفريقية فلم يكن له إلا ما ضمه السور واستمرت الثوار في أيامه وبقي حتى هلك سنة احدى وخمسمائة
وملك بعده ابنه يحيى بن تميم فراجع طاعة العبيديين خلفاء مصر ووصلته منهم المخاطبات والهدايا والتحف وأكثر في غزو النصارى من الفرنجة وغيرهم حتى لقبوه بالجرية من وراء البحر ومات فجأة في قصره سنة تسع وخمسمائة
وملك بعده ابنه علي بن يحيى وقام بالأمر على طاعة خلفاء العبيديين بمصر ومات سنة خمس عشرة وخمسمائة
وملك بعده ابنه الحسن بن علي وهو ابن اثنتي عشرة سنة وقام بأمره مولاه صندل ثم مولاه موفق وغلبة النصارى على المهدية وبلاد الساحل كلها إلى أن استنقذها منهم عبد المؤمن شيخ الموحدين ولحق الحسن بالجزائر ونزل بها إلى أن فتح الموحدون الجزائر سنة سبع وأربعين وخمسمائة بعد ملكهم المغرب والأندلس فخرج إلى عبد المؤمن فأحسن إليه وبقي معه حتى افتتح المهدية فأنزله بها فأقام بها ثماني سنين
ثم سار إلى مراكش فمات في طريقه وانقرضت دولة بني باديس من أفريقية في أيامهم عند وقوع الفتن
الطبقة الرابعة الموحدون أصحاب المهدي بن تومرت وهم القائمون بها إلى
الانوكان أول من افتتحها منهم عبد المؤمن بن علي احد اصحاب ابن تومرت والخليفة بعده
وذلك أنه لما وقع بها ما تقدم من الاضطراب وقيام الثوار واستيلائهم على النواحي وكان الموحدون قد استولوا على الأندلس والغرب الأقصى والغرب الأوسط إلى بجاية بعث عبد المؤمن المذكور العساكر إلى أفريقية مع ابنه عبد الله في سنة سبع وأربعين وخمسمائة فافتتح أفريقية واستكمل فتحها سنة ست وخمسين
وولى عليها ابنه السيد أبا موسى عمران بن عبد المؤمن وأسره علي بن يحيى المعروف بابن غانية عند فتحه بجاية واعتقله بها في صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
ولما ولي المنصور يعقوب بن عبد المؤمن بعد أبيه عبد المؤمن ولى على أفريقية في أول ولايته أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص عمر ثم غلب ابن غانية على أكثر بلاد أفريقية واستولى على تونس وخطب للخليفة العباسي ببغداد ثم جهز الناصر بن المنصور بن عبد المؤمن الشيخ أبا محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص من مراكش إلى أفريقية سنة ثنتين وستمائة فانتزعها من ابن غانية ثن وصل الناصر بن المنصور إلى أفريقية بعد ذلك ودخل تونس وأقام بها إلى منتصف سنة ثلاث وستمائة وعزم على الرحيل إلى مراكش فروى نظره فيمن يوليه أمرها فوقع اختياره على الشيخ أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص ورحل الناصر إلى المغرب وقعد وقعد الإمارة بقصبة تونس يوم السبت العاشر من شوال سنة ثلاث وستمائة بقي حتى توفي مفتتح سنة ثمان عشرة وستمائة
وولي بعده ابنه الأمير أبو زيد عبد الرحمن وقعد بمجلس أبيه في الإمارة
وورد كتاب المستنصر بن الناصر خليفة بني عبد المؤمن بعزله لثلاثة أشهر من ولايته
وولى المستنصر مكانه السيد أبا العلى إدريس بن يوسف بن عبد المؤمن ودخل إلى تونس في ذي القعدة من السنة المذكورة فنزل بالقصبة ورتب الأمور ومات بتونس سنة عشرين وستمائة
ثم مات المستنصر وصار الأمر لعبد الواحد المخلوع ابن يوسف بن عبد المؤمن فبعث بولاية أفريقية إلى أبي زيد بن أبي العلى
ثم صار الأمر إلى العادل فولى أبا محمد عبد الله بن أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص ودخل تونس سنة ثلاث وعشرين وستمائة وأقام في إمارته إلى أن ثار عليه أخوه الأمير أبو زكريا يحيى بن أبي محمد عبد الواحد وولي مكانه ودخل تونس في رجب سنة خمس وعشرين وستمائة وافتتح قسنطينة وبجاية سنة ست وعشرين وانتزعهما من بني عبد المؤمن
ثم ملك تلمسان من يدهم بعد ذلك وبايعه أهل الأندلس ومات ببونة لسبع بقين من جمادى الاخرة سنة سبع وأربعين وستمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته
وبويع بعده ابنه وولي عهده المستنصر بالله أبو عبد الله محمد ودخل تونس في رجب من السنة المذكورة فجدد بيعته بها وهو أول من تلقب من الحفصيين بألقاب الخلافة كما سيأتي
وانتهى امره إلى أن بويع له بمكة المعظمة وبعث بالبيعة إليه واستولى على ما كان بيد أبيه من الغرب الأوسط ببجاية وقسنطينة وفتح الجزائر وبقي حتى مات يوم الأضحى سنة خمس وسبعين وستمائة
وبويع بعده ابنه الواثق يحيى بن المستنصر ليلة موت أبيه فأحسن السيرة وبسط في الرعية العدل والعطاء وبعث إليه أهل بجاية بالبيعة وخرج عليه عمه أبو إسحاق أخو المستنصر ودخل بجاية وبايعه أهلها في ذي العقدة سنة سبع وسبعين وسبعمائة واستولى على قسنطينة وقوي أمره ببجاية وما معها وبلغ ذلك الواثق بن المستنصر فتيقن ذهاب الملك منه فانخلع عن الأمر لعمه أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى ومن هناك عرف بالمخلوع وأشهد على نفسه بذلك في أول ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة وبلغ ذلك السلطان أبا إسحاق فسار إلى تونس ودخلها في نصف ربيع الاخر من السنة المذكورة واستولى على المملكة جميعها واعتقل الواثق وبنيه ثم دس عليهم من ذبحهم في الليل في صفر سنة تسع وسبعين وستمائة وبقي حتى خرج عليه أحمد بن روق بن أبي عمارة من بيوتات بجاية الطارئين عليها من المسيلة سنة إحدى وثمانين وستمائة وكان شبيها بالفضل بن يحيى المخلوع فعرف بالدعي واستولى على تونس بعد خروج السلطان أبي إسحاق منها ولحق أبو إسحاق ببجاية فمنعه ابنه الأمير أبو فارس عبد العزيز من الدخول إليها فانخلع له عنها وأشهد عليه بذلك ودعا الناس إلى بيعته في اخر ذي القعدة من السنة المذكورة فبايعوه وتلقب بالمعتمد ثم كان بين الدعي والأمير أبي فارس واقعة قتل فيها الأمير أبو فارس في سنة ثنتين وثمانين وستمائة
وخرج السلطان أبو إسحاق فلحق بتلمسان ومعه ابنه الأمير أبو زكريا ودخل أهل بجاية في طاعة الدعي
ثم خرج على الدعي الأمير أبو حفص عمر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص فكانت بينهما حرب انهزم الدعي في اخرها
واستولى أبو حفص على تونس وسائر المملكة وتلقب بالمستنصر واختفى الدعي ثم ظفر به أبو حفص بعد ذلك وقتله وبايعه أهل تلمسان وطرابلس وما بينهما
وخرج الأمير أبو زكريا يحيى ابن السلطان أبي إسحاق على بجاية وقسنطينة فملكهما واقتطعهما عن مملكة افريقية وقسم دولة الموحدين بدولتين
ولم يزل السلطان أبو حفص في ملكه إلى أن مرض في ذي الحجة سنة أربع وستين وستمائة ومات اخر ذي الحجة من السنة المذكورة
وكان الواثق بن المستنصر لما قتل هو وأبوه ترك جارية حاملا فسماه الشيخ محمد المرجاني محمدا وأطعم الفقراء يومئذ عصيدة من عصيدة البر فلقب بأبي عصيدة فلما مات السلطان أبو حفص بايع الناس أبا عصيدة المتقدم ذكره
ومات الأمير أبو زكريا صاحب بجاية وما معها على رأس المائة السابعة
وقام بعده في تلك الناحية ولي عهده ابنه أبو البقاء خالد فاستمر في تلك الناحية وبقي السلطان أبو عصيدة في مملكة أفريقية حتى مات في ربيع الاخر سنة تسع وسبعمائة ولم يخلف ابنا
وكان بالقصر أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص في كفالة السلطان أبي عصيدة فلما مات أبو عصيدة بايعه أهل تونس ثم أرتحل السلطان أبو البقاء خالد صاحب بجاية إلى جهة تونس طالبا ملكها بعد أبي عصيدة فخرج أبو بكر الشهيد في أهل تونس للقائه فانهزموا عنه وقبض على أبي بكر الشهيد واعتقل ثم قتل بعد ذلك فسمي الشهيد واستقل السلطان أبو البقاء خالد بملك تونس وبجاية وحاز جميع المملكة وتلقب الناصر لدين الله وبقي حتى بويع أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد اللحياني ابن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص فبويع بطرابلس وخرج على أبي البقاء خالد فخافه فخلع نفسه فاعتقل وجاء السلطان أبو يحيى على اثره في رجب سنة إحدى عشرة وسبعمائة فبويع البيعة العامة ودخل تونس واستولى عليها ثم اضطرب عليه أمره فخرج من تونس إلى قابس أول سنة سبع عشرة وسبعمائة بعد
أن استخلف بتونس وانتهى إلى قابس فأقام بها وصرف العمال في جهاتها وقصد السلطان أبو بكر صاحب بجاية تونس وكان بينه وبين أهلها وقعة انتهى الحال في اخرها إلى أن السلطان أبا بكر رجع إلى بجاية
وبايع اهل تونس محمدا المعروف بأبي ضربة ابن السلطان أبي يحيى في سنة سبع عشرة المذكورة
ثم قصد السلطان أبو بكر صاحب بجاية تونس وبها أبو ضربة فغلبه عليها ودخلها في ربيع الاخر سنة ثمان عشرة وسبعمائة وبويع بها البيعة العامة
ولحق السلطان أبو يحيى اللحياني بمصر في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون فأحسن نزله وأقام عنده إلى أن مات ولحق ابنه أبو ضربة بتلمسان فأقام بها إلى أن مات واستقل السلطان أبو بكر بأفريقية وبجاية إلى أن غلبه على تونس إبراهيم بن أبي بكر الشهيد المتقدم ذكره أولا ودخلها في رجب سنة خمس وعشرين وسبعمائة
ثم غلبه عليها السلطان أبو بكر وانتزعها من يده في شوال من السنة المذكورة واستقر في يده ملك أفريقية وبجاية إلى أن مات فجأة في جوف الليل في ليلة الأربعاء ثاني رجب الفرد سنة سبع وأربعين وسبعمائة بمدينة تونس
وبويع ابنه أبو حفص عمر بن أبي بكر من ليلته وجلس من الغد وبويع البيعة العامة
وكان ابوه قد عهد إلى ابنه الاخر أبي العباس أحمد وكان ببلاد الجريد فاستجاش على أخيه وقدم عليه تونس وكانت بينهما واقعة قتل فيها أبو العباس واستقر السلطان أبو حفص على ولايته
وكان السلطان أبو بكر حين عهد لابنه أبي العباس أرسل العهد إلى السلطان أبي الحسن المريني صاحب تلمسان وسأله في الكتابة عليه فلما قتل أبو العباس المذكور ثقل ذلك على السلطان أبي الحسن وخرج إلى أفريقية في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ووصل إلى بجاية ثم
إلى قسنطينة فملكها ثم سار إلى تونس فلقيه السلطان أبو حفص عمر وكانت بينهما واقعة قبض فيها على أبي حفص ثم قتل
ودخل السلطان أبو الحسن إلى تونس واستولى على جميع المملكة مضافة إلى مملكته وكمل له بذلك ملك جميع المغرب
ثم غلب أبو العباس الفضل ابن السلطان أبي بكر على بجاية وقسنطينة وملكهما وسار السلطان أبو الحسن إلى المغرب واستخلف على تونس أبنه أبا الفضل فسار الفضل ابن السلطان أبي بكر من بجاية إلى تونس فخرج منها أبو الفضل بن أبي الحسن فارا إلى أبيه بالمغرب ودخلها الفضل ابن السلطان أبي بكر وملكها سنة تسع وأربعين وسبعمائة واستولى على جميع المملكة وبقي إلى أن قبض عليه في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة
وبويع بعده أخوه أبو إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي بكر وهو يومئذ غلام قد ناهز الحلم وقتل الفضل في جوف الليل من الليلة القابلة خنقا واستولى على أفريقية وبجاية وقسنطينة وبقي حتى غلبه بنو مرين على بجاية وقسنطينة وملكهما منه أبو عنان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
ثم استولى السلطان أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر على قسنطينة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وبويع بها
ثم غلبه عليها أبو عنان وقفل إلى المغرب سنة سبع وخمسين وقد استخلف بها فتجهز إليها أبو إسحاق إبراهيم صاحب تونس وملكها من يد عامل أبي عنان سنة إحدى وستين ثم قوي أمر السلطان أبي العباس وعاد إلى قسنطينة وملكها في السنة المذكورة
ثم استولى أبو عبد الله محمد بن محمد ابن السلطان أبي بكر في رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة فأساء السيرة بها فسار إليه السلطان أبو العباس من تونس فقتله ودخل بجاية تاسع عشر شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة وملكها وبقيت بيده وتونس بيد السلطان أبي إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي بكر إلى أن
توفي السلطان أبو إسحاق فجأة في الليل في سنة سبع وسبعين وسبعمائة
وبويع بعده ابنه أبو البقاء خالد واستبد عليه منصور مولى أبيه وابن الباليقي حاجب أبيه فلم يكن له في الدولة تحكم
ثم رحل السلطان أبو العباس من بجاية إلى تونس وقبض على السلطان أبي البقاء خالد بن إبراهيم بعد حصاره أياما واعتقله وملك تونس وانتظم في ملكه أفريقية وبجاية وقسنطينة وأعمالها وبقي حتى مات في شعبان سنة ست وثمانين وسبعمائة
وكان أبو العباس هذا له شعر رائق طلب مرة كاتب إنشائه يحيى بن أجاد وكان يحيى ثملا فخافه على نفسه إن هو طلع إليه على تلك الحالة فكتب إليه مجزوء - الخفيف -
( أصبح العبد يحيى ... كصباح ابن أكثم )
( شغلته الحميا ... وهو بالأمر مهتم )
( فخشي من رقيب ... فرأى الدار أكتم ) - مجزوء الخفيف -
فلما قرأها وقع بخطه تحت خطه
( قر عينا بعيش ... صفوه بك قد تم )
( أنت أزكى عبيدي ... هاهنا كنت أوثم ) - مجزوء الخفيف -
فكان ذلك سبب توبة يحيى
وبويع بعده ابنه أبو فارس عزوز في رابع شعبان من السنة المذكورة واستولى على تونس وبجاية وقسنطينة وسائر أعمالها
وهو السلطان أبو فارس
عزوز ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص
قلت وهو باق إلى زماننا في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وقد شاع ذكر شجاعته وعدله حتى إنه دوخ البلاد ومهدها وقتل العرب وأبادهم ودخل من بقي منهم في طاعته بعد ان لم يدينوا لطاعة غيره وقطع المكوس من بلاده وأزال الحانات من تونس مع تواضع وقرب من الفقراء وأخذ بيد المظلومين ووجوه بر رتبها وقررها لم تعهد لأحد ممن قبله إلى غير ذلك من صفات الملوك المحمودة التي أمتاز بها عن الملوك ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
الجملة العاشرة في منتمى ملوك هذه المملكة القائمين بها الان من الموحدين
في النسب ودعواهم الخلافة وبيان أصل دولتهم وتسميتهم الموحدينأما منتماهم في النسب فقد ذكر في التعريف أن الملك القائم بها في زمانه يدعي النسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن أهل النسب من ينكر ذلك فمنهم من يجعله من بني عدي بن كعب رهط عمر وليس من بني عمر ومنهم من يقول بل من هنتاتة وليسوا من قبائل العرب في شيء
وهم الحفصيون نسبة إلى أبي حفص أحد العشرة أصحاب ابن تومرت وهم بقايا الموحدين إذ كان من تقرير ابن تومرت أن الموحدين هم أصحابه ولم يبق ملك الموحدين إلا في بني أبي حفص هذا
واعلم أن النسابين قد اختلفوا في نسبه على ثلاثة أقوال
أحدهما نسبته إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهؤلاء يقولون هو أبو الحفص عمر بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي بن أحمد بن والال بن إدريس بن خالد بن اليسع بن إلياس بن عمر بن وافتق بن محمد بن نجيه بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون ويظهر أن هذا النسب القرشي وقع في المصامدة من البربر والتحم بهم واشتملت عليه عصبيتهم شأن الأنساب التي تقع من قوم إلى قوم
الثاني نسبته إلى بني عدي بن كعب رهط عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ينتسب فيه وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب جد النبي وباقي نسبه إلى عدنان معروف
الثالث نسبته إلى هنتاتة وهنتاتة بفتح الهاء وإسكان النون وفتح التاء المثناة فوق وبعدها ألف ثم تاء مثناة فوق مفتوحة ثم هاء قبيلة من قبائل المصامدة من البربر بجبال درن المتاخمة لمراكش وهي قبيلة واسعة كبيرة ويقال لها بالبربرية ينتي وكان أبو حفص هذا هو شيخهم وكبيرهم وهو الذي دعاهم إلى اتباع ابن تومرت والحمل على طاعته
واما دعواهم الخلافة فقد قال في التعريف عند ذكر سلطان زمانه منهم لا يدعي إلا الخلافة ويتلقب بألقاب الخلفاء ويخاطب بأمير المؤمنين في بلاده
واعلم أن أول من تلقب منهم المستنصر بالله أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص على أن أباه كان يمتنع من التلقب بألقاب الخلافة ويمنع من يخاطبه بها مقتصرا على التلقب
بالأمير خاصة حتى إن بعض شعرائه رفع إليه قصيدة مدحه بها أولها
( ألا جل بالأمير المؤمنينا ... فأنت بها أحق العالمينا ) - وافر -
فأنكر ذلك عليه
وإنما حمل المستنصر على ذلك أن الخلافة في زمنه قد تعطلت في سائر الأقطار
وذلك أن الخلافة الأموية ودعاوى بني عبد المؤمن قد زالت عنها في المغرب بغلبة بني مرين عليهم وانتزاعهم الأمر منهم وخلافة العبيديين قد زالت من مصر وخلافة بني العباس قد زالت من بغداد باستيلاء التتر عليها
وأما مبدأ دولتهم ومصير اخرها إلى بني أبي حفص بأفريقية فإن أصل قيامها ابن تومرت وهو محمد بن عبد الله تومرت بن وجليد بن يأمصال بن حمزة ابن عيسى فيما ذكره محققو المؤرخين
وبعضهم يقول محمد بن تومرت بن نيطاوس بن سافلا بن مسيعون بن ايكلديس بن خالد أصله من هرغة من بطون المصامدة من البربر
وبعض المؤرخين يجعل نسبه في أهل البيت ويقول هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفيان بن صفوان بن جابر بن عطاء بن رباح بن محمد من ولد سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
وسليمان هذا أخو إدريس الأكبر الذي كان لبنيه الدولة بالغرب على ما مر في الكلام على مكاتبة صاحب بر العدوة
ويقال إن سليمان هذا لحق بالمغرب إثر أخيه إدريس وقيل بل هو من قرابة إدريس اللاحقين به إلى المغرب ويكون على هذا المقتضى نسبه قد التحم بنسب المصامدة واتصل بهم وصار في عدادهم كما تقدم في نسب أبي حفص
وكان أهل بيته أهل دين وعبادة وشب محمد هذا فيهم قارئا محبا للعلم وارتحل في طلب العلم إلى المشرق على رأس المائة الخامسة ومر بالأندلس
ودخل قرطبة وهي إذ ذاك دار علم ثم لحق بالإسكندرية وحج ودخل العراق ولقي أكابر العلماء به يومئذ وفحول النظار ولقي أئمة الأشعرية من أهل السنة وأخذ بقولهم في تأويل المتشابه
ويقال إنه لقي أبا حامد الغزالي رحمه الله واستشاره فيما يريده من قيام الدولة بالمغرب
ورجع إلى المغرب وقد حصل على جانب كبير من العلم وطعن على أهله في الوقوف مع الظاهر وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذهب الأشعرية في جميع العقائد وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة وغيرها
وكان مع ذلك يقول بعصمة الإمام على مذهب الإمامية من الشيعة
وانتهى إلى بجاية قأقام بها يدرس العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهناك لقيه عبد المؤمن أحد أصحابه وارتحل معه إلى المغرب وصار إلى بلاد هرغة من البربر فاجتمع إليه الطلبة ونشر العلم وأظهر مذهب الأشعرية
وكان الكهان والمنجمون يتحدثون بظهور ملك بالمغرب من البربر وشاع في الناس أنه ذلك الملك واختار من أصحابه عشرة فجعلهم خاصته وهم عبد المؤمن بن علي وأبو حفص عمر بن علي ومحمد بن سليمان وعمر بن تافركين وعبد الله بن ملويات وغيرهم
ودعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسمين فبايعوه على ذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة
ولما تكاملت له البيعة لقبوه بالمهدي وكان قبل ذلك يلقب بالإمام وكان عبد المؤمن أخص أصحابه به وكان يلقبه بالخليفة وأبو حفص بعده في الخصوصية وكان يلقبه بالشيخ وكان يسمي أتباعه الموحدين تعريضا بمن يجنح عن التأويل ويقف مع الظاهر فيوقعه في التجسيم وغيره ولم تحفظ عليه بدعة إلا ما وافق فيه الإمامية من القول بعصمة الإمام
وقد مر ذكر مدة ولايته ثم استخلاف
عبد المؤمن بعده في الكلام على مكاتبة صاحب بر العدوة
وقد تقدم ابتداء انتقال مملكة إفريقية إلى أبي حفص وانسحابها فيهم إلى زماننا على الترتيب
الجملة الحادية عشرة في ترتيب المملكة بها من زي الجند وأرباب الوظائف من أرباب السيوف والأقلام ومقادير الأرزاق الجارية عليهم وزي السلطان وترتيب حاله في الملك
أما الجند فقد نقل في مسالك الأبصار عن أبي عبد الله بن القويع أن الذي قرره لهم مهديهم ابن تومرت ثم عبد المؤمن وأبناءه بعده أنه ليس لهم أمراء ولا أتباع يطلب بعدتهم كعدة الأمراء بمصر وإنما لهم أشياخ من أعيانهم لا عدة لهم ولا جند بل المرء منهم بنفسه فقط ولكل طائفة منهم رئيس يتولى النظر في أحوالهم يسمونه المزوار
أما الجند فمن الموحدين والأندلسيين وقبائل بها من المضافة إليهم ومن قبائل العرب ومن هاجر إليهم من العرب القدماء الذين هاجروا في مدة بني عبد المؤمن والمماليك الترك المبتاعة من الديار المصرية ومن الفرنج وغيرهم
وحصل ما ذكره في المسالك ان الجند عندهم على سبع طبقات
الطبقة الأولى الأشياخ الكبار من الموحدين الذين هم بقايا أتباع المهدي ابن تومرت
قال في مسالك الأبصار وهم بمثابة أمراء الألوف بمصر وبمثابة النوينات أمراء التوامين بمملكة إيران
الطبقة الثانية الأشياخ الصغار من الموحدين أيضا وهم دون من تقدم منهم في الرتبة
الطبقة الثالثة الوقافون
قال في مسالك الأبصار سألت ابن القويع عن معنى الوقافين ما هو فقال هم قوم لهم خاصية بالسلطان يسكنون معه في القصبة وهي القلعة بمنزلة الأمراء الخاصكية
قال وهم طبقتان وقافون
كبار ووقافون صغار وكلهم يقفون بين يديه في أوقات جلوسه إذا جلس للناس
الطبقة الرابعة عامة الجند
الطبقة الخامسة الجند من قبائل العرب
الطبقة السادسة الصبيان وهم جماعة من الشباب بمثابة المماليك الكتانية بالديار المصرية يكونون في خدمة السلطان
الطبقة السابعة الجند من الإفرنج ويعبر عنهم بالعلوج وهم لخاصة السلطان لا يطمئن إلا إليهم
وأما عدة العسكر
ففي مسالك الأبصار عن ابن القويع أنها لا تبلغ عشرة الاف وإنما العدد الجم في العرب أهل البادية ولهم قوة شوكة
وأما أرباب الوظائف فعلى ثلاثة أضرب
الضرب الأول أرباب السيوف وهم ثمانية
الأول الوزراء وهم ثلاثة وزراء وزير الجند وهو المردود إليه الحديث في أمر الجندقال في مسالك الأبصار وهو بمثابة الحاجب بالديار المصرية ووزير المال وهو المتحدث في أمر المال ويعبر عنه بصاحب الأشغال ووزير الفضل وهو كاتب السر
الثاني شيخ الموحدين
قال ابن القويع وشيخ الموحدين كأنه نائب السلطان ويسمى الشيخ المعظم وهو الذي يتولى عرض الموحدين وأمورهم
الثالث أهل المشورة وهم ثلاثة من أشياخ الموحدين يجلسون بمجلسه للرأي والمشورة
الرابع صاحب الرقاعات
قال ابن سعيد وهو الذي يتولى إبلاغ الظلامات إلى السلطان وإيصال قصصهم إليه وعرضها عليه ثم يخرج بجوابها عنه
قال في مسالك الأبصار وهذا بمثابة الدوادار يعني بالديار المصرية
الخامس صاحب العلامات وهو المتولي أمور الأعلام وهو بمثابة أمير علم بالديار المصرية
وفي معناه اخر إليه أمر دق الطبول يأمر بدق الطبول عند ركوب السلطان في المواكب
السادس الحافظ وهو صاحب الشرطة وعنه يعبر المصريون بوالي المدينة
السابع محركو الساقة وهم قوم يكون بأيديهم العصي يرتبون الناس في المواكب بمنزلة النقباء بالديار المصرية
الثامن صاحب الطعام وهو بمنزلة إستاددار الصحبة
الضرب الثاني أرباب الأقلام
وقد ذكر منهم ثلاثةالأول قاضي الجماعة وهو مثل قاضي القضاة بالديار المصرية
الثاني المحتسب وهو معروف
الثالث صاحب كتب المظالم
قال في مسالك الأبصار وهو الموقع على القصص وكأنه بمثابة موقع الدست بمصر والشام
الجملة الثانية عشرة في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان
ويختلف الحال باختلاف أحوال أربابهافأما أشياخ الموحدين الكبار فقد نقل في مسالك الأبصار عن القاضي أبي القاسم بن بنون أن لهم أرضا يزرعونها أو يحكرونها ويكون لهم عشر ما طلع منها
وهذه الأرض بمثابة الإقطاع بمصر ولكل واحد منهم في كل سنة حرث عشرة أزواج بقرا كل زوج بشعبتين كل شعبة رأسان من البقر فيكون لكل واحد عشرون شعبة
قال في مسالك الأبصار وهذه الشعبة هي المسماة في بلاد دمشق بالفدان
ولهم مع ذلك راتب يفرق عليهم في طول السنة يسمونه البركات بمثابة الجوامك بمصر يفرق أربع مرات في السنة في عيد الفطر تفرقة وفي عيد الأضحى تفرقة وفي ربيع الأول تفرقة وفي رجب تفرقة يصيب كل واحد منهم من ذلك أربعون دينارا مسماة تكون بثلثمائة درهم عتيقة والسلطان يأخذ معهم بسهم كواحد منهم على السواء فيكون جملة ما لكل واحد منهم في كل سنة مائة وعشرين دينارا مسماة عنها ألف ومائتا درهم مغربية عنها من نقد مصر والشام ستمائة وخمسون درهما وما يتحصل من مغل عشرين فدانا بقدر مثلها
قال في مسالك الأبصار فيكون تقدير مالأحد المشايخ الكبار الذين بمثابة أمراء الألوف بمصر والشام في كل سنة ألف وثلثمائة وعشرة دراهم نقرة بمعاملة مصر في كل سنة
وأما الأشياخ الصغار فلكل واحد منهم حرث خمسة أزواج من البقر على النصف من الأشياخ الكبار والبركات في كل سنة على ما تقدم في الكبار
قال ابن بنون ولعامة الأشياخ الكبار والصغار والوقافين والجند شيء اخر يفرقه السلطان عليهم يسمى المواساة وهي غلة تفرق عليهم عند تحصيل الغلات في المخازن وشيء ثالث يقال له الإحسان وهو مبلغ يفرق عليهم
قال وكلاهما من السنة إلى السنة ليس لها قدر مضبوط ولا قدر مخصوص بل
على قدر ما يراه السلطان وبحسب أقدار الناس
ومقادير العطايا بينهم متفاوتة
قال وكذلك القبائل ومزاويرهم على هذا النحو
قال ابن القويع والجند الغرباء يتميزون في الأعطيات على الموحدين
قال وللعرب أهل البادية إقطاعات كثيرة ومنهم من يخرج مع السلطان إذا استدعاهم السلطان للخروج معه
الجملة الثالثة عشرة في لبس سلطان مملكة تونس ولبس أشياخه وسائر جنده
وعامة أهل بلدهأما لبسه فقد ذكر في مسالك الأبصار عن سلطان زمانه بأفريقية أن له عمامة ليست بمفرطة في الكبر بحنك وعذبة صغيرة
وقال ابن سعيد له عمامة كبيرة من صوف وكتان فيها طراز من حرير
ولا يتعمم أحد من أهل دولته قدرها في الكبر
وذكر أن عذبة عمامته تكون خلف أذنه اليسرى وأنها مخصوصة به وباقاربه وله جباب تليها ولا يلبس هو ولا عامة جنده وأشياخه خفا إلا في السفر
وغالب لبسه ولبس أكابر مشايخه من قماش عندهم يسمى السفساري يعمل عندهم من حرير وقطن أو حرير وصوف رفيع جدا وقماش يعرف بالتلمساني يعمل بتلمسان إما صوف خالص أو حرير خالص مختم وغير مختم
قال ابن بنون والسلطان يمتاز بلبس الخز ولونه لون الخضرة
والسواد
قال وهذا اللون هو المسمى بالجوزي وبالغيار وبالنفطي
قال ابن سعيد وهو ما يخرج من البحر بصفاقس
قال في مسالك الأبصار وهو المسمى بوبر السمك بمصر والشام يعني المعبر عنه بصوف السمك المقدم ذكره عند ذكر صفاقس من بلاد أفريقية
قال ابن سعيد وهي أفخر ثياب السلطان بتونس ونقل في مسالك الأبصار عن ابن سعيد أنه يلبس الثياب الصوف الرفيعة ذوات الألوان البديعة وأكثر ما يلبس المختم الممتزج من الحرير والصوف بكمين طويلين من غير كثرة طول ضيقين من غير أن يكونا مزندين
وثيابه دون شد نطاق إلا أن يكون في الحرب فإنه يشد المنطقة ويلبس الأقبية وله طيلسان صوف في نهاية اللطافة كان يرتدي به ولا يضعه على رأسه
وأما لبس الأشياخ والدواوين والوقافين والجند والقضاة والوزراء والكتاب وعامة الناس فعلى زي واحد لا تكاد تتفاوت العمائم والجباب ولا يمتاز الأشياخ والوقافون والجند إلا بشيء واحد لا يكاد يظهر ولا يبين وهو صغر العمائم وضيق القماش ولباس عامة أهل أفريقية من الجوخ ومن الثياب الصوف ومن الأقبية ومن الثياب القطن فمن لبس غير هذا مما يجلب من طرائف الإسكندرية والعراق كان نادرا شاذا
الجملة الرابعة عشرة في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان
نقل في مسالك الأبصار عن ابن القويع أن له علما أبيض يسمى العلم المنصور يحمل معه في المواكب وذكر ان الأعلام التي تحمل معه في المواكب سبعة أعلام الأوسط أبيض وإلى جانبه أحمر وأصفر وأخضرقال ولا
أتحقق كيف ترتيبها وأن ذلك غير أعلام القبائل التي تسير معه فلكل قبيلة علم تمتاز به بما عليه من الكتابة والكتابة مثل لا إله إلا الله أو الملك لله وما أشبه ذلك وأن له الطبول والبوقات والنفير
الجملة الخامسة عشرة في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم
قال ابن سعيد عادة هذا السلطان في مدينة مملكته تونس أنه يخرج باكر كل يوم إلى موضع يعرف بالمدرسة ويبعث خادما صغيرا يستدعي وزير الجند من موضعه المعين له فيدخل عليه رافعا صوته بسلام عليكم عن بعد من غير أن يوميء برأسه ولا يقوم له السلطان فيجلس بين يدي السلطان ويسأله السلطان عما يتعلق بأمور الجند والحروب ثم يأمره باستدعاء من يريده من أشياخ الجند أو العرب أو من له تعلق بوزير الجند ثم يأمر باستدعاء وزير المال وهو المعروف بصاحب الأشغال فيأتي معه ويسلمان جميعا من بعد على السلطان وإن كان قد تقدم سلام وزير الجند ثم يتقدم وزير المال إلى ما بين يدي السلطان ويتأخر وزير الجند إلى مكان لا يسمع فيه حديثهما ثم يخرج وزير المال ويستدعي من يتعلق به ثم يحضر صاحب الطعام بطعام الجند ويعرضه على وزيرهم لئلا يكون فيه تقصير ثم يقوم السلطان من المدرسة إلى موضع مخصوص ويستدعي وزير الفضل وهو كاتب السر ويسأله عن الكتب الواردة من البلاد وعما تحتاج خزانة الكتب إليه وعما تجدد في الحضرة وفي البلاد مما يتعلق بأرباب العلم وسائر فنون الفضل والقضاة ويأمر باستدعاء من يخصه من الكتاب ويملي عليه وزير الفضل ما أمر بكتابته ويعلم عليه وزير الفضل بخطه ثم يستدعي السلطان من شاء من العلماء والفضلاء ويتحاضرون محاضرة خفيفةوأن كان وزير الفضل قد رفع قصيدة لشاعر وافد أو مرتب في معنى استجد أمره السلطان بقراءتها عليه أو يأمر بحضور الشاعر لينشدها قائما أو قاعدا بحسب ما تقتضيه رتبته ويتكلم
السلطان مع وزير الفضل ومن حضر من الفضلاء في ذلك ويكتب على كل قصيدة بما يراه
الجملة السادسة عشرة في جلوسه للمظالم
قال الشيخ شرف الدين عيسى الزواوي إذا جلس السلطان جلس حوله ثلاثة من كبار أشياخ الموحدين للرأي والمشورة ويجلس معهم وزير الجند إن كان كبيرا وإن لم يكن كبيرا وقف بإزاء أولئك الثلاثة ويجلس دونهم عشرة من أكابر أشياخه وربما كان الثلاثة المختصون بالرأي من جملة العشرة المذكورين ويقف خمسون وقافا وراء وزير الجندفإذا أمر السلطان بأمر بلغة وزير الجند لاخر واقف وراءه وبلغه الاخر لاخر حتى ينتهي إلى من هو خارج الباب بنقل ناس عن ناس ويقف دون الخمسين المذكورين جماعة تسمى بالوقافين بأيديهم السيوف حوله وهم دون الخمسين في الرتبة
وقد ذكر ابن سعيد أن يوم السبت مخصوص عنده بأن يقعد في قبة كبيرة في القصبة وهي القلعة ويحضر عنده أعيان دولته وأقاربه والأشياخ ويجلس أقاربه عن جانبه الأيمن والأشياخ عن جانبه الأيسر ويجلس بين يديه وزير الجند ووزير المال وصاحب الشرطة والمحتسب وصاحب كتب المظالم وهو الموقع على القصص
ويقرأ الكاتب المعين ما وقع له على قصص المظالم ويرد كل ما يتعلق بوظيفة إلى رب تلك الوظيفة وينفذ الباقي
الجملة السابعة عشرة في خروجه لصلاة الجمعة
قال ابن سعيد من عادة السلطان بأفريقية أنه لا يجتمع يوم الجمعة بأحد بل يخرج عندما ينادي المنادي بالصلاة ويشق رحبة قصره ما بين خواص من المماليك الأتراك فعندما يعاينونه ينادون سلام عليكم نداء عاليا على صوت واحد يسمعه من يكون بالمسجد الجامع ثم يتقدمه وزير الجند بين يديه في ساباط يخرج هناك للجامع عليه باب مذهب سلطاني ويسبق الوزير فيفتح الباب ويخرج منه السلطان وحده ويخرج له جماعة الوقافين من أعيان الدولة فلا يقوم له في الجامع غيرهم وليس له مقصورة مخصوصة للصلاة
فإذا انفصل عن الصلاة قعد في قبة كبيرة له في صدر الرحبة وحضر عنده أقاربه ثم يدخل قصره
الجملة الثامنة عشرة في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر
قال القاضي شرف الدين عيسى الزواوي وعادته في ذلك أن يركب السلطان وعن يمينه فارس وعن يساره فارس من أكابر أشياخه من العشرة المقدم ذكرهم ويمشي إلى جانبه رجلان مقلدان سيفين رجالة إلى جانبه أحدهما ممسك بركابه الأيمن والثاني ممسك بركابه الأيسر ويليهما جماعة رجالة من أكابر دولته مثل الثلاثة أصحاب الرأي والعشرة الذين يلونهم ومن يجري مجراهم من أعيان الجند وتسمى هذه الجماعة ايربان يمشون حوله بالسيوف وبأيديهم عكاكيزقال وربما مشى في هؤلاء قاضي الجماعة وهو قاضي القضاة
وأمام هؤلاء الجماعة المشائين نفر كثير من الموحدين أقارب السلطان بسيوف ومزاريق ويسمون بالمشائين
وقدامهم جماعة يقال لهم جفاوة وهم عبيد سود بأيديهم حراب في رؤوسها رايات من حرير وهم لابسون جبابا بيضا مقلدون بالسيوف
وأمام هؤلاء قوم يعبر عنهم بعبيد المخزن وهم عوام البلد وأهل الأسواق وبأيديهم الدرق والسيوف ومعهم العلم الأبيض المسمى بالعلم
المنصور المقدم ذكره في شعار السلطنة
وعادتهم أن ينادى فيهم ليلة العيد أو ركوب السلطان لسفر فيخرج أهل كل صناعة بظاهر البلد ويكون خلف السلطان صاحب العلامات وهو أمير علم راكب ووراءه أعلام القبائل ووراء الأعلام الطبول والبوقات وخلفهم محركو الساقة الذين هم بمثابة النقباء وبأيديهم العصي يرتبون العساكر وخلف هؤلاء العسكر
والفارس الذي عن يمين السلطان إليه أمر دق الطبول يقول دق فلان باسم كبيرهم ويستمر من حول السلطان من المشاة يمشون ثم يركبون ويطيف بالسلطان جماعة يقرأون حزبا من القران الكريم
ثم يقف السلطان ويدعو ويؤمن وزير الجند على دعائه ويؤمن الناس على تأمينه ويجد الناس والسلطان السير
فإن كانوا في فضاء كان مشيهم على هذا الترتيب وإن ضاق بهم الطريق مشوا كيف جاء على غير ترتيب إلا أن الجند لا يتقدمون على السلطان
فإذا قربوا من المنزلة وقف السلطان ودعا وأمن على دعائه كما تقدم وإن كان في صلاة العيد ذهب في طريق وعاد في اخرى
الجملة التاسعة عشرة في خروج السلطان للتنزه
قد تقدم في الكلام على مدينة تونس أنها على طرف بحيرة خارجة من البحر الرومي تحدق بها البساتين من كل جانب وفي تلك البحيرة جزيرة يقال لها سكلة لا ساكن بها ربما ركب السلطان في السفن وصار إليها في زمن الربيع وتضرب بها أخبية ويقيم بها للتنزه أياما ثم يعودعلى أنه لا ماء فيها ولا مرعى ولكن لما تشرف عليه من البساتين المستديرة بتلك البحيرة وما قبلها من الجواسق المشرفة ومنظر البحر
وقد ذكر ابن سعيد أنه ربما خرج إلى بستانه فيخرج في نحو
مائتي فارس من الشباب المعروفين بالصبيان الذين هم بمثابة المماليك الكتانية بالديار المصرية يوصلونه إلى البستان ويرجعون ويبقى وزراؤه الثلاثة نوابا له
وكل ما تجدد عند كل واحد منهم من الأمر طالعه به وجاوبهم بما يراه
قال في مسالك الأبصار وركوبه إلى البستان في زقاق من قصبته إلى البستان محجوب بالحيطان لا يراه فيه أحد
الجملة العشرون في مكاتبات السلطان
قال في مسالك الأبصار قال ابن سعيد قال العلامة أبو عبد الله بن القويع إن هذا السلطان لا يعلم على شيء يكتب عنه وإنما يعلم عنه في الأمور الكبار صاحب العلامة الكبرى وهو كاتب السر في الغالب والعلامة الحمد لله أو الشكر لله بعد البسملةقال ومن خاصية كتب هذا السلطان أن تكتب في ورق أصفر
ومن عادته وعادة سائر المغاربة أن لا يطيلوا في الكتب ولا يباعدوا بين السطور كما يفعل في مصر وما ضاهاها
أما في الأمور الصغار فإنما تكون الكتابة فيها عن وزير الجند ويكتب عليها صاحب العلامة الصغرى اسم وزير الجند وتكون هذه الكتب في غير الورق الأصفر
الجملة الحادية والعشرون في البريد المقرر في هذه المملكة
قد ذكر في مسالك الأبصار أنه إذا كتب كتاب إلى نواحي هذه المملكة ليوصل إلى بعض نوابها جهز مع من يقع الاختيار عليه من النقباء أو الوصفان وهم عبيد السلطان ويركب على بغل إما ملك له أو مستعار ويسافر عليه إلى تلك الجهةفإن أعيا في مكان تركه عند الوالي بذلك المكان وأخذ منه بغلا عوضه إما من جهة الوالي أو يسخره له من الرعايا إلى أن ينتهي إلى جهة قصده ثم يعود كذلك
الجملة الثانية والعشرون في الخلع والتشاريف في هذه المملكة
قال القاضي أبو القاسم بن بنون ليس من عادة سلطان أفريقية إلباس من ولي ولاية خلعة كما في مصر وإنما هي كسوة وهو قماش غير مفصل يتصرف فيه كيف شاءالمملكة الثانية من ممالك بلاد المغرب مملكة تلمسان
وهي مملكة الغرب الأوسط وفيها جملتانالجملة الأولى في ذكر حدودها وقاعدتها وما اشتملت عليه من المدن والطريق
الموصلة إليهاأما حدودها فحدها من الشرق حدود مملكة أفريقية وما أضيف إليها من جهة الغرب وحدها من الشمال البحر الرومي وحدها من الغرب حدود مملكة فاس الاتي ذكرها من الشرق وحدها من جهة الجنوب المفاوز الفاصلة بين بلاد المغرب وبلاد السودان
وذكر في العبر أن حدها من جهة الغرب من وادي ملوية الفاصل بينها وبين الغرب الأقصى إلى وادي مجمع في جهة الشرق الفاصل بينها وبين أفريقية
وأما قاعدتها فمدينة تلمسان بكسر المثناة من فوق واللام وسكون الميم وفتح السين المهملة وألف ونون
وهي مدينة من الغرب الأوسط
وقال في تقويم البلدان من الغرب الأقصى متاخمة للغرب الأوسط شرقي فاس بميلة إلى الشمال
وموقعها في أوائل الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد
حيث الطول أربع عشرة درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة واثنتا عشرة دقيقة
وهي مدينة في سفح جبل ولها ثلاثة عشر بابا وماؤها مجلوب من عين على ستة أميال منها وفي خارجها أنهار وأشجار ويستدير بقبليها وشرقيها نهر يصب في بركة عظيمة من اثار الأول ويسمع لوقعه فيها خرير على مسافة ثم يصب في نهر اخر بعدما يمر على البساتين ثم يصب في البحر وعليه أرحاء دائرة تدخل فيه السفن اللطاف حيث يصب في البحر وبقعتها شريفة كثيرة المرافق
ولها حصون كثيرة وفرض عديدة
منها هنين ووهران ومستغانم
فهنين تقابل المرية من الأندلس ووهران في شرقي تلمسان بشمال قليل على مسيرة يوم من تلمسان ومستغانم تقابل دانية من الأندلس وعرض البحر بينهما ثلاث مجار ونصف مجرى
قال الإدريسي في كتاب رجار وبها اثار الأول ولها أسواق ضخمة ومساجد جامعة
قال في مسالك الأبصار وهي على ما بلغ حد التواتر أنها في غاية المنعة والحصانة مع أنها في وطاءة من الأرض ولكنها محصنة البناء
وبلغ من حصانتها أن أبا يعقوب المريني صاحب فاس حاصرها عشر سنين وبنى عليها مدينة سماها فاس الجديدة وأعجزه فتحها ولها ثلاثة أسوار ومن جهة القصبة وهي القلعة ستة أسوار وبها أنهار وأشجار وبها شجر الجوز على كثرة ومشمشها يقارب في الحسن مشمش دمشق
قال في مسالك الأبصار زكية الزرع والضرع ويقصدها تجار الافاق للتجارة
قال ويطول مكث المخزونات فيها حتى إنه ربما مكث القمح والشعير في مخازنها ست سنين ثم يخرج بعد ذلك فيزرع فينبت
وأما مدنها الداخلة في مملكتها فقد ذكر في مسالك الأبصار أن لها ثمان عشرة مدينة وهي تلمسان وجده ومديونة وتدرومه وهنين ووهران وتيمز غزان وبرسك وشرشال وتونت ومستغانم وتنس والجزائر والقصبات ومازونة وتاحجحمت ومليانة والمرية
وأما الطريق الموصل إليها فقد تقدم في الكلام على مملكة تونس الطريق من الديار المصرية إلى تونس
وقد ذكر في الذيل على الكامل أن من تونس إلى باجة ومنها إلى تغريه وهي اخر بلاد أفريقية ومنها إلى قسنطينة وهي أول بلاد بجاية ومنها إلى أول بلاد تلمسان ومنها إلى قليلية ومنها إلى البقيعة ومنها إلى تلمسان
الجملة الثانية في حال مملكتها
لم أقف على شيء من ترتيب مملكتها والظاهر أنها تشبه مملكة تونس في الحال والترتيب أو قريب من ذلكفقد ذكر في مسالك الأبصار أن بجاية ثانية تونس في الرتبة والحال والموجودات والمعاملات
وقد تقدم أن بجاية من الغرب الأوسط فتكون تلمسان في معناها وإن وقعت مخالفة في ترتيب المملكة فإنما تكون في القدر اليسير
قال في مسالك الأبصار وهي مملكة كبيرة وسلطنة جليلة قريب الثلثين من مملكة بر العدوة
وهي وسيعة المدى كثيرة الخيرات ذات حاضرة وبادية وبر وبحر
المملكة الثالثة من بلاد المغرب الغرب الأقصى ويقال له بر العدوة وفيه
ثلاثة مقاصدالمقصد الأول في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وذكر حدودها وما اشتملت
عليه من المدن والجبال المشهورة وفيه أربع جملالجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة
فموقعها في الأقليم الثالث كما في مملكة تونس وبعضها في الإقليم الثاني وبعضها في أوائل الإقليم الرابع على ما سيأتي ذكرهوأما حدودها فقد ذكر صاحب العبر أنه من مدينة اسفي حاضرة البحر المحيط إلى وادي ملوية ومدينة تازا من جهة الشرق يحيط به البحر المحيط من جهة الغرب وجبال درن وما يليها من جنوبية وجبال تازا من شرقيه والبحر الرومي من شماليه
ثم قال وهو ديار المصامدة وغيرهم من البربر
وذكر في مسالك الأبصار نقلا عن أبي عبد الله محمد بن محمد السلايحي أن حدها من الجنوب الصحراء الكبيرة الاخذة من بلاد البربر إلى جنوب أفريقية ومن الشرق جزائر بني مزغنانة وما هو اخذ على حدها إلى الصحراء الكبيرة ومن الشمال البحر الشامي ومن الغرب البحر المحيط
وحكى عنه أن طول هذه المملكة من جزائر بني مزغنانة وهي جزائر بني مزغنان المقدم ذكرها في بلاد بجاية من مملكة تونس إلى البحر المحيط وعرضها من بحر الزقاق بسبتة إلى نهاية بلاد البربر المتصلة بالصحراء الفاصلة بين هذه المملكة وبين بلاد السودان ثلاثون يوما
الجملة الثانية في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال
وما انطوت عليه من المدنأما قواعدها فخمس
القاعدة الأولى فاس
بفتح الفاء ثم ألف وسين مهملةوهي مدينة بالغرب الأقصى واقعة في اخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول عشر درج وخمسون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة
قال وسميت بفاس لأنهم لما شرعوا في حفر أساسها وجدوا فأسا في موضع الحفر
قال في تقويم البلدان وهي مدينتان يشق بينهما نهر
الأولى فاس القديمة والمياه تجري بأسواقها وديارها وحماماتها حتى يقال إنه ليس بالمشرق ولا بالمغرب مدينة تضاهيها في ذلك إلا أن أرضها ذات ارتفاع وانخفاض وفيها عدة عيون
قال أبو عبد الله العسلي عدتها ثلثمائة وستون عينا
قال ابن سعيد لم أرقط حمامات في داخلها عين تنبع إلا في فاس
قال وهي أكثر مياها من دمشق
قال ابن سعيد في المغرب وهي مدينتان إحداهما بناها إدريس بن عبد الله أحد خلفاء الأدارسة بالمغرب وتعرف بعدوة الأندلس
والأخرى بنيت بعدها وتعرف بعدوة القرويين
قال في الروض المعطار وكان بناء عدوة الأندلسيين في سنة اثنتين وتسعين ومائة وبناء عدوة القرويين في سنة ثلاث وتسعين ومائة
وعدوة القرويين أكثر عيونا وبساتين وأشجارا من عدوة الاندلسيين
ورجال عدوة الأندلسيين أشجع ورجال
عدوة القرويين أجمل
ونساء عدوة الأندلسيين أجمل
وبعدوة الأندلسيين تفاح حسن طيب الطعم يعرف بالطرابلسي لا يفلح بعدوة القرويين
وبعدوة القرويين أترج حسن لا يفلح بعدوة الأندلسيين مع التقارب على ضفة النهر الغربية وهي في مستو من الأرض وهي في علو لا يحكم النهر عليها
والثانية فاس الجديدة وهي ثلاث مدن بناها اباء ملوكها القائمين بها الان حين ملكوا الغرب الأقصى
ولما نزلوها بنوا معها ثلاث مدن على ضفة النهر الغربية
أولها المدينة البيضاء وتعرف بالجديدة
بناها أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق أول من استقل بالملك بعد الموحدين
الثانية مدينة حمص ويعرف موضعها بالملاح
بناها ولده أبو سعيد عثمان بن أبي يوسف إلى جانب المدينة البيضاء المقدم ذكرها
الثالثة ربض النصارى وهي المتخذة لسكنى النصارى من الفرنج المستخدمين بخدمة السلطان
وهذه المتجددات الثلاث على ضفة النهر الغربية فربض النصارى يقابل فاس القديمة على بعد من ضفة النهر
والبيضاء وهي فاس الجديدة اخذة من شمالي ربض النصارى إلى ضفة النهر
وأول عمارة فاس الجديدة اخر عمارة فاس العتيقة
وحمص راكبة على النهر بشمال على جانب فاس الجديدة اخذة إلى ربض النصارى ينصب من الجنوب إلى الشمال ثم ينعطف على زاوية اخذا من الغرب إلى الشرق حتى يصير كأنه ينحدر من الغرب وحمص على مجراه هناك ثم يمر اخذا إلى الشرق على حاله فوق فاس الجديدة
ثم ينعطف عليها بزاوية إلى الجنوب ثم ينعطف إلى الشرق جائزا بها وهناك فاس العتيقة على الضفة الشمالية والقصبة وهي القلعة بها في غربيها مرجلة على الأرض لا تتميز على المدينة برفعة ولا ببناء عال ويصير النهر مستديرا
بفاس الجديدة من جانب الشمال على المجرى المركب عليه حمص ومن الشرق حيث انعطف النهر عند فاس العتيقة
قال في مسالك الأبصار وهذا النهر متوسط المقدار
عرضه في المكان المتسع نحو أربعين ذراعا وفي الضيق دون ذلك وربما تضايق إلى خمسة عشر ذراعا فما دونها وعمقه في الغالب تقدير قامة رجل
ونقل في مسالك الأبصار عن ابن سعيد أن نهرها يلاقي وادي سبو وهو من أعظم أنهار المغرب يصب في البحر المحيط بين سلا وقصر عبد الكريم
قال في تقويم البلدان قال ابن سعيد وعلى أنهارها داخل المدينة نحو ستمائة رحا تدور بالماء دائما
قال في مسالك الأبصار وعليها ناعورة ترفع الماء إلى بستان السلطان
وبناء فاس العتيقة بالاجر والجبال مكتنفة بها وعلى كل من عتيقها وجديدها أسوار دائرة محصنة ذات بروج وبدنات وجميع أبنيتها بالحجر والاجر والكلس موثقة البناء مشيدة الأركان
وتزيد فاس الجديدة على فاس العتيقة في الحصانة والمنعة والعتيقة بسور واحد من الحجارة والجديدة بسورين من الطين المفرغ بالقالب من التراب والرمل والكلس المضروب وهو أشد من الحجر ولا تعمل فيه المجانيق ولا تؤثر فيه وكذلك غالب أبنيتها وسقوف جميعها الخشب وربما غشيت بعض السقوف بالقصدير والأصباغ الملونة وأرض دور رؤسائها مفروشة بالزليج وهو نوع من الاجر مدهون بدهان ملون كالقاشاني بالأبيض والأسود والأزرق والأصفر والأخضر وما يركب من هذه الألوان وغالبه الأزرق الكحلي وربما اتخذ منه الوزرات بحيطان الدور قال في مسالك الأبصار وسألت السلائحي عن مقدار عمارة فاس عتيقها وجديدها
فقال تكون قدر ثلث مصر والقاهرة وحواضرهها
قال في تقويم البلدان وللمدينتين ثلاثة عشر بابا وفي
القديمة مخازن الغلال وهي مكان يستدير عليه سور منيع عليه باب وغلق داخله المطامير
وبفاس العتيقة داخل سورها جنان ورياض ذات أشجار ورياحين في دور الكبراء وبيوت الأعيان
ثم قال وبكل من فاس القديمة وفاس الجديدة المعروفة بالبيضاء وحمص الجوامع والمساجد والماذن والحمامات والأسواق
وأما المدارس والخوانق والربط فمما خلت صحائف أهل المغرب من أجورها إلا النزر اليسير جدا
وبفاس العتيقة مارستان ودور فاس مجالس متقابلة على عمد من حجر أو اجر ورفارف تطل على صحن الدار وفي وسط صحن الدار بركة يصب بها الماء ويعبر عنها عندهم بالصهريج ولهم عناية باتخاذ القباب في بيوتهم حتى يوجد في دار الكبير قبتان فأكثر وحماماتهم صحن واحد لا خلاوى فيها ولذلك يتخذ غالب رؤساهم الحمامات في بيوتهم فرارا من مخالطة العامة في الحمام
قال ابن سعيد ومدينة فاس متوسطة بين ملك الغرب بينها وبين مراكش عشرة أيام وبينها وبين تلمسان عشرة أيام وبينها وبين سبتة عشرة أيام وبينها وبين سجلماسة عشرة أيام
قال في مسالك الأبصار ولذلك صلحت أن تكون قاعدة الملك
وهي تشبه الإسكندرية في المحافظة على علوم الشريعة وتغيير المنكر والقيام بالناموس وتشبه بدمشق في البساتين
وقد ذكر ابن منقذ رسول السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى بلاد المغرب أنهم أخرجوا إلى بستان بفاس يقال له البحيرة متحصله في كل سنة خمسة وأربعون ألف دينار وبه بركة ذرع كل جانب منها مائتان وستة عشر ذراعا يكون دورها ثمانمائة ذراع وأربعة وستين ذراعا
قال وبها ما هو أكبر من ذلك
قال في تقويم البلدان وأهلها مخصوصون برفاهية العيش
قال في مسالك الأبصار ولأهلها حسن الصنعة في المخروطات من الخشب والنحاس
قال أبو عبد الله السلايحي ولكنها وخمة ثقلية الماء تعلو وجوه سكانها صفرة وتحدث في أجسادهم كسلا وفتورا
القاعدة الثانية سبتة
قال في تقويم البلدان بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وتاء مثناة فوق وهاء في الاخرقال في الروض المعطار والنسبة إليها سبتي بكسر السين
وهي في دخلة في البحر
قال في تقويم البلدان وهي مدينة بين بحرين بين البحر المحيط وبحر الروم
ومدخلها من جهة المغرب وهو مدخل ضيق والبحر محيط بأكثرها ولو شاء أهلها لوصلوا البحر حولها وجعلوها جزيرة
ولها أسوار عظيمة من الصخر وعليها أبراج كثيرة والماء يجلب إليها في الشواني حتى للحمامات التي بها وبها صهاريج من ماء المطر
ويقال إنها أول ما بني ببر العدوة
قال في الروض المعطار وهي سبعة أجبل صغار متصلة بعضها ببعض معمورة طولها من الغرب إلى الشرق نحو ميل
وقال في مسالك الأبصار طولها من السور الغربي المحيط بربضها إلى اخر الجزيرة خمسة أميال
قال في الروض المعطار ولها بابان من جهة البر ويتصل بها على ميلين من جهة الغرب جبل يعرف بجبل موسى وهو موسى بن نصير الذي فتح الأندلس ويجاوره بساتين وأشجار وقرى كثيرة وهناك يزرع قصب السكر ويحمل إلى ما جاورها من البلدان ولها نهر عذب في البحر وكان بها كنيسة
جعلت جامعا وبها يستخرج من البحر شجر المرجان الذي لا يعدله مرجان
ويقابلها من الأندلس الجزيرة الخضراء وبحر الروم بينهما ضيق حتى إنه إذا كان الصحو ريئت إحداهما من الأخرى ولذلك يسمى بحرها بحر الزقاق وميناها شرقيها وغالب طرف الدنيا موجودة فيها والحنطة مجلوبة إليها إذ لا يزكو نباتها فيها ويصاد بها أسماك مختلفة على نحو مائة نوع
ويقابل هذه المدينة من بر الأندلس الجزيرة الخضراء
وكانت هذه المدينة قاعدة لهذا القطر قبل الإسلام وهي يؤمئذ ديار عمارة من المصامدة والحاكم عليها ملك الأندلس من القوط وكان ملك عمارة بها في زمن الفتح يقال له يليان ولما زحف إليه موسى بن نصير المذكور أمير أفريقية في زمن الفتح جاء معه بالهدايا وأذعن لأداء الجزية فأقره عليها واسترهن ابنه وأبناء قومه وأنزل طارق بن زياد بطنجة بالعساكر إلى أن أجاز البحر لفتح الأندلس كما سيأتي في الكلام على مكاتبة صاحب الأندلس
ولما هلك يليان استولى المسلمون من العرب على مدينة سبتة بالصلح من أهلها فعمروها إلى أن كانت فتنة ميسرة الخفير وما دعا إليه من مذهب الخوارج وأخذ به الكثير من البربر من غمارة وغيرهم فزحف برابرة طنجة إلى سبتة فأخرجوا العرب منها وخربوها وبقيت خالية إلى أن عمرها ماجكس من وجوه غمارة من البربر وبناها وأسلم وصحب أهل العلم فرجع الناس إليها ومات
فقام بأمره من بعده ابنه عصام فأقام بها زمنا إلى أن مات
فولي بعده ابنه مجير فأقام بها إلى أن مات
فوليها أخوه الرضي ويقال ابنه وكانوا يعطون الطاعة لبني إدريس من العلوية ملوك فاس ولما سما الناصر الأموي صاحب الأندلس إلى ملك المغرب وتناول أكثره من يد الأدارسة ببلاد غمارة وغيرها حين أخرجوا من فاس وقاموا بدعوة الناصر في جميع أعمالهم نزلوا للناصر عن سبتة فبعث إليها العساكر فانتزعها من يد الرضي بن عصام سنة تسع عشرة وثلثمائة وانقرض أمر بني عصام وصارت سبتة للناصر ومن بعده من بني أمية خلفاء الأندلس
وكان علي والقاسم ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس العلوي قد لحقا بالأندلس لما أخرج المستنصر الأموي الأدارسة من المغرب وبقيا بالأندلس إلى أن كانت أيام المستعين سليمان بن الحكم فاختص بقاسم وعلي ابني حمود وعقد لعلي بن حمود على طنجة وأعمال غمارة فنزلها ثم خرج عن طاعته ودعا لنفسه وعاد إلى الأندلس وولي الخلافة بقرطبة كما سيأتي في مكاتبة صاحب الأندلس وولى على عمله بطنجة ابنه يحيى بن علي
ثم أجاز يحيى بعد موت أبيه إلى الأندلس واستقل أخوه إدريس بن علي بولاية طنجة وسائر أعمال أبيه من مواطن غمارة
ثم أجاز إلى الأندلس بعد مهلك أخيه يحيى وعقد لحسن ابن أخيه يحيى
على عملهم بسبتة وطنجة وأرسل معه نجا الخادم لتدبير دولته
ثم أجاز نجا الخادم إلى الأندلس ومعه حسن بن يحيى المذكور ثم عقد حسن لنجا الخادم على عملهم في بلاد غمارة
فلما هلك حسن بالأندلس أجاز نجا إلى الأندلس واستخلف على العمل من وثق به من الموالي الصقالبة واستمرت في الموالي واحدا بعد اخر إلى أن استقل بسبتة وطنجة من موالي بني حمود الحاجب سكوت البرغوطي فاستقل بسبتة وطنجة وأطاعته قبائل غمارة واتصلت أيامه إلى أن كانت دولة المرابطين وغلب أمير المسلمين يوسف بن تاشف ين على مغراوة بفاس وسار إلى بلاد غمارة ونازل سكوت الحاجب وكانت بينهما واقعة قتل فيها سكوت ولحق ضياء الدولة بن سكوت بسبتة فأقام بها إلى أن نازله المعز بن يوسف بن تاشف ين بها فقبض عليه ثم قتله وانقرضت دولة بني حمود من بلاد غمارة وصارت في ملك المرابطين إلى أن فتح بنو عبد المؤمن من الموحدين مراكش فدخل أهل سبتة وسائر غمارة في طاعتهم وأقامت على ذلك إلى أن ضعفت دولة بني عبد المؤمن ثار في غمارة محمد بن محمد اللثامي المعروف بابي الطواجن وكان له يد في السيمياء وارتحل إلى سبتة فنزل عليها وادعى النبوة وأظهر أنواعا من السيمياء فاتبعه جماعة ثم ظهر لهم حقيقة أمره فرجعوا عنه وقتله بعض البربر غيلة إلى أن كانت أيام بني مرين وغلبهم على بلاد المغرب فامتنعت عليهم سبتة وقام بأمرها الفقيه أبو القاسم العزفي من مشيختها فبقيت بيده ويد بنيه إلى أن ملكها منهم بنو مرين سنة تسع وعشرين وسبعمائة في أيام السلطان أبي الحسن فصارت
تابعة لفاس دار ملك بني مرين جارية في يد ملوكها وهي باقية بأيديهم إلى زماننا بعد العشر والثمانمائة
القاعدة الثالثة مدينة مراكش
بفتح الميم وتشديد الراء المهملة وفتحها وألف ساكنة ثم كاف ثم شين معجمةوهي مدينة واقعة في أول الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى عشرة درجة والعرض تسع وعشرون درجة
بناها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ملك المرابطين في أرض صحراوية وجلب إليها المياه
قال ابن سعيد وأول ما بني بها القصر المعروف بقصر الحجر ثم بنى الناس حوله ثم زادها يعقوب بن عبد المؤمن وكبرها ومصرها وفخمها وضخمها وجلب إليها المياه والغراس
قال في تقويم البلدان ودورها سبعة أميال ولها سبعة عشر بابا
قال في الروض المعطار وبنى سورها علي بن يوسف بن تاشفين في سنة ست وعشرين وخمسمائة وقيل سنة أربع عشرة وخمسمائة
قال وطولها مائة وعشرون ميلا وعرضها قريب من ذلك وهي في وطاءة من الأرض ليس حولها جبال إلا جبل صغير منه قطع الحجر الذي بنى منه علي بن يوسف بن تاشقين قصره وعامة بنائها بالطين والطوب
قال ابن سعيد وهي مما سكنت بها وعرفتها ظاهرا وباطنا ولا أرى عبارة تفي بما تحتوي عليه ويكفي أن كل قصر من قصورها مستقل بالديار والبساتين والحمام والإصطبلات والمياه وغير ذلك حتى إن الرئيس منهم يغلق بابه على جميع خوله وأقاربه وما يحتاج إليه ولا يخرج من بابه إلى خارج داره لحاجة يحتاجها ولا يشتري شيئا من السوق لمأكل ولا يقريء أولاده في مكتب
ويخرج من بابه راكبا فلا تقع عليه العين راجلا
قال ولا أدري كيف أصل إلى غاية من الوصف أصف بها ترتيب هذه المدينة المحدثة فأنها من عجائب همات السلاطين ذات أسوار ضخمة وأبواب عالية
وبظاهرها مدينة اختطها المنصور يعقوب بن عبد المؤمن له ولخواصه تعرف بتامراكش وبها قصر الخلافة الذي بناه به دور عظيمة وبها بستان يعرف بالبحيرة طوله اثنا عشر ميلا به بركة عظيمة لم يعمل مثلها قال العقيلي طولها ثلثمائة وثمانون باعا على جانبها الواحد أربعمائة شجرة نارنج بين كل اثنتين منها ليمونة أو ريحانة
وهي أكثر بلاد الغرب بساتين وشجرها أكثر منها وبساتينها تسقى بالبئار وبئارها قريبة الرشاء على نحو قامتين من وجه الأرض وهي كثيرة الزرع والضرع وبها دار الضيافة المعروفة بدار الكرامة
وفيها يقول محمد بن محمد البربري من أبيات يمدحهم ويصفها
( خير قوم دعوا إلى خير دار ... هي للملك نضرة وكمامة )
( عالم السبعة الأقاليم فيها ... وهم في فنائها كالقلامه ) - خفيف -
وبمراكش جامع جليل يعرف بالكتبيين طوله مائة وعشرة اذرع وعلى بابه ساعات مرتفعة في الهواء خمسين ذراعا كان يرمى فيها عند انقضاء كل ساعة صنجة زنتها مائة درهم تتحرك لنزولها أجراس تسمع على بعد تسمى عندهم بالبحانة
قال في تقويم البلدان إلا أن الناس أكثروا فيها البساتين فكثر وخمها
قال في الروض المعطار وقد هجاها أبو القاسم بن أبي عبد الله محمد ابن أيوب بن نوح الغافقي من أهل بلنسية بأبيات أبلغ في ذمها فقال
( مراكش إن سألت عنها ... فإنها في البلاد عار ! )
( هواؤها في الشتاء ثلج ... وحرها في المصيف نار ! )
( وكل ما ثم وهو خير ... من أهلها عقرب وفار ! )
( فإن أكن قد مكثت فيها ... فإن مكثي بها اضطرار ! ) - مخلع البسيط -
وكانت هذه المدينة دار ملك المرابطين من الملثمين الذين ملكوا بعد بني زيري ثم الموحدين من بعدهم
قال ابن سعيد وبينها وبين فاس عشرة أيام
وقال في الروض المعطار نحو ثمانية أيام
قال وبينها وبين جبال درن نحو عشرين ميلا
القاعدة الرابعة سجلماسة
بكسر السين المهملة وكسر الجيم وسكون اللام وفتح الميم ثم ألف وسين مهملة مفتحوحة وهاء في الاخر وهي مدينة في جنوب الغرب الأقصى في اخر الإقليم الثاني من الأقاليم السبعةقال ابن سعيد حيث الطول ثلاث عشرة درجة واثنتان وعشرون دقيقة والعرض ست وعشرون درجة وأربع وعشرون دقيقة
وهي مدينة عظيمة إسلامية وبينها وبين البحر الرومي خمس عشرة مرحلة وليس قبليها ولا غربيها عمران وبينها وبين غابة من بلاد السودان مسيرة شهرين في رمال وجبال قليلة المياه لا يدخلها إلا الإبل المصبرة على العطش
اختطها يزيد بن الأسود من موالي العرب وقيل مدرار بن عبد الله
وكان من أهل الحديث يقال إنه لقي عكرمة مولى ابن عباس بأفريقية وسمع منه
وكان صاحب ماشية وكان ينتجع موضع سجلماسة بالصحراء ليرعى به ماشيته فكان يجتمع إليه أهل تلك الصحراء من مكناسة والبربر وكانوا يدينون بدين الصفرية من
الخوارج فاجتمع عليه جماعة منهم فلما بلغوا أربعين رجلا قدموا عليهم يزيد بن الأسود وخلعوا طاعة الخلفاء واختطوا هذه المدينة سنة أربعين ومائة من الهجرة
ولها اثنا عشر بابا وهي كثيرة العمارة كثيرة البساتين رائقة البقاع ذات قصور ومنازل رفيعة وعمارات متصلة على نهر كثير الماء يأتي من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف كزيادة النيل ويزرع على مائة كما يزرع على ماء النيل والزرع عليه كثير الأصابة والمطر عندهم قليل فإذا كانت السنة كثيرة الأمطار نبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر وربما حصدوه عند تناهيه وتركوا أصوله فتنبت ثانيا
ويقال يزرع بها عاما ويحصد ثلاثة أعوام وذلك أن أرضها مشقة وهي بلدة شديدة الحر فإذا يبس الزرع تناثر عند الحصاد ودخل في الشقوق فإذا كان العام الثاني وعلاه ماء النهر وخرج عنه حرثوه بلاد بذر فينبت ما في الشقوق ويبقى كذلك ثلاث سنين
وقد حكى ابن سعيد أن هذا الزرع في السنة الأولى يكون قمحا وفي باقي السنين سلتا وهو حب بين القمح والشعير وبها الرطب والتمر والعنب الكثير والفواكه الجمة وليس فيها ذئاب ولا كلاب لأنهم يسمنونها ويأكلونها وقلما يوجد فيها صحيح العينين ولا يوجد بها مجذوم ولها ثمانية أبواب من أي باب منها خرجت ترى النهر والنخيل وغير ذلك من الشجر وعليها وعلى جميع بساتينها حائط يمنع غارة العرب مساحته أربعون ميلا وثمرها يفضل ثمر سائر بلاد المغرب حتى يقال إنه يضاهي الثمر العراقي وأهلها مياسير ولها متاجر إلى بلاد السودان يخرجون إليها بالملح والنحاس والودع ويرجعون منها بالذهب التبر
قال ابن سعيد رأيت صكا لأحدهم على اخر مبلغه أربعون ألف دينار
ولما قدموا عليهم عيسى بن الأسود المقدم ذكره أقام عليهم أياما ثم قتلوه
سنة خمس وخمسين ومائة واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم سمكو بن واسول بن مصلان بن أبي يزول بن تافرسين بن فراديس بن ونيف بن مكناس بن ورصطف بن يحيى بن تمصيت بن ضريس بن رجيك بن مادغش بن بربر
كان أبوه سمكو من أهل العلم ارتحل إلى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والأكرام فأدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس ومات فجأة سنة سبع وستين ومائة لثنتي عشرة سنة من ولايته
وكان مع ذلك على مذهب الصفرية وخطب في عمله للمنصور والمهدي من خلفاء بني العباس
ولما مات ولي مكانة ابنه إلياس بن أبي القاسم وكان يدعى بالوزير ثم انتق ضوا عليه سنة أربع وسبعين ومائة فخلعوه
وولي مكانه أخوه اليسع بن أبي القاسم وكنيته أبو منصور فبنى سور سجلماسة وشيد بنيانها واختط بها المصانع والقصور لأربع وثلاثين سنة من ولايته
وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة وسكنها اخر المائة الثانية بعد أن كان يسكن الصحراء وهلك سنة ثمان ومائتين
وولي بعده ابنه مدرار ولقب المنتصر وطال أمد ولايته
وكان له ولدان اسم كل منهما ميمون فوقع الحرب بينهما ثلاث سنين ثم كان اخر أمرهما أن غلب احدهما أخاه وأخرجه من سجلماسة ثم خلع أباه واستقل بالأمر وساءت سيرته في الرعية فخلعوه وأعادوا مدرارا أباه
ثم حدث نفسه بإعادة ابنه ميمون فخلعوه وولوا ابنه ميمونا الاخر وكان يعرف بالأمير ومات مدرار إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين
ومات ميمون
سنة ثلاث وستين ومائتين
وولي مكانه ابنه محمد فبقي إلى أن توفي سنة سبعين ومائتين
فولي مكانه اليسع بن المنتصر
وفي أيامه وفد عبيد الله المهدي الفاطمي وابنه أبو القاسم على سجلماسة في خلافة المعتضد العباسي وكان اليسع على طاعته فبعث المعتضد إليه فقبض عليهما واعتقلهما إلى أن غلب أبو عبد الله الشيعي داعي المهدي بني الأغلب أصحاب أفريقية فقصد سجلماسة فخرج إليه اليسع في قومه مكناسة فهزمه أبو عبد الله الشيعي واقتحم عليه البلد وقتله سنة ست وتسعين ومائتين واستخرج عبيد الله وابنه من محبسهما وبايع لعبيد الله المهدي
وولى المهدي على سجلماسة إبراهيم بن غالب المزاتي وانصرف إلى أفريقية ثم انتقض أهل سجلماسة على واليهم إبراهيم ومن معه من مكناسة سنة ثمان وتسعين ومائتين
وبايعوا الفتح بن ميمون الأمير ابن مدرار المتقدم ذكره ولقبه واسول وهلك قريبا من ولايته على رأس المائة الثالثة
وولي مكانه أخوه أحمد بن ميمون الأمير واستقام أمره إلى أن زحف مصالة بن حيوس في جموع كتامة ومكناسة إلى المغرب سنة تسع وثلثمائة فافتتح سجلماسة وقبض على صاحبها أحمد بن ميمون
وولى عليها ابن عمه المعتز بن محمد بن يادن بن مدرار فلم يلبث أن
استبد وتلقب المعتز وبقي حتى مات سنة إحدى وعشرين وثلثمائة قبل موت المهدي
وولي من بعده ابنه أبو المنتصر محمد بن المعتز فأقام عشرا ثم هلك
وولي من بعده ابنه المنتصر سمكو شهرين ودبرته جدته لصغره
ثم ثار عليه ابن عمه محمد بن الفتح بن ميمون الأمير وتغلب عليه وشغل عنه بنو عبيد الله المهدي بفتنة ابن أبي العافية وغيرها فدعا لنفسه مموها بالدعاء لبني العباس وتلقب الشاكر لله وأخذ بمذاهب أهل السنة ورفض الخارجية وكان جميع من تقدم من سلفه على رأي الأباضية والصفرية من الخوارج وضرب السكة باسمه ولقبه وبقي كذلك حتى فرغ بنو عبيد الله من الفتن فزحف القائد جوهر أيام المعز لدين الله معد إلى المغرب سنة سبع وأربعين وثلثمائة فغلب على سجلماسة وملكها وفر محمد بن الفتح عنها ثم قبض عليه جوهر بعد ذلك وحمله إلى القيروان
فلما انتقض المغرب على العبيديين وفشت فيه دعوة الأمويين بالأندلس ثار بسجلماسة قائم من ولد الشاكر وتلقب المنتصر بالله ثم وثب عليه أخوه أبو محمد سنة اثنتين وخمسين فقتله وقام بالأمر مكانه وتلقب المعتز بالله وأقام على ذلك مدة وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب إلى أن زحف خزرون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ست وستين وثلثمائة وبرز إليه أبو محمد المعتز فهزمه خزرون وقتله واستولى على بلده وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتابه بالفتح وكان ذلك لأول حجابة المنصور بن أبي عامر بقرطبة فعقد لخزرون على
سجلماسة فأقام دعوة هشام في نواحيها فكانت أول دعوة أقيمت لهم في أمصار المغرب الأقصى وانقرض أمر مكناسة من المغرب أجمع
وانتقلت الدولة إلى مغراوة وبني يفرن وعقد هشام لخزرون على سجلماسة وأعمالها وجاءه عهد الخليفة بذلك وضبطها وقام بأمرها إلى أن هلك
فولي أمر سجلماسة من بعده ابنه وانودين بن خزرون إلى أن غلب زيري ابن مياد على المغرب فعقد على سجلماسة لحميد بن فضل المكناسي وفر وانودين بن خزرون عنها ثم أعاده عبد الملك إلى سجلماسة بعد ذلك على قطيعة يؤديها إليه ثم استقل بها من أول سنة تسعين وثلثمائة مقيما للدعوة الأموية بالأندلس ورجع المعز بن زيري بولاية المغرب عن المظفر بن أبي عامر واستثنى عليه ولاية سجلماسة لكونها بيد وانودين واستفحل ملك وانودين واستضاف إلى سجلماسة بعض أعمال المغرب ومات
فقام بالأمر من بعده ابنه مسعود بن وانودين إلى أن خرج عبد الله بن ياسين شيخ المرابطين فقتل ابن وانودين سنة خمس وأربعين وأربعمائة ثم ملك سجلماسة بعد ذلك سنة ست وأربعين ودخلت في ملك المرابطين لأول أمرهم وانقرضت دولة بني خزرون منها وتداولها من بعدهم من ملوك الموحدين ثم ملوك بني مرين على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الغرب الأقصى إن شاء الله تعالى
وأما ما اشتملت عليه هذه المملكة من المدن المشهورة
فمنها مدينة اسفي بفتح الهمزة ومدها وكسر السين المهملة والفاء وياء مثناة في اخرها
وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول سبع درج والعرض ثلاثون درجة
قال في تقويم
البلدان وهي من عمل دكالة وهي كورة عظيمة من أعمال مراكش قال ابن سعيد وهي على جون من البحر داخل في البر في مستو من الأرض وهي فرضة مراكش وبينها وبين مراكش أربعة أيام وأرضها كثيرة الحجر وليس بها ماء إلا من المطر وماؤها النبع غير عذب وبساتينها تسقى على الدواليب وكرومها على باب البلد
قال الشيخ عبد الواحد وهي تشبه حماة ودونها في القدر ولكن ليس لها نهر يجري
ومنها سلا بفتح السين واللام وفي اخرها ألف وهي مدينة من الغرب الأقصى في اخر الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول سبع درج وعشر دقائق والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وهي مدينة قديمة في غربيها البحر المحيط وفي جنوبيها نهر عظيم يصب في البحر المحيط والبساتين والكروم
وبنى عبد المؤمن أمامها من الشط الجنوبي على النهر والبحر المحيط قصرا عظيما وبنى خاصته حوله المنازل فصارت مدينة عظيمة سماها المهدية
وسلا متوسطة بين بلاد المغرب الأقصى قريبة من الأندلس وهي مدينة كثيرة الرخاء ولها معاملة كبيرة يقال لها تامسنا كثيرة الزرع والمرعى وفيها مدن كثيرة
ومنها لمطة بفتح اللام وسكون الميم وفتح الطاء المهملة
وهي مدينة من الغرب الأقصىواقعة في اخر الإقليم الثاني قال بعضهم حيث الطول سبع درج وثلاثون دقيقة والعرض سبع وعشرون درجة على ثلاث مراحل من البحر المحيط ولها نهر كبير ينزل من جبل في شرقيها على مرحلتين منها يجري على جنوبيها غربا بميلة إلى الشمال حتى يصب في البحر المحيط
ومنها السوس بضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية
وهي مدينة من أقصى المغرب في الإقليم الثاني قال ابن سعيد حيث الطول ثمان درج
والعرض ست وعشرون درجة وعشرون دقيقة وهي على طرف من البر داخل في البحر أربعين ميلا وفي جانبها الشمالي نهر يأتي من الشرق من جبل لمطة
ومنها قصر عبد الكريم وضبطه معروف
وهي مدينة من الغرب الأقصى في أوائل الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول ثمان درج وثلاثون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة
وهي مدينة على نهر من جهتها الشمالية وهو نهر كبير تصعد فيه المراكب من البحر المحيط وجانباه محفوفان بالبساتين والكروم
وكان قاعدة تلك الناحية قبلها مدينة اسمها البصرة يسكنها الأدارسة فلما عمرت هذه المدينة صارت هي القاعدة
ومنها طنجة بفتح الطاء المهملة وسكون النون وفتح الجيم ثم هاء في الاخر
وهي مدينة من أقاصي المغرب واقعة في الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول ثمان درج وإحدى وثلاثون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وهي مدينة على بحر الزقاق واتساع البحر عندها ثلث مجرى فإذا شرق عنها اتسع عن ذلك
وهي مدينة أزلية واستحدث أهلها لهم مدينة على ميل منها على ظهر جبل ليمتنعوا بها والماء ينساق إليها في قني
قال في مسالك الأبصار وكانت دار ملك قديم
وهي التي كانت قاعدة تلك الجهات قبل الإسلام إلى حين فتح الأندلس وهي محط السفن وهي كثيرة الفواكه لا سيما العنب والكمثرى وأهلها مشهورون بقلة العقل وضعف الرأي على أن منها أبو الحسن الصنهاجي الطنجي ترجم له في قلائد العقيان وأثنى عليه وأنشد له أبياتا منها
( وقد تحمي الدروع من العوالي ... ولاتحمي من الحدق الدروع ! ) - وافر -
وكذلك أبو عبد الله بن محمد بن أحمد الحضرمي القائل
( وضنوا بتوديع وجادوا بتركه ... ورب دواء مات منه عليل ! ) - طويل -
ومنها درعة بفتح الدال وسكون الراء وفتح العين المهملات وهاء في الاخر
وهي مدينة من جنوبي المغرب الأقصى واقعة في الإقليم الثاني
نقل في
تقويم البلدان عن بعضهم أن طولها إحدى عشرة درجة وست دقائق وعرضها خمس وعشرون درجة وعشر دقائق
قال في نزهة المشتاق وهي قرى متصلة وعمارات متقاربة وليست بمدينة يحوط بها سور ولا حفير
ولها نهر مشهور في غربيها ينزل من ربوة حمراء عند جبل درن وتنبت عليه الحناء ويغوص ما يفضل منه بعد السقي في صحارى تلك البلاد
ومنها أغمات قال في اللباب بفتح الألف وسكون الغين المعجمة وفتح الميم وألف وتاء مثناة من فوق في آخرها وهي مدينة من الغرب الأقصى واقعة في الإقليم الثالث
قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها إحدى عشرة درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وخمسون دقيقة
وهي مدينة قديمة في الجنوب بملية إلى الشرق عن مراكش في مكان أفيح طيب التربة كثير النبات والعشب والمياه تخترقه يمينا وشمالا
قال ابن سعيد وهي التي كانت قاعدة ملك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قبل بناء مراكش
قال الإدريسي وحولها جنات محدقة وبساتين وأشجار ملتفة وهواؤها صحيح وفيها نهر ليس بالكبير يشق المدينة يأتيها من جنوبيها ويخرج من شماليها وربما جمد في الشتاء حتى يجتاز عليه الأطفال
ومنها تادلا قال في تقويم البلدان عن الشيخ عبد الواحد بفتح المثناة من فوق ثم ألف ودال مهملة مكسورة ولام ألف
ثم قال وفي خط ابن سعيد تادلة في اخرها هاء وهي مدينة بالمغرب الأقصى في جهة الجنوب في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول اثنتا عشرة درجة والعرض ثلاثون درجة
قال ابن سعيد وهي مدينة بين جبال صنهاجة ويقال هي قاعدة
صنهاجة وغربيها جبل درن ممتد إلى البحر المحيط وهي بين مراكش وبين أعمال فاس ولها عمل جليل وأهلها بربر يعرفون بحراوة
ومنها أزمور قال الشيخ شعيب بفتح الهمزة والزاي المعجمة وتشديد الميم ثم واو وراء مهملة في الاخر
وهي مدينة على ميلين من البحر أكثر سكانها صنهاجة
ومنها المزمة وهي فرضة ببر العدوة تقابل فرضة المنكب من بر الأندلس من ساحل غرناطة
والمزمة في الشرق عن سبتة بينهما مائتا ميل
ومنها مدينة باديس وهي فرضة مشهورة من فرض غمارة في الجنوب والشرق عن سبتة بينهما نحو مائة ميل
قال في تقويم البلدان وهي قياسا حيث الطول عشر درج وثلاثون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة
ومنها أودغست قال الشيخ عبد الواحد بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الدال المهملة والغين المعجمة وسكون السين المهملة وفي اخرها تاء مثناة فوق
وهي مدينة في المغرب الأقصى في الجنوب في الصحراء في الإقليم الثاني قال في الأطوال حيث الطول ثمان درج وثمان دقائق
قال في القانون والعرض ست وعشرون درجة
قال وهي في براري سودان المغرب
قال في العزيزي وهي جنوبي سجلماسة وبينهما ست وأربعون مرحلة في رمال ومفاوز على مياه معروفة ولها أسواق جليلة والسفن تصل إليها
في البحر المحيط من كل بلد وسكان هذه المدينة أخلاط من البربر المسلمين والرياسة فيها لصنهاجة
قال في العزيزي
ولأودغست أعمال واسعة وهي شديدة الحرارة وأمطارها في الصيف ويزرعون عليها الحنطة والذرة والدخن واللوبيا والكرسنة وبها النخل الكثير وليس فيها فاكهة سوى التين وبها شجر الحجاز كله من السنط والمقل وغيرهما
قلت وقد ذكر في مسالك الأبصار عدة مدن غير هذه غير مشهورة يطول ذكرها
الجملة الثالثة في ذكر جبالها المشهورة وهي عدة جبال
منها جبل درن بفتح الدال والراء المهملتين ونون في الاخرقال ابن سعيد وهو جبل شاهق مشهور لا يزال عليه الثلج أوله عند البحر المحيط الغربي في أقصى المغرب واخره من جهة الشرق على ثلاث مراحل من إسكندرية من الديار المصرية ويسمى طرفه الشرقي المذكور رأس أوثان فيكون امتداده نحو خمسين درجة وفي غربية بلاد تينملك من قبائل البربر وشرقيها بلاد هنتاتة من البربر أيضا وشرقيها بلاد مشكورة منهم وشرقيها بلاد المصامدة
ومنها جبل كزولة وهي قبيلة من البربر
قال ابن سعيد وابتداؤه من البحر المحيط الغربي ويمتد مشرقا إلى حيث الطول اثنتا عشرة درجة وموقعه بين الإقليم الثاني والإقليم الثالث وبه مدينة اسمها تاعجست
ومنها جبل غمارة
بضم الغين المعجمة وفتح الراء بعد الألف
وهي قبيلة من البربر أيضا وهو جبل ببر العدوة فيه من الأمم مالا يحصيه إلا الله تعالى وهو ركن على البحر الرومي فإن بحر الزقاق إذا جاوز سبتة إلى الشرق انعطف جنوبا إلى جبل عمارة المذكورة وهناك مدينة باديس المقدم ذكرها
ومنها جبل مديونة بفتح الميم وسكون الدال المهملة وضم المثناة من
تحت وواو ثم نون مفتوحة وهاء في الاخر وهو جبل ببر العدوة شرقي مدينة فاس يمتد إلى الجنوب حتى يتصل بجبال درن ومديونة قبيلة من البربر واطنون به
ومنها جبال مدغرة وهي شرقي مديونة ومعظم أهلها كومية بضم الكاف وكسر الميم وفتح المثناة تحت وهاء في الاخر
وهي قبيلة من البربر منها عبد المؤمن أحد أصحاب المهدي بن تومرت
ومنها جبل يسر بضم الياء المثناة تحت وسكون السين المهملة
وهو جبل شرقي مديونة أيضا منه ينبع نهر يسر المذكور
ومنها جبل ونشريش وهو جبل يتصل بجبل يسر من شرقيه وفيه تعمل البسط الفائقة ومنه ينبع نهر سلف المشهور
قال ابن سعيد وهو نهر كبير يزيد عند نقص الأنهار كنيل مصر
الجملة الرابعة في ذكر أنهارها المشهورة وهي عدة أنهار
منها نهر السوس الأقصى وهو نهر يأتي من الجنوب والشرق من جبل يعرف بجبل لمطة ويجري إلى الشمال ويمر على مدينة السوس من شماليها ويزرع على جانبيه قصب السكر والحناء وغير ذلك كما يزرع في مصر ويجري حتى يصب في البحر المحيط الغربيومنها نهر سجلماسة الاتي ذكرها وهو نهر منبعه من جنوبي سجلماسة بمسافة بعيدة ويمر من شرقيها ويجري حتى يصب في نهر ملوية الاتي ذكره
ومنها نهر ملوية قال ابن سعيد وهو نهر كبير مشهور في المغرب الأقصى يصب إليه نهر سجلماسة ويصيران نهرا واحدا يجري حتى يصب في بحر الروم شرقي سبتة
ومنها نهر فاس وهو نهر متوسط يشق مدينة فاس كما تقدم قال في
تقويم البلدان ومخرجه على نصف يوم من فاس يجري في مروج وأزاهر حتى يدخلها
المقصد الثاني في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها
ومواشيها ومعاملاتها وصفات أهلها وفيه خمس جملالجملة الأولى في ذكر زروعها وحبوبها وفواكههان وبقولها ورياحينها
أما زرعها فعلى المطر كما تقدم في أفريقيةوأما حبوبها ففيها من أنواع الحبوب القمح والشعير والفول والحمص والعدس والدخن والسلت وغير ذلك
أما الأرز فإنه عندهم قليل بعضه يزرع في بعض الأماكن من بر العدوة واكثره مجلوب إليهم من بلاد الفرنج
على أنهم لا نهمة لهم في أكله ولا عناية به
وبها السمسم على قلة ولا يعتصر منه بالمغرب شيرج لاستغنائهم عنه بالزيت حتى مزورات الضعفاء وكذلك يعملون الحلوى بالعسل والزيت وإنما يستعمل الشيرج عندهم في الأمور الطبية
وأما فواكهها فبها أنواع الفواكه المستطابة اللذيذة المختلفة الأنواع بين النخل والعنب والتين والرمان والزيتون والسفرجل والتفاح على أصناف وكذلك الكمثرى وتسمى عندهم الإنجاص كما بدمشق وبها المشمش والتين والبرقوق والقراصيا والخوخ وغالب ذلك على عدة أنواع والتوت على قلة والجوز واللوز
ولا يوجد بها الفستق والبندق إلا مجلوبا
وبها الأترج والليمون والليم والنارنج والزنبوع وهو المسمى
بمصر والشام الكباد
وبها البطيخ الأصفر والأخضر واسمه عندهم الدلاع كما في سائر بلاد المغرب على قلة والموجود منه غير مستطاب
وبها الخيار والقثاء واللفت والباذنجان والقرع والجزر واللوبيا والكرنب والشمار والصعتر وسائر البقول
والموز موجود بها في بعض المواضع نادرا والقلقاس لا يزرع عندهم إلا للتفرج على عروقه لا لأن يؤكل وبها قصب السكر بجزائر بني مزغنان وبسلا كثير ويعصر ثم يعمل منه القند ومن القند السكر على أنواع لاسيما بمراكش فإنه يقال إن بها أربعين معصرة للسكر وإن حمل حمار من القصب يساوي درهما من دراهمهم وهو ثلث درهم من الدراهم المصرية ويعمل منه المكرر الفائق ومع ذلك فليس لهم به اهتمام لاكتفائهم عنه بعسل النحل مع كثرته عندهم وميلهم إليه أكثر من السكر حتى يقال إنه لا يستعمل السكر عندهم إلا الغرباء أو المرضى
وأما رياحينها فيها الورد والبنفسج والياسمين والاس والنرجس والسوسن والبهار وغير ذلك
الجملة الثانية في مواشيها ووحوشها وطيورها
أما مواشيها ففيها من الدواب الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم أما الجاموس فلا يوجد عندهموأما الطير فبها منه الإوز والحمام والدجاج ونحوها والكركي عندهم كثير على بعد الدار واسمه عندهم الغرنوق وهو صيد الملوك هناك كما بمصر والشام
وأما وحوشها ففيها من أنواع الوحش الحمر والبقر والنعام والغزال والمها وغير ذلك
الجملة الثالثة فيما تتعامل به من الدنانير والدراهم والأوزان والمكاييل
أما مثاقيل الذهب فأوزانها لا تختلف وأما الدراهم فذكر في مسالك الأبصار عن السلايحي أن معاملتها درهمان درهم كبير ودرهم صغيرة فالدرهم الكبير قدر ثلث درهم من الدراهم النقرة بمصر والشام والدرهم الصغير على النصف من الدرهم الكبير يكون قدر سدس درهم نقرة بمصر والشاموعند الإطلاق يراد الدرهم الصغير دون الدرهم الكبير إلا بمراكش وما جاورها فإنه يراد بالدرهم عند الإطلاق الدرهم الكبير
قال وكل مثقال ذهب عندهم يساوي ستين درهما كبارا تكون بعشرين درهما من دراهم النقرة بمصر
وأما رطلها فعلى ما تقدم من رطل أفريقية وهي كل رطل ست عشرة أوقية كل أوقية أحد وعشرون درهما من دراهمها
وأما كيلها فأكثره الوسق ويسمى الصحفة وهو ستون صاعا بالصاع النبوي على السواء
الجملة الرابعة في ذكر أسعارها
قد ذكر في مسالك الأبصار عن السلايحي أيضا عن سعر زمانه المتوسط في غالب الأوقات وهي الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وما قاربها أن سعر كل وسق من القمح أربعون درهما من الدراهم الصغار وهو ثلاثة عشر درهما وثلث درهم من نقرة مصر والشعير دون ذلكوكل رطل لحم بدرهم واحد من الدراهم الصغار وكل طائر من الدجاج بثلاثة دراهم من الصغار وعلى نحو ذلك
الجملة الخامسة في صفات أهلها في الجملة
قد تقدم أن معظم هذه المملكة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد والإقليم الثالث هو صاحب سفك الدماء والحسد والحقد والغل وما يتبع ذلكثم قال وأنا أقول إن الإقليم الثالث وإن كثرت فيه الأحكام المريخية على زعمهم فإن للمغرب الأقصى من ذلك الحظ الوافر لاسيما في جهة السوس وجبال درن فإن قتل الإنسان عندهم كذبح العصفور قال وكم قتيل قتل عندهم على كلمة وهم بالقتل يفتخرون
ثم قال إن الغالب على أهل المغرب الأقصى كثرة التنافس المفرط والمحاققة وقلة التغاضي والتهور والمفاتنة
أما البخل فإنما هو في أراذلهم بخلاف الأغنياء فإن في كثير منهم السماحة المفرطة والمفاخرة بإطعام الطعام والاعتناء بالمفضول والفاضل
المقصد الثالث في ذكر ملوكها وما يندرج تحت ذلك من انتقال الملك من الموحدين إلى بني مرين والتعريف بالسلطان أبي الحسن الذي أشار إليه في كلامه في التعريف وهم على طبقات
الطبقة الأولى ملوكها قبل الإسلام
قد تقدم أن بلاد المغرب كلها كانت من البربر ثم غلبهم الروم الكيتم عليها ثم افتتحوا قرطاجنة وملكوها ووقع بين البربر والروم فتن كثيرة كان اخرها أن وقع الصلح بينهم على أن تكون البلاد والمدن الساحلية للروم والجبال والصحارى للبربر ثم زاحم الفرنج الروم في البلاد وجاء الإسلام والمستولي عليها من ملوك الفرنجة جرجيس ملكهم وكان ملكه متصلا من طرابلس إلى البحر المحيط وكرسي ملكه بمدينة سبيطلة ومن يده انتزعها المسلمون عند الفتح
الطبقة الثانية نواب الخلفاء من بني أمية وبني العباس
كان كرسي المملكة بعد الفتح بأفريقية وكان نواب الخلفاء يقيمون بها وينزلون القيروان وكانوا يولون على ما فتح من بلاد المغرب من تحت أيديهم فبقي الأمر على ذلك أيام عبد الله بن أبي سرح الذي افتتحها في خلافة عثمان ابن عفان رضي الله عنه ثم أيام معاوية بن صالح ثم أيام عقبة بن نافع ثم أيام أبي المهاجر ثم أيام عقبة بن نافع ثانيا ثم أيام زهير بن قيس ثم أيام حسان بن النعمان ثم أيام موسى بن نصير ثم أيام محمد بن يزيد ثم أيام إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر ثم أيام يزيد بن أبي مسلم ثم أيام بشر بن صفوان الكلبي ثم أيام عبيد بن عبد الرحمن السلمي ثم أيام عبد الله بن الحبحاب ثم أيام كلثوم بن عياض ثم أيام حنظلة بن صفوان ثم أيام عبد الرحمن بن حبيب ثم أيام حبيب بن عبد الرحمن ثم أيام عبد الملك بن أبي الجعد ثم أيام عبد الأعلى بن السمح المعافري ثم أيام محمد بن الأشعت ثم أيام الأغلب بن سالم ثم أيام عمرو بن حفص ثم أيام يزيد بن حاتم بن قبيصة ثم أيام روح بن حاتم ثم أيام الفضل بن روح ثم أيام هرثمة بن أعين ثم أيام محمد بن مقاتل ثم أيام إبراهيم بن الأغلب ممن تقدم ذكره في ملوك أفريقية في خلافة هارون الرشيد
وفي أيامه ظهرت دعوة الأدارسة الاتي ذكرهم بعد هذه الطبقة
وسيأتي بسط القول فيهم بعض البسط في الكلام على مكاتبة صاحب تونس
الطبقة الثالثة الأدارسة بنو إدريس الأكبر بن حسن المثلث بن حسن المثنى
بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهموكان مبدأ أمرهم أنه لما خرج حسين بن علي بن حسن المثلث بمكة سنة سبعين ومائة أيام الهادي واجتمع عليه قرابته وفيهم عمه إدريس وقتل الحسين فر إدريس ولحق بالمغرب وصار إلى مدينة وليلي من المغرب الأقصى فاجتمع
إليه قبائل البربر وبايعوه وفتح أكثر البلاد وبقي حتى مات سنة خمس وسبعين ومائة
وأقاموا الدعوة بعده لابنه إدريس الأصغر
وكان أبوه قد مات وترك أمه حاملا به فكفلوه حتى شب فبايعوه سنة ثمان وثمانين ومائة وهو ابن إحدى عشرة سنة وافتتح جميع بلاد المغرب وكثر عسكره وضاقت عليهم وليلي فاختط لهم مدينة فاس سنة ثنتين وتسعين ومائة على ما تقدم وانتقل إليها واستقام له الأمر واستولى على أكثر بلاد البربر واقتطع دعوة العباسيين ومات سنة ثلاث عشرة ومائتين
و قام بالأمر بعده ابنه محمد بن إدريس ومات سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف في مرضه ولده عليشا بن محمد وهو ابن تسع سنين ومات سنة أربع وثلاثين ومائتين لثلاث عشرة سنة من ولايته
وكان قد عهد لأخيه يحيى بن محمد فقام بالأمر بعده ومات
فولي مكانه ابنه يحيى بن يحيى ثم مات فاستدعوا ابن عمه علي بن عمر ابن إدريس الأصغر فبايعوه بفاس واستولى على جميع أعمال المغرب وقتل سنة اثنتين وتسعين ومائتين
وقام بالأمر بعده يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس الأصغر وملك جميع المغرب وخطب له على منابره وبقي حتى وافته جيوش عبيد الله المهدي الفاطمي فغلبوه على ملكه وخلع نفسه من الأمر وأنفذ بيعته إلى المهدي سنة خمس وثلثمائة واستقر عاملا للمهدي على فاس وعملها خاصة وبقية المغرب بيد موسى بن أبي العافية كما سيأتي
الطبقة الرابعة ملوك بني أبي العافية من مكناسة
كانت مكناسة من قبائل البربر لأول الفتح بنواحي تارا من أوساط المغرب الأقصى والأوسط وكانوا يرجعون في رياستهم إلى بني أبي باسل بن أبي الضحاك وكانت الرياسة في المائة الثالثة لمصالة بن حيوس بن منازل بن أبي الضحاك بن يزول بن تافرسين بن فراديس بن ونيف بن مكناس بن ورصطف بن يحيى بن تمصيت بن ضريس بن رجيك بن مادغش بن بربر وموسى بن أبي العافية بن أبي باسل بن أبي الضحاك المتقدم ذكرهولما استولى عبيد الله المهدي على المغرب صار مصالة بن حيوس من أكبر قواده وولاه مدينة تاهرت والغرب الأوسط
ولما زحف مصالة إلى المغرب الأقصى سنة خمس وثلثمائة واستولى على فاس ثم على سجلماسة واستنزل يحيى بن إدريس بفاس إلى طاعة عبيد الله المهدي وأبقاه أميرا على فاس على ما تقدم عقد لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة على سائر ضواحي المغرب وأمصاره مضافة إلى عمله من قبل تسول وتازا وما معهما وقفل مصالة إلى القيروان
فقام موسى بن أبي العافية بأمر المغرب وعاود مصالة غزو المغرب سنة تسع وثلثمائة أغراه موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس فقبض عليه وأخذ ماله وطرده فلحق ببني عمه بالبصرة والريف وولى مصالة مكانه على فاس ريحانا الكتامي وقفل إلى القيروان فمات وعظم ملك موسى بن أبي العافية بالمغرب
ثم ثار بفاس سنة ثلاث عشرة وثلمثائة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقب بالحجام ودخل فاس على حين غفلة من أهلها وقتل ريحانا واليها واجتمع الناس على بيعته ثم خرج لقتال ابن أبي العافية والتقوا فهلك جماعة من مكناسة ثم كانت الغلبة لهم
ورجع الحسن مهزوما إلى فاس فغدر به عامله على عدوة القرويين حامد بن حمدان الهمداني فقبض عليه واعتقله وأمكن ابن أبي العافية من البلد وزحف إلى عدوة الأندلسيين فملكها وقتل عاملها وولى مكانه أخاه محمدا واستولى ابن أبي العافية على فاس وجميع المغرب وأجلى الأدارسة عنه
ثم استخلف على المغرب الأقصى ابنه مدين وأنزله بعدوة القرويين واستعمل على عدوة الأندلسيين طوال بن أبي زيد وعزل عنه محمد بن ثعلبة ونهض إلى تلمسان سنة تسع عشرة وثلثمائة فملكها وغلب عليها صاحبها الحسن بن أبي العيش بن عيسى بن إدريس بن محمد بن سليمان من عقب سليمان ابن عبد الله أخي إدريس الأكبر الداخل إلى المغرب بعده ورجع بعد فتحها إلى فاس وخرج عن طاعة العبيديين وخطب للناصر الأموي خليفة الأندلس على منابر عمله فبعث عبيد الله المهدي قائده حميدا المكناسي ابن أخي مصالة إلى فاس ففر عنها مدين بن موسى بن أبي العافية إلى أبيه فدخلها حميد ثم استعمل عليها حامد بن حمدان ورجع إلى أفريقية وقد دوخ المغرب
ثم انتقض أهل المغرب على العبيديين بعد مهلك عبيد الله وثار أحمد بن بكر بن عبد الرحمن بن سهل الجذامي على حامد بن حمدان عامل فاس فقتله وبعث برأسه إلى موسى بن أبي العافية فبعث به إلى الناصر الأموي بالأندلس واستولى على المغرب وزحف ميسور الخصي قائد أبي القاسم بن عبيد الله
المهدي سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة إلى فاس وحاصرها فأحجم ابن أبي العافية عن لقائه واستنزل ميسور أحمد بن بكر عاملها وقبض عليه وبعث به إلى المهدية
ثم خرج أهل فاس عن طاعته وقدموا على أنفسهم حسن بن قاسم اللواتي ثم حاصرهم ميسور فدخلوا تحت طاعته واشترطوا على أنفسهم الإتاوة فقبل ميسور ذلك منهم وأقر حسن بن قاسم على ولايته بفاس وارتحل إلى حرب بن أبي العافية فكانت بينهم حروب اخرها أن ظهر ميسور على ابن أبي العافية وأجلاه عن أعمال المغرب إلى بلاد الصحراء ثم قفل ميسور إلى القيروان سنة أربع وعشرين وثلثمائة
ورجع موسى بن أبي العافية من الصحراء إلى أعماله بالمغرب وزحف إلى تلمسان ففر عنها أبو العيش ولحق بتكور واستفحل أمر ابن أبي العافية بالمغرب الأقصى واتصل عمله بعمل محمد بن خزر ملك مغراوة وصاحب المغرب الأوسط وبثوا دعوة الأموية في أعمالها وبعث ابنه مدين إلى منازلة فاس فحاصرها وهلك موسى في خلال ذلك سنة سبع وعشرين وثلثمائة
وقام ابنه مدين بأمره وعقد له الناصر الأموي على أعمال أبيه بالمغرب ثم قسم أعماله بينه وبين أخويه البوري وأبي منقذ وأجاز البوري إلى الناصر بالأندلس سنة خمس وثلاثين وثلثمائة فعقد له ثم هلك سنة خمس وأربعين وثلثمائة وهو محاصر لأخيه مدين بفاس فعقد الناصر لابنه منصور على عمله
ثم توفي مدين فعقد الناصر لأخيه أبي منقذ على علمه ثم غلب مغراوة على فاس وأعمالها واستفحل امرهم بالمغرب
وأزاحوا مكناسة عن ضواحيه وأعماله وأجاز إسماعيل بن البوري ومحمد بن عبد الله بن مدين إلى الأندلس فنزلا بها إلى أن أجازوا مع واضح أيام المنصور بن أبي عامر عندما خرج زيري بن عطية عن طاعتهم سنة ست وثمانين وثلثمائة
الطبقة الخامسة بنو زيري بن عطية من مغراوة من البربر
وهو زيري بن عطية بن عبد الله بن خزر بن محمد بن خزر بن حفص بن صولات بن رومان من بطون زناتة من البربر وكان أولية أمره أن زيري هذا كان أمير بني خزر في وقته وانتهت إليه رياستهم وإمارتهم في البداوةولما غلب بلكين بن زيري الصنهاجي صاحب أفريقية وقومه صنهاجة على المغرب الأوسط سنة تسع وستين وثلثمائة وأجلوا عنه مغرواة الذين كانوا به من تقادم السنين وصار المغرب الأوسط جميعه لصنهاجة لحق مغراوة فيمن بقي من بني خزر بالغرب الأقصى وأمراؤهم يومئذ محمد بن الخير ومقاتل وزيري ابنا عطية بن عبد الله وخزرون بن فلفول ووصلوا إلى سبتة وأميرهم المنصور بن أبي عامر حاجب
وبعث العزيز بن نزار العبيدي من مصر الحسن بن كنون من الأدارسة لاسترجاع ملكه بالمغرب فبعث المنصور لحربه أبا الحكم عمرو بن عبد الله بن أبي عامر الملقب بعسكلاجة سنة خمس وسبعين وثلثمائة وانحاش إليه زيري ابن عطية ومن معه من بني خزر في جموع مغراوة وزحفوا إلى الحسن بن كنون حتى ألجاؤه إلى الطاعة ثم انصرف أبو الحكم بن أبي عامر إلى الأندلس فعقد المنصور بن أبي عامر على المغرب الأقصى للوزير حسن بن أحمد بن عبد الودود السلمي وأنفذه إليه سنة ست وسبعين وثلثمائة وأوصاه بملوك مغراوة خصوصا زيري فسار الحسن بن أحمد حتى نزل بفاس وضبط أعمال المغرب ومات مقاتل بن عطية سنة ثمان وسبعين وثلثمائة واستقل أخوه زيري بن عطية برياسة مغراوة وبقي الحسن بن أحمد إلى أن قتل في بعض الحروب سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وبلغ الخبر المنصور بن أبي عامر فعقد على المغرب لزيري ابن عطية المذكور وكتب إليه بعهده وامره بضبط المغرب فاستفحل ملكه
وغلب على تلمسان
فملكها من يد أبي البهار الصنهاجي وبعث بالفتح إلى المنصور بن أبي عامر فجدد له العهد واختط مدينة وجدة سنة أربع وثمانين وأنزل بها عساكره
ثم فسد ما بين المنصور بن أبي عامر وبين زيري بن عطية فعقد المنصور لمولاه واضح على المغرب وعلى حرب زيري بن عطية وجهزه إليه في عساكره ثم أتبعه المنصور ابنه المظفر عبد الملك فاجتمعا على زيري بن عطية ودارت بينهم الحرب فكانت الهزيمة على زيري وجرح في المعركة وفر إلى فاس فامتنع عليه أهلها فلحق بالصحراء جريحا وكتب عبد الملك بن المنصور بالفتح إلى أبيه فاستبشر به وكتب إلى ابنه عبد الملك بعهده على المغرب
وكان زيري بن عطية لما فر إلى الصحراء صرف وجهه إلى حرب صنهاجة بالمغرب الأوسط فقصده وفتح تاهرت وتلمسان وأعمالهما وأقام الدعوة فيها لهشام بن عبد الملك خليفة الأندلس وحاجبه المنصور من بعده وبقي على ذلك حتى مات سنة إحدى وتسعين وثلثمائة
وبويع من بعده ابنه المعز بن زيري فجرى على سنن أبيه من الدعاء لهشام بن عبد الملك والمصنور من بعده ومات المنصور في خلال ذلك وقام بأمره من بعده ابنه المظفر عبد الملك وبعث المعز بن زيري يرغب إلى المظفر في عمل فاس والمغرب الأقصى فأجابه إلى ذلك وكتب له عهده بذلك خلا سجلماسة فإنها كانت بيد خزرون وبقي المعز في ولايته إلى أن هلك سنة سبع عشرة وأربعمائة
وولي من بعده ابن عمه حمامة بن المعز بن عطية واستفحل ملكه ثم
نازعه الأمير أبو الكمال تميم بن زيري بن يعلى اليفرني سنة أربع وعشرين وأربعمائة واستقل بملك المغرب وبقي حتى مات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة
وولي من بعده ابنه دوناس المعروف بأبي العطاف واستولى على فاس وسائر عمل أبيه فاستقامت دولته واحتفل بعمارة فاس وأدار السور على أرباضها وبنى بها المصانع والحمامات والفنادق وبقي حتى مات سنة إحدى وخمسين وأربعمائة
وولي من بعده ابنه الفتوح بن دوناس ونازعه أخوه الأصغر عجيسة واستولى على عدوة القرويين من فاس وبقي الفتوح بعدوة الأندلسيين وافترق أمرهما ووقعت الحرب بينهما وابتنى الفتوح بعدوة الأندلسيين باب الفتوح المعروف به إلى الان وابتنى عجيسة بعدوة القرويين باب الجيسة المعروف به إلى الان وحذفت العين منه لكثرة دورانه على الألسنة وبقي الأمر على ذلك حتى ظفر الفتوح بأخيه عجيسة وقتله سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ودهم المغرب على إثر ذلك ما دهمه من أمر المرابطين من لمتونة وخشي الفتوح عاقبة أمرهم فرحل عن فاس وتركها
وزحف صاحب القلعة بلكين بن محمد بن حماد إلى المغرب سنة أربع وخمسين فدخل فاس واسترهن بعض أشرافهم على الطاعة ورجع إلى عمله وولى على المغرب بعد الفتوح معتصر بن حماد بن معتصر بن المعز بن زيري
وزحف يوسف بن تاشفين إلى فاس فملكها صلحا سنة خمس وخمسين وأربعمائة وخلف عليها عامله وارتحل إلى غمارة فخالفه معتصر إلى فاس وملكها وقتل العامل ومن معه من لمتونة وبلغ الخبر يوسف بن تاشفين فأرسل العساكر إلى فاس وحاصرها وخرج معتصر للقاء عساكره فكانت الدائرة عليه وقتل في المعركة سنة ستين وأربعمائة
وبايع أهل فاس من بعده ابنه تميم بن معتصر فكانت أيامه حصار وفتنة وشدة وغلاء
ولما فرغ يوسف بن تاشفين من أمر عمارة سنة ثنتين وستين وأربعمائة قصد فاس فحاصرها أياما ثم افتتحها عنوة وقتل بها نحو ثلاثة الاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة وهلك تميم بن معتصر في جملتهم وأمر يوسف بن تاشفين بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين العدوتين وصيرهما مصرا واحدا وأدار عليهما سورا واحدا وفر من خلص من القتل من مغراوة من فاس إلى تلمسان وانقرض ملكهم من الغرب الأقصى وتصاريف الأمور بيد الله تعالى
الطبقة السادسة المرابطون من الملثمين من البربر
كان الملثمون من البربر من صنهاجة قبل الفتح الإسلامي متوطنين في القفاز وراء رمال الصحراء ما بين بلاد البربر وبلاد السودان في جملة قبائل صنهاجة على دين المجوسية قد اتخذوا اللثام شعارا يميز بينهم وبين غيرهم من الأمم والرياسة فيهم يومئذ للمتونة ولم يزالوا على ذلك إلى أن كان فتح الأندلس واستمر ملكهم أيام عبد الرحمن أول خلفاء بني أمية بالأندلس قال ابن أبي زرع أول من ملك الصحراء من لمتونة يتلوثان وكان يركب في ألف نجيب وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين
وملك بعده يلتان فقام بأمرهم وتوفي سنة سبع وثمانين ومائتين
وقام بأمرهم بعده ابنه تميم إلى سنة ست وثلثمائة وقتله صنهاجة
ثم افترق أمرهم بعد تميم مائة وعشرين سنة إلى أن قام فيهم أبو عبد الله بن نيفاوت المعروف بتادشت اللمتوني وحج ومات لثلاثة أعوام من رياسته عليهم
وقام بأمرهم صهره يحيى بن إبراهيم فحج في سني أربعين وأربعمائة وعاد وصحبته عبد الله بن ياسين الجزولي ليعلمهم الدين فلما مات يحيى بن إبراهيم اطرحوا عبد الله بن ياسين واستعصوا عليه وتركوا الأخذ بقوله فاعتزلهم ثم اجتمع عليه رجال من لمتونة فخرج فيهم وقاتل من استعصى عليه منهم حتى أنابوا إلى الحق وسماهم المرابطين وجعل أمرهم في الحرب إلى الأمير يحيى بن عمر بن واركوت بن ورتنطق بن المنصور بن مرصالة بن منصور بن فرصالة بن أميت بن راتمال بن تلميت وهو لمتونة فافتتحوا درعة وسجلماسة واستعملوا عليها منهم وعادوا إلى الصحراء وهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وأربعمائة
وولي مكانه أخوه أبو بكر بن عمر ثم افتتحوا بلاد السوس سنة ثمان وأربعين ثم مدينة أغمات سنة تسع وأربعين ثم بلاد المصامدة وجبال درن سنة خمسين ثم استشهد عبد الله بن ياسين في بعض الغزوات سنة خمسين واستمر أبو بكر بن عمر في إمارة قومه وافتتح مدينة لواتة سنة ثنتين وخمسين ثم ارتحل إلى الصحراء لجهاد السودان واستعمل على المغرب ابن عمه يوسف بن
تاشفين بن إبراهيم بن واركوت فسار يوسف في عسكره من المرابطين ودوخ أقطار المغرب واختط مدينة مراكش سنة أربع وخمسين
ثم انتزع جبال زناتة بالمغرب من أيديهم ثم افتتح فاس صلحا سنة خمس وخمسين ثم استعيدت بعد فتحها ثم فتحها عنوة سنة اثنتين وستين وأربعمائة وأمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين عدوتي القرويين والأندلسيين وصيرهما مصرا واحدا ثم افتتح بعد ذلك مدينة تلمسان واستولى على الغرب الأقصى والغرب الأوسط ثم صار إلى الأندلس واستولى على أكثر ممالكه كما سيأتي في ذكر مكاتبة صاحب الأندلس ثم توفي يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة
وقام بالأمر بعده ابنه علي بن يوسف فاستولى على ما كان بيد أبيه من العدوتين وسار فيهم بأحسن السيرة ولأربع عشرة سنة من ولايته كان ظهور المهدي بن تومرت صاحب دولة الموحدين
ومات علي بن يوسف سنة سبع وثلاثين وقد ضعفت كلمة المرابطين بالأندلس لظهور الموحدين
وقام بالأمر بعده ولده تاشفين بن علي وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين وقد استفحل أمر الموحدين وعظم شأنهم ونزل تلمسان فقصده الموحدون ففر إلى وهران واتبعه الموحدون ففقد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة واستولى الموحدون على الغرب الأوسط
ثم بويع بمراكش إبراهيم بن تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين فألفوه عاجزا فخلعوه
وولي مكانه عمه إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين وقد ملك الموحدون جميع بلاد المغرب وقصدوه في مراكش فخرج إليهم في خاصته فقتلوه وأجاز عبد المؤمن والموحدون إلى الأندلس فملكوه سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وفر أمراء المرابطين في كل وجه
الطبقة السابعة ملوك الموحدين
كان أول أمرهم أن المهدي محمد بن تومرت كان إماما متضلعا بالعلوم قد حج ودخل العراق واجتمع بأئمته من العلماء والنظار كالغزالي وإلكيا الهراسي وغيرهما وأخذ بمذهب الأشعرية أهل السنة ورجع إلى الغرب وأهله يومئذ على مذهب أهل الظاهر في منع التأويل فاجتمع إليه قبائل المصامدة من البربر وجعل يبث فيهم عقائد الأشعرية وينهى عن الجمود على الظاهر وسمي أتباعه الموحدين تعريضا بتكفير القائلين بالتجسيم الذي يؤدي إليه الوقوف على الظاهروكان الكهان يتحدثون بظهور دولة بالمغرب لأمة من البربر وصرفوا القول في ذلك إليه ودعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسمين سنة خمس عشرة وخمسمائة فبايعوه على ذلك
ولما كملت بيعته لقبوه المهدي وكان قبل ذلك يلقب الإمام وأخذوا في قتال المرابطين من لمتونة حتى استقاموا على الطاعة
وتوفي المهدي سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة
وقام بالأمر بعده عبد المؤمن بن علي بعهده إليه
فكان من أمره ما تقدم من استيلائه على العدوتين وانقراض ملك المرابطين بهما وكان ذلك من سنة أربع وثلاثين وخمسمائة إلى سنة إحدى وأربعين
ثم صرف همه إلى بجاية وأفريقية فافتتحهما واستخلص المهدية والبلاد الساحلية التي كانت النصارى قد
استولوا عليها من أيديهم واستولى على سائر بلاد أفريقية وعاد إلى الغرب في سنة ست وخمسين وخمسمائة
وتوفي بسلا من الغرب الأقصى في جمادى الاخرة سنة ثمان وخمسين
وبويع بعده ابنه أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن فاستولى على ما كان بيد أبيه من العدوتين وافريقية واشتغل بإصلاح الممالك وجهاد العدو وأجاز إلى الأندلس لجهاد النصارى وقتل في بعض غزواته فيه بسهم أصابه
وقيل مرض فمات سنة ثمانين وخمسمائة
وبويع ابنه يعقوب بن يوسف بإشبيلية عقب وفاته وتلقب بالمنصور فاستولى على ما كان بيد أبيه من الممالك إلى الأندلس وكان له مع العدو وقائع ومرض بالأندلس فمات سنة خمس وتسعين وخمسمائة
وبويع ابنه محمد ولي عهده وتلقب الناصر لدين الله ورجع إلى بلاد المغرب
وفي أيامه ثار ابن غانية على أفريقية وتغلب عليها وولى أبا محمد ابن الشيخ أبي حفص عليها فاستقرت بها قدم بنيه إلى الأن وأجاز إلى الأندلس ونزل إشبيلية والتقى مع العدو في صفر سنة تسع وستمائة وابتلي المسلمون في ذلك اليوم ورجع إلى مراكش فمات في شعبان من السنة المذكورة
وبويع ابنه يوسف بن محمد سنة إحدى عشرة وستمائة وهو ابن ست عشرة سنة ولقب المستنصر بالله وتأخر أبو محمد ابن الشيخ أبي حفص عن بيعته لصغر سنه وغلب عليه مشيخة الموحدين فقاموا بأمره
وبقي المستنصر حتى مات يوم الأضحى سنة ست وعشرين وستمائة
وبويع بعده أبو محمد عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن وهو أخو المنصور ويعرف بالمخلوع
وكان الوالي بالمرسية من الأندلس أبو محمد عبد الله بن يعقوب بن المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن
فثار بالأندلس ودعا لنفسه وتلقب العادل واتصل الخبر بمراكش فاضطرب الموحدون على المخلوع وبعثوا ببيعتهم إلى العادل بالآندلس وبادر العادل إلى مراكش فدخلها وبقي حتى قتل بها أيام الفطر سنة أربع وعشرين وستمائة
وكان أخوه إدريس بن المنصور بإشبيلية من الأندلس فدعا لنفسه وبويع وبعث الموحدون ببيعتهم إليه ثم قصد مراكش فهلك في طريقه بوادي أم ربيع مفتتح سنة ثلاثين وستمائة وتغلب ابن هود على سبتة
وبويع بعده ابنه المأمون عبد الواحد بن إدريس فلقب الرشيد ودخل إلى مراكش فبايعوه وبقي حتى توفي سنة أربعين وستمائة
وبويع بعده أخوه أبو الحسن علي السعيد ولقب المعتضد بالله وقام بالأمر ثم سار إلى تلمسان فكان بها مهلكه على يد بني عبد الواد في صفر سنة ست وأربعين وستمائة وكان فيها استيلاء النصارى على إشبيلية
ثم اجتمع الموحدون على بيعة أبي حفص عمر بن أبي إسحاق بن يوسف بن عبد المؤمن فبايعوه ولقب المرتضى وكان بسلا فقدم إلى مراكش
وفي أيامه استولى أبو يحيى بن عبد الحق المريني جد السلطان أبي الحسن على مدينة فاس سنة سبع وأربعين وستمائة واستبد العزفي بسبتة
ثم انتقض على المرتضى قائد حروبه أبو العلاء الملقب بأبي دبوس بن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن ففر منه واجتمع عليه جموع
من الموحدين وقصد مراكش وبها المرتضى فغلبه عليها والتقيا وفر المرتضى إلى أزمور فقبض عليه إليها واعتقله إلى أن ورد أمر أبي دبوس بقتله فقتله واستقل أبو دبوس بالأمر وتلقب الواثق بالله والمعتمد على الله
ثم جمع يعقوب بن عبد الحق وقصد مراكش فخرج إليه أبو دبوس فكانت الهزيمة على أبي دبوس ففر هاربا فأدرك وقتل ودخل يعقوب بن عبد الحق مراكش وملكها سنة ثمان وستين وستمائة وفر مشيخة الموحدين إلى معاقلهم بعد أن كانوا بايعوا عبد الواحد بن أبي دبوس ولقبوه المعتصم فأقام خمسة أيام وخرج في جملتهم وانقرض أمر بني عبد المؤمن ولم يبق للموحدين ملك إلا بأفريقية لبني أبي حفص على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
الطبقة الثامنة ملوك بني عبد الحق من بني مرين القائمون بها إلى الان
وهو عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن محمد بن ورزيز ابن فكوس بن كوماط بن مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن جديح بن فاتن بن بدر بن نجفت بن عبد الله بن ورتبيص بن المعز بن إبراهيم بن رجيك بن واشين بن بصلتن بن مشد بن إكيا بن ورسيك بن أديدت بن جانا وهو زنانهكانت منازل بني مرين ما بين فيكيك إلى صا وملوية وكانت الرياسة فيهم لمحمد بن ورزيز بن فكوس
ولما هلك محمد قام بأمره من بعده ابنه حمامة ثم من بعده أخوه عسكر ولما هلك قام برياسته ابنه المخضب فلم يزل أميرا عليهم إلى أن قتل في حرب
الموحدين في سنة أربعين وخمسمائة
وقام بأمرهم من بعده أبو بكر ابن عمه حمامة بن محمد وبقي حتى هلك
فقام من بعده ابنه محيو ولم يزل حتى أصابته جراحة في بعض الحروب وهو في عداد المنصور بن عبد المؤمن هلك منها بعد مرجعه إلى الزاب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة
وقام برياسته ابنه عبد الحق بن محيو وكان أكبر أولاده وهو الذي تنسب إليه ملوك فاس الان
فأحسن السير في إمارته إلى أن كانت أيام المستنصر يوسف ابن الناصر خامس خلفاء بنى عبد المؤمن فثارت الفتنة بينه وبين بني مرين وكانت بينهم حروب هلك في بعضها عبد الحق بن محيو
ونصب بنو مرين بعده ابنه أبا سعيد عثمان بن عبد الحق وشهرته بينهم ادرغال ومعناه بلغتهم الأعور وقوي سلطانه وغلب على ضواحي المغرب وضرب الإتاوة عليهم وتابعه أكثر القبائل وفرض على أمصار المغرب مثل فاس وتازا وغيرهما ضريبة معلومة في كل سنة على أن يكف الغارة عنهم
ولم يزل على ذلك إلى أن قتله علج من علوجه سنة سبع وثلاثين وستمائة
وقام بأمر بني مرين من بعده أخوه محمد بن عبد الحق فجرى على سنن أخيه في الاستيلاء على بلاد المغرب وضرب الإتاوة على بلاده ومدنه إلى أن كانت أيام السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن فجهز عساكر الموحدين لقتال بني مرين فخرجوا إليهم في جيش كثيف في سنة ثنتين وأربعين وستمائة ودارت الحرب بينهم فكانت الهزيمة على بني مرين وقتل محمد بن عبد الحق
وقام بأمرهم من بعده ابنه أبو يحيى زكريا بن عبد الحق وقسم جبايته ببلاد المغرب في عشائر بني مرين ودارت الحرب بينهم وبين الموحدين إلى
أن مات السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن وانتقل الأمر بعده إلى ابنه عبد الله فضعفت دولة بني عبد المؤمن
واستولى أبو يحيى بن عبد الحق على أكثر بلاد المغرب وقصد فاس وبها بعض بني عبد المؤمن فأناخ عليها وتلطف بأهلها ودعاهم إلى الدعوة الحفصية بأفريقية فأجابوه إلى ذلك وبايعوه خارج باب الفتوح
وتصدى للقيام بأمره ابنه عمر ومال أهل الحل والعقد إلى عمه أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق وكان غائبا بتازا فقدم ثم وقع الصلح بينهما على أن ترك يعقوب الأمر لابن أخيه عمر على أن يكون له تازا وبلادها ثم وقع الخلف بينهما والتقيا فهزم عمر ثم نزل لعمه يعقوب عن الأمر
ودخل إلى قصبة فاس لشهرين من موت السعيد في أول سنة ست وأربعين وستمائة وبايعه أهل تازا وأهل سلا ورباط الفتح واستولى على نواحيها وأقام فيها الدعوة الحفصية واستبد بنو مرين بملك المغرب الأقصى وبنو عبد الواد بملك المغرب الأوسط
وملك سجلماسة سنة ثلاث وخمسين وستمائة من أيدي عامة الموحدين وبقي حتى هلك بفاس في رجب سنة ست وخمسين وستمائة ودفن بمقبرة باب الفتوح
ورحل السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق فدخل فاس مملكا ثم هلك عمر بعد سنة فكفي يعقوب شأنه واستقام سلطانه وأخذ في افتتاح أمصار المغرب
وافتتح أمره باستنقاذ مدينة سلا من أيدي النصارى ثم قصد إلى مراكش فخرج إليه الخليفة المرتضى من بني عبد المؤمن وكانت بينهما حرب هزم فيها المرتضى وقتل وبايع الموحدون أخاه إسحاق ثم قبض عليه سنة أربع وستين وستمائة فقتل فيمن معه وانقرض أمر بني عبد المؤمن من المغرب
ووصل السلطان أبو يوسف إلى مراكش أول سنة ثمان وستين وستمائة
فدخلها وورث ملك الموحدين بها ثم رجع إلى فاس بعد أن استخلف على مراكش في شوال من سنته وشرع في بناء المدينة التي استجدها ملاصقة لمدينة فاس في ثالث شوال سنة أربع وسبعين وستمائة ونزل فيها بحاشيته وذويه وغزا في خلال ذلك النصارى بالأندلس أربع مرات حتى أذعن له شانجة بن أدفونش وسأله في عقد السلم له فعقد له على شروط اشترطها عليه وعاد إلى بلاد المغرب فمرض ومات في اخر المحرم سنة خمس وثمانين وستمائة
وبويع بعده ابنه ولي عهده أبو يعقوب يوسف بن يعقوب فجرى على سنن أبيه في العدل والغزو وأجاز إلى الأندلس وجدد السلم مع شانجة ملك النصارى
وغزا تلمسان مرات وبقي حتى طعنه خصي من خدمه وهو نائم على فراشه فمات سابع ذي القعدة سنة ست وسبعمائة
وبويع بعده ابنه أبو ثابت عامر بن أبي يعقوب يوسف واختلفت عليه النواحي ثم استقام أمره وبقي حتى انتقض عليه عثمان بن أبي العلاء بنواحي طنجة من أقصى الغرب فخرج لقتاله ومرض في طنجة ومات في ثامن صفر سنة سبع وسبعمائة
وبويع بعده أخوه أبو الربيع بن أبي يعقوب يوسف فأحسن السيرة وأجزل الصلات وسار بسيرة ابائه وبقي حتى مات بمدينة تازا في سلخ جمادى الاخرة سنة عشر وسبعمائة ودفن بصحن جامعها
وبويع بعده أخوه أبو سعيد عثمان بن أبي يعقوب يوسف فلما استقام أمره
بالغرب الأقصى سار إلى تلمسان سنة أربع عشرة وسبعمائة فانتزعها من موسى بن عثمان بن يغمراس سلطان بني عبد الواد بها وانتقض عليه محمد بن يحيى العزفي صاحب سبتة فسار إليه في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فأذعن للطاعة وأحضر عبد المهيمن بن محمد الحضرمي من سبتة وولاه ديوان الإنشاء والعلامة
وفي أيامه قصد بطرة وجوان ملك النصارى بالأندلس غرناطة
فاستغاثوا به فأجاز البحر إليهم ولقي عساكر النصارى فهلك بطرة وجوان في المعركة وكانت النصرة للمسلمين
وتوفي في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
وبويع بعده ابنه ولي عهده أبو الحسن علي بن عثمان وهو الذي كان في عصر المقر الشهابي بن فضل الله
وسار إلى تلمسان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فملكها من ابن أبي تاشفين سلطان بني عبد الواد بها بعد أن قتله بقصره
وملك تونس من يد أبي يحيى سلطان الحفصيين بها في جمادى الاخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة واتصل ملكه ما بين برقة إلى السوس الأقصى والبحر المحيط الغربي ثم استرجع الحفصيون تونس بعد ذلك
وملك بعد ذلك سجلماسة قاعدة بلاد الصحراء بالغرب الأقصى وبقي حتى مات في الثالث والعشرين من ربيع الاخر سنة ثنتين وخمسين وسبعمائة بجبل هنتاتة
وبويع بعده ابنه أبو عنان بن أبي الحسن وكان بنو عبد الواد قد استعادوا تلمسان في أيام أبيه فارتجعها منهم في سنة ثلاث وخمسين ونزل له الأمير محمد ابن أبي زكريا صاحب بجاية عنها فانتظمت في ملكه
وملك قسنطينة من الحفصيين بعد ذلك بالأمان
ثم ملك تونس من أيديهم سنة ثمان وخمسين
ورجع
إلى المغرب فارتجع الحفصيون تونس وسائر بلاد أفريقية وبقي حتى توفي في ذي الحجة سنة تسع وخمسين
وكان ابنه أبو زيان ولي عهده فعدل عنه إلى أبنه السعيد بن أبي عنان واستولى عليه الحسن بن عمر وزير أبيه فحجبه في داره واستقل بالأمور دونه
وتغلب أبو حمو سلطان بني عبد الواد على تلمسان فانتزعها من يده في سنة ستين وسبعمائة
ثم خرج على السعيد بن أبي عنان عمه أبو سالم إبراهيم بن أبي الحسن وكان بالأندلس فجاء إليه بالأساطيل واجتمع إليه العساكر ووصل إلى فاس وخلع الحسن بن عمر سلطانه السعيد عن الأمر وأسلمه إلى عمه أبي سالم وخرج إليه فبايعه ودخل فاس في منتصف شعبان سنة ستين وسبعمائة واستولى على ملك المغرب وقصد تلمسان فأجفل عنها أبو حمو سلطان بني عبد الواد فدخلها بالأمان في رجب سنة إحدى وستين وسبعمائة فأقر بملكها حفيدا من أحفاد بني عبد الواد يقال له أبو زيان ورجع إلى فاس في شعبان من سنته
وعاد أبو حمو إلى تلمسان فملكها من أبي زيان
وبنى إيوانا فخما بفاس بجانب قصره وانتقل إليه وفوض أمر القلعة إلى عمر بن عبد الله بن علي من أبناء وزرائهم فعمد إلى أبي عمر تاشفين الموسوس ابن السلطان أبي الحسن فأجلسه على أريكة الملك وبايعه في ذي القعدة سنة ثنتين وستين وسبعمائة
وأفاض العطاء في الجند
وأصبح السلطان أبو سالم فوجد الأمر على ذلك ففر بنفسه فأرسل عمر بن عبد الله بن علي في أثره من قبض عليه واحتز رأسه وأتى بها إلى فاس
ثم أنكر أهل الدولة على عمر بن عبد الله ما وقع منه من نصب أبي عمر المذكور لضعف عقله فأعمل فكره فيمن يصلح للملك فوقع رأيه على أبي
زيان محمد ابن الأمير عبد الرحمن ابن السلطان أبي الحسن
وكان قد فزع إلى ملك النصارى بإشبيلية من الأندلس فأقام عنده خوفا من السلطان أبي سالم فبعث إليه من أتى به وخلع أبا عمر من الملك وبعث إليه بالالة والبيعة من تلقاه بطنجة
ورحل إلى فاس في منتصف شهر صفر سنة ثلاث وستين وسبعمائة ودخل إلى قصر الملك فأقام به والوزير عمر بن عبد الله مستبد عليه لا يكل إليه أمرا ولا نهيا وحجره من كل وجه فثقل ذلك على السلطان أبي زيان وأمر بعض أصحابه في الفتك بالوزير عمر فبلغ الخبر الوزير فدخل على السلطان من غير إذن على ما كان اعتاده منه وألقاه في بئر وأظهر للناس أنه سقط عن ظهر فرسه وهو ثمل في تلك البئر
واستدعى من حينه عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن من بعض الدور بالقلعة فحضر القصر وجلس على سرير الملك ودخل عليه بنو مرين فبايعوه وكمل أمره وذلك في المحرم سنة ثمان وستين وسبعمائة واستبد عليه كما كان مستبدا على من قبله فحجره ومنعه من التصرف في شيء من أمره ومنع الناس أن يسألوه في شيء من أمورهم فثقل ذلك عليه غاية الثقل وأكنه في نفسه إلى أن استدعاه يوما فدخل عليه القصر وكان قد أكمن له رجالا بالقصر فخرجوا عليه وضربوه بالسيوف حتى مات
واستقل السلطان عبد العزيز بملكه وقصد تلمسان فملكها من يد أبي حمو سلطان بني عبد الواد بالأمان بعد إجفال أبي حمو عنها
ودخلها يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة
وارتحل عنها اخر المحرم إلى الغرب ووصل إلى فاس ثم عاد إلى تلمسان وخرج منها يريد المغرب فمرض ومات في الثاني والعشرين من ربيع الاخر سنة أربع وسبعين وسبعمائة
وبويع بعده ابنه سعيد بن عبد العزيز وهو طفل وقام بأمره وزيره أبو بكر بن غازي ورجعوا به إلى المغرب ودخل إلى فاس وجددت له البيعة بها واستبد عليه الوزير أبو بكر وحجره عن التصرف في شيء من أمره لصغره
ورجع أبو حمو سلطان بني عبد الواد إلى تلمسان فملكها في جمادى سنة أربع وسبعين وسبعمائة
وخرج عليه أبو العباس أحمد بن أبي سالم وكان بالأندلس فأجاز البحر وسار إلى فاس فملكها
ودخلها أول المحرم سنة ست وسبعين وسبعمائة واستقل بملك المغرب وكان ذلك بموالاة ابن الأحمر صاحب الأندلس فاتصلت بينهما بذلك الصحبة وتأكدت المودة وتخلى عن مراكش لعبد الرحمن وكان بينهما صلح وانتقاض تارة وتارة وقصد تلمسان فملكها من أبي حمو بعد فراره عنها وأقام بها أياما وهدم أسوارها وخرج منها في أتباع أبي حمو
وخالفه السلطان موسى ابن عمه أبي عنان إلى فاس فملكها ونزل دار الملك بها في ربيع الأول سنة ست وثمانين وسبعمائة وقدم السلطان أبو العباس إلى فاس فوجد موسى ابن عمه قد ملكها ففر عنها إلى تازا ثم أرسل إلى السلطان موسى بالطاعة والإذعان فأرسل من أتى به إليه فقيده وبعث به إلى الأندلس واستقل السلطان موسى بملك المغرب وتوفي لثلاث سنين من خلافته
وبويع بعده المنتصر ابن السلطان أبي العباس فلم يلبث أن خرج عليه الواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن من الأندلس فسار إلى فاس ودخلها وحل بدار الملك بها وبويع في شوال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
وبعث المنتصر إلى أبيه أبي العباس بالأندلس فأجاز السلطان أبو العباس من الأندلس إلى سبتة فملكها في صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة ثم استنزله عنها ابن الأحمر صاحب الأندلس وانتظمها في ملكه ثم ظهرت دعوة السلطان أبي العباس بمراكش واستولى جنده عليها ثم سار إليها ابنه المنتصر وملكها وسار السلطان أبو العباس إلى فاس فملكها ودخل البلد الجديد بها خامس رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة لثلاثة أعوام وأربعة أشهر من خلعه وبعث بالواثق إلى الأندلس ثم أمر بقتله فقتل في طريقه بطنجة
وكان أبو حمو صاحب تلمسان قد مات واستولى عليها بعده ابنه أبو تاشفين قائما بدعوة أبي العباس صاحب فاس ومات أبو تاشفين وأقيم ابنه طفلا فيها ثم قتله عمه يوسف بن أبي حمو وجهز السلطان أبو العباس ابنه أبا فارس عثمان فملكها وأقام فيها دعوة أبيه وتوفي السلطان أبو العباس بمدينة تازا في المحرم سنة ست وتسعين وسبعمائة واستدعوا ابنه أبا فارس فبايعوه بتازا ورجعوا به إلى فاس وأطلقوا أبا زيان بن أبي حمو من الاعتقال وبعثوا به إلى تلمسان
وبقي أبو فارس في مملكة الغرب إلى الان وهو السلطان أبو فارس عثمان ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن علي ابن السلطان أبي سعيد عثمان ابن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق
المقصد الرابع في بيان ترتيب هذه المملكة وفيه تسع عشر جمل
الجملة الأولى في ذكر الجند وأرباب الوظائف من أرباب السيوف والأقلام
ومقادير الأرزاق الجارية عليهم وزي السلطان وترتيب حاله في الملكأما الجند فأشياخ كبار وأشياخ صغار وهم القائمون مقام الأمراء الطبلخانات بمصر على ما تقدم في أفريقية ولا يعرف بها أمير له عدة كما بمصر والشام وإيران ولا يطلق اسم الإمرة عندهم على أحد من الجند بحال
ثم بعد الأشياخ عامة الجند من الأندلسيين وغيرهم والعلوج من الفرنج على ما تقدم في مملكة أفريقية من غير فرق في الترتيب والوزراء والقضاة وأرباب الوظائف على نحو ما تقدم في أفريقية
الجملة الثانية في زي السلطان والأشياخ وأرباب الوظائف في اللبس
أما زي السلطان والأشياخ وعامة الجند فإنهم يتعممون بعمائم طوال قليلة العرض من كتان ويعمل فوقها إحرامات يلفونها على أكتافهم ويتقلدون السيوف تقليدا بدويا ويلبسون الخفاف في أرجلهم وتسمى عندهم الأنمقة كما في أفريقية ويشدون المهاميز فوقها ويتخذون المناطق وهي الحوائص ويعبرون عنها بالمضمات من فضة أو ذهب
وربما بلغت كل مضمة منها ألف مثقال ولكنهم لا يشدونها إلا في يوم الحرب أو يوم التمييز وهو يوم عرضهم على السلطان
ويختص السلطان بلبس البرنس الأبيض الرفيع لا يلبسه ذو سيف غيره
أما العلماء وأهل الصلاح فإنه لا حرج عليهم في ذلك ولا حرج في غير الملون البيض من البرانس على أحد
وأما زي القضاة والعلماء والكتاب وعامة الناس فقريب من لبس الجند
إلا أن عمائمهم خضر ولا يلبس أحد منهم الأنمقة وهي الأخفاف في الحضر ولا يمنع أحد منهم من لبسها في السفر
الجملة الثالثة في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على اهل دولته
أما رزق الأجناد ففي مسالك الأبصار عن السلايحي أن للأشياخ الكبار الإقطاعات الجارية عليهم لكل واحد منهم في كل سنة عشرون ألف مثقال من الذهب يأخذها من قبائل وقرى وضياع وقلاع ويتحصل له من القمح والشعير والحبوب من تلك البلاد نحو عشرين ألف وسقولكل واحد مع الإقطاع الإحسان في رأس كل سنة وهو حصان بسرجه ولجامه وسيف ورمح محليان وسبنية وهي بقجة قماش فيها ثوب طرد وحش مذهب سكندري ويعبرون عن هذا الثوب بالزردخاناه وثوبان بياض من الكتان عمل أفريقية
وإحرام وشاش طوله ثمانون ذراعا وقصبتان من ملف وهو الجوخ
وربما زيد الأكابر على ذلك وربما نقص من هو دون هذه الرتبة
وللأشياخ الصغار من الإقطاع والإحسان نصف ما للأشياخ الكبار مع الحصان المسرج الملجم والسيف والرمح والكسوة ومنهم من لايلحق هذه الرتبة فيكون أنقص
ومن عدا الأشياخ من الجند على طبقات فالمقربون إلى السلطان يكون لكل واحد منهم ستون مثقالا من الذهب في كل شهر وقليل ما هم ومن دون ذلك يكون له في الشهر ثلاثون مثقالا ثم ما دونها إلى أن يتناهى إلى أقل الطبقات وهي ستة مثاقيل في كل شهر
وليس لأحد منهم بلد ولا مزدرع
وأما قاضي القضاة فله في كل يوم مثقال من الذهب وله أرض يسيرة يزرع بها ما تجيء منه مؤونته وعلق دوابه
وأما كاتب السر فله في كل يوم مثقالان من الذهب وله محيران يعني قريتين يتحصل له منهما متحصل جيد مع رسوم كثيرة له على البلاد ومنافع وإرفاقات ولكل واحد من كاتب السر وقاضي القضاة في كل سنة بغلة بسرجها ولجامها وسبنية قماش برسم كسوته كما للأشياخ
الجملة الرابعة في جلوس السلطان في كل يوم
قال السلايحي من عادة سلطانهم أن يجلس في بكرة كل يوم ويدخل عليه الأشياخ الكبار فيسلموا عليه فيمد لهم السماط ثرائد في جفان حولها طوافير وهو المخافي فيها أطعمة ملونة منوعة ومع ذلك الحلوى بعضها مصنوع بالسكر ومعظمها مصنوع بالعسل والزيت فيأكلون ثم يتفرقون إلى أماكنهم
وربما ركب السلطان بعد ذلك والعسكر معه وقد لا يركب
أما أخريات النهار فإن الغالب أن يركب بعد العصر في عسكره ويذهب إلى نهر هناك ثم يخرج إلى مكان فسيح من الصحراء فيقف به على نشز من الأرض وتتطارد الخيل قدامه وتتطاعن الفرسان وتتداعى الأقران وتمثل الحرب لديه وتقام صفوفها على سبيل التمرين حتى كأنها يوم الحرب حقيقة ثم يعود في موكبه إلى قصره وتتفرق العساكر وتحضر العلماء وفضلاء الناس وأعيانهم إلى محاضرته حينئذ فيمد لهم سماط بين يديه فيأكلون ويؤاكلهم
ثم يأخذ كاتب السر في قراءة القصص والرقاع والكلام في المهمات ويبيت عنده من يسامره من الفضلاء في بعض الليالي وربما اقتضت الحال مبيت كاتب السر فيبيت عنده
الجملة الخامسة في جلوسه للمظالم
قال السلايحي قد جرت عادة من له ظلامة أن يرتقب السلطان في ركوبه في موكبه يعني يوم جلوسه للمظالم فإذا اجتاز به السلطان صاح من بعد لا إله إلا الله انصرني نصرك الله فتؤخذ قصته وتدفع لكاتب السر فإذا عاد جلس في قبة معينة لجلوسه ويجلس معه أكابر أشياخه مقلدين السيوف ويقف من دونهم على بعد مصطفين متكئين على سيوفهم ويقرأ كاتب السر قصص أصحاب المظالم وغيرها فينظر فيها بما يراهالجملة السادسة في شعار السلطان بهذه المملكة
منها علم أبيض حرير مكتوب فيه بالذهب نسيجا بأعلى دائره ايات من القران يسمونه العلم المنصور كما في أفريقيةوربما عبر عنه هؤلاء بسعد الدولة يحمل بين يديه في المواكب
ومنها أعلام دونه مختلفة الألوان تحمل معه أيضا
ومنها سيف ورمح ودرقة
يحملن بين يديه في المواكب أيضا يحملها ثلاثة من خاصته من وصفانه أو من أبناء خدم سلفه
ومنها أطبار تحمل حوله
ويعبرون عنها بالطبرزينات يحملها أكابر قواد علوجه من الفرنج ورجال من الأندليسين خلفه وقدامه
ومنها رماح طوال وقصار
يحملها خمسون رجلا مشاة بين يديه مشدودي الأوساط بيد كل واحد منهم رمحان رامح طويل ورمح قصير وهو متقلد مع ذلك بسيف
ومنها الجنائب
وهي خيل تقاد أمامه عليها سروج مخروزة بالذهب كالزركش وركبها ذهب كل ركاب زنته ألف دينار وعليها ثياب سروج من الحرير مرقومة بالذهب ويعبرون عن الجنائب بالمقادات وعن ثياب السروج بالبراقع
ومنها الطبول تدق خلف ساقته وهي من خصائص السلطان ليس لأحد من الناس أن يضرب طبلة غيره حتى يمنع من ذلك أصحاب الحلق
ومنها البوقات مع الطبل على العادة
الجملة السابعة في ركوبه لصلاة العيد
قال السلايحي وفي ليلة العيدين ينادي والي البلد في أهلها بالمسير ويخرج أهل كل سوق ناحية ومع كل واحد منهم قوس أو الة سلاح متجملين بأحسن الثياب ويبيت الناس تلك الليلة أهل كل سوق بذاتهم خارج البلد ومع أهل كل سوق علم يختص بهم عليه رنك أهل تلك الصناعة بما يناسبهمفإذا ركب السلطان بكرة اصطفوا صفوفا يمشون قدامه ويركب السلطان ويركب العسكر معه ميمنة وميسرة والعلوج خلفه ملتفون به والأعلام منشورة وراءه والطبول خلفها حتى يصلي ثم يعود فينصرف أرباب الأسواق إلى بيوتهم ويحضر طعام السلطان خواصه وأشياخه
الجملة الثامنة في خرو ج السلطان للسفر
من عادة هذا السلطان إذا سافر أن يخرج من قصره وينزل بظاهر بلده ثم يرتحل من هناك فيضرب له طبل كبير قبيل الصبح إشعارا بالسفر فيتأهب الناس ويشتغل كل أحد بالاستعداد للرحيلفإذا صلى صلاة الصبح ركب الناس على قبائلهم في منازلهم المعلومة ووقفوا في طريق السلطان صفا إلى صف ولكل قبيل رجل علم معروف به ومكان في الترتيب لا يتعداه فإذا صلى السلطان الصبح قعد أمام الناس ودارت عليه عبيده ووصفانه ونقباؤه ويجلس ناس حوله يعرفون بالطلبة يجري عليهم ديوانه يقرأون حزبا من القران ويذكرون شيئا من الحديث النبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام
فإذا أسفر الصبح ركب وتقدم أمامه العلم الأبيض المعروف بالعلم المنصور وبين يديه الرجالة بالسلاح والخيل المجنوب ة بثياب السروج الموشية ويعبرون عن ثياب السروج بالبراقع
وإذا وضع السلطان رجله في الركاب ضرب على طبل كبير يقال له تريال ثلاث ضربات إشعارا بركوبه
ثم يسير السلطان بين صفي الخيل ويسلم كل صف عليه بأعلى صوته سلام عليكم ويكتنفانه يمينا وشمالا وتضرب جميع الطبول التي تحت البنود الكبار الملونة خلف الوزير على بعد من السلطان ولا يتقدم أمام العلم الأبيض إلا من يكون من خواص علوج السلطان وربما أمرهم بالجولان بعضهم على بعض ثم ينقطع ضرب الطبول إلى أن يقرب من المنزل
وإذا ركب السلطان لا يسايره إلا بعض كبار الأشياخ من بني مرين أو بعض عظماء العرب وإذا استدعى أحدا لا يأتيه إلا ماشيا ثم ربما حدثه وهو يمشي وربما أكرمه فأكرمه بالركوب
فإذا قرب السلطان من المنزل تقدمت الزمالة وهم الفراشون ويضربون شقة من الكتان في قلبها جلود يقوم بها عصي وحبال من القصب في أوتاد وتستدير على كثير من الأخبية وبيوت الشعر الخاصة به وبعياله وأولاده الصغار تكون هذه الشقة كالمدينة لها أربعة أبواب في كل جهة باب
وهذه الشقة هي المعبر عنها في الديار المصرية بالحوش ويحف به عبيده وعلوجه ووصفانه ويضرب للسلطان أمام ذلك قبة كبيرة مرتفعة من كتان تسمى قبة الساقة لجلوس الناس فيها وحضورهم عنده بها وهذه هي التي تسمى بمصر المدورة
وإذا عاد السلطان إلى حضرة ملكه ضربت البشائر سبعة أيام وأطعم الناس طعاما شاملا في موضع يسع كافتهم
الجملة التاسعة في مقدار عسكر هذه المملكة
قال في مسالك الأبصار سألت أبا عبد الله السلايحي عن عدة هذا العسكر في سلطنة أبي الحسن المريني وكان ابن جرار قد قال إن عسكره مائة ألف وأربعون ألفا فقال الذي نعرفه قبل فتحه تلمسان أن جريدته المثبتة في ديوانه لا تزيد على أربعين ألف فارس غير حفظة المدن والسواحل إلا أنه يمكنه إذا استجاش لحرب عليه أن يخرج في جموع كثيرة لا تكاد تنحصر وأنه يمكن ان يكون قد زاد عسكره بعد فتح تلمسان مثل ذلكالجملة العاشرة في مكاتبات السلطان
قال في مسالك الأبصار جرت العادة أنه إذا إ نتهى الكاتب إلى اخر الكتاب وكتب تاريخه كتب السلطان بخطه في اخره ما صورته وكتب في التاريخ المؤرخ به ونقل عن السلايحي أن ذلك مما أحدثه أبو حفص عمر المريني عم السلطان أبي الحسن في سلطنته وتبعه السلطان أبو الحسن على ذلك مع وثوقه بكاتب سره حينئذ الفقيه الفاضل أبي محمد عبد المهيمن بن الحضرمي واعتماده عليه ومشاركته له في كل أمره
المملكة الخامسة من بلاد المغرب جبال البربر
قال في مسالك الأبصار في جنوب الغرب بين مملكة بر العدوة وبين بلاد مالي وما معها من بلاد السودان ثلاثة ملوك من البربر بيض مسلمون وهم سلطان أهير وسلطان دمونسة وسلطان تادمكة كل واحد منهم ملك مستقل بنفسه لا يحكم أحد منهم على الاخر وأكبرهم ملك أهير وزيهم نحو زي المغاربة يلبسون الدراريع إلا أنها أضيق وعمائم بأحناك وركوبهم الإبل ولا خيل عندهم ولا للمريني عليهم حكم ولا لصاحب مالي ولا خبز عندهم وعيشهم عيش أهل البر من اللحم واللبن أما الحبوب عندهم فقليلة وهم في قلة أقواتونقل عن الشيخ عيسى الزواوي أن لهم جبالا عامرة كثيرة الفواكه
وذكر أن ما بأيدي الثلاثة تقدير نصف ما لملك مالي من ملوك السودان أو أرجح بقليل ولكن صاحب مالي أكثر في تحصيل الأموال لا ستيلائه على بلاد الذهب وما يباع بمملكته من السلع وما يغنمه في الغزوات من بلاد الكفار لمجاورته لهم بخلاف هؤلاء فإنه ليس لهم يد تمتد إلى كسب بل غالب أرزاقهم من دوابهم
ثم قال ودون هؤلاء فيما بينهم وبين مراكش من بلاد المغرب جبال المصامدة وهم خلق لا يعد وأمم لا تحصى وهم يفتخرون بالشجاعة والكرم
ثم ذكر أنهم كانوا لا يدينون لسطان إلا أنهم دانوا للسلطان أبي الحسن المريني ودخلوا تحت ذيل طاعته على أنهم لا يملكون أحدا قيادهم ولا يسلمون إليه بلادهم
وبكل حال فهم معه بين صحة واعتلال
المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس
قال في تقويم البلدان بفتح الألف والدال المهملة وسكون النون بينهما وضم اللام ثم سين مهملةوهي مقابل بر العدوة من بلاد المغرب وبينهما بحر الزقاق الذي هو فم بحر الروم وقد تقدم ذكره في الكلام على الأبحر في أول هذه المقالة
وقد اختلف في سبب تسمية الأندلس بهذا الاسم فقيل ملكته أمة بعد الطوفان يقال لها الأندلش بالشين المعجمة فسمي بهم ثم عرب بالسين المهملة وقيل خرج من رومة ثلاثة طوالع في دين الروم يقال لأحدهم القندلش بالقاف في أوله وبالشين المعجمة في اخره فنزل القندلش هذه الأرض فعرفت به ثم عربت بإبدال القاف همزة والشين المعجمة سينا مهملة
ويقال إن اسمه القديم أفارية ثم سمي باطقة ثم سمي أشبانية ثم سمي الأندلس بأسم الأمة المذكورة
قال في تقويم البلدان وسميت جزيرة لإحاطة البحر بها من الشرق والغرب والجنوب وإن كان جانبه الشمالي متصلا بالبر كما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى
وفيه ست جمل
الجملة الأولى في ذكر سمك أرضه وحدوده
قال في تقويم البلدان وجزيرة الأندلس على شكل مثلث ركن جنوبي غربي وهناك جزيرة قادس وفم بحر الزقاقوركن شرقي بين طركونة وبين
برشلونة وهي في جنوبيه وبالقرب منه بلنسية وطرطرشة وجزيرة ميورقة
وركن شمالي بميلة إلى البحر المحيط حيث الطول عشر درجات ودقائق والعرض ثمان وأربعون
وهناك بالقرب من الركن المذكور مدينة شنتياقوه وهي على البحر المحيط في شمالي الأندلس وغربيها
قال والضلع الأول من الركن الجنوبي الغربي وهو الذي عند جزيرة قادس إلى الركن الشرقي الذي عند ميورقة وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الجنوبي الممتد على بحر الزقاق
والضلع الثاني من الركن الشرقي المذكور إلى الركن الشمالي الذي عند شنتياقوه وهذا الضلع هو حد الأندلس الشمالي ويمتد على الجبل المعروف بجبل البرت الحاجز بين الأندلس وبين أرض تعرف بالأرض الكبيرة وعلى ساحل الأندلس الممتد على بحر برديل والضلع الثالث من الركن الشمالي المذكور إلى الركن الجنوبي المقدم الذكر وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الغربي الممتد على البحر المحيط
قال ابن سعيد قال الحجاري وطول الأندلس من جبل البرت الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيرة وهو نهاية الأندلس الشرقية إلى أشبونة وهي في نهاية الأندلس الغربية ألف ميل وعرض وسطه من بحر الزقاق إلى البحر المحيط عند طليطلة وجبل البرت ستة عشر يوما
قال في تقويم البلدان وقد قيل إن طوله غربا وشرقا من أشبونة وهي في غرب الأندلس إلى أربونة وهي في شرق الأندلس مسيرة ستين يوما وقيل شهر ونصف
وقيل شهر قال وهو الأصح
واعلم أن جبل البرت المقدم ذكره متصل من بحر الزقاق إلى البحر المحيط وطوله أربعون ميلا وفيه أبواب فتحها الأوائل حتى صار للأ ندلس طريق في البر من الأرض الكبيرة وقبل فتحها لم يكن للأندلس من الأرض الكبيرة طريق
وفي وسط الأندلس جبل ممتد من الشرق إلى الغرب يقال له جبل الشارة يقسمه بنصفين نصف جنوبي ونصف شمالي
الجملة الثانية فيما اشتمل عليه من المدن
وهو يشتمل على عدة قواعد ومضافاتهاالقاعدة الأولى غرناطة
قال في تقويم البلدان بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح النون وألف وطاء مهملة وهاء في الاخرويقال أغرناطة بهمزة مفتوحة في أولها
وهي مدينة في جنوب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
قال في تقويم البلدان ومملكتها في الجنوب والشرق عن مملكة قرطبة وبينها وبين قرطبة نحو خمسة أيام
قال وغرناطة في نهاية الحصانة وغاية النزاهة تشبه دمشق من الشام وتفضل عليها بأن مدينتها مشرفة على غوطتها وهي مكشوفة من الشمال وأنهارها تنصب من جبل الثلج الذي هو من جنوبيها وتتخرق فيها وعليها الأرحي داخل المدينة ولها أشجار وثمار ومياه مسيرة يومين تقع تحت مرأى العين لا يحجبها شيء
قال في مسالك الأبصار ولها ثلاثة عشر بابا باب إلبيرة وهو أضخمها وباب الكحل وباب الرخاء وباب المرضى وباب المصرع وباب الرملة وباب الدباغين وباب الطوابين وباب الفخارين وباب الخندق وباب الدفاف وباب البنود وباب الأسدر
وحولها أربعة أرباض ربض الفخارين وربض الأجل وهو كثير القصور والبساتين وربض البيازين بناحية باب الدفاف وهو كثير العمارة يخرج منه نحو خمسة عشر ألف مقاتل وهو ربض مستقل بحكامه وقضاته وغير ذلك
وجامعها من أبدع الجوامع وأحسنها منظرا وهو محكم البناء لا يلاصقه بناء تحف به دكاكين الشهود والعطارين وقد قام سقفه على أعمدة حسان والماء يجري داخله ومساجدها ورباطاتها لا تكاد تحصى لكثرتها
وذكر في مسالك الأبصار أنها قليلة مهب الرياح لا تجري بها الريح إلا نادرا لاكتناف الجبال إياها
ثم قال وأصل أنهارها نهران عظيمان شنيل وحدره
أما شنيل فينحدر من جبل شكير بجنوبيها ويمر على غربي غرناطة إلى فحصها يشق فيها أربعين ميلا بين بساتين وقرى وضياع كثيرة البيوت والغلال وأبراج الحمام وغير ذلك
قال وينتهي فحصها إلى لوشة حيث أصحاب الكهف على قول وجبل شكير المذكور هو طود شامخ لا ينفك عنه الثلج شتاء ولا صيفا فهو لذلك شديد البرد ويؤثر برده بغرناطة في الشتاء لقربه منها إذ ليس بينه وبينها سوى عشرة أميال
وفي ذلك يقول ابن صدرة الشاعر قاتله الله
( أحل لنا ترك الصلاة بأرضكم ... وشرب الحميا وهو شيء محرم )
( فرارا إلى نار الجحيم لأنها ... أرق علينا من شكير وأرحم ! )
( لئن كان ربي مدخلي في جهنم ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم ! ) - طويل -
وأما حدره فينحدر من جبل بناحية وادياش شرقي شكير فيمر بين
بساتين ومزارع وكروم إلى أن ينتهي إلى غرناطة فيدخلها على باب الدفاف بشرقيها يشق المدينة نصفين تطحن به الأرحاء بداخلها وعليه بداخلها خمس قناطر وهي قنطرة ابن رشيق وقنطرة القاضي وقنطرة حمام جاس والقنطرة الجديدة وقنطرة الفود وعلى القناطر سواق ومبان محكمة
والماء يجري من هذا النهر في جميع البلد في أسواقه وقاعاته ومساجده يبرز في أماكن على وجه الأرض وتخفى جداوله تحتها في الأكثر وحيث طلب الماء وجد وبالمدينة جبلان يشقان وسطها يعرف أحدهما بالخزة وموزور
والثاني بالقصبة القديمة وبالز
وبهما دور حسان وعلالي مشرفة على فحصها فيرى منهما منظرا بديعا من فروع الأنهار والمزدرعات وغير ذلك مما يقصر عنه التخييل والتشبيه
وقد صارت قاعدة ملك الإسلام بالأندلس بيد ملوكها من بني الأحمر الاتي ذكرهم في الكلام على ملوكها
قال في مسالك الأبصار وبها الفواكه التفاح والقراصيا البعلبكية التي لا تكاد توجد في الدنيا منظرا وحلاوة حتى إنها ليعصر منها العسل
وبها الحوز والقسطل والتين والأعناب والخوخ والبلوط وغير ذلك
وبجبل شكير المقد م ذكره عقاقير الهند وعشب يستعمل في الأدوية يعرفها الشجارون لا توجد في الهند ولا في غيره
قال في التعريف ومقر سلطانها منها القصبة الحمراء قال ومعنى القصبة عندهم القلعة وتسمى حمراء غرناطة
قال في تقويم البلدان وهي قلعة عالية شديدة الامتناع
قال في مسالك الأبصار وهي بديعة متسعة كثيرة المباني الضخمة والقصور ظريفة جدا يجري بها الماء تحت بلاط كما يجري في المدينة فلا يخلو منه مسجد ولا بيت وبأعلى برج منها عين ماء وجامعها من أبدع الجوامع حسنا وأحسنها بناء وبه الثريات الفضية معلقة وبحائط محرابه أحجار ياقوت مرصفة في جملة مانمق به من الذهب والفضة ومنبره من العاج
والابنوس
قال في تقويم البلدان في الكلام على الأندلس ولم يبق للمسلمين بها غير غرناطة وما أضيف إليها مثل الجزيرة الخضراء والمرية
قال في مسالك الأبصار وطولها عشرة أيام وعرضها ثلاثة أيام
وهي ممتدة على بحر الزقاق وما يلي ذلك
ثم قال وأولها من جهة المشرق المرية وهي أول مراسي البلاد الإسلامية
قال في تقويم البلدان وكانت القاعدة قبل غرناطة حصن إلبيرة فخرب في زمن الإسلام وصارت القاعدة غرناطة
وقد عد في مسالك الأبصار من هذه المملكة عدة بلاد مضافة إلى مملكة غرناطة الان
منها المرية قال في المشترك بفتح الميم وكسر الراء المهملة وتشديد المثناة من تحت وفي اخرها هاء
وهي مدينة بين مملكتي مالقة ومرسية موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول أربع عشرة درجة والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتان وأربعون دقيقة
قال وهي مدينة مسورة على حافة الزقاق وهي باب الشرق ومفتاح الرزق ولها بر فضي وساحل تبري وبحر زبرجدي وأسوارها عالية وقلعتها منيعة شامخة وهواؤها معتدل ويعمل بها من الحرير ما يفوق الجمال
قال في مسالك الأبصار والمرية ثلاث مدن
الأولى من جهة الغرب تعرف بالحوض الداخلي
لها سور محفوظ من العدو بالسمار والحراس ولا عمارة فيها ويليها إلى الشرق المدينة القديمة وتليها المدينة الثالثة المعروفة بمصلى المرية وهي أكبر الثلاث
ولها قلعة بجوار القديمة من جهة الشمال وتسمى القصبة في عرفهم
قال وهما قصبتان في غاية الحسن والمنعة
وساحل المرية أحسن السواحل وحولها حصون وقرى كثيرة وجبال شامخة
وجامعها الكبير بالمدينة القديمة وهو من بديع الجوامع
وهي مدينة كثيرة الفواكه
وأكثر زرعها بالمطر وعليه يترتب الخصب وعدمه وإليها تجلب الحنطة من بر العدوة وبها دار صناعة لعمارة المراكب وبينها وبين
غرناطة مسيرة ثلاثة أيام
وكانت في الزمن الأول قبل إضافتها إلى غرناطة مملكة مستقلة
ويقال إن وادي المرية من أبدع الأودية على أن ماءه يقل في الصيف حتى يقسط على البساتين
قال في مسالك الأبصار وعلى وادي المرية بجانة
قال وهي الان قرية عظيمة جدا ذات زيتون وأعناب وفواكه مختلفة وبساتين ضخمة كثيرة الثمرات
ومنها شلوبين بفتح الشين المعجمة وضم اللام وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الاخر
وسماها في تقويم البلدان شلوبينية
ثم قال وهو من حصون غرناطة البحرية على بحر الزقاق ومنه أبو علي عمر بن محمد الشلوبيني إمام نحاة المغرب
قال صاحب حماة وقد غلط من قال الشلوبيني هو الأشقر بلغة الأندلس
قال في مسالك الأبصار وبها يزرع قصب السكر وهي معدة لإرسال من يغضب عليه السلطان من أقاربه
ومنها المنكب
قال في مسالك الأبصار وهي مدينة على القرب من شلوبين دون المرية بها دار صناعة لإنشاء السفن وبها قصب السكر ومنها يحمل السكر إلى البلاد وبها الموز ولا يوجد في بلد من البلاد الإسلامية هنالك إلا بها إلا مالا يعتبر وبها زبيب مشهور الاسم
ومنها بلش
وهي مدينة تلي المنكب من جهة الغرب كثيرة التين والعنب والفواكه
قال أبو عبد الله بن السديد ليس بالأندلس أكثر عنبا وتينا يابسا منها
ومنها مالقة قال في تقويم البلدان بفتح الميم وألف وكسر اللام
وفتح القاف وهاء في الاخر
وهي مدينة من جنوب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
وقياس ابن سعيد أنها حيث الطول عشر درج وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وأربع وخمسون دقيقة وكانت في القديم مملكة مستقلة ثم أضيفت الان إلى غرناطة وملكها حتى مملكة قرطبة وهي بين مملكتي إشبيلية وغرناطة وهي على بحر الزقاق وبها الكثير من التين واللوز الحسن المنظر
ومنها ينقل يابسا إلى جميع الأندلس
قال في مسالك الأبصار ولها ربضان عامران أحدهما من علوها والاخر من سفلها وجامعها بديع وبصحنه نارنج ونخلة نابتة وبها دار صناعة لإنشاء المراكب وهي مختصة بعمل صنائع الجلد كالأغشية والحزم والمدورات وبصنائع الحديد كالسكين والمقص ونحوهما
وبها الفخار المذهب الذي لا يوجد مثله في بلد
قال ابن السديد وبها سوق ممتد لعمل الخوص من الأطباق وما في معناها ولها عدة حصون في أعمالها وفي أعمالها يوجد الحرير الكثير
ومنها مدينة مربلة بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الباء الموحدة وفتح اللام المشددة وهاء في الاخر
وهي مدينة صغيرة مما يلي مالقة من الغرب على الساحل وبها الفواكه الكثيرة والسمك
ومنها أشبونة
وهي مما يلي مربلة من جهة الغرب على الساحل وهي نظيرها في كثرة الفواكه
ومنها جبل الفتح
وهو الذي نزله طارق عند فتح الأندلس في أول الإسلام منيع جدا يخرج في بحر الزقاق ستة أميال وهو أضيق ما يكون عنده وقد كان هذا الجبل في مملكة الفرنج وأقام بيدهم عدة سنين ثم أعاده الله تعالى إلى المسلمين في أيام السلطان أبي الحسن المريني صاحب الغرب الأقصى في
زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية
ومنها الجزيرة الخضراء
وهي مما يلي جبل الفتح من الغرب على الساحل وموقعها في الأقليم الرابع من الإقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول تسع درج والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال وهي مدينة أمام سبتة من بر العدوة من بلاد الغرب
وهي مدينة طيبة نزهة توسطت مدن الساحل وأشرفت بسورها على البحر ومرساها من أحسن المراسي للجواز وأرضها أرض زرع وضرع وخارجها المياه الجارية والبساتين النضيرة ونهرها يعرف بوادي العسل وعليه مكان نزه يشرف عليه وعلى البحر يعرف بالحاجبية ومن مستنزهاتها مكان يعرف بالنقاء
قال ابن سعيد وهي من أرشق المدن وأطيبها وأرفقها بأهلها وأجمعها لخير البر والبحر
قال في المشترك والنسبة إليها جزيري للفرق بينها وبين إقليم الجزيرة فإنه ينسب إليه جزري
قال في مسالك الأبصار وهي اخر البلاد البحرية الإسلامية للأندلس وليس بعدها لهم بلاد
ثم قال وهي الان بيد النصارى أعادها الله تعالى وقصمهم وقد عدها في تقويم البلدان من كور إشبيلية مما يلي جانب نهرها من الجنوب
ومنها رندة بضم الراء وسكون النون وفتح الدال المهملة وهاء في الاخر
وهي بعيدة عن البحر
وعدها في تقويم البلدان من كور إشبيلية
ثم قال وبها معقل تعمم بالسحاب وتوشح بالأنهار العذاب وذكر أنها من كبار البلدان ثم قال وهي بلدة جليلة كثيرة الفواكه والمياه والحرث والماشية وأهلها موصوفون بالجمال ورقة البشرة واللطافة وبينها وبين الجزيرة الخضراء مسيرة ثلاثة أيام
ومنها مدينة لوشة
قال في تقويم البلدان وهي عن غرناطة على مرحلة بين البساتين والرياض
ومنها وادياش بفتح الواو والف ثم دال مهملة مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية وألف ثم شين معجمة
ويقال واداش بإبدال الياء همزة
قال في مسالك الأبصار وهي بلدة حسنة بديعة منيعة جدا كثيرة الفواكه والمزارع والمياه تشق أمام أبوابها كما في غرناطة قريبة من جبل شكير المقدم ذكره مع غرناطة فلذلك هي شديدة البرد بسبب ما على الجبل المذكور من الثلج قال وهي بلدة مملقة وأهلها موصوفون بالشعر ويحكم بها الرؤساء من أقارب صاحب غرناطة أو من يستقل بها سلطانا أو من خلع من سلطان لنفسه
ومنها بسطة
وهي بلدة تلي وادياش المقدم ذكرها
وعدها في تقويم البلدان من أعمال جيان
قال في مسالك الأبصار وهي كثيرة الزرع واختصت بالزعفران فيها منه ما يكفي أهل الملة الإسلامية بالأندلس على كثرة ما يستعملونه منه
ومنها أندراش
قال في مسالك الأبصار وهي مدينة ظريفة كثيرة الخصب وتختص بالفخار لجودة تربتها فليس في الدنيا مثل فخارها للطبخ
إلى غير ذلك من البلدان مثل أرحصونة وأنتقيرة وبرجة وغيرها
قال في مسالك الأبصار وحصون هذه المملكة كثيرة جدا فليس بها من بلد إلا وحوله حصون كثيرة محفوظة بولاة السلطان ورجال تحت أيديهم
القاعدة الثانية أشبونة
قال في تقويم البلدان بضم الهمزة وسكون الشين المعجمة وضم الباء الموحدة ثم واو ونون وفي اخرها هاءقال وعن بعض المسافرين أن أولها لام
وهي مدينة في غرب الأندلس وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ست درج وخمس وخمسون دقيقة والعرض
اثنتان وأربعون درجة وأربعون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي قاعدة مملكة على البحر المحيط في غربي إشبيلية وشماليها وغربي باجة
وهي مدينة أزليه ولها البساتين والثمار المفضلة على غيرها
قال ابن سعيد وبينها وبين البحر المحيط ثلاثون ميلا
وهي على جانب نهر يودانس
قال في تقويم البلدان وبزاتها خيار البزاة
قال وكانت في اخر وقت مضافة إلى بطليوس وملكها ابن الأفطس وذكر في العبر أنها الان قاعدة مملكة من ممالك النصارى بالأندلس يقال لها مملكة البرتقال وأنها عمالة صغيرة وقد أضيفت الان إلى أعمال جليقية كما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس
ولها مضافات
منها شنترين قال في تقويم البلدان بفتح الشين المعجمة وسكون النون وكسر المثناة من فوق والراء المهملة وسكون المثناة من تحت وفي اخرها نون فيما هو مكتوب بخط ابن سعيد
وهي مدينة كانت في القديم من جليقية شمالي الأندلس ثم استقرت من أعمال أشبونة المقدم ذكرها
موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثمان درج وعشر دقائق والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة وهي على بحر برطانية وهو بحر برديل الخارج من البحر المحيط المقدم ذكره في الكلام على البحور وهي على نهر يصب في البحر وأرضها طيبة
ومنها شنترة
وهي مدينة ذكرها في تقويم البلدان مع أشبونة استطرادا ونسبها إلى عملها ولم يتعرض لضبطها ولا لطولها وعرضها وقال إن بها تفاحا مفرطا في الكبر والنبالة
ومنها مدينة باجة بفتح الباء الموحدة وألف ثم جيم مفتوحة وهاء في الاخر
قال في تقويم البلدان وهي شرقي أشبونة وهي من أقدم مدائن الأندلس وأرضها أرض زرع وضرع وعسلها في نهاية الحسن ولها خاصية في حسن دباغ الأدم وكانت مملكة مستقلة
القاعدة الثالثة بطليوس
قال في تقويم البلدان بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وفتح المثناة التحتية وسكون الواو وسين مهملة في الاخروهي مدينة من غرب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول تسع درج والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان ومملكتها في الشمال والغرب عن مملكة قرطبة
وهي في الغرب بميلة إلى الجنوب عن مملكة طليطلة
وهي مدينة عظيمة في بسيط من الأرض مخضر على جانب نهر
قال وهي مدينة عظيمة إسلامية كانت بيد المتوكل بن عمر الأفطس وبنى بها المباني العظيمة وفيها يقول ابن الفلاس
( بطليوس لا أنساك ما اتصل البعد ! ... فلله غور من جنابك أو نجد )
( ولله دوحات تحفك بينها ... تفجر واديها كما شقق البرد )
وبينها وبين قرطبة ستة أيام
ولها مضافات من أعمالها
منها ماردة قال في تقويم البلدان بفتح الميم ثم ألف وراء مهملة مكسورة ودال مهملة وهاء في الاخر كما هو في خط ابن سعيد
وهي مدينة على جنوبي نهر بطليوس موقعها في أول الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول تسع درج وخمس وخمسون دقيقة والعرض تسع عشرة درجة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة أزليه ولها ماء مجلوب تحير صنعته
قال ابن سعيد قال الرازي وهي إحدى القواعد التي بنتها ملوك العجم للقرار
قال وكان قد اتخذها سلاطين الأندلس قبل الإسلام سريرا لملك الأندلس وكانت في دولة بني أمية يليها عظماء منهم ثم صار الكرسي بعد ذلك بطليوس وقد صارت الان للنصارى
ويحكى أنه كان بكنيستها حجر يضيء الموضع من نوره فأخذته العرب أول دخولها
ومنها يابرة بياء اخر الحروف وألف وباء موحدة وراء مهملة وهاء في الاخر وهي مدينة ذكرها في تقويم البلدان بعد ذكر بطليوس استطرادا
القاعدة الرابعة إشبيلية
قال في تقويم البلدان بكسر الألف وسكون الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت ولام وياء ثانية تحتية وفي اخرها هاءقال ومعنى اسمها المدينة المنبسطة
وهي مدينة أزلية في غرب الأندلس وجنوبية على القرب من البحر المحيط موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول تسع درج وعشر دقائق والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وهي على شرقي نهرها الأعظم وجنوبيه ولها خمسة عشر بابا ومملكتها غربي مملكة قرطبة فطول مملكتها من الغرب من عند مصب نهرها في البحر المحيط إلى اعلى النهر من الشرق مما يلي مملكة قرطبة نحو خمس مراحل وعرضها من الجزيرة الخضراء على ساحل الأندلس الجنوبي إلى مملكة بطليوس في الشمال نحو خمسة أيام وبينها وبين قرطبة أربعة أيام وهي الأن بيد ملوك النصارى
ولها عدة كور في جنوبي نهرها وشماليه
فأما كورها التي في جنوبي نهرها وهي الأكثر
فمنها كورة أركش قال في تقويم البلدان بالراء المهملة معقل في غاية المنعة
ومنها كورة شريش قال في تقويم البلدان بفتح الشين المعجمة وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة التحتية وشين معجمة في الاخر وإليها ينسب الشريشي شارح المقامات الحريرية
ومنها كورة طريف بفتح الطاء وكسر الراء المهملتين وسكون المثناة التحتية وفاء في الاخر
وأما التي شمالي النهر فكورتان إحداهما كورة أوتنة
وهي أشهرها وأوتنة مدينة جليلة
قال في تقويم البلدان ومن الممالك المضافة لإشبيلية مملكة شلب
وهي كورة ومدينة في غربي إشبيلية وشماليها على ساحل البحر المحيط بينها وبين قرطبة تسعة أيام وبشلب هذه قصر يعرف بقصر الشراخيب وهو الذي يقول فيه بعض شعرائهم
( وسلم على قصر الشراخيب عن فتى ... له أبدا شوق إلى ذلك القصر ! ) - الطويل -
القاعدة الخامسة قرطبة
قال في اللباب بضم القاف وسكون الراء وضم الطاء المهملتين وباء موحدة وهاء في الاخرقال في تقويم البلدان هذا هو المشهور
وقال ابن سعيد هي بلسان القوط بالظاء المعجمة ونقله عن جماعة
وهي مدينة غربي نهر
إشبيلية في غرب الأندلس بجنوب وموقعها في أواخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول عشر درج والعرض ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان ومملكة قرطبة شرقي مملكة إشبيلية
وهي في الجنوب والشرق عن مملكة بطليوس وفي الجنوب عن مملكة طليطلة ودور قرطبة ثلاثون ألف ذراع وهي أعظم مدن الأندلس وعليها سور ضخم من الحجر ولها سبعة أبواب وبلغت عدة مساجدها ألفا وستمائة مسجد وحماماتها تسعمائة حمام
وهي مدينة حصينة
وقد استولت عليها ملوك النصرانية وهي بأيديهم إلى الان
ولها مضافات
منها مدينة الزهراء
وهي مدينة بناها الناصر الأموي في غربي قرطبة في سفح جبل
ومنها القصير
وهو حصن في شرقي قرطبة على النهر وله كورة من أشهر كورها
ومنها حصن المدور
وهو المعقل العظيم المشهور وللروم به اعتناء عظيم
ومنها حصن مراد وهو حصن في غربي قرطبة
ومنها كورة غافق وهي معاملة كبيرة
ومنها كورة إستجة وغير ذلك
القاعدة السادسة طليطلة
قال في تقويم البلدان بضم الطاء المهملة وفتح الام وسكون المثناة من تحت وكسر الطاء الثانية ثم لام وهاء في الاخر
وموقعها في اخر الإقليم الخامس قال ابن سعيد حيث الطول خمس عشرة درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة وثمان عشرة دقيقة
وهي مدينة أزلية كانت قاعدة الأندلس في القديم وبها كان كرسي ملك لذريق اخر ملوك القوط الذي انتزعها المسلمون منه
وهي الان قاعدة ملك الادفونش أكبر ملوك النصرانية بالاندلس المعروف بالفنش
قال في تقويم البلدان وهي من أمنع البلاد وأحصنها مبنية على جبل عال والأشجار محدقة بها من كل جهة ويصير بها الجلنار بقدر الرمانة من غيرها ويكون بها شجر الرمان عدة أنواع ولها نهر يمر بأكثرها ينحدر من جبل الشارة من عند حصن هناك يقال له باجة وبه يعرف نهر طليطلة فيقال نهر باجة ومنها إلى نهاية الأندلس الشرقية عند الحاجز الذي هو جبل البرت نحو نصف شهر وكذلك إلى البحر المحيط بجهة شلب
ولها مضافات
منها مدينة وليد بفتح الواو وكسر اللام وسكون المثناة من تحت ودال مهلمة في الاخر
وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى عشرة درجة واثنتا عشرة دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وثلاث دقائق
قال في تقويم البلدان وهي من أحسن المدن
وهي في الغرب من طليطلة في جنوبي جبل الشارة الذي يقسم الأندلس بنصفين
قال ويحلها الفنش ملك الفرنج في أكثر أوقاته
ومنها مدينة الفرج بفتح الفاء والراء المهملة ثم جيم وهي مدينة شرقي طليطلة
وشرقيها مدينة سالم
قال ابن سعيد ويقال لنهرها وادي الحجارة
ومنها مدينة سالم قال ابن سعيد وهي بالجهة المشهورة بالثغر من شرقي الأندلس
قال وهي مدينة جليلة
قال في تقويم البلدان وبها قبر المنصور ابن أبي عامر
القاعدة السابعة جيان
قال في تقويم البلدان بفتح الجيم وتشديد المثناة من تحت وألف ونون في الاخروموقعها في أول الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وسبع وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان ومملكتها بين مملكتي غرناطة وطليطلة
وهي في نهاية من المنعة والحصانة
وهي عن قرطبة في جهة الشرق وبينهما خمسة أيام وهي من أعظم مدن الأندلس واكثرها خصبا وكانت بيد بني الأحمر أصحاب غرناطة فأخذتها الفرنج منهم بالسيف بعد حصار طويل وبلادها كثيرة العيون طيبة الأرض كثيرة الثمار وبها الحرير الكثير
ولها مضافات
منها مدينة قبجاطة
وهي مدينة نزهة كثيرة الخصب أخذها النصارى بالسيف أيضا
ومنها بياسة بفتح الباء الموحدة وتشديد المثناة التحتية وألف ثم سين مهملة مفتوحة وهاء في الاخر
وهي مدينة على نهر إشبيلية فوق إشبيلية طيبة الأرض كثيرة الزرع وبها الزعفران الكثير ومنها يحمل إلى الافاق
ومنها مدينة ابدة بمد الهمزة المفتوحة وكسر الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وهاء في الاخر
وهي مدينة إسلامية أحدثت في دولة بني أمية بالأندلس
بجوار بياسة إلا أنها ليست على النهر ولها عين تسقي الزعفران
ومنها جبل سمنتان وهو جبل به حصون وقرى كثيرة
ومنها معقل شقورة وحصن برشانة
القاعدة الثامنة مرسية
قال في تقويم البلدان بضم الميم وسكون الراء وكسر السين المهملتين ثم ياء مثناة من تحتها وهاء في الاخروموقعها في أوائل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثمان عشرة درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وعشر دقائق
قال في تقويم البلدان وهي مدينة إسلامية محدثة بنيت في أيام الأمويين الاندلسيين قال وهي من قواعد شرق الأندلس
وهي تشبه إشبيلية في غرب الأندلس بكثرة المناره والبساتين وهي في الذراع الشرقي الخارج من عين نهر إشبيلية
ولها عدة منتزهات
منها الرشاقة والزنقات وجبل إيل وهو جبل تحته البساتين وبسط تسرح فيه العيون
ولها مضافات
منها مدينة مولة
وهي في غربي مرسية
ومنها مدينة أريولة وغير ذلك
القاعدة التاسعة بلنسية
قال في تقويم البلدان بفتح الباء الموحدة واللام وسكون النون وكسر السين المهملة وفتح المثناة من تحت وهاء في الاخر
وموقعها في أواخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سيعد حيث الطول عشرون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة وست دقائق
قال في تقويم البلدان وهي من شرق الأندلس شرقي مرسية وغربي طرطوشة
وهي في أحسن مكان وقد حفت بالأنهار والجنان فلا ترى إلا مياها تتفرع ولا تسمع إلا أطيارا تسجع
وهي على جنب بحيرة حسنة على القرب من بحر الزقاق يصب فيها نهر يجري على شمالي بلنسية
ولها عدة منازه
منها الرصافة ومنية ابن عامر وحيث خرجت منها لا تلقى إلا منازه
قال ابن سعيد ويقال إن ضوء مدينة بلنسية يزيد على ضوء بلاد الأندلس وجوها صقيل أبدا لا يرى فيه ما يكدره
ولها مضافات وقد صارت الان من مضافات برشلونة في جملة أعمال صاحبها من ملوك النصارى
منها مدينة شاطبة بفتح الشين المعجمة وألف بعدها طاء مهملة مكسورة ثم باء موحدة مفتوحة وهاء في الاخر
وهي مدينة عظيمة ولها معقل في غاية الامتناع وعدة مستنزهات منها البطحاء والغدير والعين الكبيرة وإليها ينسب الشاطبي صاحب القصيدة في القراءات السبع وقد صارت الان مضافة إلى ملك برشلونة في يد صاحبها
ومنها دانية بفتح الدال المهملة وألف ثم نون مكسورة ومثناة تحتية مفتوحة وهاء في الاخر
وهي من شرق الأندلس وموقعها في أوائل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول تسع عشرة درجة وعشر دقائق
والعرض تسع وثلاثون درجة وست دقائق
وهي غربي بلنسية على البحر عظيمة
القدر كثيرة الخيرات ولها عدة حصون
وقد صارت الان من مضافات برشلونة مع بلنسية على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس إن شاء الله تعالى
القاعدة العاشرة سرقسطة
قال في تقويم البلدان بفتح السين والراء المهملتين وضم القاف وسكون السين الثانية وفتح الطاء المهملة وهاء في الاخروهي مدينة من شرق الأندلس
موقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول إحدى وعشرون درجة وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وأربعون درجة وثلاثون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي قاعدة الثغر الأعلى وهي مدينة أزلية بيضاء في أرض طيبة قد أحدقت بها من بساتينها زمردة خضراء والتف عليها أربعة أنهار فأضحت بها مرصعة مجزعة
ولها متنزهات
منها قصر السرور ومجلس الذهب
وفيهما يقول ابن هود من أبيات
( قصر السرور ومجلس الذهب ... بكما بلغت نهاية الطرب ! ) - رمل -
القاعدة الحادية عشرة طرطوشة
قال في تقويم البلدان بضم الطاءين المهملتين وبينهما راء ساكنة مهملة ثم واو ساكنة وشين معجمة وهاء في الاخر
وهي مدينة في شرق الأندلس موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربعون درجة
قال وهي من كراسي ملك شرق الأندلس
وهي شرقي بلنسية في الجهة الشرقية من النهر الكبير الذي يمر على سرقسطة ويصب في بحر الزقاق على نحو عشرين ميلا من طرطوشة
قال وشرقي طرطوشة جزيرة مايرقة في بحر الزقاق وإلى طرطوشة هذه ينسب الطرطوشي صاحب سراج الملوك
القاعدة الثانية عشرة برشنونة
قال في تقويم البلدان بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة وضم النون وسكون الواو ثم نون مفتوحة وهاء في الاخرويقال برشلونة بإبدال النون الأولى لاما قال في تقويم البلدان وهي خارجة عن الأندلس في بلاد الفرنج وموقعها في أوائل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول أربع وعشرون درجة وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وأربعون درجة
وهي الان قاعدة ملك النصارى بشرق الأندلس وقد أضيف إليها أرغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة وغير ذلك
على ما يأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى
القاعدة الثالثة عشرة ينبلونة
قال في تقويم البلدان بفتح الياء المثناة من تحت وسكون النون وضم الباء الموحدة واللام ثم واو ساكنة ونون مفتوحة وهاء في الاخر
وموقعها في أوائل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وعشرون درجة وخمس عشرة دقيقة والعرض أربع وأربعون درجة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة في غرب الأندلس خلف جبل الشارة
قال وهي قاعدة النبري أحد ملوك الفرنج
وتعرف هذه المملكة بمملكة نبرة بفتح النون وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وفتح الراء المهملة وهاء في الاخر
وهي مملكة فاصلة بين مملكتي قشتالة وبرشلونة وهي مما يلي قشتالة من جهة الشرق وسيأتي ذكرها في الكلام على ملوك الأندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى
الجملة الثالثة في ذكر أنهاره
اعلم أن بالأندلس أنهارا كثيرة قد تقدم ذكر الكثير منها وأعظمها نهرانالأول نهر إشبيلية
قال ابن سعيد وهو في قدر دجلة وهو أعظم نهر بالأندلس ويسميه أهل الأندلس النهر الأعظم
قال في تقويم البلدان ومخرجه من جبال شقورة حيث الطول خمس عشرة درجة والعرض ثمان وثلاثون وثلثان وهو يجري في ابتدائه من الشرق إلى الغرب ثم يصب إليه عدة أنهر
منها نهر شنيل الذي يمر على غرناطة
ونهر سوس الذي عليه مدينة إستجة ويسير من جبال شقورة إلى جهات جيان ويمر على مدينة بياسة ومدينة ابدة ثم يمر على قرطبة ثم إذا تجاوز قرطبة وقرب من إشبيلية ينعطف ويجري من الشمال إلى الجنوب ويمر كذلك على إشبيلية وتكون إشبيلية على شرقيه وطريانة على غربيه مقابل إشبيلية من البر الاخر ثم ينعطف فيجري من الشرق إلى الغرب ثم يجاوز حتى يصب في البحر المحيط الغربي عند مكان يعرف ببر المائدة حيث الطول ثمان درج وربع والعرض ست وثلاثون وثلثان وتكون
جزيرة قادس في البحر الرومي على يسار مصبه ويقع في هذا النهر المد والجزر من البحر كما في دجلة عند البصرة ويبلغ المد والجزر فيه سبعين ميلا إلى فوق إشبيلية عند مكان يعرف بالأرحى ولا يملح ماؤه بسبب المد عند إشبيلية بل يبقى على عذوبته وبين إشبيلية وبين مصب النهر في البحر خمسون ميلا فالمد يتجاوز أشبيلية بعشرين ميلا والمد والجزر يتعاقبان فيه كل يوم وليلة وكلما زاد القمر نورا زاد المد والمراكب لا تزال فيه منحدرة مع الجزر صاعدة مع المد وتدخل فيه السفن العظيمة الإفرنجية بوسقها من البحر المحيط حتى تحط عند سور إشبيلية
قال ابن سعيد وعلى هذا النهر من الضياع والقرى ما لا يبلغه وصف
الثاني نهر مرسيه
قال في تقويم البلدان وهو قسيم نهر إشبيلية يخرجان من جبال شقورة فيمر نهر إشبيلية مغربا على ما تقدم ويصب في البحر المحيط
ويمر نهر مرسية مشرقا حتى يصب في بحر الروم عند مرسية
الجملة الرابعة في الموجود بالأندلس
والظاهر أن كل ما يوجد ببلاد المغرب أو غالبه يوجد بهوقد ذكر في تقويم البلدان أنه يوجد به من الوحش الإيل والغزال وحمار الوحش
ولا يوجد به الاسد البته
وقد تقدم ذكر ما ببلدانه من الفواكه والثمار في الكلام على بلاده فأغنى عن أعادته هنا
قال في تقويم البلدان وبه عدة مقاطع رخام من الأبيض والأحمر والخمري والمجزع وغير ذلك
الجملة الخامسة في ذكر ملوك الأندلس جاهلية وإسلاما وهم على طبقات
الطبقة الأولى ملوكها بعد الطوفان
قال الرازي في كتاب الاستيعاب في تاريخ الأندلس أول من ملكها بعد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قوم يعرفون بالأندلس بالشين المعجمة وبهم سمي الاندلش ثم عرب بالسين المهملة وكانوا أهل تمجس فحبس الله عنهم المطر حتى غارت عيونها ويبست أنهارها فهلك أكثرهم وفر من قدر على الفرار منهم فأقفرت الاندلس وبقيت خالية مائة عاموقال هروشيوش مؤرخ الروم أول من سكنها بعد الطوفان قوم يقال لهم الأباريون وهم من ولد طوبال بن يافث بن نوح عليه السلام سكنوها بعد الطوفان
قال في الروض المعطار ويقال إن عدد ملوكهم الذين ملكوا الأندلس مائة وخمسون ملكا
الطبقة الثانية الأشبانية ملكوا بعد طائفة الأندلش المتقدم الذكر
قال الرازي وأول من ملك منهم أشبان بن طيطش وهو الذي غزا الأفارقة وحصر ملكهم بطارقة ونقل رخامها إلى إشبيلية واتخذها دار ملكه وبه سميت وكثرت جموعه فعلا في الأرض وغزا من إشبيلية إيلياء وهي بيت المقدس بعد سنتين من ملكه خرج إليها في السفن فهدمها وقتل من اليهود مائة ألف
واسترق مائة ألف وفرق في البلاد مائة ألف ونقل رخام إيلياء والاتها وذخائرها إلى الأندلس
ويحكى أن الخضر عليه السلام وقف على أشبان هذا وهو يحرث أرضا له أيام حداثته فقال له يا أشبان إنك لذو شان وسوف يحظيك زمان ويعليك سلطان فإذا أنت تغلبت على إيلياء فارفق بورثة الأنبياء فقال له أشبان أساخر بي رحمك الله أنى يكون هذا وأنا ضعيف مهين فقير حقير فقال قدر ذاك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه فنظر أشبان إلى عصاه فراها قد أورقت فارتاع لذلك وذهب الخضر عنه وقد وقر ذلك في نفسه ووثق بكونه فترك الامتهان وداخل الناس وصحب أهل الباس وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى نال منه عظيما ودام ملكه عشرين سنة واتصلت المملكة في بنيه إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكا
الطبقة الثالثة الشبونقات
وهي طائفة ثارت على الاندلس من رومة في زمن مبعث المسيح عليه السلام وملكوا الأندلس والإفرنجة معها وجعلوا دار مملكتهم ماردة واتصل ملكهم إلى أن ملك أربعة وعشرون ملكاويقال إن منهم كان ذو القرنين
والذي ذكره هروشيوش مؤرخ الروم أن الذي خرج عليهم من رومة ثلاث طوالع من الغريقيين
وهم الأنبيون والشوانيون والقندلش واقتسموا ملكها فكانت جليقية لقندلش ولشبونة وماردة وطليطلة ومرسية للشوانيين وكانت إشبيلية وقرطبة وجيان ومالقة للأنبيين حتى زحف عليهم القوط من رومة كما سيأتي
الطبقة الرابعة القوط
خرجوا على الشبونقات فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من صاحب رومة وانفردوا بسلطانهم واتخذوا مدينة طليطلة دار ملكهم دخشوش ملك القوط وهو أول من تنصر من هؤلاء بدعاء الحواريين ودعا قومه إلى النصرانية وكان أعدل ملوكهم وأحسنهم سيرةوقال هروشيوش إنه كان قد ولي عليهم ملك يقال له اطفالش
ثم ولي عليهم بعده ملك اسمه طشريك وقتله الرومانيون
ثم ولي مكانه ملك اسمه تالبه ثلاث سنين وزوج أخته من طودشيش ملك الرومانيين وصالحه على أن يكون له ما يفتحه من الأندلس ثم مات
وولي مكانه ملك اسمه لذريق ثلاث عشرة سنة فزحف على الأندلس وقتل ملوكها وطرد الطوائف الذين كانوا بها وبقي الحال على ذلك نحوا من ثمانين سنة ثم هلك لذريق
وولي مكانه ابنه وريقش سبع عشرة سنة وانتقض عليه البشكنس إحدى طوائف القوط فقهرهم وردهم إلى طاعته ثم هلك
وولي بعده الريك ثلاثا وعشرين سنة ثم قتل في حرب الفرنج
وولي عليهم أشتريك بن طودريك وهلك بعد خمس سنين من ملكه
وولي عليهم بعده بشليقش أربع سنين
ثم ملك بعده ملك اخر اسمه طوذريق إحدى وستين سنة وقتله بعض أصحابه بإشبيلية
وولي بعده ملك اسمه املريق خمس سنين ثم ولي بعده ملك اسمه طودش ثلاث عشرة سنة
ثم ولي بعده طود شكل سنتين
ثم ملك بعده ملك اسمه أيلة خمس سنين وانتقض عليه أهل قرطبة فحاربهم وردهم إلى طاعته
ثم ولي بعده ملك اسمه طنجاد خمس عشرة سنة
ثم ولي بعده ملك اسمه ليوبة سنة واحدة
ثم ولي بعده ملك اسمه لوبيلذه ثماني عشرة سنة وانتقضت عليه الأطراف فحاربهم وسكنهم ثم قتل
وولي ابنه رذريق ست عشرة سنة وهو الذي بنى البلاط المنسوب إليه بقرطبة
ولما هلك ولي بعده ملك اسمه ليوبة سنتين
ثم ولي بعده ملك اسمه بتريق سبع سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه عندمار سنتين
ثم ملك بعده ملك اسمه ششيوط ثمان سنين وعلى عهده كان هرقل ملك قسطنطينية والشام ولعهده كانت الهجرة
ثم ملك بعده ملك اسمه رذريق ثلاثة أشهر
ثم ملك بعده ملك اسمه شتنلة ثلاث سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه ششنادش خمس سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه خنشوند خمس سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه جنشوند ثلاثا وعشرين سنة
ثم ملك بعده ملك اسمه بانيه ثمان سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه لوري ثمان سنين
ثم ملك بعده رجل اسمه أبقه ست عشرة سنة
ثم ملك بعده رجل اسمه أيقه ست عشرة سنة
ثم ولي بعده رجل اسمه غطسه أربع عشرة سنة
ثم ولي بعده رجل اسمه لذريق سنتين وهو الذي غلبه المسلمون على الأندلس وفتحوها منه وهو اخر من ملك منهم
قال صاحب الروض المعطار وعدد من ملك منهم إلى اخرهم وهو لذريق ستة وثلاثون ملكا
الطبقة الخامسة ملوكها على أثر الفتح الإسلامي
وكان فتحها في خلافة الوليد بن عبد الملك أحد خلفاء بني أمية في سنة اثنتين وتسعين وكان من أمر فتحها أن طليطلة كانت دار الملك بالأندلس يومئذ وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح يلزمه من ثقات القوط قوم قد وكلوا به كي لا يفتح يعهد الأول بذلك للاخر كلما ملك منهم ملك زاد على ذلك البيت قفلافلما ولي لذريق الأخير عزم على فتح الباب والاطلاع على ما في البيت فأعظم ذلك أكابرهم وتضرعوا إليه في الكف فأبى وظن أنه بيت مال ففض الأقفال عنه ودخله فأصابه فارغا لا شيء فيه إلا تابوتا عليه قفل فأمر بفتحه فألفاه أيضا فارغا ليس فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب على الخيول وعليهم العمائم متقلدو السيوف متنكبو القسي رافعو الرايات على الرماح وفي أعلاه كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي إذا كسرت هذه الأقفال عن هذا البيت وفتح هذا التابوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمة المصورة فيه تغلب على الأندلس وتملكها فوجم لذريق وعظم غمه وغم الأعاجم وأمر برد الأقفال وإقرار الحرس على حالهم
وكان من سير الأعاجم أن يبعث أكابرهم بأولادهم ذكورا كانوا أو إناثا إلى بلاط الملك ليتأدبوا بأدبه وينالوا من كرامته حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضا استئلافا لابائهم
وكان للذريق عامل على سبتة من بر العدوة يسمى يليان وله ابنة
فائقة الجمال فوجه بها إلى دار لذريق على عادتهم في ذلك فوقع نظر لذريق عليها فأعجبته فاستكرهها على نفسها فاحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سرا فشق ذلك عليه وحلف ليزيلن سلطان لذريق ثم تلطف حتى اقتلع بنته من بيت لذريق ثم لم يلبث يليان أن كتب إلى موسى بن نصير أمير أفريقية من جهة الوليد بن عبد الملك يحرضه على غزو الأندلس وحثه على ذلك ووصف له من حسنها وفوائدها ما دعاه إلى ذلك وهون عليه أمر فتحها
فتوثق منه موسى بن نصير بذلك ودعا مولى له كان على مقدماته يقال له طارق بن زياد فعقد له وبعثه إليها في سبعة الاف وهيأ له يليان المراكب فعبر البحر وحل بجبل هناك يعرف الان بجبل طارق فوجد عجوزا من أهل الأندلس فقالت له إنه كان لي زوج عالم بالحدثان وكان يحدث عن أمير يدخل بلدنا هذا ويصفه بأنه ضخم الهامة وأنت كذلك وكان يقول إنه بكتفه الأيسر شامة عليها شعر فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة كما ذكرت العجوز فاستبشر بذلك
ويحكى أنه رأى وهو في المركب النبي والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتى مروا فبشره النبي بالفتح وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد فاستيقظ مستبشرا وتيقن الفتح وهجم البلد فملكها
وكان عسكره قد انتهى إلى اثني عشر ألفا إلا ستة عشر ولذريق في ستمائة ألف ( والله يؤيد بنصره من يشاء )
وأقام طارق بالأندلس حتى قدم إليها مولاه موسى بن نصير المتقدم ذكره في رجب من السنة المذكورة
وأقام موسى فيها سنتين ثم انصرف إلى القيروان واستخلف عليها ابنه عبد العزيز فنزل قرطبة واتخذها دار إمارة لهم وتوجه موسى سنة ست وتسعين بما سباه وما غنمه إلى الوليد بن عبد
الملك ثم دس سليمان بن عبد الملك على عبد العزيز المذكور من قتله بالأندلس لاتهامه بموالاة أخيه الوليد
ثم وليها بعده عبد العزيز بن عبد الرحمن القيسي سنتين وثلاثة أشهر
ثم وليها السمح بن مالك الخولاني سنتين وتسعة أشهر
ثم وليها عنبسة بن سحيم الكلبي أربع سنين وخمسة أشهر
ثم وليها يحيى بن مسلمة سنتين وستة أشهر
ثم وليها حذيفة بن الأحوص القيسي سنة واحدة
ثم وليها عثمان بن أبي نسعة الخثعمي خمسة أشهر
ثم وليها الهيثم بن عبيد خمسة أشهر
ثم وليها عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي سنتين وثمانية أشهر
ثم وليها عبد الملك بن قطن الفهري أربع سنين
ثم وليها عقبة بن الحجاج خمس سنين وشهرين
ثم وليها مفلح بن بشر القيسي أحد عشر شهرا
ثم وليها حسام بن ضرار الكلبي سنتين
ثم وليها ثوابة الجذامي سنة واحدة
ثم وليها يوسف بن عبد الرحمن الفهري تسع سنين وتسعة أشهر
ثم كانت دولة بني أمية بالأندلس على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى
الطبقة السادسة بنو أمية وكانت دار ملكهم بها مدينة قرطبة
وأول من ملكها منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ويعرف بعبد الرحمن الداخلوذلك أن بني العباس لما تتبعوا بني أميه بالقتل هرب عبد الرحمن المذكور ودخل الأندلس واستولى عليها في سنة تسع وثلاثين ومائة من الهجرة وقصده بنو أمية من المشرق والتجأوا إليه
وتوفي في ربيع الاخر سنة إحدى وسبعين ومائة
وملك بعده ابنه هشام وتوفي سنة ثمان وسبعين ومائة
واستخلف بعده ابنه الحكم وفي أيامه استعاد الفرنج مدينة برشلونة في سنة خمس وثمانين ومائة وتوفي لأربع بقين من ذي الحجة سنة ست ومائتين
وأقام في الملك بعده ابنه عبد الرحمن وتوفي في في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين
وملك بعده ابنه محمد وتوفي في سلخ صفر سنة اثنتين وسبعين ومائتين وعمره خمس وستون سنة
وملك بعده ابنه المنذر وتوفي لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة خمس وسبعين ومائتين
وبويع أخوه عبد الله يوم موته وتوفي في ربيع الأول سنة ثلثمائة
وولي بعده ابن ابنه عبد الرحمن بن محمد المقتول ابن عبد الله المتقدم ذكره وخوطب بأمير المؤمنين وتلقب بالناصر بعد أن مضى من ولايته تسع وعشرون سنة عندما بلغه ضعف خلفاء العباسيين بالعراق وظهور الخلفاء
العلويين بأفريقية ومخاطبتهم بأمير المؤمنين وتوفي في رمضان سنة خمسين وثلثمائة
وولي الأمر بعده ابنه الحكم وتلقب بالمستنصر وتوفي سنة ست وستين وثلثمائة
وعهد إلى ابنه هشام ولقبه المؤيد وبايعه الناس بعد أبيه فأقام إلى سنة تسع وتسعين وثلثمائة
ثم غلبه محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر المتقدم ذكره وتلقب بالمهدي في جمادى الاخرة من السنة المذكورة
ثم غلبه سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر المتقدم ذكره فهرب محمد بن هشام المذكور واستولى على الخلافة في شوال من السنة المذكورة
ثم غلبه محمد بن هشام المهدي المذكور في منتصف شوال من السنة المذكورة
ثم عاد هشام بن الحكم المتقدم ذكره في سابع ذي الحجة من السنة المذكورة
ثم عاد سليمان بن الحكم المتقدم ذكره في منتصف شوال سنة ثلاث وأربعمائة ولقب بالمستعين
ثم غلبه المهدي محمد بن هشام المتقدم ذكره في أخريات السنة المذكورة
ثم غلبه المستعين على قرطبة ثم قتل المهدي محمد بن هشام المذكور وعاد هشام المؤيد إلى خلافته هذا كله والمستعين محاصر
لقرطبة إلى أن افتتحها عنوة سنة ثلاث وأربعمائة وقتلوا المؤيد هشاما
ثم جاء علي بن حمود وأخوه قاسم من الأدارسة ملوك الغرب في عساكر من البربر فملكوا قرطبة سنة سبع وأربعمائة وقتلوا المستعين وأزالوا ملك بني أمية من الأندلس واتصل ذلك في خلفهم سبع سنين
ثم غلب علي بن حمود المرتضي بالله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك ابن المرتضي عبد الرحمن بن الناصر أمير المؤمنين
ثم اجتمعوا على رد الأمر لبني أمية ثم ولي بعد ذلك المستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة
ثم غلب عليه المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر أمير المؤمنين
ثم رجع الأمر إلى يحيى بن علي بن حمود سنة ست عشرة وأربعمائة
ثم بويع للمعتمد بالله هشام بن محمد أخي المرتضي من بني أمية سنة ثمان عشرة وأربعمائة
وتوفي بها سنة ثمان وعشرين وانقطعت دولة الأموية من الأندلس والله وارث الأرض ومن عليها