كتاب : قرى الضيف
المؤلف : عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس
( وصار صغارهم فيه كبارا ... فدم حتى تردهم صغارا )
( خدمت لك الملوك أروض نفسي ... لآمن تحت خدمتك العثارا )
( ولو كانت لك الدنيا جعلنا ... لك الدنيا وما فيها نثارا ) - من الوافر
الباب السابع في تفاريق من ملح أهل بلاد خراسان سوى نيسابور وغررهم
74 - أبو القاسم الداودي
هو اليوم صدر أهل الفضل وفرد أعيان الأدب والعلم بهراة يضرب في المحاسن بالقدح المعلى ويسمو منها إلى الشرف الأعلى وأخباره في الكرم مذكورة ومآثره في الرياسة مأثورة
وهو القائل وكتب به إلى صديق له من الغرباء أنفذ إليه مبرة
( ربما قصر الصديق المقل ... عن حقوق بهن لا يستقل )
( ولئن قل نائل فصفاء ... في وداد ومنة لا تقل )
( أرخ سترا على حقارة بري ... هتك ستر الصديق ليس يحل ) - من الخفيف -
وأنشدني يحيى بن علي البخاري لأبي القاسم
( قالوا ترفق في الأمور فإنه ... يجدي ويمري الدر بالإبساس )
( ولقد رفقت فما حظيت بطائل ... ما ينفع الإبساس بالأتياس ) - من الكامل -
وأنشدني غيره له ويجوز أن يكون تمثل به
( وإذا الذئاب استنعجت لك مرة ... فحذار منها أن تعود ذئابا )
( فالذئب أخبث ما يكون إذا بدا ... متلبسا بين النعاج إهابا ) - من الكامل -
75 - أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى الداودي الهروي الفقيه
أنشدني له أبو سعد نصر بن يعقوب في التفاح المنقط
( ناولتني تفاحة وسمتها ... دائرات بحسن نقط عجيب )
( كدموعي ممزوجة بدماء ... قاطرات في صحن خد حبيبي ) - من الخفيف -
وله في السفرجل
( غصون السفرجل ملتفة ... فمعتدل القد أو منثنى )
( وقد لاح في زئبر شامل ... كصفراء في معجر أدكن ) - من المتقارب -
وله
( أما شاقتك روضة دستجرد ... كعقد أو كوشي أو كبرد )
( تطير فراشها بيضا وحمرا ... كريح طيرت أوراق ورد ) - من الوافر -
76 - أبو الحسن المزني
هو أشهر بالشرف والمجد وذكره أسير في الأدب والفضل من أن ينبه على محله في الوجاهة والسيادة والرياسة والوزارة وله شعر كثير لم يعلق بحفظي منه إلا بيت واحد قاله في الأمير أبي الحسن بن سيمجور وهو هذا البيت
( ولم أر ظلما مثل ظلم يمسنا ... يساء إلينا ثم نؤخذ بالشكر ) - من الطويل -
77 - أبو سعد أحمد بن محمد بن ملة الهروي
أحد بلغاء خراسان المذكورين وفضلائها المشهورين وعقلائها الموصوفين وكان في آخر عمره مرتبطا بالحضرة السامانية في جملة المشايخ الذي يشاورون في الأمور ويستضاء بآرائهم في ظلم الخطوب وكان متبحرا في النثر مقلا من قول الشعر وهو القائل
( وكان الصديق يزور الصديق ... لشرب المدام وعزف القيان )
( فصار الصديق يزور الصديق ... لبث الهموم وشكوى الزمان ) - من المتقارب -
وله في نفسه
( له همم ما إن تزال سيوفها ... قواطع لو كانت لهن مقاطع ) - من الطويل -
78 - أبو روح ظفر بن عبد الله الهروي
فاضل بحقه وصدقه كاتب شاعر فقيه ملء ثوبه ممدوح بألسنة الفضلاء من أهل عصره وفيه يقول أبو الفتح
( أبو روح أدام الله عزه ... ألذ إذا انبرى للخصم عزه )
( وذاك لأنه هجر الملاهي ... فصار كثيرا والعلم عزه ) - من الوافر -
وله أيضا
( قل لذي العز والمحل النبيه ... لأبي روح الفقيه الوجيه )
( من دعاه إخوانه فتباطى ... لا لعذر عنهم ففيه وفيه ) - من الخفيف -
وولى قضاء عدة من بلاد خراسان وشعره كثير مدون يجمع الجزالة والسهولة والمتانة والعذوبة ويخرج منه الفقر والغرر كقوله من قصيدة
( السيف يعلم أن لي في حده ... سرا نهاه الدهر عن إفشائه )
( والدهر يعلم أن لي في صدره ... نارا مضرمة على أحشائه )
( همم مؤرقة جفوني كلما ... أرخى الظلام علي ذيل خبائه )
( ولو أن أطراف الرماح وفين لي ... لأخذت حق الدهر من أبنائه )
( همم النفوس منوطة بعنائها ... والمرء يخدعه لسان رجائه ) - من الكامل -
وقوله ولم يسبق إليه في مدح الطفيلي
( إن الطفيلي له حرمة ... زادت على حرمة ندماني )
( لأنه جاء ولم أدعه ... مبتدئا منه بإحسان )
( مائدتي للناس مبسوطة ... فليأتها القاصي مع الداني )
( أحبب بمن أنساه لا عن قلى ... وهو يجيني ليس ينساني ) - من السريع -
وقوله وهو في نهاية الملاحة
( يا من تذكرني شمائله ... ريح الشمال تنفست سحرا )
( وإذا امتطى قلما أنامله ... سحر العيون به وما سحرا ) - من الكامل -
وقوله لبعض أضداده
( حقيق بك أن تطعم ... عفصا وهو معكوس )
( وأن يلبس جنباك الذي ... مقلوبه طوس )
( فهذا لك مطعوم ... وهذا لك ملبوس ) - من الهزج -
79 - منصور بن الحاكم أبي منصور الهروي
قد حسن الله شمائله وكثر فضائله فهو من أعيان هراة وآحادها ومفاخرها وأفرادها وشعره مدون كثير الملح كقوله
( يوم دجن هواؤه ... فاختي رواؤه )
( مطرتنا مسرة ... حين صابت سماؤه )
( أشبه الماء راحة ... وحكى الراح ماؤه )
( داو بالقهوة الخمار ... ففيها دواؤه )
( لا تعاتب زماننا ... إن عرانا جفاؤه )
( شدة الدهر تنقضي ... ثم يأتي رخاؤه )
( كدر العيش للفتى ... يقتفيه صفاؤه )
( وكذا الماء يسبق ... الصفو منه جفاؤه ) - من مجزوء الخفيف -
وقوله
( معتقة أرق من التصابي ... ومن وصل أتى بعد التنائي )
( يطوف بها قضيب في كثيب ... تطلع فوقه بدر السماء )
( لواحظه تبث السحر فينا ... وفي شفتيه أسباب الشفاء ) - من الوافر -
وله
( قرن الزمان إلى البنفسج نرجسا ... متبرجا في حلة الإعجاب )
( كخدود عشاق بدت ملطومة ... نظرت إليها أعين الأحباب ) - من الكامل -
وله
( وأغيد ساحر الألحاظ أدعج ... يتيه به على الخد المضرج )
( أضاف إلى فؤادي السقم لما ... أضاف إلى شقائقه البنفسج ) - من الوافر -
وله
( قم يا غلام فهاتها حمراء ... كالنار يورث شربها السراء )
( فاليوم قد نشر الهواء بأرضنا ... من ثلجه ديباجة بيضاء ) - من الكامل -
وله
( خشف من الترك مثل البدر طلعته ... تحوز ضدين من ليل وإضاح )
( كأن عينيه والتفتير كحلهما ... آثار ظفر بدت في صحن تفاح ) - من البسيط -
وله
( الله جار عصابة رحلي ... عني وقلب الصب عندهم )
( ما الشأن ويلك في رحيلهم ... الشأن أني عشت بعدهم ) - من الكامل -
وقوله في المرآة
( زاهية تشبه كل صوره ... أسرارها مستورة مشهوره )
( تنم إلا أنها معذوره ... نفس أخي الحسن بها مسروره ) - من الرجز
وله
( روضة غضة علاها ضباب ... قد تجلت خلالها الأنوار )
( فهي تحكي مجامرا مذكيات ... قد علاها من البخور بخار ) - من الخفيف -
وله
( أبا عبد الإله العلم روح ... وجدتك دون كل الناس شخصه )
( لذلك كل أهل الفضل أمسوا ... كحلقة خاتم وغدوت فصه ) - من الوافر -
وله
( وشادن في الحسن فوق المثل ... أبصر مني بوجوه العمل )
( قبلت كفيه فقال انتقل ... إلى فمي فهو محل القبل ) - من الرجز -
وله
( بقيت مدى الزمان أبا علي ... رفيع الشأن ذا جد علي )
( فأنت من المكارم والمعالي ... بمنزلة الوصي من النبي ) - من الوافر -
وله
( يا أيها العاذل المردود حجته ... أقصر فعذري قد أبدته طلعته )
( ماذا بقلبي من بدر بليت به ... لليث أخلاقه والخشف خلقته ) - من البسيط -
80 - أبو أحمد الساوي الهروي
قال
( هراة أرض خصبها واسع ... ونبتها اللفاح والنرجس )
( ما أحد منها إلى غيرها ... يخرج إلا بعد ما يفلس ) - من السريع -
81 - أبو الربيع البلخي
من المتصرفين على أعمال المظالم من الحضرة السامانية وهو القائل في الشاش
( الشاش في الصيف جنه ... ومن أذى الحر جنه )
( لكنه يعتريني ... بها لدى البرد جنه ) - من المجتث -
وله
( ما يوم منكوب حزين ... مستهام القلب خائف )
( بأمد من يوم الظريف ... إذا تجوع للقطائف ) - من مجزوء الكامل -
وإنما نسج فيه على منوال من قال
( ما ليلة المهجو باعدت ... النوى عنه أنيسه )
( أو ليلة الملسوع حاذر ... ميتة النفس النفيسه )
( بأمد من ليل الظريف ... إذا تجوع للهريسه ) - من مجزوء الكامل -
82 - أبو المظفر البلخي
من شعره قوله
( بلوتك يا دنيا مرارا كثيرة ... فلم ترعيني في هواك قريره )
( فإن كنت في عين اللئيم خطيرة ... فإنك في عين الكريم حقيره )
( وإن تصرفي عني أذاك فخيرة ... وإن تصرفي نحوي أذاك فحيره ) - من الطويل -
وله
( قال الحكيم الفارسي ... بزرجمهر ثم مزدك )
( لا ترضين من الصديق ... بكيف أنت ومرحبا بك )
( حتى تجرب ما لديه ... لحاجة إما بدت لك )
( فإذا وجدت فعاله ... كمقاله فبه تمسك ) - من مجزوء الكامل -
83 - أبو بكر بن الوليد البلخي
من شعره قوله
( ثلاثة فقدها كبير ... الخبز واللحم والشعير )
( والبيت من كلها خلاء ... فجد بها أيها الأمير ) - من مخلع البسيط -
وله من نتفة
( أحسن الأشعار عندي ... وانف بالخمر الخمارا )
( وألذ الآي عندي ... وترى الناس سكارى ) - من مجزوء الرمل -
وله
( خلة في من خلال الحمير ... لم يطب لي شرب بغير صفير ) - من الخفيف -
وله
( ما سمت العجم الهميان هميانا ... إلا لإجلال ضيف كان من كانا )
( فالمه أكبرهم والمان منزلهم ... والضيف سيدهم ما لازم المانا ) - من البسيط -
84 - الحسن الضرير المروروزي
في غلام نصراني
( وما أنس لا أنس ظبي الكناس ... يريد الكنيسة من داره )
( يحوط بزناره خصره ... ومرعى الجمال بأزراره )
( فيا حسن ما فوق أزراره ... ويا طيب ما تحت زناره ) - من المتقارب -
85 - أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل الفقيه الطوسي
افتتن بغلام من الشطار فقال فيه
( أتوعدني بالقتل والقتل راحتي ... فلا تخلف الإيعاد خلفك ميعادي ) - من الطويل -
وقال في غلام أعطاه كتاب العين
( كتاب العين ظل يقر عيني ... ويصلح بين من أهوى وبيني )
( كتاب العين قواد لطيف ... يحل إليك عصم التفلتين ) - من الوافر
86 - أبو محمد الطوسي
قال
( أبوك في الناس سل سيفا ... بمضربيه يفل صفا )
( وذلك الصف كان غزلا ... وذلك السيف كان خفا ) - من مخلع البسيط -
87 - أبو سهل المعقلي الطوسي
قال
( يا دولة ليس فيها ... من المعالي شظيه )
( زولي فما أنت إلا ... على الكرام بليه ) - من المجتث -
88 - أبو نصر الروزبازي الفقيه الطوسي
من شعره قوله
( لي خمسون صديقا ... بين قاض وشريف )
( وأمير ووزير ... وفقيه وظريف )
( فإذا احتجت إليهم ... لم يفوا لي برغيف ) - من مجزوء الرمل
406
الباب الثامن
89 - في ذكر الأمير أبي الفضل عبيد الله بن أحمد المكيالي
وإيراد محاسن من نثره ونظمه
وما محاسن شيء كله حسن
القول في آل ميكال وقدم بيتهم وشرف أصلهم وتقدم أقدامهم وكرم أسلافهم وأطرافهم وجمعهم بين أول المجد وأخيره وقديم الفضل وحديثه وتليد الأدب وطريفه يستغرق الكتب ويملأ الأدراج ويحفي الأفلام وما ظنك بقوم مدحهم البحتري وخدمهم الدريدي وألف لهم كتاب الجمهرة وسير فيهم المقصورة التي لا يبليها الجديدان وانخرط في سلكهم أبو بكر الخوارزمي وغيره من أعيان الفضل وأفراد الدهر وكان كل من الشيخ أبي العباس إسماعيل بن عبد الله وابنيه الرئيس أبي محمد عبد الله والأمير أبي القاسم على أمة على حدة وعالما في شخص واحد وما منهم إلا من يضرب به المثل في الشرف والأمير أبو نصر أحمد بن علي الآن بقية الأماجد وغرة الأكارم وعمدة الأفاضل وواحد خراسان ومفخرتها وجمالها وزينتها ومن لا نظير له في شرف النفس وبعد الهمة ورفعة الشأن وتكامل آلات السيادة
والأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد يزيد على الأسلاف والأخلاف من آل ميكال زيادة الشمس على البدر ومكانه منهم
الواسطة من العقد لأنه يشاركهم في جميع محاسنهم وفضائلهم ومناقبهم وخصائصهم ويتفرد عنهم بمزية الأدب الذي هو ابن بجدته وأبو عذرته وأخو جملته وما على ظهرها اليوم أحسن منه كتابة وأتم بلاغة وكأنما أوحى بالتوفيق والتسديد إلى قلبه
وحبست الفقر والغرر بين طبعه وفكره فهو من ابن العميد عوض ومن الصاحب خلف ومن الصابي بدل ثم إذا تعاطى النظم فكأن عبد الله بن المعتز وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر وأبا فراس الحمداني قد نشروا بعد ما قبروا وأوردوا إلى الدنيا بعد ما انقرضوا
وهؤلاء أمراء الأدباء وملوك الشعراء وقد أنصف من وصف بلاغته في النثر وبراعته في النظم حيث قال من قصيدة
( يا من كساه الله أردية العلى ... وحباه عطر ثنائها المتضوع )
( وإذا نظرت إلى محاسن وجهه المسعود ... قلت لمقلتي فيها ارتعي )
( وإذا قريت الأذن شهد كلامه ... قلت اسمعي وتمتعي وارعي وعي )
( وكأنما يوحى إلى خطراته ... في مطلع أو مخلص أو مقطع )
( لك في المحاسن معجزات جمة ... أبدا لغيرك في الورى لم تجمع )
( بحران بحر في البلاغة شابه ... شعر الوليد وحسن حفظ الأصمعي )
( وترسل الصابي يزين علوه ... خط ابن مقلة ذي المحل الأرفع )
( شكرا فكم من فقرة لك كالغنى ... وافى الكريم بعيد فقر مدقع )
( وإذا تفتق نور شعرك ناضرا ... فالحسن بين مرصع ومضرع )
( أرجلت فرسان القريض ورضت أفراس ... البديع وأنت أفرس مبدع )
( ونقشت في فص الزمان بدائعا ... تزري بآثار الربيع الممرع )
( وحويت ما تكنى به طرا فلم ... تترك لغيرك فيه بعض المطمع ) - من الكامل -
وقال من أخرى
( يا من له كل الذي يكنى به ... ومفرق العليا لديه مؤلف )
( غنت بسؤددك الحمام الهتف ... وحكت أناملك الغيوم الوكف )
( وتصرفت بك في المكارم والعلى ... همم على قمم النجوم تصرف )
( وملكت أحرار الكلام كأنها ... خدم وغلمان لأمرك وقف )
( وكأنما نور الربيع وزهره ... من وشي خطك في المهارق أحرف ) - من الكامل -
وقال
( إني أرى ألفاظك الغرا ... عطلت الياقوت والدرا )
( لك الكلام الحر يا من غدا ... معروفه يستعبد الحرا ) - من السريع -
وقال
( سبحان ربي تبارك الله ما ... أشبه بعض الكلام بالعسل )
( والمسك والسحر والرقى وابنه الكرم ... وحلي الحسان والحلل )
( مثل كلام الأمير سيدنا نثرا ... ونظما يسير كالمثل ) - من المنسرح -
وقال من أخرى
( يا كعبة المعالي ... وقبلة الآمال )
( وغرة الجمال ... وصورة الكمال )
( وطالع الإقبال ... وعارض الإفضال )
( وآفة الأموال ... بدر بني ميكال )
( كم لك من مقال ... أصفى من الزلال )
( أحلى من السلسال ... أبهى من اللآلى )
( أزكى من الغوالي ... أمضى من العوالي )
( أقضى من النصال ... أضوا من الهلال )
( أسرى من الخيال ... أبقى من الجبال )
( فاسلم على الليالي ... ودم بخير حال ) - من مجزوء الرجز -
وقد أوردت في هذا الباب من فصوص فصوله التي أخرجها من رسائله وبوبها في كتاب له وسمه بالمخزون ما يؤرخ به محاسن الكلام ويزيد في مفاخر الأقلام ويستحق أن يدعي لفظ الدر وخدع الدهر وعقد السحر وأتبعته من غرر شعره وثمار فكره بما تجمع منه اليد على البازي الأبيض والحجر الأسود والكبريت الأحمر والعيش الأخضر وملك بني الأصفر
فصول من باب وصف الكتب بالحسن والبلاغة ولطف المواقع من الكتاب المخزون المستخرج من رسائله
فصل إنه ألقي إلي كتاب كريم عنوانه غنم جسيم وعيانه فضل عميم فلو استطاع قلبي لسعى إليه إعناقا والتف عليه عناقا
فصل وصل كتابه فأدركت به بغية الحريص وخلتني يعقوب وقد بشر بالقميص
فصل كتابه تعلة الرجاء
وقوت النفس
وعلة النشاط وقوة الأنس
فصل كتابه أوصل الأنس إلى سواد القلب وصميمه وأماط الوجد وقد ألح في تصميمه
فصل أنا أولى بالحمد وقد لحظت مواقع أنامله وشمت بوارق فضائله من راعى الفقر وقد رأى القطر سكبا بعد سنين تتابعت جدبا
( فأصاخ يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح هيا ريا )
فصل الحمد لله ملء القلوب والضمائر وفوق وسع الحامد الشاكر إذ أقبلت غمامة من ناحيتك برقها خلق كريم وقطرها بر عميم فروت روض الأنس وقد اكتسى ذبولا وأهدى إليه من نسيم عهده صبا وقبولا حتى انجلت عنه غبرته وعادت إليه نضرته
فصل كتابك تميمة فضل وثمينة عقد ولطيمة خلق ويتيمة مجد وغنيمة بر
فصل كتابك يجلو صفحة العهد ويجيل قداح الأنس ويجل عن قدر الشكر
فصل نشرت من كتابك عصب اليمن
ونظرت منه إلى الطالع الأسعد والطائر الأيمن
فصل لقيت كتابك تحلية الإحسان والإبداع وحلية النواظر والأسماع ومسن الخواطر والطباع وصيقل الأفكار والألباب وعيار المعارف والآداب
فصل كتاب سلب الماء رقته والنحل ريقته
فصل كلامك شهدة النحل وثمرة الغراب وبيضة العقر وزبدة الأحقاب
فصل وصل كتابك فأذعنت القلوب لفضله بالاعتراف واختلفت الألسن في تشبيهه ببدائع الأوصاف فمن مدع أنه رقية الوصل وريقة النحل ومنتحل أنه سلاف العنقود وقائل هو نور خمائل وسحر بابل فأما أنا فتركت التمثيل وسلكت التحصيل وقلت هو سماء فضل جادت بصوت الحكم ووشى طبع حاكته سن القلم ونسيم خلق تنفست عنه روضة الكرم
فصل سررت بكتابك سرور من فدي بذبح عظيم وبشر بغلام عليم
فصل قلمك ترب البروق ونظيرها ويدك أم البلاغة وظئرها وكلامك هو الدر يستغني عن السلك والإبريز يجل عن السبك والسحر إلا أنه بريء من الشرك
فصل كتابك شريعة وردي ومهب شمالي ومرمى طرفي
ومسرح آمالي ونجي فكري وحلم هجودي وأرض خصبي وسماء سعودي ومن باب الإخوانيات
فصل أيام ظل العيش رطب وكنف الهوى رحب
وشرب الصبا عذب وما لشرق الأنس غرب
فصل أنا في مقاساة حر الشوق إليك كما اعتاد محمودا بخيبر صالب وفي تذكر الاجتماع معك كما اهتز من صرف المدامة شارب وفي تكلف الصبر
عنك كطالب جدوى خلة لا تواصل وفي القلق لفراقك كطائر جو أعلقته الحبائل
فصل أيامي معك بين غرة ولمعة وعيد وجمعة
فصل أنا أخو مودتك الذي لا يخشى نبوه وعقوقه وسهم نصرتك الذي نحو العدى نصله ونحوك فوقه
فصل إني لأجد ريح مولاي فأتنسم روح السكون ولا أقول لولا أن تفندون
فصل كنت كمن خرج يبغي قبسا فرجع نبيا مقدسا
فصل أشكو إليك شوقا لو عالجه الأعرابي لما صبا إلى رمل عالج أو كابده الخلي لانثنى على كبد ذات حرق ولواعج
فصل وودت لو أنه ركب الفلك الدائر وامتطى النجم السائر
وكان البرق زامتله والبراق راحلته والسماك هاديه والخضر حاديه والصبا إحدى مراكبه والجنوب بعض جنائبه لينقضي عمر الانتظار ونسعد بالقرب والجوار
فصل لا خير في ود لا يعرف إلا بشاهد ولا ينهض إلا براقد
مشرق السحنة واضح السنة بعيد من الظنة
فصل طالعت عهدي لديه ضاحي البشر ضاحك الزهر طلق الوجه باسم الثغر قد رفت عليه ظلال كرمه ورقت له حواشي أخلاقه وشيمه فحمى وجه بهائه أن يشحب ورونق مائه أن ينضب
فصل وصل كتابه لا أقبل دعوى ولا يعدله شهود ولا يعدله يوم مشهود
فصل أنا أتوقع كتابك أطول من ليلة الميلاد وأمتع من نسيم ريح الأولاد
فصل كتبت هذه الأحرف وأنا أود أن مدادها سواد طرفي وبياضها جلدة بين عيني وأنفي وحاملها دون سائر الناس كفي
فصل لا تفارق نفسي فيك أشواقها حتى تفارق الحمائم أطواقها
فصل لولا التعلل باللقاء لتصدعت أكباد وقلوب وكانت بيني وبين النوى شؤون وخطوب
فصل ما آسى إلا على أيام أمتعتني من مؤانستك بالعين طلقا ما عليه رقوب وأسعفتني من مجالستك بالدهر ليس فيه خطوب
فصل بي إليك شوق لم يكابده قلب متيم ووجد لم يدعه مالك لمتمم
فصل أنا في مفارقته كبنات الماء نضب عنها الغدير ونبات الأرض أخطأه النوء المطير
فصل شوق عابث أقاسيه
وأمتنع عنه الصبر فما يواسيه
فصل ذمام ودك عندي لا يخفر وإن أتيت بما لا يغفر ومن باب الشكر والثناء
فصل للنعم عماد من الشكر يحرسها أن تميل وتميد وعقال من الثناء والحمد يمنعها أن تبيد وتحيد وكثيرا ما يسكر الشارب بكأس سرورها
ويعشى عينه بشعاع نورها فيذهل عن حفظ ذمارها ويذهب عن واجب مرتبتها واستئمارها ويكون كمن أزعجها بعد الاستقرار وعرضها للنفار فلا يلبث أن يزل عن مرقاتها قدمه ويطول على ترك موجباتها ندمه ويحصل منها في برج منقلب وينظر من نعيمها في أعجاز نجم مغترب
فصل كم لك عندي من يد غضة ما لي بشكرها يدان وعلى عاتقي من ثقل منة يعجز عن حملها الثقلان
فصل لولا أن من عاداته متابعة النعم لقلت رفقا بكاهلي فقد أثقله الرفد وأناملي فقد أعياها العد لكنه الغيث لا يستكف واكف سحابه والبحر لا يزحم زاخر عبابه
فصل لو ملكت من مقاود البيان ما يملك من مقالة الإحسان لأجلبت عليه من شكري بخيل ورجل وجلبت إليه من فيض بناني سجلا بعد سجل وكلا فقد خذلتني عبارتي مذ تناصرت عندي مواهبه ونزفت بلاغتي منذ درت على سحائبه
فصل لا أعدمه الله نعمة يطوق الشكر جيدها ويمتري بلطافة الحمد مزيدها
فصل قلدني منة تندي ألسنة الشكر وتنادي بذكرها أندية الفضل
فصل ذاك فضل ملك عنانه ومقادته فقهر أعيانه وقادته
فصل لو استطعت لطرت إليه بأجنجة الجنائب وخطبت بالشكر على متون الكواكب
فصل ما هو إلا صوب كرم إذا فاضت منه سجال تلتها سجال وإذا جادت بها يمين رفدتها شمال
فصل خدمته أيام كانت رياسته سرا في ضمير الأيام ونورا في أكمام الظنون والأوهام
فصل أنامله فرصة كل وارد وعرضة كل قاصد
فصل يذب عن حرم المعالي بذباب حسامه ويحمي غربها بغرار أقلامه
فصل كم له من مكارم جدد منهج أطمارها وأذكى سنا أقمارها
فصل له الأمر المطاع والشرف اليفاع والعرض المصون والمال المضاع
فصل مساعيه ضرائر النجوم وأنامله ضرائر الغيوم
فصل أملى محاسنه وأيدي الأيام تكتب وأثنى بأياديه وألسنة الحال تشهد وتخطب
فصل وهو واحد العصر وثاني القطر وثالث الشمس والبدر
فصل ذاك سلطان فضل هو عرابة رايته وميدان سباق وهو عكاشة عنايته
فصل ما هو إلا صفيحة فضل طبعت من سكتك وسبيكة مجد ضربت على شكتك
فصل ما هو إلا نجم طلع في سمائك ومعنى اشتق من أسمائك
فصل أفاض عليه من صوب رشاشه ما أروى غلة مشاشه
فصل ثناء أطيب من فوح الأزاهر وأطيب من ترجيع المزاهر
فصل ثناء كما يتفتق المسك من أكمامه وينتفض الروض غب رهامه
فصل ما هو إلا لمعة من برقك ورذاذ من ودقك ونجم طلع في أفقك وشعلة قدحت من نارك ورشاش ارفض من سحابك
فصل أحيا كتابك مني نفسا مواتا ... وأنشر أملا رفاتا وتلافى حشاشة كانت من الهلك على شفا وبل ريقا لم يدع للناس فيه مرتشفا
ومن باب العتاب والذم وشكوى الحال
فصل عتاب من قلب خالص وصدر سليم من القوارص خير من ود سامري وعرض سائري
فصل لو تكللت بالشعرى العبور وتلثمت بالفجر المنير واتخذت الثريا وشاحا والجوزاء نطاقا واستعرت من الشمس ضياء ومن البدر إشراقا لما كنت إلا مغمورا خاملا وعقدا عاطلا
فصل لست أدري سبب عتبك فأتوب إليك توبة سحرة فرعون وأخلص وأعتذر إليك اعتذار النابغة إلى النعمان وأبلغ وأخضع لك خضوع المعزول للوالي بل خضوع الجرب للطالي وأضرع إليك ضراع الصبي للمعلم بل الذمي للمسلم
فصل كيف ترميني بظنة وقد علمت أن قلبي لودك غير مظنة
فصل صدعت بالعتاب أعشار فؤادي وتركتني بمنزلة ماء سال به الوادي
فصل سحب على ذنبه أذناب التجوز وستره بأجنحة التجاوز
فصل طويت ودي طي الطوامير ونبذت عهدي في المطامير
فصل عاد شرر عتبه ضراما وقوارص قوله سهاما
فصل إذا نطق لسان الاعتذار فليتسع نطاق الاغتفار
فصل جربني تجدني سهل الرجعة سمح المقادة قريب المنالة دائب الصنيعة جامد السكينة سريعا إلى المحافظة بطيئا عن الحفيظة
فصل رددني من جفائه زمانا بين إعراض وقطيعة وأوردني منها أوخم شريعة حتى إذا ورد كتابه وبي فرحة الظمآن وافق بلالا والعليل صادف إبلالا تضمن من مر العتاب ما هو أمض من القذف والسباب وكان كثاطة مدت بماء وجمرة أعينت بحلفاء
فصل وما زلت أداريه وألاطفه أؤمل أن تلين لي مكاسره ومعاطفه حتى إذا كشف لي قناع الجفوة ومد إلي ذراع السطوة جزيته صاعا بصاع وبسطت له باعا بباع وسعيت إلى معارضته بخطى وساع وكذلك من ساء سمعا ساء جابة ومن زرع مكرا حصد خلابة
فصل كشف لي قناع المجادل ورماني من عتبه بالجنادل
فصل قد تجاريت والدهر في الظلم إلى غاية واحدة واخترعتها في العقوق كل بدعة وآبدة لعلك تزيد عليه وطأ في الظلم ثقيلا وسبحا في التحيل طويلا بل أنت أبعد منه في الإساءة غورا وأحد في النكاية غربا وأجرى في المناكير قلبا لا بل أنت أكثر منه مذقا وأمر مذاقا وأظهر خلافا وأقل وفاقا فما هذه المكاشفة والمخاشنة وأين المهادنة والمداهنة وأين الحياء والتذمم والعفاف والتكرم وأين لين المكسر ولدونة المعطف وحلاوة المذاق وسهولة المقطف
فصل أنا من حاضر جفائك بين ناب ومخلب ومن منتظر وعدك بالرجعى
بين جهام وخلب
فصل كتابك أقصر من نبقه وأصغر من بقه وأخون من دره وأخفى من ذره
فصل النعمة عنده تكتسي من لؤمه أطمارا
وتشتكي غربة وإسارا
فصل طواني في أدراج نسيانه وألقاني في مدارج هجرانه
فصل حاجتي عنده في سر الوعد وإضماره وميدان المطل ومضماره
فصل ناديت منه من لا يمكن لفظي من سمعه ودعوت من ضره أقرب من نفعه
فقلت إذ أخلف التقدير لبئس المولى ولبئس العشير
فصل قرأت كلاما خير منه تعاطي السكوت وحجابا أقوى منه نسج العنكبوت
فصل لو خلع الصباح على عذري كسوته وأمده البلغاء من البيان ما يجلو صفحته ثم صلى منه بنار انتقاد ولم يرد من صفحه وإغضائه على لين مهاد لأتى بنيانه من القواعد وقطع زنده من الساعد
فصل يأبى الدهر إلا ولوعا بشمل وصل يشرده ونظام أنس يبدده ومخلب ظلم يحدده ولو انبسطت فيه يدي لكسرت جناحه وخفضت جماحه ولكنه الحية الصماء لا تستجيب لراقي والداء العضال لا يشفى منه طيب ولا واقي
فصل ما أقول في دهر يعطي تفاريق ويسترجعها جملا ويرجع أفاويق وقطعها عجلا يأتي شره دفعا ويواتي خيره لمعا إن هاجت نوازله خصت
الأحرار بالبطش وإن سكنت زلازله فكالصل ينبطح بالأرض ثم يثور للنهش
فصل لا تجز عن من عتابي فالمسك إذا سحق ازداد عبقا والورد إذا أحمي طاب عرقا ومن باب التهاني
فصل أهنأ النعم شربا وأمرعها شعبا ما جاء عفوا من غير التماس ودر سمحا بلا إبساس
فصل النعم إذا حلت بفنائه فاضت على الأحرار فيضا وكانت بينه وبينهم فوضى
فصل عمرك الله حتى ترى هذا الهلال قمرا منيرا وبدرا مستديرا يكثر به عدد أحفادك ويعظم به كمد حسادك
فصل الحمد لله على النجل الموهوب ومرحبا بقرة العيون وريحانة القلوب ولد سعيد يهنأ به أكرم والد ومجد طريف أضيف إلى شرف تالد فأبقاه الله لك بسطة عضد تتصل بذراعك وخلب كبد تطول به مدة إمتاعك
فصل ما ارتعنا لفقد الفقيد حتى ارتحلنا لقيام الخلف الحميد ولا استهل الباكي منا للرزية مستعبرا حتى تهلل للعطية مستبشرا
فصل من كانت النعم تزينه فإنها تلبس بك وشاح فخر وخيلاء وتحل من أفنيتك بطاح مجد وسناء
ومن باب العيادة
فصل أما علته فقد أرتني الفضل ترجف أحشاؤه فرقا والصبر تنقطع أجزاؤه فرقا
فصل كأني به وقد طلع كالحسام مجردا والهلال مجددا
فصل صادفني كتابه وفيه علة أجحفت بالجسد وتحيفت جوانب الصبر والجلد واستأنفت به برد الحياة ولبست عنه برد المعافاة
فصل كنت صريع سقم قد أولتني عقبه وزالت بالبرء عواقبه
فصل كنت رهين علل لا أرجو من صرعتها استقلالا ولا أؤمل من أسر وثاقها انحلالا فلم يزل لطف الله ينفث منها في العقد ويمسح جانب الداء والألم حتى أنشطني من عقال وأنهضني من كبوة وعثار
فصل برز من علته بروز السيف المحلى وفاز بالعافية فوز القدح المعلى
فصل لو استطعت لخلعت عليه سلامتي سربالا وأعرته من جسمي صحة وإقبالا فلست أتهنأ بالعافية مع سقمه
ولا أتمتع بنضارة عيشي مع شحوب جسمه
فصل كان من العلة بين أنياب وأظفار
ومن الردى على شفا جرف هار فتداركه الله برحمة رشت على سقمه ماء الشفاء ومجت برد العافية في حر الأحشاء
ومن باب التعازي
فصل لله تعالى في خلقه أقدار ماضية لا ترد أحكامها ولا تصد عن الأغراض سهامها والناس فيما بين موهبة تدعو إلى الشكر المفترض ومرزية يوثق فيها بجميل العوض
فصل الموت منهل مورود وسيان فيه والد ومولود
فصل كتبت والقلم هائم والدمع هام والكرب دائم والجفن دام
فصل كتبت وسكرات المنية بي محدقة ولحظات الأجل نحوي محدقة
فصل أعوذ بالله من كل ما يؤدي إلى موارط نقمته ويحجب عن موارد رحمته
فصل مصيبة طرقت بالمخاوف والأوجال وطرقت شرب الأماني والآمال وأعادت سرب العيش نافرا ووجه الحزن سافرا
فصل يا لها من مصيبة أصمى سهم راميها وأصم صوت ناعيها
فصل وفقه الله للصبر الذي إليه يرجع الجازع وإن أغرق في قوسه النازع
فصل هو من لا تستتر له النوازل عن عزيمة أناته ولا تفجعه الفجائع بسكينة حزمه وثباته
فصل طال تلهفي على هلال استسر قبل أن يقمر وغصن خضد قبل أن يثمر
فصل ما سلامة من يرى كل يوم راحلا مشيعا
وشملا مصدعا وصديقا مودعا
فصل شابت بعده لمم الأقلام وضلت مفاتيح الكلام ونضبت غدر الأفهام
فصل لا أملك في مصيبته إلا عبرات ترق ولا ترقأ وزفرات تهد ولا تهدأ
فصل قد نغص الموت كل طيب وأعيا داؤه كل طبيب
فصل الموت يكتال الأرواح بلا حساب ويغتال النفوس بلا حجاب
فصل لئن طواه الردى طي الرداء لقد نشرته ألسنة الثناء ومن باب السلطانيات
فصل بين ضرب يصدع جنوبا وطعن يدع الصدور جيوبا
فصل إذا عبأ للغزو كتائبه وأخرج نحو العدا مضاربه خفقت بنصره الأعلام ونطقت وراء رماحه الأقلام
فصل بين صفوف ترصف
وسيوف تقصف ورماح تنصف وأرواح تخطف حيث الدواهي سود المناظر والمنايا حمر الأظافر
فصل لا يقف لمناجزته عدو إلا عاد موطئ قدمه شفيرا
وكان سهم الردى إليه سفيرا
فصل أصبحوا كغثاء احتمله ظهر سيل جارف أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف
فصل لما مشى إليهم مشت قلوبهم في الصدور وحلت بهم قاصمة الظهور فهم بين أعمار تباح ودماء تساح وأجسام تطاح وأرواح تسفى بها الرياح
نبذ من شعره في الغزل
قال
( لقد راعني بدر الدجى بصدوده ... ووكل أجفاني برعي كواكبه )
( فيا جزعي مهلا عساه يعود لي ... ويا كبدي صبرا على ما كواك به ) - من الطويل -
وقال
( أنكرت من أدمعي ... تترى سواكبها )
( سلي جفوني هل ... أبكي سواك بها ) - من المجتث -
وقال
( إن لي في الهوى لسانا كتوما ... وفؤادا يخفي حريق جواه )
( غير أني أخاف دمعي عليه ... ستراه يفشي الذي ستراه ) - من الخفيف -
وقال
( يا من يبيت محبه ... منه بليلة أنقد )
( إن غبت عني سمتني ... وشك الردى وكأن قد ) - من مجزوء الكامل -
وقال
( عذيري من رام رماني بسهمه ... فلم يخط ما بين الحشا والترائب )
( فأصداغه يلسعني كالعقارب ... وألحاظه يفعلن فعل العقاربي ) - من الطويل -
وقال
( ومهفهف يهفو بلب ... المرء منه شمائل )
( فالردف دعص هائل ... والقد غصن كائل )
( والخد نور شقائق ... تنشق عنه خمائل )
( والعرف مثل حدائق ... نمت بهن شمائل )
( والطرف سيف ماله ... إلا العذار حمائل ) - من مجزوء الكامل -
وقال في مخمور جمش وجهه
( هبه تغير حائلا عن عهده ... ورمى فؤادي بالصدود فأزعجا )
( ما بال نرجسه تحول وردة ... والورد في خديه عاد بنفسجا ) - من الكامل -
وقال
( ومهفهف أبدى الجمال ... بخده روضا مريعا )
( فقد الطبيب ذراعه ... فجرى له دمعي ذريعا )
( وأمني وقع الحديد ... بعرقه ألما وجيعا )
( فأريته من عبرتي ... ما سال من دمه نجيعا ) - من مجزوء الكامل -
وقال
( وغزال منحته خالص الود ... فجازى بالصد والاجتناب )
( لم ألمه أن أتقى بحجاب ... ردني واله الفؤاد لما بي )
( هو روحي وليس ينكر للروح ... توار عن الورى بالحجاب ) - من الخفيف -
وله
( كتبت إليه أستهدي وصالا ... فعللني بوعد في الجواب )
( ألا ليت الجواب يكون خيرا ... فيشفي ما أحاط من الجوى بي ) - من الوافر -
وقال
( ظبي يحار البرق في بريقه ... غنيت عن إبريقه بريقه )
( فلم أزل أرشف من رحيقه ... حتى شفيت القلب من حريقه ) - من الرجز -
وقال
( شافه كفي رشا ... بقبلة ما شفت )
( فقلت إذ قبلها ... يا ليت كفي شفتي ) - من مجزوء الرجز -
وقال
( من لي كفيلا بشمل الأنس أجمعه ... بشادن حل فيه الأنس أجمعه )
( ما زال يعرض عن وصلي فأخدعه ... فالآن لي لان بعد الصد أخدعه ) - من البسيط -
وقال
( ويح جسمي من غزال ... مقلتاه شفتاه )
( هو إن جاد بلثم ... شفتاه شفتاه ) - من مجزوء الرمل -
وقال
( صدف الحبيب بوصله ... فجفا رقادي إذ صدق )
( ونثرت لؤلؤ أدمع ... أضحى لها جفني صدف ) - من مجزوء الكامل -
وقال
( ماذا عليه لو أباح ريقه ... لقلب صب يشتكي حريقه ) - من الرجز -
وقال
( بنفسي غزال صار للحسن كعبة ... يحج من الفج العميق ويعبد )
( دعاني الهوى فيه فلبيت طائعا ... وأحرمت بالإخلاص والسعي يشهد )
( فجفني للتسهيد والدمع قارن ... وقلبي فيه بالصبابة مفرد ) - من الطويل -
قطعة من شعره في الأوصاف والتشبيهات
قال في الريحان
( أعددت محتفلا ليوم فراغي ... روضا غدا إنسان عين الباغ )
( روضا يروض هموم قلبي حسنه ... فيه لكأس الأنس أي مساغ )
( وإذا بدت قضبان ريحان به ... حيث بمثل سلاسل الأصداغ ) - من الكامل -
وقال في الشقائق
( يصوغ لنا كف الربيع حدائقا ... كعقد عقيق بين سمط لآلي )
( وفيهن أنوار الشقائق قد حكت ... خدود عذاري نقطت بغوالي ) - من الطويل -
وقال فيه
( كأن الشقائق إذ برزت ... غلالة لاذ وثوبا أحم )
( قطاع من الجمر مشبوبة ... بأطرافها لمع من حمم ) - من المتقارب -
وقال فيه
( لاح لي في الرياض نور الشقيق ... فحكى لي غلائلا من عقيق )
( ما يشق الهموم مثل شقيق ... عند راح لكل روح شقيق ) - من الخفيف -
وقال في النرجس
( وما ضم شمل الأنس يوما كنرجس ... يقوم بعذر اللهو عن خالع العذر )
( فأحداقه أقداح تبر وساقه ... كقامة ساق في غلائله الحضر ) - من الطويل -
وقال
( أهلا بنرجس روض ... يزهي بحسن وطيب )
( يرنو بعيني غزال ... على قضيب رطيب )
( وفيه معنى خفي ... يزينه في القلوب )
( تصحيفه إن نسقت ... الحروف بر حبيب ) - من المجتث -
وقال في التيمن بالبنفسج
( يا مهديا لي بنفسجا أرجا ... يرتاح صدري له وينشرح )
( بشرني عاجلا مصحفه ... بأن ضيق الأمور ينفسح ) - من المنسرح -
وقال في ضد ذلك
( يا مهديا بنفسجا سمجا ... وددت لو أن أرضه سبخ )
( ينذرني عاجلا مصحفه ... بأن عهد الحبيب ينفسخ ) - من المنسرح -
وله
( ومدامة زفت إلى سلسال ... يختال بين ملابس كالآل )
( فبنى بها حتى إذا ما افتضها ... بالمزج أمهرها عقود لآلي ) - من الكامل -
وقال في اقتران الزهرة والهلال
( ومدامة زفت إلى سلسال ... يختال بين ملابس كالآل )
( فبنى بها حتى إذا ما افتضها ... بالمزج أمهرها عقود لآلي ) - من الرجز -
وقال في اقتران الزهرة والهلال
( أما ترى الزهرة قد لاحت لنا ... تحت هلال لونه يحكي اللهب )
( ككرة من فضة مجلوة ... أوفى عليها صولجان من ذهب ) - من الرجز -
وقال في الفجر
( أهلا بفجر قد نضا ثوب الدجى ... كالسيف جرد من سواد قراب )
( أو غادة شقت صدارا أزرقا ... ما بين ثغرتها إلى الأتراب ) - من الكامل -
وقال في وصف الثلج الساقط على غصون الشجر
( نثر السحاب على الغصون ذريرة ... أهدت لها نورا يروق ونورا )
( شابت ذوائبها فعدن كأنها ... أجفان عين تحمل الكافورا )
وقال في الجمد
( رب جنين من جنى نمير ... مهتك الأستار والضمير )
( سللته من رحم الغدير ... كأنه صحائف البلور )
( أو أكر تجمست من نور ... أو قطع من خالص الكافور )
( لو بقيت سلكا على الدهور ... لعطلت قلائد النحور )
( وأخجلت جواهر البحور ... وسميت ضرائر الثغور )
( يا حسنه في زمن الحدور ... إذا فيضه مثل حشى المهجور )
يهدي إلى الأكباد والصدور ... روحا تحاكى نفثة المصدور ) - من الرجز -
وقال في مدية وألقاه على طريق الإلغاز
( مأسورة أبدع في ... تركيبها أصحابها )
( تركبها الأيدي وفي ... هاماتها أذنابها ) - من مجزوء الرجز -
وقال في الخمر
( عيرتني ترك المدام وقالت ... هل جفاها من الكرام لبيب )
( هي تحت الظلام نور وفي الأكباد ... برد وفي الخدود لهيب )
( قلت يا هذه عدلت عن النصح ... أما للرشاد فيك نصيب )
( إنها للستور هتك وبالألباب ... فتك وفي المعاد ذنوب ) - من الخفيف -
وقال في السيف
( لي رفيق شهم الفؤاد يماني ... غزل في قصافة القضبان )
( لا يعني في العظم إلا إذا أصبح ... نشوان من نجيع قاني ) - من الخفيف -
وقال فيه
( خير ما استعصمت به الكف يوما ... في سواد الخطوب عصب صقيل )
( عن سؤال اللئام مغن وفي العظم ... مغن وللمنايا رسول ) - من الخفيف -
وقال في الفرس
( خير ما استظرف الفوارس طرف ... كل طرف لحسنه مبهوت )
( هو فوق الجبال وعل وفي السهل ... عقاب وفي المعابر حوت ) - من الخفيف -
غرر من شعره في الإخوان
قال
( وأخ إذا ما شط عني رحله ... أدنى إلي على النور معروفه )
( كالكرم لم يمنعه بعد عريشه ... من أن يقرب للجناة قطوفه ) - من الكامل -
وقال في مؤلف هذا الكتاب
( أخ لي أمان الود منه فرائد ... وألفاظه بين الحديث فرائد )
( إذا غاب يوما لم ينب عنه شاهد ... وإن شهد ارتاحت إليه المشاهد ) - من الكامل
وقال فيه
( قد أتاني من صديق كلام ... كلآل وانهن نظام )
( فسرى في القلب مني سرور ... مطرب يعجز عنه المدام )
( مثلما يرتاح شيخ بنات ... حوله من جمعهن زحام )
( فدعا الله طويلا يرجى ... خلفا من نسله ما يرام )
( وأتاه بعد يأس بشير ... قال يا بشراي هذا غلام ) - من المديد -
وقال
( بنفسي أخ قد برني بشكاته ... ولم يجعل الحمى دون ماله )
( فطاب ثناء بين أثناء سقمه ... كطيب نسيم الريح عند اعتلاله )
( بودي لو نفست عنه سقامه ... بنفسي لو نافسته في احتماله )
( فلم تصب الأوصاب راحة جسمه ... ولم تخطر الأشجان يوما بباله ) - من الطويل -
وقال
( تمت محاسنه فما يزري بها ... مع فضله وسخائه وكماله )
( إلا قصور وجوده عن جوده ... لا عون للرجل الكريم كماله ) - من الكامل
لمع من شعره في المداعبات وما يشاكلها
كتب إلى كاتب له
( أبا جعفر هل فضضت الصدف ... وهل إذ رميت أصبت الهدف )
( وهل جئت ليلا بلا حشمة ... لهول السرى سدفا في سدف ) - من المتقارب -
وقال
( يريد يوسع في بيته ... ويأبى به الضيق في صدره )
( فتى سخط النصب في قدره ... كما رضي الخفض في قدره ) - من المتقارب -
وقال
( لنا صديق يجيد لقما ... راحتنا في أذى قفاه )
( ما ذاق من كسبه ولكن ... أذى قفاه أذاق فاه ) - من مخلع البسيط -
وقال
( يا من دهاه شعره ... وكان غضا أمردا )
( سيان فاجأ أمردا ... في الخد شعر أم ردى ) - من مجزوء الكامل -
وقال
( لنا مغن سمج وجهه ... أبدع في القبح أبازيره )
( رام غناء فأبى صوته ... ورام ضربا فأبى زيره ) - من السريع -
وقال
( هو السؤل لا يعطيك وافر منه ... يد الدهر إلا حين أبصرته جلدا ) - من الطويل -
وفي المراثي
قال يرثي أبا بكر بن حامد البخاري
( يا بؤس للدهر أي خطب ... دها به الناس في ابن حامد )
( قد استوى الناس مذ تولى ... فما يرى موقف الحامد )
( يبكي على فقده ثلاث ... العلم والزهد والمحامد ) - من مخلع البسيط -
وله من قصيدة يرثي بها أبا القاسم علي بن محمد الكرخي
( هل إلى سلوة وصبر سبيل ... كيف والرزء ما علمت جليل )
( فجعتني الأيام لما ألمت ... بصديق وجدي عليه طويل )
( بأبي القاسم الذي أقسم المجد ... يمينا أن ليس منه بديل )
( كان معنى الوفاء والبر إن حال ... زمان فوده ما يحول )
( كان زين الندى في العلم والآداب ... ترعى رياضهن العقول )
( كان بدر النهى فحان أفول ... كان شمس الحجى فحان أصيل ) - من الخفيف -
ومنها
( خلق كالزلال زل عن الصخر ... ونفس للعيب عنها زليل )
( واجتناب لما يعيب من الأمر ... وعرض عن الدنايا صقيل )
( من يكن بعده العزاء جميلا ... فاجتناب العزاء فيه جميل )
ومنها
( أي مرأى ومنظر لا يهول ... من خليل عليه ترب مهيل )
( فعليه سلام ذي العرش يهديه ... إلى حشو قبره جبريل )
( وأتاه من رحمة الله كفل ... هو بالخلد في الجنان كفيل )
وقال في غلام له توفي في دهستان
( لي في دهستان لا جاد الغمام لها ... إلا صواعق ترمي النار والشهبا )
( ثاو ثوى منه في قلبي جوى ضرم ... يشب كالسيف حدا والسنان شبا )
( دعاه داعي المنايا غير محتسب ... فراح يرفل عند الله محتسبا )
( هلال حسن بدا في خوط أسلحة ... قد كاد يقمر لولا أنه غربا )
( لو يقبل الموت عنه فدية سمحت ... نفسي بأنفس ذخر دون ما سلبا )
( لكن أبي الدهر أن ترزا فجائعه ... إلا عقائل ما نحويه والنخبا )
( تراه قد نشبت فينا مخالبه ... فليس يبقي لنا علقا ولا نشبا )
( لئن أناخ على وفري بنكبته ... فالدين والعرض موفوران ما نكبا )
( أقابل المر من أحكامه جلدا ... بالحلم والصبر حتى يقضي العجبا ) - من البسيط
وفي التوجع وشكوى الدهر
قال
( يا دهر ما أقساك يا دهر ... لم يحظ فيك بطائل حر )
( أما اللثام فأنت صاحبهم ... ولهم لديك العطف والنصر )
( يبقى اللئيم مدى الحياة فلا ... يرتاع منه لحادث صدر )
( تصفو له الدنيا بلا كدر ... ويطيعه في عيشه اليسر )
( فمرامه سهل وكوكبه ... سعد وغصن سروره نضر )
( وعلى الكريم يد يسلطها ... منك الجفاء المر والقسر )
( إن ناب خطب فهو عرضته ... يفريه منه الناب والظفر )
( أو يبغ معروفا لديك غدا ... ينحي عليه حادث نكر )
( مرعاه جدب والحظوظ له ... حرب وجانب عيشه وعر )
( وجناه شوك والبحور له ... وشل وحشو فؤاده جمر )
( يا دهر دع ظلم الكرام فهم ... عقد لنحرك لو درى النحر )
( سالمهم واستبق ودهم ... فهم نجوم ظلامك الزهر ) - من الكامل -
وله في النكبة كفاناها الله تعالى
( جفون قد تملكها السهاد ... وجنب لا يلائمه مهاد )
( وأحداث أصابتني وقومي ... يذل من الحليم لها القياد )
( فقد شطت بنا وبهم ديار ... وفرق جامع الشمل البعاد )
( أقول وفي فؤادي نار وجد ... لها ما بين أحشائي اتقاد )
( وللأحزان في صدري اعتلاج ... وللأفكار في قلبي اطراد )
( ألا هل بالأحبة من لمام ... وهل شمل السرور بهم معاد )
( ولا والله ما اجتمعت ثلاث ... فراقهم وجفني والرقاد )
( فإن تجمع شتيت الشمل منا ... وفي الأيام جور واقتصاد )
( تنجزنا من الأحداث عهدا ... أكيدا لا يزاغ ولا يكاد )
( وكيف يصح للأيام عهد ... وشيمتها التغير والفساد ) - من الوافر -
وقال
( ما لليالي ولي كأن لها ... في مهجتي إن لقيتها غرضا )
( أظنها قد تراهنت جملا ... في رميها واتخذنني غرضا ) - من المنسرح -
وفي الحكمة والأمثال والزهد
قال في معنى لم يسبق إليه
( كم والد يحرم أولاده ... وخيره يحظى به الأبعد )
( كالعين لا تبصر ما حولها ... ولحظها يدرك ما يبعد ) - من السريع -
وقال في معنى آخر اخترعه
( لا تمنع الفضل من مال حبيت به ... فالبذل ينميه بعد الأجر يدخر )
( والكرم يؤخذ من أطرافه طمعا ... في أن يضاعف منه الأكل والثمر ) - من البسيط -
وقوله
( أخوك من إن كنت في ... نعمي وبؤس عادلك )
( وإن بدا لك منعما ... بالبر منه عادلك ) - من مجزوء الكامل -
وقوله
( جامل الناس في المعاش ... وخل المزاحمه )
( وتنصح وقل لمن ... يتعاطى المزاح مه ) - من مجزوء الخفيف -
وقوله
( يشقى الفتى بخلاف كل معاند ... يؤذيه حتى بالقذى في مائه )
( يهوى إذا أصفى الإناء لشربه ... ويروغ عنه عند صب إنائه ) - من الكامل -
وله
( دع الحرص واقنع بالكفاف من الغنى ... فرزق الفتى ما عاش عند معيشه )
( وقد يهلك الإنسان كثرة ماله ... كما يذبح الطاووس من أجل ريشه ) - من الطويل -
وقوله
( أمتع شبابك من لهو ومن طرب ... ولا تصخ لملام سمع مكترث )
( فخير عيش الفتى ريعان جدته ... فالعمر من فضة والشيب كالخبث ) - من البسيط -
وقوله
( أتركض في ميادين التصابي ... وقد ركض المشيب على الشباب )
( وتأمن نوبة الحدثان نفسي ... وما ناب لها عني بنابي )
( وكيف تلذ طعم العيش نفس ... غدت أترابها تحت التراب ) - من الوافر
وقوله
( قد أبى لي خضاب شيبي فؤاد ... فيه وجد بكتم سري ولوع )
( خاف أن يعقب الخضاب نصول ... ونصول الخضاب سير بديع ) - من الخفيف -
وقوله
( ذو الفضل لا يسلم من قدح ... وإن غدا أقوم من قدح ) - من السريع -
وقال وقد نظم كلام سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه
( تقصيرك الذيل حقا ... أبقى وأتقى وأنقى ) - من المجتث -
وقال
( عمر الفتى ذكره لا طول مدته ... وموته خزيه لا يومه الداني )
( فأحي ذكرك بالإحسان تودعه ... تجمع بذلك في الدنيا حياتان ) - من البسيط
الباب التاسع
في ذكر الطارئين على نيسابور من بلدان شتى على اختلاف مراتبهم فمنهم من فارقها ومنهم من استوطنها وسياقة الملح من كلامهم سوى من تقدم ذكره منهم في سائر الأبواب
90 - أبو عبد الوضاحي البشري محمد بن الحسين
شاعر ظريف الجملة والتفصيل ورد نيسابور فاستوطنها إلى أن توفي بها وله شعر كثير أخرجت منه ملحا قليلة كقوله في وصف الشموع
وهو معنى مبتذل
( عرائس تستضيء بها الكؤوس ... كأن ضياء أوجهها الشموس )
( لنا من حسنها أبدا نعيم ... لها منه مدى الأيام بوس )
( تذوق الموت ما سلمت وتحيا ... إذا ما قطعت منها الرءوس ) - من الوافر -
وقوله في الغزل
( بمثل هواك تنتهك الستور ... ويبدو ما تضمنه الضمير )
( يسر بما يسرك كل شيء ... يرى حتى يسر بك السرور )
( ولست البدر لكن فيك حسن ... تلاشى في دقائقه البدور ) - من الوافر -
وله من أخرى
( وما الناس إلا الرق منه مصاحف ... ومنه بأعناق النساء طبول ) - من الطويل -
وله من قصيدة
( عالم الغيب شاهد أن غيبي ... لك كالظاهر الذي ترتضيه )
( ليس فخري ولا اعتدادي بشيء ... غير أني في عالم أنت فيه ) - من الخفيف -
91 - أبو طاهر بن الخبز أرزي
قد تقدم ذكره عند ذكر أبيه وعمه وكان على انتحاله كثيرا من أشعار أهل عصره شاعرا لا بأس بكلامه ونقب في بلاد خراسان وأقام بنيسابور مدة ومن شعره السائر بنيسابور قوله لحاكمها
( كم من سعيد على الأيام قد نحسا ... وصاعد قد رماه الدهر فانتكسا )
( وحاكم ظن أني دون ثروته ... مذبذب فقرا لي وجهه عبسا )
( سنستجد خلاف الحالتين فلا ... أبقى فقيرا ولا تبقى لحكم نسا ) - من البسيط -
وقوله
( علي ثياب فوق قيمتها الفلس ... وفيهن نفس دون قيمتها الإنس )
( فثوبك مثل الشمس من تحتها الدجى ... وثوبي مثل الغيم من تحته الشمس ) - من الطويل -
وقوله
( وروضة راضها الندى فغدت ... لها من الزهر أنجم زهر )
( تنشر فيها أيدي الربيع لنا ... ثوبا من الوشي حاكه القطر )
( كأنما شق من شقائقها ... على رباها مطارف خضر )
( ثم تبدت كأنها حدق ... أجفانها من دمائها حمر ) - من المنسرح -
92 - أبو الحسن أحمد بن أيوب البصري المعروف بالناهي
ورد نيسابور فأقام بها سنين يشعر ثم فارقها إلى جرجان وألقى عصاه بها مدة إلى أن سار منها فأنشدني الدهخذا أبو سعيد محمد بن منصور قال أنشدني الناهي لنفسه في البعوض والبرغوث
( لا أعذر الليل في تطاوله ... لو كان يدري ما نحن فيه نقص )
( لي والبراغيث والبعوض إذا ... ألحفنا حندس الظلام قصص )
( إذا تغنى بعوضه طربا ... ساعد برغوثه الغنا فرقص ) - من المنسرح -
المعنى جيد وفي اللفظ خلل
وقوله
( كنت إذا أصبحت في حاجة ... أستعمل التقويم والزيجا )
( فأصبح الزيج كتصحيفه ... وأصبح التقويم تعويجا ) - من السريع
93 - أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي
أحد أفراد الدهر وأعيان العلم وأعلام الفضل وهو الإمام اليوم في النحو بعد خاله أبي الحسن بن أحمد الفارسي ومنه أخذ وعليه درس حتى استغرق علمه واستحق مكانه وكان أبو علي أوفده على الصاحب فارتضاه وأكرم مثواه وقرب مجلسه
وكتب إليه في بعض أيامه عنده هذه المعماة ليستخرجها
ما أسود غريب بعيد الدار قريب يقدم فحواه على نجواه ويتأخر لفظه عن معناه
له طرفان فأحدهما جناح نسر والآخر خافية صقر
يلقاك من مياسره سانح ومن ميامنه بارح
تجودك أنواؤه والسنون جماد وتسقيك سماؤه والعيش جهاد بينا تراه على كواهل الجبال حتى يتهيل الرمال قد تجافى قطراه عن واسطته وانضم ساقاه على راحلته
يخونك إن وفي لك الشباب ويفي لك إن جهدك الخضاب رفعته رفعة المنابر ورفقته رفقة المحابر يروي عن الأحمر وإن شئت عن يحيى بن يعمر
قد أفضى بك إلى روضة غناء ينعم رائدها وشريعة زرقاء يكرع واردها أخرجه أبا الحسين أسرع من خطفة عين
( وذاك له إذا العنقاء صارت ... مربية وشب ابن الخصي ) - من الوافر -
ولما استأذنه للصدر وقع في رقعته لا استدلال يا أخي على الملال أقوى من سرعة الارتحال لكنا نقبل العذر وإن كان مرفوضا ونبسطه وإن كان مقبوضا ولا أمنعك عن مرادك ووفاقك
وإن منعت نفسي مرادها بفراقك
فاعزم على ذلك وفقك الله في اختيارك ووصل النجح بإيثارك
وأصحبه كتابا إلى خالة أبي علي هذه نسخته
كتابي أطال الله بقاء الشيخ وأدام جمال العلم والأدب بحراسة مهجته وتنفيس مهلته وأنا سالم ولله حامد وإليه في الصلاة على النبي وآله راغب ولبر الشيخ أيده الله بكتابه الوارد شاكر فأما أخونا أبو الحسين قريبه أيده الله فقد ألزمني بإخراجه إلى أعظم منه وأتحفني من قربه بعلق مضنة لولا أنه قلل الأيام واختصر المقام ومن هذا الذي لا يشتاق إلى ذلك المجلس وأنا أحوج من كافة حاضرته إليه وأحق منهم بالمثابرة عليه ولكن الأمور مقدرة وبحسب المصالح ميسرة غير أنا ننتسب إليه على البعد ونقتبس فوائده عن قرب وسيشرح هذا الأخ هذه الجملة حق الشرح بإذن الله والشيخ أدام الله عزه يبرد غليل شوقي إلى مشاهدته بعمارة ما افتتح من البر بمكاتبته
ونقتصر على الخطاب الوسط دون الخروج في إعطاء الرتب إلى الشطط كما يخاطب الشيخ المستفاد منه التلميذ الآخذ عنه وينبسط إلي في حاجاته فإنني أظنني أجدر إخوانه بقضاء مهماته إن شاء الله تعالى
وتصرفت بأبي الحسين أحوال جميلة في معاودته حضرة الصاحب وأخذه بالحظ الوافر من حسن آثارها ثم وروده خراسان ونزوله نيسابور دفعات وإملائه بها في الأدب والنحو ما سارت به الركبان ثم قدومه على الشار صاحب غرسسان وحظوته عنده ووزارته له ثم وزارته للأمير إسماعيل بن سبكتكين ثم اختصاصه بعده بالشيخ أبي العباس الفضل بن أحمد الإسفرائيني وأبنائه بغزنة ورجوعه منها إلى نيسابور وإقامته بإسفارئين ثم مفارقته إياها إلى جرجان واستقراره بها الآن ومحله يكبر عن الشعر إلا أن بحر علمه ربما يلقى الشعر على لسان فضله
فمما أنشدنيه وحدثنيه أن رئيس مرور الروز سأله أن يجيز قول الشاعر
( سرى يخبط الظلماء والليل عاكف ... غزال بأوقات الزيارة عارف ) - من الطويل -
فقال
( وما خلت أن الشمس تطلع في الدجى ... وما خلت أن الوحش للإنس آلف )
( ولجلج إذ قال السلام عليكم ... ولا عجب إن لجلج القول خائف )
( وقمت أفديه وقلبي كأنه ... من الرعب مقصوص من الطير جادف )
( ولما سرى عنه اللثام بدت لنا ... محاسن وجه حسنه متناصف )
( وطال تناجينا ورق حديثنا ... ودارت علينا بالرحيق المراشف )
( ولا غرو أن لا باخل بخياله ... يسامحنا في وصله ويجازف )
( فيا لك لبلا قد بلغت به المنى ... يمانعني طورا وطورا يساعف )
( كأن يد الأيام عندي بوصله ... أيادي ابن حسان لدي السوالف )
( إذا ادخر الأموال قوم فذخره ... صنائع إحسان له وعوارف )
( ومن شغف البيض الأوانس قلبه ... فليس له إلا المكارم شاغف ) - من الطويل -
وله من قصيدة في الشيخ أبي الحسن علي ابن الشيخ أبي العباس الإسفرائيني
( فتى ساد في عصر الفتاء وقد حوى ... شتيت العلى من ساد عصر فتائه )
( يصدق ظن المرتجى ويزيده ... بأدنى لهاه فوق أقصى رجائه )
( فلا مطله يمتد قدام نيله ... ولا منه يشتد خلف عطائه ) - من الطويل
من الشد وهو العدو
ومنها
( ألا أبلغ الشيخ الجليل رسالة ... مترجمة عن شكره وثنائه )
( تقلبت في نعماك عشرا كواملا ... حلبت بهن العيش ملء إنائه )
( وأنقذت شلوي من يد الموت بعدما ... ترامته من قدامه وورائه )
( وسببت لي عيشا يسد خصاصتي ... ووجهي محقون صبابة مائه )
( أأكفر من صغرى أياديه مهجتي ... وبلغة عيشي من دقاق حبائه )
( أعدت قوى حبلي وشيدت بنيتي ... وكم رم بان مسترم بنائه )
( وتربية المعروف شرط تمامه ... وهل تم شرط دون ذكر جزائه )
الشرط والجزاء في النحو معروفان
( ولا بد من سر إليك أبثه ... ففي نفثه المصدور بعض شفائه )
( تمادى علي في الجفاء ولم أكن ... خليقا بما أبداه لي من جفائه )
( كأني يوما عقته عن سماحه ... كأني يوما لمته في سخائه )
( طوى كشحة من دون عتب أسره ... وجهل امرئ بالداء جهل دوائه )
( تكدر بالإدمان صفو وداده ... فحاولت بالإعتاب عود صفائه )
( فإن جر تخفيفي علي قطيعة ... فرب سقيم سقمه لاحتمائه )
وله من قصيدة
( ولا غصن إلا ما حواه فباؤه ... ولا دعص إلا ما خبته مآزره )
( وأمضى من السيف المنوط بخصره ... إذا شيم سيف تنتضيه محاجره ) - من الطويل -
وله من أخرى في الأمير خلف
( وما كتبت سطرا من الوجد أدمعي ... لنحوك إلا وهو بالدم معجم )
( ومالي ألقى في جنابك غلة ... وحوضك للعافين غيري مفعم )
( وقد يغتدي الوراد يبغون نجعة ... فيرزق مرتاد وآخر يحوم ) - من الطويل -
وله من أخرى
( كم أعقبت نوب الزمان جميلا ... وكفين خطبا قد ألم جليلا )
( لا تستقل جميل دهرك إنه ... ليس القليل من الجميل قليلا )
( واسأل بي الأيام حين جسسنني ... بخطوبها جس الطبيب عليلا )
( أقريتها لما نزلن بساحتي ... صبرا على ريب الزمان جميلا ) - من الكامل -
ومنها
( يرعى محياه الجميل رواؤه ... ثمر القلوب محبة وقبولا )
( حلو الكلام كأنما أنفاسه ... ألقت عليه خلقه المعسولا )
ومنها
( يا راكبا والجوسقان قصاره ... يجفو مبيتا دونه ومقيلا )
( قل للأمير إذا سعدت بوجهه ... وقضيت حق بساطه تقبيلا )
( لا تيأسن من الإله فروحه ... إن لم يغادك بكرة فأصيلا )
( وأمل لطائف صنعه فلطالما ... كشف الهموم وبلغ المأمولا )
( يا رب مكروه تعذر حله ... ليلا فاصبح عقده محلولا )
( وملمة أعيا نهارا خطبها ... أمست فسهل خطبها تسهيلا )
( ذكرتك الصبر الجميل وإنني ... كمذكر غزل النسيب جميلا )
وله في وصف الفرس من قصيدة
( ومطهم ما كنت أحسب قبله ... أن السروج على البوارق توضع )
( وكأنما الجوزاء حين تصوبت ... لبب عليه والثريا برقع - من الكامل -
94 - أبو سعد نصر بن يعقوب
تعقد عليه الخناصر بخراسان في الكتابة والبراعة في الصناعة
وله في الأدب تقدم محمود وفي المروءة قدم مشهورة وفي المعالي همة بعيدة وشهادة الصاحب له بالفضل تسجل بها أحكام العدل
وفيما أحكيه من كتابه إليه من ارتضاء تآليفه ونظمه ونثره غنى عن الإسهاب في ذكره والإطناب في وصفه
ولما بعث إلى حضرته بكتابه المترجم بروائع التوجيهات من بدائع التشبيهات مقرونا بكتاب يشتمل على كل صواب وقصيدة في فنها فريدة ورد عليه كتاب هذه نسخته
كتابي أطال الله بقاءك يا ولدي وقد شارفت أصبهان سالما والحمد لله حمدا دائما
ووصل كتابك أيدك الله فأنبأ من محاسنك عن مجال فسيح ونطق في فضائلك بلسان فصيح
وأذكر بحرماتك وإنها لمحصدة المرائر
وخبر
بقرباتك وإنها لخالصة السرائر
فأما كتاب التشبيهات فقد فرعت به كافة الأشباه وأنبهت على سبقك كل الإنباه
إذ تعاطاه ابن أبي عون فلم يطاول يدك
وحمزة بن الحسن فلم يبلغ أمدك وهذان شيخان مقدمان وفحلان مقرمان وما ظنك بكتاب نفرته على نظائره وصار ألزم لمجلسي من مساوره وحين هزني نثرك حتى كأنه نثر الورد عطفت على نظمك فإذا هو نظم العقد
وإني ليعجبني أن يكون الكاتب شاعرا كما يعجبني أن يكون الشعر سائرا فها نحن ندعيك في فضلاء هذا الصقع ونجتذبك اجتذاب الأصل للفرع فاكتب متى شئت عامرا من الحال ما أسست ومستثمرا من الخصوص ما غرست إن شاء الله
خاطبت أيدك الله في معنى الضيعة وليس حلها لك بمستنكر ولا إطعامك إياها بمستكثر إلا أن الرأي والرسم أوجبا أن يجعل بدء النظر تسويغا يعود من بعد تمليكا وتخويلا
فليقبض المرسوم لينتظر الموعود إن الهلال يدور بعد ليال بدرا كاملا والطل يكسب ثم يعود وابلا والحمد لله وصلواته على النبي محمد وآله
ولأبي سعد كتب كثيرة سوى ما تقدم ذكره فمنها كتاب ثمار الأنس في تشبيهات الفرس وكتاب الجامع الكبير في التعبير وكتاب الأدعية وحقة الجواهر في المفاخر وهي من مزدوجة بهجة في الأمير خلف وهو الآن يتولى عمل الفرض والإعطاء بنيسابور وإذا احتاج السلطان المعظم يمين الدولة وأمين الملة الإجابة عن كتب الخليفة القادر بالله أطال الله بقاءهما اعتمد فيها عليه لما يتحققه من حسن كلامه وقوة بيانه وغزارة بحره وشرف طبعه
وله شعر كثير قد كتبت منه ما حضرني الآن إلى أن الحق به أخواته
فمن ذلك قوله للصاحب من قصيدة أولها
( أبى ليس أن أبالي بالليالي ... وأخشى صرفها فيمن يبالي )
( حلولي في ذري ملك كطور ... رفيع مشرف الأعلام عالي )
( إلى شمس الشتاء إلى ظلال المصيف ... إلى الغمام إلى الهلال )
( إذا ما جاءه المذعور يوما ... وحل ببابه عقد الرحال )
( تبوأ من ذراه خير دار ... فلم يخطر لمكروه ببال ) - من الوافر -
ومنها عند ذكر القصيدة
( بودي لو نهضت بها ولكن ... ضعفت عن الحراك لضعف حالي )
وله إليه في صدر كتابه
( نعم رسول الخادم المحتشم ... إلى الوزير السيد المحترم )
( الصاحب البر الأجل الأكرم ... كافي الكفاة ولي النعم )
( مدبر الأرض وراعي الأمم ... بلغه الله أقاصي الهمم )
( ما في الكتاب من ثمار القلم ... ) - من الرجز -
وله من قصيدة إلى أبي محمد الخازن
( أتاني كتاب الشيخ مولاي بغتة ... فطار له غمي كما طاب موردي )
( وفيه معان لا تدين لكاتب ... وتعنو لعبد الله أعنى ابن أحمد )
( فأسكرن حتى دونها خمر بابل ... وأطربن حتى دونها لحن معبد )
( قرأت سوادا في بياض كأنه ... طراز عذار لاح في خد أمرد ) - من الطويل -
وله من أبيات في وصف الزلزلة
( أسقني كأسا كلون الذهب ... وأمزج الريق بماء العنب )
( فقد ارتجت بنا الأرض ضحى ... كارتجاج الزئبق المنسرب )
( وكأن الأرض في أرجوحة ... وكأنا فوقها في لولب ) - من الرمل -
وقوله في كسوف القمر
( كأنما البدر به الكسوف ... جام لجين رائق نظيف )
( في نصفه بنفسج قطيف ... ) - من الرجز -
95 - أبو نصر سهل بن المرزبان
أصله من أصبهان ومولده ومنشؤه قاين ومستوطنه الآن نيسابور وهو غرة في جبهة عصره وتاج على رأس أهل مصره وخارج بمحاسنه وفضائله عن المعتاد إلى ما لا يدرك بالاجتهاد
واقف من الآداب على أسرارها قاطف من العلوم أحلى ثمارها وبلغ من غلوه في محبتها وشدة حرصه على اقتناء كتبها
أن ركب إلى قرارتها بغداد الشقة وتحمل فيها المشقة ولم يرض بذلك مرة حتى كر إليها كرة ليس له بها غير الأدب أرب ولا سوى الكتب طلب أنفق على تلك الفوائد من الطارف والتالد ما عوضه عنه صنوف المحامد وقديما قيل
إنفاق الفضة على كتب الآداب يخلفك عليها ذهب الألباب
وليس اليوم بنيسابور ديوان شعر غريب يجري مجرى التحف ولا كتاب جديد يشتمل على بدائع الطرف إلا ومن عقده انتثر ومن يده انتشر ولا بها سواه من تسمو همته على يساره لارتباط الوراقين في داره وله من مؤلفاته كتاب
أخبار أبي العيناء وفيه يقول
( تفاءلت على علم ... بأخبار أبي العينا )
( إذا ما قرأ القاري ... بها قر بها عينا ) - من الهزج -
وله كتاب أخبار ابن الرومي مما ألفه لي وكتاب أخبار جحظة البرمكي وكتاب ذكر الأحوال في شعبان وشهر رمضان وشوال وكتاب الآداب في الطعام والشراب وله شعر كثير النكت وقد كتبت أنموذجا منه كقوله
( كم ليلة أحييتها ومؤانسي ... طرف الحديث وطيب حث الأكؤس )
( شبهت بدر سمائها لما دنت ... منه الثريا في قميص سندسي )
( ملكا مهيبا قاعدا في روضة ... حياه بعض الزائرين بنرجس ) - من الكامل -
وقوله
( قال لما قلت لم تهجرنا ... إن أتى برد وإن ثلج وقع )
( أنا كالحية أشتو كامنا ... ثم أنساب إذا الصيف رجع ) - من الرمل -
وقوله لبعض الرؤساء
( إذا ما سكت على ما أسأم ... فنفسي بتكليفه لا تفي )
( وإما نطقت فعيب يمض ... ولوم يجد ولم أنصف )
( فهل من سبيل إلى ثالث ... لأسلكه وهو عني خفي ) - من المتقارب -
وقوله
( لم ألق مثل أبي بكر معدلكم ... في الآدميين شبانا ولا شيبا )
( حكى علي أحاديثا أكاذيبا ... وفي اختلاس حقوقي قد حكى ذيبا ) - من البسيط
وقوله
( تسب صديقي في المجالس عائبا ... ومن عابه يوما كمن هو عائبي )
( فدع مثل هذا جانبا في الملاعب ... وإلا فدعني مثله في الملاعب ) - من الطويل -
وقوله في لدغة عقرب أصابته
( تداويت من أوجاع لدغ أصابني ... براح شفتي من سموم العقارب )
( فحمدا للطف الله حين أزالها ... ومن بعده حمد لفعل العقاربي ) - من الطويل -
وله في كتاب الذخيرة
( إذا أنت عالجت ذا علة ... فخذ للعلاج كتاب الذخيره )
( فنعم الذخيرة للمقتني ... ونعم الغياث لنفس خطيره ) - من المتقارب -
وله
( لا تجزعن من كل خطب عرى ... ولا تر الأعداء ما يشمت )
( أما سمعت الله في قوله ... ( إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) ) - من السريع -
وقوله
( مجاوزة الحد والاعتدال ... إلى ما يقود المنايا سريعه )
( فلا تفرطن في جميع الأمور ... فكل كثير عدو الطبيعة ) - من المتقارب -
وقوله
( تجنب شرار الناس واصحب خيارهم ... لتحذوهم في جل أفعالهم حذوا )
( فإن لأخلاق الرجال وفعلهم ... إلى غيرهم عدوى توافيهم عدوا ) - من الطويل
وكتب إليه مؤلف هذا الكتاب يحاجيه
( حاجيت شمس العلم فرد العصر ... نديم مولانا الأمير نصر )
( ما حاجة لأهل كل مصر ... في كل ما دار وكل قصر )
( يباع في الأسواق بعد العصر ... ) - من الرجز -
فكتب إليه
( يا بحر آداب بغير جزر ... وحظه في العلم غير نزر )
( حزرت ما قلت وكان حزري ... أن الذي عنيت دهن البزر )
( يعصره ذو قوة وأزر ... ) - من الرجز -
96 - أبو محمد الحسن بن أحمد اليروجردي
كاتب بحقه وصدقه متبحر في ترسله منقطع القرين في كتاب عصره آخذ بأزمة الكلام البارع يقودها كيف أراد ويجذبها كيف شاء قد خدم الصاحب في عنفوان شبابه وتأدب بآدابه واختص به وراض طبعه على أخذ نمطه ومن جانبه وقع إلى بلاد خراسان فاشتهر بها وسار كلامه فيها وهو الآن صدر كتاب الأمير أبي نصر أحمد بن علي الميكالي ولعل ما قد ارتفع من سواد رسائله إلى هذه الغاية يقع في أربعة آلاف ورقة وتزيد أبوابها على خمسة وعشرين وله محاضرة حسنة مفيدة
وشعر كتابي كثير المحاسن مستمر النظام ومن أوائله أن الصاحب اتهم بعض المرد في مجلسه بسرقة كتبه فقال
( سرقت يا ظبي كتبي ... ألحقت كتبي بقلبي ) - من المجتث -
وأمر أبا محمد بإجازته فقال
( فلو فعلت جميلا ... رددت قلبي وكتبي ) - من المجتث
وأنشدني بحضرته يوما هذان البيتان
( يا نسيم الريح من بلد ... خبري بالله كيف هم )
( ليس لي صبر ولا جلد ... ليت شعري كيف صبرهم ) - من المديد -
فأمره بإجازتهما فقال
( ولسان الدمع يشهد لي ... وهو ممن ليس يتهم ) - من المديد -
ومن ملحه قوله
( قد سمعنا بكل آبدة نكراء ... تبلى بمثلها الأحرار )
( وغفرنا الجميع للدهر لكن ... ما سمعنا بكاتب يستعار ) - من الخفيف -
وقوله في حوض لبعض الرؤساء
( حوض يجود بجوهر متسلسل ... ساد الجواهر كلها بنفاسته )
( لا زال عذبا جاريا ببقاء من ... هو مثله في طبعه وسلاسته ) - من الكامل -
وقوله من مزدوجة كتب بها إلى أبي سعد نصر بن يعقوب
( أهلا بمن أهدى إلينا الجونه ... ولا عدمنا أبدا مجونه )
( فقد أعاد منزلي خصيبا ... وازددت في الخير به نصبيا )
( فمن فراخ رخصة مسمنه ... قد جعلت برسمها مطجنه )
( وباقلاء كالليالي عظمت ... معقودة في سلكها قد نظمت )
( إذا التقطت حبها من الأقط ... حسبتني بها اللآلي ألتقط )
( وبعضها في خلة منقوع ... جوع الفتى بطيبه مدفوع )
( وفلك بالروع يدعى رازي ... خطفته باللقم خطف البازي )
( وبعد هذا كله شهد العسل ... ينزع عن ذائقه ثوب الكسل )
( شكرت مولاي على ما حملا ... ولا يساوي كل هذا جملا ) - من الرجز -
وكتب إلى صديق له
( بساط الأرض مسك أو عبير ... وزهر الروض وشي أو حرير )
( وللعيدان عيدان عليها ... بمنطق طيرها بم وزير )
( وقد صفى الزمان الخمر حتى ... لقد عادت لدينا وهي نور )
( ومن يرد السرور يعش هنيئا ... إذ العيش الهنيء هو السرور )
( وعندي اليوم فتيان كرام ... وجوههم شموس أو بدور )
( وقطب الأمر أنت وهل لأمر ... بغير القطب فيه رحى تدور )
( فرأيك في الحضور فحق يومي ... عليك وقد دعيت له الحضور ) - من الوافر -
وكتب إلى آخر
( حضرت مولاي للسلام ... وقت الضحر وهو في المنام )
( فقلت هذا دليل صدق ... عندي على جودة المدام )
( والعتب في تركه دعاني ... إليه في جملة الندام ) - من مخلع البسيط -
كتب
( يوم الثلاثا للسرور فلا تكن ... عنه بغير السرور مشتغلا )
( والدهر في غفلة وعيشك لا ... يطيب إلا والدهر قد غفلا )
( عجل وبادر بدار مغتنم ... فالدست والله لأمري عجلا ) - من المنسرح
وله في سكين
( سكين عز لمن مداه ... في العز يغنيه عن مداه )
( فلو سطا ضارب بعود ... لعاد سيفا على عداه ) - من مخلع البسيط -
97 - أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي
هو لمحاسن الأدب وبدائع النثر ولطائف النظم ودقائق العلم كالينبوع للماء والزند للنار يرجع معها إلى أصل كريم وخلق عظيم
وكان فارق وطنه الري في اقتبال شبابه
وقدم خراسان على خاله أبي نصر العتبي وهو من وجوه العمال بها وفضلائهم فلم يزل عنده كالولد العزيز عند الوالد الشفيق إلى أن مضى أبو نصر لسبيله وتنقلت بأبي النصر أحوال وأسفار في الكتابة للأمير أبي علي ثم للأمير أبي منصور سبكتكين مع أبي الفتح البستي ثم النيابة بخراسان لشمس المعالي واستوطن نيسابور وأقبل على خدمة الآداب والعلوم
وله كتاب لطائف الكتاب وغيره من المؤلفات
وله من الفصول القصار شيء كثير كقوله
تعز عن الدنيا تعز الشباب باكورة الحياة للهم في وخز النفوس أثر النفوس في خز السوس لسان التقصير قصير
ولا بأس أو أورد أنموذجا من سائر نثره البهج
وكلامه الغنج الأرج
رقعة في إهداء نصل
خير ما تقرب به الأصاغر إلى الأكابر
ما وافق شكل الحال وقام مقام الفال وقد بعثت بنصل هندي إن لم يكن له في قيم الأشياء خطر فله في قمم
الأعداء أثر والنصل والنصر أخوان والإقبال والقبول قرينان والشيخ أجل من أن يرى إبطال الفال ورد الإقبال
رقعة في الاستزارة يوم النحر
أمتع الله مولاي بهذا العيد واليوم الجديد وأطال بقاءه في الجد السعيد والعيش الرغيد
هذا يوم كما عرفه التاريخ العام وغرة الأيام قد قضيت فيه المناسك وأقيمت المشاعر وأديت الفرائض والنوافل وحطت عن الظهور بها الآصار والمثاقل فالصدور مشروحة وأبواب السماء مفتوحة والرغبات مرفوعة والدعوات مسموعة
وليت المقادير أسعدتنا بتلك المواقف الكرام والمشاعر العظام فنحظى بعوائد خيراتها ونستهم في محاسن بركاتها وإذ قد فاتنا ذاك فما أحوجنا إلى أن نحرم من ميقات الطرب
ونغتسل من دنس الكرب ونلبس إزار المجون ونلبي على تلبية الأوتار ونطوف بكعبة المزاح ونستلم ركن النشاط ونسعى بين صفاء القصف ومروة العزف ونقف بعرفة الخلاعة ونرمي جمرات الهموم ونقضي تفث الوساوس ونضحي ببدن الأفكار في العواقب فإن رأى أن يتفضل بالحضور لتتميم حجة السرور فعل إن شاء الله
رقعة في خطبة الود
أنا خاطب إلى مولاي كريمة وده على صداق قلب معمور بذكره مقصور على شكره
معترف بفضله عالم بتبريز خصله
على أن أصونها من غواشي
الصدر في سجوف
وأمسكها مدى الدهر بمعروف وأنحلها من عادة الرفق ودماثه الخلق ووطاءة الجناب ولطافة العشرة والاصطحاب ما لا تكتسي معه نفورا وانقباضا ولا تشتكي نشوزا وإعراضا فإن وجدني مولاي كفؤا له بعد أن جئت راغبا وبلسان الخطبة خاطبا أنعم بالإسعاف وجعل الجواب مقدمة الزفاف حاميا به ديباجه السؤال
عن خجلة الرد ووصمة المطال وقد قدمت بين يدي هذه النجوى صدقة طلبا للتحاب لا على حكم الاستحقاق والاستيجاب ومهما أنعم مولاي بقبولها أيقنت استكفاءه إياي لوده واستغرقت الوسع والإمكان في شكره
والتحدث بعظيم بره إن شاء الله تعالى
وله كتاب
هذا كتاب من ديوان العتب والاستبطاء إليك يا عامل الصدود والجفاء
أما بعد فقد خالفت ما أوجبه التقدير فيك وأخلفت ما وعده الظن بك وافتتحت ما توليته من عمل الوداد بهجران أطار وادع القرار
وأودع القلب أحر من النار
وتعقبته بخلع عذار الوفاء أصلا ومعاقرة ندمان الجفاء نهارا وليلا
وشغلك خمر الهجران وخمار النسيان عن ترتيب أمور المودة وتهذيب جرائد الوصال والمقة واستعراض روزنامجة الكرم واسترفاع ختمات العهد المقدم وتأمل مبلغ الورد والإخراج من الود وتعرف مقدار الحاصل والباقي من أثر الرعاية في القلب وسلطت أيدي خلفائك وهو عدة من إعراضك وصدك وجفائك على رعية النفس وهي التي جعلت أمانة عندك ووديعة قبلك فأسرفوا في استيكالها وهموا باجتياحها واغتيالها غير راع لحرمة الثقة بك ولا واف بشرط الاعتماد عليك ولا قاض حق الإيثار لك والاستنامة إليك ولا ناظر
لغدك إذا استعدت إلى الباب وطولبت برفع الحساب واستعرضت جريدة أفعالك واستقريت صحيفة أعمالك هنالك يتبين لك ما جنى عليك سوء صنيعك وما الذي جاش إليك فرط تضييعك فتصحو تارة عن سكرة جفائك وتسكر أخرى عن سورة أحبائك وكم تقرع من ندم أسنانك وتعض من سدم بنانك
هيهات لا ينفع إذ ذاك إلى القلب السليم والعهد الكريم والعمل القويم والسنن المستقيم ومن لك بها وقد سودت وجوه آثارك وتلقيت أمانة العهد بسوء جوارك وقبح إخفارك ولولا التأميل لفيأتك وارعوائك وانتهائك عن تماديك في غلوائك لأتاك من أشخاص الإنكار ما يقفك على صلاحك ويكفك عن فرط جماحك فاجل أعزك الله الغشاء عن عين رعايتك واطرح القذى عن شرب مخالصتك وارع ما استحفظته من أمانة الفؤاد واعلم بأنك مسئول عن عهدة الوداد واكتب في الجواب بما نراعيه منك وتعذر إن كان فيما أقدمت عليه لك إن شاء الله تعالى
رقعة استزارة
هذا يوم رقت غلائل صحوه وخنثت شمائل جوه وضحكت ثغور رياضه واطرد زرد الحسن فوق حياضه
وفاحت مجامر الأزهار وانتثرت قلائد الأغصان عن فرائد الأنوار
وقام خطباء الأطيار
فوق منابر الأشجار ودارت أفلاك الأيدي بشموس الراح في بروج الأقداح وقد سيبنا العقل في مرج المجون وخلعنا العذار بأيدي الجنون
فمن طالعنا بين هذه البساتين وأنواع الرياحين طالع فتيانا كالشياطين ونصارى يوم الشعانين فبحق الفتوة التي زان الله بها طبعك والمروة التي قصر عليها أصلك وفرعك إلا تفضلت بالحضور ونظمت لنا بك عقد السرور
رقعة أخرى
أمتع الله الشيخ بعنوان الشتاء وباكورة الديم والأنواء
وهنأه الله اليوم الذي هو نسخة جوده ومجاجة ماء أرواه الله بماء المجد من عوده
وعرفه من بركاته أضعاف قطر السماء بأقطاره وساحاته وأضحك قلوبنا ببقائه كما أضحك الرياض بأندائه وحجب عنه صروف الأيام كما حجب السماء عنا بأجنحة الغمام قد حضرني أيد الله الشيخ عدة من شركائي في خدمته فارتحت لاشتراكهم إياي فيما أدرعته من فضل نعمته وأشفقت من سمة التقصير لديه فقدت هذه الرقعة جنيبة عذر بين يدي عارض التقدير إليه وفي فائض كرمه ما حفظ شمل الأنس على خدمه لا زال مأنوس الجناب بالنعم الرغاب مأهول المعاهد بالقسم الخوالد
فصل في الإنكار على من يذم الدهر
عتبك على الدهر داع إلى العتب عليك واستبطاؤك إياه صارف عنان اللوم إليك فالدهر سهم من سهام الله منزعه عن مقابض أحكامه ومطلعه من جانب ما حررته مجاري أقلامه
والوقيعة فيه بمرس بحكم خالقه وباريه ومجاري الأشياء على قدر طباعها وبحسب ما في قواها وأوضاعها
ومن ذا الذي يلوم الأراقم على النهش بالأنياب والعقارب على اللسع بالأذناب وأنى لها أن تذم وقد أشربت خلقتها السم وحكم الله في كل حال مطاع وبأمره رضى واقتناع فاعف الزمان عن قوارص لسانك واضرب عليها حجاب الحرص بأسنانك واذكر قول النبي ( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ) وعليك بالتسليم لحكم العلي العظيم فذاك أحمد عقبى وأرشد دينا ودنيا
رقعة إلى صديق له قامر على كتب لها خطر فقمر
المحن أيدك الله معلقة بين جناحي تقدير وسوء تدبير
فأما التي تطلع من جانب المقدار فالمرء فيه معفى عن كلفة الاعتذار وأما التي أوكتها يده ونفخها فوه فليس لخرقها أحد يرفوه
وفي فصوص الأفلاك الدائرة ما يغني عن فصوص العظام الناخرة اللهم إلا إذا عميت عين الاختبار وصمت أذن الروية والاعتبار والله ولي الإرشاد إلى طريق الصواب والسداد
وبلغني ما كان من خطارك بما اعتددته غرة الغرر ودرة الدرر
ونهبة الأدب وزبدة الحقب
حتى قمرته الأيدي الخاطفة واختطفته الأطماع الجارفة فأعدمت من غير لص قاطع وأصبت بغير موت فاجع
فيا له من غبن يلزم المغرم ويحرق الأرم
ويقطع البنان ويحير العين واللسان نعم يا سيدي قد مسني من القلق لسوء اختيارك وقبح آثارك ما يمس من يراك بضعة من لحمه ودفعة من دمه ولا يميزك عن نفسه في حالتي وحشته وأنسه لكن من طباع النفوس الناطقة أن تنفر عمن يسيء النظر لذاته وتذهب عمن يعمل الفكر في مصالح أموره وجهاته
ومن غفل عن صلاح نفسه فهو أغفل عن صلاح من سواه ومن عجز عن تدبير ما يخصه فهو أعجز عن تدبير من عداه
والله يلهمك الصبر على ما جنته يدك ويدرعك السلوة عما أورطتك فيه نفسك ويجعل هذه الواحدة منبهة لك من سنة الضلال ومزجرة عن سنة الجهال
وبعد فلم ينقص من عمرك ما أيقظك ولا ذهب من مالك ما وعظك فإياك أن يطمعك اللجاج في معاودة تلك الخطة الشوهاء فإنها تأخذ منها أكثر مما تعطيك وتسخطك فوق ما ترضيك وإن يرد الله بك خيرا يهدك ويسعدك بيومك وغدك
ملح وغرر من شعره
قال
( له وجه الهلال لنصف شهر ... وأجفان مكحلة بسحر )
( فعند الابتسام كليل بدر ... وعند الانتقام كيوم بدر ) - من الوافر -
وقال
( بنفسي من غدا ضيفا عزيزا ... علي وإن لقيت به عذابا )
( ينال هواه من كبدي كبابا ... ويشرب من دمي أبدا شرابا ) - من الوافر -
وقال
( أيا ضرة الشمس المنيرة بالضحى ... ومن عجزت عن كنهها صفة الورى )
( عذرتك إن لم أحظ منك برؤية ... فأنت لعمري الروح والروح لا ترى ) - من الطويل -
وقال
( لي شادن ما أطيق الدهر هجرته ... أمن يجرعني داء يداويني )
( شمس تظللني نجم يضللني ... ماء يسكرني راح تصحيني ) - من البسيط -
وقال
( إني أضن بحبيه على سقمي ... وليس والله داء الحب بالأمم )
( قال الطبيب اقتصد يوما فقلت له ... أخشى خروج هواه مع خروج دمي ) - من البسيط -
وقال
( فتكت بمهجتي عمدا فهلا ... طويت الجرم في ثني اعتذارك )
( أرى نار الصدود على فؤادي ... فما بال الدخان على عذارك ) - من الوافر -
وقال
( بنفسي من نفسي لديه رهينة ... يجرعها صبرا ويمنعها الصبرا )
( أغار على قلبي فلما استباحه ... أغار على دمعي فنظمه ثغرا ) - من الطويل -
وقال
( وقائلة ما بال خدك كلما ... رآني يلقاني بصفرة جلباب )
( فقلت كذا بدر السماء إذا بدا ... أفاض على الغبراء صفرة زرياب ) - من الطويل -
وقال
( عجبت لفاقع سحنتي ومدامعي ... منهلة ورأته قبل موردا )
( فأجبتها لا تعجبن فإنه ... يصفر لون الزعفران من الندا ) - من الكامل -
وقال
( يا ذا الذي فتن الورى وبوجهه ... أخيا رسوما للمحاسن عافيه )
( يحكي محياه خلال عذاره ... علم السلامة في طراز العافيه ) - من الكامل -
وقال
( إذا رمت من سيد حاجة ... فراع لديه الرضا والغضب )
( فإن التهجم ليل المنى ... وإن الطلاقة صبح الأدب ) - من المتقارب -
وقال
( لا تحسبن هشاشتي لك عن رضى ... فوحق فضلك إنني أتملق )
( ولقد نطقت بشكر برك مفصحا ... ولسان حالي بالشكاية أنطق ) - من الكامل -
وقال
( شكرتك طول الدهر غير مقابل ... ندى لك بل جريا على طول منتي )
( ومن لك بالطرف الجواد بمسكه ... بلا سنبل يرعاه في أرض تبت ) - من الطويل -
وقال
( أدل على ثقة بالهوى ... وقلب تضمن صفو المقه )
( فلا تنكرن دلالا له ... فإن الدلال دليل الثقه ) - من المتقارب -
وقال
( أدى الخلاف لك الخلاف تشابها ... وكلاهما في الاختيار ذميم )
( لو كان خيرا في الخلاف لزانه ... ثمر ولكن الخلاف عقيم ) - من الكامل -
وقال
( الله يعلم أني لست ذا بخل ... ولست مطلبا في البخل لي عللا )
( لكن طاقة مثلي غير خافية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا ) - من البسيط -
وقال
( ما أنت في الأخذ من دون العطاء سوى ... صابون غاسلة معنى ومرتسما )
( فما ترى دسما يوما بظاهره ... ودأبه أبدا أن يغسل الدسما ) - من البسيط -
وقال
( لما سئلت عن المشيب أجبتهم ... قول امرئ في أمره لم يمذق )
( طحن الزمان بريبه وصروفه ... عمري فثار طحينة في مفرقي ) - من الكامل
وقال
( شيبي عزيز غير أن شبيبتي ... علق كريم لا يجاوزه الأمل )
( من ذا الذي ساوى سواد لحاظه ... ببياض عينيه وحسبك ذا المثل ) - من الكامل -
وقال
( تعلم من الأفعى أمالي طبعها ... وآنس إذا أوحشت تعف عن الذم )
( لئن كان سم ناقع تحت نابها ... ففي لحمها ترياق غائلة السم ) - من الطويل -
وقال
( يا من يقابل ديناري بدرهمه ... أقصر فدعواك طاووس بلا ريش )
( وأي عيب لعين الشمس إن عميت ... أو قصرت عنه أبصار الخفافيش ) - من البسيط -
وقال
( عليك بإغباب الوصال فضده ... يعيد حبال الود منك رثاثا )
( ولو كلف الإنسان رؤية وجهه ... لطلقه بعد الثلاث ثلاثا ) - من الطويل -
وقال
( أظن زمان السوء قارف أبنة ... فإني أراه يتبع العلج والغمرا )
( زففت إلى دهري عروس كفايتي ... فطلقها قبل الدخول بها عشرا ) - من الطويل -
وقال يعزي الشيخ أبا الطيب سهل بن أحمد بن سليمان عن ابنه
( من مبلغ شيخ أهل العلم قاطبة ... عني رسالة محزون وأواه )
( أولى البرايا بحسن الصبر ممتحنا ... من كل فتياه توقيع عن الله ) - من البسيط
وقال
( عليك عند اعتراض الهم بالقدح ... فإنه أبدا قداحة الفرح ) - من البسيط -
وقال
( عبس لما أن مسست نقله ... كأنني نزعت منه مقله ) - من الرجز -
وقال له يوما أبو الفتح البستي يا شيخ ما تقول في الكرنب فقال مرتجلا
( أطعمه إن لم يكن كرى بي ... )
98 - أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري
من أعاجيب الدنيا وذلك أنه من الفاراب إحدى بلاد الترك وهو إمام في علم لغة العرب وخطه يضرب به المثل في الحسن ويذكر في الخطوط المنسوبة لخط ابن مقلة ومهلهل واليزيدي ثم هو من فرسان الكلام وممن آتاه الله قوة وبصيرة وحسن سريرة وسيرة وكان يؤثر السفر على الوطن والغربة على السكن والمسكن ويخترق البدو والحضر ويدخل ديار ربيعة ومضر في طلب الأدب وإتقان لغة العرب
وحين قضى وطره من قطع الآفاق والاقتباس من علماء الشام والعراق عاود خراسان وتطرق الدامغان فأنزله أبو علي الحسن ابن علي وهو من أعيان الكتاب وأفراد الفضلاء عنده وبذل في إكرام مثواه وإحسان قراه جهده
وأخذ من أدبه وخطه حظه ثم سرحه بإحسان إلى نيسابور فلم يزل مقيما بها على التدريس والتأليف وتعليم الخط الأنيق وكتابة المصاحف والدفاتر اللطائف حتى مضى لسبيله عن آثار جميلة وأخبار حميدة
وله كتاب
الصحاح في اللغة وهو أحسن من الجمهرة وأوقع من تهذيب اللغة وأقرب متناولا من مجمل اللغة وفيه يقول أبو محمد إسماعيل بن محمد النيسابوري وعنده الكتاب بخط مؤلفه
( هذا كتاب الصحاح سيد ما ... صنف قبل الصحاح في الأدب )
( يشمل أنواعه ويجمع ما ... فرق في غيره من الكتب ) - من المنسرح -
وللجوهري شعر العلماء لا شعر مفلقي الشعراء وأنا كاتب من لمعه ما أنشدنيه أبو سعد بن دوست وإسماعيل بن محمد فمن ذلك قوله
( لو كان لي بد من الناس ... قطعت حبل الناس بالياس )
( العز في العزلة لكنه ... لا بد للناس من الناس ) - من السريع -
وقوله من نتفة
( فها أنا يونس في بطن حوت ... بنيسابور في ظلل الغمام )
( فبيتي والفؤاد ويوم دجن ... ظلام في ظلام في ظلام ) - من الوافر -
وقوله
( رأيت فتى أشقرا أزرقا ... قليل الدماغ كثير الفضول )
( يفضل من حمقه دائما ... يزيد بن هند على ابن البتول ) - من المتقارب -
وقوله
( يا صاحب الدعوة لا تجزعن ... فكلنا أزهد من كرز )
( والماء كالعنبر في قومس ... من عزه يجعل في الحرز )
( فسقنا ماء بلا منة ... وأنت في حل من الخبز ) - من السريع
99 - أبو منصور أحمد بن محمد اللجيمي
أديب كاتب شاعر خدم الصاحب ومدحه ورثاه ووقع من الدينور إلى نيسابور فتصرف بها وتأهل ومما أنشدنيه لنفسه قوله
( وقفت يوم النوى منهم على بعد ... ولم أودعهم وجدا وإشفاقا )
( إني خشيت على الأظعان من نفسي ... ومن دموعي إحراقا وإغراقا ) - من البسيط -
وقوله
( ودعت إلفي وفي يدي يده ... مثل غريق به تمسكت )
( فرحت عنه وراحتي عطرت ... كأنني بعده تمسكت ) - من المنسرح -
وقوله من قصيدة كتب بها إلى ابن بابك
( يا من يجددني مع الأوهام ... عهدا ويطرقني مع الأحلام )
( ومجال ودك إنه متحصن ... بمجال أفكاري مع اللوام )
( ما أومضت نحو العراق عقيقة ... إلا سرى معها إليك سلامي )
( فارجع إذا نحت الجبال تحية ... تحيي قتيل صبابة وغرام )
( ومخيم للأنس حف بفتية ... بيض الخلائق والوجوه كرام )
( تابعت فيه بادكارك مترعا ... حامى بوابل دمعي السجام )
( وتركت عرضته بذكرك روضة ... نابت عن النسرين والنمام )
( بأبي خلائفك التي لو أنها ... في الراح لم يك شربها بحرام )
( أوفي الزمان غدا نهارا كله ... لا يعقب الإصباح بالإظلام )
( أهدى إلي لك الحجيج عرائسا ... تجلي فتجلو نقبة الأفهام )
( ولا تغررك رائحة ... تصيبك من روائحها )
( فمادحها بغفلته ... يصير إلى فضائحها ) - من مجزوء الوافر -
109 - علي بن أبي علي العلوي
كان في نهاية النجابة فاحتضر في عنفوان شبابه وله شعر علق بحفظي منه ما أنشدنيه أخوه أبو إبراهيم له
( همم الرجال تبين في أفعالهم ... والفعل عدل شاهد للغائب )
( ولنا تراث المجد حزنا فضله ... عن خير ماش في الأنام وراكب ) - من الكامل -
والآن أخوه أحمد نعم العوض عنه والخلف منه
( والشمس تسليك عما حل بالقمر ... )
وله شعر حسن لا يحضرني منه إلا قوله
( هواك من الدنيا نصيبي وإنني ... إليك لمشتاق كجفني إلى الغمض )
( فزرني وبادر يوم ثلج كأنه ... شمائم كافور نثرن على الأرض ) - من الطويل -
110 - أبو البركات علي بن الحسين العلوي
يزين تالد أصله بطارف فضله ويحلي طهارة نسبه ببراعة أدبه ويرجع من حسن المروءة وكرم الشيمة وعفة الطعمة إلى ما تتواتر به أخباره وتشهد عليه آثاره ويقول شعرا صادرا عن طبع شريف وفكر لطيف كقوله من قصيدة
( لئن بلغت رزيته قلوبا ... فذبن وأعينا منا فجدنا )
( لما بلغت حقائقها ولكن ... على الأيام نعرف من فقدنا ) - من الوافر -
وله من قصيدة
( ولرب مخطفة تضم جفونها ... عيني مهاة بالصريمة خاذل )
( تغتال رامقها بقد رامح ... وتصيد وامقها بطرف نابل ) - من الكامل -
ومن أخرى
( يا ليلة حزنت فيها كواكبها ... وضاعفت كمدي أذيالها السود )
( أنت الفداء لليل شردت حزني ... فيه الأغاريد والغيد الأماليد )
( وقهوة في احمرار الورد شعشعها ... مورد الثوب في خديه توريد )
( تمر محثوثة حث الركاب بنا ... تحدو بها نغم القينات والعود )
( ما أنس لا أنس ذات الخال إذا حسرت ... قناعها فبدت تلك العناقيد )
( وأطلعت بمحياها وجمتها ... شمسا عليها رواق الليل ممدود )
( بي من هواها رسيس لا يزال له ... في حبه القلب تصويب وتصعيد ) - من البسيط -
ومن أخرى
( لا تلمني على الدموع التي لولاك ... لم تدم من جفوني غربا )
( طرف الغصن لا تلام على القطر ... إذا النار شعلت فيه رطبا ) - من الخفيف -
وله
( لو ضم قلب الدهر ما ضمه ... قلبي من حر النوى والبعاد )
( لاحترق الحوتان من دونه ... فصار ما بينهما كالرماد ) - من السريع -
100 - أبو جعفر محمد بن الحسين القمي
كاتب شاعر أقام بنيسابور يكتب للعمال ويتصرف في الأعمال وهو القائل
( أرى عمال نيسابور ... دهر الله في النحس )
( فمن يعمل بها يوما ... يقع شهرين في الحبس )
( بها يضرب بالقلس ... أعز الناس في فلس ) - من الهزج -
وقال في معقل وكان بندار نيسابور
( يا أيها الشيخ الكبير المفضل ... أقبض يديه فمعقل لا يعقل )
( ظلموه إذ ودعوا دواة عنده ... ولديه يوضع منجل أو معول ) - من الكامل -
وقال لأبي محمد بن أبي سلمة
( أيها الشيخ الذي كل الورى ... يتلقى وجهه بالتفديه )
( هل يوازي فضلك المشهور أن ... تحضر الديوان يوم الترويه ) - من الرمل -
وقال
( يا من إليه المعالي ... من كل أوب تحاز )
( إن لم يكن لي فيه ... شغل لديكم فجازوا ) - من المجتث -
وقال
( يقول الناس لي جامع ... خطيب المسجد الجامع )
( ومن ذا يأكل الميتة ... إلا الجائع النائع ) - من الهزج -
وقال
( يا جواد اللسان من غير جود ... ليت جود اللسان في راحتيكا ) - من الخفيف -
101 - أبو الغطاريف عملاق بن غيداق العثماني
أعرابي جهوري متقعر في كلامه كثير الشعر قليل الملح وممن ثقل حتى خف وقبح حتى ملح طرأ على نيسابور أطوارا وأقام بها في المرة الأولى بضع سنين ينتسب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه ويقرأ القرآن بجهارة شديدة ويشعر ويتعاطى الفواحش فإذا قيل له كيف أصبحت أيها الشريف قال أصبحت جوالا في السكك حلالا للتكك على رأسه طائركم معكم سرمدا وعلى جبينه ولن تفلحوا إذا أبدا وكثيرا ما ينشد لنفسه
( تلبس عملاق بن غيداق للشقا ... وللحزن والإفلاس أثواب حارس )
( يطوف بنيسابور في كل سكة ... خليفة مولاه طفيل العرائس ) - من الطويل
وذلك أن طفيل العرائس الذي ينسب إليه الطفيليون من موالي عثمان بن عفان رضي الله عنه
ومدح عملاق فائق الخاصة بقصيدة أولها وهو أمير شعره
( يا دولة أيدت بخالقها ... وبالأمير الجليل فائقها ) - من المنسرح -
فأمر بإثبات اسمه في جملته واستصحبه ووصله ولم يزل معه إلى أن فرق الدهر بينهما ثم إن الشيخ الجليل أبا العباس أحسن النظر له وأجرى إنعامه عليه ووصله وهو الآن ممن يعيش في كنفه ومما سمعته ينشد لنفسه قصيدة أولها
( لبسنا لهذا الفصل حمر المطارف ... وفيه انسلخنا من لباس المصايف )
( وفاقم صقلاب وأفتاك خدلج ... حذار رياح الزمهرير العواصف )
( وسنجاب خرخيد وسمور بلغر ... وأوبار آباء الحصين التوالف )
( مع الخز والديباج حيكا بتستر ... وبالسقلاطوني تحت الملاحف ) - من الطويل -
102 - أبو المعلى ماجد بن الصلت المعروف بناقد الكلام اليماني
ورد نيسابور متطرقا لها إلى غزنة وأدعى أكثر مما يحسن وأنشد لنفسه شعرا كثيرا أخرجت منه قوله في ممهد الدولة هذه
( بعدت صفاتك يا ممهد وادنت ... كغموض معنى في كلام ظاهر )
( خفيت وأظهرها الطباع خفية ... كالنور يوجد في سواد الناظر ) - من الكامل
وقوله
( لم يكفني بالري خيبة مطلبي ... حتى حرمت لذاذة الإيناس )
( كالأعور المسكين أعدم عينه ... وأعيض عنها بغضة في الناس ) - من الكامل -
وقوله
( إذا فكر الإنسان فكرة عاقل ... رأى عيشه معنى لمغنى مماته )
( إذا نال يوما زائدا في معاشه ... فذلك يوم ناقص من حياته ) - من الطويل -
وقوله
( أنت لعمري خير شر الورى ... ترضاك من ترضى بإقلال )
( والأعور المقوت مع قبحه ... خيز من الأعمى على حال ) - من السريع -
وقوله
( في ثغر عبد الكريم شيء ... من فمه ليس بالكريم )
( تحسب طول الحياة فاه ... يمج خمرا بغير ميم ) - من مخلع البسيط -
وقوله
( رب صديق قدمت من سفر ... فجئت من مقدمي أهنيه )
( لا حق لي عنده فيقضيه ... وحقه لا أزال أقضيه ) - من المنسرح -
وقوله
( ظلم امرؤ ندب التجار إلى العلى ... حسب التجار دفاتر الحسبان )
( همم لهم بين النقود وصرفها ... والسعر والمكيال والميزان ) - من الكامل -
وقوله
( لسان الحق أفصح من لساني ... وصمتي عن كلامي ترجماني )
( وأنت لمن رماه الدهر عون ... فكن عوني على صرف الزمان ) - من الوافر -
103 - عبد القادر بن طاهر التميمي أبو منصور
فقيه وجيه نبيه قليل الشبيه يتفقه على مذهب الشافعي ويتكلم على مذهب الأشعري ويرجع إلى رأس مال في الأدب والنحو وكان أبوه عبد الله انتقل من بغداد إلى نيسابور ومعه أبو منصور فتفقه بها وبرع وبلغ ما بلغ وله شعر يحذو في أكثره حذو منصور الفقيه البصري كقوله
( يا سائلي عن قصتي ... دعني أمت بغصتي )
( المال في أيدي الورى ... واليأس منهم حصتي ) - من مجزوء الرجز -
وقوله
( يا ماجدا فاق الورى ... لا زلت مأوى للقرى )
( علي دين مانع ... عيني من طيب الكرى )
( فكن لديني قاضيا ... يا خير من فوق الثرى ) - من مجزوء الرجز -
وقوله
( ألا إن دنياك مثل الوديعه ... جميع أمانيك فيها خديعه )
( فلا تغترر بالذي نلت منها ... فما هو إلا سراب بقيعه ) - من المتقارب -
وقوله
( إذا ضاق صدري وخفت العدى ... تمثلت بيتا بحالي يليق )
فبالله نبلغ ما نرتجى ... وبالله ندفع ما لا نطيق ) - من المتقارب -
وقوله
( سقتني لتروي الروح راحا وحققت ... مواعدها ذات الوشاح بإنجاز )
( على نرجس حيت به فكأنما ... أناملها انضمت على حدق البازي ) - من الطويل -
104 - أبو علي محمد بن عمر البلخي الزاهر
كان فارق بلدته في صباه وركب الأسفار إلى العراق والشام وتلقب بالزاهر مقتديا بقوم من الشعراء تلقبوا بالناجم والناشي والنامي والزاهي والطالع والطاهر ثم كر إلى خراسان وألقى عصاه بنيسابور وتكسب بالشعر واستكثر منه فمما علق بحفظي مما أنشدنيه لنفسه قوله ويروي لأبي الحسن علي بن محمد الغزنوي
( أقول وقد فارقت بغداد مكرها ... سلام على عهد القطيعة والكرخ )
( هواي ورائي والمسير خلافه ... فقلبي إلى كرخ ووجهي إلى بلخ ) - من الطويل -
وقوله
( قولوا لقوم بنيسابور أمدحهم ... عند الضرورة والإفلاس والضيق )
( أصبحت فيهم وحق الله خالقنا ... كمصحف دارس في بيت زنديق ) - من البسيط -
105 - أبو القاسم يحيى بن علي البخاري الفقيه
من أبناء التجار المياسير ببخارى وورد مع أبيه نيسابور متفقها وهو من آدب الفقهاء وأحفظهم لما يصلح للمحاضرة فبقي بها مدة واختير للإمامة في المسجد الجامع ولم يزل يتولاها إلى أن آثر العزلة فقاده زهده وورعه إلى المرابطة
بدهستان وهو بها الآن وكان أنشدني وكتب لي من شعره غررا لا يحضرني منها إلا قوله
( أيا من همه الجمع ... لما حاصله القوت )
( كأني بك يا نائم ... قد أيقظك الموت ) - من الهزج -
فصل
كان من حق هذا الباب أن يتضمن ذكر أبي الحسين الرخجي وأبي الحسن الممتاخي صاحب كتاب من غاب عند النديم وأبي الحسن الحنظلي السهروردي وأبي سعيد البلدي وأبي القاسم علي بن محمد الكرخي وأبي الحسن محمد بن عيسى الكرخي وأبي المظفر الكمال بن آدم الهروي وأبي الحسن علي بن محمد الحميري ولكن لم يحضرني شي من أشعارهم في هذه الغربة وإن نفس الله المهل وعاودت الوطن جبرت كسره بما يصلح له من كلامهم وإن عاق محتوم الأجل عن ذلك فإني أرغب إلى من ينظر بعدي في هذا الكتاب من الفضلاء الذين يصيدون شوارد الكلم وينظمون قلائد الأدب أن ينوب عن أخيه فيه ويلحق ما يجده منه بمواضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى وبه التوفيق ومنه الإعانة
480
الباب العاشر
في ذكر النيسابوريين الذين تقع محاسن أقوالهم في هذا الباب وكتبة لطائفهم وظرائفهم
106 - رئيس نيسابور أبو محمد عبد الله بن إسماعيل الميكالي
هو أشهر وذكره أسير وفضله أكثر من أن ينبه عليه وله مع كرم حسبه وتكامل شرفه فضيلة علمه وأدبه
وكان من الكتابة والبلاغة بالمحل الأعلى وله من سائر المحاسن القدح المعلى فكان يحفظ مائة ألف بيت للمتقدمين والمحدثين يهذها في محاضراته ويحلها في مكاتباته وله شعر كتابي يشير لشرف قائله لا لكثرة طائله فمن ذلك ما قاله على لسان كاتبه أبي الطيب
( يوم دجن قد تناهى طيبه ... وحقيق أن يجينا بالمطر )
( والثلاثاء ينادي غدوة ... ما للهو بعد هذا منتظر )
( هل يجوز الصحو في أثنائه ... إن هذا الرأي من إحدى الكبر ) - من الرمل -
وقوله في النكبة التي عرضت له في آخر أيامه
( خانني الأير حين خان زماني ... وجفاني كأنه إخواني )
( وثنى عني العنان غزال ... كان قبل المشيب طوع عناني )
( يتجنى علي من غير جرم ... ويراني كأنه لا يراني )
( كيف يصبو إلي وهو عليم ... أن أيري كعطفة الصولجان )
( ليس يرجى له انتباه من النوم ... ولا صبوة لذكر الغواني )
( كان من قبل سامعا مستجيبا ... مسعدا لي فعقني وجفاني )
( بل رآني مصادرا مستكينا ... فرثى لي من انقلاب الزمان )
( ولوى جيده فأصبح لدنا ... ينثنى تثني الخيزران )
( لا يجيب الصريح في غسق ... الليل ولا دعوة الوجوه الحسان )
( لم أكلفه حمل غرم ثقل ... لا ولا دفع معضل قد عراني )
( إنما الغرم والوبال على المال ... فماذا عليه مما دهاني )
( هل سمعتم بمقمع من حديد ... ذاب من فرط خيفة السلطان )
( ليته عاد تابعا لمرادي ... فأسلي به جوى الأحزان )
( أيها العاذلان حسبي ما بي ... فدعاني من الملام دعاني )
( وارثيا لي من البلاء وكفا ... إنني في يد الحوادث عاني )
( إن يكن خانني الأحبة طرا ... فشجاني جفاؤهم وبراني )
( فعلى الله في الأمور اتكالي ... وبه الاعتصام مما أعاني ) - من الخفيف -
107 - ابنة أبو جعفر محمد بن عبد الله بن إسماعيل
كان متقدما في الأدب
متبحرا في علم اللغة والعروض مصنفا للكتب مستكثرا من قول الشعر ولعل شعره يربى على عشرة آلاف بيت ولما أنشده أباه
قوله في مقصورة له هذا البيت
( إذا ركبت كنت خير راكب ... وإن نزلت كنت خير من مشى ) - من الرجز -
قال له استحييت لك يا بني ما تركت رسول الله وأمره بإسقاط هذا البيت من القصيدة فلم يفعل وعندي أن أمير شعره قوله
( إذا أراد الله أمرا بامرىء ... وكان ذا عقل ورأي وبصر )
( وحيلة يعملها في كل ما ... يأتي به جميع أسباب القدر )
( أغراه بالجهل وأعمى قلبه ... وسله من رأيه سل الشعر )
( حتى إذا أنفذ فيه أمره ... رد عليه عقله ليعتبر ) - من الرجز -
108 - الأستاذ أبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي
معلوم أنه كان في العلم علما وفي الكمال عالما ومن شاهد الآن ابنه الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد بن سليمان رأى شجرة للعلم نمت على عروقها ونفسا غذيت في حجر الفضل فجرت على سنن أولها
وأحيت فضائله بفضائلها
وولدا أشبه والده في الإمامة عند الخاصة والعامة
وله شعر كثير يذكر في شعر الأئمة ويروى لشرف صاحبه وتحسين الكتب بذكره فمن ذلك ما أنشدنيه الشيخ الإمام أبو الطيب قال أنشدني والدي لنفسه
( سلوت عن الدنيا عزيزا فنلتها ... وجدت بها لما تناهت بآمالي )
( علمت مصير الدهر كيف سبيله ... فزايلته قبل الزوال بأحوال ) - من الطويل -
وأنشدني له أبو الحسن الفارسي الماوردي الفقيه
( دع الدنيا لعاشقها ... ستصبح من ذبائحها )
( ولا تغررك رائحة ... تصيبك من روائحها )
( فمادحها بغفلته ... يصير إلى فضائحها ) - من مجزوء الوافر -
109 - علي بن أبي علي العلوي
كان في نهاية النجابة فاحتضر في عنفوان شبابه وله شعر علق بحفظي منه ما أنشدنيه أخوه أبو إبراهيم له
( همم الرجال تبين في أفعالهم ... والفعل عدل شاهد للغائب )
( ولنا تراث المجد حزنا فضله ... عن خير ماش في الأنام وراكب ) - من الكامل -
والآن أخوه أحمد نعم العوض عنه والخلف منه
( والشمس تسليك عما حل بالقمر ... )
وله شعر حسن لا يحضرني منه إلا قوله
( هواك من الدنيا نصيبي وإنني ... إليك لمشتاق كجفني إلى الغمض )
( فزرني وبادر يوم ثلج كأنه ... شمائم كافور نثرن على الأرض ) - من الطويل -
110 - أبو البركات علي بن الحسين العلوي
يزين تالد أصله بطارف فضله ويحلي طهارة نسبه ببراعة أدبه ويرجع من حسن المروءة وكرم الشيمة وعفة الطعمة إلى ما تتواتر به أخباره وتشهد عليه آثاره ويقول شعرا صادرا عن طبع شريف وفكر لطيف كقوله من قصيدة
( مدامعي تهتك أستاري ... تعلن بين الناس أسراري )
( أنكرت ما بي غير أن البكا ... قرر بالإقرار إقراري ) - من السريع -
ومنها
( أحببت خشفا ليس في مثله ... تحمل العار من العار )
ومنها
( كأنما إبريقنا طائر ... يحمل ياقوتا بمنقار )
ومنها
( كأن ريح الروض لما أتت ... فتت علينا مسك عطار )
وقوله
( وأغيد سحار بألحاظ عينه ... حكى لي تثنيه من البان أملودا )
( سلخت بذكراه عن الصبح ليلة ... أنادمه والكأس والناي والعودا )
( ترى أنجم الجوزاء والنجم فوقها ... كباسط كفيه ليقطف عنقودا ) - من الطويل -
وله
( مكذب الظن ناقص الأمل ... يقطر من خده دم الخجل )
( يكاد ينفض فص وجنته ... إذا علاه الحياء للقبل ) - من المنسرح -
وقوله
( يا عصبة الأتراك أولادكم ... من يوسف الحسن وبلقيس )
( ألحاظكم تحيي وتردي الورى ... وحسنكم فتنة إبليس )
( لا تقربوا مني ففي قربكم ... هلاك دين المرء والكيس ) - من السريع
وقوله من قصيدة
( وكأني ركبت للصيد ريحا ... لا يبالي بحزنها والسهول )
( أدهم اللون مثل ليل بهيم ... ذي صباح من غرة وحجول )
( فهو يطوي البسيط كالبسط طيا ... بيدي طالب ورجلي عجول ) - من الخفيف -
وقوله من نتفة
( الشيخ ينجز وعدا منه قد سبقا ... وليس الغصن من إفضاله الورقا )
( إني غريق ببحر المطل منتظر ... حالا تكشف عني الموج والغرقا ) - من البسيط -
111 - أبو الحسن محمد بن ظفر العلوي
شريف فاضل عالم زاهد يلبس الصوف وكان في صباه يقول الشعر فمن ذلك قوله
( أسكرني طرفه ولكن ... خمار أجفانه حمام )
( إن دمي عنده حلال ... وهو لدى غيره حرام )
( وهكذا سحر كل طرف ... يصنع ما تصنع المدام ) - من مخلع البسيط -
وله
( وأمرد أزهد من صهيب ... في علم موسى وتقى شعيب )
( إذا رأى شعر أبي ذؤيب ... أو فارسيات أبي شعيب )
( تحسبه أشعر من نصيب ... إن لم تساعدني فوي بي وويبي ) - من الرجز -
وله
( إذا عضك الدهر الخؤون بنابه ... وأسلمك الخدن الشفيق إلى الهجر )
( فلا تأسفن يا صاح واصبر تجلدا ... فلا شيء عند الهجر أجدى من الصبر ) - من الطويل -
112 - أبو العباس محمد بن يحيى العنبري
من أبناء نيسابور وأهل البيوتات بها وله شعر كثير منه
( لا يشغلنك حديث ما في الكاس ... شرب المدام محلل في الناس )
( الله حرم سكرها لا شربها ... فاشرب هنيئا يا أبا العباس )
( صفراء صافية كأن شعاعها ... ضوء الصباح وشعلة المقباس )
( تنفي بها داء وحزنا كامنا ... في القلب ليس بشربها من باس )
( وإذا قميصك بللته مدامة ... وعرتك منه وساوس الخناس )
( فدع القميص يشم منه ريحها ... واغسل فؤادك من أذى الوسواس ) - من الكامل -
وقوله
( متفقه شغف الفؤاد بحبه ... خضعت محاسن وجهه لمحبه )
( أحببت كورة زوزن من أجله ... ورجالها ونساءها من حبه ) - من الكامل -
وله
( يقول الناس لي رجل سديد ... وما فعلي بفعل فتى سديد )
( إذا ما كنت لا أخشى وعيدا ... فما يغني مقالي بالوعيد ) - من الوافر -
113 - أبو سلمة بن أحمد المعاذي
حضر بعض مجالس الأنس بنيسابور فانصبت محبرة فتى مليح على ثوبه فخجل الفتى فقال أبو سلمة
( صب المدام وما تعمد صبه ... فتورد الخد البديع الأزهر )
( يا من يؤثر حبره في ثوبنا ... تأثير لحظك في فؤادي أكثر ) - من الكامل -
114 - أبو سهل سعيد بن عبد الله التكلي
من أدباء نيسابور وفضلاء المتصرفين بها يقول
( وكان فؤادي جامحا في عنانه ... إذا انتابه العذال في غيه أبى )
( وأقصر عن قصد التصابي وصده ... مقال بني بعد خمسين يا أبا ) - من الطويل -
وقوله
( هموم تفيض وصبر يغيض ... وجسم صحيح وقلب مريض )
( يبيض ما اسود من لمتي ... خطوب حداهن سود وبيض )
( ورؤية من يدعي أنه ... علا فلك الشمس وهو الحضيض )
( فإن سكتوا فشفاه تغيض ... وإن نطقوا فبظور تحيض )
( وأمتع من شرب كأس الحمام ... حياة يشارك فيها بغيض ) - من المتقارب
وقوله
( ألا قالت أمامة إذ رأتني ... وماء الوجه بالجادي شيبا )
( تعرتك الهموم فقلت حقا ... هموم تجعل الولدان شيبا ) - من الوافر -
وقوله
( إن المقصر في الحضور لخدمة ... في مثل هذا اليوم للمعذور )
( يوم كأن الأرض فيه سنجنجل ... والجو فيه صارم مأثور ) - من الكامل -
115 - القاضي أبو بكر عبد الله بن محمد البستي
آدب قضاة نيسابور وأشعرهم ولما تقلد قضاءها في أيام شبيبته مضافا إلى ما كان يليه من قضاء كورة نسا لقب بالكامل وله شعر كثير كتب لي بخطه صدرا منه وأنشدني بعضه فمن ذلك قوله
( انظر إلى النفس وهي واقفة ... نصب عيون الوشاة والحرس )
( يخفى على الناظرين موقفها ... كأنها نفس آخر النفس ) - من المنسرح -
وله
( قل للذي حبس الفؤاد بصده ... فوددت أني عند ذاك فؤادي )
( مسترخص المبتاع لا يغلى به ... ولذاك ما أرخصت بيع ودادي ) - من الكامل -
وقوله
( يقولون أبل العذر فيما ترومه ... فإبلاء عذر في الأمور نجاح )
( فقلت لهم إبلاء عذر وخيبة ... نجاح كما افتض العروس نجاح ) - من الطويل
وله في وصف طين الأكل
( وتحفة نقلنيها غاليه ... ذو همم في المكرمات عاليه )
( شبهتها من بعد ما أهدى ليه ... قطاع كافور عليها غاليه ) - من الرجز -
وله في البندق
( وبندق لبه عجيب ... للدر والمسك فيه شركه )
( أشبه شيء به يقينا ... لؤلؤة ضمخت بمسكه ) - من مخلع البسيط -
وله في الورد
( حيا بما خجل العقيق للونه ... لما أتاني في الصباح بورده )
( لولا لحاظي خده من بعده ... لقضيت أن عليه جلدة خده ) - من الكامل -
وله في الورد الموجه
( حباني بورد جامع بين وصفه ... ووصفي لما زرتهم وجفوني )
( على جانب منه تورد خده ... وفي جانب منه تلون لوني ) - من الطويل -
وله في البهار
( حكاني بهار الروض حتى ألفته ... وكل مشوق للبهار مصاحب )
( وقلت له ما بال لونك شاحبا ... فقال لأني حين أقلب راهب ) - من الطويل -
وله
( يا من قنعت بحس رأي ... منه لو أعطيت رايه )
( إن قمت في أمري برأي ... صادق أعطيت رايه ) - من مجزوء الكامل
وله
( مستبد برأيه ... عازب الرأي معجب )
( وتماديه بعد ما عرف ... الغي أعجب ) - من مجزوء الخفيف -
وله
( يعجبني من كل شعر جزل ... جيد جد وركيك هزل ) - من الرجز -
116 - أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن دوست
من أعيان الفضلاء بنيسابور وأفرادهم يجمع من الفقه والأدب بين التمر والرطب
ومن النظم والنثر بين الياقوت والدر وشعره كثير الملح والنكت حسن الديباجة كأنه يصدر عن طباع المفلقين من شعراء العراق وهذا أنموذج منه
( ألا يا ريم خبرني ... عن التفاح من عضه )
( وحدث بأبي عن حسنك ... البكر من افتضه )
( وختم الله بالورد ... على خدك من فضه )
( لقد أثرت العضه ... في وجنتك الغضه )
( ولاح الدر إذ بض ... على جلدتك البضه )
( كلون العنبر الوردي ... إذا فض عن الفضه ) - من الهزج
وله
( ولقد مررت على الظباء فصادني ... ظبي وعهدي بالظباء تصاد )
( نفذت لواحظه إلي بأسهم ... أغراضها الأرواح والأجساد ) - من الكامل -
وله
( جعلت هديتي لكم سواكا ... ولم أقصد به أحدا سواكا )
( بعثت إليك عودا من أراك ... رجاء أن أعود وأن أراكا ) - من الوافر -
وله
( ومهفهف ملك القلوب وحازا ... خط الجمال بعارضيه طرازا )
( شبهته قمرا فكان حقيقة ... وغدا له قمر السماء مجازا )
( ما باع بزا قط إلا أنه ... بز القلوب فلقب البزازا ) - من الكامل -
وله
( وشادن نادمت في مجلس ... قد مطرت راحا أباريقه )
( طلبت وردا فأبى خده ... ورمزت راحا فأبى ريفه ) - من السريع -
وله
( وشادن قلت له ... هل لك في المنادمه )
( فقال رب عاشق ... سفكت بالمنى دمه ) - من مجزوء الرجز -
وله
( يغيب البدر يوما ثم يبدو ... فما لك غبت عن عيني ثلاثا )
( فإن لم تطلع الاثنين عصرا ... فلست بواجدي يوم الثلاثا ) - من الوافر
وله
( وقالوا اصفر وجهك إذ تراءى ... وقد صار الفؤاد له شعاعا )
( فقلت لأنني قابلت بدرا ... فقد ألقى على وجهي الشعاعا ) - من الوافر -
وله
( الدهر دهر الجاهلين ... وأمر أهل العلم فاتر )
( لا سوق أكسد فيه من ... سوق المحابر والدفاتر ) - من مجزوء الكامل -
وله
( عليك بالحفظ دون الجمع في كتب ... فإن للكتب آفات تفرقها )
( الماء يغرقها والنار تحرقها ... والفار يخرقها واللص يسرقها ) - من البسيط -
وله في الفصد
( لما رأيت الجسم ذا اعتلال ... ودبت الآلام في أوصالي )
( دعوت شيخا من بني الجوالي ... بطريق عم جاثليق خال )
( فسل سيفا ليس للقتال ... ومرهفا ليس من العوالي )
( أدق في العين من الخيال ... أقطع من هجر ومن ملال )
( أحسن من وصل ومن إقبال ... كأنه نصف من الهلال )
( ففتح القفل عن القيفال ... بضربة تشبه نصف الدال )
( أو شكلة في موضع الأشكال ... ولج دمع العرق في انهمال )
( كقهوة تبزل بالمبزال ... فولت العلة في انفلال )
( فأقبلت عساكر الإقبال ... محفوفة بالبرء والإبلال )
( ومثل الجسم من المثال ... كأنما أنشط من عقال ) - من الرجز
وله
( قل للأمير الأريحي الذي ... نفديه بالأنفس إن جازا )
( جودك قد أورق لي موعدا ... فكيف لا يثمر إنجازا ) - من السريع -
وقوله
( أيها البدر الذي يجلو الدجى ... قل لنجمي في الهوى كم تحترق )
( أنا من جملة أحرار الهوى ... غير أني من هواكم تحت رق ) - من الرمل -
117 - أبو عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي
هو وأخوه أبو سهل من حسنات نيسابور ومفاخرها فأبو عبد الرحمن من الأعيان الأفراد في الفقه وأبو سهل من الأعيان الأفراد في الطب
وما منهما إلا أديب شاعر آخذ بأطراف الفضائل فمن ملح شعر أبي عبد الرحمن قوله
( وذي جدال لنا كشفت له ... عن خطأ كان قد تعسفه )
( فلم يجبني بغير ما ضحك ... والضحك في غير حينه سفه ) - من المنسرح -
وله
( أدرك بقية نفس روحها رمق ... فقد أذابت هموم الناس أكثرها )
( وإنما سلمت منها بقيتها ... لأنها خفيت ضعفا فلم ترها ) - من البسيط -
وله
( أعرضت لما عرضت ... سهام لتك الحدق )
( ظنت أني هارب ... منها بأدنى رمق )
( فقال لي فيها الهوى ... هيهات مما تتقي )
( إن سهام الحدق ... لا تتقى بالدرق ) - من مجزوء الرجز -
وله
( نحن في مجلس أنس ... بك تحقيق مجازه )
( لطف الدهر عزيز ... فتجلد لانتهازه )
( قد نسجنا الأنس ثوبا ... فتفضل بطرازه ) - من مجزوء الرمل -
وله
( يوم غيم زاد قلبي شجنا ... ذو نشيج وهو قد أنشجنا )
( وسحاب قد حكى لما بكى ... يوم قالوا عارض ممطرنا ) - من الرمل -
وله
( تغاض عن البخيل ولا تلمه ... ودع ما في يديه ولا ترمه )
( ومن لم يحو غير المال فضلا ... وجاد بفضله جهلا فلمه ) - من الوافر -
وله
( خلعت خفي من خلع ... ذا السحاب عذاره )
( فاليوم ليل ظلام ... والأرض حش قذاره )
( من حق ذا العقل فيه ... أن لا يفارق داره ) - من المجتث
وله
( أما تراني على بغي العلاء لأحمال ... العناء حمولا دائم النصب )
( فما استوى شرف إلا على كلف ... ولا صفا ذهب إلى على لهب ) - من البسيط -
وله
( أفدي الذي أكره أن أفديه ... لأنه جل عن التفديه )
( يقتل بالعين ولا بد لي ... من طلبي من شفتيه الديه ) - من السريع -
وله
( إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمنك البعاد )
( وانتظر العود عن قريب ... فإن قلب الوداع عادوا ) - من مخلع البسيط -
وله من نتفة
( للنار في وجه من أحببته أثر ... فاللون في خده والفعل في كبدي ) - من البسيط -
118 - أبو سهل بكر بن عبد العزيز النيلي
قد تقدم ذكره وجاء الآن شعره قال
( قد رضت باليأس نفسي ... فعل اللبيب الحكيم )
( قنعتها بكفاف ... وفيه كل النعيم )
( فما يد لكريم ... عندي ولا للئيم )
( وللقناعة روح ... يا طيبه من نسيم ) - من المجتث -
وقال
( يا مفدى العذار والخد والقد ... بنفسي وما أراها كثيرا )
( ومعيري من سقم عينيه سقما ... دمت مضنى به ودمت معيرا )
( سقني الراح تنف لوعة قلب ... بات مذ بنت للهموم سميرا )
( هي في الكأس خمرة فإذا ما ... أفرغت في الحشى استحالت سرورا ) - من الخفيف -
وقال
( رجوت دهرا طويلا في التماس أخ ... يرعى ودادي إذا ذو خلة خانا )
( فكم ألفت وكم آخيت غير أخ ... وكم تبدلت بالإخوان إخوانا )
( فما زكى لي على الأيام ذو ثقة ... ولا رعى أحد ودي ولا صانا )
( فقلت للنفس لما عز مطلبها ... بالله لا تألفي ما عشت إنسانا ) - من البسيط -
وقال
( دب المشيب إلى فودي مبتكرا ... وللشباب رداء ليس بالخلق )
( فقلت يا نفس حثي للرحيل ضحى ... فأقصر الليل أدناه من الفلق ) - من البسيط -
وقال
( نشر الربيع الغض قبل أوانه ... لما نشرت كتاب فرد زمانه )
( أنوار لفظ من جناب جنابه ... ونسيم ورد من غراس بنانه )
( فأراح أنسا عازبا بوروده ... وأراح قلب الصب من أشجانه )
( وأرى بني الآداب معجز نظمه ... أن ليس في الإمكان نيل مكانه )
( فأسرت الألباب إجلالا له ... وفدى المسامع ترجمان جمانه ) - من الكامل
وقوله
( رق لمن قد ملكت رقه ... حق له لو رعيت حقه )
( ذاب فما مثله خلال ... ولا هلال ضيا ورقه ) - من مخلع البسيط -
وقال
( الله في متيم ... عذبته فراقب )
( يكفيك ما أبقيته ... من ألم الفراق بي ) - من مجزوء الرجز -
وقال
( من وجهه يطلع نجم المشترى ... ياقوتة تثمر شهدا فاشتر )
( يا من نضا باللحظ سيف الأشتر ... إذا وجدت الحر عبدا فاشتر ) - من الرجز -
119 - أبو محمد إسماعيل بن محمد الدهان
أنفق ماله على الأدب فتقدم فيه وبرع في علم اللغة والنحو والعروض وأخذ عن الجوهري الذي تقدم ذكره واستكثر منه وحصل كتابه كتاب الصحاح في اللغة بخطه واختص بالأمير أبي الفضل الميكالي ومدحه أباه بشعر كثير ثم آثر الزهد والإعراض عن أعراض الدنيا وقال لما أزمع الحج والزيارة
( أتيتك راجلا ووددت أني ... ملكت سواد عيني امتطيه )
( وما لي لا أسير على المآقي ... إلى قبر رسول الله فيه ) - من الوافر
وقال
( أيا خير مبعوث إلى خير أمة ... نصحت وبلغت الرسالة والوحيا )
( فلو كان بالإمكان سعيي بمقلتي ... إليك رسول الله أنضيتها سعيا ) - من الطويل -
وقال
( عبد عصى ربه ولكن ... ليس سوى واحد يقول )
( إن لم يكن فعله جميلا ... فإنما ظنه جميل ) - من مخلع البسيط -
وقال للأمير أبي الفضل الميكالي
( في دار مولانا الأمير ... محل أهل العلم عالي )
( لا سوق أنفق فيه من ... سوق المكارم والمعالي ) - من مجزوء الكامل -
وقال لصديق له
( نصحتك يا أبا إسحاق فاقبل ... فإني ناصح لك ذو صداقه )
( تعلم ما بدا لك من علوم ... فما الآداب إلا في الوراقه ) - من الوافر -
وقال من قصيدة في مرثية البديع
( وما الإنسان في دنياه إلا ... كبارقة تروق إذا تلوح )
( نفيسة نفسه نفس توالى ... ومدته مدى والروح ريح ) - من الوافر -
وقال من أخرى
( عز الغزال بمسكه لا مسكه ... والصرف للدينار لا الصرفان )
( شبه الزمرذ لا يكون زمرذا ... ولئن تقارب منهما اللونان ) - من الكامل
وقال
( خف إذا أصبحت ترجو ... وارج إن أمسيت خائف )
( رب مكروه مخوف ... فيه لله لطائف ) - من مجزوء الرمل -
ولولا أنه سألني أن لا أورد في كتابي هذا شيئا من شعره في الغزل والمدح لكتبت من ذلك جملة صالحة لكنني انتهيت إلى رأيه وعملت بما سألني به ولم أتعده
120 - أبو حفص عمر بن علي المطوعي
شاب لبس برد شبابه على عقل مكتهل وفضل مقتبل
وسما إلى مراتب أعيان الأدباء والشعراء التي لا تدرك إلا مع الانتهاء واتصل بخدمة الأمير أبي الفضل الميكالي فتخرج بالاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وألف كتاب درج الغرر ودرج الدرر في محاسن نظم الأمير ونثره وحين ألف صاحب هذا الكتاب كتاب فضل من اسمه الفضل عارضه بكتاب حمد من اسمه أحمد وله كتاب أجناس التجنيس وغيره وشعره كثير الملح والظرف لا يكاد يخلو من لفظ أنيق ومعنى بديع كقوله في وصف النارنج
( أهلا بنارنج أتانا غدوة ... في منظر مستحسن موموق )
( أصبحت أعشقه ويحكي عاشقا ... يا حسنه من عاشق معشوق ) - من الكامل -
وقال
( ومعشوق الشمائل قام يسعى ... وفي يده رحيق كالرحيق )
( فسقاني عقيقا حشو در ... ونقلني بدر في عقيق ) - من الوافر
وقال
( ألست ترى أطباق ورد وحولها ... من النرجس الغض الطري قدود )
( فتلك خدود ما عليهن أعين ... وهذي عيون ما لهن خدود ) - من الطويل -
وقال
( وشادن ما مثله في الصباح ... كالشمس أو كبالدر أو كالصباح )
( لي من ثناياه ومن طرفه ... وخده راح وراح وراح ) - من السريع -
وقال
( سحر العيون غداة خطت كفه ... في رائق القرطاس رائق سطره )
( فأتى بمثل الوشي واحد نسجه ... أو مثل زهر الروض ثاني قطر )
( خط يحاكي منه سحر جفونه ... وطراز عارضه ولؤلؤ ثغره ) - من الكامل -
وقال
( بنفسي من تمت محاسن وجهه ... فما هو إلا البدر عند تمام )
( وأرسل صدغا فوق خط كأنه ... جناح غراب فوق طوق حمام ) - من الطويل -
وقال
( انظر إلى وجه صديق لنا ... كيف محا الشوك به النقشا )
( قد كتب الدهر على خده ... بالشعر والليل إذا يغشى ) - من السريع -
وقال
( غدا منذ التحى ليلا بهيما ... وكان كأنه البدر المنير )
( فقد كتب السواد بعارضيه ... لمن يقرأ وجاءكم النذير ) - من الوافر -
وقال
( تكبر لما رأى نفسه ... على هيئة الشمس قد صورت )
( سيندم ألفا على كبره ... إذا الشمس في خده كورت ) - من المتقارب -
وقال
( قل للذي يهواه ... أذاقني كأس صاب )
( تركتني مستهاما ... أصلي بحر التصابي )
( ما بين دمع مصوب ... وبين قلب مصاب ) - من المجتث -
وقال
( إني علقت غزالا قلبه علق ... بمثله في كمال الحسن واللين )
( فالحمد لله حمدا لا انقضاء له ... أصبحت جدا وسني دون عشرين ) - من البسيط -
وقال
( لما استقلت بهم غير النوى أصلا ... وشتتهم صروف البين تشتيتا )
( جلست أنظم في وصف الهوى دررا ... والعين تنثر من دمعي يواقيتا ) - من البسيط -
وقال
( أيا منية المشتاق فيم تركتني ... كئيبا بلا عقل قتيلا بلا عقل )
( فإن كنت أنكرت الذي بي من الهوى ... أقمت به من أدمعي شاهدي عدل ) - من الطويل -
وقال
( يا ليل هل للصبح فيك وميض ... فعلي غم من دجاك عريض )
( ليل حكى الغربان سودا لونه ... وكأن أنجمه البزاة البيض ) - من الكامل -
وقال
( يكفيك أن الهوى لم يبق في جسدي ... من الجوارح عضوا غير مجروح )
( إني نحلت الهوى قلبي فأنحلني ... حتى غدا جسدي أخفى من الروح ) - من البسيط -
وقال
( نفسي فداء غزال ما اكتحلت به ... إلا تصورته أنموذج الحور )
( وكلما رام نطقا وهو مبتسم ... فالدر ما بين منظوم ومنثور )
( أضحى جنى النحل ممزوجا بريقته ... لكنما الخصر منه خصر زنبور ) - من البسيط -
وقال
( أرى الفطر عيد الناس في كل بلدة ... ووجهك لي عيد ورؤيته فطري )
( إذا ما أعد الناس للفطر عطرهم ... فحسبي بما في عارضيك من العطر ) - من الطويل -
وقال
( قم إلى الراح فاسقنيها ففيها ... قوة للفتى وقرة عين )
( ما ترى الصوم صار بالأسودين ... وأتانا شوال بالأحمرين ) - من الخفيف -
وقال
( صديقك قد ألم به صديق ... وأعوزه الشراب الأرجواني )
( وقد بعثا إليك وليس شيئا ... سوى معهود فضلك يرجوان ) - من الوافر -
وقال
( لا تعرضن على الرواة قصيدة ... ما لم تبالغ قبل في تهذيبها )
( فمتى عرضت الشعر غير مهذب ... عدوه منك وساوسا تهذي بها ) - من الكامل -
وله من نتفة في ذكر جوين حين كان بها مع الأمير أبي الفضل الميكالي
( طابت جوين لنا وطاب هواؤها ... فسقى السحاب الجون أرض جوين )
( أرض أقام بها الأمير فألبست ... بمقامه فيها ملابس زين )
( فكأنما أنهارها من كفه ... تجري وقد جادت لنا بلجين )
( وكأن زهر رياضها من بشره ... يهدي الضياء لكل ناظر عين ) - من الكامل -
وله فيها
( ومرت في جوين لنا ليال ... عددناهن من عيش الجنان )
( رضعنا في حجور الأمن فيها ... بأفواه الرضى ثدي الأماني )
( لدى قرم خلائقه نجوم ... ولكن وجهه للبدر ثاني ) - من الوافر -
121 - أبو العباس الفضل بن علي الإسفرائيني
إسفرائين من كور نيسابور مخصوصة بإخراج الأفراد كأنو شروان الذي افتخر به النبي فقال ( ولدت في زمن الملك العادل ) فهو أفضل ملوك العجم وأعدلهم بالإجماع وإن كانت لأزدشير فضيلة السبق
ومسقط رأس أنو شروان مشهور بإسفرائين
وكأبي جعفر حمويه بن علي الذي أحيا دولة آل ساسان وحاطها واجتاح أعداءها وتولى لهم أربعين حربا لم ترد له فيها راية ولم تفته من مطالبه غاية حتى وطأ الله لهم على يده مهاد الملك وجبى إليهم ثمرات الأرض هذا مع رجوعه إلى نفس أمارة بالعدل والخير بعيدة من الجور والشر مدلولة على سبل البر تشهد بها آثاره بنيسابور وأوقافه وأخباره
وكالشيخ الجليل أبي العباس الفضل بن أحمد فإنه هو الذي ربى ملك السلطان المعظم أبي القاسم محمود بن سبكتكين أدام الله تأييده كما يربى الطفل الصغير حتى يشتد عظمه ويؤنس رشده
وما زال يدرجه بحسن هدايته وكفايته إلى الزيادة وبلوغ الإرادة حتى ثبتت أركانه وعلا مكانه
وتلاحقت رجاله وتكاثرت أمواله
وتوالت فتوحه وارتقت فتوقه وكأبي حامد بن أحمد بن أبي طاهر الإسفرائيني إمام أصحاب الحديث ببغداد وصدر فقهائها فإنه بلغ من الفقه والتدريس مبلغا تنثني به الخناصر وتثني عليه الأفاضل
وكأبي العباس بن علي فإنه من بقية الكرام الأجواد الذين لا تخرج أوصافهم إلا من الدفاتر وكتب المآثر فهو من حسنات نيسابور ومفاخرها وهو الآن الحاكم والزعيم بأسفرائين والناظر في أمورها والمناضل عن أهلها والمتكفل بمصالحها ومناجحها يرجع إلى أدب غزير وفضل كثير وطبع كريم وخلق عظيم ومن حسن أثره ويمن نقيبته أن إسفرائين حرم أمن وجنة عدن عامرة به وقد شمل سائر كور نيسابور نواحيها الخراب وعمها الاختلال وكانت إسفرائين فيها لمعة في ظلم وغرة في غرر ومن عجيب شأنه أنه على إقلاله وكثرة ديونه وقصور دخله عن خرجه يقيم من المروءة وسعة الرحل ما لا عهد لمن فوقه في الجاه والمال بمثله ويبذل للزوار والعفاة ما لا يقدم أجواد المياسير على بذله وكأن الأشجع السلمي عناه بقوله
( وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكن معروفه أوسع ) - من المتقارب -
وله كتابه حسنة ومحاضرة مفيدة وفصاحة مرضية وشعر كثير لا يحضرني منه الآن إلا قوله
( وكنت إذا ما سرح المشط عارضي ... رأيت سحيق المسلك بين يديا )
( فصرت إذا ما خللته أناملي ... تناثر كافور بهن عليا ) - من الطويل
وقوله لبعض أصدقائه
( أراني إذا ما سرت نحوك زائرا ... خطاي وساع والمسير ذميل )
( وإن ما أرح بالإنصراف مودعا ... فأدرم مشيا والحراك قليل ) - من الطويل -
وقوله في شمعة نصبت في بركة
وشمعة وسط أيمن البرك ... تميس في الماء ميس مرتبك )
( كأنها البدر في السماء سرى ... فحار في أوجه من الفلك ) - من المنسرح -
وقوله في فوارة أقلت تفاحة
( وفوارة سائل ماؤها ... بتفاحة مثل خد العشيق )
( كمنفخة من رقيق الزجاج ... تدار بها كرة من عقيق ) - من المتقارب -
122 - أبو الفتح أحمد بن محمد بن يوسف الكاتب
من رستاق جوين وقع إلى بخارى في آخر الدولة السامانية واتصل بالخانية فتولى ديوان الرسائل لبغرا قراخان ونازع أبا علي الدامغاني في الرتبة ثم زال أمره وانحطت حاله وقصد غزنة فلم يحظ بطائل وعاود نيسابور فمات بها وكان أعطاني من شعره مجلدة أخرجت منها قوله
( تزوجت ويحك عوادة ... ليطعمك الناس من أجلها )
( لقد جئت في اللوم أعجوبة ... أرى الكلب يأنف من مثلها ) - من المتقارب -
وقوله
( شعري متين وخطي حين تلحظه ... كالروض حسنا وما في منزلي قوت )
( لا الدر عندهما در إذا جمعا ... عند الأديب ولا الياقوت ياقوت )
( لكن عيبي أني لست ذا قحة ... لذاكم أنا مهجور وممقوت ) - من البسيط -
وله
( ما للبراغيث طول الليل راتعة ... أجل وطول نهار الصيف في جسدي )
( بليت منها بما تبلى الكرام به ... من اللئام وأهل البغي والحسد ) - من البسيط -
وله
( لما رأيت الشيخ قد ملني ... وآزور عني وازدري قدري )
( رضيت بالفقر ولازمته ... في منزل أضيق من صدري ) - من السريع -
وله
( سقاك الله نيسابور غيثا ... يبرد غلة الهيم العطاش )
( فقد أحدثت كتابا ظرافا ... لطافا طاب بينهم معاشي )
( إذا أبصرتهم أنشدت بيتا ... رواه لنا زهير عن خراش )
( خريتم في البياض وكان عهدي ... بكم تخرون قبل على الفراش ) - من الوافر -
وله
( جفاني وهاجاني ولم يخش صولتي ... ولا سطوتي الشيخ العميد أبو نصر )
( وكان حري ألا يكاشف شاعرا ... وفي داره يجري من الخزي ما يجري )
( وقد خاف أولاد العفائف جانبي ... فما أمنه إياي وهو ابن من يدري ) - من الطويل -
وله
( ولحية للشيخ إن تلقها ... لقيت من حاملها مائقا )
( سلط عليها ربنا نادفا ... بل ناتفا بل حالقا حادقا ) - من السريع -
وله
( سيرة الشيخ سيرة مذكوره ... وأياديه بيننا مشكوره )
( إذ لديه محل كل كريم ... كمحل الكلاب في المقصوره ) - من الخفيف -
وله
( من كان ذا جارية بضة ... ولحمها عار من الشحم )
( فهذه يا إخوتي فاعجبوا ... جاريتي عظم بلا لحم )
( عظم بلا لحم ولكنها ... مولعة بالمضغ للحم ) - من السريع -
وله
( أقول للشيخ إذا جئته ... والشيخ لا يفكر في الهجو )
( سبحان من أعطاك هلوفة ... تصلح للهجو وللنجو ) - من السريع -
وله
( لقد جل ارتياحي واغتباطي ... بما يلقاه من ألم السقام )
( وأرجو أن يتمم لي سروري ... بما يسقاه من كأس الحمام )
( وحاشا أن يذوق الموت إلا ... بحد مهند ذكر حسام )
( على أن الحسام يزل عنه ... ولكن بالحجارة والسلام ) - من الوافر -
وله
( جهل الرئيس وحق الله يضحكنا ... وفعله وإله الناس يبكينا ) - من البسيط
123 - أبو القاسم الحسين بن أسد العامري
من رستاق خواف أحد الأدباء المذكورين والمؤدبين المشهورين بنيسابور وكان يؤدب أولاد الرؤساء بها وله شعر كثير اقتصرت منه على قوله
( يدي على كبدي من شدة الكمد ... كأنما خلقت كفاي من كبدي )
( نظرت فاحترقت أحشاي من نظري ... فمن ألوم وقد أحرقتها بيدي )
( الشوق يجمعني والهم في قرن ... جمعا يفرق بين الروح والجسد )
( جودي لي اليوم أو عودي غدا دنفا ... أو اندبي لقتيل الحب بعد غد ) - من البسيط -
وقوله
( فرسكة حمراء كالعقيق ... هدية جاءتك من صديق ) - من الرجز -
124 - ابنه أبو النصر طاهر بن الحسين
كتب إلى أبي الحسين بن فراسكين وكان يؤدب ولده
( حث الكريم على التفضل بدعة ... يا خير من يمشي على وجه الثرى )
( جاء الشتاء ولست أملك درهما ... والاعتماد عليك فانظر ما ترى ) - من الكامل -
125 - أبو عبد الله الغواص
من قرية الجنيد من رستاق بست بنيسابور أديب متبحر في اللغة شاعر باللسانين كثير المحاسن وهو الآن حي يرزق وله نعمة ودهقنة وديوان شعره
عظيم الحجم ومن ملحه قوله
( من عذيري من عذولي في قمر ... قامر القلب هواه فقمر )
( قمر لم يبق مني حبه ... وهواه غير مقلوب قمر ) - من الرمل -
وقوله في دار السيد أبي جعفر الموسوي
( يا دار سعد قد علت شرفاتها ... بنيت شبيهة قبلة للناس )
( لورود وفد أو لدفع ملمة ... أو بذل مال أو إدارة كاس ) - من الكامل -
وقوله في قوم من المتفقهة وسخى الثياب جيدي الأكل
( أناس نتنهم يربى ... على نتن الظرابين )
( وأكل لهم يربى ... على أكل الثعابين ) - من الهزج -
وقوله
( الخيبريون في أستاههم سعة ... وفي أكفهم ما شئت من ضيق )
( ومنهم أحمد المذموم مذهبه ... بلع الأيور بلا ريق على الريق ) - من البسيط -
126 - أبو حاتم الوراق
من قرية كشم من رستاق نيسابور ورق بنيسابور خمسين سنة وهو القائل
( إن الوراقة حرفة مذمومة ... محرومة عيشي بها زمن )
( إن عشت عشت وليس لي أكل ... أو مت مت وليس لي كفن ) - من الكامل
ومن ملحه قوله في نور الخلاف المسكي
( كأن نور شجر الخلاف ... أكف شنور بلا خلاف ) - من الرجز -
127 - أبو جعفر البحاث محمد بن الحسين بن سليمان
من زوزن إحدى كور نيسابور مشهور بالأدب والعلم وكان له محل من الشعر وتصرف في القضاء ببلاد خراسان وأنشد قول ابن المنجم
( فلا تجعلني للقضاة فريسة ... فإن قضاة العالمين لصوص )
( مجالسهم فينا مجالس شرطة ... وأيديهم دون الشصوص شصوص ) - من الطويل -
فقال مجيزا لهما
( سوى عصبة منهم تخص بعفة ... ولله في حكم العموم خصوص )
( خصوصهم زان البلاد وإنما ... يزين خواتيم الملوك فصوص ) - من الطويل -
ومن ملحه السائرة قوله
( هدية بنسبة ... أذية أو بليه )
( بالله قل لي أكانت ... هدية أم وصيه )
( إن أخرت عن حياتي ... وعاجلتني المنيه )
( فأعطها بعد موتي ... أقاربي بالسويه ) - من المجتث -
وهذه قصيدة له كتبتها كلها لحسن ديباجتها
( شباب كلامع برق رحل ... وشيب كمثل غريم نزل )
( وقد قويم جفاه الزمان ... كخوط تحاني وغصن ذبل )
( وشعر تطاير فيه البياض ... يحاكي سواه خضاب نصل )
( وثغر تناثر كالأقحوان ... غازله الليل رش وطل )
( ووجه نبت عنه نجل العيون ... وقد كان روضا لحور المقل )
( وخطو كخطو القطا في الرمال ... من بعد وثب كوثب الإبل )
( وجسم تراجع بعد النماء ... كزرع تناهى وبرد سمل )
( ترحل ما سر مستعجلا ... وشيك الرحيل وما ساء حل )
( مضت وانقضت غفلات الشباب ... وجاء المشيب وبئس البدل )
( كأني رأيت الصبا في المنام ... خيالا تمثل ثم اضمحل )
( أما لك فيما ترى عبرة ... وشاهد صدق بقرب الأجل )
( إلى كم تطوف بباب الملوك ... كطير الفراش بضوء الشعل )
( فطورا تجل وطورا تغل ... وطورا تعز وطورا تذل )
( أتغفل عن نائبات الزمان ... وهن سراع إلى من غفل )
( زمان يدير على أهله ... بسعد ونحس كؤوس الدول )
( فإحدى يديه تمج الذعاف ... وإحدى يديه تمج العسل )
( ألم تعتبر بقصور الملوك ... خلت منهم بوشيك الرحل )
( فسلها وقل أين سكانها ... وأين الملوك وأين الخول )
( وأين الجيوش وأين الخيول ... وأين السيوف وأين الأسل )
( وأين الذين حكوا بالقدود ... غصونا ثناها الندى والبلل )
( كجن على الجن قد أقبلوا ... بسود القلانس حشو الحلل )
( طوتهم عن الأرض آجالهم ... ولم تغن عنهم صنوف الحيل )
( وما ذاك من كوكب قد بدا ... من الشرق أو كوكب قد أفل )
( ولا الخير يأتي به المشتري ... ولا الشر يقضي علينا زحل )
( وما الأمر إلا لرب السماء ... وقاضي القضاة تعالى وجل )
( قليل جميع متاع الغرور ... وطالبه من قليل أقل )
( وضل عن الرشد جماعه ... وحاسده منه فيه أضل )
( سباع حواليه زرق العيون ... كلاب وأسد وذئب أذل )
( فهذا يجاذب ما قد حواه ... وهذا يخالسه ما فضل )
( إذا وضعوه على نعشه ... أشاعوا البكا وأسروا الجذل )
( وإن دفنوه نسوه معا ... وكل بميراثه مشتغل )
( فهذا قصارى جميع الأنام ... من جل أو قل منهم وذل )
( أقول وللدمع في وجنتي ... سوابق قطر له مستهل )
( سلام على طيب عيش مضى ... وأنس بإخوان صدق نبل )
( سلام على قوتي للقيام ... إلى الفرض في وقته والنفل )
( سلام على الختم في ليلة ... بقلب كئيب حليف الوجل )
( سلام على الكتب ألفتها ... ووشحتها بصحاح العلل )
( سلام على مدح صغتها ... وحبرتها في الليالي الطول )
( سلام امرئ ما اشتهى لم يجد ... وما رام مجتهدا لم ينل )
( أناب إلى ربه تائبا ... ومستغفرا للخطا والزلل ) - من المتقارب
وله وقد حلم بخيال حبيب له فنبهه ذلك الحبيب فقال
( يا من ينبهني عن رقدة جمعت ... بيني وبين خيال منه مأنوس )
( دعني فإنك محروس ومرتقب ... وخلني وخيالا غير محروس ) - من البسيط -
128 - أبو منصور محمد بن علي الإسماعيلي الجويني
أحد أفاضل الأدباء بل أوحدهم يجمع تفاريق المحاسن ويرجع بناحيته إلى دهقنة وكفاية
ويتحلى بستر وقناعة وله شعر كثير يحضرني منه قوله
( يا واصفا لي شوقه ... وما سما منه فوقه )
( حسوت من ذاك مالا ... مشنوق يستطيع ذوقه )
( وفوق ظهري منه ... ما يشتكي قدس أوقه ) - من المجتث -
وقوله
( إن الزيارة يزري ... إدمانها بالمحبه )
( وعادة الغب فيها ... أولى بحسن المغبه ) - من المجتث -
وقوله
( ما أبين العذر في كتاب ... في الظهر حيث البياض يعوز )
( أليس عند افتقاد ماء ... تيمم بالصعيد يجوز ) - من مخلع البسيط -
وقوله
( اعذر صديقا في بياض حكى ... كاتبه في دقة الجسم )
( كأنما أعدته أشواقه ... فصيرته ناحل الجرم ) - من السريع -
129 - أبو نصر أحمد بن علي بن أبي بكر الزوزني
كان غرة في وجه زوزن وورد نيسابور وهو غلام يتناسب وجهه وشعره حسنا فأخذته العيون وقبلته القلوب وارتاحت له الأرواح واستكثر من أبي بكر الخوارزمي وأخذ عنه الفصاحة حتى كاد يحكيه وتفتحت له أبواب الشعر وتفتقت أنواره فقال من قصيدة
( ولا أقبل الدنيا جميعا بمنة ... ولا أشتري عز المراتب بالذل )
( وأعشق كحلاء المدامع خلقة ... لثلا يرى في عينها منة الكحل ) - من الطويل -
وقال
( ألا حل بي عجب عاجب ... تقاصر وصفي عن كنهه )
( رأيت الهلال على وجه من ... رأيت الهلال على وجهه ) - من المتقارب -
وحدثني أبو نصر سهل بن المرزبان قال انفذ إلى أبو نصر الزوزني رقعة وسألني أن أعرضها على والدي فإذا فيها هذه الأبيات
( يا أيها السيد المرجى ... إن حل صعب وجل خطب )
( عندي ضيف وليس عندي ... ما هو للملهيات قطب )
( فالصدر مني لذاك ضيق ... لكن رجائي لديك رحب )
( أقم علينا سماء لهو ... أنجمها بالمزاح شهب )
( نشرب ونوقظ به قلوبا ... ويصبح الجسم وهو قلب ) - من مخلع البسيط -
ولما استوى شبابه وشعره ورد العراق وانخرط في سلك الشعراء عضد الدولة
فهب عليه نسيم الثروة وتمهد له فراش النعمة ثم إنه احتضر أحسن ما كان شبابا وأكمل ما كان آدابا وكتب إلى والده قصيدة وهو في سكرة الموت أولها
( ألا هل من فتى يهب الهوينا ... لمؤثرها ويعتسف السهوبا )
( فيبلغ والأمور إلى مجاز ... بزوزن ذلك الشيخ الأريبا )
( بأن يد الردى هصرت بأرض العراق ... من ابنه غصنا رطيبا ) - من الوافر -
وليس يحضرني باقيها
130 - أبو العباس محمد بن أحمد المأموني
كان من علماء المؤدبين وخواصهم وانتقل من زوزن إلى نيسابور واشتغل بالتدريس والتأديب وله شعر كثير وقصائد مسمطة كقوله من قصيدة أولها
( لعل سعاد تسعد من ... أضر به الفراق وأن )
( تكف يد الصبابة عن ... فؤاد شيق تعب ) - من مجزوء الوافر -
ومنها
( وفقد الغمد لا يزري ... بعضب فيصل يبري )
( وإن الطرف قد يجري ... بغير ثيابه القشب )
وقوله من أخرى في التوحيد أولها
( إله الخلق معبودي ... وفي الحاجات مقصودي )
( ودين الكفر مردودي ... وعصمة خالقي وزري ) - من مجزوء الوافر -
وأنشدني لنفسه في وصف التفاحة
( وتفاحة من سوسن صيغ نصفها ... ومن جلنار نصفها وشقائق )
( كأن الذي فيها من الحسن صائح ... بأن آمنوا يا جاحدون بخالقي ) - من الطويل -
وأنشدني أيضا لنفسه
( لا العسر يبقي على حال ولا اليسر ... ألا ترى أن من يعلو سينحدر )
( لا تسخطن على دهر لحادثه ... فكل حادثة يأتي بها القدر )
( وكن بربك في الأحوال ذا ثقة ... بأنه دافع الآفات لا الحذر ) - من البسيط -
131 - أبو القاسم علي بن أحمد بن مبروك الزوزني
كان متفننا في العلوم قائلا بالاعتزال والزهد والتصوف وله شعر كثير من أشهره قوله
( سواد صدغين من كفر يقابله ... بياض خدين من عدل وتوحيد )
( قد حلت الزنج أرض الروم فاصطلحا ... يا ويح روحي بين البيض والسود ) - من البسيط -
132 - أبو محمد عبد الله بن محمد العبد لكاني
أديب شاعر ظريف الجملة خفيف روح الشعر كثير الملح والظرف فمما أنشدني لنفسه في دار الأمير أبي الفضل الميكالي قوله في بعض الصدور بنيسابور
( لو كنت أعظم في الولاية ... من يزيد بن المهلب )
( أو كنت أعلم بالرواية ... من سعيد بن المسيب )
( ولقيتني بتجهم ... فالكلب منك إلي أعجب ) - من مجزوء الكامل -
وقوله
( يا رب وفقني للخير ... واقتل عدوي بيدي غيري )
( وقو أيري فإن الفتى ... لذته في قوة الأير ) - من السريع -
وقوله
( يا سيدي نحن في زمان ... أبدلنا الله منه غيره )
( كل خسيس وكل نذل ... متع بالطيبات أيره )
( وكل ذي فطنة وكيس ... يجلد في بيته عميره ) - من مخلع البسيط -
وقوله
( يا كاسبا من إسته ... ومنفقا على الذكر )
( استك تشكوك فلا ... تفرح إذا الأير شكر ) - من مجزوء الرجز -
وقوله
( يا مادح الشعر جهلا ... أعن أخاك بصمت )
( لو كان في الشعر خير ... ما كان ينبت في استي ) - من المجتث -
وقوله
( له أنف حكى خرطوم فيل ... إلى شفتين مثل الكلبتين )
( فلا تغررك مردته فإني ... رأيت القبح إحدى اللحيتين ) - من الوافر
وأنشدني الأمير أبو الفضل له
( إذا كنت معتقدا ضيعة ... فإياك والشوه الوجوها )
( لأنك تقرأ إن الملوك ... إذا دخلوا قرية أفسدوها ) - من المتقارب -
وله
( البس ثيابا وكن حمارا ... فإنما تكرم الثياب ) - من مخلع البسيط -
انتهى الباب العاشر فتم به الكتاب وبقي على ذكر قوم من أهل نيسابور لم تحضرني أشعارهم وهم أبو سلمة المؤدب وأبو حامد الخارزنجي وأبو سهل البستي وأبو الحسن العبدوني الفقيه وأبو بكر الجلاباذي وأبو القاسم العلوي وأبو سعد الخيزروذي وأبو سعيد مسعود بن محمد الجرجاني والفقيه أبو القاسم بن حبيب المذكر وأبو القاسم الحسن بن عبد الله المستوفى الوزير والشيخ أبو الحسن الكرخي والشيخ أبو نصر بن مشكان وأبو العلاء بن حسولة أيده الله وسيتفق لي أو لمن بعدي إلحاق ما يحصل من ملح أشعارهم بهذا الباب إن شاء الله تعالى وله الحمد والمنة والشكر وصلواته على النبي المصطفى محمد وآله الطاهرين والصحابة أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين آمين
وهذه زيادة ألحقها الأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي رحمه الله تعالى بخطه في آخر المجلدة الرابعة من نسخته على لسان المؤلف ولقد قال الشيخ أبو منصور رحمه الله تعالى لبعض تلامذته أوان القراءة قد أجزت ما فعله
الأمير وإن شئت أن تثبته في موضعه من الكتاب فافعل فقد أجزتك بذلك
133 - أبو الحسن علي بن محمد
الغزنوي مولدا الأصبهاني منشأ حسنة أرضه ونادرة دهره ونجم أفقه وعقد قلائد الفضل وأهله والجامع بين كرم الخيم والخير والمكتفي بالفهم الثاقب والطبع الغزير والمتفنن في محاسن الآداب والعلوم والناظم حواشي المنظوم والمنثور ومما حضر في الوقت من بارع نظمه قوله
( إذا سلم الله دين امرئ ... وعرضا له من دواعي الخلل )
( فما بعد هذين من حادث ... تلقاه أو ريب دهر جلل ) - من المتقارب -
وقوله في بغداد
( سقى الله بغداد مجنى العلوم ... ومغنى الأماني ومثوى الأدب )
( على أنها حسرة المفلسين ... وجنة عدن لأهل النشب )
( إذا ما استتبت لنا عودة ... إليها قضينا أقاصي الأرب ) - من المتقارب -
وقوله
( سقى الله أياما ببغداد لي مضت ... خلت فألذت وانقضت فأمضت )
( ولم يك إلا عقد عمري وعلقة ... تقضى فكانت عيشتي قد تقضت ) - من الطويل
وقوله في نكبته
( ليس إلا الرضى بما قدر الله ... وإلا الإذعان والتسليم )
( والعزاء الجميل والصبر والإيقان ... أن المولى رحيم كريم )
( ومصير المظلوم عقبى نجاة ... ومعاد البغاة مرعى وخيم )
( ليس فيما مضى من الخير خير ... إنما الخير في الذي لا يريم )
( وكذا الشر ينقضي ليس شرا ... إنما الشر شر من يستديم )
( فاحمد الله إن حصلت مصيرا ... واشكرنه أن لست ممن تضيم )
( واتق الله واستعنه وأيقن ... إن أجر الصبور أجر عظيم ) - من الخفيف -
وقوله
( الزجر والفأل والرؤيا تعاليل ... وللمنجم أحكام أباطيل )
( والله بالغيب والتقدير منفرد ... وما سوى حكمه غي وتضليل )
( فلا معجل للمقضي آجله ... وليس للعاجل المقضي تأجيل )
( ثق بالعليم الذي يقضي الأمور ولا ... يغررك ما دونه فالكل تعليل ) - من البسيط -
وقوله
( يا من يثمر للحوادث ماله ... فوت نفسك حظها من ماله )
( كن واحدا منها لسهم واحد ... لك إن حرمت سهامها بكمالها ) - من الكامل -
وقوله في مرثية وجيه بن أحمد
( أتى نبأ من نحو دينور مصعدا ... أقام جميع السامعين وأقعدا )
( وأورث أحناء القلوب تململا ... وأودع أحشاء الضلوع توقدا )
( وذوب من بحر المدامع جامدا ... وجرد من سيف الكآبة مغمدا )
( وغادر وجه الفضل والنبل أغبرا ... وطرف الحجى والعقل واللب أرمدا )
( وأبقى أساه كل دمع مهلهلا ... وأبقى بكاه كل خد مخددا )
( فعاد به شمل الهموم مجمعا ... وآض به شمل السرور مبددا )
( ففي كل دار منه نوح ورنة ... وفي كل قلب منه كلم تجددا )
( بأن الردى أنحى على المجد والعلى ... وأودى بحزم العلم والحلم والندى )
( بمن كان للإحسان والفضل مألفا ... ومن كان للإنعام والطول معهدا )
( فويح الردى كيف انبرى دفعة له ... وكان به من قبل يستدفع الردى )
( عساه أتاه في معارض سائل ... فراوده عن روحه باسطا يدا )
( فما رده لما اجتداه تكرما ... وكان قديما لا يرد من اجتدى )
( عفاء على دهر عفا رسم مجده ... فغادر شلو المكرمات مقددا )
( وأنف المعالي والكمال مجدعا ... ووجه المساعي والفعال مسودا )
( لقد كان حقا غرة في جبينه ... فعاد بهيما بعد أكلف أربدا )
( سلام عليه فائض بركاته ... من الله والرضوان مثنى وموحدا )
( ولا زال ريحان الجنان وروحها ... يصافحه في كل ممسى ومغتدى ) - من الطويل -
وقوله في علة عرضت له فحلف الطبيب أنها سليمة
( حلف الطبيب لأبرأن من علتي ... ومتى يريح من الممات يمين )
( هون عليك فكل ما هو كائن ... سيكون إما حان منه الحين )
( ولئن نجوت مسلما من هذه ... إني بأخرى بعدها لرهين ) - من الكامل -
وقوله
( سقى الله أيام الصبا ونعيمها ... إذ القلب صاب في هوى المرد شيق )
( وإذ لا أحاشي لذة كيفما انبرت ... وأني ويوم العيش غضان ريق )
( لئن كان عذري في شبابي واسعا ... علي فصبري في مشيبي ضيق ) - من الطويل -
وله في نكبة
( لئن غصبت أيدي المظالم ضيعتي ... فلم تغتصب ديني وعلمي وأخلاقي )
( وإن ثمدت مالي الجوائح فالذي ... تكفل بالأرزاق يوسع أرزاقي )
( فديني موفور وعقلي راجح ... ووزري منزور وعلمي لي باقي )
( وعرضي مصون عن مخاز تظاهرت ... على هاضمي والحمد لله خلاقي )
( وما أرتجي في آجلي من مثوبة ... وذخر جزيل فهو أنفس أعلاقي )
( فسبحان من في كل عارض محنة ... له منحة يقضي لها الشكر أطواقي ) - من الطويل -
انتهت زيادة الإلحاق
تم الجزء الرابع من يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر لأبي منصور الثعالبي وبتمامه تمام الكتاب والحمد لله الذي يسر سبل إكماله وصلاته على خير خلقه وعلى صحبه وآله
تتمة القسم الأول في محاسن أهل الشام والجزيرة
1 - الأمير أبو المطاع
قد قدمت العذر في تكرير ذكره وكتبت ما لم يقع في اليتيمة من شعره فمن ذلك ما أنشدني أبو محمد خلف بن محمد بن يعقوب الشرمقاني بها قال أنشدني أبو المطاع لنفسه
( أفدي الذي زرته بالسيف مشتملا ... ولحظ عينيه أمضى من مضاربه )
( فما خلعت نجادي في العناق له ... حتى لبست نجادا من ذوائبه )
( وكان أسعدنا في نيل بغيته ... من كان في الحب أشقانا بصاحبه )
وأنشدني الشرمقاني عن الجوهري عن أبي المطاع لنفسه
( لما التقينا معا والليل يسترنا ... من جنحه ظلم في طيها نعم )
( بتنا أعف مبيت باته بشر ... ولا مراقب إلا الظرف والكرم )
( فلا مشى من وشى عند العدو بنا ... ولا سعى بالذي يسعى بنا قدم )
وأنشدني أيضا بهذه الإسناد
( تقول لما رأتني ... نضوا كمثل الخلال )
( هذا اللقاء منام ... وأنت طيف الخيال )
( فقلت كلا ولكن ... أساء بينك حالي )
( فليس يعرف مني ... حقيقتي من محالي )
وأنشدني أيضا بهذه الإسناد
( ترى الثياب من الكتان يلمحها ... نور من البدر أحيانا فيبليها )
( فكيف تنكران تبلى معاجرها ... والبدر في كل وقت طالع فيها )
وأراه أخذ هذا المعنى من أبي الحسن بن طباطبا العلوي في قوله من نتفة
( لا تعجبوا من بلى غلالته ... إذ زر كتانها على القمر )
وأخذه أيضا الرضي بن الموسوي النقيب فقال من قصيدة
( كيف لا تبلى غلالته ... وهو بدر وهي كتان )
وللقمر خاصية في قرض الكتان ولذلك قال من ذكر عيوب القمر يهدم العمر ويحل الدين ويوجب أجرة المنزل ويسخن الماء ويفسد اللحم ويشحب الألوان ويقرض الكتان ويضل الساري لأنه يخفي الكواكب ويعين السارق ويفضح العاشق الطارق
ولأبي محمد طاهر بن الحسين المخزومي البصري في نظم نبذ من معايب البدر وتحذير بعض الرؤساء سوء أثر هجائه من قصيدة
( لو أراد الأديب أن يهجو البدر ... رماه بالخطة الشنعاء )
( قال يا بدر أنت تغدر بالساري ... وتغري بزورة الحسناء )
( كلف في شحوب وجهك يحكي ... نكتا فوق وجنة برصاء )
( ويريك السرار في آخر الشهر ... شبيه القلامة الحجناء )
( وإذا البدر نيل بالهجو فليخش ... أولوا العقل ألسن الشعراء )
وأنشدني أبو يعلى محمد بن الحسن الصوفي قال أنشدني أبو المطاع لنفسه
( لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت حين نكرر التوديعا )
( أيقنت أن من الدموع محدثا ... وعلمت أن من الحديث دموعا )
وله في هذا المعنى بعينه
( غير مستنكر وغير بديع ... أن يبين الذي تجن ضلوعي )
( لي دموع كأنها من حديث ... وحديث كأنه من دموعي )
وكنت أحسب أن شعره مقطعات دون القصايد حتى طلع علينا الشيخ أبو بكر علي بن الحسن فأعارني من ديوان شعره ما نقله بالشام من خطه وفيه الطوال والقصار ولم يكن رفع إلى خراسان من ذلك غير ما كتبته فمن أحاسنه ولطايفه قوله
( ومفارق نفسي الفداء لنفسه ... ودعت صبري عنه في توديعه )
( ورأيت منه مثل لؤلؤ عقدة ... من ثغره وحديثه ودموعه )
وقوله في معناه
( رأيت عند الفراق لما ... جم لحيني وشؤم جدي )
( أربعة مالها شبيه ... فيمن به صبوتي ووجدي )
( من در لفظ ودر ثغر ... ودر دمع ودر عقد )
( اليوم يوم السرور والطرب ... فاقض به ما تحب من أرب )
( أما ترى الجو في سحائبه ... وبرقه المستطير في السحب )
( يختال في حلة ممسكة ... قد طرزتها البروق بالذهب )
ولأبي المطاع من قصيدة
( ولما اجتمعنا للتفرق سلمت ... سلام فراق لا سلام تلاق )
( فحليت من نظم الصبابة ... جيدها فريد دموع في عقود عناق )
( فيا ليت روحينا جرت في دموعنا ... تسيل بأجفان لنا ومأاق )
( فقد يستلذ الصب فرقة نفسه ... إذا جد بالأحباب وشك فراق )
وله أيضا
( أيها الشادن الذي صاغه الله ... بديعا من كل حسن وطيب )
( ظل بين اللحاظ لحظك يحكي ... سقم قلبي عليك بين القلوب )
وله في يوم مضى في دير دمشق
( ما أنس لا أنس يوم الدير مجلسنا ... ونحن في نعم توفي على النعم )
( وافيته غلسا في فتية زهر ... ما شئت من أدب فيهم ومن كرم )
( والفجر يتلو الدجى في أثر زهرته ... كطاعن بسنان إثر منهزم )
قال كانت الزهرة تطلع في ذلك الوقت قبيل طلوع الفجر
( فلم نزل بمطي الراح نعملها ... محدوة بيننا بالزمر والنغم )
( حتى أنثنينا ونور الشمس يطرده ... جنح من الليل في جيش من الظلم )
( وليس فينا لفعل الخندريس بنا ... من تستقل به ساق على قدم )
وله من قصيدة
( جناحي إن رمت النهوض مهيض ... وحبة قلبي للهموم مفيض )
( وقد هاج لي حزنا تألق بارق ... له بأعالي الرقمتين وميض )
( كما سارقت باللحظ مقلة أرمد ... يقلبها جفن عليه غضيض )
( فلو أن ما بي بالحديد إذا به ... أو الصخر عاد الصخر وهو رضيض )
( ولي همة لو ساعدتها سعادة ... لكانت سماء والسماء حضيض )
( وتحكم في مالي حقوق مروة ... نوافلها عند الكرام فروض )
2 - أبو الحسين أحمد بن محمد المعري
معرة النعمان من بلاد الشام وكان يلقب بالقنوع لأنه قال يوما في كلام له قد قنعت والله من الدنيا بكسرة وكسوة ووصف بعض العمال فقال ما هو إلا ماء كدر وعود دعر وقفل عسر وأنشدني أبو يعلى محمد بن الحسن البصري
قال أنشدني القنوع لنفسه ملحا وغررا ونكتا وطرفا وكان قد استكثر منه وروى جل شعره عنه فمن ذلك قوله
( رب هم قطعته في دجى الليل ... بهجر الكرى ووصل الشراب )
( والثريا قد غربت تطلب البدر ... بسير المروع المرتاب )
( كزليخا وقد بدت كفها تطلب ... أذيال يوسف بالباب )
وقوله في الغزل
( ومجرد أبدا على ... قلبي حسامي مقلتيه )
( جسمي على حالين من ... حذر مقيم في يديه )
( فإذا أمنت الخوف منه ... بقيت في خوف عليه )
وقوله في رئيس جالس على رأس بركة مع ندمائه
( قل للرئيس أبي الرضاء محمد ... قول امرء يوليه حسن ولاء )
( من حول بركتك البهية سادة ... القراء والعلماء والشعراء )
( لو أنصفوك وهم قيام أشبهت ... أشخاصهم أمثالها في الماء )
أي لقاموا على رؤسهم كما يتراءون في الماء وقوله في قوم بنوا مسجدا في محلته
( يا من بنى مسجدا ضرارا ... والبخل منه يليه لوم )
( لو كان إسلامكم قديما ... كان لكم مسجد قديم )
وقوله في بعض العدول
( يا بن علي قالوا ولو صدقوا ... لكنت تجري مجراه في الخلق )
( دينك ذا لو كشف باطنه ... أرق من طيلسانك الخلق )
3 - أبو الخير المفضل بن سعيد بن عمرو
هو من معرة النعمان أيضا ويلقب بالعزيزي لاختصاصه بعزيز الدولة أبي شجاع فاتك ومن شعره فيه قوله من قصيدة وقد خلع عليه وأعطاه سيفا ومنطقة ذهب
( يا ذا الصنايع بعدهن صنايع ... وأخا الأيادي بعدهن أياد )
( لم ترض لي حتى ارتديت بصارم ... وعقدت مربط عاتقي بنجاد )
( وأدرت في خصري سبيكة عسجد ... أوهت عداى وأمسكت من آدي )
( فلأرضينك من بلاغة منطقي ... ولأعجبنك من مضاء فؤادي )
( ولأخدمنك فاعلا أو قائلا ... بالضرب بين يديك والأنشاد )
( وإذا شككت فلا تشك بأنني ... في الدهر ثالث عنتر وزياد )
ومما يستحسن له قوله في جارية سوداء ويروي لغيره
( ومسكية النشر مسكية الغدائر ... مسكية المنظر )
( تثنى وقامتها للقضيب ... وتنظر واللحظ للجوذر )
( وتحسبها في خلال الحديث ... تنثر عقدا من الجوهر )
وقوله في الهجاء
( أبو الرضا القاري له منظر ... يعرب عن بنية تأنيث )
( مخنث الطبع وليست له ... خفة أرواح المخانيث )
وله ويروى لغيره
( أيرى على جسمي أمير وقد ... دان له بالسمع والطاعة )
( تكسب أعضاي جميعا له ... في الشهر ما ينفق في ساعة )
4 - أبو العلاء المعري
قد جمعت بين أهل معرة النعمان التي أخرجت هؤلاء الفضلاء وهي غير مشهورة بخراسان وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيصي الشاعر وهو من لقيته قديما وحديثا في مدة ثلاثين سنة قال لقيت بمعرة النعمان عجبا من العجب رأيت أعمى شاعرا ظريفا يلعب بالشطرنج والنرد ويدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء وسمعته يقول أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر فقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء البغضاء قال وحضرته يوما وهو يملي في جواب كتاب ورد عليه من بعض الرؤساء
( وافى الكتاب فأوجب الشكرا ... فضممته ولثمته عشرا )
( وفضضته وقرأته فإذا ... أحلى كتاب في الورى يقرا )
( فمحاه دمعي من تحدره ... شوقا إليك فلم يدع سطرا )
فحفظتها واستعملتها كثيرا في مكاتبات الإخوان
5 - أبو القاسم المحسن بن عمرو بن المعلى
أنشدني أبو يعلى له في منتحل
( لو قيل للشعر الذي يدعي ... الحق بمن قالك يا شعر )
( لم بيق في ديوان أشعاره ... قصيدة لا لا ولا سطر )
وأظرف وألطف منه قول القاضي أبي الحسن بن عبد العزيز في أبي بكر الخوارزمي
( لو نفضت أشعاره نفضة ... لانتشرت تطلب أصحابها )
قال وأنشدني لنفسه وأحسن وأجاد جدا
( لست أدري ولا المنجم يدري ... ما يريد القضاء بالإنسان )
( غير أني أقول قول محق ... وأرى الغيب فيه مثل العيان )
( إن من كان محسنا قابلته ... بجميل عواقب الإحسان )
وأنشدني المصيصي مرة له وأخرى لغيره هذين البيتين وهما مما يدخل على الأذن بلا أذن
( ليالي اللذات سقيا لك ... ما كنت إلا فرحا كلك )
( عودي كما كنت لنا مرة ... فنحن إن عدت عبيد لك )
وله أيضا
( أيا باردا جدا ... ويا من يشبه القردا )
( لقد أشبهت من بردك ... مخضرا ومسودا )
( لأن البرد من بردك ... أضحى يجد البردا )
6 - أبو الحسين المستهام الحلبي
غلام أبي الطيب المتنبي والببغاء أنشدني أبو يعلى له في بعض الأمراء اخترت منها
( ذو منظر دل على مخبر ... دلالة اللفظ على المعنى )
( ما زال يبني كعبة للعلا ... ويجعل الجود لها ركنا )
( حتى أتى الناس فطافوا به ... واستلموا راحته اليمنى )
ومنها
( تطربه الأشعار في مدحه ... ولم يصغ قائلها لحنا )
( فليس يدري أن أتى شاعر ... ينشده أنشد أم غنا )
وهذا معنى حسن قد تصرف فيه العقلاء فمنهم أبو تمام حيث يقول ولعله أول من فتح هذا الباب
( ونغمة معتف تأتيه أحلى ... على أذنيه من نغم السماع )
ثم البحتري حيث يقول
( نشوان يطرب للمديح كأنما ... غناه مالك طيئ أو معبد )
ثم ابن الرومي حيث يقول
( كأنه وهو مسئول وممتدح ... غناه اسحق والأوتار في الصخب )
ثم القاضي ابن عبد العزيز حيث يقول في الصاحب
( نشوان يلقي المعتفى متهللا ... يهتز من مدح به عطفاه )
( وإذا أصاخ إلى المديح رأيته ... وكأن مالك طيئ غناه )
وقول المستهام أحسن وألطف من أقوال هؤلاء كلهم وله في الخمر أنشدنيه أبو يعلى
( وقهوة ذات حبب ... كالنار ترمي باللهب )
( تحسب من طول الحقب ... مخلوقة قبل العنب )
7 - أبو محمد الماهر الحلبي
شاعر بحقه وصدقه محسن ملء ثوبه يقول من قصيدة
( ترى منهم يوم الوغى كل ناشر ... من النقع فوق الدار عين مطاردا )
( ينالون ما أمسى بعيدا مناله ... كأنهم أعطوا الرماح سواعدا )
ومن أخرى يشبب فيها بغلام أثرت فيه الحمى ويحسن في التخلص إلى المدح ويظرف جدا
( وأسيل الخد شاحبه ... كحلت عيناه بالفتن )
( تركت حماه وجنته ... في اصفرار اللون تشبهني )
( وأرى خديه وردهما ... ما جني ذنبا فكيف جنى )
( نهبا حتى كأنهما ... ما حوت كفا أبي الحسن )
ومنها
( ذو جفون تشتري أبدا ... غبرات النقع بالوسن )
( ويد تندى ندى وردى ... تجمع الضدين في قرن )
ومن أخرى
( مجدي وقد يثبت في نفسه ... فضيلة المجدي على المجدي )
( لو كان من أحببته بعض ما ... في يده زار بلا وعد )
وله من أخرى
( إذا امتطى قلم يوما أنامله ... سد المفاقر واستولى على الفقر )
وله في الغزل
( حس الطبيب يدي جهلا فقلت له ... عني إليك فهذا يوم بحراني )
( فقال ماذا الذي تشكوه قلت له ... أشكو إليك هوى من بعض جيراني )
( فظل يعجب من قولي وقال لهم ... إنسان طرف فداووه بإنسان )
ومن منثور كلامه خلص من سبل النقد خلوص الذهب من اللهب واللجين من يد القين والمدام من نسج الفدام وقوله أين السمك من السماك والغرقد من الفرقد والسراب من الشراب
8 - أبو الفتح الموازيني الحلبي
لم أسمع في هجاء قوال أملح من قوله
( ومغن عن غيره غير مغن ... جاء في لحنه القبيح بلحن )
( كاد في كفه القضيب من الغيظ ... ينادي يا أثقل الناس دعني )
وأنشدني المصيصي له وهو متنازع بينه وبين نفر من أهل الشام والجزيرة لجودته وأنشدني أبو يعلى البصري لبعضهم وقد نسيت اسمه
( لا يظن الحسود ذاك وإن دب ... دبيب التوريد في وجنتيه )
( إنما خده غلالة ورد ... نفضت صبغها على مقلتيه )
وقوله من قصيدة
( الج العجاج إلى المقنع حاسرا ... وأزورها خوف الوشاة مقنعا )
وقد كنت قلت في صباي بيتين في تشبيه كسوف البدر بالتحاء الغلام وضمنها أبو سعد بن أبي الفرج كتابه في التشبيهات وهما
( انظر إلى البدر في اسر الكسوف بدا ... مستسلما لقضاء الله والقدر )
( كأنه وجه معشوق أدل على ... عشاقه فابتلاه الدهر بالشعر )
9 - أبو أحمد محمد بن حماد البصري
أنشدني أبو القاسم يحيى بن علاء البخاري الفقيه قال أنشدني ابن حماد البصري لنفسه بها
( إن كان لا بد من أهل ومن وطن ... فحيث آمن من أهوى ويأمنني )
( يا ليتني منكر من كنت أعرفه ... فلست أخشى أذى من ليس يعرفني )
( لا اشتكي زمني هذا فأظلمه ... وإنما أتشكى أهل ذا الزمن )
( وقد سمعت أفانين الحديث فهل ... سمعت قط بحر غير ممتحن )
وحدثني هذا أبو الفضل قال قلت يوما بالبصرة لابن حماد في كلام جرى بيني وبينه أنت بحر وأنا نهر فقال لا جرم أنت عذب وأنا ملح وقرظته يوما آخر وأثنيت عليه فقال ما أحسن هذا المدح لولا أن العارية مؤداه
10 - أبو الحسن محمد بن عبد الواحد القصار
هو بصري المولد والمنشأ إلا أنه استوطن بغداد ولما رأى سخف الزمان وأهله وميلهم من الكلام إلى هزله أخذ في طريق السخف ونزع ثياب الجد وتلقب بصديع الدلاء وتشبه بابن الحجاج وهيهات ولما أنشد فخر الملك قصيدته التي منها
( يا ذا الجلالات ويا ... ذا النعم المتسقه )
( يا نعمة الله على ... جميع من قد خلقه )
( لو فاخر الدهر الورى ... علوت منه عنقه )
( قد والذي يبقيك لي ... انقطعت بي النفقه )
( وبعت من دفاتري ... ما كان جدي ورقه )
وهي هزلية طويلة أعطاه ما أغناه فهبت ريحه ونفقت سوقه ودرت الصلات له وتداول أهل بغداد قصيدته التي عارض بها أبي العنبس في تأخير المنفعة وذكر التميمي أنه قالها وأكثر شعره في داره ببغداد وأنه كان يسميها باديته وأول القصيدة
( قلقل أحشاي تباريح الجوى ... وبان صبري حين حالفت الأسى )
ومنها وهي مطمعة مويسة
( يا سادة بانوا وقلبي عندهم ... مذ غبتم قد غاب عن عيني الكرى )
( وسوف أسلي عنكم صبابتي ... بحمقة يعجب منها من وعى )
( في طرف نظمتها مقصورة ... إذ كنت قصارا صريعا للدلا )
( من صفع الناس ولم يمكنهم ... أن يصفعوه بدلا قد اعتدى )
( من مضغ الأحجار أدمت فكه ... فالضرس لم تخلق لتليين الحصى )
( من نام لم يبصر بعيني رأسه ... ومن تطأطأ راكعا قد انحنى )
( من رامح الخيل كسرن ساقه ... ومن حدى في نومه فقد هذى )
( من صام أسبوعا تماما ليله ... مع النهار لم يوافقه الخوى )
( من قطع النخل وظل راجيا ... ثمارها فذاك مقطوع الرجا )
( ومن طلى بالحبر صحن وجهه ... حكى بما سود ليلا قد دجا )
وهي طويلة تربي على المائة وقد أعجز الشعراء أن يزيدوا فيها بيتا من حسنها
11 - أبو عبد الله الحسين بن أحمد المفلس
قد ذكرته في كتاب اليتيمة وأوردت يسيرا من شعره وهو ما ذكر أبو الحسن محمد بن الحسين الفارسي النحوي من أن له شعرا كثيرا في اللغز والأحاجي قد ظفرت الآن به وكتبت ما استحسنته واخترته وكان عمله لبهاء الدولة فاستخرجه كله فمن ذلك قوله في نخلة على شاطئ نهر من دجلة
( وغيداء تهتز طوع النسيم ... إذا جد معتله أو مزح )
( إذا الماء مثل لي ظلها ... توهمتها مخوضا في قدح )
وقوله في السفرة
( رافعة إليك بلا جفون ... عيونا لا تطيق لها انطباقا )
( تبسم في المنازل عن وجوه ... رماها الحسن تأتلق ائتلاقا )
( مزخرفة كأن الروض فيها ... إذا استجليت لحظا وانتشاقا )
( جصصناها بزنار ظريف ... ففاقت كل مجتص وفاقا )
( إذا وضعت يكون لها نطاقا ... وإن رفعت يكون لها خناقا )
( فلم نر مثلها بدرا منيرا ... ولم نر مثل أيدينا محاقا )
وقوله في البيضة
( وصفراء في بيضاء رقت غلالة ... لها وجفا ما فوقها من ثيابها )
( جماد ولكن بعد عشرين ليلة ... ترى نفسها معمورة من خرابها )
وقوله في باقي البقل
( وغضة رطبة يضمنها ... نخاسها حين تجتلي ملحا )
( إذا اشتروها تنصرت فإذا ... أدخلت البيت أسلمت مرحا )
وقوله في الزنبور
( وأعجمي لابس لبس العرب ... لا يستفيق من غناء إن ركب )
( مبرقع ببرقع من الذهب ... يضحي ويمسي بحقاب محتقب )
( وخنجر يسله عند الغضب ... كأنه شعلة نار تلتهب )
وقوله في المقراض
( وذي جسمين لا يفرق ... ما بينهما ناظر )
( إذا ما بخصوا عينيه ... أمسى فمه فاغر )
وقوله في السيف
( ومستعرض صاحبا لا يزال ... يحمي من الذل أطواقه )
( فطورا يطول من وجهه ... وطورا يعرض أشداقه )
وقوله في الميزاب
( ومخطف قد أبرزوه باديا ... تلقاه في الصيف فقيرا عاريا )
( وفي الشتاء باللجين حاليا ... إذا يداه التقطت لأليا )
( صاغت لنا منه حساما ماضيا ... )
وقوله في الكتب
( ومستودع سرا تضمن صونه ... فاصبح منه في الضمير مكتما )
( إذا ما طوى كشحا على سر صاحب ... تمنطق حزما فوقه وتختما )
وقوله في صورته التي يراها في المرآة
( وزائر لست في عشقي ولا شغفي ... بوجهه حين ألقاه بمحجوج )
( يظل يلحظني عجبا وألحظه ... وبيننا سد يأجوج ومأجوج )
وقوله في الحمام
( ومنزل أقوام إذا ما التقوا به ... تشابه فيه وغده ورئيسه )
( يخالط فيه المرء غير خليطه ... ويضحي عدو المرء وهو جليسه )
( ينفس كربي أن تزيد كروبه ... ويونس قلبي أن يقل أنيسه )
( إذا ما أعرت الجو طرفا تكاثرت ... عليك به أقماره وشموسه )
12 - أبو المكارم المطهر بن محمد البصري
أحد من طوف في الآفاق ولا راحلة له إلا الرجلة ولا حرفة الاشحذ
المدية في الجدية وهو شاعر سريع الخاطر كثير النوادر في الجد والهزل وهو القائل
( رأيت الشعر للسادات عزا ... ومنقبة وصيتا وارتفاعا )
( وللشعراء هونا وانخفاضا ... ومجلبة لذل واتضاعا )
وذكر بعض الرؤساء فقال حضرته عوذة من الفقر وطلعته أمان من الزمان وشكى بعضهم فقال توقعت إيجابا فلم أر إلا حجابا وإعجابا وذكر آخر فقال ما هو إلا ثقل الدين على وجع العين وحدثني الدهقان أبو علي القومسي قال حضر عندي بالدامغان وقدم إلينا المشمش فقال في الوقت مرتجلا
( ومشمش سوء قد أكلنا غدية ... بمجلس حر وهو خير صديق )
( إذا ما منحناه العيون حسبته ... رؤس أيور ضمخت بخلوق )
فتنغصت باليوم والمشمش وفرضت على نفسي ترك تناوله وقال لي في كلام له لم أفدك بنفسي لأنها قيمة لك وزنة بك ولكنها طاقة المجتهد
13 - أبو القاسم علي بن محمد البهدلي الأيلي
ذكر صديقا له فقال إن أتيته حجب وإن قعدت عنه عتب وإن عاتبته غضب ولمؤلف الكتاب في هذا المعنى
( إن غبت عنك شكوتني ... وإذا وصلت هجرتني )
( وتظل لي مستبطئا ... وإذا حضرت حجبتني )
ووجدت في تعليقاتي بعد فراغي من كتاب اليتيمة للبهدلي وقد نسيت اسم من أنشدنيه
( للناس بيت يديمون الطواف به ... ولي بمكة دون الناس بيتان )
( فواحد لجلال الله أعظمه ... وآخر فيه لي شغل بإنسان )
وأنشدني أبو يعلى البصري له
( من أنا عند الله حتى إذا ... أذنبت لا يغفر لي ذنبي )
( العفو يرجي من بني آدم ... فكيف لا يرجى من الرب )
وله وقد سأله صديق له غير مرة عن نيسابور
( تغري بنيسابور تسئل دائما ... عن حالها وهوائها ورجالها )
( نعم المدينة لو وقيت جفاءها ... من أهلها وسلمت من أوحالها )
14 - أبو القاسم السعدي ابن عم ابن نباتة
هو القائل في الخمر
( جاءتك كالنار في زجاجتها ... حمراء ما تستقر من نزق )
( حتى إذا ما المزاج خالطها ... رأيتها مثل صفرة الشفق )
( كالبكر تصفر من معانقة الزوج ... إذا ضمها من الفرق )
وهو القائل ويروى لغيره
( أعاذلتي على أتعاب نفسي ... ورعيي في السرى روض السهاد )
( إذا شام الفتى برق المعالي ... فاهون فائت طيب الرقاد )
15 - أبو محمد طاهر بن الحسين بن يحيى المخزومي البصري
هو بصري المولد والمنشأ رازي الوطن حسن التصرف في الشعر موف على أكثر شعراء العصر يعدل من أهل العراق بابن نباتة وابن بابك ومن أهل الجبل بالرستمي والخازن وله مصنفات منها كتاب فتق الكمائم في تفسير شعر المتنبي وبقي إلى طلوع الراية العالية بالري ثم انتقل إلى جوار ربه وقد كتبت غررا من شعره الذي هو روح الشعر وذوب السحر فمنها قوله وما أحسنه وأبدعه وأصدقه
( نفسك لا تعطيك كل الرضا ... فكيف ترجو ذاك من صاحب )
( أجل مصحوب حياة صفت ... فهل خلت من هرم عائب )
وقوله في معنى لم يسبق إليه
( العيب في الخامل المغمور مغمور ... وعيب ذي الشرف المذكور مذكور )
( كفوفة الظفر تخفي من مهانتها ... ومثلها في سواد العين مشهور )
وقوله في الغزل وما أملحه وأفصحه
( عرضت قلبي للحتوف بعارض ... كالورد نداه الصباح بطله )
( متوشحا زغب العذار كأنما ... ألقى عليه الصدغ سمرة ظله )
وقوله وقد قدم عليه بعض المتأخرين عن رتبته
( جل قدري وخس قدر زماني ... فأنا العضب في يمين الأشل )
وقوله في وصف الدنيا
( إذا تبرجت الدنيا فعاهرة ... خضابها دم من تصبي فتغتال )
( كأنها حية راقت منقشة ... ولان ملمسها والسم قتال )
أخذه من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الدنيا كالحية لين مسها قاتل سمها يحذرها العاقل ويهوي أليها الجاهل وأنشدني أبو غانم القصري للمخزومي في وصف الفرصاد وهو أحسن وأبدع ما قيل فيه
( هلم فساعد في تحية فرصاد ... كإعجاز نمل يجتمعن على زاد )
وزادني غيره
( وموز كانعاظ الايور إذا مشى ... يميل بعطفيه علي بن حماد )
ومن أحاسن بدايعه قوله
( لا تحرم الخفض رب فائدة ... جاءتك عفوا ولم تسم تعبا )
( أما رأيت الغدير يملؤه ... سيل الحيا غير جاشم طلبا )
وقوله لأبي العلاء بن حسول أيده الله
( قالوا وداد أبي العلاء يحول ... كالظل يقصر مرة ويطول )
( فسأستشف لقاءه فأميل في ... وصل وهجر منه حيث يميل )
( فإذا دعاني بشره قاربته ... وإذا تجعد فالعزاء جميل )
وقوله
( ودع أخاك إذا جفاك فقبله ... ودعت مألوف الصبا بسلام )
( ودع العتاب إذا استربت بصاحب ... ليست تنال مودة بخصام )
معنى البيت الأول ينظر إلى قول ابن الرومي
( سلوت الرضاع والشباب كليهما ... فكيف تراني ساليا ما سواهما )
والبيت الثاني منقول من قول أشجع السلمي
( أقلل عتاب من استربت بوده ... ما أن تنال مودة بقتال )
وللمخزومي في معنى بديع لطيف
( أتجاول الحظ السني بقوة ... هيهات أنت بباطل مشغوف )
( رعت العقاب قوية جيف الفلا ... ورعى الذباب النور وهو ضعيف )
وقال يدعو صديقا له إلى متنزه
( غلس نباكر في الجزيرة روضة ... عبقت بأذيال الصبا حوذانها )
( فكأنهن مع الصباح مجامر ... سحرت بند والضباب دخانها )
( ولنا هناك عتيقة قد طلست ... بشفوف نسج العنكبوت دنانها )
( تعادي يد الساقي الشعاع كأنما ... عقدت له مما يدير بنانها )
( ما صفو عيش المرء إلا فرصة ... والغبن إن فات الفتى إمكانها )
وقال في التصوف
( ليس التصوف إن يلاقيك الفتى ... وعليه من نسج النحوس مرقع )
( بطرائق سود وبيض لفقت ... وكأنه فيها غراب أبقع )
( إن التصوف ملبس متعارف ... يخشى الفتى فيه الإله ويخشع )
وكان يهذ شعر بلديه البحتري هذا وكان في بصره سوء فرمدت مرة عينه فقال له والي منبج يا أبا الغوث قد أشرفت على العمى فما الذي تعمل إذا عميت قال إقرأ على قبرك أيها الأمير فاستظرف قوة جوابه وتعجب من ظرفه قال ومن شعره قوله في غلام له التحى
( في سبيل الله خد ... كان في الملمس خزا )
( خانه الدهر فأضحى ... يوسع اللائم وخزا )
وقوله
( اوجه المرد وضيه ... وثناياهم شهيه )
( ولهم دل وغنج ... وشفاعات قويه )
( وإذا الشعر بدا في ... صفحة الخد النقيه )
( فرق الألف عن الألف ... كتفريق المنيه )
وقوله
( أيها الظبي الذي أعرض ... عني وجفاني )
( وهو من أعظم همي ... حين أخلو بالأماني )
( ابتلاك الله مني ... بالذي منك ابتلاني )
( ساعة حتى ترى كيف ... الهوى ثم كفاني )
16 - القاضي أبو عبد الله محمد بن علي
المعروف بابن حشيشة المقدسي ويقال له الهاشمي أنشدني أبو يعلى البصري قال أنشدني ابن حشيشة لنفسه في الغزل
( رشأ غرير لا يؤلف بين ... طرفي والغرار )
( لأصرحن بحبه جهدي ... ولو ذهب اصطباري )
( تصريح منخلع العذار ... بحب فتان العذار )
وله أيضا
( يا من بصحة هجره ... وجفائه قلبي عليل )
( أنت الجميل وكل ما ... تأتي به حسن جميل )
وأنشدني أبو الحسن القزويني له
( طول اللحى زين القضاة وفخرهم ... وتميز عن غانمة سفهاء )
( لو كان في قصر بها فخر لها ... لم يرو فيها سنة الإعفاء )
17 - أبو سويد الصوفي
دعا لرئيس فقال جعل الله ما ألبسك من ثوب الجمال وقلدك من طوق الكمال موصولا بالحجاب من النار
وأنشر لنفسه
( إذا رضيت بقوت ... ولبس ثوب مرقع )
( ولم يكن لي صديق ... فراقه أتوقع )
( وبان عني شبابي ... فما عسى الدهر يصنع )
وله أيضا ويروى لغيره
( ليس للراحة قيمه ... ساعة منها غنيمه )
( والذي اختار عليها ... تعب النفس بهيمه )
18 - أبو القاسم الحسين بن علي الوزير المغربي
أنشدني الشيخ أبو الحسن مسافر بن الحسن أيده الله تعالى قال أنشدني أبو الحسن محمد بن الحسين العثماني قال أنشدني ابن المغربي الوزير لنفسه في بلوغ الغاية من السلوة ولم أسمع في معناه أبلغ منه
( حبيب ملكت الصبر بعد فراقه ... على أنني علقته والفته )
( محى حسن يأسي شخصه من تفكري ... فلو أنني لاقيته ما عرفته )
قال وأنشدني أيضا لنفسه
( إني أبثك من حديثي ... والحديث له شجون )
( فارقت موضع مرقدي ... ليلا فنافرني السكون )
( قل لي فأول ليلة ... في القبر كيف ترى أكون )
وأنشدني أبو طالب محمود بن الحسن الطبري قال أنشدني ابن المغربي الوزير في أيام انتقاله إلى بغداد
( عجبت هند من تسرع شيبي ... قلت هذا عقبي فطام السرور )
( عوضتني يد الثلاثين من مسك ... عذاري رشا من الكافور )
( كان لي في انتظار شيبي حساب ... غالطتني فيه صروف الدهور )
وله أيضا
( إذا ما الأمور اضطربن اعتلى ... سفيه تضام العلى باعتلائه )
( كذاك إذا الماء حركته ... طغا عكر راسب في إنائه )
وله أيضا
( كن حاقدا ما دمت لست بقادر ... فإذا قدرت فخل حقدك واغفر )
( واعذر أخاك إذا أساء فربما ... لجت إساءته إذا لم تعذر )
وكان يجري في طريق ابن المعتز نظما ونثرا ويجاذبه طرفيهما فمن لطيف كلامه ما كتب إلى بعض الرؤساء ثقتي بكرمك تمنع من اقتضائك وعلمي بأشغالك يبعث على أذكارك وهذه قصيرة من طويلة وكان يقول لا تعتذر إلى من لا يحب أن يجد لك عذرا ولا تستعن إلا بمن يحب أن تظفر بحاجتك ومر بمكتب والمعلم يضرب صبيا ضربا مبرحا فالتفت إلى من معه وقال إن الله تعالى أعان على عرامة الصبيان برقاعة المعلمين ومن كلامه العمر علق نفيس لا ينفقه العاقل إلا فيما هو أنفس منه
19 - أبو سعيد العفيري
حدثني أبو عبد الله بن هرمزدان الفارسي رحمة الله تعالى قال حدثني فلان يعني شيخا من الفرس سماه لي ونسيت اسمه مع ملكة النسيان رقى قال كان ببيت المقدس شاعر ماهر ساحر يعرف بأبي سعيد العفيري يقرع باب الإلحاد وله أخ يلقب رمادة من أعبد الناس وأزهدهم ومن الإبدال الذين يسد الله بهم مكان من خلا مكانه من أبدال اللكام وكان ينتظر موت أحد الأربعين الذين هم أوتاد الأرض ليقوم مقامه وينوب منابه في العبادة فبلغه عن أخيه أبي سعيد أنه قال
( هي الدنيا وليس لها تناه ... ونوم القبر ليس له انتباه )
( وليس يخرب الدنيا الحكيم القديم ... القادر الأحد الإله )
إلى شعر كثير في معناهما فما زال به حتى أسمعهما إياه وما يجري مجراهما فغضب لله سبحانه وامتعض وتنمر ولم يذق البارد حتى بات عنده ليلة وترصد نومه وغطيطه فخنقه بيده وخرج هائما على وجهه حتى ألم بمتعبده
20 - أبو نصر الحمصي
أنشدني الشيخ أبو بكر لأبي نصر كاتب ابن قحطان صاحب اليمن في محمد ابن حوسب ولم أسمع في معناه أظرف منه
( قيل لي ما أفدت ممن إليه ... صرت تخدو قلائص الآمال )
( قلت جئناه في شهور شراف ... وهو فيها بنسكه ذو اشتغال )
( والفتى لا يجود إلا على السكر ... فأمهلته إلى شوال )
وله فيه أيضا
( قد لعمري عرفت ذنبي إليه ... إذ جفاني من غير جرم لديه )
( ذاك أني ناديته يا كريما ... أخذ الجود نسخة من يديه )
( فجفاني ولم ألمه لأني ... في الذي قلته كذبت عليه )
وسرقت له دريهمات فقيل لا تهتم فإنها في ميزانك فقال من الميزان سرقت ومدح العزيز فقال وجهه صباح البشرى ومفتاح النعمي وطليعة الخير وعنوان الرحمة وعذر الزمان المذنب وذم رجلا فقال له لحية التيس ونكهة الليث وصوت العير وخلق البغل ولؤم الذئب وبخل الكلب وقبح القرد وحرص الخنزير وزهو الغراب ونتن الظربان ووصف فرسا فقال كأنه إذا علا دعاء وإذا هبط قضاء ومن كلامه ليس بيسير تقويم الكسير
21 - أبو الضياء الحمصي
حدثني أبو عبد الله الحامدي قال أنشدني أبو محمد الخازن قال من الفوائد التي سرقتها من سفينة الصاحب التي كان لا يمكن منها أحدا قول أبي الضياء في بعض الرؤساء
( وما خلقت كفاك إلا لأربع ... وما في عباد الله مثلك ثاني )
( لتجريد هندي وإسداء نائل ... وتقبيل أفواه وأخذ عنان )
قال وكتب على ظهر دفتر له يشتمل على فوائده
( هذا كتاب فوائد مجموعة ... جمعت بكد جوارح الأبدان )
( وبدائم الادلاج في ظلم الدجى ... والسير بين مناكب البلدان )
وله ويروى لغيره
( قد يبعد الشيء عن شيء يشابهه ... إن السماء نظير الماء في اللون )
وأنشدني له بعض الغرباء ثم وحدته للرضي الموسوي من قصيدة
( وإن لم تكن عندي كسمعي وناظري ... فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني )
( وإنك أحلى في جفوني من الكرى ... وأعذب طعما في فؤادي من الأمن )
قيل ودخل إلى صديق له في مجلس انسه وهو يشرب النبيذ صرفا بغير مزاج ويسقي ندماءه كذلك المغني يغني ويقول
( يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة ما بين العين والأنف سالم )
فقال أبو الضياء لو أسقط المطرب الما من الشعر وجعله في قدحي صلح الشعر والنبيذ معا
22 - أبو منصور الصوري أخو أبي عمارة
الذي ذكرت له في كتاب اليتيمة أبلغ ما قيل في وصف الثقيل حدثني أبو طالب محمد بن علي بن عبد الله المعروف بالبغداذي وهو من واسط قال كان هذا الصوري في عنفوان أمره معلما مرجوا يتكلم من جنس صناعته كما كتب إلى صديق له في الشوق كهيعص إني إليك جد صاد والصافات إن شوقي إليك
فوق الصفات والحواميم إني من الحنين في عذاب أليم ثم ارتفع عن التعليم إلى التأديب والشعر فكان يقول مثل قوله
( نثرت لآلي دمعها وجدا على ... ديباج خد في الدياجي أشرقا )
( ما هذه العبرات يابنة فارس ... لسنا بأول عاشقين تفرقا )
وقوله من قصيدة لم يعلق بحفظي إلا البيت الأول منها
( تأخر برد الماء عن كبد حرى ... وهذا لهيب النار في مقلة عبرى )
قال وأنشدني لنفسه
( من كف عنك شره ... فافعل به ما سره )
23 - محمد بن أيمن الرهاوي
كان يعارض أبا العتاهية ويجري في طريقه ويقول مثل قوله
( قنعت بالقوت من زماني ... فصنت نفسي عن الهوان )
( من كنت عن ماله غنيا ... رأيته كالذي يراني )
ومثل قوله واراني سمعته لغيره
( إنا ننافس في دنيا مفارقة ... ونحن قد نكتفي منها بأدناها )
( حذرتك الكبر لا يعلقك ميسمه ... فإنه ملبس نازعته اللاها )
وقوله
( إن المكارم كلها لو حصلت ... رجعت جملتها إلى شيئين )
( تعظيم أمر الله جل جلاله ... والسعي في إصلاح ذات البين )
24 - ابن وكيع التنيسي
أنشدني الشيخ أبو الحسن مسافر بن الحسن أيده الله تعالى قال أنشدني أبو الحسن محمد بن الحسين العثماني قال أنشدنا القاضي ابن البساط البغداذي لابن وكيع التنيسي وهو أحسن ما قيل في مدح السفر
( تغرب على اسم الله والتمس الغنا ... وسافر ففي الأسفار خمس فوائد )
( تفرج نفس والتماس معيشة ... وعلم وآداب ورفعة ماجد )
( فإن قيل في الأسفار ذل وغربة ... وتشتيت شمل وارتكاب شدائد )
( فللموت خير للفتى من مقامه ... بدار هوان بين ضد وحاسد )
وأنشدني الشيخ أبو بكر أيده الله قال أنشدني أبو يعلى سعيد بن أحمد الشروطي بالرملة لابن وكيع
( يحسن النحو في الخطابة والشعر ... وفي لفظ سورة وكتاب ) ... ( فإذا ما تجاوز النحو هذي ... فهو شيء من المسامع ناب )
وله أيضا
( إن شئت أن تصبح بين الورى ... ما بين شتام ومغتاب )
( فكن عبوسا حين تلقاهم ... وخاطب الناس باعراب )
25 - أبو جعفر الجعفري العطار الحراني
وصف غلاما وشبهه بما هو من جنس صناعته فقال صدغه مسك وخطه عنبر وثغره كافور وعرفه عود ومن شعره قوله
( أنا ممن إذا النوائب نابت ... شاورتني الرجال في النائبات )
( وإذا ما نظرت في أمر نفسي ... خانني الرأي واستكنت قناتي )
وهكذا كان إبراهيم بن المهدي وذكر العلة في ذلك فقال لأني أدبر أمر نفسي بالهوى وأمر غيري بالرأي وشتان ما بينهما وجمعه وقوما من المتكلمين مجلس أنس فأخذوا في الجدل فقال مجلس النبيذ للجذل لا للجدل وجرى ذكر مسيلمة الكذاب فقال لا نبي صادق ولا متنبئ حاذق ووصف أنساسا طروبا فقال أطرب من زنجي عاشق سكران على عود بنان وناي زنام وطبل سلمان ودعا لصديق له فقال صان الله كرمك عن لؤم الزمان وأدام أتعاب الفلك لراحتك
26 - أبو العباس أحمد بن جعفر البديعي
ذكره لي الشيخ أبو بكر وسمى بلدته مع اسمه فلم يعلق بحفظي وقال أنه الآن حي يرزق وأنشدني من شعره قوله من قصيدة
( بدرت زلة الحكيم وقبلي ... زل داود سيد الزهاد )
( ثم نادى الأمان يا رب قد تبت ... فهب لي خطيئتي واعتمادي )
( والليالي كما علمت حبالى ... كل يوم تجين بالأولاد )
وقوله
( الصق صدري بصدره فشكى ... قلبي إلى قلبه الذي يجد )
( فاعجب لقلب شكى هواه إلى ... قلب سواه وما درى الجسد )
وقوله
( أرق الليل مونسي ... فدع النوم واجلس )
( ما ترى الجو بالصفا ... ونسيم الصباء كسي )
( ونجوما تخالها ... بندقا طاح عن قسي )
( فاغتنم رقة الهواء ... وطيب التنفس )
( وأجب داعي الصبوح ... بكاس وغلس )
( واشربن واطربن ما استطعت ... فيه وعرس )
( من يضع ساعة تسر ... من العمر يبخس )
وقوله أيضا
( يا من تباشرت الدنيا بطلعته ... تباشر الأرض ذات المحل بالمطر )
( إني غدوت بآمالي على ثقة ... إذا لقيتك أني أسعد البشر )
وقوله في ذم خدمة السلطان ويروى لغيره
( ومن خدم السلطان أكرم نفسه ... ولكنه عما قليل أهانها )
( ومن عبد النيران لم ينتفع بها ... ولم يلق إلا حرها ودخانها )
27 - محمد بن حماد الكاتب
كتب إلى صديق له يا أخي العطلة سكون والموت سكون والحياة حركة والعمل حركة فإن استطعت أن تخرج من سكون الموت إلى حركة الحياة فافعل وكتب في ذم رئيس هو والله عيث في دينه قذر في دنياه رث في مروته سمج في هيئته منقطع إلى نفسه راض عن عقله بخيل بما وسع الله عليه من رزقه كتوم لما أتاه الله من فضله لجوج لا ينصف إلا صاغرا ولا يعذل إلا راغما ولا يرفع نفسه عن منزلة إلا ذل بعد تعززه فيها ومن ملح شعره قوله في نديم كان يخطئ القينة في غنائها ويأخذها بالنحو والإعراب فينغص بذلك على أهل المجلس
( يا قاطع الصوت على ... قوم كرام نجب )
( يأخذه اللحن على ... القينة عند الطرب )
( تريد أن تفهمها ... حد كلام العرب )
( احلف بالله وما ... أنزله في الكتب )
( للكلب خير أدبا ... من بعض أهل الأدب )
ومما ينسب إليه ويروى لغيره قوله
( يا حبذا ليلة نعمت بها ... أشرب فضل الحبيب في القدح )
( سألته قبلة فجاد بها ... فلم أصدق بها من الفرح )
وقوله
( عجبت لقلبك كيف انقلب ... ومن فرط حبك أنى ذهب )
( فاعجب من ذا وذا أنني ... أراك بعين الرضا في الغضب )
28 - أبو سهيل الحراني
كان ينادم قردة له فقيل له في ذلك فقال
( ملت إلى قردة أنادمها ... فأنكرت ذاك زمرة الحسده )
( فقلت يا بله لا عقول لكم ... من عدم الناس عاشر القرده )
وقوله
( ألف الحوادث مهجتي فألفتها ... بعد التنافر والكريم ألوف )
( ليس البلاء علي صنفا واحدا ... لكن علي اليوم منه صنوف )
29 - أبو علي الحسين بن بشر الرملي
حدثني القزويني وغيره قالا كان الحسين في حياة أبيه بشر يهوى فتى من أهل الرملة في نهاية الملاحة والصباحة لا يرى الدنيا به وأبوه يعذله وينهاه عن الاشتغال بامثاله فبينا هو ذات يوم قاعد مع أبيه على باب داره إذ اجتاز به الفتى الموموق وكأنه ينظر بمقلة يوسف ولم يكن بشر رآه فأخذته عيناه فقال للحسين يا بني أن كان
لا بد من الحب فهلا أحببت مثل هذا فاطرق الحسين ولبس قناع الخجل ثم قال في حكاية الحال
( أبصره عاذلي عليه ... ولم يكن قبلها رآه )
( فقال لي لو هويت هذا ... ما لامك الناس في هواه )
( فظل من حيث ليس يدري ... يأمر بالحب من نهاه )
ثم رأيت هذه الأبيات في ديوان أبي الفرج بن هندو ولست أدري أيهما المنتحل ولنا من الحديث طيبه وأنشدت للحسين بن بشر في عزيز مصر
( يا واهب الدنيا ويا غافرا ... ذنوب أهل الأرض لو أجرموا )
( قد نال إحسانك باديهم ... وحضرهم والترك والديلم )
( وها أنا قد صرت فردا فلا ... تحنو علي ضعفي ولا ترحم )
30 - أبو ذفافة المصري
هو القائل لبعض الرؤساء
( وما السحاب إذا ما انجاب عن بلد ... ولم يلم به يوما بمذموم )
( إن جدت فالجود شيء قد عرفت به ... وإن تحافيت لم تنسب إلى اللوم )
وله أيضا
( أزورك أيها الشيخ المعلى ... للا طمع ولكن للمحبه )
( إليك علاك قادتني وإلا ... فطيري ليس تلقط كل حبه )
وله أيضا
( يقول الناس قد شبت ... ولا والله ما شبت )
( ولا اترك تقبيل ... خدود المرد ما عشت )
31 - جعفر بن هاني الأندلسي
هو القائل في رجل يلقب الطمشيش
( أما ترى لحية الطمشيش حين بدت ... حمراء قانية دلت على حمقه )
( كأنما سرق الملعون جيرته ... ديكا فعلقه الشرطي في عنقه )
ومما ينسب إليه في الحكم قوله ويروى لغيره
( إذا أفنيت بعض اليوم فاحزن ... فقد أفنيت من محياك بعضا )
( وما من ساعة إلا وتنعى ... إليك نصيب عمر قد تقضى )
32 - أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن طالب الصوري
انتخب من ديوان شعره الذي أعارنيه الشيخ أبو بكر قوله من قصيدة
( يا حاران الركب قد حاروا ... فاذهب تجسس لمن النار )
( تخبو وتبدو أن خبت وقفوا ... وإن أضاءت لهم ساروا )
كأنه اقتبسه من قول الله عز و جل كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ومنها
( ما نظرة إلا لها سكرة ... كأنما طرفك خمار )
ومنها في وصف الرياح
( ما شاجروا إلا أظلتهم ... من قضب المران أشجار )
ومنها
( واظهروا نورا لها ازرقا ... له من الأنفس أثمار )
( عجبت كيف استعبدتك العلى ... والناس من ذلك أحرار )
( فكيف ساجلت الغمام الذي ... ليست له في الصيف أمطار )
وقوله في أبي الجيش حامد بن ملهم وقد ركب معه في بحيرة الطبريه
( وقالوا التقى الوردان ورد من الندى ... وورد من الماء القراح الذي تجري )
( فقلت لهم وفوا أبا الجيش حقه ... ولا تظلموه ما البحيرة كالبحر )
وقوله فيه من أخرى وقد خلع عليه
( مازال ينحلني أبو الجيش الندى ... كيما يجدد كل يوم جودا )
( حتى غدوت أنا المسمى حامدا ... وغدا يسمى حامد محمودا )
وقوله من أخرى
( ومتى ذممت الدهر بعد لقائه ... وعطائه فعلى حد المفتري )
ومنها
( من معشر يتخيرون كلامهم ... حتى كأنهم تجار الجوهر )
( وكأنما أقلامهم من حذقها ... بالقتل فضلات القنا المتكسر )
وقوله من أخرى
( يا ثالث القمرين النيرين أرى ... أمام حالي سوادا ما له هاد )
( أنت الأمير بأرضي والزمان بها ... عاد وقد جئت استعدي على العادي )
ومن أخرى في منير الدولة ابن حمدان
( كنت من قبل أن تلقبت كالبدر ... وأعلى ذكرا وقدرا ونورا )
( ثم اشكلتما علي بأن صرت ... تسمى كما يسمى منيرا )
ومن أخرى فيه
( الحال مظلمة وليس ينيرها ... إلا منير الدولة الغراء )
( والناس كالمتعجبين لهائم ... ظمآن وهو على شفير الماء )
وقوله في ترك الغيرة
( تعلقته سكران من خمرة الصبابه ... غفلة عن لوعتي ولهيبتي )
( وشاركني في حبه كل ماجد ... يشاركني في مهجتي بنصيب )
( فلا تلزموني غيرة ما عرفتها ... فإن حبيبي من أحب حبيبي )
33 - أبو الحسن علي بن محمد التهامي
يقول من قصيدة
( يخبرنا عن جوده بشر وجهه ... وقبل طلوع الشمس تأتي بشائره )
( ويصدق فيه المدح حتى كأنما ... يسبح من صدق المقالة شاعره )
ومنها
( يكاد لإدمان القراع حسامه ... يسابقه نحو الطلى ويبادره )
ومن أخرى
( جرت عبراتهن على عبير ... كما انشق الحباب على المدام )
( برود ريقهن وكيف يحمي ... ومجراه على برد تؤام )
( سقام جفونهن شفاء قلبي ... وهل يجنى الشفاء من السقام )
ومنها
( فتى جبلت يداه على العطايا ... كما جبل اللسان على الكلام )
( فيسراه لنيل أو عنان ... ويمناه لرمح أو حسام )
( لقد أحيى المكارم بعد موت ... وشاد بناءها بعد انهدام )
( سواء عنده قول المنادى ... هلم إلى الطعان أو الطعام )
ومن أخرى
( هل الوجد إلا أن تلوح خيامها ... فيقضي بإهداء السلام ذمامها )
( وقفت بها ابكي وترزم أينقى ... وتصهل أفراسي وتدعو حمامها )
ومنها
( ولو بكت الورق الحمائم شجوها ... بعيني محا أطواقهن انسجامها )
ومنها
( ولم انسها يوم التقى در دمعها ... ودر الثنايا فذها وتوامها )
( إذا كان حظي حيث حطت خيامها ... فسيان عندي نأيها ومقامها )
( وهل نافعي أن تجمع الدار بيننا ... بكل مكان وهي صعب مرامها )
ومنها
( كأني في البيداء بيت قصيدة ... تناشده غيطانها وأكامها )
( إلى أن لثمنا كف حسان إنها ... أمان من الفقر المضر التثامها )
ومنها
( هم الأسد إلا أنها تبذل القرى ... لطارقها والأسد يحمي طعامها )
( هم يمزجون الدر للطفل بالعلى ... فينشوا عليها لحمها وعظامها )
( وإن فطموا أطفالهم بعد برهة ... فعن درها لا عن علاها فطامها )
( جلاد على حر الجلاد إذا التقت ... كلام الأعادي بالدما وكلامها )
( غلائلها أدراعها وسماعها ... صليل المرامي والدماء مدامها )
ومنها
( ألا أن طيا للمكارم كعبة ... وحسان منها ركنها ومقامها )
ومنها
( وليس بمشغول اليدين عن الندى ... إذا شغل الكف اليمين حسامها )
( لقد أمسكت قحطان منك أبا الندى ... بعروة مجد لا يخاف انفصامها )
( فإن كابدت جدبا فأنت ربيعها ... وإن باشرت حربا فأنت حسامها )
( قليل لك الأرضون ملكا وأهلها ... عبيدا فهل مستكثر لك شامها )
( ألا أن أوصاف الأمير جواهر ... وإن مديحي سلكها ونظامها )
ومن أخرى في نهاية الحسن
( تهيم ببدر والتنقل والنوى ... على البدر محتوم فهل أنت صابر )
( له من سنا البدر المورد غرة ... ومن حلل الليل البهيم غدائر )
ومنها
( ينال من الأعداء خوف أبي الندى ... وهيبته ما لا تنال العساكر )
( وما مات طاءي وحسان خالد ... ولا غاب منهم غائب وهو حاضر )
( أحاط بك التوفيق من كل وجهة ... وجاءتك من كل البلاد البشائر )
فإنك مغناطيس كل فضيلة ... فلا فضل إلا وهو نحوك صائر )
ومن أخرى
( حبيب جلا من ثغره يوم ودعا ... عقودا وألفاظا وثغرا وأدمعا )
( وأبدى لنا من دله وحديثه ... ومنطقه ملقى ومرأى ومسمعا )
ومنها
( لقد خلقت عيناك للسحر معدنا ... كما خلق الطيموم للجود منبعا )
( إذا ما مدحناه ببعض صفاته ... وأفعاله لم تبق للمدح موضعا )
( ولو أن أنسانا بعظم محله ... ترفع عن قدر الثناء ترفعا )
ومنها
( ويطرب للعافين حتى كأنما ... برؤيتهم يسقى الرحيق المشعشعا )
( ولم أر كالطيموم إلا أبا الندى ... كريمين من أصل كريم تفرعا )
( إذا انبريا أبصرت شمسين في الوغى ... فإن شهرا سيفيهما صرن أربعا )
( لكل بهاء منكما غير أنني ... رأيتكما أبهى إذا كنتما معا )
( لو أنكما بعد التوازر رمتما ... تضعضع رضوي أو شروري تضعضعا )
( فلا زلتما كالنيرين محلة ... ونورا ومثل الفرقدين تجمعا )
ومن أخرى
( بكيت فحنت ناقتي فأجابها ... صهيل جوادي حين لاحت ديارها )
( خططنا بأطراف المخاصر أرضها ... فأهدت إلينا مسك دارين دارها )
( ولاحت ثنايا الأقحوان ولو رأت ... عوارض من أهوى لطال استتارها )
( أرى الحب نارا في القلوب وإنما ... تصعد أنفاس المحب شرارها )
( توق عيون الغانيات فإنها ... شفار وأشفار الجفون شفارها )
ومن أخرى
( غدوا بهلال من هلال بن عامر ... مرام هلال الأفق دون مرامه )
( تردد فيه الحسن من عن يمينه ... ويسرته وخلفه وأمامه )
ومنها
( وموت الفتى في العز مثل حيوته ... وعيشته في الذل مثل حمامه )
( ومن فاته نيل العلى بعلومه ... وأقلامه فليبغها بحسامه )
ومن أخرى
( يقضي بحكم الجور في أمواله ... وقضى بحكم الله في الأيتام )
( تتيقن الأموال حين تحل في ... كفيه إن ليست بدار مقام )
34 - أبو شرحبيل الكندي
قد أكثر الشعراء في الحث على اضطراب في الاغتراب لالتماس الرزق وقضاء الوطر من السفر ومن أشف ما قالوا فيه واشفاه قول هذا الأعرابي الشامي
( سر في بلاد الله والتمس الغنا ... ودع الجلوس مع العيال مخيما )
( لا خير في حر يجالس حرة ... ويبيع قرطيها إذا ما أعدما )
35 - الحسن الدقاق من أهل دمشق
يقول في صديق له أجحف في مسئلته وهو ضيفه
( ودعوتني وأكلت عندك لقمة ... وشربت شرب من استتم خروفا )
( وسألتني في أثر ذلك حاجة ... ذهبت بمالي تالدا وطريفا )
( فجعلت أفكر فيك باقي ليلتي ... ما كنت تفعل لو أكلت رغيفا )
ويقول في تغير صديق له أكل الحسن عنده طباهجة
( ما جئت ذنبا إليه أعلمه ... ولا تطرفت للفتى نسبا )
( بلى أكلنا له طباهجة ... كانت إلى قطع ودنا سببا )
وكان هذا الحسن أحد ظرفاء الأدباء أنشدني له المصيصي في استهداء الشراب
( عندي أناس ظراف ... بهم تجلى الدهور )
( واليوم يوم مطير ... تلذ فيه الخمور )
( فرمه بيسير ... حتى يتم السرور )
( ولا تشبه بماء ... فالماء عندي كثير )
سرقه من قول البحتري
( فأنفذ ما استطعت بعير مزج ... فإن الماء ليس يضيق عندي )
وأنا استظرف قول غيره فيمن أهدى إليه شرابا ممزوجا
( ليس هذا من عادة الأحرار ... بيع ماء الأنهار بالأشعار )
( إنما قلت سقني ماء كرم ... لم أقل سقني من الأنهار )
( قد رددناه فاسقه من يريد ... الماء لا من يريد صرف العقار )
( ولئن كنت قانعا منك بالماء ... فعندي في الدار نهر جار )
36 - أبو محمد البوصر آبادي
وجدت ذكره في رسائل أبي إسحق الصابي وعرفت في لحن كلامه أنه شاعر فاضل ظريف الجملة والتفصيل ثم قرأت شعره في سفينة لأبي عبد الله الحامدي ذكر فيها أنه استملاه من أبي محمد الخازن وأنه سرق من سفينة الصاحب بخطه فمن ذلك قوله وهو وأخواته في نهاية الظرف والملاحة
( أيا دهر ويحك ماذا جميل ... فؤادي عليل وإلفي بخيل )
( كأني أرى وجهه في المرآة ... يلوح ومالي إليه سبيل )
وقوله في معتم بعمامة سوداء
( وكاتب من قومنا شاعر ... ليس بذاك الكاتب الماهر )
( عمامة سوداء في رأسه ... كلعنة الله على الكافر )
وقوله في الهجاء بالافة الكبرى
( قد قال لي زيزك لي سيد ... مستدخل في بعضه بعضي )
( يأمرني بالنحو في نيكه ... بالرفع والنصب وبالخفض )
ولست أدري أبو صر آباذ من قرى الشام أم من قرى العراق وقد أدخلتها على ما خيلت إلي في القرى الشامية وأيا ما كانت فقد حصلت النكتة وهذه حال خرما باذ المنسوب العلوي الخرما باذي إليها وقد مرت بي أبيات له يقطر ماء الظرف منها كقوله
( أشارت إلي بعناية ... مخضبة من دم الأفئده )
( أأنت على العهد يا سيدي ... فقلت إلى الحشر يا سيده )
وقوله وما لحسنه غاية في معناه
( قالوا هجاك محمد فأجبتهم ... إن الهجاء من الصديق ثناء )
( ولربما جعل الحبيب سبابه ... سبب اللقاء لكي يتاح لقاء )
( ولئن هجوت كما هجيت فإننا ... رجلان في سوء الصنيع سواء )
( لكنني أثنى عليه جاهدا ... فإذا رآني صده استحياء )
( لم يلقني إلا بشخص ذائب ... عرقا ووجه ليس فيه ماء )
37 - أبو الفتح بن دردان اليهودي الوزير
أنشدني أبو الحسن البرمكي أيده الله له
( ماذا أظلك قل لي ... لا أعدم الله ظلك )
( عش لي وبعدي فإني ... أرضى وإن لم أعش لك )
( فالدهر يخلف مثلي ... وليس يخلف مثلك )
وأنشدني أبو الحسن القزويني له
( سهرت والشوق يطويني وينشرني ... إلى غزال بديع الحسن مغنوج )
( حتى رأيت نجوم الصبح لائحة ... كأنها زيبق في كف مفلوج )
وأنشدني له أيضا
( دعوني وقومي والسمو إلى العلى ... فإن لهم شأنا إذا ما سموا ولي )
( ولا تستحلوا بالوفاء فإنه ... تراث لنا دون الورى عن سموءلي )
يعني ابن عادياء اليهودي الذي يضرب المثل به في الوفاء
38 - أبو الأعين الأنطاكي
من ولد المعتصم شاعر أنطاكية يقول في الغزل
( لا وحلو الهوى ومن التجني ... وبخط العذار في ورد خده )
( لأذيبن وجنتيه بلحظي ... مثل ما قد أذاب قلبي بصده )
ويقول
( نفسي فداؤك أيها القمر الذي ... يجلو الدجى بمحاسن الأنوار )
( لما اختطت عصيت فيك عواذلي ... وخلعت في حب العذار عذاري )
ويقول من نتفه
( ورأيت للحموي بين ... يديه ديوانا مجلد )
( وسمعت بعضهم يقول ... الشيخ أحمق قلت أشهد )
39 - ابن با منصور الديلمي
هو ديلمي الأصل عراقي المنشأ شامي الوطن بارع الشعر بديعه يقول
( ناديت وجنته وقد رقمت ... بالمسك رقم الثوب بالقز )
( يا أرفع البز اختصصت على ... رغم العذول بأرفع الطرز )
ويقول
( يا من فقدت سروري بعد بعدهم ... قد صار بعدكم طول الأسى سكنا )
( لو كان يعرف إنسان بلا أجل ... يموت من شدة الأشواق مت أنا )
ويقول
( في ابتداء الشباب عاجلني الشيب ... فهدا من أول الدن دردي )
ويقول
( سقاني شمول الراح ساق كأنما ... سوالفه مسروقة من سلافها )
( بليلة فطر قام فيها طوايف ... فصلوا وقمنا جهرة بخلافها )
( ولاح هلال الفطر نضوا كأنه ... مرآة تجلى بعضها عن غلافها )
ويقول
( بالهند تطبع أسياف الحديد وفي ... بغداد تطبع أسياف من الحدق )
40 - جريح المقل
قد نسيت اسمه ولم أنس شعره الذي أنشدنيه أبو نصر بن المرزبان رحمه الله تعالى
( الرجل المهذب ابن نفسه ... أغناه فضل نفسه عن قنسه )
( كم بين من تكرمه لغيره ... وبين من تكرمه لنفسه )
وقوله أيضا
( ربما يرجو الفتى نفع فتى ... خوفه أولى به من أمله )
( رب من ترجو به دفع الأذى ... سوف يأتيك الأذى من قبله )
وله ويروى لغيره
( ورب كريم تعتريه كزازة ... كما قد رأيت الشوك في أكثر الثمر )
( ورب جواد ممسك عند جوده ... كما يمسك الله السحاب عن المطر )
41 - أبو القاسم الحموي من حماة
وهي بلدة من العواصم يقول
( لا تقل بيت هجاء ... لا ولا بيت مديح )
( سبق الناس إلى ... كل مليح وقبيح )
ويقول ويروى للخالدي الأصغر
( لما فزعت إلى الخضاب استهزأت ... سعدى وقالت والمحب لما به )
( ما كان ينفعه لدي شبابه ... فعلام يتعب نفسه بخضابه )
ويقول في معنى من أحب شيئا أكثر ذكره
( يا من حديثي حيث كنت ... فكله عنه يكون )
( حتى يقال فكم إذا ... ماذا هوى هذا جنون )
42 - الطاهر الجزري
عالي السن أدرك سيف الدولة وفيه يقول
( وحاجة قيل لي نبه لها عمرا ... ونم فقلت علي قد تنبه لي )
( حسبي عليان إن ناب الزمان وإن ... جاء المعاد بما في القول والعمل )
( فلي علي بن عبد الله منتجع ... ولي علي أمير المؤمنين علي )
وله في فتى تأدب بأدبه
( هذا علي بالمشاكلة التي ... ما بيننا لي مالك مستأثر )
( قالوا صديقك قلت بل ولدي وقد ... أعداه طبعي فهو مثلي شاعر )
وقوله في قوس قزح
( ألست ترى الجو مستعبرا ... يضاحكه برقه الخلب )
( وقد لاح من قزح قوسه ... بعيدا وتحسبه يقرب )
( كطاقي عقيق وفيروزج ... وبينهما آخر مذهب )
43 - أبو الغنايم بن حمدان الموصلي
يقول في أبي مضر ويروى لأحد الخالديين في المهلبي الوزير وهو غاية في وصف قصب القلم من قصيده
( له قلم كقضاء الإله ... فبالسعد طورا وبالنحس ماض )
( وما فارق الأسد في حالتيه ... يبيسا وذا ورقات غضاض )
( ففي كف ليث العلى في الندى ... وفي وجه ليث الشرى في الغياض )
وله في الربيع وهو أحسن ما قيل فيه وذكر أبو عبد الله محمد بن علي بن حفص العمروي النوقاني إن السرى الرفاء أورده في كتابه كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب لأبي القاسم الزاهي وهو ممن ذكرته في كتاب اليتيمة
( هذا الربيع وهذه أنواره ... طابت لياليه وطاب نهاره )
( فضية أنهاره ذهبية ... أزهاره درية أنواره )
( متبلج غدواته متبرج ... ضحواته متأرج أسحاره )
( والماء فضي القميص مفروز ... ببنفسج واللازورد شعاره )
( والسرو ممتد القوام كأنه ... قد الغلام تشقه أنهاره )
( وترنمت عجم الطيور كأنها ... شرب القيان ترنمت أوتاره )
( فاشرب على ورد الخدود بجنبه ... ورد الربيع تحقه أنواره )
( من كف احور كالقضيب منعم ... قد سد خوط قوامه زناره )
44 - أبو الحرث بن التمار الواسطي
ظريف بلاده يقول لسيدوك بلديه
( قد أتيناك مرارا ومرارا ومرارا ... فإذا أنت كمثل البدر لا يبدو نهارا )
وكان متزيدا لأبيه فلما توفي وورثه ماله قال فديت من أحياني موته وأراه نقله من قول علي بن الجهم
( لما أتاني خبر الزيات ... وأنه قد صار في الأموات )
( أيقنت أن موته حياتي ... )
ومن ملح شعر أبي الحرث قوله
( يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... وأصدق الناس إلا في عداتك لي )
وقوله
( وهل يذخر الضرغام قوتا ليومه ... إذا ادخر النمل الطعام لعامه )
وقوله
( جئته زائرا فقال لي البواب ... صبرا فإنه يتغدى )
( قلت سمعا فقد سمعت قديما ... خبزه لازم ولا يتعدى )
45 - ابن الزمكدم الموصلي
أنشدني الشيخ أبو بكر له فيمن دعاه وسقاه الحامض
( كنت في دعوة علي ... بها كان قد دعي )
( طال من خل خمرها ... طول يومي تجرعي )
( وإذا ربها يكابد ... طول التصنع )
( بين أضلاعه السهام ... كما بين أضلعي )
( قلت لما رأيته ... كارعا مثل مكرعي )
( اقتلوني ومالكا ... واقتلوا مالكا معي )
وأنشدني له
( يا غلامي على المجاز ولو خالف ... قلبي في ذا الدعاء لساني )
( عاطني من يديك ضرة خديك ... وحل اللجين بالعقيان )
( واقتصر في مزاجها لي على ما ... شربته من ماء تلك البنان )
46 - أبو محمد الحسن بن محمد الرقي
طرأ على خراسان وتصرفت به أسفار وأحوال أفضت إلى أن تقبله الشيخ أبو
بكر علي بن الحسن القهستاني أيده الله وأحسن به وأفضل عليه كعادته عند أمثاله وأوطنه الجوزجان فمن قوله فيه
( لو قيل لي هل للنهى مالك ... يعرف أم هل للعلى صاحب )
( لقلت والصادق في قوله ... ممدح إذ هجى الكاذب )
( عميدها الشيخ أبو بكرها ... علي بن الحسن الكاتب )
وله من قصيدة
( الجود يشهد والأنام معا ... والعصر إنك واحد العصر )
وله في الغزل
( أتضحك يا فديتك من كتابي ... فتظهر مثل ما أظهرت درا )
( وفي عيني كما في فيك منه ... أرى هذا وذا نظما ونثرا )
( فثغرك لو يذوب كان دمعا ... ودمعي لو يجمد كان ثغرا )
أوجز وأحلى منه قول أبي الفضل بن أبي جعفر الميكالي
( يا شادنا جمع الله المنى فيه ... وأنبت الدر من عيني ومن فيه )
وللرقي من قصيدة
( وكم ليلة طال التعانق بيننا ... كلانا به بتنا غريم غرام )
( ومنطقتي كفاه والليل ادهمي ... وقامته رمحي وفوه لثامي )
وله من أخرى
( لقد جل خطبي في التي دق خصرها ... واسهر جفني جفنها وهو نائم )
( إذا كن أصداغ الخدود عقاربا ... فإن ذوابات الرؤس الأراقم )
هذا البيت معيب عندي إذ جمع فيه بين العقارب والحيات في الغزل والطبع ينفر منها ولو كان في الهجاء لكان جيدا كما قال ابن الرومي في هجاء قينة
( فقرطها بعقرب شهر زور ... إذا غنت وطوقها بأفعى )
وذكر عقرب الصدغ مألوف ولا سيما اذا كانت فيه صنعة كما قال ابن المعتز
( وكأن عقرب صدغه احترقت ... لما دنت من نار وجنته )
وكما قال السري
( في خده ورد حماه ... من القطاف بعقرب )
وكما قال الصاحب
( لئن هو لم يكفف عقارب صدغه ... فقولوا له يسمح بترياق ريقه )
فإذا اقترن به ذكر الحية في بيت واحد لم يهش له السمع ولم يقبله القلب وللرقي من قصيدة
( كن رسولي وبلغ الأهل عني ... ما على المرسلين إلا البلاغ )
( ما دهتني عقارب بنصيبين ... دهتني بواسط أصداغ )
وله في غلام هندي ذي ذؤابتين
( ظبي تفل الظبي أجفانه وله ... من سمرة اللون ما تثنى به السمر )
( ذؤابتاه نجادا سيف ناظره ... وجفنه جفنه والشفرة الشفر )
( ضفيرتاه على قلبي تظافرتا ... فمن رأى شاعرا أودى به الشعر )
47 - أبو الدرداء الموصلي
يجري في طريق السري ويتشبه به وهو القائل ويروي للسري
( تصرم شهر الصوم شهر الزلازل ... وشال به شوال شهر الفضائل )
( ولاح هلال الفطر حنوا كأنه ... سنان لواه الطعن في رأس عامل )
( ودارت علينا الكأس بين أهلة ... تضيء وأغصان رطاب موائل )
( فرحنا وفي أجسامنا سحر بابل ... يدب وفي إيماننا خمر بابل )
وقال وقد حضر مع قوم مجلس الإنس فتذاكروا في المذاهب والآراء وتناظروا في التنجيم
( دعوا المراء والجدل ... فهو عثار وزلل )
( وصافحوا الكأس على ... حسن أحاديث الغزل )
( ما النصب والرفض وما ... يوم الهرير والجمل )
لما لم يستقم له في البيت ذكر صفين جعل مكانه يوم الهرير وإنما هي ليلة الهرير من أيام صفين
( وشتم قوم قسمت ... بينهم الدنيا دول )
( وما النجوم لا جرى ... مريخها ولا زحل )
( وسقطت جوزاؤها ... وريع بالذبح الحمل )
( لا نجم إلا ناجم الراح ... بدا ثم أفل )
( يطلع من كف خضيب ... الكف ثم ينتقل )
( والرفض أن نرفض ما ... جاء به أهل الملل )
( والنصب أن تنصب للذات ... إشراك الحيل )
( مالي وللشرب لهم ... بغير ما أهوى شغل )
( يغمد ما بينهم ... سيف الجدال ويسل )
( إذا بدا يوم خفيف ... الروح ردوه جبل )
48 - محمد بن عبيد الله البلدي
قد ذكرت أباه عبيد الله في اليتيمة وأوردت نبذا من ملح شعره وهذا ابنه اشعر منه وأنشدني أبو طالب الشهرزوري قال أنشدني ابن البلدي لنفسه وكان حلف أن لا يشرب حولا فبرت يمينه غرة شوال
( برت على هجر الكؤوس يميني ... شهر الصيام فما امتطين يميني )
( قم هاتها حمراء في مبيضة ... كالجلنارة في جني نسرين )
( أو ما رأيت هلال فطرك قد بدا ... في الأفق مثل شعيرة السكين )
أحسن منه قول كشاجم
( كشعيرة من فضة ... قد ركبت في خنجر )
( قسما بحبك لا مزجت كؤوسها ... إلا بريقك أو بماء جفوني )
وله أيضا وقد حضر مع إخوانه ببيت صديق له فاشتد جوعهم فيه
( وبيت خلا من كل خير فناؤه ... فضاق علينا وهو رحب الأماكن )
( كأنا مع الجدران في جنباته ... دمي في انقطاع الرزق لا في المحاسن )
68
تتمة القسم الثاني في محاسن أشعار أهل العراق بل أحاسنها وما يتصل بها من ملح أخبارهم
49 - الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي النقيب أيده الله تعالى
هو أخو الرضي أبي الحسن الذي تضمن كتاب اليتيمة شعره وقد انتهت الرياسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم وله شعر في نهاية الحسن فمنه ما أنشدني أبو الحسن محمد بن الحسن البرمكي الفقيه أيده الله تعالى قال أنشدني المرتضى لنفسه ببغداد وهو مما يغني به لرقته وحلاوته
( يا خليلى من ذؤابة بكر ... في التصابي رياضة الأخلاق )
( غنياني بذكرهم تطرباني ... وأسقياني دمعي بكأس دهاق )
( وخذا النوم عن جفوني فإني ... قد خلعت الكرى على العشاق )
وله من قصيدة وهو مما يسكر بلا شراب ويطرب بلا سماع
( أحب ثرى نجد ونجد بعيدة ... ألا حبذا نجد وإن لم تفد قربا )
( يقولون نجد لست من شعب أهلها ... وقد صدقوا لكنني منهم حبا )
( كأني وقد فارقت نجدا شقاوة ... فتى ضل عنه قلبه ينشد القلبا )
وله من أخرى في الشيب وذمه
( يقولون لا تجزع من الشيب ضلة ... واسهمه أياي دونهم تصمي )
( وما سرني حلم يفيء على الردى ... كفاني ما قبل المشيب من الحلم )
( إذا كان ما يعطيني الحزم سالبا ... حياتي فقل لي كيف ينفعني حزمي )
( وقد جربت نفسي الغداة وقاره ... فما شد من وهني ولا سد من ثلمي )
( وإني مذ أضحى عذاري قراره ... عاد بلا سقم واجفى بلا جرم )
ومن أخرى في ذم الشباب
( ومعيري شيب العذار وما درى ... إن الشيات مطية للفاسق )
( وأقول إذ غيرت منه لونه ... هيهات أبدل مؤمنا بمنافق )
ومن أخرى وهو مما يغني به
( ألا يا نسيم الريح من أرض بابل ... تحمل إلى أهل الخيام سلامي )
( وقل لحبيب فيك بعض نسيمه ... أما آن أن تسطيع رجع كلامي )
( وإني لأهوى أن أكون بأرضكم ... على أنني منها استفدت سقامي )
وله من قصيدة مرثية
( تجري دموع عيون ود صاحبها ... لو أنهن على خد المصاب دم )
( كأننا اليوم من هم تقسمنا ... نهب بأيدي ولاة السوء مقتسم )
( نثني الأكف حياء عن ملاطمنا ... وفي الحشا زفرات الحزن تلتطم )
( ونكتم الناس وجدا في جوانحنا ... وكيف نكتم شيأ ليس ينكتم )
ومنها
( أين الذين على خد الثرى وطئوا ... وحكموا في لذيذ العيش فاحتكموا )
( لم تبق منهم على ضن النفوس بهم ... إلا رسوم قبور حشوها رمم )
( ولا يغرنك في الموتى وجودهم ... فإن ذاك وجود كله عدم )
( وقد مضى ما اقتضاه الرزء من جزع ... فأين ما يقتضيه العلم والكرم )
وله من أخرى
( كأني لما صك سمعي نعيه ... صككت بمسنون الغرارين قاضب )
( طواه الردى طي الرداء وعطلت ... مغاني الحجى عنه وغر المناقب )
( ولما بلوت الأصدقاء وودهم ... خلصت إليه من خلال التجارب )
ومن أخرى
( كم ذا تطيش سهام الموت مخطئة ... عني وتصمي اخلائي وأخداني )
( ولو فطنت وقد أردى الزمان أخي ... علمت أن الذي أصماه أصماني )
( سود وبيض من الأيام لونهما ... لا يستحيل وقد بدلن ألواني )
( هيهات حكم فينا أزلم جذع ... يفنى الورى بين جذعان وقرحان )
ومن أخرى
( شد غروض المطي مغتربا ... فلم يفز طالب وما طلبا )
( لادر في الناس در مقتصد ... يأخذ من رزقه الذي قربا )
( وما مقام الكريم في بلد ... ينفق فيه الحياء والأدبا )
( لا تعطني بالزمان معرفة ... كم ضاق بي مرة وكم رحبا )
( أي خطوب لم تولني عظة ... وأي دهر لم أفنه عجبا )
( ساعات دهر تمر مسرعة ... عنا وتبقى الهموم والتعبا )
50 - الأشرف ابن فخر الملك
قدم من بغداد أصبهان علي ابن كاكوية ظانا به الجميل فخاب ظنه وأدركته حرفة الأدب فبينا هو ذات يوم يشرب على شاطئ زرنروذ إذ هزت الراح عطفه ودبت اريحية النشوة فيه فدعا بالدواة والقرطاس وكتب إلى أخيه الأعز ابن فخر الملك وهو ببغداد في نعمة وحسن حال
( إن الذي قسم الوراثة بيننا ... جعل الحلاوة والمرارة فينا )
( لكن أراك وردت ماء صافيا ... ووردت من جور الحوادث طينا )
( أوليس يجمعني ونفسك دوحة ... طابت لنا دنيا وطابت دينا )
( إن كنت أنت أخي فقل لي يا أخي ... لم بت جذلانا وبت حزينا )
( هلا قسمنا بيننا الفرح الذي ... كنا اقتسمنا في حياة أبينا ) فلما قرأ الأعز كتابه أذرى دموع الرقة لأخيه وسفتج بألفي دينار وكتب إليه ببيت لبيد
( فاقنع بما قسم المليك فإنما ... قسم المعايش بيننا علامها )
ولم أجد للأشرف بعدما كتبته إلا قوله
( مر بي الموكب لكنني ... لم أر فيه قمر الموكب )
( قل لأمير الجيش يا سيدي ... ما لأمير الحسن لم يركب )
51 - ابن المطرز
وهو اليوم بقية الشعراء ببغداد ويكنى أبا القاسم واسمه عبد الرحمن بن محمد أنشدني أبو الفضل عبد الواحد بن محمد البغدادي التميمي قال أنشدني ابن المطرز لنفسه من قصيدة
( سرى مغرما بالعيش يفتجع الركبا ... يسايل عن بدر الدجى الشرق والغربا )
( إذا لم تبلغني إليكم ركائبي ... فلا وردت ماء ولا رعت العشبا )
( على عذبات الجزع من ماء تغلب ... غزال يرى ماء القلوب له شربا )
( إذا ملأ البدر العيون فإنه ... لعينك بدر يملأ العين والقلبا )
وأنشدني أبو يعلى البصري له من أخرى
( يا صاحبي بأعلام المدينة لي ... ظبي إذا أنست عيني به نفرا )
( لولا احتشامي منه حين يلحظني ... إذا تأملته أفنيته نظرا )
( إذا تبسم واستجلى محاسنه ... طرفي خلعت عليه السمع والبصرا )
( فإن رنا قلت عن عين الغزال رنا ... وإن مشى قلت غصن يحمل القمرا )
وله في رئيس
( يوم عدتك نحوسه ... وغدت عليك كوؤسه )
( وتغايرت أقماره ... إذ غازلتك شموسه )
( يا سيدا ما مله ... مذ كان قط جليسه )
( ما من رئيس سيد ... إلا وأنت رئيسه )
وله أيضا
( سلام على بغداد من كل بلدة ... وحق لها مني سلام مضاعف )
( لعمرك ما تركي لها عن قلى لها ... وإني بحسني جانبيها لعارف )
( ولكنها ضاقت علي برحبها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف )
( فكانت كخل كنت اهوى دنوه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف )
وله في الخمرو يروى لابن نحرير
( يا ساقيى اسقياني من دم العنب ... فقد طربت أليها غاية الطرب )
( حمراء صافية صرفا مشعشعة ... كالنار طورا وطورا ذائب الذهب )
( تجلى على الشرب في ضدين ما اجتمعا ... إلا لها فهي من ماء ومن لهب )
( بكر إذا افتضها الساقي بكت خجلا ... وكللت رأسها درا من الحبب )
وله في استهداء رقعة الشطرنج
( أبا طاهر أنت لي جنة ... أجل وأعظم من شأنها )
( ونحن العيون وأنت الجفون ... وحسن العيون بأجفانها )
( وعندي خيول قد استنهضت ... معقلة رهن أرسانها )
( وقد حضرت قصبات الرهان ... فمن علي بميدانها )
وله
( ظالم ما منه منتصر ... أبدا يجنى واعتذر )
( حل من قلبي بمنزلة ... لم ينلها قبله بشر )
( بات يسقيني المدام ولي ... وله من طرفه سكر )
( ويحييني بسالفة ... حار في أرجائها الشعر )
( يا حبيبا كله حسن ... لمحب كله نظر )
( وجهه من كل ناحية ... حيث ما قابلته قمر )
( إن تفرقنا على قدر ... وسعت ما بيننا الغير )
( فلعل الدهر يجمعنا ... والهوى ماض ومنتظر )
وله في المجون
( فقحة مثل عجنة الحواري ... حسنها يترك الصحاة سكارى )
( لفتاة لسانها أعجمي ... عبدة عندها الملوك أسارى )
( ورمتها من العيون ومالت ... فقلوب الزناة فيها حيارى )
( أبرزتها من الثياب وقالت ... يا خواجه أتشتهي قلت آرى )
وقال
( كأنما انجم الجوزاء فاصلة ... عن الثريا وبدر التم لم يغب )
( ممنطق ساق في ميدانه كرة ... من اللجين بطبطاب من الذهب )
وله
( تهن بيوم بالسعادة مبهج ... تحلى بوجه مسفر متبلج )
( يميل بأعطاف النسيم ممثلا ... بطلعته وشى الربيع المدبج )
( أتاك بشير بالسعود وكل ما ... تؤمله في كل حال وترتجي )
( فعش وابق واسلم في سرور وغبطة ... وعيد ونورز ألف عام ومهرج )
وله من قصيدة
( عجبت لمن يصفى الوداد لغادر ... يميل مع الأيام حيث تميل )
( ودود إذا حياك أما لسانه ... فواف وأما قلبه فملول )
( فلو صحت الأيام صح وفاؤنا ... ودام ولكن الزمان عليل )
وله من أخرى
( بيني وبين يد الزمان إذا نبا ... صنع الإله وناصر السلطان )
( يلقاك بالوجه الطليق لعلمه ... إن الكتاب بظاهر العنوان )
( فلو أنني استنجدت رائق بشره ... وتركت نائل كفه لكفاني )
ومنها في وصف النوق
( شرب الهجير دماءها ولحومها ... فأتين كالأرسان في الأرسان )
( يكرعن في لمع الشراب وقلما ... ضمن الشراب الري للعطشان )
52 - أبو الحسن علي بن الريان الجرهمي
ذكر أبو الفضل التميمي إنه يغني بشعر نفسه ويصوغ له الألحان فمن ذلك
( يا هاجري في أوسع العذر ... قد رقدت عيني على الهجر )
( علمني غدرك أسلو الهوى ... أي هوى يبقى على الغدر )
( وكنت من صبري جزوعا فمذ ... خنت تجاسرت على الصبر )
وقوله
( يا ويح قلبي من تقلبه ... أبدا يحن إلى معذبه )
( قالوا كتمت هواك من جلد ... لو أن لي رمقا لبحت به )
وقوله
( بات بليلي فيك من يعذل ... جفن همول وحشا مشعل )
( ومقلة ما اكتحلت بالكرا ... مذ غاب ذاك الرشأ الأكحل )
( يا قوم ما أحلى وأشهى الهوى ... للمرء إلا أنه يقتل )
وله شعر كثير من هذا النمط
53 - أبو بكر العنبري
ذكر التميمي أنه من مشيخة الصوفية ببغداد ومن ظرفاء شعرائها ومن شعره الذي يغنى به قوله
( يا من إلى وجهه حجي ومعتمري ... إن حج قوم إلى ترب وأحجار )
( أنت الصلاة التي أرجو النجاة بها ... وأنت صومي الذي يزكو وأفطاري )
( إني وإن بعدت عني دياركم ... فأنتم في سواد القلب سماري )
( فإن تكلمت لم الفظ بغيركم ... وإن سكت فأنتم عقد إضماري )
ومن سائر شعره
( كم تغدينا بصوم ... وتعشينا بنوم )
( وتأذينا بقوم ... فانتقلنا نحو قوم )
ومن منثور كلامه نعم السلاح الدعاء ونعم المطية الوفاء ونعم الشفيع البكاء وكان يقول التصوف اجتناب المحارم واجتناء المكارم وينشد
( ليس التصوف بالفوط ... من قال ذاك فقد غلط )
( إن التصوف يا فتى ... صفو الفؤاد من السقط )
وله
( وليس الذي يجري من العين ماؤها ... ولكنه روح يذوب ويقطر )
54 - أبو الحسن النعيمي
أنشدني أبو القاسم عبد الصمد بن علي الطبري قال أنشدني مكي بن البغدادي قال أنشدني النعيمي وكان شيخا قد نالت الأيام من جسمه وحاله
( أخلت النائبات كأسي من الراح ... كما قد خلا من المال كيسي )
( وغزانا الشتاء من بلد الروم ... على غفلة بلا ناقوس )
( فتحامى الألى لباسهم من ... صوف مصر ومن خزوز السوس )
( ومضى حكمه من الأسر والقهر ... على كل مدبر منحوس )
( ماله جنة سوى النار بالليل ... ولا بالنهار غير الشموس )
( فهو في السر مسلم وعلى الظاهر ... مستمسك بدين مجوس )
قال وكان يجلس في الجامع الشرقي ببغداد أيام البرد فسمعته يوما وهو جالس فيه والسماء متغيمة يقول قد سرقت إحدى الجنتين يعنى احتجاب الشمس قال وسمعته في اجتماع قوم لا خلاق لهم ولا خير فيهم كسير وعوير ومفتاح الدير وآخر ليس فيه خير قال وسمعته يقول في قوم شرار نزلوا شر منزل وتجعله مثلا ركب زنبور عقربا إلى جحر حية فقيل أبصر من الحامل والمحمول وفي أي خان نزلوا قال وأنشدني لنفسه
( إذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعا وريا )
( فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا )
( فإن إراقة ماء الحياة ... دون إراقة ماء المحيا )
55 - أبو الحسن الهاشمي المأموني
أنشدني أبو الحسن البرمكي قال أنشدني أبو الحسن هذا المذكور لنفسه
( إذا لم تنصفونا يا كرام ... وفي أيديكم اليوم الزمام )
( فكيف بكم إذا قلنا صرفتم ... وزال البوش وانقطع الزحام )
( وكنتم معشرا ملكوا فخسوا ... فنام الحظ عنهم حين ناموا )
( وكانوا يخدمون وهم قعود ... فصاروا يصفعون وهم قيام )
56 - أبو الفضل محمد بن عبد الواحد التميمي البغدادي
أيده الله تعالى طلع على نيسابور منذ سنيات وهو في ريعان شبابه فملأ العيون جمالا والقلوب كمالا وأفادنا كثيرا ثم امتطى أمله إلى الحضرة الكبرى بغزنة حرسها الله تعالى فعاشر السادة بها ووصل إلى السلطان الماضي أبي القاسم رضي الله تعالى عنه وخدمه في مجلس الأنس ثم انقلب عنها وقد أسفرت سفرته عن صفقة الرابح وغنيمة الفائز وله شعر الأديب الظريف الذي شرب ماء دجلة وتغذى بنسيم العراق فمما أنشدني لنفسه قوله
( هام قلبي بحسن ذاك العذار ... حين لاح اخضراره في احمرار )
( عز رب إذا أراد تعالى ... أنبت المرزجوش في الجلنار )
وقوله
( جد وإن شئت لا تجد ... إن تخلصت لم أعد )
( إنما منك غرني ... كلم طعمها الشهد )
( لست في الناس واحدا ... قتلته اللحى الجدد )
وقوله في خط اللحية
( بدا خط من أهواه كالبدر طالعا ... وعارضه قد لاح فيه وزغبا )
( فكان كنمل دب في العاج قاصدا ... ليجتز في رفق من الصدغ عقربا )
وقوله
( إن زارني لم أنم من طيب زورته ... وإن جفا لم أنم من شدة الحرق )
( ففي الوصال جفوني غير راقدة ... من السرور وفي الهجران من قلق )
( إني لأخشى حريقا إن علا نفسي ... واتقى إن جرى دمعي من الغرق )
وقوله
( نظرت تشوقا يوما إليه ... فأثر ناظري في وجنتيه )
( وجرد من لواحظه حساما ... حمايله بنفسج عارضيه )
وقوله في رمد المحبوب
( قلت إذا قيل لي حبيبك يشكو ... رمدا سلط السهاد عليه )
وقوله
( الشعر كالبحر في تلاطمه ... ما بين ملفوظه وسائغه )
( فمنه كالمسك في لطائمه ... ومنه كالمسك في مدابغه )
وللموازيني في فصد بعض رؤسائه
( على اليمن باكرت الفصاد مشمرا ... يمين جواد للعطاء مشمره )
( مددت أبا سعد إلى صدر مبضع ... يدا تصدر الآمال عنه منشره )
( وما خلت إن الجود تجري له دم ... فما كان أجرى ذا الطبيب وأجسره )
( أظن له من لطفه بلباقة ... بصيرة بقراط وأقدام عنتره )
وله في مرثية القاضي الهاشمي بحلب
( ناعى أبي جعفر القاضي دعوت إلى الردى ... فلم يدر ناع أنت أم داع )
( تنعى العظيمين من مجد ومن شرف ... بعد الرحيبين من خلق ومن باع )
( مهلا فلم تبق عينا غير باكية ... ولا تركت فؤادا غير مرتاع )
( قد كان ملأ عيون بعده امتلأت ... حزنا ونزهة أبصار وأسماع )
وله
( كم حمار هو أولى ... بنهيق وشهيق )
( يكتسي في الشتوة الخز ... وفي الصيف الدبيقي )
وعلى هذين البيتين فقد تذكرت بيتين على وزنهما وقافيتهما واشتمالهما ذكر الدبيقي ولا أدري لمن هما وهما
( ضاع في الشوك دقيقي ... حين أملت صديقي )
( بفعال كالبخاري ... وقول كالدبيقي )
57 - أبو الغنايم بن أبي المكارم الرملي
هو ابن الذي يقول فيه ابن لنكك
( إن الرميلي بعيد خاطره ... يشعر ما دامت له دفاتره )
( فالشعراء كلهم خواطره ... )
ويقول فيه أيضا
( خلف الرملي فيما اقتص ... عني وحكاه )
( يدعي يوم اصطلحنا ... أنني قبلت فاه )
( لم أقبل فاه لكن ... قبلت كفي قفاه )
فأما أبو الغنايم فإنه يقول لصديق له ولي عملا
( جعلت فداك لا تجف الأخلا ... فينأوا عن ذراك وهم أذلا )
( وكانوا يطرحون لنا مصلى ... فمنذ وليت قد رفع المصلى )
ويقول في شهر رمضان
( شهر الصيام مبارك ... لكنه في شهر آب )
( خفت العذاب فصمته ... فوقعت في نفس العذاب )
ويقول في الهجا بيتا نادرا كالمعجز في فنه وهو
( خوان لا يلم به ضيوف ... وعرض مثل منديل الخوان )
58 - أبو الحسن علي المعروف بابن كويرات الرملي
حدثني المصيصي قال كان ابن كويرات من أظرف الناس وأملحهم نوادر حضرت معه دعوة برأس العين فقدم إلينا جمل مهزول ومددنا أيدينا إليه وهو قابض يده فقلنا له في ذلك فقال يا سادتي هذا كان عاشقا وأنا عاشق والعاشق لا يأكل العاشق وأنشدني له أبو يعلى في طبيب من أهل مصر يدعى أبا الربيع وهو من أحسن ما قيل في مدح طبيب
( أبو الربيع ربيع ... لكل جسم وروح )
( إذا رأى الداء داواه ... بالدواء الصريح )
( كأنه في البرايا ... خليفة للمسيح )
وله من قصيدة
( رشأ سمعت لخده وعذاره ... في هذه الدنيا حديثا سائرا )
( فإذا رأيت عليه طرفا واقعا ... فاعلم بأن هناك قلبا طائرا )
59 - عبد المنعم بن عبد المحسن الصوري
من ملحه وطرفه قوله في غلام ينظر في المرآة
( جلا المرآة صيقلها لوجه ... تولى الله خلقته لحيني )
( فلو أبصرته يرنو إليها ... عرفت الفرق بين الصيقلين )
وقوله لنبهان الجعفري وهو في غاية الملاحة
( زففت إلى نبهان من عفو خاطري ... عروسا غدا بطن الكتاب لها خدرا )
( فقبلها عشرا وأظهر حبها ... فلما طلبت المهر طلقها عشرا )
وأنشدني المصيصي وأبو يعلى له
( أرى الليالي إذا عاتبتها جعلت ... تمن إن جعلتني من ذوي الأدب )
( وليس عند الليالي إن أقبح ما ... فعلن بي أن جعلن الشعر مكتسبي )
ومما يستحسن ويستظرف له قوله
( لي مولى إحسانه يتجدد ... كل يوم لدي والمجد يشهد )
( احسن الفعل بي وأحسنت قولا ... واشتبهنا فقيل جاد وجود )
وقوله وهو من امثاله السائرة
( أرى الله يعطيني ودهري يأخذ ... وفي كل يوم سيف قتلي يشحذ )
( وكيف سلوى عن شبابي وفقده ... طريق إلى سمت المنية ينفذ )
60 - أبو الفرج بن أبي حصين القاضي الحلبي
من أظرف الناس وأحلاهم أدبا وأبوه الذي كاتبه أبو فراس وساجله ومدحه السري وأخذ جائزته ونطق كتاب اليتيمة بنبذ من شعره في عرض شعر أبي فراس ولم أسمع لأبي الفرج أملح من قوله فيمن أبى أن يضيفه
( وأخ مسه نزولي بقرح ... مثل ما مسني من الجوع قرح )
( بت ضيفا له كما حكم الدهر ... وفي حكمه على الحر قبح )
( فابتداني يقول وهو من السكرة ... بالهم طافح ليس يصحو )
( لم تغربت قلت قال رسول الله ... والقول منه نصح ونجح )
( سافروا تغنموا فقال وقد قال ... عليه السلام صوموا تصحوا )
ولم أسمع في عموم الخيانة ووراثة الناس أباهم آدم إياها غير قوله
( كيف نرجو الوفاء من نسل من لم ... يف لله في جنان بحبه )
( وعزيز في العالمين أمين ... خان عهدا أبوه في الخلد ربه )
وله في عتاب الدهر على قصده الكرام
( يا دهر مالك طول عهدك ترتعي ... روض المعالي بارضا وحميما )
( يا دهر مالك والكرام ذوي العلى ... ماذا يضرك لو تركت كريما )
61 - أبو الفرج عبد الصمد بن علي الصوري
قال من قصيدة
( وإذا ما احتوت أنامله ... الرقش كما تحتوي القنا الفرسان )
( فعلت في الخطوب ما تفعل السمر ... إذا جد بالكماة الطعان )
وقال من أخرى
( حتام أرجو أناسا ما مدحتهم ... إلا جنيت ذنوبا ليس تغتفر )
( لئن بحثت عن المعروف عندهم ... ان الثرى في طلاب الماء يقتفر )
وقال لصديق له يعمر داره
( دع عمل الطين للسلاطين ... لا تك من أخوة الشياطين )
( فما بقاء الدريهمات إذا ... أنفقن حينا في الماء والطين )
وقال
( ومن يغش قوما والشبيبة برده ... فيبليه فيما بينهم عد منهم )
وكانت له امرأة قبيحة سليطة فقالت له في يوم مطر وثلج أي شيء يطيب في مثل هذا اليوم فقال التطليقات الثلاث
62 - أبو الفهم عبد السلام النصيبي
هو الذي يقول
( قبلته اشتفي بقبلته ... فزادني ذلك اللمى ألما )
( وسائل لي عن مبتدي سقمي ... مسقم عينيه مسقمي بهما )
ويقول ما يشدوا به القوالون كما ذكر المصيصي وأنا أشك فيه وقد كتبته لحلاوته وظرفه
( لما تأملته يفتر عن برد ... ولاح لي في قميص غير مزرور )
( أرسلت دمعي على الخدين منسكبا ... وصحت واحربا من هتك مستور )
63 - أبو السمط الرسعني وأخوه أبو مالك
حدثني أبو الحسن على بن فارس القزويني قال كان أبو السمط وأخوه من أهل رأس عين وهما من أظرف الناس وأمجنهم وأملحهم فأما أبو السمط فإنه ذكر رجلا يأكل وحده فقال يأكل وهو في أربعة فاستفسر فقال هو وظله والملكان وهذا كما قال أبو الحرث جمين وقد سئل عن مائدة محمد بن يحيى فقيل من يحضرها فقال أكرم الخلق والأمهم يعني الملائكة والذباب وسأل عن غلام استشرطه فقيل هو فاسد فقال في فساده صلاحي ومن نوادر شعره قوله
( والذي أرسل إبراهيم بالحق وعيسى ... إن إسحق بن عمرو يشتهي آية موسى )
وله في المجون
( ويحك يا أيرى أما تستحي ... تفضحني ما بين جلاسي )
( تخرج من جيبي بلا حشمة ... وتطرح المنديل عن رأسي )
وأما أبو مالك فإنه يقول
( جعلنا النرد وردا كل يوم ... واعملنا معتقة المدام )
( لنجعل نقلنا مما أفاءت ... فننتقل الحرام على الحرام )
وهو القائل
( ملكت مجامع الظبي الربيب ... أرى ما شئت من حسن وطيب )
وفيه ما أصون كتابي عنه
64 - أبو الثريا الشمشاطي
حكى المصيصي كان أبو الثريا صديقي وكان يستكثر من الجواري ولا يصبر
على واحدة منهن حتى يبيعها ويستبدل بها فرأيت منهن جارية رومية تسمى ظريفة فقدمت يوما إليه المائدة وقد نسيت الملح فقال لها أين الملح فأشارت إلى وجهها وقالت هنا قال فعزمت على إمساكها وقلت لها أتحسنين الحشو قالت ذاك إليك قال ومما علق بحفظي من شعره ما أنشدني في أبي الأعين انطاكي
( لي صديق منجم وطبيب ... شاعر شعره غذاء الروح )
( فهو طورا كمثل جامع سفيان ... وطورا يحكى سفينة نوح )
حدثني الحامدي إن من الأبيات التي علقها الصاحب في سفينته قول أبي الثريا من مقطعة في مختط
( كأنه البدر في لألاء غرته ... قد زار جبريل في عيد فغلفه )
65 - أبو الفتح المحسن بن علي البديع
من أهل حمص يقول في الغزل
( بالذي الهم تعذيبي ... ثناياك العذابا )
( ما الذي قالته عيناك ... لقلبي فأجابا )
ويقول في عزل صارم الدولة
( من كان يستعلى بتقليد ما ... يسوسه بالرأي أو بالبديه )
( فصارم الدولة ما حطه ... عزل ولا يرفعه ما يليه )
( فلا تطب أنفس حساده ... فإنما أغمده منتضيه )
66 - أبو الفرج بن حيدرة الحمصي
قال من قصيدة
( ما كنت مفتخرا بما قدمت من ... مدحي لغيرك إذ مديحك ارتجى )
( فالبيت لم يفخر مجاوره إذا ... ما طوف الآفاق ما لم يحجج )
ومن أخرى
( له بين العوالي والمعالي ... وبين شبا المهندة الذكور )
( مقامات شرفن فما يبالي ... أمات على جواد أم سرير )
وقد أخطأ في ذكر موت الممدوح ومن حقه صيانته عنه
67 - أبو الوفا الدمياطي
يقول في المصريين من أصحاب عزيز
( إذا ما قطعتم ليلكم بمنام ... وأفنيتم أيامكم بمدام )
( فمن ذا الذي يرجوكم لملمة ... ومن ذا الذي يأتيكم لسلام )
( رضيتم من الدنيا بأهون بلغة ... بشرب مدام أو بنيك علام )
ويقول في عزيز مصر
( يا مالك الوقت والزمان ... ومن علا في عظيم شان )
( ضدان ما استجمعا لخلق ... وجهك والفقر في مكان )
ويقول نثرا في أمرد التحى قد صدئت مرآته وكسف بدره وتشوك
زعفرانه وتسبج زمرده
68 - أبو معشر الكاتب من أهل البحرين
قال له العلوي الوسي يا أبا معشر إنك كالمسك إن أمسك عبق وإن بيع نفق فقال وأنت يا أيها السيد كالقطر إن وقع على البحر أخرج الدر أو على البر أخرج البر وقال بعض السوال واسونا يرحمكم الله فقال إن واسيناكم ساويناكم ومن بارع شعره قوله من قصيدة
( وليلة خضتها على عجل ... وصبحها بالظلام معتصم )
( كإنما الدجن في تزاحمه ... خيل لها من بروقها لجم )
وقوله
( أتاني زايرا فحكى هلالا ... وأتبعه صدودا مستطالا )
( فقلت ألا تعود فقال لا لا ... دوام الوصل يورثك الملالا )
69 - أبو الرماح الفصيصي
يقول في البرق
( إذا ما لاح أحمر مستطيلا ... حسبت الليل زنجيا جريحا )
ويقول في الفستق ما هو من أحسن ما قيل فيه
( مثل الزبرجد في حرير أحمر ... في حق عاج في غشاء أديم )
ونظيره قول أبي إسحاق الصابي ولست أدري من السارق والمسروق منه
( والنقل من فستق حديث ... رطب تبدى به الجفاف )
( لي فيه تشبيه فيلسوف ... ألفاظه عذبة خفاف )
( زمرد صانه حرير ... في حق عاج له غلاف )
والإمام السابق إلى وصفه الصنوبري في قوله
( وحظي من نقل إذا مانعته ... نعت لعمري منه أحسن منعوت )
( من الفستق الشامي كل مصونة ... تصان عن الأحداث في جوف تابوت )
( زمردة ملفوفة في حريرة ... مضمنة درا مغشى بياقوت )
وأنشدني له بعض الغرباء وقد نسيت اسمه ويروى لابن سكرة
( ورد البشير مع الصباح بأنه ... لي زائر فاستعبرت أجفاني )
( يا عين قد صار البكا لك عادة ... تبكين في فرحي وفي أحزاني )
ومن أمثاله الجيدة قوله
( قد يبعد الشيء عن شيء يشابهه ... إن السماء نظير الماء في اللون )
70 - أبو الغوث بن نحرير المنيحي
ذكر المصيصي انه أظرف الناس وأملحهم شعرا وأحضرهم جوابا وقال في صديق جفاه
( هجر المعلى واستمر جفاؤه ... نفسي وإن نقض العهود فداؤه )
( خل إذا الإغباب جدد غيره ... أضحى تجدده لدى لقاؤه )
وقال
( كأن حناءها براحتها ... دماء من قتلت بهجرتها )
( وسودته فحلها لبست ... شباب من شاب في محبتها )
( نقشا كأعطاف تذرج أخذت ... من زخرف الريش حسن زينتها )
( كأنها قد توسدت يدها ... فأودعتها واوات طرتها )
وقال في الشقايق والنرجس
( فتح الشقايق في منابت نرجس ... فلكل خد مخجل طرف أرق )
( كخرايط الديباج حمرا ختمت ... بالمسك بين شارعين مع ورق )
وقال في الغزل المؤنث
( نظرت إلي بمقلتين فنمتا ... بضميرها الخافي ونحن سكوت )
( وكأن في يمناهما هاروت يسحرني ... وفي يسراهما ماروت )
وقال
( إليك فمثلي لا يوحد في الهوى ... لمشركة في الود رث حبالها )
( فلو نال عين الشمس كل محاول ... لما كان مغبوطا بها من ينالها )
وقال
( إن كنت تبكي لحبيب مضى ... فابك شبابا قد مضى وانقضى )
( عوضني الدهر مشيبي به ... وليته سوغ ما عوضا )
( سخطته والموت في أثره ... يحيل بالإكراه سخطي رضا )
وقال في الغزل المؤنث
( طلعت بوجه عاذل لعواذلي ... ينبي بعذري لاحيا للاحى )
( درية البشرات إلا أنها ... مسكية النفحات والأرواح )
وقال
( مبذولة للعيون قد حظرت ... عما سواها من سائر الوطر )
( كأنها صورة مصورة ... لا حظ فيها لنا سوى النظر )
وقال يشكر
( يوفر حالي أبو حازم ... كما وفر الغيث روض البطاح )
( خفيت على الدهر في ظله ... كخافية الريش تحت الجناح )
سرقه من قول أبي نواس
( تسترت من دهري بظل جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني )
وقال
( بحثت لتعرف فتنتي فاستخبرت ... حبي إذا ما قلت حبك فاتني )
( حجبت حياء وجهها بأنامل ... حجبت بهن محاسنا بمحاسن )
وقال
( إن كنت تفجع مقلتي برقادي ... ضنا علي بطيفك المعتاد )
( فامنع سهادي إن شخصك ماثل ... لتفكري نصب لعين سهاد )
( أغياك بخلك باللقاء على امرئ ... متصور لك في ضمير فؤاد )
وقال في الحمى
( وحمى حمتني النوم حتى كأنما ... شقوق جفوني في الصفاة صدوع )
( تهب شتاء ثم تعقب صايفا ... أما لسنيك المنكرات ربيع )
( ادثر عنها بالحشايا تعللا ... وليس لها عما تريد رجوع )
( إذا كان نبض السهم من باطن الحشا ... فكيف تجن المرء منه دروع )
وقال
( أأرى عيوب العالمين ولا أرى ... عيبي خصوصا وهو مني أقرب )
( كالطرف يستجلي الوجوه ووجهه ... أدنى إليه وهو عنه مغيب )
وللأمير أبي الفضل الميكالي أيده الله تعالى في مثل هذا التشبيه وغير هذا المعنى
( كم والد يحرم أولاده ... وخيره يحظى به الأبعد )
( كالعين لا تبصر ما حولها ... ولحظها يدرك ما يبعد )
وله من قصيدة في مجد الدولة وقد خرج في حرب
( وقد بدأت أصوغ الفتح عن ثقة ... بغاية لك تجلو الدهر في حلل )
( أنال ما نلت من جدواك مبتدلا ... حتى إذا قلت فيك القول لم يقل )
( لكل مصغ لشعري حين أنشده ... في محفل طرب العذري للغزل )
وقال
( صل السعي فيما تبتغيه مثابرا ... لعل الذي استبعدت منه قريب )
( وعاوده أن أكدى بك السعي مرة ... فبين السهام المخطيات مصيب )
وقال
( يا واحد الكافين والملك الذي ... دانت لعز علاه أملاك الورى )
( درت رسوم معاشر لم يدركوا ... شأوى ولا شقو العجاج الأكدرا )
( ويبيت بائتهم يغط موسدا ... وأبيت ليلي كالسليم مسهرا )
( اتنقد القول الرصين وأجتني ... غرر المعالي منجدا أو مغورا )
( إن كنت تعطيهم على الشعر اللهى ... فالشعر يقضي أن تخص الأشعرا )
( إن كنت تبغي مدحهم أو شكرهم ... فعليك من إن قال قولا سترا )
وقال يستهدي شرابا
( دعوت أبا الفضل الورى ونسيتني ... ولي ألف عين بالصديق موكله )
( فلا تطو أنباء الذين دعوتهم ... فقد نقلت مشروحة ومفصله )
( ولي قدح في كل دور أدرته ... فمر لي بها تيك التفاريق مجمله )
وقال من قصيدة
( ورب ليل غداف خلت انجمه ... فيه بوافي خمر لمعت فحما )
( معمرا طلع الجوزاء راكعة ... كأنها قوست في طوله هرما )
ومنها
( ابارق صدع الظلماء مضطرما ... أم الوزير الخطير ارتاح مبتسما )
وقال في النرجس
( قد ضحك النرجس في الأقطار ... تجمع بين الزهر والنوار )
( لم ير شخص قبل في الإعصار ... ألف ضدي برد ونار )
( كأنه إذ شيم بالابصار ... يخدم يوم مهرجان طاري )
( بدرهم ضم إلى دينار ... )
وقال
( لا غرو للزمن البخيل إذا سخا ... قد يرسل الحجر العيون النضخا )
كأنه من قول الله عز و جل وأن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وقال
( قد فات أمس ولم أثق بغد فما ... اعتد وقتي غير يومي الحاضر )
( والعيش وقتي وهو مني آخذ ... فالرأي أخذي منه حظ مسافر )
وقال من قصيدة
( لا يغررنك تجملي فلقد ... أسبلته سترا على سغب )
( هو كالخضاب على المشيب متى ... ما تبله تكشفه عن كذب )
وقال وقد قبض على الوزير يوم الأربعاء
( يوم تهاوت شمسه من عال ... مسخت به الأيام فهي ليال )
( وإذا اختبرت الأربعاء لأمرهم ... فدبار في الأدبار أصدق فال )
( يا واحد الكافين بل يا كعبة ... العافين بل يا غاية الآمال )
( ما كنت إلا العضب فلل حده ... بشباة مدرى الكاعب المكسال )
( فعلى قوافي الشعر حتى تنجلي ... شمس الضحى مني سلام القال )
وقال
( وغضبي في الرضى بالتيه وسني ... وفترة لحظها نشوى القوام )
( نفت عن مقلتي نومي بوصل ... وعن قلبي همومي بالمدام )
( فبت وعطفها في ضيق ضم ... كعطف الأعوجية في الحزام )
وله
( عطر الماء نشر نور وزهر ... غازلته به ذيول النسيم )
( وتحلت بهارها الأرض حتى ... حسدتها السماء ذات النجوم )
ومن قصيدة
( أسف غيم وعلا سيله ... الراعب حتى التقيا بالنجاد )
( فقد أعار الروض وسمين من ... الحاظ سعدى وثنايا سعاد )
( تمله وابق مزجي الندى ... ومتقى السطوة حتى التناد )
( واستجل سحرا واردا لفظه ... في حالة سمع الفتى والفؤاد )
ومن أخرى
( وعزم حمى عني المقام كأنني ... أجوب به الدنيا على قدم الخضر )
ومن أخرى
( كفى الفطر في الأعياد فخرا بأننا ... نزف لمغناك التهاني بالفطر )
( فعاوده ما حل الزمان معاودا ... وعامره ما امتدت به فسحة العمر )
( أأفرق ردي دون قوت أرومه ... ورأيك مجبول على طولك الغمر )
( ولو أن للأفلاك مالك في العلى ... غدا بدرها كالشمس والنجم كالبدر )
( تعلمت قول الشعر طفلا وصغته ... لكم أشيبا حتى انقضى فيكم عمري )
( فلا غرو أن أسعفتموني بطايل ... يثبت في أبوابكم قدم الشكر )
( إذا كان خير الذخر أبقاه في الورى ... فإن قريض الحمد من أكرم الذخر )
ومن أخرى
( ورب ليل خضته راميا ... حمى ذراريه بفجر مغير )
( والشرق قد مزق ظلماءه ... خط عمود من صباح منير )
( كسدة الملك جلا ليلها ... عن افقها رأى الوزير الخطير )
( سما به الملك إلى أن غدا ... فرق السهى ترب مقر السرير )
ومنها
( موحد السعى أتى مشبها ... للشمس يعلو قدرها عن نظير )
( دل على إنعامه صيته ... كالبحر يدعوك إليه الخرير )
( في هيبة لا البرق وافي الخطى ... فيه ولا الرعد خطيب جهير )
ومنها
( وغايتي ما يقنع الحظ من ... نشارة المترب نزر يسير )
( ومن يكن همك في صدره ... فالخلق والدهر لديه حقير )
ومن أخرى
( غدا جيشه فضلا عليه كما غدا ... له السيف فضلا جفنه والحمايل )
( فما يرزق الأحرار إلا لعادة ... تحكم أنعام عليها ونائل )
( عزيز السجايا تعتريه لجاجة ... إذا لامه في الجود والبأس عاذل )
( لئن جهل الأعداء ما قد منوا به ... فإن فراش النار بالنار جاهل )
ومنها
( وشى بالربيع الطلق ورق هواتف ... تدانى الثرى أغصانهن الموائل )
( تميد بها في جانبيها كأنها ... طلى رجحتها بالنعاس الرواحل )
( يقبل بعض النور أفواه بعضه ... إذا اعتنقت فيه الغصون الشوايل )
( وتصطفق الأوراق من نفس الصبا ... كما رفرف الأطيار والليل قافل )
( سأشكرك النعمى التي تركت يدي ... يمن بها صوب الحيا وهو آمل )
( فسوف يبين العتق عندي بشكرها ... كما بان عتق الطرف والطرف صاهل )
وقال
( بك استعتبت أيامي قديما ... كما فزع الغريم إلى الكفيل )
( بسابقة اختصاص صار فيها ... سبيل عشيرك الأدنى سبيلي )
( شريت بسالف الأنعام رقي ... ولم تك بالملول المستقيل )
( فأما أن تعين على مقام ... وإما أن تعين على رحيل )
وقال
( أرضى بكل الذل في طلب الغنا ... وأعاف بعض مذلة الإقلال )
( كمن استراح إلى العمى حذر العشى ... وإلى المنية خوف شيب قذال )
ومن قصيدة
( زارتك أيام الربيع فأصبحت ... مستعديات منك بث مواهب )
( بغمائم نثرت على الحصباء كالحصباء ... من قطرات وبل صائب )
( لبس الغصون النور وشيا واغتدا ... درر القطار لها حلى ترائب )
( لفت منورها بمورقها الصبا ... لف العناق مطارفا بذوائب )
( فتملها والملك ما رقمت صبا ... في الماء رقم حوافر في لاحب )
( واستجلها تحف النفوس كأنها ... نجوى المنى وعدت بوصل حبائب )
( كأزاهر بحمائل ووسائط ... لقلائد ومباسم لكواعب )
وقال يهجو أبا الفضل زيد بن محمد بن علي بن القاسم
( أأبا النقيص ففي الفضيل مزية ... اربابها عن لمع برق جهام )
( من همة لك ليس فيها فضلة ... عن كأس مشمول واير غلام )
( تبدي اللواط بهم فلم تختارهم ... بفياشل زقية الأورام )
( وزعمت تعفجهم فلم خرجوا وقد ... رفعوا ذيول القمص من قدام )
في فخر الملك وزير الوزراء أبي غالب محمد بن علي
( ما جاد بالوفر إلا وهو معتذر ... ولا عفا قط إلا وهو مقتدر )
( وكلما طرقوه زاد نائله ... كالنار يؤخذ منها وهي تستعر )
وله
( قد قلت لما ضعفت حيلتي ... واشتد شوقي وجفاني الخليل )
( أصبحت مكروبا بدار الهوى ... فحسبي الله ونعم الوكيل )
71 - أبو منصور عبد العزيز بن طلحة بن لؤلؤ
صاحب بريد الخليفة القادر بالله من مشهور قوله السائر
( سألته قبلة فبادر بالتقبيل ... مستبشرا إلى قدمي )
( فقلت مولاي إن أردت بها ... سرور قلبي جعلتها لفمي )
( فقال كلا للعبد منزلة ... لزومها من حراسة النعم )
وله من قصيدة في القادر عند جلوسه للحجيج
( عش سليما أخرى الليالي البواقي ... لك من سطوة الحوادث واق )
( يا بديع الفعال بين ملوك ... ذكرهم نافد وذكرك باق )
( نظر الله للعباد فولاك ... وأعطاك قسمة الأرزاق )
( أيها القادر الذي فوق قرن الشمس ... في بعدها وفي الإشراق )
( أنت للمجد هضبة رتب الناس ... إليها في المكرمات مراق )
( طال ما فت طالبيك وغبرت ... قديما في أوجه السباق )
( وعمرت البيت الحرام وأهديت ... إليه طرائف الآفاق )
( يسلك الراكب المكل إليه ... وهو فرد من أمنه في رفاق )
( إنما وارث الخلافة من ساس ... الرعايا باللين والإشفاق )
( هذه بردة النبي التي كانت ... إلى منكبيك بالأشواق )
( والقضيب الذي يحن إلى كفك ... لا بل يتوق كل متاق )
( في يفاع السرير أروع ما تعلق ... فيه الألحاظ غير استراق )
( أشبه الناس بالنبي أبي القاسم ... في خلقه وفي الأخلاق )
( يرعد القلب والفرائض خوفا ... بين فسطاطه وبين الرواق )
( فلو أنا نستطيع بين السماطيين ... مشينا له على الأحداق )
وله في فخر الملك أبي غالب
( أطال الله عمرك للمعالي ... وكفك للعطيات الرغاب )
( ولا زالت سيوفك كل يوم ... تحكم في الجماجم والرقاب )
( فإنك أكمل الثقلين طرا ... وأكرم من مشى فوق التراب )
ومن كلامه أن النعمة لا تستدام بمثل الأنعام والقدرة لا تستبقي بمثل العفو ودعا لصديق له فقال صان الله عن سماع المكاره سمعك وعن البكاء على الأحباب دمعك
72 - ابن أبي مرة المكي
يقول في أبي الفتوح والي مكة
( يا سيدا فديته بروحي ... خولك الله أبا الفتوح )
( ملك سليمان وعمر نوح ... )
ويقول عند مقامه ببغداد
( أاصوم شهرا ثم أخرج غاديا ... نحو المصلى أقطع الأميالا )
( فيجر ذا ثوبي واجذب ثوب ذا ... وأزاحم السقاط والأنذالا )
( شربي صبوحا واستماعي قينة ... أولى بأن القى به شوالا )
ويقول في أبي خلف التكريتي
( رأيت أبا خلف راكبا ... وقدامه تحمل الغاشيه )
( فلم أدر أيهما لحية ... ولم أدر أيهما الغاشيه )
73 - أبو حمزة الذهلي
من أهل الطائف المقيمين بالعراق شاعر مليح الشعر ظريفه أنشدني القزويني له من الغزل
( ومستبيح لقتلي ... ما أن يمر ويحلي )
( سنوه عشر وخمس ... كالبدر عند التجلي )
( مصححي حين يدنو ... وفي التنائي معلي )
( ما شوش الصدغ إلا ... لكي يشوش عقلي )
وله
( أظهر الكبرياء تيها وزهوا ... فتلقيته بذل الخضوع )
( وحباني ربيع خديه بالورد ... فأمطرته سحاب دموعي )
وأنشدني أبو طالب الطبري له في حمى رئيس ثم وجدته في شعر الرستمي من
قصيدة ولم اسمع في معناه أحسن وأبدع منه
( وزائرة أتت من غير وعد ... لتأخذ منك حظا من نوال )
( هي الحمى التي تضحي وتمسي ... على ليث الشرى في كل حال )
( رأت سطوات بأسك في الأعادي ... فظنتك الهزبر من الرجال )
( فلما فاح عرفك من بعيد ... تولت بانكسار وانخذال )
74 - أبو شبل الشعيري
من باب الشعير يتطيب ويتماجن ويشعر وسأله بعض من يعاديه عن دواء لعينه العليلة فقال خذ ورق الحجارة وغبار الماء وعصارة الشمس ودهن الجليد واجعلها شيافا واكتحل به وأنشدت له شعرا لم يعلق بحفظي منه إلا أول بيت
( إذا ما مت فلتمطر فؤوس ... ولا برحت عراقكم النحوس )
وذكر علة رئيس كان يعالجه فقال هي بيضة الديك وواحدة الدهر وساقة الجيش وخاتمة السقم العصفري يقول في السلامي
( رأيت في الجامع حواقة ... في وسطها شيخ له شأن )
( عليه طرطور ودراعة ... لها ذيول وجربان )
( فقلت من هذا العظيم الذي ... كأنه في التيه سلطان )
( أجاءه جبريل عن ربه ... أم عنده وحي وتبيان )
( فقيل هذا شاعر مفلق ... له أماديح وديوان )
( فقلت امرؤ القيس فقالوا صه ... فقلت هذا الشيخ حسان )
( قالوا ولا حسان هذا إذا ... قلت فذو الرمة غيلان )
( قالوا السلامي فقلت أطبقي ... ذا محلبان الضرع لبان )
( الشعر لا يسوى ولا أهله ... هذا فلم ذا الشيخ غضبان )
( وإنما الشاعر مستنزه ... تلهو به النفس وبستان )
( أما مجيد فهو مسترفد ... أو بارد الشعر فصفعان )
75 - أبو مسلم الجهني
يقول
( أمهد لنفسك يا أبا الفياض ... واعلم بأنك عن قليل ماض )
( ويحوز مالك وارث للمال أو ... موصى إليه أو وكيل القاضي )
( إن الكبير إذا تناهت سنه ... أعيت رياضته على الرواض )
ويقول
( وإذا بليت بجاهل متحكم ... يجد المحال من الأمور صوابا )
( أوليته مني السكوت وربما ... كان السكوت عن الجواب جوابا )
وله
( أتيت أخا لي في حاجة ... وكنت عليه خفيف المؤن )
( فأنكر معرفة لم تزل ... وأبدى مناكرة لم تكن )
( وقال وجاهدني وده ... أبو من وممن ومن وابن من )
76 - أبو الفضل الفضلي الكسكري
قال يهجو
( عيناه عنوان شوم ... والشوم في العنوان )
( في صلب آدم سمي ... مبشر الأحزان )
وقال يحكي عن ماجنة ظريفة دواء الخمار
( يا لعيارة تقصر للعاشق ... بالظرف والنوادر يومه )
( سئلت عن دوا الخمار فقالت ... كومة ثم نومة ثم عومه )
وأنشدني له من لا أثق به
( كل أمر وإن تضايق جدا ... فله بعد ما تضايق فسحه )
( فارج كشف البلاء عنك وشيكا ... إن كشف البلاء في قدر لمحه )
77 - أبو قيس التيمي
من أهل النهروان ويقال من أهل الحيرة أحد الظرفاء المجان ولشعره حلاوة وطلاوة كقوله
( نزلت على أبي سعد فحيى ... وهيا عنده فرش المقيل )
( وقال علي بالطباخ حتى ... يزيد من البوازد والبقول )
( فغداني برايحة الأماني ... وعشاني بميعاد جميل )
وقوله
( سوءة سوءة لوجه كتاب ... كل ألفاظه لدي زيوف )
( وكأن الحروف منه سياط ... وكأن السطور منه سيوف )
وقوله
( عد عمن شئت واندم ... تربح الأمن وتسلم )