كتاب : قرى الضيف
المؤلف : عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس
( ويسهم من أعماله في خيارها ... ويشرك من أمواله في الكرائم )
( فلا ملك إلا ما أقمت عروشه ... ولا غيث إلا ما أفضت لشائم )
( ولا تاج إلا ما توليت عقده ... على جبهة الملك المكنى بقاسم )
( أبدر العزيزيين رفقا فطالما ... كفيت ببيض الرأي بيض الصوارم )
( فرأيك نجم في دجى الخطب ثاقب ... وعزمك عضب في طلى كل ناجم ) - من الطويل -
ومنها
( وقد كان ملك الأرض قد زال نجمه ... فكنت له بالرأي أفضل ناظم )
( أخذت بضبع الدين حتى رفعته ... إلى حيث لا يسمو له وهم واهم )
( وكان سرير الملك قبلك باكيا ... فأبدى لنا من خطة ثغر باسم )
( محوت بما أثبته من ملاحم ... أعدت بها الإسلام كتب الملاحم )
( فلا زلت للملك الذي قد أعدته ... حمى واقيا من كل خطب وداهم )
ومن قصيدة أخرى
( سألت الله مبتهلا مناكا ... فأضعف ما سألت وقال هاكا )
( ورد على يديك الملك لما ... غدا بالترك ينتهك انتهاكا )
( فأنت لرب هذا الملك سيف ... إذا ما نابه خطب نضاكا )
( وقد أبت الوزارة في بخارى ... سواك كما أبت إلا أباكا )
( وكان الصدر مذ أخليت منه ... يمج رجاله حتى احتواكا )
( وما أخلاه منك الملك إلا ... ليبلي من عداك بما بلاكا )
( فما أغنوا غناءك في فقير ... وهل يغني غناءك من عداكا )
( وكنت السيف أغمد يوم سلم ... فلما شبت الحرب انتضاكا )
( وقد كانت على الأعداء أمضى ... وأقضى من سيوفهم رقاكا )
( ولو نهضت رجال الأرض طرا ... بما كلفت ما أغنوا عناكا )
( فعلت ببعض قولك كل فعل ... ونبت بعفو رأيك عن ظباكا )
( غذيت بدر ضرع العلم طفلا ... ففقت الخلق في المهد احتناكا )
( فلا شرب الطلا ألهاك يوما ... ولا بيض الطلا عما عناكا )
( وإن غم الممالك ليل خطب ... جلاه صبح رأيك أو سناكا )
( فأفسح من خطى الخطي قدما ... إذا أقدمت في حرب خطاكا )
( وأسمح من ملث القطر جودا ... إذا ما صاب صيبه نداكا )
( وما انفتحت بلا شفتاك يوما ... ولا انضمت على نشب يداكا )
( تأخر عن مداك البحر لما ... جريت فلم نسميه أخاكا )
( وما جاراك صوب المزن لما ... جرى وجرى نداك ولا حكاكا )
( ولكن الغمام عني سجودا ... على وجه الثرى لك إذ رآكا )
( فأنت أجل قدرا أن تجارى ... وأرفع رتبة من أن تحاكى )
( وقد سامى السماء وماس زهوا ... على فرع السهى بلد نماكا )
( فأهلوه ومن فيه وقاء ... لنفسك من جميع من ابتغاكا )
( فها هو جنة لك فاغتنمها ... وهم لك جنة مما دهاكا ) - من الوافر -
ومنها
( أكاد إلى العزيزيين أعزي ... لإلحاقي بهم نفسي اشتباكا )
( فلو أجريت لحظك في فؤادي ... رأيت دليل ذاك كما أراكا )
( أعبد الله لا خيرت بيتا ... مدى الأيام إلا في علاكا )
( فكم لك من يد قلدتنيها ... فلست أرى لها عني انفكاكا )
( ولو حملت ما حملتنيه ... شمام لما استطاع به حراكا )
( وقد ألبستني أثواب عز ... وقد أوطأت أخمصي السماكا )
( فحسبك من علا أعليت كعب ... برفعكه فقد بلغ السماكا )
( فلا حطت لك الأيام مجدا ... ولا ارتجع المهيمن ما حباكا )
( سرى كل السرى في الأرض شعري ... وخيم إذ رآك فما خطاكا )
( وكنت على النوى صممت حتى ... منعت فبت مبتغيا رضاكا )
( ولو لم تقتصر حالي الليالي ... لما أزمعت سيرا عن حماكا )
( وقد سميت لي أمرين حسبي ... ببعضهما إذا آثرت ذاكا )
( وإن لم ترض لي بالنجم نعلا ... ولا خط المجرة لي شراكا )
( فدع ما ترتضيه لنا وخفض ... فأنفسنا وما ملكت فداكا )
( وما استنكفت من جدواك لكن ... كفاني بذل ودك عن لهاكا )
( ولو كان استماح البحر خلقا ... لأمك يستمحيك وانتحاكا )
( فلا يممت غير نداك بحرا ... ولا خيمت إلا في ذراكا )
ومن شعره في أبي نصر بن أبي زيد قوله من قصيدة وصف فيها داره التي بناها وانتقل إليها عند تقلده الوزارة
( قد وجدنا خطى الكلام فساخا ... فجعلنا النسيب فيك امتداحا )
( وأفضنا ما في الصدور ففاض المدح ... قبل النسيب فيل انفساحا )
( وعمدنا إلى علاك فصغنا ... لصدور القريض منها وشاحا )
( وصدعنا في أوجه الشعر من بيض ... مساعيك بالندى أوضاحا )
( غرست في ثرى الصدور عطاياك ... غروسا أثمرن ودا صراحا )
( كم كسير جبرته وفقير ... مستميح رددته مستماحا )
( وبلاد جوامح رضتها بالعزم ... حتى أنسيتهن الجماحا )
( وأمان خرس بسطت لها في القول ... حتى أعدتهن فصاحا )
( شهرت منك آل سامان عضبا ... ينجح السعي غربه إنجاحا )
( أحمدت رتبة الوزارة من أخمد ... نارا تجري القنا والصفاحا )
( فلو أن الممالك استنطقت فيه ... لقامت بذكره مداحا )
( مغرم بالثناء مغرى بكسب الحمد ... يهتز للسماح ارتياحا )
( لا يذوق الإغفاء إلا رجاء ... أن يرى طيف مستميح رواحا )
( يا أبا نصر الذي نصر ... الملك فأنسى المنصور والسفاحا )
( ضاقت الأرض عنك فارتدت ربعا ... يسع البحر والحيا والسماحا )
( وإذا ضاقت المصانع بالسيل ... أبى أن يحل إلا البطاحا )
( فهنيئا منها بدار حوت منك ... جبالا من الحلوم رجاحا )
( كونها توءم الوزارة مما ... زاد برهان سعدها إيضاحا )
( ذات صدر كرحب صدرك قد زاد ... على ظن آمليك انفساحا )
( يغرس الصيد في ذراها من التقبيل ... غرسا فيجتنيه نجاحا )
( بفناء نطيل فيه خطى اللحظ ... ونلقي للفكر فيها انسراحا )
( بهوها يملأ العيون بهاء ... صحنها يملأ الصدور انشراحا )
( شيدها فضة وقرمدها تبر ... قد امتيح من نداك امتياحا )
( وثراها من عنبر شيب بالمسك ... فإن هبت الصبا فيه فاحا )
( مقنعات فيها الأساطين من فوق ... صخور قد انبطحن انبطاحا )
( كل ناد منها قد اتشح الفرش ... بثوب الربيع فيه اتشاحا )
( وأرى بين كل نحيين كالروض ... خليجا من البساط مساحا )
( وسقت ماؤه حدائق غربيه ... إلى أن غدت به ضحضاحا )
( صبغة من دم القلوب فمن أبصره ... اهتز صبوة وارتياحا )
( ما بكاء الرياض بالظل إلا ... خجلا من رياضها وافتضاحا )
( شابه النقش فرشها مثل ما شابه ... ولدانها دماها الصباحا )
( وكأن الأبواب صحب تلاقين ... انغلاقا ثم افترقن انفتاحا )
( وكأن الستور قد نشر الطاووس ... منها في كل باب جناحا )
( وكأن الجامات فيها شموس ... أطلعتها ذرى القباب صباحا )
( والسواري مثل السواعد كبت ... تحتها من أساسها أقداحا )
( وبيوت كأنهن قلاع ... مزمعات للنيرات نطاحا )
( ورواق كأنما بسطت فيه ... دعاء أيدي الأساطين راحا )
( وجنان لو كنت في جنة الفردوس ... لم أبغ غيرهن اقتراحا )
( وإذا دارت الكؤوس بها أبصرت ... خلد النعيم ثم مباحا ) - من الخفيف -
ومنها
( من يدي كل ساحر الطرف يجني الورد ... من وجنتيه والتفاحا )
( وإذا الزير جاوب الناي ضربا ... جاوب البلبل الهزار صياحا )
( في مقام تمحو الهموم به النشوة ... عنا وتثبت الأفراحا )
( تطلع الشمس أنجما كلما هزت ... شموس الطسوس منها رماحا )
( وضياء السقاة والخمر والكاسات ... فيه قد عطل المصباحا )
( وإذا ما المجامر اضطرمت بالجمر ... أحيت رياحها الأرواحا )
( فمتى أطعمت أزجة عطر ... أشرعت من دخانها أرماحا )
( فهنيئا منها بجنة عدن ... ضمنت منك سيدا جحجاحا )
( فاقطع الدهر في ميادينها الفيح ... اغتباقا على الحيا واصطباحا )
( واملأ الفكر من موشحة فيك ... ولا تولها قلى واطراحا )
( فلو أني استوقفت عينا بما قلت ... لما اسطاع عن براحي براحا )
قال مؤلف الكتاب رأيت المأموني ببخارى سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وعاشرت منه فاضلا ملء ثوبه
وذاكرت أديبا شاعرا بحقه وصدقه
وسمعت منه قطعة من شعره ونقلت أكثره من خطه وكان يسمو بهمته إلى الخلافة ويمني نفسه قصد بغداد في جيوش تنضم إليه من خراسان لفتحها فاقتطعته المنية دون الأمنية ولما فارقته لم تطل به الأيام بعدي حتى اعتل علة الاستسقاء وانتقل إلى جوار ربه ولم يكن بلغ الأربعين وذلك في سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة
وهذا ما اخترته من شعره في الأوصاف والتشبيهات التي لم يسبق إلى أكثرها
قال في المنارة
( وقائمة بين الجلوس على شوي ... ثلاث فما تخطو بهن مكانا )
( على رأسها نجل لها لم تجنه ... حشاها ولا علته قط لبانا )
( يشرد في أعلاه كل دجنة ... يشق جلابيب الظلام سنانا ) - من الطويل -
وقال في الكرسي
( ومقعد لي وطئ ... يقوم عند قعودي )
( يزهي بصدر فسيح ... رحب وبأس شديد )
( له رواق أديم ... على سواري حديد )
( إذا جلست عليه ... خلت الأنام عبيدي ) - من المجتث -
وفيه أيضا
( ومرتبة من بوادي الملوك ... بين القيام وبين القعود )
( تمد بساطا لمستوطئ ... ثبوته عمد من حديد ) - من المتقارب -
وفيه أيضا
( ومستوقف لجلوس الحضور ... على أربع في الثرى موثقه )
( يمد على فرعه مفرشا ... ويظهر في خصره منطقه )
( فمن شاء صيره مقعدا ... ومن شاء صيره مرفقه ) - من المتقارب -
وقال في طست الشمع
( وحديقة تهتز فيها دوحة ... لم ينمها ترب ولا أمطار )
( فصعيدها صفر ونامي غصنها ... شمع وما قد أثمرته نار ) - من الكامل
وأيضا
( وطاعنة جلباب كل دجنة ... بماضي سنان في ذؤابة ذابل )
( تجود على أهل الندامى بنفسها ... وما فوق بذل النفس جود لباذل )
( ويقري عيون الناظرين ضياؤها ... وقد قيدت ألحاظها بالأصائل ) - من الطويل -
وقال في النار
( أم القرى عندك أم بوح ... فقد سرى أبوابه اللوح )
( أم ذات مرط ذهبي لها ... يعقدها في الجو تطويح )
( يسقني أخت لها دنها ... جسم لها وهي له روح )
( كأنها الشمس وما نفضت ... من شرر عنها المصابيح ) - من السريع -
وله في الحمام
( وبيت كأحشاء المحب دخلته ... ومالي ثياب فيه غير إهابي )
( أرى محرما فيه وليس بكعبة ... فما ساغ إلا فيه خلع ثيابي )
( بماء كدمع الصب في حر قلبه ... إذا آذنت أحبابه بذهاب )
( توهمت فيه قطعة من جهنم ... ولكنها من غير مس عقاب )
( يثير ضبابا بالبخار مجللا ... بدور زجاج في شموس قباب ) - من الطويل -
وله في السطل والكرنيب
( لنا في الأسطال سطل ... شأنه عجيب )
( كالشمس إذ عاجلها ... في الطفل المغيب )
( كرنيبه كمائح ... وهو له قليب )
( قبضته سبيكة ... في متنها نحيب )
( ضرب دمشقي فما ... يرى لها ضريب ) - من مجزوء الرجز -
وله في حجر الحمام
( لحجر الحمام عندي يد ... ومنه لست أؤديها )
( وهو لرجلي صقيل لا يني ... عن طبع في الرجل ينقيها )
( كأنها كورة نحل إذا ... غمستها في الحبر تشبيها ) - من السريع -
وفي الليف
( لليف في تنظيف جسم ... المستحم معجزه )
( فلا يغور درن ... في الجسم إلا أبرزه )
( كأنه ذوائب ... قد مشطت مجرزه ) - من مجزوء الرجز -
وفي المنشفة
( منشفة حملها تخال بها ... قد فت كافورة على طبق )
( كأنما أنبتت خمائلها ... ما ارتشفت من لآلئ العرق ) - من المنسرح -
وفي الزنبيل
( وذي أذنين لا يعيان قولا ... وجوف للحوائج ذي احتمال )
( تكلف شغل أهل البيت طرا ... وتحمل فيه أقوات العيال )
( مطيع في الحوائج غير عاص ... ولا شاك إليك من الكلال )
( تسر إليه في الأسواق سرا ... فلا يبديه إلا في الرحال ) - من الوافر -
وله في كوز أخضر محرق
( وبديعة للريم منها جيدها ... حارت عيون الناس في إبداعها )
( كخريدة في مرط خز أخضر ... رفعت يدا لترد فضل قناعها ) - من الكامل -
وله في الشرابية
( شمس لها من نفسها أرجل ... ست إذا ما شئت أو أربع )
( تنوء بالكوز لظئر له ... تحضنه الدهر ولا ترضع ) - من السريع -
وله في الجليد
( حجارة من صنيع الدهر تمتعنا ... ببردها وضرام الغيط يستعر )
( كأنها قطع البلور ليس بها ... نقب ولا أثر باد ولا كدر ) - من البسيط -
وله في ماء بجليد
( ورائق مثل الهواء صافي ... بات بثوب القر ذي التحاف )
( حتى نفى عنه القذاة نافي ... فرق حتى صار كالسلاف )
( أسرع في الجسم من العوافي ... فيه الجليد راسب وطافي )
( كأنه ودائع الأصداف ... ) - من الرجز
وله في كأس جلاب
( وكأس جلاب بها يطفي اللهب ... يقضي بها عند الخمار ما وجب )
( كأنها الفضة شيبت بالذهب ... تشابه الجليد فيها والحبب )
( حسبته درا من المسك انسرب ... فبعضه طاف وبعض قد رسب )
( كأنما المخوض فيها يضطرب ... حوت يغوص تارة ثم يشب ) - من الرجز -
وفيها
( وكأس من الجلاب أطفأ بردها ... سعير خمار الكأس عند التهابه )
( وكانت كبرد العدل عند طلابه ... وعود وصال الحب بعد ذهابه ) - من الطويل -
وله في السكنجبين
( ومستنتج ما بين خل وسكر ... دوائي من دائي به وشفائي )
( رأيت به في الكأس أعجب منظر ... مذاب عقيق فيه جامد ماء ) - من الطويل -
في الفقاعة
( ورب فقاعة رأيت بها ... ثدي كعوب مسود الحلمه )
( حللت زنارها فأظهر لي ... شهب بزاة تطير عن أكمه ) - من المنسرح -
وفي المعنى أيضا
( أجسام صخر دفنت في صخر ... تناسبا واختلفا في النجر )
( تحكي ثنايا خفرات غر ... تلوح من تحت ثياب خضر )
( أطرافها قد ضمخت بالحبر ... كدر مفطوم رضاع الدر )
( أقعى على أذنابهن التبري ... إقعاء أسد بصرت بنمر )
( تفور إن حلت كفور القدر ... بمثل أحداق جراد خزر )
( أو مثل أنصاف صغار الذر ... أو صارم فيه الفرند يجري )
( يعلو وينقض انقضاض الزهر ... كأنما الليل انجلى عن فجر )
( تبدي ذرى هاماتها من جمر ... وما عدا رءوسها قد عري )
( مزنرات لا لدين كفر ... دفائن لا لانقضاء عمر )
( في تربة من صنع أيدي القرقد ... حنطت أجيادها بالعطر )
( وحرمت حرم أخيذ الأسر ... دفينها ينشر ميت القبر )
( وبردها شفاء حر الصدر ... تقسم بالله العظيم القدر )
( لا أرضعت إلا فطيم الخمر ... فهي شفاء السكر بعد السكر ) - من الرجز -
في الأترج المربى
( ورب سوس من الأترج ... متقد اللون اتقاد السرج )
( يعوم من إنائه في مزج ... مجت عليه النحل أي مج )
( فقام من رضابها في لج ... بظاهر كقطع الخلنج )
( أو العقار اعتللت بالمزج ... غصت به فوهاء مثل البذج )
( سليمة من كلف وسحج ... نقية كالعاج أو كالثلج )
( قد خرطت على قوي النسج ... خرم ثوب الخيل بالبرطنج )
( أفضل ما أبغي وما أرجي ... وما أعد للطعام الفج )
( وكل مأكول بطيء النضج ... وتخم تغصني وتجشي )
( بهر لها كالسائق المزجي ... يوسع ما ضاق لنا من نهج )
( يبرئ من كل أذى وينجي ... ويجعل الأفواه ذات أرج )
( عزاه شاريه إلى الأشج ... وخطه عليه بالتهجي )
( جاء به الحجيج بعد الحج ... يفرون كل سبسب وفج )
( حتى أتوا منه بما يرجي ... فنلت مأمولي به وفلجي ) - من الرجز -
وله في الإهليج المربي
( إهليلج خلناه لما بدا ... يمرح في لج من الشهد )
( وسائط الجوهر قد ألقيت ... في ماء ياقوت من العقد ) - من السريع -
وله في الترنجبين
( وسكر ليس من ... السكر المستخرج )
( أبيض كالكافور أو ... كاللؤلؤ المدحرج )
( فلو حلفت أنه ... طرزه لم أحرج )
( فهو غذاء يغتذي ... وهو شفاء للشجي )
( ظل من السماء يهوي ... فوق نبت العوسج )
( يسقط مثل اللؤلؤ الرطب ... على الفيروزج ) - من مجزوء الرجز -
وله في الرطب المعسل في برنية زجاج
( وشفافه مثل النسيم كأنها ... مكونة الأجرام من ريق القطر )
( بها من نبات النخل والنحل ملؤها ... يواقيت جمر في مياه التبر ) - من الطويل -
وله فيه
( ورب ماء من الشهد ... في زكي زجاج )
( فيه يواقيت جمر ... يضم أقطاع عاج ) - من المجتث
وله في كعاب الغزال في برنية زجاج
( وذات لطف كقطر ضمنت يققا ... كأنه البرد الربعي تشبيها )
( شفافة من حدائق الزرق قد طبعت ... ومن بياض عيون الحور ما فيها ) - من البسيط -
وفيها أيضا
( وبيض ظنناهن والجام محدق ... بهن كصدر هن فيه فؤاد )
( أنامل غيد ما وصلن براحة ... وأعين عين ما لهن سواد ) - من الطويل -
وفيها أيضا
( وبيض إذا ما لحن في الجام خلتها ... نجوم سماء في سماء زجاج )
( وإن ضمنتهن البراني حسبتها ... أسنة سمر في رقيق عجاج ) - من الطويل -
وقال في بنادق القند الخزائني في برنية زجاج
( وأبيض اللون أودعناه صافية ... تذيع ما استخفيت فيه وتبديه )
( كأنه برد صاغ الهواء له ... من ريق القطر أكنافا توقيه ) - من البسيط -
وقال في أعمدة القند الخزائني
( أنابيب من القند ... على الأطباق مبيضه )
( كأن الجام كف وهي ... أطراف لها بضه )
( حكت أعمدة صيغت ... من الثلج أو الفضه )
( حكت شهبا غدت في ذلك ... المجلس منقضه )
( شفاء الشارب الظمآن ... من أطرافها عضه ) - من الهزج
وله في اللوز الرطب
( وافت لتخطر في ثلاث مدارع ... حذاهن في شكل النواظر حادي )
( توابيت في حصر الخدود تضمنت ... مكفن عاج في مصندل لاذي ) - من الطويل -
وله في اللوز اليابس
( ومستجن من الجانين ممتنع ... بجبة لم يحكها كف نساج )
( در تضمن من عاج تضمنه ... والبر لا البحر أصداف من العاج ) من البسيط -
وقال في الجوز الرطب
( ومحقق التدوير يعرب نفعه ... من كف من يجنيه ما لم يكسر )
( در يسوغ لآكليه ضمه ... صدف تكون جسمه من عرعر )
( متدرع في السلم ثوب غلالة ... درعا مظاهرة بثوب أخضر ) - من الكامل -
وله في الزبيب الطائفي
( وطائفي من الزبيب به ... ينتقل الشرب حين ينتقل )
( كأنه في الإناء أوعية النحاس ... لكن ملأها عسل ) - من المنسرح -
وله
( وقشمش كخرز ... للنظم لم يثقب )
( يبلى به الكأس لما ... بينهما من نسب )
( يحظى به الشارب في النادى ... ومن لم يشرب )
كأنه أوعية ... يحملن ذوب الضرب )
( أو لؤلؤ قد عل أعلاه ... بماء الذهب ) - من مجزوء الرجز -
وقال في العناب
( يروقني العناب ... فبي إليه انصباب )
( إذ لاح لي منه أطراف ... من أحب الرطاب )
( يحكى فرائد در ... لها العقيق إهاب ) - من المجتث -
في الباقلاء الأخضر
( وباقلاء أزهر ... مثل سموط الجوهر )
( تضمه أوعية ... من الحرير الأخضر )
( أوساطه مخطفة ... مثل خصور ضمر )
( أطرافه مذروبة ... مسروقة من أنسر )
( وطرف كمخلب ... وطرف كمنسر ) - من مجزوء الرجز -
وله في الباقلاء المنبوت
( وباقلاء عامر طيبها ... من حسنه الناظر مبهوت )
( كأنه أقطاع عاج لها ... من خشب الساج توابيت ) - من السريع -
وله في البطيخ
( محققة ملء الكفوف كأنها ... من الجزع كبرى لم ترض بنظام )
( لها حلة من جلنار وسوسن ... مغمدة بالآس غب غمام )
( تمازج فيها لون صب وعاشق ... كساه الهوى والبين ثوب سقام )
( وأبدي له في النحر تخضير كاعب ... علامته ذات اعتدال قوام )
( رياضية مسكية عسلية ... لها لون ديباج وعرف مدام )
( إذا فصلت للأكل حاكت أهلة ... وإن لم تفصل فهي بدر تمام ) - من الطويل -
وله في البطيخ الهندي
( ومبيضة فيها طرائق خضرة ... كما اخضر مجرى السيل في صيب الحزن )
( كحقة عاج ضببت بزبرجد ... حوت قطع الياقوت في عطن القطن ) - من الطويل -
وله في الكمثرى
( وضرب من ثمار الصيف يحكي ... وقد طلعت لنا منه نجوم )
( قناديلا تضيء لها رءوس ... مثقبة وليس لها جروم ) - من الوافر -
وله في رمانة
( رمانة ما زلت مستخرجا ... في الجام من حقتها جوهرا )
( فالجام أرض وبناني حيا ... تمطر منها ذهبا أحمرا ) - من السريع -
وله
( ليس الإناء بحافظ مستودعا ... إلا إذا وقيته بغطاء )
( فإذا جعلت له الغطاء فإنه ... بجميع ما استودعت خير إناء )
( فاحفظ إناءك بالغطاء فإنه ... لا خير في أرض بغير سماء ) - من الكامل
وله في الملح المطيب
( لا تدن مني الملح إن شبته ... من الأبازير بألوان )
( ووجهه أبرص ذو غشة ... بين ثآليل وخيلان )
( فإنني أحسب أني متى ... أدنيته مني أعداني )
( وهاته أبيض ما إن له ... في عرصه الصحفة من ثاني )
( فهو متى أفرد من صاحب ... إدام زهاد ورهبان ) - من السريع -
وله في خبز الأبازير
( الملح ما أكثر أبزاره ... لا ملح أهل الزهد والنسك )
( كأن شهدانجه بينه ... حبات رومي من الفلك )
( كأنما الشيونيز من فوقه ... ما نفت الفضة في السبك )
( كأنما العناب في وجهه ... تنقيط قرآن على الصك )
( بانجدان فض من مهرق ... وسمسم قد فض من سلك )
( يشبه من ثني أبازيره ... إذا تأملناه أو يحكي )
( سحيق كافور مشوب به ... قراضة العنبر والمسك ) - من السريع -
وله في الرقاق
( خبز الأبازير مني كل من ... بترهات الأكل يشتهر )
( وعندنا منه أتراس من الفضة ... قد رصعها الجوهر )
( كأحصن الكافور قد حشدت وذر في أوجهها العنبر ) - من السريع -
وله في الرقاق
( وخبازة لا تغذي الرقاق ... أرتنا من الخبز أمرا عجابا )
( تناول بيض كتاب العجين ... فتنسخ في الوقت منها ثيابا )
( وتأتي بها كصفاح الغدير ... قد كون القطر فيها قبابا ) - من المتقارب -
في الجبن والزيتون
( غرامي بابن المباركة التي ... بها كلم الله الكليم من الرسل )
( فإن نيط بابن الضرع بعد احتياكه ... وبعد اعتصاره الدهر ما فيه من ملل )
( رأيت أكفا فضة وأناملا ... بهن خضاب حالك اللون ما نصل )
( وألفيت منها أوجه الروم فوقها ... جعود شعور الزنج أو حدق المقل )
( إذا اجتمعا لي لم أمل معهما إلى ... أطايب أنواع الطبيخ ولم أبل )
( خليلان ضدان الدجى والضحى معا ... يضمهما فتر من الأرض أو أقل )
( فكلني إلى خدنين ذا وضح الدجى ... نقاء على أرض الخوان وذا طفل )
( فهذا كخد بالعضاض مؤثر ... وذاك كصدغ خالك فوقه انسدل ) - من الطويل -
وله في البوراني والبطيخ
( لدينا نديم لم يزل طول يومه ... له في المقالي فجة وفشيش )
( وضرب من البطيخ في راحتي من ... خشونته كلم بها وخدوش )
( تخال ربا النواريج أحدقت ... بها خفيفة من أن تحف جيوش )
( ومن لم يكن في الصيف هاتان عنده ... فكيف يرجي عمره ويعيش ) - من الطويل
وله في العجة
( عندي للضيف عجة شرقت ... بدهنها فهي أعجب العجب )
( قد عضت النار وجهها فغدت ... كياسمين بالورد منتقب ) - من المنسرح -
وله في الجوذابة
( حوذابة فوراة ... في دهنها المنسكب )
( كأنها قد ركبت ... في جامها بلولب )
( لائحة في أهبها ... آثار عض اللهب )
( كنقرة من فضة ... في حقة من ذهب ) - من مجزوء الرجز -
وله في الشواء السوقي
( طرا طارئ عند العشاء فجئته ... بقرص عضيض من شواء ابن زنبور )
( تخال قطاع المسك رصع رصفها ... بفيروزج النعناع في صحن كافور ) - من الطويل -
وله في سمكة مشوية
( ماوية فضية لحمها ... ألذ ما يأكله الآكل )
( يضمها من جلدها جوشن ... مذيل لهو لها شامل )
( كونت من فضتها عسجدا ... بالقلي لما ضافني نازل ) - من السريع -
وله فيها
( ماوية في النار مصلية ... يصبغ من فضتها عسجد )
( كأنما جلدتها جوشن ... من رفن الصنعة أو مبرد ) - من السريع
وله في السفود
( وأسمر قد لف السعير إهابه ... ينوء بحجز من ثنياته سمر )
( إذا ضم أنواع السميط وحط في ... بعيدة قعر ماؤها لهب الجمر )
( أتاك بما في ضمنها فكأنه ... محب كوى أحشاءه ألم الهجر ) - من الطويل -
وله في الهريسة
( هريسة خلتها وقد ملأ الطباخ ... منها الإناء ما وسعا )
( درا نثيرا أسلاكه قطع ... في ماء ورد وصندل نقعا ) - من المنسرح -
وقال في ماء الخردل
( أتحفوني على الخوان بمقطوب ... يحاكي في الطعم فقد الأليف )
( يضحك الكأس منه عن شائب المفرق ... يبكي من غير ضرب ضيوف )
( فإذا ذيق أسبلت قطرة منه ... سيولا من أعين وأنوف )
( وإذا ما أصغى وعني ذوي الأكل ... تداووا منه بشم الرغيف ) - من الخفيف -
وله في البيض المفلق
( وضاحك في الجام من تفصيل ... حبوبه كالجوهر المحلول )
( زيتونه كالسبج المصقول ... جزره فواصل التنزيل )
( حمصه كالدر في التشكيل ... عدسه منتخب الجليل )
( كخرز محقق التعديل ... أو ذهب بفضة قد غولي )
( ولوبياء كخدود حيل ... أو أعين حذر الحذاق حول )
( فيها بقايا رمد قليل ... منقط مزين التعسيل ) - من الرجز -
وقال في البيض المفلق
( ياقوتة ما ضمها مخنقة ... في درة في حقة محققه )
( كأنها وقد غدت مفلقة ... مذ نشرت أثوابها المرققه )
( تبرحوته من لجين بوتقه ... ) - من الرجز -
وقال في أقراص السحور
( عندي للأكل إذا ... ما قمت للتسحر )
( ملتوته بسمنها ... بسمسم مقشر )
( مثل البدور الطالعات ... في صدر الأشهر )
( أو أوجه الترك إذا ... أثر فيها الجدري ) - من الرجز -
وله في اللوزينج اليابس
( ولوزينج يشفي السقيم كأنه ... بنان أكف بضة لم تغضن )
( بعثناه بالقطر الزكي محنطا ... ليدفن إلا أنه لم يكفن ) - من الطويل -
وله في اللوزينج الفارسي
( ولوزينج يعزى إلى الفرس خلته ... بنان عروس في رقاق الغلائل )
( فإن حملت إحداه خمس حسبتها ... زيادة كف بين خمس أنامل ) - من الطويل -
وله في الخبيص
( خبيصة في الجام قد قدمت ... مدفونة في اللوز والسكر )
( يأكل من يأكلها خمسة ... بكفه فيها ولم يشعر ) - من السريع -
وله في الفالوزج المعقود
( فالوزج يمنع من نيله ... ما فيه من عقد وإنضاج )
( يسبح في لجة ياقوتة ... للوز حيتان من العاج )
( كأنما أبرز من جامه ... ثوب من اللاذ بديباج ) - من السريع -
وله في مشاش الخليفة
( جمعت حباب الكأس حتى لحقته ... فكونت منه في الإناء بدورا )
( فإن لمسته الكأس لمسا لكفه ... رأيت الذي نظمت منه نثيرا ) - من الطويل -
في أصابع زينب
( أحب من الحلواء ما كان مشبها ... بنان عروس في حبير معصب )
( فما جملت كف الفتى متطعما ... ألذ وأشهى من أصابع زينب ) - من الطويل -
وفيها
( وضرب من الحلو الذي عز اسمه ... لوجدي بمن يعزى إليه وينسب )
( يصدق معناه اسمه فكأنه ... بنان بأطراف البنان مخضب ) - من الطويل -
وله في عدة من المطعومات
قال في المزورة
( كم تكون المزورات غذائي ... إن أكل المزورات لزور )
( وإلى ما يكون أدمي خل ... وقليل من البقول يسير )
( فاحجبوا عني الطبيب وقولوا ... أنا بالطب والطبيب كفور )
( هات أين الكباب أين القلايا ... أين رخص الشواء أين القدير )
( أنا لا أترك التديخ ولا البطيخ ... والتين أو يكون النشور ) - من الخفيف -
وقال في المدينة
( وذات شب في يدي قائم ... أمرد ينفي السوء عن قاعد )
( شبهتها حين تأملتها ... بلحية شدت إلى ساعد ) - من السريع -
وله في مجمع الأشنان بما فيه من المحلب والخلال
( أرض من العقيان ... في صورة الطيلسان )
( الشكل شكل رداء ... والنقش نقش الصواني )
( بها ثلاث ركايا ... حفت بها بيران )
( ففي الركايا ثلاث ... رحب ومخنوقتان )
( من الزجاج القديم ... المستعمل المرواني )
( وكلهن ملأى ... بالسعد والأشنان )
( والمحلب المتروي ... من طيب الأدهان )
( وفي القليبين أيضا ... زها خلال الرهان )
( حورين لا لشنان ... أسرعن لا لطعان )
( نوع عراض تحاكي ... مضارب العيدان )
( وآخر ذو انخذال ... في دقة السامان )
( ففي ولاية هذي الألوان ... عز الخوان ) - من المجتث -
وله في طين الأكل
( علام نقلكم بالذي ... منه خلقنا وإليه نصير )
( ذاك الذي يحسب في شكله ... قطاع كافور عليها عبير ) - من السريع -
وله في الجمر والمدخنة
( وقوارة من أديم الصخور ... تخيم في حلل الخيزران )
( تقري قطاعا كعرف الحبيب ... وترقى وليس بها مس جان )
( وتمنع عن مثل حر القلوب ... من الجمر ما إن لها من دخان ) - من المتقارب -
في جمر خبا بعد اشتعاله
( أما ترى النار كيف أشعلها القر ... فأضحت تخبو وحينا تسعر )
( وغدا الجمر والرماد عليه ... في قميصين مذهب ومعنبر ) - من الخفيف -
وله في البرد
( وبيضاء كالبلور جاد بها الحيا ... فأهوت تهادي بين أجنحة القطر )
( تذوب كقلب الصب لكنه جو ... بنار هواه وهي مثلوجة الصدر ) - من الطويل -
وله في التدرج
( قد بعثنا بذات لون بديع ... كنبات الربيع أو هي أحسن )
( في قناع من جلنار وآس ... وقميص من ياسمين وسوسن )
( ذبحت وهي بنت درة بر ... كل عن بعض وصفها كل محسن ) - من الخفيف -
وله في المحبرة
( ركية من الزجاج الصافي ... كقطرة من عارض وكاف )
( تبرز للعين في تجفاف ... ذي حمرة مثل دم الرعاف )
( فهي فؤاد وهو كالشغاف ... ينبوعها أسود كالغداف )
( فهي وما تضم من نطاف ... كغسق بالصبح ذي التحاف )
( وما تضمنته من غلاف ... كحقة فيها ابنة الأصداف ) - من الرجز -
وله في المقلمة والأقلام
( ومجدولة حمرا يخيل متنها ... من النقس روض ما يغذى بوابل )
( ترى كل يوم حاملا بأجنة ... ولودا لهم من غير مس قوابل )
( فأولادها ما بين أسمر ذابل ... بأحشائها أو بين أبيض ناصل )
( تسدد منها السمر لا لمحارب ... وترهف منها البيض لا لمقاتل )
( فلا السمر منها اعتدن حمل عوامل ... ولا البيض منها اعتدن حمل حمائل ) - من الطويل -
وله في السكين المذنب
( ومرهفة أرق شبا وأمضى ... وأقطع من شبا السيف الحسام )
( تعانق في الدوي قنا يراع ... ويبقى ما استكن من السقام )
( لها ذنب كصيصية أتمت ... وصدر مثل خافية الحمام ) - من الوافر -
وله في المقط
( وأسود أحشاء الدوي مقره ... يلوح لنا في حلة من غياهب )
( يعانق أشباه الرماح وتعتلي ... قواه شبيهات السيوف القواضب ) - من الطويل -
وله في المحراك وهو الملتاق
( أهيف قد أبدت ذراه غربا ... متخذا من الظلام أهبا )
( يخال في يد الغلام شطبا ... يخطو إذا استنهضته مكبا )
( يقلب أصواف الدوي قلبا ... ويكرب النفس عليها كربا ) - من الرجز -
وله في الاصطرلاب
( وشبيه للشمس يسترق الأخبار ... من بين لحظها في خفاء )
( فتراه أدرى وأعرف منها ... وهو في الأرض بالذي في السماء ) - من الخفيف -
وفيه
( وعالم بالغيب من غير ما ... سمع ولا قلب ولا ناظر )
( يقابل الشمس فيأتي بما ... في ضمنها من خبر حاضر )
( كأنما حاجبه مذ بدا ... لعينها بالفكر والخاطر )
( قد ألهمته علم ما يحتوي ... عليه صدر الفلك الدائر ) - من السريع -
وله في المقراض
( وصاحبين اتفقا ... على الهوى واعتنقا )
( وأقسما بالود والإخلاص ... أن لا افترقا )
( ضمهما أزهر كالنجم ... به قد وثقا )
( لم يشك في خصريهما ... مذ ضمناه قلقا )
( من تحته عينان منذ ... انفتحا ما انطبقا )
( وفوقه نابان ما حلا ... فما مذ خلقا )
( يفرقان بين كل ... ما عليه اتفقا )
( فأي شيء لاقياه ... ألفياه فرقا ) - من مجزوء الرجز -
وله في مشطي عاج وآبنوس
( لدي مشطان ذا كباز ... لونا وهذاك كالغراب )
( فذا شباب لذي مشيب ... وذا مشيب لذي شباب ) - من مخلع البسيط -
وله في المنقاش
( لدي منقاش بديع له ... مآثر في النتف مأثوره )
( تعمل ناباه إذا أعملا ... في الشعر ما لا تعمل النوره ) - من السريع -
وله في الزربطانة
( مثقفة جوفا وتحسب زانة ... ولكنها لا زج فيها ولا نصل )
( تسدد نحو الطير وهو محلق ... وينفذ عنها للردى نحوه رسل )
( يطير إلى الطير الردى في ضميرها ... فتجري كما يجري وتعلو كما يعلو )
( تقيد ما تنجو به فكأنه ... يمد إليه من بنادقها حبل ) - من الطويل -
وله في القفص
( وبيت لبنات الجو ... لا يستر من فيه )
( حفيظ للذي أستحفظ ... لكن لا يواريه )
( حكت أعمدة الفضة ... والتبر سواريه )
( فمن مثل قنا الخط ... ثراه وأعاليه ) - من الهزج -
وله في قارورة الماء
( ركية تشف ذات طول ... من الزجاج الفائق المغسول )
( تظهر ما في الجسم من فضول ... مفصحة بالطب لا بقيل )
( من كل داء غامض دخيل ... فهي على التحقيق والتحصيل )
( مرآة ما في كبد العليل ... ) - من الرجز -
وله في اللبد
( وواضعة خدها في الصعيد ... لأربابها عندها حرمه )
( نسيجة بنت جلود النعاج ... بغير سدى ولا لحمه )
( تمد على الرق رق الرمال ... وتوفي على الحر في النعمه )
( ويعمر ذا البيت منها غمام ... به شهبة خالطت أدمه )
( متاع لمن كان ذا خلة ... فقيرا ومن كان ذا نعمه ) - من المتقارب -
في قضيب الفول
( أهيف قد زاحم الحسان على ... أخص أسمائه إذا اقتضيا )
( من الملاهي وليس ينكره ... ذو ورع حين ينكر اللعبا )
( يلهو به من لها وما اقترف الذنوب ... في فعله ولا احتقبا )
( يضرب وجه الثرى به فترى ... كل فؤاد وجدا قد اضطربا )
( إذا تثنى القلوب وقد ... أهدى إليها السرور والطربا ) - من المنسرح -
ومما قاله على ألسنة أشياء مختلفة
ما أمر بكتابته على خوان
( فضلت جميع الأواني وفقت ... فما في منقصة واحده )
( مقري منازل صيد الملوك ... وفي أتت سورة المائده ) - من المتقارب -
وله وأمر بكتابته على فناء دار
( حكم الضيوف بهذا الربع أنفذ من ... حكم الخلائف آبائي على الأمم )
( فكل ما فيه مبذول لطارقه ... فلا ذمام له إلا على الحرم ) - من البسيط -
وفي معناه
( أبنية فياحة منيره ... في كل قطر من بناه كوره )
( لملك راياته منصوره ... فد مد حول الخافقين سوره )
( وحط فوق زحل سريره ... لو أدرك المختار أو عصوره )
( لأنزل الرحمن فيه سوره ... أو نطقت أبنية معموره )
( لأنطق الله له قصوره ... وقلن أقوالا له مأثوره )
( لا أفقد الله العلي دوره ... بهاءه وضوءه ونوره ) - من الرجز -
وله في الترس
( إني أنا الترس بنفسي أقي ... من العوالي والظبى حاملي )
( أرد حد السيف في متنه ... وأقعص اللهذم في العامل ) - من السريع -
57 - أبو محمد عبد الله بن عثمان الواثقي
من أولاد الواثق بالله أمير المؤمنين ينظم بين شرف الأصل ووفور الفضل ويجمع أدب اللسان إلى أدب البيان ويتفقه على مذهب مالك ويشعره
ومن خبره أنه كان نزع بأهله إلى الحضرة ببخارى راجيا أن يحل بها محل أقرانه من أولاد الخلفاء وأمثاله أو يقلد من أحد عمل البريد والمظالم ببعض الكور ما يصلح من حاله فلم يحصل من طول الإقامة بها وكثرة الخدمة لأركانها على شيء وضاق به الأمر فذهب مغاضبا يتوغل بلاد الترك إلى أن ألقى عصاه بحضرة عظيمها نهر أقاخان وما زال يعمل لطائف حيله ودقائق خدعه حتى استمكن منه واختص به وزين له ما كان في نفسه من إزالة الدولة السامانية والاستيلاء على المملكة
( إنما تنجح المقالة في المرء ... إذا وافقت هوى في الفؤاد ) - من الخفيف -
فألقى إليه التركي مقاليد أمره وجعل يصدر عن رأيه وينظر بعينه حتى كان ما كان من إلمامه ببخارى في جيوشه وانحياز الرضى نوح بن منصور عنها إلى أهل الشط على تلك الحال المغنية بشهرتها عن ذكرها وكان الواثقي سببا لخرق الهيبة وكشف لثام الحشمة وإزالة الدولة
فعلا في بخارى وعظم شأنه وبنى التدبير على أن يبايع بالخلافة ويتقلد التركي أعمال خراسان وما وراء النهر من يده وهو غافل عما في ضمير الغيب وكان يركب في ثلثمائة غلام ويقيم أحسن مروة ويبسط من جناحه في الأمر والنهي والحل والعقد فلم يمض إلا أشهر حتى
هجمت على التركي علة الذرب وكان سببها على ما حكاه كاتبه أبو الفتح أحمد بن يوسف إكبابه على فواكه بخارى وكثرة تضلعه منها مع اجتواثه بهوائها ومائها فاضطر إلى الرجوع لما وراءه
وما زالت العلة تشتد به في طريقه حتى أتت على نفسه وعاد الرضى إلى بخارى واتخذ الواثقي الليل جملا بعد أن أتت الغارة عليه وعلى ما معه من مماليكه وذخائره ونجا برأسه متنكرا إلى نيسابور ومنها إلى العراق وتقلبت به الأحوال في معاودة ما وراء النهر ومفارقته
فهذه جملة من خبره
وهذه لمع من شعره
قرأت بخطه في وصف البرد والنار والفحم
( وليلة شاب بها المفرق ... قد جمد الناظر والمنطق )
( كأنما فحم الغضا بيننا ... والنار فيه ذهب محرق )
( أو سبج في ذهب أحمر ... بينهما نيلوفر أزرق ) - من السريع -
وقوله في الغزل
( قمر ضياء وصاله من وجهه ... يبدو وظلمة هجره من شعره )
( فالمسك خالطه الرحيق رضابه ... سحرا ودر شنوفه من ثغره )
( وسدته عضدي وبين محاجري ... لونان مثل عقوده في نحره )
( وبدا الصباح فمد نحو قراطق ... يده وشد مزرها في خصره ) - من الكامل -
ومن قصيدة قالها بكا شغر وصف فيها الثلج والجليد
( كأن الأرض رق صقلته ... أكف صوانع متدفقات )
( وإن غلط الزمان بشمس دجن ... بدت نقط عليه مذهبات )
( تدوس الخيل إن مرت عليها ... متون سجنجل متراصفات )
( كأن مياهها ينساب فيها ... أساود من لجين ساريات ) - من الوافر -
ومن نتفه في الغزل
( نفحات الصبا وصوب الغوادي ... ورياض الهوى وماء الكروم )
( وحديث غض وخل كريم ... ومزاج الصبا وماء النعيم ) - من الخفيف
الباب الرابع
في غرر فضلاء خوارزم
58 - أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي
باقعة الدهر وبحر الأدب وعلم النثر والنظم وعالم الفضل والظرف وكان يجمع بين الفصاحة العجيبة والبلاغة المفيدة ويحاضر بأخبار العرب وأيامها ودواوينها ويدرس كتب اللغة والنحو والشعر ويتكلم بكل نادرة ويأتي بكل فقرة ودرة ويبلغ في محاسن الأدب كل مبلغ ويغلب على كل محسن بحسن مشاهدته وملاحة عبارته
ونعمة نعمته وبراعة جده وحلاوة هزله وديوان رسائله مخلد سائر وكذلك ديوان شعره
وهذه كلمات له تجري مجرى الأمثال أخرجتها من رسائله
الشكر على قدر الإحسان والسلع بإزاء الأثمان
الإذكار حيث التناسي والتقاضي حيث التغاضي
النفس مائلة إلى أشكالها والطير واقعة على أمثالها
الأيام مرآة للرجال والأطوار معيار النقص فيهم والكمال
العشرة مجاملة لا معاملة والمجاملة لا تسع الاستقصاء والكشف ولا تحتمل الحساب
والصرف
الكريم يعز من حيث يهون والرمح يشتد بأسه حين يلين الاعتذار في غير موضعه ذنب والتكلف مع وقوع الثقة عتب
الدواء لغير حاجة إليه داء كما أنه عند الحاجة إليه شفاء الاستقالة تأتي على العثرات كما أن الحسنات يذهبن السيئات
الذنب للعين العشواء في محبة الظلماء وكراهية الضياء
فم المريض يستثقل وقع الغذاء ويستمرئ طعم الماء الكريم إذا أساء فعن خطيئة وإذا أحسن فعن عمد ونية
الحر إذا جرح أساء وإذا خرق رفا
وإذا ضر من جانب نفع من جوانب
الحر كريم الظفر إذا نال أنال واللئيم سيئ الظفر إذا نال استنال
الآباء أبوان أبو ولادة وأبو إفادة فالأول سبب الحياة الجسمانية والثاني سبب الحياة الروحانية
الغيرة على الكتب من المكارم بل هي أخت الغيرة على المحارم والبخل بالعلم على غير أهله قضاء لحقه
ومعرفة بفضله الرجل إذا قيده عقال الوجل لم ينطلق نحو مطية الأمل
المحجوج بكل شيء ينطق والغريق بكل حبل يعلق العاقل يختار خير الشرين ويميل مع أعدل الثقتين الجواد محتكر بر لا محتكر بر
والكريم تاجر جمال لا تاجر مال
والحر وقاية الحر من فقره وسلاحه على دهره
العفو إلى المقر أسرع منه إلى المصر
الفرس الجواد يجري على عتقه والفرع ينزع إلى عرقه
وكيف يخالف الإنسان مقتضى نسبته ويطيب الثمر مع خبث تربته
المسافة صغيرة البقعة صغيرة الرقعة إذ ذرعت بذرع الهوى ومسحت بيد الذكرى فهي بعيدة إذا ذرعت بذرع التسلي ونظر إليها بعين التغافل والتناسي
الغضب ينسي الحرمات ويدفن الحسنات ويخلق للبريء جنايات المدح الكاذب ذم والبناء على غير أساس هدم الدهر غريم ربما يفي بما يعد والزمان حبلى ربما يتئم فيما يلد الدهر أصم عن الكلام صبور على وقع سهام الملام يختصر العيدان ويهتصر الأغصان ويخترم الشبان ويبلي الآمال والأبدان
ويلحق من يكون بمن كان الإنسان بالإحسان والإحسان بالسلطان والسلطان بالزمان والزمان بالإمكان والإمكان على قدر المكان الدنيا عروس كثيرة الخطاب والملك سلعة كثيرة الطلاب الحق حق وإن جهله الورى والنهار نهار وإن لم يره الأعمى العذل طلاق الرجال والمحنة صيقل الأحوال
الشجاع محبب حتى إلى من يحاربه كما أن الجبان مبغض إلى من يناسبه وكذلك الجواد خفيف حتى على قلب غريمه والبخيل ثقيل حتى على قلب وارثه وحميمه
الدهر يمطل وربما عجل وما شاء الإقبال فعل
الكريم من أكرم الأحرار
والعظيم من صغر الدينار
المصيبة في الولد العاق موهبة والتعزية عنه تهنئة
المحبة ثمن كل شيء وإن غلا
وسلم لكل شيء وإن علا الدهر يفي بعد غدر ويجبر عقب كسر ويتوب بعد ذنب ويعقب بعد عتب
التقدم للغاية تأخر عنها والزيادة على الكفاية نقصان منها
النسيب أخو النسيب والأديب صنو الأديب الشرف بين الأشراف نسب ولحمة وذمام وحرمة فالكريم شقيق الكريم والعظيم أخو العظيم وإن افترق بلداهما واختلف مولداهما إن السيوف على مقادير الأعضاء تفري وإن الخيل على حسب فرسانها تجري
إنما السؤدد بكثرة الأتباع وكثرة الأتباع بكثرة الاصطناع وإنما تحوم الآمال حيث الرغبة ويسقط الطير حيث تنثر الحبة
إنما النساء لحم على وضم وصيد في غير حرم
إلا أن يلاحظن بعين غيور ونفس يقظ حذور إن الولاية عزل إن لم يعمر جوانبها عدل
إنما يتعلل بالمعازف شوقا إلى الأخوان ويؤكل لحم الثيران شهوة للحوم الضأن ويتجوز في الزبيبي على اسم العنبي ويستخدم الصقلبي عند غيبة التركي شراء الكاسد حسبه وحل المنعقد صدقه وهداية المتحير عباده معاتبة البريء السليم كمعالجة الصحيح غير السقيم الفرس الجواد إذا ضرب كبا والسيف الحسام إذا استكره نبا
واللسان الصدوق إذا كذب هفا عين الاستحسان آفة من آفات الإحسان قبول شكر الشاكر التزام لزيادته واستماع قول المادح ضمان لحاجته لسان العيان انطق من لسان البيان وشاهد الأحوال أعدل من شاهد الأقوال
لسان الضجر ناطق بالهذر صغير البر ألطف وأطيب كما أن قليل الماء أشهى وأعذب ثمرة الأدب العقل الراجح وثمرة العلم العمل الصالح
طول الخدمة تؤكد الحرمة وتأكد الحرمة أعقد قرابة ولحمة ادعاء الفضل من غير معدنه نقيصة كما أن الإقرار بالنقص من حيث الاعتذار فضيلة
القتال عن العسكر المنهزم ضرب من المحال وتعرض لسهام الآجال باب الإحسان مفتوح لمن شاء دخله وحمى الجميل مباح لمن اشتهى فعله
وليس على المكارم حجاب ولا يغلق دونها باب
قراءة كتاب الحبيب ترياق سم الهم شكر الرخاء أهون من مصابرة البلاء وحفظ الصحة أيسر من علاج العلة
قليل السلطان كثير ومداراته حزم وتدبير
كما أن مكاشفته غرور وتغرير
شر من الساعي من أنصت له وشر من متاع السوء من قبله
لا خير في حب لا تحمل أقذاؤه ولا يشرب على الكدر ماؤه
خبر الكلام ما استريح من ضده إلى ضده فرتع بين هزله وجده
لا ستر أكثف من إقبال ولا شفيع أنجح من آمال أوجع الضرب ما لا يمكن منه البكاء وأشد البلوى ما لا يخففه الاشتكاء أبى الله أن يقع في البئر إلا من حفر وأن يحيق المكر السيئ إلا بمن مكر
ما تعب من أجدى ولا استراح من أكدى
حبذا كدا أورث نجحا وشوكة أجنت ثمرا لإثبات على سم الأسود ولا قرار على زأر من الأسد
وفي الزواية خبايا
وفي الرجال بقايا
إذا عتقت المنادمة صارت نسبا دانيا
وكانت رضاعا ثانيا أين يقع فارس من عسكر ومتى يقوم بناء واحد بهدم بشر
نعم الشفيع الحب ونعم العون على صاحبه القلب
هل يبرأ المريض بين
طبيبين وهل يسع الغمد سيفين لم أر معلما أحسن تعليما من الزمان ولا متعلما أحسن تعلما من إنسان من الناس من إذا ولى عزلته نفسه ومنهم إذا عزل ولاه فضله ربما أكل الحر وهو شبعان وشرب وهو ريان ليس إلا لأن يسر مضيفا
ويكون ظريفا يشكر القمر أن يلوح والمسك على أن يفوح نعم العدة المدة ونعم الواقية العافية وبئس الخصم الزمان وبئس الشفيع الحرمان وبئس الرفيق الخذلان إن ولاية المرء ثوبه فإن قصر عنه عرى منه وإن طال عليه عثر فيه ما المحنة إلا سيل والسيل إذا وقف فقد انصرف وما الأيام إلا جيش والجيش إذا لم يكر فقد فر
وإذا لم يقبل عليك فقد أدبر عنك
وراء الغيب أقفال وللمنح والمحن أعمار وآجال
ما أكثر من يخطئ بالصنعة طريق المصنع ويخالف بزرعه غير موضع المزدرع
أكبر من الأسير من أسره ثم أعتقه وأشجع من الأسد من قيده ثم أطلقه أكرم من النبت الزكي من زرعه
وأكرم من الكريم من اصطنعه لا صيد أعظم من إنسان ولا شبكة أصيد من لسان وشتان بين من اقتنص وحشيا بحبالته وبين من اقتنص أنسيا بمقالته
من أراد أن يصطاد قلوب الرجال نثر لها حب الإحسان والإجمال ونصب لها أشراك الفضل والإفضال في كتمان الداء عدم الدواء وفي عدم الدواء عدم الشفاء من لم يذكر أخاه إذا رآه فوجدناه كفقدانه ووصله كهجرانه من أجاد الجلب أخذ به ما طلب من ذا الذي يطمس نجوم الليل ويدفع منسكب السيل وينضب ماء البحر ويفنى أمد الدهر من تكامل نحسه لم تنصحه نفسه ومن لم ينه أخاه فقد أغراه ومن لم يداو عليله فقد أدواه نعم جنة المرء من سهام دهره نزوله عند قدره ونعم السلم إلى الأرزاق طلبها من طريق الاستحقاق
وهذه فصول كالأنموذج جاءت من غرره وفقره
على الكريم واقية من فعله وله حصن حصين من فضله فإذا زلت به النعل زلة أوصال عليه الدهر صولة أقامته يد إحسانه وانتزعته من مخالب زمانه
فصل الرجال حصون يبنيها الإحسان ويهدمها الحرمان وتبلغ بثمرها البر واليسر ويحصدها الجفاء والكبر وإنه لا مال إلا بالرجال ولا صلح إلا بعد قتال ولا حياة إلا في ناصية خوف ولا درهم إلا في غمد سيف والجبان مقتول بالخوف قبل أن يقتل بالسيف والشجاع حي وإن خانه العمر وحاضر وإن غيبه القبر ومن حاكم خصمه إلى السيف فقد رفعه إلى حاكم لا يرتشي ولا يفتري فيما يقتضي ومن طلب المنية هربت منه كل الهرب ومن هرب منها طلبته أشد الطلب
فصل لا صغير مع الولاية والعمالة كما لا كبير مع العطلة والبطالة وإنما الولاية أنثى تصغر وتكبر بواليها ومطية تحسن وتقبح بممتطيها وإنما الصدر بمن يليه والدست بمن يجلس فيه وإنما النساء بالرجال كما أن الأعمال بالعمال
فصل إفراط الزيادة يؤدي إلى النقصان والمثل في ذلك جار على كل لسان ولذلك قالوا صبوة العفيف وسطوة الحليم وضربة الجبان ودعوة البخيل وجواب السكيت ونادرة المجنون وشجاعة الخصي وظرف الأعرابي
فصل قد يكبر الصغير ويستغني الفقير ويتلاحق الرجال ويعقب
النقصان الكمال وكل واد عظيم فأوله شعبة صغيرة وكل نخلة سحوق فأولها فسيلة حقيرة
وقد يبتدئ العنب حصرما حامضا جاسيا ثم يخرج الراح التي هي مفتاح اللذات وأخت الروح والحياة ويكون حشو الصدفة ماء ملحا ثم يصير جوهرة كريمة ودرة يتيمة ويكون أول ابن آدم نطفة وعلقة ومضغة ثم يخرج منها العالم الأصغر والحيوان الأرضي الأكبر الذي دحيت له الأرض وسخرت له الأنهار ومن أجله خلقت الجنة والنار
فصل قد أراحني فلان ببره لا بل أتعبني بشكره وخفف ظهري من ثقيل المحن لا بل ثقله بأعباء المنن وأحياني بتحقيق الرجاء لا بل أماتني بفرط الحياء وأنا له رقيق بل عتيق وأسير بل طليق
فصل في فضل الحمية من رسالة
ملاك الأمر الحمية فإنه لا يكون قوي الحمية إلا من يكون قوي الحمية ومن غلبته شهوته على رأيه شهد على نفسه بالبهيمية وانخلع من ربقة الإنسانية وحق العاقل أن يأكل ليعيش لا أن يعيش ليأكل وكفى بالمرء عارا أن يكون صريع مآكله وقتيل أنامله وأن يجني ببعضه على كله ويعين فرعه على أصله وكم من نعمة أتلفت نفس حر وكم من أكلة منعت أكلات دهر وكم من حلاوة تحتها مرارة الموت وكم من عذوبة تحتها بشاعة الفوت
وكم من شهوة ذهبت بنفس لا يقوى بها العساكر وقطعت جسدا كانت تنبو عنه السيوف البواتر وهدمت عمرا انهدمت به أعمار وخربت بخرابه بيوت بل ديار وأمصار
فصل في اقتضاء حاجة
وعد الشيخ يكتب على الجلمد إذا كتب وعد غيره على الجمد ولكن صاحب الحاجة سيء الظن بالأيام مريض الثقة بالأنام لكثرة ما يلقاه من اللئام وقلة من يسمع به من الكرام
فصل في ذكر آفات الكتب
هذا والكتاب ملقى لا موقى تسرع إليه اليد الخاطئة وتعرض له الآفات السانحة فالماء يغرقه كما أن النار تحرقه والريح تطيره كما أن الأيام تغيره والدخان يسود بياضه كما أن الخل يبيض سواده والرطوبة تضره كما أن اليبوسة لا تنفعه فآفاته أسرع من آفات الزجاج الذي يسرع إليه الكسر ويبطئ عليه الجبر وحوادثه أكثر من حوادث الغنم التي هي لكل يد غنيمة ولكل سبع فريسة فأقل آفاته خيانة الحامل ووقوع الشاغل وعوائق الفتوح والقوافل
فصل في ذكر إلا ولولا
الحمد لله الذي جعل الشيخ يضرب في المحاسن بالقدح المعلى ويسمو منها إلى الشرف الأعلى
ولم يجعل فيه موضعا للولا ولا مجالا لإلا
فإن الاستثناء إذا اعترض في المدح أنضب ماءه وكدر صفاءه
وأنطق فيه حساده وأعداءه وكذلك قالوا ما أملح الظبي لولا خنث أنفه وما أحسن البدر لولا كلف وجهه وما أطيب الخمر لولا الخمار وما أشرف الجود لولا الإقتار وما أحمد مغبة الصبر لولا فناء العمر وما أطيب الدنيا لو دامت
( ما أعلم الناس أن الجود مكسبة ... للحمد لكنه يأتي على النشب ) - من البسيط -
فصل في الاعتداد
ذكر السيد أن اعتداده بي اعتداد العلوي بالشيعي والمعتزلي بالأشعري واعتداد الحجازيين بالشافعي واعتداد الزيدية بزيد بن علي واعتداد الإمامية بالمهدي
فصل في ذم عامل تقلد الخراج
في هذه الناحية رجل قصده الدرهم لا الكرم
وغرضه الثراء لا الثناء وقبلته البيضاء والصفراء لا المجد والثناء
فصل في الاعتذار
ذكر سيدي من شوقه إلى ما لم يتكلم فيه إلا عن لساني ولم يترجم إلا عن شأني وقد طويت بساط المدام وصحيفة المؤانسة والندام وطلقت الراح ثلاثا وفارقت الغناء بتاتا حتى شكتني الأقداح واستخفني الراح ونسي بناني الأترج والتفاح
فصل في ذكره هدة
بلغني ذكر الهدة فالحمد لله الذي هدم الدار ولم يهدم المقدار وثلم المال ولم يثلم الجمال
وسلط الحوادث على الخشب والنشب ولم يسلطها
على العرض والحسب ولا على الدين والأدب ولا بد للنعمة من عودة ولا بد لعين الكمال من رقية ولأن يكون في دار تبني ومال يجبر وينمى خير من أن يكون في النفس التي لا جابر لكسرها ولا نهاية لقدرها
فصل في ذكر الرمد
صادف ورود الكتاب رمدا في عيني حتى حصرني في الظلمة وحبسني بين الغم والغمة وتركني أدرك بيدي ما كنت أدرك بعيني كليل سلاح البصر قصير خطو النظر قد ثكلت مصباح وجهي وعدمت بعضي الذي هو آثر عندي من كلي فالأبيض عندي أسود والقريب مني مبعد
قد خاط الوجع أجفاني وقبض عن التصرف بناني
ففراغي شغل ونهاري ليل وطول ألحاظي قصار وأنا ضرير وإن عددت في البصراء
وأمي وإن كنت من جملة الكتاب والقراء
قصرت العلة خطوتي قلمي وبناني وقامت بين يدي ولساني
وقد كانت العرب تزاوج بين كلمات تتجانس مبانيها وتتكافأ مقاطعها ومعانيها فيقولون القلة ذلة والوحدة وحشة واللحظة لفظة والهوى هوان والأقارب عقارب والمرض حرض والرمد كمد والعلة قلة والقاعد مقعد
فصل في مدح الفقر
وإنما يكره الفقر لما فيه من الهوان ويستحب الغنى لما فيه من الصوان فإذا نبغ الغم من تربة الغنى فالغنى هو الفقر واليسر هو العسر لا بل الفقير على هذه القضية أحسن من الغني وأقل منه أشغالا لأن الفقير خفيف الظهر من كل حق منفك الرقبة من كل رق فلا يستبطئه إخوانه ولا يطمع فيه جيرانه ولا تنتظر في الفطر صدقته ولا في النحر أضحيته ولا في شهر رمضان مائدته ولا
في الربيع باكورته
ولا في الخريف فاكهته ولا في وقت الغلة شعيره وبره ولا في وقت الجباية خراجه وعشره وإنما هو مسجد يحمل إليه ولا يحمل عنه وعلوي يؤخذ بيده ولا يؤخذ عنه تتجنبه الشرط نهارا ويتوقاه العسس ليلا فهو إما غانم وإما سالم وأما الغني فإنما هو كالغنم غنيمة لكل يد سالبة وصيد لكل نفس طالبة وطبق على شوارع النوائب وعلم منصوب في مدرجة المطالب تطمع فيه الإخوان ويأخذ منه السلطان وينتظر فيه الحدثان ويحيف ملكه النقصان
فصل في ذم عامل
والله ما الذئب في الغنم بالقياس إليه إلا من المصلحين ولا السوس في الخز أوان الصيف عنده إلا بعض المحسنين ولا الحجاج في أهل العراق معه إلا أول العادلين ولا يزدجرد الأثيم في أهل فارس بالإضافة إليه إلا من الصديقين والشهداء والصالحين
فصل في ذكر الآفات
من آفات العلم خيانة الوراقين وتخلف المتعلمين كما أن آفات الدين فسق المتكلمين وجهل المتعبدين وكما أن من آفات الدنيا كثرة العامة وقلة الخاصة وكما أن من آفة الكرم أن الجود آفة للمنع وأن البخل سبب للجمع وأن المال في أيدي البخلاء دون أيدي السمحاء وكما أن آفات الحلم أن الحليم مأمون الجنبة وأن السفيه منيع الحوزة وكما أن من آفة المال أنك إذا صنته عرضته للفساد وإذا أبرزته عرضته للنفاد وكما أن آفات الشكر أنك إذا قصرت عن غايته غششت من اصطنعك وإذا أبلغتها أو أبلغت فيه أوهمت من
سمعك وكما أن من آفات الشراب أنك إذا أقللت منه حاربت شهوتك ولم تقض نهمتك وإذا أكثرت منه تعرضت للإثم والعار وأبرزت صفحتك للألم والنار وكما أن من آفات المماليك أنك إذا بسطتهم أفسدت أدبهم وأذهانهم وإذا قبضتهم أفسدت وجوههم وألوانهم وكما أن من آفات الأصدقاء أنك إذا استقللت منهم لم تصب حاجتك فيهم وإذا استكثرت منهم لزمتك حوائجهم وثقلت عليك نوائبهم وكسبت الأعداء من الأصدقاء كما تكسب الداء من الغذاء وكما أن من آفات المغنين أن الوسط منهم يميت الطرب وأن الحاذق منهم ينسي الأدب
وهذه جملة من أخباره تطرق لأشعاره
أصله من طبرستان ومولده ومنشؤه خوارزم وكان يتسم بالطبري ويعرف بالخوارزمي ويلقب بالطبرخزمي فارق وطنه في ريعان عمره وحداثة سنه وهو قوي المعرفة قويم الأدب نافذ القريحة حسن الشعر ولم يزل يتقلب في البلاد ويدخل كور العراق والشام ويأخذ عن العلماء ويقتبس من الشعراء ويستفيد من الفضلاء حتى تخرج وخرج فرد الدهر من الأدب والشعر ولقي سيف الدولة وخدمه واستفاد من يمن حضرته ومضى على غلوائه في الاضطراب والاغتراب وشرق بعد أن غرب وورد بخارى وصحب أبا علي البلعمي فلم يحمد صحبته وفارقه وهجاه بقوله
( إن ذا البلعمي والعين غين ... وهو عار على الزمان وشين )
( إن يكن جاهلا بخفي حنين ... فهو الخف والزمان حنين ) - من الخفيف -
ووافى نيسابور فاتصل بالأمير أبي نصر أحمد بن علي المكالي
واستكثر من مدحه وداخل أبا الحسن القزويني وأبا منصور البغوي وأبا الحسن الحكمي فارتفق بهم وارتفق من الأمير أحمد ومدحه ونادم كثير بن أحمد
ثم
قصد سجستان وتمكن من واليها أبي الحسين طاهر بن محمد ومدحه وأخذ صلته ثم هجاه وأوحشه حتى أطال سجنه فمما قاله في تلك النكبة قصيدة كتب بها إلى الأمير أبي نصر أحمد بن علي الميكالي
( كتابي أبا نصر إليك وحالتي ... كحال فريس في مخالب ضيغم )
( أرق من الشكوى وأدجى من النوى ... وأضعف من قلب المحب المتيم )
( غدوت أخا جوع ولست بصائم ... ورحت أخا عري ولست بمحرم )
( وقعت بفخ الخوف في يد طاهر ... وقوع سليك في حبائل خثعم ) - من الطويل -
يعني سليك بن سلكة السعدي حين أسره أنس بن مالك الخثعمي
( وما كنت في تركيك إلا كتارك ... يقينا وراض بعده بالتوهم )
( وقاطن أرض الشرك يطلب توبة ... ويخرج من أرض الحطيم وزمزم )
( وذي علة يأتي عليلا ليشتفي ... بها وهو جار للمسيح ابن مريم )
( وراوي كلام مقتف إثر باقل ... ويترك قسا خائبا وابن أهتم )
( جناب تجنبناه ليس بمجدب ... وبحر تخطيناه ليس بمرزم )
رزم الماء إذا انقطع وأرزمه غيره أي قطعه
( وماء زلال قد تركنا وروده ... زلالا وبعناه بشربة علقم )
( لبست ثياب الصبر حتى تمزقت ... جوانبها بين الجوى والتندم )
( أظل إذا عاتبت نفسي منشدا ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم )
المصراع الثاني قاله قاتل محمد بن طلحة يوم الجمل
( وأنشد في ذكرى لدارك باكيا ... ألا انعم صباحا أيها الربع واسلم )
( ولم أر قبلي من يحارب بخته ... ويشكو إلى البؤسي افتقاد التنعم )
( ولا أحد يحوي مفاتيح جنة ... ويقرع بالتطفيل باب جهنم )
( وقد كان رأسا للتدابير بلعم ... وقد صرت في الدنيا خليفة بلعم )
يعني بلعم بن باعوراء
الذي أنزل فيه ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) لأنه كفر بالله بعد تعلمه الإسم الأعظم وجحد نعم الله سبحانه وتعالى
( وقد عاش بعد الخلد في الأرض آدم ... فإن شئت فاعذرني فإني ابن آدم )
( فيا ليتني أمسيت دهري راقدا ... فإني متى أرقد بذكرك أحلم )
( مكانك من قلبي عليك موفر ... متى ما يرمه ذكر غيرك يحتمي )
( لغيرك دردي الوصال وثيب المقال ... وممزوج المودة فاعلم )
( وأنت الذي صورت لي صورة المنى ... وأركبتني ظهر الزمان المذمم )
( وصيرت عندي أنحس الدهر أسعدا ... وكذبت عندي قول كل منجم )
( وصغرت قدر الناس عندي وطالما ... لحظت صغيرا عن حماليق معظم )
فجعل الله له من مضيق الحبس مخرجا فنهض إلى طبرستان وكانت حاله مع صاحبها كهي مع طاهر بن شار فمن قوله فيه من قصيدة
( ألا أبلغ بني شار كلامي ... ومن لم يلقهم فهو السعيد )
( علام ابتعتم فرسا عتيقا ... وليس لديكم علف عتيد )
( وفيم حبستم في البيت بازا ... يحيص الطير عنه أو يحيد )
( فلا قربتموه فعلتموه ... ولا خليتم عنه يصيد ) - من الوافر
وقوله من أخرى
( وقال أنا المليك فقلت حقا ... بقلب اللام نونا في الهجاء )
( ولم أر من أداة الملك شيئا ... لديك سوى احتمالك للواء ) - من الوافر -
ومنها
( أحين قلعت نابي كل أفعى ... وحادت أسد بيشة عن فنائي )
( وقال الناس إذ سمعوا كلامي ... ألم تكن الكواكب في السماء )
( يخوفني الكساد على متاعي ... وهل يخشى فساد الكيمياء )
وله من أخرى
( لله في كل ما قضاه ... لطائف تحتها بدائع )
( سبحان من يطعم ابن شار ... ويترك الكلب وهو جائع ) - من مخلع البسيط -
ثم إنه عاود نيسابور وأقام بها إلى أن وفق التوفيق كله بقصد حضرة الصاحب بأصبهان ولقائه بمدحه فأنجحت سفرته وربحت تجارته وسعد جده بخدمته ومداخلته والحصول في جملة ندمائه المختصين به فلم يخل من ظل إحسانه ووابله وغامر إنعامه وقابله وتزود من كتاب إلى حضرة عضد الدولة بشيراز ما كان سببا لارتياشه ويساره فإنه وجد قبولا حسنا واستفاد منها مالا كثيرا ولما انقلب عنها بالغنيمة الباردة إلى نيسابور استوطنها واقتنى بها ضياعا وعقارا ودرت عليه أخلاف الدنيا من الجهات وحين عاود شيراز ورد منها عللا بعد نهل فأجري له عند انصرافه رسما يصل إليه في كل سنة بنيسابور مع المال الذي كان يحمل من فارس إلى خراسان ولم يزل يحسن حال من رواء وثروة واستظهار يقيم للأدب سوقا ويعيده غضا وريقا ويدرس ويملي ويشعر ويروي ويقسم أيامه بين مجالس الدرس ومجالس الأنس ويجري على قضية قول كشاجم
( عجبا ممن تعالت حاله ... فكفاه الله زلات الطلب )
( كيف لا يقسم شطري عمره ... بين حالين نعيم وأدب ) - من الرمل -
وكان يتعصب لآل بويه تعصبا شديدا ويغض من سلطان خراسان ويطلق لسانه بما لا يقدر عليه إلى أن كانت أيام تاش الحاجب ورجع من خراسان إلى نيسابور منهزما فشمت به وجعل يقول قبحا له وللوزير أبي الحسن العتبي فأبلغ العتبي أبياتا منسوبة إلى الخوارزمي في هجائه ولم يكن قالها منها
( قل للوزير أزال الله دولته ... جزيت صرفا على قول ابن منصور ) - من البسيط -
فكبت إلى تاش في أخذه ومصادرته وقطع لسانه وإلى أبي المظفر الرعيني في معناه وكان يلي البندرة بنيسابور إذ ذاك فتولى حبسه وتقييده وأخذ خطه بمائتي ألف درهم واستخرج بعض المال وأذن له في الرجوع إلى منزله مع الموكلين به ليحمل الباقي فاحتال عليهم يوما وشغلهم بالطعام والشراب وهرب متنكرا إلى حضرة الصاحب بجرجان فتجلت عنه غمة الخطب وانتعش في ذلك الفناء الرحب وعاود العادة المألوفة من المبار والأحبة واتفق قتل أبي الحسن العتبي وقيام أبي الحسن المزني مقامه وكان من أشد الناس حبا للخوارزمي فاستدعاه وأكرم مورده ومصدره وكتب إلى نيسابور في رد ما أخذ منه عليه ففعل وزادت حاله وثبت قدمه ونظر إليه ولاة الأمر بنيسابور بعين الحشمة والاحتشام والإكرام والإعظام فارتفع مقداره وطاب عيشه إلى أن رمي في آخر أيامه بحجر من الهمذاني الحافظ البديع وبلي بمساجلته ومناظرته ومناضلته وأعان الهمذاني الحافظ البديع عليه قوم من الوجوه كانوا مستوحشين منه جدا فلاقى ما لم يكن في حسابه من مباراة المزني وقوته به وأنف من تلك الحال وانخزل انخزالا شديدا وكسف باله وانخفض طرفه
ولم يحل
عليه الحول حتى خانه عمره ونفذ قضاء الله تعالى فيه وذلك في شوال سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وكان مولده في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ورثاه الهمذاني بأبيات دس فيها سعاية ثانية وهي هذه
( حنانيك من نفس خافت ... ولبيك عن كمد ثابت )
( أبا بكر اسمع وقل كيف ذا ... ولست بمسمعة الصامت )
( تحملت فيك من الحزن ما ... تحمله ابنك من صامت )
( حلفت لقد مت من معشر ... غنيين عن خطر المائت )
( يقولون أنت به شامت ... فقلت الثرى بفم الشامت )
( وعزت علي معاداته ... ولا متدارك للفائت ) - من المتقارب -
وقال فيه من أحسن على إساءته وهو أبو الحسن عمر بن أبي عمر الرقاني
( مات أبو بكر وكان أمرأ ... أدهم في آدابه الغر )
( ولم يكن حرا ولكنه ... كان أمير المنطق الحر ) - من السريع -
وهذه ملح ونكت من شعره في النسيب والغزل
قال من قصيدة وأبدع في وصف ما يتزايد من حسن الحبيب على الأيام التي من شأنها تغيير الصور وتقبيح المحاسن
( وشمس ما بدت إلا أرتنا ... بأن الشمس مطلعها فضول )
( تزيد على السنين ضيا وحسنا ... كما رقت على العتق الشمول ) - من الوافر
ومن أخرى
( مضت الشبيبة والحبيبة فالتقى ... دمعان في الأجفان يزدحمان )
( ما أنصفتني الحادثات رمينني ... بمودعين وليس لي قلبان ) - من الكامل -
ومن أخرى
( قلت للعين حين شامت جمالا ... في وجوه كواذب الإيماض )
( لا تغرنك هذه الأوجه الغر ... فيا رب حية من رياض ) - من الخفيف -
ومن أخرى
( عذيري من ضحك غدا سبب البكا ... ومن جنة قد أوقعت في جهنم )
( لأنك لا تروين بيتا لشاعر ... سوى بيت من لم يظلم الناس يظلم ) - من الطويل -
ومن أخرى
( عذيري من تلك الوجوه التي غدت ... مناظرها للناظرين معاركا )
( عذيري من تلك الجسوم التي غدت ... سبائك تفنى الناس فيها السبائكا ) - من الطويل -
ومن أخرى
( خليلي عهدي بالليالي صوافيا ... فما بالها أبدلن جيما بصادها )
( خليلي هل أبصرتما مثل أدمعي ... نفدن وحق الله قبل نفادها ) - من الطويل -
ومن أخرى
( يفل غدا جيش النوى عسكر اللقا ... فرأيك في سح الدموع موفقا )
( وخذ حجتي في ترك جنبي سالما ... وقلبي ومن حقيهما أن يشققا )
( يدي ضعفت عن أن تمزق جببها ... وما كان قلبي ناظرا فيمزقا ) - من الطويل -
ومن أخرى
( بسمت فأبدت جيدها فتكشفت ... عن نظم در تحت نظم لآلي )
( وأرتك خديها ولاح عليهما ... صدغان ذو خال وآخر خالي )
( فكأن ذا ذال خلت من نقطة ... وكأن ذا دال ونقطة ذال ) - من الكامل -
ومن أخرى
( قد عصاني دمعي وخلي فخلت الخل ... دمعا وخلت دمعي خلا )
( وأحاطت بي الخصوم فجفنا ... مستهلا وصاحبا مستقلا )
( وفؤادا لو ظن إبليس أن ... النار في حره لصام وصلى ) - من الخفيف -
ومن أخرى
( هلم الخطا بدر الدجنة وارفقا ... بعينيكما فالضوء قد يورث العمى )
( ولا تعجبا أن يملك العبد ربه ... فإن الدمى استعبدن من نحت الدمى ) - من الطويل -
ومن أخرى
( وكم ليلة لا أعلم الدهر طيبها ... مخافة أن يقتص مني لها الدهر )
( سهاد ولكن دونه كل رقدة ... وليل ولكن دون إشراقه الفجر )
( وسكر الهوى لو كان يحكيه لذة ... من الخمر سكر لم يكن حرم السكر )
( ولما أدارت مقلة جاهلية ... هلاك امرئ في ضمن ثوبي لها نذر )
( ومالت كأن قد سقيت خمر خدها ... وكيف يميل الخمر من ريقه الخمر )
( حسدت عليها ناظري إذ تحله ... كما تحسد الأفلاك نعل فنا خسرو ) - من الطويل
ومن أخرى
( ولقد ذكرتك والنجوم كأنها ... در على أرض من الفيروزج )
( يلمعن من خلل السحاب كأنها ... شرر تطاير في دخان العرفج )
( والأفق أحلك من خواطر كاسب ... بالشعر يستجدي اللئام ويرتجي )
( فمزجت دمعي بالدماء ولم أكن ... صرف الهوى والعد إن لم أمزج ) - من الكامل -
ومن أخرى
( ليس على القلب للعذول يد ... ولا ليومي من الفراق غد )
( كل فؤاد مع الهوى عرض ... وكل يوم مع النوى أمد )
( يا أيها الطالبون بي رشدا ... متى التقى الحب قط والرشد )
( ولي فؤاد مذ صرت أفقده ... لم أنتفع بعده بما أجد )
( ولي حبيب لو كنت أنصفه ... وجدت فيه أضعاف ما أجد )
( شهدت للقلب حين علقه ... بأنه للوجوه منتقد ) - من المنسرح -
ومن أخرى
( عليك رقيب ثقيل اللحاظ ... متى لم يحط علمه يحدس )
( أنم من المسك بالعاشقين ... وألحظ عينا من النرجس ) - من المتقارب -
ومن أخرى
( قلت لما رمدت عيناك ... والدمع سجام )
( إنما عوقبت عن عيني ... فاعلم يا غلام )
( لا أصيبت هذه العين ... بعيني والسلام ) - من مجزوء الرمل -
وهذه لمع من تضميناته التي كانت رشيقة وطريقة أنيقة يضعها في مواضعها ويوقعها أحسن مواقعها ويفصح بها عن اتساع روايته وكثرة محفوظاته فمنها قوله من قصيدة في عضد الدولة
( ولما أكثر الحساد فيه ... وقالوا قد تغضنت الخدود )
( أجاب الفضل عنه حاسديه ... لأمر ما يسود من يسود ) - من الوافر -
لأمر ما البيت لبلعام بين قيس الكناني
( بودي لو رأى كنفيه يوما ... ومن قد عاش تحتهما لبيد )
لأن لبيدا يقول
( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... )
( ولو أن الوليد رآه يوما ... غدا ورجاؤه غض وليد )
( وحل عرى الزماع ولم يردد ... أشرق أم أغرب يا سعيد ) - من الكامل -
وله من أخرى
( حسد السماك سميه لما بدا ... في سرجه شخص الهمام الأبلج ) - من الكامل -
السماك فرس منسوب لعضد الدولة
( وغدا فأضحى لاحقا ضد اسمه ... وأراك أعوج وهو عين الأعوج )
( فلو أن شاعر بحتر في عصره ... ما قال في فرس ولا في أعوج )
( خفت مواقع وطئه فلو أنه ... يجري برملة عالج لم يرهج )
البيت كما هو للبحتري
وقوله من أرجوزة
( وقينة أحسن من لقياها ... تملي كتاب الحسن مقلتاها )
( ونقطه وشكله خداها ... إذا اجتلاها اللحظ أنشدناها )
( واها لريا ثم واها واها ... ) - من الرجز -
المصراع لأبي النجم
ومنها في وصف الناقة
( بجسرة قائدها براها ... في السير بل سائقها رجلاها )
( قد كتب العتق على ذفراها ... أي قلوص راكب تراها )
البيت جاهلي قديم
ومن قصيدة
( لعمرك لولا آل بوية في الورى ... لكان نهاري مثل ليل المتيم )
( وصمت عن الدنيا وأفطرت بالمنى ... ولم يك إلا بالحديث تأدمي )
( وأنشدت في داري وفيما أرى بها ... أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ) - من الطويل -
المصراع لزهير
ومن قصيدة في الصاحب
( ومن نصر التوحيد والعدل فعله ... وأيقظ نوام المعالي شمائله )
( ومن ترك الأخيار ينشد أهله ... أجل أيها الربع الذي خف آهله ) - من الطويل -
المصراع لأبي تمام
ومن أخرى
( أخو كلمات ما جلاها لسانه ... على أحد إلا غدا وهو خاطب )
( متى يروها أهل الصناعة ينشدوا ... عجائب حتى ليس فيها عجائب ) - ومن الطويل -
المصراع لأبي تمام أيضا
ومن أخرى
( مقابل بين أقوام وألوية ... مردد بين إيوان وديوان )
( إذا أتى داره الأضياف أنشدهم ... وإخوتي أسوة عندي وإخواني ) - من البسيط -
المصراع لأبي تمام
( يا ترجمان الليالي عن معاذرها ... وحجة الزمن الباقي على الفاني )
( يا أبحث الناس عن شعر وعن كرم ... يا مورث الطبع إحسانا بإحسان )
( يا تاركي منشدا من ظل يحسدني ... ليس الوقوف على الأطلال من شاني )
المصراع لعبد الله بن عمار الرقي
( طلقت بعدك مدح الناس كلهم ... فإن أراجع فإني محصن زاني )
( وكيف أمدحهم والمدح يفضحهم ... إن المسيب للجاني هو الجاني )
( قوم تراهم غضابى حين تنشدهم ... لكنه يشتهي مدحا بمجان )
البيت من قول القائل
( عثمان يعلم أن المدح ذو ثمن ... لكنه يشتهي مدحا بمجان ) - من البسيط -
رجع
( ورابني غيظهم في هجو غيرهم ... وإنما الشعر معصوب بعثمان )
( ما كل غانية هند كما زعموا ... وربما سب كشحان بكشحان )
( فسوف يأتيك مني كل شاردة ... لها من الحسن والإحسان نسجان )
( يقول من قرعت يوما مسامعه ... قد عن حسان في تقريظ غسان )
( الوشي من أصبهان كان مجتلبا ... فاليوم يهدى إليها من خراسان )
( قد قلت إذ قيل إسماعيل ممتدح ... له من الناس بخت غير وسنان )
( الناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... حتى يروا عنده آثار إحسان )
البيت كله تضمين
ومن أخرى
( كتبت ابن عباد إليك وحالتي ... كحال صد طمت عليه مناهله )
( وما تركت كفاك في خصاصة ... ولكن شوقا قد غلت بي مراجله )
( أبيت إذا أجريت ذكرك منشدا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله ) - من الطويل -
المصراع تضمين
ومن أخرى في عضد الدولة
( أضحت ثياب فنا خسرو مزررة ... على هزبر وإنسان وصمصام )
( القائل القول عي السامعون به ... فميلوا بين أوهام وأفهام )
( والفاعل الفعلة الغراء لامعة ... أوضاحها بين أقلام وأعلام )
( والتارك الترك والخذلان ينشدهم ... يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام ) - من البسيط -
المصراع للنابغة الذبياني
ومنها
( أغنيتني عن أناس كان بعضهم ... عذري ومكثي فيه بعض إجرامي )
( المبغضين ليوم الفطر جهدهم ... لأنهم قطعوه غير صوام )
( قوم إذا مر ضيف دحرجوا حجرا ... وأسموا اليوم يوم العيد أو رام )
( قد قدموا نفرا قبلي فأنشدهم ... فضلي ونقص الألى لاقوا بإكرام )
( قدمت قبلي رجالا لم يكن لهم ... في الحق أن يلحقوا الأبواب قدامي )
تضمين كله
ومن أخرى
( لو أنك قد أبصرت تاشا وفائقا ... على ظهر يخت أدبر الظهر رازم )
( وقد كتب الإدبار في جبهتيهما ... بإنشاء مقمور وتحرير نادم )
( فلا تأمنن الدهر حرا ظلمته ... فإن نمت فاعلم أنه غير نائم ) - من الطويل -
تضمين كله
ومن أخرى
( وقائع لو مرت بسمع ابن غالب ... لما قال ما بين المصلى وراقم )
( أتتني ورحلي بالمدينة وقعة ... لآل تميم أقعدت كل قائم ) - من الطويل -
البيت للفرزدق قاله حين سمع وهو بالمدينة قتل وكيع بن أبي الأسود لقتيبة بن مسلم
( سل الله واسأل آل بوية إنهم ... بحار المعالي لا بحار الدراهم )
( تحبهم البلدان فهي نواشز ... على كل زوج بعدهم أو محارم )
( إذا رامها أعداؤهم تركتهم ... لم يلقهم إلا برمح وصارم )
( ممالك قد نادت عليهم حروبهم ... بطول القنا يحفظن لا بالتمائم )
ومن أخرى كتب بها من أرجان إلى الصاحب وصف فيها الحمى
( ولو أبصرت في أرجان نفسي ... عليها من أبي يحيى ذمام )
( ولي من أم ملدم كل يوم ... ضجيج لا يلذ له منام )
( مقبلة وليس لها ثنايا ... معانقة وليس لها التزام )
( كأن لها ضرائر من غذائي ... فيغضبها شرابي والطعام )
( إذا ما صافحت صفحات وجهي ... غدا ألفا وأمسى وهو لام )
( إذا لرأيت عبدك والمنايا ... تصيح به تنبه كم تنام )
( وما أستبكاك من بعدي أسير ... يرض عظامه الحق العظام )
( ولا ترجع ثكلى خلف نعش ... أمحمول على النعش الهمام ) - من الوافر -
التضمين للنابغة الذبياني
( ولا ترديد صب وهو باك ... سقيت الغيث أيها الخيام )
( ولولا فقد وجهك لم أعبس ... على ضيف يقال له الحمام )
( فما في العيش لولا أنت طيب ... ولا في الموت لولا أنت ذام )
( وكنت ذخرت أفكاري لوقت ... فكان الوقت وقتك والسلام )
( وكنت أطالب الدنيا بحر ... فأنت الحر انقطع الكلام )
( ولما سرت عنك رأيت نفسي ... وبين القلب والرجل اختصام )
( فذاك يقول منك السير عنه ... وتلك تقول منك الإغترام )
( وسائلني بعلمك من أراه ... وقالوا ما وراءك يا عصام )
( فقلت زكاة ما يحويه علم ... لمن لغلامه مثلي غلام )
آخره تضمين
ومن أخرى
( ويشرب لكن في إناء من الثرى ... رحيقا خوابيها الطلا والمناكب )
( ويسمع لكن الغناء مدائح ... ويكنز لكن الكنوز مناقب )
( لو أن حبيبا كان لاقاه لم يقل ... وأكثر آمال النفوس الكواذب ) - من الطويل -
آخره تضمين
ومن أخرى
( وفي الدست شخص ودت الأنجم ... التي تقابله لو أنهن مجالس )
( فلا تعجبوا أن يحمل الدست عسكرا ... فما كل أمر تقتضيه المقايس )
( وأن يسع الدست اللطيف لعالم ... فقد وسعت اسم الإله قراطس )
( أمين إذا ما الناس مالوا لغيره ... ومحترس من مثله وهو حارس ) - من الطويل -
المصراع الأخير تضمين لعبد الله بن همام سار مثلا
ومنها
( وكنت امرأ لا أنشد الدهر خاليا ... سوى بيت ضر نجمه الدهر ناحس )
( أقلي علي اللوم يا أم مالك ... وذمي زمانا ساد فيه القلاقس )
البيت كما هو لعبد الله بن همام
( فأصبح إنشادي لبيت إذا جرى ... ففيه نديم ممتع ومؤانس )
( ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ... بها أثر جديد ودارس )
البيت لأبي نواس
ومن أخرى
( يا من يدرس خاليا حجابه ... سهل الحجاب مؤدب الخدام )
( كم تطرد الدنيا وترجع بعد ما ... قد طلقت تطليقة الإسلام ) - من الكامل -
المصراع الأخير لابن هرمة
( فكأنها شيعية قمية ... وكأن سيدنا الوزير إمامي )
( ويقول للخطاب غيرك ليس ذا ... وقت الزيادة فارجعي بسلام )
من بيت جرير
( طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام ) - من الكامل -
ومن أخرى
( وجدنا ابن عباد يؤدي فرائضا ... من المجد ظنتها اللئام النوافلا )
( جدير بأن يغشى الكريهة منشدا ... أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ) - من الطويل -
المصراع لزيد الخيل
ومن أخرى
( تعاصيهم أسيافنا فكأنما ... يرين بريئا من سفكن له دما )
( كأن ظباها ساعة الروع علمت ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما ) - من الطويل -
المصراع الأخير لحاتم الطائي
ومن عضدية
( وكم عصبة قرحي عصوك فأصبحوا ... بهم يومهم خمر وفي غدهم أمر )
( وصارخة للزوج كان غناؤها ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو ) - من الطويل -
من بيت أبي صخر الهذلي
( أبى القلب إلا حبها عامرية ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو ) من الطويل -
رجع
( فصيرتها ثكلى وأصبح قولها ... كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر )
المصراع الأخير تضمين
ومن قصيدة في أبي نصر بن العميد
( لئن كنت أضحي من عطاياك شاعرا ... لقد صرت أمسي من جنابك مفحما )
( أبيت إذا أجريت ذكرك منشدا ... وأن أعتب الأيام فيه فربما )
( ومالي من الأصوات مقترح سوى ... أعالج وجدا في الضمير مكتما ) - من الطويل -
المصراع الأخير للبحتري
ومن قصيدة في الأمير أبي نصر الميكالي
( نجر ذيول الفخر حتى كأننا ... لعزتنا في آل ميكال ننتمي )
( هم شحمة الدنيا فإن نتعدهم ... إلى غيرهم نحصل على الفرث والدم )
( سقى الله ذاك الروض جودا كجودهم ... وصير آجال العداة إليهم )
( وأبقى أبا نصر ليربي عليهم ... سنين كما أربى بنين عليهم )
( وعاش إلى أن يترك الناس مدحه ... ومن ذا الذي يرجو إياب المثلم ) - من الطويل -
وفي الأمثال لا أفعل ذاك حتى يؤوب المثلم
( هو الحر لا يحبو بثوب مطرز ... غسيل ولا يدعو بكيس مختم )
( ولا يعدم الراؤون منه ثلاثة ... عطاء وعذرا وانبساطا لديهم )
( ويعذب إن ينصف كما عذبت نعم ... ويثقل إن يظلم كما ثقلت لم )
( صفوح عن الجهال ينشد فعله ... ويشتم بالأفعال لا بالتكلم )
المصراع تضمين وهو جاهلي معروف
ومن قصيدة في الهجاء
( زمن المروءة عهده بفتوة ... عهدي بترك الشرب في شوال )
( غضبان ينشد حين يبصر سائلا ... كفي دعاءك إنني لك قالي )
( وله مواعد قد حكت في طولها ... آلت أمور الشرك شر مآل ) - من الكامل -
البيت ابتداء قصيدة لأبي تمام في المزنيين
ومن أخرى
( متى ما زرتهم أوصيت أهلي ... وصية عائد بالجرم بادي )
( بتجديد الصنادق للهدايا ... وتوسيع المرابط للجياد )
( وإن ودعتهم أنشدت فيهم ... سقى عهد الحمى سيل العهاد ) - من الوافر -
المصراع لأبي تمام
ومن أخرى في شمس المعالي
( شموس لهن الخدر والبدر مغرب ... فطالعها بالبين والهجر غارب )
( ولكنما شمس المعالي خلافها ... مشارقه ليست لهن مغارب )
( فما لقبوه الشمس إلا وقد رووا ... بأنك شمس والملوك كواكب ) - من الطويل -
المصراع الأخير من بيت النابغة
( أقول لزوار الأمير ترجلوا ... فمن زاره من راجل فهو راكب )
( وإن زاره الفرسان كنت كفيلهم ... بأن يرجعوا والخيل فيهم جنائب )
( إذا رجعوا عن بابه فنشيدهم ... وإن سكتوا أثنت عليه الحقائب )
( ألا أبلغوا عني الأمير رسالة ... تدل على أني على الدهر عاتب )
( إلى كم يحل المرء مثلك بلدة ... بها منبر فيها لغيرك خاطب )
( لقد هان من أمسى ببلدة غيره ... وقد ذل من بالت عليه الثعالب )
هذه من سقطاته وعرره الواقعة في غرره فإن فيه سوء أدب وهو بالتقريع أشبه منه بالتقريظ وليس مما يخاطب به الملوك
ومما زل فيه أقبح زلة قوله من قصيدة في الصاحب
وقد اعتل
( نعوا لي نفس المجد ساعة أخبروا ... بما يشتكي من سقمه ويمارس ) - من الطويل -
فإن في لفظه النعي ما فيها من الطيرة إذ هي مما يقع في المرثية لا في العيادة ثم قال
( فهلا فداه منه من ليس مثله ... ومن ربعه في ساحة الجود دارس )
( جزى الله عني الدهر شرا فإنه ... يضايقني في واحد وينافس )
ومن سقطاته المنكرة قوله للصاحب من قصيدة
( ومهيب كأنما أذنب الناس ... إليه فهم مغشون ذلا )
( وظريف كأن في كل فعل ... من أفاعيله عرائس تجلى ) - من الخفيف -
فإن الكبراء والمحتشمين لا يوصفون بالظرف إذ هو من أوصاف الأحداث والقيان والشبان ولم يرض بالفرطة في هذه اللفظة حتى شبه أفاعيله بعرائس تجلى فلو مدح مخنثا لما زاد والكامل من عدت سقطاته ولكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة
وهذه غرر من مدحه وما يتصل بها
فمن ذلك قوله من عضدية
( غريب على الأيام وجدان مثله ... وأغرب منه بعد رؤيته الفقر )
( فلا حر إلا وهو عبد لجوده ... ولا عبد إلا وهو في عدله حر )
( عجبت له لم يلبس الكبر حلة ... وفينا لأن جزنا على بابه كبر ) - من الطويل -
وله من أخرى
( متى أشق رواق الملك تلحظني ... عين امرئ بغيوب المجد علام )
( متى أرى قمر الديوان مطلعا ... في سطو بهرام بل في ملك بهرام )
( متى أقبل فرشا لا يقبله ... عاف فيفرق بين الترب والسام )
( مالي أبيت بشيراز وأصبح في ... داري فدت يقظتي نومي وأحلامي )
( ما يطلب الحلم من قلبي يقلبه ... عندي من السقم ما يكفيه أسقامي )
( أصبحت أشكر ليلا أشتكي غده ... الليل عوني والأيام غرامي )
( والأرض تعلم أني سوف أمسحها ... حتى أرى من يرى بالليل أوهامي ) - من البسيط -
ومن أرجوزة
( يا عضد الدولة من يمناها ... يا مهجة قالت لها أعلاها )
( من أسخط الدرهم أرضى الله ... ومن أزال المال صان الجاها ) - من الرجز -
وقال من قصيدة
( بحمدك لا بحمد الناس أضحي ... وكيلي ليس يكفيه وكيل )
( وكانوا كلما كالوا وزنا ... فصرنا كلما وزنوا نكيل )
( وزدت من العيال وذاك أني ... كتبت على لقائك من أعول )
ومن صاحبية
( وأبيض وضاح الجبين كأنما ... محياه قد درت عليه شمائله )
( يقبل رجليه رجال أقلهم ... تقبل في الدست الرفيع أنامله ) - من الطويل -
ومنها
( أقبل أشعاري إذ اسمك حشوها ... وأشتم ملبوسي لأنك باذله )
( وأخطر في حافات دار ملأتها ... طرائف باقي العيش منها وحاصله )
وله من أخرى
( وأنت امرؤ أعطيت ما لو سألته ... إلهك قال الناس أسرفت سائلا )
( وإني وإلزاميك بالشعر بعدما ... تعلمته منك الذرى والفواضلا )
( كملزم رب الدار أجرة داره ... ومثلك أعطى من طريقين نائلا ) - من الطويل -
ومن أخرى
( ولقد عهدت العلم أكسد من ... بهتان فرعون لدى موسى )
( فأقام قاعد سوقه رجل ... ميت الرجاء ببابه يحيا )
( فالعلم أصبح في الورى علما ... والشعر أمسى يسكن الشعرى ) - من الكامل -
ومن أخرى
( بنيت الدار عالية ... كمثل بنائك الشرفا )
( فلا زالت رؤوس عداك ... في حيطانها شرفا ) - من مجزوء الوافر -
ومن قصيدة في مؤيد الدولة ذكر فيها افتتاحه قلعة من أبكار القلاع واستنزاله
صاحبها المسمى كوشيار منها
( وكنت سماء والعجاج سحائبا ... وخيلك أبراجا وجيشك أنجما )
( وأنزلت منها كوشيار وإنما ... تقنصت من فوق المجرة ضيغما )
( عرفتك صياد الأسود ولم أكن ... عرفتك صياد الأسود من السما )
( خدمتكم يا آل بوية مدة ... غدا بينها فرخ الوسائل قشعما ) - من الطويل -
ومن أخرى في أبي الحسين المزني
( كلم هي الأمثال إلا أنها ... في الناس قد أضحت بلا أمثال )
( فإذا لقين فإنهن عوالي ... وإذا شممن فإنهم غوالي ) - من الكامل -
ومن صاحبية
( تأخر عن كتبي الجواب وإنما ... تأخر برد الماء عن كبد حرى )
( فلا تفسدن عشرين ألفا وهبتها ... بعشرين حرفا كلامك تستمرى ) - من الطويل -
ومن ميكالية
( فديتك ما بدا لي قصد حر ... سواك من الورى إلا بدا لي )
( وإنك منهم وكذاك أيضا ... من الماء الفرائد واللآلي )
( وتسكن دارهم وكذلك سكنى الحجارة ... والزمرد في الجبال ) - من الوافر
وهذه فقر من مراثيه
قال من قصيدة رثا بها ركن الدولة أبا علي
( ألست ترى السيف كيف انثلم ... وركن الخلافة كيف انهدم )
( طوى الحسن بن بويه الردى ... أيدري الردى أي جيش هزم ) - من المتقارب -
ومنها أيضا
( طويل القناة قصير العدات ... ذميم العداة حميد الشيم )
( فصيح اللسان بديع البنان ... رفيع السنان سريع القلم )
( يكيل الرجال بأقدارها ... ويرعى البيوتات رعي الحرم )
( جواد عليهم بخيل بهم ... إذا ساء خص وإن سر عم )
( فيا دهر سحقا ولا تحتشم ... فقد ذهب الرجل المحتشم )
( وخط الفناء على قبره ... بخط البلا وبنان السقم )
( إذا تم أمر دنا نقصه ... توقع زوالا إذا قيل تم )
ومنها
( إذا كان يبكي الورى بالدموع ... وتبكي بهن فأين القيم )
( وقد ساءني عطل الدهر منك ... وقد كنت حليا عليه انتظم )
( فما يستحق الزمان اللئيم ... مقامك فيه وأنت الكرم )
وله من أخرى في مرثية أبي الفتح بن العميد
( يا دهر إنك بالرجال بصير ... فلطالما تجتاحهم وتبير )
( يا دهر غيري من خدعت بباطل ... وابن العميد مغيب مقبور )
( الآن نادتنا التجارب طلقوا ... دنياكم إن السرور غرور )
( يا دهر ظل لمخلبيك فريسة ... رجل لعمري لو علمت كبير )
( رجل لو أن الكفر يحسن بعده ... هجي القضاء وأنب المقدور )
( أشكو إليك النفس وهي كئيبة ... وأذم فيك الدمع وهو غزير )
( وأقول للعين الغزير بكاؤها ... خطب لعمري لو عميت يسير )
( قد مت بعدك ميتة مستورة ... قد ساقها لي موتك المشهور )
( ودفنت في قبر الهموم وضمني ... كفنان ضيق الصدر والتفكير )
( ضحكت إليك الحور ضحكك كلما ... وافاك ضيف أو أتاك فقير )
( وضفت عليك ذيول رحمة ربنا ... والله بر بالجواد غفور )
( وسقى ضريحك مستهل عمره ... شهر وعمر النبت منه شهور )
( جود ككفك أو كعيني أو دم ... أجراه سيفك في العدى مشهور )
( أهوى القيامة لا لشيء أن ... ألقاك فيها والأنام حضور )
( وأحب فيك الموت علما أنني ... بعد الممات إلى اللقاء نصير ) - من الكامل -
ومن أخرى
( أسرك أن الدهر يجني لما جنى ... ولم يك في الأحبار والنصب يدعي )
( فيا عجبي من ناصبي وفرحة ... وأعجب منه الحزن في المتشيع )
( وأعجب من هذين إظهارك الأسى ... لمن غاب عن دار الأسى والتوجع )
( ألم تر أن الله قال تمتعوا ... قليلا ولم يبق قليل التمتطع ) - من الطويل -
ومن أخرى يرثي بها مؤيد الدولة ويعزي ويهني فخر الدولة
( رزئت أخا لو خير المجد في أخ ... من الناس طهرا ما عداه ولا استثنى )
( وقد جاءت الدنيا إليك كما ترى ... طفيلية قد جاوبت قبل أن تدعى )
( صبت بك عشقا وهي معشوقة الورى ... فقد أصبحت قيسا وعهدي بها ليلى )
( ولما رأت خطابها تركتهم ... ولم ترض إلا زوجها الأول الأولى )
( ولم تتساهل في الكفي ولم تقل ... رضيت إذا ما لم تكن إبل معزى )
( على أنها كانت جفتك تذللا ... فخليتها حتى أتت تطلب الرجعى ) - من الطويل -
وله من قصيدة رثى بها أبا سعيد الشيبي وكان وادا له عاتبا عليه
( أيدري السيف أي فتى يبيد ... وأية غاية أضحى يريد )
( لقد صادت يد الأيام طيرا ... تضيق به حبالة من يصيد )
( وأصبح في الصعيد أبو سعيد ... ألا إن الصعيد به سعيد )
( وقد كانت تضيق الأرض عنه ... فلم وسعت لجثته اللحود )
( بلا مس الثرى قلبا رحيبا ... فأعدى الترب فاتسع الصعيد )
( فلا أدري أأضحك أم أبكي ... وتهدمني المنية أو تشيد )
( صديق فقد فقدناه قديم ... وثكل قد وجدناه جديد )
( مصاب وهو عند الناس نعمى ... ونحس وهو عند الناس عيد )
( تهنيني الأنام به ولكن ... تعزيني المواثق والعهود )
( وسيف قد ضربت به مرارا ... فمن ضرباته بي لي شهود )
( فلما أن تفلل ظلت أبكي ... وعندي منه فعد دم جسيد )
( ومن عجب الليالي أن خصمي ... يبيد وأن حزني لا يبيد )
( وأن النصف من عيني جمود ... وإن النصف من قلبي جليد )
( إذا سفحت عليه دموع عيني ... نهاها الهجر منه والصدود )
( وآثار له عندي قباح ... يجمش بينها الرأس الحديد )
( فنصف من مدامعها سخين ... ونصف من مدامعها برود )
( فمن هذا رأى في الناس مثلي ... أريد من المنى ما لا أريد )
( ومن نكد المنية فقد حر ... تخالف فيه إخواني الشهود )
( فذا هنى وقال مضى عدو ... وذا عزى وقال مضى وديد )
( رأيت العقل ينفع وهو قصد ... ويلقي في المهالك إذ يزيد )
( كمثل الدرع إن خفت أجنت ... وإن ثقلت فحاملها جهيد )
( ومثل الماء يروي منه قصد ... ويقتل منه بالغرق المزيد )
( شهدت بأن دهرا عشت فيه ... ومت مقيدا فردا مبيد )
( وقالوا البحر جزر ثم مد ... فما لك قد جزرت ولا تعود )
( بكيت عليك بالعين التي لم ... تزل من سوء فعلك بي تجود )
( فقد أبكيتني حيا وميتا ... فقل لي أي فعليك الرشيد )
( فها أنا ذا المهنأ والمعزى ... وها آنا ذا المباغض والودود )
( وها أنا ذا المصاب بك المعافى ... وها أنا ذا الشقي بك السعيد )
( لقد غادرتني في كل حال ... أذم الدهر فيك وأستزيد )
( فلا يوم تموت به مجيد ... ولا يوم تعيش به حميد )
( وما أصبحت إلا مثل ضرس ... تأكل فهو موجود فقيد )
( ففي تركي له داء دوي ... وفي قلعي له ألم شديد )
( فلا تبعد إقامة رسم حق ... وإنك أنت للشيء البعيد )
( وإنك أنت للسيف الحديد ... وإنك أنت للعلم السديد )
( وإنك أنت الدنيا جميعا ... ولكن ليس للدنيا خلود ) - من الوافر
وله من قصيدة يرثي بها أبا الحسن المحتسبي
( وصاحب لي لو حلت رزيته ... بالطير ما هتفت يوما على فنن )
( عاشرته عشرة لو أنها وقعت ... بين الضحى والدجى سارا على سنن )
( حتى إذا نلت سؤلي من مواهبه ... وصادني بشباك الوصل والمنن )
( ثكلته بعد ما سارت محاسنه ... في العظم واللحم سير الماء في الغصن )
( يا دهر أثكلتني حتى أبا الحسن ... لقد أمنت عليه غير مؤتمن )
( وصلت سهمك مني يوم قتلكه ... في مقتل القلب لا في مقتل البدن )
( جمعت ضدين من خرق ومن أدب ... بطش الجهول ومكر العاقل الفطن )
( قد كنت أعجب لم أخرت من أجلي ... فالآن أدري لماذا كنت تذخرني )
( ولم يكن في الورى ذا منظر حسن ... في مخبر حسن إلا أبو حسن ) - من البسيط -
وله في عائد بن علي لما ضربته السموم فهلك
( عائد قد دعا به المعبود ... وجميع الورى إليه يعود )
( أهلكته السموم في أرض مكران ... ولله في الرياح جنود ) - من الخفيف -
وله في أبي سهل البستي الكاتب
( مات أبو سهل فواحسرتا ... إن لم يكن قد مات مذ جمعه )
( ما حزني إلا لأن لم يمت ... بموته من أهله تسعه )
( مصيبة لا غفر الله لي ... إن أنا أذريت له دمعه ) - من السريع
وهذه نتف من أهاجيه في خلفاء العصر
قال
( مالي رأيت بني العباس قد فتحوا ... من الكنى ومن الألقاب أبوابا )
( ولقبوا رجلا لو عاش أولهم ... ما كان يرضى به للحش بوابا )
( قل الدراهم في كفي خليفتنا ... هذا فأنفق في الأقوام ألقابا ) - من البسيط -
وله في علوي ناصبي
( شريف فعله فعل وضيع ... دنيء النفس عند ذوي الجدود )
( عوار في شريعتنا وفتح ... علينا للنصارى واليهود )
( كأن الله لم يخلقه إلا ... لتنعطف القلوب على يزيد ) - من الوافر -
وله في فقيه
( مجبر صير ابنه ناصبيا ... مجبرا مثله وتلك عجيبه )
( ليس يرضى أن يدخل النار فردا ... ساعة الحشر أو يقود حبيبه ) - من الخفيف -
وله في أبي سعيد بن مله
( أبو سعيد زحل للكرام ... ومنسف ينسف عمر الأنام )
( لم أره إلا خشيت الردى ... وقلت يا روح عليك السلام )
( يبقى ويفنى الناس في شؤمه ... قوموا انظروا كيف بخوت اللئام )
( ثم تراه سالما آمنا ... يا ملك الموت إلى كم تنام ) - من السريع -
وله فيه
( أرى لك أفعالا تناقض أمرها ... على أنها في القبح والعار واحد )
( نبيذك ذا حلو ووجهك حامض ... وماؤه ذا سخن وفعلك بارد ) - من الطويل -
وله في أبي الطيب البيهقي
( يبكي من الموت أبو طيب ... دمع لعمري غير مرحوم )
( ويشتكي ما يشتهي غيره ... شكاية الخير من الشوم )
( ساكتنا الشيخ أبو طيب ... والصمت أحيانا من اللوم ) - من السريع -
وله فيه
( فسا الشيخ سهوا وفي كفه ... شراب فلمناه لوما قبيحا )
( فقال لي الدخل والخرج لي ... فأدخلت راحا وأخرجت ريحا ) - من المتقارب -
وله في نديم حمامي
( قل لمن ينكح بالعيون ... جواري الأصدقاء )
( والذي يعتقد الملك ... له قبل الشراء )
( أنت والله نشيط الأير ... كسلان الوفاء )
( ليت قلبي قد من أيرك ... في باب الذكاء )
( أمهل الساقي ولا تخجله ... بين الندماء )
( أنا بالساقي كفيل لك ... من بعد العشاء )
( فإذا ما انصرف الناس ... فجد لي بالأداء )
( لك أير جاهلي ... من أيور السفهاء )
( يا كثير الماء أقرضنا ... ولو حمة ماء )
( أنت من أيرك هذا ... في عناء وبلاء )
( أعظم الله لك الأجر ... على هذا العناء ) - من مجزوء الرمل -
وله في طاهر السجزي
( ألا يا سائلي بأبي حسين ... وفي التجريب علم مستفاد )
( هو ابن سميه والطاء عين ... وشبه كنيه والسين صاد ) - من الوافر -
وله من قصيدة
( فإن أسكن ببلدة ابن شهر ... فإن البدر ينزل في الظلام )
( أصغرها وإن عظمت ولكن ... لها أهلون ليسوا بالعظام )
( وفرسان ولكن في الحشايا ... وأجواد ولكن بالكلام )
( صغار بالمطالب والسجايا ... وإن كانوا كبارا بالعظام ) - من الوافر -
وله أيضا
( أبو زيد فتى حر ولكن ... لنا في أمر ذاك الحر ظنه )
( أراه يشتري الغلمان سودا ... عفاريتا فيوهمني بأنه ) - من الوافر -
وله في فائق وقد قصد الأمير أبا علي لمحاربته
( قد خطب الصفع قفا الخصي ... فمرحبا بالخاطب الكفي )
( ورحل الباز إلى الكركي ... فأبشروا بلحمه الطري ) - من الرجز
وله في أبي سعيد رجاء وأبي القاسم العباس ابني الوليد
( ولما أن رأيت ابني وليد ... وبينهما اختلاف في الفعال )
( وهبت قبيح ذا الجميل هذا ... وأسلفت العواقب والليالي )
( إذا اليد أحسنت منها يمين ... فسوغنا لها ذنب الشمال ) - من الوافر -
وله في رجل جليت ابنته على الختن وهي منه حبلى لأشهر
( يا جالي البنت بعد ما ثقبت ... تبزر القدر بعد ما قلبت )
( هذا كما قد يقال في مثل ... جصصت الدار بعد ما خربت ) - من المنسرح -
وهذه فقر وظرف له في فنون مختلفة
قال من قصيدة
( لا يصغر الرجل الكبير ... بعشرة الرجل الصغير )
( بل يكبر الرجل الصغير ... بخدمة الرجل الكبير )
( ويركب التبر النفيس على ... الدنيء من السيور )
( ماذا يضر البدر قرب ... النجم منه المستنير )
( بل ما يضر السيل مجراه ... على الأرض الحدور )
( بل ما عسى صغر السفين ... يغض من عظم البحور )
( قد زادني شرفا ولم ... ينقصه من شرف حضوري )
( كالنار ليس بناقص ... منها اقتباس المستعير )
( تلقي الفتى سهل الشريعة ... للجليس وللعشير )
( أو ما رأيت البحر ... يغرق منه بالخطب اليسير )
( والناس مثل الجسم يعتمد ... القبيل على الدبير )
( يتحامل العضو الخطير ... بقوة العضو الحقير )
( كتحامل الرمح الطويل ... بزجه ذاك القصير ) - من مجزوء الكامل -
ومن أخرى
( يا أيها الخاطب مدحي وهل ... يورد من غير رشاء قليب )
( شيئان لم يجتمعا لامرئ ... حب الدنانير وحب الحبيب ) - من السريع -
ومن أخرى
( ولي والله إخوان كثير ... نصيبي من فعالهم سواء )
( ولكني رأيتك من أناس ... إذا لم يحسنوا فلقد أساءوا ) - من الوافر -
ومن أخرى
( ومتى شتمت الدهر تشتم صابرا ... تبكي ويضحك ذلك المشتوم ) - من الكامل -
لا ومن صاحبية لما ورد حضرته مكتوب من جهة تاش
( فإن ردني دهري عليك طريدة ... فلا غرو أن يسترجع القوس حاجب )
( هو الوكر طرنا والريش وافد ... وعدنا إليه الآن والريش ذاهب ) - من الطويل -
ومنها
( جزى الله عني أهل سامان ما أتوا ... وفي الله للثأر المضيع طالب )
( هم زوجوني الهم بعد طلاقه ... وذلك عرس للمآتم جالب )
( هم اعطشوا زرعي فشمت سحائبا ... غرائب لما أخلفتني القرائب )
( فأنحوا لزرعي بالحصاد وأنضبوا ... مياها لها أيدي سواهم مذانب )
( أتحصد أيديكم ويزرع غيركم ... فأنتم جراد والملوك سحائب )
أخذه من قول ابن عيينة
( أبوك لنا غيث نعيش بظله ... وأنت جراد لست تبقي ولا تذر ) - من الطويل -
رجع
( إذا طمع السلطان فيما كسبته ... بشعري فالسلطان بالشعر كاسب )
( فأنتم مدحتم آل بوية لا أنا ... وأمدح من لفظ اللسان حقائب )
ومن أخرى
( لاحت لوجهي أنجم ... للشيب عدن به طوالع )
( أودعت منهن الصبا ... من لا يرى رد الودائع )
( فقصصتهن وإنما ... دهري بمقراضي أخادع )
( وإذا عدوك كان بعضك ... في الخطوب فمن تقارع ) - من مجزوء الكامل -
ومن أخرى
( خضبتني الأيام لون بياض ... وخضاب الأيام ليس بناضي )
( وتخطتني المنون إلى شعري ... فأضحى مكفنا ببياض )
( ولعمري إني لغير لبيب ... في قتال الأيام بالمقراض ) - من الخفيف -
ومن أخرى
( وأراك تشكو الشيب تظلمه ... والشيب زرع بزره العمر )
( كالخمر يجلبها الخمار وقد ... يهجى الخمار ويمدح الخمر ) - من الكامل -
وله في تلميذ عاق
( هذا أبو بكر صقلت حسامه ... فغدا به صلتا علي وأقدما )
( أمسى يجهلني بما علمته ... ويريش من ريشي لرمي أسهما )
( يا منبضا قوسا بكفي أحكمت ... ومسددا رمحا بكفي قوما )
( أرقيت بي في سلم حتى إذا ... نلت الذي تهوى كسرت السلما ) - من الكامل -
وله يهجو
( أبا نصر رويدك من حجاب ... فلست بذلك الرجل الجليل )
( ولا تبخل بهذا الوجه عنا ... فليس بذلك الوجه الجميل )
( وللأشعار قوم لست منهم ... ولكني هجوتك في السبيل ) - من الوافر -
ومن قصيدة في الشكوى
( ولقد بلوت الأصدقاء فلم ... أر فيهم أوفى من الوفر )
( وكذاك لم أر في العدا أحدا ... أنكى لمن عادى من الفقر )
( ذهب الغنى وورثت عادته ... فأنا الغني وغيري المثري )
( وتجمعت في اثنتان ولم ... يتجمعا في سالف الدهر )
( لا يبرح المقصوص موضعه ... ولقد قصصت فطرت عن وكري ) - من الكامل -
ومن أخرى في نكبة المزني
( ولقد بكيت عليك حتى قد بدا ... دمعي يحاكي لفظك المنظوما )
( ولقد حزنت عليك حتى قد حكى ... قلبي فؤاد حسودك المحموما ) - من الكامل -
ومن أخرى فيه
( قتل المواجر والعجائب جمة ... شيخ المشايخ بل فتى الفتيان )
( لا تعجبوا من صيد صعو بازيا ... إن الأسود تصاد بالخرفان )
( قد غرقت أملاك حمير فأرة ... وبعوضة قتلت بني كنعان ) - من الكامل -
ومن أخرى في أبي القاسم المزني لما قبض عليه
( وثب الصغير على الكبير وقد ... يطفي التراب حرارة الجمر )
( لا تعجبن فرب ساقية ... قد كدرت طرفا من البحر )
( هذا الحسام يفله حجر ... وبه قوام النهي والأمر )
( غصبت جذيمة نفسه امرأة ... فاصطيد ذاك الحر بالحر )
( هيهات هذا الدهر ألأم من ... أن لا يسر العبد بالحر ) - من الكامل -
وله وقد طلبت جارية له بعشرة آلاف درهم
( يا طالبا روحي ليبتاعها ... أنت رسول الغم والحسره )
( غدوت بالبدرة فارجع بها ... لست أبيع البدر بالبدرة ) - من السريع -
وله من أخرى
( أيا من قربه خبره ... ويا من بعده عبره )
( ويا من وصله يوم ... ويا من هجره فتره )
( ويا من وصله أعلى ... من الشمأل بالبصره )
( ويا من نظرة منه ... تساوي مائتي بدره )
( ويا من قد حكى خداه ... قلبي فيهما جمره )
( ويا من طرف من أبصر ... بدرا بعده يكره )
( ويا من عينه جيش ... كثيف لأبي مره )
( ويا من نخر الشيطان ... في مولده نخره )
( وقال اليوم ألقيت ... بني آدم في الحفره )
( ويا من أنذرت عيناه ... عيني مائتي مره )
( أيا عين ارجعي ما كل ... وقت تسلم الجره )
( ويا أحسن من يسر ... يلقى صاحب العسره )
( وما أعذب في الأنفس ... من صفح على قدره )
( ويا من لست أرضي قط ... بالبحر له قطره )
( ولا أرضى له البدر ... على إشراقه غره )
( ولا أرضى له الأرض ... على فسحتها حجره )
( ولا أرضى له بلقيس ... بجلوها على العذره )
( ولا أرضى برزق الأنس ... والجن له سفره )
( ولا أرضى من القلب ... له عشق بني عذره )
( ولا أرضى له السعد ... غلاما والمنى سخره )
( ولا أرضى له الرمل ... نضارا والحصى نقره )
( ولا أرضى له إلا بنفسي ... أمة حره )
( قد استخرجت من عيني ... عينا في الهوى ثره )
( فلو فجرتها فجرت ... منها اثنتي عشره )
( وقد أضجعني فوق ... فراش الهم والحسره )
( وقد علمتني كيف ... يموت المرء من نظره ) - من الهزج
وله في وصف الخمر من قصيدة
( وصفراء كالدينار نبت ثلاثة ... شمال وأنهار ودهر محرم )
( مسرة محزون وعذر معربد ... وكبر مجوسي وفتنة مسلم )
( ممات لأحياء حياة لميت ... وعدم لمن أثرى ثراء لمعدم )
( يدور بها ظبي تدور عيوننا ... على عينه من شرط يحيى بن أكثم )
( ينزهنا من ثغره ومدامه ... وخديه في شمس وبدر وأنجم )
( نهضن إليها والظلام كأنه ... معاش فقير أو فؤاد معلم ) - من الطويل -
وله وقد دخل إلى صديق له فبخره وسقاه
( بخرت ثم سقيت في دار امرئ ... تضحي القلوب طوالبا لوفاقه )
( فكأنما سقيت من ألفاظه ... وكأنما بخرت من أخلاقه ) - من الكامل -
وله
( يا من يحاول صرف الراح يشربها ... فلا يلف لما يهواه قرطاسا )
( الكأس والكيس لم يقض امتلاؤهما ... ففرغ الكيس حتى تملأ الكاسا ) - من البسيط -
وله
( عزل الورد عن أنوف الندامى ... وأتتنا ولاية الريحان )
( فاقض حق الريحان بالراح فالريحان ... والراح في الورى أخوان )
( واندب الورد وابكه بدموع ... من دموع الأقداح لا الأجفان ) - من الخفيف -
وله
( رأيتك آن الشرب خيمت عندنا ... مقيما وإن أعسرت زرت لماما )
( فما أنت إلا البدر إن قل ضوؤه ... أغب وإن زاد الضياء أقاما ) - من الطويل -
وله
( سقاني الوجه الحسن ... كأسا فخليت الرسن )
( وصار عندي حسنا ... قتل الحسين والحسن ) - من مجزوء الرجز -
وله في الند
( وطيب لا يخل بكل طيب ... يحيينا بأنفاس الحبيب )
( يظل الذيل يستره ولكن ... تنم عليه أزرار الجيوب )
( متى يشممه أنف حن قلب ... كأن الأنفس جاسوس القلوب ) - من الوافر -
وله من قصيدة
( عذيري من عين الزمان فإنها ... إذا استحسنت مستحسنا قل طائله )
( وما أنت إلا البيت غنم دخوله ... كثير عواديه بعيد مراحله ) - من الطويل -
وله في باقة ريحان
( وضغث ريحان إذا ما وصفه ... واصفه قيل له زد في الصفه )
( دققه صانعه ولطفه ... كأنه وشم يد مطرفه )
( أو حظ وراق أدق أحرفه ... أو زغبات طائر مصففه )
( أو حلة بخضرة مفوفه ... ) - من الرجز
ومن أرجوزه
( لا تشكر الدهر لخير سببه ... فإنه لم يتعمد بالهبه )
( وإنما أخطأ فيك مذهبه ... كالسيل إذ يسقي مكانا خربه )
( والسم يستشفي به من شربه ... ما أثقل الدهر على من ركبه )
( حدثني عنه لسان التجربه ... ما أهون الشوكة قبل الرطبه )
( وأسهل الكد على من أكسبه ... )
وله
( لا تيأسن من حبيب ... إذا توعر خلقه )
( فكلما صلب الخبز ... كان سهلا مدقه ) - من المجتث -
وله
( لا تصحب الكسلان في حاجاته ... كم صالح بفساد آخر يفسد )
( عدوى البليد إلى الجليد سريعة ... والجمر يوضع في الرماد فيخمد ) - من الكامل -
وله
( عليك بإظهار التجلد للعدى ... ولا تظهرن منك الذبول فتحقرا )
( ألست ترى الريحان يشتم ناضرا ... ويطرح في الميضا إذا ما تغيرا ) - من الطويل -
وله
( تمنيت خلات على الدهر أربعا ... ولم أر مسئولا أشح من الدهر )
( جماعا بلا ضعف وشربا بلا سكر ... وعمرا بلا شيب وبذلا بلا فقر ) - من الطويل
وله
( وأني لأرجو الشيب ثم أخافه ... كما يرتجى شرب الدواء ويحذر )
( هو الضيف إن يسبق فعيش مكدر ... علي وإن يسبق فموت مقدر ) - من الطويل -
وله
( لا تفرطن في حدة أعملتها ... فيكل ذاك الحد منك وتفشلا )
( أو ما ترى الصمصام والسكين إن ... زادا على حد الصقال تفللا ) - من الكامل -
وله
( الملك عندي متعة الشباب ... والعزل عندي فرقة الأحباب )
( والفقر عندي عدم الشراب ... والشيب عندي كذب الخضاب )
( والقبح عندي عدم الآداب ... والعرس عندي ليلة الكتاب )
( والروض عندي ملح الأعراب ... والبغض عندي كثرة الإعراب )
( والسيف عندي قلم الكتاب ... والنجح عندي سرعة الإياب )
( والطرد عندي كلحة البواب ... والذل عندي وقفة الحجاب )
( والقحط عندي قلة الأصحاب ... والشؤم عندي كثرة العتاب )
( والعي عندي هذر الخطاب ... والعز عندي طاعة الصواب )
( والإل عندي خلة القحاب ... والغول عندي طلعة الكذاب )
( والصفح عندي أبلغ العقاب ... واللوم عندي سفه الشراب )
( والأمس عندي أسرع الهراب ... والمال عندي أسرع الهراب )
( والغد عندي الحق للطلاب ... والفخر عندي أفخر الثياب )
( والسجن عندي منزل التراب ... والهول عندي موقف الحساب ) - من الرجز -
وله من أخرى
( ولا تغترر بالحليم تغضبه ... فربما أحرق الثرى البرد ) - من المنسرح -
59 - أبو سعيد أحمد بن شبيب الشبيبي
فرد خوارزم ومفخرتها وكان جامعا بين أدب القلم والسيف
وفروسية اللسان والسنان صاحب كتب وكتائب وفضائل ومناقب ولما اختص بالدولة السامانية
والدولة البويهية سمى صاحب الجيشين وشيخ الدولتين وقال
( رب إن ابن شبيب أحمدا ... صاحب الجيشين شيخ الدولتين )
( واثق بالله يرجو المصطفى ... وأخاه المرتضى والحسنين ) - من الرمل -
وسمعت أبا بكر الخوارزمي يقول كان الشبيبي في أيام شبابه بخوارزم يقول شعرا غليظا جاسيا كأشعار المؤدبين فلما عاشر الناس ولقي الأفاضل لطف طبعه ورق شعره كقوله وكتب به إلى
( للشبيبي صنيعتك ... حسرات لفرقتك )
( واشتياق إلى لقاء ... تباشير طلعتك )
( رب سهل لقاءه ... يا إلهي برحمتك ) - من مجزوء الخفيف -
وأنشدني أبو عبد الله محمد بن حامد قال أنشدني أبو سعيد صاحب الجيشين لنفسه في أبي بكر الخوارزمي
( أبو بكر له أدب وفضل ... ولكن لا يدوم على الإخاء )
( مودته إذا دامت لخل ... فمن وقت الصباح إلى المساء ) - من الوافر -
وأنشدني غيره له في الأمير أبي نصر الميكالي
( يا آل ميكال أنتم غرة العجم ... لكن أحمد فيكم درة الكرم )
( لا تحسدوه فإن الله فضله ... منكم عليكم جميعا بل على الأمم )
( لا تحسدوا رجلا ما إن له شبه ... فيمن برى الله من عرب ومن عجم )
( فمن يحاكيه في الأفضال والكرم ... أم من يناوئه في الآداب والقلم )
( أم من يساجله في كل مكرمة ... أم من يعادله في الجود والهمم )
( يا آل ميكال إني قد نصحتكم ... نصح امرئ في هواكم غير متهم )
( فاستسلموا لقضاء الله واعترفوا ... بفضل أحمد طوعا أو على الرغم ) - من البسيط -
وعندي له مقطوعات تصلح لهذا المكان ولكنها غائبة عني الآن
60 - أبو الحسن مأمون بن محمد بن مأمون
له من قصيدة في مدح الأمير أبي العباس مأمون بن محمد أولها
( أغاظني الدهر من إنصافه جنفا ... هل كان غيري من الأيام منتصفا )
( أشكو إلى غير مشكو ليشكيني ... هل ينفع الدنف استشفاؤه الدنفا ) - من البسيط -
ومن أخرى في الأمير أبي عبد الله محمد بن أحمد خوارزم شاه كان
( كم له من يد علي إذا ما ... عددت لم يكن لعدتها كم )
( ما لجهلي قصور شكري فمن علوم ... الضرورات شكر من كان منعم )
( لست والله ناسي البرما أنساب ... بطبع الحياة في جسدي الدم ) - من الخفيف -
ومن أخرى
( لئن طال عهدي بوجه الأمير ... فقد طال عهدي بأن أسعدا )
( إذا شئت رؤية ما في الزمان ... فزر شخصه الفاضل الأوحدا )
( ترى الليث والغيث والنيرين ... والناس والبحر والمسندا ) - من المتقارب -
ومنها
( وبلغه الله أقصى مناه ... وأسنى له ملك ما مهدا )
( ولا زال نيروزه عائدا ... بأفضل حال كما عودا )
أبو عبد الله محمد بن إبراهيم التاجر الوزير كان بخوارزم
قال من قصيدة في أبي سعيد الشبيبي أولها
( حكم عينيك نافذ في ماضي ... كيفما شئت فاقض ما أنت قاضي )
( وكأن الصباح لما تجلى ... لي سيف له الشبيبي ناضي )
( الهزبر الذي له الدرع كاللبدة ... لليث والقنا كالغياض ) - من الخفيف -
ومنها في وصف القلم
( ناطق ساكب أصم سميع ... قلق ساكن وقوف ماضي )
( ناحل الجسم نابه الاسم منقى الوسم ... في كل عاند ذاي اعتراض )
( هاكها يا أبا سعيد عروسا ... بكر فكر فكن لها ذا افتضاض )
( وابسط العذر في قصوري عن بابك ... في هذه الليالي المواضي )
( لم يكن عاق عن لقائك مولاي ... سوى فرط حشمة وانقباض )
وله
( في كل يوم لك ارتحال ... تصلح للملك فيه حال )
( ما سرنا فيك من إياب ... إلا وقد ساءنا انتقال )
( فلا نهنيك بانقلاب ... إلا وفي عقبه زيال )
( حتى كأنا نراك حلما ... ومنك يعتادنا خيال )
( بذلت للملك نفس صون ... ما اعتاقها الأين والكلال )
( فقف قليلا فقد تشكى ... إسارك الخيل والبغال )
( ودم لخوارزم شاه يمنى ... يد لها غيرك الشمال ) - من مخلع البسيط -
وقال فيه يستعطفه أيام محنته حين أساء رأيه فيه إذ كان أوحشه في أيام دولته
( يا من له في المعاني نية حسنه ... حتى جفا جفنه من حسنها وسنه )
( ومن حكى خطه زهر الربى حسدا ... وود سحبان من إعرابه لسنه )
( أحسنت رأيك في إسحاق فانفرجت ... عنه الهموم وعادت حاله حسنه )
( كذاك فاحسبه فينا ننج من كرب ... يمر فيها علينا اليوم ألف سنه )
( وأغض عما مضى فالمهر ممتنع ... صعب إلى أن يرى في رأسه رسنه )
( وأنت بدر دجى بل أنت شمس ضحى ... بل أنت بحر حجى بل أنت خصب سنه ) - من البسيط -
وكتب إلى صديق له
( وعدتني بالرجوع ... من قبل وقت الهجوع )
( وقد تغافلت حتى ... أضرمتني بالجوع )
( فبالرجوع تفضل ... أولا فبالمرجوع ) - من المجتث -
61 - أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الرقاشي
من أبناء الوزراء بمدينة خوارزم وكان ككشاجم كاتبا شاعرا منجما فمن غرره قوله من قصيدة في الشبيبي
( إن الهوى سبب لكل هوان ... وفراق من تهواه موت ثاني )
( سقيا لدهر كنت حلف أغاني ... فيه وخدن الراح والريحان )
( لم تبق لي هممي وحسن شمائلي ... منها سوى ذكرى على الأزمان )
( ولقد رضيت بأن أرى متفردا ... دون القرين مقارعا أقراني )
( أرمي إذا حملوا وأظعن إن رموا ... وأقد منهم من أراد طعاني )
( تنفي الخناجر في الحناجر غصتي ... والبيض في بيض العدا أحزاني )
( وأعد عند مواردي ومصادري ... حكم الكهول وصولة الشبان )
( مستبدلا ضرب الطلا بمصارع الشكوى ... وضرب الدف والعيدان )
( مستغنيا بالرمح أخضب صدره ... عن كل مخضوب البنان حصان )
( متسربلا زرد الدموع كأنها ... شعر تفلفل في الحي الحبشان )
( مستشعرا باسم الشبيبي الذي ... عم الورى بالبر والإحسان )
( يفدي الكماة أبا سعيد إنه ... حامي الحماة وفارس الفرسان )
( يا أحمد بن شبيب المفدى على ... جور الزمان وسطوة الحدثان )
( أنت القرين لكل جد مقبل ... أنت البشير بكل فتح داني )
( لك عزمة بهرام من أتباعها ... لك همة تسمو إلى كيوان )
( فإذا ركبت ضمنت كل أمان ... للخائفين ونيل كل أماني )
( وإذا أقمت فإن ذكرك ظاعن ... تسري به الركبان في البلدان )
( فقت الأنام حجى وفقت شجاعة ... ورجحت عند الجود في الميزان )
( إن الفتوح على يديك تتابعت ... كتتابع الأنواء في نيسان )
( حفروا الخنادق حولهم فكأنما ... حفروا مقابرهم لدى الخذلان )
( وتعززوا بالماء ثم سقوا به ... كسقاوة الممطور بالطوفان )
( غدروا فغودر منهم أرواحهم ... في النار والأشباح في الغدران )
( خفقت بنودك حولهم فكأنما ... طارت قلوبهم من الخفقان )
( وسرت طوارق لطف كيدك فيهم ... كلطافة الأرواح في الأبدان )
( ولئن حسدت فلست أول سابق ... يرميه بالبغضاء ألأم واني )
( إن الكريم محسد في قومه ... وترى الحسود مطية الأشجان ) - من الكامل -
وله فيه من أخرى
( أمن الملال أم الخفر ... هذا التشاجي والضرر )
( أم غرك الصبح الذي ... أطلعت من ليل الشعر )
( أم عرضت أيدي الخطوب ... صفاء ودك للكدر )
( وأرى المقام ببلدة ... لا تشتهي إحدى الكبر )
( وأعد نفسي في الحضر ... لكن همي في السفر ) - من مجزوء الكامل
ومن أخرى
( كفى بنحولي عن هواي مترجما ... وبالدمع نماما علي إذا همي )
( تألمت من ثقل الهوى متشبها ... بخصريه من أردافه إذ تألما )
( ووكل طرفي بالنجوم كأنني ... لرعي نجوم الليل صرت منجما ) - من الطويل -
ومنها في مدح الشبيبي
( خرجنا نهارا خلفه نطلب العدا ... فألبسنا ليلا من النقع مظلما )
( أثرنا سحاب النقع لما تجاوبت ... رعود صهيل الخيل تستمطر الدما )
( فكم من جواد قد حبسناه بعدما ... أثرناهم من كثرة النبل شيهما )
( وأشهب قد خضنا به الحرب فاكتسى ... دما وقتاما عاد أشقر أدهما ) - من الطويل -
ومن أخرى
( وقينة تنطق يمناها ... وتلقط العناب يسراها )
( إذا سرت نم عليها الحلي ... وضوء خديها ورياها )
( لو أن إبليس رأى وجهها ... صلى لها طوعا وماناها )
( تظلمني في هجرها مثلما ... أسفلها يظلم أعلاها )
( ماتفعل الخمر بشرابها ... ما فعلته في عيناها ) - من السريع -
ومن أخرى
( لا الراح راحي ولا الريحان ريحاني ... ما لم تزرني ولا الندمان ندماني )
( وما التعلل والأيام حائلة ... بيني وبينك بالآمال من شاني )
( وما جزعت على شيء سوى جزعي ... إن لم أمت كمدا من فقد خلاني )
( وقد ذكرتك والأبطال عابسة ... والموت يبسم عن أنياب شيطان )
( والنبل كالشهب في ليل العجاج وباب ... الأمن ناء كصبري والردى داني )
( والسمر تبكي دما والبيض ضاحكة ... والجو داج ولون الملتقى قاني ) - من البسيط -
62 - أبو عبد الله محمد بن حامد
حسنة من حسنات خوارزم وغرة شادخة في جبينها يرجع إلى كل فضل ويجمع بين قول فصل وأدب جزل ويؤلف بين أشتات المناقب وينظم عقود المحامد وله خط يستوفي أقسام الحسن ونثر كنثر الورد ونظم كنظم الدر
وكان في عنوان شبابه يكتب لأبي سعيد الشبيبي وهو منه بمنزلة الولد والعضو من الجسد فلما انقضت أيامه واختص بالصاحب أبي القاسم وغلب عليه ببراعته وحذقه في صناعته وتقلد بريد قم من يده وبقي بها مدة بين حسن حال وتظاهر جمال وحين حن إلى وطنه وآثر الرجوع إلى بلده قدم من سلطان خوارزم شاه على ملك مكرم لمورده عارف بفضله موجب لحقه ولم يزل ومن قام مقامه من أبنائه رحم الله السلف وأبقى عز الخلف يعدو له وإلى الآن من أركان دولتهم وأعيان حضرتهم ويعتمدونه للمهمات السلطانية والسفارات الكبيرة وكان أنفذ مرة رسولا إلى حضرة السلطان المعظم يمين الدولة أطال الله بقاءه ببلخ فاستولى على الأمد في القيام بشروط السفارة وملك القلوب وسحر العقول بحسن العبارة وجمعته وأبا الفتح علي بن محمد البستي الكاتب مناسبة
الأدب ومشاكلة الفضل فتجاورا وتزاورا وتصادقا وتعاشرا وتجاريا في حلبة المذاكرة وتجاذبا أهداب المحاضرة وجعل أبو عبد الله يرسل لسانه في ميدانه ويرخى من عنانه فيرمي هدف الإحسان ويصيب شاكلة الصواب فقال فيه أبو الفتح
( محمد بن حامد إذا ارتجل ... ومر في كلامه على عجل )
( نقب خد كل ندب سابق ... بنثره ونظمه ثوب الخجل )
( أقلامه يسقين كل ناصح ... وكاشح كأسي حياة وأجل )
( فناصحوه مشرقون بالأمل ... وكاشحوه مشرقون بالوجل )
( أبقاه للدين والدنيا معا ... وللمعالي ربنا عز و جل ) - من الرجز -
وقال فيه أيضا
( بنفسي أخ نفسه أمة ... وتدبيره في الورى فيلق )
( أخ باب إحسانه مطلق ... وباب إساءته مغلق )
( كريم السجايا فلا رأيه ... بهيم ولا خلقه أبلق )
( محمد أنت قرى ناظري ... فكيف إذا غبت لا أفلق )
( رهنتك قلبي وحكم القلوب ... إذا رهنت أنها تغلق ) - من المتقارب -
وقال فيه أيضا
( يا من أراه للزمان حسنه ... ومن حوى من كل شيء أحسنه )
( إن غبت عني سنة فهي سنه ... وسنة تحضر فيها وسنه ) - من الرجز
وعلى ذكر أبي الفتح فلبعض العصريين من أهل نيسابور فيه
( إذا قيل من فرد العلى والمحامد ... أجاب لسان الدهر ذاك ابن حامد )
( همام له في مرتقى المجد مصعد ... يلوح له العيوق في ثوب حاسد )
( كريم حباه المشترى بسعوده ... وأصبح في الآداب بكر عطارد )
( به سحبت خوارزم ذيل مفاخر ... على خطة الشعرى وربع الفراقد )
( فلا زال في ظل السعادة ناعما ... يحوز جميع الفضل في شخص واحد ) - من الطويل -
وحدثني أبو سعيد محمد بن منصور قال لما ورد أبو عبد الله رسولا على شمس المعالي ووصل إلى مجلسه فأبلغ الرسالة وأدى الألفاظ واستغرق الأغراض أعجب به شمس المعالي إعجابا شديدا
وأفضل عليه إفضالا كثيرا ورغب في جذبه إلى حضرته واستخلاصه لنفسه فأمرني بمجاراته في ذلك ورسم لي أن أبلغ كل مبلغ في حسن الضمان له وأركب الصعب والذلول في تحريصه وتحريضه على الانتقال إلى جنبته فامتثلت الأمر وجهدت جهدي وأظهرت جدي في إرادته عليه وإدارته بكل حيلة وتمنية جميلة فلم يجب ولم يوجب وقال معاذ الله من لبس ثوب الغدر والانحراف عن طريق حسن العهد وانصرف راشدا إلى أوطانه وحضرة سلطانه
وقد كتبت لمعا من شعره وليس يحضرني الآن سواها لغيبتي عن منزلي فتأخر كثير مما أحتاج إليه عني قال من قصيدة في الصاحب
( غدا دفتري أنسا وخطي روضة ... وحبري مداما وارتجالي ساقيا )
( ولا شدو لي إلا التحفظ قارئا ... ولا سكر إلا حين أنشد واعيا )
( تجشم أوصافا حسانا لعبده ... فطوقه عقدا من العز حاليا )
( فلولا امتثال الأمر لا زال عاليا ... لطار مكان النظم رجلان حافيا )
( على أنني إن سرت أو كنت قاطنا ... فغاية جهدي أن أطول داعيا )
( رسائله لي كالطعام وشعره ... كماء زلال حين أصبح صاديا )
( فإن ظلت الآمال تشكر ظله ... فإن لسان المال قد ظل شاكيا )
( كأن إله الخلق قال لجوده ... أفض كل ما تحويه وارزق عباديا ) - من الطويل -
ومن أخرى
( ما أنس لا أنس أياما نعمت بها ... وهذبتني بتطوافي وتردادي )
( أيام أركب متن الريح تحملني ... والطرس والنقس والأقلام أذوادي )
( كافي الكفاة أدام الله نصرته ... نجل الأمين الكريم الشيخ عباد )
( غمر الرداء لرواد ووراد ... سهل الحجاب لزوار ووفاد )
( لا زالت الدولة العلياء تلزمه ... ما قالت العرب حيوا الحي بالوادي ) - من البسيط -
ومن أخرى
( ليهنك الأهنيان الملك والعمر ... ما ساير الأسيران الشعر والسمر )
( وطال عمر سناك المستضاء به ... ما عمر الأبقيان الكتب والسير )
( يفدي الورى كلهم كافي الكفاة فقد ... صفا به الأفضلان العدل والنظر )
( له مكارم لا تحصى محاسنها ... أو يحسب الأكثران الرمل والشجر )
( لكيده النصر من دون الحسام وإن ... تمرد الأشجعان الترك والخزر )
( ما سار موكبه إلا ويخدمه ... في ظله الأسنيان الفتح والظفر )
( وإن أمر على طرس أنامله ... أغضى له الأبهجان الوشي والزهر )
( دامت تقبلها صيد الملوك كما ... يقبل الأكرمان الركن والحجر ) - من البسيط -
وهي تربي على ثلاثين بيتا
ومن أخرى كتب بها من الري إلى الأهواز يهنئه بدخولها
( بريق الرأي يعبده الحسام ... وبرق السعد يخدمه الأنام )
( وما اتفقا كما اتفقا لقوم ... هو الصمصام والملك الهمام )
( همام لا يؤم الخطب إلا ... ونصر الله عز له إمام )
( وما من بلدة في الأرض إلا ... إليه بها نزاع أو هيام )
( فلو أن البلاد أطقن سعيا ... لسارع نحوه البلد الحرام )
( أدام الله أيام المعالي ... وذلك أن يدوم له الدوام )
( وما لي غير ما هو جهد مثلي ... ودعاء أو ثناء لا يرام ) - من الوافر -
وله من أخرى كتب بها إليه
( سلام على نفس هي الأمة الكبرى ... وشخص هو المجد المنيف على الشعرى )
( هو الدين والدنيا فزره تر المنى ... وتحصل لك الأولى وتحصل لك الأخرى ) - من الطويل -
ومن أخرى
( رأيتك مرة فسعدت حتى ... رأيت سعود عيشي طالعات )
( فلو أني نظرت إليك أخرى ... لأضحت لي الليالي خادمات ) - من الوافر -
وله من قصيدة في أبي سعيد الشبيبي يوم برز من جرجان بالمضارب ليعسكر بظاهرها متوجها إلى الأمير أبي علي وفائق فاتفق تعرض أرضين في تلك الصحراء فتبادر الغلمان إليهما فصادوهما فتفاءل أنه يغلب العدوين
كما اصطاد الغلمان الأرنبين فقال
( أتاك بما تهوى وترضى المحرم ... وجاءك بالنصر العزيز يترجم )
( ولا غرو أن تلقى الذي تبتغي وما ... تحاول والأفلاك بالسعد تخدم )
( وبختك مرفوع وجدك مقبل ... وأمرك متبوع وقدرك معظم )
( ورأيك في قمع المناوين راية ... وهيبتك الشماء جيش عرمرم )
( وحسبك صيد الأرنبين مبشرا ... بصيدك أعداء على الغدر أقدموا ) - من الطويل -
وله فيه من مهرجانية على وزن المصراع الذي أنشده في المنام وذلك أنه رأى شخصا مثل بين يديه وقال له
( قد نلت ما لم تنله قبلك الأمم ... ) - من البسيط -
فقال
( البين خمر ولكن سكرها سقم ... والحب نعمى ولكن في غد نقم )
( إن المحبين أحرار وأنفسهم ... لمن يحبون في حكم الهوى خدم )
( يا أيها الظاعنون القلب عندكم ... إن لم يكن عندكم فالقلب عبدكم )
( لي بينكم قمر في ثغره برد ... في قده غصن في وجهه صنم )
( كأنما ابن شبيب سل في يده ... من مقلتيه حساما حده خذم )
( القائل القول لم تنطق به عرب ... والفاعل الفعل لم تفطن به العجم )
( على الكنوز أمين غير متهم ... وسيفه في رقاب الناس متهم )
( وقد غدا وهو شيخ الدولتين كما ... للحضرتين به عز ومنتظم )
( لذاك في النوم شخص الصدق قال له ... قد نلت ما لم تنله قبلك الأمم ) - من البسيط -
ومن أخرى في أبي العباس الضبي
( زمان جديد وعيد سعيد ... ووقت حميد فماذا تريد )
( وأحسن من ذاك وجه الرئيس ... وقد طلعت من سناه السعود )
( وكم حلة خطها قد غدت ... على برد آل يزيد تزيد ) - من المتقارب -
وكتب إليه الشيخ أبو سعد الإسماعيلي قصيدة منها
( سلام على شيخ المحامد والذي ... له الذروة العلياء والشرف العد )
( ومن صح منه وده ووفاؤه ... على حين لم يحمد لذي خلة عهد ) - من الطويل -
فأجابه بقصيدة منها
( أفخر وذخر أم خطاب له مجد ... أسحر أتى أم نظم من لا له ند )
( شممت من العنوان عند طلوعه ... روائح فضل دونها المسك والند )
( وساعة فكي الختم أبصرت جنة ... سقتها غوادي الفكر فهي لها خلد )
( فأشجارها علم وأغصانها تقى ... وأثمارها فهم وغدرانها رشد )
( تجشمها الشيخ الإمام الذي به ... ومنه وفيه يعرف الكرم العد )
( ومن بحلى أخلاقه تشرف العلى ... ويلمع في الدنيا بكنيته السعد ) - من الطويل -
ومنها
( وكيف يؤدي حق شعر شعاره العلاء ... وراويه ومنشده المجد )
( وبي حرفة مذ غبت عن حر وجهه ... حرارة نار العشق في جنبها برد )
وله إلى أبي العلاء السري بن الشيخ أبي سعد الإسماعيلي من قصيدة
( قرأت لمن له يصفو ودادي ... نظيما كالشباب المستعاد )
( سريا كاسم صاحبه ولكن ... به عاد الحنين إلى ازدياد )
( فكان اللفظ في معنى بديع ... ألذ لدي من نيل المراد ) - من الوافر -
وكتب إلى الشيخ الوزير أبي الحسين أحمد بن محمد السهيلي لما رزق أبو عبد الله ابنا في المحرم سنة اثنتين وأربعمائة
( عوائد صنع الله تكنفني تترى ... فتورثني ذكرا وتلزمني شكرا )
( فمنها نجيب جاء كالبدر طالعا ... سويا سنيا شد لي نوره أزرا )
( وما هو إلا خادم وابن خادم ... لسيدنا مد الإله له العمرا )
( فما رأيه في الاسم لا زال مسميا ... مواليه كي يقتنوا الفخر والذخرا ) - من الطويل -
فأجابه بهذه الأبيات
( سكنت إلى ما قلته أولا نثرا ... نعم وإلى ما صنعته آخرا شعرا )
( فهنأك الله النجيب فإنه ... من الله فضل يوجب الحمد والشكرا )
( وما جاء إلا أن يكون لصنوه ... ظهيرا فقوى الآن بينهما ظهرا )
( وأوثر أن يكنى بكنية جده ... أبي أحمد والإسم اختاره نصرا )
( ليحمد منه الله تقواه والهدى ... وينصره في علمه والنهى نصرا ) - من الطويل -
63 - أبو القاسم أحمد بن أبي ضرغام
أحد شعراء خوارزم المفلقين المذكورين وكان يهاجي أبا بكر الخوارزمي ويسابه في عنفوان شبابه فمن محاسنه قوله من قصيدة في الشبيبي
( ابن شبيب أبو حروب ... أخو ندى للحفاظ خل )
( ليث قتال وأي ليث ... بالسيف والرمح يستقل ) - من مخلع البسيط -
ومنها
( خذها عروسا أتتك بكرا ... لغيرك الدهر لا تحل )
( خذها وسق مهرها إليها ... إن لم يكن وابل فطل )
ومن أخرى
( يا ملكا آثر الصوابا ... فباكر اللهو والشرابا )
( لا يشرب الراح غير حر ... يرفع عن ماله الحسابا )
( طابت لك الراح فاشربنها ... صرفا فصرف الزمان طابا )
( ستبصر الأرض عن قريب ... تلبس من وشيها ثيابا )
( ما شئت من طائر تراه ... مغردا ما خلا الغراب )
( ولست ليلا ترى بعوضا ... ولا نهارا ترى ذبابا ) - من مخلع البسيط -
ومن أخرى أولها
( ديارك بيض من نثار الدراهم ... وبيضك حمر من نثار الجماجم ) - من الطويل
الباب الخامس
64 - في ذكر أبي الفضل الهمذاني وحاله ووصفه ومحاسن نثره ونظمه
هو أحمد بن الحسين بديع الزمان ومعجزة همذان ونادرة الفلك وبكر عطارد وفرد الدهر وغرة العصر ومن لم يلق نظيره في ذكاء القريحة وسرعة الخاطر وشرف الطبع وصفاء الذهن وقوة النفس ومن لم يدرك قرينه في ظرف النثر وملحه وغرر النظم ونكته ولم ير ولم يرو أن أحدا أبلغ مبلغه من لب الأدب وسره وجاء بمثل إعجازه وسحره فإنه كان صاحب عجائب وبدائع وغرائب فمنها أنه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي أكثر من خمسين بيتا فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها لا يخرم حرفا ولا يخل بمعنى وينظر في الأربعة والخمسة أوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يهذها عن ظهر قلبه هذا ويسردها سردا
وهذه حاله في الكتب الواردة عليه وغيرها
وكان يقترح عليه عمل قصيدة أو إنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة والجواب عنها فيها
وكان ربما يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخر سطر منه ثم هلم جرا إلى الأول ويخرجه كأحسن شيء وأملحه ويوشح القصيدة الفريدة من قوله بالرسالة الشريفة من إنشائه فيقرأ من النظم والنثر ويروي من النثر والنظم ويعطي القوافي الكثيرة فيصل بها الأبيات الرشيقة ويقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر فيرتجله في أسرع من الطرف على ريق لا يبلعه ونفس لا يقطعه
وكلامه كله عفو الساعة وفيض البديهة ومسارقة القلم ومسابقة اليد وجمرات الحدة وثمرات المدة ومجاراة الخاطر للناظر ومباراة الطبع للسمع وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيات العربية فيجمع فيها بين الإبداع والإسراع إلى عجائب كثيرة لا تحصى ولطائف يطول أن تستقصى
وكان مع هذا كله مقبول الصورة خفيف الروح حسن العشرة ناصع الظرف عظيم الخلق شيف النفس كريم العهد خالص الود حلو الصداقة مر العداوة
وفارق همذان سنة ثمانين وثلثمائة وهو مقتبل الشبيبة غض الحداثة وقد درس على أبي الحسين بن فارس وأخذ عنه جميع ما عنده واستنفد علمه واستنزف بحره وورد حضرة الصاحب أبي القاسم فتزود من ثمارها وحس آثارها ثم قدم جرجان وأقام بها مدة على مداخلة الإسماعيلية والتعيش في أكنافهم والاقتباس من أنوارهم واختص بأبي سعد محمد بن منصور أيده الله تعالى ونفقت بضائعه لديه وتوفر حظه من عادته المعروفة في إسداء المعروف والإفضال على الأفاضل ولما استقرت عزيمته على قصد نيسابور أعانه على حركته وأزاح علله في سفرته
فوافاها في سنة اثنين وثمانين وثلثمائة ونشر ما بزه وأظهر طرزه
وأملى أربعمائة مقامة نحلها أبا الفتح الإسكندري في الكدية وغيرها وضمنها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين من لفظ أنيق قريب المأخذ بعيد المرام وسجع رشق المطلع والمقطع كسجع الحمام وجد يروق فيملك القلوب وهزل يشوق فيسحر العقول ثم شجر بينه
وبين أبي بكر الخوارزمي ما كان سببا لهبوب ريح الهمذاني وعلو أمره وقرب نجحه وبعد صيته إذ لم يكن في الحسبان والحساب أن أحدا من الأدباء والكتاب والشعراء ينبري لمباراته ويجترئ على مجاراته فلما تصدى الهمذاني لمساجلته وتعرض للتحكك به وجرت بينهما مكاتبات ومباهاة ومناظرات ومناضلات وأفضى السنان إلى العنان وفرع النبع بالنبع وغلب هذا قوم وذاك آخرون وجرى من الترجيح بينهما ما يجري بين الخصمين المتحاكمين والقرنين المتصاولين طار ذكر الهمداني في الآفاق وارتفع مقداره عند الملوك والرؤساء وظهرت أمارة الإقبال على أموره وأدر له أخلاف الرزق وأركبه أكناف العز وأجاب الخوارزمي داعي ربه فخلا للهمذاني وتصرفت به أحوال جميلة
وأسفار كثيرة ولم يبق من بلاد خراسان وسجستان وغزنة بلدة إلا دخلها وجنى وجبى ثمرتها واستفاد خيرها وميرها ولا ملك ولا أمير ولا وزير ولا رئيس إلا استمطر منه بنوء وسرى معه في ضوء ففاز برغائب النعم وحصل على غرائب القسم
وألقى عصاة بهراة واتخذها دار قراره ومجمع أسبابه وما زال يرتاد للوصلة بيتا يجمع الأصل والفضل والطهارة والستر والقديم والحديث حتى وفق التوفيق كله وخار الله له في مصاهرة أبي علي الحسين بن محمد الخشنامي وهو الفاضل الكريم الأصيل الذي لا يزاد اختبارا إلا زيد اختيارا فانتظمت أحوال أبي الفضل بصهره وتعرفت القرة في عينه والقوة في ظهره واقتنى بمعونته ومشورته ضياعا فاخرة وأثر معيشة صالحة وثروة ظاهرة وعاش عيشة راضية وحين بلغ أشده وأربى على أربعين سنة ناداه الله فلباه وقدم على آخرته وفارق دنياه في سنة ثمان وتسعين وثلثمائة فقالمت عليه نوادب الأدب وانثلم حد القلم وفقدت عين الفضل قرتها وجبهة الدهر غرتها
وبكاه الأفاضل مع الفضائل ورثاه الأكارم مع المكارم على أنه ما مات من لم
يمت ذكره ولقد خلد من بقي على الأيام نظمه ونثره والله يتولاه بعفوه وغفرانه ويحييه بروحه وريحانه وأنا كاتب من ظرف ملحه ولفظ غرره ما هو غذاء القلب ونسيم العيش وقوت النفس ومادة الأنس
فصل من رقعة له إلى الخوارزمي
وهو أول ما كاتبه به
( أنا لقرب دار الأستاذ أطال الله بقاءه ... كما طرب النشوان مالت به الخمر )
( ومن الارتياح للقائه ... كما انتفض العصفور بلله القطر )
( ومن الامتزاج بولائه ... كما التقت الصهباء والبارد العذب )
( ومن الابتهاج بمزاره ... كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب )
ومن رقعة له إلى غيره
يعز علي أيد الله الشيخ أن ينوب في خدمته قلمي عن قدمي ويسعد برؤيته رسولي قبل وصولي ويرد مشرع الأنس به كتابي قبل ركابي ولكن ما الحيلة والعوائق جمة
( وعلي أن أسعى وليس ... علي إدراك النجاح ) - من مجزوء الكامل -
وقد حضرت داره وقبلت جداره
وما بي حب للحيطان ولكن شغف بالقطان ولا عشق للجدران ولكن شوق إلى السكان
ومن أخرى لا أزال لسود الانتقاد وحسن الاعتقاد أبسط يمين العجل وأمسح جبين الخجل ولضعف الحاسة في الفراسة أحسب الورم شحما والسراب شرابا حتى إذا تجشمت موارده لأشرب بارده لم أجده شيئا
فصل حضرته التي هي كعبة المحتاج لا كعبة الحجاج ومشعر الكرم لا مشعر الحرم ومنى الضيف لا منى الخيف وقبلة الصلات لا قبلة الصلاة
فصل ورد للخوارزمي يتقلب فيه عن جنب الحر ويتقلى على جمر الضجر ويتأوه من خمار الخجل ويتعثر في أذيال الكلل ويذكر أن الخاصة قد علمت الفلج لأينا كان فقلت است الباين أعلم والخوارزمي أعرف والأخبار المتظاهرة أعدل
والآثار الظاهرة أصدق
وحلبة السباق أحكم وما مضى بيننا أشهد والعود إن نشط أحمد
ومتى استزاد زدنا وإن عادت العقرب عدنا
وله عندي إذا شاء كل ما ساء وناء ولن يعدم إذا زاد نقدا يطير فراخه ونقفا يصم صماخه وما كنت أظنه يرتقي بنفسه إلى طلب مساماتي بعد ما سقيته نقيع الحنظل وأطعمته الخرء بالخردل
فإن كان الشقاء قد استغواه والحين قد استعواه فالنفس منتظرة والعني ناظرة والنعل حاضرة وهو مني على ميعاد وأنا له بمرصاد
فصل منه قد شملتني على رغمه أطراف النعم ومطرتني سحائب المنن وللراغم التراب وللحاسد الحائط والباب وللكاره اليد والناب
فصل من كتاب إلى أبيه
للشيخ لذة في العتب والسب وطبيعة في العنف والعسف فإذا أعوزه من
يغضب عليه
فأنا بين يديه وإذا لم يجد من يصونه فأنا زبونه والولد عبد ليست له قيمة والظفر به هزيمة والوالد مولى أحسن أم أساء فليفعل ما شاء
فصل من كتاب تعزية إلى أبي عامر عدنان بن عامر بن محمد الضبي
الموت خطب قد عظم حتى هان وأمر قد خشن حتى لان والدنيا قد تنكرت حتى صار الموت أخف خطوبها وجنت حتى صار الحمام أصغر ذنوبها فلتنظر يمنة هل ترى إلا محنة ثم لتعطف يسرة هل ترى إلا حسرة
ومن كتاب له إليه أيضا
وإن يشأ الله يفض بنا الأمر إلى حال تسعه مولى
وتسعني عبدا
وشد ما بخلت بهذه الكلمة ونفرت عن هذه السمة هذا الشيخ الشهيد أبو نصر رحمه الله مد لها اللحظ فلم يحظ وهذا ابن عباد شد لها الرحل فلم يحل
ومن رقعة
مثلك في السفارة الفأرة طفقت تقرض الحديد فقيل لها ويحك ما تصنعين الناب ودقة رأسه والحديد وشدة بأسه فقالت أشهد ولكني أجهد وإن تنج من تلك الأسباب فهي الذباب مقاديرك لا معاذيرك
فصل من رقعة إلى خلف
سمعت منشدا ينشد
( لحى الله صعلوكا مناه وهمه ... من العيش أن يلقى لبوسا ومطعما ) - من الطويل
فقلت أنا معنى هذا البيت لأني قاعد في البيت آكل طيب الطعام وألبس لين الثياب ويفاض علي بذل ولا يفوض إلي شغل
ويملأ لي وطب ولا يدفع بي خطب هذا والله عيش العجائز والزمن العاجز
ومنها الرأس أيد الله الأمير كثير الخبوط
والضيف كثير التخليط وصب هذا الماء خير من شربه
وبعد هذا الضيف أولى من قربه وكأني بالأمير يقول إذا قرئت عليه هذه الفصول الهمذاني رأى بهذه الحضرة من الإنعام ما لم يره في المنام فكيف من الأنام ولعله أنشأ هذا الكتاب سكران فعدل به عادل السكر عن طريق الشكر وكأنه نسي مورده الذي أشبه مولده وإنما رفع لحنه حين أشبع بطنه واللئيم إذا جاع ابتغى
وإذا شبع طغى والهمذاني لو ترك بجلدته يرقص تحت رعدته
ما ارتقى في قعدته
ولا تجشأ من معدته
ولكنه حين لبس الحلة
وركب البغلة
وملك الخيل والخول تمنى الدول ورأس اليتيم يحتمل الوهن ولا يحتمل الدهن وظهر الشقي يحتمل عدلين من الفحم ولا يحمل رطلين من الشحم ولولا الشعير ما نهقت الحمير ولو لم يتسع حاله لم يتسع مجاله
وكذا الكلب يزمن حين يسمن ولا يتبع حين يشبع
وعند الجوع يهم بالرجوع
فصل من كتاب إلى أبي نصر بن أبي زيد
كتابي أطال الله بقاء الشيخ وفرحي في كريم يحضر ذلك الجناب فيحسن المناب
ولا أعدم إن شاء الله بتلك الساحة الكريمة من يتحلى بهذه الشيمة على أن الطباع إلى الذم أميل والعقرب إلى الشر أقرب واللسان بالقدح أجرى
منه بالمدح والحاسد يعمى عن محاسن الصبح بعين تدرك دقائق القبح والهروى جسد كله حسد وعقد كله حقد
فلا يجذب التخلق بضبعه عن طبعه ولا يأخذ التكلف بخلقه عن طرقه
رقعة له إلى مستميح عاوده مرارا
وقال له لم لا تديم الجود بالذهب كما تديمه بالأدب
عافاك الله مثل الإنسان في الإحسان كمثل الأشجار في الثمار سبيله إذا أتى بالحسنة أن يرفه إلى السنة وأنا كما ذكرت لا أملك عضوين من جسدي وهما فؤادي ويدي أما الفؤاد فيعلق بالوفود وأما اليد فتولع بالجود لكن هذا الخلق النفيس ليس يساعده الكيس وهذا الطبع الكريم ليس يحتمله الغريم ولا قرابة بين الذهب والأدب فلم جمعت بينهما والأدب لا يمكن ثرده في قصعة ولا صرفه في ثمن سلعة ولي من الأدب نادرة جهدت في هذه الأيام بالطباخ أن يطبخ لي من جيمية الشماخ لونا فلم يفعل وبالقصاب أن يسمع أدب الكتاب فلم يقبل وأنشدت في الحمام ديوان أبي تمام فلم ينفذ ودفعت إلى الحجام مقطعات اللجام فلم يأخذ واحتيج في البيت إلى شيء من الزيت فأنشدت من شعر الكميت ألفا ومائتي بيت فلم تغن ولو وقعت أرجوزة العجاج في توابل السكباج ما عدمتها عندي ولكن ليست تقع فما أصنع فإن كنت تحسب اختلافك إلي إفضالا علي فراحتي في أن لا تطرق ساحتي وفرجي في أن لا تجي والسلام
وكتب إلى صديق له رقعة نسختها
قد طبخت لسيدي حاجة إن قضاها وبلغ رضاها ذاق حرارة الإعطاء وإن أباها وفل شباها لقي مرارة الاستبطاء فأي الجودين أخف عليه جودة بالعلق النفيس أم جودة بالعرض الخسيس
ونزوله عن الطريف أم عن الخلق الشريف
فأجابه عنها بهذه الرقعة
جعلت فاك هذا طبيخ كله توبيخ وثريد كله وعيد ولقم إلا أنها نقم
ولم أر قدرا أكثر منها عظما ولا آكلا أكثر مني كظما ما هذه الحاجة ولتكن حاجاتك من بعد ألين جوانب وألطف مطالب
فصل من كتاب إلى الأمير أبي نصر الميكالي
كتابي أطال الله بقاء الأمير وبودي أن أكونه فاسعد به دونه ولكن الحريص محروم لو بلغ الرزق فاه لولاه قفاه وبعد فإني في مفاتحته بين ثقة تعد ويد ترتعد ولم لا يكون ذلك والبحر وإن لم أره
فقد سمعت خبره ومن رأى من السيف أثره فقد رأى أكثره وإذ لم ألقه فلم أجهل إلا خلقه وما وراء ذلك من تالد أصل ونشب وطارف فضل وأدب فمعلوم تشيد به الدفاتر والخبر المتواتر وتنطق به الأشعار كما تختلف عليه الآثار والعين أقل الحواس إدراكا والآذان أكثرها استمساكا
فصل من رقعة إلى الشيخ الإمام أبي الطيب سهل بن محمد
أنا أخاطب الشيخ الإمام والكلام مجون والحديث شجون وقد يوحش اللفظ وكله ود ويكره الشيء وليس من فعله بد هذه العرب تقول لا أبالك في الأمر إذا هم وقاتله الله ولا يريدون الذم وويل أمه للمرء إذا أهم ولأولي الألباب في هذا الباب أن ينظروا من القول إلى قائله فإن كان وليا فهو الولاء وإن خشن وإن كان عدوا فهو البلاء وإن حسن
وله إليه رقعة
يا لعباد الله القرض ولا هذا الرحض والزاد ولا هذا الكساد أمرض ولا أعاد إذا شبع الزنجي بال على التمر وهذا بول على الجمر ويوشك أن يكون له دخان
فصل مثله كمن صام حولا ثم لما أنظر شرب بولا
ومن أخرى
الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه كذلك الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه ويثقل ظله إذا انتهى محله
فصل من كتاب
نهت الحكماء عن صحبة الملوك وقالوا إن الملوك إذا خدمتهم ملوك وإن لم تخدمهم أذلوك وإنهم يستعظمون في الثواب رد الجواب ويستقلون في العقاب ضرب الرقاب وإنهم ليعثرون على العثرة من خدمهم فيبنون لها منارا ثم يوقدونها نارا
ويعتقدونها ثأرا وقالوا كن من الملوك مكانك من
الشمس إنها لتؤذيك والسماء لها مدار والأرض لك دار فكيف لو أسفت قليلا وتدانت يسيرا وإن العاقل ليطلب منها مزيد بعد فيتخذ سرباء لواذا منها وهربا ويبتغي في الأرض نفقا فرارا منها وفرقا
رقعة في التماس الحطب
كم لله من حبر إذا جاع حبر الأسجاع وإذا اشتهى الفقاع كتب الرقاع هذا تسبيب بعدة تشبيب قد عرف الشيخ برد هذا البرد وخروجه في سوء العشرة عن الحد فإن رأى أن يلبسني من الحطب اليابس فروة ويكفيني من أمر الوقود شتوة فعل إن شاء الله تعالى
فصل ورد كتاب يضرط الأتن ويعرق الآباط كالقنفذ من أي النواحي أتيته وكالحسك على أي جنب طرحته ورحم الله فلانا قلت له يوما إنك كثير الرغبة سريع الملالة فقال عافاك الله هذه غيبة وفي الوجوه غريبة وإنما يغتاب المرء من وراء ظهره لا في سواء وجهه
فصل أما الكتاب فلفظه فسيح ومعناه فصيح وأوله بآخره رهين وآخره لأوله قرين وبينهما ماء معين وحور عين
فصل أنا على بينة من أمري وبصيرة في ديني ولا أقول بعلوم أصحاب النجوم وكما أعلم أن أكثرها زق وريح أرى أن بعضها حق صحيح وكان لنا صديق لا يؤمن بالصبح إيمانه بالنجوم قرئ عليه إن الله يأمر بالعدل
والإحسان فقال إن رضي النحسان
فصل والله لولا يد تحت الحجر وكبد تحت الخنجر وطفل كفرخ يومين قد حبب إلى العيش وسلب من رأسي الطيش لشمخت بأنفي عن هذا المقام ولكن صبرا جميلا والله المستعان
فصل إنما يحبس البازي ولو ترك القطا لطار كل مطار
فصل لم أر مثلي علق مضنة يرمي به من حالق ولكن رب حسناء طالق
فصل من رسالة في ذم السذق إلى الرئيس أبي عامر
هذا هو العيد وذلك هو الضلال البعيد إنهم يشبون نارا هي موعدهم والنار في الدنيا عيدهم والله إلى النار يعيدهم ومن لم يلبس مع اليهود غيارهم لم يعقد مع النصارى زنارهم ولم يشب مع المجوس نارهم إن عيد الوقود لعيد إفك وإن شعار النار لشعار شرك وما أنزل الله بالسذق سلطانا ولا شرف نيروزا ولا مهرجانا وإنما صب الله سيوف العرب على رءوس العجم لما كره من أديانها وسخط من نيرانها وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم حين مقت أفعالهم
فصل منه إنه هذا الدين لذو تبعات الصوم والفطام شديد
والحج والمرام بعيد
والصلاة والمنام لذيذ والزكاة والمال عزيز وصدق الجهاد والرأس لا ينبت بعد الحصاد والصبر الحامض والعفاف اليابس والحد
الخشن والصدق المر والحق الثقيل والكظم وفي اللقمة العظم
فصل الوحشة تقتدح في الصدر اقتداح النار في الزند فإن أطفئت بارت وتلاشت وإن عاشت طارت وطاشت والقطر إذا تدارك على الإناء امتلأ وفاض والعتب إذا ترك فرخ وباض
فصل من لقينا بأنف طويل لقيناه بخرطوم فيل ومن لحظنا بنظر شزر بعناه بثمن نزر
رقعة إلى خطيب
المجالس أيد الله الخطيب لا تطيب إلا بالمسامرة والخطيب فضيحة الدنيا ونكال الآخرة وقد حضر الخطيب كان فليحضر الخطيب الآن تصديقا لقول الله تعالى ( ومن البقر اثنين )
أخرى سلمت على فلان فرد جوابا يرد على الوكلاء بشرط الإيماء واقتصر من البشاشة على تحريك الشاشة ومن الاستقبال على تحريك السبال
فصل جارنا رجل يصحب السرير ويسحب الحرير ويفترش الحبير ويخوض العبير يحلف رجلا يزعمه كان يقتات الشعير ويعروري البعير ويركب الحمير ويظلم الصغير ويجالس الفقير ويواكل الأجير بعيد بون بينهما بعيد
فصل لو كان حماري لنفشت عليه التبن
ونقلت على ظهره اللبن أفأؤدي عنه الغرامة لا ولا كرامة من ذاك الثور حتى يحتمل عنه الجور
الموت والله ولا هذا الصوت والمنية ولا هذه الأمنية الدنية
فصل أما الآن والحال من الضيف يحتال والأيام كأنها ليال توالفت والوجه بال والكيس والرأس خال واللحم في السوق غال والقدر حليف خيال
فصل له من رقعة
يا شبر ما هذا الكبر
ويا فتر ما هذا الستر
ويا قرد ما هذا البرد
ويا يأجوج متى الخروج
ويا فقاع بكم تباع
ويا فراني متى تراني
ويا لقمة الخجل نحن ببابك ويا بيضة النغيلة من أتى بك
ويا دبة ويا حبة ويا من فوق المكبة وما من قربه المذبة
ويا من خلقه المسبة
ويا دمل ما أوجعك ويا قمل لنا حديث معك
فإن رأيت آذنت والسلام
فصل أعجوبة لكنها محجوبة حتى تصلي على النبي بنشاط وتنزل عن قيراط ما هي رحمك الله صبرا يا خبيث إليك يساق الحديث
إن عشنا وعشت رأيت الأتان تركب الطحان روح ولا جسد وصوت ولا أحد والعود أحمق
ومتى فرزنت يا بيدق
ويا أسخف من ناقد على راقد
وشر دهرك آخره ويا عجبا أيلد الأغر البهيم وولد آزر إبراهيم
( يا أيها العام الذي قد رابني ... أنت الفداء لذكر عام أولا ) - من الكامل -
وما أفدى العام لكن الأنعام
ولا أشكو الأنام
لكن اللئام
عام أول
عدنان والعام هذا القرنان
لنا في كل أوان أمير يملأ بطنه والجار جائع ويحفظ ماله والعرض ضائع
( تبدلت الأشياء حتى لخلتها ... ستبدي غروب الشمس من حيث تطلع ) - من الطويل -
كانت السيادة في المطابخ فصارت في المباطخ أشهد لئن كثرت مزارعكم لقد قلت مشارعكم
ولئن سمنت أقفيتكم لقد أمحلت أفنيتكم
( رأيتكم لا يصون العرض جاركم ... ولا يدر على مرعاكم اللبن ) - من البسيط -
فصل من رقعة إلى من استماحه شرابا في يوم مطير
عافاك الله العاقل إن وافى أبوه على جمل البريد من المضرب البعيد في الخطب الشديد
يومنا هذا لم يستقبل حمارته
وإن مات لم يشيع جنازته وحل إلى الركب ومطر كأفواه القرب
ورجل ظاهر النفاق يلتمس الشراب ممن لا يرى قربه فكيف شربه على أنك إلى الشرب أحوج منك إلى السكر ألا ترى كيف من الله على البيوت بالثبوت وعلى السقوف بالوقوف ألا تنظر إلى هذا المطر أمطر عمارة هو أم مطر خراب وسقيا رحمة هو أم سقيا عذاب
فصل كتابي والتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا طالق ثلاثا مردودة على أهلها من ورائها البعرة وفي قفائها النعرة لا ترجع لخرقاء أو ترجع العنقاء وتالله ما نقض الغزل بعد قوة أسخف من نقض عهد وأخوة ليس أرش الغزل إذا نقض
أرش الفضل إذا رفض
ولم يجعل الله إضاعة الصوف
كإضاعة المعروف والحق ثقيل وهو خير ما قيل
فصل حديث الكتاب ما حديث الكتاب وصل جحيم هائل ليس وراءه طائل وخط مجون لا يدري ألف أم نون
وسطور فيها سطور كدبيب السرطان على الحيطان وألفاظ أخلاط لا يدركها استنباط ولا يفهمها بقراط هذيان المحموم ودواء المهموم
فصل ومثلك من ذب عمن أحب ولكن للذب أبوابا ولكل امرئ جوابا تعلم أنه ليس في أبواب الذب أضعف من باب السب وإذا تلوت قول الله عز و جل ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا ) علمت أن سلاح خصمك أقوى والناس رجلان كريم ولئيم وكل بأن لا يسب خليق إن الكريم لا ينكر الفضل وإن النذل لا يألم العذل
( يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون ) - من الوافر -
وهلم أفرض لك مسألة الذب في الذباب لتعلم أن اتقاءه بالمكبة خير من اتقائه بالمذبة وأن ذبه بالمظلة أبلغ من ذبه بالمذلة فإن كان لا بد من انتقام واستيفاء فأعيذك بالله أن تجهل أن آذان الأنذال في القذال وهي آذان لا تسمع إلا من ألسنة نعال الأدم وترجمة أكف الخدم وعلامة فهمها جحوظ العينين وخدر اليدين
فصل وجدتك تعجب أن يجحد لئيم فضل صنيعك فخفض عليك يرحمك الله إن الذي تعجب منه يسير في جنب ما يجحده من الناس كثير
إن الله تعالى خلق أقواما وشق لهم أبصارا وآتاهم بصائر فغاصوا بها على عرق الذهب ففصدوه ولم يزالوا بالنجم حتى رصدوه واحتالوا للطائر فأنزلوه من جو السماء وللحوت فأخرجوه من الماء ثم جحدوا مع هذه الأفكار الغائصة
والأذهان النافذة صانعهم فقالوا أين وكيف حتى رأوا السيف فلم تعجب أن جحدوا فضلا ليست الأرض بساطه ولا الجبال سماطه ولا السماء فسطاطه ولا الليل رباطه ولا النهار صراطه ولا النجوم أشراطه ولا النار سياطه
فصل ما أشبه وعد الشيخ في الخلاف إلا بشجر الخلاف
خضرة في العين ولا ثمر في البين
فما ينفع الوعد ولا إنجاز من بعد ومثل الوعد مثل الرعد ليس له خطر إن لم يتله مطر
فصل كان عندنا رجل فاره الأفراس فاخر اللباس لا يعد من الناس ولا تظنن أن الإنسانية بساط قوني ولا ثوب سقلاطوني ولا تقدر أن المكارم ثوبان من عدن أو قعبان من لبن
فصل لك يا سيدي خلال خير
وخلال فضل لا يدفعك عنهما أحد ولك في المكارم لسان ويد لا تخلوا معهما من تورية سوطية ورجل طاووسية ولو عريت منها كنت الإمام الذي تدعيه الشيعة وتنكره الشريعة
فصل معاذ الله لا أشفع لضارب القلب ولا أرضى له غير الصلب وأعتقد في دار الضرب أنها دار الحرب ولكن ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )
فصل لم يكن في عهد رسول الله للمهاجرين ما في وقتنا للمواجرين وما جاز لعلية الأصحاب ما يجوز لأزواج القحاب
فصل كثر ترداد أصحابي إلى فلان فما يعيرهم إلا أذنا صماء وبابا أصم وكان فيما بلغني يأذن في باب الخاصة للعامة
فصار يأذن في باب العامة للخاصة
وإنما تولى جارها من تولى فارها ومن لم يول منافعها لم يول مضارها
فصل من كتاب
إلى ابن فارسنعم أيد الله الشيخ إنه الحأ المسنون وإن ظنت الظنون والناس لآدم وإن كان العهد قد تقادم وارتكبت الأضداد واختلط الميلاد والشيخ يقول قد فسد الزمان أفلا يقول متى كان صالحا أفي الدولة العباسية فقد رأينا آخرها وسمعنا بأولها أم المدة المروانية وفي أخبارها
( لا تكسع الشول بأغبارها ... ) - من السريع -
أم السنين الحربية
( والرمح يركز في الكلى ... والسيف يغمد في الطلى )
( ومبيت حجر في الفلا ... والحرتان وكربلا ) - من مجزوء الكامل -
أم البيعة الهاشمية وعلي يقول ليت العشرة منكم براس من بني فراس أم الأيام الأموية والنفير إلى الحجاز والعيون إلى الأعجاز أم الأمارة العدوية وصاحبها يقول وهل بعد البزول إلا النزول أم الخلافة التيمية وصاحبها يقول طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل اسكني يا فلانة فقد ذهبت الأمانة
أم في الجاهلية ولبيد يقول
( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب ) - من الكامل
أم قبل ذلك وأخو عاد يقول
( بلاد بها كنا وكنا نحبها ... إذ الناس ناس والزمان زمان ) - من الطويل -
أم قبل ذلك وروى عن آدم عليه السلام
( تغيرت البلاد ومن عليها ... ووجه الأرض مغبر قبيح ) - من الوافر -
أم قبل ذلك وقد قالت الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها )
وما فسد الناس وإنما اطرد القياس ولا أظلمت الأيام وإنما امتد الظلام وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح ويمسي المرء إلى عن صباح
فصل منه وإني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه شفيق على بقائه
منتسب إلى ولائه شاكر لآلائه وإن له على كل نعمة خولنيها الله نارا وعلى كل كلمة علمنيها منارا
ولو عرفت لكتابي موقعا من قلبه لاغتنمت خدمته به ولرددت إليه سؤر كاسه وفضل أنفاسه
ولكني خشيت أن يقول ( هذه بضاعتنا ردت إلينا ) وله أيده الله العتبى والمودة في القربى والمرباع وما ضمه الجلد وناله الباع وما ضمنه المشط
( ووالله ما هي عندي رضى ... ولكنها جل ما أملك ) - من المتقارب -
واثنان قلما يجتمعان الخراسانية والإنسانية وأنا وإن لم أكن خراساني الطينة فإني خراساني المدينة والمرء من حيث يوجد لا من حيث يولد والإنسان من حيث يثبت لا من حيث ينبت فإن انضاف إلى خراسان ولادة همذان ارتفع القلم وسقط التكليف فالجرح جبار والجاني حمار ولا جنة ولا نار فليحتملني الشيخ على هناتي أليس صاحبنا يقول
( لا تلمني على ركاكة عقلي ... إن تيقنت أنني همذاني ) - من الخفيف -
فصل بعض الظن إثم ولكن بعض الإثم حزم وبلغني أن القاضي يريد أن يسجل فأريد أن لا يعجل حتى أحضر فينظر فيم الخصومة وأنظر كيف الحكومة
فصل أنت أيدك الله إذا قلدت البريد وبردت هذا التبريد تؤذن أنك لو وليت الديوان لحجبت الدبران ولو قلدت الوزارة ما كنت تصنع أكنت أول من تصفح وإن هان على سبال الطبائع وهو الخليفة فمن الجيفة يا شيخ حشمة في الرأس وعرة بين الناس وإذا ارتفعت فآلاتها نميمة وليس للناس قيمة ولو نسجت الدر في الذهب ما كنت إلا حائك وإلا من جملة أولئك
فصل شراب من ذاقه أخخ وصوت من يسمعه بخبخ وشرف من ناله أرخ
فصل ألا وإن في صدري لغصة وإن في رأسي لقصة وإن لكل مسلم فيها لحصة وإن هذا المقام فيها لفرصة
فصل من كتاب إلى عدنان
أشهد لو خير الرئيس ما اختار فوق ما اختير له وما في الغيب أكثر مما في الجيب وما بقي أحسن من الذي لقي
( هنيئا وزاد الله ضبة سؤددا ... وذلك مجد يملأ العين واليدا )
( لك اليوم أسباب السموات مظهرا ... وما اليوم مما سوف تبلغه غدا ) - من الطويل
فصل أنا وأنا غرس الشيخ ألف العمامة على فضول لا تقلها جبال تهامة ثم أسبح في الماء الغزير واعتضد بالأمير والوزير ثم أستظهر بسجل القاضي ثم الشيخ هو المتغاضي ولا حيلة مع ابن جميلة العار والله والنار والقتل والدمار والعسلى والزنار والشباب والتراب المثار
فصل واحربا أتريد جهنم حطبا واعجبا أتريد أسوأ منها منقلبا
فصل أبق أطال الله بقاء الشيخ الرئيس عبدان أحدهما الذي أنبت عليه شجرة من يقطين والآخر الذي قال ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) وأنجى هذا من الظلمات ومد لذلك في الحياة فعرف لكل على مقدار حرمته حق خدمته
فصل مضى العيد فلا صدقات الفطر ولا صدقات العطر ولا فضلات القدر ولا لفظات الذكر وأسمع الناس يقولون إن الشيخ مستبرد لي مستوحش مني وأنا سليم نواحي القول والفعل والنية وأنا كالحية أضمن أن لا ألسع ولا أضمن أن لا يفزع
فصل وصلت رقعة الشيخ فسفرت شوهاء ونطقت ورهاء
تعثر في أذيالها تقول خذوني والطاعون المذنب سكران يتغافل
فصل يعجبني أن يكون الشيخ عريض اللسان طويله حسن البيان جميله ولا يعجبني أن يطول لسانه حتى يمس به جبينه ويضرب به صدره ويحك به قفاه فخير الأمور أوساطها وأمام الساعة أشراطها
والغاية سوم
والاستقضاء فرقة
فصل لولا شفقتك من القلب لربطتك مع الكلب ولكن لا حيلة لإحصارك وكلي أنصارك
فصل مغرز إبرة
وألفا عبرة رعاة رعاع ورعايا شجاع أمير ولكنه في الحمير ووزير ولكنه خنزير
وما شئت من البرود الاتحمية ولا شيء من الحمية
فصل أراني أذكر الشيخ كلما طلعت الشمس أو هبت الريح أو نجم النجم أو لمع البرق أو عرض الغيث أو ذكر الليث أو ضحك الروض إن للشمس محياه وللريح رياه وللنجم حلاه وعلاه وللبرق سناؤه وسناه وللغيث يداه ونداه ولليث حماه وللروض سجاياه ففي كل صالحة ذكراه وفي كل حادثة أراه فمتى أنساه واشدة شوقاه عسى الله أن يجمعني وإياه
فصل سألني العم عن حالي بهذه البلاد
وإنني في بلاد وإن لم يكن لأهلها تمييز فأنا بينهم عزيز
يطعمونني تقليدا ويردونني فريدا والمال يجتني فيضا لكن لا أبلعه ريقا ولا أكره آلوه تفريقا فهو يأتي مدا ويذهب جزرا
فصل خلق ابن آدم خلقة الفراش مماته في المعاش ومساره طي المضار وإلا بين لمثلي إذا خرج من بلدة أن تنبذ خلفه الحصاة وتكنس بعده العرصات وتوقد في أثره النار ويثار في قفاه الغبار ويستنبح لفراقه الكلب ويسد لأوبته الأذنان وتغمض عن رجعته العيان ويقول كم سنة تعد ورب سلم لا يرد وما قدرت أن الشيخ بعد ما كفاه الله شر مقامي وأصحت سماؤه من أشغالي وصفا جوه من لقائي يشتاق طلعتي شوقا ببعثه على عتابي ويهزه
لاستعطافي ولا شك في أنه اشتهاني كما يشتهي الجرب الحك وله العتبى فستأتيه كتبي تباعا ورسلي ولاء وحاجاتي قطارا
فصل إلى الأستاذ أبي بكر بن إسحاق
الأستاذ الأهد يأمر غاشية مجلسه أن يفتشوا أعطاف المقبرة وزواياها فإن وجدوا قلبا قريحا يحمل ودا صحيحا وكبدا دامية تقل محبة نامية فأنا ضيعتهما بالأمس على ذلك الرمس رضي الله تعالى عن وديعته وعنا معشر شيعته فليأمر بردهما إلي فلا خير في الأجساد خالية من الفؤاد وعاطلة عن الأكباد
فصل إلى ابن أخته
أنت ولدي ما دمت والعلم شانك والمدرسة مكانك والدفتر أليفك وحليفك فإن قصرت ولا إخالك فغيري خالك
فصل من كتاب إلى ابن فريغون
كتابي والبحر وإن لم أره فقد سمعت خبره والليث وإن لم ألقه فقد تصورت خلقه والملك العادل إن لم أكن لقيته فقد بلغني صيته
فصل إن لي في القناعة وقتا وفي الصناعة بختا لا يبعد عن منال المال بل يحبيني فيضا ويتطفل علي أيضا وهذه الحضرة وإن احتاج إليها المأمون ولم يستغن عنها قارون فإن الأحب إلي أن أقصدها قصد موال لا قصد سؤال
والرجوع عنها بحال أحب إلي من الرجوع بمال قدمت التعريف وأنتظر الجواب الشريف
فصل إن أيامي منذ لم أره ليال وإني من حبسي لفي طلل بال
وإن العيش لا يلتئم إلا بعزه والعافية لا تطيب إلا في ظله
فصل إن الجميل عندهم من وراء جدار والقبيح نار على منار فإذا مدحوا سيرة رجل فقد حمدوا عثرته ولم يبق فيه طمع للسبك ولا موضع للشك
فصل ليست التجربة خمسة أجربة إنما هي دفعة والتقدمة لفظة ثم إن العاقل بفطنته يكيس فيقيس والجاهل بغفلته يخس ويخيس يا أبا الفضل ليس هذا بزمانك وليست هذه الدار بدارك ولا السوق سوق متاعك ناسب الكتابة وما وسقت والقلام وما نسقت والمحابر وما بسقت والأسجاع إذا اتسقت واللوم ولا هذه العلوم
فصل إني والله لأرحم عقل طرفة إذ قال
( وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثا حول قبتنا تخور ) - من الوافر -
كيف ضرب المثل في الشر وقلة الخير بما هو خير كله
وإن الرغوث لتعذره برسلها وتحبوه بنسلها وتكسوه بصوفها وتنفعه ببعرها وتغيظ عدوه بسراحها وتقر عينه برواحها
( وتملأ بيته أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وري ) - من الوافر -
ثم أرجع إلى حديثك تمنى مكانه رغوثا وأتمنى مكانك برغوثا إن
البرغوث أجدر منك أن يغوث اعلم أنك غرسي والغرس تيس وحشي وما حسبتني أفقد منك منافع التيس ولكن ما أصنع والعقل ليس
فصل ما أعرف لعمار مثلا إلا الغراب الأبقع مذموما على أي جنب وقع إن طار فيقسم الضمير وإن وقع فروعه النذير وإن حجل فمشية الأسير وإن شحج فصوت الحمير وإن أكل فدبر البعير وإن سرق فبلغة الفقير كذلك ابن عمار إن حذفت عينه فالحين
وإن حذفت ميمه فالشين
وإن حذفت راؤه فالرين وإن صحف خطه فالمين
وإن زرته فالحجاب الثقيل وإن لم تزره فالعتاب الطويل
فصل بلغني أن الشيخ دائم العبث بلحمي والنقل بشتمي وأنه حسن البصيرة في نقضي كثير التناول من عرضي ولحم الوديد لا يصلح للقديد ودم الصديق لا يشرب على الريق والولي لا يقلي ولا يتخذ نقلا وحسب الغريم أن لا يوفى ومن منع الصدقة فليقل قولا معروفا
فصل لولا ود الفقيه وأنا أستبقيه لشتمت العام والخاص وذكرت العاض والماص ولتجاوزت دار الرجال إلى حجرة العيال ما هذه الأسجاع التي كتبها والفصاحة التي عرفها بكر وتألم الطلق أعلى رأسي يتعلم الحلق
فصل واحرباه وإليك شكوى الحرب وأظن أجلي قد اقترب ( رب توفني مسلما وألحقني بالصالحين )
فصل حرس الله هذه الدنانير ورزقنا منها الكثير إنها لتفعل ما لا تفعل التوراة والإنجيل وتغني ما لا يغني التنزيل والتأويل وتصلح ما لا يصلح جبريل وميكائيل
فصل في تعزية بحرمة
على أن النساء كالصدف إذا انتزعت منه درة الشرف
لم يصلح إلا للتلف والسعيد من حمل من دار الأمير نعشه واسعد منه من جدد فرشه ولا خلة بالرجل أليق من الصبر ولا حصن للنساء أمنع من القبر أسأل الله الذي سلبه الكرمة أن يمتعه بعنبها ولا خير في النخلة وراء رطبها
فصل قد توسطت الشباب وتطرقت المشيب وقبضت من أثر الزمان
ونظرت في أعقاب الأمور وطرت مع الملوك ووقعت مع الخطوب والحي يأمر وينهى وفارقتها والموت حزنان ينظر
فصل لو رآني مولاي وأنا في قميص بأذنين وقباء ضيق الردنين وعمامة كالقبة وخف تركي أعلاه جراب وأسفله غراب على برذون مضطرب التقطيع يرقصني كالرضيع لعلم كيف تجري الفرسان وكيف تمسح الأذنان
فصل من كتاب إلى أبيه
ولسيدنا أسوة بيعقوب في ولده إذ ظعن إليه من بلده
وليس العائق سور الأعراف ولا رمل الأحقاف ولا جبل قاف أخاف والله أن أموت وفي النفس مني حاجة لم أقضها أو منية لم أحظ ببعضها
فصل مثل الشيخ في التماس الخل مثل المكدي في التماس الخل تقدم إلى الخلال فقال يا منكوح العيال صب قليلا من الخل في هذا الإناء الجل فقال الخلال قبح الله الكسل هلا التمست بهذا اللفظ العسل
فصل يا هؤلاء تكابروا الله في بلاده ولا ترادوه في مراده إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده
وما أرى آل فلان إلا مقدرين أنهم لم يأخذوا خراسان
قهرا إنما كانت لأمهم مهرا
فلهم حولها تخبيط والله من ورائهم محيط
فصل إني لأعجب من رأس يودع تلك الفضول فلا ينشق ومن عنق يقل ذلك الرأس فلا يندق
فصل كتابي كتاب من نسي الأيام وتذكره ويطوي العالم وينشره ثم ينبذ أبناء دهره وراء ظهره
فصل أنا على قرب العهد بالمهد قطعت عرض الأرض وعاشرت أجناس الناس فما أحد إلا بالجهل تبعته وبالخسران بعته وبالظن أخذته وباليقين نبذته وما مدح وضعته في أحد إلا أضعته ولا حمد صرفته في أحد إلا عرفته ومن احتاج إلى الناس وزنهم بالقسطاس
ومن طاف نصف الشرق لقي ربع الخلق
فصل في مدح الأمير خلف
جزى الله هذا الملك أفضل ما جزى مخدوما عن خدمه ومنعما على نعمه وأعانه على هممه
فلو أن البحار عدده والسحاب يده
والجبال ذهبه لقصرت عما يهبه فوالله مال التمر بالبصرة أقل خطرا من البدرة بهذه الحضرة أني لا أراها تحمل إلى المنتجعين إلا تحت الذيل في جنح الليل ولا شيء أيسر من الدينار بهذه الديار بينما المرء في سنة من نومه لتعب يومه وقصاراه قوت يومه إذ يقرع الباب عليه قرعا خفيا ويسأله به سؤالا حفيا ويعطي ألفا خلفيا
فصل للشيخ من الصدور ما ليس للفؤاد ومن القلوب ما ليس للأولاد فكأنما اشتق من جميع الأكباد وولد بجميع البلاد
سواء الحاضر فيه والباد
وكل أفعاله غرة في ناصية الأيام وزهرة في جنح الظلام إلا أن ما أوجبه لفلان
من روض أنا وسيمه وطوق أنا قمريه
وعود جمرة لساني وخمر سكره ضماني
فصل إلى أبيه
إن الإبل على غلظ أكبادها لتحن إلى أوطانها وإن الطير لتقع عرض البحر إلى مظانها وبلغني أن ابن ذي اليمينين طاهر بن الحسين لما ولي مصر داخلها مضروبة قبابها مفروشة أرضها مزخرفة جدرانها والناس ركبانا ورجالا والنثار يمينا وشمالا فأطرق لا ينطق حرفا ولا يرفع طرفا فقيل له في ذلك فقال ما أصنع بهذا كله وليس في النظارة عجائز بوشنج
والعجب من حاضر أنطاكية صاحب آل ياسين وقد كذب وعذب وقتل وجر برجله وأهلك قومه من أجله وقيل له ( ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) فكأنه تمنى الجنة بلقيا قومه على سوء جوارهم وقبح آثارهم
وهذا أخو كندة يقول
( وهل ينعمن من كان أقرب عهده ... ثلاثين شهرا أو ثلاثة أحوال ) - من الطويل -
فما ظنه بي لاثنتي عشرة سنة على أن لي في رسول الله أسوة حسنة وعسى الله أن يأتيني بكم جميعا أو يأتيكم بي سريعا
فصل وأجدني إذا قرأت قصة الخليل والذبيح إسماعيل أحس من نفسي لسيدنا بتلك الطاعة لو وقع البلاء والعافية أوسع وأظنه لو تلني
للجبين وأخذ مني باليمين لقطع الوتين لصنته عن الأنين علي بذلك ميثاق من الله غليظ والله على ما نقوله حفيظ
فصل فتن تشظى ونار تلظى وناس يأكل بعضهم بعضا فالنهار مصادرة والليل مكبارة وقتل عمرو وسلب زيد وانج سعد وهلك سعيد وثمن الرأس منديل والبينة العادلة سكين ودار الحكم بيت القار واليمين الغموس فلان الحمار والجامع حانة الخمار ولا شيء إلا السلاح والصياح وكل شيء إلا السكون والصلاح
فصل قد أهديت له فارتي مسك تصلان بوصول كتابي هذا وبينهما من السلام أطيب منهما عرفا وأحسن وصفا
فصل من رقعة إلى الشيخ الجليل أبي العباس
عبد من عباد الله أجرى الله أمره على الجروم والصرود وأنفذ حكمه بين اللحوم والجلود وأراه البسطة في مراده والغبطة في أولاده والرشد في اعتقاده ومكن له في بلاده وله في غده أكثر مما في يده وما بقي أطيب مما لقي وبلغني أنه يضجر من أبناء الحاجات ترفع إليه والقصص تقرأ لديه وقد ضجرت ضجرة يحيى بن خالد فأرى في المنام فيما يرى النائم كأن قائلا يقول إن ضجرت لازدحام الحاجات إليك أضجرناك بانقطاعها عنك
فصل وأظن الشيخ لو رآني لقلاني وما أقضي لأقصي العجب منه وفيه
فصل حج البيت مخنث فسئل عما رأى فقال رأيت الصفا والحجون وقوما يموجون وكعبة تزف عليها الستور وترفرف حولها الطيور وبيتا كبيتي
ولكن سل عن البخت لا عن البيت
وابتاع بعض الهنود هذا السلجم المشوي فاتزن بدانق أرطالا ثم وجد الكمثرى تباع فقال ما أغلاه نيا وأرخصه مشويا نويت أن أعتزل الناس حتى يعرفوا الكمثرى من السلجم إن لم يعرفوا الدينار من الدرهم فأنا اليوم حتى ينتصف المظلوم سكن أبو موسى الأشعري المقابر فقال أجاور قوما لا يغدرون فقيل له مهلا يا أبا موسى إنما لا يغدرون لأنهم لا يقدرون
فصل من رقعة إلى ثقيل استأذنه للخروج
نعم ولا حمر النعم قاعة قعساء كأنها ملساء ومنهج عريان تسلكه العميان وسمت لا عوج فيه ولا أمت وماء برده الشتاء ولا يكدره الرشاء فاذهب حيث تشاء والدنيا والعراق والحبة أبلاق ولك بالصين تخت والغنى غنى البحر ولك ما سألت بمصر وشر الحمام الداجن ومقيم الماء آسن
والكسل إضاعة والطرأة بضاعة وإنك لتؤذن بالبين وتصبح عن سري القين ويلك ما هذه الرعونة وما هذه الأخلاق الملعونة تلمح بدلال والله إنك مجانا لغال فابعد كما بعدت ثمود وابرح فقد طال القعود واذهب ذهابا لا تعود
فصل كتبت وليس الشوق إلى لقائه بشوق إنما هو العظم الكسير
والنزع العسير والسم يسري ويسير
والنار تطيش وتطير
وليس الصبر عن رؤياك بالصبر إنما هو الصبر معجونا بالصاب وتشريح العروق والأعصاب
والقلب في الميسر والأنصاب
والكبد في يد القصاب
فصل مرحبا بالشيخ وبناقة تحمل رحله وبأرض تلبس ظله وبيوم يطلع علينا وجهه
وبليلة تلد قربه وإيه يا خطى الناقة فوق قوى الطاقة
ويا أرض انزوي كما تنزوي الجلدة في النار
ويا منظر انطو انطواء الحية والطومار وعجل إلى الظماء ببارد الماء ومن على البلد القفر بصائب القطر
فصل أثنى عليه ثناء لو رمى به الشتاء لعاد ربيعا أو دعى الشباب لآب سريعا أو صب على الفراق لانقلب شملا جميعا
فصل جرجان وما أدراك ما جرجان أكلة من التين وموت في الحين ونظرة إلى الثمار والأخرى إلى التابوت والحفار ونجار إذا رأى الخراساني نجر التابوت على قده وأسلف الحفار على لحده
وعطار يعد بين الحنوط يرسمه
وبها للغريب ثلاث فتحات أولها لكراء البيوت والثانية لابتياع القوت والثالثة لثمن التابوت
فصل كأنما خلق للدنيا تحجيلا ولملوكها تخجيلا وكأنما خلق ليقبل المستحيل مانعه وليصدق المحال سمعه
فليؤمن أن البحر يمشي على رجلين وأن المجد يتصور للعين
وأن العدل يتجسم والفضل يتبسم والدهر يتكرم والشمس تتكلم
فصل إن طلبت كريما في أخلاقه
مت ولم ألاقه أو حكيما في جوده مت قبل جوده
ولقد أفسدني على الناس وأفسدهم علي فما أرضى بعده أحدا ولم أجد مثله أبدا
وهذا وصف إن أطلته طال ونشر الأذيال واستغرق
القرطاس والأنفاس واستنفد الأعمار والأعصار ولم تبلغ التمام والسلام
فصل كتبت ونصفي راحل والأحمال تشد والعلوفات تعد والجمال تقدم والجمال يشتم
وما أشبه نفسي في هذه الأسفار إلا بالخيال الطارق أو بلمع البارق أو الغلام الآبق أو الجواد السابق أو بهرب السارق أو السهم المارق وإنما هو الشد والترحال والخيل والبغال والحمير والجمال
فصل عنوان الأحمق كنيته ثم بنيته ثم حليته ثم مشيته والله لا أعرف البحتري فهلا أبو حامد وأبو خالد
وإن امرأة تقعد مدة تعصر بطنها وظهرها وتعد يومها وشهرها
فهلا تجعل سرها وجهرها ثم تسميه البحتري لرعناء لاستحق مهرها وخليقة أن يطم الله نهرها فلا تلد دهرها
ثم الوجه اللحيم لا يحتمله الكريم والأنف السمين لا يحتمله الأمين
والقطف سير الحمير والهرولة مشية الخنازير
فصل وما زالت جفنة آل جفنة تدور على الضيف في الشتاء والصيف
حتى عثرت بحسان فارتهنت ذلك اللسان
فسير فيهم القصائد الحسان
فهذا الزمان يخلق وهي جديدة وتلك العظام بالية وهذه محاسن باقية
وحق على الله أن لا يخلي كرما من لسان يبث أحدوثته
فصل لسان كمقراض الخفاجي يضعه حيث يشاء وبحر لا تكدره الدلاء وصدر كأنه الدهناء وقلب كأنه الأرض والسماء وشرف دونه الجوزاء
فصل الإنسان يولد على الفطرة من ظرفه استظرفه ومن لمحه استملحه
ثم لا يسمى قرطبانا
حتى يسعى زمانا فإذا تعب دهرا طويلا سمى كشحانا ثقيلا وإذا شب الصبي كان بالخيار إن شاء سمى لحم الحوار ولقب ذنب الحمار وكنى كذب الخار
وشبه بالجدار وأطلال الدار
وإن شاء نزهة الألباب ومتعة الأحباب ودمية المحراب وفرحة الإياب
وعلى الأم أن تلد البنين وتغذوهم سنين وتلهيهم الليل والنهار وتقيهم الماء والنار فإن خرجوا مخانيث فقد قضت ما عليها وإن قرم السرم فلغيرها الجرم وإن احتك السرج فعلى الله الفرج وعلى ابنها الحرج
فصل الوجه الحسن عنوان مخيل وضمان جميل
فإن عضده أصل كريم فأنا به زعيم وإن نصره بيت قديم فأنا له نديم والشيخ بحمد الله دارة البدر حسن إشراق وفأرة المسك طيب أخلاق وشجر الأترج طيب أعراق وطيب مذاق وطيب ورق وساق وحرج على من هذه خصاله أن يغبني وصاله
فأنا أخطب إليه مودته
وأبذل روحي لها مهرا فإن رأى أن يزوجنيها فعل إن شاء الله تعالى
فصل يلقى الشيخ بكتابي هذا من ذكر حريته فلقد أجدت وثمرة الغراب وجدت
ونعم ما اخترت والخير فيمن ذكرت
وأجبته إلى ما سأل وسفتجت له إلى الكريم بما أمل وقلت أده الآن وخاط كيسا على ماله وضمنت له تهنئة آماله فإن رأى أن يفك لساني من سر ضماني فعل إن شاء الله تعالى
فصل إن رضي الشيخ أن يواكل من لا يشاكل ويجانس من لا يؤانس
فصل مثلي أيد الله القاضي مثل رجل من أصحاب الجراب والمحراب تقدم إلى القصاب يسأله فلذة كبد فسد باليسرى فاه وأوجع بالأخرى قفاه
فلما رجع إلى منزله بعث توقيعا يطلب جملا رضيعا
كذاك أنا وردت فلا أكرم بسلام ولا أتعهد بغلام فلما وجدته لا يبالي بسبالي كاتبته أشفع لسواي
فصل لو علم ما في صدر هذه الأيام من حر الكلام نفذ من هذه البقاع من ظرف الرقاع
ثم ملكته هزة الفضل لطوى السير عاجلا والأرض راجلا
فصل سقاها الله من بلد وأهلها من عدد وفلانا من بينهم ولا نصصت إلا على عينهم
وحبذا كتابه واصلا ورسوله حاصلا فأي تحفة لم تصل بوصوله وفضل لم يستفد من فصوله
فصل اليوم طلق والهواء رطب والماء عذب والبستان رحب والسماء مصحية والريح رخاء
فأين سيدي فلان أشهد ما اليوم جميلا ولا الظل ظليلا ولا الماء يبرد غليلا
ولا النسيم يشفي عليلا
وأقسم ما الروض إلا ثقيل والأنس إلا دخيل والدهر إلا بخيل
وفي ذلك يقول
( وإني لتعروني لذكراك روعة ... كما انتفض العصفور بلله القطر ) - من الطويل -
وليس الشوق إلى مولاي بشوق إنما هو وقع السهام ولا الصبر على لقياه بصبر إنما هو كأس الحمام وما للسم سلطان هذا الهم ولا للخمر طغيان هذا الأمر
فصل إن للشبان نزوة والأحداث رقة
ولكن يربعون إذا جاءت الأربعون
ويفزعون وإن كانوا لا يجزعون ولقد نظرت في المرآة فرأيت الشيب يتلهب وينهب والشباب يتأهب ويذهب وما أسرج هذا الأشهب إلا لخبر وأسأل الله عاقبة خير
فصل أجدني قد اكتهلت والكهل قبيح به الجهل ولاحت الشعرات البيض وجعلت تفرخ وتبيض
فصل جزى الله المشيب خيرا فإنه أناة ولا رد الشباب فإنه هنات وبئس الداء الصبا وليس دواؤه إلا انقضاؤه وبئس المثل النار ولا العار ونعم الرائضان الليل والنهار
أظن الشباب والشيب لو مثلا لمثل الأول كلبا عقورا والآخر شيخا وقورا ولاشتعل الأول نارا والآخر نورا فالحمد لله الذي بيض القار وسماه الوقار وعسى الله أن يغسل الفؤاد كما غسل السواد إن السعيد من شابت جملته ولم تخص بالبياض لحيته
فصل من تهنئة بمولود
حقا لقد أنجز الإقبال وعده ووافق الطالع سعده والشأن فيما بعده وحبذا الأصل وفرعه وبورك الغيث وصوبه والروض ونوره وسماء أطلعت فرقدا وغابة أبرزت أسدا وظهر وافق سندا وذكر يبقى أبدا ومجد سمى ولدا وشرف لحمة وسدى
فصل كتابي من هراة ولا هراة فقد طحنتها هذه المحن كما يطحن الدقيق وقلبتها كما يقلب الرقيق
وبلعتها كما يبلع الريق والحمد لله على المكروه والمحبوب وصلواته على نبيه وآله وقد خدمت الشيخ سنين والله لا يضيع أجر
المحسنين ونادمته والمنادمة رضاع ثان ومالحته والممالحة نسب دان وسافرت معه والسفر والأخوة رضيعا لبان وقمت بين يديه والقيام والصلاة شريكا عنان وأثنيت عليه والثناء من الله عز و جل بمكان وأخلصت له والإخلاص محمود بكل لسان أفبعد هذه الحرمات أنا طعمة فلان وفلان يتناولانني سبعا في ثمان
فصل لعن الله فلانا فلا أراه في النوم إلا أصاب في ذلك اليوم
فصل ورأى أفواها فاغرة
وأضراسا طاحنة وعيالا وأذيالا الله وكيلهم وأنا أزنهم وأكيلهم
فصل من كتاب التعزية
( ولم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكن نكء القرح بالقرح أوجع )
والله ما يضرب الكلب كما يضرب هذا القلب
ولا يقطر الشمع كما يقطر هذا الدمع
وما للسم سلطان على هذا الغم ونفسي إلى القبر أعجل منها إلى الصبر
وأذني بالموت آنس منها بهذا الصوت
أو لم يكفنا الجرح حتى ذر عليه الملح ألم أكن من فلان مثقل الظهر فما هذه العلاوة على الحمل ولم هذه الزيادة في الثقل
فصل وفيما يقول الناس من حكاياتهم أن أعرابيا نام ليلا عن جمله ففقده فلما طلع القمر وجده فرفع إلى الله يده
فقال أشهد لقد أعليته وجعلت السماء بيته
ثم نظر إلى القمر فقال إن الله صورك ونورك وعلى البروج دورك
وإذا شاء قورك وإذا شاء كورك فلا أعلم مزيدا أسأله لك ولئن أهديت إلى قلبي سرورا لقد أهدى إليك الله نورا والشيخ ذلك القمر المنير لقد أعلى
الله قدره وأنفذ بين الجلود واللحوم أمره
ونظر إليه وإلى الذين يحسدونه فجعله فوقهم وجعلهم دونه
فصل المرء جزوع لكنه حمول والإنسان في النوائب شموس ثم ذلول
ولقد عشت بعد فراق الشيخ عيشة الحوت في البئر وبقيت ولكن بقاء الثلج في الحر
فصل توجه فلان إلى الحضرة ويريد أن يقرن الحج بالعمرة ولا يقتصر على المشتري دون الزهرة ولا يقنع بالماء إلا مع الخضرة
وقصد من الشيخ الجليل يزخر بحره
وجعل الشيخ سفينة نجاته وذريعة حاجاته
فصل إن ذكر الجمال طلع بدرا أو السحاب زخر بحرا أو العهد رسخ صخرا أو الرأي أسفر فجرا
أو الحياء رشح خمرا أو الذكاء توقد جمرا
فصل جزى الله الشيخ خيرا عن بطن الساغب وكف الراغب
وأعانه على همته ووفقه وأخلف عليه خيرا مما أنفقه فليس لمثل هذا العام إلا مثل ذلك الإنعام العام
فلو انتقر لهلك من افتقر ولكنه أجفل وغمر الأعلى والأسفل فكأنما عاد الشتاء ربيعا ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )
رقعة له إلى أبي محمد إسماعيل بن محمد جوابا عن رقعة صدرت إليه وقد ورد هراة
مرحبا بسيدي إسماعيل وجد يفعل الأفاعيل ولا رقعة أرقع من هذه ما نصنع برقعة ونحن في بقعة
فليجعلها زيارة ثم الحاجة مقضية والحرمات مرعية
رقعة إليه أيضا عند انصرافه
أنت يا سيدي أقرب رحما وأنفذ حكما ودونك الدار ولك فيها المقدار ويسرني أن لا تغيب ولا تغب وتحب الخروج وأحب أن لا تحب
ولو علمت أني إذا ناصبتك أقمت فعلت ذلك ولو نقمت
فأقم ريثما تنقضي هذه الأشغال وتنقشع هذه الضبابات
فنتفرغ لقضاء حقك ونتسع لواجب لك
ثم إن أبيت إلا الرد وإلا الصد فإني أراك قبل أن حصلت سرت وقبل أن حوصلت طرت
وما قابلنا حقوقك إلا بالعقوق والسلام
فصل لعلك يا سيدي لم تسمع بيتي الناصح حيث قال
( اسمع مقالة ناصح ... جمع النصيحة والمقه )
( إياك واحذر أن تكون ... من الثقاة على ثقة ) - من مجزوء الكامل -
صدق الشاعر والله وأجاد فللثقاة خيانة في بعض الأوقات
هذه العين تريك السراب شرابا وهذه الأذن تسمعك الخطأ صوابا
فلست بمعذور إن وثقت بمحذور
وهذه حال السامع من أذنه الواثق بعينه
وأرى فلانا يكثر غشيانك وهو الدني دخلته الرديء نحلته السيئ وصلته الخبيث جملته وقد قاسمته في أزرك وجعلته موضع سرك فأرني موضع سرك
فأرني موضع غلطك فيه حتى أريك موضع تلافيه
ما أبعد غلطك عن غلط إبراهيم عليه السلام إنه رأى كوكبا ورأيت تولبا وأبصر القمر وأبصرت القدر وغلط في الشمس وغلطت في الرمس أظاهره غرك أم باطنه سرك
ومن هذا الفصل وافتتح صلواتك بلعنه وإذا استعذت من الشيطان فاعنه
فصل من رقعة إلى وارث مال
العزاء عن الأعزة رشد كأنه الغي وقد مات الميت فليحي الحي واشدد على حالك بالخمس فأنت اليوم غيرك بالأمس قد كان ذلك الشيخ وكيلك يضحك ويبكي لك وسيعجم الشيطان الآن عودك فإن استنالك رماك بقوم يقولون خير المال متلفة بين الشراب والشباب ومنفقة بين الحباب والأحباب
والعيش بين القداح والأقداح ولولا الاستعمال ما أريد المال فإن أطعتهم فاليوم في الشراب وغدا في الخراب واليوم واطربا للناس وغدا واحرابا من الإفلاس
يا مولاي ذلك المسموع من العود يسميه الجاهل نقرا ويسميه العاقل عقرا وذلك الخارج من الناي هو اليوم في الآذان زمر وهو غدا في الأبواب سمر والعمر مع هذه الآلات ساعة والقنطار في هذا العمل بضاعة
فصل منه لله في مالك قسط للمروءة قسم فصل الرحم ما استطعت وقدر إذا قطعت ولأن تكون من جانب التقدير خير لك من أن تكون من جانب التبذير
فصل أشار إلى ضالة الأحرار وهي الكرم مع اليسار ونبه على قدر الكرام وهو البشر مع الإنعام وحدث عن برد الأكباد وهو مساعدة الزمان للجواد ودل على نزهة الأبصار وهو الثرى
ومتعة الأسماع وهو الثنا
وقلما اجتمعا ووجدا معا
فصل الأمير الفاضل الرئيس رفيع مناط الهمة بعيد منال الخدمة فسيح مجال الفضل رحيب مخترق الجود طيب معجم العود
( فلو نظمت الثريا ... والشعريين قريضا )
( وكاهل الأرض ضربا ... وشعب رضوى عروضا )
( وصغت للدر ضدا ... أو للهواء نقيضا )
( بل لو جلوت عليه ... سود النوائب بيضا )
( أو ادعيت الثريا ... لأخمصيه حضيضا )
( والبحر عبد لهاه ... عند العطاء مغيضا ) - من المجتث -
لما كنت إلا في ذمة القصور وجانب التقصير
ولكني أقول الثناء منجح أنى سلك والسخي جوده بما ملك وإن لم تكن غرة لائحة فلمحة دالة أو إن لم يكن صداء فماء
أو لم يكن خمر فخل وإن لم يصب وابل فطل
وبذل الموجود غاية الجود وبعض الحمية آخر المجهود وماش خير من لاش ووجود ما قل خير من عدم ما جل وقليل في الجيب خير من كثير في الغيب وجهد المقل أحسن من عذر المخل وما كان أجود من لو كان ولأن تقطف خير من أن تقف
ومن لم يجد الجميم رعى الهشيم
فصول قصار وألفاظ وأمثال
المرء لا يعرف ببرده كالسيف لا يعرف بغمده جرح الجور بعيد الغور نار الخفاء سريعة الانطفاء الحذق لا يزيد الرزق
والدعة لا تحجب
السعة احتكم إلى الحجارة فالتقتير نصف التجارة غضب العاشق أقصر عمرا من أن ينتظر عذرا إن بعد الكدر صفوا وبعد المطر صحوا
الراجع في شيئه كالراجع في قيئه
المرء من ضرسه في شغل ومن نفسه في كل
الحبل لا يبرم إلا بالفتل والثور لا يربى إلا للقتل أرخص ما يكون النفط إذا غلا وأسفل ما يكون الأريب إذا علا
لا تحسد الذئب على الألية يعطاها طعمة ولا تحسب الحب ينثر للعصفور نعمة إن للمتعة حدا وإن للعارية ردا
ما كل مائع ماء ولا كل سقف سماء
ولا كل بيت بيت الله ولا كل محمد رسول الله الكريم عند أهل اللوم كالماء في فم المحموم وسم المبرسم في الشهد والشمس تقبح في العيون الرمد
الخبر إذا تواتر به النقل قبله العقل كلفة الفضل متعينة وأرض العشرة لينة وطرقها بينة
إن الوالي سيعزل والراكب يستنزل النذل لا يألم العذل
المدبر يحسب النسيئة عطية ويعتد بها هدية
الدهر بيننا جرع وفيما بعد متسع لا ماء بعد الشط ولا سطح بعد الخط من ذا الذي لا يهاب البحر أن يخوضه والأسد أن يروضه
ود الحضر إخاء ومروة وود السفر وفاء وفتوة
قلت قسما إن فيه لدسما ليلة يضل بها القطا ولا يبصر فيها الوطواط الوطا شحاذ أخاذ وفي الصنعة نفاذ وهو فيها أستاذ
فارقنا خشفا وأتى جلفا أرب ساقه لا نزاع شاقه أبعد المشيب أخدع بالدبيب
فعل ذلك على السخط من القرط خمر في الدنيا متاعها قليل وفي الآخرة خمارها طويل الحرب سجال فيوما غنم ويوما غرم
ومطل الغنى ظلم
كذب القميص لا ذنب للذيب في تلك الأكاذيب
من الكبائر طفيلي يدب ومن النوادر ذباب ينب إنما يجرب السيف على الكلب لا على
القلب
إذا رضيت أن أخدم ولا أخدم فإن العبودية لا تعدم
الجواد لا يجزع من الآكاف جزعي من المخاطبة بالكاف
ما بي المكان لولا السكان والله ما أرضى ولو صارت السماء أرضا ولا أريد ولو قطع الوريد
لا تكاد السباع تأتلف كما لا تكاد البهائم تختلف
إن اللئيم لا يخلو من خلة خير وكذلك الكريم لا يخلو من خلة ضير
عزيز على أن لا أسعد دون الرقعة بتلك البقعة
العبث بهن الحمار من المخاطرات الكبار
ولو شئت للفظت وأفضت ولو أردت لسردت وأوردت
ملح وغرر من شعره في كل فن
أنشدني لنفسه في ابن فريغون
( ألم تر أني في نهضتي ... لقيت المنى والغنى والأميرا )
( ولما التقينا شممت التراب ... وكنت امرءا لا أشم العبيرا )
( لقيت امرءا ملء عين الزمان ... يعلو سحابا ويرسو ثبيرا )
( لآل فريغون في المكرمات ... يد أولا واعتذار أخيرا )
( إذا ما حللت بمغناهم ... رأيت نعيما وملكا كبيرا ) - من المتقارب -
وأنشدني من قصيدة في أبي عامر عدنان بن محمد الضبي
( ليل الصبا ونهاره سكران ... حدثان لم يعركهما حدثان )
( يا زمفرة لي لا يكاد أزيزها ... يسع الضلوع إليك يا همذان )
( قسما لقد فقد العراق بي امرءا ... ليس تجود برده البلدان )
( يا دهر إنك لا محالة مزعجي ... عن خطتي ولكل دهر شان )
( فاعمد براحلتي هراة فإنها ... عدن وإن رئيسها عدنان ) - من الكامل -
وله من قصيدة في الأمير أبي علي أولها
( على أن لا أريح العيس والقتبا ... وألبس البيد والظلماء واليلبا )
ومنها
( حسبي الفلا مجلسا والبوم مطربة ... والسير يسكرني من مسه تعبا )
( وطفلة كقضيب البان منعطفا ... إذا مشت وهلال الشهر منتقبا )
( تظل تنثر من أجفانها دررا ... دوني وتنظم من أسنانها حببا )
( قالت وقد علقت ذيلي تودعني ... والوجد يخنقها بالدمع منسكبا )
( لا در در المعالي لا يزال لها ... برق يشوقك لا هونا ولا كثبا )
( يا مشرعا للمنى عذبا موارده ... بيناه مبتسم الأرجاء إذ نضبا )
( أطلعت لي قمرا سعدا منازله ... حتى إذا قلت يجلو ظلمتي غربا )
( كنت الشبيبة أبهى ما دجت درجت ... وكنت كالورد أذكى ما أتى ذهبا )
ومنها
( أبى المقام بدار الذل بي كرم ... وهمة تصل التوحيد والخببا )
( وعزمة لا تزال الدهر ضاربة ... دون الأمير وفوق المشترى طنبا )
( يا سيد الأمراء فخر فلا ملك ... إلا تمناك مولى واشتهاك أبا )
( وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ... لو كان طلق الحميا يمطر الذهبا )
( والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت ... والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا )
ومن أخرى في أبي القاسم بن ناصر الدولة
( غضي جفونك يا رياض ... فقد فتنت الحور غمزا )
( واقني حياءك يا رياح ... فقد كددت الغصن هزا )
( وارفق بجفنك يا غمام ... فقد خدشت الورد وخزا )
( خلع الربيع على الربى ... وربوعها خزا وبزا )
( ومطارفا قد نقشت ... فيها يد الأمطار طرزا )
( أسر المطي إلى المدام ... على جني الورد جمزا )
( أو ما ترى الأقطار قد ... أخذت من الأمطار عزا )
( أو ليس عجزا أن يفوتك ... حسها أو ليس عجزا )
( حلت عزاليها السماء ... فعادت البيداء نزا )
( وكأن أمطار الربيع ... إلى ندى كفيك تعزى )
( يا أيها الملك الذي ... بعساكر الآمال يعزى )
( خلقت يداك على العدا ... سيفا وللعافين كنزا )
( والمدح طلق ما عناك ... فإن عداك تجده كزا )
( لا زلت يا كنف الأمير ... لنا من الأحداث حرزا ) - من مجزوء الرمل -
ومن أخرى
( خرج الأمير ومن وراء ركابه ... غيري وعز علي أن لم أخرج )
( أصبحت لا أدري أأدعو طغمتي ... أم بكتكين أم أصيح ببزعج )
( وبقيت لا أدري أأركب أبرشي ... أم أدهمي أم أشهبي أم ديرجي )
( يا سيد الأمراء مالي خيمة ... إلا السماء إلى ذراها ألتجي )
( كنفي بعيري إن ظعنت ومفرشي ... كمي وجنح الليل مطرح هودجي )
( يا منجنون بحذف ثاني حرفه ... إن كنت فاعل ما أرى فتحرج ) - من الكامل -
ومن أخرى في الرئيس أبي جعفر الميكالي
( اذهب الكأس فعرف الفجر ... قد كان يلوح )
( وهو للناس صباح ... ولذي الرأي صبوح )
( والذي يمرح بي في حلبة ... اللهو جموح )
( اسقينها والأماني ... لها عرف يفوح )
( إن في الأيام أسرارا ... بها سوف تبوح )
( لا يغرنك جسم ... صادق الحسن وروح )
( إنما نحن إلى الآجال ... نغدو ونروح )
( ويك هذا العمر تفريح ... وهذا الروح ريح )
( بينما أنت صحيح الجسم ... إذ أنت طريح )
( فاسقنيها مثل ما يلفظه ... الديك الذبيح )
( هكذا الدنيا فسيحوا ... ووقعنا لا نصيح )
( إنما الدهر عدو ... ولمن أصغى نصيح )
( ولسان الدهر بالوعظ ... لواعيه فصيح )
( نستميح الدهر والأيام ... منا تستميح )
( ضاع ما نحميه من أنفسنا ... وهو يبيح )
( نحن لاهون وآجال ... المنى لا تستريح )
( يا غلام الكأس فاليأس ... من الناس مريح )
( أنا يا دهر بأبنائك ... شق وسطيح )
( وبأبكار القوافي ... لا على كفء شحيح )
( يا بني ميكال والجود ... لعلاتي مزيح )
( شرفا إن مجال الفضل ... فيكم لفسيح )
( وعلى قدر الممدوح ... يأتيك المديح )
( فهناك الشرق الأرفع ... والطرف الطموح )
( والندى والخلق الطاهر ... والوجه الصبيح ) - من مجزوء الرمل -
ومن أخرى في غيره
( طربا لقثد رق الظلام ... ورق أنفاس الصباح )
( وسرى إلى القلب العليل ... عليل أنفاس الرياح )
( ومليحة ترنو بنرجسة ... وتبسم عن أقاح )
( قامت وقد برد الحللي ... تميس في ثني الوشاح )
( تشدو وكل غنائها ... برد على كبد اقتراحي )
( يا ليل هل لك من صباح ... أم لنجمك من براح )
( سأريق ماء شبيبتي ... ما بين ريحان وراح )
( فيم العتاب ولا لهم ... غبي ولا لهم صلاحي )
( وكعاذلاتي في المليحة ... عاذلاتك في السماح )
( وهواي للبيض الصباح ... هواك للبيض الصفاح )
( وولوع كفي بالقداح ... ولوع كفك بالرماح )
( وعليك إدمان الندى ... وعلي إدمان امتداحي )
( فليعل رأيك إنه ... يلوي يد القدر المتاح )
( وافخر فإنك في الملوك ... لك المعلى في القداح ) - من مجزوء الكامل -
ومن أخرى
( قسما لا ذعر الشيب ... عن اللهو رتاعي )
( ويمينا لا تمثلت ... له فقعا بقاع )
( إنما الدهر الذي يصدقني ... حر المصاع )
( كالني مدا وأجزيه ... من الحلم بصاع )
( واغنم الأيام ما ألفيتها ... خضر المراعي )
( لا تدع من لذة العيش ... عيانا لسماع ) - من مجزوء الرمل -
ومن أخرى في السلطان المعظم يمين الدولة وأمين الملة أطال الله بقاه
( تعالى الله ما شاء ... وزاد الله إيماني )
( أأفريدون في التاج ... أم الإسكندر الثاني )
( أم الرجعة قد عادت ... إلينا بسليمان )
( أظلت شمس محمود ... على أنجم سامان )
( وأمسى آل بهرام ... عبيدا لابن خاقان )
( إذا ما ركب الفيل ... لحرب أو لميدان )
( رأت عيناك سلطانا ... على منكب شيطان )
( أمن واسطة الهند ... إلى ساحة جرجان )
( ومن قاصية السند ... إلى أقصى خراسان )
( على مقتبل العمر ... وفي مفتتح الشان )
( لك السرج إذا شحت ... على كاهل كيوان )
( يمين الدولة العقبى ... لبغداد وغمدان )
( وما يقعد بالمغرب ... عن طاعتك اثنان )
( إذا شئت ففي أمن ... وفي يمن وإيمان ) - من الهزج -
ومن أخرى أجاب بها عن قصيدة وردت عليه
( لعمر المعالي إن مطلبها سهل ... سوى أنها دار وليس لها أهل )
( حنانيك من حر ألم بمشعر ... هم الشاء رسل إن أدرت ولا رسل )
( فحاول أن يستل بالشعر ما لهم ... وذلك ما لم يفعل اليد والفعل )
( شكا الجد والأيام إذ لم تواته ... فلم يشك إلا ما شكى الناس من قبل )
( عزاء ففي هذا السواد لنا نخل ... وصبرا ففي هذا القطيع لنا سخل )
( ألم تر أن الجود والمجد والعلى ... أماني إن تحلم بها يجب الغسل )
( ألا لا يغرنك الحسين وجوده ... فترجو قوما ليس في كأسهم فضل )
( فما كل وقت مثله أنت واجد ... ولا كل أرض للحسين بها مثل )
( وما كل جنس تحته النوع داخل ... ولا كل ما أبصرت من شجر نخل )
( ولن تفعل الأقوام مثل فعاله ... ولا سائر الذبان ما تفعل النحل ) - من الطويل -
ومن أرجوزة عدنانية
( يا آل عصم أنتم أولو العصم ... لم توسموا إلا بنيران الكرم )
( لا ينزع الله سرابيل النعم ... عنكم فلا تخطوا بها دون الأمم )
( طابت مبانيكم وطبتم لا جرم ... يا سادة السيف وأرباب القلم )
( تهمي سجاياكم بعقيان ودم ... أنتم فصاح ما خلا في لا ولم )
( الجار والعرض لديكم في حرم ... والمال للآمال نهب مقتسم )
( أنتم أسود المجد لا أسد الأجم ... يا سيدا نيط له بيت القدم )
( بالعمد الأطول والفرع الأشم ... هل لك أن تعقد في بحر الشيم )
( عارفة تضرم نارا في علم ... ويقصر الشكر عليها قل نعم )
( أما وإنعامك إنه قسم ... وثغر مجد عن معاليك ابتسم )
( إنك في الناس كبرء في سقم ... يا فرق ما بين الوجود والعدم )
( وبعد ما بين الموالي والخدم ... ما أحد كهاشم وإن هشم )
( ولا امرؤ كحاتم وإن حتم ... ليس الحدوث في المعالي كالقدم )
( ولا شباب النبت فيها كالهرم ... شتان ما بين الدناني والقمم ) - من الرجز -
وله من قصيدة في الشيخ الإمام أبي الطيب سهل بن محمد بن سليمان
( لسهل في العلا غرر ... فهلا عندكم لمح )
( وفيه من الندى بدع ... فهلا فيكم ملح )
( تضمن أمة رجل ... وأودع عالما شبح )
( فمن جاراه منقطع ... ومن باراه مفتضح ) - من مجزوء الوافر -
وله من قصيدة في إسماعيل بن أحمد الدبراني وفيمن جمعه وإياهم الحبس من العمال
( قبحا لهذا الزمان ما أربه ... في عمل لا يلوح لي سببه )
( ماذا عليه من الكرام فما ... تظهر إلا عليهم نوبه )
( ألم يجد في سواكم سعة ... ممن يسوي برأسه ذنبه )
( لا يعرف الضيف أين منزله ... ولا يرى المجد أين منقلبه )
( مالي أرى الحر ذاهبا دمه ... ولا أرى النذل ذاهبا ذهبه )
( أراحنا الله منك يا زمنا ... أرعن يصطاد صقره خربه )
( يا ساغبا جائع الجوارح لا ... يسكن إلا لفاضل سغبه )
( يا ضرما في الأنام متقدا ... والجود والمجد والنهى حطبه )
( يا خاطبا ساكتا وليس سوى ... نعي فتى أو فتوة خطبه )
( يا صائدا والعلى فريسته ... وناهبا والجمال منتهبه )
( يا سادتي لا تلن عظامكم ... لعضة الدهر إن يهج كلبه )
( فالدهر لونان لا يدوم على ... حال سريع بالناس مضطربه )
( أتى بشر لم نرتقبه كذا ... يأتي بخير وليس نحتسبه ) - من المنسرح -
وله من قصيدة في أبي نصر بن أبي زيد
( خلقت كما ترى صعب الثقاف ... أرد يد الخليفة في الخلاف )
( ولي جسد كواحدة المثاني ... ولي كبد كثالثة الأثافي )
( هلم إلى نحيف الجسم مني ... لتنظر كيف آثار النحاف )
( ألم تر أن طائشة لظاها ... نتيجة هذه القضب الضعاف )
( صحبت الدهر قبل نبات فيه ... فلا تغررك خافية الغداف )
( نزلت من الزمان ومن بنيه ... على غصنين من شجر الخلاف )
( ولو شاء الزمان قرار جأشي ... لأسمعني نداء أخ مصافي )
( أبا نصر نقصتك صاع قولي ... وصاع الفعل من نعماك وافي )
( متى يستطيع عد علاك لفظي ... متى ينحي على البحر اغترافي ) - من الوافر -
وله من أخرى في خلف بن أحمد
( وليل كذكراه كمعناه كاسمه ... كدين ابن عباد كإدبار فائق )
( شققنا بأيدي العيس برد ظلامه ... وبتنا على وعد من السير صادق )
( تزج بنا الأسفار في كل شاهق ... وترمي بنا الآمال من كل حالق )
( كأن مطايانا شفار كأنما ... تمد إليهن الفلا كف سارق )
( كأن نجوم الليل نظارة لنا ... تعجب من آمالنا والعوائق )
( كأن نسيم الصبح فرصة آيس ... كأن سراب القيظ خجلة واثق ) - من الطويل -
ومن أخرى
( سماء الدجى ما هذه الحدق النجل ... أصدر الدجى حال وجيد الضحى عطل )
( لك الله من عزم أجوب جيوبه ... كأني في أجفان عين الدجى كحل )
( كأن الدجى نقع وفي الجو حومة ... كواكبها جند طوائرها رسل )
( كأن مطايانا سماء كأننا ... نجوم على أقتابها برجنا الرحل )
( كأن السرى ساق كأن الكرى طلا ... كأنا لها شرب كأن المنى نقل )
( كأن الفلا ناد به الجن فتية ... عليه الثرى فرش حشيته الرمل )
( كأن أبانا أودع الملك الذي ... قصدناه كنزا لم يسع رده مطل )
( ولما بلوناكم تلونا مديحكم ... فيا طيب ما نبلو ويا حسن ما نتلو )
( ويا ملكا أدنى مناقبه العلى ... وأيسر ما فيه السماحة والبذل )
( هو البدر إلا أنه البحر زاخرا ... سوى أنه الضرغام لكنه الوبل )
( محاسن يبديها العيان كما ترى ... وإن نحن حدثنا بها دفع العقل ) - من الطويل -
ومن أحاجيه قوله في فص برحشاني
( أحاجيك أناجيك ... بما يهجس في صدري )
( بما يجمد من خمر ... وما يخمد من جمر )
( وما يورد معناه ... إذا قلت على أمري )
( ونجم كاد ذو الحاجة ... في الليل به يسري )
( وحرف من حروف النصب ... لولا خفة الظهر )
( أجب إن شئت بالنظم ... وإن شئت فالبنثر ) - من الهزج
الباب السادس
في ذكر أبي الفتح البستي وسائر أهل بست وسجستان وإيراد غررهم
65 - أبو الفتح علي بن محمد الكاتب البستي
صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس
البديع التأسيس وكان يسميه المتشابه ويأتي فيه بكل طريقة لطيفة وقد كان يعجبني من شعره العجيب الصنعة البديع الصيغة قوله
( من كل معنى يكاد الميت يفهمه ... حسنا ويعبده القرطاس والقلم ) - من البسيط -
ما أراه فأرويه وألحظه فأحفظه
وأسأل الله بقاءه حتى أرزق لقاءه
وأتمنى قربه كما تتمنى الجنة وإن لم يتقدم لها الرؤية حتى وافقت الأمنية حكم القدر وطلع علي بنيسابور طلوع القمر
فزاد العين على الأثر والاختبار على الخبر
ورأيته يغرف في الأدب من البحر وكأنما يوحى إليه في النظم والنثر مع ضربه في سائر العلوم بالسهم الفائز وأخذه منها بالحظ الوافر وجمعته وإياي لحمة الأدب التي هي أقوى من قربة النسب
فما زلت في قدماته الثلاث نيسابور بين سرور وأنس مقيم من حسن معاشرته وطيب مذاكرته ومحاضرته في جنة نعيم أجتني ثمر الغراب من فوائده وأنظم العقود من فرائده
ولم يكن تغبني كتبه في غيبته ولا أكاد أخلو من آثار وده وكرم عهده
ومن خبره أنه كان في عنفوان شبابه وأمره كاتب الباتيور صاحب بست فلما فتحها الأمير ناصر الدولة أبو منصور سبكتكين رضي الله تعالى عنه وأسفرت الوقعة بينه وبين باتيور عن استمرار الكشفة بباتيور أعيت أبا الفتح صحبته وتخلف عنه ودل الأمير عليه فاستحضره ومناه واعتمده لما كان قبل معتمدا له إذ كان محتاجا إلى مثله في آلته وكفايته ومعرفته وهدايته وحنكته ودرايته
فحدثني أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي قال حدثني أبو الفتح رحمه الله تعالى قال لما استخدمني الأمير سبكتكين وأحلني محل الثقة الأمين عنده في مهمات شأنه وأسرار ديوانه وكان باتيور بعد حيا وحسادي يلوون ألسنتهم بالقدح في والجرح لموضع الثقة بي ليا أشفقت لقرب العهد بالاختبار من أن يعلق بقلبه شيء من تلك الأقوال ويقرطس عرض القبول بعض تلك النبال فحضرته ذات يوم وقلت إن همة مثلي من أرباب هذه الصناعة لا ترتقي إلى أكثر مما رآني الأمير أهلا له من اختصاصه واستخلاصه وتقريبه وترتيبه واختياره لمهمات أسراره غير أن حداثة عهدي بخدمة من كنت به موسوما واهتمام الأمير بنقض ما بقي من شغله يقتضيانني أن أستأذنه للاعتزال إلى بعض أطراف مملكته ريثما يستقر له هذا الأمر في نصابه فيكون ما آتيه من هذه الخدمة أسلم من التهمة وأقرب إلى السداد وأبعد من كيد الحساد فارتاح لما سمعه وأوقعه من الإحماد موقعه وأشار علي بناحية الرخج وحكمني في أرضها أتبوأ منها حيث أشاء إلى أن يأتيني الاستدعاء فتوجهت نحوها فارغ البال رافغ العيش والحال سليم اللسان والقلم بعيد القدم من مخاضات التهم وكنت أدلجت ذات ليلة وذلك في فصل الربيع أؤم منزلا أمامي فلما أصبحت نزلت فصليت وسبحت ودعوت وقمت للركوب ففتح ضياء الشروق طرفي على قرية ذات يمنة محفوفة بالخضرة
معمومة بالنور والزهر
وأمامها أرض كأنها قد فرشت ببساط من الزبرجد منضد بالدر والمرجان مرصع بالعقيق والعقيان
ينساب بينها أنهار
كبطون الحيات في صفاء ماء الحياة وقد فغمني من نسيم هوائها عرف المسك السحيق بالعنبر العتيق
فاستطبت المكان وتصورت منه الجنان وفزعت إلى كتاب أدب كنت أستصحبه لأخذ الفال على المقام والارتحال ففتحت أول سطر من الصفحة عن بيت شعر وهو
( وإذا انتهيت إلى السلامة ... في مداك فلا تجاوز ) - من مجزوء الكامل -
فقلت هذا والله الوحي الناطق والفأل الصادق وقد تقدمت بعطف ضبني إليها
وعشت ستة أشهر بها في أنعم عيش وأرخاه وأهنأ شرب وأمراه
إلى أن أتاني كتاب الأمير في استدعائي إلى حضرته بتبجيل وتأميل وترتيب وترحيل فنهضت وحظيت بما حظيت منها إلى يومي هذا فكان اختياره ذلك أحد ما استدل به ذلك الأمير على رأيه وتدبيره ورزانته ودرجه به إلى محله ومكانته وصار من بعد ينظم بأقلامه منثور الآثار عن حسامه وينسج بعباراته
وشي فتوحه ومقاماته وهلم جرا إلى زمان السلطان المعظم يمين الدولة وأمين الملة
وقد كتب له عدة فتوح قال في أحد كتبها كتبت وقد هبت ريح النصرة من مهبها والأرض مشرقة بنور ربها
إلى أن زحزحه القضاء عن خدمته ونبذه إلى ديار الترك عن غير قصده وإرادته فانتقل بها إلى جوار ربه في سنة أربعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
ما أخرج من فصوله القصار ومن ألفاظه وأمثاله
من أصلح فاسده أرغم حاسده
من أطاع غضبه أضاع أدبه
عادات السادات سادات العادات
من سعادة جدك وقوفك عند حدك
أفحش الإضاعة الإذاعة الخيبة تهتك الهيبة
الدعة رائد الضعة
من لم يكن لك نسيبا فلا ترج منه نصيبا
الرشوة رشاء الحاجة
اشتغل عن لذاتك بعمارة ذاتك
أجهل الناس من كان للإخوان مذلا وعلى السلطان مدلا
حبيبك لا يعيبك
الآثار ألسنة الأقدار إذا بقي ما قاتك فلا تأس على ما فاتك
الدنيا فناء الفناء
البشر عنوان الكرم ربما كانت الفطنة فتنة والمهنة محنة
من حسن أطرافه حسن أوصافه من تبرج بره
تأرج ذكره
من كان عبد الحق فهو حر
المراء يهدم المروءة
الفهم شعاع العقل
رضي المرء عن نفسه دليل تخلفه ونقصه
الحدة والندامة فرسا رهان والجود والشجاعة شريكا عنان والتواني والخيبة رضيعا لبان
الفكر رائد العقل
الجود وضع الموجود بموضع الجود
نعم الشفيع إلى عدوك عقله لا تغتر بصحة مزاجك في الهواء الوبيء ولا تغتر بقوة بصرك في الظلمة الراكدة إفراط التعاقل تثاقل الحدة تريك صورة الجهل
رب مقال لا تقال عثرته
حسن الأخلاق أنفس الأعلاق المرء من غرر الأيام في غرر ومن صفوها في كدر أفضح الفضيحة عدم القريحة الحلم مطية وطية لكل علو يوشك أن يقصر من يغلو ويسفل من يعلو
كيف القرار على الشرار المنية تضحك من الأمنية
مسلك الحزن حزن ضيق الصدر من صغر القدر
أحصن الجنة لزوم السنة الرد الهائل خير من الوعد
الحائل
الخلاف غلاف الشر من كان رأيه صحيحا لم يكن بميسور البر شحيحا نعم العدة طول المدة عسى تحظى في غدك برغدك زمام العمل بيد الأمل البرايا أهداف البلايا
طلوع العقوق أفول الحقوق
حد العفاف الرضى بالكفاف لا ضمان على الزمان من لزم السلم سلم
ليكن قرينك من يزينك
لخرق آفة الخلق
إفراط السخاوة رخاوة
ربما كانت العطية خطية
لا يعدم الصرعة ذو السرعة
الفلسفة فل السفه
لكل حادث حديث وربما أغنت المداراة عن المباراة
البشر نور الإيجاب ما كل خاطر بعاطر
البخل سوس السياسة
العفو يطمس الهفو
العقل جهبذ النقل التبدل تبذل
العفيف يكفيه الطفيف ثقل العفيف خفيف
لسان النصيح فصيح التصلف ترجمان التخلف كفى بالنهى ناهيا وبالهدى هاديا من تعطل تبطل
أدهى المصائب المعايب ربما تشور من تهور
إفراط الدماثة غثاثة إفراط الفخامة وخامة رب معبوط مغبوط
إفراط التأني تواني
لا ضياع بين الصناعة والقناعة
الإنصاف أحسن الأوصاف
عليك بالحذر من الهذر ربما تكون المنية هنية
معنى المعاشرة ترك المعاشرة
ما لخرق الرقيع مرقع
ربما تكون العناية جناية
من أفرط أورط
رب مورد هو مورط ورب مصعد هو مهبط
قدر الأمين ثمين
من قصر أمله ظهر عمله التضريب زند العداوة الشكر جنة الفارس
والصبر جنة الملابس
ظل الجفاء يكسف شمس الصفاء من لزم الأدب أمن العطب
قوتك قوتك
البيان علم العلم ليكن إقدامك توكلا وإحجامك تأملا
إخوان هذا الزمان خوان الناس عبيد الخواطر الغيث لا يخلو من العيث
الحر نحل السكر إن أجناه المرء من برء شكدا أجناه من سكره
شهدا
إن لم يكن لنا مطمع في درك درك فأعفنا من شرك شرك
لفلان طبع غير طيع وقريحة غير قريحة وخيم وخيم باع فلان الباسقات
واشترى الفاسقات
فصل من كتاب له عن السلطان المعظم
إلى شمس المعالي في شأن الشيخين أبي نصر وأبي سعيد ابني الشيخ أبي بكر الإسماعيلي
من علم الأمير شمس المعالي آدام الله عزه الكريم فكأنما علم الغيث سجاما والليث إقداما
وذلك لأن المكارم من خصائص معانيه ونتائج مساعيه ومعاليه
غير أن العادة جارية بهز السيف وإن كان ماضي الغرار
وقدح الزند لانتضاء ما فيه من الأنوار
ومساق هذا القول إلى ذكر شيخينا أبي نصر وأبي سعيد ابني الشيخ أبي بكر الإسماعيلي أيدهما الله تعالى ورحم أباهما فإنهما غصنا دوحة شريفة وفرعا نبعة صليبة ولكل منها الفضائل التي سارت أخبارها والمحاسن التي سألت أوضاحها
ولئن جرى منهما فيما تقدم زلل فقد يكبو الحليم وينبو الحسام ومن عادته التصميم ولو لم يكن هفو لما عرف عفو
والكريم إذا قدر غفر وشكر الظفر وأنا أسأل الأمير أن يمن علي فيهما بما يعيد جاههما ويقيل عثرتهما وينيل بغيتهما إن شاء الله تبارك وتعالى
ما أخرج من ملحه في الغزل والخمر
قال
( يا يوسف الحسن ليلي بعد فرقتكم ... يحكي سني يوسف طولا وتعذيبا )
( والشأن في أنني أرمى من أجلكم ... بمثل ما قد رمى إخوانك الذببا ) - من البسيط -
وله
( ومهفهف غنج الشمائل أزعجت ... قلبي محاسن وجهه إزعاجا )
( درت الطبيعة أن فاحم شعره ... ليل فأذكت وجنتيه سراجا ) - من الكامل -
وله
( قالت وقد راودتها عن قبلة ... أشفي بها قلبا كئيبا مغرما )
( لا قدم يدا من قبل أن تدني يدا ... ومبرة من قبل أن تدني فما )
( إن الغرام غرامة فمتى تكن ... بي مغرما فلتحتمل بي مغرما ) - من الكامل -
وله
( ومهفهف يسعى بكأس مدامة ... والكأس فوه والرضاب مدامه )
( وإذا تثنى مائسا في مشيه ... فالسرو في ريح الشمال قوامه ) - من الكامل -
وله
( أرأيت قد قال لي بدر الدجى ... لما رأى طرفي يديم سهودا )
( حتام ترمقني بعيني ساهد ... أقصر فلست حبيبك المفقودا ) - من الكامل -
وله
( وغزتغل كل من شبهه ... بلال أو ببدر ظلمه )
( قال إذ قبلت بالوهم فمه ... قد تعديت وأسرفت فمه ) - من الرمل -
وله
( بأبي من أدار من خديه ... مثل ما قد أداره بيديه )
( قمر يقمر العقول بسحر ... ماله مركز سوى عينيه )
( هو أغنى الأنام عني ولكن ... أنا من أفقر الأنام إليه ) - من الخفيف -
وله
( يا غزالا أراه ند وصدا ... بعد ما كان للوصال تصدى )
( بيننا للرقيب سد فلا تجمع ... ذي الهوى مع السد صدا ) - من الخفيف -
وله
( أوان أنت في هذا الأوان ... عن الراح المروق في الأواني )
( تعال إلى الصواني مترعات ... وأبرز نورهن من الصواني )
( وفك إسار لذات عوان ... ببكر من كؤوسك أو عوان ) - من الوافر -
وله
( رب يوم للأنس فيه فراغ ... ولكأس السرور فيه مساغ )
( قد فرغنا له من البث والشكوى ... وما للكؤس فيه فراغ )
( عند حر له قلائد في الأعناق ... من جوهر الأيادي تصاغ )
( بيننا للبخور غيم وللماورد ... طيش وللغوالي رداغ ) - من الخفيف
وله
( يوم له فضل على الأيام ... مزج السحاب ضياءه بظلام )
( فالبرق يخفق مثل قلب هائم ... والغيم يبكي مثل طرف هامي )
( وكأن وجه الأرض خد متيم ... وصلت دموع سحابه بسجام )
( فاطلب ليومك أربعا هن المنى ... وبهن تصفو لذة الأيام )
( وجه الحبيب ومنظرا مستشرفا ... ومغنيا غردا وكأس مدام ) - من الكامل -
وله في وصف الكتب والخط والبلاغة
( كتابك سيدي جلى همومي ... وجل به اغتباطي وابتهاجي )
( كتاب في سرائره سرور ... مناجيه من الأحزان ناجي )
( فكم معنى لطيف ضمن لفظ ... هناك تزاوجا أي ازدواج )
( كراح في زجاج بل كروح ... سرت في جسم معتدل المزاج ) - من الوافر -
وله
( بنفسي من أهدى إلي كتابه ... فأهدى لي الدنيا مع الدين في درج )
( كتاب معانيه خلال سطوره ... لآلئ في درج كواكب في برج ) - من الطويل -
وله
( لما أتاني كتاب منك مبتسم ... عن كل بر وفضل غير محدود )
( حكت معانيه في أثناء أسطره ... آثارك البيض في أحوالي السود ) - من البسيط -
وله من نتفة
( إن سل أقلامه يوما ليعملها ... أنساك كل كمي هز عامله )
( وإن أمر على رق آنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له ) - من البسيط -
وله
( لم تر عيني مثله كاتبا ... لكل شيء شاء أو شاء )
( يبدع في الكتب وفي غيرها ... بدائعا إن شاء إنشاء ) - من السريع -
وله
( ما إن سمعت بنوار له ثمر ... في الوقت يمتع سمع المرء والبصرا )
( حتى أتاني كتاب منك مبتسم ... عن كل لفظ ومعنى يشبه الدررا )
( فكان لفظك من لألائه زهرا ... وكان معناه في أثنائه ثمرا )
( تسابقا فأصابا القصد في طلق ... لله من ثمر قد سابق الزهرا ) - من البسيط -
وله
( بأبي كلامك أيها السحر ... النقي من العيوب )
( يجنيك من ثمر الكلام ... ويجتني ثمر القلوب ) - من مجزوء الكامل -
وله
( بأبي كلامك إني نظرت ... منه إلى صورة الفاتن )
( كلام تهش إليه النفوس ... ويلقي القلوب بلا آذن )
( بدا بالمعاني وتهذيبها ... فأبرزها بالوجوه الحسان )
( وقدر ألفاظه بعد ذاك ... على ما اقتضته قدود المعاني ) - من المتقارب -
وله في أبي نصر بن أبي زيد
( له قلم غربه لا يكل ... إذا كان حد حسام يكل )
( فيوجز لكنه لا يخل ... ويطنب لكنه لا يمل )
( وكيف يمل وتوفيق من ... أفاد العلوم عليه يمل ) - من المتقارب -
وله
( كتاب مولاي أوفى بي على أمل ... وصار في كل ناد قبلة القبل )
( فقلت لما تراءت لي محاسنه ... وبردت بغوادي صوبها عللي )
( أما المعاني فأجسام منعمة ... واللفظ أوشحة الديباج والحلل ) - من البسيط -
وله
( إذا أحببت أن تحظى بسحر ... فلا تختر على لفظي وشعري )
( فأحسن من نظام الدر نظمي ... وآنق من نثار الورد نثري ) - من الوافر -
ومن ملحه في الفقهيات
وقوله
( عليك بمطبوخ النبيذ فإنه ... حلال إذا لم يخطف العقل والفهما )
( ودع قول من قد قال إن قليله ... معين على الإسكار فاستويا حكما )
( فليس لما دون النصاب قضية النصاب ... وإن كان النصاب به نما ) - من الطويل -
وله في معناه
( معاشر الناس أصحوا قد نصحت لكم ... في الراح حكما ملحيا غير ممقوت )
( قليلها مستباح والكثير حمى ... كغرفة فردة من نهر طالوت ) - من البسيط -
وله من قصيدة
( يا بديع الفضل لا فينا ولكن ... في كرام الناس خير الناس ناس )
( أنت عين الجود نصا وقياسا ... وبيان الفقه نص وقياس ) - من الرمل -
وله من قصيدة
( زفت إليك لنا عرائس أربع ... ففضضتها بالسمع وهي قصائد )
( فابعث إلي مهورهن بأسرها ... إن النكاح بغير مهر فاسد ) - من الكامل -
وله
( تخطب ودي وليس كفوا ... لودك المبدع النبيه )
( فهل نكاح بلا نكاف ... يجوز في مذهب الفقيه ) - من مخلع البسيط -
وله من الأدبيات
قال
( وبصير بمعاني الشعر ... والإعراب جدا )
( قال لي لما رآني ... طالبا مالا ورفدا )
( إن مالي يا حبيبي ... لازم لا يتعدى ) - من مجزوء الرمل -
وله
( عذلت ولم أذنب ولم أك جانيا ... وهذا الإنصاف الوزير خلاف )
وله
( وإني لأختص بعض الرجال ... وإن كان فدما ثقيلا عياما )
( فإن الجبن على أنه ... ثقيل وخيم يشهي الطعاما ) - من المتقارب -
وله من قصيدة
( فلا تكن عجلا بالأمر تطلبه ... فليس يحمد بعد النضح بحران ) - من البسيط -
وله من نتفة
( وقد يلبس المرء خز الثياب ... ومن دونها حالة مضنيه )
( كمن يكتسي خده حمرة ... وعلتها ورم في الريه ) - من المتقارب -
وله
( إن الجهول تضرني أخلاقه ... ضرر السعال بمن به استسقاء ) - من الكامل -
وله
( اقبل مشورة ناصح نفاع ... وتلق ما يهدي بسمع واعي )
( لا تعتمد إلا رئيسا فاضلا ... إن الكيان أطب للأوجاع ) - من الكامل -
وله
( عذرتك يا إنسان إن كنت مغرما ... بعذر ومغرى بالتحيل والنكث )
( وكيف ألوم المرء في خبث فعله ... وأول شيء قد غذاه دم الطمث ) - من الطويل
وله
( عدل قطوبك بالبشاشة يعتدل ... وزناهما فيمن يذل ويكرم )
( فالحر طلق ضاحك ولربما ... تلقها وهو العابس المتجهم )
( كالورد فيه عفوصة ومرارة ... وهو الذكي الناضر المتبسم ) - من الكامل -
وله
( خف الله واطلب هدى دينه ... وبعدهما فاطلب الفلسفه )
( لئلا يغرك قوم رضوا ... من الدين بالزور والفلسفه )
( ودع عنك قوما يعيدونها ... ففلسفة المرء فل السفه ) - من المتقارب -
وله من النجوميات
قال
( قد غض من أملي أني أرى عملي ... أقوى من المشتري في أول الحمل )
( وأنني زاحل عما أحاوله ... كأنني أستدر الحظ من زحل ) - من البسيط -
وله
( إذا غدا ملك باللهو مشتغلا ... فاحكم على ملكه بالويل والحرب )
( أما ترى الشمس في الميزان هابطة ... لما غدا برج نجم اللهو والطرب ) - من البسيط -
وله
( لا تعجبن لدهر ظل في صبب ... أشرافه وعلا في أوجه السفل )
( وانقذ لأحكامه أنى تقاربها ... فالمشتري السعد عال فوقه زحل ) - من البسيط
وله
( سل الله العظيم تسل جوادا ... أمنت على خزائنه النفادا )
( وإن أدناك سلطان لفضل ... فلا تغفل ترقبك البعادا )
( فقد تدني الملوك لدى رضاها ... وتبعد حين تحتفد احتفادا )
( كما المريخ في التثليث يعطي ... وفي التربيع يسلب ما أفادا ) - من الوافر -
وله
( ألا فثقوا بي فإني كما ... تمدحت فليمتحن من يحب )
( فلا كوكبي راجع في الوفا ... ولا برج قلبي بالمنقلب ) - من المتقارب -
وله
( لئن كسفونا بلا علة ... وفازت قداحهم بالظفر )
( فقد يكسف المرء من دونه ... كما تكسف الشمس جرم القمر ) - من المتقارب -
وله
( شرف الوعد بوعد مثله ... مثله ما فيه زيغ وخلل )
( ودليل الصدق فيما قلته ... شرف المريخ في بيت زحل ) - من الرمل -
وله
( قل للذي غرته عزة ملكه ... حتى أخل بطاعة النصحاء )
( شرف الملوك بعلمهم وبرأيهم ... وكذاك أوج الشمس في الجوزاء ) - من الكامل -
وله من نتفة
( وقد يفسد المرء بعد الصلاح ... فساد الأماكن والشر يعدي )
( كما السعد يقبل طبع النحوس ... إذا كان في موضع غير سعد ) - من المتقارب -
وله
( ما أنس ظمآن بعذب بارد ... من بعد طول العهد بالموارد )
( إلا كأنسي بكتاب وارد ... من سيد محض النجار ماجد )
( كأنما استملاه من عطارد ... ) - من الرجز -
وله من نتفة
( طبعي كطبع المشتري ما فيه من ... شوب فهل من مشتر للمشتري ) - من الكامل -
ومن أخرى
( يا من تولى المشتري تدبيره ... حاشاك أن تنقاد للمريخ ) - من الكامل -
ومن أخرى
( لا تفزعن من كل شيء مفزع ... ما كل تربيع البروج بضائر ) - من الكامل -
ومن أخرى
( أي عذر أن صام عنه ثنائي ... وأنا الدهر منه في يوم فطر )
( وأتم الأشياء نورا وحسنا ... بكر شكر زفت إلى صهربر )
( ما قران السعدين في الحوت أبهى ... منظرا من قران بر وشكر ) - من الخفيف -
وله
( دعاني إلى بيته سيد ... له الخلق الأشرف الأظرف )
( فلازمت بيتي ولاطفته ... بعذر هو الألطف الأطرف )
( عطارد نجمي ولا شك أن ... عطارد في بيته أظرف ) - من المتقارب -
وله
( يا معشر الكتاب لا تتعرضوا ... لرياسة وتصاغروا وتخادموا )
( إن الكواكب كن في أشراقها ... إلا عطارد حين صور آدم ) - من الكامل -
ومن ملح مدحه وما يتصل بها
قال
( بسيف الدولة اتسقت أمور ... رأيناها مبددة النظام )
( سما وحمى بني سام وحام ... فليس كمثله سام وحام ) - من الوافر -
وله
( يا من أعاد رميم الملك منشورا ... وضم بالرأي ملكا كان منثورا )
( أنت الأمير وإن لم تؤت منشورا ... والأمر بعدك إن لم تؤتمن شورى ) - من البسيط -
وله من نتفة
( وسائل الناس شتى عند سادتهم ... ولي وسائل آدابي وآمالي )
( فاحسب لبرك أذيالا على أملي ... أحسب بشكرك ما عمرت أذيالي ) - من البسيط -
ومن أخرى
( مدحتك فالتامت قلائد لم يفز ... بأمثالها الصيد الكرام الأعاظم )
( لأنك بحر والمعاني لآلئ ... فطبعي غواص وقولي ناظم ) - من الطويل
وقوله
( فرواؤه ملء العيون وفضله ... ملء القلوب وسيبه ملء اليد ) - من الكامل -
ومن أخرى
( أقول لمن يعلمه المعالي ... ويذكره لذي حق ذماما )
( أراك تعلم الصدر التزاما ... لمن يهواه والثغر ابتساما ) - من الوافر -
ومن أخرى
( رعى الله دولة كافي الكفاة ... وبلغه كنه آماله )
( ولا زال إقبال هذا الزمان ... يقبل أطراف أقباله ) - من المتقارب -
ومن أخرى
( أفعاله غرر أقواله سور ... أقلامه قضب آراؤه شهب ) - من البسيط -
ومن أخرى
( كأن الغصون وقد أثقلت ... بما حملت من بديع الثمار )
( رقاب الأنام وقد أصبحت ... مثقلة بالأيادي الكبار ) - من المتقارب -
ومن أخرى
( لا تعظمن عليك مدحة خادم ... إياك يقصر عن مداك مديحه )
( فالظفر وهو أخس أجزاء الفتى ... يشفي بحك جسمه فيريحه ) - من الكامل -
ومن أخرى
( فتى جمع العلياء علما وعفة ... وبأسا وجودا لا يفيق فواقا )
( كما جمع التفاح حسنا ونضرة ... ورائحة محبوبة ومذاقا ) - من الطويل -
ومن أخرى
( شكوت إلى جوده خلتي ... ورقة حالي وتقصير قسمي )
( ففزع من رقة الحال قلبي ... وأفرغ في قالب الرق جسمي ) - من المتقارب -
ومن أخرى في الأمير أبي نصر أحمد بن علي الميكالي
( جمع الله في الأمير أبي نصر ... خصالا تعلو بها الأقدار )
( راحة ثرة وصدرا فضاء ... وذكاء تبدو له الأسرار )
( خطه روضة وألفاظه الأزهار ... يضحكن والمعاني ثمار ) - من الخفيف -
وله
( ولما رأيت الناس إلا أقلهم ... وأطيب ما مجوا من السكر أخبث )
( نشرت ثناء عطر الأفق طيبه ... كذاك ثناء الحر ند مثلث )
( وألفت ألحانا بشكرك لم يصب ... تناسبها زير ومثنى ومثلث ) - من الطويل -
وله
( يا سيد الأمراء يا من جوده ... أوفى على الغيث المطير إذا همى )
( الغيث يعطي باكيا متجهما ... ونداك يعطي ضاحكا متبسما ) - من الكامل -
وله
( سقى الله امرأ إن كف دارت ... صروف زماننا مما يليه )
( فلم أر مثله حرا تولى ... فولى ما يليه ما يليه ) - من الوافر -
وله
( لا يسوءنك إن براني ... دهر فلم يرش )
( أنت عش سالما فإنك ... إن عشت أنتعش ) - من مجزوء الخفيف -
وله
( ملك يفيض على العفاة سجاله ... وعلى العداة بسطوه سجيلا )
( وإذا حباك بغرة من ماله ... ثنى وأعقب غرة تحجيلا ) - من الكامل -
وله
( أبوك حوى العليا وأنت مبرز ... عليه إذا نازعته قصب المجد )
( وللخمر معنى ليس في الكرم مثله ... وللنار نور ليس يوجد للزند )
( وخير من القول المقدم فاعترف ... نتيجته والنحل يكرم للشهد ) - من الطويل -
وله
( لا تظنن بي وبرك حي ... أن شكري كشكر غيري موات )
( أنا أرض وراحتاك سماء ... والأيادي وبل وشكري نبات ) - من الخفيف -
ومن الإخوانيات
قال
( تحمل أخاك على ما به ... فما في استقامته مطمع )
( وأنى له خلق واحد ... وفيه طبائعه الأربع ) - من المتقارب
وله في مؤلف هذا الكتاب
( قلبي مقيم بنيسابور عند أخ ... ما مثله حين تستقري البلاد أخ )
( له صحائف أخلاق مهذبة ... منها الحجى والعلى والظرف تنتسخ ) - من البسيط -
وله فيه أيضا
( أخ لي زكي النفس والأصل والفرع ... يحل محل العين مني والسمع )
( تمسكت منه إذ بلوت إخاءه ... على حالتي وضع النوائب والرفع )
( بأوعظ من عقل وآنس من هوى ... وأرفق من طبع وأنفع من شرع ) - من الطويل -
وله فيه أيضا
( إذا نسي الناس إخوانهم ... وخان المودة خوانها )
( فعندي لإخواني الغائبين ... صحائف ذكرك عنوانها ) - من المتقارب -
وله في أبي النصر العتبي
( كلام لأبي النصر ... موفى واجب النحل )
( فما أدري جنى النحل ... أتاني أم جنى النخل ) - من الهزج -
وكتب إلى بعض إخوانه
( لقاؤك يدني من المرتجى ... ويفتح باب الهوى المرتج )
( فأسرع إلينا ولا تبطئن ... فإنا صيام إلى أن تجي ) - من المتقارب -
وكتب أيضا
( عندي فديتك سادة أحرار ... وقلوبهم شوقا إليك حرار )
( وشرابنا شرب العلوم وروضنا ... نزه الحديث وثقلنا الأشعار )
( فامنن علينا بالبدار فإنما ... أعمار أوقات السرور قصار ) - من الكامل -
وله من نتفة
( عرج علي فما في رونقي رنق ... لمن أصافي ولا في خلتي خلل ) - من البسيط -
وله من أخرى
( ولا أصالح أنسي بعد فرقتكم ... حتى يصافح كف اللامس القمرا )
( ولا أمل مدى الأيام ذكركم ... حتى يمل نسيم الروضة السحرا ) - من البسيط -
وله
( إن لم تكن نيتي مصورة ... ولم تكن واثقا بناجيتي )
( فسل ثنائي فإنه علن ... تشهد على نيتي علانيتي ) - من المنسرح -
وله
( قل للذي يرجو ثبات مودتي ... ودوام ما أعطيه من إخلاصي )
( أيدوم إخلاص بغير مودة ... كلا ومنزل سورة الإخلاص ) - من الكامل -
وله
( فهمت كتابك يا سيدي ... فهمت ولا عجب أن أهيما )
( وذاك لأني تأملت منه ... درا نطيما وبرا عظيما )
( وصادفته صدفا للعلوم ... ضمن منها البديع اليتيما )
( فكم من كواكب تجلو البهيم ... وكم من مشارع يروين هيما )
( وكم روضة تستفيد الرياض ... منهم نورا ونبتا عميما )
( وكم قد قراني لفظا وسيما ... عليه من الطبع حسن وسيما ) - من المتقارب -
وله
( لا تحقرن أخا وإن أبصرته ... لك جافيا ولما تحب منافيا )
( فالغصن يذبل ثم يصبح ناضرا ... والماء يكدر ثم يرجع صافيا ) - من الكامل -
وله
( ذكر أخاك إذا تناسى واجبا ... أو عن في آرائه تقصير )
( فالرأي يصدأ كالحسام لعارض ... يطرأ عليه وصقله التذكير ) - من الكامل -
وله
( أتاني كتاب من أخ لي ماجد ... فأكرم به بين المواهب وافدا )
( وقلت لروحي كن له من جميع ما ... يخاف من الأيام أو يختشي فدا ) - من الطويل -
وله
( كم من أخ قد هدمت أخلاقه ... من آخر ما قد هى في الأول )
( نسي الوفاء ولست أنسى عهد ما ... شاهدت منه في الزمان الأطول )
( يرمي سهاما إن أسر المقت لي ... بالكيد لا يقصدن غير المقتل ) - من الكامل -
وله
( أرقت حتى كأن عيني ... قد وهبت لي بلا جفون )
( ففاض في الخدماء عيني ... فحلته فاض من عيون )
( وذاك أن الزمان أفضى ... بي من سهول إلى حزون )
( وسامني البعد عن أناس ... هم فارقوني فأرقوني ) - من مخلع البسيط -
وله
( بأبي من شفى فؤادا عليلا ... بكلام حكى النسيم عليلا )
( زاد في طوله ارتياحا إليه ... وغراما به عريضا طويلا )
( كرضاب الحبيب يروي غليلا ... ثم ينشى إلى المزيد غليلا ) - من الخفيف -
وله
( فديتك قل الصديق الصدوق ... وقل الخليل الحظي الوفي )
( ولي رغبة فيك إن ما وفيت ... فهل راغب أنت في أن تفي ) - من المتقارب - وله من باب الشكوى والعتاب
قال
( عفاء على هذا الزمان فإنه ... زمان عقوق لا زمان حقوق )
( وكل رفيق فيه غير موافق ... وكل صديق فيه غير صدوق ) - من الطويل -
وله
( رأيتك تكويني بميسم منة ... كأنك قد أصبحت علة تكويني )
( وتلويني الحق الذي أنا أهله ... وتخرج في أمري إلى كل تلوين )
( فمهلا ولا تمنن علي فبلغة ... من العيش تكفيني إلى يوم تكفيني ) - من الطويل -
وله
( ومن عجب أني لغيرك شافع ... إليك وبي فقر إلى ألف شافع )
( ولكن أحرار الزمان وإن جفوا ... فشيمتهم أن يسمحوا بالمنافع ) - من الطويل -
وله
( يا من عقدت به الرجاء فلم يكن ... لي منه إرفاد ولا إيناس )
( إن كان قد جرح المطامع عفتي ... فوراء ذاك الجرح جرح يأسو ) - من الكامل -
وله
( لقاء أكثر من يلقاك أوزار ... فلا تبال أصدوا عنك أو زاروا )
( لهم لديك إذا جاءوك أوطار ... فإن قضوها تنحوا عنك أو طاروا )
( أخلاقهم فتجنبهن أوعار ... ووصلهم مأتم للمرء أو عار ) - من البسيط -
وله
( لا تغبنن ولا تخدعك بارقة ... من ذي خداع يرى بشرا وألطافا )
( فلو قلبت جميع الناس قاطبة ... وسرت في الأرض أوساطا وأطرافا )
( لم تلف فيها صديقا أبدا ... ولا أخا يبذل الإنصاف إن صافى ) - من البسيط -
وله
( أبا قاسم كم ظالم متعجرف ... نضالي حدي سيفه وسنانه )
( فسلمني الله الكريم بلطفه ... وصيرني في لطفه وضمانه )
( ومنهم أبوك إنه سل مصلتا ... علي حسامي كيده ولسانه )
( فلما غلا في ظلمه وعتوه ... وأشبه عيرا لج في نزوانه )
( صبرت على مكروهه فتكشفت ... عواقبه عن عزتي وهوانه )
( فإن تتقيه أو صبرت فإنما ... زمانك أيضا منقض كزمانه ) - من الطويل -
وله
( يا ذا الذي ركب الفساد وعنده ... أنى أسود إذا ركبت فسادا )
( أضللت رأيك عامدا أو ساهيا ... من ذا الذي ركب الفساد فسادا ) - من الكامل -
وله
( أكتاب بست كم نناجزكم على ... وزارة بست وهي سخنة عين )
( وخف حنين فوق ما تطلبونه ... فكم بينكم يا قوم حرب حنين ) - من الطويل -
وله
( لله نيسابور من حلة ... ما مثلها دار ولا حله )
( للخير والمير بها كثرة ... للشر والضير بها قله )
( فيها كرام سادة أجلة ... سادوا على السادة والجله )
( ما عيبها إلا بعمالها ... فالبخل والمنع لهم مله )
( جفوا فما في طينهم للذي ... يعصره من بلة بله )
( فهذه أولى خطابي لهم ... وبعدها ما يهتك الكله ) - من السريع -
وله
( قلت لطرف الطبع لما ونى ... ولم يطع أمري ولا زجري )
( مالك لا تجري وأنت الذي ... تحوي مدى الغايات إذ تجري )
( فقال لي دعني ولا تؤذني ... حتى متى أجري بلا أجر ) - من السريع -
وله
( للناس في محن الزمان مراتب ... ولكلهم فيها نصيب راتب )
( وكأن أوفرهم إذا استقريتهم ... منها نصيبا شاعر أو كاتب )
( فأقل عتبك والعتاب معا فلم ... يسعد بإعتاب الزمان معاتب ) - من الكامل -
وله
( جعلنا أجنبيين ... بلا جرم ولا تبل )
( وأقصينا وما خنا ... وما زغنا عن العدل )
( فقل لي يا أخا السؤدد ... والهمة والفضل )
( إلى كم نحن في ضيق ... وفي عزل وفي أزل )
( أما تنشط أن تملي ... على الكاتب أنتم لي ) - من الهزج -
وله
( وجدت ما قد بعثت غثا ... مستحقرا ليس بالثمين )
( فليت شعري قليت شعري ... فكان غثا بلا سمين ) - من مخلع البسيط -
وله
( إذا ملك لم يكن ذاهبه ... فدعه فدولته ذاهبه ) - من المتقارب
وله
( إلى حتفي مشى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي )
( فكم أنقد من ندم ... وليس بنافعي ندمي ) - من مجزوء الوافر -
وله
( ألم تر ما ارتآه أبو علي ... وكنت أراه ذا لب وكيس )
( عصى السلطان فابتدرت إليه ... جنود يقلعون أبا قبيس )
( وصير طوس معقله فأمسى ... عليه طوس أشأم من طويس ) - من الوافر -
وله
( قل للذي غره عز وساعده ... فيما يحاوله نقض وإمرار )
( لا تفتخر بغنى أمطيت كاهله ... فإن أصلك يا فخار فخار ) - من البسيط -
وله
( قل للوزير الكريم قولا ... يغض من ناظر الكريم )
( دارك لي جنة ولكن ... بوابها مالك الجحيم ) - من مخلع البسيط -
وله
( إلى الله أشكو اتصال الخطوب ... وصرف زمان بلينا به )
( وقد كان يبسم عن ثغره ... فأصبح يكشر عن نابه ) - من المتقارب -
وله
( الدهر خداع خلوب ... وصفو بالقذى مشوب )
( وأكثر الناس فاعتزلهم ... قوالب ما لها قلوب )
( فلا تغرنك الليالي ... وبرقها الخلب الكذوب )
( ففي قفا أنسها كروب ... وفي حشى سلمها حروب ) - من مخلع البسيط -
وله
( نحن والله في زمان سفيه ... يصفع النائبات من كأس فيه )
( فتشكل بشكله يك أحفى ... بك إن السفيه صنو السفيه ) - من الخفيف -
وله
( الدهر سلم لكل نذل ... لكنه للكريم حرب )
( فارث لذي حكمة وإرب ... فحظه غمة وكرب )
( همته للسماك سمك ... وخده للتراب ترب ) - من مخلع البسيط -
وله
( إذا أحسست في لفظي فتورا ... وخطي والبلاغة والبيان )
( فلا ترتب بفهمي إن رفصي ... على مقدار إيقاع الزمان ) - من الوافر -
وله
( أراح الله قلبي من زمان ... محت يده سروري بالإساءه )
( فإن حمد الكريم صباح يوم ... وأني ذاك لم يحمد مساءه ) - من الوافر
وله من باب الذم والهجاء
قال
( شيخ لنا يقطعنا عرضه ... من قبل أن يقطعنا ماله )
( أخيب خلق الله من خاله ... حرا ومن شام صدى خاله )
( وأكثر الفتيان بثا فتى ... يبثه معتفيا حاله )
( شيخ كثير المال لكنه ... ملك ما يملك أقفاله )
( وكل ما عن له مشكل ... وراح أن يوضح أشكاله )
( يبني على الفكرة أعماله ... وذاك في التحقيق أعمى له )
( فقيض الرحمن أفعى له ... تريه في الخلوة أفعاله ) - من السريع -
وله
( من مبلغ الأشرار عني أنني ... ما دام لي حس وعرق ينبض )
( أقليهم طرا لأني ضدهم ... والضد للضد المنافر مبغض )
( فإذا رأوني مقبلا فليعلموا ... أني بوجه الجد عنهم معرض ) - من الكامل -
وله
( إذا اتخذت أخا فاسبر خلائقه ... فإن ذا الحزم والتدبير من سبرا )
( ولا تعول على شخص له عم ... وصورة ذات حسن تبهر القمرا )
( فكم فتى راق منه ظاهر حسن ... وكان باطنه ضد الذي ظهرا )
( أعددته لصروف الدهر مدخرا ... فكان في السبك والتحقيق مدخرا ) - من البسيط -
وله
( يا قوم أرعوني أسماعكم ... حتى أؤدي واجب الفرض )
( أشهد حقا أن سلطانكم ... ليس بظل الله في الأرض ) - من السريع -
وله
( لي صاحب أحمق هلباجه ... دعوته الكبرى بلا باجه )
( يقري الأخلاء ولكنه ... يطبخ في خديه سكباجه ) - من السريع -
وله
( قلت له لما مضى وانقضى ... لا ردك الرحمن من هالك )
( أما وقد فارقتنا فانتقل ... من ملك الموت إلى مالك ) - من السريع -
وله
( لي جار فيه حيره ... عرسه تلعن أيره )
( خلق الله إله الناس ... للغيرة غيره ) - من مجزوء الرمل -
وله
( في الناس من تجنيسه تجنيس ... أبدا كما تدريسه تدليس ) - من الكامل - ومن باب الشيب والكبر
قال
( دع دموعي تسيل سيلا بدارا ... وضلوعي يصلين بالوجد نارا )
( قد أعاد الأسى نهاري ليلا ... مذ أعاد المشيب ليلي نهارا ) - من الخفيف -
وله
( يا شيبتي دومي ولا تترحلي ... وتيقني أني بوصلك مولع )
( قد كنت أجزع من حلولك مرة ... فالآن من حذر ارتحالك أجزع ) - من الكامل -
وله
( ما استقامت قناة رأيي إلا ... بعد ما قوس المشيب قناتي ) - من الخفيف -
وله
( أرى المرء يرجو أن يطول بقاؤه ... ليدرك ما يرجو بطول بقائه )
( فأية جدوى في البقاء وقد وهت ... قواه وأقوى قلبه من زكائه )
( إذا ما نبا حس وكلت بصيرة ... فطول بقاء المرء طول شقائه ) - من الطويل - ومن باب الأمثال والنوادر والحكم والمواعظ وما يجري مجراها
قال
( بين من يعطي ومن يأخذ ... في التقدير عرض )
( فيد المعطي سماء ... ويد الآخذ أرض )
( وعلى الآخذ أن يشكر ... إن الشكر فرض ) - من مجزوء الرمل -
وله
( كنت في نعمة وظل رخاء ... ونسيم من النعيم رخاء )
( فاتبعت الهوى وخالفت رأيي ... واتباع الهوى وبيء الهواء ) - من الخفيف
وله
( حبست ومن بعد الكسوف تبلج ... تضيء به الآفاق للبدر والشمس )
( فلا تعتقد للحبس غما ووحشة ... فأول كون المرء في أضيق الحبس ) - من الطويل -
وله
( أفد طبعك المكدود بالهم راحة ... تجم وعلله بشيء من المزح )
( ولكن إذا أعطيته ذاك فليكن ... بمقدار ما تعطي الطعام من الملح ) - من الطويل -
وله
( لا تنكرن إذا أهديت نحوك من ... علومك الغر أو آدابك النتفا )
( فقيم الباغ قد يهدى لمالكه ... برسم خدمته من باغه التحفا ) - من البسيط -
وله
( لا تحسبني إذا أوليتني نعما ... أني أخو وهن في الشكر أو كسل )
( فإنني نحل شكر إن جنى ثمرا ... أجناك من قوله أحلى من العسل ) - من البسيط -
وله
( لا در در نوازل الأحداث ... نقلت أحبتنا إلى الأجداث )
( فغدت مآنسنا وهن مقابر ... وغدت مدائحنا وهن مراثي ) - من الكامل -
وله
( توق خلافا إن سمحت بموعد ... لتسلم من هجو الورى وتعافى )
( فلو أثمر الصفصاف من بعد نوره ... وإيراقه ما لقبوه خلافا ) - من الطويل -
وله
( من شاء عيشا رخيا يستفيد به ... في دينه ثم في دنياه إقبالا )
( فلينظرن إلى من فوقه أدبا ... ولينظرن إلى من دونه مالا ) - من البسيط -
وله
( إن كنت تطلب ثروة وغنى ... فعليك بالإجمال في الطلب )
( فالرسل ليس يدر في العلب ... من غير إبساس ولا حلب ) - من الكامل -
وله
( لا تحقر المرء إن رأيت به ... دمامة أو رثاثة الحلل )
( فالنحل شيء على ضؤولته ... يشتار منه الفتى جنى العسل ) - من المنسرح -
وله
( إذا ما اصطفيت امرءا فليكن ... شريف النجار زكي الحسب )
( فنذل الرجال كنذل النبات ... فلا للثمار ولا للحطب ) - من المتقارب -
وله
( رضيت بعيش كفاف حلال ... وبعت المدام بماء زلال )
( فمن يك يحلو له ما يصيب ... حراما فإن حلالي حلالي ) - من المتقارب -
وله
( دعني فلن أخلق ديباجتي ... ولست أبدي للورى حاجتي )
( علي أن ألزم بيتي وأن ... أرضى بما يحضر من باجتي )
( منزلي يحفظها منزلي ... وباجتي تحفظ ديباجتي ) - من السريع -
وله
( يا أيها السائل عن مذهبي ... ليقتدي فيه بمنهاجي )
( منهاجي العدل وقمع الهوى ... فهل لمناجي من هاجي ) - من السريع -
وله
( يقولون ذكر المرء يحيا بنسله ... وليس له ذكر إذا لم يكن نسل )
( فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي ... فإن فاتنا نسل فإنا بها نسلو ) - من الطويل -
وله
( نصحتك جامل الإخوان طرا ... على عذب سقوه أو أجاج )
( ولا ترج الصفاء بغير مذق ... فلا يخلو السراج من السناج ) - من الوافر -
وله
( إذا ما هممت بكشف الظلم ... وحفظ الثغور وسد الثلم )
( فعول على خلتين اثنتين ... خرق الحسام ورفق القلم ) - من المتقارب -
وله
( لا يعدم المرء كنا يستكن به ... ومنعة بين أهليه وأصحابه )
( ومن نأى عنهم قلت مهابته ... كالليث يحقر إما غاب عن غابه ) - من البسيط -
وله
( ألذ من رشف رضاب الحور ... ومن رضاع درة السرور )
( والبارد الزلال للمخمور ... رشف الثناء من فم الشكور ) - من الرجز -
وله
( تأخرت عن قوم ولا غرو أنني ... سأسبقهم بالجد والجد معوان )
( ألست ترى العنوان يكتب آخرا ... وأول مقروء من الكتب عنوان ) - من الطويل -
وله
( إذا حيوان كان طعمه ضده ... توقاه كالفأر الذي يتقي الهرا )
( ولا شك أن المرء طعمه دهره ... فما باله يا ويحه يأمن الدهرا ) - من الطويل -
وله
( لا يستخفن الفتى بعدوه ... أبدا وإن كان العدو ضئيلا )
( إن القذى يؤذي العيون قليله ... ولربما جرح البعوض الفيلا ) - من الكامل -
وله
( أحرك بالتذكير قوما لعله ... يفتح من أسماعهم شدة الوقر )
( وإن كان تحريكي يشق عليهم ... فإن طنين الزير والبم بالنقر ) - من الطويل -
وله
( لقد هنت من طول المقام ومن يقم ... طويلا يهن من بعد ما كان مكرما )
( وطول جمام الماء في مستقره ... يغيره لونا وريحا ومطعما ) - من الطويل -
وله
( لئن تنقلت من دار إلى دار ... وصرت بعد ثواء رهن أسفار )
( فالحر حر عزيز النفس حيث ثوى ... والشمس في كل برج ذات أنوار ) - من البسيط -
وله
( إذا تحدثت في قوم لتؤنسهم ... بما تحدث من ماض ومن آتي )
( فلا تعيدن حديثا إن طبعهم ... موكل بمعاداة المعادات ) - من البسيط -
وله
( إذا خذل المرء من نفسه ... فليس له من سواه نصير )
( وشر سلاح يحامي به ... لسان طويل وباع قصير ) - من المتقارب -
وله
( دعوني وأمري واختياري فإنني ... عليم بما أفري وأخلق من أمري )
( إذا مر بي يوم ولم أصطنع يدا ... ولم أستفد علما فما هو من عمري ) - من الطويل -
وله
( أشفق على الدرهم والعين ... تسلم من العينة والدين )
( فقوة العين بإنسانها ... وقوة الإنسان بالعين ) - من السريع -
وله
( يا من يرجى أن يعيش مسلما ... جذلان لا يدهى بخطب يحزن )
( أفرطت في شطط الأماني فاقتصد ... واعلم بأن من المنى ما يفتن )
( ليس الأمان من الزمان بممكن ... ومن المحال وجود ما لا يمكن )
( معنى للزمان على الحقيقة كاسمه ... فعلام ترجو أنه لا يزمن ) - من الكامل -
وله
( وثقت بربي وفوضت أمري ... إليه وحسبي به من معين )
( فلا تبتئس لصروف الزمان ... ودعني فإن يقيني يقيني ) - من المتقارب -
66 - أبو سليمان الخطابي أحمد بن محمد بن إبراهيم
كان يشبه في عصرنا بأبي عبيد القاسم بن سلام في عصره علما وأدبا وزهدا وورعا وتدريسا وتأليفا إلا أنه يقول شعرا حسنا وكان أبو عبيد مفحما
ولأبي سليمان كتب من تأليفه وأشهرها وأسيرها كتاب في غريب الحديث وهو في غاية الحسن والبلاغة
وأنشدني غير واحد له
( وما غمة الإنسان في شقة النوى ... ولكنها والله في عدم الشكل )
( وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي ) - من الطويل -
وقد أخذ هذا المعنى عمر بن أبي عمر السجزي فقال
( وليس اغترابي في سجستان أنني ... عدمت بها الإخوان والدار والأهلا )
( ولكنني ما لي بها من مشاكل ... وإن الغريب الفرد من يعدم الشكلا ) - من الطويل -
وأنشدني أبو الفتح قال أنشدني أبو سليمان لنفسه
( شر السباع العوادي دونه وزر ... والناس شرهم ما دونه وزر )
( كم معشر سلموا لم يؤزهم سبع ... وما نرى بشرا لم يؤذه بشر ) - من البسيط -
وأنشدني له أيضا
( ما دمت حيا فدار الناس كلهم ... فإنما أنت في دار المداراة )
( من يدر داري ومن لم يدر سوف يرى ... عما قليل نديما للندامات ) - من البسيط -
وله
( لعمرك ما الحياة وإن حرصنا ... عليها غير ريح مستعاره )
( وما للريح دائمة هبوب ... ولكن تارة تجري وتاره ) - من الوافر -
وله
( وقائل ورأى من حجتي عجبا ... كم ذا التواري وأنت الدهر محجوب )
( فقلت حلت نجوم العمر منذ بدا ... نجم المشيب ودين الله مطلوب )
( فلذت من رجل بالاستتار عن الأبصار ... إن غريم الموت مرعوب ) - من البسيط -
وله
( تغنم سكون الحادثات فإنها ... وإن سكنت عما قليل تحرك )
( وبادر بأيام السلامة إنها ... رهون وهل للرهن عندك مترك ) - من الطويل -
وله
( قل للذي ظل يلحاني ويعذلني ... لنائل فاته والخير مأمول )
( لا تطلب السمن إلا عند ذي سمن ... نال الولاية فالمعزول مهزول ) - من البسيط -
وله
( قد جاء طوفان البلاء ولا أرى ... في الأرض ويحي للنجاة سفينه )
( فاصعد إلى وزر السماء فإن يكن ... يعيبك فابك لنفسك المسكينه ) - من الكامل
وله
( تسامح ولا تستوف حقك كله ... وأبق فلم يستقص قط كريم )
( ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم ) - من الطويل -
وله
( قد أولع الناس بالتلاقي ... والمرء صب إلى هواه )
( وإنما منهم صديقي ... من لا يراني ولا أراه ) - من مخلع البسيط -
وله
( سلكت عقابا في طريقي كأنها ... صياصي ديوك أو أكف عقاب )
( وما ذاك إلا أن ذنبا أحاط بي ... فكان عقابي في سلوك عقاب ) - من الطويل -
وله
( إذا خلوت صفا ذهني وعارضني ... خواطر كطراز البرق في الظلم )
( وإن توالى صياح الناعقين على ... أذني عرتني منه حكلة العجم ) - من البسيط -
67 - أبو محمد شعبة بن عبد الملك البستي
سمعت أبا الفتح البستي يقول لما أنشدني شعبة شعبة قوله
( فديت من زارني على حذر ... من الأعادي وقلبه يجب )
( فلو خلعت الدنيا عليه لما ... قضيت من حقه الذي يجب ) - من المنسرح
استحسنته وأنا إذ ذاك في زمان الصبا فأخذت نفسي سلوك طريقته في المتشابه حتى قلت ما قلت
قال وأنشدني أيضا لنفسه
( إن كنت أزمعت الفراق فلا تدع ... نفسي تعاجلني بوشك فراق )
( وأصل بكتبك ميتا يحييه ما ... يلقاه فيها من غداة تلاقي ) - من الكامل -
وأنشدني غيره له
( نفسي الفداء لمن لم أخل مذ علقت ... نفسي بذكراه من حسن وإحسان )
( ما إن تزال أياديه تواصلني ... كأنه وأنا أهواه يهواني ) - من البسط -
وله
( لكل من بني الدنيا مراد ... ومالي غير وصلك من إراده )
( فلو شاهدت قلبي لم تجده ... تضمن غير حبك والشهاده ) - من الوافر -
أخذه من قول القائل
( لو شق قلبي لرأوا بينه ... حبك والتوحيد في سطر ) - من السريع -
وله
( ضقت ذرعا بذلتي واغترابي ... وفراق الإخوان والأحباب )
( جاوز الدهر حده في اهتضامي ... وكأن الزمان يهوى عذابي )
( لايني في حشاي مسموم ناب ... لليالي وفي فمي كأس صاب )
( زمن جائر وجد عثور ... وأسى لازم وزند كابى ) - من الخفيف
68 - أبو بكر النحوي البستي
له شعر كثير لا يحضرني الآن منه إلا قوله لأبي بكر الخوارزمي وكان هجاه بقوله
( نحويكم في حمقه ... معرفة لا نكره )
( ذو لحية مبسوطة ... وفطنة مختصره ) - من مجزوء الرجز -
وغير ذلك فقال
( وعاو عوى من أهل خوارزم خيفة ... كذا الكلب عند الخوف مجتهدا يعوي )
( تعاظم فعلي أهل ودي أن رأوى ... سكوتي وهجري هجو من دأبه هجوي )
( فقلت اسكتوا فالهجو نجو وإنني ... حلفت بأن لا أغسل النجو بالنجو ) - من الطويل -
69 - الخليل بن أحمد السجزي
كان أحد الأئمة في فقه الحنفية ومن شعراء الفقهاء وتقلد القضاء لآل سامان بسجستان وغيرها سنين كثيرة وهو القائل لأبي جعفر صاحب سجستان في تهنئة بقصر بناه
( شيدت قصرا عاليا مشرفا ... بطائري سعد ومسعود )
( كأنما يرفع بنيانه ... جن سليمان بن داود )
( لا زلت فيه باقيا ناعما ... على اختلاف البيض والسود ) - من السريع -
وكان مكتوبا في صدر الإيوان الذي فيه
( من سره أن يرى الفردوس عاجلة ... فلينظر اليوم في بنيان إيواني )
( أو سره أن يرى رضوان عن كثب ... بملء عينيه فلينظر إلى الباني ) - من البسيط -
ولما قتل أبو جعفر أمر الخليل أن يكتب تحتهما من قبله
( لو كانت الدار فردوسا وساكنها ... رضوان لم يبل فيها جسم رضوان )
( الموت أسرع في هذا فأهلكه ... والدهر أسرع في تخريب إيوان ) - من البسيط -
وأنشد الخليل قول التنوخي القاضي
( خذ الفلس من كف اللئيم فإنه ... أعز عليه من حشاشة نفسه )
( ولا تحتشم ما عشت من كل سفلة ... فليس له قدر بمقدار فلسه ) - من الطويل -
فعارضه بقوله
( صن النفس عن ذل السؤال ونحسه ... فأحسن أحوال الفتى صون نفسه )
( ولا تتعرض للئيم فإنه ... أذل لديه الحر من شطر فلسه ) - من الطويل -
وكتب إليه أبو القاسم السجزي الذي تقدم ذكره يستفتيه
( هاك سؤالا ففيه شرق ... هات فأحضر له الجوابا )
( هل في اصطبار لذي اشتياق ... على فراق ترى ثوابا ) - من مخلع البسيط -
فأجابه بهذين البيتين
( أحضرت عن قولك الجوابا ... أتلو ببرهانه الكتابا )
( الله وفى الصبور أجرا ... يفوت في فضله الحسابا ) - من مخلع البسيط -
وكتب إليه مرة أخرى يكنى عن القبلة
( إمام الورى هل للفتى في اشتياره ... من الأرى ما يبقي حشاشته وزر ) - من الطويل
فأجابه بهذا البيت
( أرى الأرى في حكم الشريعة شورة ... مباحا لمن كان قد كان في ملكه الدبر ) - من الطويل -
70 - أبو زهير بن قابوس السجزي القاضي
من شعره قوله
( نظرت إلى رأسي فقالت ما له ... قد ضم فوديه قناع أدكن )
( يا هذه لولا النجوم وحسنها ... لم تألف الليل البهيم الأعين )
( فتضاحكت عجبا وقالت يا فتى ... نقصان عقلك في قياسك بين )
( الليل يحسن بالنجوم وإنما ... ليل الشباب بلا نجوم أحسن ) - من الكامل -
وله
( إذا المرء لم يركب الأشقرا ... ولم يصد الشادن الأحورا )
( ولم يتمتع بطيب الطعام ... ولين اللباس وقد أيسرا )
( فقد عدم الربع من عمره ... وقد حصد المتجر الأخسرا ) - من المتقارب -
71 - أبو القاسم محمد بن محمد بن جبير السجزي
كاتب الأمير خلف والآخذ من النثر والنظم بطرفيهما وله شعر كثير وقع إلي بخطه فلم أستصلح منه لكتابي هذا غير مقطوعات سلك فيها طريقة أبي الفتح وضرب فيها على قالبه فمنها قوله
( بأبي غلام لست غير غلامه ... مذ جاد لي بسلامه وكلامه )
( ذو حاجب ما إن رأيت كنونه ... أبدا وصدغ ما رأيت كلامه ) - من الكامل -
وقوله
( وحديقة صبحتها في فتية ... كحديقة والطير في أوكارها )
( كم ماجن فينا وكم متعفف ... قد صار يمجن طائعا أو كارها ) - من الكامل -
وقوله
( أرى الدهر ينسي ذنوب الرجال ... ويذكر ذنبي وذنبي كمالي )
( يرمون شأوي وما إن لهم ... من الفضل قول وفعل كمالي )
( فأموالهم قد تصان كعرضي ... وأعراضهم تستباح كمالي ) - من المتقارب -
وقوله
( يا ماكرا بي وبخلانه ... مهلا فما المكر من المكرمات )
( عليك بالصحبة فهي التي ... تحيا فتحييك إذا المكرمات ) - من السريع -
72 - أبو العباس أحمد بن إسحاق الجرمقي
كاتب فيلسوف مهندس شاعر من كتاب الأمير خلف وتنقلت به الأحوال والأسفار بعده فوقع إلى نيسابور في عوده إلى بلاده ومن مشهور شعره قوله
( رحلت وذاهب عقلي ورأيي ... لبعدك باد ودان ورائي )
( أسير أسير الهوى سادرا ... فعزمي أمامي ورأيي ورائي ) - من المتقارب
وقوله مع الإشارة
( أنا من لست أعرف لي سواه ... من الأقوام ركنا أو ملاذا )
( أحبك حب صب مستهام ... وفي است أم الذي يقليك هذا ) - من الوافر -
وكتب لي بإسفرائين شيئا من شعره فمن ذلك قوله من قصيدة في أبي الفتح بشر بن علي أولها
( غيري يطل الدموع في الطلل ... مولها بالغزال والغزل )
( كنت عزوفا عن الملاعب في ... غدوة عمري فكيف في الطفل )
( ولم يكن لي من الهوى نهل ... فكيف تسمو نفسي على علل )
( ولم أقبل زهوا يدي ملك ... فأين لعس الشفاه من قبلي ) - من المنسرح -
ومنها
( يا عاذلي في قصور حظي قد ... ترى اجتهادي فاكفف عن العذل )
( إن فل مالي فذاك من قبل الأقدار ... إما اعتبرت لا قبلي )
ومنها
( ويلزم اللوم في الخصاصة لو ... كانت تنال الحظوظ بالحيل )
( لو كان يسمو بفضله أحد ... لما تأخرت عن مدى زحل )
ومنها
( إن زال ما كنت فيه من عمل ... فإن ما كان في لم يزل )
( وإنني بعد من معاودة الإقبال ... لي آنفا على أمل )
( بيمن جد الأستاذ مولاي بشر ... بن علي بن يوسف بن علي )
73 - أبو الحسن عمر بن أبي عمر السجزي النوقاني
أديب شاعر فقيه من حسنات سجستان وله غير رحلة واحدة إلى خراسان والعراق في طلب الأدب والعلم
وكان أقام على حضرة الصاحب برهة يستفيد من مجالسها ويقتبس من محاسنها وحين استأذنه لمعاودة بلده والتمس الكتاب بالوصاة به
وقع على ظهر رقعته كنا نؤثر أطال الله تعالى بقاك أن تقيم ولا تريم فقد جمعت من آلات الفضل ما يقتضي اصطناعك في خواص الأصحاب العقل صحيح الطابع والدين سليم الباطن والعلم غزير المشرع والطبع فياض المورد سلسال المكرع وأما الشعر فرحيب المباءة مشرق المطلع كثير البديع واسع الخط يترقرق فيه ماء القبول
قد صينت جزالته عن صلابة القسوة
وسلاسته عن رقة الركة وعمدتا الأدب النحو واللغة ولك في كل منهما قدح يجول حتى يجلب إليك أعشار الجزول وقد استفدت بحمد الله من علم الكلام ما يدعى كفاية المتحقق إن لم يكن مذخورة المتلهف ولولا ما وراءك من فرض لا يستحل صدك عن أدائه ثم إن لسانك رهينة عندنا على إيابك لطال تشبث من لدينا من إخوانك بعطفي مقامك ففي دعة الله وحفظه وبركته وعونه ومن يقرأ هذا الجواب وخطي عليه مهيمن ولفظي به شاهد يستغنى به عن لقائه بكتاب فاجعله عصرة المبين وعمدة اليقين
ومن ملح شعره قوله
( يا ويح قلبي لا يزال يروعه ... ممن يعز عليه وشك فراق )
( تتقاذف البلدان بي فكأنني ... وليت أمر مساحة الآفاق ) - من الكامل -
وقوله
( أبت نفسي الدنيا فأنفس مالها ... كتاب أبى إلا إليه سكونها )
( أصون كتابي عند يد لا تصونه ... صيانة نفسي عن أخ لا يصونها ) - من الطويل -
وقوله
( غلا الشعر في بغداد من بعد رخصه ... وإني في الحالين بالله واثق )
( فلست أخاف الضيق والله واسع ... غناه ولا الحرمان والله رازق ) - من الطويل -
وقوله
( الفقر والإفلاس والضر ... ثلاثة أيسرها مر )
( أحسن بالحر على قبحها ... من جدة ذل لها الحر ) - من السريع -
وقوله
( إذا بخلت ببري ... ولم أنل منك رفدا )
( فأنت مثلي عبد ... وفيم أخدم عبدا ) - من المجتث -
وقوله
( إن الدماميل برحت بي ... وأقعدتني عن التحرك )
( أزحف مهما أردت مشيا ... وإن أردت القعود أبرك ) - من مخلع البسيط -
وقوله
( وإني لأعرف كيف الحقوق ... وكيف يبر الصديق الصديق )
( ورحب فؤاد الفتى محنة ... عليه إذا كان في المال ضيق ) - من المتقارب -
وقوله من نتفة
( يعز علي إنفاقي شبابي ... على حرق الهوى والإغتراب )
( ولاح بعارضي كافور شيب ... يكابرني على مسك الشباب ) - من الوافر -
وقوله
( لعمرك إن العمر ما لا يسرني ... لموت وبعض الموت خير من العمر )
( وإن غنى لا يأمن الفقر ربه ... لفقر وخوف الفقر شر من الفقر ) - من الطويل -
وله من قصيدة في الأمير خلف
( لك الدنيا ومن فيها ولكن ... تلاحظها بعينيك احتقارا )
( تكبر ذا الزمان على بنيه ... فعش حتى تعلمه الصغارا )