كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري
أَمْرُ وَفْدِ ثَقِيفٍ وَإِسْلَامُهَا
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمَدِينَةَ مِنْ تَبُوكَ فِي رَمَضَانَ وَقَدِمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ
الشّهْرِ وَفْدُ ثَقِيفٍ . وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا انْصَرَفَ عَنْهُمْ اتّبَعَ
أَثَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثّقَفِيّ ، حَتّى أَدْرَكَهُ قَبْلَ
أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَسْلَمَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ
إلَى قَوْمِهِ بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا يَتَحَدّثُ قَوْمُهُ إنّهُمْ قَاتَلُوك ، :
وَعَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ فِيهِمْ
نَخْوَةَ الِامْتِنَاعِ الّذِي كَانَ مِنْهُمْ فَقَالَ عُرْوَةُ يَا
رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِهِمْ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ فِي أَبْصَارِهِمْ . [ ص 538 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: وَكَانَ فِيهِمْ كَذَلِكَ مُحَبّبًا مُطَاعًا ، فَخَرَجَ يَدْعُو
قَوْمَهُ إلَى الْإِسْلَامِ رَجَاءَ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ لِمَنْزِلَتِهِ
فِيهِمْ فَلَمّا أَشْرَفَ لَهُمْ عَلَى عَلِيّةٍ لَهُ وَقَدْ دَعَاهُمْ
إلَى الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرَ لَهُمْ دِينَهُ رَمَوْهُ بِالنّبْلِ مِنْ
كُلّ وَجْهٍ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ فَتَزْعُمُ بَنُو مَالِكٍ
أَنّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ عَوْفٍ ، أَخُو
بَنِي سَالِمِ بْنِ مَالِكٍ وَتَزْعُمُ الْأَحْلَافُ أَنّهُ قَتَلَهُ
رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي عَتّابِ بْنِ مَالِكٍ يُقَالُ لَهُ وَهْبُ
بْنُ جَابِرٍ فَقِيلَ لِعُرْوَةِ مَا تَرَى فِي دَمِك ؟ قَالَ كَرَامَةٌ
أَكَرَمَنِي اللّهُ بِهَا ، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللّهُ إلَيّ فَلَيْسَ
فِيّ إلّا مَا فِي الشّهَدَاءِ الّذِينَ قَتَلُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ عَنْكُمْ
فَادْفِنُونِي مَعَهُمْ فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِيهِ إنّ مِثْلَهُ فِي
قَوْمِهِ لَكَمِثْلِ صَاحِبِ يَاسِينَ فِي قَوْمِهِ
[ ائْتِمَارُ ثَقِيفٍ عَلَى إرْسَالِ نَفَرٍ لِلرّسُولِ ]
ثُمّ
أَقَامَتْ ثَقِيفٌ بَعْدَ قَتْلِ عُرْوَةَ أَشْهُرًا ، ثُمّ إنّهُمْ
ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ وَرَأَوْا أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ
مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ وَقَدْ بَايَعُوا وَأَسْلَمُوا .
حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ
أَنّ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ أَخَا بَنِي عِلَاجٍ كَانَ مُهَاجِرًا
لِعَبْدِ يَالَيْلَ بْنِ عَمْرِو ، الّذِي بَيْنَهُمَا سُبِئَ وَكَانَ
عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ مِنْ أَدْهَى الْعَرَبِ ، فَمَشَى إلَى عَبْدِ
يَالَيْلَ بْنِ عَمْرٍو ، حَتّى دَخَلَ دَارَهُ ثُمّ أَرْسَلَ إلَيْهِ
أَنّ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ يَقُولُ لَك : اخْرَجْ إلَيّ قَالَ فَقَالَ
عَبْدُ يَالَيْلَ لِلرّسُولِ وَيْلَك أَعَمْرٌو أَرْسَلَك إلَيّ ؟ قَالَ
نَعَمْ وَهَا هُوَ ذَا وَاقِفًا فِي دَارِك ، فَقَالَ إنّ هَذَا الشّيْءَ
مَا كُنْت أَظُنّهُ لَعَمْرٌو كَانَ أَمْنَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ
فَخَرَجَ إلَيْهِ فَلَمّا رَآهُ رَحّبَ بِهِ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو : إنّهُ
قَدْ نَزَلَ بِنَا أَمْرٌ لَيْسَتْ مَعَهُ هِجْرَةٌ إنّهُ قَدْ كَانَ مِنْ
أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ مَا قَدْ رَأَيْت ، قَدْ أَسْلَمَتْ الْعَرَبُ
كُلّهَا ، وَلَيْسَتْ لَكُمْ بِحَرْبِهِمْ طَاقَةٌ فَانْظُرُوا فِي
أَمْرِكُمْ . فَعِنْدَ ذَلِكَ ائْتَمَرَتْ ثَقِيفٌ بَيْنَهَا ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ [ ص 539 ] أَحَدٌ إلّا اُقْتُطِعَ فَأْتَمِرُوا
بَيْنَهُمْ وَأَجْمَعُوا أَنْ يُرْسِلُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا ، كَمَا أَرْسَلُوا عُرْوَةَ فَكَلّمُوا
عَبْدَ يَالَيْلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ ، وَكَانَ سِنّ عُرْوَةَ
بْنِ مَسْعُودٍ وَعَرَضُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ
وَخَشِيَ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ إذَا رَجَعَ كَمَا صُنِعَ بِعُرْوَةِ .
فَقَالَ لَسْت فَاعِلًا حَتّى تُرْسِلُوا مَعِي رِجَالًا ، فَأَجْمَعُوا
أَنْ يَبْعَثُوا مَعَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَحْلَافِ ، وَثَلَاثَةً مِنْ
بَنِي مَالِكٍ فَيَكُونُوا سِتّةً فَبَعَثُوا مَعَ عَبْدِ يَالَيْلَ
الْحَكَمَ بْنَ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ مُعَتّبٍ ، وَشُرَحْبِيلَ بْنَ
غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ مُعَتّبٍ ، وَمِنْ بَنِي مَالِكٍ عُثْمَانَ
بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ دُهْمَانَ ، أَخَا بَنِي
يَسَارٍ وَأَوْسَ بْنَ عَوْفٍ ، أَخَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ
وَنُمَيْرَ بْنَ خَرَشَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، أَخَا بَنِي الْحَارِثِ
فَخَرَجَ بِهِمْ عَبْدُ يَالَيْلَ وَهُوَ نَابَ الْقَوْمَ وَصَاحِبُ
أَمْرِهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِمْ إلّا خَشْيَةَ مِنْ مِثْلِ مَا صُنِعَ
بِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ لِكَيْ يَشْغَلَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إذَا
رَجَعُوا إلَى الطّائِفِ رَهْطَهُ .
[ قُدُومُهُمْ الْمَدِينَةَ وَسُؤَالُهُمْ الرّسُولَ أَشْيَاءَ أَبَاهَا عَلَيْهِمْ ]
فَلَمّا
دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَنَزَلُوا قَنَاةَ ، أَلْفَوْا بِهَا
الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، يَرْعَى فِي تَوْبَتِهِ رِكَابَ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ رِعْيَتُهَا
نُوَبًا عَلَى أَصْحَابِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا
رَآهُمْ تَرَكَ الرّكَابَ عِنْدَ الثّقَفِيّينَ وَضَبَرَ يَشْتَدّ ،
لِيُبَشّرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقُدُومِهِمْ
عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ عَنْ رَكْبِ
ثَقِيفٍ أَنْ قَدْ قَدِمُوا يُرِيدُونَ الْبَيْعَةَ وَالْإِسْلَامَ بِأَنْ
يَشْرُطَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شُرُوطًا
، وَيَكْتَتِبُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
كِتَابًا فِي قَوْمِهِمْ وَبِلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ لِلْمُغِيرَةِ أَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللّهِ لَا تَسْبِقُنِي إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَكُونَ أَنَا
أُحَدّثُهُ فَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ . فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 540 ] فَأَخْبَرَهُ
بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ ثُمّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إلَى أَصْحَابِهِ
فَرَوّحَ الظّهْرَ مَعَهُمْ وَعَلّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيّونَ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَفْعَلُوا إلّا بِتَحِيّةِ
الْجَاهِلِيّةِ . وَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبّةً فِي نَاحِيَةِ مَسْجِدِهِ
كَمَا يَزْعُمُونَ فَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، هُوَ
الّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حَتّى اكْتَتَبُوا كِتَابَهُمْ وَكَانَ خَالِدٌ هُوَ الّذِي
كَتَبَ كِتَابَهُمْ بِيَدِهِ وَكَانُوا لَا يَطْعَمُونَ طَعَامًا
يَأْتِيهِمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَتّى يَأْكُلَ مِنْهُ خَالِدٌ حَتّى أَسْلَمُوا وَفَرَغُوا مِنْ
كِتَابِهِمْ وَقَدْ كَانَ فِيمَا سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدَعَ لَهُمْ الطّاغِيَةَ ، وَهِيَ اللّاتِي ،
لَا يَهْدِمُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَمَا بَرِحُوا يَسْأَلُونَهُ سَنَةً
سَنَةً وَيَأْبَى عَلَيْهِمْ حَتّى سَأَلُوا شَهْرًا وَاحِدًا بَعْدَ
مَقْدَمِهِمْ فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَعَهَا شَيْئًا مُسَمّى ،
وَإِنّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِيمَا يُظْهِرُونَ أَنْ يَتَسَلّمُوا
بِتَرْكِهَا مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ
وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُرَوّعُوا قَوْمَهُمْ بِهَدْمِهَا حَتّى يَدْخُلَهُمْ
الْإِسْلَامُ فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا
أَنْ يَبْعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ
فَيَهْدِمَاهَا ، وَقَدْ كَانُوا سَأَلُوهُ مَعَ تَرْكِ الطّاغِيَةِ أَنْ
يُعْفِيَهُمْ مِنْ الصّلَاةِ وَأَنْ لَا يَكْسِرُوا أَوْثَانَهُمْ
بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَمّا كَسْرُ أَوْثَانِكُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَسَنُعْفِيكُمْ مِنْهُ وَأَمّا
الصّلَاةُ فَإِنّهُ لَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا صَلَاةَ فِيهِ فَقَالُوا :
يَا مُحَمّدُ فَسَنُؤْتِيكهَا ، وَإِنْ كَانَتْ دَنَاءَةً
[ تَأْمِيرُ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ عَلَيْهِمْ ]
فَلَمّا
أَسْلَمُوا وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ كِتَابَهُمْ أَمّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ ،
وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ أَحْرَصَهُمْ
عَلَى التّفَقّهِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَعَلّمِ الْقُرْآنِ . فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ
اللّهِ إنّي قَدْ رَأَيْتُ هَذَا الْغُلَامَ مِنْهُمْ مِنْ أَحْرَصِهِمْ
عَلَى التّفَقّهِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَعَلّمِ الْقُرْآنِ
[ بِلَالٌ وَوَفْدُ ثَقِيفٍ فِي رَمَضَانَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي [ ص 541 ] عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَطِيّةَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ ، عَنْ بَعْضِ
وَفْدِهِمْ . قَالَ كَانَ بَلَالٌ يَأْتِينَا حِينَ أَسْلَمْنَا وَصُمْنَا
مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَقِيَ مِنْ
رَمَضَانَ بِفِطْرِنَا وَسَحُورنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَأْتِينَا بِالسّحُورِ وَإِنّا لَنَقُولُ
إنّا لَنَرَى الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ فَيَقُولُ قَدْ تَرَكْت رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَسَحّرُ لِتَأْخِيرِ السّحُورِ
وَيَأْتِينَا بِفِطْرِنَا ، وَإِنّا لَنَقُولُ مَا نَرَى الشّمْسَ كُلّهَا
ذَهَبَتْ بَعْدُ . فَيَقُولُ مَا جِئْتُكُمْ حَتّى أَكَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ يَضَعُ يَدَهُ فِي الْجَفْنَةِ
فَيَلْتَقِمُ مِنْهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بِفَطُورِنَا وَسَحُورِنَا .
[ عَهْدُ الرّسُولِ لَابْنِ أَبِي الْعَاصِ حِينَ أَمّرَهُ عَلَى ثَقِيفٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ مُطَرّفِ
بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الشّخّيرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ،
قَالَ كَانَ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَعَثَنِي عَلَى ثَقِيفٍ أَنْ قَالَ يَا
عُثْمَانُ تُجَاوِزْ فِي الصّلَاةِ ، وَاقْدُرْ النّاسَ بِأَضْعَفِهِمْ
فَإِنّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصّغِيرَ وَالضّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ
[هَدْمُ الطّاغِيَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ أَمْرِهِمْ وَتَوَجّهُوا إلَى
بِلَادِهِمْ رَاجِعِينَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ ، فِي هَدْمِ الطّاغِيَةِ . فَخَرَجَا مَعَ الْقَوْمِ حَتّى إذَا
قَدِمُوا الطّائِفَ أَرَادَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنْ يُقَدّمَ
أَبَا سُفْيَانَ فَأَبَى ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ
اُدْخُلْ أَنْتَ عَلَى قَوْمِك ؛ وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَالِهِ
بِذِي الْهَدْمِ ؛ فَلَمّا دَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَاهَا
يَضْرِبُهَا بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ قَوْمُهُ دُونَهُ بَنُو مُعَتّبٍ ،
خَشْيَةَ أَنْ يُرْمَى أَوْ يُصَابَ كَمَا أُصِيبَ عُرْوَةُ وَخَرَجَ
نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسّرًا يَبْكِينَ عَلَيْهَا وَيَقُلْنَ
لَتُبْكَيَنّ دُفّاعُ ... أَسْلَمَهَا الرّضّاعُ
لَمْ
يُحْسِنُوا الْمِصَاعَ [ ص 542 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : " لَتُبْكَيَنّ "
عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَيَقُولُ أَبُو
سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةُ يَضْرِبُهَا بِالْفَأْسِ وَاهَا لَك آهَا لَك
فَلَمّا هَدَمَهَا الْمُغِيرَةُ وَأَخَذَ مَالَهَا وَحُلِيّهَا أَرْسَلَ
إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَحُلِيّهَا مَجْمُوعٌ وَمَا لَهَا مِنْ الذّهَبِ
وَالْجَزْعِ .
[ إسْلَامُ أَبِي مُلَيْح وَقَارِبٍ ]
وَقَد كَانَ
أَبُو مُلَيْحِ بْنِ عُرْوَةَ وَقَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَدِمَا عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ وَفْدِ ثَقِيفٍ ،
حِينَ قُتِلَ عُرْوَةُ يُرِيدَانِ فِرَاقَ ثَقِيفٍ ، وَأَنْ لَا
يُجَامِعَاهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا ، فَأَسْلَمَا ؛ فَقَالَ لَهُمَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَوَلّيَا مَنْ شِئْتُمَا
؛ فَقَالَا : نَتَوَلّى اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَالَكُمَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ
فَقَالَا : وَخَالَنَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ .
[ سُؤَالُهُمَا الرّسُولُ قَضَاءَ دَيْنٍ مِنْ أَمْوَالِ الطّاغِيَةِ ]
فَلَمّا
أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ وَوَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَبَا سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةَ إلَى هَدْمِ الطّاغِيَةِ ،
سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو مُلَيْحِ
بْنِ عُرْوَةَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ دَيْنًا كَانَ
عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الطّاغِيَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ قَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ ،
وَعَنْ الْأَسْوَدِ يَا رَسُولَ اللّهِ فَاقْضِهِ وَعُرْوَةُ
وَالْأَسْوَدُ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْأَسْوَدَ مَاتَ مُشْرِكًا . فَقَالَ
قَارِبٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ
اللّهِ لَكِنْ تَصِلُ مُسْلِمًا ذَا قَرَابَةٍ يَعْنِي نَفْسَهُ إنّمَا
الدّيْنُ عَلَيّ وَإِنّمَا أَنَا الّذِي أُطْلَبُ بِهِ فَأَمَرَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ يَقْضِيَ
دَيْنَ عُرْوَةَ وَالْأَسْوَدِ مِنْ مَالِ الطّاغِيَةِ ، فَلَمّا جَمَعَ
الْمُغِيرَةُ مَالَهَا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَك أَنْ تَقْضِيَ عَنْ عُرْوَةَ
وَالْأَسْوَدِ دَيْنَهُمَا ، فَقَضَى عَنْهُمَا .
[ كِتَابُ الرّسُولِ لِثَقِيفِ ]
وَكَانَ
كِتَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي كَتَبَ
لَهُمْ [ ص 543 ] بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ
النّبِيّ رَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُؤْمِنِينَ : إنّ عِضَاهَ وَجّ
وَصَيْدَهُ لَا يُعْضَدُ مَنْ وُجِدَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
فَإِنّهُ يُجْلَدُ وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ فَإِنْ تَعَدّى ذَلِكَ فَإِنّهُ
يُؤْخَذُ فَيَبْلُغُ بِهِ إلَى النّبِيّ مُحَمّدٍ . وَإِنّ هَذَا أَمْرُ
النّبِيّ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ . وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ :
بِأَمْرِ الرّسُولِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ فَلَا يَتَعَدّهُ أَحَدٌ
، فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
حَجّ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ
اخْتِصَاصُ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ بِتَأْدِيَةِ أَوّلِ بَرَاءَةٍ عَنْهُ وَذِكْرُ
بَرَاءَةَ وَالْقَصَصِ فِي تَفْسِيرِهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ
أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَقِيّةَ شَهْرِ
رَمَضَانَ وَشَوّالًا وَذَا الْقَعَدَةِ ثُمّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ
أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ لِيُقِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ
حَجّهُمْ وَالنّاسُ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ
حَجّهِمْ . فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
[ نُزُولُ بَرَاءَةٍ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ الرّسُولِ وَالْمُشْرِكِينَ ]
وَنَزَلَتْ
بَرَاءَةٌ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَهْدِ الّذِي كَانُوا عَلَيْهِ
فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْتِ أَحَدٌ
جَاءَهُ وَلَا يَخَافُ أَحَدٌ فِي الشّهْرِ الْحِرَامِ . وَكَانَ ذَلِكَ
عَهْدًا عَامّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النّاسِ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ وَكَانَتْ
بَيْنَ ذَلِكَ عُهُودٌ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَبَيْنَ قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ خَصَائِص ، إلَى آجَالٍ
مُسَمّاةٍ فَنَزَلَتْ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ
عَنْهُ فِي تَبُوكَ وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ فَكَشَفَ اللّهُ
تَعَالَى فِيهَا سَرَائِرَ أَقْوَامٍ كَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِغَيْرِ مَا
يُظْهِرُونَ مِنْهُمْ مَنْ سَمّى لَنَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمّ
لَنَا ، فَقَالَ عَزّ وَجَلّ { بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى
الّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أَيْ لِأَهْلِ [ ص 544 ] {
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنّكُمْ غَيْرُ
مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ وَأَذَانٌ مِنَ
اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الْأَكْبَرِ أَنّ اللّهَ
بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْحِجّةِ
{ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلّيْتُمْ فَاعْلَمُوا
أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشّرِ الّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ إِلّا الّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أَيْ الْعَهْدَ
الْخَاصّ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمّى { ثُمّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا
وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ
إِلَى مُدّتِهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ فَإِذَا انْسَلَخَ
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ } يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الّتِي ضَرَبَ لَهُمْ
أَجَلًا { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ
وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا
وَأَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إِنّ
اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أَيْ مِنْ
هَؤُلَاءِ الّذِينَ أَمَرْتُك بِقَتْلِهِمْ { اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ
حَتّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللّهِ ثُمّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ
بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ } . ثُمّ قَالَ { كَيْفَ يَكُونُ
لِلْمُشْرِكِينَ } الّذِينَ كَانُوا هُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الْعَهْدِ
الْعَامّ أَنْ لَا يُخِيفُوكُمْ وَلَا يُخِيفُوهُمْ فِي الْحُرْمَةِ وَلَا
فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ { عَهْدٌ عِنْدَ اللّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلّا
الّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وَهِيَ قَبَائِلُ
مِنْ بَنِي بَكْرٍ الّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ
وَعَهْدِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، إلَى الْمُدّةِ الّتِي كَانَتْ
بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ
، فَلَمْ يَكُنْ نَقَضَهَا إلّا هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَهِيَ
الدّيلُ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، الّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي
عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ . فَأُمِرَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ
لَمْ يَكُنْ نَقَضَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ إلَى مُدّتِهِ { فَمَا اسْتَقَامُوا
لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ } . ثُمّ
قَالَ تَعَالَى : { كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } أَيْ
الْمُشْرِكُونَ الّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ إلَى مُدّةٍ مِنْ أَهْلِ
الشّرْكِ الْعَامّ { لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّا وَلَا ذِمّةً } [ ص 545
]
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْإِلّ : الْحِلْفُ . قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ أَحَدُ بَنِي أُسَيّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ
لَوْلَا بَنُو مَالِكٍ وَالْإِلّ مَرْقَبَةٌ ... وَمَالِكٌ فِيهِمْ الْآلَاءُ وَالشّرَفُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَجَمَعَهُ آلَالَ قَالَ الشّاعِرُ
فَلَا إلّ مِنْ الْآلَالِ بَيْنِي ... وَبَيْنَكُمْ فَلَا تَأْلُنّ جُهْدًا
وَالذّمّةُ الْعَهْدُ . قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّ وَهُوَ أَبُو مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ الْفَقِيهُ
وَكَانَ عَلَيْنَا ذِمّةٌ أَنْ تُجَاوِزُوا ... مِنْ الْأَرْضِ مَعْرُوفًا إلَيْنَا وَمُنْكَرًا
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ لَهُ وَجَمْعُهَا : ذِمَمٌ . {
يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ
فَاسِقُونَ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدّوا عَنْ
سَبِيلِهِ إِنّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَرْقُبُونَ فِي
مُؤْمِنٍ إِلّا وَلَا ذِمّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ } أَيْ قَدْ
اعْتَدَوْا عَلَيْكُمْ { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا
الزّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَنُفَصّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ }
[ اخْتِصَاصُ الرّسُولِ عَلِيّا بِتَأْدِيَةِ " بَرَاءَةٌ " عَنْهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ
حُنَيْفٍ عَنْ [ ص 546 ] أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ رِضْوَانُ
اللّهِ عَلَيْهِ أَنّهُ قَالَ لَمّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ
الصّدّيقَ لِيُقِيمَ لِلنّاسِ الْحَجّ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ
بَعَثْت بِهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَا يُؤَدّي عَنّي إلّا رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، ثُمّ دَعَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ
اللّهِ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصّةِ مِنْ صَدْرِ
بَرَاءَةٍ ، وَأَذّنْ فِي النّاسِ يَوْمَ النّحْرِ إذَا اجْتَمَعُوا
بِمِنًى ، أَنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجّ بَعْدَ
الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَمَنْ كَانَ لَهُ
عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ
إلَى مُدّتِهِ فَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ
عَلَيْهِ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْعَضْبَاءَ حَتّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ بِالطّرِيقِ فَلَمّا رَآهُ
أَبُو بَكْرٍ بِالطّرِيقِ قَالَ أَأَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ ؟ فَقَالَ بَلْ
مَأْمُورٌ ثُمّ مَضَيَا . فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنّاسِ الْحَجّ
وَالْعَرَبُ إذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السّنَةِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ
الْحَجّ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ حَتّى إذَا كَانَ
يَوْمُ النّحْرِ قَامَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
فَأَذّنَ فِي النّاسِ بِاَلّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّهُ لَا يَدْخُلُ
الْجَنّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ
بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ وَأَجّلَ
النّاسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَذّنَ فِيهِمْ لِيَرْجِعَ كُلّ
قَوْمٍ إلَى مَأْمَنِهِمْ أَوْ بِلَادِهِمْ ثُمّ لَا عَهْدٌ لِمُشْرِكِ
وَلَا ذِمّةٌ إلّا أَحَدٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهْدٌ إلَى مُدّةٍ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ . فَلَمْ
يَحُجّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ
عُرْيَانٌ . ثُمّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَةٍ فِيمَنْ
كَانَ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامّ وَأَهْلِ
الْمُدّةِ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمّى .
[ مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِجِهَادِ الْمُشْرِكِينَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَمَرَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِجِهَادِ أَهْلِ الشّرْكِ مِمّنْ نَقَضَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ
الْخَاصّ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامّ بَعْدَ
الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا إلّا أَنْ
يَعْدُوَ فِيهَا عَادٍ مِنْهُمْ فَيُقْتَلُ بِعَدَائِهِ فَقَالَ { أَلَا
تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمّوا بِإِخْرَاجِ
الرّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ
أَحَقّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ
يُعَذّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ
عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ
قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ } [ ص 547 ] { عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ
الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَا
رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَلِيجَةً دَخِيلٌ وَجَمْعُهَا : وَلَائِجُ وَهُوَ مِنْ
وَلَجَ يَلِجُ أَيْ دَخَلَ يَدْخُلُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {
حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ } أَيْ يَدْخُلُ يَقُولُ لَمْ
يَتّخِذُوا دَخِيلًا مِنْ دُونِهِ يُسِرّونَ إلَيْهِ غَيْرَ مَا
يُظْهِرُونَ نَحْوَ مَا يَصْنَعُ الْمُنَافِقُونَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ
لِلّذِينَ آمَنُوا { وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنّا
مَعَكُمْ } قَالَ الشّاعِرُ
وَاعْلَمْ بِأَنّك قَدْ جُعِلْتَ وَلِيجَةً ... سَاقُوا إلَيْك الْحَتْفَ غَيْرَ مَشُوبِ
[ مَا نَزَلَ فِي الرّدّ عَلَى قُرَيْشٍ بِادّعَائِهِمْ عُمَارَةَ الْبَيْتِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ قَوْلَ قُرَيْشٍ : إنّا أَهْلُ الْحَرَمِ ،
وَسُقَاةُ الْحَاجّ وَعُمّارِ هَذَا الْبَيْتِ فَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ
مِنّا ؛ فَقَالَ { إِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } أَيْ إنّ عِمَارَتَكُمْ لَيْسَتْ عَلَى ذَلِكَ
وَإِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ أَيْ مَنْ عَمّرَهَا بِحَقّهَا {
مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصّلَاةَ وَآتَى
الزّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلّا اللّهَ } أَيْ فَأُولَئِكَ عُمّارُهَا {
فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } وَعَسَى مِنْ
اللّهِ حَقّ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ
وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ }
[ مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ ]
ثُمّ
الْقِصّةُ عَنْ عَدُوّهِمْ حَتّى انْتَهَى إلَى ذِكْرِ حُنَيْنٍ ، وَمَا
كَانَ فِيهِ وَتُوَلّيهِمْ عَنْ عَدُوّهِمْ وَمَا أَنَزَلَ اللّهُ
تَعَالَى مِنْ نَصْرِهِ بَعْدَ تَخَاذُلِهِمْ ثُمّ قَالَ تَعَالَى : {
إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } وَذَلِكَ أَنّ النّاسَ
قَالُوا : لَتَنْقَطِعَنّ عَنّا الْأَسْوَاقُ فَلَتَهْلِكَنّ التّجَارَةُ
وَلَيَذْهَبَنّ مَا كُنّا [ ص 548 ] فَقَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { وَإِنْ
خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ } أَيْ مِنْ
وَجْهٍ غَيْرِ ذَلِكَ { إِنْ شَاءَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ قَاتِلُوا
الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا
يُحَرّمُونَ مَا حَرّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ
الْحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ
عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } أَيْ فَفِي هَذَا عِوَضٌ مِمّا
تَخَوّفْتُمْ مِنْ قَطْعِ الْأَسْوَاقِ فَعَوّضَهُمْ اللّهُ بِمَا قَطَعَ
عَنْهُمْ بِأَمْرِ الشّرْكِ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ أَعْنَاقِ أَهْلِ
الْكِتَابِ مِنْ الْجِزْيَةِ .
[ مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ ]
ثُمّ
ذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ بِمَا فِيهِمْ مِنْ الشّرّ وَالْفِرْيَةِ
عَلَيْهِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنّ كَثِيرًا مِنَ
الْأَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ
وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ
وَالْفِضّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }
[ مَا نَزَلَ فِي النّسِيءِ ]
ثُمّ ذَكَرَ
النّسِيءَ وَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ أَحْدَثَتْ فِيهِ . وَالنّسِيءُ مَا
كَانَ يُحِلّ مِمّا حَرّمَ اللّهُ تَعَالَى مِنْ الشّهُورِ وَيُحَرّمُ
مِمّا أَحَلّ اللّهُ مِنْهَا ، فَقَالَ { إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِنْدَ
اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ
السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدّينُ
الْقَيّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ } أَيْ لَا تَجْعَلُوا
حَرَامَهَا حَلَالًا ، وَلَا حَلَالهَا حَرَامًا : أَيْ كَمَا فَعَلَ
أَهْلُ الشّرْكِ { إِنّمَا النّسِيءُ } الّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ {
زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا يُحِلّونَهُ
عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ مَا حَرّمَ اللّهُ
فَيُحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }
[ مَا نَزَلَ فِي تَبُوكَ ]
ثُمّ
ذَكَرَ تَبُوكَ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ تَثَاقُلِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا
، وَمَا أَعْظَمُوا مِنْ غَزْوِ الرّومِ ، حِينَ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جِهَادِهِمْ وَنِفَاقَ مَنْ نَافَقَ
[ ص 549 ] دُعُوا إلَى مَا دُعُوا إلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ ثُمّ مَا نَعَى
عَلَيْهِمْ مِنْ إحْدَاثِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ تَعَالَى : { يَا
أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي
سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ } ثُمّ الْقِصّةُ إلَى
قَوْلِهِ تَعَالَى : { يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ
قَوْمًا غَيْرَكُمْ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِلّا تَنْصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ }
[ مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ ]
ثُمّ
قَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَذْكُرُ
أَهْلَ النّفَاقِ { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا
لَاتّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشّقّةُ وَسَيَحْلِفُونَ
بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ
أَنْفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أَيْ إنّهُمْ
يَسْتَطِيعُونَ { عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى
يَتَبَيّنَ لَكَ الّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } ؟ . . .
إلَى قَوْلِهِ { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلّا خَبَالًا
وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ
سَمّاعُونَ لَهُمْ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيب ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ سَارُوا بَيْنَ أَضْعَافِكُمْ
فَالْإِيضَاعُ ضَرْبٌ مِنْ السّيْرِ أَسْرَعَ مِنْ الْمَشْيِ قَالَ
الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّ
يَصْطَادُك الْوَحَدَ الْمُدِلّ بِشَأْوِهِ ... بِشَرِيجٍ بَيْنَ الشّدّ وَالْإِيضَاعِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ عَوْدٌ إلَى مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الّذِينَ اسْتَأْذَنُوهُ مِنْ ذَوِي الشّرَفِ
فِيمَا بَلَغَنِي ، مِنْهُمْ [ ص 550 ] عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ
سَلُولَ ، وَالْجَدّ بْنُ قِيسٍ ؛ وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمِهِمْ
فَثَبّطَهُمْ اللّهُ لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ
فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْدَهُ وَكَانَ فِي جُنْدِهِ قَوْمٌ أَهْلُ
مَحَبّةٍ لَهُمْ وَطَاعَةٍ فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ لِشَرَفِهِمْ
فِيهِمْ . فَقَالَ تَعَالَى : { وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ
عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ } أَيْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَأْذِنُوك ، { وَقَلّبُوا لَكَ الْأُمُورَ } أَيْ
لِيَخْذُلُوا عَنْك أَصْحَابَك وَيَرُدّوا عَلَيْك أَمْرَك { حَتّى جَاءَ
الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا }
وَكَانَ الّذِي قَالَ ذَلِكَ فِيمَا سُمّيَ لَنَا ، الْجَدّ بْنُ قِيسٍ ،
أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جِهَادِ الرّومِ . ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ إلَى
قَوْلِهِ تَعَالَى : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ
مُدّخَلًا لَوَلّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ
يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } أَيْ إنّمَا نِيّتُهُمْ
وَرِضَاهُمْ وَسَخَطَهُمْ لِدُنْيَاهُمْ .
[ مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ أَصْحَابِ الصّدَقَاتِ ]
ثُمّ
بَيّنَ الصّدَقَاتِ لِمَنْ هِيَ وَسَمّى أَهْلَهَا ، فَقَالَ { إِنّمَا
الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي
سَبِيلِ اللّهِ وَاِبْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
[ مَا نَزَلَ فِيمَنْ آذَوْا الرّسُولَ ]
ثُمّ
ذَكَرَ غَشّهُمْ وَأَذَاهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالَ { وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ
أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ
لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ
يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَكَانَ الّذِي
يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فِيمَا بَلَغَنِي ، نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ
أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ إنّمَا مُحَمّدٌ أُذُنٌ مَنْ حَدّثَهُ
شَيْئًا صَدّقَهُ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ
لَكُمْ } أَيْ يَسْمَعُ الْخَيْرَ وَيُصَدّقُ بِهِ [ ص 551 ] ثُمّ قَالَ
تَعَالَى : { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ
وَرَسُولُهُ أَحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ } ثُمّ قَالَ
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } إلَى
قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ
طَائِفَةً } وَكَانَ الّذِي قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَدِيعَةَ بْنَ
ثَابِتٍ ، أَخُو بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ وَكَانَ الّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِيمَا بَلَغَنِي : مُخَشّنَ بْنَ
حُمَيّرٍ الْأَشْجَعِيّ حَلِيفَ بَنِي سَلِمَةَ ، وَذَلِكَ أَنّهُ
أَنْكَرَ مِنْهُمْ بَعْضَ مَا سَمِعَ . ثُمّ الْقِصّةُ مِنْ صِفَتِهِمْ
حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النّبِيّ جَاهِدِ
الْكُفّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ
جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ
قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمّوا
بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ
وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ } إلَى قَوْلِهِ { مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ }
وَكَانَ الّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْد بْنِ
صَامِتٍ فَرَفَعَهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ يُقَال لَهُ
عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ ، فَأَنْكَرَهَا وَحَلَفَ بِاَللّهِ مَا قَالَهَا ،
فَلَمّا نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ
وَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَلَغَنِي . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ
عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ
مِنَ الصّالِحِينَ } وَكَانَ الّذِي عَاهَدَ اللّهَ مِنْهُمْ ثَعْلَبَةَ
بْنَ حَاطِبٍ ، وَمُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ ، وَهُمَا مِنْ بَنِي عَمْرِو
بْنِ عَوْفٍ . ثُمّ قَالَ { الّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطّوّعِينَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَاتِ وَالّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلّا
جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَكَانَ الْمُطّوّعُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي
الصّدَقَاتِ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَعَاصِمَ بْنَ عَدِيّ أَخَا
بَنِي الْعَجْلَانِ ، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ رَغّبَ فِي الصّدَقَةِ وَحَضّ عَلَيْهَا ، فَقَامَ عَبْدُ
الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَتَصَدّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ
وَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ ، فَتَصَدّقَ بِمِئَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ
فَلَمَزُوهُمَا وَقَالُوا مَا هَذَا إلّا رِيَاءٌ وَكَانَ الّذِي تَصَدّقَ
بِجَهْدِهِ أَبُو عُقَيْلٍ أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ أَتَى بِصَاعِ مِنْ
تَمْرٍ فَأَفْرَغَهَا فِي الصّدَقَةِ فَتَضَاحَكُوا بِهِ وَقَالُوا : إنّ
اللّهَ لَغَنِيّ عَنْ صَاعِ أَبِي عُقَيْلٍ . ثُمّ ذَكَرَ قَوْلَ
بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالْجِهَادِ [ ص 552 ] وَأَمَرَ بِالسّيْرِ إلَى تَبُوكَ ،
عَلَى شِدّةِ الْحَرّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَقَالُوا
لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّا لَوْ
كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا }
إلَى قَوْلِهِ { وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ }
[ مَا نَزَلَ بِسَبَبِ صَلَاةِ النّبِيّ عَلَى ابْنِ أَبَيّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ
بْنَ الْخَطّابِ يَقُولُ لَمّا تُوُفّيَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبَيّ ،
دُعِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلصّلَاةِ
عَلَيْهِ فَقَامَ إلَيْهِ فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصّلَاةَ
تَحَوّلْتُ حَتّى قُمْت فِي صَدْرِهِ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ
أَتُصَلّي عَلَى عَدُوّ اللّهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبَيّ ابْنِ سَلُولَ ؟
الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا ، وَالْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا ؟
أُعَدّدُ أَيّامَهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَتَبَسّمُ حَتّى إذَا أَكْثَرْت قَالَ يَا عُمَرُ أَخّرْ عَنّي ، إنّي
قَدْ خُيّرْت فَاخْتَرْت ، قَدْ قِيلَ لِي : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ
يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ فَلَوْ أَعْلَمُ أَنّي إنْ زِدْت عَلَى
السّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْت . قَالَ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَشَى مَعَهُ حَتّى قَامَ عَلَى
قَبْرِهِ حَتّى فُرِغَ مِنْهُ . قَالَ فَعَجِبْت لِي وَلِجُرْأَتِي عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ . فَوَاَللّهِ مَا كَانَ إلّا يَسِيرًا حَتّى نَزَلَتْ هَاتَانِ
الْآيَتَانِ { وَلَا تُصَلّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا
تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا
وَهُمْ فَاسِقُونَ } فَمَا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ تَعَالَى
[ مَا نَزَلَ فِي الْمُسْتَأْذِنِينَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ
أَنْ آمِنُوا بِاللّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو
الطّوْلِ مِنْهُمْ } وَكَانَ ابْنُ أَبَيّ مِنْ أُولَئِكَ فَنَعَى اللّهُ
ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ مِنْهُ ثُمّ قَالَ تَعَالَى [ ص 553 ] {
لَكِنِ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ أَعَدّ اللّهُ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَجَاءَ
الْمُعَذّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الّذِينَ
كَذَبُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . وَكَانَ
الْمُعَذّرُونَ ، فِيمَا بَلَغَنِي نَفَرًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، مِنْهُمْ
خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ ، ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ لِأَهْلِ
الْعُذْرِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ { وَلَا عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا
أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ
تَوَلّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا
مَا يُنْفِقُونَ } وَهُمْ الْبَكّاءُونَ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : {
إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } وَالْخَوَالِفُ النّسَاءُ . ثُمّ
ذَكَرَ حَلِفَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَاعْتِذَارَهُمْ فَقَالَ {
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ تَرْضَوْا
عَنْهُمْ فَإِنّ اللّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }
[ مَا نَزَلَ فِيمَنْ نَافَقَ مِنْ الْأَعْرَابِ ]
ثُمّ
ذَكَرَ الْأَعْرَابَ وَمَنْ نَافَقَ مِنْهُمْ وَتَرَبّصُهُمْ بِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ {
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتّخِذُ مَا يُنْفِقُ } أَيْ مِنْ صَدَقَةٍ
أَوْ نَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ { مَغْرَمًا وَيَتَرَبّصُ بِكُمُ
الدّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
ثُمّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ أَهْلَ الْإِخْلَاصِ وَالْإِيمَانِ مِنْهُمْ
فَقَالَ { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَيَتّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ
الرّسُولِ أَلَا إِنّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ }
[ مَا نَزَلَ فِي السّابِقِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ]
ثُمّ
ذَكَرَ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ،
وَفَضْلَهُمْ وَمَا وَعَدَهُمْ اللّهُ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ إيّاهُمْ
ثُمّ أَلْحَقَ بِهِمْ التّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ فَقَالَ { رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَمِمّنْ
حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
مَرَدُوا عَلَى النّفَاقِ } أَيْ لَجّوا فِيهِ وَأَبَوْا غَيْرَهُ {
سَنُعَذّبُهُمْ مَرّتَيْنِ } وَالْعَذَابُ الّذِي أَوْعَدَهُمْ اللّهُ
تَعَالَى مَرّتَيْنِ فِيمَا [ ص 554 ] غَمّهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ
أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ ذَلِكَ عَلَى
غَيْرِ حِسْبَةٍ ثُمّ عَذَابُهُمْ فِي الْقُبُورِ إذَا صَارُوا إلَيْهَا ،
ثُمّ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الّذِي يُرِدّونَ إلَيْهِ عَذَابُ النّارِ
وَالْخُلْدُ فِيهِ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا
بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى اللّهُ
أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ثُمّ قَالَ
تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ
وَتُزَكّيهِمْ بِهَا } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : {
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمّا
يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } وَهُمْ الثّلَاثَةُ الّذِينَ خُلّفُوا ، وَأَرْجَأَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْرَهُمْ حَتّى أَتَتْ
مِنْ اللّهِ تَوْبَتُهُمْ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَالّذِينَ اتّخَذُوا
مَسْجِدًا ضِرَارًا } إلَخْ الْقِصّةُ ثُمّ قَالَ تَعَالَى { إِنّ اللّهَ
اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنّ لَهُمُ
الْجَنّةَ } ثُمّ كَانَ قِصّةُ الْخَبَرِ عَنْ تَبُوكَ ، وَمَا كَانَ
فِيهَا إلَى آخِرِ السّورَةِ . وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ تُسْمَى فِي زَمَانِ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعْدَهُ الْمُبَعْثِرَةَ
لَمَا كَشَفَتْ مِنْ سَرَائِرِ النّاسِ . وَكَانَتْ تَبُوك ُ آخِرَ
غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
شِعْرُ حَسّانَ الّذِي عَدّدَ فِيهِ الْمَغَازِيَ
وَقَالَ
حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُعَدّدُ أَيّامَ الْأَنْصَارِ مَعَ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَذْكُرُ مَوَاطِنَهُمْ مَعَهُ فِي أَيّامِ
غَزْوِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى لَابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ
بْنِ حَسّانَ : [ ص 555 ]
أَلَسْتُ خَيْرَ مَعَدّ كُلّهَا نَفَرًا ... وَمَعْشَرًا إنْ هُمْ عُمّوا وَإِنْ حُصِلُوا
قَوْمٌ هُمْ شَهِدُوا بَدْرًا بِأَجْمَعِهِمْ ... مَعَ الرّسُولِ فَمَا أَلَوْا وَمَا خَذَلُوا
وَبَايَعُوهُ فَلَمْ يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ ... مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُ فِي إيمَانِهِمْ دَخَلُ
وَيَوْمَ صَبّحَهُمْ فِي الشّعْبِ مِنْ أُحُدٍ ... ضَرْبٌ رَصِينٌ كَحَرّ النّارِ مُشْتَعِلُ
وَيَوْمَ ذِي قَرَدٍ يَوْمَ اسْتَثَارَ بِهِمْ ... عَلَى الْجِيَادِ فَمَا خَامُوا وَمَا نَكَلُوا
وَذَا الْعَشِيرَةِ جَاسُوهَا بِخَيْلِهِمْ ... مَعَ الرّسُولِ عَلَيْهَا الْبَيْضُ وَالْأَسَلُ
وَيَوْمَ وَدّانَ أَجْلَوْا أَهْلَهُ رَقَصًا ... بِالْخَيْلِ حَتّى نَهَانَا الْحَزْنُ وَالْجَبَلُ
وَلَيْلَةً طَلَبُوا فِيهَا عَدُوّهُمْ ... لِلّهِ وَاَللّهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا
وَغَزْوَةً يَوْمَ نَجْدٍ ثُمّ كَانَ لَهُمْ ... مَعَ الرّسُولِ بِهَا الْأَسْلَابُ وَالنّفَلُ
وَلَيْلَةً بِحُنَيْنٍ جَالَدُوا مَعَهُ ... فِيهَا يَعُلّهُمْ بِالْحَرْبِ إذْ نَهِلُوا
وَغَزْوَةَ الْقَاعِ فَرّقْنَا الْعَدُوّ بِهِ ... كَمَا تُفَرّقُ دُونَ الْمَشْرَبِ الرّسَلُ
وَيَوْمَ بُويِعَ كَانُوا أَهْلَ بَيْعَتِهِ ... عَلَى الْجِلَادِ فَآسَوْهُ وَمَا عَدَلُوا
وَغَزْوَةَ الْفَتْحِ كَانُوا فِي سَرِيّتِهِ ... مُرَابِطِينَ فَمَا طَاشُوا وَمَا عَجِلُوا
وَيَوْمَ خَيْبَرَ كَانُوا فِي كَتِيبَتِهِ ... يَمْشُونَ كُلّهُمْ مُسْتَبْسِلٌ بَطَلُ
بِالْبِيضِ تَرْعَشُ فِي الْأَيْمَانِ عَارِيَةً ... تَعْوَجّ فِي الضّرْبِ أَحْيَانًا وَتَعْتَدِلُ
وَيَوْمَ سَارَ رَسُولُ اللّهِ مُحْتَسِبًا ... إلَى تَبُوكَ وَهُمْ رَايَاتُهُ الْأُوَلُ
وَسَاسَةُ الْحَرْبِ إنْ حَرْبٌ بَدَتْ لَهُمْ ... حَتّى بَدَا لَهُمْ الْإِقْبَالُ وَالْقَفَلُ
أُولَئِكَ الْقَوْمُ أَنْصَارُ النّبِيّ وَهُمْ ... قَوْمِي أَصِيرُ إلَيْهِمْ حَيْنَ أَتّصِلُ
- مَاتُوا كِرَامًا وَلَمْ تُنْكَثْ عُهُودُهُمْ ... وَقَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ إذْ قُتِلُوا
[ ص 556 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَجُزُ آخِرِهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
كُنّا مُلُوكَ النّاسِ قَبْلَ مُحَمّدٍ ... فَلَمّا أَتَى الْإِسْلَامُ كَانَ لَنَا الْفَضْلُ
وَأَكْرَمَنَا اللّهُ الّذِي لَيْسَ غَيْرَهُ ... إلَهٌ بِأَيّامٍ مَضَتْ مَا لَهَا شَكْلُ
بِنَصْرِ الْإِلَهِ وَالرّسُولِ وَدِينِهِ ... وَأَلْبَسَنَاهُ اسْمًا مَضَى مَا لَهُ مِثْلُ
أُولَئِكَ قَوْمِي خَيْرُ قَوْمٍ بِأَسْرِهِمْ ... فَمَا عُدّ مِنْ خَيْرٍ فَقَوْمِي لَهُ أَهْلُ
يَرُبّونَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفِ مَنْ مَضَى ... وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ دُونَ مَعْرُوفِهِمْ قُفْلُ
إذَا اخْتُبِطُوا لَمْ يُفْحِشُوا فِي نَدِيّهِمْ ... وَلَيْسَ عَلَى سُؤَالِهِمْ عِنْدَهُمْ بُخْلُ
وَإِنْ حَارَبُوا أَوْ سَالَمُوا لَمْ يُشَبّهُوا ... فَحَرْبُهُمْ حَتْفٌ وَسِلْمُهُمْ سَهْلُ
وَجَارُهُمْ مُوفٍ بِعَلْيَاءَ بَيْتُهُ ... لَهُ مَا ثَوَى فِينَا الْكَرَامَةُ وَالْبَذْلُ
وَحَامِلُهُمْ مُوفٍ بِكُلّ حَمَالَةٍ ... تَحَمّلَ لَا غُرْمٌ عَلَيْهَا وَلَا خَذْلُ
وَقَائِلهُمْ بِالْحَقّ إنْ قَالَ قَائِلٌ ... وَحِلْمُهُمْ عَوْدٌ وَحُكْمُهُمْ عَدْلُ
وَمِنّا أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ حَيَاتَهُ ... وَمَنْ غَسّلَتْهُ مِنْ جَنَابَتِهِ الرّسْلُ
[
ص 557 ] [ ص 558 ] [ ص 559 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَوْلُهُ "
وَأَلْبَسْنَاهُ اسْمًا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ : قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
قَوْمِي أُولَئِكَ إنْ تَسْأَلِي ... كِرَامٌ إذَا الضّيْفُ يَوْمًا أَلَمْ
عِظَامُ الْقُدُورِ لِأَيْسَارِهِمْ ... يَكُبّونَ فِيهَا الْمُسِنّ السّنِمْ
يُؤَاسُونَ جَارَهُمْ فِي الْغِنَى ... وَيَحْمُونَ مَوْلَاهُمْ إنْ ظُلِمْ
فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيّهِمْ ... يُنَادُونَ عَضْبًا بِأَمْرِ غُشُمْ
مُلُوكًا عَلَى النّاسِ لَمْ يُمْلَكُوا ... مِنْ الدّهْرِ يَوْمًا كَحِلّ الْقَسَمْ
فَأَنْبَوْا بِعَادٍ وَأَشْيَاعِهَا ... ثَمُودَ وَبَعْضِ بَقَايَا إرَمْ
بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ ... حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ
نَوَاضِحَ قَدْ عَلّمَهَا اليهو ... دُ ( عَلْ ) إلَيْك وَقَوْلًا هَلُمْ
وَفَمًا اشْتَهَوْا مِنْ عَصِيرِ الْقِطَا ... فِ وَالْعَيْشِ رَخْوًا عَلَى غَيْرِ هَمْ
فَسِرْنَا إلَيْهِمْ بِأَثْقَالِنَا ... عَلَى كُلّ فَحْلٍ هِجَانٍ قَطِمْ
جَنَبْنَا بِهِنّ جِيَادَ الخيو ... لِ قَدْ جَلّلُوهَا جِلَالَ الْأَدَمْ
فَلَمّا أَنَاخُوا بِجَنْبَيْ صِرَارٍ ... وَشَدّوا السّرُوجَ بَلِيّ الْحُزُمْ
فَمَا رَاعَهُمْ غَيْرُ مَعْجِ الْخُيُو ... لِ وَالزّحْفُ مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ دَهِمْ
فَطَارُوا سِرَاعًا وَقَدْ أُفْزِعُوا ... وَجِئْنَا إلَيْهِمْ كَأُسْدِ الْأُجُمْ
عَلَى كُلّ سَلْهَبَةٍ فِي الصّيَا ... نِ لَا يَشْتَكِينَ نَحُولَ السّأَمْ
وَكُلّ كُمَيْتٍ مُطَارُ الْفُؤَادِ ... أَمِينِ الْفُصُوصِ كَمِثْلِ الزّلَمْ
عَلَيْهَا فَوَارِسُ قَدْ عُوّدُوا ... قِرَاعَ الْكُمَاةِ وَضَرْبَ الْبُهَمْ
مُلُوكٌ إذَا غَشَمُوا فِي الْبِلَا ... دِ لَا يَنْكُلُونَ وَلَكِنْ قُدُمْ
فَأُبْنَا بِسَادَاتِهِمْ وَالنّسَاءِ ... وَأَوْلَادُهُمْ فِيهِمْ تُقْتَسَمْ
وَرِثْنَا مَسَاكِنَهُمْ بَعْدَهُمْ ... وَكُنّا مُلُوكًا بِهَا لَمْ نَرِمْ
فَلَمّا أَتَانَا الرّسُولُ الرّشِيدُ ... بِالْحَقّ وَالنّورِ بَعْدَ الظّلْمْ
قُلْنَا صَدَقْتَ رَسُولَ الْمَلِيكِ ... هَلُمّ إلَيْنَا وَفِينَا أَقِمْ
فَنَشْهَدَ أَنّكَ عَبْدُ الْإِلَهِ ... أُرْسِلَتْ نُورًا بِدِينٍ قِيَمْ
فَأَنَا وَأَوْلَادُنَا جُنّةٌ ... نَقِيكَ وَفِي مَالِنَا فَاحْتَكِمْ
فَنَحْنُ أُولَئِكَ إنْ كَذّبُوك ... فَنَادِ نِدَاءً وَلَا تَحْتَشِمْ
وَنَادِ بِمَا كُنْتَ أَخْفَيْتَهُ ... نِدَاءً جَهَارًا وَلَا تَكْتَتِمْ
فَسَارَ الْغُوَاةُ بِأَسْيَافِهِمْ ... إلَيْهِ يَظُنّونَ أَنْ يُخْتَرَمْ
فَقُمْنَا إلَيْهِمْ بِأَسْيَافِنَا ... نُجَالِدُ عَنْهُ بُغَاةَ الْأُمَمْ
بِكُلّ صَقِيلٍ لَهُ مَيْعَةٌ ... رَقِيقِ الذّبّابِ عَضُوضٍ خَذِمْ
إذَا مَا يُصَادِفُ صُمّ الْعِظَا ... مِ لَمْ يَنْبُ عَنْهَا وَلَمْ يَنْشَلِمْ
فَذَلِكَ مَا وَرّثَتْنَا الْقُرُو ... مُ مَجْدًا تَلِيدًا وَعِزّا أَشَمْ
إذَا مَرّ نَسْلٌ كَفَى نَسْلُهُ ... وَغَادَرَ نَسْلًا إذَا مَا انْفَصَمْ
فَمَا إنْ مِنْ النّاسِ إلّا لَنَا ... عَلَيْهِ وَإِنْ خَاسَ فَضْلُ النّعَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ
فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيّهِمْ ... يُنَادُونَ غُضْبًا بِأَمْرِ غُشُمْ
وَأَنْشَدَنِي :
بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ ... حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ
وَبَيْتُهُ " وَكُلّ كُمَيْتٍ مُطَارُ الْفُؤَادِ
" : عَنْهُ .
ذِكْرُ سَنَةِ تِسْعٍ وَتَسْمِيَتُهَا سَنَةَ الْوُفُودِ
وَنُزُولُ سُورَةِ الْفَتْحِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَكّةَ ، وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ ، وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ
وَبَايَعَتْ ضَرَبَتْ إلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ . [ ص
560 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ ذَلِكَ فِي
سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنّهَا كَانَتْ تُسْمَى سَنَةَ الْوُفُودِ .
[ انْقِيَادُ الْعَرَبِ وَإِسْلَامُهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَبّصَ بِالْإِسْلَامِ
أَمْرَ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَمْرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا إمَامَ النّاسِ
وَهَادِيَهُمْ وَأَهْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، وَصَرِيحَ وَلَدِ
إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَقَادَةَ الْعَرَبِ
لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الّتِي نَصَبَتْ لِحَرْبِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخِلَافَهُ فَلَمّا
اُفْتُتِحَتْ مَكّةُ ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ ، وَدَوّخَهَا
الْإِسْلَامُ وَعَرَفَتْ الْعَرَبُ أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا عَدَاوَتِهِ
فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللّهِ . كَمَا قَالَ عَزّ وَجَلّ أَفْوَاجًا ،
يَضْرِبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ
وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجًا فَسَبّحْ
بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوّابًا } أَيْ فَاحْمَدْ
اللّهَ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ دِينِك ، وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ
تَوّابًا .
قُدُومُ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَنُزُولُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ
فَقَدِمَتْ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُفُودُ الْعَرَبِ ،
فَقَدِمَ عَلَيْهِ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدُسٍ
التّمِيمِيّ ، فِي أَشْرَافِ بَنِي تَمِيمٍ ، مِنْهُمْ الْأَقْرَعُ بْنُ
حَابِسٍ التّمِيمِيّ ، وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ التّمِيمِيّ ، أَحَدُ
بَنِي سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ ، وَالْحَبْحَابُ بْنُ يَزِيدَ .
[ شَيْءٌ عَنْ الْحُتَاتِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : الْحُتَاتُ وَهُوَ الّذِي آخَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 561 ] مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ،
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ
نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَبَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ،
وَبَيْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ وَالزّبِيرِ بْنِ الْعَوّامِ ،
وَبَيْنَ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِي ّ وَالْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو
الْبَهْرَانِيّ ، وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحُتَاتِ
بْنِ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيّ فَمَاتَ الْحُتَاتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فِي
خِلَافَتِهِ فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ مَا تَرَكَ وِرَاثَةً بِهَذِهِ
الْأُخُوّةِ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ لِمُعَاوِيَةَ
أَبُوكَ وَعَمّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تُرَاثًا فَيَحْتَازُ التّرَاثَ أَقَارِبُهْ
فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْتَهُ ... وَمِيرَاثِ حَرْبٍ جَامِدٌ لَك ذَائِبُهْ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
[ سَائِرُ رِجَالِ الْوَفْدِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَفِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ نُعَيْمُ بْنُ يَزِيدَ
وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَقِيسُ بْنُ عَاصِمٍ ، أَخُو بَنِي سَعْدٍ
فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ،
وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ
وَالْحُتَاتُ بْنُ يَزِيدَ أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ
وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ ، أَحَدُ بَنِي بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، وَعَمْرُو بْنُ
الْأَهْتَمِ ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ،
وَقِيسِ بْنِ عَاصِمٍ ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
الْحَارِثِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ
بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ ، وَقَدْ كَانَ الْأَقْرَعُ
بْنُ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَحَ مَكّةَ وَحُنَيْنًا وَالطّائِفَ .
فَلَمّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ كَانَا مَعَهُمْ فَلَمّا دَخَلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ الْمَسْجِدَ نَادَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ أَنْ اُخْرُجْ إلَيْنَا يَا مُحَمّدُ فَآذَى ذَلِكَ [ ص 562 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ صِيَاحِهِمْ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ جِئْنَاك نُفَاخِرُك ، فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا ، قَالَ قَدْ أَذِنْت لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ ، فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَهُ عَلَيْنَا الْفَضْلُ وَالْمَنّ ، وَهُوَ أَهْلُهُ الّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا ، وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا ، نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ وَجَعَلَنَا أَعَزّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُ عَدَدًا ، وَأَيْسَرَهُ عِدّةً فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النّاسِ ؟ أَلَسْنَا بِرُءُوسِ النّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ ؟ فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيُعَدّدْ مِثْلَ مَا عَدّدْنَا ، وَإِنّا لَوْ نَشَاءُ لَأَكْثَرْنَا الْكَلَامَ وَلَكِنّا نَحْيَا مِنْ الْإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا ، وَإِنّا نُعْرَفُ بِذَلِكَ . أَقُولُ هَذَا لِأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلنَا ، وَأَمْرٍ أَفَضْلَ مِنْ أَمْرِنَا . ثُمّ جَلَسَ .
[ كَلِمَةُ ثَابِتٍ فِي الرّدّ عَلَى عُطَارِدٍ ]
فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ
بْنِ الشّمّاسِ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : قُمْ فَأَجِبْ
الرّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ . فَقَامَ ثَابِتٌ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ
الّذِي السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ قَضَى فِيهِنّ أَمْرَهُ وَوَسِعَ
كُرْسِيّهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطّ إلّا مِنْ فَضْلِهِ ثُمّ
كَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا ، وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ
خَلْقِهِ رَسُولًا ، أَكْرَمَهُ نَسَبًا ، وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا ،
وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ وَأْتَمَنَهُ عَلَى
خَلْقِهِ فَكَانَ خِيرَةَ اللّهِ مِنْ الْعَالَمِينَ ثُمّ دَعَا النّاسَ
إلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَآمَنَ بِرَسُولِ اللّهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ
قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ أَكْرَمُ النّاسِ حَسَبًا ، وَأَحْسَنُ النّاسِ
وُجُوهًا ، وَخَيْرُ النّاسِ فِعَالًا . ثُمّ كَانَ أَوّلُ الْخَلْقِ
إجَابَةً وَاسْتَجَابَ لِلّهِ حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ وَوُزَرَاءُ
رَسُولِهِ نُقَاتِلُ النّاسِ حَتّى يُؤْمِنُوا بِاَللّهِ فَمَنْ آمَنْ
بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ مَنَعَ مِنّا مَالَهُ وَدَمَهُ وَمَنْ كَفَرَ
جَاهَدْنَاهُ فِي اللّهِ أَبَدًا ، وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللّهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ .
[ شِعْرُ الزّبْرِقَانِ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ ]
فَقَامَ الزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ ، فَقَالَ [ ص 563 ]
نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيّ يُعَادِلُنَا ... مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ
وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ... عِنْدَ النّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزّ يُتّبَعُ
وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مُطْعِمُنَا ... مِنْ الشّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ
بِمَا تَرَى النّاسَ تَأْتِينَا سُرَاتُهُمْ ... مِنْ كُلّ أَرْضٍ هُوِيّا ثُمّ تَصْطَنِعُ
فَنَنْحَرُ الْكُوَمَ عُبْطًا فِي أَرُومَتِنَا ... لِلنّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا
فَلَا تَرَانَا إلَى حَيّ نُفَاخِرُهُمْ ... إلّا اسْتَفَادُوا فَكَانُوا الرّأْسَ يُقْتَطَعُ
فَمَنْ يُفَاخِرُنَا فِي ذَاكَ نَعْرِفُهُ ... فَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَالْأَخْبَارُ تُسْتَمَعُ
إنّا أَبَيْنًا وَلَا يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ ... إنّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نُرْتَفَعُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُقْسَمُ الرّبَعُ
وَيُرْوَى : مِنْ كُلّ أَرْضٍ هَوَانَا ثُمّ نُتّبَعُ رَوَاهُ لِي بَعْضُ
بَنِي تَمِيمٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِلزّبْرِقَانِ
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ حَسّانُ غَائِبًا ، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حَسّانُ جَاءَنِي رَسُولُهُ
فَأَخْبَرَنِي أَنّهُ إنّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ ،
فَخَرَجْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا
أَقُولُ [ ص 564 ]
مَنَعْنَا رَسُولَ اللّهِ إذْ حَلّ وَسْطَنَا ... عَلَى أَنْفٍ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ
مَنَعْنَاهُ لَمَا حَلّ بَيْنَ بُيُوتِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ
بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزّهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ
هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ... وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ
قَالَ
فَلَمّا انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ فَقَالَ مَا قَالَ عَرَضْت فِي قَوْلِهِ
وَقُلْت عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ . قَالَ فَلَمّا فَرَغَ الزّبْرِقَانُ
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَسّانَ بْنِ
ثَابِتٍ قُمْ يَا حَسّانُ فَأَجِبْ الرّجُلَ فِيمَا قَال فَقَامَ حَسّانٌ
فَقَالَ [ ص 565 ]
إنّ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ ... قَدْ بَيّنُوا سُنّةً لِلنّاسِ تُتّبَعُ
يَرْضَى بِهِمْ كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلّ الْخَيْرِ يَصْطَنِعُ
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرّوا عَدُوّهُمْ ... أَوْ حَاوَلُوا النّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ ... إنّ الْخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرّهَا الْبِدَعُ
إنْ كَانَ فِي النّاسِ سَبّاقُونَ بَعْدَهُمْ ... فَكُلّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
لَا يَرْقَعُ النّاسَ مَا أَوْهَتَ أَكَفّهُمْ ... عِنْدَ الدّفّاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا
إنْ سَابَقُوا النّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ ... أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنّدَى مَتَعُوا
أَعِفّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْي عِفّتُهُمْ ... لَا يَنْطَبَعُونَ وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ
لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ ... وَلَا يَمَسّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ
إذَا نَصَبْنَا لِحَيّ لَمْ نَدِبّ لَهُمْ ... كَمَا يَدُبّ إلَى الْوَحْشِيّةِ الذّرِعُ
نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا ... إذَا الزّعَانُفُ مِنْ أَظْفَارهَا خَشَعُوا
لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوّهُمْ ... وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هُلُعُ
كَأَنّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ ... أُسْدٌ بِحِلْيَةِ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعُ
خُذْ مِنْهُمْ مَا أَتَى عَفْوًا إذَا غَضِبُوا ... وَلَا يَكُنْ هَمّكَ الْأَمْرَ الّذِي مَنَعُوا
فَإِنّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ ... شَرّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السّمّ وَالسّلَعُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللّهِ شِيعَتُهُمْ ... إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشّيَعُ
أَهْدِي لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ ... فِيمَا أُحِبّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ
فَإِنّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ... إنْ جَدّ بِالنّاسِ جِدّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ :
يَرْضَى بِهَا كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَبِالْأَمْرِ الّذِي شَرَعُوا
[ شِعْرٌ آخَرُ لِلزّبْرِقَانِ ]
وَقَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ : أَنّ الزّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ لَمّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ قَامَ
فَقَالَ [ ص 566 ]
أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النّاسُ فَضْلَنَا ... إذَا احْتَفَلُوا عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ
بِأَنّا فُرُوعُ النّاسِ فِي كُلّ مَوْطِنٍ ... وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ
وَأَنّا نَذُودُ الْمُعْلِمِينَ إذَا انْتَخَوْا ... وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَصْيَدِ الْمُتَفَاقِمِ
وَأَنّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلّ غَارَةٍ ... نُغِيرُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ الْأَعَاجِمِ
[ شعر آخر لحسان في الرد على الزبرقان ]
فقام حسان بن ثابت فأجابه ، فقال :هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ... وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ
نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النّبِيّ مُحَمّدًا ... عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ
بِحَيّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ
نَصَرْنَاهُ لَمّا حَلّ وَسْطَ دِيَارِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ
جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتَنَا ... وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ
وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النّاسَ حَتّى تَتَابَعُوا ... عَلَى دِينهِ بِالْمُرْهَفَاتِ الصّوَارِمِ
وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا ... وَلَدْنَا نَبِيّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ
بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إنّ فَخْرَكُمْ ... يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ
هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمْ ... لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ ؟
فَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ ... وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقْسَمُوا فِي الْمَقَاسِمِ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ نِدّا وَأَسْلِمُوا ... وَلَا تَلْبَسُوا زِيّا كَزِيّ الْأَعَاجِمِ
[ إسْلَامُهُمْ وَتَجْوِيزُ الرّسُولِ إيّاهُمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَأَبِي ، إنّ هَذَا الرّجُلَ لَمُؤَتّى لَهُ لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا ، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا ، وَلِأَصْوَاتِهِمْ أَحْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا . فَلَمّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا ، وَجَوّزَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ .
[ شِعْرُ ابْنِ الْأَهْتَمِ فِي هِجَاءِ قِيسٍ لِتَحْقِيرِهِ إيّاهُ ]
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ قَدْ خَلّفَهُ الْقَوْمُ فِي ظَهْرِهِمْ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنّا ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ، وَكَانَ يُبْغِضُ عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنّا فِي رِحَالِنَا ، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ وَأُزْرَى بِهِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِثْلَ مَا أَعْطَى الْقَوْمَ فَقَالَ أَنّ قَيْسًا قَالَ ذَلِكَ يَهْجُوهُ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ حِينَ بَلَغَهُ [ ص 567 ]
ظَلِلْتُ مَفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي ... عِنْدَ الرّسُولِ فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تُصِبْ
سُدْنَاكُمْ سُوْدُدًا رَهْوًا وَسُوْدُدُكُمْ ... بَادٍ نَوَاجِذُهُ مُقْعٍ عَلَى الذّنَبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَقِيَ بَيْتٌ وَاحِدٌ تَرَكْنَاهُ لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَفِيهِمْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ { إِنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }
قِصّةُ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ فِي الْوِفَادَةِ عَنْ بَنِي عَامِرٍ
وَقَدَمِ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ بَنِي
عَامِرٍ فِيهِمْ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ [ ص 568 ] وَأَرْبَدُ بْنُ
قَيْسِ بْنِ جَزْءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَجَبّارُ بْنُ سَلْمَى
بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةُ رُؤَسَاءَ
الْقَوْمِ وَشَيَاطِينَهُمْ .
[ تَدْبِيرُ عَامِرٍ لِلْغَدْرِ بِالرّسُولِ ]
فَقَدِمَ
عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَدُوّ اللّهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ
قَوْمُهُ يَا عَامِرُ إنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ . قَالَ
وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتّى تَتْبَعَ
الْعَرَبُ عَقِبِي ، أَفَأَنَا أَتْبَعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ
قُرَيْشٍ ثُمّ قَالَ لِأَرْبَدَ إذَا قَدِمْنَا عَلَى الرّجُلِ فَإِنّي
سَأَشْغَلُ عَنْك وَجْهَهُ فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعْلُهُ بِالسّيْفِ
فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ : يَا مُحَمّدُ خَالِنِي ، قَالَ لَا
وَاَللّهِ حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللّهِ وَحْدَهُ . قَالَ يَا مُحَمّدُ
خَالِنِي . وَجَعَلَ يُكَلّمُهُ وَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ
أَمَرَهُ بِهِ فَجَعَلَ أَرْبَدُ لَا يُحِيرُ شَيْئًا ؛ قَالَ فَلَمّا
رَأَى عَامِرُ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ قَالَ يَا مُحَمّدُ خَالِنِي قَالَ
لَا ، حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . فَلَمّا
أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ
أَمَا وَاَللّهِ لَأَمْلَأَنّهَا عَلَيْك خَيْلًا وَرِجَالًا ؛ فَلَمّا
وَلّى قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ
اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ . فَلَمّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ وَيْلَك
يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كُنْت أَمَرْتُك بِهِ ؟ وَاَللّهِ مَا كَانَ
عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفَ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْك
. وَاَيْمُ اللّهِ لَا أَخَافُك بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا . قَالَ لَا
أَبَا لَك لَا تَعْجَلْ عَلَيّ وَاَللّهِ مَا هَمَمْت بِاَلّذِي
أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ أَمْرِهِ إلّا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرّجُلِ
حَتّى مَا أَرَى غَيْرَك ، أَفَأَضْرِبك بِالسّيْفِ ؟
[ مَوْتُ عَامِرٍ بِدُعَاءِ الرّسُولِ عَلَيْهِ ]
وَخَرَجُوا
رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ
بَعَثَ اللّهُ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ الطّاعُونَ فِي عُنُقِهِ
فَقَتَلَهُ اللّهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ فَجَعَلَ [ ص
569 ] بَنِي عَامِرٍ أَغُدّةٌ كَغُدّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ
مِنْ بَنِي سَلُولَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَغُدّةٌ كَغُدّةِ
الْإِبِلِ وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ .
[ مَوْتُ أَرْبَدَ بِصَاعِقَةِ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي عَامِرٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ حِينَ قَدِمُوا
أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ شَاتِينَ فَلَمّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ
فَقَالُوا : مَا وَرَاءَك يَا أَرْبَدُ ؟ قَالَ لَا شَيْءَ وَاَللّهِ
لَقَدْ دَعَانَا إلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدْتُ أَنّهُ عِنْدِي الْآنَ
فَأَرْمِيَهُ بِالنّبْلِ حَتّى أَقْتُلَهُ فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ
بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمْلٌ لَهُ يَتْبَعُهُ فَأَرْسَلَ
اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُمَا .
وَكَانَ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لِأُمّهِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي
عَامِرٍ وَأَرْبَدَ { اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَمَا
تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } إلَى قَوْلِهِ وَمَا { لَهُمْ
مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } قَالَ الْمُعَقّبَاتُ هِيَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ
يَحْفَظُونَ مُحَمّدًا . ثُمّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَمَا قَتَلَهُ اللّهُ بِهِ
فَقَالَ { وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ } إلَى
قَوْلِهِ { شَدِيدُ الْمِحَالِ }
[ شِعْرُ لَبِيَدٍ فِي بُكَاءِ أَرْبَدَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ لَبِيدٌ يَبْكِي أَرْبَدَ [ ص 570 ]
مَا إنْ تُعَدّي الْمَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ... لَا وَالِدٍ مُشْفِقٍ وَلَا وَلَدِ
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السّمَاكِ وَالْأَسَدِ
فَعَيْنٍ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ... قُمْنَا وَقَامَ النّسَاءُ فِي كَبَدِ
إنْ يَشْغَبُوا لَا يُبَالِ شَغْبَهُمْ ... أَوْ يَقْصِدُوا فِي الحكوم يَقْتَصِدْ
حُلْوٌ أَرِيَبٌ وَفِي حَلَاوَتِهِ ... مُرّ لَطِيفُ الْأَحْشَاءِ وَالْكَبِدِ
وَعَيْنِ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ... أَلْوَتْ رِيَاحُ الشّتَاءِ بِالْعَضَدِ
وَأَصْبَحَتْ لَاقِحًا مُصَرّمَةً ... حَتّى تَجَلّتْ غَوَابِرُ الْمُدَدِ
أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غَابَةٍ لَحِمٍ ... ذُو نَهْمَةٍ فِي الْعُلَا وَمُنْتَقَدِ
لَا تَبْلُغُ الْعَيْنُ كُلّ نَهْمَتِهَا ... لَيْلَةَ تُمْسَى الْجِيَادُ كَالْقِدَدِ
الْبَاعِثُ النّوْحَ فِي مَآتِمِهِ ... مِثْلَ الظّبَاءِ الْأَبْكَارِ بِالْجَرَدِ
فَجَعَنِي الْبَرْقُ وَالصّوَاعِقُ ... بِالْفَارِسِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النّجُدِ
وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ إذَا ... جَاءَ نَكِيبًا وَإِنْ يَعُدْ يَعُدْ
يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ وَالسّؤَالِ كَمَا ... يُنْبِتُ غَيْثُ الرّبِيعِ ذُو الرّصَدِ
كُلّ بَنِي حُرّةٍ مَصِيرُهُمْ ... قُلّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ
إنْ يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أُمِرُوا ... يَوْمًا فَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَالنّفَدِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : بَيْتُهُ " وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ " عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ وَبَيْتُهُ " يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ " : عَنْ غَيْرِ
ابْنِ إسْحَاقَ . [ ص 571 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ
أَلَا ذَهَبَ الْمُحَافِظُ وَالْمُحَامِي ... وَمَانِعُ ضَيْمِهَا يَوْمَ الْخِصَامِ
وَأَيْقَنْتُ التّفَرّقَ يَوْمَ قَالُوا ... تُقُسّمَ مَالُ أَرْبَد بِالسّهَامِ
تُطِيرُ عَدَائِدَ الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ... وَوِتْرًا وَالزّعَامَة لِلْغُلَامِ
فَوَدّعَ بِالسّلَامِ أَبَا حُرَيْزٍ ... وَقَلّ وَدَاعُ أَرْبَدَ بِالسّلَامِ
وَكُنْتَ إمَامَنَا وَلَنَا نِظَامًا ... وَكَانَ الْجَزْعُ يُحْفَظُ بِالنّظَامِ
وَأَرْبَدُ فَارِسُ الْهَيْجَا إذَا مَا ... تَقَعّرَتْ الْمَشَاجِرُ بِالْفِئَامِ
إذَا بَكَرَ النّسَاءُ مُرَدّفَاتٍ ... حَوَاسِرَ لَا يُجِئْنَ عَلَى الْخِدَامِ
فَوَاءَلَ يَوْمَ ذَلِكَ مَنْ أَتَاهُ ... كَمَا وَأَلَ الْمُحِلّ إلَى الْحَرَامِ
وَيَحْمَدُ قِدْرَ أَرْبَد مَنْ عَرَاهَا ... إذَا مَا ذُمّ أَرْبَابُ اللّحَامِ
وَجَارَتُهُ إذَا حَلّتْ لَدَيْهِ ... لَهَا نَفَلٌ وَحَظّ مِنْ سَنَامِ
فَإِنْ تَقْعُدْ فَمُكْرَمَةٌ حَصَانٌ ... وَإِنْ تَظْعَنْ فَمُحْسِنَةُ الْكَلَامِ
وَهَلْ حُدّثْتَ عَنْ أَخَوَيْنِ دَامَا ... عَلَى الْأَيّامِ إلّا ابْنَيْ شَمَامِ
وَإِلّا الْفَرْقَدَيْنِ وَآلَ نَعْشٍ ... خَوَالِدَ مَا تُحَدّثُ بِانْهِدَامِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . [ ص 572 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ
انْعَ الْكَرِيمَ لِلْكَرِيمِ أَرْبَدَا ... انْعَ الرّئِيسَ وَاللّطِيفَ كَبَدَا
يُحْذِي وَيُعْطِي مَالَهُ لِيُحْمَدَا ... أُدْمًا يُشَبّهْنَ صُوَارًا أَبَدَا
السّابِلَ الْفَضْلَ إذَا مَا عُدّدَا ... وَيَمْلَأُ الْجَفْنَةَ مَلْئًا مَدَدَا
رِفْهَا إذَا يَأْتِي ضَرِيكٌ وَرَدَا ... مِثْلُ الّذِي فِي الْغِيلِ يَقْرُو جُمُدَا
يَزْدَادُ قُرْبًا مِنْهُمْ أَنْ يُوعَدَا ... أَوْرَثْتَنَا تُرَاثَ غَيْرِ أَنْكَدَا
غِبّا وَمَالًا طَارِفًا وَوَلَدَا ... شَرْخًا صُقُورًا يَافِعًا وَأَمْرَدَا
وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا :
لَنْ تُفْنِيَا خَيْرَاتِ أَرْ ... بَدَ فَابْكِيَا حَتّى يَعُودَا
قُولَا هُوَ الْبَطَلُ الْمُحَا ... مِي حِينَ يَكْسُونَ الْحَدِيدَا
وَيَصُدّ عَنّا الظّالِمِي ... نَ إذَا لَقِينَا الْقَوْمَ صِيدَا
فَاعْتَاقَهُ رَبّ الْبَرِيّ ... ةِ إذْ رَأَى أَنْ لَا خُلُودًا
فَثَوَى وَلَمْ يُوجَعْ وَلَمْ ... يُوصَبْ وَكَانَ هُوَ الْفَقِيدَا
[ ص 573 ] وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا :
يُذَكّرُنِي بِأَرْبَدَ كُلّ خَصْمٍ ... أَلَدّ تَخَالُ خُطّتَهُ ضِرَارَا
إذَا اقْتَصَدُوا فَمُقْتَصِدٌ كَرِيمٌ ... وَإِنْ جَارُوا سَوَاءُ الْحَقّ جَارَا
وَيَهْدِي الْقَوْمَ مُطّلِعًا إذَا مَا ... دَلِيلُ الْقَوْمِ بِالْمَوْمَاةِ حَارَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا :
أَصْبَحْتُ أَمْشِي بَعْدَ سَلْمَى بْنِ مَالِكٍ ... وَبَعْدَ أَبِي قَيْسٍ وَعُرْوَةَ كَالْأَجَبْ
إذَا مَا رَأَى ظِلّ الْغُرَابِ أَضَجّهُ ... حِذَارًا عَلَى بَاقِي السّنَاسِنِ وَالْعَصَبْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
[ قُدُومُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا عَنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ضِمَامُ
بْنُ ثَعْلَبَةَ .
[ سُؤَالُهُ الرّسُولَ أَسْئِلَةً ثُمّ إسْلَامُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ
عَنْ كُرَيْبٍ ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ
، قَالَ [ ص 574 ] بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرِ ضِمَامِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمّ
عَقَلَهُ ثُمّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا
أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيّكُمْ ابْنُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . قَالَ أَمُحَمّدٌ ؟ قَالَ
نَعَمْ قَالَ يَا بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، إنّي سَائِلُك وَمُغَلّظٌ
عَلَيْك فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدَنّ فِي نَفْسِك ، قَالَ لَا أَجِدُ
فِي نَفْسِي ، فَسَلْ عَمّا بَدَا لَك . قَالَ أَنْشُدُك اللّهَ إلَهَك
وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك ،
آللّهُ بَعَثَك إلَيْنَا رَسُولًا ؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ
فَأَنْشُدُك اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك ، وَإِلَهَ مَنْ
هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك ، آللّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَهُ
وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ
الْأَنْدَادَ الّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ ؟ قَالَ اللّهُمّ
نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُك اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك ،
وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك ، آللّهُ أَمَرَك أَنْ نُصَلّيَ
هَذِهِ الصّلَوَاتِ الْخَمْسَ ؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ ثُمّ جَعَلَ
يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً . الزّكَاةَ
وَالصّيَامَ وَالْحَجّ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلّهَا ، يَنْشُدُهُ
عِنْدَ كُلّ فَرِيضَةٍ مِنْهَا كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الّتِي قَبْلَهَا ،
حَتّى إذَا فَرَغَ قَالَ فَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ،
وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولَ اللّهِ وَسَأُؤَدّي هَذِهِ
الْفَرَائِضَ وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتنِي عَنْهُ ثُمّ لَا أَزِيدُ وَلَا
أَنْقُصُ . ثُمّ انْصَرَفَ إلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا . قَالَ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ صَدَقَ ذُو
الْعَقِيصَتَيْنِ دَخَلَ الْجَنّةَ
[ دَعْوَتُهُ قَوْمَهُ لِلْإِسْلَامِ ]
قَالَ
فَأَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى
قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ فَكَانَ أَوّلُ مَا تَكَلّمَ بِهِ أَنْ
قَالَ بِئْسَ اللّاتُ وَالْعُزّى قَالُوا : مَهْ يَا ضِمَامُ اتّقِ
الْبَرَصَ اتّقِ الْجُذَامَ اتّقِ الْجُنُونَ قَالَ وَيْلَكُمْ إنّهُمَا
وَاَللّهِ لَا يَضُرّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ
رَسُولًا ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا أَسْتَنْقِذُكُمْ بِهِ مِمّا
كُنْتُمْ فِيهِ وَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَدْ جِئْتُكُمْ
مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ قَالَ
فَوَاَللّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ
وَلَا امْرَأَةٌ إلّا مُسْلِمًا . [ ص 575 ] قَالَ يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ
بْنُ عَبّاسٍ : فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ
ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ .
[ قُدُومُ الْجَارُودِ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقِيسِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْجَارُودُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَنْشٍ أَخُو عَبْدِ الْقَيْسِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْجَارُودُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْمُعَلّى فِي
وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَكَانَ نَصْرَانِيّا .
[ ضَمَانُ الرّسُولِ دِينَهُ وَإِسْلَامُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ لَمّا
انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلّمَهُ
فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْإِسْلَامَ وَدَعَاهُ إلَيْهِ وَرَغّبَهُ فِيهِ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ
إنّي قَدْ كُنْت عَلَى دِينٍ وَإِنّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِك ،
أَفَتَضْمَنُ لِي دَيْنِي ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ أَنَا ضَامِنٌ أَنْ قَدْ هَدَاك اللّهُ إلَى مَا
هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ . قَالَ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَصْحَابُهُ ثُمّ
سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُمْلَانَ
فَقَالَ وَاَللّهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ قَالَ يَا
رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِلَادِنَا ضَوَالّ مِنْ
ضَوَالّ النّاسِ أَفَنَتَبَلّغُ عَلَيْهَا إلَى بِلَادِنَا ؟ قَالَ لَا ،
إيّاكَ وَإِيّاهَا ، فَإِنّمَا تِلْكَ حَرَقُ النّارِ .
[ مَوْقِفُهُ مِنْ قَوْمِهِ فِي الرّدّةِ ]
فَخَرَجَ
مِنْ عِنْدِهِ الْجَارُودُ رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ وَكَانَ حَسَنَ
الْإِسْلَامِ صُلْبًا عَلَى دِينِهِ حَتّى هَلَكَ وَقَدْ أَدْرَكَ
الرّدّةَ فَلَمّا رَجَعَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَى
دِينِهِمْ الْأَوّلِ مَعَ الْغَرُورِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ النّعْمَانِ
بْنِ الْمُنْذِرِ ، قَامَ الْجَارُودُ فَتَكَلّمَ فَتَشَهّدَ [ ص 576 ]
وَدَعَا إلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّي أَشْهَدُ أَنْ
لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
وَأُكَفّرُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى :
وَأَكْفِي مَنْ لَمْ يَشْهَدْ .
[ إسْلَامُ ابْنِ سَاوَى ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ قَبْلَ فَتْحِ مَكّةَ إلَى
الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ ثُمّ
هَلَكَ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ
رِدّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالْعَلَاءُ عِنْدَهُ أَمِيرًا لِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ .
[ قُدُومُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَعَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابِ ]
وَقَدِمَ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ بَنِي
حَنِيفَةَ فِيهِمْ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ الْحَنَفِيّ الْكَذّابُ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسَيْلِمَةُ بْنُ ثُمَامَةَ وَيُكَنّى أَبَا
ثُمَامَةَ .
[ مَا كَانَ مِنْ الرّسُولِ لِمُسَيْلِمَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ
امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ فَحَدّثَنِي
بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : أَنّ بَنِي حَنِيفَةَ
أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتُرهُ
بِالثّيَابِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي
أَصْحَابِهِ . مَعَهُ عَسِيبٌ مِنْ سَعَفِ النّخْلِ فِي رَأْسِهِ خُوصَاتٌ
قَلّمَا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثّيَابِ كَلّمَهُ وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ سَأَلْتنِي هَذَا
الْعَسِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي
شَيْخٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ أَنّ حَدِيثَهُ
كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا . زَعَمَ أَنّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَلّفُوا مُسَيْلِمَةَ
فِي رِحَالِهِمْ فَلَمّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا مَكَانَهُ فَقَالُوا : يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّا قَدْ خَلّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا وَفِي
رِكَابِنَا يَحْفَظُهَا لَنَا ، قَالَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ [ ص
577 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ
لِلْقَوْمِ وَقَالَ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا ؛ أَيْ
لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ وَذَلِكَ الّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ ارْتِدَادُهُ وَتُنَبّؤُهُ ]
قَالَ
ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَجَاءُوهُ بِمَا أَعْطَاهُ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى الْيَمَامَةِ ارْتَدّ
عَدُوّ اللّهِ وَتَنَبّأَ وَتَكَذّبَ لَهُمْ وَقَالَ إنّي قَدْ أُشْرِكْتُ
فِي الْأَمْرِ مَعَهُ . وَقَالَ لِوَفْدِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ
أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ أَمَا إنّهُ لَيْسَ
بِشَرّكُمْ مَكَانًا ؛ مَا ذَاكَ إلّا لَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنّي قَدْ
أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَهُ ثُمّ جَعَلَ يَسْجَعُ لَهُمْ
الْأَسَاجِيعَ وَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ "
لَقَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَى الْحُبْلَى ، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً
تَسْعَى ، مِنْ بَيْنَ صِفَاقٍ وَحَشًى " . وَأَحَلّ لَهُمْ الْخَمْرَ
وَالزّنَا ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ الصّلَاةَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ نَبِيّ ،
فَأَصْفَقَتْ مَعَهُ حَنِيفَةُ عَلَى ذَلِكَ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ
ذَلِكَ كَانَ .
[ قُدُومُ زَيْدِ الْخَيْلِ فِي وَفْدِ طَيّئٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَفْدُ طَيّئٍ فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلِ ، وَهُوَ سَيّدُهُمْ
فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ كَلّمُوهُ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمُوا ، فَحَسُنَ
إسْلَامُهُمْ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ رِجَالِ طَيّئٍ مَا ذُكِرَ لِي
رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ بِفَضْلِ ثُمّ جَاءَنِي ، إلّا رَأَيْته دُونَ مَا
يُقَالُ فِيهِ إلّا زَيْدَ الْخَيْلِ : فَإِنّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلّ مَا
كَانَ فِيهِ ثُمّ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ
زَيْدَ الْخَيْرِ وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا وَأَرَضِينَ مَعَهُ وَكَتَبَ لَهُ
بِذَلِكَ . فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ [ ص 578 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ فَإِنّهُ قَالَ قَدْ
سَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاسْمِ غَيْرِ
الْحُمّى ، وَغَيْرِ أُمّ مَلْدَمٍ فَلَمْ يَثْبُتْهُ - فَلَمّا انْتَهَى
مِنْ بَلَدِ نَجْدٍ إلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ يُقَالُ لَهُ فَرَدَةَ ،
أَصَابَتْهُ الْحُمّى بِهَا فَمَاتَ وَلَمّا أَحَسّ زَيْدٌ بِالْمَوْتِ
قَالَ
أَمُرْتَحِلٌ قَوْمِي الْمَشَارِقَ غُدْوَةً ... وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرَدَةَ مُنْجِدِ
أَلَا رُبّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْتُ لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنّ يَجْهَد
فَلَمّا
مَاتَ عَمَدَتْ امْرَأَتُهُ إلَى مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ كُتُبِهِ الّتِي
قَطَعَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَرّقَتْهَا
بِالنّارِ .
[ أَمْرُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ ]
وَأَمّا عَدِيّ بْنُ
حَاتِمٍ فَكَانَ يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي : مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ
الْعَرَبِ كَانَ أَشَدّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ مِنّي ، أَمَا أَنَا فَكُنْت امْرَأً
شَرِيفًا ، وَكُنْت نَصْرَانِيّا ، وَكُنْت أَسِيرُ فِي قَوْمِي
بِالْمِرْبَاعِ فَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ وَكُنْت مَلِكًا فِي
قَوْمِي ، لِمَا كَانَ يُصْنَعُ بِي . فَلَمّا سَمِعْت بِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَرِهْته ، فَقُلْت لِغُلَامِ كَانَ لِي
عَرَبِيّ وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي : لَا أَبَا لَك ، أَعْدِدْ لِي مِنْ
إبِلِي أَجَمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا ، فَاحْتَبِسْهَا قَرِيبًا مِنّي ،
فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشِ لِمُحَمّدِ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ
فَآذِنّي ؛ فَفَعَلَ ثُمّ إنّهُ أَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ يَا
عَدِيّ ، مَا كُنْتَ صَانِعًا إذَا غَشِيَتْك خَيْلُ مُحَمّدٍ فَاصْنَعْهُ
الْآنَ فَإِنّي قَدْ رَأَيْت رَايَاتٍ فَسَأَلْت عَنْهَا ، فَقَالُوا :
هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمّدٍ . قَالَ فَقُلْت : فَقَرّبْ إلَيّ أَجْمَالِي ،
فَقَرّبَهَا ، فَاحْتَمَلْت بِأَهْلِي وَوَلَدِي ، ثُمّ قُلْت : أَلْحَقُ
بِأَهْلِ دِينِي مِنْ النّصَارَى بِالشّامِ [ ص 579 ] الْجَوْشِيّةَ ،
وَيُقَالُ الْحَوْشِيّةُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَخَلّفْت بِنْتًا
لِحَاتِمِ فِي الْحَاضِرِ فَلَمّا قَدِمْت الشّامَ أَقَمْتُ بِهَا .
[ أَسْرُ الرّسُولِ ابْنَةَ حَاتِمٍ ثُمّ إطْلَاقُهَا ]
وَتُخَالِفُنِي
خَيْلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتُصِيبُ
ابْنَةَ حَاتِمٍ فِيمَنْ أَصَابَتْ فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيّئٍ وَقَدْ بَلَغَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَرَبِي إلَى الشّامِ ،
قَالَ فَجُعِلَتْ بِنْتُ حَاتِمٍ فِي حَظِيرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ
كَانَتْ السّبَايَا يُحْبَسْنَ فِيهَا ، فَمَرّ بِهَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَتْ إلَيْهِ وَكَانَتْ امْرَأَةً
جَزْلَةً فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ
الْوَافِدُ فَامْنُنْ عَلَيّ مَنّ اللّهُ عَلَيْك . قَالَ وَمَنْ وَافِدُك
؟ قَالَتْ عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ . قَالَ الْفَارّ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ
؟ قَالَتْ ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَتَرَكَنِي ، حَتّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ مَرّ بِي ، فَقُلْت لَهُ
مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ . قَالَتْ حَتّى
إذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ مَرّ بِي وَقَدْ يَئِسْت مِنْهُ فَأَشَارَ
إلَيّ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ قَوْمِي فَكَلّمِيهِ قَالَتْ فَقُمْت
إلَيْهِ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ
الْوَافِدُ فَامْنُنْ عَلَيّ مَنّ اللّهُ عَلَيْك ؛ فَقَالَ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ فَعَلْتُ فَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجِ حَتّى تَجِدِي
مِنْ قَوْمِك مَنْ يَكُونُ لَك ثِقَةً حَتّى يُبَلّغُك إلَى بِلَادِك ،
ثُمّ آذِنِينِي . فَسَأَلْت عَنْ الرّجُلِ الّذِي أَشَارَ إلَيّ أَنْ
أُكَلّمَهُ فَقِيلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ
وَأَقَمْت حَتّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَلِيّ أَوْ قُضَاعَةَ ، قَالَتْ
وَإِنّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشّامِ . قَالَتْ فَجِئْت رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ
قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي ، لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ . قَالَتْ
فَكَسَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَمَلَنِي ،
وَأَعْطَانِي نَفَقَةً فَخَرَجْت مَعَهُمْ حَتّى قَدِمْت الشّامَ [ ص 580 ]
[ إشَارَةُ ابْنَةِ حَاتِمٍ عَلَى عَدِيّ بِالْإِسْلَامِ ]
قَالَ
عَدِيّ : فَوَاَللّهِ إنّي لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي ، إذْ نَظَرْت إلَى
ظَعِينَةٍ تَصُوبُ إلَيّ تُؤْمِنَا ، قَالَ فَقُلْت ابْنَةُ حَاتِمٍ قَالَ
فَإِذَا هِيَ هِيَ فَلَمّا وَقَفَتْ عَلَيّ انْسَحَلَتْ تَقُول :
الْقَاطِعُ الظّالِمُ احْتَمَلْتَ بِأَهْلِك وَوَلَدِك ، وَتَرَكْت
بَقِيّةَ وَالِدِك عَوْرَتَك ، قَالَ قُلْت : أَيْ أُخَيّةُ لَا تَقُولِي
إلّا خَيْرًا ، فَوَاَللّهِ مَا لِي مِنْ عُذْرٍ لَقَدْ صَنَعْتُ مَا
ذَكَرْت . قَالَ ثُمّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي ، فَقُلْت لَهَا :
وَكَانَتْ امْرَأَةً حَازِمَةً مَاذَا تَرَيْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ
؟ قَالَتْ أَرَى وَاَللّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا ، فَإِنْ يَكُنْ
الرّجُلُ نَبِيّا فَلِلسّابِقِ إلَيْهِ فَضْلُهُ وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا
فَلَنْ تَذِلّ فِي عِزّ الْيَمَنِ ، وَأَنْتَ أَنْتَ . قَالَ قُلْت :
وَاَللّهِ إنّ هَذَا الرّأْيُ .
[ قُدُومُ عَدِيّ عَلَى الرّسُولِ وَإِسْلَامُهُ ]
قَالَ
[ ص 581 ] فَخَرَجْت حَتّى أَقْدَمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلْت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي
مَسْجِدِهِ فَسَلّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ الرّجُلُ ؟ فَقُلْت : عَدِيّ
بْنُ حَاتِمٍ ؛ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَانْطَلَقَ بِي إلَى بَيْتِهِ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَعَامِدٌ بِي إلَيْهِ
إذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَرْقَفْتُهُ فَوَقَفَ
لَهَا طَوِيلًا تُكَلّمُهُ فِي حَاجَتِهَا ، قَالَ قُلْت فِي نَفْسِي :
وَاَللّهِ مَا هَذَا بِمَلِكِ قَالَ ثُمّ مَضَى بِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا دَخَلَ بِي بَيْتَهُ تَنَاوَلَ
وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوّةٍ لِيفًا ، فَقَذَفَهَا إلَيّ فَقَالَ
اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ قَالَ قُلْت : بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا ،
فَقَالَ بَلْ أَنْتَ فَجَلَسْت عَلَيْهَا ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَرْضِ قَالَ قُلْت فِي نَفْسِي :
وَاَللّهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ ثُمّ قَالَ إيِهِ يَا عَدِيّ بْنَ
حَاتِمٍ أَلَمْ تَكُ رَكُوسِيّا ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى . ( قَالَ ) : أَوْ
لَمْ تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِك بِالْمِرْبَاعِ ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى ،
قَالَ فَإِنّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلّ لَك فِي دِينِك ؛ قَالَ قُلْت :
أَجَلْ وَاَللّهِ وَقَالَ وَعَرَفْت أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ يَعْلَمُ مَا
يُجْهَلُ ثُمّ قَالَ لَعَلّك يَا عَدِيّ إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ
فِي هَذَا الدّينِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ فَوَاَللّهِ لَيُوشِكَنّ
الْمَالُ أَنْ يَفِيضَ فِيهِمْ حَتّى لَا يُوجَدُ مَنْ يَأْخُدُهُ
وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِيهِ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ
عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ فَوَاَللّهِ لِيُوشِكَنّ أَنْ تَسْمَعَ
بِالْمَرْأَةِ تَخْرَجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى بَعِيرِهَا ( حَتّى )
تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ لَا تَخَافُ وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ
دُخُولٍ فِيهِ أَنّك تَرَى أَنّ الْمُلْكَ وَالسّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ
وَاَيْمُ اللّهِ لَيُوشِكَنّ أَنّ تَسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ
أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَالَ فَأَسْلَمْت
[ وُقُوعُ مَا وَعَدَ بِهِ الرّسُولُ عَدِيّا ]
وَكَانَ
عَدِيّ يَقُولُ قَدْ مَضَتْ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ الثّالِثَةُ وَاَللّهِ
لَتَكُونَنّ قَدْ رَأَيْت الْقُصُورَ الْبِيضَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ
فُتِحَتْ وَقَدْ رَأَيْت الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى
بَعِيرِهَا لَا تَخَافُ حَتّى تَحُجّ هَذَا الْبَيْتَ وَاَيْمُ اللّهِ
لَتَكُونَنّ الثّالِثَةُ لَيَفِيضَنّ الْمَالُ حَتّى لَا يُوجَدَ مَنْ
يَأْخُذُهُ .
[ قُدُومُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادّيّ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ
كِنْدَةَ ، وَمُبَاعِدًا لَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ يَوْمُ الرّدْمِ بَيْنَ مُرَادَ وَهَمْدَانَ ]
وَقَدْ
كَانَ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بَيْنَ مُرَادَ وَهَمْدَانَ وَقْعَةٌ
أَصَابَتْ فِيهَا هَمْدَانُ مِنْ مُرَادَ مَا أَرَادُوا ، حَتّى
أَثْخَنُوهُمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ يَوْمَ الرّدْمِ ، فَكَانَ
الّذِي قَادَ هَمْدَانَ إلَى مُرَادَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الّذِي قَادَ هَمْدَانَ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ مَالِكُ بْنُ حَرِيمٍ الْهَمْدَانِيّ .
[ شِعْرُ فَرْوَةَ فِي يَوْمِ الرّدْمِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ . : [ ص 582 ]
مَرَرْنَا عَلَى لُفَاةَ وَهُنّ خَوْصٌ ... يُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ يَنْتَحِينَا
فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلّابُونَ قِدْمًا ... وَإِنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلّبِينَا
وَمَا إنْ طِبّنَا جُبْنٌ وَلَكُنّ ... مَنَايَانَا وَطُعْمَةُ آخَرِينَا
كَذَاكَ الدّهْرُ دَوْلَتُهُ سِجَالٌ ... تَكُرّ صُرُوفُهُ حِينًا فَحِينًا
فَبَيْنَا مَا نُسَرّ بِهِ وَنَرْضَى ... وَلَوْ لُبِسَتْ غَضَارَتُهُ سِنِينَا
إذْ انْقَلَبَتْ بِهِ كَرّاتُ دَهْرٍ ... فَأَلْفَيْتَ الْأُلَى غُبِطُوا طَحِينًا
فَمَنْ يُغْبَطْ بِرَيْبِ الدّهْرِ مِنْهُمْ ... يَجِدْ رَيْبَ الزّمَانِ لَهُ خَئُونًا
فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إذَنْ خَلَدْنَا ... وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إذَنْ بَقِينَا
فَأَفْنَى ذَلِكُمْ سَرَوَاتِ قَوْمِي ... كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْأَوّلِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوّلُ بَيْتٍ مِنْهَا ، وَقَوْلُهُ " فَإِنْ نَغْلِبْ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
[ قُدُومُ فَرْوَةَ عَلَى الرّسُولِ وَإِسْلَامُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا تَوَجّهَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ ،
قَالَ
لَمّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدَةَ أَعَرَضَتْ ... كَالرّجُلِ خَانَ الرّجُلَ عَرَقَ نَسَائِهَا
قَرّبْتُ رَاحِلَتِي مُحَمّدًا ... أَرْجُو فَوَاضِلَهَا وَحُسْنَ ثَرَائِهَا
[
ص 583 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ " أَرْجُو
فَوَاضِلَهُ وَحُسْنَ ثَنَائِهَا " . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا
انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي : يَا
فَرْوَةُ هَلْ سَاءَك مَا أَصَابَ قَوْمَك يَوْمَ الرّدْمِ ؟ قَالَ يَا
رَسُولَ اللّهِ مَنْ ذَا يُصِيبُ قَوْمَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمِي
يَوْمَ الرّدْمِ لَا يَسُوءُهُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ أَمَا إنّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ قَوْمَك فِي
الْإِسْلَامِ إلّا خَيْرًا وَاسْتَعْمَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُرَادَ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ كُلّهَا ،
وَبَعَثَ مَعَهُ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصّدَقَةِ
فَكَانَ مَعَهُ فِي بِلَادِهِ حَتّى تَوَفّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
قُدُومُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ
وَقَدِمَ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ
يَكْرِبَ فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ ، فَأَسْلَمَ وَكَانَ عَمْرٌو
قَدْ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيّ حِينَ انْتَهَى
إلَيْهِمْ أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا
قَيْسُ ، إنّك سَيّدُ قَوْمِك ، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنّ رَجُلًا مِنْ
قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ بِالْحِجَازِ ، يَقُولُ إنّهُ
نَبِيّ ، فَانْطَلِقْ بِنّا إلَيْهِ حَتّى نَعْلَمَ عِلْمَهُ فَإِنْ كَانَ
نَبِيّا كَمَا يَقُولُ فَإِنّهُ لَنْ يَخْفَى عَلَيْك ، وَإِذَا
لَقَيْنَاهُ اتّبَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْنَا عِلْمَهُ
فَأَبَى عَلَيْهِ قَيْسٌ ذَلِكَ وَسَفّهُ رَأْيَهُ فَرَكِبَ عَمْرُو بْنُ
مَعْدِ يَكْرِبَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ وَصَدّقَهُ وَآمَنَ بِهِ . فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ
قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَوْعَدَ عَمْرًا ، وَتَحَطّمْ عَلَيْهِ وَقَالَ
خَالَفَنِي وَتَرَكَ رَأْيِي ؛ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي
ذَلِكَ [ ص 584 ]
أَمَرْتُكَ يَوْمَ ذِي صَنْعَا ... ءَ أَمْرًا بَادِيًا رُشْدَهْ
أَمَرْتُكَ بِاتّقَاءِ ... اللّهِ وَالْمَعْرُوفِ تَتّعِدُهْ
خَرَجْتُ مِنْ الْمُنَى مِثْلَ الْحُمَيّرِ غَرّهُ وَتِدُهْ ... تَمُنّانِي عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ جَالِسًا أُسْدُهْ
عَلَيّ مُفَاضَةٌ كَالنّهْيِ أَخَلَصَ مَاءَهُ جَدَدُهْ ... تَرُدّ الرّمْحَ مُنْثَنَى السّنَانِ عَوَائِرًا قِصَدُهْ
فَلَوْ لَاقَيْتَنِي لَلَقِيتُ لَيْثًا فَوْقَهُ لِبَدُهْ ... تُلَاقِي شَنْبَثًا شَثْنَ الْبَرَاثِنِ نَاشِزًا كَتَدُهْ
يُسَامَى الْقِرْنَ إنْ قِرْنٌ ... تَيَمّمُهُ فَيَعْتَضِدُهْ
فَيَأْخُذُهُ فَيَرْفَعُهُ ... فَيَخْفِضُهُ فَيَقْتَصِدُهْ
فَيَدْمَغُهُ فَيَحْطِمُهُ ... فَيَخْضِمهُ فَيَزْدَرِدُهْ
ظَلُومَ الشّرَكِ فِيمَا ... أَحْرَزَتْ أَنْيَابُهُ وَيَدُهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ
أَمَرْتُكَ يَوْمَ ذِي صَنْعَا ... ءَ أَمْرًا بَيّنًا رُشْدُهُ
أَمَرْتُكَ بِاتّقَاءِ اللّهِ ... تَأْتِيهِ وَتَتّعِدُهْ
فَكُنْت كَذِي الْحُمَيّرِ غَرْ ... رَه مِمّا بِهِ وَتِدُهْ
وَلَمْ
يَعْرِفْ سَائِرَهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ عَمْرُو بْنُ
مَعْدِ يَكْرِبَ فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ وَعَلَيْهِمْ [ ص 585 ]
فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ . فَلَمّا تَوَفّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْتَدّ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ ، وَقَالَ حِينَ
ارْتَدّ
وَجَدْنَا مُلْكَ فَرْوَةَ شَرّ مُلْكٍ ... حِمَارًا سَافَ مُنْخُرَهُ بِثَفْرِ
وَكُنْتَ إذَا رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ ... تَرَى الْحُوَلَاءَ مِنْ خَبَثٍ وَغَدْرٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " بِثَفْرِ " عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ .
قُدُومُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، فِي وَفْدِ كِنْدَةَ ، فَحَدّثَنِي
الزّهْرِيّ بْنُ شِهَابٍ أَنّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ ، فَدَخَلُوا
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَسْجِدَهُ وَقَدْ
رَجّلُوا جُمَمَهُمْ وَتَكَحّلُوا ، وَعَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحِبَرَةِ
وَقَدْ كَفّفُوهَا بِالْحَرِيرِ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَلَمْ تُسْلِمُوا ؟ قَالُوا :
بَلَى ، قَالَ فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ ؛ قَالَ
فَشَقّوهُ مِنْهَا ، فَأَلْقَوْهُ
[ انْتِسَابُ الْوَفْدِ إلَى آكِلِ الْمُرَارِ ]
ثُمّ
قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ بَنُو
آكِلِ الْمُرَارِ ، وأنت ابن آكل الْمُرَارِ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ نَاسَبُوا بِهَذَا
النّسَبِ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَرَبِيعَةَ بْنَ
الْحَارِثِ ، وَكَانَ الْعَبّاسُ وَرَبِيعَةُ رَجُلَيْنِ تَاجِرَيْنِ
وَكَانَا إذَا شَاعَا فِي بَعْضِ الْعَرَبِ ، فَسُئِلَا مِمّنْ هُمَا ؟
قَالَا : نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ ، يَتَعَزّزَانِ بِذَلِكَ
وَذَلِكَ أَنّ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا . ثُمّ قَالَ لَهُمْ لَا ، بَلْ
نَحْنُ بَنُو النّضْر بْنِ كِنَانَةَ ، لَا نَقَفُوا أُمّنَا ، وَلَا
نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا ، فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ : هَلْ
فَرَغْتُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ ؟ وَاَللّهِ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا
يَقُولُهَا إلّا ضَرَبْته ثَمَانِينَ [ ص 586 ]
[ نَسَبُ الْأَشْعَثِ إلَى آكِلِ الْمُرَارِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ وَلَد آكِلِ الْمُرَارِ
مِنْ قِبَلِ النّسَاءِ وَآكِلُ الْمُرَارِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
حُجْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
بْنِ ثَوْرِ بْنِ مُرَتّعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدِيّ وَيُقَالُ
كِنْدَةَ ، وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ لِأَنّ عَمْرَو بْنَ
الْهَبُولَةِ الْغَسّانِيّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ الْحَارِثُ
غَائِبًا ، فَغَنِمَ وَسَبَى ، وَكَانَ فِيمَنْ سَبَى أُمّ أُنَاسَ بِنْتُ
عَوْفِ بْنِ مُحَلّمٍ الشّيْبَانِيّ امْرَأَةُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو ،
فَقَالَتْ لِعَمْرِو فِي مَسِيرِهِ لَكَأَنّي بِرَجُلِ أَدْلَمْ أَسْوَدَ
كَأَنّ مَشَافِرَهُ مَشَافِرُ بَعِيرِ آكِلِ مُرَارٍ قَدْ أَخَذَ
بِرِقْبَتِك ، تَعْنِي الْحَارِثَ فَسُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ وَالْمُرَارُ
شَجَرٌ . ثُمّ تَبِعَهُ الْحَارِثُ فِي بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ،
فَلَحِقَهُ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ امْرَأَتَهُ وَمَا كَانَ أَصَابَ .
فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلّزَةَ الْيَشْكُرِيّ لِعَمْرِو بْنِ
الْمُنْذِرِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ اللّخْمِيّ
وَأَقَدْنَاكَ رَبّ غَسّانَ بِالْمُنْذِرِ ... كَرْهًا إذْ لَا تُكَالُ الدّمَاءُ
لِأَنّ
الْحَارِثَ الْأَعْرَجَ الْغَسّانِيّ قَتَلَ الْمُنْذِرُ أَبَاهُ وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَهَذَا الْحَدِيثُ أَطْوَلُ مِمّا
ذَكَرْت ، وَإِنّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْت مِنْ
الْقَطْعِ . وَيُقَالُ بَلْ آكِلُ الْمُرَارِ حُجْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
مُعَاوِيَةَ وَهُوَ صَاحِبُ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ
الْمُرَارِ لِأَنّهُ أَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ
شَجَرًا يُقَالُ لَهُ الْمُرَارُ . [ ص 587 ]
قُدُومُ صُرَدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَزْدِيّ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْأَزْدِيّ ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ
إسْلَامُهُ فِي وَفْدٍ مِنْ الْأَزْدِ ، فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ .
وَأَمَرُوهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَنْ كَانَ يَلِيهِ مِنْ
أَهْلِ الشّرْكِ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ . فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ يَسِيرُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَتّى نَزَلَ بِجُرَشَ ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ مَدِينَةٌ مُعَلّقَةٌ وَبِهَا
قَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ ، وَقَدْ ضَوَتْ إلَيْهِمْ خَثْعَمُ ،
فَدَخَلُوهَا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِسَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ
فَحَاصَرُوهُمْ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ وَامْتَنَعُوا فِيهَا مِنْهُ
ثُمّ إنّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ قَافِلًا ، حَتّى إذَا كَانَ إلَى جَبَلٍ
لَهُمْ يُقَالُ لَهُ شَكْرُ ، ظَنّ أَهْلُ جُرَشَ أَنّهُ إنّمَا وَلّى
عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتّى إذَا أَدْرَكُوهُ
عَطَفَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا .
[ إخْبَارُ الرّسُولِ وَافِدِي جُرَشَ بِمَا حَدّثَ لِقَوْمِهَا ]
وَقَدْ
كَانَ أَهْلُ جَرْش بَعَثُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ يَرْتَادَانِ
وَيَنْظُرَانِ فَبَيْنَا هُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَشِيّةً بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إذْ قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَيّ بِلَادِ اللّهِ شَكْرُ ؟
فَقَامَ إلَيْهِ الْجُرَشِيّانِ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ
بِبِلَادِنَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ كَشْرُ ، وَكَذَلِكَ يُسَمّيهِ أَهْلُ
جُرَشَ ، فَقَالَ إنّهُ لَيْسَ بِكَشْرَ وَلَكِنّهُ شَكْرُ ؛ قَالَا :
فَمَا شَأْنُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ إنّ بُدْنَ اللّهِ لَتُنْحَرُ
عِنْدَهُ الْآنَ قَالَ فَجَلَسَ الرّجُلَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ إلَى
عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُمَا : وَيْحَكُمَا إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيَنْعَى لَكُمَا قَوْمكُمَا ، فَقُومَا إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللّهَ
أَنْ يَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا ؛ فَقَامَا إلَيْهِ فَسَأَلَاهُ ذَلِكَ
فَقَالَ اللّهُمّ ارْفَعْ عَنْهُمْ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعِينَ إلَى قَوْمِهِمَا ، فَوَجَدَا
قَوْمَهُمَا قَدْ أُصِيبُوا يَوْمَ أَصَابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَا قَالَ وَفِي السّاعَةِ الّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَا ذَكَرَ . [
ص 588 ]
[ إسْلَامُ أَهْلِ جُرَشَ ]
وَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ
حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَسْلَمُوا ، وَحَمَى لَهُمْ حِمًى حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ عَلَى أَعْلَامٍ
مَعْلُومَةٍ لِلْفَرَسِ وَالرّاحِلَةِ وَلِلْمُثِيرَةِ بَقَرَةُ الْحَرْثِ
فَمَنْ رَعَاهُ مِنْ النّاسِ فَمَا لَهُمْ سُحْتٌ . فَقَالَ فِي تِلْكَ
الْغَزْوَةِ رَجُلٌ مِنْ الْأَزْدِ : وَكَانَتْ خَثْعَمُ تُصِيبُ مِنْ
الْأَزْدِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانُوا يَعْدُونَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ
يَا غَزْوَةً مَا غَزَوْنَا غَيْرَ خَائِبَةٍ ... فِيهَا الْبِغَالُ وَفِيهَا الْخَيْلُ وَالْحُمُرُ
حَتّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا ... وَجَمْعُ خَثْعَمَ قَدْ شَاعَتْ لَهَا النّذُرُ
إذَا وَضَعَتْ غَلِيلًا كُنْتُ أَحْمِلُهُ ... فَمَا أُبَالِي أَدَانُوا بَعْدُ أَمْ كَفَرُوا
قُدُومُ رَسُولِ مُلُوكِ حِمْيَرَ بِكِتَابِهِمْ
وَقَدِمَ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابُ مُلُوكِ
حِمْيَرَ ، مَقْدَمَهُ مِنْ تَبُوكَ ، وَرَسُولُهُمْ إلَيْهِ
بِإِسْلَامِهِمْ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ ، وَنُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ
كُلَالٍ ، وَالنّعْمَانُ قَيْلُ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ ؛
وَبَعَثَ إلَيْهِ زُرْعَةَ ذُو يَزَنٍ مَا لَك ابْنَ مُرّةَ الرّهَاوِيّ
بِإِسْلَامِهِمْ وَمُفَارَقَتِهِمْ الشّرْكَ وَأَهْلَهُ [ ص 589 ]
فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسْمِ
اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ النّبِيّ ،
إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ، وَإِلَى نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ
كُلَالٍ ، وَإِلَى النّعْمَانِ قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ
وَهَمْدَانَ . أَمّا بَعْدُ ذَلِكُمْ فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللّهَ
الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ أَمّا بَعْدُ فَإِنّهُ قَدْ وَقَعَ بِهِ
رَسُولُكُمْ مُنْقَلَبَنَا مِنْ أَرْضِ الرّوم ِ فَلَقِيَنَا
بِالْمَدِينَةِ ، فَبَلّغَ مَا أَرْسَلْتُمْ بِهِ وَخَبّرَ مَا قَبْلَكُمْ
وَأَنْبَأْنَا بِإِسْلَامِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الْمُشْرِكِينَ وَأَنّ اللّهَ
قَدْ هَدَاكُمْ بِهُدَاهُ إنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمْ اللّهَ
وَرَسُولَهُ وَأَقَمْتُمْ الصّلَاةَ وَآتَيْتُمْ الزّكَاةَ وَأَعْطَيْتُمْ
مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللّهِ وَسَهْمَ الرّسُولِ وَصَفِيّهُ وَمَا
كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا
سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السّمَاءُ وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفُ
الْعُشْرِ وَأَنّ فِي الْإِبِلِ الْأَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ وَفِي
ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ وَفِي كُلّ خُمُسٍ مِنْ
الْإِبِلِ شَاةٌ وَفِي كُلّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ وَفِي كُلّ
أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ وَفِي كُلّ ثَلَاثِينَ مِنْ
الْبَقَرِ تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ
الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا ، شَاةٌ وَأَنّهَا فَرِيضَةُ اللّهِ الّتِي
فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ
خَيْرٌ لَهُ وَمَنْ أَدّى ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى إسْلَامِهِ وَظَاهَرَ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ
مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ
رَسُولِهِ وَإِنّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ
فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ
وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيّتِهِ فَإِنّهُ لَا
يُرَدّ عَنْهَا ، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلّ حَالٍ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثَى ، حُرّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ
أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا ، فَمَنْ أَدّى ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّ لَهُ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ
وَمَنْ مَنَعَهُ فَإِنّهُ عَدُوّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ . أَمّا بَعْدُ
فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ مُحَمّدًا النّبِيّ أَرْسَلَ إلَى زُرْعَةَ ذِي
يَزَنٍ أَنْ إذَا أَتَاكُمْ رُسُلِي فَأُوصِيكُمْ بِهِمْ خَيْرًا :
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ ، وَمَالِكُ بْنُ
عُبَادَةَ ، وَعُقْبَةُ بْنُ نَمِرٍ وَمَالِكُ بْنُ مُرّةَ
وَأَصْحَابُكُمْ وَأَنْ اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الصّدَقَةِ
وَالْجِزْيَةِ مِنْ مُخَالِيفِكُمْ وَأَبْلِغُوهَا رُسُلِي ، وَأَنّ
أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، فَلَا يَنْقَلِبَنّ إلّا رَاضِيًا ،
أَمّا بَعْدُ . فَإِنّ مُحَمّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ
وَأَنّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمّ إنّ مَالِكَ بْنَ مُرّةَ الرّهَاوِيّ
قَدْ حَدّثَنِي أَنّك أَسْلَمْتَ مِنْ أَوّلِ حِمْيَرَ ، وَقَتَلْتَ
الْمُشْرِكِينَ فَأَبْشِرْ بِخَيْرِ وَآمُرُك بِحِمْيَرَ خَيْرًا ، وَلَا
تَخُونُوا وَلَا تَخَاذَلُوا ، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ هُوَ وَلِيّ
غَنِيّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ وَأَنّ الصّدَقَةَ لَا تَحِلّ لِمُحَمّدِ وَلَا
لِأَهْلِ بَيْتِهِ إنّمَا هِيَ زَكَاةٌ يُزَكّى بِهَا عَلَى فُقَرَاءِ
الْمُسْلِمِينَ وَابْنِ السّبِيلِ وَأَنّ مَالِكًا قَدْ بَلّغَ الْخَبَرَ
، وَحَفِظَ الْغَيْبَ وَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا ، وَإِنّي قَدْ أَرْسَلْتُ
إلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ وَأُولِي عِلْمِهِمْ
وَآمُرُك بِهِمْ خَيْرًا ، فَإِنّهُمْ مَنْظُورٌ إلَيْهِمْ وَالسّلَامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ [ ص 590 ]
وَصِيّةُ الرّسُولِ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ
حُدّثَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَعَثَ
مُعَاذًا ، أَوْصَاهُ وَعَهِدَ إلَيْهِ ثُمّ قَالَ لَهُ يَسّرْ وَلَا
تُعَسّرْ وَبَشّرْ وَلَا تُنَفّرْ وَإِنّك سَتَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ يَسْأَلُونَك مَا مِفْتَاحُ الْجَنّةِ فَقُلْ شَهَادَةُ
أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالَ فَخَرَجَ
مُعَاذٌ حَتّى إذَا قَدِمَ الْيَمَنَ قَامَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْيَمَنِ ، فَقَالَتْ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللّهِ مَا حَقّ زَوْجِ
الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا ؟ قَالَ وَيْحَك إنّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْدِرُ
عَلَى أَنْ تُؤَدّيَ حَقّ زَوْجِهَا ، فَأَجْهِدِي نَفْسَك فِي أَدَاءِ
حَقّهِ مَا اسْتَطَعْت ، قَالَتْ وَاَللّهِ لَئِنْ كُنْت صَاحِبَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك لَتَعْلَمُ مَا حَقّ الزّوْجِ
عَلَى الْمَرْأَةِ . قَالَ وَيْحَك لَوْ رَجَعْت إلَيْهِ فَوَجَدْته
تَنْثَعِبُ مَنْخِرَاهُ قَيْحًا وَدَمًا ، فَمَصَصْت ذَلِكَ حَتّى
تُذْهِبِيهِ مَا أَدّيْت حَقّهُ . [ ص 591 ]
إسْلَامُ فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيّ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو النّافِرَةَ
الْجُذَامِيّ ثُمّ النّفَاثِيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ رَسُولًا بِإِسْلَامِهِ وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ
وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِلرّومِ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ
، وَكَانَ مَنْزِلُهُ مُعَانٍ وَمَا حَوْلَهَا من أَرْضِ الشّامِ .
فَلَمّا بَلَغَ الرّومَ ذَلِكَ مِنْ إسْلَامِهِ طَلَبُوهُ حَتّى أَخَذُوهُ
فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ فَقَالَ فِي مَحْبِسِهِ ذَلِكَ
طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنَا أَصْحَابِي ... وَالرّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ
صَدّ الْخَيّالُ وَسَاءَهُ مَا قَدْ رَأَى ... وَهَمَمْتُ أَنْ أُغْفِي وَقَدْ أَبْكَانِي
لَا تَكْحَلِنّ الْعَيْنَ بَعْدِي إثْمِدًا ... سَلْمَى وَلَا تَدِيَنّ لِلْإِتْيَانِ
وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَبَا كُبَيْشَةَ أَنّنِي ... وَسْطَ الْأَعِزّةِ لَا يُحَصْ لِسَانِي
فَلَئِنْ هَلَكْتُ لَتَفْقِدُنّ أَخَاكُمْ ... وَلَئِنْ بَقِيتُ لَتَعْرِفُنّ مَكَانِي
وَلَقَدْ جَمَعْتُ أَجَلّ مَا جَمَعَ الْفَتَى ... مِنْ جَوْدَةٍ وَشَجَاعَةٍ وَبَيَانِ
فَلَمّا أَجَمَعَتْ الرّومُ لِصَلْبِهِ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ عَفْرَاءُ بِفِلَسْطِينَ قَالَ [ ص 592 ]
أَلَا هَلْ أَتَى سَلْمَى بِأَنّ حَلِيلَهَا ... عَلَى مَاءِ عَفْرَا فَوْقَ إحْدَى الرّوَاحِلِ
عَلَى نَاقَةٍ لَمْ يَضْرِبْ الْفَحْلُ أُمّهَا ... مُشّذّبَةٌ أَطْرَافُهَا بِالْمَنَاجِلِ
فَزَعَمَ الزّهْرِيّ ابْنُ شِهَابٍ ، أَنّهُمْ لَمّا قَدّمُوهُ لِيَقْتُلُوهُ . قَالَ
بَلّغْ سَرَاةَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنّنِي ... سَلْمٌ لِرَبّي أَعْظُمِي وَمَقَامِي
ثُمّ ضَرَبُوا عُنُقَهُ وَصَلَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ يَرْحَمُهُ اللّهُ تَعَالَى .
إسْلَامُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عَلَى يَدَيْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَمّا سَارَ إلَيْهِمْ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ أَوْ
جُمَادَى الْأُولَى ، سَنَةَ عَشْرٍ إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ
بِنَجْرَانَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ
يُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثًا ، فَإِنْ اسْتَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَإِنْ
لَمْ يَفْعَلُوا فَقَاتِلِهِمْ . فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتّى قَدِمَ
عَلَيْهِمْ فَبَعَثَ الرّكْبَانُ يَضْرِبُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَيَدْعُونَ
إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُونَ أَيّهَا النّاسُ أَسْلِمُوا تُسْلَمُوا .
فَأَسْلَمَ النّاسُ وَدَخَلُوا فِيمَا دُعُوا إلَيْهِ فَأَقَامَ فِيهِمْ
خَالِدٌ يُعَلّمُهُمْ الْإِسْلَامَ وَكِتَابَ اللّهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِذَلِكَ كَانَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ هُمْ أَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا .
[ كِتَابُ خَالِدٍ إلَى الرّسُولِ يَسْأَلُهُ رَأْيَهُ فِي الْبَقَاءِ أَوْ الْمَجِيءِ ]
ثُمّ
[ ص 593 ] كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، السّلَامُ
عَلَيْك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَإِنّي
أَحْمَدُ إلَيْك اللّهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ أَمّا بَعْدُ يَا
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، فَإِنّك بَعَثْتنِي إلَى بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَأَمَرْتنِي إذَا أَتَيْتهمْ أَلّا أُقَاتِلَهُمْ
ثَلَاثَةَ أَيّامٍ وَأَنْ أَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ
أَسْلَمُوا أَقَمْت فِيهِمْ وَقَبِلْت مِنْهُمْ وَعَلّمْتهمْ مَعَالِمَ
الْإِسْلَامِ وَكِتَابَ اللّهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا
قَاتَلْتهمْ . وَإِنّي قَدِمْت عَلَيْهِمْ فَدَعَوْتهمْ إلَى الْإِسْلَامِ
ثَلَاثَةَ أَيّامٍ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَبَعَثْت فِيهِمْ رُكْبَانًا ، قَالُوا : يَا بَنِي الْحَارِثِ
أَسَلِمُوا تُسْلَمُوا ، فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا ، وَأَنَا
مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ آمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ اللّهُ بِهِ
وَأَنْهَاهُمْ عَمّا نَهَاهُمْ اللّهُ عَنْهُ وَأُعَلّمُهُمْ مَعَالِمَ
الْإِسْلَامِ وَسُنّةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى
يَكْتُبَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَالسّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ .
[ كِتَابُ الرّسُولِ إلَى خَالِدٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَجِيءِ ]
فَكَتَبَ
إلَيْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسْمِ اللّهِ
الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللّهِ إلَى خَالِدِ
بْنِ الْوَلِيدِ . سَلَامٌ عَلَيْك ، فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْك اللّهَ
الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ . أَمّا بَعْدُ فَإِنّ كِتَابَك جَاءَنِي مَعَ
رَسُولِك تُخْبِرُ أَنّ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمُوا
قَبْلَ أَنْ تُقَاتِلَهُمْ وَأَجَابُوا إلَى مَا دَعَوْتهمْ إلَيْهِ مِنْ
الْإِسْلَامِ وَشَهِدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا
عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ وَأَنْ قَدْ هَدَاهُمْ اللّهُ بِهُدَاهُ
فَبَشّرْهُمْ وَأَنْذِرْهُمْ وَأَقْبِلْ وَلْيُقْبِلْ مَعَك وَفْدُهُمْ
وَالسّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ .
فَأَقْبَلَ خَالِدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبَلَ مَعَهُ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ مِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ الْحُصَيْنِ ذِي الْغُصّةِ ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ ، وَيَزِيدُ بْنُ الْمُحَجّلِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قُرَادٍ الزّيَادِيّ وَشَدّادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْقَنَانِيّ ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ الضّبَابِيّ [ ص 594 ] فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَآهُمْ قَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الّذِينَ كَأَنّهُمْ رِجَالُ الْهِنْدِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَؤُلَاءِ رِجَالُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَأَنّهُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتُمْ الّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا ، فَسَكَتُوا ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، ثُمّ أَعَادَهَا الثّانِيَةَ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، ثُمّ أَعَادَهَا الثّالِثَةَ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، ثُمّ أَعَادَهَا الرّابِعَةَ فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ الّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا ، قَالَهَا أَرْبَعَ مِرَارٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ أَنّ خَالِدًا لَمْ يَكْتُبْ إلَيّ أَنّكُمْ أَسْلَمْتُمْ وَلَمْ تُقَاتِلُوا ، لَأَلْقَيْت رُءُوسَكُمْ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ : أَمَا وَاَللّهِ مَا حَمِدْنَاك وَلَا حَمِدْنَا خَالِدًا ، قَالَ فَمَنْ حَمِدْتُمْ ؟ قَالُوا : حَمِدْنَا اللّهَ عَزّ وَجَلّ الّذِي هَدَانَا بِك يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ صَدَقْتُمْ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ ؟ قَالُوا : لَمْ نَكُنْ نَغْلِبُ أَحَدًا ؛ قَالَ بَلَى ، قَدْ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ قَالُوا : كُنّا نَغْلِبُ مَنْ قَاتَلَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا كُنّا نَجْتَمِعُ وَلَا نَفْتَرِقُ وَلَا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمِ قَالَ صَدَقْتُمْ وَأَمّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ . فَرَجَعَ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ إلَى قَوْمِهِمْ فِي بَقِيّةٍ مِنْ شَوّالٍ أَوْ فِي صَدْرِ ذِي الْقَعَدَةِ فَلَمْ يَمْكُثُوا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ إلّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَحِمَ وَبَارَكَ وَرَضِيَ وَأَنْعَمَ .
وَقَدْ [ ص 595 ] كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ وَلّى وَفْدُهُمْ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ ، لِيُفَقّهَهُمْ فِي الدّينِ وَيُعَلّمَهُمْ السّنّةَ وَمَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَهِدَ إلَيْهِ فِيهِ عَهْدَهُ وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا بَيَانٌ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ عَهْدٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللّهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ ، أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللّهِ فِي أَمْرِهِ كُلّهِ فَإِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَوْا وَاَلّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقّ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ وَأَنْ يُبَشّرَ النّاسَ بِالْخَيْرِ وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ وَيُعَلّمَ النّاسَ الْقُرْآنَ وَيُفَقّهَهُمْ فِيهِ وَيَنْهَى النّاسَ فَلَا يَمَسّ الْقُرْآنَ إنْسَانٌ إلّا وَهُوَ طَاهِرٌ وَيُخْبِرَ النّاسَ بِاَلّذِي لَهُمْ وَاَلّذِي عَلَيْهِمْ وَيَلِينَ لِلنّاسِ فِي الْحَقّ وَيَشْتَدّ عَلَيْهِمْ فِي الظّلْمِ فَإِنّ اللّهَ كَرِهَ الظّلْمَ وَنَهَى عَنْهُ فَقَالَ { أَلَا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ } وَيُبَشّرَ النّاسَ بِالْجَنّةِ وَبِعَمَلِهَا ، وَيُنْذِرَ النّاسَ النّارَ وَعَمَلَهَا ، وَيَسْتَأْلِفَ النّاسَ حَتّى يُفَقّهُوا فِي الدّينِ وَيُعَلّمَ النّاسَ مَعَالِمَ الْحَجّ وَسُنّتَهُ وَفَرِيضَتَهُ وَمَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ وَالْحَجّ الْأَكْبَرَ الْحَجّ الْأَكْبَرَ وَالْحَجّ الْأَصْغَرَ هُوَ الْعُمْرَةُ . وَيَنْهَى النّاسَ أَنْ يُصَلّيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ إلّا أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا يُثْنِي طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِيهِ وينهى النّاسَ أن يَحْتَبِيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إلَى السّمَاءِ وَيَنْهَى أَنْ يُعَقّصَ أَحَدٌ شَعَرَ رَأْسِهِ فِي قَفَاهُ وَيَنْهَى إذَا كَانَ بَيْنَ النّاسِ هَيْجٌ عَنْ الدّعَاءِ إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ وَلْيَكُنْ دَعَوَاهُمْ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَمَنْ لَمْ يَدْعُ إلَى اللّهِ وَدَعَا إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ فَلْيُقْطَفُوا بِالسّيْفِ حَتّى تَكُونَ دَعْوَاهُمْ إلَى اللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَيَأْمُرُ النّاسَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَهُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَيَمْسَحُونَ بِرُءُوسِهِمْ كَمَا أَمَرَهُمْ اللّهُ وَأَمَرَ بِالصّلَاةِ لِوَقْتِهَا ، وَإِتْمَامِ الرّكُوعِ وَالسّجُودِ وَالْخُشُوعِ وَيُغَلّسُ بِالصّبْحِ وَيُهَجّرُ بِالْهَاجِرَةِ حِينَ تَمِيلُ الشّمْسُ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالشّمْسُ فِي الْأَرْضِ مُدْبِرَةٌ وَالْمَغْرِبُ حِينَ يَقْبَلُ اللّيْلُ لَا يُؤَخّرُ حَتّى تَبْدُوَ النّجُومُ فِي السّمَاءِ وَالْعِشَاءُ أَوّلُ اللّيْلِ وَأَمَرَ بِالسّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا ، وَالْغُسْلِ عِنْدَ الرّوَاحِ إلَيْهَا ؛ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللّهِ وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السّمَاءُ وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفَ الْعُشْرِ وَفِي كُلّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ وَفِي كُلّ عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ وَفِي كُلّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا ، شَاةٌ فَإِنّهَا فَرِيضَةُ اللّهِ الّتِي افْتَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ إسْلَامًا خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ وَدَانَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مِثْلُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ عَلَى نَصْرَانِيّتِهِ أَوْ يَهُودِيّتِهِ فَإِنّهُ لَا يُرَدّ عَنْهَا ، وَعَلَى كُلّ حَالِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، حُرّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا . فَمَنْ أَدّى ذَلِكَ فَإِنّ لَهُ ذِمّةَ اللّهِ وَذِمّةَ رَسُولِهِ وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَإِنّهُ عَدُوّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا ؛ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَى مُحَمّدٍ وَالسّلَامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ [ ص 596 ]
قُدُومُ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ
وَقَدِمَ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هُدْنَةِ
الْحُدَيْبِيَةِ ، قَبْلَ خَيْبَرَ ، رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ
ثُمّ الضّبَيْبِيّ فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ غُلَامًا ، وَأَسْلَمَ ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَكَتَبَ لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا إلَى قَوْمِهِ .
وَفِي كِتَابِهِ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ
مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لِرِفَاعَةِ بْنِ زَيْدٍ . إنّي بَعَثْته إلَى
قَوْمِهِ عَامّةً وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى
رَسُولِهِ فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَفِي حِزْبِ اللّهِ وَحِزْبِ
رَسُولِهِ وَمَنْ أَدْبَرَ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ فَلَمّا قَدِمَ
رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ أَجَابُوا وَأَسْلَمُوا ، ثُمّ سَارُوا إلَى
الْحَرّةِ : حَرّةِ الرّجْلَاءِ ، وَنَزَلُوهَا .
قُدُومُ وَفْدِ هَمْدَانَ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا [ ص 597 ] الْعَبْدِيّ عَنْ أَبِي
إسْحَاقَ السّبِيعِيّ قَالَ قَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ وَأَبُو
ثَوْرٍ ، وَهُوَ ذُو الْمِشْعَارِ وَمَالِكُ بْنُ أَيْفَعَ وَضِمَامُ بْنُ
مَالِكٍ السّلْمَانِيّ وَعَمِيرَةُ بْنُ مَالِكٍ الْخَارِفِيّ فَلُقُوا
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ
وَعَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ وَالْعَمَائِمُ الْعَدَنِيّةُ
بِرِحَالِ الْمَيْسِ عَلَى الْمَهْرِيّة وَالْأَرْحَبِيّة وَمَالِكِ بْنِ
نَمَطٍ وَرَجُلٍ آخَرَ يَرْتَجِزَانِ بِالْقَوْمِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا :
هَمْدَانُ خَيْرٌ سُوقَةً وَأَقْيَالْ ... لَيْسَ لَهَا فِي الْعَالَمِينَ أَمْثَالْ
مَحَلّهَا الْهَضْبُ وَمِنْهَا الْأَبْطَالْ ... لَهَا إطَابَاتٌ بِهَا وَآكَالْ
وَيَقُولُ الْآخَرُ
إلَيْكَ جَاوَزْنَ سَوَادَ الرّيفِ ... فِي هَبَوَاتِ الصّيْفِ وَالْخَرِيفِ
مُخَطّمَاتٍ
بِحِبَالِ اللّيفِ فَقَامَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ
يَا رَسُولَ اللّهِ نَصّيةٌ مِنْ هَمْدَانَ ، مِنْ كُلّ حَاضِرٍ وَبَادٍ
أَتَوْك عَلَى قُلُصٍ نَوَاجٍ مُتّصِلَةٌ بِحَبَائِلِ الْإِسْلَامِ [ ص
598 ] لَائِمٍ مِنْ مِخْلَافِ خَارِفٍ وَيَام وَشَاكِرٍ أَهْلُ السّودِ
وَالْقَوَدِ أَجَابُوا دَعْوَةَ الرّسُولِ وَفَارَقُوا الْإِلَهَاتِ
الْأَنْصَابَ عَهْدُهُمْ لَا يُنْقَضُ مَا أَقَامَتْ لَعْلَعٌ ، وَمَا
جَرَى الْيَعْفُورُ بِصَلَعٍ .
[ كِتَابُ الرّسُولِ بِالنّهْيِ ]
فَكَتَبَ
لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا فِيهِ
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ
مُحَمّدٍ ، لِمِخْلَافِ خَارِفٍ وَأَهْلِ جَنَابِ الْهَضْبِ وَحِقَافِ
الرّمْلِ مَعَ وَافِدِهَا ذِي الْمِشْعَارِ مَالِكِ بْنِ نَمَطٍ وَمَنْ
أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى أَنّ لَهُمْ فِرَاعَهَا وَوِهَاطَهَا ، مَا
أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوْا الزّكَاةَ يَأْكُلُونَ عِلَافَهَا
وَيَرْعُونَ عَافِيَهَا ، لَهُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللّهِ وَذِمَامُ
رَسُولِهِ وَشَاهِدُهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ . فَقَالَ فِي
ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ [ ص 599 ]
ذَكَرْتُ رَسُولَ اللّهِ فِي فَحْمَةِ الدّجَى ... وَنَحْنُ بِأَعْلَى رَحْرَحَانَ وَصَلْدَدِ
وَهُنّ بِنَا خُوصٌ طَلَائِحُ تَغْتَلِي ... بِرُكْبَانِهَا فِي لَاحِبٍ مُتَمَدّدِ
عَلَى كُلّ فَتْلَاءِ الذّرَاعَيْنِ جَسْرَةٍ ... تَمُرّ بِنَا مَرّ الْهِجَفّ الْحَفَيْدَدِ
حَلَفْتُ بِرَبّ الرّاقِصَاتِ إلَى مِنًى ... صَوَادِرَ بِالرّكْبَانِ مِنْ هَضْبِ قَرْدَدِ
بِأَنّ رَسُولَ اللّهِ فِينَا مُصَدّقُ ... رَسُولٌ أَتَى مِنْ عِنْدِ ذِي الْعَرْشِ مُهْتَدِي
فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَشَدّ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ مُحَمّدِ
وَأَعْطَى إذَا مَا طَالِبُ الْعُرْفِ جَاءَهُ ... وَأَمْضَى بِحَدّ الْمَشْرَفِيّ الْمُهَنّدِ
ذِكْرُ الْكَذّابَينَ مُسَيْلِمَةَ الْحَنَفِيّ وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيّ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ تَكَلّمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَذّابَانِ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ
بِالْيَمَامَةِ فِي بَنِي حَنِيفَةَ وَالْأَسْوَدُ بْنُ كَعْبٍ
الْعَنْسِيّ بِصَنْعَاءَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَوْ أَخِيهِ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعْت
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ
عَلَى مِنْبَرِهِ وَهُوَ يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ رَأَيْت
لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمّ أُنْسِيتهَا ، وَرَأَيْت فِي ذِرَاعَيّ
سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَرِهْتهمَا ، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا ،
فَأَوّلْتهمَا هَذَيْنِ الْكَذّابَيْنِ صَاحِبِ الْيَمَنِ ، وَصَاحِبِ
الْيَمَامَةِ
[ حَدِيثُ الرّسُولِ عَنْ الدّجّالِينَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَقُولُ لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ دَجّالًا ،
كُلّهُمْ يَدّعِي النّبُوّةَ . [ ص 600 ]
خُرُوجُ الْأُمَرَاءِ وَالْعُمّالِ عَلَى الصّدَقَاتِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَدْ بَعَثَ أُمَرَاءَهُ وَعُمّالَهُ عَلَى الصّدَقَاتِ إلَى كُلّ مَا
أَوْطَأَ الْإِسْلَامُ مِنْ الْبُلْدَانِ فَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ
أَبِي أُمَيّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ إلَى صَنْعَاءَ ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ
الْعَنْسِيّ وَهُوَ بِهَا ؛ وَبَعَثَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ ، أَخَا بَنِي
بَيَاضَةَ الْأَنْصَارِيّ إلَى حَضْرَمَوْتَ وَعَلَى صَدَقَاتِهَا ؛
وَبَعَثَ عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ عَلَى طَيّئ ٍ وَصَدَقَاتِهَا ، وَعَلَى
بَنِي أَسَدٍ ؛ وَبَعَثَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
الْيَرْبُوعِيّ - عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي حَنْظَلَةَ وَفَرّقَ صَدَقَةَ
بَنِي سَعْدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ فَبَعَثَ الزّبْرِقَانَ بْنَ
بَدْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا ، وَقَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ عَلَى نَاحِيَةٍ
وَكَانَ قَدْ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ،
وَبَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ إلَى
أَهْلِ نَجْرَانَ ، لِيَجْمَعَ صَدَقَتَهُمْ وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ
بِجِزْيَتِهِمْ .
[ كِتَابُ مُسَيْلِمَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ ]
وَقَدْ
كَانَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ ، قَدْ كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللّهِ إلَى مُحَمّدٍ
رَسُولِ اللّهِ : سَلَامٌ عَلَيْك ؛ أَمّا بَعْدُ فَإِنّي قَدْ أُشْرِكْت
فِي الْأَمْرِ مَعَك ، وَإِنّ لَنَا نِصْفَ الْأَرْضِ وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ
الْأَرْضِ وَلَكِنّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ . فَقَدِمَ عَلَيْهِ
رَسُولَانِ لَهُ بِهَذَا الْكِتَابِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي
شَيْخٌ مِنْ أَشْجَعَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ
الْأَشْجَعِيّ ، عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَهُمَا حِينَ قَرَأَ كِتَابَهُ
فَمَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا ؟ قَالَا : نَقُولُ كَمَا قَالَ فَقَالَ أَمَا
وَاَللّهِ لَوْلَا أَنّ الرّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْت أَعْنَاقَكُمَا .
ثُمّ كَتَبَ إلَى مُسَيْلِمَةَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ
مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ ، إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ : السّلَامُ
عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى . أَمّا بَعْدُ فَإِنّ الْأَرْضَ لِلّهِ
يُورَثُهَا مَنْ يُشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ [ ص
601 ] وَذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ .
حَجّةُ الْوَدَاعِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الْقَعَدَةِ تَجَهّزَ لِلْحَجّ وَأَمَرَ النّاسَ
بِالْجَهَازِ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ
الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ،
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ
خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْحَجّ
لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعَدَةِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا دُجَانَةَ السّاعِدِيّ ،
وَيُقَالُ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ .
[ مَا أَمَرَ بِهِ الرّسُولُ عَائِشَةَ فِي حَيْضِهَا ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ
أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ لَا
يَذْكُرُ وَلَا يَذْكُرُ النّاسُ إلّا الْحَجّ حَتّى إذَا كَانَ بِسَرِفٍ
وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ
الْهَدْيَ وَأَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَاف النّاسِ أَمَرَ النّاسَ أَنْ
يُحِلّوا بِعُمْرَةِ إلّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ قَالَتْ وَحِضْت ذَلِكَ
الْيَوْمَ فَدَخَلَ عَلَيّ وَأَنَا أَبْكِي ؛ فَقَالَ مَا لَك يَا
عَائِشَةُ ؟ لَعَلّك نُفِسْت ؟ قَالَتْ قُلْت : نَعَمْ وَاَللّهِ
لَوَدِدْت أَنّي لَمْ أَخْرُجْ مَعَكُمْ عَامِي فِي هَذَا السّفَرِ
فَقَالَ لَا تَقُولِنّ ذَلِكَ فَإِنّك تَقْضِينَ كُلّ مَا يَقْضِي
الْحَاجّ إلّا أَنّك لَا تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ . قَالَتْ وَدَخَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ ، فَحَلّ كُلّ مَنْ
كَانَ لَا هَدْيَ مَعَهُ وَحَلّ نِسَاؤُهُ بِعُمْرَةٍ فَلَمّا كَانَ
يَوْمُ النّحْرِ أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ فَطُرِحَ فِي بَيْتِي ،
فَقُلْت : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : ذَبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ حَتّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ
الْحَصْبَةِ بَعَثَ بِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَعَ أَخِي عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَنِي مِنْ
التّنْعِيمِ ، مَكَانَ عُمْرَتِي الّتِي فَاتَتْنِي [ ص 602 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ قَالَتْ لَمّا
أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءَهُ أَنْ
يُحْلِلْنَ بِعُمْرَةٍ قُلْنَ فَمَا يَمْنَعُك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ
تُحِلّ مَعَنَا ؟ فَقَالَ إنّي أَهْدَيْتُ وَلَبّدْت ، فَلَا أُحِلّ حَتّى
أَنْحَرَ هَدْيِي
مُوَافَاةُ عَلِيّ فِي قُفُولِهِ مِنْ الْيَمَنِ رَسُولَ اللّهِ فِي الْحَجّ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ : أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ بَعَثَ عَلِيّا
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى نَجْرَانَ ، فَلَقِيَهُ بِمَكّةَ وَقَدْ
أَحْرَمَ فَدَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرِضَى عَنْهَا ، فَوَجَدَهَا قَدْ حَلّتْ
وَتَهَيّأَتْ فَقَالَ مَا لَك يَا بِنْتَ رَسُولِ اللّهِ ؟ قَالَتْ
أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ نَحِلّ
بِعُمْرَةِ فَحَلَلْنَا . ثُمّ أَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ سَفَرِهِ قَالَ
لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْطَلِقْ فَطُفْ
بِالْبَيْتِ ، وَحِلّ كَمَا حَلّ بِأَصْحَابِك ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ
إنّي أَهْلَلْتُ كَمَا أَهْلَلْتَ فَقَالَ ارْجِعْ فَاحْلِلْ كَمَا حَلّ
أَصْحَابُك . قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قُلْت حِينَ أَحْرَمْتُ
اللّهُمّ إنّي أُهِلّ بِمَا أَهَلّ بِهِ نَبِيّك وَعَبْدُك وَرَسُولُك
مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَهَلْ مَعَك مِنْ هَدْيٍ
؟ قَالَ لَا . فَأَشْرَكَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي هَدْيِهِ وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى فَرَغَا مِنْ الْحَجّ وَنَحَرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْهَدْيَ عَنْهُمَا [ ص
603 ]
[ شَكَا عَلِيّا جَنَدُهُ إلَى الرّسُولِ لِانْتِزَاعِهِ عَنْهُمْ حُلَلًا مِنْ بَزّ الْيَمَنِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ
بْنِ رُكَانَةَ قَالَ لَمّا أَقْبَلَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ
الْيَمَنِ لِيَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِمَكّةَ تَعَجّلَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جُنْدِهِ الّذِينَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ
فَعَمِدَ ذَلِكَ الرّجُلُ فَكَسَا كُلّ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ حُلّةً مِنْ
الْبَزّ الّذِي كَانَ مَعَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . فَلَمّا دَنَا
جَيْشُهُ خَرَجَ لِيَلْقَاهُمْ فَإِذَا عَلَيْهِمْ الْحُلَلُ قَالَ
وَيْلَك مَا هَذَا ؟ قَالَ كَسَوْت الْقَوْمَ لِيَتَجَمّلُوا بِهِ إذَا
قَدِمُوا فِي النّاسِ قَالَ وَيْلك انْزِعْ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ بِهِ
إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَانْتَزَعَ
الْحُلَلَ مِنْ النّاسِ فَرَدّهَا فِي الْبَزّ قَالَ وَأَظْهَرَ الْجَيْشَ
شَكْوَاهُ لِمَا صُنِعَ بِهِمْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ
اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمّتِهِ
زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ اشْتَكَى النّاسُ عَلِيّا رِضْوَانُ
اللّهِ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِينَا خَطِيبًا ، فَسَمِعْته يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ لَا تَشْكُوا
عَلِيّا ، فَوَاَللّهِ إنّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللّهِ أَوْ فِي
سَبِيلِ اللّهِ مِنْ أَنْ يُشْكَى
[ خُطْبَةُ الرّسُولِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَى حَجّهِ فَأَرَى النّاسَ مَنَاسِكَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ
سُنَنَ حَجّهِمْ وَخَطَبَ النّاسَ خُطْبَتَهُ الّتِي بَيّنَ فِيهَا مَا
بَيّنَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ
اسْمَعُوا قَوْلِي ، فَإِنّي لَا أَدْرِي لَعَلّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ
عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا ؛ أَيّهَا النّاسُ إنّ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إلَى أَنْ تَلْقَوْا
رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا ،
وَإِنّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ
وَقَدْ بَلّغْت ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلِيُؤَدّهَا إلَى
مَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا ، وَإِنّ كُلّ رِبًا مَوْضُوعٌ وَلَكِنْ
لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ . قَضَى
اللّهُ أَنّهُ لَا رِبَا ، وَإِنّ رِبَا عَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
مَوْضُوعٌ كُلّهُ وَأَنّ كُلّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ
وَإِنّ أَوّلَ دِمَائِكُمْ أَضَعُ دَمُ [ ص 604 ] ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي
لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ فَهُوَ أَوّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ
دِمَاءِ الْجَاهِلِيّةِ . أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّ
الشّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا
، وَلَكِنّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمّا
تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ أَيّهَا
النّاسُ إنّ النّسِيءَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بَهْ الّذِينَ
كَفَرُوا ، يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا ، لِيُوَاطِئُوا
عِدّةَ مَا حَرّمَ اللّهُ فَيَحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ وَيُحَرّمُوا مَا
أَحَلّ اللّهُ وَإِنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ
خَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِنْدَ
اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ
مُتَوَالِيَةٌ وَرَجَبُ مُضَرَ ، الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ .
أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّا ،
وَلَهُنّ عَلَيْكُمْ حَقّا ، لَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ
فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ وَعَلَيْهِنّ أَنْ لَا يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةِ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنّ اللّهَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ
أَنْ تَهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ وَتَضْرِبُوهُنّ ضَرْبًا غَيْرَ
مُبَرّحٍ فَإِنْ انْتَهَيْنَ فَلَهُنّ رِزْقُهُنّ وَكُسْوَتُهُنّ
بِالْمَعْرُوفِ وَاسْتَوْصُوا بِالنّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنّهُنّ
عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنّ شَيْئًا ، وَإِنّكُمْ
إنّمَا أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانَةِ اللّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ
بِكَلِمَاتِ اللّهِ فَاعْقِلُوا أَيّهَا النّاسُ قَوْلِي ، فَإِنّي قَدْ
بَلّغْت ، وَقَدْ تَرَكْت فِيكُمْ مَا إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ
تَضِلّوا أَبَدًا ، أَمْرًا بَيّنًا ، كِتَابَ اللّهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ .
أَيّهَا النّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي وَاعْقِلُوهُ تَعَلّمُنّ أَنّ كُلّ
مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ وَأَنّ الْمُسْلِمِينَ إخْوَةٌ فَلَا يَحِلّ
لِامْرِئِ مِنْ أَخِيهِ إلّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ
فَلَا تَظْلِمُنّ أَنَفْسَكُمْ اللّهُمّ هَلْ بَلّغْت ؟ فَذُكِرَ لِي أَنّ
النّاسَ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اشْهَدْ [ ص 605 ]
[ اسْمُ الصّارِخِ بِكَلَامِ الرّسُولِ وَمَا كَانَ يُرَدّدُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ كَانَ الرّجُلُ الّذِي
يَصْرُخُ فِي النّاسِ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ مُعْرِفَةٌ رَبِيعَة بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلْفٍ . قَالَ
يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُلْ
يَأَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَقُولُ هَلّا تَدْرُونَ أَيّ شَهْرٍ هَذَا ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ
فَيَقُولُونَ الشّهْرُ الْحَرَامُ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ إنّ اللّهَ قَدْ
حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا
رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا ؛ ثُمّ يَقُولُ قُلْ يَأَيّهَا
النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ هَلْ
تَدْرُونَ أَيّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قَالَ فَيَصْرُخُ بِهِ قَالَ فَيَقُولُونَ
الْبَلَدُ الْحَرَامُ ؛ قَالَ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ إنّ اللّهَ قَدْ
حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا
رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا ؛ قَالَ ثُمّ يَقُولُ قُلْ يَا
أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَقُولُ هَلْ تَدْرُونَ أَيّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالَ فَيَقُولُهُ لَهُمْ .
فَيَقُولُونَ يَوْمُ الْحَجّ الْأَكْبَرِ قَالَ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ إنّ
اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ
تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا
[ رِوَايَةُ ابْنِ خَارِجَةَ عَمّا سَمِعَهُ مِنْ الرّسُولِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ بَعَثَنِي
عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِي حَاجَةٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاقِفٌ
بِعَرَفَةَ فَبَلَغَتْهُ ثُمّ وَقَفْت تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ لُغَامَهَا لَيَقَعُ عَلَى رَأْسِي
، فَسَمِعْته وَهُوَ يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ قَدْ أَدّى إلَى
كُلّ ذِي حَقّ حَقّهُ وَإِنّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيّةٌ لِوَارِثِ
وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ، وَمَنْ ادّعَى إلَى
غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلّى غَيْرَ مَوَالِيَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللّهُ
مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا .
[ بَعْضُ تَعْلِيمِ الرّسُولِ فِي الْحَجّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ : أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ
قَالَ هَذَا الْمَوْقِفَ لِلْجَبَلِ الّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَكُلّ عَرَفَةَ
مَوْقِفٌ . وَقَالَ حِينَ وَقَفَ عَلَى قُزَحَ صَبِيحَةَ الْمُزْدَلِفَةِ
: هَذَا الْمَوْقِفَ وَكُلّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ . ثُمّ لَمّا نَحَرَ
بِالْمَنْحَرِ بِمِنَى قَالَ هَذَا النّحْرُ وَكُلّ مِنًى مَنْحَرٌ .
فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَجّ وَقَدْ
أَرَاهُمْ مَنَاسِكَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ مَا فَرَضَ اللّهُ عَلَيْهِمْ
مِنْ حَجّهِمْ مِنْ الْمَوْقِفِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَطَوَافٍ
بِالْبَيْتِ وَمَا أُحِلّ لَهُمْ مِنْ حَجّهِمْ وَمَا حُرّمَ عَلَيْهِمْ
فَكَانَتْ حِجّةَ الْبَلَاغِ وَحَجّةَ الْوَدَاعِ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَحُجّ بَعْدَهَا [ ص 606 ]
بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَفَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمِ
وَصَفَرَ وَضَرَبَ عَلَى النّاسِ بَعْثًا إلَى الشّامِ ، وَأَمّرَ
عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ وَأَمَرَهُ
أَنْ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ والداروم مِنْ أَرْضِ
فِلَسْطِينَ ، فَتَجَهّزَ النّاسُ وَأَوْعَبَ مَعَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
الْمُهَاجِرُونَ الْأَوّلُونَ
خُرُوجُ رُسُلِ رَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُلُوكِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى الْمُلُوكِ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَتَبَ
مَعَهُمْ إلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيّ قَالَ
بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ
عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ عُمْرَتِهِ الّتِي صُدّ عَنْهَا
يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ قَدْ
بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافّةً فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيّ كَمَا اخْتَلَفَ
الْحَوَارِيّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ؛ فَقَالَ أَصْحَابُهُ
وَكَيْفَ اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ دَعَاهُمْ
إلَى الّذِي دَعَوْتُكُمْ إلَيْهِ فَأَمّا مِنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا
قَرِيبًا فَرَضِيَ وَسَلِمَ وَأَمّا مَنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا بَعِيدًا
فَكَرِهَ وَجْهُهُ وَتَثَاقَلَ فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى إلَى اللّهِ
فَأَصْبَحَ الْمُتَثَاقِلُونَ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَكَلّمُ
بِلُغَةِ الْأُمّةِ الّتِي بُعِثَ إلَيْهَا [ ص 607 ]
[ أَسَمَاءُ الرّسُلِ وَمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ ]
فَبَعَثَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ
وَكَتَبَ مَعَهُمْ كُتُبًا إلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ فِيهَا إلَى
الْإِسْلَامِ . فَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ إلَى
قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ ؛ وَبَعَثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حُذَافَةَ
السّهْمِيّ إلَى كِسْرَى ، مَلِكِ فَارِسَ ؛ وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ
أُمَيّةَ الضّمْرِيّ إلَى النّجَاشِيّ ، مَلِكِ الْحَبَشَةِ ، وَبَعَثَ
حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ ، مَلِكِ الإسكندرية ؛
وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ السّهْمِيّ إلَى جَيْفَرٍ وَعَيّادٍ
ابْنَيْ الْجُلُنْدَى الْأَزْدِيّيْنِ مَلِكَيْ عُمَانَ ؛ وَبَعَثَ
سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، إلَى ثُمَامَةَ
بْنِ أُثَالٍ وَهَوْذَةُ بْنُ عَلِيّ الْحَنَفِيّينَ مَلِكَيْ
الْيَمَامَةِ ؛ وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ إلَى الْمُنْذِرِ
بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ مَلِكَ الْبَحْرَيْنِ ؛ وَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ
وَهْبٍ الْأَسْدِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسّانِيّ ،
مَلِكِ تُخُومِ الشّامِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَعَثَ شُجَاعَ بْنَ
وَهْبٍ إلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسّانِيّ وَبَعَثَ
الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيّةَ الْمَخْزُومِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ
عَبْدِ كُلَالٍ الْحِمْيَرِيّ ، مَلِكِ الْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
أَنَا نَسِيت سَلِيطًا وَثُمَامَةَ وَهَوْذَةَ وَالْمُنْذِرَ .
[ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ بَعْثِ الرّسُولِ رُسُلَهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيّ :
أَنّهُ وَجَدَ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْبُلْدَانِ وَمُلُوكِ الْعَرَبِ
وَالْعَجَمِ ، وَمَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ بَعَثَهُمْ . قَالَ
فَبَعَثْت بِهِ إلَى مُحَمّدِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ فَعَرَفَهُ وَفِيهِ
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَلَى
أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ إنّ اللّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافّةً
فَأَدّوْا عَنّي يَرْحَمُكُمْ اللّهُ وَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيّ كَمَا
اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ؛ قَالُوا :
وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ ؟ قَالَ دَعَاهُمْ
لِمِثْلِ مَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ فَأَمّا مَنْ قَرّبَ بِهِ فَأَحَبّ
وَسَلّمَ وَأَمّا مَنْ بَعُدَ بِهِ فِكْرُهُ وَأَبَى ، فَشَكَا ذَلِكَ
عِيسَى مِنْهُمْ إلَى اللّهِ فَأَصْبَحُوا وَكُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ
يَتَكَلّمُ بِلُغَةِ الْقَوْمِ الّذِينَ وُجّهَ إلَيْهِمْ [ ص 608 ]
[ أَسَمَاءُ رُسُلِ عِيسَى ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مَنْ بَعَثَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ
السّلَامُ مِنْ الْحَوَارِيّينَ وَالْأَتْبَاعِ الّذِينَ كَانُوا
بَعْدَهُمْ فِي الْأَرْضِ بُطْرُس الْحَوَارِيّ ، وَمَعَهُ بُولُسُ
وَكَانَ بُولُسُ مِنْ الْأَتْبَاعِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيّينَ
إلَى رُومِيّةَ وَأَنْدَرَائِسُ وَمَنْتَا إلَى الْأَرْضِ الّتِي يَأْكُلُ
أَهْلُهَا النّاسَ وَتُومَاسُ إلَى أَرْضِ بَابِلَ ، مِنْ أَرْضِ
الْمَشْرِقِ وَفِيلِبس إلَى أَرْضِ قَرْطَاجَنّةَ ، وَهِيَ إفْرِيقِيّةُ
وَيُحَنّسُ إلَى أَفْسُوسَ ، قَرْيَةُ الْفِتْيَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ؛
وَيَعْقُوبُسُ إلَى أَوْرْاشَلِمَ وَهِيَ إيلِيَاءُ ، قَرْيَةُ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ ، وَابْنُ ثَلْمَاءَ إلَى الْأَعْرَابِيّةِ وَهِيَ أَرْضُ
الْحِجَازِ ، وَسِيمُن إلَى أَرْضِ الْبَرْبَرِ ؛ وَيَهُوذَا ، وَلَمْ
يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيّينَ جُعِلَ مَكَانَ يُودِسَ .
ذِكْرُ جُمْلَةِ الْغَزَوَاتِ
بِسْمِ
اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ وَكَانَ جَمِيعُ
مَا غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ
سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً . مِنْهَا غَزْوَةُ وَدّانَ ، وَهِيَ
غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ، ثُمّ غَزْوَةُ بُوَاط ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى ،
ثُمّ غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ ، مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ ، ثُمّ غَزْوَةُ
بَدْرٍ الْأُولَى ، يَطْلُبُ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ
الْكُبْرَى ، الّتِي قَتَلَ اللّهُ فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ ، ثُمّ
غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ ، حَتّى بَلَغَ الْكُدْرَ ، ثُمّ غَزْوَةُ
السّوِيقِ ، يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ ثُمّ غَزْوَةُ
غَطَفَانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمِر َ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ
مَعْدِنٌ بِالْحِجَازِ ثُمّ غَزْوَةُ أُحُدٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ حَمْرَاءَ
الْأَسَدِ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ ، ثُمّ غَزْوَةُ ذَاتِ
الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ ، ثُمّ غَزْوَةُ
دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ ، ثُمّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي
قُرَيْظَةَ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ ، مِنْ هُذَيْلٍ ، ثُمّ
غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ
، ثُمّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ ، [ ص 609 ] فَصَدّهُ الْمُشْرِكُونَ
ثُمّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ ، ثُمّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ ثُمّ غَزْوَةُ
الْفَتْحِ ، ثُمّ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ الطّائِفِ ، ثُمّ
غَزْوَةُ تَبُوكَ . قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ بَدْرٍ وَأُحُدٍ
وَالْخَنْدَقِ ، وَقُرَيْظَةَ وَالْمُصْطَلِقِ وَخَيْبَرَ ، وَالْفَتْحِ
وَحُنَيْنٍ ، وَالطّائِفِ .
ذِكْرُ جُمْلَةِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ
وَكَانَتْ
بُعُوثُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَرَايَاهُ ثَمَانِيّا
وَثَلَاثِينَ ، مِنْ بَيْنَ بَعْثٍ وَسَرِيّةٍ غَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ
الْحَارِثِ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيّةِ ذِي الْمَرْوَةِ ، ثُمّ غَزْوَةُ
حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ سَاحِلَ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ
الْعِيصِ ؛ وَبَعْضُ النّاسِ يُقَدّمُ غَزْوَةَ حَمْزَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ
عُبَيْدَةَ وَغَزْوَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ الْخَرّارَ ، وَغَزْوَةُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ نَخْلَةَ ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
الْقَرَدَةَ وَغَزْوَةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ
وَغَزْوَةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ الرّجِيعَ ،
وَغَزْوَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو بِئْرَ مَعُونَةَ ، وَغَزْوَةُ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ ذَا الْقَصّةِ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ ،
وَغَزْوَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ تُرْبَةَ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ ،
وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْيَمَنَ ، وَغَزْوَةُ غَالِبِ
بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْكَلْبِيّ ، كَلْبِ لَيْثٍ الْكَدِيدَ ، فَأَصَابَ
بَنِي الْمُلَوّحِ .
خَبَرُ غَزْوَةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِيّ بَنِي الْمُلَوّحِ
وَكَانَ
مِنْ حَدِيثِهَا أَنّ يَعْقُوبَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ
الْأَخْنَسِ ، حَدّثَنِي عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ خُبَيْبٍ
الْجُهَنِيّ عَنْ الْمُنْذِرِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيّ ،
قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَالِبَ بْنَ
عَبْدِ اللّهِ الْكَلْبِيّ ، [ ص 610 ] كَلْبَ بْنِ عَوْفِ بْنِ لَيْثٍ
فِي سَرِيّةٍ كُنْت فِيهَا ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَةَ عَلَى
بَنِي الْمُلَوّحِ ، وَهُمْ بِالْكَدِيدِ فَخَرَجْنَا ، حَتّى إذَا كُنّا
بِقُدَيَدٍ لَقِيَنَا الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ ابْنُ الْبَرْصَاءِ
اللّيْثِيّ فَأَخَذْنَاهُ فَقَالَ إنّي جِئْت أُرِيدُ الْإِسْلَامَ مَا
خَرَجْت إلّا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقُلْنَا لَهُ إنْ تَكُ مُسْلِمًا فَلَنْ يَضِيرُك رِبَاطُ لَيْلَةٍ
وَإِنْ تَكُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُنّا قَدْ اسْتَوْثَقْنَا مِنْك ،
فَشَدَدْنَاهُ رِبَاطًا ، ثُمّ خَلّفْنَا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِنَا أَسْوَدَ وَقُلْنَا لَهُ إنْ عَازّك فَاحْتَزّ رَأْسَهُ
[ بَلَاءُ ابْنِ مَكِيثٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ ]
قَالَ
ثُمّ سِرْنَا حَتّى أَتَيْنَا الْكَدِيدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ فَكُنّا
فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي ، وَبَعَثَنِي أَصْحَابِي رَبِيئَةً لَهُمْ
فَخَرَجْت حَتّى آتِيَ تَلّا مُشْرَفًا عَلَى الْحَاضِرِ فَأَسْنَدْت
فِيهِ فَعَلَوْتُ عَلَى رَأْسِهِ فَنَظَرْت إلَى الْحَاضِرِ فَوَاَللّهِ
إنّي لَمُنْبَطِحٌ عَلَى التّلّ إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ
خِبَائِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ إنّي لَأَرَى عَلَى التّلّ سَوَادًا مَا
رَأَيْته فِي أَوّلِ يَوْمِي ، فَانْظُرِي إلَى أَوْعِيَتِك هَلْ
تَفْقِدِينَ مِنْهَا شَيْئًا ، لَا تَكُونُ الْكِلَابُ جَرّتْ بَعْضَهَا ؛
قَالَ فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ لَا ، وَاَللّهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا ؛ قَالَ
فَنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ فَنَاوَلَتْهُ قَالَ فَأَرْسَلَ
سَهْمًا ، فَوَاَللّهِ مَا أَخَطَأ جَنْبِي ، فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ
وَثَبّتّ مَكَانِي ، قَالَ ثُمّ أَرْسَلَ الْآخَرَ فَوَضَعَهُ فِي
مَنْكِبِي ، فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ وَثَبّتّ مَكَانِي ، فَقَالَ
لِامْرَأَتِهِ لَوْ كَانَ رَبِيئَةً لِقَوْمِ لَقَدْ تَحَرّكَ لَقَدْ
خَالَطَهُ سَهْمَايَ لَا أَبَا لَك ، إذَا أَصْبَحْتِ فَابْتَغِيهِمَا ،
فَخُذِيهِمَا ، لَا يَمْضُغُهُمَا عَلَيّ الْكِلَابُ . قَالَ ثُمّ دَخَلَ
. قَالَ وَأَمْهَلْنَاهُمْ حَتّى إذَا اطْمَأَنّوا وَنَامُوا ، وَكَانَ
فِي وَجْهِ السّحَرِ شَنَنّا
[ ص 611 ] قَالَ فَقَتَلْنَا ،
وَاسْتَقْنَا النّعَمَ وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ فَجَاءَنَا دَهْمٌ لَا
قِبَلَ لَنَا بِهِ وَمَضَيْنَا بِالنّعَمِ وَمَرَرْنَا بِابْنِ
الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ فاحتملناهما مَعَنَا ؛ قَالَ وَأَدْرَكْنَا
الْقَوْمَ حَتّى قَرِبُوا مِنّا ، قَالَ فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ
إلّا وَادِي قُدَيْدٍ ، فَأَرْسَلَ اللّهُ الْوَادِيَ بِالسّيْلِ مِنْ
حَيْثُ شَاءَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، مِنْ غَيْرِ سَحَابَةٍ نَرَاهَا ،
وَلَا مَطَرٍ فَجَاءَ بِشَيْءِ لَيْسَ لِأَحَدِ بِهِ قُوّةٌ وَلَا
يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُجَاوِزَهُ فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إلَيْنَا ،
وَإِنّا لَنَسُوقُ نَعَمَهُمْ مَا يَسْتَطِيعُ مِنْهُمْ رَجُلٌ أَنْ
يُجِيزَ إلَيْنَا ، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا سِرَاعًا ، حَتّى فُتْنَاهُمْ
فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى طَلَبِنَا قَالَ فَقَدِمْنَا بِهَا عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنّ شِعَارَ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ تِلْكَ
اللّيْلَةَ أَمِتْ أَمِتْ . فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ
يَحْدُوهَا .
أَبَى أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ تَعَزّبِي ... فِي خَضِلٍ نَبَاتُهُ مُغْلَوْلِبِ
صُفْرٍ أَعَالِيهِ كَلَوْنِ الْمُدْهَبِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : " كَلَوْنِ الذّهَبِ " . تَمّ خَبَرُ
الْغُزَاةِ وَعُدْت إلَى ذِكْرِ تَفْصِيلِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ .
[ تَعْرِيفٌ بِعِدّةِ غَزَوَاتٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهِ
عَنْهُ بَنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدٍ [ ص 612 ] فَدَكَ ؛ وَغَزْوَةُ
أَبِي الْعَوْجَاءِ السّلَمِيّ أَرْضَ بَنِي سُلَيْمٍ ، أُصِيبَ بِهَا
هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا ؛ وَغَزْوَةُ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ
الْغَمْرَةَ ؛ وَغَزْوَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ قَطَنًا ،
مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ ، مِنْ نَاحِيَةِ نَجْدٍ ، قُتِلَ بِهَا
مَسْعُودُ بْنُ عُرْوَةَ ؛ وَغَزْوَةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَخِي
بَنِي حَارِثَةَ " الْقُرَطَاءَ مِنْ هَوَازِنَ ؛ وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ
سَعْدٍ بَنِي مُرّةَ بِفَدَكَ وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ نَاحِيَةَ
خَيْبَرَ ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْجَمُومَ مِنْ أَرْضِ
بَنِي سُلَيْمٍ ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جُذَامَ ، مِنْ أَرْضِ
خُشَيْنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْ نَفْسِهِ وَالشّافِعِيّ عَنْ
عَمْرِو بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ : مِنْ أَرْضِ حِسْمَى .
غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى جُذَامَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا
أَتّهِمُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ كَانُوا عُلَمَاءَ بِهَا ، أَنّ
رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ ، لَمّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ
عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكِتَابِهِ
يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ
قَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ صَاحِبِ
الرّومِ ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَيْهِ وَمَعَهُ تِجَارَةٌ لَهُ حَتّى إذَا كَانُوا بِوَادٍ مِنْ
أَوْدِيَتِهِمْ يُقَالُ لَهُ شَنَار ، أَغَارَ عَلَى دِحْيَةَ بْنِ
خَلِيفَةَ الْهُنَيْدُ بْنُ عُوصٍ وَابْنُهُ عُوصُ بْنُ الْهُنَيْدِ
الضّلَعِيّانِ . وَالضّلَيْعُ : بَطْنٌ مِنْ جُذَامَ ، فَأَصَابَا كُلّ
شَيْءٍ كَانَ مَعَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ قَوْمًا مِنْ الضّبَيْبِ رَهْطُ
رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ مِمّنْ كَانَ أَسْلَمَ وَأَجَابَ فَنَفَرُوا إلَى
الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فِيهِمْ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ النّعْمَانُ بْنُ
أَبِي جِعَالٍ ، حَتّى لَقُوهُمْ فَاقْتَتَلُوا ، وَانْتَمَى يَوْمئِذٍ
قُرّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضّفَاوِيّ ثُمّ الضّلَعِيّ فَقَالَ أَنَا ابْنُ
لُبْنَى ، وَرَمَى النّعْمَانَ بْنَ أَبِي جِعَالٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ
رُكْبَتِهِ فَقَالَ حِينَ أَصَابَهُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ لُبْنَى ،
وَكَانَتْ لَهُ أُمّ تُدْعَى لُبْنَى ، وَقَدْ كَانَ حَسّانُ بْنُ مِلّة
الضّبَيْبِيّ قَدْ صَحِبَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ
فَعَلّمَهُ أُمّ الْكِتَابِ . [ ص 613 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
قُرّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضّفَارِيّ " وَحَيّانُ بْنُ مِلّة . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ ،
قَالَ فَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ فِي يَدِ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ
فَرَدّوهُ عَلَى دِحْيَةَ فَخَرَجَ دِحْيَةُ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ
وَاسْتَسْقَاهُ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، وَذَلِكَ
الّذِي هَاجَ غَزْوَةَ زَيْدٍ جُذَامَ ، وَبَعَثَ مَعَهُ جَيْشًا ، وَقَدْ
وَجّهَتْ غَطَفَانُ مِنْ جُذَامَ وَوَائِلٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلَامَانَ
وَسَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ حِين جَاءَهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكِتَابِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا الْحَرّةَ
؛ حَرّةَ الرّجْلَاءِ ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ لَمْ
يَعْلَمْ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ وَسَائِرُ بَنِي
الضّبَيْبِ بِوَادِي مَدَانٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْحَرّةِ ، مِمّا يَسِيلُ
مُشَرّقًا ، وَأَقْبَلَ جَيْشُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مِنْ نَاحِيَةِ
الْأَوْلَاجِ ، فَأَغَارَ بِالْمَاقِصِ مِنْ قِبَلِ الْحَرّةِ ،
فَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ أَوْ نَاسٍ وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ
وَابْنَهُ وَرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي الْأَجْنَفِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
مِنْ بَنِي الْأَحْنَفِ .
[ شَأْنُ حَسّانَ وَأُنَيْفٍ ابْنِي مِلّة ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ وَرَجُلًا مِنْ بَنِي الْخَصِيبِ . فَلَمّا
سَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو الضّبَيْبِ وَالْجَيْشُ بِفَيْفَاءِ مَدَانٍ
رَكِبَ نَفَرٌ مِنْهُمْ وَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ مَعَهُمْ حَسّانُ بْنُ
مِلّة ، عَلَى فَرَسٍ لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ يُقَالُ لَهَا الْعَجَاجَةُ
وَأُنَيْفُ بْنُ مِلّة عَلَى فَرَسٍ لِمَلّةَ يُقَالُ لَهَا : رِغَالٌ
وَأَبُو زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى فَرَسٍ يُقَال لَهَا شَمِرٌ ،
فَانْطَلَقُوا حَتّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ
وَحَسّانُ لِأُنَيْفِ بْنِ مِلّة : كُفّ عَنّا وَانْصَرِفْ فَإِنّا
نَخْشَى لِسَانَك ، فَوَقَفَ عَنْهُمَا ، فَلَمْ يَبْعُدَا مِنْهُ حَتّى
جَعَلَتْ فَرَسُهُ تَبْحَثُ بِيَدَيْهَا وَتَوَثّبَ فَقَالَ لَأَنَا
أَضَنّ بِالرّجُلَيْنِ مِنْك بِالْفَرَسَيْنِ فَأَرْخَى لَهَا ، حَتّى
أَدْرَكَهُمَا ، فَقَالَا لَهُ أَمّا إذَا فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ فَكُفّ
عَنّا لِسَانَك ، وَلَا تَشْأَمْنَا الْيَوْمَ فَتَوَاصَوْا أَنْ لَا
يَتَكَلّمَ مِنْهُمْ إلّا حَسّانُ بْنُ مِلّة ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ
كَلِمَةٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ قَدْ عَرَفَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إذَا
أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ بُورَى أَوْ ثُورَى ؛
فَلَمّا بَرَزُوا عَلَى الْجَيْشِ أَقْبَلَ الْقَوْم يَبْتَدِرُونَهُمْ
فَقَالَ لَهُمْ حَسّانُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ وَكَانَ أَوّلَ مَنْ
لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَدْهَمَ فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ فَقَالَ
أُنَيْفٌ بُورَى ، فَقَالَ حَسّانُ مَهْلًا ؛ فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ حَسّانُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ فَقَالَ
لَهُ زَيْدٌ فَاقْرَءُوا أُمّ الْكِتَابِ فَقَرَأَهَا حَسّانُ فَقَالَ
زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ : نَادُوا فِي الْجَيْشِ أَنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ
عَلَيْنَا ثُغْرَةَ الْقَوْمِ الّتِي جَاءُوا مِنْهَا إلّا مَنْ خَتَرَ [
ص 614 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِذَا أُخْتُ حَسّانَ بْنِ مِلّةَ
، وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي وَبْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ
الضّبَيْبِ فِي الْأُسَارَى ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ خُذْهَا ، وَأَخَذَتْ
بِحَقْوَيْهِ فَقَالَتْ أُمّ الْفِزْرِ الضّلَعِيّة : أَتَنْطَلِقُونَ
بِبَنَاتِكُمْ وَتَذَرُونَ أُمّهَاتِكُمْ ؟ فَقَالَ أَحَدُ بَنِي
الْخَصِيبِ إنّهَا بَنُو الضّبَيْبِ وَسِحْرُ أَلْسِنَتِهِمْ سَائِرَ
الْيَوْمِ فَسَمِعَهَا بَعْضُ الْجَيْشِ فَأَخْبَرَ بِهَا زَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ ، فَأَمَرَ بِأُخْتِ حَسّانَ فَفُكّتْ يَدَاهَا مِنْ حِقْوَيْهِ
وَقَالَ لَهَا : اجْلِسِي مَعَ بَنَاتِ عَمّك حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ
فِيكُنّ حُكْمَهُ فَرَجَعُوا ، وَنَهَى الْجَيْشَ أَنْ يَهْبِطُوا إلَى
وَادِيهِمْ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ
وَاسْتَعْتَمُوا ذَوْدًا لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ فَلَمّا شَرِبُوا
عَتَمَتَهُمْ رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَكَانَ مِمّنْ رَكِبَ
إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ تِلْكَ اللّيْلَةَ أَبُو زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو
، وَأَبُو شِمَاسِ بْنِ عَمْرٍو ، وَسُوَيْد بْنُ زَيْدٍ ، وَبَعْجَةُ
بْنُ زَيْدٍ وَبَرْذَع بْنُ زَيْدٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدٍ وَمُخَرّبَةُ
بْنُ عَدِيّ وَأُنَيْفُ بْنُ مِلّةَ ، وَحَسّانُ [ ص 615 ] ، حَتّى
صَبّحُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ بِظَهْرِ الْحَرّةِ ،
عَلَى بِئْرٍ هُنَالِكَ مِنْ حَرّةِ لَيْلَى ، فَقَالَ لَهُ حَسّانُ بْنُ
مِلّةَ : إنّك لَجَالِسٌ تَحْلُب الْمِعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامَ أُسَارَى
قَدْ غَرّهَا كِتَابُك الّذِي جِئْت بِهِ فَدَعَا رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ
بِجَمَلِ لَهُ فَجَعَلَ يَشُدّ عَلَيْهِ رَحْلَهُ وَهُوَ يَقُولُ هَلْ
أَنْتَ حَيّ أَوْ تُنَادِي حَيّا
ثُمّ غَدَا وَهُمْ مَعَهُ بِأُمَيّةِ
بْنِ ضَفَارَةَ أَخِي الْخَصِيبِيّ الْمَقْتُولِ مُبَكّرِينَ مِنْ ظَهْرِ
الْحَرّةِ ، فَسَارُوا إلَى جَوْفِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمّا
دَخَلُوا الْمَدِينَةَ ، وَانْتَهَوْا إلَى الْمَسْجِدِ نَظَرَ إلَيْهِمْ
رَجُلٌ مِنْ النّاسِ فَقَالَ لَا تُنِيخُوا إبِلَكُمْ فَتُقَطّعَ
أَيْدِيَهُنّ ، فَنَزَلُوا عَنْهُنّ وَهُنّ قِيَامٌ فَلَمّا دَخَلُوا
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَآهُمْ أَلَاحَ
إلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ تُعَالُوا مِنْ وَرَاءِ النّاسِ فَلَمّا
اسْتَفْتَحَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْمَنْطِقَ قَامَ رَجُلٌ مِنْ النّاسِ
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سَحَرَةٌ فَرَدّدَهَا
مَرّتَيْنِ فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ رَحِمَ اللّهُ مَنْ لَمْ
يَحْذُنَا فِي يَوْمِهِ هَذَا إلّا خَيْرًا . ثُمّ دَفَعَ رِفَاعَةُ بْنُ
زَيْدٍ كِتَابَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الّذِي كَانَ كَتَبَهُ لَهُ . فَقَالَ دُونَك يَا رَسُولَ اللّهِ قَدِيمًا
كِتَابُهُ حَدِيثًا غَدْرُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ اقْرَأْهُ يَا غُلَامُ وَأَعْلِنْ ؛ فَلَمّا قَرَأَ
كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُ فَأَخْبَرُوهُمْ الْخَبَرَ ، فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى ؟ (
ثَلَاثَ مَرّاتٍ ) . فَقَالَ رِفَاعَةُ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ
أَعْلَمُ لَا نُحَرّمُ عَلَيْك حَلَالًا ، وَلَا نُحَلّلُ لَك حَرَامًا ،
فَقَالَ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو : أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ
مَنْ كَانَ حَيّا ، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ . فَقَالَ
لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ
، ارْكَبْ مَعَهُمْ يَا عَلِيّ . فَقَالَ لَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ إنّ زَيْدًا لَنْ يُطِيعَنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَخُذْ
سَيْفِي هَذَا ، فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ فَقَالَ عَلِيّ : لَيْسَ لِي يَا
رَسُولَ اللّهِ رَاحِلَةٌ أَرْكَبُهَا ، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ
لِثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو ، يُقَالُ لَهُ مِكْحَالٌ فَخَرَجُوا ، فَإِذَا
رَسُولٌ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ [ ص 616 ] أَبِي وَبْرٍ
يُقَالُ لَهَا : الشّمْر ، فَأَنْزَلُوهُ عَنْهَا . فَقَالَ يَا عَلِيّ
مَا شَأْنِي ؟ فَقَالَ مَا لَهُمْ عَرَفُوهُ فَأَخَذُوهُ ثُمّ سَارُوا
فَلَقَوْا الْجَيْشَ بِفَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ فَأَخَذُوا مَا فِي
أَيْدِيهِمْ حَتّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لَبِيدَ الْمَرْأَةِ مِنْ تَحْتِ
الرّحْلِ فَقَالَ أَبُو جِعَالٍ حِينَ فَرَغُوا مِنْ شَأْنِهِمْ
وَعَاذِلَةٍ وَلَمْ تَعْذُلْ بِطِبّ ... وَلَوْلَا نَحْنُ حُشّ بِهَا السّعِيرَ
تُدَافِعُ فِي الْأُسَارَى بِابْنَتَيْهَا ... وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ
وَلَوْ وُكِلَتْ إلَى عُوصٍ وَأَوْسٍ ... لَحَارَ بِهَا عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ
وَلَوْ شَهِدَتْ رَكَائِبَنَا بِمِصْرٍ ... تُحَاذِرُ أَنْ يُعَلّ بِهَا الْمَسِيرُ
وَرَدْنَا مَاءَ يَثْرِبَ عَنْ حِفَاظٍ ... لِرَبْعٍ إنّهُ قَرَبَ ضَرِيرُ
بِكُلّ مُجَرّبٍ كَالسّيدِ نَهْدٍ ... عَلَى أَقْتَادِ نَاجِيَةٍ صَبُورُ
فِدًى لِأَبِي سُلَيْمَى كُلّ جَيْشٍ ... بِيَثْرِبَ إذْ تَنَاطَحَتْ النّحُورُ
غَدَاةَ تَرَى الْمُجَرّبَ مُسْتَكِينًا ... خِلَافَ الْقَوْمِ هَامَتُهُ تَدُورُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ " :
وَقَوْلُهُ " عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
تَمّتْ الْغَزَاةُ وَعُدْنَا إلَى تَفْصِيلِ ذِكْرِ السّرَايَا
وَالْبُعُوثِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
أَيْضًا الطّرَفَ مِنْ نَاحِيَةِ نَخْلٍ . مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ .
غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَنِي فَزَارَةَ وَمُصَابُ أُمّ قِرْفَةَ
[
ص 617 ] زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا وَادِيَ الْقُرَى ، لَقِيَ بِهِ
بَنِي فَزَارَةَ فَأُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَارْتُثّ زَيْدٌ
مِنْ بَيْنَ الْقَتْلَى ، وَفِيهَا أُصِيبَ وَرْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
مَدَاشٍ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ ، أَصَابَهُ أَحَدُ
بَنِي بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ آلَى أَنْ لَا يَمَسّ
رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ بَنِي فَزَارَةَ ، فَلَمّا
اسْتَبَلّ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي فَزَارَة َ فِي جَيْشٍ فَقَتَلَهُمْ
بِوَادِي الْقُرَى ، وَأَصَابَ فِيهِمْ وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحّرِ
الْيَعْمُرِيّ مَسْعَدَةَ بْنَ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ
بْنِ بَدْرٍ ، وَأُسِرَتْ أُمّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ
بَدْرٍ كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةٌ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ
بَدْرٍ ، وَبِنْتٌ لَهَا ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعَدَةَ ، فَأَمَرَ
زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحّرِ أَنْ يَقْتُلَ أُمّ
قِرْفَةَ فَقَتَلَهَا قَتْلًا عَنِيفًا ؛ ثُمّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِابْنَةِ أُمّ قِرْفَةَ وَبِابْنِ
مَسْعَدَةَ .
[ شَأْنُ أُمّ قِرْفَةَ ]
وَكَانَتْ بِنْتُ أُمّ
قِرْفَةَ لِسَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ كَانَ هُوَ الّذِي
أَصَابَهَا ، وَكَانَتْ فِي بَيْتِ شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا ؛ كَانَتْ
الْعَرَبُ تَقُولُ ( لَوْ كُنْتَ أَعَزّ مِنْ أُمّ قِرْفَةَ مَا زِدْت ) .
فَسَأَلَهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلَمَةُ
فَوَهَبَهَا لَهُ فَأَهْدَاهَا لِخَالِهِ حَزْنَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ
فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ حَزْنٍ .
[ شِعْرُ ابْن الْمُسَحّرِ فِي قَتْلِ مَسْعَدَةَ ]
فَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحّرِ فِي قَتْلِ مَسْعَدَةَ [ ص 618 ]
سَعَيْتُ بِوَرْدٍ مِثْلَ سَعْيِ ابْنِ أُمّهِ ... وَإِنّي بِوَرْدٍ فِي الْحَيَاةِ لَثَائِرُ
كَرَرْتُ عَلَيْهِ الْمُهْرَ لَمّا رَأَيْتُهُ ... عَلَى بَطَلٍ مِنْ آلِ بَدْرٍ مُغَاوِرِ
فَرَكّبْتُ فِيهِ قَعْضَبِيّا كَأَنّهُ ... شِهَابٌ بِمَعْرَاةَ يُذَكّى لِنَاظِرِ
غَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ لِقَتْلِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ
وَغَزْوَةُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ خَيْبَرَ مَرّتَيْنِ إحْدَاهُمَا الّتِي
أَصَابَ فِيهَا الْيَسِيرَ بْنَ رِزَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ ابْنُ رَازِمٍ .
[ مَقْتَلُ الْيَسِيرِ ]
وَكَانَ مِنْ
حَدِيثِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ أَنّهُ كَانَ بِخَيْبَرِ يَجْمَعُ
غَطَفَانَ لِغَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ
اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَيْهِ
كَلّمُوهُ وَقَرّبُوا لَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّك إنْ قَدِمْت عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعْمَلَك وَأَكْرَمَك ، فَلَمْ
يَزَالُوا بِهِ حَتّى خَرَجَ مَعَهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ فَحَمَلَهُ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى بَعِيرِهِ حَتّى إذَا كَانَ
بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ خَيْبَرَ ، عَلَى سِتّةِ أَمْيَالٍ نَدِمَ
الْيَسِيرُ بْنُ رِزَامٍ عَلَى مَسِيرِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَطَنَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ،
وَهُوَ يُرِيدُ السّيْفَ فَاقْتَحَمَ بِهِ ثُمّ ضَرَبَهُ بِالسّيْفِ
فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَهُ الْيَسِيرُ بِمِخْرَشٍ فِي يَدِهِ مِنْ
شَوْحَطٍ فَأَمّهُ وَمَالَ كُلّ [ ص 619 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ يَهُودَ فَقَتَلَهُ إلّا رَجُلًا وَاحِدًا أَفْلَتْ
عَلَى رِجْلَيْهِ فَلَمّا قَدِمَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَفَلَ عَلَى شَجّتِهِ
فَلَمْ تَقِحْ وَلَمْ تُؤْذِهِ .
[ غَزْوَةُ ابْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ ]
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ ، فَأَصَابَ بِهَا أَبَا رَافِعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ .
غَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ لِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ
وَغَزْوَةُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ خَالِدَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ
بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ وَهُوَ
بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ لِيَغْزُوهُ فَقَتَلَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ قَالَ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ : دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ ابْنَ سُفْيَانَ بْنِ
نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ يَجْمَعُ لِي النّاسَ لِيَغْزُونِي ، وَهُوَ
بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ . قُلْت : يَا رَسُولَ
اللّهِ انْعَتْهُ لِي حَتّى أَعْرِفَهُ . قَالَ إنّك إذَا رَأَيْته
أَذْكَرَك الشّيْطَانَ وَآيَةُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَنّك إذَا
رَأَيْته وَجَدْت لَهُ قُشَعْرِيرَةً . قَالَ فَخَرَجْت مُتَوَشّحًا
سَيْفِي ، حَتّى دُفِعْت إلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنّ
مَنْزِلًا ، وَحَيْثُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلَمّا رَأَيْته وَجَدْت
مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
الْقُشَعْرِيرَةِ فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ وَخَشِيت أَنْ تَكُونَ بَيْنِي
وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنْ الصّلَاةِ فَصَلّيْت وَأَنَا
أَمْشِي نَحْوَهُ أُومِئُ بِرَأْسِي ، فَلَمّا انْتَهَيْت إلَيْهِ قَالَ
مَنْ الرّجُلُ ؟ قُلْت : رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ سَمِعَ بِك وَبِجَمْعِك
لِهَذَا الرّجُلِ فَجَاءَك لِذَلِكَ . [ ص 620 ] قَالَ أَجَلْ إنّي لَفِي
ذَلِكَ . قَالَ فَمَشَيْت مَعَهُ شَيْئًا ، حَتّى إذَا أَمْكَنَنِي
حَمَلْت عَلَيْهِ بِالسّيْفِ فَقَتَلْته ، ثُمّ خَرَجْت ، وَتَرَكْت
ظَعَائِنَهُ مُنْكَبّاتٌ عَلَيْهِ فَلَمّا قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَآنِي ، قَالَ أَفْلَحَ الْوَجْهُ
قُلْت : قَدْ قَتَلْته يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ صَدَقْت .
[ إهْدَاءُ الرّسُولِ عَصًا لَابْن أُنَيْسٍ ]
ثُمّ
قَامَ بِي ، فَأَدْخَلَنِي بَيْتَهُ فَأَعْطَانِي عَصًا ، فَقَالَ
أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا عِنْدَك يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُنَيْسٍ .
قَالَ فَخَرَجْت بِهَا عَلَى النّاسِ فَقَالُوا : مَا هَذِهِ الْعَصَا ؟
قُلْت : أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي . قَالُوا : أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ
؟ قَالَ فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ أَعْطَيْتنِي هَذِهِ الْعَصَا ؟ قَالَ
آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ . إنّ أَقَلّ النّاسِ
الْمُتَخَصّرُونَ يَوْمئِذٍ قَالَ فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ
أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتّى مَاتَ ثُمّ أَمَرَ بِهَا
فَضُمّتْ فِي كَفَنِهِ ثُمّ دُفِنَا جَمِيعًا .
[ شِعْرُ بْنِ أُنَيْسٍ فِي قَتْلِهِ ابْنَ نُبَيْحٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِي ذَلِكَ [ ص 621 ]
تَرَكْتُ ابْنَ ثَوْرٍ كَالْحُوَارِ وَحَوْلَهُ ... نَوَائِحُ تَفْرِي كُلّ جَيْبٍ مُقَدّدِ
تَنَاوَلْتُهُ وَالظّعْنُ خَلْفِي وَخَلْفَهُ ... بِأَبْيَضَ مِنْ مَاءِ الْحَدِيدِ مُهَنّدِ
عَجُومٍ لِهَامِ الدّارِعِينَ كَأَنّهُ ... شِهَابٌ غَضًى مِنْ مُلْهَبٍ مُتَوَقّدِ
أَقُولُ لَهُ وَالسّيْفُ يَعْجُمُ رَأْسَهُ ... أَنَا ابْنُ أُنَيْسٍ فَارِسًا غَيْرَ قُعْدُدِ
أَنَا ابْنُ الّذِي لَمْ يُنْزِلْ الدّهَرُ قِدْرَهُ ... رَحِيبُ فِنَاءِ الدّارِ غَيْرُ مُزَنّدِ
وَقُلْتُ لَهُ خُذْهَا بِضَرْبَةِ مَاجِدٍ ... حَنِيفٍ عَلَى دِينِ النّبِيّ مُحَمّدِ
وَكُنْتُ إذَا هَمّ النّبِيّ بِكَافِرٍ ... سَبَقْتُ إلَيْهِ بِاللّسَانِ وَبِالْيَدِ
تَمّتْ الْغَزَاةُ وَعُدْنَا إلَى خَبَرِ الْبُعُوثِ .
[ غَزَوَاتٌ أُخَرُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ ،
فَأُصِيبُوا بِهَا جَمِيعًا ، وَغَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ
الْغِفَارِيّ ذَاتَ أَطْلَاحٍ ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ
وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا . وَغَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ
حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ .
غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ
وَكَانَ
مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَعَثَهُ إلَيْهِمْ فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْهُمْ أَنَاسًا .
وَسَبَى مِنْهُمْ أُنَاسًا . فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ : أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ عَلَيّ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ
إسْمَاعِيلَ . قَالَ هَذَا سَبْيُ بَنِي الْعَنْبَرِ يَقْدَمُ الْآنَ ،
فَنُعْطِيك مِنْهُمْ إنْسَانًا فَتُعْتِقِينَهُ .
[ بَعْضُ مَنْ سُبِيَ وَبَعْضُ مَنْ قُتِلَ وَشِعْرُ سَلْمَى فِي ذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قُدِمَ بِسَبْيِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَكِبَ فِيهِمْ وَفْدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ،
حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مِنْهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ رَفِيعٍ ، وَسَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو .
وَالْقَعْقَاعُ بْنُ مَعْبَدٍ وَوَرْدَانُ بْنُ مُحْرِزٍ [ ص 622 ]
وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ، وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ
حَابِسٍ وَفِرَاسُ بْنُ حَابِسٍ فَكَلّمُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ فَأَعْتَقَ بَعْضًا ، وَأَفْدَى بَعْضًا ،
وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمئِذٍ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ عَبْدُ اللّهِ
وَأَخَوَانِ لَهُ بَنُو وَهْبٍ وَشَدّادُ بْنُ فِرَاسٍ وَحَنْظَلَةُ بْنُ
دَارِمٍ وَكَانَ مِمّنْ سُبِيَ مِنْ نِسَائِهِمْ يَوْمئِذٍ أَسَمَاءُ
بِنْتُ مَالِكٍ وَكَاسٍ بِنْتُ أَرِي ، وَنَجْوَةُ بِنْتُ نَهْدٍ
وَجُمَيْعَةُ بِنْتُ قَيْسٍ ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ مَطَرٍ . فَقَالَتْ فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ سَلْمَى بِنْتُ عَتّابٍ
لَعَمْرِي لَقَدْ لَاقَتْ عَدِيّ بْنُ جُنْدَبٍ ... مِنْ الشّرّ مَهْوَاةً شَدِيدًا كَئُودهَا
تَكَنّفَهَا الْأَعْدَاءُ مِنْ كُلّ جَانِبٍ ... وَغُيّبَ عَنْهَا عِزّهَا وَجُدُودُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي ذَلِكَ
وَعِنْدَ رَسُولِ اللّهِ قَامَ ابْنُ حَابِسٍ ... بِخُطّةِ سَوّارٍ إلَى الْمَجْدِ حَازِمِ
لَهُ أَطْلَقَ الْأَسْرَى الّتِي فِي حِبَالِهِ ... مُغَلّلَةً أَعْنَاقُهَا فِي الشّكَائِمِ
كَفَى أُمّهَاتِ الْخَالِفِينَ عَلَيْهِمْ ... غِلَاءَ الْمُفَادِي أَوْ سِهَامَ الْمَقَاسِمِ
وَهَذِهِ
الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَعَدِيّ بْنُ جُنْدُبٍ مِنْ بَنِي
الْعَنْبَرِ وَالْعَنْبَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ .
غَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَرْضَ بَنِي مُرّةَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْكَلْبِيّ -
كَلْبِ لَيْثٍ - أَرْضَ بَنِي مُرّةَ ، فَأَصَابَ بِهَا مِرْدَاسَ بْنَ
نَهِيكٍ ، حَلِيفًا لَهُمْ مِنْ الْحُرْقَةِ ، مِنْ جُهَيْنَةَ ، قَتَلَهُ
أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ . [ ص 623 ] قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : الْحُرْقَةُ ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
قَالَ أَدْرَكْته أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَلَمّا شَهَرْنَا
عَلَيْهِ السّلَاحَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ . قَالَ
فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتّى قَتَلْنَاهُ فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرْنَاهُ خَبَرَهُ
فَقَالَ يَا أُسَامَةُ مَنْ لَك بِلَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ قَالَ قُلْت :
يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ إنّمَا قَالَهَا تَعَوّذًا بِهَا مِنْ الْقَتْلِ
. قَالَ فَمَنْ لَك بِهَا يَا أُسَامَةُ ؟ قَالَ فَوَاَلّذِي بَعَثَهُ
بِالْحَقّ مَا زَالَ يُرَدّدُهَا عَلَيّ حَتّى لَوَدِدْت أَنّ مَا مَضَى
مِنْ إسْلَامِي لَمْ يَكُنْ وَأَنّي كُنْت أَسْلَمْت يَوْمئِذٍ وَأَنّي
لَمْ أَقْتُلْهُ قَالَ قُلْت : أَنْظِرْنِي يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي
أُعَاهِدُ اللّهَ أَنْ لَا أَقْتُلَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إلَهَ إلّا
اللّهُ أَبَدًا ، قَالَ تَقُولُ بَعْدِي يَا أُسَامَةُ قَالَ قُلْت
بَعْدَك .
غَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتَ السّلَاسِلِ
وَغَزْوَةُ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتَ السّلَاسِلِ مِنْ أَرْضِ بَنِي عُذْرَةَ .
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَعَثَهُ يَسْتَنْفِرُ الْعَرَبَ إلَى الشّامِ . وَذَلِكَ أَنّ
أُمّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ بَلِيّ ، فَبَعَثَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ
يَسْتَأْلِفُهُمْ لِذَلِكَ حَتّى إذَا كَانَ عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامَ
، يُقَالُ لَهُ السّلْسَلُ ، وَبِذَلِكَ سُمّيَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ
غَزْوَةَ ذَاتِ السّلَاسِلِ ؛ فَلَمّا كَانَ عَلَيْهِ خَافَ فَبَعَثَ إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَمِدّهُ فَبَعَثَ
إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ
بْنِ الْجَرّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَقَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ وَجّهَهُ لَا تَخْتَلِفَا ؛
فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَتّى إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ عَمْرٌو
: إنّمَا جِئْتَ مَدَدًا لِي ؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَا ، وَلَكِنّي
عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَنْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ [ ص 624 ]
وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَجُلًا لَيّنًا سَهْلًا ، هَيّنًا عَلَيْهِ
أَمْرُ الدّنْيَا ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو : بَلْ أَنْتَ مَدَدٌ لِي ؛
فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَا عَمْرُو ، وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِي : لَا تَخْتَلِفَا ، وَإِنّك إنْ
عَصَيْتَنِي أَطَعْتُك ، قَالَ فَإِنّي الْأَمِيرُ عَلَيْك ، وَأَنْتَ
مَدَدٌ لِي ، قَالَ فَدُونَك . فَصَلّى عَمْرٌو بِالنّاسِ .
[ وَصِيّةُ أَبِي بَكْرٍ رَافِعَ بْنَ رَافِعٍ ]
قَالَ
وَكَانَ مِنْ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ أَنّ رَافِعَ بْنَ أَبِي
رَافِعٍ الطّائِيّ وَهُوَ رَافِعُ بْنُ عَمِيرَةَ كَانَ يُحَدّثُ فِيمَا
بَلَغَنِي عَنْ نَفْسِهِ قَالَ كُنْت امْرَأً نَصْرَانِيّا ، وَسُمّيت
سَرْجِسَ فَكُنْت أَدَلّ النّاسِ وَأَهْدَاهُمْ بِهَذَا الرّمَلِ كُنْت
أَدْفِنُ الْمَاءَ فِي بَيْضِ النّعَامِ بِنَوَاحِي الرّمْلِ فِي
الْجَاهِلِيّةِ ثُمّ أُغِيرُ عَلَى إبِلِ النّاسِ فَإِذَا أَدْخَلْتهَا
الرّمْلَ غَلَبْتُ عَلَيْهَا ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَطْلُبُنِي
فِيهِ حَتّى أَمُرّ بِذَلِكَ الْمَاءِ الّذِي خَبّأْت فِي بَيْضِ
النّعَامِ فَأَسْتَخْرِجُهُ فَأَشْرَبُ مِنْهُ فَلَمّا أَسْلَمْت خَرَجْت
فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ الّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلَاسِلِ ؛ قَالَ
فَقُلْت : وَاَللّهِ لَأَخْتَارَنّ لِنَفْسِي صَاحِبًا ؛ قَالَ فَصَحِبْت
أَبَا بَكْرٍ قَالَ فَكُنْت مَعَهُ فِي رَحْلِهِ قَالَ وَكَانَتْ عَلَيْهِ
عَبَاءَةٌ لَهُ فَدَكِيّةٌ فَكَانَ إذَا نَزَلْنَا بَسَطَهَا وَإِذَا
رَكِبْنَا لَبِسَهَا ، ثُمّ شَكّهَا عَلَيْهِ بِخِلَالِ لَهُ قَالَ
وَذَلِكَ الّذِي لَهُ يَقُولُ أَهْلُ نَجْدٍ حِينَ ارْتَدّوا كُفّارًا :
نَحْنُ نُبَايِعُ ذَا الْعَبَاءَةِ قَالَ فَلَمّا دَنَوْنَا مِنْ
الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ قَالَ قُلْت : يَا أَبَا بَكْرٍ إنّمَا صَحِبْتُك
لِيَنْفَعَنِي اللّهُ بِك ، فَانْصَحْنِي وَعَلّمْنِي ، قَالَ لَوْ لَمْ
تَسْأَلْنِي ذَلِكَ لَفَعَلْت ، قَالَ آمُرُك أَنْ تُوَحّدَ اللّهَ وَلَا
تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تُقِيمَ الصّلَاةَ وَأَنْ تُؤْتِيَ
الزّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجّ هَذَا الْبَيْتَ وَتَغْتَسِلَ
مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَا تَتَأَمّرْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
أَبَدًا . قَالَ قُلْت : يَا أَبَا بَكْرٍ أَمَا أَنَا وَاَللّهِ فَإِنّي
أَرْجُو أَنْ لَا أُشْرِكَ بِاَللّهِ أَحَدًا أَبَدًا ؛ وَأَمّا الصّلَاةُ
فَلَنْ أَتْرُكَهَا أَبَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ وَأَمّا الزّكَاةُ فَإِنْ
يَكُ لِي مَالٌ أُؤَدّهَا إنْ شَاءَ اللّهُ وَأَمّا رَمَضَانُ فَلَنْ
أَتْرُكَهُ أَبَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ وَأَمّا الْحَجّ فَإِنْ أَسْتَطِعْ
أَحُجّ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى ؛ وَأَمّا الْجَنَابَةُ فَسَأَغْتَسِلُ
مِنْهَا إنْ شَاءَ اللّهُ وَأَمّا الْإِمَارَةُ فَإِنّي رَأَيْت النّاسَ
يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَشْرُفُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ [ ص 625 ] صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعِنْدَ النّاسِ إلّا بِهَا ، فَلِمَ
تَنْهَانِي عَنْهَا ؟ قَالَ إنّك إنّمَا اسْتَجْهَدْتَنِي لِأَجْهَدَ لَك
، وَسَأُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ إنْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بَعَثَ مُحَمّدًا
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَذَا الدّينِ فَجَاهَدَ عَلَيْهِ حَتّى
دَخَلَ النّاسُ فِيهِ طَوْعًا وَكَرْهًا ، فَلَمّا دَخَلُوا فِيهِ كَانُوا
عُوَاذَ اللّهِ وَجِيرَانَهُ وَفِي ذِمّتِهِ فَإِيّاكَ لَا تُخْفِرْ
اللّهَ فِي جِيرَانِهِ فَيُتْبِعَك اللّهُ خَفْرَتَهُ فَإِنّ أَحَدَكُمْ
يُخْفَرُ فِي جَارِهِ فَيَظِلّ نَاتِئًا عَضَلَهُ غَضَبًا لِجَارِهِ أَنْ
أُصِيبَتْ لَهُ شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ فَاَللّهُ أَشَدّ غَضَبًا لِجَارِهِ .
قَالَ فَفَارَقْته عَلَى ذَلِكَ . قَالَ فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأُمّرَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النّاسِ
قَالَ قَدِمْت عَلَيْهِ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَمْ تَكُ
نَهَيْتَنِي عَنْ أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؟
قَالَ بَلَى ، وَأَنَا الْآنَ أَنَهَاك عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَقُلْت لَهُ
فَمَا حَمْلُك عَلَى أَنْ تَلِيَ أَمْرَ النّاسِ ؟ قَالَ لَا أَجِدُ مِنْ
ذَلِكَ بُدّا ، خَشِيت عَلَى أُمّةِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْفُرْقَةَ
[ تَقْسِيمُ عَوْفٍ الْأَشْجَعِيّ الْجَزُورَ بَيْنَ قَوْمٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنّهُ حُدّثَ
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ ، قَالَ كُنْت فِي الْغَزَاةِ
الّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلَاسِلِ ، قَالَ فَصَحِبْت أَبَا
بَكْرٍ وَعُمَرَ فَمَرَرْتُ بِقَوْمِ عَلَى جَزُورٍ لَهُمْ قَدْ
نَحَرُوهَا ، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُعْضُوهَا ، قَالَ
وَكُنْت امْرَأً لَبِقًا جَازِرًا ، قَالَ فَقُلْت : أَتُعْطُونَنِي
مِنْهَا عَشِيرًا عَلَى أَنْ أَقَسَمَهَا بَيْنَكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ
قَالَ فَأَخَذْت الشّفْرَتَيْنِ فَجَزّأْتهَا مَكَانِي ، وَأَخَذْت
مِنْهَا جُزْءًا ، فَحَمَلْته إلَى أَصْحَابِي ، فَاطّبَخْنَاهُ
فَأَكَلْنَاهُ . فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمَا : أَنّى لَك هَذَا اللّحْمُ يَا عَوْفُ ؟ قَالَ فَأَخْبَرْتهمَا
خَبَرَهُ فَقَالَا : وَاَللّهِ مَا أَحْسَنْت حِينَ [ ص 626 ] قَالَ
فَلَمّا قَفَلَ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ السّفَرِ كُنْت أَوّلَ قَادِمٍ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَجِئْته وَهُوَ
يُصَلّي فِي بَيْتِهِ قَالَ فَقُلْت : السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ
اللّهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ أَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ؟
قَالَ قُلْت : نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ؛ قَالَ أَصَاحِبُ
الْجَزُورِ ؟ وَلَمْ يَزِدْنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا .
غَزْوَةُ ابْن أَبِي حَدْرَدٍ بَطْنَ إضَمَ وَقَتْلُ عَامِرِ بْنِ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيّ
وَغَزْوَةُ
ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَأَصْحَابِهِ بَطْنَ إضَمَ ، وَكَانَتْ قَبْلَ
الْفَتْحِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ
عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى إضَمَ فِي نَفَرٍ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ ،
وَمُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ بْنِ قَيْسٍ ، فَخَرَجْنَا حَتّى إذَا كُنّا
بِبَطْنِ إضَمَ ، مَرّ بِنّا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيّ ،
عَلَى قَعُودٍ لَهُ وَمَعَهُ مُتَيّعٌ لَهُ وَوَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ . قَالَ
فَلَمّا مَرّ بِنَا سَلّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيّةِ الْإِسْلَامِ
فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ ،
فَقَتَلَهُ لِشَيْءِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَأَخَذَ بَعِيرَهُ
وَأَخَذَ مُتَيّعَهُ . قَالَ فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ ، نَزَلَ
فِينَا : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ فَتَبَيّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السّلَامَ
لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا } إلَى آخِرِ
الْآيَةِ . [ ص 627 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنِ
الْعِلَاءِ { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السّلَامَ لَسْتَ
مُؤْمِنًا } لِهَذَا الْحَدِيثِ .
[ ابْنُ حَابِسٍ وَابْنُ حِصْنٍ يَخْتَصِمَانِ فِي دَمِ ابْنِ الْأَضْبَطِ إلَى الرّسُولِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ،
قَالَ سَمِعْت زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرةَ بْنِ سَعْدٍ السّلَمِيّ يُحَدّثُ
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ وَكَانَا
شَهِدَا حُنَيْنًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الظّهْرَ ثُمّ عَمِدَ إلَى ظِلّ شَجَرَةٍ فَجَلَسَ تَحْتَهَا ، وَهُوَ
بِحُنَيْنٍ فَقَامَ إلَيْهِ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ
حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، يَخْتَصِمَانِ فِي عَامِرِ بْنِ
أَضْبَطَ الْأَشْجَعِيّ عُيَيْنَةُ يَطْلُبُ بِدَمِ عَامِرٍ وَهُوَ
يَوْمئِذٍ رَئِيسُ غَطَفَانَ ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَدْفَعُ عَنْ
مُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ ، لِمَكَانِهِ مِنْ خندف ، فَتَدَاوَلَا
الْخُصُومَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَسَمِعْنَا عُيَيْنَةُ بْنَ حِصْنٍ وَهُوَ يَقُولُ
وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا أَدْعُهُ حَتّى أُذِيقَ نِسَاءَهُ مِنْ
الْحُرْقَةِ مِثْلَ مَا أَذَاقَ نِسَائِي ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ بَلْ تَأْخُذُونَ الدّيَةَ خَمْسِينَ فِي
سَفَرِنَا هَذَا ، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا ، وَهُوَ يَأْبَى عَلَيْهِ
إذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ مُكَيْثِرٌ قَصِيرٌ
مَجْمُوعٌ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُكَيْتِلٌ - فَقَالَ وَاَللّهِ يَا
رَسُولَ اللّهِ مَا وَجَدْت لِهَذَا الْقَتِيلِ شَبَهًا فِي غُرّةِ
الْإِسْلَامِ إلّا كَغَنَمٍ وَرَدَتْ فَرُمِيَتْ أُولَاهَا ، فَنَفَرَتْ
أُخْرَاهَا ، اُسْنُنْ الْيَوْمَ وَغَيّرْ غَدًا . قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ . فَقَالَ بَلْ تَأْخُذُونَ
الدّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا ، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا .
قَالَ فَقَبِلُوا الدّيَةَ . قَالَ ثُمّ قَالُوا : أَيْنَ صَاحِبُكُمْ
هَذَا ، يَسْتَغْفِرُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ آدَمُ ضَرْبٌ طَوِيلٌ عَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ قَدْ
كَانَ تَهَيّأَ لِلْقَتْلِ فِيهَا ، حَتّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُك ؟ قَالَ
أَنَا مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ ، قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ ثُمّ قَالَ اللّهُمّ لَا تَغْفِرْ
لِمُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ ثَلَاثًا . قَالَ فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقّى
دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ . قَالَ فَأَمّا نَحْنُ فَنَقُولُ فِيمَا
بَيْنَنَا : إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَغْفَرَ لَهُ وَأَمّا مَا ظَهَرَ مِنْ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَذَا [ ص 628 ]
[ مَوْتُ مُحَلّمٍ وَمَا حَدَثَ لَهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ
الْبَصَرِيّ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حِينَ جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمّنْتَهُ بِاَللّهِ ثُمّ قَتَلْتَهُ ثُمّ
قَالَ لَهُ الْمَقَالَةَ الّتِي قَالَ قَالَ فَوَاَللّهِ مَا مَكَثَ
مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ إلّا سَبْعًا حَتّى مَاتَ فَلَفَظَتْهُ وَاَلّذِي
نَفْسُ الْحَسَنِ بِيَدِهِ الْأَرْضُ ثُمّ عَادُوا لَهُ فَلَفَظَتْهُ
الْأَرْضُ ثُمّ عَادُوا فَلَفَظَتْهُ فَلَمّا غُلِبَ قَوْمُهُ عَمِدُوا
إلَى صُدّيْنِ فَسَطَحُوهُ بَيْنَهُمَا ، ثُمّ رَضَمُوا عَلَيْهِ
الْحِجَارَةَ حَتّى وَارَوْهُ . قَالَ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَأْنُهُ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّ الْأَرْضَ
لَتَطّابِقُ عَلَى مَنْ هُوَ شَرّ مِنْهُ وَلَكِنّ اللّهَ أَرَادَ أَنْ
يَعِظَكُمْ فِي حُرْمِ مَا بَيْنَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مِنْهُ .
[ دِيَةُ ابْنِ الْأَضْبَطِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النّضْرِ أَنّهُ حُدّثَ
أَنّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَقَيْسًا حِينَ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ
حَابِسٍ وَخَلَا بِهِمْ يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ مَنَعْتُمْ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتِيلًا يَسْتَصْلِحُ بِهِ النّاسَ
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَيَلْعَنَكُمْ اللّهُ بِلَعْنَتِهِ أَوْ أَنْ يَغْضَبَ
عَلَيْكُمْ فَيَغْضَبَ اللّهُ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ ؟ وَاَللّهِ الّذِي
نَفْسُ الْأَقْرَعِ بِيَدِهِ لَتُسَلّمُنّهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَيَصْنَعَنّ فِيهِ مَا أَرَادَ أَوْ
لَآتِيَنّ بِخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَشْهَدُونَ بِاَللّهِ
كُلّهُمْ لَقُتِلَ صَاحِبُكُمْ كَافِرًا ، مَا صَلّى قَطّ ، فَلَأَطُلّنّ
دَمَهُ فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَبِلُوا الدّيَةَ [ ص 629 ] قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : مُحَلّمٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلّهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ ، وَهُوَ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ بْنِ قَيْسٍ اللّيْثِيّ .
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مُلَجّمٌ فِيمَا حَدّثَنَاهُ زِيَادٌ عَنْهُ .
غَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ لِقَتْلِ رِفَاعَةَ بْنِ قَيْسٍ الْجُشَمِيّ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ
الْغَابَةَ . وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا فِيمَا بَلَغَنِي ، عَمّنْ لَا
أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ تَزَوّجْت امْرَأَةً مِنْ
قَوْمِي ، وَأَصْدَقْتهَا مِئَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى نِكَاحِي ؛ فَقَالَ
وَكَمْ أَصَدَقْت ؟ فَقُلْت : مِئَتَيْ دِرْهَمٍ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ
سُبْحَانَ اللّهِ لَوْ كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ الدّرَاهِمَ مِنْ بَطْنِ
وَادٍ مَا زِدْتُمْ وَاَللّهِ مَا عِنْدِي مَا أُعِينُك بِهِ قَالَ
فَلَبِثْتُ أَيّامًا ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ ، يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ ، أَوْ قَيْسُ بْنُ
رِفَاعَةَ ، فِي بَطْنٍ عَظِيمٍ مِنْ بَنِي جُشَمَ حَتّى نَزَلَ
بِقَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِالْغَابَةِ يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ قَيْسَا
عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ ذَا
اسْمٍ فِي جُشَمَ وَشَرَفٍ . قَالَ فَدَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَجُلَيْنِ مَعِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ
اُخْرُجُوا إلَى هَذَا الرّجُلِ حَتّى تَأْتُوا مِنْهُ بِخَبَرِ وَعِلْمٍ
. قَالَ وَقَدّمَ لَنَا شَارِفًا عَجْفَاءَ فَحُمِلَ عَلَيْهَا أَحَدُنَا
، فَوَاَللّهِ مَا قَامَتْ [ ص 630 ] كَادَتْ ثُمّ قَالَ تُبَلّغُوا
عَلَيْهَا وَاعْتُقِبُوهَا .
[ انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ وَنَصِيبُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مِنْ فَيْءٍ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الزّوَاجِ ]
قَالَ
فَخَرَجْنَا وَمَعَنَا سِلَاحُنَا مِنْ النّبْلِ وَالسّيُوفِ حَتّى إذَا
جِئْنَا قَرِيبًا مِنْ الْحَاضِرِ عُشَيْشِيّةً مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ .
قَالَ كَمَنْتُ فِي نَاحِيَةٍ وَأَمَرْت صَاحِبِيّ فَكَمَنَا فِي
نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ حَاضِرِ الْقَوْمِ وَقُلْت لَهُمَا : إذَا
سَمِعْتُمَانِي قَدْ كَبّرْت وَشَدَدْتُ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ
فَكَبّرَا وَشُدّا مَعِي . قَالَ فَوَاَللّهِ إنّا لِكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ
غِرّةَ الْقَوْمِ أَوْ أَنْ نُصِيبَ مِنْهُمْ شَيْئًا . قَالَ وَقَدْ
غَشِيَنَا اللّيْلُ حَتّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ وَقَدْ كَانَ
لَهُمْ رَاعٍ قَدْ سَرّحَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ
حَتّى تُخَوّفُوا عَلَيْهِ . قَالَ فَقَامَ صَاحِبُهُمْ ذَلِكَ رِفَاعَةُ
بْنُ قَيْسٍ ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ ثُمّ قَالَ
وَاَللّهِ لَأَتّبِعَنّ أَثَرَ رَاعِينَا هَذَا ، وَلَقَدْ أَصَابَهُ شَرّ
؛ فَقَالَ لَهُ نَفَرٌ مِمّنْ مَعَهُ وَاَللّهِ لَا تَذْهَبْ نَحْنُ
نَكْفِيك ؛ قَالَ وَاَللّهِ لَا يَذْهَبُ إلّا أَنَا ؛ قَالُوا : فَنَحْنُ
مَعَك ؛ قَالَ وَاَللّهِ لَا يَتْبَعُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ . قَالَ
وَخَرَجَ حَتّى يَمُرّ بِي . قَالَ فَلَمّا أَمْكَنَنِي نَفْحَتُهُ
بِسَهْمِي ، فَوَضَعْته فِي فُؤَادِهِ . قَالَ فَوَاَللّهِ مَا تَكَلّمَ
وَوَثَبْت إلَيْهِ فَاحْتَزَزْتُ رَأْسَهُ . قَالَ وَشَدَدْت فِي
نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ وَكَبّرْت ، وَشَدّ صَاحِبَايَ وَكَبّرَا . قَالَ
فَوَاَللّهِ مَا كَانَ إلّا النّجَاءُ مِمّنْ فِيهِ عِنْدَك ، عِنْدَك ،
بِكُلّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَمَا
خَفّ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ . قَالَ وَاسْتَقْنَا إبِلًا عَظِيمَةً
وَغَنَمًا كَثِيرَةً فَجِئْنَا بِهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ وَجِئْت بِرَأْسِهِ [ ص 631 ] قَالَ
فَأَعَانَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تِلْكَ
الْإِبِلِ بِثَلَاثَةَ عَشْرَ بَعِيرًا فِي صَدَاقِي ، فَجَمَعْتُ إلَيّ
أَهْلِي .
غَزْوَةُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ ، قَالَ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُ عَبْدَ
اللّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ عَنْ إرْسَالِ الْعِمَامَةِ مِنْ
خَلْفِ الرّجُلِ إذَا اعْتَمّ . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ سَأُخْبِرُك
إنْ شَاءَ اللّهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِلْمِ كُنْت عَاشِرَ عَشَرَةِ رَهْطٍ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
مَسْجِدِهِ أَبُو بَكْر ٍ وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ ، وَعَلِيّ ، وَعَبْدُ
الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ،
وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، وَأَنَا
مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ أَقْبَلَ فَتًى
مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ،
أَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ؛ قَالَ
فَأَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ
وَأَحْسَنُهُمْ اسْتِعْدَادًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ أُولَئِكَ
الْأَكْيَاسُ . ثُمّ سَكَتَ الْفَتَى ، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ " يَا مَعْشَرَ
الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا نَزَلْنَ بِكُمْ وَأَعُوذُ بِاَللّهِ
أَنْ تُدْرِكُوهُنّ إنّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ
حَتّى يُعْلِنُوا بِهَا إلّا ظَهَرَ فِيهِمْ الطّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ
الّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ الّذِينَ مَضَوْا ؛ وَلَمْ
يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلّا أُخِذُوا بِالسّنِينَ
وَشِدّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السّلْطَانِ وَلَمْ يَمْنَعُوا الزّكَاةَ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السّمَاءِ فَلَوْلَا
الْبَهَائِمُ مَا مُطِرُوا ؛ وَمَا نَقَضُوا عَهْدَ اللّهِ وَعَهْدَ
رَسُولِهِ إلّا سُلّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذَ بَعْضَ
مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمّتُهُمْ بِكِتَابِ
اللّهِ وَتَجَبّرُوا فِيمَا أَنَزَلَ اللّهُ إلّا جَعَلَ اللّهُ
بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ
[ تَأْمِيرُ ابْنِ عَوْفٍ وَاعْتِمَامُهُ ]
[
ص 632 ] أَمَرَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْ يَتَجَهّزَ لِسَرِيّةِ
بَعَثَهُ عَلَيْهَا ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ اعْتَمّ بِعِمَامَةِ مِنْ
كَرَابِيسَ سَوْدَاءَ فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْهُ ثُمّ نَقَضَهَا ، ثُمّ عَمّمَهُ بِهَا ، وَأَرْسَلَ مِنْ
خَلْفِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ قَالَ هَكَذَا
يَا ابْنَ عَوْفٍ فَاعْتَمّ ، فَإِنّهُ أَحْسَنُ وَأَعْرَفُ ثُمّ أَمَرَ
بَلَالًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ اللّوَاءَ . فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَحَمِدَ
اللّهَ تَعَالَى ، وَصَلّى عَلَى نَفْسِهِ ثُمّ قَالَ خُذْهُ يَا بْنَ
عَوْفٍ اُغْزُوَا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ
بِاَللّهِ لَا تَغُلّوا ، وَلَا تَغْدِرُوا ، وَلَا تُمَثّلُوا ، وَلَا
تَقْتُلُوا وَلَيَدًا ، فَهَذَا عَهْدُ اللّهِ وَسِيرَةُ نَبِيّهِ فِيكُمْ
. فَأَخَذَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ اللّوَاءَ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : فَخَرَجَ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ .
غَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ إلَى سَيْفِ الْبَحْر
[ نَفَادُ الطّعَامِ وَخَبَرُ دَابّةِ الْبَحْرِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عِبَادَةَ
بْنِ الصّامِتِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ،
قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً
إلَى سِيفِ الْبَحْرِ ، عَلَيْهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ ،
وَزَوّدَهُمْ جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ فَجَعَلَ يَقُوتُهُمْ إيّاهُ حَتّى
صَارَ إلَى أَنْ يَعُدّهُ عَلَيْهِمْ عَدَدًا . قَالَ ثُمّ نَفِدَ
التّمْرُ حَتّى كَانَ يُعْطَى كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كُلّ يَوْمٍ تَمْرَةً
. قَالَ فَقَسَمَهَا يَوْمًا بَيْنَنَا . قَالَ فَنَقَصَتْ تَمْرَةٌ عَنْ
رَجُلٍ فَوَجَدْنَا فَقَدَهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ . قَالَ فَلَمّا جَهَدَنَا
الْجُوعُ أَخَرَجَ اللّهُ لَنَا دَابّةً مِنْ الْبَحْرِ فَأَصَبْنَا مِنْ
لَحْمِهَا وَوَدَكِهَا ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً حَتّى
سَمّنَا وَابْتَلَلْنَا ، وَأَخَذَ أَمِيرُنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهَا
، فَوَضَعَهَا عَلَى طَرِيقِهِ ثُمّ أَمَرَ بِأَجْسَمِ بَعِيرٍ مَعَنَا ،
فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَجْسَمَ رَجُلٍ مِنّا . قَالَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ قَالَ
فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِهَا وَمَا مَسّتْ رَأْسُهُ . قَالَ فَلَمّا قَدِمْنَا
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرْنَاهُ
خَبَرَهَا ، وَسَأَلْنَاهُ عَمّا صَنَعْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَكْلِنَا
إيّاهُ فَقَالَ رِزْقٌ رَزَقَكُمُوهُ اللّهُ [ ص 633 ]
بَعْثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ لِقِتَالِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَا صَنَعَ فِي طَرِيقِهِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ بُعُوثِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَرَايَاهُ بَعْثُ
عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ بَعْدَ مَقْتَلِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ وَأَصْحَابِهِ إلَى
مَكّةَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَبَا سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَبَعَثَ
مَعَهُ جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيّ فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا
مَكّةَ ، وَحَبَسَا جَمَلَيْهِمَا بِشِعْبٍ مِنْ شِعَابِ يَأْجَجَ ، ثُمّ
دَخَلَا مَكّةَ لَيْلًا ؛ فَقَالَ جَبّارٌ لِعَمْرِو : لَوْ أَنّا طُفْنَا
بِالْبَيْتِ وَصَلّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ؟ فَقَالَ عَمْرٌو : إنّ الْقَوْمَ
إذَا تَعَشّوْا جَلَسُوا بِأَفْنِيَتِهِمْ فَقَالَ كَلّا ، إنْ شَاءَ
اللّهُ فَقَالَ عَمْرٌو : فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَصَلّيْنَا ، ثُمّ
خَرَجْنَا نُرِيدُ أَبَا سُفْيَانَ فَوَاَللّهِ إنّا لَنَمْشِي بِمَكّةَ
إذْ نَظَرَ إلَيّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ فَعَرَفَنِي ، فَقَالَ
عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ وَاَللّهِ إنْ قَدِمَهَا إلّا لِشَرّ فَقُلْت
لِصَاحِبِي : النّجَاءُ فَخَرَجْنَا نَشْتَدّ ، حَتّى أَصْعَدْنَا فِي
جَبَلٍ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِنَا ، حَتّى إذَا عَلَوْنَا الْجَبَلَ
يَئِسُوا مِنّا ، فَرَجَعْنَا ، فَدَخَلْنَا كَهْفًا فِي الْجَبَلِ
فَبِتْنَا فِيهِ وَقَدْ أَخَذْنَا حِجَارَةً فَرَضَمْنَاهَا دُونَنَا ؛
فَلَمّا أَصْبَحْنَا غَدًا رَجُلٌ مِنْ [ ص 634 ] قُرَيْشٍ يَقُودُ
فَرَسًا لَهُ وَيَخْلِي عَلَيْهَا ، فَغَشِيَنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ
فَقُلْت : إنْ رَآنَا صَاحَ بِنَا ، فَأُخِذْنَا فَقُتِلْنَا . قَالَ
وَمَعِي خِنْجَرٌ قَدْ أَعْدَدْته لِأَبِي سُفْيَانَ فَأَخْرُجُ إلَيْهِ
فَأَضْرِبُهُ عَلَى ثَدْيِهِ ضَرْبَةً وَصَاحَ صَيْحَةً أَسْمَعَ أَهْلَ
مَكّةَ ، وَأَرْجِعُ فَأَدْخُلُ مَكَانِي ، وَجَاءَهُ النّاسُ يَشْتَدّونَ
وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ فَقَالُوا : مَنْ ضَرَبَك ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ
أُمَيّةَ وَغَلَبَهُ الْمَوْتُ فَمَاتَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَدْلُلْ عَلَى
مَكَانِنَا ، فَاحْتَمَلُوهُ . فَقُلْت لِصَاحِبِي ، لَمّا أَمْسَيْنَا :
النّجَاءُ فَخَرَجْنَا لَيْلًا مِنْ مَكّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ ،
فَمَرَرْنَا بِالْحَرَسِ وَهُمْ يَحْرَسُونَ جِيفَةَ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ
؛ فَقَالَ أَحَدُهُمْ وَاَللّهِ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ أَشَبَهَ
بِمِشْيَةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ ، لَوْلَا أَنّهُ بِالْمَدِينَةِ
لَقُلْت هُوَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ قَالَ فَلَمّا حَاذَى الْخَشَبَةَ
شَدّ عَلَيْهَا ، فَأَخَذَهَا فَاحْتَمَلَهَا ، وَخَرَجَا شَدّا ،
وَخَرَجُوا وَرَاءَهُ حَتّى أَتَى جُرْفًا بِمَهْبِطِ مَسِيلِ يَأْجَجَ ،
فَرَمَى بِالْخَشَبَةِ فِي الْجُرْفِ ، فَغَيّبَهُ اللّهُ عَنْهُمْ فَلَمْ
يَقْدِرُوا عَلَيْهِ قَالَ وَقُلْت لِصَاحِبِي : النّجَاءَ النّجَاءَ
حَتّى تَأْتِيَ بَعِيرَك فَتَقْعُدَ عَلَيْهِ فَإِنّي سَأَشْغَلُ عَنْك
الْقَوْمَ وَكَانَ الْأَنْصَارِيّ لَا رُجْلَةَ لَهُ . قَالَ وَمَضَيْتُ
حَتّى أَخْرُجَ عَلَى ضَجْنَانَ ، ثُمّ أَوَيْت إلَى جَبَلِ فَأَدْخُلُ
كَهْفًا ، فَبَيْنَا أَنَا فِيهِ إذْ دَخَلَ عَلَيّ شَيْخٌ مِنْ بَنِي
الدّيلِ أَعْوَرُ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَقَالَ مَنْ الرّجُلُ ؟ فَقُلْت :
مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقُلْت :
مَرْحَبًا ، فَاضْطَجَعَ ثُمّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ
وَلَسْتُ بِمُسْلِمٍ مَا دُمْتُ حَيّا ... وَلَا دَانٍ لِدِينِ الْمُسْلِمِينَا
فَقُلْت
فِي نَفْسِي : سَتَعْلَمُ فَأَمْهَلْته ، حَتّى إذَا نَامَ أَخَذْتُ
قَوْسِي ، فَجَعَلْت سِيَتَهَا [ ص 635 ] الْعَرْجَ ، ثُمّ سَلَكْت
رَكُوبَةً ، حَتّى إذَا هَبَطْت النّقِيعَ إذَا رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ
مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ قُرَيْشٌ بَعَثَتْهُمَا عَيْنًا إلَى
الْمَدِينَةِ يَنْظُرَانِ وَيَتَحَسّسَانِ فَقُلْت اسْتَأْسِرَا ،
فَأَبَيَا ، فَأَرْمِي أَحَدَهُمَا بِسَهْمِ فَأَقْتُلُهُ وَاسْتَأْسَرَ
الْآخَرُ فَأُوَثّقُهُ رِبَاطًا ، وَقَدِمْت بِهِ الْمَدِينَةَ .
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مَدْيَنَ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مَدْيَن َ .
ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ عَنْ أُمّهِ
فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللّهِ
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ نَحْوَ مَدْيَنَ ، وَمَعَهُ ضُمَيْرةَ مَوْلَى عَلِيّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ وَأَخٌ لَهُ . قَالَتْ فَأَصَابَ
سَبْيًا مِنْ أَهْلِ مِينَاءَ ، وَهِيَ السّوَاحِلُ وَفِيهَا جُمّاعٌ مِنْ
النّاسِ فَبِيعُوا ، فَفُرّقَ بَيْنَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَبْكُونَ فَقَالَ مَا لَهُمْ ؟ فَقِيلَ
يَا رَسُولَ اللّهِ فُرّقَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَبِيعُوهُمْ إلّا جَمِيعًا . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : أَرَادَ الْأُمّهَاتَ وَالْأَوْلَادَ .
سَرِيّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ
[ سَبَبُ نِفَاقِ أَبِي عَفَكٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ
أَحَدُ [ ص 636 ] بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف ٍ ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدَةَ
وَكَانَ قَدْ نَجَمَ نِفَاقُهُ حِينَ قَتَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد بْنِ صَامِتٍ ، فَقَالَ
لَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا وَمَا إنْ أَرَى ... مِنْ النّاسِ دَارًا وَلَا مَجْمَعَا
أَبَرّ عُهُودًا وَأَوْفَى لِمَنْ ... يُعَاقَدُ فِيهِمْ إذَا مَا دَعَا
مِنْ أَوْلَادِ قَيْلَةَ فِي جَمْعِهِمْ ... يَهُدّ الْجِبَالَ وَلَمْ يَخْضَعَا
فَصَدّعَهُمْ رَاكِبٌ جَاءَهُمْ ... حَلَالٌ حَرَامٌ لِشَتّى مَعَا
فَلَوْ أَنّ بِالْعِزّ صَدّقْتُمْ ... أَوْ الْمُلْكِ تَابَعْتُمْ تُبّعَا
[ قَتْلُ ابْنِ عُمَيْرٍ لَهُ وَشِعْرُ الْمُزَيْرِيّة ]
فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ لِي بِهَذَا
الْخَبِيثِ ، فَخَرَجَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ وَهُوَ أَحَدُ الْبَكّائِينَ فَقَتَلَهُ ؟ فَقَالَتْ أُمَامَةُ
الْمُزَيْرِيّة فِي ذَلِكَ
تُكَذّبُ دِينَ اللّهِ وَالْمَرْءَ أَحْمَدَا ... لَعَمْرُ الّذِي أَمْنَاكَ أَنْ بِئْسَ مَا يُمْنِي
حَبَاكَ حَنِيفٌ آخِرَ اللّيْلِ طَعْنَةً ... أَبَا عَفَكٍ خُذْهَا عَلَى كِبَرِ السّنّ
غَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ الْخِطْمِيّ لِقَتْلِ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ
وَغَزْوَةُ
عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ الْخِطْمِيّ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ ، وَهِيَ
مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ فَلَمّا قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ نَافَقَتْ
فَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ [ ص 637 ]
أَبِيهِ قَالَ وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ وَيُقَالُ
لَهُ يَزِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَتْ تَعِيبُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ
بِاسْتِ بَنِي مَالِكٍ وَالنّبِيتِ ... وَعَوْفٍ وَبِاسْتِ بَنِي الْخَزْرَجِ
أَطَعْتُمْ أَتَاوِيّ مِنْ غَيْرِكُمْ ... فَلَا مِنْ مُرَادٍ وَلَا مَذْحِجِ
تَرْجُونَهُ بَعْدَ قَتْلِ الرّءُوسِ ... كَمَا يُرْتَجَى مَرَقُ الْمُنْضَجِ
أَلَا أَنِفٌ يَبْتَغِيَ غِرّةُ ... فَيَقْطَع مِنْ أَمَلِ الْمُرْتَجِي
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهَا ]
قَالَ فَأَجَابَهَا حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ
بَنُو وَائِلٍ وَبَنُو وَاقِفٍ ... وَخَطْمَةُ دُونَ بَنِي الْخَزْرَجِ
مَتَى مَا دَعَتْ سَفَهًا وَيْحَهَا ... بِعَوْلَتِهَا وَالْمَنَايَا تَجِي
فَهَزّتْ فَتًى مَاجِدًا عِرْقُهُ ... كَرِيمُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ
فَضَرّجَهَا مِنْ نَجِيعِ الدّمَا ... ء بَعْدَ الْهُدُوّ فَلَمْ يَحْرَجْ
[ خُرُوجُ الْخِطْمِيّ لَقَتْلِهَا ]
فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ
أَلَا آخِذٌ لِي مِنْ ابْنَةِ مَرْوَانَ ؟ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ
الْخِطْمِيّ ، وَهُوَ عِنْدَهُ فَلَمّا أَمْسَى مِنْ تِلْكَ اللّيْلَةِ
سَرَى عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَتَلَهَا ، ثُمّ أَصْبَحَ مَعَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي
قَدْ قَتَلْتهَا . فَقَالَ نَصَرْت اللّهَ وَرَسُولَهُ يَا عُمَيْرُ ،
فَقَالَ هَلْ عَلَيّ شَيْءٌ مِنْ شَأْنِهَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالَ
لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ
[ شَأْنُ بَنِي خَطْمَةَ ]
[ ص
638 ] خَطْمَةَ يَوْمئِذٍ كَثِيرٌ مَوْجُهُمْ فِي شَأْنِ بِنْتِ مَرْوَانَ
وَلَهَا يَوْمئِذٍ بَنُونَ خَمْسَةُ رِجَالٍ فَلَمّا جَاءَهُمْ عُمَيْرُ
بْنُ عَدِيّ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ يَا بَنِي خَطْمَةَ أَنَا قَتَلْت ابْنَةَ مَرْوَانَ فَكِيدُونِي
جَمِيعًا ثُمّ لَا تُنْظِرُونَ . فَذَلِكَ الْيَوْمُ أَوّلُ مَا عَزّ
الْإِسْلَامُ فِي دَارِ بَنِي خَطْمَةَ وَكَانَ يَسْتَخْفِي
بِإِسْلَامِهِمْ فِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ أَسْلَمَ
مِنْ بَنِي خَطْمَةَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ وَهُوَ الّذِي يُدْعَى
الْقَارِئَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَوْسٍ ، وَخُزَيْمَة بْنِ ثَابِتٍ ،
وَأَسْلَمَ ، يَوْمَ قُتِلَتْ ابْنَةُ مَرْوَانَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي
خَطْمَةَ لَمّا رَأَوْا مِنْ عِزّ الْإِسْلَامِ .
أَسْرُ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ وَإِسْلَامُهُ
وَالسّرِيّةُ الّتِي أَسَرَتْ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ
بَلَغَنِي
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هَرِيرَةَ أَنّهُ قَالَ
خَرَجَتْ خَيْلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَخَذَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ ، لَا يَشْعُرُونَ مَنْ هُوَ
حَتّى أَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ ؛ هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ
الْحَنَفِيّ ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ
مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ وَأَمَرَ بِلِقْحَتِهِ أَنْ
يُغْدَى عَلَيْهِ بِهَا وَيُرَاحُ فَجَعَلَ لَا يَقَعُ مِنْ ثُمَامَةَ
مَوْقِعًا وَيَأْتِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَيَقُولُ أَسْلِمْ يَا ثُمَامَةُ فَيَقُولُ إيْهَا يَا مُحَمّدُ إنْ
تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُرِدْ الْفِدَاءَ فَسَلْ مَا شِئْت ،
فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَمْكُثَ ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمًا : أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَلَمّا
أَطْلَقُوهُ خَرَجَ حَتّى أَتَى الْبَقِيعَ ، فَتَطَهّرَ فَأَحْسَنَ
طُهُورَهُ ثُمّ [ ص 639 ] أَقْبَلَ فَبَايَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا أَمْسَى جَاءُوهُ بِمَا
كَانُوا يَأْتُونَهُ مِنْ الطّعَامِ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُ إلّا قَلِيلًا ،
وَبِاللّقْحَةِ فَلَمْ يُصِبْ مِنْ حِلَابِهَا إلّا يَسِيرًا فَعَجِبَ
الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِمّ تَعْجَبُونَ ؟ أَمِنْ رَجُلٍ أَكَلَ
أَوّلَ النّهَارِ فِي مِعَى كَافِرٍ وَأَكَلَ آخِرَ النّهَارِ فِي مِعَى
مُسْلِمٍ إنّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَإِنّ
الْمُسْلِمَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ
[ خُرُوجُهُ إلَى مَكّةَ وَقِصّتُهُ مَعَ قُرَيْشٍ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَبَلَغَنِي أَنّهُ خَرَجَ مُعْتَمِرًا ، حَتّى إذَا
كَانَ بِبَطْنِ مَكّةَ لَبّى ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ دَخَلَ مَكّةَ يُلَبّي
، فَأَخَذَتْهُ قُرَيْشٌ ، فَقَالُوا : لَقَدْ اخْتَرْت عَلَيْنَا ،
فَلَمّا قَدّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ دَعُوهُ
فَإِنّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلَى الْيَمَامَةِ لِطَعَامِكُمْ فَخَلّوهُ
فَقَالَ الْحَنَفِيّ فِي ذَلِكَ وَمِنّا الّذِي لَبّى بِمَكّةَ مُعْلِنًا
بِرَغْمِ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمْ وَحُدّثْت أَنّهُ
قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَ ،
لَقَدْ كَانَ وَجْهُك أَبْغَضَ الْوُجُوهِ إلَيّ وَلَقَدْ أَصْبَحَ وَهُوَ
أَحَبّ الْوُجُوهِ إلَيّ . وَقَالَ فِي الدّينِ وَالْبِلَادِ مِثْلَ
ذَلِكَ . ثُمّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا ، فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ ، قَالُوا :
أَصَبَوْت يَا ثُمَامُ ؟ فَقَالَ لَا ، وَلَكِنّي اتّبَعْت خَيْرَ الدّينِ
دِينَ مُحَمّدٍ وَلَا وَاَللّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبّةٌ مِنْ
الْيَمَامَةِ حَتّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . ثُمّ خَرَجَ إلَى الْيَمَامَةِ ، فَمَنَعَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا
إلَى مَكّةَ شَيْئًا ، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرّحِمِ وَإِنّك قَدْ قَطَعْت
أَرْحَامَنَا ، وَقَدْ قَتَلْت الْآبَاءَ بِالسّيْفِ وَالْأَبْنَاءَ
بِالْجَوْعِ فَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَيْهِ أَنْ يُخَلّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ .
سَرِيّةُ عَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزّزٍ
وَبَعَثَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ
. [ ص 640 ] مُجَزّزٍ الْمُدْلِجِيّ يَوْمَ ذِي قَرَدَ سَأَلَ عَلْقَمَةُ
بْنُ مُجَزّزٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ
يَبْعَثَهُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ لِيَدْرِكَ ثَأْرَهُ فِيهِمْ .
[ دُعَابَةُ ابْنِ حُذَافَةَ مَعَ جَيْشِهِ ]
فَذَكَرَ
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ :
وَأَنَا فِيهِمْ - حَتّى إذَا بَلَغْنَا رَأَسَ غَزَاتِنَا أَوْ كُنّا
بِبَعْضِ الطّرِيقِ أَذِنَ لِطَائِفَةِ مِنْ الْجَيْشِ وَاسْتَعْمَلَ
عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللّهِ ابْنَ حُذَافَةَ السّهْمِيّ وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ فِيهِ
دُعَابَةٌ فَلَمّا كَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ أَوْقَدَ نَارًا ، ثُمّ قَالَ
لِلْقَوْمِ أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ السّمْعُ وَالطّاعَةُ ؟ قَالُوا :
بَلَى ؛ قَالَ أَفَمَا أَنَا آمُرُكُمْ بِشَيْءِ إلّا فَعَلْتُمُوهُ ؟
قَالُوا : نَعَمْ قَالَ فَإِنّي أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ بِحَقّي وَطَاعَتِي
إلّا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النّارِ قَالَ فَقَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ
يَحْتَجِزُ حَتّى ظَنّ أَنّهُمْ وَاثِبُونَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُمْ
اجْلِسُوا ، فَإِنّمَا كُنْت أَضْحَكُ مَعَكُمْ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَمَرَكُمْ
بِمَعْصِيَةٍ مِنْهُمْ فَلَا تُطِيعُوهُ . وَذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ
طَلْحَةَ أَنّ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ رَجَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ
يَلْقَ كَيْدًا .
سَرِيّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ لِقَتْلِ الْبَجَلِيّينَ الّذِينَ قَتَلُوا يَسَارًا
حَدّثَنِي
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ ،
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، قَالَ أَصَابَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ مُحَارَبٍ وَبَنِيّ
ثَعْلَبَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ يَسَارٌ فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لِقَاحٍ لَهُ كَانَتْ تَرْعَى [ ص 641 ]
نَاحِيَةِ الْجَمّاءِ ، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرٌ مِنْ قَيْسٍ كُبّة مِنْ بَجِيلَةَ ،
فَاسْتَوْبَئُوا ، وَطَحِلُوا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى اللّقَاحِ فَشَرِبْتُمْ
مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا ، فَخَرَجُوا إلَيْهَا .
[ قَتْلُ الْبَجَلِيّينَ وَتَنْكِيلُ الرّسُولِ بِهِمْ ]
فَلَمّا
صَحّوا وَانْطَوَتْ بُطُونُهُمْ عَدَوْا عَلَى رَاعِي رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسَارٍ فَذَبَحُوهُ وَغَرَزُوا الشّوْكَ
فِي عَيْنَيْهِ وَاسْتَلْقَوْا اللّقَاحَ . فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي آثَارِهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ ،
فَلَحِقَهُمْ فَأَتَى بِهِمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَرْجِعه مِنْ غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ
وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ .
غَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ
وَغَزْوَةُ
عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ إلَى الْيَمَنِ ،
غَزَاهَا مَرّتَيْنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو عَمْرٍو
الْمَدَنِيّ : بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَلِيّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ
الْوَلِيدِ فِي جُنْدٍ آخَرَ وَقَالَ إنْ الْتَقَيْتُمَا فَالْأَمِيرُ
عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِب وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ بَعْثَ خَالِدِ
بْنِ الْوَلِيدِ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي عِدّةِ الْبُعُوثِ
وَالسّرَايَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدّةُ فِي قَوْلِهِ تِسْعَةً
وَثَلَاثِينَ .
بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ
وَهُوَ آخِرُ الْبُعُوثِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ [ ص 642 ] الشّامِ ، وَأَمَرَهُ
أَنّ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدّارُومِ ، مِنْ أَرْضِ
فِلَسْطِينَ ، فَتَجَهّزَ النّاسُ وَأَوْعَبَ مَعَ أُسَامَةَ
الْمُهَاجِرُونَ الْأَوّلُونَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُوَ آخِرُ
بَعْثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
ابْتِدَاءُ شَكْوَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ اُبْتُدِئَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِشَكْوِهِ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ
فِيهِ إلَى مَا أَرَادَ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرَحْمَتِهِ فِي لَيَالٍ
بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ أَوْ فِي أَوّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ فَكَانَ
أَوّلُ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لِي ، أَنّهُ
خَرَجَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ فَاسْتَغْفَرَ
لَهُمْ ثُمّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَمّا أَصْبَحَ اُبْتُدِئَ بِوَجَعِهِ
مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ
بْنُ عُمَرَ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي
الْعَاصِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنْ أَبِي
مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
جَوْفِ اللّيْلِ فَقَالَ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إنّي قَدْ أُمِرْت أَنْ
أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ ، فَانْطَلِقْ مَعِي ،
فَانْطَلَقْت مَعَهُ فَلَمّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ السّلَامُ
عَلَيْكُمْ يَأْهَلَ الْمَقَابِرِ لِيَهْنِئَ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ
فِيهِ مِمّا أَصْبَحَ النّاسُ فِيهِ أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ
اللّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوّلَهَا ، الْآخِرَةُ شَرّ مِنْ
الْأُولَى ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيّ فَقَالَ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إنّي
قَدْ أُوتِيت مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ، ثُمّ
الْجَنّةُ فَخُيّرْت بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبّي وَالْجَنّةِ .
قَالَ فَقُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ
الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ، ثُمّ الْجَنّةَ ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا
أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدْ اخْتَرْت لِقَاءَ رَبّي وَالْجَنّةَ ثُمّ
أَسَتَغْفِرُ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ، ثُمّ أَنْصَرِف فَبَدَأَ بِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ
فِيهِ .
[ تَمْرِيضُهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ]
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ
مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ [ ص 643 ] عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَقِيعِ ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا
فِي رَأْسِي ، وَأَنَا أَقُولُ وَارْأَسَاهُ ، فَقَالَ بَلْ أَنَا
وَاَللّهِ يَا عَائِشَةُ وَارْأَسَاهُ . قَالَتْ ثُمّ قَالَ وَمَا ضَرّكِ
لَوْ مُتّ قَبْلِي ، فَقُمْتُ عَلَيْك وَكَفّنْتُك ، وَصَلّيْت عَلَيْك
وَدَفَنْتُك ؟ قَالَتْ قُلْت : وَاَللّهِ لَكَأَنّي بِك ، لَوْ قَدْ
فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إلَى بَيْتِي ، فَأَعْرَسْت فِيهِ
بِبَعْضِ نِسَائِك ، قَالَتْ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى
نِسَائِهِ حَتّى اسْتَعَزّ بِهِ وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَدَعَا
نِسَاءَهُ فَاسْتَأْذَنَهُنّ فِي أَنْ يُمَرّضَ فِي بَيْتِي ، فَأَذِنّ لَه
ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَكُنّ تِسْعًا : عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ،
وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ
أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، وَأُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ
بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسٍ ، وَزَيْنَبُ
بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ
، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، وَصَفِيّةُ
بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ فِيمَا حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ .
[ زَوَاجُهُ بِخَدِيجَةَ ]
وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ
تَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ
خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَهِيَ أَوّلُ مَنْ تَزَوّجَ زَوّجَهُ
إيّاهَا أَبُوهَا خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ ، وَيُقَالُ أَخُوهَا عَمْرُو
بْنُ خُوَيْلِدٍ ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَدَهُ كُلّهُمْ إلّا إبْرَاهِيمَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ
عِنْدَ أَبِي هَالَةَ بْنِ مَالِكٍ أَحَدِ بَنِي أُسَيّدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ تَمِيمٍ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ
أَبِي هَالَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي
هَالَةَ عِنْدَ [ ص 644 ] عُتَيّقِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللّهِ وَجَارِيَةً .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : جَارِيَةٌ مِنْ الْجَوَارِي ، تَزَوّجَهَا صَيْفِيّ
بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ .
[ زَوَاجُهُ بِعَائِشَةَ ]
وَتَزَوّجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي
بَكْرٍ الصّدّيقِ بِمَكّةَ ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَبَنَى بِهَا
بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ عَشْرٍ وَلَمْ
يَتَزَوّجْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكْرًا
غَيْرَهَا ، زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَصْدَقَهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ .
[ زَوَاجُهُ بِسَوْدَةِ ]
وَتَزَوّجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمَعَةَ
بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، زَوّجَهُ إيّاهَا سَلِيطُ
بْنُ عَمْرٍو ، وَيُقَال أَبُو حَاطِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ
بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ وَأَصْدَقَهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ابْنُ إسْحَاقَ يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ
يَذْكُرُ أَنّ سَلِيطًا وَأَبَا حَاطِبٍ كَانَا غَائِبَيْنِ بِأَرْضِ
الْحَبَشَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ . وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ السّكْرَانِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ .
[ زَوَاجُهُ بِزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ ]
وَتَزَوّجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشِ
بْنِ رِئَابٍ الْأَسْدِيَةَ زَوّجَهُ إيّاهَا أَخُوهَا أَبُو أَحْمَدَ
بْنِ جَحْشٍ ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَفِيهَا أَنَزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَلَمّا قَضَى زَيْدٌ
مِنْهَا وَطَرًا زَوّجْنَاكَهَا }
[ زَوَاجُهُ بِأُمّ سَلَمَةَ ]
وَتَزَوّجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتَ
أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّةَ ، وَاسْمُهَا هِنْدُ ؛
زَوّجَهُ إيّاهَا سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ابْنُهَا ، وَأَصْدَقَهَا
رَسُولُ اللّهِ [ ص 645 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِرَاشًا
حَشْوُهُ لِيفٌ وَقَدَحًا ، وَصَحْفَةً وَمِجَشّةً وَكَانَتْ قَبْلَهُ
عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ ،
فَوَلَدَتْ لَهُ سَلَمَةَ وَعُمَرَ وَزَيْنَبَ وَرُقَيّةَ .
[ زَوَاجُهُ بِحَفْصَةَ ]
وَتَزَوّجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ
بْنِ الْخَطّابِ ، زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ،
وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ
مِئَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ
السّهْمِيّ .
[ زَوَاجُهُ بِأُمّ حَبِيبَةَ ]
وَتَزَوّجَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ حَبِيبَةَ ، وَاسْمُهَا
رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، زَوّجَهُ إيّاهَا خَالِدُ
بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، وَهُمَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ،
وَأَصْدَقَهَا النّجَاشِيّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِئَةِ دِينَارٍ ، وَهُوَ الّذِي كَانَ خَطَبَهَا عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ
عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيّ .
[ زَوَاجُهُ بِجُوَيْرِيَةَ ]
وَتَزَوّجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ
الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيّة ، كَانَتْ فِي سَبَايَا
بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَوَقَعَتْ فِي السّهْمِ لِثَابِتِ
بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ الْأَنْصَارِيّ ، فَكَاتَبَهَا عَلَى
نَفْسِهَا ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا . فَقَالَ لَهَا : هَلْ لَك فِي خَيْرٍ
مِنْ ذَلِكِ ؟ قَالَتْ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ أَقْضِي عَنْك كِتَابَتَك
وَأَتَزَوّجُك ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ فَتَزَوّجَهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
حَدّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ،
عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَال : لَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ
بِنْتُ الْحَارِثِ ، فَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى
رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا ،
وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ،
فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ
فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ [ ص 646 ] نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ الّتِي جَاءَ
بِهَا لِلْفِدَاءِ فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا ، فَغَيّبَهُمَا فِي
شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ ، ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَصَبْتُمْ ابْنَتِي ، وَهَذَا
فِدَاؤُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللّذَانِ غَيّبْت بِالْعَقِيقِ فِي شِعْبِ كَذَا
وَكَذَا ؟ فَقَالَ الْحَارِثُ أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ،
وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، فَوَاَللّهِ مَا اطّلَعَ
عَلَى ذَلِكَ إلّا اللّهُ تَعَالَى فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ ، وَأَسْلَمَ
مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ وَأَرْسَلَ إلَى
الْبَعِيرَيْنِ فَجَاءَ بِهِمَا ، فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُفِعَتْ إلَيْهِ ابْنَتُهُ جُوَيَرِيَةُ ،
فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا ، وَخَطَبَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِيهَا ، فَزَوّجَهُ إيّاهَا ،
وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ ابْنِ عَمّ لَهَا يُقَالُ لَهُ
عَبْدُ اللّهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ اشْتَرَاهَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ،
فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا ، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ .
[ زَوَاجُهُ بِصَفِيّةَ ]
وَتَزَوّجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ
بْنِ أَخْطَبَ ، سَبَاهَا مِنْ خَيْبَرَ ، فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ
وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِيمَةً مَا
فِيهَا شَحْمٌ وَلَا لَحْمٌ كَانَ سَوِيقًا وَتَمْرًا ، وَكَانَتْ
قَبْلَهُ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ .
[ زَوَاجُهُ بِمَيْمُونَةَ ]
وَتَزَوّجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ
الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بَحِيرِ بْنِ هُزَمَ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، زَوّجَهُ
إيّاهَا الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأَصْدَقَهَا الْعَبّاسُ
عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِئَةِ
دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى
بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ؛ وَيُقَالُ إنّهَا الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا
لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ أَنّ خِطْبَةَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْتَهَتْ إلَيْهَا وَهِيَ عَلَى
بَعِيرِهَا ، فَقَالَتْ الْبَعِيرُ وَمَا عَلَيْهِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ
وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ } وَيُقَالُ إنّ الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا
لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ ، [ ص
647 ] وَيُقَالُ أُمّ شَرِيكٍ غَزِيّة بِنْتُ جَابِرِ بْنِ وَهْبٍ مِنْ
بَنِي مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ،
وَيُقَالُ بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ ،
فَأَرْجَأَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ زَوَاجُهُ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ ]
وَتَزَوّجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ
خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَكَانَتْ تُسْمَى
أُمّ الْمَسَاكِينِ لِرَحْمَتِهَا إيّاهُمْ وَرِقّتِهَا عَلَيْهِمْ
زَوّجَهُ إيّاهَا قَبِيصَةُ بْنُ عَمْرٍو الْهِلَالِيّ وَأَصْدَقَهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ
وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَتْ قَبْلَ عُبَيْدَةَ عِنْدَ
جَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، وَهُوَ ابْنُ عَمّهَا .
فَهَؤُلَاءِ اللّاتِي بَنَى بِهِنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إحْدَى عَشَرَةَ فَمَاتَ قَبْلَهُ مِنْهُنّ ثِنْتَانِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ . وَتُوُفّيَ عَنْ تِسْعٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُنّ فِي أَوّلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَثِنْتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا : أَسَمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ تَزَوّجَهَا فَوَجَدَ بِهَا بَيَاضًا ، فَمَتّعَهَا وَرَدّهَا إلَى أَهْلِهَا ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيّة وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ فَلَمّا قَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنِيعٌ عَائِذٌ اللّهَ فَرَدّهَا إلَى أَهْلِهَا ، وَيُقَالُ إنّ الّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِنْدِيّةُ بِنْتُ عَمّ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ النّعْمَانِ وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَاهَا ، فَقَالَتْ إنّا قَوْمٌ نُؤْتَى وَلَا نَأْتِي ؛ فَرَدّهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهَا
[ تَسْمِيَةُ الْقُرَشِيّاتِ مِنْهُنّ ]
[
ص 648 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِتّ : خَدِيجَةُ بِنْتُ
خُوَيَلْدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ
بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ؛ وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ
بْنِ أَبِي قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ
بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ؛
وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ
الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزِاحِ بْنِ
عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ؛ وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي
سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ؛
وَأُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقِظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ
بْنِ لُؤَيّ ؛ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ
بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
لُؤَيّ .
[ تَسْمِيَةُ الْعَرَبِيّاتِ وَغَيْرِهِنّ ]
وَالْعَرَبِيّاتُ
وَغَيْرُهُنّ سَبْعٌ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ
بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دَوْدَانَ بْنِ
أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ؛ وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ
بْنِ بَحِيرِ بْنِ هُزَمَ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ
هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عَيْلَانَ ؛ وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ؛ وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ
أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيّة ، ثُمّ الْمُصْطَلِقِيّة ؛ وَأَسْمَاءُ
بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ
الْكِلَابِيّة .
[غَيْرُ الْعَرَبِيّاتِ ]
وَمِنْ غَيْرِ الْعَرَبِيّاتِ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، مِنْ بَنِي النّضِيرِ .
تَمْرِيضُ رَسُولِ اللّهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ
[
ص 649 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ ، عَنْ
مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ
بْنُ الْعَبّاسِ ، وَرَجُلٌ آخَرُ عَاصِبًا رَأْسَهُ تَخُطّ قَدَمَاهُ
حَتّى دَخَلَ بَيْتِي . قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ ، فَحَدّثْت هَذَا
الْحَدِيثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْعَبّاسِ ، فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَنْ
الرّجُلُ الْآخَرُ ؟ قَالَ قُلْت : لَا ؟ قَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
.
[ شِدّةُ الْمَرَضِ وَصَبّ الْمَاءِ عَلَيْهِ ]
ثُمّ غُمِرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاشْتَدّ بِهِ وَجَعُهُ
فَقَالَ هَريقُوا عَلَيّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ آبَارٍ شَتّى ، حَتّى
أَخْرُجَ إلَى النّاسِ فَأَعْهَدُ إلَيْهِمْ . قَالَتْ فَأَقْعَدْنَاهُ
فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ ، ثُمّ صَبَبْنَا عَلَيْهِ
الْمَاءَ حَتّى طَفِقَ يَقُولُ حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ
[ كَلِمَةٌ لِلنّبِيّ وَاخْتِصَاصُهُ أَبَا بَكْرٍ بِالذّكْرِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الزّهْرِيّ : حَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ بَشِيرٍ
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَاصِبًا
رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمّ كَانَ أَوّلُ مَا تَكَلّمَ
بِهِ أَنّهُ صَلّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ
فَأَكْثَرَ الصّلَاةَ عَلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ إنّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ
اللّهِ خَيّرَهُ اللّهُ بَيْنَ الدّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ
فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللّهِ . قَالَ فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعَرَفَ
أَنّ نَفْسَهُ يُرِيدُ فَبَكَى وَقَالَ بَلْ نَحْنُ نَفْدِيك
بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا ، فَقَالَ عَلَى رِسْلِك يَا أَبَا بَكْرٍ ،
ثُمّ قَالَ اُنْظُرُوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ اللّافِظَةَ فِي الْمَسْجِدِ
فَسُدّوهَا إلّا بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ
أَفْضَلَ فِي الصّحْبَةِ عِنْدِي يَدًا مِنْهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُرْوَى : إلّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ . [ ص 650 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ بَعْضِ آلِ أَبِي
سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ يَوْمئِذٍ فِي كَلَامِهِ هَذَا : فَإِنّي لَوْ كُنْت
مُتّخِذًا مِنْ الْعِبَادِ خَلِيلًا لَاِتّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ،
وَلَكِنْ صُحْبَةٌ وَإِخَاءُ إيمَانٍ حَتّى يَجْمَعَ اللّهُ بَيْنَنَا
عِنْدَهُ
[ أَمْرُ الرّسُولِ بِإِنْفَاذِ بَعْثِ أُسَامَةَ ]
وَقَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنّ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَبْطَأَ النّاسَ فِي بَعْثِ
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ
حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَدْ كَانَ النّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ
أُسَامَةَ : أَمّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جِلّةِ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ . فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ
أَهْلٌ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ ،
فَلِعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ
أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَإِنّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ
أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا قَالَ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْكَمَشَ النّاسُ فِي جَهَازِهِمْ اسْتَعَزّ
بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ فَخَرَجَ
أُسَامَةُ وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ حَتّى نَزَلُوا الْجُرْفَ ، مِنْ
الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ وَتَتَامّ إلَيْهِ
النّاسُ وَثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنّاسُ لِيَنْظُرُوا مَا اللّهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ وَصِيّةُ الرّسُولِ بِالْأَنْصَارِ ]
وَقَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ صَلّى وَاسْتَغْفَرَ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ ، وَذَكَرَ
مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ مَعَ مَقَالَتِهِ يَوْمئِذٍ يَا مَعْشَرَ
الْمُهَاجِرِينَ ، اسْتَوْصُوا بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا ، فَإِنّ النّاسَ
يَزِيدُونَ وَإِنّ الْأَنْصَارَ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ وَإِنّهُمْ
كَانُوا عَيْبَتِي الّتِي أَوَيْت إلَيْهَا ، فَأَحْسِنُوا إلَى
مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ [ ص 651 ] قَالَ عَبْدُ
اللّهِ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ حَتّى غُمِرَ .
[ شَأْنُ اللّدُودِ ]
قَالَ
عَبْدُ اللّهِ : فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِ أُمّ
سَلَمَةَ ، وَمَيْمُونَةُ ، وَنِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ
مِنْهُنّ أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ ، وَعِنْدَهُ الْعَبّاسُ عَمّهُ
فَأَجْمَعُوا أَنْ يَلُدّوهُ وَقَالَ الْعَبّاسُ : لَأَلُدّنّهُ . قَالَ
فَلَدّوهُ فَلَمّا أَفَاقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ مَنْ صَنَعَ هَذَا بِي ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ عَمّك ،
قَالَ هَذَا دَوَاءٌ أَتَى بِهِ نِسَاءٌ جِئْنَ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ
الْأَرْضِ وَأَشَارَ نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ؛ قَالَ وَلِمَ فَعَلْتُمْ
ذَلِكَ ؟ فَقَالَ عَمّهُ الْعَبّاسُ : خَشِينَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ
يَكُونَ بِك ذَاتُ الْجَنْبِ فَقَالَ إنّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللّهُ
عَزّ وَجَلّ لِيَقْذِفَنِي بِهِ لَا يَبْقَ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلّا
لُدّ إلّا عَمّي ، فَلَقَدْ لُدّتْ مَيْمُونَةُ وَإِنّهَا لَصَائِمَةٌ
لِقَسَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُقُوبَةً لَهُمْ
بِمَا صَنَعُوا بِهِ
[ دُعَاءُ الرّسُولِ لِأُسَامَةَ بِالْإِشَارَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ عَنْ
مُحَمّدِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْد ٍ قَالَ لَمّا
ثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَبَطْتُ وَهَبَطَ
النّاسُ مَعِي إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أُصْمِتَ فَلَا يَتَكَلّمُ فَجَعَلَ
يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ ثُمّ يَضَعُهَا عَلَيّ فَأَعْرِفُ أَنّهُ
يَدْعُو لِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ :
حَدّثَنِي عُبَيْد ُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ،
قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَثِيرًا
مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ إنّ اللّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيّا حَتّى
يُخَيّرْهُ . قَالَتْ فَلَمّا حُضِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا وَهُوَ يَقُولُ بَلْ
الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ ، قَالَتْ فَقُلْت : [ ص 652 ] كَانَ
يَقُولُ لَنَا : إنّ نَبِيّا لَمْ يُقْبَضْ حَتّى يُخَيّرَ
[ صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ ]
قَالَ
الزّهْرِيّ : وَحَدّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنّ
عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ .
قَالَتْ قُلْت : يَا نَبِيّ اللّهِ إنّ أَبَا بَكْر ٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ
ضَعِيفُ الصّوْتِ كَثِيرُ الْبُكَاءِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ . قَالَ
مُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ . قَالَتْ فَعُدْت بِمِثْلِ قَوْلِي ،
فَقَالَ إنّكُنّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، فَمُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ
قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلّا أَنّي كُنْت أُحِبّ أَنْ
يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَرَفْت أَنّ النّاسَ لَا يُحِبّونَ
رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا ، وَأَنّ النّاسَ سَيَتَشَاءَمُونَ بِهِ
فِي كُلّ حَدَثٍ كَانَ فَكُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي
بَكْرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ : حَدّثَنِي عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمَعَةَ بْنِ
الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ، قَالَ لَمّا اُسْتُعِزّ
بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي
نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ دَعَاهُ بَلَالٌ إلَى الصّلَاةِ فَقَالَ
مُرُوا مَنْ يُصَلّي بِالنّاسِ . قَالَ فَخَرَجْت فَإِذَا عُمَرُ فِي
النّاسِ . وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا ؛ فَقُلْت : قُمْ يَا عُمَرُ
فَصَلّ بِالنّاسِ قَالَ فَقَامَ فَلَمّا كَبّرَ سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَوْتَهُ وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا
مِجْهَرًا ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ ؟ يَأْبَى اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ يَأْبَى
اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ . قَالَ فَبُعِثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ ،
فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلّى عُمَرُ تِلْكَ الصّلَاةَ فَصَلّى بِالنّاسِ
قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَمَعَةَ قَالَ لِي عُمَرُ : وَيْحَك ،
مَاذَا صَنَعْت بِي يَا بْنَ زَمَعَةَ وَاَللّهِ مَا ظَنَنْت حِينَ
أَمَرْتنِي إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَمَرَك بِذَلِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَلّيْت بِالنّاسِ . قَالَ قُلْتُ
وَاَللّهِ مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِذَلِكَ وَلَكِنّي حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْر ٍ رَأَيْتُك أَحَقّ مَنْ
حَضَرَ بِالصّلَاةِ بِالنّاسِ
[ الْيَوْمُ الّذِي قَبَضَ اللّهُ فِيهِ نَبِيّهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ وَقَالَ الزّهْرِيّ : حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ :
أَنّهُ لَمّا كَانَ يَوْمُ [ ص 653 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
خَرَجَ إلَى النّاسِ وَهُمْ يُصَلّونَ الصّبْحَ فَرَفَعَ السّتْرَ
وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ فَكَادَ الْمُسْلِمُونَ
يُفْتَتَنُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَرَحًا بِهِ وَتَفَرّجُوا ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ
أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُرُورًا لَمّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي
صَلَاتِهِمْ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَحَسَنَ هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السّاعَةَ قَالَ ثُمّ رَجَعَ
وَانْصَرَفَ النّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَفْرَقَ مِنْ وَجَعِهِ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ
إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ
بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ : أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ سَمِعَ
تَكْبِيرَ عُمَرَ فِي الصّلَاةِ أَيْنَ أَبُو بَكْر ٍ ؟ يَأْبَى اللّهُ
ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ . فَلَوْلَا مَقَالَةٌ قَالَهَا عُمَرُ عِنْدَ
وَفَاتِهِ لَمْ يَشُكّ الْمُسْلِمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنّهُ قَالَ
عِنْدَ وَفَاتِهِ إنْ أَسْتَخْلَفَ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ
مِنّي ، وَإِنْ أَتَرَكَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي .
فَعَرَفَ النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا ، وَكَانَ عُمَرُ غَيْرَ مَتّهُمْ عَلَى أَبِي
بَكْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ
خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ
إلَى الصّبْحِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلّي بِالنّاسِ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَفَرّجَ النّاسُ فَعَرَفَ أَبُو
بَكْرٍ أَنّ النّاسَ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ إلّا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَكَصَ عَنْ مُصَلّاهُ فَدَفَعَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ظَهْرِهِ وَقَالَ صَلّ
بِالنّاسِ ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى
جَنْبِهِ فَصَلّى قَاعِدًا عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ ، فَلَمّا فَرَغَ
مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَكَلّمَهُمْ رَافِعًا صَوْتَهُ
حَتّى خَرَجَ صَوْتُهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ
سُعّرَتْ النّارُ ، وَأَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ [ ص 654 ]
تَمَسّكُونِ عَلَيّ بِشَيْءِ إنّي لَمْ أُحِلّ إلّا مَا أَحَلّ الْقُرْآنُ
وَلَمْ أُحَرّمْ إلّا مَا حَرّمَ الْقُرْآنُ قَالَ فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِهِ قَالَ لَهُ أَبُو
بَكْرٍ يَا نَبِيّ اللّهِ إنّي أَرَاك قَدْ أَصْبَحْتَ بِنِعْمَةِ مِنْ
اللّهِ وَفَضْلٍ كَمَا نُحِبّ ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ
أَفَآتِيهَا ؟ قَالَ نَعَمْ ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ
[ شَأْنُ الْعَبّاسِ وَعَلِيّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ خَرَجَ
يَوْمئِذٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ عَلَى
النّاسِ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالَ لَهُ النّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللّهِ
بَارِئًا ، قَالَ فَأَخَذَ الْعَبّاسُ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ يَا عَلِيّ ،
أَنْتَ وَاَللّهِ عَبْدُ الْعَصَا بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحْلِفُ بِاَللّهِ
لَقَدْ عَرَفْت الْمَوْتَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا كُنْت أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ
الْمُطّلِبِ ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِينَا عَرَفْنَاهُ
وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا ، أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا النّاسَ .
قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : إنّي وَاَللّهِ لَا أَفْعَلُ وَاَللّهِ
لَئِنْ مُنِعْنَاهُ لَا يُؤْتِينَاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ . فَتُوُفّيَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ
مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ
[ سِوَاكُ الرّسُولِ قُبَيْلَ الْوَفَاةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ ، عَنْ الزّهْرِيّ
، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَة َ قَالَ قَالَتْ رَجَعَ إلَيّ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَ دَخَلَ
مِنْ الْمَسْجِدِ فَاضْطَجَعَ فِي حِجْرِي ، فَدَخَلَ عَلَيّ رَجُلٌ مِنْ
آلِ أَبِي بَكْرٍ ، وَفِي يَدِهِ سِوَاكٌ أَخَضَرَ . قَالَتْ فَنَظَرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ فِي يَدِهِ
نَظَرًا عَرَفْت أَنّهُ يُرِيدُهُ قَالَتْ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ
أَتُحِبّ أَنْ أُعْطِيَك هَذَا السّوَاكَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ
فَأَخَذْته فَمَضَغْته لَهُ حَتّى لَيّنْته ، ثُمّ أَعْطَيْته إيّاهُ
قَالَتْ فَاسْتَنّ بِهِ كَأَشَدّ مَا رَأَيْته يَسْتَنّ بِسِوَاكٍ قَطّ ،
ثُمّ وَضَعَهُ وَوَجَدْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [
ص 655 ] بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ ، قَالَتْ فَقُلْت :
خُيّرْت فَاخْتَرْت وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ قَالَتْ وَقُبِضَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ،
عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ سَمِعْت عَائِشَة َ تَقُولُ مَاتَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَفِي
دَوْلَتِي ، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا ، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ
سِنّي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبِضَ وَهُوَ
فِي حِجْرِي ، ثُمّ وَضَعْت رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقُمْت ألْتَدِمُ
مَعَ النّسَاءِ وَأَضْرِبُ وَجْهِي
[ مَقَالَةُ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ ، وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ
إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تُوُفّيَ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مَاتَ وَلَكِنّهُ ذَهَبَ إلَى رَبّهِ كَمَا
ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قَدْ مَاتَ وَوَاللّهِ
لَيَرْجِعَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا رَجَعَ
مُوسَى ، فَلَيَقْطَعَنّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَات
قَالَ وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْر ٍ حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ، وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسَجّى فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ عَلَيْهِ بُرْدٌ حِبَرَةٌ فَأَقْبَلَ حَتّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَبّلَهُ ثُمّ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، أَمّا الْمَوْتَةُ الّتِي كَتَبَ اللّهُ عَلَيْك فَقَدْ ذُقْتهَا ، ثُمّ لَنْ تُصِيبَك بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا . قَالَ ثُمّ رَدّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَقَالَ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ أَنْصِتْ فَأَبَى إلّا أَنْ يَتَكَلّمَ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ . قَالَ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } . قَالَ فَوَاَللّهِ لَكَأَنّ النّاسُ لَمْ يَعْلَمُوا أَنّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حَتّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ يَوْمئِذٍ قَالَ وَأَخَذَهَا النّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا ، فَعَقِرْت حَتّى وَقَعْت إلَى الْأَرْضِ مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ وَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ مَاتَ