كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري
[ غُدُوّ قُرَيْشٍ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي شَأْنِ الْبَيْعَةِ ]
(
قَالَ ) : فَلَمّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلّةُ قُرَيْشٍ ، حَتّى
جَاءُونَا فِي مَنَازِلِنَا ، فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ ،
إنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إلَى صَاحِبِنَا هَذَا
تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ، وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى
حَرْبِنَا ، وَإِنّهُ وَاَللّهِ مَا مِنْ حَيّ مِنْ الْعَرَبِ أَبْغَضُ
إلَيْنَا ، أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ .
قَالَ فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ
بِاَللّهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَمَا عَلِمْنَاهُ . قَالَ وَقَدْ
صَدَقُوا ، لَمْ يَعْلَمُوهُ . قَالَ وَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إلَى بَعْضٍ .
قَالَ ثُمّ قَامَ الْقَوْمُ وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ ، وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَانِ
قَالَ فَقُلْتُ لَهُ كَلِمَةً - كَأَنّي أُرِيدُ أَنْ أَشْرَكَ الْقَوْمَ
بِهَا فِيمَا قَالُوا - : يَا أَبَا جَابِرٍ أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ
تَتّخِذَ وَأَنْت سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا ، مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا
الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ ؟ قَالَ فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ فَخَلَعَهُمَا
مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمّ رَمَى بِهِمَا إلَيّ وَقَالَ وَاَللّهِ
لِتَنْتَعِلَنّهُمَا . قَالَ يَقُولُ أَبُو جَابِرٍ مَهْ أَحْفَظْتَ
وَاَللّهِ الْفَتَى ، فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ . قَالَ قُلْت :
وَاَللّهِ لَا أَرُدّهُمَا ، فَأْلٌ وَاَللّهِ صَالِحٌ لَئِنْ صَدَقَ
الْفَأْلُ لَأَسْلُبَنّهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ
اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّهُمْ أَتَوْا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ [
ص 449 ] ابْنِ سَلُولَ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ كَعْبٌ مِنْ
الْقَوْلِ فَقَالَ لَهُمْ ( وَاَللّهِ ) إنّ هَذَا الْأَمْرَ جَسِيمٌ مَا
كَانَ قَوْمِي لِيَتَفَوّتُوا عَلَيّ بِمِثْلِ هَذَا ، وَمَا عَلِمْته
كَانَ . قَالَ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ .
[ خُرُوجُ قُرَيْشٍ فِي طَلَبِ الْأَنْصَارِ ]
قَالَ
وَنَفَرَ النّاسُ مِنْ كُلّ مِنًى ، فَتَنَطّسَ الْقَوْمُ الْخَبَرَ ،
فَوَجَدُوهُ قَدْ كَانَ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ فَأَدْرَكُوا
سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِأَذَاخِرَ وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو ، أَخَا
بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَكِلَاهُمَا كَانَ
نَقِيبًا . فَأَمّا الْمُنْذِرُ فَأَعْجَزَ الْقَوْمَ وَأَمّا سَعْدٌ
فَأَخَذُوهُ فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِنِسْعِ رَحْلِهِ ثُمّ
أَقْبَلُوا بِهِ حَتّى أَدْخَلُوهُ مَكّةَ يَضْرِبُونَهُ وَيَجْذِبُونَهُ
بِجُمّتِهِ وَكَانَ ذَا شَعَرٍ كَثِيرٍ .
[ خَلَاصُ ابْنِ عُبَادَةَ مِنْ أَسْرِ قُرَيْشٍ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ شِعْرٍ ]
قَالَ
سَعْدٌ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي أَيْدِيهمْ إذْ طَلَعَ عَلَيّ نَفَرٌ مِنْ
قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ رَجُلٌ وَضِيءٌ أَبْيَضُ شَعْشَاعٌ حُلْوٌ مِنْ
الرّجَالِ قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : إنْ يَكُ عِنْدَ أَحَد مِنْ
الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ هَذَا ، قَالَ فَلَمّا دَنَا مِنّي رَفَعَ
يَدَهُ فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً . قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : لَا
وَاَللّهِ [ ص 450 ] قَالَ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي أَيْدِيهِمْ
يَسْحَبُونَنِي إذْ أَوَى لِي رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ
وَيْحَك أَمَا بَيْنَك وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلَا
عَهْدٌ ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى ، وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت أُجِيرُ
لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ
تِجَارَةً وَأَمْنَعُهُمْ مِمّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُمْ بِبِلَادِي ،
وَلِلْحَارِثِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ قَالَ وَيْحَك فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرّجُلَيْنِ وَاذْكُرْ مَا
بَيْنَك وَبَيْنَهُمَا . قَالَ فَفَعَلْت ، وَخَرَجَ ذَلِك الرّجُلُ
إلَيْهِمَا ، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ
لَهُمَا : إنّ رَجُلًا مِنْ الْخَزْرَجِ الْآنَ يُضْرَبُ بِالْأَبْطَحِ
وَيَهْتِفُ بِكُمَا ، وَيَذْكُرُ أَنّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا جِوَارًا ؟
قَالَا : وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ؛ قَالَا : صَدَقَ
وَاَللّهِ إنْ كَانَ لَيُجِيرُ لَنَا تِجَارَنَا ، وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ
يُظْلَمُوا بِبَلَدِهِ . قَالَ فَجَاءَا فَخَلّصَا سَعْدًا مِنْ
أَيْدِيهِمْ فَانْطَلَقَ . وَكَانَ الّذِي لَكَمَ سَعْدًا ، سُهَيْلَ بْنَ
عَمْرٍو أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ
الرّجُلُ الّذِي أَوَى إلَيْهِ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامٍ قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْهِجْرَةِ بَيْتَيْنِ
قَالَهُمَا ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ ، أَخُو بَنِي
مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ( فَقَالَ ) [ ص 451 ]
تَدَارَكْتَ سَعْدًا عَنْوَةً فَأَخَذْتَهُ ... وَكَانَ شِفَاءً لَوْ تَدَارَكْتَ مُنْذِرَا
وَلَوْ نِلْتُهُ طُلّتْ هُنَاكَ جِرَاحُهُ ... وَكَانَتْ حَرِيّا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَكَانَ حَقِيقًا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِيهِمَا فَقَالَ [ ص 452 ]
لَسْتَ إلَى سَعْدٍ وَلَا الْمَرْءِ مُنْذِرٍ ... إذَا مَا مَطَايَا الْقَوْمِ أَصْبَحْنَ ضُمّرَا
فَلَوْلَا أَبُو وَهْبٍ لَمَرّتْ قَصَائِدٌ ... عَلَى شَرَفِ الْبَرْقَاءِ يَهْوِينَ حُسّرًا
أَتَفْخُرُ بِالْكَتّانِ لَمّا لَبِسْتَهُ ... وَقَدْ تَلْبَسُ الْأَنْبَاطُ رَيْطًا مُقَصّرَا
فَلَا تَكُ كَالْوَسْنَانِ يَحْلُمُ أَنّهُ ... بِقَرْيَةِ كِسْرَى أَوْ بِقَرْيَةِ قَيْصَرَا
وَلَا تَكُ كَالثّكْلَى وَكَانَتْ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الثّكْلِ لَوْ كَانَ الْفُؤَادُ تَفَكّرَا
وَلَا تَكُ كَالشّاةِ الّتِي كَانَ حَتْفُهَا ... بِجَفْرِ ذِرَاعَيْهَا فَلَمْ تَرْضَ مَحْفَرَا
وَلَا تَكُ كَالْعَاوِي فَأَقْبَلَ نَحْرَهُ ... وَلَمْ يَخْشَهُ سَهْمًا مِنْ النّبْلِ مُضْمَرَا
فَإِنّا وَمَنْ يُهْدِي الْقَصَائِدَ نَحْوَنَا ... كَمُسْتَبْضِعٍ تَمْرًا إلَى أَرْضِ خَيْبَرَا
قِصّةُ صَنَمِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ
[ عُدْوَانُ قَوْمِ عَمْرٍو عَلَى صَنَمِهِ ]
فَلَمّا
قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِهَا ، وَفِي قَوْمِهِمْ
بَقَايَا مِنْ شُيُوخٍ لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ مِنْ الشّرْكِ مِنْهُمْ
عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ وَكَانَ ابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو
شَهِدَ الْعَقَبَةَ ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِهَا ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيّدًا مِنْ سَادَاتِ
بَنِي سَلَمَةَ وَشَرِيفًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَكَانَ قَدْ اتّخَذَ فِي
دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ مَنَاةُ كَمَا كَانَتْ
الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ تَتّخِذُهُ إلَهًا تُعَظّمُهُ وَتُطَهّرُهُ
فَلَمّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ،
وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو ( بْنِ الْجَمُوحِ ) فِي فِتْيَانٍ
مِنْهُمْ مِمّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ ، كَانُوا يُدْلِجُونَ
بِاللّيْلِ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ
فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلَمَةَ وَفِيهَا عِذَرُ النّاسِ مُنَكّسًا
عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو ، قَالَ وَيْلَكُمْ مَنْ عَدَا
عَلَى آلِهَتِنَا هَذِهِ اللّيْلَةَ ؟ قَالَ ثُمّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ
حَتّى إذَا وَجَدَهُ غَسَلَهُ وَطَهّرَهُ وَطَيّبَهُ ، ثُمّ قَالَ أَمَا
وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ لَأُخْزِيَنّهُ . فَإِذَا
أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو ، عَدَوْا عَلَيْهِ فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ
ذَلِكَ فَيَغْدُو فَيَجِدُهُ فِي مِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْأَذَى ،
فَيَغْسِلُهُ وَيُطَهّرُهُ وَيُطَيّبُهُ ثُمّ يَعْدُونَ عَلَيْهِ إذَا
أَمْسَى ، فَيَفْعَلُونَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ . فَلَمّا أَكْثَرُوا
عَلَيْهِ [ ص 453 ] وَطَيّبَهُ ، ثُمّ جَاءَ بِسَيْفِهِ فَعَلّقَهُ
عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنّي وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِك مَا
تَرَى ، فَإِنْ كَانَ فِيك خَيْرٌ فَامْتَنِعْ فَهَذَا السّيْفُ مَعَك .
فَلَمّا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو ، عَدَوْا عَلَيْهِ فَأَخَذُوا السّيْفَ
مِنْ عُنُقِهِ ثُمّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيّتًا فَقَرَنُوهُ بِهِ بِحَبْلِ
ثُمّ أَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي سَلَمَةَ فِيهَا عِذَرٌ
مِنْ عِذَرِ النّاسِ ثُمّ غَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ
فِي مَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ .
[ إسْلَامُ عَمْرٍو وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ ]
فَخَرَجَ
يَتْبَعُهُ حَتّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مُنَكّسًا مَقْرُونًا
بِكَلْبِ مَيّتٍ فَلَمّا رَآهُ وَأَبْصَرَ شَأْنَهُ وَكَلّمَهُ مَنْ
أَسْلَمَ مِنْ ( رِجَالِ ) قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ بِرَحْمَةِ اللّهِ
وَحَسُنَ إسْلَامُهُ . فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ وَعَرَفَ مِنْ اللّهِ مَا
عَرَفَ وَهُوَ يَذْكُرُ صَنَمَهُ ذَلِكَ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ
وَيَشْكُرُ اللّهَ تَعَالَى الّذِي أَنْقَذَهُ مِمّا كَانَ فِيهِ مِنْ
الْعَمَى وَالضّلَالَةِ
وَاَللّهِ لَوْ كُنْتَ إلَهًا لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ
أُفّ لِمَلْقَاك إلَهًا مُسْتَدَنْ ... الْآنَ فَتّشْنَاك عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ
الْحَمْدُ لِلّهِ الْعَلِيّ ذِي المِنَنْ ... الْوَاهِبِ الرّزّاقِ دَيّانِ الدّيَنْ
هُوَ الّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ
بِأَحْمَدَ الْمَهْدِيّ النّبِيّ الْمُرْتَهِنْ
[ ص 454 ]
شُرُوطُ الْبَيْعَةِ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ بَيْعَةَ الْحَرْبِ حِينَ أَذِنَ اللّهُ
لِرَسُولِهِ ( صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ) فِي الْقِتَالِ شُرُوطًا
سِوَى شَرْطِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى ، كَانَتْ الْأُولَى
عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ وَذَلِك أَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ
أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَرْبِ فَلَمّا
أَذِنَ اللّهُ لَهُ فِيهَا ، وَبَايَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ
وَالْأَسْوَدِ أَخَذَ لِنَفْسِهِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْقَوْمِ لِرَبّهِ
وَجَعَلَ لَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِك الْجَنّةَ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ
الصّامِتِ ، عَنْ أَبِيهِ الْوَلِيدِ عَنْ جَدّهِ عُبَادَةَ بْنِ
الصّامِتِ ، وَكَانَ أَحَدَ النّقَبَاءِ ، قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْعَةَ الْحَرْبِ - وَكَانَ
عُبَادَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ
الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ - عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فِي
عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَأَثَرَةٍ
عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُولَ
بِالْحَقّ أَيْنَمَا كُنّا ، لَا نَخَافُ فِي اللّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ .
أَسَمَاءُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَذَا تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ ، وَبَايَعَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا مِنْ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ
.
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ ابْنُ حَارِثَةَ وَبَنِيّ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ]
شَهِدَهَا
مِنْ الْأَوْسِ بْنُ الْحَارِثَةِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ جُشَمَ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ
أُسَيْدُ [ ص 455 ] حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ بْنِ
امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ نَقِيبٌ لَمْ
يَشْهَدْ بَدْرًا وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ ، وَاسْمُهُ
مَالِكٌ شَهِدَ بَدْرًا . وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ
زِغْبَةَ بْن زَعُورَاءَ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ شَهِدَ بَدْرًا ،
ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ ابْنُ زَعَوْرَاءَ (
بِفَتْحِ الْعَيْنِ ) .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : ظُهَيْرُ بْنُ
رَافِعِ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمَ بْنِ حَارِثَةَ . وَأَبُو
بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَاسْمُهُ هَانِئُ بْنِ نِيَارِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ غَنْمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ
هُمَيْمِ بْنِ كَامِلِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ هَنِيّ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ شَهِدَ بَدْرًا وَنُهَيْرُ
بْنُ الْهَيْثَمِ مِنْ بَنِي نَابِي بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ (
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ ) ؛ ( ثُمّ [ ص 456 ] آلِ السّوّافِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ نَابِي بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ ) ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ]
وَمِنْ
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : سَعْدُ بْنُ
خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا ، فَقُتِلَ بِهِ
مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهِيدًا . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَنَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ
وَهُوَ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلْمِ لِأَنّهُ رُبّمَا كَانَتْ
دَعْوَةُ الرّجُلِ فِي الْقَوْمِ وَيَكُونُ فِيهِمْ فَيُنْسَبُ إلَيْهِمْ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ
زَنْبَرَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ
بْنِ عَمْرٍو نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ
بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الْبُرَكِ - وَاسْم الْبُرَكِ
امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو ( بْنِ عَوْفِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ) - شَهِدَ بَدْرًا ، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ
شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى
الرّمَاةِ وَيُقَالُ أُمَيّةُ بْنُ الْبَرْكِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ
الْعَجْلَانِ بْنِ ( حَارِثَةَ ) بْنِ ضُبَيْعَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ
بَلِيّ ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ، وَمَشَاهِدَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهَا ، قُتِلَ يَوْمَ
الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيق ِ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ . وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا
وَالْخَنْدَقَ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ
مِنْ الْأَوْسِ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ الْخَزْرَجِ بْنُ حَارِثَةَ ]
وَشَهِدَهَا
مِنْ الْخَزْرَجِ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ ، وَهُوَ تَيْمُ اللّهِ بْنُ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ : أَبُو أَيّوبَ وَهُوَ خَالِدُ
بْنُ زَيْدِ [ ص 457 ] ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ،
وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا ؛ مَاتَ بِأَرْضِ الرّومِ غَازِيًا فِي زَمَنِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ . وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
النّجّارِ ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ، وَالْمَشَاهِدَ
كُلّهَا ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ . وَأَخُوهُ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ ،
شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهِ شَهِيدًا ، وَهُوَ ( لِعَفْرَاءَ .
وَأَخُوهُ مُعَوّذُ بْنُ الْحَارِثِ ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهِ
شَهِيدًا ) . وَهُوَ الّذِي قَتَلَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ وَهُوَ لِعَفْرَاءَ - وَيُقَالُ رِفَاعَةُ بْنُ الْحَارِثِ
بْنِ سَوَادٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ النّجّارِ . شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ،
وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا ، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي
خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيق ِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَأَسْعَدُ
بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ نَقِيبٌ مَاتَ قَبْلَ بَدْرٍ وَمَسْجِدُ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبْنَى ، وَهُوَ أَبُو
أُمَامَةَ . سِتّةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ ]
وَمِنْ
بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ - وَمَبْذُولٌ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ
النّجّارِ - : سَهْلُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو ، شَهِدَ بَدْرًا . رَجُلٌ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ ]
وَمِنْ
بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ -
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حُدَيْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ
بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ
بْنِ الْخَزْرَجِ - أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ
( بْنِ النّجّارِ ) ، شَهِدَ بَدْرًا . وَأَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ زَيْدُ
بْنُ سَهْلِ [ ص 458 ] بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
عَمْرِو بْنِ مَالِكِ ( بْنِ النّجّارِ ) شَهِدَ بَدْرًا . رَجُلَانِ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ]
وَمِنْ
بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ ، وَاسْمُ
أَبِي صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ شَهِدَ بَدْرًا ، وَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَهُ عَلَى السّاقَةِ
يَوْمئِذٍ . وَعَمْرُو بْنُ غُزَيّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ .
رَجُلَانِ . فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ بَنِي النّجّارِ
أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا .
[ تَصْوِيبُ نَسَبِ عَمْرِو بْنِ غُزَيّةَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ غُزَيّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
خَنْسَاءَ هَذَا الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، إنّمَا هُوَ غُزَيّةُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : سَعْدُ بْنُ
الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ
الْقِيسِ بْنِ مَالِكٍ ( الْأَغَرّ ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ
أُحُدٍ شَهِيدًا . وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ مَالِكِ ( الْأَغَرّ ) بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ شَهِدَ بَدْرًا
وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ (
ابْنِ ثَعْلَبَةَ ) بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ
الْقِيسِ ( الْأَكْبَرِ ) بْنِ مَالِكِ ( الْأَغَرّ ) بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا
وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهَا ، إلّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ وَقُتِلَ
يَوْمَ مُؤْتَةَ شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ
بْنِ الْحَارِثِ أَبُو النّعْمَانِ [ ص 459 ] بَدْرًا . وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ ( مَنَاةِ )
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ الّذِي
أُرِيَ النّدَاءَ لِلصّلَاةِ فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِهِ . وَخَلّادُ بْنُ سُوِيدِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ
مَالِكِ ( الْأَغَرّ ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ، وَقُتِلَ يَوْمَ بَنِي
قُرَيْظَةَ شَهِيدًا ، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحَى مِنْ أُطُمٍ مِنْ
أُطَامِهَا فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - : إنّ لَهُ لَأَجْرَ
شَهِيدَيْنِ وَعُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَسِيرَةَ بْنِ
عُسَيْرة بْنِ جَدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ ( بْنِ الْخَزْرَجِ
) ، وَهُوَ أَبُو مَسْعُودٍ وَكَانَ أَحْدَثَ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ
سِنّا ، ( مَاتَ فِي أَيّامِ مُعَاوِيَةَ ) ، لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا .
سَبْعَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرٍ ]
وَمِنْ
بَنِي بَياضَة بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ ( بْنِ
مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ) : زِيَادُ بْنُ
لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ شَهِدَ بَدْرًا . وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ شَهِدَ بَدْرًا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ وَدْفَةُ . [ ص 460 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقٍ : وَخَالِدُ بْنُ قِيسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ شَهِدَ بَدْرًا . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ ]
وَمِنْ
بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ : رَافِعُ بْنُ مَالِكِ
بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ نَقِيبٌ .
وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قِيسِ بْنِ خَلْدَةَ بْنِ مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ زُرَيْقٍ ، وَكَانَ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ مَعَهُ بِمَكّةَ وَهَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ
مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ ؛ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ
شَهِيدًا . وَعَبّادُ بْنُ قِيسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَلْدَةَ بْنِ
مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ ، شَهِدَ بَدْرًا . وَالْحَارِثُ
بْنُ قِيسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ ،
وَهُوَ أَبُو خَالِدٍ شَهِدَ بَدْرًا . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ بْنِ سَعْدٍ ]
وَمِنْ
بَنِي سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ
تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ؛ ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ
عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ
بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
غَنْمٍ نَقِيبٌ وَهُوَ الّذِي تَزْعُمُ [ ص 461 ] بَنُو سَلَمَةَ أَنّهُ
كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ ثُمّ تُوُفّيَ
قَبْلَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمَدِينَةَ . وَابْنُهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ، شَهِدَ
بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَق وَمَاتَ بِخَيْبَرٍ مِنْ أَكْلَةٍ
أَكَلَهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
الشّاةِ الّتِي سُمّ فِيهَا - وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ سَأَلَ بَنِي سَلَمَة َ مَنْ
سَيّدُكُمْ يَا بَنِي سَلَمَةَ ؟ فَقَالُوا : الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ ، عَلَى
بُخْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَيّ
دَاءٍ أَكْبَرُ مِنْ الْبُخْلِ سَيّدُ بَنِي سَلَمَةَ الْأَبْيَضُ
الْجَعْدُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ - . وَسِنَانُ بْنُ
صَيْفَى بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ ، شَهِدَ
بَدْرًا ، ( وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا ) . وَالطّفَيْلُ بْنُ
النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ ، شَهِدَ بَدْرًا
، وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا . وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ
بْنِ سَرْحِ بْنِ خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ ، شَهِدَ بَدْرًا .
و ( أَخُوهُ ) يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، شَهِدَ بَدْرًا . وَمَسْعُودُ
بْنُ يَزِيدَ بْنِ سُبَيْع بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ .
وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ،
شَهِدَ بَدْرًا ، وَيَزِيدُ بْنُ حَرَامِ بْنِ سُبَيْع بْنِ خَنْسَاءَ
بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ . وَجُبَارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ
خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ ، شَهِدَ بَدْرًا . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خُنَاسٍ . [
ص 462 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ
بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ ، شَهِدَ بَدْرًا . أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ ]
وَمِنْ
بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي
كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ
الْقَيْنِ بْنِ كَعْبٍ . رَجُلٌ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ ]
وَمِنْ
بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ
سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ شَهِدَ
بَدْرًا . وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
غَنْمٍ شَهِدَ بَدْرًا . و ( أَخُوهُ ) يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ
حُدَيْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ وَهُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ شَهِدَ
بَدْرًا . وَأَبُو الْيَسَرِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ شَهِدَ بَدْرًا . وَصَيْفِيّ بْنُ سَوَادِ بْنِ
عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ خَمْسَةُ نَفَرٍ .
[ تَصْوِيبُ اسْمِ صَيْفِيّ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : صَيْفِيّ بْنُ أَسْوَدَ بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ غَنْمٌ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرٍو ]
[
ص 463 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ
سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَة
بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي ، شَهِدَ بَدْرًا ، وَقُتِلَ بِالْخَنْدَقِ
شَهِيدًا . وَعَمْرُو بْنُ غَنَمَة بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي ، وَعَبْسُ
بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي ، شَهِدَ بَدْرًا . وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ أُنَيْسٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ . وَخَالِدُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا ، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ
شَهِيدًا ، وَابْنُهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ . وَمَعَاذُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ حَرَامٍ شَهِدَ بَدْرًا .
وَثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ - وَالْجِذْعُ ثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ - شَهِدَ بَدْرًا ، وَقُتِلَ بِالطّائِفِ
شَهِيدًا . وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ حَرَامٍ شَهِدَ بَدْرًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُمَيْرُ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَخَدِيجُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ أَوْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْفُرَافِرِ .
حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَدّى بْنِ سَعْدِ
بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدٍ ، وَيُقَالُ أَسَدُ بْنُ سَارِدَةَ [ ص 464 ]
الْخَزْرَجِ ؛ وَكَانَ فِي بَنِي سَلَمَة َ شَهِدَ بَدْرًا ،
وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا وَمَاتَ بِعِمْوَاسَ عَامَ الطّاعُونِ بِالشّامِ
فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَإِنّمَا
ادّعَتْهُ بَنُو سَلَمَةَ أَنّهُ كَانَ أَخَا سَهْلِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ
الْجَدّ بْنِ قِيسِ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ لِأُمّهِ .
سَبْعَةُ نَفَرٍ .
[ تَصْوِيبُ نَسَبِ خَدِيجِ بْنِ سَلَامَةَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْسٌ ابْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُذَنِ بْنِ سَعْدٍ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ؛ ثُمّ مِنْ بَنِي
سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ :
عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قِيسِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا
وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ
، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ الْعِجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ
عَوْفٍ وَكَانَ مِمّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ ، فَأَقَامَ مَعَهُ بِهَا ، فَكَانَ يُقَال لَهُ
مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ ، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُد ٍ شَهِيدًا . [ ص 465 ]
يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَمّارَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ مِنْ بَلِيّ . وَعَمْرُو
بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ . أَرْبَعَةُ
نَفَرٍ وَهُمْ الْقَوَاقِلُ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ ]
وَمِنْ
بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ بَنُو
الْحُبُلِيّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحُبُلِيّ : سَالِمُ بْنُ غَنْمِ
بْنِ عَوْفٍ وَإِنّمَا سُمّيَ " الْحُبُلِيّ - لِعِظَمِ بَطْنِهِ - :
رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ ، شَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ أَبُو
الْوَلِيدِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال : رِفَاعَةُ ابْنُ مَالِكٍ
وَمَالِكٌ ابْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كِلْدَةَ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
بُهْثَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفان بْنِ سَعْدِ بْنِ قِيسِ بْنِ
عَيْلان ، حَلِيفٌ لَهُمْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَكَانَ مِمّنْ خَرَجَ إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُهَاجِرًا مِنْ
الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : رَجُلَانِ . [ ص 466 ]
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ :
سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي
خُزَيْمَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ
نَقِيبٌ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْس بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ نَقِيبٌ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا . وَقُتِلَ
يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ الّذِي كَانَ يُقَال لَهُ أَعْنَقَ لِيَمُوتَ . رَجُلَانِ
. ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْمُنْذِرُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ
خَنْشٍ ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ
مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا
وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ يُزْعِمُونَ أَنّهُمَا قَدْ بَايَعَتَا ، وَكَانَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُصَافِحُ النّسَاءَ
إنّمَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَيْهِنّ فَإِذَا أَقْرَرْنَ قَالَ اذْهَبْنَ
فَقَدْ بَايَعَتْكُن
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ]
وَمِنْ
بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَوْفِ مِنْ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ وَهِيَ أُمّ
عِمَارَةَ كَانَتْ شَهِدَتْ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَهِدَتْ مَعَهَا أُخْتُهَا ، وَزَوْجُهَا زَيْدُ
بْنُ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ . وَابْنَاهَا : حَبِيبُ بْنُ زَيْدِ ، وَعَبْدُ
اللّهِ بْنُ زَيْدٍ ، وَابْنُهَا حَبِيبٌ الّذِي أَخَذَهُ مُسَيْلِمَةُ
الْكَذّابُ الْحَنَفِيّ ، صَاحِبُ الْيَمَامَةِ ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ
أَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ
أَفَتَشْهَدُ أَنّي رَسُولُ اللّهِ ؟ فَيَقُولُ لَا أَسْمَعُ فَجَعَلَ
يُقَطّعُهُ عُضْوًا عُضْوًا حَتّى مَاتَ فِي يَدِهِ لَا يَزِيدُهُ عَلَى
ذَلِكَ إذَا ذُكِرَ لَهُ [ ص 467 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آمَنَ
بِهِ وَصَلّى عَلَيْهِ وَإِذَا ذُكِرَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ قَالَ لَا
أَسْمَعُ - فَخَرَجَتْ إلَى الْيَمَامَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَبَاشَرَتْ
الْحَرْبَ بِنَفْسِهَا . حَتّى قَتَلَ اللّهُ مُسَيْلِمَةَ وَرَجَعَتْ
وَبِهَا اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا ، مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهَا مُحَمّدُ بْنُ
يَحْيَى بْنِ حِبّانَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
أَبِي صَعْصَعَةَ .
[ مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ ]
وَمِنْ
بَنِي سَلَمَة َ أُمّ مَنِيعٍ وَاسْمُهَا : أَسَمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ
عَدِيّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ سَلَمَةَ .
نُزُولُ الْأَمْرِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ
بِسْمِ
اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
الْبُكَائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ وَكَانَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ بَيْعَةِ
الْعَقَبَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْحَرْبِ وَلَمْ تُحَلّلْ لَهُ
الدّمَاءُ إنّمَا يُؤْمَرُ بِالدّعَاءِ إلَى اللّهِ وَالصّبْرِ عَلَى
الْأَذَى ، وَالصّفْحِ عَنْ الْجَاهِلِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ
اضْطَهَدَتْ مَنْ اتّبَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى فَتَنُوهُمْ عَنْ
دِينِهِمْ وَنَفَوْهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ فَهُمْ مِنْ بَيْنِ مَفْتُونٍ
فِي دِينِهِ وَمِنْ بَيْنِ مُعَذّبٍ فِي أَيْدِيهِمْ وَبَيْنِ هَارِبٍ فِي
الْبِلَادِ فِرَارًا مِنْهُمْ مِنْهُمْ مَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ بِالْمَدِينَةِ ، وَفِي كُلّ وَجْهٌ فَلَمّا عَتَتْ
قُرَيْشٌ عَلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَرَدّوا عَلَيْهِ مَا أَرَادَهُمْ
بِهِ مِنْ الْكَرَامَةِ وَكَذّبُوا نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَعَذّبُوا وَنَفَوْا مَنْ عَبَدَهُ وَوَحّدَهُ وَصَدّقَ
نَبِيّهُ وَاعْتَصَمَ بِدِينِهِ أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِرَسُولِهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ وَالِانْتِصَارِ مِمّنْ
ظَلَمَهُمْ وَبَغَى عَلَيْهِمْ فَكَانَتْ أَوّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي
إذْنِهِ لَهُ فِي الْحَرْبِ وَإِحْلَالِهِ لَهُ الدّمَاءَ وَالْقِتَالَ
لِمَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ
وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى [ ص 468
] { أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنّ اللّهَ
عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
بِغَيْرِ حَقّ إِلّا أَنْ يَقُولُوا رَبّنَا اللّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ
اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ
وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيرًا
وَلَيَنْصُرَنّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ
الّذِينَ إِنْ مَكّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا
الزّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } - : أَيْ أَنّي إنّمَا أَحْلَلْت لَهُمْ
الْقِتَالَ لِأَنّهُمْ ظُلِمُوا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَنْبٌ فِيمَا
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النّاسِ إلّا أَنّ يَعْبُدُوا اللّهَ وَأَنّهُمْ إذَا
ظَهَرُوا أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوْا الزّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ . يَعْنِي النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ
أَجْمَعِينَ ثُمّ أَنَزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ {
وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } أَيْ حَتّى لَا يُفْتَنَ
مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ { وَيَكُونَ الدّينُ لِلّهِ } أَيْ حَتّى يُعْبَدَ
اللّهُ لَا يَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرُهُ .
[ إذْنُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمُسْلِمِي مَكّةَ بِالْهِجْرَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا أَذِنَ اللّهُ تَعَالَى لَهُ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَرْبِ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيّ مِنْ
الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنّصْرَةِ لَهُ وَلِمَنْ اتّبَعَهُ .
وَأَوَى إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ
وَمَنْ مَعَهُ بِمَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْخُرُوجِ إلَى
الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا ، وَاللّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ
الْأَنْصَارِ ، وَقَالَ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ
إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا فَخَرَجُوا أَرْسَالًا ، وَأَقَامَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ يَنْتَظِرُ أَنْ
يَأْذَنَ لَهُ رَبّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ ، وَالْهِجْرَةِ إلَى
الْمَدِينَةِ .
ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْمَدِينَةِ
[ هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجُهُ وَحَدِيثُهَا عَمّا لَقِيَا ]
فَكَانَ
أَوّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ،
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ
هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَاسْمُهُ
عَبْدُ اللّهِ ، هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ
الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ وَكَانَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَلَمّا آذَتْهُ
قُرَيْشٌ وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ ، خَرَجَ
إلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي أَبِي
إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ جَدّتِهِ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، قَالَتْ لَمّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ
الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمّ حَمَلَنِي
عَلَيْهِ وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي
، ثُمّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ فَلَمّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي
الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا
إلَيْهِ فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُك غَلَبْتنَا عَلَيْهَا ، أَرَأَيْت
صَاحِبَتَك هَذِهِ ؟ عَلَامَ نَتْرُكُك تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ ؟
قَالَتْ فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذُونِي مِنْهُ .
قَالَتْ وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ ، رَهْطُ أَبِي
سَلَمَةَ فَقَالُوا : لَا وَاَللّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ
نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا . قَالَتْ فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلَمَةَ
بَيْنَهُمْ حَتّى خَلَعُوا يَدَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ
الْأَسَدِ ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ وَانْطَلَقَ
زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ . قَالَتْ فَفَرّقَ بَيْنِي
وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي . قَالَتْ فَكُنْت أَخْرُجُ كُلّ
غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ فَمَا أَزَالُ أَبْكِي ، حَتّى أَمْسَى
سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتّى مَرّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمّي ،
أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي
الْمُغِيرَةِ أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ فَرّقْتُمْ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا قَالَتْ فَقَالُوا لِي :
الْحَقِي بِزَوْجِك إنْ شِئْت . قَالَتْ وَرَدّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ
إلَيّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي . قَالَتْ فَارْتَحَلْت بَعِيرِي ثُمّ أَخَذْت
ابْنِي فَوَضَعْته فِي حِجْرِي ، ثُمّ خَرَجْت أُرِيدُ زَوْجِي
بِالْمَدِينَةِ . قَالَتْ وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللّهِ .
قَالَتْ فَقُلْت : أَتَبَلّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتّى أَقْدَمَ عَلَيّ
زَوْجِي ، حَتّى إذَا كُنْت بِالتّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ
طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَقَالَ لِي :
إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ ؟ قَالَتْ فَقُلْت : أُرِيدُ
زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ . قَالَ أَوَمَا مَعَك أَحَدٌ ؟ قَالَتْ فَقُلْت :
لَا وَاَللّهِ إلّا اللّهُ وَبُنَيّ هَذَا . قَالَ وَاَللّهِ مَا لَك مِنْ
مَتْرَكٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي ،
فَوَاَللّهِ مَا صَحِبْت رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطّ ، أَرَى أَنّهُ
كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي ، ثُمّ
اسْتَأْخَرَ عَنّي ، حَتّى إذَا نَزَلْت اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي ، فَحَطّ
عَنْهُ ثُمّ قَيّدَهُ فِي الشّجَرَةِ ، ثُمّ تَنَحّى [ ص 470 ] وَقَالَ
ارْكَبِي . فَإِذَا رَكِبْت وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ
بِخِطَامِهِ فَقَادَهُ حَتّى يَنْزِلَ بِي . فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ
ذَلِكَ بِي حَتّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى
قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ قَالَ زَوْجُك فِي هَذِهِ
الْقَرْيَةِ - وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا - فَادْخُلِيهَا
عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ . قَالَ
فَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ
أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ ، وَمَا رَأَيْت صَاحِبًا
قَطّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَة
[هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ وَهِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ كَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيّ
بْنِ كَعْبٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ
غَانِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
كَعْبٍ . ثُمّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ
صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ
بْنِ خُزَيْمَةَ ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، احْتَمَلَ
بِأَهْلِهِ وَبِأَخِيهِ عَبْدِ بْنِ جَحْشٍ وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ -
وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ وَكَانَ يَطُوفُ مَكّةَ
، أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا ، بِغَيْرِ قَائِدٍ وَكَانَ شَاعِرًا ،
وَكَانَتْ عِنْدَهُ الْفَرْعَةُ ابْنَةُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ
وَكَانَتْ أُمّهُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ -
فَغُلّقَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ هِجْرَةً فَمَرّ بِهَا عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ . وَالْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنِ
هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَهِيَ دَارُ أَبَانَ [ ص 471 ] الْيَوْمَ
الّتِي بِالرّدْمِ وَهُمْ مُصْعِدُونَ إلَى أَعَلَى مَكّةَ ، فَنَظَرَ
إلَيْهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا يَبَابًا ،
لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ فَلَمّا رَآهَا كَذَلِكَ تَنَفّسَ الصّعَدَاءَ ثُمّ
قَالَ
وَكُلّ دَارٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهَا ... يَوْمًا سَتُدْرِكُهَا النّكْبَاءُ وَالُحُوبُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ لِأَبِي دَاوُدَ الْإِيَادِيّ فِي
قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالُحُوبُ التّوَجّعُ ( وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ
الْحَاجَةُ وَيُقَالُ الْحُوبُ الْإِثْمُ ) .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ ( بْنُ رَبِيعَةَ ) : أَصْبَحَتْ دَارُ بَنِي
جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ أَهْلِهَا فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَمَا تَبْكِي
عَلَيْهِ مِنْ قُلّ بْنِ قُلّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْقُلّ :
الْوَاحِدُ . قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ :
كُلّ بَنِي حُرّةٍ مُصِيرُهُمْ ... قُلّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ هَذَا عَمَلُ ابْنِ أَخِي هَذَا ، فَرّقَ
جَمَاعَتَنَا ، وَشَتّتْ أَمْرَنَا وَقَطَعَ بَيْنَنَا . فَكَانَ مَنْزِلُ
أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، [ ص 472
] ، وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ عَلَى مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُر بقُباءٍ . فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ
قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ أَرْسَالًا ، وَكَانَ بَنُو غَنْمِ ابْنِ دُودَانَ
أَهْلَ إسْلَامٍ قَدْ أَوْعَبُوا إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هِجْرَةً رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، وَأَخُوهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ ،
وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ ، وَشُجَاعٌ وَعُقْبَةٌ ابْنَا وَهْبٍ
وَأَرْبَدُ بْنُ حُمَيّرَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ
حُمَيْرَةَ .
[ هِجْرَةُ قَوْمٍ شَتّى ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَمُنْقِذُ بْنُ نُبَاتَةَ وَسَعِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ وَمُحْرِزُ بْنُ
نَضْلَةَ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ ، وَقَيْسُ بْنُ جَابِرٍ ، وَعَمْرُو
بْنُ مِحْصَنٍ وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، وَصَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ،
وَثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ وَالزّبَيْرُ بْنُ
عُبَيْدٍ ، وَتَمّامُ بْنُ عُبَيْدَةَ وَسَخْبَرَةُ بْنُ عُبَيْدَةَ
وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ .
[ هِجْرَةُ نِسَائِهِمْ ]
وَمِنْ
نِسَائِهِمْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ ، وَأُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ جَحْشٍ
وَجُذَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ وَأُمّ قَيْسٍ بِنْتُ مُحْصَنٍ وَأُمّ
حَبِيبٍ بِنْتُ ثُمَامَةَ وَآمِنَةُ بِنْتُ رُقَيْشٍ وَسَخْبَرَةُ بِنْتُ
تَمِيمٍ وحَمْنةُ بِنْتُ جَحْشٍ .
[ شِعْرُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ فِي هِجْرَةِ بَنِي أَسَدٍ ]
وَقَالَ
أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ ، وَهُوَ يَذْكُرُ هِجْرَةَ
بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَة مِنْ قَوْمِهِ إلَى اللّهِ تَعَالَى وَإِلَى
رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِيعَابُهُمْ فِي ذَلِكَ
حَيْنَ دُعُوا إلَى الْهِجْرَةِ [ ص 473 ]
وَلَوْ حَلَفَتْ بَيْنَ الصّفَا أُمّ أَحُمَد ... وَمَرْوَتِهَا بِاَللّهِ بَرّتْ يَمِينُهَا
لَنَحْنُ الْأُلَى كُنّا بِهَا ثُمّ لَمْ نَزَلْ ... بِمَكّةَ حَتّى عَادَ غَثّا سَمِينُهَا
بِهَا خَيّمَتْ غَنْمُ بْنُ دُودَانَ وَابْتَنَتْ ... وَمَا إنْ غَدَتْ غَنْمُ وَخَفّ قَطِينُهَا
إلَى اللّهِ تَغْدُو بَيْنَ مَثْنَى وَوَاحِدٍ ... وَدِينُ رَسُولِ اللّهِ بِالْحَقّ دِينُهَا
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ أَيْضًا :
لَمّا رَأَتْنِي أُمّ أَحْمَدَ غَادِيًا ... بِذِمّةِ مَنْ أَخْشَى بِغَيْبٍ وَأَرْهَبُ
تَقُولُ فَإِمّا كُنْتَ لَا بُدّ فَاعِلًا ... فَيَمّمْ بِنَا الْبُلْدَانَ ولتَنْأَ يَثْرِبَ
فَقُلْت لَهَا : بَلْ يَثْرِبُ الْيَوْمَ وَجْهُنَا ... وَمَا يَشإِ الرّحْمَنُ فَالْعَبْدُ يَرْكَبُ
إلَى اللّهِ وَجْهِي وَالرّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ ... إلَى اللّهِ يَوْمًا وَجْهَهُ لَا يُخَيّبُ
فَكَمْ قَدْ تَرَكْنَا مِنْ حَمِيمٍ مُنَاصِحٍ ... وَنَاصِحَةٍ تَبْكِي بِدَمْعٍ وَتَنْدُبُ
تَرَى أَنّ وِتْرًا نَأْيُنَا عَنْ بِلَادِنَا ... وَنَحْنُ نَرَى أَنّ الرّغَائِبَ نَطْلُبُ
دَعَوْت بَنِي غَنْمٍ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ ... وَلِلْحَقّ لَمّا لَاحَ لِلنّاسِ مَلْحَبُ
أَجَابُوا بِحَمْدِ اللّهِ لَمّا دَعَاهُمْ ... إلَى الْحَقّ دَاعٍ وَالنّجَاحُ فَأَوْعَبُوا
وَكُنّا وَأَصْحَابًا لَنَا فَارَقُوا الْهُدَى ... أَعَانُوا عَلَيْنَا بِالسّلَاحِ وأجْلَبوا
كَفَوْجَيْنِ أَمّا مِنْهُمَا فَمُوَفّقٌ ... عَلَى الْحَقّ مَهْدِيّ ، وَفَوْجٌ مُعَذّبُ
طَغَوْا وَتَمَنّوْا كِذْبَةً وَأَزَلّهُمْ ... عَنْ الْحَقّ إبْلِيسُ فَخَابُوا وَخُيّبُوا
وَرِعْنَا إلَى قَوْلِ النّبِيّ مُحَمّدٍ ... فَطَابَ وُلَاةُ الْحَقّ مِنّا وطُيّبوا
نَمُتّ بِأَرْحَامٍ إلَيْهِمْ قَرِيبَةٍ ... وَلَا قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ إذْ لَا نُقَرّبُ
فَأَيّ ابْنِ أُخْتٍ بَعْدَنَا يَأْمَنَنّكُمْ ... وَأَيّةُ صِهْرٍ بَعْدَ صِهْرِي تُرْقَبُ
سَتَعْلَمُ يَوْمًا أَيّنَا إذْ تُزَايِلُوا ... وَزُيّلَ أَمْرُ النّاسِ لِلْحَقّ أَصْوَبُ
[
ص 474 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " وَلْتَنْأَ يَثْرِبَ " ،
وَقَوْلُهُ " إذْ لَا نَقْرَبُ " ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : يُرِيدُ بِقَوْلِهِ " إذْ " إذَا ، كَقَوْلِ اللّهِ عَزّ
وَجَلّ { إِذِ الظّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ } قَالَ أَبُو
النّجْمِ الْعِجْلِيّ :
ثُمّ جَزَاهُ اللّهُ عَنّا إذْ جَزَى ... جَنّاتِ عَدْنٍ فِي الْعَلَالِيّ وَالْعُلَا
هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَيّاشُ بْنُ
أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ ، حَتّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ .
فَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، قَالَ
اتّعَدْتُ لَمّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ ، أَنَا
وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ
السّهْمِيّ التّناضِبَ مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ ، فَوْقَ سَرِفٍ ،
وَقُلْنَا : أَيّنَا لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ
صَاحِبَاهُ . قَالَ فَأَصْبَحْت أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ
عِنْدَ التّنَاضُبِ ، وَحُبِسَ عَنّا هِشَامٌ وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ
تَغْرِيرُ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثِ بِعَيّاشٍ
فَلَمّا
قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف ٍ بقُباءٍ
وَخَرَجَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ [ ص 475 ] وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ
إلَى عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَكَانَ ابْنَ عَمّهِمَا
وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا ، حَتّى قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ ،
وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَكَلّمَاهُ
وَقَالَا : إنّ أُمّك قَدْ نَذَرَتْ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهَا مُشْطٌ
حَتّى تَرَاك ، وَلَا تَسْتَظِلّ مِنْ شَمْسٍ حَتّى تَرَاك ، فَرَقّ لَهَا
، فَقُلْت لَهُ يَا عَيّاشُ إنّهُ وَاَللّهِ إنْ يُرِيدَك الْقَوْمُ إلّا
لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك فَاحْذَرْهُمْ فَوَاَللّهِ لَوْ قَدْ آذَى أُمّك
الْقَمْلُ لَامْتَشَطَتْ وَلَوْ قَدْ اشْتَدّ عَلَيْهَا حَرّ مَكّةَ
لَاسْتَظَلّتْ . قَالَ فَقَالَ أَبَرّ قَسَمَ أُمّي ، وَلِي هُنَالِكَ
مَالٌ فَآخُذُهُ . قَالَ فَقُلْت : وَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ أَنّي
لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا ، فَلَك نِصْفُ مَالِي وَلَا تَذْهَبْ
مَعَهُمَا . قَالَ فَأَبَى عَلَيّ إلّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمَا ؛ فَلَمّا
أَبَى إلّا ذَلِكَ قَالَ قُلْت لَهُ أَمّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْت
، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ فَإِنّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ فَالْزَمْ
ظَهْرَهَا ، فَإِنْ رَابَك مِنْ الْقَوْمِ رَيْبٌ فَانْجُ عَلَيْهَا .
فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا ، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ
قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللّهِ لَقَدْ
اسْتَغْلَظْتُ بَعِيرِي هَذَا ، أَفَلَا تُعْقِبَنِي عَلَى نَاقَتِك
هَذِهِ ؟ قَالَ بَلَى . قَالَ فَأَنَاخَ وَأَنَاخَا لِيَتَحَوّلَ
عَلَيْهَا ، فَلَمّا اسْتَوَوْا بِالْأَرْضِ عَدَوْا عَلَيْهِ
فَأَوْثَقَاهُ وَرَبَطَاهُ ثُمّ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ ، وَفَتَنَاهُ
فَافْتُتِنَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ
عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ : أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ
دَخَلَا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا ، ثُمّ قَالَا : يَا أَهْلَ مَكّةَ ،
هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا .
[ كِتَابُ عُمَرَ إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ،
عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ قَالَ فَكُنّا نَقُولُ مَا اللّهُ بِقَابِلٍ
مِمّنْ اُفْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً قَوْمٌ عَرَفُوا
اللّهَ ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ قَالَ
وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ . فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، أَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ { قُلْ يَا
عِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعًا إِنّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا
أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [ ص 476 ]
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ : فَكَتَبْتهَا بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ
وَبَعَثْت بِهَا إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي قَالَ فَقَالَ هِشَامُ بْنُ
الْعَاصِي : فَلَمّا أَتَتْنِي جَعَلْت أَقْرَؤُهَا بِذِي طُوًى ،
أُصَعّدُ بِهَا فِيهِ وَأُصَوّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا ، حَتّى قُلْت :
اللّهُمّ فَهّمْنِيهَا . قَالَ فَأَلْقَى اللّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِي
أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا ، وَفِيمَا كُنّا نَقُولُ فِي
أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا . قَالَ فَرَجَعْت إلَى بَعِيرِي ،
فَجَلَسْت عَلَيْهِ فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ .
[ خُرُوجُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى مَكّةَ فِي أَمْرِ عَيّاشٍ وَهِشَامٍ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ مَنْ لِي بِعَيّاشِ
بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي ؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ
بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ : أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ
بِهِمَا ، فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا ، فَلَقِيَ
امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا ، فَقَالَ لَهَا : أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا
أَمَةَ اللّهِ ؟ قَالَتْ أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ -
تَعْنِيهِمَا - فَتَبِعَهَا حَتّى عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا ، وَكَانَا
مَحْبُوسَيْنِ فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ فَلَمّا أَمْسَى تَسَوّرَ
عَلَيْهِمَا ، ثُمّ أَخَذَ مَرْوَةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا ،
ثُمّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا ، فَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِهِ
" ذُو الْمَرْوَةِ " لِذَلِكَ ثُمّ حَمَلَهُمَا عَلَى بَعِيرِهِ وَسَاقَ
بِهِمَا ، فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ
هَلْ أَنْتِ إلّا أُصْبُعٌ دَمَيْتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللّهِ مَا لَقَيْتِ
ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم الْمَدِينَة
مَنَازِلُ الْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ
[ مَنْزِلُ عُمَرَ وَأَخِيهِ وَابْنَا سُرَاقَةَ وَبَنُو الْبَكِيرِ وَغَيْرِهِمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حَيْنَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ وَأَخُوهُ
زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَمْرٌو وَعَبْدُ اللّهِ ابْنَا سُرَاقَةَ
بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَخُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السّهْمِيّ [ ص 477 ] -
وَكَانَ صِهْرَهُ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَر ، فَخَلَفَ
عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَهُ -
وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ؛ وَوَاقِدُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي
خَوْلِيّ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : أَبُو خَوْلِيّ مِنْ بَنِي عِجْلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ
بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَنُو
الْبُكَيْرِ أَرْبَعَتُهُمْ إيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، وَعَاقِلُ بْنُ
الْبُكَيْرِ ، وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ ،
وَحُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ ، عَلَى رِفَاعَةَ بْنِ
عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف ٍ
بقُباءٍ وَقَدْ كَانَ مَنْزِلُ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مَعَهُ
عَلَيْهِ حَيْنَ قَدِمَا الْمَدِينَةَ .
[ مَنْزِلُ طَلْحَةَ وَصُهَيْبٍ ]
ثُمّ
تَتَابَعَ الْمُهَاجِرُونَ ، فَنَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ
عُثْمَانَ ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ ، أَخِي
بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بِالسّنْحِ . وَيُقَالُ بَلْ نَزَلَ
طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ أَخِي بَنِي
النّجّار ِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذُكِرَ لِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
النّهْدِيّ أَنّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنّ صُهَيْبًا حَيْنَ أَرَادَ
الْهِجْرَةَ قَالَ لَهُ كُفّارُ قُرَيْشٍ : أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا
حَقِيرًا ، فَكَثُرَ مَالُك عِنْدَنَا ، وَبَلَغْت الّذِي بَلَغْت ، ثُمّ
تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِك وَنَفْسِك ، وَاَللّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ
فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ أَرَأَيْتُمْ إنْ جَعَلْت لَكُمْ مَالِي
أَتُخْلُونَ سَبِيلِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ فَإِنّي جَعَلْت لَكُمْ
مَالِي . قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ رَبِحَ صُهَيْبٌ رَبِحَ صُهَيْبٌ [ ص 478 ]
[ مَنْزِلُ حَمْزَةَ وَزَيْدٍ وَأَبِي مَرْثَدٍ وَابْنِهِ وَأَنَسَةَ وَأَبِي كَبْشَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلَبِ ، وَزَيْدُ
بْنُ حَارِثَةَ ، وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حِصْنٍ . - قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ حُصَيْنٍ - وَابْنُهُ مَرْثَدٌ الْغَنَوِيّانِ
حَلِيفَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأَنَسَةُ وَأَبُو كَبْشَةَ
، مَوْلِيّا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى
كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ وَيُقَال
: بَلْ نَزَلُوا عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ ؛ وَيُقَالُ بَلْ نَزَلَ
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ أَخِي
بَنِي النّجّارِ . كُلّ ذَلِكَ يُقَالُ
[ مَنْزِلُ عُبَيْدَةَ وَأَخِيهِ الطّفِيلِ وَغَيْرِهِمَا ]
وَنَزَلَ
عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِب وَأَخُوهُ الطّفَيْلُ بْنُ
الْحَارِثِ ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ
بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ
حُرَيْمِلَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَطُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو
بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ ، وَخَبّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ ،
عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَمَةَ ، أَخِي بَلْعِجْلَانَ بقُباءٍ . [ ص
479 ]
[ مَنْزِلُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ]
وَنَزَلَ
عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى
سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فِي دَارِ
بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ .
[ مَنْزِلُ الزّبَيْرِ وَأَبُو سَبْرَةَ ]
وَنَزَلَ
الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزّى ، عَلَى مُنْذِرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ
أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بِالْعُصْبَةِ دَارِ بَنِي جَحْجَبَى .
[ مَنْزِلُ مُصْعَبٍ ]
وَنَزَلَ
مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ عَلَى
سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ،
فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ .
[ مَنْزِلُ أَبِي حُذَيْفَةَ وعُتْبَةَ ]
وَنَزَلَ
أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ
سَائِبَةٌ لِثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ الْأَوْسِ ، سَيّبْته فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ
عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَتَبَنّاهُ فَقِيلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ وَيُقَالُ كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ تَحْتَ أَبِي
حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً . فَقِيلَ
سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَزَلَ
عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ عَلَى عَبّادِ بْنِ بِشْرِ بْنِ
وَقْشٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِي دَارِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ .
[ مَنْزِلُ عُثْمَانَ ]
وَنَزَلَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ عَلَى أَوْسِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ أَخِي
حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي دَارِ بَنِي النّجّارِ ، فَلِذَلِكَ كَانَ
حَسّانٌ يُحِبّ عُثْمَانَ وَيَبْكِيهِ حَيْنَ قُتِلَ . [ ص 480 ] وَكَانَ
يُقَالُ نَزَلَ الْأَعْزَابُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ
خَيْثمةَ ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَزَبًا ، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ
ذَلِكَ كَانَ .
هِجْرَةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
[ تَأَخّرُ عَلِيّ وَأَبِي بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ ]
وَأَقَامَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ بَعْدَ
أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي
الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَتَخَلّفْ مَعَهُ بِمَكّةَ أَحَدٌ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ إلّا مَنْ حُبِسَ أَوْ فُتِنَ إلّا عَلِيّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ الصّدّيق رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمَا ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا مَا يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ فَيَقُولُ لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَعْجَلْ لَعَلّ
اللّهَ يَجْعَلُ لَك صَاحِبًا فَيَطْمَعُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَكُونَهُ .
[ اجْتِمَاعُ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ وَتَشَاوُرُهُمْ فِي أَمْرِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ صَارَتْ لَهُ شِيعَةٌ وَأَصْحَابٌ مِنْ
غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ بَلَدِهِمْ وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهِمْ عَرَفُوا أَنّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا ،
وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَنَعَةً فَحَذِرُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ وَعَرَفُوا أَنّهُمْ قَدْ أَجَمَعَ
لِحَرْبِهِمْ . فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النّدْوَةِ - وَهِيَ دَارُ
قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ الّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إلّا
فِيهَا - يَتَشَاوَرُونَ فِيهَا مَا يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ خَافُوهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَبِي
الْحَجّاجِ وَغَيْرِهِ مِمّنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمّا أَجَمَعُوا لِذَلِكَ
وَاتّعَدُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دَارِ النّدْوَةِ لِيَتَشَاوَرُوا فِيهَا
فِي أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَدَوْا فِي
الْيَوْمِ الّذِي اتّعَدُوا لَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يُسَمّى يَوْمَ
الزّحْمَةِ فَاعْتَرَضَهُمْ إبْلِيسُ فِي هَيْئَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ ، [ ص
481 ] بَتْلَةٌ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدّارِ فَلَمّا رَأَوْهُ وَاقِفًا
عَلَى بَابِهَا ، قَالُوا : مَنْ الشّيْخُ ؟ قَالَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ
نَجْدٍ سَمِعَ بِاَلّذِي اتّعَدْتُمْ لَهُ فَحَضَرَ مَعَكُمْ لِيَسْمَعَ
مَا تَقُولُونَ وَعَسَى أَنْ لَا يُعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْيًا وَنُصْحًا ،
قَالُوا : أَجَلْ فَادْخُلْ فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهَا
أَشْرَافُ قُرَيْشٍ ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ : عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ
، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ . وَمِنْ
بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف : طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ ، وَجُبَيْرُ
بْنُ مُطْعَمٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ . وَمِنْ بَنِي
عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ .
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : أَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ
هِشَامٍ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَحَكِيمُ بْنُ
حِزَامٍ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَام . وَمِنْ
بَنِي سَهْمٍ : نُبَيْهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ ، وَمِنْ بَنِي
جُمَحٍ : أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ وَغَيْرُهُمْ
مِمّنْ لَا يُعَدّ مِنْ قُرَيْشٍ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنّ هَذَا
الرّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ فَإِنّا وَاَللّهِ
مَا نَأْمَنُهُ عَلَى الْوُثُوبِ عَلَيْنَا فِيمَنْ قَدْ اتّبَعَهُ مِنْ
غَيْرِنَا ، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا . قَالَ فَتَشَاوَرُوا . ثُمّ
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ
بَابًا ، ثُمّ تَرَبّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ أَشْبَاهَهُ مِنْ الشّعَرَاءِ
الّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ زُهَيْرًا وَالنّابِغَةَ وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ
مِنْ هَذَا الْمَوْتِ حَتّى يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ فَقَالَ الشّيْخُ
النّجْدِيّ : لَا وَاَللّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ . وَاَللّهِ لَئِنْ
حَبَسْتُمُوهُ كَمَا تَقُولُونَ لَيَخْرُجَنّ أَمْرُهُ مِنْ وَرَاءِ
الْبَابِ الّذِي أَغْلَقْتُمْ [ ص 482 ] يُكَاثِرُوكُمْ بِهِ حَتّى
يَغْلِبُوكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ فَانْظُرُوا
فِي غَيْرِهِ فَتَشَاوَرُوا . ثُمّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ نُخْرِجُهُ
مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ، فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلَادِنَا ، فَإِذَا
أُخْرِجَ عَنّا فَوَاَللّهِ مَا نُبَالِي أَيْنَ ذَهَبَ وَلَا حَيْثُ
وَقَعَ إذَا غَابَ عَنّا وَفَرَغْنَا مِنْهُ فَأَصْلَحْنَا أَمْرَنَا
وَأَلْفَتْنَا كَمَا كَانَتْ . فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ : لَا
وَاَللّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ
وَحَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ وَغَلَبَتِهِ عَلَى قُلُوبِ الرّجَالِ بِمَا
يَأْتِي بِهِ وَاَللّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَا أَمِنْتُمْ أَنْ
يَحِلّ عَلَى حَيّ مِنْ الْعَرَبِ ، فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتّى يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ ثُمّ يَسِيرُ بِهِمْ
إلَيْكُمْ حَتّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ فِي بِلَادِكُمْ فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ
مِنْ أَيْدِيكُمْ ثُمّ يَفْعَلَ بِكَمْ مَا أَرَادَ دَبّرُوا فِيهِ
رَأْيًا غَيْرَ هَذَا . قَالَ فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ
وَاَللّهِ إنّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ
بَعْدُ قَالُوا : وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ أَرَى أَنْ
نَأْخُذَ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابّا جَلِيدًا نَسِيبًا وَسِيطًا
فِينَا ، ثُمّ نُعْطِي كُلّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا ، ثُمّ
يَعْمِدُوا إلَيْهِ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ
فَيَقْتُلُوهُ فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ . فَإِنّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ
تَفَرّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ جَمِيعًا ، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو
عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا ، فَرَضُوا مِنّا
بِالْعَقْلِ فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ . قَالَ فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ :
الْقَوْلُ مَا قَالَ الرّجُلُ هَذَا الرّأْيُ الّذِي لَا رَأْيَ غَيْرُهُ
فَتَفَرّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ .
[ خُرُوجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتِخْلَافُهُ عَلِيّا عَلَى فِرَاشِهِ ]
فَأَتَى
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ لَا تَبِتْ هَذِهِ اللّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِك الّذِي
كُنْت تَبِيتُ عَلَيْهِ . قَالَ فَلَمّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنْ اللّيْلِ
اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ فَيَثِبُونَ
عَلَيْهِ فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَكَانَهُمْ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَمْ عَلَى فِرَاشِي
وَتَسَجّ بِبُرْدِي هَذَا [ ص 483 ] الْأَخْضَرِ ، فَنَمْ فِيهِ فَإِنّهُ
لَنْ يَخْلُصَ إلَيْك شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إذَا نَامَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمّدِ
بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ لَمّا اجْتَمَعُوا لَهُ وَفِيهِمْ أَبُو
جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ إنّ مُحَمّدًا يَزْعُمُ
أَنّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ
وَالْعَجَمِ ، ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فَجُعِلَتْ لَكُمْ
جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنّ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ
فِيكُمْ ذَبْحٌ ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ثُمّ جُعِلَتْ
لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا . قَالَ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ
فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ أَنْتَ أَحَدُهُمْ . وَأَخَذَ
اللّهُ تَعَالَى عَلَى أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ فَلَا يَرَوْنَهُ فَجَعَلَ
يَنْثُرُ ذَلِكَ التّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو هَؤُلَاءِ
الْآيَاتِ مِنْ يس : { يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنّكَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرّحِيمِ
} إلَى قَوْلِهِ { فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } حَتّى
فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ
الْآيَاتِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى
رَأْسِهِ تُرَابًا ، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ
فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فَقَالَ مَا تَنْتَظِرُونَ
هَاهُنَا ؟ قَالُوا : مُحَمّدًا ؛ قَالَ خَيّبَكُمْ اللّهُ قَدْ وَاَللّهِ
خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ ثُمّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إلّا وَقَدْ
وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا ، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ أَفَمَا
تَرَوْنَ مَا بِكُمْ ؟ قَالَ فَوَضَعَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى
رَأْسِهِ فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ ثُمّ جَعَلُوا يَتَطَلّعُونَ
فَيَرَوْنَ عَلِيّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجّيًا بِبُرْدِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُونَ وَاَللّهِ إنّ هَذَا
لَمُحَمّدٌ نَائِمًا ، عَلَيْهِ بُرْدُهُ . فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ
حَتّى أَصْبَحُوا فَقَامَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ الْفِرَاشِ
فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ صَدَقَنَا الّذِي حَدّثَنَا [ ص 484 ]
[ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي تَرَبّصِ الْمُشْرِكِينَ بِالنّبِيّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ
الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا كَانُوا أَجْمَعُوا لَهُ { وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ
يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ } وَقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ
نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبّصُوا فَإِنّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُتَرَبّصِينَ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمَنُونُ الْمَوْتُ .
وَرَيْبُ الْمَنُونِ مَا يَرِيبُ وَيَعْرِصُ مِنْهَا . قَالَ أَبُو
ذُؤَيْبٍ الهُذَليّ : أَمِنْ الْمَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجّعُ
وَالدّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي
قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَذِنَ اللّهُ تَعَالَى
لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْهِجْرَةِ
.
[ طَمَعُ أَبِي بَكْرٍ فِي أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ النّبِيّ فِي الْهِجْرَةِ وَمَا أَعَدّ لِذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ رَجُلًا ذَا
مَالٍ فَكَانَ حَيْنَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَعْجَلْ لَعَلّ اللّهَ يَجِدُ لَك صَاحِبًا ، قَدْ
طَمِعَ بِأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إنّمَا يَعْنِي نَفْسَهُ حَيْنَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فَابْتَاعَ
رَاحِلَتَيْنِ فَاحْتَبَسَهُمَا فِي دَارِهِ يَعْلِفُهُمَا إعْدَادًا
لِذَلِكَ .
[ حَدِيثُ هِجْرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّهَا قَالَتْ كَانَ
لَا يُخْطِئُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ
يَأْتِيَ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيْ النّهَارِ إمّا بُكْرَةً
وَإِمّا عَشِيّةً حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي أُذِنَ فِيهِ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ
وَالْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ أَتَانَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْهَاجِرَةِ فِي سَاعَةٍ كَانَ
لَا يَأْتِي فِيهَا . قَالَتْ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ مَا جَاءَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذِهِ السّاعَةَ إلّا
لِأَمْرٍ حَدَثَ . قَالَتْ فَلَمّا دَخَلَ تَأَخّرَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ
عَنْ سَرِيرِهِ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ [ ص 485 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إلّا أَنَا وَأُخْتِي أَسَمَاءُ
بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَخْرِجْ عَنّي مَنْ عِنْدَك ؛ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ
إنّمَا هُمَا ابْنَتَايَ وَمَا ذَاكَ ؟ فِدَاك أَبِي وَأُمّي فَقَالَ إنّ
اللّهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ وَالْهِجْرَةِ . قَالَتْ فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الصّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ الصّحْبَةَ . قَالَتْ
فَوَاَللّهِ مَا شَعُرْت قَطّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنّ أَحَدًا
يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ حَتّى رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي يَوْمئِذٍ
ثُمّ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ إنّ هَاتَيْنِ رَاحِلَتَانِ قَدْ كُنْت
أَعْدَدْتهمَا لِهَذَا . فَاسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَرْقَطِ -
رَجُلًا مِنْ بَنِي الدّئَلِ بْنِ بَكْرٍ وَكَانَتْ أُمّهُ امْرَأَةً مِنْ
بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ مُشْرِكًا - يَدُلّهُمَا عَلَى
الطّرِيقِ فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا ، فَكَانَتَا عِنْدَهُ
يَرْعَاهُمَا لِمِيعَادِهِمَا
[ مَنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِجْرَةِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَعْلَمْ فِيمَا بَلَغَنِي ، بِخُرُوجِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدٌ ، حَيْنَ خَرَجَ إلّا
عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، وَآلُ أَبِي
بَكْرٍ . أَمَا عَلِيّ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - أَخْبَرَهُ بِخُرُوجِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ
يَتَخَلّفَ بَعْدَهُ بِمَكّةَ حَتّى يُؤَدّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَدَائِعَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنّاسِ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ بِمَكّة
أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُخْشَى عَلَيْهِ إلّا وَضَعَهُ عِنْدَهُ لِمَا
يُعْلَمُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ قِصّةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْخُرُوجَ أَتَى أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ فَخَرَجَا
مِنْ خَوْخَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ ثُمّ عَمَدَ إلَى غَارٍ
بِثَوْرٍ - جَبَلٍ بِأَسْفَلِ مَكّةَ - فَدَخَلَاهُ وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ
ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَسَمّعَ لَهُمَا مَا
يَقُولُ النّاسُ فِيهِمَا نَهَارَهُ ثُمّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى بِمَا
يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْخَبَرِ ؛ وَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ
فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ نَهَارَهُ ثُمّ يُرِيحُهَا
عَلَيْهِمَا ، يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فِي الْغَارِ . وَكَانَتْ
أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ تَأْتِيهِمَا مِنْ الطّعَامِ إذَا أَمْسَتْ
بِمَا يُصْلِحُهُمَا [ ص 486 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ قَالَ
انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ
إلَى الْغَارِ لَيْلًا ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
قَبْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمَسَ الْغَارَ
لِيَنْظُرَ أَفِيهِ سَبُعٌ أَوْ حَيّةٌ يَقِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ .
[ ابْنَا أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ فُهَيْرَةَ يَقُومُونَ بِشُؤُونِ الرّسُولِ وَصَاحِبِهِ وَهُمَا فِي الْغَارِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي الْغَارِ ثَلَاثًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَعَلَتْ
قُرَيْشٌ فِيهِ حَيْنَ فَقَدُوهُ مِئَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ يَرُدّهُ
عَلَيْهِمْ . وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَكُونُ فِي
قُرَيْشٍ نَهَارَهُ مَعَهُمْ يَسْمَعُ مَا يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَمَا
يَقُولُونَ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَبِي بَكْرٍ ثُمّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فَيُخْبِرُهُمَا الْخَبَرَ
. وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ يَرْعَى فِي ُعْيَانِ أَهْلِ مَكّةَ ، فَإِذَا أَمْسَى أَرَاحَ
عَلَيْهِمَا غَنَمَ أَبِي بَكْرٍ فَاحْتَلَبَا وَذَبَحَا ، فَإِذَا عَبْدُ
اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ غَدَا مِنْ عِنْدِهِمَا إلَى مَكّةَ ، اتّبَعَ
عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَثَرَهُ بِالْغَنَمِ حَتّى يُعَفّي عَلَيْهِ
حَتّى إذَا مَضَتْ الثّلَاثُ وَسَكَنَ عَنْهُمَا النّاسُ أَتَاهُمَا
صَاحِبُهُمَا الّذِي اسْتَأْجَرَاهُ بِبَعِيرَيْهِمَا وَبَعِيرٍ لَهُ
وَأَتَتْهُمَا أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا
بِسُفْرَتِهِمَا ، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا فَلَمّا
ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلّقَ السّفْرَةَ فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ
فَتَحِلّ نِطَاقَهَا فَتَجْعَلُهُ عِصَامًا ، ثُمّ عَلّقَتْهَا بِهِ .
[ سَبَبُ تَسْمِيَةِ أَسْمَاءَ بِذَاتِ النّطَاقِ ]
فَكَانَ
يُقَالُ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ذَاتُ النّطَاقِ لِذَلِكَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
يَقُولُ ذَاتُ النّطَاقَيْنِ . وَتَفْسِيرُهُ أَنّهَا لَمّا أَرَادَتْ
أَنْ تُعَلّقَ السّفْرَةَ شَقّتْ نِطَاقَهَا بِاثْنَيْنِ فَعَلّقَتْ
السّفْرَةَ بِوَاحِدٍ وَانْتَطَقَتْ بِالْآخَرِ .
[ أَبُو بَكْرٍ يُقَدّمُ رَاحِلَةً لِلرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَرّبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
الرّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَدّمَ لَهُ أَفَضْلَهُمَا ، ثُمّ قَالَ ارْكَبْ فِدَاك أَبِي وَأُمّي ؛ [
ص 487 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي لَا
أَرْكَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي ؛ قَالَ فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، قَالَ لَا ، وَلَكِنْ مَا الثّمَنُ الّذِي
ابْتَعْتهَا بِهِ ؟ قَالَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ قَدْ أَخَذْتهَا بِهِ
قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ . فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا وَأَرْدَفَ
أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ
مَوْلَاهُ خَلْفَهُ لِيَخْدِمَهُمَا فِي الطّرِيقِ .
[ ضَرْبُ أَبِي جَهْلٍ لِأَسْمَاءِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحُدّثْت عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنّهَا
قَالَتْ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ،
فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ
فَخَرَجْتُ إلَيْهِمْ فَقَالُوا : أَيْنَ أَبُوك يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ
؟ قَالَتْ قُلْت : لَا أَدْرِي وَاَللّهِ أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَتْ فَرَفَعَ
أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا ، فَلَطَمَ خَدّي لَطْمَةً
طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي .
[خَبَرُ الْهَاتِفِ مِنْ الْجِنّ عَنْ طَرِيقِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هِجْرَتِهِ ]
قَالَتْ
ثُمّ انْصَرَفُوا . فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ . وَمَا نَدْرِي أَيْنَ
وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَقْبَلَ
رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ ، يَتَغَنّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ
شَعَرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ ، وَإِنّ النّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ يَسْمَعُونَ
صَوْتَهُ وَمَا يَرَوْنَهُ حَتّى خَرَجَ مِنْ أَعَلَى مَكّةَ وَهُوَ
يَقُولُ
جَزَى اللّهُ رَبّ النّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلّا خَيْمَتَيْ أُمّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ ثُمّ تَرَوّحَا ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدٍ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِمَرْصَدِ
[ نَسَبُ أُمّ مَعْبَدٍ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أُمّ مَعْبَدٍ بِنْتُ كَعْبٍ ، امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي
كَعْبٍ مِنْ خُزَاعَةَ [ ص 488 ] حَلّا خَيْمَتَيْ " ، و " هُمَا نَزَلَا
بِالْبَرّ ثُمّ تَرَوّحَا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمَا : فَلَمّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ عَرَفْنَا حَيْثُ وَجْهُ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنّ وَجْهَهُ إلَى الْمَدِينَةِ
وَكَانُوا أَرْبَعَةً رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَرْقَطَ دَلِيلُهُمَا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ .
[ أَبُو قُحَافَةَ وَأَسْمَاءُ بَعْدَ هِجْرَةِ أَبِي بَكْرٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ أَبَاهُ عَبّادًا حَدّثَهُ عَنْ جَدّتِهِ أَسْمَاءَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَتْ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ
مَالَهُ كُلّهُ وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتّةُ آلَافٍ
فَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ . قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدّي أَبُو
قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّي لَا أَرَاهُ
قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ . قَالَتْ قُلْت : كَلّا يَا
أَبَتِ إنّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا . قَالَتْ فَأَخَذْت
أَحْجَارًا فَوَضَعْتهَا فِي كُوّةٍ فِي الْبَيْتِ الّذِي كَانَ أَبِي
يَضَعُ مَالَهُ فِيهَا ، ثُمّ وَضَعْت عَلَيْهَا ثَوْبًا ، ثُمّ أَخَذْت
بِيَدِهِ فَقُلْت : يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَك عَلَى هَذَا الْمَالِ . قَالَتْ
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ تَرَكَ لَكُمْ
هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ . وَلَا وَاَللّهِ مَا
تَرَكَ لَنَا شَيْئًا وَلَكِنّي أَرَدْت أَنْ أُسَكّنَ الشّيْخَ بِذَلِكَ
[ ص 489 ]
سُرَاقَةُ وَرُكُوبُهُ فِي أَثَرِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ
مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حَدّثَهُ . عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمّهِ سُرَاقَةَ
بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ، قَالَ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ مُهَاجِرًا إلَى الْمَدِينَةِ ،
جَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ مِئَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ رَدّهُ عَلَيْهِمْ . قَالَ
فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي نَادِي قَوْمِي إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنّا ،
حَتّى وَقَفَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت رَكْبَهُ
ثَلَاثَةً مَرّوا عَلَيّ آنِفًا ، إنّي لَأَرَاهُمْ مُحَمّدًا
وَأَصْحَابَهُ قَالَ فَأَوْمَأْت إلَيْهِ بِعَيْنِي : أَنْ اُسْكُتْ ثُمّ
قُلْت : إنّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ يَبْتَغُونَ ضَالّةً لَهُمْ قَالَ
لَعَلّهُ ثُمّ سَكَتَ . قَالَ ثُمّ مَكَثْت قَلِيلًا ، ثُمّ قُمْت
فَدَخَلْت بَيْتِي ، ثُمّ أَمَرْت بِفَرَسِي ، فَقُيّدَ لِي إلَى بَطْنِ
الْوَادِي ، وَأَمَرْت بِسِلَاحِي ، فَأُخْرِجَ لِي مِنْ دُبُرِ حُجْرَتِي
، ثُمّ أَخَذْت قِدَاحِي الّتِي أَسَتَقْسِمُ بِهَا ، ثُمّ انْطَلَقْت ،
فَلَبِسْت لَأْمَتِي ، ثُمّ أَخَرَجْت قِدَاحِي ، فَاسْتَقْسَمْت بِهَا ،
فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي أَكْرَهُ " لَا يَضُرّهُ " . قَالَ وَكُنْت
أَرْجُو أَنْ أَرُدّهُ عَلَى قُرَيْشٍ ، فَآخُذَ الْمِئَةَ النّاقَةِ .
قَالَ فَرَكِبْت عَلَى أَثَرِهِ فَبَيْنَمَا فَرَسِي يَشْتَدّ بِي عَثَرَ
بِي ، فَسَقَطْت عَنْهُ . قَالَ فَقُلْت : مَا هَذَا ؟ قَالَ ثُمّ
أَخَرَجْت قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْت بِهَا ، فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي
أَكْرَهُ " لَا يَضُرّهُ " . قَالَ فَأَبَيْت إلّا أَنْ أَتّبِعَهُ .
قَالَ فَرَكِبْت فِي أَثَرِهِ فَبَيْنَا فَرَسِي يَشْتَدّ بِي ، عَثَرَ
بِي ، فَسَقَطْت عَنْهُ . قَالَ فَقُلْت : مَا هَذَا ؟ ، قَالَ ثُمّ
أَخَرَجْت قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْت بِهَا فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي
أَكْرَهُ " لَا يَضُرّهُ " ، قَالَ فَأَبَيْت إلّا أَنْ أَتّبِعَهُ
فَرَكِبْت فِي أَثَرِهِ . فَلَمّا بَدَا لِي الْقَوْمُ وَرَأَيْتهمْ
عَثَرَ بِي فَرَسِي ، فَذَهَبَتْ يَدَاهُ فِي الْأَرْضِ وَسَقَطْت عَنْهُ
ثُمّ انْتَزَعَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَتَبِعَهُمَا دُخَانٌ
كَالْإِعْصَارِ . قَالَ فَعَرَفْت حَيْنَ رَأَيْت ذَلِكَ أَنّهُ قَدْ
مُنِعَ مِنّي ، وَأَنّهُ ظَاهِرٌ . قَالَ فَنَادَيْت الْقَوْمَ فَقُلْت :
أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ اُنْظُرُونِي أُكَلّمْكُمْ فَوَاَللّهِ لَا
أَرَيْبُكُمْ وَلَا يَأْتِيكُمْ مِنّي شَيْءٌ [ ص 490 ] قَالَ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بَكْرٍ قُلْ لَهُ
وَمَا تَبْتَغِي مِنّا ؟ قَالَ فَقَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ قُلْت :
تَكْتُبُ لِي كِتَابًا يَكُونُ آيَةً بَيْنِي وَبَيْنَك . قَالَ اُكْتُبْ
لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ .
[ إسْلَامُ سُرَاقَةَ ]
( قَالَ ) :
فَكَتَبَ لِي كِتَابًا فِي عَظْمٍ أَوْ فِي رُقْعَةٍ أَوْ فِي خَزَفَةٍ
ثُمّ أَلْقَاهُ إلَيّ فَأَخَذَتْهُ فَجَعَلْته فِي كِنَانَتِي ، ثُمّ
رَجَعْت ، فَسَكَتّ فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمّا كَانَ حَتّى إذَا كَانَ
فَتْحُ مَكّةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَفَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ وَالطّائِفِ ، خَرَجْت وَمَعِي الْكِتَابَ
لَأَلْقَاهُ فَلَقِيته بِالْجِعْرَانَةِ . قَالَ فَدَخَلْت فِي كَتِيبَةٍ
مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ . قَالَ فَجَعَلُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرّمَاحِ
وَيَقُولُونَ إلَيْك ( إلَيْك ) ، مَاذَا تُرِيدُ ؟ قَالَ فَدَنَوْت مِنْ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ
وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنّهَا
جُمّارَةٌ . قَالَ فَرَفَعْت يَدِي بِالْكِتَابِ ثُمّ قُلْت : يَا رَسُولَ
اللّهِ هَذَا كِتَابُك ( لِي ) ، أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ قَالَ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمُ وَفَاءٍ
وَبِرّ ادْنُهْ . قَالَ فَدَنَوْت مِنْهُ فَأَسْلَمْت . ثُمّ تَذَكّرْت
شَيْئًا أَسْأَلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ
فَمَا أَذْكُرُهُ إلّا أَنّي قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ الضّالّةُ مِنْ
الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي ، وَقَدْ مَلَأْتهَا لِإِبِلِي ، هَلْ لِي
مِنْ أَجْرٍ فِي أَنْ أَسْقِيَهَا ؟ قَالَ نَعَمْ فِي كُلّ ذَاتِ كَبِدٍ
حَرّى أَجْرٌ قَالَ ثُمّ رَجَعْت إلَى قَوْمِي ، فَسُقْتُ إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَتِي .
[ تَصْوِيبُ نَسَبِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْجُعْشُمِيّ ]
[ ص 491 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ .
[ طَرِيقُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هِجْرَتِهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ
أَرْقَطَ ، سَلَكَ بِهِمَا أَسْفَلَ مَكّةَ ، ثُمّ مَضَى بِهِمَا عَلَى
السّاحِلِ ، حَتّى عَارَضَ الطّرِيقَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ ، ثُمّ
سَلَكَ بِهِمَا عَلَى أَسْفَلِ أَمَجَ ، ثُمّ اسْتَجَازَ بِهِمَا ، حَتّى
عَارَضَ بِهِمَا الطّرِيقَ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ قُدَيْدًا ، ثُمّ أَجَازَ
بِهِمَا مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ فَسَلَكَ بِهِمَا الْخَرّارَ ، ثُمّ سَلَكَ
بِهِمَا ثَنِيّةَ الْمَرّةِ ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا لِقْفا . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ لَفْتَا . قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ
الْهُذَلِيّ :
نَزِيعًا مُحْلِبًا مِنْ أَهْلِ لَفْتٍ ... لِحَيّ بَيْنَ أَثْلَةَ وَالنّحَامِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ لِقْفٍ ثُمّ
اسْتَبْطَنَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ مَحَاجّ - وَيُقَالُ مِجَاجٍ ، فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا مَرْجِحَ مَحَاجّ ، ثُمّ
تَبَطّنَ بِهِمَا مَرْجِحَ مِنْ ذِي الْغَضْوَيْنِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: وَيُقَالُ الْعُضْوَيْنِ - ثُمّ بَطْنَ ذِي كَشْرٍ ، ثُمّ أَخَذَ
بِهِمَا عَلَى الْجَدَاجِدِ ، ثُمّ عَلَى الْأَجْرَدِ ، ثُمّ سَلَكَ
بِهِمَا ذَا سَلَمٍ مِنْ بَطْنِ أَعْدَاءِ مَدْلِجَة تِعْهِنِ ، ثُمّ
عَلَى الْعَبَابِيدِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْعَبَابِيبُ
وَيُقَالُ الْعِثْيَانَةَ . يُرِيدُ الْعَبَابِيبَ - . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا الْفَاجّةَ ، وَيُقَالُ الْقَاحّةُ ،
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثُمّ هَبَطَ بِهِمَا
الْعَرْجَ ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِمَا بَعْضُ ظَهْرِهِمْ فَحَمَلَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ ،
يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ عَلَى جَمَلٍ لَهُ - يُقَالُ لَهُ ابْنُ
الرّدَاءِ - إلَى الْمَدِينَةِ ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلَامًا لَهُ يُقَالُ
لَهُ [ ص 492 ] خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا مِنْ الْعَرَجِ ، فَسَلَكَ
بِهِمَا ثَنِيّةَ الْعَائِرِ ، عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ - وَيُقَالُ
ثَنِيّةُ الْغَائِرِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - حَتّى هَبَطَ بِهِمَا
بَطْنَ رِئْمٍ ، ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا قُبَاءٍ ، عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ
الْأَوّلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حَيْن اشْتَدّ الضّحَاءُ وَكَادَتْ
الشّمْسُ تَعْتَدِلُ .
[ قُدُومُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبَاءَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِرِ
بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ حَدّثَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : لَمّا سَمِعْنَا
بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ ،
وَتَوَكّفْنَا قُدُومَهُ كُنّا نَخْرُجُ إذَا صَلّيْنَا الصّبْحَ إلَى
ظَاهِرِ حَرّتِنَا نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَوَاَللّهِ مَا نَبْرَحُ حَتّى تَغْلِبَنَا الشّمْسُ عَلَى
الظّلَالِ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ ظِلّا دَخَلْنَا ، وَذَلِكَ فِي أَيّامٍ
حَارّةٍ . حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَلَسْنَا كَمَا كُنّا نَجْلِسُ حَتّى
إذَا لَمْ يَبْقَ ظِلّ دَخَلْنَا بُيُوتَنَا ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ دَخَلْنَا الْبُيُوتَ فَكَانَ
أَوّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَقَدْ رَأَى مَا كُنّا
نَصْنَعُ وَأَنّا نَنْتَظِرُ قُدُومَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْنَا ، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا بَنِي
قَيْلَةَ ، هَذَا جَدّكُمْ قَدْ جَاءَ . قَالَ فَخَرَجْنَا إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي ظِلّ نَخْلَةٍ ،
وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي مِثْلِ سِنّهِ
وَأَكْثَرُنَا لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَكِبَهُ النّاسُ وَمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ
أَبِي بَكْرٍ ، حَتّى زَالَ الظّلّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَظَلّهُ بِرِدَائِهِ
فَعَرَفْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ
[ مَنَازِلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بقُباءٍ ]
[
ص 493 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ ، أَخِي
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، ثُمّ أَحَدِ بَنِي عُبَيْدٍ : وَيُقَالُ بَلْ
نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ . وَيَقُولُ مَنْ يَذْكُرُ أَنّهُ
نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ : إنّمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِ كُلْثُومِ بْنِ
هِدْمٍ جَلَسَ لِلنّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ وَذَلِكَ أَنّهُ
كَانَ عَزَبًا لَا أَهْلَ لَهُ وَكَانَ مَنْزِلُ الْأَعْزَابِ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ ، فَمِنْ هُنَالِكَ يُقَالُ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ
خَيْثمةَ ، وَكَانَ يُقَالُ لِبَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ : بَيْتُ
الْأَعْزَابِ . فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ كُلّا قَدْ
سَمِعْنَا .
[ مَنْزِلُ أَبِي بَكْرٍ بقُباءٍ ]
وَنَزَلَ أَبُو
بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ ،
أَحَدِ بَنِي الْحَارِثِ الْخَزْرَجَ بِالسّنْحِ . وَيَقُولُ قَائِلٌ
كَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخِي
بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ .
[ مَنْزِلُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بقُباءٍ ]
وَأَقَامَ
عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ بِمَكّةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ
وَأَيّامِهَا ، حَتّى أَدّى عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْوَدَائِعَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنّاسِ حَتّى إذَا
فَرَغَ مِنْهَا ، لَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَنَزَلَ مَعَهُ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ .
[ ابْنُ حُنَيْفٍ وَتَكْسِيرُهُ الْأَصْنَامَ ]
فَكَانَ
عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَإِنّمَا كَانَتْ إقَامَتُهُ بقُباءٍ
لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ يَقُولُ كَانَتْ بقُباءٍ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ
لَهَا ، مُسْلِمَةٌ . قَالَ فَرَأَيْت إنْسَانًا يَأْتِيهَا مِنْ جَوْفِ
اللّيْلِ فَيَضْرِبُ عَلَيْهَا بَابَهَا ، فَتَخْرَجُ إلَيْهِ
فَيُعْطِيَهَا شَيْئًا مَعَهُ فَتَأْخُذَهُ . قَالَ فَاسْتَرَبْتُ [ ص 494
] أَدْرِي مَا هُوَ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ لَا زَوْجَ لَك ؟
قَالَتْ هَذَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبٍ قد عَرَفَ أَنّي
امْرَأَةٌ لَا أَحَدَ لِي ، فَإِذَا أَمْسَى عَدَا عَلَى أَوْثَانِ
قَوْمِهِ فَكَسّرَهَا ، ثُمّ جَاءَنِي بِهَا ، فَقَالَ احْتَطِبِي بِهَذَا
، فَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَأْثُرُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ
سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، حَتّى هَلَكَ عِنْدَهُ بِالْعِرَاقِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي هَذَا ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
هِنْدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ .
[ بِنَاءُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بقُباءٍ ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
وَيَوْمَ الثّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ
وَأَسّسَ مَسْجِدَهُ
[ خُرُوجُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُبَاءٍ وَسَفَرُهُ إلَى الْمَدِينَةِ ]
ثُمّ
أَخْرَجَهُ اللّهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ . وَبَنُو
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يُزْعِمُونَ أَنّهُ مَكَثَ فِيهِمْ أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَأَدْرَكَتْ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ
بْنِ عَوْفٍ ، فَصَلّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي ،
وَادِي رَانُونَاءَ ، فَكَانَتْ أَوّلَ جُمُعَةٍ صَلّاهَا بِالْمَدِينَةِ .
[ اعْتِرَاضُ الْقَبَائِلِ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَبْغِي نُزُولَهُ عِنْدَهَا ]
فَأَتَاهُ
عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ ، وَعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ فِي
رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ
. أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا
سَبِيلَهَا ، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ لِنَاقَتِهِ فَخَلّوا سَبِيلهَا ،
فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيّاضَةَ ، تَلَقّاهُ
زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو ، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي
بَيّاضَةَ [ ص 495 ] فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَيْنَا ،
إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا
فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ فَخَلّوْا سَبِيلَهَا . فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا
مَرّتْ بِدَارِ بَنِي سَاعِدَةَ ، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ،
وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ ،
فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَيْنَا إلَى الْعَدَدِ
وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا ، فَإِنّهَا
مَأْمُورَةٌ فَخَلّوْا سَبِيلَهَا ، فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا وَازَنَتْ
دَارَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ
الرّبِيعِ ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ،
فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فَقَالُوا : يَا
رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَيْنَا إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ
قَالَ خَلّوا سَبِيلَهَا ، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ فَخَلّوْا سَبِيلَهَا .
فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا مَرّتْ بِدَارِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ ،
وَهُمْ أَخْوَالُهُ دِنْيَا - أُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ سَلْمَى بِنْتُ
عَمْرٍو ، إحْدَى نِسَائِهِمْ - اعْتَرَضَهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ ،
وَأَبُو سَلِيطٍ أُسَيْرَةُ بْنُ أَبِي خَارِجَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي
عَدِيّ بْنِ النّجّارِ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلُمّ إلَى
أَخْوَالِك ، إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ قَالَ خَلّوا
سَبِيلَهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ فَخَلّوْا سَبِيلَهَا ، فَانْطَلَقَتْ .
[ مَبْرَك نَاقَتهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدَارِ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ]
حَتّى
إذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، بَرَكَتْ عَلَى بَابِ
مَسْجِدِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ مِرْبَدٌ
لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي
مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، وَهُمَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ ،
سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو . فَلَمّا بَرَكَتْ وَرَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهَا لَمْ يَنْزِلْ وَثَبَتَ
فَسَارَتْ غَيْرَ بِعِيدٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يَثْنِيهَا بِهِ ثُمّ الْتَفَتَتْ
إلَى خَلْفِهَا ، فَرَجَعَتْ إلَى مَبْرَكِهَا أَوّلَ مَرّةٍ فَبَرَكَتْ
فِيهِ ثُمّ تَحَلْحَلَتْ وَزَمّتْ وَوَضَعَتْ [ ص 496 ] فَنَزَلَ عَنْهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيّوبَ
خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ رَحْلَهُ فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَنَزَلَ عَلَيْهِ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَأَلَ عَنْ الْمِرْبَدِ
لِمَنْ هُوَ ؟ فَقَالَ لَهُ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ : هُوَ يَا رَسُولَ
اللّهِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو ، وَهُمَا يَتِيمَانِ لِي ،
وَسَأُرْضِيهِمَا مِنْهُ فَاِتّخِذْهُ مَسْجِدًا
[ بِنَاءُ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمَسَاكِنِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ
يُبْنَى مَسْجِدًا ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَى أَبِي أَيّوبَ حَتّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ
فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُرَغّبَ
الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَمَلِ فِيهِ فَعَمِلَ فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَارُ ، وَدَأَبُوا فِيهِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنّبِيّ يَعْمَلُ ... لَذَاكَ مِنّا الْعَمَلُ الْمُضَلّلُ
وَارْتَجَزَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ يَبْنُونَهُ يَقُولُونَ
لَا عَيْشَ إلّا عَيْشَ الْآخِرَهْ ... اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا كَلَامٌ وَلَيْسَ بِرَجَزٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا عَيْشَ
إلّا عَيْشَ الْآخِرَةِ ، اللّهُمّ ارْحَمْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
[ إخْبَارُ الرّسُولِ لِعَمّارٍ بِقَتْلِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ لَهُ ]
قَالَ
فَدَخَلَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَقَدْ أَثْقَلُوهُ بِاللّبِنِ فَقَالَ
يَا رَسُولَ اللّهِ [ ص 497 ] قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْفُضُ وَفْرَتَهُ بِيَدِهِ وَكَانَ رَجُلًا جَعْدًا
، وَهُوَ يَقُولُ وَيْحَ ابْنَ سُمَيّةَ ، لَيْسُوا بِاَلّذِينَ
يَقْتُلُونَك ، إنّمَا تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ
[ ارْتِجَازُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ ]
وَارْتَجَزَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَوْمئِذٍ
لَا يَسْتَوِي مَنْ يَعْمُرُ الْمَسَاجِدَا ... يَدْأَبُ فِيهِ قَائِمًا وَقَاعِدًا
وَمَنْ
يُرَى عَنْ الْغُبَارِ حَائِدًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَأَلْت غَيْرَ
وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ عَنْ هَذَا الرّجَزِ فَقَالُوا
: بَلَغَنَا أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ارْتَجَزَ بِهِ فَلَا يُدْرَى
: أَهُوَ قَائِلُهُ أَمْ غَيْرُهُ .
[ مَا كَانَ بَيْنَ عَمّارٍ وَأَحَدِ الصّحَابَةِ مِنْ مُشَادّةٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَخَذَهَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ
بِهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَلَمّا أَكْثَرَ ظَنّ رَجُلٌ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ إنّمَا
يُعَرّضُ بِهِ فِيمَا حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِي ،
عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ .
[ وَصَاةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعَمّارٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ قَدْ سَمِعْتُ مَا تَقُولُ مُنْذُ الْيَوْمِ يَا
ابْنَ سُمَيّةَ ، وَاَللّهِ إنّي لَأُرَانِي سَأَعْرِضُ هَذِهِ الْعَصَا
لِأَنْفِك . قَالَ وَفِي يَدِهِ عَصًا . قَالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ مَا لَهُمْ وَلِعَمّارٍ
يَدْعُوهُمْ إلَى الْجَنّةِ وَيَدْعُونَهُ إلَى النّارِ إنّ عَمّارًا
جِلْدَةٌ مَا بَيْنَ عَيْنِيّ وَأَنْفِي ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ
الرّجُلِ فَلَمْ يُسْتَبْقَ فَاجْتَنِبُوهُ [ ص 498 ]
[ مَنْ بَنَى أَوّلَ مَسْجِدٍ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُييْنَةَ عَنْ زَكَرِيّا ، عَنْ
الشّعْبِيّ ، قَالَ إنّ أَوّلَ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ
.
[مَنْزِلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ وَشَيْءٌ مِنْ أَدَبِهِ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ حَتّى بُنِيَ لَهُ مَسْجِدُهُ
وَمَسَاكِنُهُ ثُمّ انْتَقَلَ إلَى مَسَاكِنِهِ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ
رَحْمَةُ اللّهُ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ اليَزَنيّ عَنْ أَبِي رُهْمٍ السّمَاعِيّ قَالَ حَدّثَنِي أَبُو
أَيّوبَ قَالَ لَمّا نَزَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي بَيْتِي ، نَزَلَ فِي السّفْلِ وَأَنَا وَأُمّ أَيّوبَ فِي
الْعُلْوِ فَقُلْت لَهُ يَا نَبِيّ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، إنّي
لَأَكْرَهُ وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَك ، وَتَكُونَ تَحْتِي ،
فَاظْهَرْ أَنْتَ فَكُنْ فِي الْعُلْوِ وَنَنْزِلَ نَحْنُ فَنَكُونَ فِي
السّفْلِ فَقَالَ يَا أَبَا أَيّوبَ إنّ أَرْفَقَ بِنَا وَبِمَنْ
يَغْشَانَا ، أَنْ نَكُونَ فِي سُفْلِ الْبَيْتِ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سُفْلِهِ وَكُنّا فَوْقَهُ فِي
الْمَسْكَنِ [ ص 499 ] بِقَطِيفَةٍ لَنَا ، مَا لَنَا لِحَافٌ غَيْرَهَا ،
نُنَشّفُ بِهَا الْمَاءَ تَخَوّفًا أَنْ يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُؤْذِيَهُ . قَالَ
وَكُنّا نَصْنَعُ لَهُ الْعَشَاءَ ثُمّ نَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِ فَإِذَا
رَدّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ تَيَمّمْت أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ يَدِهِ
فَأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ ، حَتّى بَعَثْنَا
إلَيْهِ لَيْلَةً بِعَشَائِهِ وَقَدْ جَعَلْنَا لَهُ بَصَلًا أَوْ ثُومًا
، فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ أَرَ
لِيَدِهِ فِيهِ أَثَرًا . قَالَ فَجِئْتُهُ فَزِعًا ، فَقُلْت : يَا
رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، رَدَدْتَ عَشَاءَك ، وَلَمْ أَرَ
فِيهِ مَوْضِعَ يَدِك ، وَكُنْتَ إذَا رَدَدْته عَلَيْنَا ، تَيَمّمْت
أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ يَدِك ، نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ ؛
قَالَ إنّي وَجَدْت فِيهِ رِيحَ هَذِهِ الشّجَرَةِ ، وَأَنَا رَجُلٌ
أُنَاجِي ، فَأَمّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ قَالَ فَأَكَلْنَاهُ وَلَمْ
نَصْنَعْ لَهُ تِلْكَ الشّجَرَةَ بَعْدُ .
[ تَلَاحُقُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَلَاحَقَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَبْقَ بِمَكّةَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، إلّا
مَفْتُونٌ أَوْ مَحْبُوسٌ وَلَمْ يُوعَبْ أَهْلُ هِجْرَةٍ مِنْ مَكّةَ
بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إلَى اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا أَهْلُ دُورٍ
مُسَمّوْنَ بَنُو مَظْعُونٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ ؛ وَبَنُو جَحْشِ بْنِ
رِئَابٍ ، حُلَفَاءُ بَنِي أُمَيّةَ ؛ وَبَنُو الْبُكَيْرِ ، مِنْ بَنِي
سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ ، حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، فَإِنّ
دُورَهُمْ غُلّقَتْ بِمَكّةَ هِجْرَةً لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ .
[ عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى دَارِ بَنِي جَحْشٍ وَالْقِصّةُ فِي ذَلِكَ ]
وَلَمّا
خَرَجَ بَنُو جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ مِنْ دَارِهِمْ عَدَا عَلَيْهَا أَبُو
سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، فَبَاعَهَا مِنْ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ أَخِي
بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ؛ فَلَمّا بَلَغَ بَنِي جَحْشٍ مَا صَنَعَ
أَبُو سُفْيَانَ بِدَارِهِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا تَرْضَى يَا عَبْدَ اللّهِ
أَنْ يُعْطِيَك اللّهُ بِهَا دَارًا خَيْرًا مِنْهَا فِي الْجَنّةِ ؟
قَالَ بَلَى ، قَالَ فَذَلِكَ لَك فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ [ ص
500 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ ، كَلّمَهُ أَبُو أَحْمَدَ
فِي دَارِهِمْ . فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ النّاسُ لِأَبِي أَحْمَدَ يَا أَبَا أَحْمَدَ
إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ أَنْ
تَرْجِعُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِكُمْ أُصِيبَ مِنْكُمْ فِي اللّهِ
عَزّ وَجَلّ فَأَمْسَكَ عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ
أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ ... عَنْ أَمْرٍ عَوَاقِبُهُ نَدَامَهْ
دَارَ ابْنِ عَمّك بِعْتَهَا ... تَقْضِي بِهَا عَنْك الْغَرَامَهْ
وَحَلِيفُكُمْ بِاَللّهِ رَبّ ... النّاسِ مُجْتَهَدُ الْقَسَامَهْ
اذْهَبْ بِهَا ، اذْهَبْ بِهَا ... طُوّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَهْ
[انْتِشَار الْإِسْلَامَ وَمَنْ بَقِيَ عَلَى شِرْكِهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ إذْ قَدِمَهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلِ إلَى
صَفَرٍ مِنْ السّنَةِ الدّاخِلَةِ حَتّى بُنِيَ لَهُ فِيهَا مَسْجِدُهُ
وَمَسَاكِنُهُ وَاسْتَجْمَعَ لَهُ إسْلَامُ هَذَا الْحَيّ مِنْ
الْأَنْصَارِ ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا
أَسْلَمَ أَهْلُهَا ، إلّا مَا كَانَ مِنْ خَطْمَةَ وَوَاقِفٍ وَوَائِلٍ
وَأُمَيّةَ وَتِلْكَ أَوْسُ اللّهِ وَهُمْ حَيّ مِنْ الْأَوْسِ ،
فَإِنّهُمْ أَقَامُوا عَلَى شِرْكِهِمْ .
[ أَوّلُ خُطَبِهِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ ]
وَكَانَتْ
أَوّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ - نَعُوذُ
بِاَللّهِ أَنْ نَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَا لَمْ يَقُلْ - أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ فَحَمِدَ اللّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ أَيّهَا
النّاسُ فَقَدّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ . تَعَلّمُنّ وَاَللّهِ لَيُصْعَقَنّ
أَحَدُكُمْ ثُمّ لَيَدَعَنّ غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ ثُمّ لَيَقُولَنّ
لَهُ رَبّهُ وَلَيْسَ لَهُ تَرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ
أَلَمْ يَأْتِك رَسُولِي فَبَلّغَك ، وَآتَيْتُك مَالًا وَأَفْضَلْت
عَلَيْك ؟ فَمَا قَدّمْتَ [ ص 501 ] فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ ، فَإِنّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ عَشْرَ
أَمْثَالِهَا ، إلَى سَبْعِ مِئَةِ ضَعْفٍ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ
[خُطْبَتُهُ الثّانِيَةُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَطَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ النّاسَ مَرّةً أُخْرَى ، فَقَالَ إنّ الْحَمْدَ لِلّهِ
أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ ، نَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا
، وَسَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللّهُ فَلَا مُضِلّ لَهُ
وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا
اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . إنّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ
اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيّنَهُ اللّهُ فِي
قَلْبِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ وَاخْتَارَهُ
عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النّاسِ إنّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ
وَأَبْلَغُهُ أَحِبّوا مَا أَحَبّ اللّهُ أَحِبّوا اللّهَ مِنْ كُلّ
قُلُوبِكُمْ وَلَا تَمَلّوا كَلَامَ اللّهِ وَذِكْرَهُ وَلَا تَقْسُ
عَنْهُ قُلُوبُكُمْ فَإِنّهُ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللّهُ يَخْتَارُ
وَيَصْطَفِي ، قَدْ سَمّاهُ اللّهُ خِيرَتَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ
وَمُصْطَفَاهُ مِنْ الْعِبَادِ وَالصّالِحَ مِنْ الْحَدِيثِ وَمِنْ كُلّ
مَا أُوتِيَ النّاسُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فَاعْبُدُوا اللّهَ وَلَا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتّقُوهُ حَقّ تُقَاتِهِ وَاصْدُقُوا اللّهَ
صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ وَتَحَابّوا بِرُوحِ اللّهِ
بَيْنَكُمْ إنّ اللّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ وَالسّلَامُ
عَلَيْكُمْ
[ كِتَابُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمُوَادَعَةُ يَهُودَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَادَعَ فِيهِ يَهُودَ
وَعَاهَدَهُمْ وَأَقَرّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَشَرَطَ
لَهُمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا
كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ ، وَمَنْ
تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ
مِنْ دُونِ النّاسِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ
يَتَعَاقَلُونَ [ ص 502 ] وَبَنُو عَوْف ٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ
يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، كُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي
عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو
سَاعِدَةَ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ،
وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ
يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي
عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو
جُشَمٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلِهِمْ الْأُولَى ،
وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو النّجّارِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ
يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ
تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ
مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا
بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو النّبِيتِ
عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ
طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَبَنُو الْأَوْسِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ
مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى ، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا
بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ
لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي
فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمُفْرَحُ الْمُثْقَلُ بِالدّيْنِ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ . قَالَ الشّاعِرُ
إذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تَوَدّي أَمَانَةً
وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْك الْوَدَائِعُ
وَأَنْ
لَا يُحَالِفَ مُؤْمِنٌ مَوْلَى مُؤْمِنٍ دُونَهُ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ
الْمُتّقِينَ عَلَى مَنْ بَغَى مِنْهُمْ أَوْ ابْتَغَى دَسِيعَةَ ظُلْمٍ
أَوْ إثْمٍ أَوْ عُدْوَانٍ ، أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنّ
أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا ، وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ وَلَا
يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ وَلَا يَنْصُرُ كَافِرًا عَلَى
مُؤْمِنٍ وَإِنّ ذِمّةَ اللّهِ وَاحِدَةٌ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ
وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ [ ص 503 ] دُونَ النّاسِ وَإِنّهُ مَنْ
تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنّ لَهُ النّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ
مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرِينَ عَلَيْهِمْ وَإِنّ سِلْمَ
الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ لَا يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي
قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ
وَإِنّ كُلّ غَازِيَةٍ غَزَتْ مَعَنَا يُعْقِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا ،
وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ يُبِئْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا نَالَ
دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتّقِينَ عَلَى
أَحْسَنِ هُدًى وَأَقْوَمِهِ وَإِنّهُ لَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًا
لِقُرَيْشٍ وَلَا نَفْسَهَا ، وَلَا يَحُولُ دُونَهُ عَلَى مُؤْمِنٍ
وَإِنّهُ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيّنَةٍ فَإِنّهُ قَوَدٌ
بِهِ إلّا أَنْ يَرْضَى وَلِيّ الْمَقْتُولِ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ
عَلَيْهِ كَافّةٌ وَلَا يَحِلّ لَهُمْ إلّا قِيَامٌ عَلَيْهِ وَإِنّهُ لَا
يَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرّ بِمَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَآمَنَ بِاَللّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا وَلَا يُؤْوِيهِ وَأَنّهُ
مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللّهِ وَغَضَبَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَإِنّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي النّجّار ِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف ٍ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي سَاعِدَةَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَمٍ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ؛ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْأَوْسِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْف ٍ وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ، إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَإِنّ جَفْنَةَ بَطْنٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّ لِبَنِي الشّطِيبَةِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ ، وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ وَإِنّ مَوَالِيَ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّ بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ وَإِنّهُ لَا يَخْرَجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِإِذْنِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّهُ لَا يُنْحَجَزُ عَلَى ثَأْرٍ جُرْحٌ وَإِنّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ فَتَكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ إلّا مِنْ ظَلَمَ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَبَرّ هَذَا ؛ وَإِنّ عَلَى الْيَهُودِ نَفَقَتَهُمْ [ ص 504 ] وَالنّصِيحَةَ وَالْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ وَإِنّهُ لَمْ يَأْثَمْ امْرُؤٌ بِحَلِيفِهِ وَإِنّ النّصْرَ لِلْمَظْلُومِ وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارَبِينَ وَإِنّ يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَإِنّ الْجَارَ كَالنّفْسِ غَيْرَ مُضَارّ وَلَا آثِمٌ وَإِنّهُ لَا تُجَارُ حُرْمَةٌ إلّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا ، وَإِنّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا . وَإِنّ بَيْنَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ ، وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ فَإِنّهُمْ يُصَالِحُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ وَإِنّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إلّا مَنْ حَارَبَ فِي الدّينِ عَلَى كُلّ أُنَاسٍ حِصّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمْ الّذِي قِبَلَهُمْ وَإِنّ يَهُودَ الْأَوْسِ ، مَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . مَعَ الْبِرّ الْمَحْضِ ؟ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مَعَ الْبِرّ الْمُحْسِنُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ لَا يَكْسِبُ كَاسِبٌ إلّا عَلَى نَفْسِهِ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ وَإِنّهُ لَا يَحُولُ هَذَا الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَآثِمٍ وَإِنّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِينَةِ ، إلّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ وَإِنّ اللّهَ جَارٌ لِمَنْ بَرّ وَاتّقَى ، وَمُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَآخَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ [ ص 505 ] وَالْأَنْصَارِ ،
فَقَالَ - فِيمَا بَلَغَنَا ، وَنَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ
مَا لَمْ يُقَلْ - : تَآخَوْا فِي اللّهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ ثُمّ
أَخَذَ بِيَدِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ هَذَا أَخِي فَكَانَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدَ الْمُرْسَلِينَ
وَإِمَامَ الْمُتّقِينَ وَرَسُولَ رَبّ الْعَالَمِينَ الّذِي لَيْسَ لَهُ
خَطِيرٌ وَلَا نَظِيرٌ مِنْ الْعِبَادِ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَخَوَيْنِ وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَعَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَيْدُ
بْنُ حَارِثَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَخَوَيْنِ وَإِلَيْهِ أَوْصَى حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ حَيْنَ حَضَرَهُ
الْقِتَالُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ ذُو الْجَنَاحَيْنِ الطّيّارُ فِي الْجَنّةِ وَمَعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ ، أَخَوَيْنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمئِذٍ غَائِبًا بِأَرْضِ
الْحَبَشَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَخَارِجَةُ بْنُ زُهَيْرٍ ،
أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَخَوَيْنِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ ، أَخُو بَنِي سَالِمِ
بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَخَوَيْنِ
وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ ، وَاسْمُهُ
عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ
أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، أَخَوَيْنِ . وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ ، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
أَخَوَيْنِ . وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَسَلَامَةُ بْنُ سَلَامَةَ
بْنِ وَقْشٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، أَخَوَيْنِ . وَيُقَالُ
بَلْ الزّبَيْرُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ
، أَخَوَيْنِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ ، وَأَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ
الْمُنْذِرِ أَخُو بَنِي النّجّارِ ، أَخَوَيْنِ . وَطَلْحَةُ بْنُ
عُبَيْدِ اللّهِ ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ ،
أَخَوَيْنِ . وَسَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، وأُبَيّ
بْنُ كَعْبٍ [ ص 506 ] أَخُو بَنِي النّجّارِ : أَخَوَيْنِ وَمُصْعَبُ
بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَأَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ ،
أَخُو بَنِي النّجّارِ : أَخَوَيْنِ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ
بْنِ رَبِيعَةَ ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ : أَخَوَيْنِ . وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، حَلِيفُ بَنِي
مَخْزُومٍ ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ عَبْسٍ ،
حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ : أَخَوَيْنِ . وَيُقَالُ ثَابِتُ بْنُ
قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، خَطِيبُ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ :
أَخَوَيْنِ . وَأَبُو ذَرّ ، وَهُوَ بُرَيْرُ بْنُ جُنَادَةَ الْغِفَارِيّ
، الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، الْمُعْنِقُ لِيَمُوتَ أَخُو بَنِي
سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ : أَخَوَيْنِ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ أَبُو ذَرّ
جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ حَاطِبُ بْنُ
أَبِي بَلْتَعَةَ ، حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى وَعُوَيْمُ
بْنُ سَاعِدَةَ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، أَخَوَيْنِ وَسَلْمَانُ
الْفَارِسِيّ ، وَأَبُو الدّرْدَاءِ ، عُوَيْمِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو
بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، أَخَوَيْنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ وَيُقَالُ عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَبِلَالٌ ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ،
مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو
رُوَيْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْخَثْعَمِيّ ، ثُمّ
أَحَدُ [ ص 507 ] سُمّيَ لَنَا ، مِمّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخَى بَيْنَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ .
[ بِلَالٌ يُوصِي بِدِيوَانِهِ لِأَبِي رُوَيْحَةَ ]
فَلَمّا
دَوّنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ الدّوَاوِينَ بِالشّامِ ، وَكَانَ بِلَالٌ
قَدْ خَرَجَ إلَى الشّامِ ، فَأَقَامَ بِهَا مُجَاهِدًا ، فَقَالَ عُمَرُ
لِبِلَالٍ : إلَى مَنْ تَجْعَلُ دِيوَانَك يَا بِلَالُ ؟ قَالَ مَعَ أَبِي
رُوَيْحَةَ لَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا ، لِلْأُخُوّةِ الّتِي كَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنِي ،
فَضَمّ إلَيْهِ وَضُمّ دِيوَانُ الْحَبَشَةِ إلَى خَثْعَمَ ، لِمَكَانِ
بِلَالٍ مِنْهُمْ فَهُوَ فِي خَثْعَمَ إلَى هَذَا الْيَوْمِ بِالشّامِ
أَبُو أُمَامَة َ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَلَكَ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ أَبُو أُمَامَةَ
أَسَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ ، وَالْمَسْجِدُ يُبْنَى ، أَخَذَتْهُ الذّبْحَةُ
أَوْ الشّهْقَةُ .
[ مَوْتُهُ وَمَا قَالَهُ الْيَهُودُ فِي ذَلِكَ ]
قال
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ بِئْسَ الْمَيّتُ أَبُو أُمَامَةَ
لَيَهُودُ وَمُنَافِقِي الْعَرَبِ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ نَبِيّا لَمْ
يَمُتْ صَاحِبُهُ وَلَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي وَلَا لِصَاحِبِي مِنْ اللّهِ
شَيْئًا
[ بِمَوْتِهِ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَقِيبًا لِبَنِي النّجّارِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ
الْأَنْصَارِيّ : أَنّهُ لَمّا مَاتَ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ
زُرَارَةَ ، اجْتَمَعَتْ بَنُو النّجّارِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ نَقِيبَهُمْ فَقَالُوا
لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ
فَاجْعَلْ مِنّا رَجُلًا مَكَانَهُ يُقِيمُ مِنْ أَمْرِنَا مَا كَانَ
يُقِيمُ فَقَالَ [ ص 508 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمْ
أَنْتُمْ أَخْوَالِي ، وَأَنَا بِمَا فِيكُمْ ، وَأَنَا نَقِيبُكُمْ
وَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَخُصّ
بِهَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَكَانَ مِنْ فَضْلِ بَنِي النّجّارِ
الّذِي يَعُدّونَ عَلَى قَوْمِهِمْ أَنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَقِيبَهُمْ .
خَبَرُ الْأَذَانِ
[التّفْكِيرُ فِي اتّخَاذِ بُوقٍ أَوْ نَاقُوسٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ إخْوَانُهُ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ ، اسْتَحْكَمَ أَمْرُ
الْإِسْلَامِ فَقَامَتْ الصّلَاةُ وَفُرِضَتْ الزّكَاةُ وَالصّيَامُ
وَقَامَتْ الْحُدُودُ وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَتَبَوّأَ
الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَكَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ
الْأَنْصَارِ هُمْ الّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالْإِيمَانَ . وَقَدْ
كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا
إنّمَا يَجْتَمِعُ النّاسُ إلَيْهِ لِلصّلَاةِ لِحِينِ مَوَاقِيتِهَا ،
بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَهَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَيْنَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَبُوقِ يَهُودَ الّذِينَ
يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ ثُمّ كَرِهَهُ ثُمّ أَمَرَ بِالنّاقُوسِ
فَنُحِتَ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلْمُسْلِمَيْنِ لِلصّلَاةِ .
[رُؤْيَا عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْأَذَانِ ]
فَبَيْنَمَا
هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ رَأَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ عَبْدِ رَبّهِ ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، النّدَاءَ
فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّهُ طَافَ بِي هَذِهِ اللّيْلَةَ طَائِفٌ مَرّ بِي
رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ
فَقُلْت لَهُ يَا عَبْدَ اللّهِ أَتَبِيعُ هَذَا النّاقُوسَ ؟ قَالَ وَمَا
تَصْنَعُ بِهِ ؟ قَالَ قُلْت : نَدْعُو بِهِ إلَى الصّلَاةِ قَالَ أَفَلَا
أَدُلّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ قُلْت : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ
تَقُولُ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ ، اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ
أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، أَشْهَدُ أَنّ لَا
إلَهَ إلّا اللّهُ ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ أَشْهَدُ
أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ
حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ
أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ
[ تَعْلِيمُ بِلَالٍ الْأَذَانَ ]
فَلَمّا
[ ص 509 ] أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ إنْ شَاءَ اللّهُ ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ
فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ فَلْيُؤَذّنْ بِهَا ، فَإِنّهُ أَنْدَى صَوْتًا
مِنْك . فَلَمّا أَذّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ،
وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ يَجُرّ رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ
وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى ؛
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلِلّهِ
الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ .
[رُؤْيَا عُمَرُ فِي الْأَذَانِ وَسَبْقُ الْوَحْيِ بِهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ ، عَنْ أَبِيهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ قَالَ لِي عَطَاءٌ : سَمِعْت عُبَيْدَ
بْنَ عُمَيْرٍ اللّيْثِيّ يَقُولُ ائْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالنّاقُوسِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصّلَاةِ
فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ
لِلنّاقُوسِ إذْ رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الْمَنَامِ لَا
تَجْعَلُوا النّاقُوسَ بَلْ أَذّنُوا لِلصّلَاةِ . فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُخْبِرَهُ بِاَلّذِي رَأَى ،
وَقَدْ جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ
فَمَا رَاعَ عُمَرُ إلّا بِلَالٌ يُؤَذّنُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَدْ سَبَقَك
بِذَلِكَ الْوَحْيُ .
[مَا كَانَ يَقُولُهُ بِلَالٌ قَبْلَ الْأَذَانِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ ،
قَالَتْ كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ ، فَكَانَ
بِلَالٌ يُؤَذّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلّ غَدَاةٍ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ
فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ فَإِذَا رَآهُ تَمَطّى ،
ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّي أَحَمْدُك وَأَسْتَعِينُك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ
يُقِيمُوا عَلَى دِينِك . قَالَتْ وَاَللّهِ مَا عَلِمْته كَانَ
يَتْرُكُهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً
أَبُو قَيْسِ بْنُ أَبِي أَنَسٍ
قَالَ
[ ص 510 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا اطْمَأَنّتْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَارُهُ وَأَظْهَرَ اللّهُ بِهَا دِينَهُ
وَسَرّهُ بِمَا جَمَعَ إلَيْهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ
أَهْلِ وِلَايَتِهِ قَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ ،
أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو قَيْسٍ
صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسِ بْنِ صِرْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَكَانَ رَجُلًا قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ
وَفَارَقَ الْأَوْثَانَ وَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتَطَهّرَ مِنْ
الْحَائِضِ مِنْ النّسَاءِ وَهَمّ بِالنّصْرَانِيّةِ ثُمّ أَمْسَكَ
عَنْهَا ، وَدَخَلَ بَيْتًا لَهُ فَاِتّخَذَهُ مَسْجِدًا لَا تَدْخُلُهُ
عَلَيْهِ فِيهِ طَامِثٌ وَلَا جُنُبٌ وَقَالَ أَعْبُدُ رَبّ إبْرَاهِيمَ ،
حَيْنَ فَارَقَ الْأَوْثَانَ وَكَرِهَهَا ، حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ
إسْلَامُهُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَكَانَ قَوّالًا بِالْحَقّ مُعَظّمًا
لِلّهِ عَزّ وَجَلّ فِي جَاهِلِيّتِهِ يَقُولُ أَشْعَارًا فِي ذَلِكَ
حِسَانًا - وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيًا : ... أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتَى فَافْعَلُوا
فَأُوصِيكُمْ بِاَللّهِ وَالْبِرّ وَالتّقَى ... وَأَعْرَاضِكُمْ وَالْبِرّ بِاَللّهِ أَوّلُ
وَإِنْ قَوْمُكُمْ سَادُوا فَلَا تَحْسُدُنّهُمْ ... وَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ الرّيَاسَةِ فَاعْدِلُوا
وَإِنْ نَزَلَتْ إحْدَى الدّوَاهِي بِقَوْمِكُمْ ... فَأَنْفُسَكُمْ دُونَ الْعَشِيرَةِ فَاجْعَلُوا
وَإِنْ نَابَ غُرْمٌ فَادِحٌ فَارْفُقُوهُمْ ... وَمَا حَمّلُوكُمْ فِي الْمُلِمّاتِ فَاحْمِلُوا
وَإِنْ أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمْ فَتَعَفّفُوا ... وَإِنْ كَانَ فَضْلُ الْخَيْرِ فِيكُمْ فَأَفْضِلُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ فَادِحٌ فَارْفِدُوهُمْ
[ ص 511 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَة ُ أَيْضًا :
سَبّحُوا اللّهَ شَرْقَ كُلّ صَبَاحٍ ... طَلَعَتْ شَمْسُهُ وَكُلّ هِلَالِ
عَالِمَ السّرّ وَالْبَيَانِ لَدَيْنَا ... لَيْسَ مَا قَالَ رَبّنَا بِضَلَالِ
وَلَهُ الطّيْرُ تَسْتَرِيدُ وَتَأْوِي ... فِي وُكُورٍ مِنْ آمِنَاتِ الْجِبَالِ
وَلَهُ الْوَحْشُ بِالْفَلَاةِ تَرَاهَا ... فِي حِقَافٍ وَفِي ظِلَالِ الرّمَالِ
وَلَهُ هَوّدَتْ يَهُودُ وَدَانَتْ ... كُلّ دِينٍ إذَا ذَكَرْتَ عُضَالِ
وَلَهُ شَمّسَ النّصَارَى وَقَامُوا ... كُلّ عِيدٍ لِرَبّهِمْ وَاحْتِفَالِ
وَلَهُ الرّاهِبُ الْحَبِيسُ تَرَاهُ ... رَهْنَ بُوْسٍ وَكَانَ نَاعِمَ بَالِ
يَا بَنِيّ الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا ... وَصِلُوهَا قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ
وَاتّقُوا اللّهَ فِي ضِعَافِ الْيَتَامَى ... رُبّمَا يُسْتَحَلّ غَيْرُ الْحَلَالِ
وَاعْلَمُوا أَنّ لِلْيَتِيمِ وَلِيّا ... عَالِمًا يَهْتَدِي بِغَيْرِ السّؤَالِ
ثُمّ مَالَ الْيَتِيمِ لَا تَأْكُلُوهُ ... إنّ مَالَ الْيَتِيمِ يَرْعَاهُ وَالِي
يَا بَنِيّ التّخُومَ لَا تَخْزِلُوهَا ... إنّ خَزْلَ التّخُومِ ذُو عُقّالِ
يَا بَنِيّ الْأَيّامَ لَا تَأْمَنُوهَا ... وَاحْذَرُوا مَكْرَهَا وَمَرّ اللّيَالِي
وَاعْلَمُوا أَنّ مَرّهَا لِنَفَادِ الْ ... خَلْق مَا كَانَ مِنْ جَدِيدٍ وَبَالِي
وَاجْمَعُوا أَمْرَكُمْ عَلَى الْبِرّ وَالتّقْ ... وَى وَتَرْكِ الْخَنَا وَأَخْذِ الْحَلَالِ
[
ص 512 ] وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا ، يَذْكُرُ مَا
أَكْرَمَهُمْ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَمَا
خَصّهُمْ اللّهُ بِهِ مِنْ نُزُولِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ ... حِجّةً يُذَكّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُئوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فَلَمّا أَتَانَا أَظْهَرَ اللّهُ دِينَهُ ... فَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بطِيبةَ رَاضِيَا
وَأَلْفَى صِدّيقًا وَاطْمَأَنّتْ بِهِ النّوَى ... وَكَانَ لَهُ عَوْنًا مِنْ اللّهِ بَادِيَا
يَقُصّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ ... وَمَا قَالَ مُوسَى إذْ أَجَابَ الْمُنَادِيَا
فَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ وَاحِدًا ... قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ نَائِيَا
بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ حِلّ مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى والتّآسِيا
وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ أَفْضَلُ هَادِيَا
نُعَادِي الّذِي عَادَى مِنْ النّاسِ كلّهُم ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا
أَقُولُ إذَا أَدْعُوك فِي كُلّ بَيْعَةٍ ... تَبَارَكْتَ قَدْ أَكْثَرْتُ لِاسْمِك دَاعِيَا
أَقُولُ إذَا جَاوَزْتُ أَرْضًا مَخُوفَةً ... حَنانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيّ الْأَعَادِيَا
فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ... وَإِنّك لَا تُبْقِي لِنَفْسِك بَاقِيَا
فَوَاَللّهِ مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي ... إذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللّهُ وَاقِيَا
وَلَا تَحْفِلُ النّخْلُ الْمُعِيمَةُ رَبّهَا ... إذَا أَصْبَحَتْ رِيّا وَأَصْبَحَ ثَاوِيَا
[ ص 513 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبَيْتُ الّذِي أَوّلُهُ فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ
وَالْبَيْتُ الّذِي يَلِيهِ فَوَاَللّهِ مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي
لِأَفْنُونَ التّغْلِبِيّ وَهُوَ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
الْأَعْدَاءُ مِنْ يَهُودَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَصَبَتْ عِنْدَ ذَلِكَ أَحْبَارُ يَهُودَ لِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَدَاوَةَ بَغْيًا وَحَسَدًا
وَضِغْنًا ، لِمَا خَصّ اللّهُ تَعَالَى بِهِ الْعَرَبَ مِنْ أَخْذِهِ
رَسُولَهُ مِنْهُمْ وَانْضَافَ إلَيْهِمْ رِجَالٌ مِنْ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ ، مِمّنْ كَانَ عَسِيَ عَلَى جَاهِلِيّتِهِ فَكَانُوا
أَهْلَ نِفَاقٍ عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ مِنْ الشّرْكِ وَالتّكْذِيبِ
بِالْبَعْثِ إلّا أَنّ الْإِسْلَامَ قَهَرَهُمْ بِظُهُورِهِ وَاجْتِمَاعِ
قَوْمِهِمْ عَلَيْهِ فَظَهَرُوا بِالْإِسْلَامِ وَاِتّخَذُوهُ جُنّةً مِنْ
الْقَتْلِ وَنَافَقُوا فِي السّرّ ، وَكَانَ هَوَاهُمْ مَعَ يَهُودَ
لِتَكْذِيبِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجُحُودِهِمْ
الْإِسْلَامَ . وَكَانَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ هُمْ الّذِينَ يَسْأَلُونَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَتَعَنّتُونَهُ
وَيَأْتُونَهُ بِاللّبْسِ لِيَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ فَكَانَ
الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِيهِمْ فِيمَا يَسْأَلُونَ عَنْهُ إلّا قَلِيلًا
مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ
يَسْأَلُونَ عَنْهَا .
[ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ ]
مِنْهُمْ
[ ص 514 ] حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَأَخَوَاهُ أَبُو يَاسِرِ بْنِ
أَخْطَبَ ، وَجُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ وَسَلّامُ بْنُ مُشْكِمٍ ، وَكِنَانَةُ
بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَسَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْق ِ
أَبُو رَافِعٍ الْأَعْوَرُ وَهُوَ الّذِي قَتَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرٍ - وَالرّبِيعُ بْنُ
الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَعَمْرُو بْنُ جَحّاشٍ ، وَكَعْبُ بْنُ
الْأَشْرَف ِ وَهُوَ مِنْ طَيّئ ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ ، وَأُمّهُ
مِنْ بَنِي النّضِيرِ ، وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ
الْأَشْرَف ِ وَكَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ،
فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي النّضِيرِ . وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ ابْنُ
الفِطْيَوْن : عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا الْأَعْوَرُ وَلَمْ يَكُنْ
بِالْحِجَازِ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالتّوْرَاةِ مِنْهُ وَابْنُ
صَلُوبا ، وَمُخَيْرِيقٌ ، وَكَانَ حَبْرَهُمْ أَسْلَمَ . وَمِنْ بَنِي
قَيْنُقَاعَ : زَيْدُ بْنُ اللّصِيت - وَيُقَالُ ابْنُ اللّصَيت - فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَسَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ ، وَمَحْمُودُ بْنُ
سَيْحَانَ ، وَعُزَيْزُ بْنُ أَبِي عُزَيْزٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
صَيْفٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ ضَيْفٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَرِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ ،
وَفِنْحَاصُ وَأَشْيَعُ وَنُعْمَانُ بْنُ أضَا ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو
، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ ، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، وَزَيْدُ بْنُ
الْحَارِثِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ، وَسُكَيْنُ بْنُ أَبِي سُكَيْنٍ ،
وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَبِي أَوْفَى ، أَبُو أَنَسٍ
وَمَحْمُودُ بْنُ دَحْيَةَ وَمَالِكُ بْنُ صَيْفٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ ابْنُ ضَيْفٍ . [ ص 515 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَعْبُ بْنُ
رَاشِدٍ وَعَازِرٌ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ ، وَخَالِدٌ وَأَزَارُ
بْنُ أَبِي أَزَارٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ آزِرُ بْنُ آزِرُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَرَافِعُ بْنُ
حُرَيْمِلَةَ ، وَرَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ
وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامِ
بْنِ الْحَارِثِ ، وَكَانَ حَبْرَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ وَكَانَ اسْمُهُ
الْحُصَيْنُ فَلَمّا أَسْلَمَ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ . فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ .
وَمِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ : الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا بْنُ وَهْبٍ وَعَزّالُ بْنُ شَمْوِيلٍ ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَهُوَ صَاحِبُ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ الّذِي نُقِضَ عَامَ الْأَحْزَابِ ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ ، وَالنّحّامُ بْنُ زَيْدٍ ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ ، وَوَهْبُ بْنُ زَيْدٍ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ، وَأَبُو نَافِعٍ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَرْدَمُ بْنُ زَيْدٍ وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ ، وَرَافِعُ بْنُ رُمَيْلَةَ وَجَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ . وَمِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ : لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ ، وَهُوَ الّذِي أَخّذَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِسَائِهِ . [ ص 516 ] يَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ : كِنَانَةُ بْنُ صُورِيّا . وَمِنْ يَهُودِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : قَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو .
وَمِنْ يَهُودِ بَنِي النّجّارِ :
سِلْسِلَةُ بْنُ بَرْهَامَ . فَهَؤُلَاءِ أَحْبَارُ الْيَهُودِ ، أَهْلُ
الشّرُورِ وَالْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ وَأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةِ وَالنّصْبُ لِأَمْرِ
الْإِسْلَامِ الشّرُورَ لِيُطْفِئُوهُ إلّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ سَلَامٍ وَمُخَيْرِيقٍ .
إسْلَامُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ ،
كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ وَعَنْ إسْلَامِهِ حَيْنَ
أَسْلَمَ ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا ، قَالَ لَمّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ
وَزَمَانَهُ الّذِي كُنّا نَتَوَكّفُ لَهُ فَكُنْت مُسِرّا لِذَلِكَ
صَامِتًا عَلَيْهِ حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمّا نَزَلَ بقُباءٍ ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ وَأَنَا فِي رَأْسِ
نَخْلَةٍ لِي أَعَمَلُ فِيهَا ، وَعَمّتِي خَالِدَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ
تَحْتِي جَالِسَةٌ فَلَمّا سَمِعْتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَبّرْتُ فَقَالَتْ لِي عَمّتِي ، حَيْنَ
سَمِعَتْ تَكْبِيرِي : خَيّبَك اللّهُ وَاَللّهِ لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ
بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قَادِمًا مَا زِدْت ، قَالَ فَقُلْت لَهَا : أَيْ
عَمّةُ هُوَ وَاَللّهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ، وَعَلَى دِينِهِ
بُعِثَ [ ص 517 ] قَالَ فَقَالَتْ أَيْ ابْنَ أَخِي ، أَهُوَ النّبِيّ
الّذِي كُنّا نُخْبَرُ أَنّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفْسِ السّاعَةِ ؟ قَالَ
فَقُلْت لَهَا : نَعَمْ . قَالَ فَقَالَتْ فَذَاكَ إذًا . قَالَ ثُمّ
خَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَسْلَمْتُ ثُمّ رَجَعْتُ إلَى أَهْلِ بَيْتِي ، فَأَمَرْتُهُمْ
فَأَسْلَمُوا
قَالَ وَكَتَمْتُ إسْلَامِي مِنْ يَهُودَ ثُمّ جِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ وَإِنّي أُحِبّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِك ، وَتُغَيّبَنِي عَنْهُمْ ثُمّ تَسْأَلُهُمْ عَنّي ، حَتّى يُخْبِرُوك كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي ، فَإِنّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي . قَالَ فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ ثُمّ قَالَ لَهُمْ أَيّ رَجُلٍ الْحُصَيْنُ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : سَيّدُنَا وَابْنُ سَيّدِنَا ، وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا . قَالَ فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ فَقُلْت لَهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُمْ بِهِ فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ فَإِنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدّقُهُ وَأَعْرِفُهُ فَقَالُوا : كَذَبْت ثُمّ وَقَعُوا بِي ، قَالَ فَقُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَمْ أُخْبِرْك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ قَالَ فَأَظْهَرْت إسْلَامِي وَإِسْلَامُ أَهْلِ بَيْتِي ، وَأَسْلَمَتْ عَمّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فَحَسُنَ إسْلَامُهَا .
حَدِيثُ مُخَيْرِيقٍ
قَالَ [ ص 518 ] ابْنُ
إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ مُخَيْرِيقٍ ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا
، وَكَانَ رَجُلًا غَنِيّا كَثِيرَ الْأَمْوَالِ مِنْ النّخْلِ وَكَانَ
يَعْرِفُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصِفَتِهِ وَمَا
يَجِدُ فِي عِلْمِهِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ إلْفُ دِينِهِ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى
ذَلِكَ حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ
السّبْتِ ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ
أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ . قَالُوا : إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ
السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ . ثُمّ أَخَذَ سِلَاحَهُ فَخَرَجَ حَتّى
أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ وَعَهِدَ
إلَى مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ إنْ قُتِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ
فَأَمْوَالِي لِمُحَمّدٍ ( صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ) يَصْنَعُ
فِيهَا مَا أَرَاهُ اللّهُ . فَلَمّا اقْتَتَلَ النّاسُ قَاتَلَ حَتّى
قُتِلَ . فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا
بَلَغَنِي - يَقُولُ مُخَيْرِيقُ خَيْرُ الْيَهُودِ وَقَبَضَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْوَالَهُ فَعَامّةُ صَدَقَاتِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا .
شَهَادَةٌ عَنْ صَفِيّةَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ حُدّثْت عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ
حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ أَنّهَا قَالَتْ كُنْت أَحَبّ وَلَدِ [ ص 519 ]
أَبِي إلَيْهِ وَإِلَى عَمّي أَبِي يَاسِرٍ لَمْ أَلْقَهُمَا قَطّ مَعَ
وَلَدٍ لَهُمَا إلّا أَخَذَانِي دُونَهُ . قَالَتْ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَنَزَلَ قُبَاءَ ،
فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، غَدَا عَلَيْهِ أَبِي ، حُيَيّ بْنُ
أَخْطَبَ ، وَعَمّي أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ ، مُغَلّسَيْنِ . قَالَتْ
فَلَمْ يَرْجِعَا حَتّى كَانَا مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ . قَالَتْ فَأَتَيَا
كَالّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى . قَالَتْ
فَهَشِشْتُ إلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ فَوَاَللّهِ مَا الْتَفَتَ
إلَيّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الْغَمّ . قَالَتْ
وَسَمِعْت عَمّي أَبَا يَاسِرٍ وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي حُيَيّ بْنِ
أَخْطَبَ : أَهُوَ هُوَ ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ قَالَ أَتَعْرِفُهُ
وَتُثْبِتُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا فِي نَفْسِك مِنْهُ ؟ قَالَ
عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا بَقِيتُ .
مِنْ اجْتَمَعَ إلَى يَهُودَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَارِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ انْضَافَ إلَى يَهُودَ مِمّنْ سُمّيَ
لَنَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَاَللّهُ
أَعْلَمُ . مِنْ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي لَوْذَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ زُوَيّ بْنُ الْحَارِثِ . وَمِنْ بَنِي خُبَيْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ ، وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ
سُوَيْدٍ .
[ شَيْءٌ عَنْ جُلَاسَ ]
وَجُلَاسُ الّذِي قَالَ -
وَكَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ - لَئِنْ كَانَ هَذَا الرّجُلُ صَادِقًا
لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحُمُرِ . فَرَفَعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ ،
أَحَدُهُمْ وَكَانَ فِي حِجْرِ جُلَاسَ خَلَفَ جُلَاسَ عَلَى أُمّهِ
بَعْدَ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ : وَاَللّهِ يَا
جُلَاسُ إنّك لَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي يَدًا ،
وَأَعَزّهُمْ عَلَيّ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَلَقَدْ قُلْتَ
مَقَالَةً لَئِنْ رَفَعْتُهَا عَلَيْك لَأَفْضَحَنّك ، وَلَئِنْ صَمَتّ
عَلَيْهَا [ ص 520 ] دِينِي ، وَلَإِحْدَاهُمَا أَيْسَرُ عَلَيّ مِنْ
الْأُخْرَى . ثُمّ مَشَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَ جُلَاسُ فَحَلَفَ جُلَاسُ بِاَللّهِ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ كَذَبَ عَلَيّ
عُمَيْرٌ وَمَا قُلْتُ مَا قَالَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ . فَأَنْزَلَ
اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ
قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمّوا
بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ
وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ
يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ }
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَلِيمُ الْمُوجِعُ . قَالَ ذُو الرّمّةِ يَصِفُ
إبِلًا :
وَتَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلَاتٍ ... يَصُكّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَزَعَمُوا أَنّهُ
تَابَ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ حَتّى عُرِفَ مِنْهُ الْخَيْرُ
وَالْإِسْلَامُ .
[ شَيْءٌ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ ]
وَأَخُوهُ
الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ ، الّذِي قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ
الْبَلَوِيّ وَقَيْسَ بْنَ زَيْدٍ أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ ، يَوْمَ
أُحُدٍ . خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مُنَافِقًا ، فَلَمّا
الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَيْهِمَا ، فَقَتَلَهُمَا ثُمّ لَحِقَ
بِقُرَيْشٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ
قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ
بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ طَلَبَ
الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ غُرّةَ الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ لِيَقْتُلهُ
بِأَبِيهِ فَقَتَلَهُ وَحْدَهُ وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ يَقُولُ وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَقْتُلْ قَيْسَ بْنَ
زَيْدٍ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ ؛ قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ
غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ
بُعَاثٍ . [ ص 521 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - قَدْ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ
الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَان َ بِمَكّةَ
، ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ جُلَاسَ يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى
قَوْمِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ - فِيمَا
بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ - : { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا
كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ
الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } إلَى آخِرِ
الْقِصّةِ . وَمِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : بِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ .
وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : نَبْتَلُ بْنُ
الْحَارِثِ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - : مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى
الشّيْطَانِ فَلْيَنْظُرْ إلَى نَبْتَلَ بْنِ الْحَارِثِ وَكَانَ رَجُلًا
جَسِيمًا أَذْلَمَ ثَائِرَ شَعْرِ الرّأْسِ أَحْمَرَ الْعَيْنَيْنِ
أَسْفَعَ الْخَدّيْنِ وَكَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُ إلَيْهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ ثُمّ يَنْقُلُ
حَدِيثَهُ إلَى الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ الّذِي قَالَ إنّمَا مُحَمّدٌ
أُذُنٌ مَنْ حَدّثَهُ شَيْئًا صَدّقَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
فِيهِ { وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَرَحْمَةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ
اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي
بَعْضُ رِجَالِ بَلْعِجْلَانَ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ
السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
لَهُ إنّهُ يَجْلِسُ إلَيْك رَجُلٌ أَذْلَمُ ثَائِرُ شَعْرِ الرّأْسِ
أَسْفَعُ الْخَدّيْنِ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ كَأَنّهُمَا قِدْرَانِ مِنْ
صُفْرٍ كَبِدُهُ [ ص 522 ] وَكَانَتْ تِلْكَ صِفّةُ نَبْتَلِ بْنِ
الْحَارِثِ فِيمَا يَذْكُرُونَ .
وَمِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ : أَبُو
حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ وَكَانَ مِمّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ
وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ ، وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَهُمَا
اللّذَانِ عَاهَدَا اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ
وَلَنَكُونَنّ مِنْ الصّالِحِينَ إلَخْ الْقِصّةِ . وَمُعَتّبٌ الّذِي
قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ : لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا
قُتِلْنَا هَاهُنَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِ { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ
بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ
الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنّ الْأَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . وَهُوَ
الّذِي قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ : كَانَ مُحَمّدٌ يَعِدُنَا أَنْ
نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَأَحَدُنَا لَا يَأْمَنُ أَنْ
يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ { وَإِذْ
يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا
اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورًا } وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ .
[ مُعَتّبٌ وَابْنَا حَاطِبٍ بَدْرِيّونَ وَلَيْسُوا مُنَافِقِينَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَثَعْلَبَةُ وَالْحَارِثُ
ابْنَا حَاطِبٍ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ مِنْ أَهْلِ
بَدْرٍ وَلَيْسُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِيمَا ذَكَرَ لِي مَنْ أَثِقُ
بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ ثَعْلَبَةَ
وَالْحَارِثَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ فِي أَسْمَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ أَخُو سَهْلِ بْنِ
حُنَيْفٍ ؛ وَبَحْزَجُ وَهُمْ مِمّنْ كَانَ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ ،
وَعَمْرُو بْنُ خِذَامٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نَبْتَلَ . وَمِنْ بَنِي
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : جَارِيَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ
الْعَطّافِ وَابْنَاهُ زَيْدٌ وَمُجَمّعٌ ابْنَا جَارِيَةَ وَهُمْ مِمّنْ
اتّخَذَ مَسْجِدَ الضّرَارِ . وَكَانَ مُجَمّعٌ غُلَامًا حَدَثًا قَدْ
جَمَعَ مِنْ الْقُرْآنِ أَكْثَرَهُ وَكَانَ يُصَلّي بِهِمْ فِيهِ ثُمّ
إنّهُ لَمّا أُخْرِبَ الْمَسْجِدُ وَذَهَبَ [ ص 523 ] بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ كَانُوا يُصَلّونَ بِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي مَسْجِدِهِمْ
وَكَانَ زَمَانُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، كُلّمَ فِي مُجَمّعٍ لِيُصَلّيَ
بِهِمْ فَقَالَ لَا ، أَوَلَيْسَ بِإِمَامِ الْمُنَافِقِينَ فِي مَسْجِدِ
الضّرَارِ ؟ فَقَالَ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللّهِ
الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ مَا عَلِمْت بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ
وَلَكِنّي كُنْت غُلَامًا قَارِئًا لِلْقُرْآنِ وَكَانُوا لَا قُرْآنَ
مَعَهُمْ فَقَدّمُونِي أُصَلّي بِهِمْ وَمَا أَرَى أَمْرَهُمْ إلّا عَلَى
أَحْسَنِ مَا ذَكَرُوا فَزَعَمُوا أَنّ عُمَرَ تَرَكَهُ فَصَلّى
بِقَوْمِهِ .
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ :
وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَهُوَ مِمّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ ،
وَهُوَ الّذِي قَالَ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا
كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ
كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ : خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ الّذِي أُخْرِجَ
مَسْجِدُ الضّرَارِ مِنْ دَارِهِ وَبِشْرٌ وَرَافِعٌ ابْنَا زَيْدٍ .
وَمِنْ بَنِي النّبِيتِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : النّبِيتُ عَمْرُو بْنُ
مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مِنْ بَنِي
حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ
بْنِ الْأَوْسِ : مِرْبَعُ بْنُ قَيْظِيّ ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ أَجَازَ فِي حَائِطِهِ
وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامِدٌ إلَى أُحُد :
لَا أُحِلّ لَك يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتَ نَبِيّا ، أَنْ تَمُرّ فِي
حَائِطِي ، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ
وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَذَا التّرَابِ غَيْرَك
لَرَمَيْتُك بِهِ فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُ فَهَذَا الْأَعْمَى ،
أَعْمَى الْقَلْبِ ، أَعْمَى الْبَصِيرَةِ فَضَرَبَهُ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ
، أَخُو [ ص 524 ] بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِالْقَوْسِ فَشَجّهُ
وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ : يَا رَسُولَ اللّهِ
إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ، فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إلَيْهَا
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { يَقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ
وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا } قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : عَوْرَةٌ أَيْ مُعْوَرَةٌ لِلْعَدُوّ وَضَائِعَةٌ وَجَمْعُهَا :
عَوْرَاتٌ . قَالَ النّابِغَةُ الذّبْيَانِيّ :
مَتَى تَلْقَهُمْ لَا تَلْقَ لِلْبَيْتِ عَوْرَةً ... وَلَا الْجَارَ مَحْرُومًا وَلَا الْأَمْرَ ضَائِعًا
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَالْعَوْرَةُ ( أَيْضًا ) : عَوْرَةُ
الرّجُلِ وَهِيَ حُرْمَتُهُ . وَالْعَوْرَةُ ( أَيْضًا ) السّوْأَةُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ ، وَاسْمُ ظَفَرٍ كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ شَيْخًا جَسِيمًا قَدْ عَسَا فِي جَاهِلِيّتِهِ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ . يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنّهُ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ بِهَا مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّةِ . قَالَ فَنَجَمَ نِفَاقُهُ حِينَئِذٍ فَجَعَلَ يَقُولُ أَبُوهُ أَجَلْ جَنّةٌ وَاَللّهِ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْمِسْكِينُ مِنْ نَفْسِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبُشَيْرُ بْنُ أُبَيْرِقٍ وَهُوَ أَبُو طُعْمَةَ سَارِقُ الدّرْعَيْنِ الّذِي أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ خَوّانًا أَثِيمًا } وَقُزْمَانُ : حَلِيفٌ لَهُمْ . [ ص 525 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقُولُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّار فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا حَتّى قَتَلَ بِضْعَةَ نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ ، فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرْ يَا قُزْمَانُ ، فَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ وَقَدْ أَصَابَك مَا تَرَى فِي اللّهِ . قَالَ بِمَاذَا أُبْشِرُ فَوَاَللّهِ مَا قَاتَلْت إلّا حَمِيّةً عَنْ قَوْمِي ، فَلَمّا اشْتَدّتْ بِهِ جِرَاحَاتُهُ وَآذَتْهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَطَعَ بِهِ رَوَاهِشَ يَدِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ .
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مُنَافِقٌ
وَلَا مُنَافِقَةٌ يَعْلَمُ إلّا أَنّ الضّحّاكَ بْنَ ثَابِتٍ ، أَحَدِ
بَنِي كَعْبٍ ، رَهْطِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ ، قَدْ كَانَ يُتّهَمُ
بِالنّفَاقِ وَحُبّ يَهُودَ . قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : [ ص 526 ]
مَنْ مُبْلِغُ الضّحّاكَ أَنّ عُرُوقَهُ ... أَعْيَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَنْ تَتَمَجّدَا
أَتُحِبّ يُهْدَانَ الْحِجَازِ وَدِينَهُمْ ... كِبْدَ الْحِمَارِ وَلَا تُحِبّ مُحَمّدًا
دِينًا لَعَمْرِي لَا يُوَافِقُ دِينَنَا ... مَا اسْتَنّ آلٌ فِي الْفَضَاءِ وَخَوّدَا
وَكَانَ
جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ قَبْلَ تَوْبَتِهِ - فِيمَا بَلَغَنِي
- وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَرَافِعُ بْنُ زَيْدٍ ، وَبِشْرٌ وَكَانُوا
يُدْعَوْنَ بِالْإِسْلَامِ فَدَعَاهُمْ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي
خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَدَعَوْهُمْ إلَى الْكُهّانِ حُكّامُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ
فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ
مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ
أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ يُضِلّهُمْ
ضَلَالًا بَعِيدًا } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . وَمِنْ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ
مِنْ بَنِي النّجّارِ : رَافِعُ بْنُ وَدِيعَةَ ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو ،
وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ، وَقَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ وَمِنْ بَنِي
جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ : الْجَدّ بْنُ
قَيْسٍ ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ يَا مُحَمّدُ ائْذَنْ لِي ، وَلَا
تَفْتِنّي . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ
ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنّ
جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
وَمِنْ
بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ سَلُول ٍ
، وَكَانَ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ وَإِلَيْهِ يَجْتَمِعُونَ وَهُوَ الّذِي
قَالَ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِنْهَا
الْأَذَلّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ . وَفِي قَوْلِهِ ذَلِكَ
نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ بِأَسْرِهَا . وَفِيهِ وَفِي وَدِيعَةَ
- رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَوْفٍ - وَمَالِكِ بْنِ أَبِي قَوْقَلَ وَسُوَيْدٍ ،
وَدَاعِسٌ وَهُمْ مِنْ رَهْطِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولٍ ،
وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولٍ . فَهَؤُلَاءِ النّفَرُ مِنْ
قَوْمِهِ الّذِينَ كَانُوا يَدُسّونَ إلَى بَنِي النّضِيرِ حَيْنَ
حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ
اُثْبُتُوا ، فَوَاَللّهِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ
وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا [ ص 527 ] أَبَدًا ، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ
لَنَنْصُرَنّكُمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { أَلَمْ تَرَ
إِلَى الّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا
نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنّكُمْ
وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ } ثُمّ الْقِصّةُ مِنْ السّورَةِ
حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ { كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ
لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنّي
أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ }
مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ نِفَاقًا
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ تَعَوّذَ بِالْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِيهِ
مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَهُ وَهُوَ مُنَافِقٌ مِنْ أَحْبَارِ
يَهُودَ . مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ : سَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ ، وَزَيْدُ بْنُ
اللّصَيْتِ وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى بْنُ عَمْرٍو ، وَعُثْمَانُ بْنُ
أَوْفَى . وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ الّذِي قَاتَلَ عُمَرَ بْنَ
الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُوَ الّذِي
قَالَ حَيْنَ ضَلّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ وَهُوَ لَا
يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَجَاءَهُ الْخَبَرُ بِمَا قَالَ عَدُوّ اللّهِ فِي رَحْلِهِ
وَدَلّ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَى نَاقَتِهِ إنّ قَائِلًا قَالَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ
يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ ؟ وَإِنّي
وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ إلّا مَا عَلّمَنِي اللّهُ وَقَدْ دَلّنِي اللّهُ
عَلَيْهَا ، فَهِيَ فِي هَذَا الشّعْبِ ، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ
بِزِمَامِهَا ، فَذَهَبَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَدُوهَا حَيْثُ
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَمَا وَصَفَ .
وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ الرّسُولُ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا - حَيْنَ مَاتَ قَدْ مَاتَ
الْيَوْمَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَرِفَاعَةُ بْنُ
زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ [ ص 528 ] هَبّتْ عَلَيْهِ الرّيحُ
وَهُوَ قَافِلٌ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، فَاشْتَدّتْ عَلَيْهِ
حَتّى أَشْفَقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَخَافُوا ، فَإِنّمَا هَبّتْ
لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفّارِ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ رِفَاعَةَ
بْنَ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الّذِي هَبّتْ فِيهِ
الرّيحُ . وَسِلْسِلَةَ بْنَ بِرْهامٍ . وَكِنَانَةَ بْنَ صُورِيّا .
[ طَرْدُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ مَسْجِدِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
وَكَانَ
هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ فَيَسْتَمِعُونَ
أَحَادِيثَ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْخَرُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِدِينِهِمْ
فَاجْتَمَعَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ نَاسٌ فَرَآهُمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُونَ بَيْنَهُمْ خَافِضِي
أَصْوَاتَهُمْ قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ
إخْرَاجًا عَنِيفًا ، فَقَامَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ
كُلَيْبٍ إلَى عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ ، أَحَدِ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ النّجّارِ - كَانَ صَاحِبَ آلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَأَخَذَ
بِرِجْلِهِ فَسَحَبَهُ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ
أَتُخْرِجُنِي يَا أَبَا أَيّوبَ مِنْ مِرْبَدِ بَنِي ثَعْلَبَة ثُمّ
أَقْبَلَ أَبُو أَيّوبَ أَيْضًا إلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ ، أَحَدِ
بَنِي النّجّارِ فَلَبّبَهُ بِرِدَائِهِ ثمَ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا ،
وَلَطَمَ وَجْهَهُ ثُمّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَبُو أَيّوبَ
يَقُولُ لَهُ أُفّ لَك مُنَافِقًا خَبِيثًا : أَدْرَاجَك يَا مُنَافِقُ
مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أَيْ ارْجِعْ مِنْ الطّرِيقِ الّتِي جِئْت مِنْهَا .
قَالَ الشّاعِرُ
فَوَلّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ... وَقَدْ بَاءَ بِالظّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمّ
وَقَامَ
عِمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ رَجُلًا
طَوِيلَ اللّحْيَةِ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا
عَنِيفًا حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمّ جَمَعَ عِمَارَةُ
يَدَيْهِ فَلَدَمَهُ بِهِمَا فِي صَدْرِهِ لَدْمَةً خَرّ مِنْهَا . قَالَ
يَقُولُ خَدَشْتَنِي يَا عِمَارَةُ قَالَ [ ص 529 ] أَبْعَدَك اللّهُ يَا
مُنَافِقُ فَمَا أَعَدّ اللّهُ لَك مِنْ الْعَذَابِ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ
فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اللّدْمُ الضّرْبُ بِبَطْنِ الْكَفّ . قَالَ
تَمِيمُ بْنُ أُبَيّ بْنِ مُقْبِلٍ
وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : الْغَيْبُ مَا انْخَفَضَ مِنْ الْأَرْضِ . وَالْأَبْهَرُ
عِرْقُ الْقَلْبِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَامَ أَبُو مُحَمّدٍ رَجُلٌ
مِنْ بَنِي النّجّارِ كَانَ بَدْرِيّا ، وَأَبُو مُحَمّدٍ مَسْعُودُ بْنُ
أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ إلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ
، وَكَانَ قَيْسٌ غُلَامًا شَابّا ، وَكَانَ لَا يُعْلَمُ فِي
الْمُنَافِقِينَ شَابّ غَيْرُهُ فَجَعَلَ يَدْفَعُ فِي قَفَاهُ حَتّى
أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ . وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَلْخُدْرَةَ بْنِ
الْخَزْرَجِ ، رَهْطِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ ، حَيْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى
رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو ، وَكَانَ ذَا جُمّةٍ
فَأَخَذَ بِجُمّتِهِ فَسَحَبَهُ بِهَا سَحْبًا عَنِيفًا ، عَلَى مَا مَرّ
بِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ . قَالَ يَقُولُ
الْمُنَافِقُ لَقَدْ أَغْلَظْت يَا ابْنَ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهُ إنّك
أَهْلٌ لِذَلِكَ أَيْ عَدُوّ اللّهِ لَمّا أَنْزَلَ اللّهُ فِيك ، فَلَا
تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ،
فَإِنّك نَجِسٌ . وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى
أَخِيهِ زُوَيّ بْنِ الْحَارِثِ فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا
عَنِيفًا ، وَأَفّفَ مِنْهُ وَقَالَ غَلَبَ عَلَيْك الشّيْطَانُ
وَأَمْرُهُ . فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ يَوْمئِذٍ مِنْ
الْمُنَافِقِينَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِإِخْرَاجِهِمْ .
مَا نَزَلَ مِنْ الْبَقَرَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ وَيَهُودَ
[ مَا نَزَلَ فِي الْأَحْبَارِ ]
فَفِي
هَؤُلَاءِ [ ص 530 ] الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، نَزَلَ صَدْرُ سُورَةِ
الْبَقَرَةِ إلَى الْمِئَةِ مِنْهَا - فِيمَا بَلَغَنِي - وَاَللّهُ
أَعْلَمُ . يَقُولُ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ { الم ذَلِكَ
الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ } أَيْ لَا شَكّ فِيهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَةَ الْهُذَلِيّ :
فَقَالُوا عَهِدْنَا الْقَوْمَ قَدْ حَصَرُوا بِهِ ... فَلَا رَيْبَ أَنْ قَدْ كَانَ ثَمّ لَحِيمُ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَالرّيْبُ ( أَيْضًا ) : الرّيبَةُ . قَالَ
خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ : كَأَنّنِي أَرْبِبُهُ بِرَيْبٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ كَأَنّنِي أَرَبْته بِرَيْبٍ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَهُوَ ابْنُ أَخِي أَبِي ذُؤَيْبٍ
الْهُذَلِيّ . { هُدًى لِلْمُتّقِينَ } أَيْ الّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنْ
اللّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْهُدَى ،
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ بِالتّصْدِيقِ بِمَا جَاءَهُمْ مِنْهُ . {
الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَمِمّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } أَيْ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ بِفَرْضِهَا ،
وَيُؤْتَوْنَ الزّكَاةَ احْتِسَابًا لَهَا . { وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } أَيْ
يُصَدّقُونَك بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَمَا جَاءَ بِهِ
مَنْ قَبْلُك مِنْ الْمُرْسَلِينَ لَا يُفَرّقُونَ بَيْنَهُمْ وَلَا
يَجْحَدُونَ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ رَبّهِمْ . { وَبِالْآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ } أَيْ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنّةِ وَالنّارِ
وَالْحِسَابِ [ ص 531 ] كَانَ مِنْ قَبْلِك ، وَبِمَا جَاءَك مِنْ رَبّك {
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبّهِمْ } أَيْ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبّهِمْ
وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى مَا جَاءَهُمْ { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
أَيْ الّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرّ مَا مِنْهُ
هَرَبُوا . إنّ الّذِينَ كَفَرُوا ، أَيْ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْك ، وَإِنْ
قَالُوا إنّا قَدْ آمَنّا بِمَا جَاءَنَا قَبْلَك { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ
أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } أَيْ أَنّهُمْ
قَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذِكْرِك ، وَجَحَدُوا مَا أُخِذَ
عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقُ لَك ، فَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَك وَبِمَا
عِنْدَهُمْ مِمّا جَاءَهُمْ بِهِ غَيْرُك ، فَكَيْفَ يَسْتَمِعُونَ مِنْك
إنْذَارًا أَوْ تَحْذِيرًا ، وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ
عِلْمِك . { خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى
أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } أَيْ عَنْ الْهُدَى أَنْ يُصِيبُوهُ أَبَدًا ،
يَعْنِي بِمَا كَذّبُوك بِهِ مِنْ الْحَقّ الّذِي جَاءَك مِنْ رَبّك حَتّى
يُؤْمِنُوا بِهِ وَإِنْ آمَنُوا بِكُلّ مَا كَانَ قَبْلَك ، وَلَهُمْ
بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِك عَذَابٌ عَظِيمٌ . فَهَذَا فِي
الْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ فِيمَا كَذّبُوا بِهِ مِنْ الْحَقّ بَعْدَ
مُعْرِفَتِهِ .
[ مَا نَزَلَ فِي مُنَافِقِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ]
{
وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ ، وَمَنْ كَانَ عَلَى أَمْرِهِمْ . { يُخَادِعُونَ اللّهَ
وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا
يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أَيْ شَكّ { فَزَادَهُمُ اللّهُ
مَرَضًا } أَيْ شَكّا { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا
يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا
إِنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أَيْ إنّمَا نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ
الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ . يَقُولُ اللّهُ
تَعَالَى { أَلَا إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ
كَمَا آمَنَ السّفَهَاءُ أَلَا إِنّهُمْ هُمُ السّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا
يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا } وَإِذَا
خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ مِنْ يَهُودَ الّذِينَ يَأْمُرُونَهُمْ
بِالتّكْذِيبِ بِالْحَقّ وَخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرّسُولُ { قَالُوا
إِنّا مَعَكُمْ } أَيْ إنّا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ . {
إِنّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } أَيْ إنّمَا نَسْتَهْزِئُ بِالْقَوْمِ
وَنَلْعَبُ بِهِمْ . يَقُولُ [ ص 532 ] عَزّ وَجَلّ { اللّهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : يَعْمَهُونَ يَحَارُونَ . تَقُولُ الْعَرَبُ : رَجُلٌ
عَمِهٌ وَعَامِهٌ أَيْ حَيَرَانُ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ يَصِفُ
بَلَدًا : أَعْمَى الْهُدَى بِالْجَاهِلِينَ الْعُمّهِ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . فَالْعُمّهُ جَمْعُ عَامِهٍ وَأَمّا
عَمِهٌ فَجَمْعُهُ عَمِهُونَ . وَالْمَرْأَةُ عَمِهَةٌ وَعَمْهَاءُ . {
أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الضّلَالَةَ بِالْهُدَى } أَيْ الْكُفْرِ
بِالْإِيمَانِ { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا ، فَقَالَ تَعَالَى
{ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ
ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ }
أَيْ لَا يُبْصِرُونَ الْحَقّ وَيَقُولُونَ بِهِ حَتّى إذَا خَرَجُوا بِهِ
مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ أَطْفَئُوهُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ وَنِفَاقِهِمْ
فِيهِ فَتَرَكَهُمْ اللّهُ فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَهُمْ لَا
يُبْصِرُونَ هُدًى ، وَلَا يَسْتَقِيمُونَ عَلَى حَقّ . { صُمّ بُكْمٌ
عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } أَيْ لَا يَرْجِعُونَ إلَى الْهُدَى ،
صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ عَنْ الْخَيْرِ لَا يَرْجِعُونَ إلَى خَيْرٍ وَلَا
يُصِيبُونَ نَجَاةً مَا كَانُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ { أَوْ كَصَيّبٍ
مِنَ السّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ
أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللّهُ
مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّيّبُ الْمَطَرُ
وَهُوَ مِنْ صَابَ يَصُوبُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ السّيّدُ مَنْ سَادَ يَسُودُ
وَالْمَيّتُ مَنْ مَاتَ يَمُوتُ وَجَمْعُهُ صَيَائِبُ . قَالَ عَلْقَمَةُ
بْنُ عَبَدَةَ ، أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ
بْنِ تَمِيمٍ :
كَأَنّهُمْ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ ... صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنّ دَبِيبُ
وَفِيهَا :
فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمّرٍ ... سَقَتْكَ رَوَايَا الْمُزْنِ حَيْثُ تَصُوبُ
[
ص 533 ] وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : أَيْ هُمْ مِنْ ظُلْمَةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ
وَالْحَذَرِ مِنْ الْقَتْلِ مِنْ الّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ
وَالتّخَوّفِ لَكُمْ عَلَى مِثْلِ مَا وُصِفَ مِنْ الّذِي هُوَ ( فِي )
ظُلْمَةِ الصّيّبِ يَجْعَلُ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنِيهِ مِنْ الصّوَاعِقِ
حَذَرَ الْمَوْتِ . يَقُولُ وَاَللّهُ مُنْزِلُ ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ
النّقْمَةِ أَيْ هُوَ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ { يَكَادُ الْبَرْقُ
يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أَيْ لِشِدّةِ ضَوْءِ الْحَقّ { كُلّمَا أَضَاءَ
لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أَيْ
يَعْرِفُونَ الْحَقّ وَيَتَكَلّمُونَ بِهِ فَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ بِهِ
عَلَى اسْتِقَامَةٍ فَإِذَا ارْتَكَسُوا مِنْهُ فِي الْكُفْرِ قَامُوا
مُتَحَيّرِينَ . { وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ
وَأَبْصَارِهِمْ } أَيْ لِمَا تَرَكُوا مِنْ الْحَقّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ
{ إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا
النّاسُ اعْبُدُوا رَبّكُمُ } لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، مِنْ الْكُفّارِ
وَالْمُنَافِقِينَ أَيْ وَحّدُوا رَبّكُمْ { الّذِي خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
فِرَاشًا وَالسّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ
بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادًا
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَنْدَادُ الْأَمْثَالُ وَأَحَدُهُمْ نِدّ . قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ :
أَحْمَدُ اللّهَ فَلَا نِدّ لَهُ ... بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلَ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . فَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَيْ لَا
تُشْرِكُوا بِاَللّهِ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ الّتِي لَا تَنْفَعُ
وَلَا تَضُرّ ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّهُ لَا رَبّ لَكُمْ
يَرْزُقكُمْ غَيْرُهُ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ الّذِي يَدْعُوكُمْ إلَيْهِ
الرّسُولُ مِنْ تَوْحِيدِهِ هُوَ الْحَقّ لَا شَكّ فِيهِ . { وَإِنْ
كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } أَيْ فِي شَكّ
مِمّا جَاءَكُمْ بِهِ { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ } [ ص 534 ] { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا } فَقَدْ تَبَيّنَ لَكُمْ
الْحَقّ { فَاتّقُوا النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ
أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ } أَيْ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ
عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ . ثُمّ رَغّبَهُمْ وَحَذّرَهُمْ نُقْضَ
الْمِيثَاقِ الّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إذَا جَاءَهُمْ وَذَكَرَ لَهُمْ بَدْءَ خَلْقِهِمْ حَيْنَ
خَلَقَهُمْ وَشَأْنَ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَأَمْرَهُ
وَكَيْفَ صَنَعَ بِهِ حَيْنَ خَالَفَ عَنْ طَاعَتِهِ ثُمّ قَالَ { يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ } لِلْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ
الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أَيْ بَلَائِي عِنْدَكُمْ وَعِنْدَ
آبَائِكُمْ لَمّا كَانَ نَجّاهُمْ بِهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ {
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } الّذِي أَخَذْت فِي أَعْنَاقِكُمْ لِنَبِيّي
أَحْمَدَ إذَا جَاءَكُمْ { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أُنْجِزْ لَكُمْ مَا
وَعَدْتُكُمْ عَلَى تَصْدِيقِهِ وَاتّبَاعِهِ بِوَضْعِ مَا كَانَ
عَلَيْكُمْ مِنْ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ الّتِي كَانَتْ فِي
أَعْنَاقِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ الّتِي كَانَتْ مِنْ أَحْدَاثِكُمْ {
وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ } أَيْ أَنْ أُنْزِلَ بِكُمْ مَا أَنَزَلْت بِمَنْ
كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْ النّقْمَاتِ الّتِي قَدْ
عَرَفْتُمْ مِنْ الْمَسْخِ وَغَيْرِهِ . { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ
مُصَدّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوّلَ كَافِرٍ بِهِ }
وَعِنْدَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ فِيهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكُمْ {
وَإِيّايَ فَاتّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا
الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَيْ لَا تَكْتُمُوا مَا عِنْدَكُمْ
مِنْ الْمُعْرِفَةِ بِرَسُولِي وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ
عِنْدَكُمْ فِيمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْكُتُبِ الّتِي بِأَيْدِيكُمْ {
أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ
تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أَيْ أَتَنْهَوْنَ النّاسَ
عَنْ الْكُفْرِ بِمَا عِنْدَكُمْ مِنْ النّبُوّةِ وَالْعَهْدِ مِنْ
التّوْرَاةِ وَتَتْرُكُونَ أَنَفْسَكُمْ أَيْ وَأَنْتُمْ تَكْفُرُونَ
بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدِي إلَيْكُمْ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِي ،
وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي ، وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي .
ثُمّ عَدّدَ عَلَيْهِمْ أَحْدَاثَهُمْ فَذَكَرَ لَهُمْ الْعِجْلَ وَمَا
صَنَعُوا فِيهِ وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ وَإِقَالَتَهُ إيّاهُمْ ثُمّ
قَوْلَهُمْ { أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : جَهْرَةً أَيْ ظَاهِرًا لَنَا لَا شَيْءَ يَسْتُرهُ عَنّا
. قَالَ أَبُو الْأَخْزَرِ الْحَمَانِيّ ، وَاسْمُهُ قُتَيْبَةُ [ ص 535 ]
يَجْهَرُ أَجْوَافَ الْمِيَاهِ السّدُم
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي
أُرْجُوزَةٍ لَهُ . يَجْهَرُ يَقُولُ يُظْهِرُ الْمَاءَ وَيَكْشِفُ عَنْهُ
مَا يَسْتُرُهُ مِنْ الرّمْلِ وَغَيْرِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَأَخْذَ الصّاعِقَةِ إيّاهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ لِغِرّتِهِمْ ثُمّ
إحْيَاءَهُ إيّاهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَتَظْلِيلَهُ عَلَيْهِمْ
الْغَمَامَ وَإِنْزَالَهُ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى ، وَقَوْلُهُ
لَهُمْ { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدًا وَقُولُوا حِطّةٌ } أَيْ قُولُوا
مَا آمُرُكُمْ بِهِ أَحُطّ بِهِ ذُنُوبَكُمْ عَنْكُمْ وَتَبْدِيلَهُمْ
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ اسْتِهْزَاءً بِأَمْرِهِ وَإِقَالَتَهُ إيّاهُمْ
ذَلِكَ بَعْدَ هُزْئِهِمْ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : الْمَنّ : شَيْءٌ كَانَ يَسْقُطُ فِي السّحَرِ عَلَى
شَجَرِهِمْ فَيَجْتَنُونَهُ حُلْوًا مِثْلَ الْعَسَلِ فَيَشْرَبُونَهُ
وَيَأْكُلُونَهُ . قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
لَوْ أُطْعِمُوا الْمَنّ وَالسّلْوَى مَكَانَهُمْ ... مَا أَبْصَرَ النّاسُ طُعْمًا فِيهُمُ نَجَعَا
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالسّلْوَى : طَيْرٌ وَاحِدَتُهَا :
سَلْوَاةٌ وَيُقَالُ إنّهَا السّمَانِيّ ؛ وَيُقَالُ لِلْعَسَلِ ( أَيْضًا
) : السّلْوَى . وَقَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ :
وَقَاسَمَهَا بِاَللّهِ حَقّا لَأَنْتُمْ ... أَلَذّ مِنْ السّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَحِطّةٌ أَيْ حُطّ عَنّا ذُنُوبَنَا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ تَبْدِيلِهِمْ ذَلِكَ كَمَا
حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوْءَمَةِ
بِنْتِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ
عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ دَخَلُوا الْبَابَ الّذِي أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجّدًا
يَزْحَفُونَ وَهُمْ يَقُولُونَ حِنْطٌ فِي شَعِيرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُرْوَى : حِنْطَةٌ فِي شَعِيرَةٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَاسْتِسْقَاءَ مُوسَى لِقَوْمِهِ وَأَمْرَهُ ( إيّاهُ ) أَنْ يَضْرِبَ
بِعَصَاهُ [ ص 536 ] الْحَجَرَ ، فَانْفَجَرَتْ لَهُمْ مِنْهُ اثْنَتَا
عَشَرَةَ عَيْنًا ، لِكُلّ سِبْطٍ عَيْنٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا ، قَدْ
عَلِمَ كُلّ سِبْطٍ عَيْنَهُ الّتِي مِنْهَا يَشْرَبُ وَقَوْلَهُمْ
لِمُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ { لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ
فَادْعُ لَنَا رَبّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ
بَقْلِهَا وَقِثّائِهَا وَفُومِهَا } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفُوَمُ
الْحِنْطَةُ . قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ :
فَوْقَ شِيزَى مِثْلِ الْجَوَابِي عَلَيْهَا ... قِطَعٌ كَالْوَذِيلِ فِي نِقْيِ فُومِ
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : الْوَذِيلُ قِطَعُ الْفِضّةِ ( وَالْفُوَمُ الْقَمْحُ ) ،
وَاحِدَتُهُ فُومَةٌ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . {
وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَى
بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ }
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمْ يَفْعَلُوا ، وَرَفْعَهُ الطّورَ
فَوْقَهُمْ لِيَأْخُذُوا مَا أُوتُوا ، وَالْمَسْخَ الّذِي كَانَ فِيهِمْ
إذْ جَعَلَهُمْ قِرَدَةً بِأَحْدَاثِهِمْ وَالْبَقَرَةَ الّتِي أَرَاهُمْ
اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهَا الْعِبْرَةَ فِي الْقَتِيلِ الّذِي اخْتَلَفُوا
فِيهِ حَتّى بَيّنَ اللّهُ لَهُمْ أَمْرَهُ بَعْدَ التّرَدّدِ عَلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صِفّةِ الْبَقَرَةِ وَقَسْوَةَ قُلُوبِهِمْ
بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَتْ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً . ثُمّ
قَالَ تَعَالَى : { وَإِنّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجّرُ مِنْهُ
الْأَنْهَارُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَشّقّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ
وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ } أَيْ وَإِنّ مِنْ
الْحِجَارَةِ لَأَلْيَنُ مِنْ قُلُوبِكُمْ عَمّا تَدْعُونَ إلَيْهِ مِنْ
الْحَقّ { وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ } [ ص 537 ] قَالَ
لِمُحَمّدِ عليه الصلاة والسلام وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
يُؤَيّسُهُمْ مِنْهُمْ { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ
كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ
مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَلَيْسَ قَوْلُهُ
يَسْمَعُونَ التّوْرَاةَ ، أَنّ كُلّهُمْ قَدْ سَمِعَهَا ، وَلَكِنّهُ
فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَيْ خَاصّةٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ، فِيمَا بَلَغَنِي
عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لِمُوسَى : يَا مُوسَى ، قَدْ حِيلَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ اللّهِ فَأَسْمِعْنَا كَلَامَهُ حَيْنَ
يُكَلّمُك ، فَطَلَبَ ذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ رَبّهِ
فَقَالَ لَهُ نَعَمْ مُرْهُمْ فَلْيَطّهّرُوا ، أَوْ لِيُطَهّرُوا
ثِيَابَهُمْ وَلْيَصُومُوا ، فَفَعَلُوا . ثُمّ خَرَجَ بِهِمْ حَتّى أَتَى
بِهِمْ الطّورَ ؛ فَلَمّا غَشِيَهُمْ الْغَمَامُ أَمَرَهُمْ مُوسَى
فَوَقَعُوا سُجّدًا ، وَكَلّمَهُ رَبّهُ فَسَمِعُوا كَلَامَهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى ، يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ حَتّى عَقَلُوا عَنْهُ مَا
سَمِعُوا ، ثُمّ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمّا
جَاءَهُمْ حَرّفَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَقَالُوا ،
حَيْنَ قَالَ مُوسَى لِبَنِي إسْرَائِيلَ إنّ اللّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ
بِكَذَا وَكَذَا ، قَالَ ذَلِكَ الْفَرِيقُ الّذِي ذَكَرَ اللّهُ عَزّ
وَجَلّ إنّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا ، خِلَافًا لِمَا قَالَ اللّهُ لَهُمْ
فَهُمْ الّذِينَ عَنَى اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا لَقُوا الّذِينَ
آمَنُوا قَالُوا آمَنّا } أَيْ بِصَاحِبِكُمْ رَسُولِ اللّهِ وَلَكِنّهُ
إلَيْكُمْ خَاصّةً . { وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا }
لَا تُحَدّثُوا الْعَرَبَ بِهَذَا ، فَإِنّكُمْ قَدْ كُنْتُمْ
تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ
عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { وَإِذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا
وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدّثُونَهُمْ بِمَا
فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ } أَيْ تُقِرّونَ بِأَنّهُ نَبِيّ ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّهُ
قَدْ أُخِذَ لَهُ الْمِيثَاقُ عَلَيْكُمْ بِاتّبَاعِهِ وَهُوَ
يُخْبِرُكُمْ أَنّهُ النّبِيّ الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ فِي
كِتَابِنَا ، اجْحَدُوهُ وَلَا تُقِرّوا لَهُمْ بِهِ . يَقُولُ اللّهُ
عَزّ وَجَلّ { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ
وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلّا
أَمَانِيّ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ إلّا أَمَانِيّ إلّا قِرَاءَةً
لِأَنّ الْأُمّيّ الّذِي [ ص 538 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ أَنّهُمَا تَأَوّلَا ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ فِي
قَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النّحْوِيّ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ أَنّ الْعَرَبَ تَقُولُ تَمَنّى ، فِي مَعْنَى قَرَأَ . وَفِي
كِتَابِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيّ إِلّا إِذَا تَمَنّى أَلْقَى الشّيْطَانُ فِي
أُمْنِيّتِهِ } قَالَ وَأَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ :
تَمَنّى كِتَابَ اللّهِ أَوّلَ لَيْلِهِ ... وَآخِرَهُ وَافَى حِمَامُ الْمَقَادِرِ
وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا :
تَمَنّى كِتَابَ اللّهِ فِي اللّيْلِ خَالِيًا ... تَمَنّيَ دَاوُدَ الزّبُورَ عَلَى رِسْلِ
وَوَاحِدَةُ
الْأَمَانِيّ أُمْنِيّةٌ . وَالْأَمَانِيّ ( أَيْضًا ) : أَنْ يَتَمَنّى
الرّجُلُ الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { وَإِنْ هُمْ
إِلّا يَظُنّونَ } أَيْ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَلَا يَدْرُونَ مَا
فِيهِ وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوّتَك بِالظّنّ . { وَقَالُوا لَنْ
تَمَسّنَا النّارُ إِلّا أَيّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِنْدَ
اللّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى
اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
[ دَعْوَى الْيَهُودَ قِلّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَرَدّ اللّهِ عَلَيْهِمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَوْلًى لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ،
قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ
، وَالْيَهُودُ تَقُولُ إنّمَا مُدّةُ الدّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ ،
وَإِنّمَا يُعَذّبُ اللّهُ النّاسَ فِي النّارِ بِكُلّ أَلْفِ سَنَةٍ مِنْ
أَيّامِ الدّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا فِي النّارِ مِنْ أَيّامِ الْآخِرَةِ
وَإِنّمَا هِيَ سَبْعَةُ أَيّامٍ ثُمّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ . فَأَنْزَلَ
اللّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ
إِلّا أَيّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدًا
فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ }
أَيْ [ ص 539 ] وَكَفَرَ بِمِثْلِ مَا كَفَرْتُمْ بِهِ يُحِيطُ كُفْرُهُ
بِمَا لَهُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ حَسَنَةٍ { فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أَيْ خُلْدٌ أَبَدًا . { وَالّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ } أَيْ مَنْ آمَنَ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا
تَرَكْتُمْ مِنْ دِينِهِ فَلَهُمْ الْجَنّةُ خَالِدِينَ فِيهَا ،
يُخْبِرُهُمْ أَنّ الثّوَابَ بِالْخَيْرِ وَالشّرّ مُقِيمٌ عَلَى أَهْلِهِ
أَبَدًا ، لَا انْقِطَاعَ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ (
اللّهُ عَزّ وَجَلّ ) يُؤَنّبُهُمْ { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ } أَيْ مِيثَاقَكُمْ { لَا تَعْبُدُونَ إِلّا اللّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصّلَاةَ
وَآتُوا الزّكَاةَ ثُمّ تَوَلّيْتُمْ إِلّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ
مُعْرِضُونَ } أَيْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ كُلّهُ لَيْسَ بِالتّنَقّصِ . {
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : تَسْفِكُونَ تَصُبّونَ . تَقُولُ الْعَرَبُ : سَفَكَ
دَمَهُ أَيْ صَبّهُ وَسَفَكَ الزّقّ أَيْ هَرَاقَهُ . قَالَ الشّاعِرُ
وَكُنّا إذَا مَا الضّيْفُ حَلّ بِأَرْضِنَا ... سَفَكْنَا دِمَاءَ الْبُدْنِ فِي تُرْبَةِ الْحَالِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي " بِالْحَالِ " : الطّينِ الّذِي يُخَالِطُهُ
الرّمْلُ وَهُوَ الّذِي تَقُولُ لَهُ الْعَرَبُ : السّهْلَةُ . وَقَدْ
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنّ جِبْرِيلَ لَمّا قَالَ فِرْعَوْنُ : آمَنْتُ
أَنّهُ لَا إلَهَ إلّا الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ ، أَخَذَ
مِنْ حَالِ الْبَحْرِ ( وَحَمَأَتِهِ ) ، فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ فِرْعَوْنَ
( وَالْحَالُ مِثْلُ الْحَمْأَةِ ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 540 ] {
وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمّ أَقْرَرْتُمْ
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } عَلَى أَنّ هَذَا حَقّ مِنْ مِيثَاقِي
عَلَيْكُمْ { ثُمّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ
وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ
عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } أَيْ أَهْلَ الشّرْكِ حَتّى
يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ مَعَهُمْ وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ
مَعَهُمْ . { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } وَقَدْ
عَرَفْتُمْ أَنّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي دِينِكُمْ { وَهُوَ مُحَرّمٌ
عَلَيْكُمْ } فِي كِتَابِكُمْ إخْرَاجُهُمْ { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ
الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } ( أَيْ ) أَتُفَادُونَهُمْ
مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ وَتُخْرِجُونَهُمْ كُفّارًا بِذَلِكَ . { فَمَا
جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ
الدّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدّونَ إِلَى أَشَدّ الْعَذَابِ وَمَا
اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا
الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ
وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } فَأَنّبَهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِذَلِكَ مِنْ
فِعْلهمْ وَقَدْ حَرّمَ عَلَيْهِمْ فِي التّوْرَاةِ سَفْكَ دِمَائِهِمْ
وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ . فَكَانُوا
فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَلَفّهُمْ حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ
، وَالنّضِيرُ وَقُرَيْظَة ُ وَلَفّهُمْ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ . فَكَانُوا
إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ . خَرَجَتْ بَنُو
قَيْنُقَاعَ مَعَ الْخَزْرَجِ وَخَرَجَتْ النّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ
الْأَوْسِ يُظَاهِرُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى
إخْوَانِهِ حَتّى يَتَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبِأَيْدِيهِمْ
التّوْرَاةُ يَعْرِفُونَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ وَالْأَوْسُ
وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ لَا يَعْرِفُونَ
جَنّةً وَلَا نَارًا ، وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً وَلَا كِتَابًا ،
وَلَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا
افْتَدَوْا أُسَارَاهُمْ تَصْدِيقًا لِمَا فِي التّوْرَاةِ ، وَأَخَذَ
بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَفْتَدِي بَنُو قَيْنُقَاعَ مَنْ كَانَ مِنْ
أَسْرَاهُمْ فِي أَيَدِي الْأَوْسِ وَتَفْتَدِي النّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ
مَا فِي أَيَدِي الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ . وَيُطِلّونَ مَا أَصَابُوا مِنْ [
ص 541 ] مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ الشّرْكِ عَلَيْهِمْ . يَقُولُ اللّهُ
تَعَالَى لَهُمْ حَيْنَ أَنّبَهُمْ بِذَلِكَ { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ
الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } أَيْ تُفَادِيهِ بِحُكْمِ
التّوْرَاةِ وَتَقْتُلُهُ وَفِي حُكْمِ التّوْرَاةِ أَنْ لَا تَفْعَلَ
تَقْتُلُهُ وَتُخْرِجُهُ مِنْ دَارِهِ وَتُظَاهِرُ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ
بِاَللّهِ وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ ابْتِغَاءَ عَرَضِ
الدّنْيَا . فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ -
فِيمَا بَلَغَنِي - نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : {
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ
بِالرّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ } أَيْ
الْآيَاتُ الّتِي وُضِعَتْ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى ،
وَخَلْقِهِ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ
فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَبَرِ
بِكَثِيرٍ مِنْ الْغُيُوبِ مِمّا يَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَمَا رَدّ
عَلَيْهِمْ مِنْ التّوْرَاةِ مَعَ الْإِنْجِيلِ ، الّذِي أَحْدَثَ اللّهُ
إلَيْهِ . ثُمّ ذَكَرَ كُفْرَهُمْ بِذَلِكَ كُلّهِ فَقَالَ { أَفَكُلّمَا
جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ
فَفَرِيقًا كَذّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : {
وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } فِي أَكِنّةٍ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
{ بَلْ لَعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ
وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا
جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى
الْكَافِرِينَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ قَالُوا : فِينَا
وَاَللّهِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ كُنّا قَدْ عَلَوْنَاهُمْ
ظَهْرًا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ
فَكَانُوا يَقُولُونَ لَنَا : إنّ نَبِيّا يُبْعَثُ الْآنَ نَتّبِعُهُ
قَدْ أَظَلّ زَمَانَهُ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ .
فَلَمّا بَعَثَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
قُرَيْشٍ فَاتّبَعْنَاهُ كَفَرُوا بِهِ . يَقُولُ اللّهُ [ ص 542 ] {
فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى
الْكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا
بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } أَيْ أَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهِمْ {
فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَبَاءُوا بِغَضَبٍ أَيْ اعْتَرَفُوا بِهِ وَاحْتَمَلُوهُ . قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
أُصَالِحُكُمْ حَتّى تَبُوءُوا بِمِثْلِهَا ... كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسّرَتْهَا قَبِيلُهَا
(
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَسّرَتْهَا : أَجَلَسَتْهَا لِلْوِلَادَةِ ) .
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَالْغَضَبُ عَلَى الْغَضَبِ لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا
ضَيّعُوا مِنْ التّوْرَاةِ ، وَهِيَ مَعَهُمْ وَغَضَبٌ بِكُفْرِهِمْ
بِهَذَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي أَحْدَثَ اللّهُ
إلَيْهِمْ . ثُمّ أَنّبَهُمْ بِرَفْعِ الطّورِ عَلَيْهِمْ وَاِتّخَاذِهِمْ
الْعِجْلَ إلَهًا دُونَ رَبّهِمْ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى لِمُحَمّدٍ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدّارُ
الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنّوُا
الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيْ اُدْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى
أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَكْذَبُ عِنْدَ اللّهِ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . يَقُولُ اللّهُ جَلّ
ثَنَاؤُهُ لِنَبِيّهِ عليه الصلاة والسلام : { وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ
أَبَدًا بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أَيْ بِعِلْمِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ
مِنْ الْعِلْمِ بِك ، وَالْكُفْرِ بِذَلِكَ فَيُقَالُ لَوْ تَمَنّوْهُ
يَوْمَ قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَهُودِيّ
إلّا مَاتَ . ثُمّ ذَكَرَ رَغْبَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَطُولَ
الْعُمْرِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلَى
حَيَاةٍ } الْيَهُودَ { وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدّ أَحَدُهُمْ
لَوْ يُعَمّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ
أَنْ يُعَمّرَ } [ ص 543 ] بِمُنْجِيهِ مِنْ الْعَذَابِ وَذَلِكَ أَنّ
الْمُشْرِكَ لَا يَرْجُو بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ يُحِبّ طُولَ
الْحَيَاةِ وَأَنّ الْيَهُودِيّ قَدْ عَرَفَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ
الْخِزْيِ بِمَا ضَيّعَ مِمّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ . ثُمّ قَالَ
اللّهُ تَعَالَى : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ
نَزّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ }
[ سُؤَالُ الْيَهُودِ الرّسُولَ وَإِجَابَتُهُ لَهُمْ عليه الصلاة والسلام ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ ( عَبْدِ ) الرّحْمَنِ
بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكّيّ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيّ
أَنّ نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعٍ
نَسْأَلُك عَنْهُنّ فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ اتّبَعْنَاك وَصَدّقْنَاك ،
وَآمَنّا بِك . قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ
أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ بِذَلِكَ لَتُصَدّقُنّنِي ، قَالُوا : نَعَمْ قَالَ
فَاسْأَلُوا عَمّا بَدَا لَكُمْ قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ يُشْبِهُ
الْوَلَدُ أُمّهُ وَإِنّمَا النّطْفَةُ مِنْ الرّجُلِ ؟ قَالَ فَقَالَ
لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُنْشِدُكُمْ
بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ
نُطْفَةَ الرّجُلِ بَيْضَاءُ غَلِيظَةٌ وَنُطْفَةَ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءُ
رَقِيقَةٌ فَأَيّتُهُمَا عَلَتْ صَاحِبَتَهَا كَانَ لَهَا الشّبَهُ ؟
قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ نَوْمُك ؟
فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ
هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ نَوْمَ الّذِي تَزْعُمُونَ أَنّي لَسْتُ بِهِ
تَنَامُ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ يَقْظَانُ ؟ فَقَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ
قَالَ فَكَذَلِك نَوْمِي ، تَنَامُ عَيْنِيّ وَقَلْبِي يَقْظَانُ ،
قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا عَمّا حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ؟ قَالَ
أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ
تَعْلَمُونَ أَنّهُ كَانَ أَحَبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ أَلْبَانَ
الْإِبِلِ وَلُحُومَهَا ، وَأَنّهُ اشْتَكَى شَكْوَى ، فَعَافَاهُ اللّهُ
مِنْهَا ، فَحَرّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَحَبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ
شُكْرًا لِلّهِ فَحَرّمَ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا
؟ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا عَنْ الرّوحِ ؟
قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ
هَلْ تَعْلَمُونَهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ الّذِي يَأْتِينِي ؟ قَالُوا :
اللّهُمّ نَعَمْ وَلَكِنّهُ يَا مُحَمّدُ لَنَا عَدُوّ ، وَهُوَ مَلَكٌ
إنّمَا يَأْتِي بِالشّدّةِ وَبِسَفْكِ الدّمَاءِ وَلَوْلَا ذَلِكَ
لَاتّبَعْنَاك ، قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { قُلْ مَنْ
كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ
اللّهِ مُصَدّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوَكُلّمَا عَاهَدُوا
عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
وَلَمّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ
ظُهُورِهِمْ كَأَنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاتّبَعُوا مَا تَتْلُو
الشّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } أَيْ السّحْرُ { وَمَا كَفَرَ
سُلَيْمَانُ وَلَكِنّ الشّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلّمُونَ النّاسَ السّحْرَ
} [ ص 544 ]
[ إنْكَارُ الْيَهُودِ نُبُوّةَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السّلَامُ - وَرَدّ اللّهِ عَلَيْهِمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - لَمّا ذَكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ فِي
الْمُرْسَلِينَ قَالَ بَعْضُ أَحْبَارِهِمْ أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ
مُحَمّدٍ ، يَزْعُمُ أَنّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ كَانَ نَبِيّا ،
وَاَللّهِ مَا كَانَ إلّا سَاحِرًا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنّ الشّيَاطِينَ
كَفَرُوا } أَيْ بِاتّبَاعِهِمْ السّحْرَ وَعَمَلِهِمْ بِهِ . { وَمَا
أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا
يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ
مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، أَنّهُ كَانَ
يَقُولُ الّذِي حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ زَائِدَتَا الْكَبِدِ
وَالْكُلْيَتَانِ وَالشّحْمَ إلّا مَا كَانَ عَلَى الظّهْرِ فَإِنّ ذَلِكَ
كَانَ يُقَرّبُ لِلْقُرْبَانِ فَتَأْكُلَهُ النّارُ
[ كِتَابُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ ، فِيمَا حَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ
رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - صَاحِبِ مُوسَى
وَأَخِيهِ وَالْمُصَدّقُ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى : أَلَا إنّ اللّهَ قَدْ
قَالَ لَكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ التّوْرَاةِ ، وَإِنّكُمْ لَتَجِدُونَ
ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ { مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ
أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا
سُجّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ
وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ
فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ
بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [ ص 545 ] وَإِنّي
أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ ، وَأَنْشُدُكُمْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ
وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَطْعَمَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ
أَسْبَاطِكُمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى ، وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَيْبَسَ
الْبَحْرَ لِآبَائِكُمْ حَتّى أَنَجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ
إلّا أَخْبَرْتُمُونِي : هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أَنْزَلَ اللّهُ
عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمّدٍ ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ
ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ فَلَا كُرْهَ عَلَيْكُمْ . قَدْ تَبَيّنَ الرّشْدُ
مِنْ الْغَيّ - فَأَدْعُوكُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى نَبِيّهِ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : شَطْؤُهُ فِرَاخُهُ وَوَاحِدَتُهُ شِطْأَةٌ . تَقُولُ
الْعَرَبُ : قَدْ أَشْطَأَ الزّرْعُ إذَا أَخْرَجَ فِرَاخَهُ . وَآزَرَهُ
عَاوَنَهُ فَصَارَ الّذِي قَبْلَهُ مِثْلَ الْأُمّهَاتِ .
قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ الْكِنْدِيّ :
بمَحْنِيَةٍ قَدْ آزَرَ الضّالّ نَبْتُهَا ... مَجَرّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيّبِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
وَقَالَ
حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ الْأَرْقَطُ أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ
بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ زَرْعًا وَقَضْبًا مُؤْزَرَ النّبَاتِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ وَسُوقُهُ ( غَيْرُ مَهْمُوزٍ ) : جَمْعُ سَاقٍ لِسَاقِ الشّجَرَةِ .
[ مَا نَزَلَ فِي أَبِي يَاسِرٍ وَأَخِيهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ بِخَاصّةٍ مِنْ
الْأَحْبَارِ وَكُفّارِ يَهُودَ الّذِي كَانُوا يَسْأَلُونَهُ
وَيَتَعَنّتُونَهُ لِيَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ - فِيمَا ذُكِرَ لِي
عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
رِئَابٍ - أَنّ أَبَا يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ مَرّ بِرَسُولِ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَةَ الْبَقَرَةِ {
الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ } [ ص 446 ] أَخَاهُ حُيَيّ بْنَ
أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ تَعْلَمُوا وَاَللّهِ لَقَدْ
سَمِعْت مُحَمّدًا يَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الم ذَلِكَ
الْكِتَابُ فَقَالُوا : أَنْتَ سَمِعْتَهُ ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَمَشَى
حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ فِي أُولَئِكَ النّفَرِ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ
أَلَمْ يُذْكَرْ لَنَا أَنّك تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ إلَيْك : { الم
ذَلِكَ الْكِتَابُ } ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - : بَلَى ، قَالُوا : أَجَاءَك بِهَا جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ
اللّهِ ؟ فَقَالَ نَعَمْ قَالُوا : لَقَدْ بَعَثَ اللّهُ قَبْلَك
أَنْبِيَاءَ مَا نَعْلَمُهُ بَيّنَ لِنَبِيّ مِنْهُمْ مَا مُدّةُ مُلْكِهِ
وَمَا أَكْلُ أُمّتِهِ غَيْرَك . فَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ،
وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فَقَالَ لَهُمْ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ
وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ
سَنَةً أَفَتَدْخُلُونَ فِي دِينٍ إنّمَا مُدّةُ مُلْكِهِ وَأَكْلُ
أُمّتِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً ؟ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ يَا مُحَمّدُ هَلْ مَعَ هَذَا
غَيْرُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَاذَا ؟ قَالَ المص . قَالَ هَذِهِ
وَاَللّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ
وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ وَالصّادُ تِسْعُونَ فَهَذِهِ إحْدَى وَسِتّونَ
وَمِئَةُ سَنَةٍ هَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمّدُ غَيْرُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ
الر . قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ
وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالرّاءُ مِئَتَانِ فَهَذِهِ إحْدَى وَثَلَاثُونَ
وَمِئَتَانِ هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ نَعَمْ المر .
قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ
وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ وَالرّاءُ مِئَتَانِ
فَهَذِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِئَتَا سَنَةٍ ثُمّ قَالَ لَقَدْ لُبّسَ
عَلَيْنَا أَمْرُك يَا مُحَمّدُ حَتّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيت
أَمْ كَثِيرًا ؟ ثُمّ قَامُوا عَنْهُ فَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ لِأَخِيهِ
حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْبَارِ مَا يُدْرِيكُمْ
لَعَلّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلّهُ لِمُحَمّدٍ إحْدَى وَسَبْعُونَ
وَإِحْدَى وَسِتّونَ وَمِئَةً وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِئَتَانِ
وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِئَتَانِ فَذَلِكَ سَبْعُ مِئَةٍ وَأَرْبَعٌ
وَثَلَاثُونَ سَنَةً فَقَالُوا : لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ .
فَيَزْعُمُونَ أَنّ هَؤُلَاءِ [ ص 547 ] { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ
أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ
سَمِعْت مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ أَنّ هَؤُلَاءِ
الْآيَاتِ إنّمَا أُنْزِلْنَ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ ، حَيْنَ قَدِمُوا
عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَسْأَلُونَهُ
عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السّلَامُ - .
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ
بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنّهُ قَدْ سَمِعَ أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنّمَا
أُنْزِلْنَ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ وَلَمْ يُفَسّرْ ذَلِكَ لِي .
فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
[ كُفْرُ الْيَهُودِ بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ اسْتِفْتَاحِهِمْ بِهِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ
عَبّاسٍ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ
يَهُودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَبْلَ مَبْعَثِهِ فَلَمّا
بَعَثَهُ اللّهُ مِنْ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ وَجَحَدُوا مَا كَانُوا
يَقُولُونَ فِيهِ . فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ . وَبِشْرُ بْنُ
الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ
اتّقُوا اللّهَ وَأَسْلِمُوا ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا
بِمُحَمّدٍ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَتُخْبِرُونَنَا أَنّهُ مَبْعُوثٌ
وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفّتِهِ فَقَالَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، أَحَدُ
بَنِي النّضِيرِ مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ وَمَا هُوَ بِاَلّذِي
كُنّا نَذْكُرُهُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ {
وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا
جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى
الْكَافِرِينَ }
[ مَا نَزَلَ فِي نُكْرَانِ مَالِكِ بْنِ الصّيْفِ الْعَهْدَ إلَيْهِمْ بِالنّبِيّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ، حَيْنَ بُعِثَ رَسُولُ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَذَكَرَ لَهُمْ مَا أُخِذَ
عَلَيْهِمْ لَهُ مِنْ الْمِيثَاقِ وَمَا عَهِدَ اللّهُ إلَيْهِمْ فِيهِ
وَاَللّهِ مَا عُهِدَ إلَيْنَا فِي مُحَمّدٍ عَهْدٌ ، وَمَا أُخِذَ لَهُ
عَلَيْنَا مِنْ مِيثَاقٍ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ [ ص 548 ] {
أَوَكُلّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
[ مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي صَلُوبا مَا جِئْتنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ ]
وَقَالَ أَبُو صَلُوبا الْفَطْيُونِيّ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - :
يَا
مُحَمّدُ مَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ ، وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ
عَلَيْك مِنْ آيَةٍ فَنَتّبِعَك لَهَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ
وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلّا الْفَاسِقُونَ }
[ مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ وَوَهْبٍ ]
وَقَالَ
رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، وَوَهْبُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : يَا مُحَمّدُ ائْتِنَا بِكِتَابٍ
تُنَزّلُهُ عَلَيْنَا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَفَجّرْ لَنَا
أَنَهَارًا نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ
كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدّلِ الْكُفْرَ
بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلّ سَوَاءَ السّبِيلِ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَوَاءُ السّبِيلِ وَسَطُ السّبِيلِ . قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النّبِيّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمُلْحَدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى :
[ مَا نَزَلَ فِي صَدّ حُيَيّ وَأَخِيهِ النّاسَ عَنْ الْإِسْلَامِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَخُوهُ أَبُو يَاسِرِ
بْنِ أَخْطَبَ ، مِنْ أَشَدّ يَهُودَ لِلْعَرَبِ حَسَدًا ، إذْ خَصّهُمْ
اللّهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَا
جَاهِدَيْنِ فِي رَدّ النّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ بِمَا اسْتَطَاعَا .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ لَوْ يَرُدّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّارًا حَسَدًا
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنّ اللّهَ
عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
[ تَنَازُعُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى عِنْدَ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
[
ص 549 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا قَدِمَ أَهْلُ نَجْرَانَ مِنْ
النّصَارَى عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
أَتَتْهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ فَتَنَازَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ :
مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ وَكَفَرَ بِعِيسَى وَبِالْإِنْجِيلِ فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ النّصَارَى لِلْيَهُودِ مَا أَنْتُمْ
عَلَى شَيْءٍ وَجَحَدَ نُبُوّةَ مُوسَى وَكَفَرَ بِالتّوْرَاةِ فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَقَالَتِ الْيَهُودُ
لَيْسَتِ النّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النّصَارَى لَيْسَتِ
الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ
الّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أَيْ كُلّ
يَتْلُو فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقَ مَا كَفَرَ بِهِ أَيْ يَكْفُرُ
الْيَهُودُ بِعِيسَى ، وَعِنْدَهُمْ التّوْرَاةُ فِيهَا مَا أَخَذَ اللّهُ
عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى - عَلَيْهِ السّلَامُ - بِالتّصْدِيقِ
بِعِيسَى - عَلَيْهِ السّلَامُ - وَفِي الْإِنْجِيلِ مَا جَاءَ بِهِ
عِيسَى - عَلَيْهِ السّلَامُ - مِنْ تَصْدِيقِ مُوسَى - عَلَيْهِ
السّلَامُ - وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ التّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَكُلّ
يَكْفُرُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ .
[ مَا نَزَلَ فِي طَلَبِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ أَنْ يُكَلّمَهُ اللّهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ لِرَسُولِ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْت رَسُولًا مِنْ
اللّهِ كَمَا تَقُولُ فَقُلْ لِلّهِ فَلْيُكَلّمْنَا حَتّى نَسْمَعَ
كَلَامَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ {
وَقَالَ الّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلّمُنَا اللّهُ أَوْ
تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ
قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيّنّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ }
[ مَا نَزَلَ فِي سُؤَالِ ابْنِ صُورِيّا لِلنّبِيّ عليه الصلاة والسلام بِأَنْ يَتَهَوّدَ ]
وَقَالَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا الْأَعْوَرُ الْفَطْيُونِيّ لِرَسُولِ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : مَا الْهُدَى إلّا مَا نَحْنُ
عَلَيْهِ ، فَاتّبِعْنَا يَا مُحَمّدُ تَهْتَدِ وَقَالَتْ النّصَارَى
مِثْلَ ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ
عَبْدِ اللّهِ بْن صُورِيّا وَمَا قَالَتْ النّصَارَى : { وَقَالُوا
كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ
حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ثُمّ الْقِصّةَ إلَى قَوْلِ
اللّهِ تَعَالَى : { تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ
وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [
ص 550 ]
[ مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ عَنْ الشّامِ إلَى
الْكَعْبَةِ ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ
شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
الْمَدِينَةَ ، أَتَى رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ ، وَقَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو ، وَكَعْبُ بْنُ
الْأَشْرَفِ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ ، وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو ،
حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي
الْحُقَيْقِ وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ،
فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ مَا وَلّاك عَنْ قِبْلَتِك الّتِي كُنْت
عَلَيْهَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ ؟
ارْجِعْ إلَى قِبْلَتِك الّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك ،
وَإِنّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ . فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { سَيَقُولُ السّفَهَاءُ مِنَ النّاسِ مَا
وَلّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا
شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا
جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلّا لِنَعْلَمَ مَنْ
يَتّبِعُ الرّسُولَ مِمّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ ابْتِلَاءً
وَاخْتِبَارًا { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلّا عَلَى الّذِينَ هَدَى
اللّهُ } أَيْ مِنْ الْفِتَنِ أَيْ الّذِينَ ثَبّتَ اللّهُ { وَمَا كَانَ
اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } أَيْ إيمَانَكُمْ بِالْقِبْلَةِ
الْأُولَى ، وَتَصْدِيقَكُمْ نَبِيّكُمْ وَاتّبَاعَكُمْ إيّاهُ إلَى
الْقِبْلَةِ الْآخِرَةِ وَطَاعَتَكُمْ نَبِيّكُمْ فِيهَا : أَيْ
لَيُعْطِيَنّكُمْ أَجْرَهُمَا جَمِيعًا { إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ
رَحِيمٌ } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { قَدْ نَرَى تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي
السّمَاءِ فَلَنُوَلّيَنّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : شَطْرَهُ نَحْوَهُ وَقَصْدَهُ . قَالَ عَمْرُو بْنُ
أَحْمَرَ الْبَاهِلِيّ - وَبَاهِلَةُ بْنُ يَعْصِرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ - يَصِفُ نَاقَةً لَهُ [ ص 551 ]
تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهِيَ عَاقِدَةٌ ... قَدْ كارَبَ الْعَقْدُ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ قَيْسُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ يَصِفُ نَاقَتَهُ
إنّ النّعُوسَ بِهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا ... فَشَطْرَهَا نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مَحْسُورُ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالنّعُوسُ
نَاقَتُهُ وَكَانَ بِهَا دَاءٌ فَنَظَرَ إلَيْهَا نَظَرَ حَسِيرٍ مِنْ
قَوْلِهِ { وَهُوَ حَسِيرٌ } { وَإِنّ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
لَيَعْلَمُونَ أَنّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا
يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلّ آيَةٍ
مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا
بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ
مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنّكَ إِذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ
}
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { الْحَقّ مِنْ رَبّكَ فَلَا تَكُونَنّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }
[ كِتْمَانُهُمْ مَا فِي التّوْرَاةِ مِنْ الْحَقّ ]
وَسَأَلَ
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ،
أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو
بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ عَنْ
بَعْضِ مَا فِي التّوْرَاةِ ، فَكَتَمُوهُمْ إيّاهُ وَأَبَوْا أَنْ
يُخْبِرُوهُمْ عَنْهُ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { إِنّ
الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ
بَعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ
اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ } [ ص 552 ] قَالَ وَدَعَا رَسُولُ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْيَهُودَ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَحَذّرَهُمْ عَذَابَ
اللّهِ وَنِقْمَتَهُ فَقَالَ لَهُ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ ، وَمَالِكُ
بْنُ عَوْفٍ بَلْ نَتْبَعُ يَا مُحَمّدُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
، فَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَخَيْرًا مِنّا . فَأَنْزَلَ اللّهُ - عَزّ
وَجَلّ - فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا
مَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا بَلْ نَتّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ
آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا
يَهْتَدُونَ } وَلَمّا أَصَابَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - قُرَيْشًا يَوْمَ
بَدْرٍ جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَهُودَ
فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، حَيْنَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ يَا
مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللّهُ بِمِثْلِ مَا
أَصَابَ بِهِ قُرَيْشًا فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ لَا يَغِرّنّك مِنْ
نَفْسِك أَنّك قَتَلْت نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ ، كَانُوا أَغْمَارًا لَا
يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ إنّك وَاَللّهِ لَوْ قَاتَلْتنَا لَعَرَفْت أَنّا
نَحْنُ النّاسُ وَأَنّك لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى
فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ
وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ
آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ
يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي
الْأَبْصَارِ }
قَالَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَيْتَ الْمِدْرَاسِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ يَهُودَ
فَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ فَقَالَ لَهُ النّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ،
وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى أَيّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ
عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ قَالَا : فَإِنّ إبْرَاهِيمَ كَانَ
يَهُودِيّا ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - : فَهَلُمّ إلَى التّوْرَاةِ ، فَهِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
[ ص 553 ] فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { أَلَمْ تَرَ إِلَى
الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ
اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ
مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا
أَيّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
[ اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى فِي إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السّلَامُ - ]
وَقَالَ
أَحْبَارُ يَهُودَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ ، حَيْنَ اجْتَمَعُوا عِنْدَ
رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَتَنَازَعُوا ،
فَقَالَتْ الْأَحْبَارُ مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا يَهُودِيّا ،
وَقَالَتْ النّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ : مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا
نَصْرَانِيّا . فَأَنْزَلَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - فِيهِمْ { يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ
التّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ هَا
أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ
تُحَاجّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا
نَصْرَانِيّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ إِنّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلّذِينَ اتّبَعُوهُ
وَهَذَا النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ }
[ مَا نَزَلَ فِيمَا هَمّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ غَدْوَةً وَالْكُفْرِ عَشِيّةً ]
وَقَالَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ صَيْفٍ ، وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ
عَوْفٍ ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَعَالَوْا نُؤْمِنْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ غُدْوَةً وَنَكْفُرْ بِهِ عَشِيّةً حَتّى نَلْبِسَ
عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ لَعَلّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ
وَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ
الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ آمِنُوا بِالّذِي أُنْزِلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ
النّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ وَلَا تُؤْمِنُوا
إِلّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَنْ
يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجّوكُمْ عِنْدَ رَبّكُمْ
قُلْ إِنّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
[ مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي رَافِعٍ وَالنّجْرَانِيّ " أَتُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ النّصَارَى عِيسَى " ]
وَقَالَ
أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيّ [ ص 554 ] وَالنّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ
عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَاهُمْ إلَى
الْإِسْلَامِ أَتُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ
النّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ
نَصْرَانِيّ ، يُقَالُ لَهُ الرّبَيّسُ ( وَيُرْوَى : الرّيّسُ
وَالرّئِيسُ ) : أَوَذَاكَ تُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ وَإِلَيْهِ
تَدْعُونَا ؟ أَوْ كَمَا قَالَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَاذَ اللّهِ أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللّهِ أَوْ آمُرَ
بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ فَمَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي اللّهُ وَلَا أَمَرَنِي ؛
أَوْ كَمَا قَالَ .
مَرْيَمَ ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ
نَصْرَانِيّ ، يُقَالُ لَهُ الرّبَيّسُ ( وَيُرْوَى : الرّيّسُ
وَالرّئِيسُ ) : أَوَذَاكَ تُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ وَإِلَيْهِ
تَدْعُونَا ؟ أَوْ كَمَا قَالَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَاذَ اللّهِ أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللّهِ أَوْ آمُرَ
بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ فَمَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي اللّهُ وَلَا أَمَرَنِي
أَوْ كَمَا قَالَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِمَا : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ
وَالْحُكْمَ وَالنّبُوّةَ ثُمّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي
مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبّانِيّينَ بِمَا كُنْتُمْ
تُعَلّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } إلَى قَوْلِهِ
تَعَالَى : { بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
الرّبّانِيّونَ الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ السّادَةُ وَاحِدُهُمْ
رَبّانِيّ . قَالَ الشّاعِرُ
لَوْ كُنْتُ مُرْتَهِنًا فِي الْقَوْسِ أَفْتَنَنِي ... مِنْهَا الْكَلَامُ وَرَبّانِيّ أَحْبَارِ
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : الْقَوْسُ صَوْمَعَةُ الرّاهِبِ . وَأَفْتَنَنِي ، لُغَةُ
تَمِيمٍ . وَفَتَنَنِي ، لُغَةُ قَيْسٍ . قَالَ جَرِيرٌ [ ص 555 ]
لَا وَصْلَ إذْ صَرَمَتْ هِنْدٌ وَلَوْ وَقَفَتْ ... لَاسْتَنْزَلَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقَوْسِ
أَيْ
صَوْمَعَةَ الرّاهِبِ . وَالرّبّانِيّ : مُشْتَقّ مِنْ الرّبّ وَهُوَ
السّيّدُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْرًا ، أَيْ
سَيّدَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتّخِذُوا
الْمَلَائِكَةَ وَالنّبِيّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ
بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[ مَا نَزَلَ فِي أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى
أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ إذْ هُوَ جَاءَهُمْ
وَإِقْرَارَهُمْ فَقَالَ { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ
لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ
مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ قَالَ
أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا
قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ } إلَى آخِرِ
الْقِصّةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ ، وَكَانَ
شَيْخًا قَدْ عَسَا ، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضّغَنِ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ . فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ يَتَحَدّثُونَ فِيهِ
فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ
بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ
الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ . فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي
قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ لَا وَاَللّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا
اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ . فَأَمَرَ فَتًى شَابّا مِنْ
يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ اعْمِدْ إلَيْهِمْ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ ،
ثُمّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ
مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ .
[ شَيْءٌ عَنْ يَوْمِ بُعَاثَ ]
وَكَانَ
يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ،
وَكَانَ الظّفْرُ فِيهِ يَوْمئِذٍ [ ص 556 ] الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ عَلَى
الْأَوْسِ يَوْمئِذٍ حُضَيْرُ بْنُ سِمَاكٍ الْأَشْهَلِيّ ، أَبُو
أُسَيْدِ بْنُ حُضَيْرٍ ؛ وَعَلَى الْخَزْرَجِ عَمْرُو بْنُ النّعْمَانِ
البَيَاضِيّ ، فَقُتِلَا جَمِيعًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو
قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ
عَلَى أَنْ قَدْ فُجِعْتُ بِذِي حِفَاظٍ ... فَعَاوَدَنِي لَهُ حُزْنٌ رَصِينُ
فَإِمّا تَقْتُلُوهُ فَإِنّ عَمْرًا ... أَعَضّ بِرَأْسِهِ عَضْبٌ سَنِينُ
وَهَذَانِ
الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَحَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثَ أَطْوَلُ
مِمّا ذَكَرْتُ وَإِنّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْت مِنْ
الْقَطْعِ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : سَنِينُ مَسْنُونٌ مِنْ سَنّهُ إذَا شَحَذَهُ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَفَعَلَ . فَتَكَلّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ
وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيّيْنِ
عَلَى الرّكْبِ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ
الْحَارِثِ مِنْ الْأَوْسِ ، وَجَبّارُ بْنُ صَخْرٍ ، أَحَدُ بَنِي
سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ ، فَتَقَاوَلَا ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً فَغَضِبَ
الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا ، وَقَالُوا : قَدْ فَعَلْنَا ، مَوْعِدُكُمْ
الظّاهِرَةُ - وَالظّاهِرَةُ الْحرّةُ - السّلَاحَ السّلَاحَ . فَخَرَجُوا
إلَيْهَا . فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ
الْمُهَاجِرِينَ حَتّى جَاءَهُمْ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ
اللّهَ اللّهَ أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ
بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللّهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ وَقَطَعَ
بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ
الْكُفْرِ وَأَلّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنّهَا
نَزْغَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوّهِمْ فَبَكَوْا وَعَانَقَ
الرّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، ثُمّ
انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
سَامِعِينَ مُطِيعِينَ قَدْ أَطْفَأَ اللّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوّ
اللّهِ شَأْسِ بْنِ قَيّسْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ [ ص 557 ] شَأْسِ بْنِ
قَيْسٍ وَمَا صَنَعَ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ
بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا
عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ }
وَأَنْزَلَ اللّهُ فِي أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ وَجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ وَمَنْ
كَانَ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمِهِمَا الّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا عَمّا
أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ شَأْسٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ { يَا أَيّهَا
الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ يَرُدّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ
تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ
رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ
وَلَا تَمُوتُنّ إِلّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
{ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
[ مَا نَزَلَ فِي قَوْلِهِمْ " مَا آمَنَ إلّا شِرَارُنَا " ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ
وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ ، وَأُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ . وَأَسَدُ بْنُ
عُبَيْدٍ . وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودَ مَعَهُمْ . فَآمَنُوا وَصَدّقُوا
وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ . وَرَسَخُوا فِيهِ قَالَتْ أَحْبَارُ
يَهُودَ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ مَا آمَنَ بِمُحَمّدٍ وَلَا اتّبَعَهُ
إلّا شِرَارُنَا ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَخْيَارِنَا مَا تَرَكُوا دِينَ
آبَائِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى غَيْرِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ
قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : آنَاءَ اللّيْلِ سَاعَاتِ اللّيْلِ وَوَاحِدُهَا : إنْيٌ
. قَالَ الْمُتَنَخّلُ الْهُذَلِيّ ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عُوَيْمِرٍ
يَرْثِي أُثَيْلَةَ ابْنَهُ
حُلْوٌ وَمُرّ كَعَطْفِ الْقِدْحِ شِيمَتُهُ ... فِي كُلّ إنْيٍ قَضَاهُ اللّيْلُ يَنْتَعِلُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ ، يَصِفُ حِمَارَ وَحْشٍ [ ص 558 ]
يُطَرّبُ آنَاءَ النّهَارِ كَأَنّهُ ... غَوِيّ سَقَاهُ فِي التّجَارِ نَدِيمُ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَيُقَالُ إنًى ( مَقْصُورٌ ) ، فِيمَا
أَخْبَرَنِي يُونُسُ . { يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ }
[ مَا نَزَلَ فِي نَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُبَاطَنَةِ الْيَهُودِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ
رِجَالًا مِنْ الْيَهُودِ ، لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِوَارِ
وَالْحِلْفِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ يَنْهَاهُمْ عَنْ
مُبَاطَنَتِهِمْ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا بِطَانَةً
مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدّوا مَا عَنِتّمْ قَدْ
بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ قَدْ بَيّنّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا
أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبّونَهُمْ وَلَا يُحِبّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ
بِالْكِتَابِ كُلّهِ } أَيْ تُؤْمِنُونَ بِكِتَابِكُمْ وَبِمَا مَضَى مِنْ
الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ فَأَنْتُمْ
كُنْتُمْ أَحَقّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ { وَإِذَا
لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا عَضّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ
مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
[ مَا كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَفِنْحَاصٍ ]
وَدَخَلَ
أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ عَلَى يَهُودَ فَوَجَدَ
مِنْهُمْ نَاسًا كَثِيرًا قَدْ اجْتَمَعُوا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ
لَهُ فِنْحَاصُ وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ وَمَعَهُ
حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَشْيَعُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
لِفِنْحَاصٍ وَيْحَك يَا فَنُحَاصُ اتّقِ اللّهَ وَأَسْلِمْ ، فَوَاَللّهِ
إنّك لَتَعْلَمُ أَنّ مُحَمّدًا لَرَسُولُ اللّهِ قَدْ جَاءَكُمْ
بِالْحَقّ مِنْ عِنْدِهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي
التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، فَقَالَ فِنْحَاصُ [ ص 559 ] لِأَبِي بَكْرٍ
وَاَللّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا بِنَا إلَى اللّهِ مِنْ فَقْرٍ وَإِنّهُ
إلَيْنَا لَفَقِيرٌ وَمَا نَتَضَرّعُ إلَيْهِ كَمَا يَتَضَرّعُ إلَيْنَا ،
وَإِنّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ وَمَا هُوَ عَنّا بِغَنِيّ وَلَوْ كَانَ
عَنّا غَنِيّا مَا اسْتَقْرَضَنَا أَمْوَالَنَا ، كَمَا يَزْعُمُ
صَاحِبُكُمْ يَنْهَاكُمْ عَنْ الرّبَا وَيُعْطِينَاهُ وَلَوْ كَانَ عَنّا
غَنِيّا مَا أَعْطَانَا الرّبَا . قَالَ فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَضَرَبَ
وَجْهَ فِنْحَاصَ ضَرْبًا شَدِيدًا ، وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْلَا الْعَهْدُ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ لَضَرَبْتُ رَأْسَك ،
أَيْ عَدُوّ اللّهِ . قَالَ فَذَهَبَ فِنْحَاصُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ اُنْظُرْ مَا صَنَعَ بِي
صَاحِبُك ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لِأَبِي بَكْرٍ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّ عَدُوّ اللّهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا ، إنّهُ زَعَمَ
أَنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَأَنّهُمْ أَغْنِيَاءُ فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ
غَضِبْتُ لِلّهِ مِمّا قَالَ وَضَرَبْتُ وَجْهَهُ فَجَحَدَ ذَلِكَ
فِنْحَاصُ وَقَالَ مَا قُلْتُ ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيمَا
قَالَ فِنْحَاصُ رَدّا عَلَيْهِ وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ { لَقَدْ
سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ
أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ
حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } وَنَزَلَ فِي أَبِي بَكْرٍ
الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَضَبِ
{ وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا
فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } . ثُمّ قَالَ فِيمَا قَالَ
فِنْحَاصُ وَالْأَحْبَارُ مَعَهُ مِنْ يَهُودَ { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ
مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلَا
تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا
قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ لَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ
بِمَا أَتَوْا وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا
تَحْسَبَنّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
يَعْنِي فِنْحَاصَ وَأَشْيَعَ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنْ الْأَحْبَارِ
الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنْ الدّنْيَا عَلَى مَا زَيّنُوا
لِلنّاسِ مِنْ الضّلَالَةِ وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ
يَفْعَلُوا ، أَنْ يَقُولَ النّاسُ عُلَمَاءُ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْمٍ
لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى وَلَا حَقّ وَيُحِبّونَ أَنْ يَقُولَ
النّاسُ قَدْ فَعَلُوا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 560 ] وَكَانَ
كَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأُسَامَةُ بْنُ
حَبِيبٍ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ،
وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَرِفَاعَةُ بْن زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ
يَأْتُونَ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُخَالِطُونَهُمْ
يَنْتَصِحُونَ لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّم ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ
فَإِنّا نَخْشَى عَلَيْكُمْ الْفَقْرَ فِي ذَهَابِهَا ، وَلَا تُسَارِعُوا
فِي النّفَقَةِ فَإِنّكُمْ لَا تَدْرُونَ عَلَامَ يَكُونُ . فَأَنْزَلَ
اللّهُ فِيهِمْ { الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ
وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ } أَيْ مِنْ التّوْرَاةِ
، الّتِي فِيهَا تَصْدِيقُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ
وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } إلَى قَوْلِهِ { وَكَانَ اللّهُ بِهِمْ
عَلِيمًا } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ
التّابُوتِ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ إذَا كَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوَى لِسَانَهُ وَقَالَ أَرْعِنَا سَمْعَك يَا
مُحَمّدُ حَتّى نُفْهِمَك ، ثُمّ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَابَهُ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا
مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلّوا
السّبِيلَ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّا
وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا مِنَ الّذِينَ هَادُوا يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ
عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ
مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا } ( أَيْ رَاعِنَا سَمْعَك ) { لَيّا
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدّينِ وَلَوْ أَنّهُمْ قَالُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ
إِلّا قَلِيلًا } . وَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ رُؤَسَاءَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
صُورِيّا الْأَعْوَرُ [ ص 561 ] وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ . فَقَالَ لَهُمْ
يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَأَسْلِمُوا ، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ
لَتَعْلَمُونَ أَنّ الّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقّ قَالُوا : مَا نَعْرِفُ
ذَلِكَ يَا مُحَمّدُ فَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا ، وَأَصَرّوا عَلَى
الْكُفْرِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { يَا أَيّهَا الّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزّلْنَا مُصَدّقًا لِمَا مَعَكُمْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ
نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنّا أَصْحَابَ السّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ
مَفْعُولًا } .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيب ِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : نَطْمِسَ نَمْسَحَهَا فَنُسَوّيهَا ، فَلَا يُرَى فِيهَا
عَيْنٌ وَلَا أَنْفٌ وَلَا فَمٌ وَلَا شَيْءٌ مِمّا يُرَى فِي الْوَجْهِ
وَكَذَلِكَ { فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } . الْمَطْمُوسُ الْعَيْنُ الّذِي
لَيْسَ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شِقّ . وَيُقَالُ طَمَسْت الْكِتَابَ
وَالْأَثَرَ فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ . قَالَ الْأَخْطَلُ وَاسْمُهُ
الْغَوْثُ بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ التّغْلِبِيّ ، يَصِفُ إبِلًا
كَلّفَهَا مَا ذَكَرَ
وتَكْلِيفُناها كُلّ طَامِسَةٍ الصّوَى ... شَطُونٍ تَرَى حِرْبَاءَهَا يَتَمَلْمَلُ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاحِدَةُ الصّوَى
: صُوّةٌ . وَالصّوَى : الْأَعْلَامُ الّتِي يُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى
الطّرُقِ وَالْمِيَاهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَقُولُ مُسِحَتْ
فَاسْتَوَتْ بِالْأَرْضِ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ نَاتِئٌ .
[ النّفَرُ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ
وَغَطَفَانَ وَبَنْي قُرَيْظَةَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَسِلَامُ بْنُ
أَبِي الْحُقَيْقِ أَبُو رَافِعٍ وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي
الْحُقَيْقِ وَأَبُو عَمّارٍ وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ وَهَوْذَةُ بْنُ
قَيْسٍ . فَأَمّا وَحْوَحُ [ ص 562 ] بَنِي وَائِلٍ وَكَانَ سَائِرُهُمْ
مِنْ بَنِي النّضِيرِ . فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا :
هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوّلِ
فَسَلُوهُمْ دِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمّدٍ ؟ فَسَأَلُوهُمْ
فَقَالُوا : بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ وَأَنْتُمْ أَهْدَى
مِنْهُ وَمِمّنْ اتّبَعَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { أَلَمْ
تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ
بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : الْجِبْتُ ( عِنْدَ الْعَرَبِ ) : مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ
اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَالطّاغُوتُ كُلّ مَا أَضَلّ عَنْ الْحَقّ
. وَجَمْعُ الْجِبْتِ جُبُوتٌ وَجَمْعُ الطّاغُوتِ طَوَاغِيتُ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنّهُ قَالَ
الْجِبْتُ السّحَرُ وَالطّاغُوتُ الشّيْطَانُ . { وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ
كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَى
مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ سُكَيْنٌ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ : يَا مُحَمّدُ مَا
نَعْلَمُ أَنّ اللّهَ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ مُوسَى .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : { إِنّا
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِنْ
بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ
وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ
عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ
اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلّا
يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ
عَزِيزًا حَكِيمًا } وَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُمْ أَمَا وَاَللّهِ
إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّي رَسُولٌ مِنْ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا : مَا
نَعْلَمُهُ وَمَا نَشْهَدُ عَلَيْهِ [ ص 563 ] فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى
فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { لَكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ
إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى
بِاللّهِ شَهِيدًا }
[ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى طَرْحِ الصّخْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
وَخَرَجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ
يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيّيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو
بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ . فَلَمّا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ قَالُوا :
لَنْ تَجِدُوا مُحَمّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ فَمَنْ رَجُلٌ يَظْهَرُ
عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحَنَا مِنْهُ
؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشِ بْنِ كَعْبٍ : أَنَا ، فَأَتَى رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ
. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِيمَا أَرَادَ هُوَ وَقَوْمُهُ {
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
هَمّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ
عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
[ ادّعَاؤُهُمْ أَنّهُمْ أَحِبّاءُ اللّهِ ]
وَأَتَى
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ
وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ ، فَكَلّمُوهُ
وَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَاهُمْ
إلَى اللّهِ وَحَذّرَهُمْ نِقْمَتَهُ فَقَالُوا مَا تُخَوّفُنَا يَا
مُحَمّدُ ، نَحْنُ وَاَللّهِ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ كَقَوْلِ
النّصَارَى . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { وَقَالَتِ الْيَهُودُ
وَالنّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ
يُعَذّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ
لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
[ إنْكَارُهُمْ نُزُولَ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَهُودَ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَحَذّرَهُمْ غَيْرَ اللّهِ
وَعُقُوبَتَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ
فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ
بْنُ وَهْبٍ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ ، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ
لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ
لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ [ ص 564 ]
فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا : مَا
قُلْنَا لَكُمْ هَذَا قَطّ ، وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ
مُوسَى ، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْدَهُ . فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ
أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ
بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ثُمّ قَصّ
عَلَيْهِمْ خَبَرَ مُوسَى وَمَا لَقِيَ مِنْهُمْ وَانْتِقَاضَهُمْ
عَلَيْهِ وَمَا رَدّوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللّهِ حَتّى تَاهُوا فِي
الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً .
[ رُجُوعُهُمْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُكْمِ الرّجْمِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ سَمِعَ
رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُحَدّثُ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيّبِ ، أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُمْ أَنّ أَحْبَارَ يَهُودَ
اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ حَيْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَقَدْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ
بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ مِنْ يَهُودَ قَدْ أَحْصَنَتْ فَقَالُوا :
ابْعَثُوا بِهَذَا الرّجُلِ وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ إلَى مُحَمّدٍ فَسَلُوهُ
كَيْفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا ، وَوَلّوهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ
عَمِلَ فِيهِمَا بِعَمَلِكُمْ مِنْ التّجْبِيَةِ - وَالتّجْبِيَةُ
الْجَلْدُ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ مَطْلِيّ بِقَارٍ ثُمّ تُسَوّدُ
وُجُوهُهُمَا ، ثُمّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَتُجْعَلُ
وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِ الْحِمَارَيْنِ - فَاتّبِعُوهُ
فَإِنّمَا هُوَ مَلَكٌ وَصَدّقُوهُ وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا
بِالرّجْمِ فَإِنّهُ نَبِيّ ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ
أَنْ يَسْلُبَكُمُوهُ . فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ هَذَا رَجُلٌ
قَدْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ قَدْ أَحْصَنَتْ فَاحْكُمْ
فِيهِمَا ، فَقَدْ وَلّيْنَاك الْحُكْمَ فِيهِمَا . فَمَشَى رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَتَى أَحْبَارَهُمْ فِي
بَيْتِ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَخْرِجُوا إلَيّ
عُلَمَاءَكُمْ فَأُخْرِجَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنّهُمْ قَدْ
أَخَرَجُوا إلَيْهِ يَوْمئِذٍ مَعَ ابْنِ صُورِيّا ، أَبَا يَاسِرِ بْنِ
أَخْطَبَ وَوَهْبَ بْنَ يَهُوذَا ، فَقَالُوا : هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا .
[ ص 565 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى حَصّلَ أَمْرَهُمْ إلَى
أَنْ قَالُوا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ صُورِيّا : هَذَا أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ
بِالتّوْرَاةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِنْ قَوْلِهِ " وَحَدّثَنِي
بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ - إلَى " أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ "
مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الّذِي
قَبْلَهُ . فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَكَانَ غُلَامًا شَابّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا ، فَأَلَظّ بِهِ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْأَلَةَ يَقُولُ لَهُ يَا
ابْنَ صُورِيّا ، أَنْشُدُك اللّهَ وَأُذَكّرُك بِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي
إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُ أَنّ اللّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْدَ
إحْصَانِهِ بِالرّجْمِ فِي التّوْرَاةِ ؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ أَمَا
وَاَللّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنّهُمْ لَيَعْرِفُونَ أَنّك لَنَبِيّ
مُرْسَلٌ وَلَكِنّهُمْ يَحْسُدُونَك . قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ
مَسْجِدِهِ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ . ثُمّ كَفَرَ
بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيّا ، وَجَحَدَ نُبُوّةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِيهِمْ { يَا أَيّهَا الرّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ
وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الّذِينَ هَادُوا سَمّاعُونَ
لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } أَيْ الّذِينَ
بَعَثُوا مِنْهُمْ مَنْ بَعَثُوا وَتَخَلّفُوا ، وَأَمَرُوهُمْ بِمَا
أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيفِ الْحُكْمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ . ثُمّ قَالَ
{ يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ
أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ } أَيْ الرّجْمَ {
فَاحْذَرُوا } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي
مُحَمّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ
بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرَجْمِهِمَا ، فَرُجِمَا بِبَابِ مَسْجِدِهِ
فَلَمّا وَجَدَ الْيَهُودِيّ مَسّ الْحِجَارَةِ قَامَ إلَى صَاحِبَتِهِ
فَجَنَأَ عَلَيْهَا ، يَقِيهَا مَسّ الْحِجَارَةِ حَتّى قُتِلَا جَمِيعًا
[ ص 566 ] قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَحْقِيقِ الزّنَا مِنْهُمَا . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ لَمّا
حَكّمُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمَا ،
دَعَاهُمْ بِالتّوْرَاةِ وَجَلَسَ حَبْرٌ مِنْهُمْ يَتْلُوهَا ، وَقَدْ
وَضَعَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرّجْمِ قَالَ فَضَرَبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
سَلَامٍ يَدَ الْحَبْرِ ثُمّ قَالَ هَذِهِ يَا نَبِيّ اللّهِ آيَةُ
الرّجْمِ يَأْبَى أَنْ يَتْلُوَهَا عَلَيْك ؛ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْحَكُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ
مَا دَعَاكُمْ إلَى تَرْكِ حُكْمِ اللّهِ وَهُوَ بِأَيْدِيكُمْ ؟ قَالَ
فَقَالُوا : أَمَا وَاَللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَ فِينَا يُعْمَلُ بِهِ حَتّى
زَنَى رَجُلٌ مِنّا بَعْدَ إحْصَانِهِ مِنْ بُيُوتِ الْمُلُوكِ وَأَهْلِ
الشّرَفِ فَمَنَعَهُ الْمُلْكُ مِنْ الرّجْمِ ثُمّ زَنَى رَجُلٌ بَعْدَهُ
فَأَرَادَ أَنْ يَرْجُمَهُ فَقَالُوا : لَا وَاَللّهِ حَتّى تَرْجُمَ
فُلَانًا ، فَلَمّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَأَصْلَحُوا
أَمْرَهُمْ عَلَى التّجْبِيَةِ وَأَمَاتُوا ذِكْرَ الرّجْمِ وَالْعَمَلَ
بِهِ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَنَا أَوّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَ اللّهِ وَكِتَابَهُ وَعَمِلَ بِهِ
ثُمّ أَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ قَالَ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ عُمَرَ : فَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُمَا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي داوُدَ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ الْآيَاتِ مِنْ الْمَائِدَةِ الّتِي قَالَ اللّهُ فِيهَا : { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } إنّمَا أُنْزِلَتْ فِي الدّيَةِ بَيْن بَنِي النّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَذَلِكَ أَنّ قَتْلَى بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ لَهُمْ شَرَفٌ يُؤَدّونَ الدّيَةَ كَامِلَةً وَأَنّ بَنِي قُرَيْظَةَ ( كَانُوا ) يُؤَدّونَ نِصْفَ الدّيَةِ فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْزَلَ اللّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الدّيَةَ سَوَاءً . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 567 ] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَابْنُ صَلُوبَا ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا ، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اذْهَبُوا بِنَا إلَى مُحَمّدٍ ، لَعَلّنَا نَفْتِنَهُ عَنْ دِينِهِ فَإِنّمَا هُوَ بَشَرٌ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ إنّك قَدْ عَرَفْت أَنّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَأَنّا إنْ اتّبَعْنَاك اتّبَعَتْك يَهُودُ وَلَمْ يُخَالِفُونَا ، وَأَنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ أَفَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْك فَتَقْضِيَ لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِك وَنُصَدّقُك ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَتّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلّوْا فَاعْلَمْ أَنّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ، وَعَازِرُ بْنُ أَبِي عَازِرٍ وَخَالِدٌ وَزَيْدٌ وَإِزَارُ بْنُ أَبِي إزَارٍ وَأَشْيَعُ فَسَأَلُوهُ عَمّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ الرّسُلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِنْ رَبّهِمْ لَا نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فَلَمّا ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ جَحَدُوا نُبُوّتَهُ وَقَالُوا : لَا نُؤْمِنُ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَلَا بِمَنْ آمَنَ بِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلّا أَنْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }