كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ
امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النّحّاط بْنِ كَعْبِ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ غَنْمٍ وَمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ
وَمَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
عَرْفَجَةُ ابْنُ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
غَنَمٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ عَرْفَجَةَ وَتَمِيمٌ مَوْلَى بَنِي غَنَمٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَمِيمٌ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 691 ] بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ جَبْرُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ ، وَالنّعْمَانُ بْنُ عَصَرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
[ عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ ]
فَجَمِيعُ
مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ أَحَدٌ
وَسِتّونَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ
مِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ : خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي
زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
امْرِئِ الْقَيْسِ ، وَخَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ بْنِ زَيْدٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ جُلَاسٌ وَهُوَ عِنْدَنَا خَطَأٌ - وَأَخُوهُ سِمَاكُ بْنُ سَعْدٍ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : سُبَيْعُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ وَعَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ ، أَخُوهُ . [ ص 692 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَيْسٌ : ابْنُ عَبَسَةَ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْسٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي أَحْمَرَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَرَ وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمَ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فُسْحُمُ أُمّهُ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَزَيْدِ بْنِ الْحَارِث بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمَا التّوْأَمَانِ خُبَيْبُ بْنُ إسَافِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَدِيجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُشَمٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ زَيْدٍ ، وَأَخُوهُ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ؛ زَعَمُوا ، وَسُفْيَانُ بْنُ بَشْرٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سُفْيَانُ بْنُ نَسْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زَيْدٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي جِدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : تَمِيمُ بْنُ يَعَارَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَيْدُ بْنُ الْمُزَيّنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : زَيْدُ بْنُ الْمُرّيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ [ ص 693 ] بَنِي الْأَبْجَرِ وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَبِيعِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ بَنُو الْحُبْلَى - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحُبْلَى : سَالِمُ بْنُ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ وَإِنّمَا سُمّيَ الْحُبْلَى ، لِعِظَمِ بَطْنِهِ - : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ ( الْمَشْهُورُ بِابْنِ سَلُولَ ) ، وَإِنّمَا سَلُولُ امْرَأَةٌ وَهِيَ أُمّ أُبَيّ وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي جَزْءِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ : زَيْدُ بْنُ وَدِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ جَزْءٍ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفَانَ ، وَرِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ ، وَعَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ بَلِيّ ، مِنْ قُضَاعَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو حُمَيْضَةَ مَعْبَدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ الْمُقَدّمِ بْنِ سَالِمِ ابْنِ غَنْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَعْبَدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ قَشْغَرَ بْنِ الْمُقَدّمِ ، وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْقُدْمِ . [ ص 694 ] وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . سِتّةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَامِرُ بْنُ الْعُكَيْرِ وَيُقَالُ عَاصِمُ بْنُ الْعُكَيْرِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ الْعَجْلَانِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَغَنْمُ بْنُ سَالِمٍ الّذِي قَبْلَهُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ - : عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ ، وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ الصّامِتِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي دَعْدِ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنَمٍ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دَعْدٍ وَالنّعْمَانُ الّذِي يُقَالُ لَهُ . قَوْقَلُ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي قُرْيُوشِ بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَالِمٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قُرْيُوسُ بْنُ غَنْمٍ - ثَابِتُ بْنُ هَزّالِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قُرْيُوشٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي مَرْضَخَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ : ابْنُ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ سَالِمٍ رَبِيعُ بْنُ إيَاسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَانَ ، وَأَخُوهُ وَرَقَةُ بْنُ إيَاسٍ ، وَعَمْرُو بْنُ إيَاسٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 695 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ ، أَخُو رَبِيعٍ وَوَرَقَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : غُصَيْنَةُ أُمّهُمْ وَأَبُوهُمْ عَمْرُو بْنُ عِمَارَةَ - الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْزُمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غُصَيْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بُتَيْرَةَ بْنِ مَشْنُوّ بْنِ قَسْرِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ قِسْمِيلِ بْنِ فَرَانَ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَسْرُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ إرَاشَةَ وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ . وَاسْمُ الْمُجَذّرِ عَبْدُ اللّهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُبَادَةُ بْنُ الْخَشْخَاشِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْزُمَةَ ، وَنَحّابُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَحّاثُ بْنُ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ . وَزَعَمُوا أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ - حَلِيفٌ لَهُمْ - مِنْ بَهْرَاءَ ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، خَمْسَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُتْبَةَ بْنُ بَهْزٍ ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ . [ ص 696 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو دُجَانَةَ ( سِمَاكُ ) بْنُ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ ابْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْمُنْذِرُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ خَنْبَشَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي الْبَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْبَدِيّ وَمَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ إلَى الْبَدِيّ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ : ابْنُ الْبَدِيّ فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ عَبْدُ رَبّهِ بْنِ حَقّ بْنِ أَوْسِ بْنِ وَقَشٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ رَجُلٌ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ جُهَيْنَةَ : كَعْبُ بْنُ حِمَارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كَعْبٌ ابْنُ جَمّازٍ وَهُوَ مِنْ غُبْشَانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَضَمْرَةُ وَزِيَادٌ وَبَسْبَسُ بَنُو عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ضَمْرَةُ وَزِيَادٌ ابْنَا بَشْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ بَلِيّ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ، [ ص 697 ] وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ ابْنِ حَرَامٍ ، وَتَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَمُعَوّذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَحَبِيبُ بْنُ أَسْوَدَ مَوْلَى لَهُمْ وَثَابِتُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ وَثَعْلَبَةُ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْجَذَعُ وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
[ نَسَبُ الْجَمُوحِ ]
قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَكُلّ مَا كَانَ هَاهُنَا الْجَمُوحُ ( فَهُوَ الْجَمُوحُ )
بْنُ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ إلّا مَا كَانَ مِنْ جَدّ الصّمّةِ ( بْنِ
عَمْرٍو ) ، فَإِنّهُ الْجَمُوحُ بْنُ حَرَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ سَلِمَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ :
بُشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
خَنْسَاءَ وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَالطّفَيْلُ بْنُ
النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ وَسِنَانُ بْنُ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ بْنِ
خَنْسَاءَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْجَدّ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ
خَنْسَاءَ وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ
وَجَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ ، وَخَارِجَةُ بْنُ
حُمَيّرَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيّرَ ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ
أَشْجَعَ مِنْ بَنِي دُهْمَانَ . تِسْعَةُ نَفَرٍ . [ ص 698 ] قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ جَبّارٌ ابْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خُنَاسٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي خُنَاسِ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدِ : يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خِنَاسٍ ، وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خِنَاسٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ بَلْدَمَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بُلْذُمَةُ وَبُلْدُمَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ ، وَسَوَادُ بْنُ زُرَيْقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سَوَادٌ ابْنُ رِزْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ . وَيُقَالُ مَعْبَدُ بْنُ قَيْسٍ : ابْنُ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ ابْنِ رَبِيعَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمٍ . سَبْعَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي النّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ النّعْمَانِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النّعْمَانِ وَخُلَيْدَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ . وَالنّعْمَانُ بْنُ سِنَانٍ مَوْلَى لَهُمْ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو [ ص 699 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ ، لَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ غَنْمٌ - : أَبُو الْمُنْذِرِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ وَسُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ وَعَنْتَرَةُ مَوْلَى سُلَيْمِ بْنِ عَمْرٍو . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْتَرَةُ ، مِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ ثُمّ مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو الْيَسَرِ وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ ، وَعَمْرُو بْنِ طَلْقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمٍ ؛ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَرِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ . سِتّةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْسٌ ابْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فِي بَنِي سَوَادٍ وَلَيْسَ مِنْهُمْ لِأَنّهُ فِيهِمْ .
[ تَسْمِيَةُ مَنْ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَاَلّذِينَ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ مُعَاذُ
بْنُ جَبَلٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ
وَهُمْ فِي بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنَمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ
بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ
مَالِكِ [ ص 700 ] غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي
مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
عَامِرٌ ابْنُ الْأَزْرَقِ - : قَيْسُ بْنُ مُحْصِنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ
مُخَلّدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَيْسٌ : ابْنُ حِصْنٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو خَالِدٍ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ
بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدِ وَجُبَيْرُ بْنُ إيَاسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ
مُخَلّدٍ وَأَبُو عُبَادَةَ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلَدَةَ
بْنِ مُخَلّدٍ وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ
مُخَلّدٍ ، وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مُخَلّدٍ
وَمَسْعُودُ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مُخَلّدٍ . سَبْعَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي خَالِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ : عَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي خَلَدَة بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ : أَسَعْدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ وَالْفَاكِهُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بُسْرُ بْنُ الْفَاكِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمُعَاذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَأَخُوهُ عَائِذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَمَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَأَخُوهُ خَلّادُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَعُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْعَجْلَانِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ : زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ ؛ وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ وَدْفَةُ . [ ص 701 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ ، وَرُجَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ رُخَيْلَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَطِيّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَطِيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ ، وَخُلَيْفَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ بْنِ بَيَاضَةَ . سِتّةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عُلَيْفَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ : رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ . رَجُلٌ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي النّجّارِ وَهُوَ تَيْمُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ أَبُو أَيّوب خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عُسَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ( عُسَيْرٌ وَعُشَيْرَةُ ) [ ص 702 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرٍو ، وَسُرَاقَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي عُبَيْد ِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ ؛ وَسُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ وَاسْمُ قَهْدٍ خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ : ابْنُ نَفْعِ بْنِ زَيْدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ - وَيُقَالُ عَابِدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - : سُهَيْلُ بْنُ رَافِعِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ وَعَدِيّ بْنُ الزّغْبَاءِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبُو خُزَيْمَةَ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ وَرَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادِ بْنِ زَيْدٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمٍ : عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ وَمُعَاذٌ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ .
[ نَسَبُ عَفْرَاءَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، وَيُقَالُ
رِفَاعَةُ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ . [ ص 703 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَالنّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ
وَيُقَالُ نُعَيْمَانُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
وَعَامِرُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ خَلّدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ
وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ وَوَدِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو ،
حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ ؛ وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ
بْنِ عَدِيّ بْنِ سَوَادٍ ( و ) زَعَمُوا أَنّ أَبَا الْحَمْرَاءِ مَوْلَى
الْحَارِثِ بْنِ عَفْرَاءَ ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا . عَشَرَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ
رِفَاعَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ - وَعَامِرٌ مَبْذُولٌ - ثُمّ مِنْ بَنِي عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَبْذُول ٍ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحْصَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ وَسَهْلُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَتِيكِ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ كُسِرَ بِهِ بِالرّوْحَاءِ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّار ِ - وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ - ثُمّ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حُدَيْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ اللّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهِيَ أُمّ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، فَبَنُو مُعَاوِيَةَ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أُبَيّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ ، وَأَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسٍ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 704 ] بَنُو مَغَالَةَ بِنْتِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ ؛ وَيُقَالُ إنّهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ وَهِيَ أُمّ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ فَبَنُو عَدِيّ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا -: أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتٍ أَخُو حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّار ِ ثُمّ مِنْ ( بَنِي ) عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ النّجّارِ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ، وَعَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ أَبُو حَكِيمٍ وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَأَبُو سَلِيطٍ وَهُوَ أُسَيْرَةُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَمْرُو أَبُو خَارِجَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِر ٍ وَثَابِتُ بْنُ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَعَامِرُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَمُحْرِزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَسَوَادُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ أُهَيْبٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سَوّادٌ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ [ ص 705 ] : أَبُو زَيْدٍ . قَيْسُ بْنُ سَكَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو الْأَعْوَرِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمِ بْنِ عَبْسِ بْنِ حَرَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَبُو الْأَعْوَرِ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ ؛ وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ - وَاسْمُ مِلْحَانَ مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّار ِ ثُمّ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ - وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفٍ - وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ
مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ : أَبُو دَاوُد عُمَيْرُ
بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَسُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ : رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ
مَازِنِ بْنِ النّجّارِ : قَيْسُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
صَخْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلٌ .
وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ ابْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ النّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَالضّحّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارٍ ، وَهُوَ أَخُو الضّحّاكِ وَالنّعْمَانُ ابْنَيْ عَبْدِ عَمْرٍو ، لِأُمّهِمَا ، وَجَابِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ حَارِثَةَ وَسَعْدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . [ ص 706 ] بَنِي قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ : كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ : وَبُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بُجَيْرٌ مِنْ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْخَزْرَجِ مِئَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الْخَزْرَجِ بِبَدْرٍ فِي بَنِي الْعَجْلَانِ ابْنَ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ ، وَمُلَيْلُ بْنُ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ ، وَعِصْمَةَ بْنَ الْحُصَيْنِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ . وَفِي بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ فِي بَنِي زُرَيْقِ هِلَالِ بْنِ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ .
[ عَدَدُ الْبَدْرِيّينَ جَمِيعًا ]
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ وَمَنْ ضُرِبَ
لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ثَلَاثَةُ مِئَةِ رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ
رَجُلًا ، مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا ، وَمِنْ
الْأَوْسِ وَاحِدٌ وَسِتّونَ رَجُلًا ، وَمِنْ الْخَزْرَجِ مِئَةٌ
وَسَبْعُونَ رَجُلًا .
[ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ ]
وَاسْتُشْهِدَ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ : عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ ، قَتَلَهُ
عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، قَطَعَ رِجْلَهُ فَمَاتَ بِالصّفْرَاءِ .
رَجُلٌ . [ ص 707 ] بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ . عُمَيْرُ بْنُ أَبِي
وَقّاصِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، وَهُوَ أَخُو
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَذُو
الشّمَالَيْنِ ابْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ
خُزَاعَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُبْشَانَ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ
بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : عَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ
مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ
كِنَانَة َ وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : صَفْوَانُ بْنُ بَيْضَاءَ رَجُلٌ .
سِتّةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ ، وَمُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنَمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ : عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمٍ : رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى . رَجُلٌ . [ ص 708 ] بَنِي النّجّارِ : حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّار ِ عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ . رَجُلَانِ . ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ .
[ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ]
وَقُتِلَ
مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي
عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ
بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ
وَزَيْدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ وَعَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ حَلِيفَانِ
لَهُمْ قَتَلَ عَامِرًا : عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَقَتَلَ الْحَارِثَ
النّعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ ، حَلِيفٌ لِلْأَوْسِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
. وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ ، وَابْنُهُ مَوْلَيَانِ لَهُمْ .
قَتَلَ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي عُمَيْرٍ : سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ
؛ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُبَيْدَةُ بْنُ
سَعِيدِ ( بْنِ ) الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ
الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَالْعَاصِ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ
أُمَيّةَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي
مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ
عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ صَبْرًا . [ ص 709 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ
عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
الْمُطّلِبِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ وَحَمْزَةُ
وَعَلِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ
شَمْسٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ
عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛
وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ
بَغِيضٍ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، قَتَلَهُ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - خَبِيبُ بْنُ إسَافٍ ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ؛ وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ ، أَخُو بَنِي حَرَامٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَثَابِتٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَعُقَيْلُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيّ ، اشْتَرَكَا فِيهِ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ وَهُوَ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ ، قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هَاشِمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيّةِ عَدِيّ خُزَاعَةَ ، وَهُوَ الّذِي قَرَنَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيق ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ حِينَ أَسْلَمَا فِي حَبْلٍ فَكَانَا يُسَمّيَانِ الْقَرِينَيْنِ لِذَلِكَ وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ - قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ [ ص 710 ] النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ فِيمَا يَذْكُرُونَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بِالْأُثَيْلِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَيْدُ بْنُ مُلَيْصٍ مَوْلَى عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَ زَيْدَ بْنَ مُلَيْصٍ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَزَيْدٌ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : عُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ : أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَام ٍ - وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّه بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ - ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ يَدَ مُعَاذٍ فَطَرَحَهَا ، ثُمّ ضَرَبَهُ مُعَوّذُ بْنُ عَفْرَاءَ حَتّى أَثْبَتَهُ ثُمّ تَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، [ ص 711 ] أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى - وَالْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثُمّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ ، وَكَانَ شُجَاعًا ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو مُسَافِعٍ الْأَشْعَرِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخُو بَالْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَيُقَالُ بَلْ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَرْمَلَةُ ، مِنْ الْأَسَدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرِفَاعَةُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ، أَخُو بَالْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ قَتَلَهُ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ حَلِيفُ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْن عَوْفٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ شَرِيكُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الشّرِيكُ السّائِبُ لَا يُشَارَى وَلَا يُمَارَى ، وَكَانَ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ - فِيمَا بَلَغَنَا - وَاَللّهُ أَعْلَمُ [ ص 712 ] وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ مِمّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعِرّانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ : أَنّ الّذِي قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَحَاجِبُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَائِذٌ ابْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَيُقَالُ حَاجِزُ بْنُ السّائِبِ - وَاَلّذِي قَتَلَ حَاجِبَ بْنَ السّائِبِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُوَيْمِرُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ قَتَلَهُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ مُبَارَزَةً فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ ، وَجَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ طَيّئٍ قَتَلَ عَمْرًا يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ ، وَقَتَلَ جَابِرًا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيّارٍ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا .
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : [ ص 713 ] مُنَبّهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ
أَخُو بَنِي سَلِمَة َ وَابْنُهُ الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ
، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَنُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ
بْنِ سَهْمٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ ، وَيُقَالُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ ، وَيُقَالُ
أَبُو دُجَانَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَاصِمُ بْنُ عَوْفِ بْنِ
ضُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ قَتَلَهُ أَبُو
الْيَسَرِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : خَمْسَةُ
نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : أُمَيّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَازِنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَلْ قَتَلَهُ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَخَبِيبُ بْنُ إسَافٍ ، اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَابْنُهُ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ؛ وَأَوْسُ بْنُ مِعْيَرِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ جُمَحَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ ، اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : مُعَاوِيَةُ بْنُ
عَامِرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَبْدِ الْقَيْس ِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ ؛ وَيُقَالُ قَتَلَهُ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فِيمَا قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ . [ ص 714 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ
، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ لَيْثٍ قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا الْبُكَيْرِ
وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ رَجُلَانِ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَجَمِيعُ مَنْ أُحْصِيَ لَنَا مِنْ قَتْلَى قُرَيْشٍ
يَوْمَ بَدْرٍ . خَمْسُونَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي
أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو : أَنّ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا ، وَالْأَسْرَى كَذَلِكَ وَهُوَ
قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَفِي كِتَابِ اللّهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ
أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُولُهُ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ - وَكَانَ مَنْ
اُسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا - يَقُولُ قَدْ أَصَبْتُمْ
يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ ،
سَبْعِينَ قَتِيلًا وَسَبْعِينَ أَسِيرًا . وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطّنِ مِنْهُمْ ... سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي قَتْلَى بَدْرٍ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي
قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ
تَعَالَى فِي مَوْضِعِهَا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّنْ لَمْ
يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ السّبْعِينَ الْقَتْلَى : : مِنْ
بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ وَهْبُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ
بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَعَامِرُ بْنُ زَيْدٍ ،
حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزّى : عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ
، وَعُمَيْرٌ مَوْلًى لَهُمْ . رَجُلَانِ .
[ ص 715 ] بَنِي عَبْدِ
الدّارِ بْنِ قُصَيّ : نُبَيْهُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُلَيْصٍ وَعُبَيْدُ
بْنُ سَلِيطٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قَيْسٍ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي
تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : مَالِكُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ (
وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ ) أُسِرَ
فَمَاتَ فِي الْأُسَارَى ، فَعُدّ فِي الْقَتْلَى ، وَيُقَالُ وَعَمْرُو
بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي
مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَهِشَامُ بْنُ أَبِي
حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ؛
وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ
رَبِيعَةَ ، وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ
بْنُ عَوْفٍ ، وَعَائِذُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ ، أُسِرَ ثُمّ
اُفْتُدِيَ فَمَاتَ فِي الطّرِيقِ مِنْ جِرَاحَةٍ جَرَحَهُ إيّاهَا
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَعُمَيْرٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ
طَيّئٍ وَخِيَارٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارّةِ . سَبْعَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : سَبْرَةُ بْنُ مَالِكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . رَجُلٌ .
وَمِنْ
بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو . الْحَارِثُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ،
قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ؛ وَعَامِرُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ
أَخُو عَاصِمِ بْنِ ضُبَيْرَةَ ، قَتَلَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ
الْعَجْلَانِيّ ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ . رَجُلَانِ .
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
[ ذِكْرُ أَسْرَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ ]
[
ص 3 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ
يَوْم بَدْر ، مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عَقِيلُ بْنُ أَبِي
طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ؛ وَنَوْفَلُ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ . وَمِنْ بَنِي
الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ : السّائِبُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ
يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عَلْقَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ . رَجُلَانِ .
[ ص 4 ] بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي وَجْزَةَ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي وَحْرَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ ( عَبْدِ ) شَمْسٍ ؛ وَأَبُو الْعَاصِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ أَبُو رِيشَةَ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ؛ وَعَمْرُو بْنُ الْأَزْرَقِ ؛ وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ . سَبْعَةُ نَفَرٍ
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ عَدِيّ بْنُ الْخِيَارِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ؛ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ ابْنِ أَخِي غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَبُو ثَوْرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : أَبُو عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . وَيَقُولُونَ نَحْنُ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السّبّاقِ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ
: السّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ؛
وَالْحُوَيْرِث بْنُ عَبّادِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : هُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَائِذِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ . [ ص
5 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَالِمُ بْنُ شَمّاخٍ حَلِيفٌ لَهُمْ .
ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَة بْنِ مُرّةَ
خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ مَخْزُومٍ ؛ وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ؛ وَعُثْمَانُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ ؛ وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي
رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛
وَأَبُو عَطَاءٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَالْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَخَالِدُ بْنُ
الْأَعْلَمِ حَلِيفٌ لَهُمْ وَهُوَ كَانَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - أَوّلُ
مَنْ وَلّى فَارّا مُنْهَزِمًا ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
وَلَسْنَا عَلَى الْأَدْبَارِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدّمُ
تِسْعَةُ
نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : " لَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ
" . وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَيُقَال : عُقَيْلِيّ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْص بْنِ كَعْبٍ : أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَة بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْم ، كَانَ أَوّلَ أَسِيرٍ أَفْتُدِيَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ افْتَدَاهُ ابْنُهُ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ ؛ وَفَرْوَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ [ ص 6 ] بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَالْحَجّاجُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْص بْنِ كَعْبٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وُهَيْب بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَالْفَاكِهُ مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، ادّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَبَاحُ بْنُ الْمُغْتَرِفِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنّهُ مِنْ بَنِي شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ - وَيُقَال : إنّ الْفَاكِهَ ابْنَ جَرْوَل بْنِ حِذْيَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَضْب بْنِ شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ - وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَرَبِيعَةُ بْنُ دَرّاجِ بْنِ الْعَنْبَس بْنِ أُهْبَان بْنِ وَهْب بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : سُهَيْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُم ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَشْنُوءِ بْنِ وَقْدَان بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 7 ] بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : الطّفَيْلُ بْنُ أَبِي قُنَيْع ؛ وَعَتَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَحْدَم . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ حُفِظَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا .
[ مَا فَاتَ ابْنُ إسْحَاقَ ذِكْرَهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَقَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ رَجُلٌ لَمْ نَذْكُرْ
اسْمَهُ وَمِمّنْ لَمْ نَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ الْأُسَارَى : مِنْ
بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُتْبَة ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي
فِهْرٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ :
عَقِيلُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَأَخُوهُ تَمِيمُ بْنُ عَمْرٍو ؛
وَابْنُهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
مَنَاف ٍ خَالِدُ بْنُ أُسَيْد بْنِ أَبِي الْعِيصِ ؛ وَأَبُو الْعَرِيضِ
يَسَارٌ مَوْلَى الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي
نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ نَبْهَانُ مَوْلًى لَهُمْ . رَجُلٌ .
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْد
بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ . رَجُلٌ .
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَي ّ : عَقِيلٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ . رَجُلٌ . [ ص 8 ] بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ مُسَافِعُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَجَابِرُ بْنُ الزّبِيرِ حَلِيفٌ لَهُمْ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ قَيْسُ بْنُ السّائِبِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : عَمْرُو بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ ، وَأَبُو رُهْم بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَحَلِيفٌ لَهُمْ ذَهَبَ عَنّي اسْمُهُ وَمَوْلَيَانِ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ أَحَدُهُمَا نِسْطَاس ؛ وَأَبُو رَافِعٍ غُلَامُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ . سِتّةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو : أَسْلَمَ ، مَوْلَى نُبَيْه بْنِ الْحَجّاجِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : حَبِيبُ بْنُ جَابِرٍ وَالسّائِبُ بْنُ مَالِكٍ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : شَافِعُ وَشَفِيعٌ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ . رَجُلَانِ .
[ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر ]ٍ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر ،
وَتَرَادّ بَهْ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ قَوْلُ حَمْزَةَ
بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَرْحَمُهُ اللّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا وَنَقِيضَتَهَا [ ص 9
]
أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجْبِ الدّهْر ِ ... وَلِلْحَيْنِ أَسِبَابٌ مُبَيّنَةُ الْأَمْرِ
وَمَا ذَاكَ إلّا أَنّ قَوْمًا أَفَادَهُمْ ... فَحَانُوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ
عَشِيّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُونًا لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ
وَكُنّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إلَيْنَا فَالْتَقَيْنَا عَلَى قَدْرِ
فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقّفَةِ السّمْرِ
وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدّهَا ... مُشْهِرَةُ الْأَلْوَانِ بَيّنَةُ الْأُثُرِ
وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَة الْغَيّ ثَاوِيًا ... وَشَيْبَةَ فِي الْقَتْلَى تَجْرَجَمُ فِي الْجَفْرِ
وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ ... فَشُقّتْ جُيُوبُ النّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو
جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامٍ تَفَرّعْنَ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ
أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ ... وَخَلّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النّصْرُ
لِوَاءُ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ إنّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ
وَقَالَ لَهُمْ إذْ عَايَنَ الْأَمْرَ وَاضِحًا ... بَرِئْت إلَيْكُمْ مَا بِي الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ
فَإِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَإِنّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ اللّهِ وَاَللّهُ ذُو قَسْرِ
فَقَدّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتّى تَوَرّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ
فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا ... ثَلَاثُ مِئِينٍ كَالْمُسْدَمَةِ الزّهْرِ
وَفِينَا جُنُودُ اللّهِ حَيْنَ يُمِدّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثُمّ مُسْتَوْضَحِ الذّكْرِ
فَشَدّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي
[ ص 10 ] الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ [ ص 11 ]
أَلَا يَا لِقَوْمِي لِلصّبَابَةِ وَالْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصّدْرِ
وَلِلدّمْعِ مِنْ عَيْنَيّ جُودَا كَأَنّهُ ... فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْك نَاظِمه يَجْرِي
عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشّمَائِلِ إذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ
فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو مِنْ ذِي قُرَابَةٍ ... وَمِنْ ذِي نِدَامٍ كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْك دَوْلَةً ... فَلَا بُدّ لِلْأَيّامِ مِنْ دُوَلِ الدّهْرِ
فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزّمَانِ الّذِي مَضَى ... تُرِيهِمْ هَوَانًا مِنْك ذَا سُبُلٍ وَعْرِ
فَإِلّا أَمُتْ يَا عَمْرُو أَتْرُكْ ثَائِرًا ... وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي إخَاءٍ وَلَا صِهْرِ
وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي
أَغَرّهُمْ مَا جَمّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصّمِيمُ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْرِ
فِيَالَ لُؤَيّ ذَبّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ
تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمْ ... أَوَاسِيّهَا وَالْبَيْتَ ذَا السّقْفِ وَالسّتْرِ
فَمَا لِحَلِيمٍ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ ... فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبٍ مِنْ عُذْرٍ
وَجِدّوا لِمِنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعًا فِي التّأَسّي وَفِي الصّبْرِ
لَعَلّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ ... وَلَا شَيْءَ إنّ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرِو
بِمُطّرِدَاتِ فِي الْأَكُفّ كَأَنّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيّنَةَ الْأُثْرِ
كَأَنّ مُدِبّ الذّرّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إذَا جُرّدَتْ يَوْمًا لِأَعْدَائِهَا الْخُزْر
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ مِمّا
رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ ، وَهُمَا " الْفَخْر " فِي آخِرِ الْبَيْتِ وَ "
فَمَا لِحَلِيمِ " ، فِي أَوّلِ الْبَيْتِ لِأَنّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ : قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ
يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا ، وَإِنّمَا كَتَبْنَاهُمَا لِأَنّهُ
يُقَالُ إنّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ قُتِلَ يَوْمَ
بَدْرٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْقَتْلَى ، وَذَكَرَهُ
فِي هَذَا الشّعْرِ [ ص 12 ]
أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارِ وَذِي فَضْلٍ
بِمَا أَنْزَلَ الْكُفّارَ دَارَ مَذَلّةٍ ... فَلَاقَوْا هَوَانَا مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتْل
فَأَمْسَى رَسُولُ اللّهِ قَدْ عَزّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ أُرْسِلَ بِالْعَدْل
فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنْ اللّهِ مُنْزَلٍ ... مُبَيّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْل
فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا ... فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللّهِ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلًا عَلَى خَبْلُ
وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَه ... وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ
بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجِلَاءِ وَبِالصّقْلِ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِئٍ ذِي حَمِيّةٍ ... صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَة مِنْهُمْ كَهْل
تَبِيتُ عُيُونُ النّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ ... تَجُودُ بِأَسْبَالِ الرّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ
نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَة الْغَيّ وَابْنَه ... وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَى أَبَا جَهْلٍ
وَذَا الرّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمْ ... مُسَلّبَةً حَرّى مُبَيّنَة الثّكْلِ
ثَوَى مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْل
دَعَا الْغَيّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا ... فَأَجَابَهُ وَلِلْغَيّ أَسِبَابٌ مُرَمّقَةُ الْوَصْلِ
عَنْ الشّغْبِ وَالْعُدْوَانِ فِي أَشْغَلْ الشّغْلِ ... فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بِمَعْزِل
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ [ ص 13 ]
عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ تَغَنّى سَفِيهُهُمْ ... بِأَمْرٍ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلٍ
تَغَنّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلٍ
مَصَالِيتَ بِيضٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ
أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمِ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدّارِ وَالْأَصْلِ
كَمَا أَصْبَحَتْ غَسّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ... لَكُمْ بَدَلًا مِنّا فِيَالَك مِنْ فِعْلِ
عُقُوقًا وَإِثْمًا بَيّنًا وَقَطِيعَةً ... يَرَى جَوْرَكُمْ فِيهَا ذَوُو الرّأْيِ وَالْعَقْلِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ
فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلًا مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ
فَإِنّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتًا هَوَاكُمْ غَيْرُ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ ... وَعُتْبَة وَالْمَدْعُوّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ
وَشَيْبَةَ فِيهِمْ وَالْوَلِيدَ وَفِيهِمْ ... أُمَيّةَ مَأْوَى الْمُعْتَرِينَ وَذُو الرّجْلِ
أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُو بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ
وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النّخْلِ
جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبّبُوا ... بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ
وَإِلّا فَبُيّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلّ لِوَطْءِ الْوَاطِئِينَ مِنْ النّعْلِ
عَلَى أَنّنِي وَاللّاتِ يَا قَوْمُ فَاعْلَمُوا ... بِكَمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ
سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبَيْضِ وَالْبِيضِ الْقَوَاطِعِ وَالنّبْلِ
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ [ ص 14 ]
عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرٌ ... عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ
وَفَخْرُ بَنِي النّجّارِ إنْ كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلّهُمْ ثَمّ صَابِرُ
فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنّا رِجَالٌ بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ
وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسَطكُمْ ... بَنِي الْأَوْسِ حَتّى يَشْفِي النّفْسَ ثَائِرٌ
وَوَسْطَ بَنِي النّجّارِ سَوْفَ نَكُرّهَا ... لَهَا بِالْقَنَا وَالدّارِعِينَ زَوَافِر
فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إلّا الْأَمَانِيّ نَاصِرُ
وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بِهَا لَيْلٌ عَنْ النّوْمِ سَاهِرُ
وَذَلِك أَنّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنّ دَمٌ مِمّنْ يُحَارَبْنَ مَائِرُ
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدّكُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ
وَبِالنّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي الّلأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
يُعَدّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمْ ... وَيُدْعَى عَلِيّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ
وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ ... وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ فِي الْحَرْبِ حَاضِرُ
أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتّجَتْ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الْأَوْسِ وَالنّجّارِ حَيْنَ تُفَاخِرُ
وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا عُدّتْ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ
هُمْ الطّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ [ ص 15 ]
عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللّهِ وَاَللّهُ قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لِلّهِ قَاهِرُ
قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا ... بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْي بِالنّاسِ جَائِرُ
وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مِنْ يَلِيهِمْ ... مِنْ النّاسِ حَتّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثَرُ
وَسَارَتْ إلَيْنَا لَا تُحَاوِلُ غَيْرَنَا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرُ
وَفِينَا رَسُولُ اللّهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ
وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يُمَشّوْنَ فِي الْمَاذِيّ وَالنّقْعُ ثَائِرُ
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ وَكُلّ مُجَاهِدٌ ... لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النّفْسِ صَابِرُ
شَهِدْنَا بِأَنّ اللّهَ لَا رَبّ غَيْرُهُ ... وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ بِالْحَقّ ظَاهِرُ
وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنّهَا ... مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا لِعَيْنَيْك شَاهِرُ
بِهِنّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدّدُوا ... وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ
فَكُبّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهُوَ عَاثِرُ
وَشَيْبَةُ وَالتّيْمِيّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... وَمَا مِنْهُمْ إلّا بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ
فَأَمْسَوْا وَقُودَ النّارِ فِي مُسْتَقَرّهَا ... وَكُلّ كَفَوْرٍ فِي جَهَنّمَ صَائِرُ
تَلَظّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبّ حَمْيُهَا ... بِزُبَرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا ... فَوَلّوْا وَقَالُوا : إِنّمَا أَنْتَ سَاحِرُ
لِأَمْرِ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَهْلَكُوا بِهِ ... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمّهُ اللهُ زَاجِرُ
وَقَالَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبْعَرَى السّهْمِيّ يَبْكِي قَتْلَى بَدْرٍ :
فَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ
النّبّاشِ أَحَدُ بَنِي أُسَيْد بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ حَلِيفُ بَنِي
نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَلِيفُ بَنِي
عَبْدِ الدّار ِ [ ص 16 ]
مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامٍ
تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرَ خَصْمٍ فِئَام
وَالْحَارِثَ الْفَيّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدْرِ جَلّى لَيْلَةَ الْإِظْلَامِ
وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبّهٍ ذَا مِرّةٍ ... رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَام
تَنَمّى بَهْ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ وَالْأَعْمَامِ
وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَل شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَامِ
حَيّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبّ الْأَنَامِ وَخَصّهُمْ بِسَلَامِ
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ ، فَقَالَ
ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاك ثُمّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمِ تُعَلّ غُرُوبُهَا سَجّام
مَاذَا بَكَيْتَ بِهِ الّذِينَ تَتَايَعُوا ... هَلّا ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الْأَقْوَامِ
وَذَكَرْتَ مِنّا مَاجِدًا ذَا هِمّةٍ ... سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ الْإِقْدَامِ
أَعْنِي النّبِيّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنّدَى ... وَأَبَرّ مَنْ يُولَى عَلَى الْإِقْسَامِ
فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الْمُمَدّحَ ثَمّ غَيْرُ كَهَام
[ شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي بَدْرٍ أَيْضًا ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ أَيْضًا [ ص 17 ] [ ص 18 ]
تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةً ... تَسْقِى الضّجِيعَ بِبَارِدِ بَسّامِ
كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذّبِيحِ بَيّحَ مُدَام
نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَضّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الْأَقْسَامِ
بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ ... فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ
وَتَكَادُ تَكْسَلُ أَنْ تَجِئْ فِرَاشُهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَة وَحُسْن قَوَام
أَمّا النّهَارَ فَلَا أُفَتّرُ ذِكْرَهَا ... وَاللّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلَامِي
أَقْسَمْتَ أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ... حَتّى تُغَيّبَ فِي الضّرِيحِ عِظَامِي
يَا مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ... وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى الْهَوَى لُوّامِي
بَكَرَتْ عَلَيّ بِسُحْرَةٍ بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الْأَيّامِ
زَعَمَتْ بِأَنّ الْمَرْءَ يَكْرُبُ عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لِمُعْتَكِرٍ مِنْ الْأَصْرَامِ
إنّ كُنْتِ كَاذِبَةَ الّذِي حَدّتْتِنِي ... فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ
تَرَك الْأَحِبّة أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمرّة وَلِجَامِ
تَذَر الْعَنَاجِيجُ الْجِيَادُ بِقَفْرَةٍ ... مَرّ الدّمُوكِ بِمُحْصَدٍ وَرِجَامِ
مَلَأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدّتْ بِهِ ... وَثَوَى أَحِبّتُهُ بِشَرّ مَقَامِ
وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ ... نَصَرَ الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي الْإِسْلَامِ
طَحَنَتْهُمْ وَاَللّهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ ... حَرْبٌ يُشَبّ سَعِيرُهَا بِضِرَامِ
لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السّبَاعِ وَدُسْنَهُ بحَوَامِي
مِنْ بَيْنَ مَأْسُورٍ يُشَدّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إذَا لَاقَى الْأَسِنّةَ حَامِي
وَمُجَدّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ ... حَتّى تَزُولَ شَوَامِخُ الْأَعْلَامِ
بِالْعَارِ وَالذّلّ الْمُبَيّنِ إذْ رَأَى ... بِيضَ السّيُوفِ تَسُوقُ كُلّ هُمَامِ
بِيَدَيْ أَغَرّ إذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَع مِقْدَامِ
بِيضٌ إذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلّ غَمَامِ
[ شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ ]
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
اللّهُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتَالَهُم ْ ... حَتّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِد
وَعَرَفْتُ أَنّي إنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي عَدُوّي مَشْهَدِي
فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالْأَحِبّةُ فِيهِمْ ... طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدٍ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَهَا الْحَارِثُ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ يَوْمَ
بَدْرٍ . [ ص 19 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْ قَصِيدَةِ
حَسّانَ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا ، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا .
[ شِعْرٌ لِحَسّانَ فِيهَا أَيْضًا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشّدِيدِ
بِأَنّا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ
قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارا ... إلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ
وَفَرّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النّجّارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ
وَوَلّتْ عِنْدَ ذَاكَ جَمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِث مِنْ بِعِيدِ
لَقَدْ لَاقَيْتُمْ ذُلّا وَقَتْلًا ... جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ
وَكُلّ الْقَوْمِ قَدْ وَلّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التّلِيدِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا [ ص 20 ]
يَا حَارِ قَدْ عَوّلْتَ غَيْرَ مُعَوّلٍ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ الْأَحْسَابِ
إذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً ... مَرْطَى الْجِرَاءِ طَوِيلَةَ الْأَقْرَابِ
وَالْقَوْمُ خَلْفَك قَدْ تَرَكْتَ قِتَالَهُمْ ... تَرْجُو النّجَاءَ وَلَيْسَ حَيْنَ ذَهَابِ
أَلّا عَطَفْت عَلَى ابْنِ أُمّك إذْ ثَوَى ... قَعْصَ الْأَسِنّةِ ضَائِعَ الْأَسْلَابِ
عَجّلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ ... بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ وَسُوءِ عَذَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أَقْذَعَ فِيهِ .
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا : - قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَلْ قَالَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ
السّهْمِيّ :
مُسْتَشْعِرِي حَلَقِ الْمَاذِيّ يَقْدُمُهُمْ ... جَلْدُ النّحِيزَةِ مَاضٍ غَيْرُ رِعْدِيدِ
أَعْنِي رَسُولَ إلَهِ الْخَلْقِ فَضّلَهُ ... عَلَى الْبَرّيّةِ بِالتّقْوَى وَبِالْجُودِ
وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَارَكُمْ ... وَمَاءُ بَدْرٍ زَعَمْتُمْ غَيْرُ مَوْرُودِ
ثُمّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمْ ... حَتّى شَرِبْنَا رَوَاءً غَيْرَ تَصْرِيدِ
مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ ... مُسْتَحْكَمٍ مِنْ حِبَالِ اللّهِ مَمْدُودِ
فِينَا الرّسُولُ وَفِينَا الْحَقّ نَتْبَعُهُ ... حَتّى الْمَمَاتِ وَنَصْرٌ غَيْرُ مَحْدُودِ
وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلّ الْأَمَاجِيدِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : بَيْتُهُ " مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ "
عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ
بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا : [ ص 21 ]
خَابَتْ بَنُو أَسَدٍ وَآبَ غُزّيهِم ... يَوْمَ الْقَلِيبِ بِسَوْءَةٍ وَفُضُوح
مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي تَجَدّلَ مُقْعَصًا ... عَنْ ظَهْرِ صَادِقَةِ النّجَاءِ سَبُوحِ
حَيْنًا لَهُ مِنْ مَانِعٍ بِسِلَاحِهِ ... لَمّا ثَوَى بِمَقَامِهِ الْمَذْبُوحِ
وَالْمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ وَنَحْرُهُ ... يَدْمَى بِعَانِدٍ مُعْبَطٍ مَسْفُوحِ
مُتَوَسّدًا حُرّ الْجَبِينِ مُعَفّرًا ... قَدْ عُرّ مَارِن أَنْفِهِ بِقُبُوحِ
وَنَجَا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيّةَ رَهْطِهِ ... بِشَفَا الرّمَاقِ مُوَلّيًا بِجُرُوحِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا [ ص 22 ]
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى أَهْلَ مَكّةَ ... إبَارَتُنَا الْكُفّار فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ
قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا ... فَلَمْ يَرْجِعُوا إلّا بِقَاصِمَةِ الظّهْرِ
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ
قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمّ عُتْبَة بَعْدَهُ ... وَطُعْمَة أَيْضًا عِنْدَ ثَائِرَةِ الْقَتْرِ
فَكَمْ قَدْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ مُرَزّإٍ ... لَهُ حَسَبٌ فِي قَوْمِهِ نَابَهُ الذّكْرُ
تَرَكْنَاهُمْ لِلْعَاوِيَاتِ يَنُبْنَهُمْ ... وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدُ حَامِيَةَ الْقَعْرِ
لَعَمْرُك مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ ... وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى بَدْرٍ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ وَشَيْبَةُ يَكْبُو
لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
نَجّى حَكِيمًا يَوْمَ بَدْرٍ شَدّهُ ... كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بَنَاتِ الْأَعْوَجِ
لَمّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ ... بِكَتِيبَةٍ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَج
لَا يَنْكُلُونَ إذَا لَقُوا أَعْدَاءَهُمْ ... يَمْشُونَ عَائِدَةَ الطّرِيقِ الْمَنْهَج
كَمْ فِيهِمْ مِنْ مَاجِدٍ ذِي مَنْعَةٍ ... بَطَل بِمَهْلَكَةِ الْجَبَانِ الْمُحْرَجِ
وَمُسَوّدٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ بِكَفّهِ ... حَمّالَ أَثْقَالِ الدّيَاتِ مُتَوّجٍ
زَيْنِ النّدِيّ مُعَاوِدٍ يَوْمَ الْوَغَى ... ضَرْبَ الْكُمَاةِ بِكُلّ أَبْيَضَ سَلْجَج
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ سَلَجج ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ أَيْضًا [ ص 23 ]
فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ اللّهِ قَوْمًا ... وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ الزّحُوفُ
إذَا مَا أَلّبُوا جَمْعًا عَلَيْنَا ... كَفَانَا حَدّهُمْ رَبّ رَءُوفٌ
سَمَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَوَالِي ... سِرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا الْحُتُوفُ
فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النّاسِ أَنْكَى ... لِمَنْ عَادَوْا إذَا لَقِحَتْ كُشُوفٌ
وَلَكِنّا تَوَكّلْنَا وَقُلْنَا ... مَآثِرُنَا وَمَعْقِلُنَا السّيُوفُ
لَقِينَاهُمْ بِهَا لَمّا سَمَوْنَا ... وَنَحْنُ عِصَابَةٌ وَهُمْ أُلُوفٌ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، يَهْجُو بَنِي جُمَحَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ
جَمَحَتْ بَنُو جُمَحٍ لِشِقْوَةِ جَدّهِمْ ... إنّ الذّلِيلَ مُوَكّلٍ بِذَلِيلٍ
قُتِلَتْ بَنُو جُمَحٍ بِبَدْرٍ عَنْوَةً ... وَتَخَاذَلُوا سَعْيًا بِكُلّ سَبِيلٍ
جَحَدُوا الْكِتَابَ وَكَذّبُوا بِمُحَمّدٍ ... وَاَللّهُ يُظْهِرُ دِينَ كُلّ رَسُولٍ
لَعَنَ الْإِلَهُ أَبَا خُزَيْمَةَ وَابْنَهُ ... وَالْخَالِدَيْنِ وَصَاعِدَ بْنَ عَقِيل
[ شِعْرُ عَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ
فِي يَوْمِ بَدْر ٍ ، وَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ حَيْنَ أُصِيبَتْ فِي
مُبَارَزَتِهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ حِينَ بَارَزُوا عَدُوّهُمْ -
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِعُبَيْدَة [ ص 24 ]
سَتَبْلُغُ عَنّا أَهْلَ مَكّةَ وَقْعَةٌ ... يَهُبّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ ذَاكَ نَائِيًا
بِعُتْبَة إذْ وَلّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ ... وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْر عُتْبَة رَاضِيًا
فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنّى مُسْلِمٌ ... أُرَجّي بِهَا عَيْشًا مِنْ اللّهِ دَانِيًا
مَعَ الْحُورِ أَمْثَالَ التّمَاثِيلِ أُخْلِصَتْ ... مَعَ الْجَنّةِ الْعُلْيَا لِمَنْ كَانَ عَالِيًا
وَبِعْتُ بِهَا عَيْشًا تَعَرّقْتُ صَفْوَهُ ... وَعَالَجْتُهُ حَتّى فَقَدْتُ الْأَدَانِيَا
فَأَكْرَمَنِي الرّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنّهِ ... بِئَوْب مِنْ الْإِسْلَامِ غَطّى الْمُسَاوِيَا
وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إلَيّ قِتَالُهُمْ ... غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ مَنْ كَانَ دَاعِيًا
وَلَمْ يَبْغِ إذْ سَالُوا النّبِيّ سَوَاءَنَا ... ثَلَاثَتنَا حَتّى حَضَرْنَا الْمُنَادِيَا
لَقِينَاهُمْ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ... نُقَاتِلُ فِي الرّحْمَنِ مَنْ كَانَ عَاصِيَا
فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ مَقَامِنَا ... ثَلَاثَتُنَا حَتّى أَزِيرُوا الْمَنَائِيَا
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : لَمّا أُصِيبَتْ رِجْلُ عَبِيدَةَ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ
لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَعَلِمَ أَنّي أَحَقّ
مِنْهُ بِمَا قَالَ حِينَ يَقُولُ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ يُبْزَى مُحَمّدٌ ... وَلَمّا نُطَاعِن دُونَهُ وَنُنَاضِلْ
وَنُسْلِمُهُ حَتّى نُصَرّعَ حَوْلَهُ ... وَنُذْهَل عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ .
( رِثَاءُ كَعْبٍ لِعَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ )
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا هَلَكَ عَبِيدَة بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مُصَابِ
رِجْلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ . قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ
يَبْكِيهِ [ ص 25 ]
أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي ... بِدَمْعِك حَقّا وَلَا تَنْزُرِي
عَلَى سَيّدٍ هَدّنَا هُلْكُهُ ... كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِ
جَرِيءِ الْمُقَدّمِ شَاكِي السّلَاحِ ... كَرِيمِ النّثَا طَيّبِ الْمَكْسِرِ
عَبِيدَة أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِيهِ ... لِعُرْفٍ عَرَانَا وَلَا مُنْكِرِ
وَقَدْ كَانَ يَحْمَى غَدَاةَ الْقِتَا ... لِ حَامِيَةَ الْجَيْشِ بِالْمُبْتَرِ
[ شِعْرٌ لِكَعْبِ فِي بَدْرٍ ]
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ :
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا ... وَأَخْبَرُ شَيْءٍ بِالْأُمُورِ عَلِيمُهَا
بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيّ عَدَاوَةٍ ... مُعَدّ مَعًا جُهّالُهَا وَحَلِيمُهَا
لِأَنّا عَبَدْنَا اللّهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ ... رَجَاءَ الْجِنَانِ إذْ أَتَانَا زَعِيمُهَا
نَبِيّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزّةٍ ... وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذّبَتْهَا أُرُومُهَا
فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنّنَا ... أُسُودُ لِقَاءٍ لَا يُرَجّى كَلِيمُهَا
ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى هَوَى فِي مَكَرّنَا ... لِمَنْخِرِ سَوْءٍ مِنْ لُؤَيّ عَظِيمُهَا
فَوَلّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضِ صَوَارِمِ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا حِلْفُهَا وَصَمِيمُهَا
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا : [ ص 26 ]
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا بَنِي لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ
لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرٍ ... وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللّقَاءِ
وَرَدْنَاهُ بِنُورِ اللّهِ يَجْلُو ... دُجَى الظّلْمَاءِ عَنّا وَالْغِطَاءِ
رَسُولُ اللّهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرٍ ... مِنْ أَمْرِ اللّهِ أُحْكِمَ بِالْقَضَاءِ
فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ بِالسّوَاءِ
فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ... جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءِ
بِنَصْرِ اللّهِ رُوحُ الْقُدْسِ فِيهَا ... وَمِيكَالُ فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ
[ شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرّسُولِ وَبُكَاءِ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ ]
وَقَالَ
طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ
بَدْرٍ [ ص 27 ]
أَلَا إنّ عَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا سَكْبًا ... تُبَكّي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إنْ تَرَى كَعْبَا
أَلَا إنّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمْ ذَا الدّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبًا
وَعَامِرٌ تَبْكِي لِلْمُلِمّاتِ غُدْوَةً ... فَيَالَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبًا
هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدّا لِغَيّةِ ... تُعَدّ وَلَنْ يُسْتَامُ جَارُهُمَا غَصْبَا
فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... فِدًا لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبًا
وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيهَا كُلّكُمْ يَشْتَكِي النّكْبَا
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشِ أَبِي يَكْسُومٍ إذْ مَلَئُوا الشّعْبَا
فَلَوْلَا دِفَاعُ اللّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبًا
فَمَا إنْ جَنَيْنَا فِي أَقُرَيْشٌ عَظِيمَةً ... سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ التّرْبَا
أَخَا ثِقَةٍ فِي النّائِبَاتِ مُرَزّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لَا بَخِيلًا وَلَا ذَرْبًا
يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يَؤُمّونَ بَحْرًا لَا نَزُورًا وَلَا صَرْبًا
فَوَاَللّهِ لَا تَنْفَكّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمُلُ حَتّى تَصْدُقُوا الْخَزْرَجَ الضّرْبَا
[ شِعْرُ ضِرَارٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ ]
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ يَرْثِي أَبَا جَهْلٍ [ ص 28 ]
أَلَا مَنْ لَعَيْنٍ بَاتَتْ اللّيْلَ لَمْ تَنَمْ ... تُرَاقِبُ نَجْمًا فِي سَوَادٍ مِنْ الظّلَمْ
كَأَنّ قَذًى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذًى ... سِوَى عَبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ الدّمْعِ تَنْسَجِمْ
فَبَلّغْ قُرَيْشًا أَنّ خَيْرَ نَدِيّهَا ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ عَلَى قَدَمْ
ثَوَى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْنَ خَوْصَاءَ رَهْنُهَا ... كَرِيمُ الْمَسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلَا بَرَمْ
فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكّ عَيْنَيّ بِعَبْرَةٍ ... عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الرّئِيسِ أَبِي الْحَكَمْ
عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيّ بْنَ غَالِبٍ ... أَتَتْهُ الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَرِمْ
تَرَى كِسَرَ الْخَطّيّ فِي نَحْرِ مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ لَحْمِهِ بَيْنَهَا خِذَمْ
وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بِيشَةٍ ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي بِبَطْحَاءَ فِي أَجَمْ
بِأَجْرَأَ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وَتُدْعَى نَزَالِ فِي الْقَمَاقِمَة الْبُهَمْ
فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ... عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُلَمْ
وَجِدّوا فَإِنّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ
وَقَدْ قُلْتُ إنّ الرّيحَ طَيّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزّ الْمَقَامِ غَيْرُ شَكّ لِذِي فَهَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارٍ .
[ شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا جَهْلٍ
أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ... وَهَلْ يُغْنِي التّلَهّفُ مِنْ قَتِيلِ
يُخْبِرُنِي الْمُخَبّرُ أَنّ عَمْرًا ... أَمَامَ الْقَوْمِ فِي جَفْرٍ مُحِيلِ
فَقِدْمًا كُنْتُ أَحْسِبُ ذَاكَ حَقّا ... وَأَنْتَ لِمَا تَقَدّمَ غَيْرُ فِيلِ
وَكُنْتُ بِنِعْمَةِ مَا دُمْتَ حَيّا ... فَقَدْ خُلّفْت فِي دَرَجِ الْمَسِيلِ
كَأَنّ حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ... ضَعِيفُ الْعَقْدِ ذُو هَمّ طَوِيلِ
عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْتُ يَوْمًا ... وَطَرْفٌ مَنْ تَذَكّرِهِ كَلِيلِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامِ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَقَوْلُهُ " فِي جَفْرٍ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ .
[ شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ ]
[ ص 29 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شُعُوبٍ اللّيْثِيّ وَهُوَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ :
تُحَيّي بِالسّلَامَةِ أُمّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشّرْبِ الْكِرَامِ
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الشّيزَى تُكَلّلُ بِالسّنَامِ
وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْحَوْمَاتِ وَالنّعَمِ الْمُسَامِ
وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْغَايَاتِ وَالدّسُع الْعِظَامِ
وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيّ ... أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ وَالنّدَامِ
وَإِنّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عَقِيلٍ ... وَأَصْحَابَ الثّنِيّةِ مِنْ نَعَامِ
إذًا لَظَلِلْت مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ ... كَأُمّ السّقْبِ جَائِلَةِ الْمَرَامِ
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا ... وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ ؟
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ :
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَام
قَالَ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمّ ارْتَدّ
[ شِعْرُ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي رِثَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ ]
[
ص 30 ] وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ،
يَرْثِي مَنْ أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ [ ص 31 ] [ ص 32 ]
أَلّا بَكَيْتِ عَلَى الْكِرَا ... مِ بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ
كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو ... عِ الْأَيْكِ فِي الْغُصْنِ الْجَوانِحْ
يَبْكِينَ حَرّى مُسْتَكِي ... نَاتٍ يَرُحْنَ مَعَ الرّوَائِحْ
أَمْثَالُهُنّ الْبَاكِيَا ... تُ الْمُعْوِلَات مِنْ النّوَائِحْ
مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِ عَلَى ... حُزْنٍ وَيَصْدُق كُلّ مَادِحْ
مَاذَا بِبَدْرٍ فَالْعَقَن ... جَحَاجِحْ
فَمَدَافِعُ الْبَرَقَيْنِ فَالْح ... الْأَوَاشِحْ
شُمْطٍ وَشُبّانٍ بِهَا ... لَيْلٍ مَغَاوِيرَ وَحَاوِحْ
أَلَا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلّ لَامِحْ
أَنْ قَدْ تَغَيّرَ بَطْنُ مَكّةَ ... فَهِيَ مُوحِشَةُ الْأَبَاطِحْ
مِنْ كُلّ بِطْرِيقٍ لِبِطْرِيقٍ ... نَقِيّ الْقَوْنِ وَاضِحْ
دُعْمُوص أَبْوَابِ الْمُلُوّ ... كِ وَجَائِبٌ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ
مِنْ السّرَاطِمَةِ الْخَلَا ... جِمَةِ الْمَلَاوِثَةِ الْمَنَاجِحْ
الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ... الْآمِرِينَ بِكُلّ صَالِحْ
الْمُطْعِمِينَ الشّحْمَ فَوْ ... قَ الْخُبْزِ شَحْمًا كَالْأَنَافِحْ
نُقُلُ الْجِفَانِ مَعَ الْجِفَا ... نِ إلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ
لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لِمَنْ ... يَعْفُو وَلَا رَحّ رَحَارِحْ
لِلضّيْفِ ثُمّ الضّيْفِ بَعْدَ ... [ الضّيْفِ ] وَالْبُسُطِ السّلَاطِحْ
وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ
سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ ... صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ
لِكِرَامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَا ... مِ مَزِيّةٌ وَزْنَ الرّوَاجِحْ
كَتَثَاقُلِ الْأَرْطَالِ بِالْقِسْطَاسِ ... فِي الْأَيْدِي الْمَوَائِحْ
خَذَلَتْهُمْ فِئَةٌ وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ
الضّارِبِينَ التّقُدُمِيّةَ ... بِالْمُهَنّدَةِ الصّفَائِحْ
وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ
لِلّهِ دَرّ بَنِي عَ ... لِيّ أَيّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ
إنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلّ نَابِحْ
بِالْمُقْرَبَاتِ الْمُبْعَدَا ... تِ الطّامِحَاتِ مَعَ الطّوَامِحْ
مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إلَى ... أَسَدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمّ أَلْفٍ ... بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَنْشَدَنِي
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ بَيْتَهُ
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا :
وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ
سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ ... صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ، يَبْكِي
زَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ ، وَقَتْلَى بَنِي أَسَدٍ : [ ص 33 ]
عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبِلَاتِ أَبَا الْحَ ... ارِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ
وَابْكِي عَقِيلَ بْنَ أَسْوَد أَسَدَ ال ... وَالدّفَعَهْ
تِلْكَ بَنُو أَسَدٍ إخْوَةِ الْجَوْ ... زَاءِ لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ
هُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... وَهُمْ ذِرْوَةُ السّنَامِ وَالْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِر شَعَرَ ال ... رّأْسِ وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ
أَمْسَى بَنُو عَمّهِمْ إذَا حَضَرَ الْب ... وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْ ... رُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : هَذِهِ الرّوَايَةُ لِهَذَا الشّعْرِ مُخْتَلِطَةٌ
لَيْسَتْ بِصَحِيحَةِ الْبِنَاءِ لَكِنْ أَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ
خَلَفُ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُ رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ
عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبَلَاتِ أَبَا الْحَا ... رِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ
وَعَقِيلَ بْنَ أَسْوَدَ أَسَدَ الْبَأْ ... سِ لِيَوْمِ الْهِيَاجِ وَالدّفَعَهْ
فَعَلَى مِثْلِ هُلْكِهِمْ خَوَتْ الْجَوْ ... زَاءُ لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ
وهُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرَ شَعَرَ الرّأ ... الْمَنَعَهْ
فَبَنُو عَمّهِمْ إذَا حَضَرَ الْبَأْ ... سُ عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْرُ ... وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ
النبوية لابن هشام_الجزء الثاني
[ شِعْرُ أَبِي أُسَامَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ ، مُعَاوِيَةُ بْنُ زُهَيْرِ
بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ [ ص 34 ] ضُبَيْعَةَ بْنِ مَازِنٍ بْنِ
عَدِيّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ - قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرّ بهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي
وَهْبٍ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْر ٍ ، وَقَدْ أَعْيَا هُبَيْرَةُ
فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَهَذِهِ أَصَحّ أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ [ ص 35 ] [ ص 36 ]
وَلَمّا أَنْ رَأَيْت الْقَوْمَ خَفّوا ... وَقَدْ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ
وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ خِيَارَهُمْ أَذْبَاحُ عِتْرِ
وَكَانَتْ جُمّةٌ وَافَتْ حِمَامًا ... وَلُقّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ
نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنّ زُهَاءَهُمْ غَطَيَانُ بَحْرِ
وَقَالَ الْقَائِلُونَ مَنْ ابْنُ قَيْسٍ ... فَقُلْتُ أَبُو أُسَامَةَ غَيْرَ فَخْرِ
أَنَا الْجُشَمِيّ كَيْمَا تَعْرِفُونِي ... أُبَيّنْ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ
فَإِنْ تَكُ فِي الْغَلَاصِمِ مِنْ قُرَيْشٍ ... فَإِنّي مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ
فَأَبْلِغْ مَالِكًا لَمّا غُشِينَا ... وَعِنْدَك مَالِ - إنْ نَبّأْتَ - خُبْرَى
وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْتَ الْمَرْءَ عَنّا ... هُبَيْرَةَ وَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَقَدْرِ
بِأَنّي إذْ دُعِيت إلَى أُفَيْدٍ ... كَرَرْتُ وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرّ صَدْرِي
عَشِيّةً لَا يَكَرّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلَا ذِي نَعْمَة مِنْهُمْ وَصِهْرِ
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرِو
فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِي
دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ... كَأَنّ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ
فَأُقْسِمُ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ رَبّي ... وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ
لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسَبِي إذَا مَا ... تَبَدّلَتْ الْجُلُودُ جُلُودَ نِمْرِ
فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجِ ... مُدِلّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي
فَقَدْ أَحْمِي الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافِ ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ
بِخَلّ تَعْجِزُ الْحُلَفَاءُ عَنْهُ ... يُوَاثِبُ كُلّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ
بِأَوْشَكَ سَوْرَةً مِنّي إذَا مَا ... حَبَوْتُ لَهُ بِقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ
بِبِيضٍ كَالْأَسِنّةِ مُرْهِفَاتٍ ... كَأَنّ ظُبَاتِهِنّ جَحِيمِ جَمْرِ
وَأَكْلَف مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءِ الْبُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ
وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ
أُرَفّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ... كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْثٍ سِبَطْرِ
يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا ... فَقُلْتُ لَعَلّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ
وَقُلْتُ أَبَا عَدِيّ لَا تَطُرْهُمْ ... وَذَلِكَ إنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْرِي
كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَاهُمْ ... فَظَلّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ :
نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنّ سِرَاعَهُمْ تَيّارُ بَحْرِ
وَقَوْلُهُ - مُدَلّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي
- عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو أَسَامّةَ أَيْضًا : [ ص 37 ]
أَلَا مِنْ مُبَلّغٌ عَنّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا لَطِيفُ
أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك الْكُفُوفُ
وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ
وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ
فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللّهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ
وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَحْدِي ... وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ
وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مُسْتَكِينٌ ... بِجَنْبِ كُرَاشٍ مَكْلُومٌ نَزِيفُ
وَكُنْتُ إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ
فَأَسْمَعَنِي وَلَوْ أَحْبَبْتُ نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ
أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ
وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ
دَلَفْتُ لَهُ إذْ اخْتَلَطُوا بِحَرّى ... مُسْحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ
فَذَلِك كَانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَبْلُ أَخُو مُدَارَاةَ عَزُوفُ
أَخُوكُمْ فِي السّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ... وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ
وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ... جَنَانُ اللّيْلِ وَالْأَنَسُ اللّفِيفُ
أَخُوضُ الصّرّةَ الْجَمّاءَ خَوْضًا ... إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشّفِيفُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ [ ص 38 ] قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللّامّ لَيْسَ
فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلّا فِي أَوّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثّانِي ،
كَرَاهِيَةَ الْإِكْثَارِ .
[ شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة بْنِ رَبِيعَةَ تَبْكِي أَبَاهَا يَوْمَ بَدْر ٍ :
أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَدّ أَسْيَافِهِمْ ... يَعُلّونه بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ
يَجُرّونَهُ وَعَفِيرُ التّرَابِ ... عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ
وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا ... جَمِيلَ الْمَرَاةِ كَثِيرَ الْعُشُبِ
فَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أَعْنِهِ ... فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ
وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا : [ ص 39 ]
يَرِيبُ عَلَيْنَا دَهْرُنَا فَيَسُوءُنَا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ يُغَالِبُهْ
أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... يُرَاعَ أَمْرٌ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ
أَلَا رُبّ يَوْمٍ قَدْ رُزِئْتُ مُرَزّأً ... تَرُوحُ وَتَغْدُو بِالْجَزِيلِ مُوَاهِبُهُ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا فَسَوْفَ أُعَاتِبُهْ
فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الْحَرْبَ إنّهُ ... لِكُلّ امْرِئِ فِي النّاسِ مَوْلًى يُطَالِبُهُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا :
لِلّهِ عَيْنًا مَنْ رَأَى ... هُلْكًا كَهُلْكِ رِجَاليهْ
يَا رُبّ بَاكٍ لِي غَدًا ... فِي النّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ
كَمْ غَادَرُوا يَوْمَ الْقَلِي ... بِ غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ
مِنْ كُلّ غَيْثٍ فِي السّنِي ... نِ إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ
قَدْ كُنْتُ أُحْذَرُ مَا أَرَى ... فَالْيَوْمُ حَقّ حَذَارِيَهْ
قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةَ مُوَامِيَهْ
يَا رُبّ قَائِلَةٍ غَدًا ... يَا وَيْحَ أُمّ مُعَاوِيَهْ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِهِنْدٍ . [ ص 40 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا :
يَا عَيْنُ بَكّي عُتْبَهْ ... شَيْخًا شَدِيدَ الرّقَبَهْ
يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ... يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَغْلَبَهْ
إنّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ... مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ
لَنَهْبِطَنّ يَثْرِبَهْ ... بِغَارَةٍ مُنْثَعِبَهْ
فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ... كُلّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْ
[ شِعْرُ صَفِيّةَ ]
وَقَالَتْ
صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ
شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الّذِينَ أُصِيبُوا
يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ : ( وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ ) :
يَا مَنْ لِعَيْنٍ قَذَاهَا عَائِرُ الرّمَدِ ... حَدّ النّهَارِ وَقَرْنُ الشّمْسِ لَمْ يَقِدْ
أُخْبِرْتُ أَنّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ... قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ
وَفَرّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمّ عَلَى وَلَدِ
قَوْمِي صَفِيّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ
كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ... فَأَصْبَحَ السّمْكُ مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا : " كَانُوا سُقُوبَ " بَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ صَفِيّةُ
بِنْتُ مُسَافِرٍ أَيْضًا : [ ص 41 ]
أَلَا يَا مَنْ لِعَيْنٍ لِلتّ ... بَكّي دَمْعُهَا فَانِ
كَغَرْبَيْ دَالِجٍ يَسْقَى ... خِلَالَ الْغَيّثِ الدّانِ
وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو ... أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ
وأَبُو شِبْلَيْنِ وَثّابٌ ... شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ
كَحِبّي إذْ تَوَلّى و ... أَلْوَانِ
وَبِالْكَفّ حُسَامٌ صَا ... رِمٍ أَبْيَضُ ذُكْرَانِ
وَأَنْتَ الطّاعِنُ النّجْلَا ... ءِ مِنْهَا مُزْبِدٌ آنِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا : " وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ " إلَى
آخِرِهَا ، مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ قَبْلَهُ .
[ شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ
الْمُطّلِبِ تَرْثِي عَبِيدَة بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ [ ص 42 ]
لَقَدْ ضُمّنَ الصّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ... وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ اللّبّ وَالْعَقْلِ
عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرْمَلَة تَهْوِي لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ
وَبَكّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ... إذَا احْمَرّ آفَاقُ السّمَاءِ مِنْ الْمَحْلِ
وَبَكّيهِ لِلْأَيْتَامِ وَالرّيحُ زَفْزَةٌ ... وَتَشْبِيبُ قِدْرٍ طَالَمَا أَزْبَدَتْ تَغْلِي
فَإِنْ تُصْبِحُ النّيرَانَ قَدْ مَاتَ ضَوْءُهَا ... فَقَدْ كَانَ يُذْكِيهِنّ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ
لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ... وَمُسْتَنْبَحٍ أَضْحَى لَدَيْهِ عَلَى رَسْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ .
[ شِعْرُ قُتَيْلَة بِنْتِ الْحَارِثِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ قُتَيْلَة بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْت النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ تَبْكِيهِ [ ص 43 ]
يَا رَاكِبًا إنّ الْأَثِيلَ مَظِنّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفّقُ
أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةً ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النّجَائِبُ تَخْفِقُ
مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ
هَلْ يَسْمَعَنّي النّضْرُ إنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيّتٌ لَا يَنْطِقُ
أَمُحَمّدُ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرّقُ
مَا كَانَ ضُرّك لَوْ مَنَنْتَ وَرُبّمَا ... مَنّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ
أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ... بِأَعَزّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ
فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرّتْ قَرَابَةً ... وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ
ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقّقُ
صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوَثّقُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَيُقَالُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا بَلَغَهُ هَذَا الشّعْرُ قَالَ لَوْ
بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْه
[ تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فَرَاغُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي شَوّالٍ .
غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْم ٍ بِالْكَدَرِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ ( رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ) لَمْ يَقُمْ بِهَا إلّا سَبْعَ لَيَالٍ ( حَتّى ) غَزَا
بِنَفْسِهِ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ
عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ أَوْ ابْنَ أُمّ
مَكْتُومٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ
يُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ [ ص 44 ]
الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَوّالٍ
وَذَا الْقَعَدَةِ وَأَفْدَى فِي إقَامَتِهِ تِلْكَ جُلّ الْأُسَارَى مِنْ
قُرَيْشٍ .
غَزْوَة السّوِيقِ
[ عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ وَخُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِهِ ]
قَالَ
حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا
زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ
الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ غَزْوَةَ
السّوِيقِ فِي ذِي الْحَجّةِ وَوَلّى تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ
مِنْ تِلْكَ السّنَةِ فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ
بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، وَمَنْ لَا
أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَكَانَ مِنْ
أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ ، حِينَ رَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَرَجَعَ فَلّ
قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ ، نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ
جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَخَرَجَ فِي مِئَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، لِيَبَرّ يَمِينَهُ
فَسَلَكَ النّجْدِيّة ، حَتّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ
يُقَالُ لَهُ ثَيْب ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمّ
خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ حَتّى أَتَى بَنِي النّضِيرِ تَحْتَ اللّيْلِ
فَأَتَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَأَبَى أَنْ
يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ وَخَافَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إلَى سَلّامِ بْنِ
مِشْكَمٍ ، وَكَانَ سَيّدَ بَنِي النّضِير ِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ
وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَرّاهُ
وَسَقَاهُ وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النّاسِ ثُمّ خَرَجَ فِي عَقِبِ
لَيْلَتِهِ حَتّى أَتَى أَصْحَابَهُ فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إلَى
الْمَدِينَةِ ، فَأَتَوْا نَاحِيَةً [ ص 45 ] يُقَالُ لَهَا : الْعَرِيضُ
، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ بِهَا ، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا
مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا ، فَقَتَلُوهُمَا ،
ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَنَذِرَ بِهِمْ النّاسُ . فَخَرَجَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِمْ وَاسْتَعْمَلَ
عَلَى الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَبُو
لُبَابَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، حَتّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ
الْكُدْرِ ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا ، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ
وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ
طَرَحُوهَا فِي الْحَرْثِ يَتَخَفّفُونَ مِنْهَا لِلنّجَاءِ فَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ حَيْنَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ
غَزْوَةً ؟ قَالَ نَعَمْ .
[ سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِغَزْوَةِ السّوِيق ِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا سُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ ، فِيمَا
حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَكْثَرَ مَا طَرَحَ الْقَوْمُ مِنْ
أَزْوَادِهِمْ السّوِيقُ ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَوِيقٍ كَثِيرٍ
فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ .
[ شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِيهَا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ لِمَا صَنَعَ بِهِ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ [ ص 46 ]
وَإِنّي تَخَيّرْت الْمَدِينَةَ وَاحِدًا ... لِحِلْفٍ فَلَمْ أَنْدَمْ وَلَمْ أَتَلَوّمْ
سَقَانِي فَرَوَانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً ... عَلَى عَجَلٍ مِنّي سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ
وَلَمّا تَوَلّى الْجَيْشُ قُلْتُ وَلَمْ أَكُنْ ... لِأُفْرِحَهُ أَبْشِرْ بِعَزّ وَمَغْنَمِ
تَأَمّلْ فَإِنّ الْقَوْمَ سُرّ وَإِنّهُمْ ... صَرِيحُ لُؤَيّ لَا شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ
وَمَا كَانَ إلّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ ... أَتَى سَاعِيًا مِنْ غَيْرِ خَلّةِ مُعْدِمِ
غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ
فَلَمّا
رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ
السّوِيقِ ، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ أَوْ قَرِيبًا
مِنْهَا ، ثُمّ غَزَا نَجْدًا ، يُرِيدُ غَطَفَانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي
أَمَرَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا
كُلّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ
يَلْقَ كَيْدًا . فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلَ كُلّهُ أَوْ
إلّا قَلِيلًا مِنْهُ .
غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بُحْرَانَ
ثُمّ
غَزَا ( رَسُولُ اللّهِ ) صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ
قُرَيْشًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ،
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ
بُحْرَانَ ، مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ ، فَأَقَامَ
بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَجُمَادَى الْأُولَى ، ثُمّ رَجَعَ إلَى
الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .
أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاع َ
[ نَصِيحَةُ الرّسُولِ لَهُمْ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ ]
[
ص 47 ] قَالَ ) : وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ،
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ ( بَنِي ) قَيْنُقَاع َ ثُمّ
قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ احْذَرُوا مِنْ اللّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ
بِقُرَيْشٍ مِنْ النّقْمَةِ وَأَسْلِمُوا ، فَإِنّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ
أَنّي نَبِيّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللّهِ
إلَيْكُمْ قَالُوا : يَا مُحَمّدُ إنّك تَرَى أَنّا قَوْمُك لَا
يَغُرّنّكَ أَنّك لَقِيت قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ
فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فُرْصَةً إنّا وَاَللّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاك
لَتَعْلَمَنّ أَنّا نَحْنُ النّاسَ
[ مَا نَزَلَ فِيهِمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، أَوْ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ
مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إلّا فِيهِمْ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا
سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ
كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } أَيْ أَصْحَابِ بَدْرٍ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقُرَيْشٍ
{ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ
مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ
إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ }
[ كَانُوا أَوّلَ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ
بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَارَبُوا
فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ .
[ سَبَب الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ
بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنْ [ ص 48 ] أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ
بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ
لَهَا ، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ
بِهَا ، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا ، فَأَبَتْ
فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا ،
فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا ، فَضَحِكُوا بِهَا ، فَصَاحَتْ
. فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ فَقَتَلَهُ
وَكَانَ يَهُودِيّا ، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ
فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ ،
فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي
قَيْنُقَاعَ .
[ مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ
فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى
نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ
سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ
فِي مَوَالِيّ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، قَالَ فَأَبْطَأَ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا
مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ . فَأَدْخَلَ
يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتَ الْفُضُولِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسِلْنِي ، وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا ، ثُمّ قَالَ وَيْحَك
أَرْسِلْنِي ، قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُرْسِلْك حَتّى تُحْسِنَ فِي
مُوَالِيّ أَرْبَعَ مِئَةِ حَاسِرٍ وَثَلَاثُ مِئَةِ دَارِعٍ قَدْ
مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ
وَاحِدَةٍ إنّي وَاَللّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ قَالَ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُمْ لَك .
[ مُدّةُ حِصَارِهِمْ ]
[
ص 49 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي مُحَاصَرَتِهِ إيّاهُمْ بَشِيرَ
بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إيّاهُمْ خَمْسَ
عَشْرَةَ لَيْلَةً .
[ تَبَرّؤُ ابْنِ الصّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي ابْنِ أُبَيّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ لَمّا
حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاع َ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ تَشَبّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ
وَقَامَ دُونَهُمْ قَالَ وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ
لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلُ الّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
أُبَيّ ، فَخَلَعَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَتَبَرّأَ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حِلْفِهِمْ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ
أَتَوَلّى اللّهَ وَرَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفّارِ
وَوِلَايَتِهِمْ . قَالَ فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ
نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ مِنْ الْمَائِدَةِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ
اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أَيْ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَقَوْلُهُ إنّي
أَخْشَى الدّوَائِرَ { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ
تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ
أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَنْفُسِهِمْ
نَادِمِينَ وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الّذِينَ أَقْسَمُوا
بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
{ إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ
يُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } وَذَكَرَ
لِتُوَلّي عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاَلّذِينَ
آمَنُوا ، وَتَبَرّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع [ ص 50 ] { وَمَنْ يَتَوَلّ
اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ
الْغَالِبُونَ }
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْقَرَدَةِ
[ إصَابَةُ زَيْدٍ لِلْعِيرِ وَإِفْلَاتُ الرّجَالِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الّتِي بَعَثَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا ، حَيْنَ أَصَابَ
عِيرَ قُرَيْشٍ ، وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عَلَى الْقَرَدَةِ
، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ . وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا : أَنّ قُرَيْشًا
خَافُوا طَرِيقَهُمْ الّذِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إلَى الشّأْمِ حِينَ
كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ ،
فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجّارٌ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمَعَهُ
فِضّةٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ عُظْمُ تِجَارَتِهِمْ وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا
مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، يُقَال لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ
يَدُلّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الطّرِيقِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فُرَاتُ
بْنُ حَيّانَ ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ حَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَلَقِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَأَصَابَ
تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا فِيهَا ، وَأَعْجَزَهُ الرّجَالُ فَقَدِمَ بِهَا
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي تَأْنِيبِ قُرَيْشٍ ]
فَقَالَ
حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَعْدَ أُحُدٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْآخِرَةِ
يُؤَنّبُ قُرَيْشًا لِأَخْذِهِمْ تِلْكَ الطّرِيقِ [ ص 51 ]
دَعُو فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ
بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ... وَأَنْصَارِهِ حَقّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ
إذَا سَلَكَتْ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكَ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لِحَسّانَ بْنِ
ثَابِتٍ نَقَضَهَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ ، وَسَنَذْكُرُهَا وَنَقِيضَتُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ ( فِي )
مَوْضِعِهَا
[ مُقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ]
[اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ : أَنّهُ
لَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى
أَهْلِ السّافِلَةِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أَهْلِ
الْعَالِيَةِ بَشِيرَيْنِ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ
اللّهِ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ .
كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ
الظّفَرِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ حَزْمٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَصَالِحُ بْنُ
أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ
قَالُوا : قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ طَيّئٍ
ثُمّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ وَكَانَتْ أُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ حِينَ
بَلَغَهُ الْخَبَرُ : أَحَقّ هَذَا ؟ أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ
هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُسَمّى هَذَانِ الرّجُلَانِ - يَعْنِي زَيْدًا
وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ - فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ
وَمُلُوكُ النّاسِ وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ
الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا .
[ شِعْرُهُ فِي التّحْرِيضِ عَلَى الرّسُولِ ]
فَلَمّا
تَيَقّنَ عَدُوّ اللّهِ الْخَبَرَ ، خَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ ،
فَنَزَلَ عَلَى الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَة
السّهْمِيّ وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ
بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ
وَجَعَلَ يُحَرّضُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ [ ص 52 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ
قُرَيْشٍ ، الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ فقال :
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ
قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ... لَا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ
كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ الضّيّعُ
طَلْق الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ... حَمّالُ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُسَرّ بِسَخَطِهِمْ ... إنّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتّلُوا ... ظَلّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ
صَارَ الّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنِهِ ... أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ
نُبّئْتُ أَنّ بَنِي الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ ... خَشَعُوا لِقَتْلِ أَبِي الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا
وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْدَهُ وَمُنَبّهٌ ... مَا نَالَ مِثْلَ الْمُهْلِكِينَ وَتُبّعُ
نُبّئْتُ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ... فِي النّاسِ يَبْنِي الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ
لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا ... يَحْمَى عَلَى الْحَسَبِ الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " تُبّعُ " ، " وَأُسِرّ بِسَخَطِهِمْ " . عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ ، فَقَالَ [ ص 53 ]
أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةٍ ... مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لَا يَسْمَعُ
وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمْ ... قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ
فَابْكِي فَقَدْ أَبَكَيْتَ عَبْدًا رَاضِعًا ... شِبْهَ الْكُلَيْبِ إلَى الْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ
وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنّا سَيّدًا ... وَأَهَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا
وَنَجَا وَأُفْلِتَ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ ... شَغَفٌ يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِحَسّانَ . وَقَوْلُهُ " أَبَكَى لِكَعْبِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
[ شِعْرُ مَيْمُونَةَ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي
مُرَيْدٍ بَطْنٌ مِنْ بَلِيّ ، كَانُوا حَلْفَاءَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ
زَيْدٍ يُقَالُ لَهُمْ الْجَعَادِرَةُ ، تُجِيبُ كَعْبًا - قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : اسْمُهَا مَيْمُونَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللّهِ ، وَأَكْثَرُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لَهَا ،
وَيُنْكِرُ نَقِيضَتَهَا لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
تَحَنّنَ هَذَا الْعَبْدُ كُلّ تَحَنّنٍ ... يُبَكّى عَلَى قَتْلَى وَلَيْسَ بِنَاصِبِ
بَكَتْ عَيْنُ مَنْ يَبْكِي لِبَدْرٍ وَأَهْلُهُ ... وَعُلّتْ بِمِثْلِيّهَا لُؤَيّ بْنُ غَالِبِ
فَلَيْتَ الّذِينَ ضُرّجُوا بِدِمَائِهِمْ ... يَرَى مَا بِهِمْ مَنْ كَانَ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
فَيَعْلَمُ حَقّا عَنْ يَقِينٍ وَيُبْصِرُوا ... مَجَرّهُمْ فَوْقَ اللّحَى وَالْحَوَاجِبِ
[ ص 54 ]
[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى مَيْمُونَةَ ]
فَأَجَابَهَا كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ ، فَقَالَ
أَلَا فَازْجُرُوا مِنْكُمْ سَفِيهًا لِتَسْلَمُوا ... عَنْ الْقَوْلِ يَأْتِي مِنْهُ غَيْرَ مُقَارِبِ
أَتَشْتُمُنِي أَنْ كُنْتُ أَبْكِي بِعَبْرَةٍ ... لِقَوْمٍ أَتَانِي وُدّهُمْ غَيْرَ كَاذِبِ
فَإِنّي لَبّاك مَا بَقِيتُ وَذَاكِرٌ ... مَآثِرَ قَوْمٍ مَجْدُهُمْ بِالْجَبَاجِبِ
لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ مُرَيْدٌ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الشّرّ فَاحْتَالَتْ وُجُوهَ الثّعَالِبِ
فَحُقّ مُرَيْدٌ أَنْ تُجَدّ أُنُوفُهُمْ ... بِشَتْمِهِمْ حَيِيّ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ
وَهَبْتُ نَصِيبِي مِنْ مُرَيْدٍ لِجَعْدَرٍ ... وَفَاءً وَبَيْتُ اللّهِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
[ تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ ]
ثُمّ
رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبّبَ بِنِسَاءِ
الْمُسْلِمِينَ حَتّى آذَاهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ
أَبِي بُرْدَةَ [ ص 55 ] مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَقَالَ لَهُ
مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَنَا لَك بِهِ
يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ قَالَ فَافْعَلْ إنْ قَدَرْتَ عَلَى
ذَلِكَ . فَرَجَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا
يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إلّا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ
لِمَ تَرَكْتَ الطّعَامَ وَالشّرَابَ ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْت
لَك قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنّ لَك بِهِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ
إنّمَا عَلَيْك الْجَهْدُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ لَا بُدّ
لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ قَالَ قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي
حِلّ مِنْ ذَلِكَ فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ،
وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ
بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ
الرّضَاعَةِ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ ؛ ثُمّ
قَدّمُوا إلَى عَدُوّ اللّهِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ قَبْلَ أَنْ
يَأْتُوهُ سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَبَا نَائِلَةَ فَجَاءَهُ فَتَحَدّثَ
مَعَهُ سَاعَةً وَتَنَاشَدُوا شِعْرًا ، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ
الشّعْرَ ثُمّ قَالَ وَيْحَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ إنّي قَدْ جِئْتُك
لِحَاجَةِ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَك ، فَاكْتُمْ عَنّي ؛ قَالَ أَفْعَلُ
قَالَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا بَلَاءً مِنْ الْبَلَاءِ
عَادَتْنَا بِهِ الْعَرَبُ ، وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ
وَقَطَعَتْ عَنّا السّبُلَ حَتّى ضَاعَ الْعِيَالُ وَجُهِدَتْ الْأَنْفُسُ
وَأَصْبَحْنَا قَدْ جُهِدْنَا وَجُهِدَ عِيَالُنَا . فَقَالَ كَعْبٌ أَنَا
ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أُخْبِرُك يَا ابْنَ
سَلَامَةَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا أَقُولُ فَقَالَ لَهُ
سِلْكَانُ إنّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَك
وَنُوثِقَ لَك ، وَنُحْسِنُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَتَرْهَنُونَنِي
أَبْنَاءَكُمْ ؟ قَالَ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَفْضَحَنَا إنّ مَعِي
أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَك
بِهِمْ فَتَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ وَنَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ
مَا فِيهِ وَفَاءٌ وَأَرَادَ سِلْكَانُ أَنْ لَا يُنْكِرَ السّلَاحَ إذَا
جَاءُوا بِهَا ؛ قَالَ إنّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً قَالَ فَرَجَعَ
سِلْكَانُ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ
يَأْخُذُوا السّلَاحَ ثُمّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إلَيْهِ
فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَتَرْهَنُونَنِي نِسَاءَكُمْ ؟ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُك نِسَاءَنَا ، وَأَنْتَ أَشَبّ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَعْطَوْهُمْ قَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ . قَالَ [ ص 56 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، ثُمّ وَجّهَهُمْ فَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ ؛ اللّهُمّ أَعِنْهُمْ ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ وَأَقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا ، وَقَالَتْ إنّك امْرُؤٌ مُحَارِبٌ وَإِنّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ قَالَ إنّهُ أَبُو نَائِلَةَ لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي ؛ فَقَالَتْ وَاَللّهِ إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ قَالَ يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ لَأَجَابَ . فَنَزَلَ فَتَحَدّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَتَحَدّثُوا مَعَهُ ثُمّ قَالَ هَلْ لَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ ، فَنَتَحَدّثَ بِهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ؟ قَالَ إنْ شِئْتُمْ . فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ فَمَشَوْا سَاعَةً ثُمّ إنّ أَبَا نَائِلَةَ شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ شَمّ يَدَهُ فَقَالَ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطّ ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا ، فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبُوهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا . قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا فِي سَيْفِي ، حِينَ رَأَيْتُ أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا ، فَأَخَذْتُهُ وَقَدْ صَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلّا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ قَالَ فَوَضَعْته فِي ثُنّتِهِ ثُمّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوّ اللّهِ وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا . قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ [ ص 57 ] بَنِي قُرَيْظَة ، ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى أَسْنَدْنَا فِي حَرّةِ الْعَرِيضِ ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ، وَنَزَفَهُ الدّمُ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا . قَالَ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخِرَ اللّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَسَلّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إلَيْنَا . فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا ، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوّ اللّهِ فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيّ إلّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ .
[ شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ :
فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ
عَلَى الْكَفّيْنِ ثَمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ... بِأَيْدِينَا مُشْهَرَةٌ ذُكُورُ
بِأَمْرِ مُحَمّدٍ إذْ دَسّ لَيْلًا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ
فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ
بَنِي النّضِيرِ ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي حَدِيثِ ذَلِكَ
الْيَوْمِ .
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي مُقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ
بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ
لِلّهِ دَرّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتهمْ ... يَا ابْنَ الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ
يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ
حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضٍ ذُفّفِ
مُسْتَنْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ ... مُسْتَصْغَرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ مُجْحِفِ
[
ص 58 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَأَذْكُرُ قَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي
الْحُقَيْقِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ . وَقَوْلُهُ " ذُفّفِ " ،
عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
أَمْرُ مُحَيّصَةَ وَحُوَيّصَةَ
[ لَوْمُ حُوَيّصَةَ لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ لِقَتْلِهِ يَهُودِيّا ثُمّ إسْلَامُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ
رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ فَوَثَبَ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ - قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : ( مُحَيّصَة ) . وَيُقَالُ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ
بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ - عَلَى ابْنِ سُنَيْنَة - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
سُبَيْنَة - رَجُلٌ مِنْ تُجّارِ يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ
وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حُوَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ إذْ ذَاكَ
لَمْ يُسْلِمْ وَكَانَ أَسَنّ مِنْ مُحَيّصَةَ فَلَمّا قَتَلَهُ جَعَلَ
حُوَيّصَةَ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ أَيْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْتَهُ أَمَا
وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ . قَالَ مُحَيّصَةُ
فَقُلْت : وَاَللّهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي
بِقَتْلِك لَضَرَبْتُ عُنُقَك ؛ قَالَ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ لِأَوّلِ
إسْلَامِ حُوَيّصَةَ قَالَ آوَللّهِ لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ بِقَتْلِي
لَقَتَلْتَنِي ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِك
لَضَرَبْتُهَا قَالَ وَاَللّهِ إنّ دِينًا بَلَغَ بِك هَذَا لَعَجَبٌ
فَأَسْلَمَ حُوَيّصَة . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي هَذَا
الْحَدِيثَ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ عَنْ ابْنِهِ مُحَيّصَةَ عَنْ
أَبِيهَا مُحَيّصَةَ .
[ شِعْرُ مُحَيّصَةَ فِي لَوْمِ أَخِيهِ لَهُ ]
فَقَالَ مُحَيّصَةُ فِي ذَلِكَ [ ص 59 ]
يَلُومُ ابْنُ أُمّي لَوْ أُمِرْتُ بِقَتْلِهِ ... لَطَبّقْتُ ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ
حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ ... مَتَى مَا أُصَوّبْهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ
وَمَا سَرّنِي أَنّي قَتَلْتُكَ طَائِعًا ... وَأَنّ لَنَا مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ
[رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي إسْلَامِ حُوَيّصَةَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو
الْمَدَنِيّ قَالَ لَمّا ظَفَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ أَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ
مِئَةِ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ ، وَكَانُوا حَلْفَاءَ الْأَوْسِ عَلَى
الْخَزْرَجِ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِأَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ فَجَعَلَتْ الْخَزْرَجُ تَضْرِبُ
أَعْنَاقَهُمْ وَيَسُرّهُمْ ذَلِكَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْخَزْرَجِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْتَبْشِرَةٌ
وَنَظَرَ إلَى الْأَوْسِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ فَظَنّ أَنّ ذَلِكَ
لِلْحِلْفِ الّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَة وَلَمْ
يَكُنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ إلّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ،
فَدَفَعَهُمْ إلَى الْأَوْسِ ، فَدَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلَيْنِ مِنْ
الْأَوْسِ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ لِيَضْرِبَ فُلَانٌ
وَلْيُذَفّفْ فُلَانٌ فَكَانَ مِمّنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ كَعْبُ بْنُ
يَهُوذَا ، وَكَانَ عَظِيمًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَدَفَعَهُ إلَى
مُحَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَإِلَى أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ -
وَأَبُو بُرْدَةَ الّذِي رَخّصَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي أَنْ يَذْبَحَ جَذَعًا مِنْ الْمَعْزِ فِي الْأَضْحَى -
وَقَالَ لِيَضْرِبَهُ مُحَيّصَةُ وَلِيُذَفّفْ عَلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ
فَضَرَبَهُ مُحَيّصَةُ ضَرْبَةً لَمْ تَقْطَعْ وَذَفّفَ أَبُو بُرْدَةَ
فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ . فَقَالَ حُوَيّصَة ، وَكَانَ كَافِرًا ، لِأَخِيهِ
مُحَيّصَةَ أَقَتَلْتَ كَعْبَ ابْنَ يَهُوذَا ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ
حُوَيّصَة : أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِك مِنْ
مَالِهِ إنّك لَلَئِيمٌ يَا مُحَيّصَةُ فَقَالَ لَهُ مُحَيّصَةُ لَقَدْ
أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي يَقْتُلْك لَقَتَلْتُك ؛
فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجّبًا . فَذَكَرُوا
أَنّهُ جَعَلَ يَتَيَقّظُ مِنْ اللّيْلِ فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ
مُحَيّصَةَ . حَتّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَدِينٌ
. ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ
مُحَيّصَةُ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا قَدْ كَتَبْنَاهَا .
[ الْمُدّةُ بَيْنَ قُدُومِ الرّسُولِ نَجْرَانَ وَغَزْوَةِ أُحُدٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ إقَامَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ [ ص 60 ] نَجْرَانَ ، جُمَادَى
الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَغَزَتْهُ قُرَيْشٌ
غَزْوَةَ أُحُدٍ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ .
غَزْوَةُ أُحُد
وَكَانَ
مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ ، كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ
وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ
بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا ، كُلّهُمْ قَدْ حَدّثَ
بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ
كُلّهُ فِيمَا سُقْتُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالُوا ،
أَوْ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ .
[ التّحْرِيضُ عَلَى غَزْوِ الرّسُولِ ]
لَمّا
أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ ،
وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى مَكّةَ ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ
بِعِيرِهِ مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ
أَبِي جَهْلٍ ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ،
مِمّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ
فَكَلّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ
الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّ
مُحَمّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ فَأَعِينُونَا بِهَذَا
الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ فَلَعَلّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ
أَصَابَ مِنّا ، فَفَعَلُوا .
[ مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ
أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ
تَكُونُ - عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا
إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ }
[ اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ لِلْحَرْبِ ]
فَاجْتَمَعَتْ
قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ
فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ [ ص 61 ] أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ
كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ . وَكَانَ أَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ
اللّهِ الْجُمَحِيّ قَدْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ
وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فَقَالَ إنّي فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ
عَرَفْتَهَا فَامْنُنْ عَلَيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْك وَسَلّمَ فَمَنّ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ لَهُ
صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ : يَا أَبَا عَزّةَ إنّك امْرُؤٌ شَاعِرٌ ،
فَأُعِنّا بِلِسَانِك ، فَاخْرُجْ مَعَنَا ؛ فَقَالَ إنّ مُحَمّدًا قَدْ
مَنّ عَلَيّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ قَالَ ( بَلَى )
فَأَعِنّا بِنَفْسِك ، فَلَك اللّهُ عَلَيّ إنْ رَجَعْتُ أَنْ أُغْنِيَك ،
وَإِنْ أُصِبْتَ أَنْ أَجَعَلَ بَنَاتِك مَعَ بَنَاتِي ، يُصِيبُهُنّ مَا
أَصَابَهُنّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ . فَخَرَجَ أَبُو عَزّةَ فِي تِهَامَةَ
، وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ .
إيهًا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرّزّام ... أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ
لَا تَعْدُونِي نَصّرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ ... لَا تُسْلِمُونِي لَا يَحِلّ إسْلَامْ
وَخَرَجَ
مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ
إلَى بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ ، يُحَرّضُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إلَى
حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
يَا مَالُ مَالُ الْحَسَبَ الْمُقَدّمِ ... أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا التّذَمّمْ
مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ ... الْحِلْفَ وَسْطَ الْبَلَدِ الْمُحَرّمْ
عِنْدَ
حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظّمْ وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ غُلَامًا
لَهُ حَبَشِيّا يُقَالُ لَهُ وَحْشِيّ ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةِ لَهُ قَذْفَ
الْحَبَشَةِ ، قَلّمَا يُخْطِئُ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ مَعَ
النّاسِ فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي طُعَيْمَةَ
بْنِ عَدِيّ ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ .
[ خُرُوجُ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ ]
(
قَالَ ) فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدّهَا وَجَدّهَا وَحَدِيدِهَا
وَأَحَابِيشِهَا ، وَمَنْ تَابَعَهَا [ ص 62 ] بَنِي كِنَانَةَ ، وَأَهْلِ
تِهَامَةَ ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظّعْنِ ؟ الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ
وَأَلّا يَفِرّوا . فَخَرَج َ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَهُوَ
قَائِدُ النّاسِ بِهِنْدٍ بْنَةِ عُتْبَة وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي
جَهْلٍ بِأُمّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ
الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ
بِبَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّةِ
وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ رُقَيّةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ عَمْرُو
بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ وَهِيَ أُمّ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَخَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ
وَأَبُو طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ
عَبْدِ الدّارِ بِسُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ الْأَنْصَارِيّةِ
وَهِيَ أُمّ بَنِي طَلْحَةَ مُسَافِعُ وَالْجُلَاسُ وَكِلَابٌ قُتِلُوا
يَوْمئِذٍ ( هُمْ ) وَأَبُوهُمْ وَخَرَجَتْ خُنَاسُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ
الْمُضْرِبِ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مَعَ ابْنِهَا
أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهِيَ أُمّ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ،
وَخَرَجَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي الْحَارِثِ
بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ . وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة
كُلّمَا مَرّتْ بِوَحْشِيّ أَوْ مَرّ بِهَا ، قَالَتْ وَيْهَا أَبَا
دَسْمَةَ اشْفِ وَاسْتَشْفِ وَكَانَ وَحْشِيّ يُكَنّى بِأَبِي دَسْمَةَ
فَأَقْبَلُوا حَتّى نَزَلُوا بِعَيْنَيْنِ بِجَبَلٍ بِبَطْنِ السّبْخَةِ
مِنْ قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي ، مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ .
[ رُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
(
قَالَ ) فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ نَزَلُوا ، قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْمُسْلِمِينَ إنّي قَدْ رَأَيْت
وَاَللّهِ خَيْرًا ، رَأَيْتُ بَقَرًا ، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي
ثَلْمًا ، وَرَأَيْتُ أَنّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ
فَأَوّلْتُهَا الْمَدِينَةَ [ ص 63 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ رَأَيْت بَقَرًا لِي تُذْبَحُ ؟ قَالَ فَأَمّا الْبَقَرُ
فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ وَأَمّا الثّلْمُ الّذِي
رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي
يُقْتَلُ
[ مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ
وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ
مُقَامٍ وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا وَكَانَ
رَأْيُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ وَأَلّا
يَخْرَجَ إلَيْهِمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ
أَكْرَمَ اللّهُ بِالشّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ مِمّنْ كَانَ
فَاتَهُ بَدْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا ،
لَا يَرَوْنَ أَنّا جَبُنّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ
بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا
تَخْرُجْ إلَيْهِمْ فَوَاَللّهِ مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلَى عَدُوّ لَنَا
قَطّ إلّا أَصَابَ مِنّا ، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلّا أَصَبْنَا
مِنْهُ فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ
مَحْبِسٍ وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ
وَرَمَاهُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ
وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ كَمَا جَاءُوا . فَلَمْ يَزَلْ
النّاسُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ كَانَ
مِنْ أَمْرِهِمْ حُبّ لِقَاءِ الْقَوْمِ حَتّى دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَهُ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَذَلِكَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ . وَقَدْ مَاتَ فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ
عَمْرٍو ، أَحَدُ بَنِي النّجّار ِ فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ نَدِمَ النّاسُ
وَقَالُوا : اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ . فَلَمّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ
اسْتَكْرَهْنَاك وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا ، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ
صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ إذَا لَبِسَ لَأَمْته أَنْ يَضَعَهَا
حَتّى يُقَاتِلَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ . [ ص 64 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ .
[ انْخِذَالُ الْمُنَافِقِينَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى إذَا كَانُوا بِالشّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ
وَأُحُدٍ ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ
بِثُلُثِ النّاسِ وَقَالَ أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي ، مَا نَدْرِي عَلَامَ
نَقْتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ فَرَجَعَ بِمَنْ اتّبَعَهُ
مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ وَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ يَقُولُ يَا
قَوْمِ أُذَكّرُكُمْ اللّهَ أَلّا تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ
عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ فَقَالُوا : لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ
تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِنّا لَا نَرَى أَنّهُ يَكُونُ
قِتَالٌ . قَالَ فَلَمّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلّا
الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ قَالَ أَبْعَدَكُمْ اللّهُ أَعْدَاءَ اللّهِ
فَسَيُغْنِي اللّهُ عَنْكُمْ نَبِيّهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ
غَيْرُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزّهْرِيّ : أَنّ
الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا
مِنْ يَهُودَ ؟ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ
[ حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا الرّسُولُ ]
قَالَ
زِيَادٌ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى سَلَكَ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ
، فَذَبّ فَرَسُ بِذَنَبِهِ فَأَصَابَ كَلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كِلَابُ سَيْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يُحِبّ
الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ لِصَاحِبِ السّيْفِ شِمْ سَيْفَك ، فَإِنّي
أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ .
[ مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ الْمُسْلِمُونَ حَائِطَهُ ]
[
ص 65 ] قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لِأَصْحَابِهِ مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ
أَيْ مِنْ قُرْبٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرّ بِنَا عَلَيْهِمْ ؟ فَقَالَ
أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا يَا
رَسُولَ اللّهِ فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ ، وَبَيْنَ
أَمْوَالِهِمْ حَتّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ وَكَانَ
رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَمّا سَمِعَ حِسّ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَامَ
يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ وَيَقُولُ إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللّهِ
فَإِنّي لَا أُحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي . وَقَدْ ذُكِرَ لِي
أَنّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ
لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَك يَا مُحَمّدُ لَضَرَبْتُ
بِهَا وَجْهَك . فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا
الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ ، أَعْمَى الْبَصَرِ وَقَدْ بَدَرَ إلَيْهِ
سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، قَبْلَ نَهْيِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ فَضَرَبَهُ
بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ فَشَجّهُ .
[ نُزُولُ الرّسُولِ بِالشّعْبِ وَتَعْبِيَتُهُ لِلْقِتَالِ ]
قَالَ
وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ
الشّعْبَ مِنْ أُحُدٍ ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي إلَى الْجَبَلِ فَجَعَلَ
ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إلَى أُحُدٍ ، وَقَالَ لَا يُقَاتِلُنّ أَحَدٌ
مِنْكُمْ حَتّى نَأْمُرُهُ بِالْقِتَالِ وَقَدْ سَرّحَتْ قُرَيْشٌ
الظّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصّمْغَةِ مِنْ قَنَاةِ
لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْقِتَالِ أَتُرْعَى زُرُوعُ
بَنِي قَيْلَةَ وَلِمَا نُضَارِبُ وَتُعَبّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِ مِئَةِ رَجُلٍ وَأَمّرَ
عَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جُبَيْرٍ ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ وَهُوَ مُعْلَمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيَابِ بِيضٍ وَالرّمَاةُ خَمْسُونَ
رَجُلًا ، فَقَالَ [ ص 66 ] انْضَحْ الْخَيْلَ عَنّا بِالنّبْلِ ، لَا
يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا ، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا ،
فَاثْبُتْ مَكَانَك لَا نُؤْتَيَنّ مِنْ قِبَلِكِ وَظَاهَرَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَدَفَعَ
اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ .
[ مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَأَجَازَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَوْمئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيّ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ ،
أَخَا بَنِي حَارِثَةَ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ
قَدْ رَدّهُمَا ، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ رَافِعًا رَامٍ ،
فَأَجَازَهُ فَلَمّا أَجَازَ رَافِعًا ، قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ
فَإِنّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا ، فَأَجَازَهُ وَرَدّ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْد ٍ وَعَبْدَ اللّهِ
بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، أَحَدَ بَنِي
مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ، أَحَدَ بَنِي
حَارِثَة ، وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ
وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَةَ ثُمّ أَجَازَهُمْ
يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ
وَمَعَهُمْ مِئَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ
الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ
بْنَ أَبِي جَهْلٍ .
[ أَمْرُ أَبِي دُجَانَةَ ]
وَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ
بِحَقّهِ ؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ حَتّى قَامَ
إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ
فَقَالَ وَمَا حَقّهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَنْ تضْرَبَ بِهِ
الْعَدُوّ حَتّى يَنْحَنِيَ قَالَ أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ
بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا
يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ وَكَانَ إذَا أَعُلِمَ
بِعِصَابَةِ لَهُ حَمْرَاءَ ، فَاعْتَصَبَ بِهَا عَلِمَ النّاسُ أَنّهُ
سَيُقَاتِلُ فَلَمّا أَخَذَ السّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ فَعَصَبَ بِهَا
رَأْسَهُ وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصّفّيْنِ . [ ص 67 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَسْلَمَ ،
مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ
بَنِي سَلِمَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ إنّهَا لَمِشْيَةٌ
يُبْغِضُهَا اللّهُ إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ .
[ أَمْرُ أَبِي عَامِرٍ الْفَاسِق ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ
أَبَا عَامِرٍ عَبْدَ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ
النّعْمَانِ أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ وَقَدْ كَانَ خَرَجَ حِينَ خَرَجَ
إلَى مَكّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنْ الْأَوْسِ ، وَبَعْضُ النّاسِ كَانَ
يَقُولُ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ
لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ
فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ كَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي
الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانُ أَهْلِ مَكّةَ ، فَنَادَى : يَا مَعْشَرَ
الْأَوْسِ ، أَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالُوا : فَلَا أَنْعَمَ اللّهُ بِك
عَيْنًا يَا فَاسِقُ - وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يُسَمّى فِي الْجَاهِلِيّةِ
الرّاهِبَ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْفَاسِقَ - فَلَمّا سَمِعَ رَدّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ أَصَابَ
قَوْمِي بَعْدِي شَرّ ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، ثُمّ
رَاضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ .
[ أُسْلُوبُ أَبِي سُفْيَانَ فِي تَحْرِيضِ قُرَيْشٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ اللّوَاءِ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُحَرّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ يَا
بَنِي عَبْدِ الدّارِ إنّكُمْ قَدْ وَلّيْتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ
فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَإِنّمَا يُؤْتَى النّاسُ مِنْ قِبَلِ
رَايَاتِهِمْ إذَا زَالَتْ زَالُوا ، فَإِمّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا
، وَإِمّا أَنْ تُخَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ فَهَمّوا
بِهِ وَتُوَاعَدُوهُ وَقَالُوا : نَحْنُ نُسْلِمُ إلَيْك لِوَاءَنَا ،
سَتَعْلَمُ غَدًا إذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَع وَذَلِكَ أَرَادَ
أَبُو سُفْيَانَ .
[ تَحْرِيضُ هِنْدَ وَالنّسْوَةِ مَعَهَا ]
فَلَمّا
الْتَقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ
عُتْبَة فِي النّسْوَةِ اللّاتِي مَعَهَا ، وَأَخَذْنَ الدّفُوفَ
يَضْرِبْنَ بِهَا خَلَفَ الرّجَالِ وَيُحَرّضْنَهُمْ فَقَالَتْ هِنْدُ
فِيمَا تَقُولُ [ ص 68 ]
وَيْهَا بَنِي عَبْدِ الدّارْ ... وَيْهَا حُمَاةَ الْأَدْبَارْ
ضَرْبًا بِكُلّ بَتّارْ وَتَقُولُ
إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... وَنَفْرِشُ النّمَارِقْ
أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ ... فِرَاقَ غَيْرَ وَامِقْ
[ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ ]
وَكَانَ
شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ
أُحُدٍ : أَمِتْ أَمِتْ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .
[ تَمَامُ قِصّةِ أَبِي دُجَانَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَاقْتَتَلَ النّاسُ حَتّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ وَقَاتَلَ
أَبُو دُجَانَةَ حَتّى أَمْعَنَ فِي النّاسِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ
الْعَوّامِ قَالَ وَجِدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْفَ فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا
دُجَانَةَ وَقُلْت : أَنَا ابْنُ صَفِيّةَ عَمّتَهِ ، وَمِنْ قُرَيْشٍ ،
وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ فَسَأَلْته إيّاهُ قَبْلَهُ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ
وَتَرَكَنِي ، وَاَللّهِ لَأَنْظُرَنّ مَا يَصْنَعُ فَاتّبَعَتْهُ
فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَتْ
الْأَنْصَارُ : أَخْرِجْ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ ، وَهَكَذَا
كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا تَعَصّبَ بِهَا فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ
أَنَا الّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... وَنَحْنُ بِالسّفْحِ لَدَى النّخِيلِ
أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ ... أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللّهِ وَالرّسُولِ
[
ص 69 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى فِي الْكُبُول . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا قَتَلَهُ . وَكَانَ فِي
الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلّا ذَفّفَ عَلَيْهِ
فَجَعَلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ . فَدَعَوْتُ
اللّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا ، فَالْتَقَيَا ، فَاخْتَلَفَا
ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ فَاتّقَاهُ
بِدَرَقَتِهِ فَعَضّتْ بِسَيْفِهِ وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ
ثُمّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ
بِنْتِ عُتْبَة ، ثُمّ عَدَلَ السّيْفَ عَنْهَا . قَالَ الزّبِيرُ
فَقُلْتُ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ
أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ : رَأَيْت إنْسَانًا يَخْمُشُ
النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا ، فَصَمَدْتُ لَهُ فَلَمّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ
السّيْفَ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ فَأَكْرَمْت سَيْفَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً .
[ مَقْتَلُ حَمْزَةَ ]
وَقَاتَلَ
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَتّى قَتَلَ أَرْطَاةَ بْنَ عَبْدِ
شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ
وَكَانَ أَحَدَ النّفَرِ الّذِينَ يَحْمِلُونَ اللّوَاءَ ثُمّ مَرّ بِهِ
سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْغُبْشَانِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي
نِيَارٍ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ
الْبُظُورِ - وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَنْمَارٍ مَوْلَاةُ شَرِيقِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَرِيقُ بْنُ
الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ) . وَكَانَتْ خَتّانَةً بِمَكّةَ - فَلَمّا
الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ . قَالَ وَحْشِيّ ، غُلَامُ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ : وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى حَمْزَةَ يَهُدّ
[ ص 70 ] بِسَيْفِهِ مَا يُلِيقُ بِهِ شَيْئًا ، مِثْلَ الْجَمَلِ
الْأَوْرَقِ إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ،
فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ
فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَكَأَنّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي
حَتّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ
حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَأَقْبَلَ نَحْوِي ، فَغُلِبَ
فَوَقَعَ وَأَمْهَلْتُهُ حَتّى إذَا مَاتَ جِئْت فَأَخَذْت حَرْبَتِي ،
ثُمّ تَنَحّيْت إلَى الْعَسْكَرِ وَلَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حَاجَةٌ
غَيْرَهُ
[ وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبّاسِ
بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمّيّةَ الضّمْرِيّ قَالَ خُرِجْتُ أَنَا
وَعُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ،
فَأَدْرَبْنَا مَعَ النّاسِ فَلَمّا قَفَلْنَا مَرَرْنَا بِحِمْصَ -
وَكَانَ وَحْشِيّ ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَدْ سَكَنَهَا ،
وَأَقَامَ بِهَا - فَلَمّا قَدِمْنَاهَا ، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ
عَدِيّ هَلْ لَك فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيّا فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ
حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ ؟ قَالَ قُلْت لَهُ إنْ شِئْتَ . فَخَرَجْنَا
نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ
إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ
عَلَيْهِ الْخَمْرُ فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيّا
، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا
شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ
بَعْضُ مَا يَكُونُ بِهِ فَانْصَرَفَا [ ص 71 ] وَدَعَاهُ قَالَ
فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتّى جِئْنَاهُ فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ دَارِهِ
عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ الْبُغَاثِ . -
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبُغَاثُ ضَرْبٌ مِنْ الطّيْرِ إلَى السّوَادِ -
فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ . قَالَ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ
سَلّمْنَا عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ
فَقَالَ ابْنٌ لِعَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ
أَمَا وَاَللّهِ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ
الّتِي أَرْضَعَتْك بِذِي طُوًى ، فَإِنّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى
بَعِيرِهَا ، فَأَخَذَتْك بِعُرْضَيْك ، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاك حِينَ
رَفَعْتُك إلَيْهَا ، فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيّ
فَعَرَفْتُهُمَا . قَالَ فَجَلَسْنَا إلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ جِئْنَاك
لِتُحَدّثَنَا عَنْ قَتْلِك حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلْتَهُ ؟ فَقَالَ أَمَا
إنّي سَأُحَدّثُكُمَا كَمَا حَدّثْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ وَكَانَ عَمّهُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ
بَدْرٍ فَلَمّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ إنْ
قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ قَالَ
فَخَرَجْتُ مَعَ النّاسِ وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيّا أَقْذِفُ
بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ ، قَلّمَا أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا ؛
فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصّرُهُ
حَتّى رَأَيْته فِي عُرْضِ النّاسِ مِثْلَ الْجَمْلِ الْأَوْرَقِ يَهُدّ
النّاسَ بِسَيْفِهِ هَدّا ، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ فَوَاَللّهِ إنّي
لَأَتَهَيّأُ لَهُ أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةِ أَوْ حَجَرٍ
لِيَدْنُوَ مِنّي إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ،
فَلَمّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ
الْبُظُورِ . قَالَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنّ مَا أَخَطَأ رَأْسَهُ .
قَالَ وَهَزّزَتْ [ ص 72 ] وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي ، فَغُلِبَ
وَتَرَكْتُهُ وَإِيّاهَا حَتّى مَاتَ ثُمّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ
حَرْبَتِي ، ثُمّ رَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ فَقَعَدْتُ فِيهِ وَلَمْ
يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ وَإِنّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ . فَلَمّا
قَدِمْت مَكّةَ أُعْتِقْت ، ثُمّ أَقَمْتُ حَتّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ هَرَبْتُ إلَى الطّائِفِ ،
فَمَكَثْت بِهَا ، فَلَمّا خَرَجَ وَفْدُ الطّائِفِ إلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْلِمُوا تَعَيّتْ عَلَيّ
الْمَذَاهِبُ فَقُلْت : أَلْحَقُ بِالشّأْم ِ أَوْ الْيَمَنِ ، أَوْ
بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمّي ، إذْ
قَالَ لِي رَجُلٌ وَيْحَك إنّهُ وَاَللّهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنْ
النّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَتَهُ .
[ وَحْشِيّ بَيْنَ يَدَيْ الرّسُولِ يُسْلِمُ ]
فَلَمّا
قَالَ لِي ذَلِكَ خَرَجْتُ حَتّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلّا بِي
قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَتَشَهّدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ فَلَمّا رَآنِي
قَالَ أَوَحْشِيّ ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ اُقْعُدْ
فَحَدّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قَالَ فَحَدّثْته كَمَا
حَدّثْتُكُمَا ، فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ وَيْحَك غَيّبْ
عَنّي وَجْهَك ، فَلَا أُرَيَنّك . قَالَ فَكُنْتُ أَتَنَكّبُ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلّا يَرَانِي ،
حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
[ قَتْلُ وَحْشِيّ لَمُسَيْلِمَةَ ]
فَلَمّا
خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ
خَرَجْت مَعَهُمْ وَأَخَذْت حَرْبَتِي الّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ
فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ رَأَيْت مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابَ قَائِمًا فِي
يَدِهِ السّيْفَ وَمَا أَعْرِفُهُ فَتَهَيّأْتُ لَهُ وَتَهَيّأَ لَهُ
رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ النّاحِيَةِ الْأُخْرَى ، كِلَانَا
يُرِيدُهُ فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتُهَا
عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ وَشَدّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ فَضَرَبَهُ
بِالسّيْفِ فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ [ ص 73 ] كُنْت قَتَلْته ،
فَقَدْ قَتَلْت خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَتَلْت شَرّ النّاسِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ
الْيَمَامَةَ ، قَالَ سَمِعْت يَوْمئِذٍ صَارِخًا يَقُولُ : قَتَلَهُ
الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ .
[ خَلْعُ وَحْشِيّ مِنْ الدّيوَانِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَبَلَغَنِي أَنّ وَحْشِيّا لَمْ يَزَلْ يُحَدّ فِي
الْخَمْرِ حَتّى خُلِعَ مِنْ الدّيوَانِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ
يَقُولُ قَدْ عَلِمْتُ أَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ
حَمْزَةَ
[ مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ]
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ وَكَانَ الّذِي قَتَلَهُ ابْنُ
قَمِئَةَ اللّيْثِيّ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ قَتَلْتُ مُحَمّدًا .
فَلَمّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّوَاءَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ،
وَقَاتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ
الْمَازِنِيّ ، قَالَ لَمّا اشْتَدّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ ، جَلَسَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ رَايَةِ
الْأَنْصَارِ ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ أَنْ قَدّمَ
الرّايَة فَتَقَدّمَ عَلِيّ ، فَقَالَ أَنَا أَبُو الْفُصَمِ وَيُقَالُ
أَبُو الْقُصَمِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ هَلْ
لَك يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبِرَازِ مِنْ حَاجَةٍ ؟ قَالَ نَعَمْ .
فَبَرَزَا بَيْن الصّفّيْنِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ [ ص 74 ]
فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَصَرَعَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُجْهَزْ
عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ أَفَلَا أُجْهِزْت عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ
إنّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ ، فَعَطَفَتْنِي عَنْهُ الرّحِمُ
وَعَرَفْتُ أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ قَتَلَهُ . وَيُقَالُ إنّ أَبَا
سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ الصّفّيْنِ فَنَادَى : [ أَنَا
قَاصِمٌ ] مَنْ يُبَارِزُ بِرَازًا ، فَلَمْ يَخْرَجْ إلَيْهِ أَحَدٌ .
فَقَالَ يَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ زَعَمْتُمْ أَنّ قَتْلَاكُمْ فِي
الْجَنّةِ وَأَنّ قَتْلَانَا فِي النّارِ كَذَبْتُمْ وَاَللّاتِي لَوْ
تَعْلَمُونَ ذَلِكَ حَقّا لَخَرَجَ إلَيّ بَعْضُكُمْ فَخَرَجَ إلَيْهِ
عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيّ
فَقَتَلَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ .
[ شَأْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ ]
وَقَاتَلَ
عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ
طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ بْنَ طَلْحَةَ ، كِلَاهُمَا يَشْعُرُهُ
سَهْمًا ، فَيَأْتِي أُمّهُ سُلَافَةَ فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا
فَتَقُولُ يَا بُنَيّ مَنْ أَصَابَك ؟ فَيَقُولُ سَمِعْتُ رَجُلًا حِينَ
رَمَانِي وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ .
فَنَذَرْتُ إنْ أَمْكَنَهَا اللّهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تُشْرَبَ
فِيهِ الْخَمْرُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا يَمَسّ
مُشْرِكًا أَبَدًا ، وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ . وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ
أَبِي طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ
إنّ عَلَى أَهْلِ اللّوَاءِ حَقّا ... أَنْ يَخْضِبُوا الصّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقّا
فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .
[ حَنْظَلَةُ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ ]
[
ص 75 ] حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ
فَلَمّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رَآهُ شَدّادُ بْنُ
الْأَسْوَدِ ، وَهُوَ ابْنُ شَعُوبٍ قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ .
فَضَرَبَهُ شَدّادٌ فَقَتَلَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ صَاحِبَكُمْ يَعْنِي حَنْظَلَةَ لَتُغَسّلَهُ
الْمَلَائِكَةُ . فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ ؟ فَسُئِلَتْ
صَاحِبَتُهُ عَنْهُ . فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ
الْهَاتِفَةَ . - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْهَائِعَةُ . وَجَاءَ
فِي الْحَدِيثِ خَيْرُ النّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ
كُلّمَا سَمِعَ هَيْعَةَ طَارَ إلَيْهَا قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ
الطّائِيّ ، وَالطّرِمّاحُ الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ - :
أَنَا ابْنُ حُمَاةَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ... إذَا جَعَلَتْ خُورُ الرّجَالِ تَهِيعُ
(
وَالْهَيْعَةُ الصّيْحَةُ الّتِي فِيهَا الْفَزَعُ ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِذَلِكَ
غَسّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ
[ شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ ]
( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ) : وَقَالَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ حَنْظَلَةَ
لَأَحْمِيَنّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةِ مِثْلِ شُعَاعِ الشّمْسِ
وَقَال
أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَهُوَ يَذْكُرُ صَبْرَهُ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَمُعَاوَنَةَ ابْنِ شَعُوبٍ إيّاهُ عَلَى حَنْظَلَةَ [ ص 76 ]
وَلَوْ شِئْتُ نَجّتْنِي كُمَيْتٌ طِمرّة ... وَلَمْ أَحْمِلْ النّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ
وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتّى دَنَتْ لِغُرُوبِ
أُقَاتِلُهُمْ وَأَدّعِي يَا لَغَالِبٍ ... وَأَدْفَعُهُمْ عَنّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ
فَبَكّي وَلَا تَرْعَى مَقَالَةَ عَاذِلٍ ... وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ وَنَحِيبِ
أَبَاكِ وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا ... وَحُقّ لَهُمْ مِنْ عَبْرَةٍ بِنَصِيبِ
وَسَلّى الّذِي قَدْ كَانَ فِي النّفْسِ أَنّنِي ... قَتَلْتُ مِنْ النّجّار كُلّ نَجِيبِ
وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا ... وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ غَيْرُ هَيُوبِ
وَلَوْ أَنّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمْ ... لَكَانَتْ شَجًا فِي الْقَلْبِ ذَاتَ نُدُوبِ
فَآبَوْا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمْ ... بِهِمْ خَدَبٌ مِنْ مُعْطِبٍ وَكَئِيبِ
أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً وَلَا فِي خُطّةٍ بِضَرِيبِ
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ ]
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ؟ فَقَالَ
ذَكَرْتَ الْقُرُومَ الصّيْدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... وَلَسْتَ لِزُورٍ قُلْتَهُ بِمُصِيبِ
أَتَعْجَبُ أَنْ أَقَصَدْت حَمْزَةَ مِنْهُمْ ... نَجِيبًا وَقَدْ سَمّيْتَهُ بِنَجِيبِ
أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمْرًا وَعُتْبَة وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ وَالْحَجّاجَ وَابْنَ حَبِيبِ
غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيّا فَرَاعَهُ ... بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلّهُ بِخَضِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ يَذْكُرُ يَدَهُ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ فِيمَا دَفَعَ عَنْهُ فَقَالَ [ ص 77 ]
وَلَوْلَا دِفَاعِي يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَشْهَدِي ... لَأُلْفِيَتْ يَوْمَ النّعْفِ غَيْرَ مُجِيبِ
وَلَوْلَا مَكَرّي الْمُهْرَ بِالنّعْفِ قَرْقَرَتْ ... ضِبَاعٌ عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
[ شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يُجِيبُ أَبَا سُفْيَانَ
جَزَيْتهمْ يَوْمًا بِبَدْرٍ كَمِثْلِهِ ... عَلَى سَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ وَشَبِيبِ
لَدَى صَحْنِ بَدْرٍ أَوْ أَقَمْت نَوَائِحًا ... عَلَيْك وَلَمْ تَحْفِلْ مُصَابَ حَبِيبِ
وَإِنّك لَوْ عَايَنْتَ مَا كَانَ مِنْهُمْ ... لَأُبْتَ بِقَلْبِ مَا بَقِيتُ نَخِيبُ
قَالَ
ابْن هِشَام : وَإِنّمَا أَجَابَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَبَا سُفْيَانَ
لِأَنّهُ ظَنّ أَنّهُ عَرّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَمَا زَالَ مُهْرِيّ
مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ
لِفِرَارِ الْحَارِثِ يَوْمِ بَدْرٍ .
[ حَدِيثُ الزّبَيْرِ عَنْ سَبَبِ الْهَزِيمَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ فَحَسّوهُمْ بِالسّيُوفِ حَتّى كَشَفُوهُمْ عَنْ
الْعَسْكَرِ وَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ لَا شَكّ فِيهَا . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ،
عَنْ الزّبَيْرِ أَنّهُ قَالَ [ ص 78 ] وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي
أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة وَصَوَاحِبُهَا مُشَمّرَاتٌ
هَوَارِبُ مَا دُونِ أَخْذِهِنّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إذْ مَالَتْ
الرّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ حِين كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلّوْا
ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا ، وَصَرَخَ صَارِخٌ
أَلَا إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ ؛ فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا
الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللّوَاءِ حَتّى مَا يَدْنُو
مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّارِخُ أَزَبّ
الْعَقَبَةِ ، يَعْنِي الشّيْطَانَ .
[ شَجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسّانَ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ اللّوَاءَ
لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ
الْحَارِثِيّةُ ، فَرَفَعَتْهُ لِقُرَيْشِ فَلَاثُوا بِهِ . وَكَانَ
اللّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ غُلَامٌ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ حَبَشِيّ وَكَانَ
آخِرُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى قُطِعَتْ يَدَاهُ ثُمّ
بَرَكَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ اللّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتّى قُتِلَ
عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ اللّهُمّ هَلْ أَعْزَرْت - يَقُولَ أَعَذَرْت -
فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
فَخَرْتُمْ بِاللّوَاءِ وَشَرّ فَخْرٍ ... لِوَاءٌ حِينَ رُدّ إلَى صُؤَابِ
جَعَلْتُمْ فَخَرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدٍ ... وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَا عَفَرَ التّرَابِ
ظَنَنْتُمْ وَالسّفِيهُ لَهُ ظُنُونُ ... وَمَا إنْ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصّوَابِ
بِأَنّ جِلَادَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا ... بِمَكّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ الْعِيَابِ
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : آخِرُهَا بَيْتًا يُرْوَى لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ وَأَنْشَدَنِيهِ لَهُ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ [ ص 79 ]
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهَا ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ
فِي
أَبْيَاتٍ لَهُ يَعْنِي امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ حَدِيثِ أُحُدٍ .
وَتُرْوَى الْأَبْيَاتُ أَيْضًا لِمَعْقِلِ بْنِ خُوَيْلِد الْهُذَلِيّ .
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي عُمْرَةِ الْحَارِثِيّةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَأْنِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةِ وَرَفْعِهَا اللّوَاءِ
إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جِدَايَةُ شِرْكٍ مُعْلِمَاتِ الْحَوَاجِبِ
أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكّلًا ... وَحُزْنَاهُمْ بِالضّرْبِ مِنْ كُلّ جَانِبِ
فَلَوْلَا لِوَاءُ الْحَارِثِيّةِ أَصْبَحُوا ... يُبَاعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ بَيْعَ الْجَلَائِبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
[ مَا لَقِيَهُ الرّسُولُ يَوْمَ أُحُدٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَأَصَابَ فِيهِمْ الْعَدُوّ
، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ
أَكْرَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالشّهَادَةِ حَتّى خَلَصَ الْعَدُوّ إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَدُثّ بِالْحِجَارَةِ
حَتّى وَقَعَ لِشِقّهِ فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجّ فِي وَجْهِهِ
وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ وَكَانَ الّذِي أَصَابَهُ عُتْبَة بْنُ أَبِي وَقّاصٍ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ ، قَالَ [ ص 80 ] كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَشُجّ فِي وَجْهِهِ فَجَعَلَ الدّمُ
يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدّمَ وَهُوَ يَقُولُ كَيْفَ
يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيّهِمْ ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى
رَبّهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ { لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ
ظَالِمُونَ } . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ عُتْبَة بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَمَى رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ
الْيُمْنَى السّفْلَى ، وَجَرَحَ شَفَتَهُ السّفْلَى ، وَأَنّ عَبْدَ
اللّهِ بْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ شَجّهُ فِي جَبْهَتِهِ وَأَنّ ابْنَ
قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ فَدَخَلَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حَلَقِ
الْمِغْفَرِ وَجْنَتَهُ وَوَقَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ
لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَأَخَذَ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ حَتّى اسْتَوَى قَائِمًا ،
وَمَصّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ ، أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ الدّمّ
عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ
ازْدَرَدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ
مَسّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النّارُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ : أَنّ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ
إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ
بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ وَذَكَرَ يَعْنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ
، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ،
عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ
الْجَرّاحِ نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ ثُمّ نَزَعَ
الْأُخْرَى ، فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ الْأُخْرَى ، فَكَانَ سَاقِطَ
الثّنِيّتَيْنِ .
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَة وَمَا أَصَابَ بِهِ الرّسُولَ ]
[ ص 81 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ :
إذَا اللّهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفِعَالِهِمْ ... وَضَرّهُمْ الرّحْمَنُ رَبّ الْمَشَارِقِ
فَأَخْزَاك رَبّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ... وَلَقّاك قَبْلَ الْمَوْتِ إحْدَى الصّوَاعِقِ
بَسَطْتَ يَمِينًا لِلنّبِيّ تَعَمّدًا ... فَأَدْمَيْت فَاهُ قُطّعَتْ بِالْبَوَارِقِ
فَهَلّا ذَكَرْتَ اللّهَ وَالْمَنْزِلَ الّذِي ... تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ إحْدَى الْبَوَائِقِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فِيهِمَا .
[ ابْنُ السّكَنِ وَبَلَاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ ؟ كَمَا
حَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ
بْنِ مَعَاذٍ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ فَقَامَ زِيَادُ بْنُ
السّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَبَعْضُ النّاسِ
يَقُولُ إنّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ - فَقَاتَلُوا
دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا ثُمّ
رَجُلًا ، يُقْتَلُونَ دُونَهُ حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادَ أَوْ
عُمَارَةَ فَقَاتَلَ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمّ فَاءَتْ فِئَةٌ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَجْهَضُوهُمْ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
أَدْنُوهُ مِنّي ، فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ فَوَسّدَهُ قَدِمَهُ فَمَاتَ
وَخَدّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم
[ حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَقَاتَلَتْ أُمّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ
الْمَازِنِيّة يَوْمَ أُحُدٍ . فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيّ : أَنّ أُمّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ كَانَتْ
تَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى أُمّ عُمَارَةَ فَقُلْت لَهَا : [ ص 82 ] يَا
خَالَةُ أَخْبِرِينِي خَبَرَك ؛ فَقَالَتْ خَرَجْتُ أَوّلَ النّهَارِ
وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ
فَانْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ
فِي أَصْحَابِهِ وَالدّوْلَةُ وَالرّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ . فَلَمّا
انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُمْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْهُ
بِالسّيْفِ وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيّ .
قَالَتْ فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ ،
فَقُلْت : مَنْ أَصَابَك بِهَذَا ؟ قَالَتْ ابْنُ قَمِئَةَ أَقْمَأَهُ
اللّهُ لَمّا وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ ، فَلَا نَجَوْتُ إنْ
نَجَا ، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَأُنَاسٌ
مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ وَلَكِنْ فَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ
ضَرْبَاتٍ وَلَكِنّ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ
[ أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرّسُولِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَرّسَ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَبُو دُجَانَة بِنَفْسِهِ يَقَعُ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وَهُوَ
مُنْحَنٍ عَلَيْهِ حَتّى كَثُرَ فِيهِ النّبْلُ . وَرَمَى سَعْدُ بْنُ
أَبِي وَقّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ . قَالَ سَعْدٌ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ
يُنَاوِلُنِي النّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ ارْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمّي ، حَتّى
إنّهُ لَيُنَاوِلُنِي السّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ فَيَقُولُ ارْمِ بِهِ
[ بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ عَيْنهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتّى
انْدَقّتْ سِيَتُهَا ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ ،
فَكَانَتْ عِنْدَهُ وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ
النّعْمَانِ ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهَا بِيَدِهِ فَكَانَتْ أَحْسَنَ
عَيْنَيْهِ وَأَحَدّهُمَا . [ ص 83 ]
[ شَأْنُ أَنَسِ بْنِ النّضْرِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
رَافِع أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ قَالَ انْتَهَى أَنَسُ بْنُ
النّضْرِ ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ،
وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ مَا
يُجْلِسُكُمْ ؟ قَالُوا : قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ ؟ ( قُومُوا )
فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ثُمّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَبَهْ
سُمّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي حُمَيْد
الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ
بْنِ النّضْرِ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ ضَرْبَةً فَمَا عَرَفَهُ إلّا أُخْتُهُ
عَرَفَتْهُ بِبَنَاتِهِ .
[ مَا أَصَابَ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ . أَنّ عَبْدَ
الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمئِذٍ فَهُتِمَ وَجُرِحَ
عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ أَكْثَرَ أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ
فَعَرِجَ .
[ أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلُ النّاسِ قُتِلَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ
الزّهْرِيّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ عَرَفْت عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ
مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي : يَا مَعْشَرَ
الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا ، هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَأَشَارَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَنْ أَنْصِتْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَضُوا بِهِ وَنَهَضَ
مَعَهُمْ نَحْوَ الشّعْبِ ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، وَعُمَرُ
بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَطَلْحَةُ بْنُ
عُبَيْدِ اللّهِ ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، رِضْوَانُ اللّهِ
عَلَيْهِمْ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَرَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
[ مَقْتَلُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ ]
[
ص 84 ] قَالَ ) : فَلَمّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي الشّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ أَيْ
مُحَمّدُ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللّهِ
أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنّا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ دَعُوهُ
فَلَمّا دَنَا ، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ
فِيمَا ذُكِرَ لِي : فَلَمّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا
عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ
بِهَا - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ - ثُمّ
اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ
فَرَسِهِ مِرَارًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَدَأْدَأَ يَقُولُ تَقَلّبَ
عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ
أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ
عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، يَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ
فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُك عَلَيْهِ
فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ أَنَا
أَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللّهُ . فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ
خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدّمُ قَالَ
قَتَلَنِي وَاَللّهِ مُحَمّدٌ قَالُوا لَهُ ذَهَبَ وَاَللّهِ فُؤَادُك
وَاَللّهِ إنْ بِك مِنْ بَأْسٍ قَالَ إنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكّةَ
أَنَا أَقْتُلُك ، فَوَاَللّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي . فَمَاتَ
عَدُوّ اللّهِ ِسَرِف وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّةَ .
[ شِعْرُ حَسّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ [ ص 85 ]
لَقَدْ وَرِثَ الضّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ ... أُبَيّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرّسُولُ
أَتَيْتَ إلَيْهِ تَحْمِلُ رِمّ عَظْمٍ ... وَتُوعِدُهُ وَأَنْتَ بِهِ جَهُولُ
وَقَدْ قَتَلَتْ بَنُو النّجّارِ مِنْكُمْ ... أُمَيّةَ إذْ يُغَوّثُ يَا عَقِيلُ
وَتَبّ ابْنَا رَبِيعَةَ إذْ أَطَاعَا ... أَبَا جَهْلٍ لِأُمّهِمَا الْهَبُول
وَأَفْلَتْ حَارِثٌ لَمّا شَغَلْنَا ... بِأَسْرِ الْقَوْمِ أُسْرَتُهُ فَلَيْلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُسْرَتُهُ قَبِيلَتُهُ . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي أُبَيّا ... لَقَدْ أُلْقِيَتْ فِي سُحْقِ السّعِيرِ
تَمَنّى بِالضّلَالَةِ مِنْ بَعِيدٍ ... وَتُقْسِمُ أَنْ قَدَرْت مَعَ النّذُورِ
تَمَنّيك الْأَمَانِيّ مِنْ بَعِيدٍ ... وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ
فَقَدْ لَاقَتْك طَعْنَةُ ذِي حِفَاظٍ ... كَرِيمِ الْبَيْتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ
لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ طُرّا ... إذَا نَابَتْ مُلِمّاتُ الْأُمُورِ
[ انْتِهَاءُ الرّسُولِ إلَى الشّعْبِ ]
(
قَالَ ) : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَى فَمِ الشّعْبِ خَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، حَتّى
مَلَأَ دَرَقَتَهُ مَاءً مِنْ الْمِهْرَاسِ ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ
رِيحًا ، فَعَافَهُ فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدّمَ
وَصَبّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ
دَمّى وَجْهَ نَبِيّهِ [ ص 86 ]
[ حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى قَتْلِ عُتْبَة ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمّنْ حَدّثَهُ
عَنْ سَعْد بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا
حَرَصْت عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطّ كَحِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَة بْنِ
أَبِي وَقّاصٍ ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ لِسَيّئِ الْخَلْقِ مُبْغَضًا
فِي قَوْمِهِ وَلَقَدْ كَفَانِي مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ
رَسُولِهِ .
[ صُعُودُ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ وَقِتَالُ عُمَرَ لَهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالشّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ
عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَانَ
عَلَى تِلْكَ الْخَيْلِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ إنّهُ
لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ
وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى أَهْبَطُوهُمْ مِنْ الْجَبَلِ
[ ضَعْفُ الرّسُولِ عَنْ النّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى صَخْرَةٍ مِنْ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا ، وَقَدْ كَانَ بَدُنَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَظَاهَرَ بَيْنَ
دِرْعَيْنِ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ،
فَنَهَضَ بِهِ حَتّى اسْتَوَى عَلَيْهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ الزّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهِ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ أَوْجَبَ طَلْحَةُ حِينَ صَنَعَ
بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَبْلُغْ الدّرَجَةَ
الْمَبْنِيّةَ فِي الشّعْبِ .
[ صَلَاةُ الرّسُولِ قَاعِدًا ]
[
ص 87 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ : أَنّ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى الظّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ
قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ الّتِي أَصَابَتْهُ وَصَلّى الْمُسْلِمُونَ
خَلْفَهُ قُعُودًا
[ مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ وَقْشٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ النّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إلَى
الْمُنَقّى ، دُونَ الْأَعْوَصِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي
عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ،
قَالَ [ ص 88 ] لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانُ
أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ
مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُمَا
شَيْخَانِ كَبِيرَانِ مَا أَبَا لَك ، مَا تَنْتَظِرُ ؟ فَوَاَللّهِ لَا
بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمْرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ إنّمَا نَحْنُ
هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد ، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا ، ثُمّ
نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهَ
يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا ، حَتّى دَخَلَا فِي
النّاسِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا ، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ
فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ
عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ
فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَبِي ؛ فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ
وَصَدَقُوا قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرّاحِمِينَ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَنْ يَدِيَهُ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
خَيْرًا
[ مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ أَبِيهِ ]
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ
رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمّيّةَ بْنِ رَافِعٍ
وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَال لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أَصَابَتْهُ
جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ
بِالْمَوْتِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ الدّارِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ
يَقُولُونَ لَهُ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ
بِالْجَنّة قَالَ وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيّةِ
فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ فَقَالَ بِأَيّ شَيْءٍ تُبَشّرُونَهُ ؟
بِجَنّةٍ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ
نَفْسِهِ .
[ مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدّثَ الرّسُولُ بِذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ
كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتَى لَا يُدْرَى مِمّنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ
قُزْمَانُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَقُولُ إذَا ذُكِرَ لَهُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ ، قَالَ فَلَمّا
كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَقَتَلَ وَحْدَهُ
ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ ذَا بَأْسٍ
فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ ، قَالَ
فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ وَاَللّهِ لَقَدْ
أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ ، فَأَبْشِرْ قَالَ بِمَاذَا أَبْشِرُ
؟ فَوَاَللّهِ إنْ قَاتَلْتُ إلّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي ، وَلَوْلَا
ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ . قَالَ فَلَمّا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ
أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَه
قَتْلُ مُخَيْرِيقٍ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيق ،
وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ قَالَ لَمّا كَانَ
يَوْمُ أُحُدٍ ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ
أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ ، قَالُوا : إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ
السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ . [ ص 89 ] فَأَخَذَ سَيْفَهُ
وَعُدّتَهُ وَقَالَ إنْ أُصِبْتُ فَمَالِي لِمُحَمّدٍ يَصْنَعُ فِيهِ مَا
شَاءَ ثُمّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتّى قُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا - مُخَيْرِيق خَيْرُ يَهُود
[ أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد بْنِ صَامَتْ
مُنَافِقًا ، فَخَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا
الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَى الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ
وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ ، فَقَتَلَهُمَا ، ثُمّ
لَحِقَ بِمَكّةَ بِقُرَيْشٍ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - قَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ
بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَانَ بِمَكّةَ ثُمّ بَعَثَ
إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ
إلَى قَوْمِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ فِيمَا بَلَغَنِي ،
عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ
إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ
وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
[ تَحْقِيقُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قَتَلَ الْمُجَذّرَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ
الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ وَلَمْ يَقْتُلْ
قِيسَ بْنَ زَيْدٍ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ
يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ ؛ وَإِنّمَا قَتَلَ الْمُجَذّرَ لِأَنّ
الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ
الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ . فَبَيْنَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ
خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ ،
وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُضَرّجَانِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ
وَيُقَالُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ سُوَيْدَ
بْنَ الصّامِتِ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ
بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاث [ ص 90 ]
[ أَمْرُ أُصَيْرِم ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ
أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَقُولُ حَدّثُونِي
عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ قَطّ ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ
النّاسُ سَأَلُوهُ مَنْ هُوَ ؟ فَيَقُولُ أُصَيْرِم ، بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ قَالَ الْحُصَيْنُ
فَقُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ أَسَدٍ : كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ ؟
قَالَ كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ
خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ بَدَا
لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَعَدَا حَتّى
دَخَلَ فِي عُرْضِ النّاسِ فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ .
قَالَ فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ
قَتَلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنّ
هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ مَا جَاءَ بِهِ ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنّهُ
لِمُنْكِرٍ لِهَذَا الْحَدِيثَ فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ فَقَالُوا :
مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو ؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك أَمْ رَغْبَةً فِي
الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ
وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ ثُمّ أَخَذْت سَيْفِي ، فَغَدَوْتُ مَعَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَاتَلْت حَتّى
أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي ، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي
أَيْدِيهِمْ . فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ
[ مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ
أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ [ ص 91 ] أَنّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ
كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ
أَرْبَعَةٌ مِثْلَ الْأُسْدِ يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَشَاهِدَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُد ٍ
أَرَادُوا حَبْسَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ عَذَرَك ،
فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ
بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ
مَعَك فِيهِ . فَوَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ
فِي الْجَنّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَمّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك ، وَقَالَ
لِبَنِيهِ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ أَنْ
يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ
[ هِنْدُ وَتَمْثِيلُهَا بِحَمْزَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة ، كَمَا حَدّثَنِي
صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، وَالنّسْوَةُ اللّاتِي مَعَهَا ، يُمَثّلْنَ
بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَجْدَعْنَ الْآذَانَ وَالْأُنُفَ حَتّى اتّخَذَتْ الأماكن" >
هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرّجَالِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ
خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا ، غُلَامَ جُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمٍ ، وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ ، فَلَاكَتْهَا ، فَلَمْ
تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا ، فَلَفَظَتْهَا ، ثُمّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ
مُشْرِفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ
نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ ... وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتِ سُعْرِ
مَا كَانَ عَنْ عُتْبَة لِي مِنْ صَبْرِ ... وَلَا أَخِي وَعَمّهِ وَبَكْرِي
شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَضَيْتُ نَذْرِي ... شَفَيْتَ وَحْشِيّ غَلِيلَ صَدْرِي
فَشُكْرُ وَحْشِيّ عَلَيّ عُمْرِي ... حَتّى تَرُمّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي
[ شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرّدّ عَلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة ]
فَأَجَابَتْهَا الأماكن" > هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ [ ص 92 ]
خَزِيت فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرٍ ... يَا بِنْتَ وَقّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ
صَبّحَك اللّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ ... مَلْهَاشِمَيّيْنِ الطّوَالِ الزّهْرِ
بِكُلّ قَطّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي ... حَمْزَةُ لَيْثِيّ وَعَلِيّ صَقْرِيّ
إذْ رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوك غَدْرِي ... فَخَضّبَا مِنْهُ ضَوَاحِي النّحْرِ
وَنَذْرُك السّوءَ فَشَرّ نَذْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ أَقْذَعَتْ فِيهَا .
[ شِعْرُ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة أَيْضًا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة أَيْضًا :
شَفَيْتُ مِنْ حَمْزَةَ نَفْسِي بِأُحُدٍ ... حَتّى بَقَرْتُ بَطْنَهُ عَنْ الْكَبِدِ
أَذْهَبَ عَنّي ذَاكَ مَا كُنْتُ أَجِدُ ... مِنْ لَذْعَةِ الْحُزْنِ الشّدِيدِ الْمُعْتَمِدِ
وَالْحَرْبُ تَعْلُوكُمْ بِشَؤْبُوب بَرِدٍ ... تُقْدِمُ إقْدَامًا عَلَيْكُمْ كَالْأَسَدِ
[ تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسّانَ عَلَى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ
عُمْرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ يَا ابْنَ
الْفُرَيْعَةِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ
خُنَيْسٍ وَيُقَال : خُنَيْسٌ ابْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ
وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ - لَوْ سَمِعْتَ مَا تَقُولُ هِنْدُ ، وَرَأَيْت
أَشْرَهَا قَائِمَةً عَلَى صَخْرَةٍ تَرْتَجِزُ بِنَا ، وَتَذْكُرُ مَا
صَنَعَتْ بِحَمْزَةِ ؟ قَالَ لَهُ حَسّانُ وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى
الْحَرْبَةِ تَهْوِي وَأَنَا عَلَى رَأْسِ فَارِعٍ - يَعْنِي أُطُمَهُ -
فَقُلْت : وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَسِلَاحٌ مَا هِيَ بِسِلَاحِ الْعَرَبِ ،
وَكَأَنّهَا إنّمَا تَهْوِي إلَى حَمْزَةَ وَلَا أَدْرِي ، لَكِنْ [ ص 93
] قَالَ فَأَنْشَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بَعْضَ مَا قَالَتْ فَقَالَ
حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
أَشْرَتْ لَكَاعُ وَكَانَ عَادَتُهَا ... لُؤْمًا إذَا أَشْرَتْ مَعَ الْكُفْرِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ تَرَكْنَاهَا ،
وَأَبْيَاتًا أَيْضًا لَهُ عَلَى الدّالِ . وَأَبْيَاتًا أُخَرَ عَلَى
الذّالِ لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا .
[ اسْتِنْكَارُ الْحُلَيْسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ الْحُلَيْسُ بْنُ زَبّانٍ أَخُو بَنُو
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيّدُ الْأُبَيْشِ ،
قَدْ مَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَضْرِبُ فِي شَدْقِ حَمْزَةَ بْنِ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ بِزُجّ الرّمْحِ وَيَقُولُ ذُقْ عُقَقُ فَقَالَ
الْحُلَيْسُ يَا بَنِي كِنَانَةَ هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ
عَمّهِ مَا تَرَوْنَ لَحْمًا ؟ فَقَالَ وَيْحَك اُكْتُمْهَا عَنّي ،
فَإِنّهَا كَانَتْ زَلّةً .
[ شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أُحُدٍ وَحَدِيثُهُ مَعَ عُمَرَ ]
ثُمّ
إنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَشْرَفَ
عَلَى الْجَبَلِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَقَالَ أَنْعَمْتَ
فَعَالِ وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ يَوْمٌ بِيَوْمِ أُعْلُ هُبَلُ أَيْ
أَظْهِرْ دِينَك ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ ، فَقُلْ اللّهُ أَعَلَى وَأَجَلّ ، لَا
سَوَاءَ قَتَلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ [ ص 94 ] . فَلَمّا
أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ هَلُمّ إلَيّ
يَا عُمَرُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لِعُمَرِ ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ ؛ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو
سُفْيَانَ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عُمَرُ أَقَتَلْنَا مُحَمّدًا ؟ قَالَ
عُمَرُ اللّهُمّ لَا ، وَإِنّهُ لَيَسْمَعُ كَلَامَك الْآنَ قَالَ أَنْتَ
أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ لِقَوْلِ ابْنِ قَمِئَةَ
لَهُمْ إنّي قَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ
ابْنِ قَمِئَةَ عَبْدُ اللّهِ .
[ تَوَعّدُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ : إنّهُ قَدْ كَانَ فِي
قَتْلَاكُمْ مُثُلٌ وَاَللّهِ مَا رَضِيت ، وَمَا سَخِطْت ، وَمَا
نَهَيْتُ وَمَا أَمَرْت . وَلَمّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ
مَعَهُ نَادَى : إنّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ
قُلْ نَعَمْ هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَوْعِدٌ
[ خُرُوجُ عَلِيّ فِي آثَارِ الْمُشْرِكِينَ ]
ثُمّ
بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ ، فَقَالَ اُخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ ، فَانْظُرْ مَاذَا
يَصْنَعُونَ وَمَا يُرِيدُونَ فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنّبُوا الْخَيْلَ
وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ مَكّةَ ، وَإِنْ رَكِبُوا
الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ ،
وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنّ إلَيْهِمْ
فِيهَا ، ثُمّ لَأُنَاجِزَنّهُمْ قَالَ عَلِيّ : فَخَرَجْت فِي آثَارِهِمْ
أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ فَجَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ
وَوَجّهُوا إلَى مَكّةَ .
[ أَمْرُ الْقَتْلَى بِأُحُدِ ]
وَفَرَغَ
النّاسُ لِقَتْلَاهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيّ أَخُو بَنِي النّجّار ِ [
ص 95 ] مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ؟
أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ : أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ
فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ . قَالَ
فَقُلْت لَهُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ
؟ قَالَ أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ
يَقُولُ لَك : جَزَاك اللّهُ عَنّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيّا عَنْ
أُمّتِهِ وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ إنّ سَعْدَ
بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ إنّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ إنْ
خَلُصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ
تَطْرِفُ قَالَ ثُمّ لَمْ أَبْرَحْ حَتّى مَاتَ قَالَ فَجِئْتُ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته خَبَرَهُ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الزّبَيْرِيّ أَنّ رَجُلًا
دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ ، وَبِنْتٌ لِسَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ
جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صَدْرِهِ يَرْشُفُهَا وَيُقَبّلُهَا ، فَقَالَ
لَهَ الرّجُلُ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ هَذِهِ بِنْتُ رَجُلٍ خَيْرٍ مِنّي ،
سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ ، كَانَ مِنْ النّقَبَاءِ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ،
وَشَهِدَ بَدْرًا ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ
[ حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَتَوَعّدُهُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُثْلَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِيمَا بَلَغَنِي ، يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ،
فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ
وَمُثّلَ بِهِ فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ حِينَ رَأَى مَا رَأَى : لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيّةُ ،
وَيَكُونُ سُنّةً مِنْ بَعْدِي لَتَرَكْته ، حَتّى يَكُونَ فِي بِطُونِ
السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ وَلَئِنْ أَظْهَرنِي اللّهُ عَلَى
قُرَيْشٍ [ ص 96 ] حُزْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِعَمّهِ مَا فَعَلَ قَالُوا : وَاَللّهِ
لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللّهُ بِهِمْ يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ لَنُمَثّلَنّ
بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثّلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَلَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَلَى حَمْزَةَ قَالَ لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا مَا وَقَفْتُ
مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا ثُمّ قَالَ جَاءَنِي جِبْرِيلُ
فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي
أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ ، أَسَدُ
اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِه وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَحَمْزَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ ، إخْوَةٌ
مِنْ الرّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمْ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ .
[ مَا نَزَلَ فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ
الْأَسْلَمِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَحَدّثَنِي مَنْ
لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنْزَلَ فِي
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا
عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلّا بِاللّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا
تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ } فَعَفَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَبَرَ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ
بْنِ جُنْدُبٍ ، قَالَ مَا قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي مَقَامٍ قَطّ فَفَارَقَهُ حَتّى يَأْمُرَنَا بِالصّدَقَةِ
وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ
[ صَلَاةُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَالْقَتْلَى ]
[
ص 97 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ
مِقْسَمٍ ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ،
قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْزَةِ
فَسُجّيَ بِبُرْدَةِ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ فَكَبّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ
ثُمّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ إلَى حَمْزَةَ فَصَلّى عَلَيْهِمْ
وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتّى صَلّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً
[ صَفِيّةُ وَحُزْنُهَا عَلَى حَمْزَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ أَقْبَلَتْ فِيمَا بَلَغَنِي ، صَفِيّةُ بِنْتُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ وَكَانَ أَخَاهَا لِأَبِيهَا
وَأُمّهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لِابْنِهَا الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ : الْقَهَا فَأَرْجِعْهَا ، لَا
تَرَى مَا بِأَخِيهَا ؛ فَقَالَ لَهَا : يَا أُمّهُ إنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُك أَنْ تَرْجِعِي ، قَالَتْ
وَلِمَ ؟ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنْ قَدْ مُثّلَ بِأَخِي ، وَذَلِك فِي اللّهِ
فَمَا أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَأَحْتَسِبَن وَلَأَصْبِرَن
إنْ شَاءَ اللّهُ . فَلَمّا جَاءَ الزّبَيْرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ خَلّ سَبِيلَهَا ،
فَأَتَتْهُ فَنَظَرَتْ إلَيْهِ فَصَلّتْ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَتْ
وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدُفِنَ
[ دَفْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ مَعَ حَمْزَةَ ]
قَالَ
فَزَعَمَ لِي آلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ - وَكَانَ لِأُمَيْمَةِ
بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَمْزَةُ خَالُهُ وَقَدْ كَانَ مُثّلَ بِهِ
كَمَا مُثّلَ بِحَمْزَةِ ، إلّا أَنّهُ لَمْ يُبْقَرْ عَنْ كَبِدِهِ -
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَفَنَهُ مَعَ
حَمْزَةَ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ إلّا عَنْ أَهْلِهِ
[ دَفْنُ الشّهَدَاءِ ]
[
ص 98 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ قَدْ احْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَفَنُوهُمْ بِهَا ،
ثُمّ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ
وَقَالَ ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ صُرِعُوا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ : أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى
الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ ، إنّهُ
مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ
مِسْكٍ اُنْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ فَاجْعَلُوهُ
أَمَامَ أَصْحَابِهِ فِي الْقَبْرِ - وَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ
وَالثّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ قَالَ وَحَدّثَنِي عَمّي مُوسَى
بْنُ يَسَارٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو
الْقَاسِمِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي
اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى
، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي
سَلَمَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ
يَوْمَئِذٍ حِينَ أَمَرَ بِدَفْنِ الْقَتْلَى : اُنْظُرُوا إلَى عَمْرِو
بْنِ الْجَمُوحِ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَإِنّهُمَا
كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدّنْيَا ، فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ
وَاحِدٍ
[ حُزْنُ حَمْنَةَ عَلَى حَمْزَةَ ]
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ،
كَمَا ذُكِرَ لِي ، فَلَمّا لَقِيَتْ النّاسَ نُعِيَ إلَيْهَا أَخُوهَا
عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ
نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ
وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ
، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إنّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانِ لِمَا رَأَى مِنْ
تَثَبّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا ، وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا .
[ بُكَاءُ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ عَلَى حَمْزَةَ ]
[
ص 99 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدَارِ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ وَظَفَرٍ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنّوَائِحَ عَلَى
قَتْلَاهُمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَبَكَى ، ثُمّ قَالَ لَكِنّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ
فَلَمّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى دَارِ
بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَتَحَزّمْنَ ثُمّ
يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ
عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ
قَالَ لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بُكَاءَهُنّ عَلَى حَمْزَةَ خَرَجَ عَلَيْهِنّ وَهُنّ عَلَى بَابِ
مَسْجِدِهِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْنَ يَرْحَمْكُنّ اللّهُ
فَقَدْ آسَيْتُنّ بِأَنْفُسِكُنّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنُهِيَ
يَوْمَئِذٍ عَنْ النّوْحِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو
عُبَيْدَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا
سَمِعَ بُكَاءَهُنّ قَالَ رَحِمَ اللّهُ الْأَنْصَارَ فَإِنّ
الْمُوَاسَاةَ مِنْهُمْ مَا عَتّمَتْ لَقَدِيمَةٌ مُرُوهُنّ
فَلْيَنْصَرِفْنَ
[ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الدّينَارِيّةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، قَالَ مَرّ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي
دِينَارٍ ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ فَلَمّا نُعُوا لَهَا ،
قَالَتْ فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟
قَالُوا : خَيْرًا يَا أُمّ فُلَانٍ هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ كَمَا تُحِبّينَ
قَالَتْ أَرُونِيهِ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ ؟ قَالَ فَأُشِيرَ لَهَا
إلَيْهِ حَتّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ
تُرِيدُ صَغِيرَةً قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْجَلَلُ يَكُونُ مِنْ
الْقَلِيلِ وَمِنْ الْكَثِيرِ وَهُوَ هَاهُنَا مِنْ الْقَلِيلِ . قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي الْجَلَلِ الْقَلِيلِ [ ص 100 ]
لَقَتْلُ بَنِي أَسَدٍ رَبّهُمْ ... أَلَا كُلّ شَيْءٍ سِوَاهُ جَلَلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ وَعْلَةَ الْجَرْمِيّ
وَلَئِنْ عَفَوْتُ لَأَعْفُوَن جَلَلًا ... وَلَئِنْ سَطَوْت لَأُوْهِنَنْ عَظْمِي
( فَهُوَ مِنْ الْكَثِيرِ ) .
[ غَسْلُ السّيُوفِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ فَقَالَ
اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيّةَ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي
الْيَوْمَ وَنَاوَلَهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ فَقَالَ
وَهَذَا أَيْضًا ، فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي
الْيَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَئِنْ
كُنْت صَدَقْتَ الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَك سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ
وَأَبُو دُجَانَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الْفَقَارِ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ ابْنَ أَبِي
نَجِيحٍ قَالَ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُد ٍ : لَا سَيْفَ إلّا ذُو
الْفَقَارِ وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَا يُصِيبُ الْمُشْرِكُونَ
مِنّا مِثْلَهَا حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ .
[ خُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِ الْعَدُوّ لِيُرْهِبَهُ ]
[
ص 101 ] قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ ( مِنْ ) يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتّ
عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوّالٍ أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوّ فَأَذّنَ
مُؤَذّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنّ مَعَنَا أَحَدٌ إلّا أَحَدٌ حَضَرَ
يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ . فَكَلّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِي كَانَ
خَلّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ وَقَالَ يَا بُنَيّ إنّهُ لَا
يَنْبَغِي لِي وَلَا لَك أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النّسْوَةَ لَا رَجُلَ
فِيهِنّ وَلَسْت بِاَلّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَفْسِي ، فَتَخَلّفْ عَلَى
أَخَوَاتِك ، فَتَخَلّفْتُ عَلَيْهِنّ . فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ مَعَهُ وَإِنّمَا خَرَجَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوّ
وَلِيُبَلّغَهُمْ أَنّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ لِيَظُنّوا بِهِ قُوّةً
وَأَنّ الّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ .
[ مَثَلٌ مِنْ اسْتِمَاتَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُصْرَةِ الرّسُولِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي السّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ
أَنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، كَانَ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ
رَسُولِ اللّهِ قَالَ شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا وَأَخٌ لِي ، فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ فَلَمّا
أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوّ قُلْت لِأَخِي أَوْ قَالَ لِي :
أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ؟ وَاَللّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابّةٍ نَرْكَبُهَا ، وَمَا مِنّا
إلّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْت أَيْسَرَ جُرْحًا ، فَكَانَ إذَا غُلِبَ
حَمَلْته عُقْبَةً وَمَشَى عُقْبَةً حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى مَا انْتَهَى
إلَيْهِ الْمُسْلِمُون
[ اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَتّى انْتَهَى إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ [ ص 102 ] الْمَدِينَةِ عَلَى
ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ
مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَأَقَامَ بِهَا الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ ثُمّ
رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ .
[ شَأْنُ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ]
قَالَ
وَقَدْ مَرّ بِهِ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ،
مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ ،
مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتِهَامَةَ صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ لَا يُخْفُونَ
عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا ، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فَقَالَ يَا
مُحَمّدُ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك ،
وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللّهَ عَافَاك فِيهِمْ ثُمّ خَرَجَ وَرَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حَتّى لَقِيَ أَبَا
سُفْيَانَ بْنَ حَرْب ٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرّوْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعُوا
الرّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَصْحَابِهِ وَقَالُوا : أَصَبْنَا حَدّ أَصْحَابِهِ وَأَشْرَافَهُمْ
وَقَادَتَهُمْ ثُمّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ لَنَكُرَنّ
عَلَى بَقِيّتِهِمْ فَلَنَفْرُغَنّ مِنْهُمْ . فَلَمّا رَأَى أَبُو
سُفْيَان َ مَعْبَدًا ، قَالَ مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ ؟ قَالَ مُحَمّدٌ
قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ
قَطّ ، يَتَحَرّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرّقًا ، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ
كَانَ تَخَلّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا ،
فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ ؛
قَالَ وَيْحك مَا تَقُولُ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ
حَتّى أَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ قَالَ فَوَاَللّهِ لَقَدْ أَجْمَعْنَا
الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ قَالَ فَإِنّي أَنْهَاك
عَنْ ذَلِكَ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ
قُلْتُ فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَ وَمَا قُلْت ؟ قَالَ قُلْت :
[ ص 103 ]
كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَرْدِى بِأُسْدٍ كَرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
فَقُلْت : وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ ... إذَا تَغَطمطت الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ
إنّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً ... لِكُلّ ذِي إرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ
مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخَشٍ تَنَابِلَةٍ ... وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ
فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ .
[ رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الرّسُولِ عَلَى لِسَانِ رَكْبٍ ]
وَمَرّ
بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ، فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا
: نُرِيدُ الْمَدِينَةَ ؟ قَالَ وَلِمَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ الْمِيرَةَ
قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلّغُونَ عَنّي مُحَمّدًا رِسَالَةً
أُرْسِلُكُمْ بِهَا إلَيْهِ وَأُحَمّلُ لَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا
بِعُكَاظٍ إذَا وَافَيْتُمُوهَا ؟ قَالُوا نَعَمْ ؟ قَالَ فَإِذَا
وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنّا قَدْ أَجْمَعْنَا السّيْرَ إلَيْهِ
وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ فَمَرّ الرّكْبُ
بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ
الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِاَلّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ
حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
[ كَفّ صَفْوَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُعَاوَدَةِ الْكَرّةِ ]
[
ص 104 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا
سُفْيَانَ بْنَ حَرْب ٍ لَمّا انْصَرَفَ يَوْمَ أُحُدٍ ، أَرَادَ
الرّجُوعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، لِيَسْتَأْصِلَ بَقِيّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ
أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ : لَا تَفْعَلُوا ، فَإِنّ الْقَوْمَ قَدْ حَرِبُوا
، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِتَالٌ غَيْرُ الّذِي كَانَ
فَارْجِعُوا ، فَرَجَعُوا . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حِينَ بَلَغَهُ أَنّهُمْ هَمّوا
بِالرّجْعَةِ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ
حِجَارَةٌ لَوْ صُبّحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِ
[ مَقْتَلُ أَبِي عَزّةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ]
قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِي جِهَةِ ذَلِكَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَدِينَةِ ، مُعَاوِيَةَ بْنَ
الْمُغِيرَةِ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ،
وَهُوَ جَدّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، أَبُو أُمّهِ عَائِشَةَ
بِنْتِ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا عَزّة الْجُمَحِيّ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسَرَهُ بِبَدْرِ ثُمّ مَنّ عَلَيْهِ
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِلْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ
بَعْدَهَا وَتَقُول : خَدَعْت مُحَمّدًا مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا
زُبَيْرُ . فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ
مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
[ مَقْتَلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ [ ص 105 ] إنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمّارَ
بْنَ يَاسِرٍ قَتَلَا مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَة ِ بَعْدَ حَمْرَاءِ
الْأَسَدِ ، كَانَ لَجَأَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ عَلَى أَنّهُ
إنْ وُجِدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ قُتِلَ فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتَوَارَى
فَبَعَثَهُمَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّكُمَا
سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَوَجَدَاهُ فَقَتَلَاهُ
[ شَأْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بَعْدَ ذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ
، كَمَا حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ
كُلّ جُمُعَةٍ لَا يُنْكَرُ شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ
وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا ، إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ قَامَ
فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَكْرَمَكُمْ اللّهُ وَأَعَزّكُمْ بِهِ
فَانْصُرُوهُ وَعَزّرُوهُ وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ، ثُمّ يَجْلِسُ
حَتّى إذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ وَرَجَعَ بِالنّاسِ قَامَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ
بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ وَقَالُوا : اجْلِسْ أَيْ عَدُوّ اللّهِ
لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلِ ، وَقَدْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ فَخَرَجَ
يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ لَكَأَنّمَا قُلْت
بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ . فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا لَك ؟ وَيْلَك قَالَ قُمْتُ
أُشَدّدُ أَمْرَهُ فَوَثَبَ عَلَيّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
يَجْذِبُونَنِي وَيُعَنّفُونَنِي ، لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت
أُشَدّدُ أَمْرَهُ . قَالَ وَيْلَك ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَك رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَبْتَغِي
أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي
[ كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ مِحْنَةٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ
وَتَمْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَحَنَ بِهِ
الْمُنَافِقِينَ مِمّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ
مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ وَيَوْمًا أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ
مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ .
ذِكْرُ مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ
[
ص 106 ] قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ .
قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ
بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ فَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ اللّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِتّونَ آيَةً
مِنْ آلِ عِمْرَانَ ، فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَ فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ
وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ
أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ تَتّخِذُ لَهُمْ
مَقَاعِدَ وَمَنَازِلَ . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ
لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَهُ ... قَدْ تَبَوّأْتُ مَضْجَعَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . أَيْ سَمِيعٌ بِمَا تَقُولُونَ عَلِيمٌ بِمَا تُخْفُونَ .
{ إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } أَنْ تَتَخَاذَلَا ، وَالطّائِفَتَانِ بَنُو سَلَمَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النّبِيت مِنْ الْأَوْسِ ، وَهُمَا الْجَنَاحَانِ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَاللّهُ وَلِيّهُمَا } أَيْ الْمُدَافِعُ عَنْهُمَا مَا هَمّتَا بِهِ مِنْ فَشَلِهِمَا ، وَذَلِك أَنّهُ إنّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا غَيْرَ شَكّ فِي دِينِهِمَا ، فَتَوَلّى دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ حَتّى سَلِمَتَا مِنْ وُهُونِهِمَا وَضَعْفِهِمَا ، وَلَحِقَتَا بِنَبِيّهِمَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأَسْدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ قَالَتْ الطّائِفَتَانِ مَا نُحِبّ أَنّا لَمْ نَهُمّ بِمَا هَمَمْنَا بِهِ ، لَتَوَلّى اللّهُ إيّانَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَتَوَكّلْ عَلَيّ وَلْيَسْتَعِنْ بِي ، أُعِنْهُ عَلَى أَمْرِهِ وَأُدَافِعْ عَنْهُ حَتّى أَبْلُغَ بِهِ وَأَدْفَعَ عَنْهُ وَأُقَوّيَهُ عَلَى نِيّتِهِ . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ ص 107 ] شُكْرُ نِعْمَتِي . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ } وَأَنْتُمْ أَقَلّ عَدَدًا وَأَضْعَفُ قُوّةً { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ } أَيْ إنْ تَصْبِرُوا لِعَدُوّي ، وَتُطِيعُوا أَمْرِي ، وَيَأْتُوكُمْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا ، أُمِدّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : مُسَوّمِينَ مُعْلَمِينَ . بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ
أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ أَعْلَمُوا عَلَى أَذْنَابِ
خَيْلِهِمْ وَنَوَاصِيهَا بِصُوفِ أَبْيَضَ فَأَمّا ابْنُ إسْحَاقَ
فَقَالَ كَانَتْ سِيمَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا . وَقَدْ
ذَكَرْت ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بَدْرٍ . وَالسّيمَا : الْعَلَامَةُ . وَفِي
كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ
السّجُودِ } : أَيْ عَلَامَتُهُمْ . وَ { حِجَارَةً مِنْ سِجّيلٍ
مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً } يَقُول : مُعْلَمَةً . بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ
بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ عَلَيْهَا عَلَامَةٌ
أَنّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدّنْيَا ، وَأَنّهَا مِنْ حِجَارَةِ
الْعَذَابِ . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ :
فَالْآنَ تُبْلَى بِي الْجِيَادُ السّهَمُ ... وَلَا تُجَارِينِي إذَا مَا سَوّمُوا
وَشَخَصَتْ
أَبْصَارُهُمْ وَأَجْذَمُوا أَجْذَمُوا " بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ " :
أَيْ أَسْرَعُوا ، وَأَجْدَمُوا " بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ " : أَقْطَعُوا
) . وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . وَالْمُسَوّمَةُ (
أَيْضًا ) : الْمَرْعِيّةُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى : {
وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ } و { شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } تَقُولُ
الْعَرَبُ : سَوّمَ خَيْلَهُ وَإِبِلَهُ وَأَسَامَهَا : إذَا رَعَاهَا .
قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ
رَاعِيًا كَانَ مُسْجِحًا فَفَقَدْنَاهُ ... وَفَقْدُ الْمُسِيمِ هُلْكُ السّوَامِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : مُسْجِحًا : سَلِسُ السّيَاسَةِ مُحْسِنٌ ( إلَى
الْغَنَمِ ) . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . [ ص 108 ] { وَمَا
جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ
وَمَا النّصْرُ إِلّا مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } أَيْ
مَا سَمّيْت لَكُمْ مَنْ سَمّيْتُ مِنْ جُنُودِ مَلَائِكَتِي إلّا بُشْرَى
لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ لِمَا أَعْرِفُ مِنْ ضَعْفِكُمْ
وَمَا النّصْرُ إلّا مِنْ عِنْدِي ، لِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي ، وَذَلِك
أَنّ الْعِزّ وَالْحُكْمَ إلَيّ لَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي . ثُمّ
قَالَ { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ
فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ
بِقَتْلٍ يَنْتَقِمُ بِهِ مِنْهُمْ أَوْ يَرُدّهُمْ خَائِبِينَ أَيْ
وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَلّا خَائِبِينَ لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا
مِمّا كَانُوا يَأْمُلُونَ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : يَكْبِتُهُمْ يَغُمّهُمْ أَشَدّ الْغَمّ وَيَمْنَعُهُمْ
مَا أَرَادُوا . قَالَ ذُو الرّمّةِ مَا أَنْسَ مِنْ شَجَنٍ لَا أَنْسَ
مَوْقِفَنَا فِي حَيْرَةٍ بَيْنَ مَسْرُورٍ وَمَكْبُوتِ وَيَكْبِتُهُمْ (
أَيْضًا ) : يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ
قَالَ لِمُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { لَيْسَ
لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ
فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ } : أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ الْحُكْمِ شَيْءٌ فِي
عِبَادِي ، إلّا مَا أَمَرْتُك بِهِ فِيهِمْ أَوْ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ
بِرَحْمَتِي ، فَإِنْ شِئْتُ فَعَلْت ، أَوْ أُعَذّبُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ
فَبِحَقّي فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ أَيْ قَدْ اسْتَوْجَبُوا ذَلِكَ
بِمَعْصِيَتِهِمْ إيّايَ " وَاَللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ يَغْفِرُ
الذّنْبَ وَيَرْحَمُ الْعِبَادَ عَلَى مَا فِيهِمْ .
[ النّهْيُ عَنْ الرّبَا ]
[
ص 109 ] قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرّبَا
أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } ؛ أَيْ لَا تَأْكُلُوا فِي الْإِسْلَامِ إذْ
هَدَاكُمْ اللّهُ بِهِ مَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إذْ أَنْتُمْ عَلَى
غَيْرِهِ مِمّا لَا يَحِلّ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ { وَاتّقُوا اللّهَ
لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } أَيْ فَأَطِيعُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَنْجُونَ
مِمّا حَذّرَكُمْ اللّهُ مِنْ عَذَابِهِ تُدْرِكُونَ مَا رَغّبَكُمْ
اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ { وَاتّقُوا النّارَ الّتِي أُعِدّتْ
لِلْكَافِرِينَ } أَيْ الّتِي جُعِلَتْ دَارًا لِمِنْ كَفَرَ بِي .
[ الْحَضّ عَلَى الطّاعَةِ ]
ثُمّ
قَالَ { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ }
مُعَاتَبَةً لِلّذِينَ عَصَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَفِي غَيْرِهِ . ثُمّ قَالَ { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ
رَبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدّتْ
لِلْمُتّقِينَ } أَيْ دَارًا لِمَنْ أَطَاعَنِي وَأَطَاعَ رَسُولِي . {
الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ }
أَيْ وَذَلِك هُوَ الْإِحْسَانُ وَأَنَا أُحِبّ مَنْ عَمِلَ بِهِ {
وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا
اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّا
اللّهُ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ إنْ
أَتَوْا فَاحِشَةً { أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } بِمَعْصِيَةٍ ذَكَرُوا
نَهْيَ اللّهِ عَنْهَا ، وَمَا حَرّمَ عَلَيْهِمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ لَهَا
، وَعَرَفُوا أَنّهُ لَا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلّا هُوَ . { وَلَمْ
يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } : أَيْ لَمْ يُقِيمُوا
عَلَى مَعْصِيَتِي كَفِعْلِ مَنْ أَشْرَكَ بِي فِيمَا غَلَوْا بِهِ فِي
كُفْرِهِمْ { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } مَا حَرّمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ
عِبَادَةِ غَيْرِي . { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ
وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } أَيْ ثَوَابُ الْمُطِيعِينَ .
ثُمّ اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ الْمُصِيبَةِ الّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ وَالْبَلَاءَ الّذِي أَصَابَهُمْ وَالتّمْحِيصَ لِمَا كَانَ فِيهِمْ وَاِتّخَاذَهُ الشّهَدَاءَ مِنْهُمْ فَقَالَ تَعْزِيَةً لَهُمْ وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا ، وَفِيمَا هُوَ صَانِعٌ بِهِمْ [ ص 110 ] { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ } أَيْ قَدْ مَضَتْ مِنّي وَقَائِعُ نِقْمَةٍ فِي أَهْلِ التّكْذِيبِ لِرُسُلِي وَالشّرْكِ بِي : عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ ، فَرَأَوْا مَثُلَاتٍ قَدْ مَضَتْ مِنّي فِيهِمْ وَلِمَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِنّي ، فَإِنّي أَمْلَيْت لَهُمْ أَيْ لِئَلّا يَظُنّوا أَنّ نِقْمَتِي انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوّكُمْ وَعَدُوّي ، لِلدّوْلَةِ الّتِي أَدْلَتْهُمْ بِهَا عَلَيْكُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ لِيُعَلّمَكُمْ مَا عِنْدَكُمْ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { هَذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتّقِينَ } أَيْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلنّاسِ إنْ قَبِلُوا الْهُدَى وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ أَيْ نُورٌ وَأَدَبٌ " لِلْمُتّقِينَ " أَيْ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي . { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا } أَيْ لَا تَضْعُفُوا وَلَا تَبْتَئِسُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ { وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ } أَيْ لَكُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَالظّهُورُ { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ صَدّقْتُمْ نَبِيّي بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي . { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } أَيْ جِرَاحُ مِثْلُهَا ، { وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ } أَيْ نُصَرّفُهَا بَيْنَ النّاسِ لِلْبَلَاءِ وَالتّمْحِيصِ { وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لَا يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَلِيُكْرِمَ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالشّهَادَةِ { وَاللّهُ لَا يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ الطّاعَةَ وَقُلُوبُهُمْ مُصِرّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ { وَلِيُمَحّصَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا } أَيْ يَخْتَبِرَ الّذِينَ آمَنُوا حَتّى يُخَلّصَهُمْ بِالْبَلَاءِ الّذِي نَزَلَ بِهِمْ وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ وَيَقِينُهُمْ { وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } أَيْ يُبْطِلَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ حَتّى يَظْهَرَ مِنْهُمْ كُفْرُهُمْ الّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ .
[ دَعْوَةُ الْجَنّةِ لِلْمُجَاهِدِينَ ]
ثُمّ
قَالَ تَعَالَى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا
يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ }
أَيْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ فَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي
الْكَرَامَةَ وَلَمْ أَخْتَبِرْكُمْ بِالشّدّةِ وَأَبْتَلِيَكُمْ
بِالْمَكَارِهِ حَتّى أَعْلَمَ صِدْقَ [ ص 111 ] بِالْإِيمَانِ بِي ،
وَالصّبْرَ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيّ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ
الشّهَادَةَ عَلَى الّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ قَبْلَ أَنْ
تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ يَعْنِي الّذِينَ اسْتَنْهَضُوا رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى خُرُوجِهِ بِهِمْ إلَى عَدُوّهِمْ
لِمَا فَاتَهُمْ مِنْ حُضُورِ الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرٍ
وَرَغْبَةً فِي الشّهَادَةِ الّتِي فَاتَتْهُمْ بِهَا ، فَقَالَ {
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ }
يَقُولُ { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } أَيْ الْمَوْتُ
بِالسّيُوفِ فِي أَيْدِي الرّجَالِ قَدْ خُلّيَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ ثُمّ صَدّهُمْ عَنْكُمْ . { وَمَا
مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ
الشّاكِرِينَ } أَيْ لِقَوْلِ النّاسِ قُتِلَ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْهِزَامُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَانْصِرَافُهُمْ عَنْ
عَدُوّهِمْ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ
كُفّارًا كَمَا كُنْتُمْ وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوّكُمْ وَكِتَابَ
اللّهِ . وَمَا خَلّفَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ وَقَدْ بَيّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ
بِهِ عَنّي أَنّهُ مَيّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ { وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى
عَقِبَيْهِ } أَيْ يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ { فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا
} أَيْ لَيْسَ يُنْقِصُ ذَلِكَ عِزّ اللّهِ تَعَالَى وَلَا مُلْكَهُ وَلَا
سُلْطَانَهُ وَلَا قُدْرَتَهُ وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ أَيْ مَنْ
أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ .
[ ذِكْرُهُ أَنّ الْمَوْتَ بِإِذْنِ اللّه ]
ثُمّ
قَالَ { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ
كِتَابًا مُؤَجّلًا } أَيْ أَنّ لِمُحَمّدِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ فَإِذَا أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي
ذَلِكَ كَانَ . { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا
وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي
الشّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدّنْيَا ، لَيْسَتْ
لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا قُسِمَ لَهُ مِنْ
رِزْقٍ وَلَا يَعْدُوهُ فِيهَا ، وَلَيْسَ لَهُ [ ص 112 ] نُؤْتِهِ
مِنْهَا مَا وُعِدَ بِهِ مَعَ مَا يُجْزَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي
دُنْيَاهُ وَذَلِك جَزَاءُ الشّاكِرِينَ أَيْ الْمُتّقِينَ .
[ ذِكْرُ شَجَاعَةِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ قَبْلُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ ]
ثُمّ
قَالَ { وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ فَمَا
وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا
اسْتَكَانُوا وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ } أَيْ وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ
أَصَابَهُ الْقَتْلُ وَمَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ أَيْ جَمَاعَةٌ فَمَا
وَهَنُوا لِفَقْدِ نَبِيّهِمْ وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوّهِمْ وَمَا
اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنْ اللّهِ تَعَالَى
وَعَنْ دِينِهِمْ وَذَلِك الصّبْرُ وَاَللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ { وَمَا
كَانَ قَوْلَهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى
الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَاحِدُ الرّبّيّينَ رِبّيّ ؛ وَقَوْلُهُمْ الرّبَابُ ،
لِوَلَدِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أَدّ بْنِ طانجة بْنِ إلْيَاسَ وَلِضَبّةَ
لِأَنّهُمْ تَجَمّعُوا وَتَحَالَفُوا ، مِنْ هَذَا ، يُرِيدُونَ
الْجَمَاعَاتِ . وَوَاحِدَةُ الرّبَابِ : رِبّةٌ ( وَرِبَابَةٌ ) وَهِيَ
جَمَاعَاتُ قِدَاحٍ أَوْ عِصِيّ وَنَحْوِهَا ، فَشَبّهُوهَا بِهَا . قَالَ
أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ :
وَكَأَنّهُنّ رِبَابَةٌ وَكَأَنّهُ ... يَسَرٌ يَفِيصُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ :
حَوْلَ شَيَاطِينِهِمْ أَبَابِيلُ رِبّيّونَ ... شَدّوا سَنَوّرًا مَدْسُورَا
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالرّبَابَةُ (
أَيْضًا ) : الْخِرْقَةُ الّتِي تُلَفّ فِيهَا الْقِدَاحُ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : والسّنَوّر : الدّرُوعُ . وَالدّسُرُ هِيَ الْمَسَامِيرُ الّتِي
فِي الْحِلَقِ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ
أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } قَالَ الشّاعِرُ وَهُوَ أَبُو الْأَخْزَرِ
الْحِمّانِيّ ، مِنْ تَمِيمٍ [ ص 113 ] دَسْرًا بِأَطْرَافِ الْقَنَا
الْمُقَوّمِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَيْ فَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالُوا
، وَاعْلَمُوا أَنّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبِ مِنْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ كَمَا
اسْتَغْفَرُوهُ وَامْضُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهِمْ
وَلَا تَرْتَدّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ رَاجِعِينَ وَاسْأَلُوهُ كَمَا
سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبّتَ أَقْدَامَكُمْ وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا
اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَكُلّ هَذَا مِنْ
قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ وَقَدْ قُتِلَ نَبِيّهُمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا
فَعَلْتُمْ { فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدّنْيَا } بِالظّهُورِ عَلَى
عَدُوّهِمْ { وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ } وَمَا وَعَدَ اللّهُ فِيهَا ،
{ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ }
[ تَحْذِيرُهُ إيّاهُمْ مِنْ إطَاعَةِ الْكُفّارِ ]
{
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا
يَرُدّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أَيْ عَنْ
عَدُوّكُمْ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكُمْ وآخِرَتُكُمْ { بَلِ اللّهُ
مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ } فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ
بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقًا فِي قُلُوبِكُمْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ وَلَا
تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ
مُرْتَدّينَ عَنْ دِينِهِ . { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا
الرّعْبَ } أَيْ الّذِي بِهِ كُنْتُ أَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِمَا
أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ حُجّةٍ أَيْ فَلَا تَظُنّوا
أَنّ لَهُمْ عَاقِبَةَ نَصْرٍ وَلَا ظُهُورٍ عَلَيْكُمْ مَا اعْتَصَمْتُمْ
بِي ، وَاتّبَعْتُمْ أَمْرِي ، لِلْمُصِيبَةِ الّتِي أَصَابَتْكُمْ
مِنْهُمْ بِذُنُوبٍ قَدّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ خَالَفْتُمْ بِهَا
أَمْرِي لِلْمَعْصِيَةِ وَعَصَيْتُمْ بِهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ
تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي
الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ مِنْكُمْ
مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمّ
صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللّهُ
ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ وَقَدْ وَفّيْت لَكُمْ بِمَا
وَعَدْتُكُمْ مِنْ النّصْرِ عَلَى عَدُوّكُمْ إذْ تُحِسّونَهُمْ
بِالسّيُوفِ أَيْ الْقَتْلِ بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ
عَلَيْهِمْ وَكَفّى أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ . [ ص 114 ] قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الْحَسّ : الِاسْتِئْصَالُ يُقَالُ حَسَسْتُ الشّيْءَ أَيْ
اسْتَأْصَلْته بِالسّيْفِ وَغَيْرِهِ . قَالَ جَرِيرٌ
تَحُسّهُمْ السّيُوفُ كَمَا تَسَامَى ... حَرِيقُ النّارِ فِي الْأَجَمِ الْحَصِيدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ
إذَا شَكَوْنَا سَنَةً حَسُوسا ... تَأْكُلُ بَعْدَ الْأَخْضَرِ الْيَبِيسَا
وَهَذَانِ
الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { حَتّى
إِذَا فَشِلْتُمْ } أَيْ تَخَاذَلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ
أَيْ اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي ، أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيّكُمْ
وَمَا عَهِدَ إلَيْكُمْ يَعْنِي الرّمَاةَ { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا
أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ } أَيْ الْفَتْحُ لَا شَكّ فِيهِ وَهَزِيمَةُ
الْقَوْمِ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ
الدّنْيَا } أَيْ الّذِينَ أَرَادُوا النّهْبَ فِي الدّنْيَا وَتَرْكَ مَا
أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطّاعَةِ الّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ {
وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللّهِ
وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضٍ مِنْ الدّنْيَا ،
رَغْبَةً فِيهَا ، رَجَاءَ مَا عِنْدِ اللّهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ فِي
الْآخِرَةِ أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي الدّينِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى
مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضِ مِنْ الدّنْيَا ، لِيَخْتَبِرَكُمْ وَذَلِك
بِبَعْضِ ذُنُوبِكُمْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ أَنْ لَا
يُهْلِكَكُمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ نَبِيّكُمْ وَلَكِنّي
عُدْت بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ وَكَذَلِكَ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَنْ عَاقَبَ بِبَعْضِ الذّنُوبِ فِي عَاجِلِ الدّنْيَا أَدَبًا
وَمَوْعِظَةً فَإِنّهُ غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلّ مَا فِيهِمْ مِنْ
الْحَقّ لَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ رَحْمَةً
لَهُمْ وَعَائِدَةً عَلَيْهِمْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ .
[ تَأْنِيبُهُ إيّاهُمْ لِفِرَارِهِمْ عَنْ نَبِيّهِمْ ]
ثُمّ
أَنّبَهُمْ بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُمْ يُدْعَوْنَ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إيّاهُمْ فَقَالَ
{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ
فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى
مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } أَيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ
بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْ إخْوَانِكُمْ وَعُلُوّ [ ص 115 ] وَقَعَ فِي
أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ قُتِلَ نَبِيّكُمْ فَكَانَ ذَلِكَ
مِمّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمّا بِغَمّ { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى
مَا فَاتَكُمْ } مِنْ ظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ بَعْدَ أَنْ
رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } مِنْ قَتْلِ
إخْوَانِكُمْ حَتّى فَرّجْتُ ذَلِكَ الْكَرْبَ عَنْكُمْ وَاَللّهُ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ . وَكَانَ الّذِي فَرّجَ اللّهُ بِهِ عَنْهُمْ مَا
كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْبِ وَالْغَمّ الّذِي أَصَابَهُمْ أَنّ اللّهَ
عَزّ وَجَلّ رَدّ عَنْهُمْ كِذْبَةَ الشّيْطَانِ بِقَتْلِ نَبِيّهِمْ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ هَانَ عَلَيْهِمْ مَا
فَاتَهُمْ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ الظّهُورِ عَلَيْهِمْ وَالْمُصِيبَةُ
الّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إخْوَانِهِمْ حِينَ صَرَفَ اللّهُ الْقَتْلَ
عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . { ثُمّ أَنْزَلَ
عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً
مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاللّهِ
غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ
مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنّ الْأَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي
بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى
مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ
مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } فَأَنْزَلَ
اللّهُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ الْيَقِينِ بِهِ فَهُمْ
نِيَامٌ لَا يَخَافُونَ وَأَهْلُ النّفَاقِ قَدْ أَهَمّتْهُمْ
أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاَللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ
تَخَوّفَ الْقَتْلِ وَذَلِك أَنّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَةً فَذَكَرَ
اللّهُ عَزّ وَجَلّ تَلَاوُمَهُمْ وَحَسْرَتَهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ .
ثُمّ قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْطِنَ
الّذِي أَظْهَرَ اللّهُ فِيهِ مِنْكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ "
لَبَرَزَ " لَأَخْرَجَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إلَى
مَضَاجِعِهِمْ إلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يُصْرَعُونَ فِيهِ حَتّى يُبْتَلَى
بِهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ { وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي
صُدُورِهِمْ مِمّا اسْتَخْفَوْا بِهِ مِنْكُمْ .
[ تَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِمّنْ يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ فِي اللّهِ ]
[
ص 116 ] قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ
كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ
كَانُوا غُزّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا
لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي
وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أَيْ لَا تَكُونُوا
كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يَنْهَوْنَ إخْوَانَهُمْ عَنْ الْجِهَادِ فِي
سَبِيلِ اللّهِ وَالضّرْبِ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ
وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَقُولُونَ إذَا
مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا : لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا " {
لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } لِقِلّةِ الْيَقِينِ
بِرَبّهِمْ { وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ } أَيْ يُعَجّلُ مَا يَشَاءُ
وَيُؤَخّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ آجَالِهِمْ بِقُدْرَتِهِ . قَالَ
تَعَالَى : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتّمْ
لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ } أَيْ إنّ
الْمَوْتَ لَكَائِنٌ لَا بُدّ مِنْهُ فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ
قَتْلٌ خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا وَأَيْقَنُوا مِمّا يَجْمَعُونَ مِنْ
الدّنْيَا الّتِي لَهَا يَتَأَخّرُونَ عَنْ الْجِهَادِ تَخَوّفَ الْمَوْتِ
وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهْرَةِ الدّنْيَا زَهَادَةً فِي
الْآخِرَةِ وَلَئِنْ مُتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ أَيّ ذَلِكَ كَانَ { لَإِلَى
اللّهِ تُحْشَرُونَ } أَيْ أَنّ إلَى اللّهِ الْمَرْجِعَ فَلَا
تَغُرّنّكُمْ الدّنْيَا ، وَلَا تَغْتَرّوا بِهَا ، وَلْيَكُنْ الْجِهَادُ
وَمَا رَغّبَكُمْ اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْهَا .
[ ذِكْرُهُ رَحْمَةَ الرّسُولِ عَلَيْهِمْ ]
ثُمّ
قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ
} أَيْ لَتَرَكُوك { فَاعْفُ عَنْهُمْ } أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ {
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ } فَذَكَرَ
لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِينَهُ لَهُمْ وَصَبْرَهُ
عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ وَقِلّةِ صَبْرِهِمْ عَلَى الْغِلْظَةِ لَوْ
كَانَتْ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلّ مَا خَالَفُوا عَنْهُ مِمّا افْتَرَضَ
عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ } أَيْ تَجَاوَزْ
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ مَنْ قَارَفَ مِنْ أَهْلِ
الْإِيمَانِ مِنْهُمْ { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } أَيْ [ ص 117 ]
كُنْت غَنِيّا عَنْهُمْ تَأَلّفًا لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينِهِمْ {
فَإِذَا عَزَمْتَ } أَيْ عَلَى أَمْرٍ جَاءَك مِنّي وَأَمْرٍ مِنْ دِينِك
فِي جِهَادِ عَدُوّك لَا يُصْلِحُك وَلَا يُصْلِحُهُمْ إلّا ذَلِكَ
فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ عَلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَك ،
وَمُوَافَقَةِ مَنْ وَافَقَك ، وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ ، أَيْ ارْضَ بِهِ
مِنْ الْعِبَادِ { إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ إِنْ يَنْصُرْكُمُ
اللّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الّذِي
يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ } أَيْ لِئَلّا تَتْرُكَ أَمْرِي لِلنّاسِ
وَارْفُضْ أَمْرَ النّاسِ إلَى أَمْرِي ، { وَعَلَى اللّهِ } لَا عَلَى
النّاسِ { فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }