كتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر
المؤلف : أحمد بن محمد بن حجر المكي الهيتمي
الْمَحْضَرَ ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : فَذَكَرَهُ } .
وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ : السَّاعِي مُثَلِّثٌ : أَيْ مُهْلِكٌ بِسِعَايَتِهِ نَفْسَهُ وَالْمَسْعِيَّ بِهِ وَإِلَيْهِ .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذِهِ الْخَمْسَةِ هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْآيَاتِ
وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ
ذَكَرَ غَيْرَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ
ذَكَرَ الرَّابِعَةَ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ : " وَالدُّخُولُ عَلَى
الظَّلَمَةِ بِغَيْرِ قَصْدٍ صَحِيحٍ بَلْ إعَانَةً أَوْ تَوْقِيرًا أَوْ
مَحَبَّةً " .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَإِطْلَاقُ كَوْنِ السِّعَايَةِ
كَبِيرَةً مُشْكِلٌ إذَا كَانَ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا صَغِيرَةً إلَّا أَنْ
يُقَالَ تَصِيرُ كَبِيرَةً بِمَا يَنْضَمُّ لِذَلِكَ مِنْ الرُّعْبِ
لِلْمَسْعِيِّ عَلَيْهِ أَوْ خَوْفُ أَهْلِهِ أَوْ تَرْوِيعُهُمْ بِطَلَبِ
السُّلْطَانِ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْحَلِيمِيِّ السَّابِقَ فِي
إعَانَةِ الْقَاتِلِ وَدَلَالَتَهُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَقَالَ :
لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ كَبِيرَةً .
انْتَهَى .
وَمَرَّ
أَنَّ كَلَامَ الْحَلِيمِيِّ هَذَا مَرْدُودٌ لَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ
فَلَا نَظَرَ لِمَا اقْتَضَاهُ ، فَالْوَجْهُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهَا
كَبِيرَةٌ لِأَنَّهَا نَمِيمَةٌ بَلْ هِيَ أَقْبَحُ أَنْوَاعِ
النَّمِيمَةِ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ تَسْمِيَةُ
النَّمِيمَةِ كَبِيرَةً ، ثُمَّ الْمُرَادُ كَمَا ذَكَرْته فِي
التَّرْجَمَةِ السَّعْيُ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ
بِالْبَرِيءِ ؛ فَأَمَّا مَا جَازَتْ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ
فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ الرَّفْعُ فِيهِ إلَّا لِعُذْرٍ .
وَقَدْ
قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ فِي النَّمِيمَةِ : قَالَ
النَّوَوِيُّ فَلَوْ دَعَتْ إلَى النَّمِيمَةِ حَاجَةٌ فَلَا مَنْعَ
مِنْهَا ، كَمَا إذَا أَخْبَرَهُ أَنَّ إنْسَانًا يُرِيدُ الْفَتْكَ بِهِ
أَوْ بِأَهْلِهِ أَوْ بِمَالِهِ ، أَوْ أَخْبَرَ الْإِمَامَ أَوْ مَنْ
لَهُ وِلَايَةٌ بِأَنَّ فُلَانًا يَسْعَى بِمَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ ،
وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَوَلِّي الْكَشْفُ عَنْ ذَلِكَ
وَإِزَالَتُهُ
، وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَكُلُّهُ لَا حُرْمَةَ فِيهِ بَلْ قَدْ
يَجِبُ تَارَةً وَيُنْدَبُ أُخْرَى بِحَسَبِ الْمَوَاطِنِ .
وَقَوْلِي فِي التَّرْجَمَةِ فِي الْأَخِيرَةِ بِبَاطِلٍ هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ
وَقَالَ
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : السِّعَايَةُ بِمَا يَضُرُّ الْمُسْلِمَ
كَبِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ بَلْ يَجِبُ الْجَزْمُ
بِهِ إذَا اشْتَدَّ الضَّرَرُ بِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ يَعْتَادُ
الدُّخُولَ عَلَى الظَّلَمَةِ قَدْ يَحْتَجُّ بِأَنَّ قَصْدَهُ نُصْرَةُ
مَظْلُومٍ ، أَوْ مُسَاعِدَةُ ضَعِيفٍ ، أَوْ رَدُّ ظَلَّامَةٍ ، أَوْ
التَّسَبُّبُ فِي مَعْرُوفٍ ؛ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَتَى تَنَاوَلَ مِنْ
مَطْعَمِهِمْ ، أَوْ شَارَكَهُمْ فِي مَقَاصِدِهِمْ ، أَوْ فِي شَيْءٍ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ الْمُحَرَّمَةِ ، أَوْ دَاهَنَهُمْ فِي مُنْكَرٍ ،
فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ النَّظَرُ فِي سُوءِ حَالِهِ إلَى دَلِيلٍ ؛
لِأَنَّ كُلَّ ذِي بَصِيرَةٍ يَشْهَدُ أَنَّهُ ضَالٌّ عَنْ سَوَاءِ
السَّبِيلِ ، وَأَنَّهُ عَبْدُ بَطْنِهِ وَهَوَاهُ ، فَهُوَ مِمَّنْ
أَضَلَّهُ اللَّهُ وَأَرْدَاهُ ، فَهُوَ مِنْ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا .
وَمِنْ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ
أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ { أَلَا إنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا
يَشْعُرُونَ } وَمَتَى تَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ مَحَلُّ
اشْتِبَاهٍ ، وَلِحَالِهِ مِيزَانٌ يَقْضِي بِكَمَالِهِ تَارَةً
وَنَقْصِهِ أُخْرَى ، فَمَتَى رَأَى أَنَّهُ كَمُكْرَهٍ فِي دُخُولِهِ
عَلَيْهِمْ ، وَيَوَدُّ أَنَّهُ لَوْ كُفِيَ بِغَيْرِهِ وَانْتَصَرَ
الْمَظْلُومُ بِسِوَاهُ وَلَا يَتَبَجَّحُ بِصُحْبَتِهِمْ ، فَلَا يَجْرِي
فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ قُلْت لِلسُّلْطَانِ مَثَلًا وَلَا انْتَصَرَ بِي
فُلَانٌ وَنَحْوَهُ ، وَلَوْ قَدَّمَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ أَحَدًا
وَقَرَّبَهُ وَاعْتَقَدَهُ وَقَامَ بِمَا كَانَ قَائِمًا بِهِ لَمَا شَقَّ
عَلَيْهِ بَلْ يَجِدُ لَهُ انْشِرَاحًا إذْ أَجَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى
مِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْعَظِيمَةِ فَهُوَ صَحِيحُ الْقَصْدِ مَأْجُورٌ
مُثَابٌ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ ، وَمَتَى لَمْ تُوجَدْ فِيهِ جَمِيعُ
هَذِهِ الْخِصَالِ ، فَهُوَ فَاسِدُ النِّيَّةِ هَالِكٌ ، إذْ قَصْدُهُ
طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ وَالتَّمْيِيزُ عَلَى الْأَقْرَانِ .
وَلِنُتَمَّمَ هَذَا الْمَبْحَثَ بِذِكْرِ أَحَادِيثَ وَآثَارٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ
وَعُهْدَةُ
أَكْثَرِهَا عَلَيْهِ ، كَحَدِيثِ : { إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي
مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَحَدِيثِ : { مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : { اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ لَهُ نَاصِرًا غَيْرِي } .
وَمَا
أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ : لَا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْتَ
مُقْتَدِرًا فَالظُّلْمُ تَرْجِعُ عُقْبَاهُ إلَى النَّدَمِ تَنَامُ
عَيْنَاك وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُو عَلَيْك وَعَيْنُ اللَّهِ
لَمْ تَنِمْ وَقَوْلُ الْآخَرِ : إذَا مَا الظَّلُومُ اسْتَوْطَأَ
الْأَرْضَ مَرْكَبًا وَلَجَّ غُلُوًّا فِي قَبِيحِ اكْتِسَابِهِ فَكِلْهُ
إلَى صَرْفِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ سَيُبْدِي لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي
حِسَابِهِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لَا تَظْلِمَنَّ الضُّعَفَاءَ
فَتَكُنْ مِنْ شِرَارِ الْأَقْوِيَاءِ : وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوتُ هَوْلًا فِي وَكْرِهَا مِنْ
ظُلْمِ الظَّالِمِ .
وَقِيلَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ : يُنَادِي
مُنَادٍ مِنْ وَرَاءِ الْجِسْرِ يَعْنِي الصِّرَاطَ يَا مَعْشَرَ
الْجَبَابِرَةِ الطُّغَاةِ ، وَيَا مَعْشَرَ الْمُتْرَفِينَ
الْأَشْقِيَاءِ ، إنَّ اللَّهَ يَحْلِفُ بِعِزَّتِهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ
هَذَا الْجِسْرَ الْيَوْمَ ظُلْمُ ظَالِمٍ .
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ إلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَلَا
تُخْبِرُونِي بِأَعْجَبَ مَا رَأَيْتُمْ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ ؟ فَقَالَ
قُتَيْبَةُ وَكَانَ مِنْهُمْ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسًا إذْ مَرَّتْ بِنَا
عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ
فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا
، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا
وَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا ، فَلَمَّا قَامَتْ الْتَفَتَتْ إلَيْهِ ثُمَّ
قَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إذَا وَضَعَ
اللَّهُ
الْكُرْسِيَّ فَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، وَتَكَلَّمَتْ
الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ سَوْفَ تَعْلَمُ مَا
أَمْرِي وَأَمْرُك عِنْدَهُ غَدًا ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا
لَا يُؤْخَذُ مِنْ شَدِيدِهِمْ لِضَعِيفِهِمْ ؟ } .
وَرُوِيَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
خَمْسَةٌ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ إنْ شَاءَ أَمْضَى غَضَبَهُ
عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا ثَوَّى بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ إلَى
النَّارِ : أَمِيرُ قَوْمٍ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ رَعِيَّتِهِ وَلَا
يُنْصِفُهُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَدْفَعُ الظُّلْمَ عَنْهُمْ ،
وَزَعِيمُ قَوْمٍ يُطِيعُونَهُ وَلَا يُسَوِّي بَيْنَ الْقَوِيِّ
وَالضَّعِيفِ وَيَتَكَلَّمُ بِالْهَوَى ، وَرَجُلٌ لَا يَأْمُرُ أَهْلَهُ
وَوَلَدَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَلَا يُعَلِّمُهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ ،
وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَعْمَلَهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ
، وَرَجُلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً فِي صَدَاقِهَا } .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّ اللَّهَ
تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ وَاسْتَوَوْا عَلَى أَقْدَامِهِمْ
رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ إلَى اللَّهِ وَقَالُوا يَا رَبِّ مَعَ مَنْ أَنْتَ
؟ قَالَ مَعَ الْمَظْلُومِ حَتَّى يُؤَدَّى إلَيْهِ حَقُّهُ .
وَعَنْ
وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بَنَى جَبَّارٌ مِنْ
الْجَبَابِرَةِ قَصْرًا وَشَيَّدَهُ فَجَاءَتْ عَجُوزٌ فَقِيرَةٌ فَبَنَتْ
إلَى جَانِبِهِ شَيْئًا تَأْوِي إلَيْهِ ، فَرَكِبَ الْجَبَّارُ يَوْمًا
وَطَافَ حَوْلَ الْقَصْرِ فَرَأَى بِنَاءَهَا ، فَقَالَ لِمَنْ هَذَا ؟
فَقِيلَ : لِامْرَأَةٍ فَقِيرَةٍ تَأْوِي إلَيْهِ فَأَمَرَ بِهَدْمِهِ
فَهُدِمَ فَجَاءَتْ الْعَجُوزُ فَرَأَتْهُ مَهْدُومًا ، فَقَالَتْ : مَنْ
هَدَمَهُ ؟ فَقِيلَ لَهَا الْمَلِكُ رَآهُ فَهَدَمَهُ ، فَرَفَعَتْ
الْعَجُوزُ رَأْسَهَا إلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ يَا رَبِّ أَنَا لَمْ
أَكُنْ حَاضِرَةً فَأَنْتَ أَيْنَ كُنْت ؟ قَالَ : فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ جِبْرِيلَ أَنْ يَقْلِبَ الْقَصْرَ عَلَى مَنْ فِيهِ فَقَلَبَهُ .
وَقِيلَ لَمَّا حُبِسَ
بَعْضُ الْبَرَامِكَةِ وَوَلَدُهُ قَالَ : يَا أَبَتِ بَعْدَ الْعِزِّ صِرْنَا فِي الْقَيْدِ وَالْحَبْسِ .
فَقَالَ : يَا بُنَيَّ دَعْوَةُ مَظْلُومٍ سَرَتْ بِلَيْلٍ غَفَلْنَا عَنْهَا وَلَمْ يَغْفُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا .
وَكَانَ
يَزِيدُ بْنُ حَكِيمٍ يَقُولُ : مَا هِبْت أَحَدًا قَطُّ هَيْبَتِي
رَجُلًا ظَلَمْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا نَاصِرَ لَهُ إلَّا
اللَّهُ يَقُولُ لِي حَسْبِي اللَّهُ ، اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك .
وَعَنْ
أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : يَجِيءُ الظَّالِمُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ حَتَّى إذَا كَانَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ فَلَقِيَهُ
الْمَظْلُومُ وَعَرَفَ مَا ظَلَمَهُ فَمَا يَبْرَحُ الَّذِينَ ظُلِمُوا
بِاَلَّذِينَ ظَلَمُوا حَتَّى يَنْزِعُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ
الْحَسَنَاتِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا لَهُمْ حَسَنَاتٍ حَمَلُوا
عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ مِثْلَ مَا ظَلَمُوهُمْ ، حَتَّى يَرِدُوا
الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنْ النَّارِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أُنَيْسٍ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { يُحْشَرُ الْعِبَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً
عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ، فَيُنَادِيهِمْ مُنَادٍ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ
مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ : أَنَا الْمَلِكُ الدَّيَّانُ
لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ
وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ حَتَّى
اللَّطْمَةِ فَمَا فَوْقَهَا ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَعِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى
اللَّطْمَةُ فَمَا فَوْقَهَا { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّك أَحَدًا } قُلْنَا
يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَإِنَّمَا نَأْتِي حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا
بُهْمًا ؟ قَالَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ جَزَاءً وِفَاقًا { وَلَا
يَظْلِمُ رَبُّك أَحَدًا } } وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ ضَرَبَ سَوْطًا ظُلْمًا اُقْتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ } .
وَمِمَّا ذُكِرَ أَنَّ كِسْرَى اتَّخَذَ مُؤَدِّبًا
لِوَلَدِهِ يُعَلِّمُهُ وَيُؤَدِّبُهُ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْوَلَدُ
الْغَايَةَ فِي الْفَضْلِ وَالْأَدَبِ اسْتَحْضَرَهُ الْمُؤَدِّبُ يَوْمًا
وَضَرَبَهُ
ضَرْبًا وَجِيعًا مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَلَا سَبَبٍ ، فَحَقَدَ الْوَلَدُ
عَلَى الْمُعَلِّمِ إلَى أَنْ كَبِرَ وَمَاتَ أَبُوهُ ، فَتَوَلَّى
الْمُلْكَ بَعْدَهُ ، فَاسْتَحْضَرَ الْمُعَلِّمَ وَقَالَ لَهُ : مَا
حَمَلَك عَلَى أَنْ ضَرَبْتنِي فِي يَوْمِ كَذَا ضَرْبًا وَجِيعًا مِنْ
غَيْرِ جُرْمٍ وَلَا سَبَبٍ ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّمُ ؟ اعْلَمْ
أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّك لَمَّا بَلَغْت الْغَايَةَ فِي الْفَضْلِ
وَالْأَدَبِ ، عَلِمْت أَنَّك تَنَالُ الْمُلْكَ بَعْدَ أَبِيك ،
فَأَرَدْت أَنْ أُذِيقَك طَعْمَ الضَّرْبِ وَأَلَمَ الظُّلْمِ حَتَّى لَا
تَظْلِمَ أَحَدًا بَعْدُ ، فَقَالَ لَهُ : جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا ثُمَّ
أَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ وَصَرَفَهُ .
وَمِنْ الظُّلْمِ كَمَا عُلِمَ
مِمَّا قَدَّمْته فِي التَّرْجَمَةِ الْمَكْسُ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ
، وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا مُسْتَوْفًى ، وَالْمُمَاطَلَةُ بِحَقٍّ
عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى وَفَائِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : {
مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { لَيُّ الْوَاجِدِ
ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ } : أَيْ شِكَايَتَهُ
وَتَعْزِيرَهُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ كَمَا مَرَّ أَيْضًا .
وَمِنْهُ تَظَلُّمُ الْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ صَدَاقٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي لَيِّ الْوَاجِدِ .
وَعَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : يُؤْخَذُ بِيَدِ الْعَبْدِ
أَوْ الْأَمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَادَى بِهِ عَلَى رُءُوسِ
الْخَلَائِقِ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ
فَلْيَأْتِ إلَى حَقِّهِ قَالَ : فَتَفْرَحُ الْمَرْأَةُ أَنْ يَكُونَ
لَهَا حَقٌّ عَلَى ابْنِهَا أَوْ أَخِيهَا أَوْ زَوْجِهَا ثُمَّ قَرَأَ :
{ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } قَالَ
فَيَغْفِرُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ مَا شَاءَ ، وَلَا يَغْفِرُ مِنْ حُقُوقِ
النَّاسِ شَيْئًا فَيُنْصَبُ الْعَبْدُ لِلنَّاسِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ لِأَصْحَابِ الْحُقُوقِ : ائْتُوا إلَى حُقُوقِكُمْ قَالَ :
فَيَقُولُ الْعَبْدُ يَا رَبِّ فَنِيَتْ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ
أُوتِيَهُمْ حُقُوقَهُمْ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ : خُذُوا
مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ
فَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ
بِقَدْرِ طِلْبَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَلِيًّا لِلَّهِ وَفَضَلَ
لَهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ضَاعَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حَتَّى
يَدْخُلَهُ الْجَنَّةَ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا وَلَمْ
يَفْضُلْ لَهُ شَيْءٌ ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ رَبَّنَا فَنِيَتْ
حَسَنَاتُهُ وَبَقِيَ طَالِبُونَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَأَضِيفُوا إلَى سَيِّئَاتِهِ ثُمَّ صُكُّوا
بِهِ صَكًّا إلَى النَّارِ .
انْتَهَى .
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ
الْخَبَرُ السَّابِقُ : { أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ } فَذَكَرَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِهِ
مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ
وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَأَخَذَ مَالَ هَذَا ،
فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ
فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ
خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ } .
وَمِنْ
الظُّلْمِ أَيْضًا : عَدَمُ إيفَاءِ الْأَجِيرِ حَقَّهُ كَمَا مَرَّ
بِدَلِيلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أُعْطِيَ بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا
فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ
الْعَمَلَ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ } .
وَمِنْهُ أَنْ يَظْلِمَ
يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا بِنَحْوِ أَخْذِ مَالِهِ تَعَدِّيًا
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ ظَلَمَ ذِمِّيًّا
فَأَنَا خَصْمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنْ يَقْتَطِعَ حَقَّ غَيْرِهِ
بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ } لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : { مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ
امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ
وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ
شَيْئًا يَسِيرًا ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ } .
وَرُوِيَ
: { إنَّهُ لَا أَكْرَهَ إلَى الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَنْ
يَرَى مَنْ يَعْرِفُهُ خَشْيَةَ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَظْلِمَةٍ
ظَلَمَهُ
بِهَا فِي الدُّنْيَا } كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{ لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى
يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ } .
وَجَاءَ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ كَانَتْ
عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ
فَلْيَتَحَلَّلْ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا
دِرْهَمٌ ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ
مَظْلِمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ
صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ } .
وَرَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي أَيُّوبَ
الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَوَّلُ مَنْ يَخْتَصِمُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَاَللَّهِ مَا يَتَكَلَّمُ
لِسَانُهَا وَلَكِنْ يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا يَشْهَدَانِ عَلَيْهَا بِمَا
كَانَتْ تُعَنِّتُ لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا ، وَيَشْهَدُ عَلَى
الرَّجُلِ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ بِمَا كَانَ يُولِي زَوْجَتَهُ مِنْ خَيْرٍ
أَوْ شَرٍّ ثُمَّ يُدْعَى بِالرَّجُلِ وَخَدَمِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَمَا
يُؤْخَذُ مِنْهُمْ دَوَانِيقُ وَلَا قَرَارِيطُ ، وَلَكِنْ حَسَنَاتُ
الظَّالِمِ تُدْفَعُ إلَى الْمَظْلُومِ وَسَيِّئَاتُ الْمَظْلُومِ
تُحْمَلُ عَلَى الظَّالِمِ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَبَّارِينَ بِمَقَاطِعَ
مِنْ حَدِيدٍ فَيُقَالُ سُوقُوهُمْ إلَى النَّارِ } .
وَكَانَ شُرَيْحٌ
الْقَاضِي يَقُولُ : سَيَعْلَمُ الظَّالِمُونَ حَقَّ مَنْ انْتَقَصُوا ،
إنَّ الظَّالِمَ لَيَنْتَظِرُ الْعِقَابَ ، وَالْمَظْلُومُ يَنْتَظِرُ
النَّصْرَ وَالثَّوَابَ .
وَرُوِيَ : إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ
خَيْرًا سَلَّطَ عَلَيْهِ مَنْ ظَلَمَهُ دَخَلَ طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ
عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ : اتَّقِ يَوْمَ
الْأَذَانِ ؛ قَالَ هِشَامٌ .
وَمَا يَوْمُ الْأَذَانِ ؟ قَالَ :
وقَوْله تَعَالَى : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } فَصَعِقَ هِشَامٌ ، فَقَالَ طَاوُسٌ :
هَذَا ذُلُّ الصِّفَةِ فَكَيْفَ
الْمُعَايَنَةُ ؟ وَمَرَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَرَّأَ مِمَّنْ أَعَانَ الظَّالِمَ .
وَفِي حَدِيثٍ : { مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ } .
وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : لَا تَمْلَئُوا أَعْيُنَكُمْ مِنْ أَعْوَانِ
الظَّلَمَةِ إلَّا بِإِنْكَارٍ مِنْ قُلُوبِكُمْ لِئَلَّا تَحْبَطَ
أَعْمَالُكُمْ الصَّالِحَةُ .
وَقَالَ مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيُّ :
يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَيْنَ الظَّلَمَةُ
وَأَعْوَانُهُمْ ؟ فَمَا يَبْقَى أَحَدٌ حَبَّرَ لَهُمْ دَوَاةً أَوْ
بَرَى لَهُمْ قَلَمًا فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَّا حَضَرَ مَعَهُمْ
فَيُجْمَعُونَ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ فَيُلْقَوْنَ فِي جَهَنَّمَ .
وَجَاءَ
خَيَّاطٌ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ
: إنِّي أَخِيطُ ثِيَابَ السُّلْطَانِ أَفَتَرَانِي مِنْ أَعْوَانِ
الظَّلَمَةِ ؟ فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ : بَلْ أَنْتَ مِنْ الظَّلَمَةِ
أَنْفُسِهِمْ ، وَلَكِنْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَبِيعُ مِنْك
الْإِبْرَةَ وَالْخُيُوطَ .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ السَّوَّاطُونَ الَّذِينَ يَكُونُ مَعَهُمْ
الْأَسْوَاطُ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ بَيْنَ يَدَيْ الظَّلَمَةِ .
}
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : الْجَلَاوِزَةُ ،
أَيْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ ، وَالشُّرَطُ أَيْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ
وَفَتْحِ الرَّاءِ : وُلَاةُ الشُّرْطَةِ وَهُمْ أَعْوَانُ الْوُلَاةِ
وَالظَّلَمَةِ ، الْوَاحِدُ مِنْهُمْ شُرْطِيٌّ : بِضَمٍّ فَفَتْحٍ -
كِلَابُ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَرُوِيَ : إنَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَوْحَى إلَى مُوسَى صَلَّى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى
سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ
وَالسَّلَامِ : { أَنْ مُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يُقِلُّوا
مِنْ ذِكْرِي ، فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي وَإِنَّ ذِكْرِي
إيَّاهُمْ أَنْ أَلْعَنَهُمْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَإِنِّي أَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَنِي مِنْهُمْ بِاللَّعْنَةِ } .
وَجَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا يَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ
فِي مَوْقِفٍ يُضْرَبُ فِيهِ رَجُلٌ ظُلْمًا فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ حِينَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ } .
وَجَاءَ
كَمَا مَرَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ يُضْرَبُ فِي قَبْرِهِ
مِائَةَ جَلْدَةٍ ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ
جَلْدَةً وَاحِدَةً فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا ، فَلَمَّا
ارْتَفَعَ عَنْهُ وَأَفَاقَ قَالَ : عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي ؟ قِيلَ :
إنَّك صَلَّيْت بِغَيْرِ طَهُورٍ ، وَمَرَرْت عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ
تَنْصُرْهُ } فَهَذَا حَالُ مَنْ لَمْ يَنْصُرْ الْمَظْلُومَ مَعَ
قُدْرَتِهِ عَلَى نَصْرِهِ فَكَيْفَ حَالُ الظَّالِمِ ؟ .
قَالَ
بَعْضُهُمْ : رَأَيْت فِي الْمَنَامِ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ يَخْدُمُ
الظَّلَمَةَ وَالْمَكَّاسِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي حَالَةٍ
قَبِيحَةٍ فَقُلْت لَهُ : مَا حَالُك ؟ فَقَالَ شَرُّ حَالٍ ، فَقُلْت
لَهُ : إلَى أَيْنَ صِرْت ؟ فَقَالَ إلَى عَذَابِ اللَّهِ ، قُلْت : فَمَا
حَالُ الظَّلَمَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ؟ قَالَ شَرُّ حَالٍ ، أَمَا سَمِعْت
قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ
مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : رَأَيْت رَجُلًا
مَقْطُوعَ الْيَدِ مِنْ الْكَتِفِ وَهُوَ يُنَادِي مَنْ رَآنِي فَلَا
يَظْلِمَنَّ أَحَدًا ، فَتَقَدَّمْت إلَيْهِ وَقُلْت لَهُ : يَا أَخِي مَا
قِصَّتُك ؟ فَقَالَ يَا أَخِي قِصَّتِي عَجِيبَةٌ ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْت
مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ ، فَرَأَيْت يَوْمًا صَيَّادًا قَدْ اصْطَادَ
سَمَكَةً كَبِيرَةً فَأَعْجَبَتْنِي ، فَجِئْت إلَيْهِ فَقُلْت :
أَعْطِنِي هَذِهِ السَّمَكَةَ ، فَقَالَ لَا أُعْطِيكَهَا أَنَا آخُذُ
بِثَمَنِهَا قُوتًا لِعِيَالِي ، فَضَرَبْته وَأَخَذْتهَا مِنْهُ قَهْرًا
وَمَضَيْت بِهَا ، قَالَ : فَبَيْنَمَا أَنَا مَاشٍ بِهَا حَامِلَهَا إذْ
عَضَّتْ عَلَى إبْهَامِي عَضَّةً قَوِيَّةً فَلَمَّا جِئْت بِهَا إلَى
بَيْتِي وَأَلْقَيْتهَا مِنْ يَدِي ضَرَبَتْ عَلَيَّ إبْهَامِي
وَآلَمَتْنِي أَلَمًا شَدِيدًا حَتَّى لَمْ أَنَمْ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ
وَوَرِمَتْ يَدِي فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت الطَّبِيبَ وَشَكَوْت
إلَيْهِ الْأَلَمَ فَقَالَ :
هَذِهِ بُدُوُّ أَكَلَةٍ اقْطَعْهَا
وَإِلَّا تَلِفَتْ يَدُك كُلُّهَا فَقَطَعْت إبْهَامِي ثُمَّ ضَرَبَتْ
يَدِي فَلَمْ أُطِقْ النَّوْمَ وَلَا الْقَرَارَ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ ،
فَقِيلَ لِي اقْطَعْ كَفَّك فَقَطَعْتهَا وَانْتَشَرَ الْأَلَمُ إلَى
السَّاعِدِ وَآلَمَنِي أَلَمًا شَدِيدًا وَلَمْ أُطِقْ النَّوْمَ وَلَا
الْقَرَارَ وَجَعَلْت أَسْتَغِيثُ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ ، فَقِيلَ لِي :
اقْطَعْهَا مِنْ الْمِرْفَقِ فَانْتَشَرَ الْأَلَمُ إلَى الْعَضُدِ
وَضَرَبَتْ عَلَيَّ عَضُدِي أَشَدَّ مِنْ الْأَلَمِ فَقِيلَ لِي : اقْطَعْ
يَدَك مِنْ كَتِفِك وَإِلَّا سَرَى إلَى جَسَدِك كُلِّهِ فَقَطَعْتهَا
فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ : مَا سَبَبُ أَلَمِك فَذَكَرْت لَهُ قِصَّةَ
السَّمَكَةِ ، فَقَالَ لِي : لَوْ كُنْت رَجَعْت مِنْ أَوَّلِ مَا
أَصَابَك الْأَلَمُ إلَى صَاحِبِ السَّمَكَةِ فَاسْتَحْلَلْت مِنْهُ
وَاسْتَرْضَيْته وَلَا قَطَعْت يَدَك ، فَاذْهَبْ الْآنَ إلَيْهِ
وَاطْلُبْ رِضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِك .
قَالَ
: فَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُهُ فِي الْبَلَدِ حَتَّى وَجَدْته فَوَقَعْت
عَلَى رِجْلَيْهِ أُقَبِّلُهُمَا وَأَبْكِي وَقُلْت : يَا سَيِّدِي
سَأَلْتُك بِاَللَّهِ إلَّا مَا عَفَوْت عَنِّي ، فَقَالَ لِي : وَمَنْ
أَنْتَ ؟ فَقُلْت أَنَا الَّذِي أَخَذْت مِنْك السَّمَكَةَ غَصْبًا ،
وَذَكَرْت لَهُ مَا جَرَى وَأَرَيْته يَدِي فَبَكَى حِينَ رَآهَا ثُمَّ
قَالَ : يَا أَخِي قَدْ حَالَلْتُكَ مِنْهَا لِمَا قَدْ رَأَيْت بِك مِنْ
هَذَا الْبَلَاءِ ، فَقُلْت لَهُ : بِاَللَّهِ يَا سَيِّدِي هَلْ كُنْت
دَعَوْت عَلَيَّ لَمَّا أَخَذْتهَا مِنْك ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قُلْت :
اللَّهُمَّ هَذَا تَقَوَّى عَلَيَّ بِقُوَّتِهِ عَلَى ضَعْفِي وَأَخَذَ
مِنِّي مَا رَزَقْتَنِي ظُلْمًا فَأَرِنِي فِيهِ قُدْرَتَك ، فَقُلْت لَهُ
: يَا سَيِّدِي قَدْ أَرَاك اللَّهُ قُدْرَتَهُ فِي وَأَنَا تَائِبٌ إلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَةِ الظَّلَمَةِ
وَلَا عُدْت أَقِفُ لَهُمْ عَلَى بَابٍ وَلَا أَكُونُ مِنْ أَعْوَانِهِمْ
مَا دُمْت حَيًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
.
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : إيوَاءُ الْمُحْدِثِينَ أَيْ مَنْعُهُمْ مِمَّنْ يُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ مِنْهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ يَتَعَاطَى مَفْسَدَةً يَلْزَمُهُ بِسَبَبِهَا أَمْرٌ شَرْعِيٌّ ) وَعَدُّ هَذَا هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ صَرِيحُ خَبَرِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ : { حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ، قُلْت مَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا ، لَعَنْ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ } .
كِتَابُ الرِّدَّةِ (
الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : قَوْلُ إنْسَانٍ لِمُسْلِمٍ : يَا كَافِرُ أَوْ يَا
عَدُوَّ اللَّهِ حَيْثُ لَمْ يُكَفِّرْهُ بِهِ بِأَنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ
تَسْمِيَةَ الْإِسْلَامِ كُفْرًا وَإِنَّمَا أَرَادَ مُجَرَّدَ السَّبِّ )
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ : { وَمَنْ دَعَا رَجُلًا
بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا حَارَ
عَلَيْهِ } أَيْ رَجَعَ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { مَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ } .
تَنْبِيهٌ
: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَهُوَ رُجُوعُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ أَوْ
عَدَاوَةُ اللَّهِ لَهُ ، وَكَوْنُهُ كَإِثْمِ الْقَتْلِ فَلِذَلِكَ
كَانَتْ إحْدَى هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ إمَّا كُفْرًا بِأَنْ يُسَمَّى
الْمُسْلِمُ كَافِرًا أَوْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ جِهَةِ وَصْفِهِ
بِالْإِسْلَامِ ، فَيَكُونُ قَدْ سَمَّى الْإِسْلَامَ كُفْرًا
وَمُقْتَضِيًا لِعَدَاوَةِ اللَّهِ وَهَذَا كُفْرٌ ، وَإِمَّا كَبِيرَةً
بِأَنْ لَا يَقْصِدَ ذَلِكَ فَرُجُوعُ ذَلِكَ إلَيْهِ حِينَئِذٍ كِنَايَةٌ
عَنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ وَالْإِثْمِ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ أَمَارَاتِ
الْكَبِيرَةِ ، فَلِذَا اتَّضَحَ عَدُّ هَذَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ
لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ عَدَّ مِنْ
الْكَبَائِرِ رَمْيَ الْمُسْلِمِ بِالْكُفْرِ ، وَلَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ :
سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ أَوْ نَحْوَهُ كَفَرَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ خِلَافُهُ .
كِتَابُ
الْحُدُودِ ( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : الشَّفَاعَةُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ
تَعَالَى ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : {
مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى
فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ
يَعْلَمُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ ، وَمَنْ قَالَ
فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ
حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ } .
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ : { وَلَيْسَ بِخَارِجٍ } .
وَرَوَاهُ
الْحَاكِمُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا وَقَالَ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ : { مَنْ أَعَانَ عَلَى
خُصُومَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد : { مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ
فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبِ اللَّهِ } الرَّدْغَةُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ
وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا وَبِالْمُعْجَمَةِ : الْوَحْلُ ،
وَالْخَبَالُ - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ - عُصَارَةُ
أَهْلِ النَّارِ وَعَرَقُهُمْ ، كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَيُّمَا رَجُلٍ حَالَتْ
شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ لَمْ يَزَلْ فِي غَضَبِ
اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ شَدَّ غَضَبًا عَلَى
مُسْلِمٍ فِي خُصُومَةٍ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا فَقَدْ عَانَدَ اللَّهَ
حَقَّهُ وَحَرَصَ عَلَى سَخَطِهِ وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ تَتَابَعُ
إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَشَاعَ عَلَى رَجُلٍ
مُسْلِمٍ بِكَلِمَةٍ وَهُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ يَشِينُهُ بِهَا فِي
الدُّنْيَا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُذِيبَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ حَتَّى يَأْتِيَ بِنَفَاذِ مَا قَالَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى
فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي مُلْكِهِ ، وَمَنْ أَعَانَ عَلَى
خُصُومَةٍ
لَا يَعْلَمُ أَفِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ فَهُوَ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى
يَنْزِعَ ، وَمَنْ مَشَى مَعَ قَوْمٍ يَرَى أَنَّهُ شَاهِدٌ وَلَيْسَ
بِشَاهِدٍ فَهُوَ كَشَاهِدِ زُورٍ ، وَمَنْ تَحَلَّمَ كَاذِبًا كُلِّفَ
أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ طَرَفَيْ شَعِيرَةٍ ، وَسِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ
وَقِتَالُهُ كُفْرٌ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ
الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ
مَنْ ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ إقَامَةِ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ
تَعَالَى مَفْسَدَةً عَظِيمَةً جِدًّا ، وَمِنْ ثَمَّ مَرَّ فِي
الْحَدِيثِ الْحَسَنِ : { وَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ بِحَقِّهِ
أَزْكَى فِيهَا مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا } .
وَمَرَّ فِي
الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ عَنْ الْجَلَالِ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته هُنَا
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته .
( الْكَبِيرَةُ
الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : هَتْكُ
الْمُسْلِمِ وَتَتَبُّعُ عَوْرَاتِهِ حَتَّى يَفْضَحَهُ وَيُذِلَّهُ بِهَا
بَيْنَ النَّاسِ ) أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ
الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ
كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى
يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ
فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَفِضْ
الْإِيمَانُ إلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا
عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
تَتَبَّعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ
يُوشِكْ أَنْ يَفْضَحَهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ } .
وَنَظَرَ
ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ : مَا أَعْظَمَك وَمَا
أَعْظَمَ حُرْمَتِك ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ
مِنْك .
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ
فِيهِ : { يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ
الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ
وَلَا تَطْلُبُوا عَثَرَاتِهِمْ } ، الْحَدِيثَ .
وَأَبُو دَاوُد
وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ
بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا
الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعْ
عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعْ اللَّهُ
عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : {
إنَّك إنْ اتَّبَعْت عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتهمْ أَوْ كِدْت
تُفْسِدُهُمْ } .
وَأَبُو دَاوُد : { إنَّ
الْأَمِيرَ إذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ } .
وَمُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً
مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ
الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ : { الْمُسْلِمُ
أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ ، مَنْ كَانَ فِي
حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ
مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ : { لَا يَرَى مُؤْمِنٌ مِنْ أَخِيهِ
عَوْرَةً فَيَسْتُرُهَا عَلَيْهِ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا
الْجَنَّةَ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ
أَنَّ كَاتِبَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قُلْت لِعُقْبَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : " إنَّ لَنَا جِيرَانًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَأَنَا
دَاعٍ الشُّرَطَ ، أَيْ جَمْعُ شُرْطِيٍّ - بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فِيهِمَا -
وَهُمْ أَعْوَانُ الْوُلَاةِ وَالظَّلَمَةِ لِيَأْخُذُوهُمْ ، فَقَالَ
عُقْبَةُ : لَا تَفْعَلْ وَعِظْهُمْ وَهَدِّدْهُمْ ، قَالَ : إنِّي
نَهَيْتهمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا وَأَنَا دَاعٍ الشُّرَطَ لِيَأْخُذُوهُمْ ،
قَالَ عُقْبَةُ : وَيْحَك لَا تَفْعَلْ ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ سَتَرَ
عَوْرَةً فَكَأَنَّمَا أَحْيَا مَوْءُودَةً فِي قَبْرِهَا } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ
مَاعِزًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ
بِرَجْمِهِ وَقَالَ لِهَزَّالٍ : لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا
لَك } وَنُعَيْمٌ الرَّاوِي هُوَ ابْنُ هَزَّالٍ ، قِيلَ لَا صُحْبَةَ
لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ لِأَبِيهِ ، وَسَبَبُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَزَّالٍ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَغَيْرُهُ { أَنَّ هَزَّالًا أَمَرَ مَاعِزًا أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَرُوِيَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { كَانَ
مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ
الْحَيِّ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْت لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ
لَك } .
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قِصَّةِ رَجْمِهِ وَاسْمُ الَّتِي
زَنَى بِهَا مَاعِزٌ فَاطِمَةُ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَانَتْ أَمَةً
لِهَزَّالٍ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ
: { مَنْ عَلِمَ مِنْ أَخِيهِ سَيِّئَةً فَسَتَرَهَا سَتَرَ اللَّهُ
عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ عَوْرَةً فَكَأَنَّمَا أَحْيَا مَوْءُودَةً } .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ ؛
لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالِافْتِضَاحَ فِيهِمَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا
لَا يَخْفَى وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَرَّرْته فِي التَّرْجَمَةِ
حَتَّى لَا يُنَافِيَ ذَلِكَ كَلَامَ أَصْحَابِنَا ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا
: يُسْتَحَبُّ لِلزَّانِي وَكُلُّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً الْحَقُّ
فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ لَا
يُظْهِرَهَا لِيُحَدَّ أَوْ لِيُعَزَّرَ .
لِخَبَرِ الْحَاكِمِ
وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ
الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى } ، فَإِنَّ
مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ بِخِلَافِ
مَنْ قَتَلَ أَوْ قَذَفَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ
لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ لِمَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ مِنْ التَّضْيِيقِ ،
وَبِخِلَافِ التَّحَدُّثِ بِالْمَعْصِيَةِ
تَفَكُّهًا أَوْ
مُجَاهَرَةً فَإِنَّهُ حَرَامٌ قَطْعًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ
، وَكَذَا يُسَنُّ لِلشَّاهِدِ السِّتْرُ بِأَنْ يَتْرُكَ الشَّهَادَةَ
بِهَا إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً ، فَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي
الشَّهَادَةِ بِهَا شَهِدَ ، فَإِنْ لَمْ يَرَ مَصْلَحَةً فِي شَيْءٍ
فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ حُمِلَ
إطْلَاقُهُمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَدَمَ نَدْبِ تَرْكِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ
حُمِلَ نَدْبُ تَرْكِهَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهَا إيجَابُ حَدٍّ
عَلَى الْغَيْرِ ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ كَأَنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ
بِالزِّنَا فَيَأْثَمُ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ
.
وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ : مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ
الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّ مَنْ ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ يَلْزَمُهُ
أَنْ يُقِرَّ بِهِ حَتَّى يَجِدَ فِيهِ احْتِمَالًا بِنَاءً عَلَى
الْقَوْلِ الضَّعِيفِ : إنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ ،
وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ
وَإِنَّمَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ
الضَّعِيفِ فِي الظَّاهِرِ ، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَالتَّوْبَةُ
تُسْقِطُ الْمَعْصِيَةَ .
ا هـ
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ
وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : إظْهَارُ زِيِّ الصَّالِحِينَ
فِي الْمَلَأِ وَانْتِهَاكُ الْمَحَارِمِ وَلَوْ صَغَائِرَ فِي
الْخَلْوَةِ ) أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ
ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي
يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ
بَيْضَاءَ فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا .
قَالَ ثَوْبَانُ
صِفْهُمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ جَلِّهِمْ لَنَا لِئَلَّا
نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ : أَمَا إنَّهُمْ
إخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا
تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ
انْتَهَكُوهَا } .
وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ :
{ الطَّابِعُ مُعَلَّقٌ بِقَائِمَةِ عَرْشِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا
اُنْتُهِكَتْ الْحُرْمَةُ وَعُمِلَ بِالْمَعَاصِي وَاجْتُرِئَ عَلَى
اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعَثَ اللَّهُ الطَّابِعَ فَيَطْبَعُ
عَلَى قَلْبِهِ فَلَا يَعْقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ : { إنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا عَلَى
كَتِفَيْ الصِّرَاطِ - أَيْ جَانِبَيْهِ - دَارَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ
مُفَتَّحَةٌ عَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ {
وَاَللَّهُ يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وَالْأَبْوَابُ الَّتِي عَلَى كَتِفَيْ الصِّرَاطِ
حُدُودُ اللَّهِ فَلَا يَقَعُ أَحَدٌ فِي حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يُكْشَفَ
السِّتْرُ ، وَاَلَّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ عَزَّ
وَجَلَّ } .
وَرَزِينٌ : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا
مُسْتَقِيمًا وَعَنْ جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ
مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعِنْدَ رَأْسِ
الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ اسْتَقِيمُوا عَلَى الصِّرَاطِ وَلَا
تَعْوَجُّوا ، وَفَوْقَ ذَلِكَ دَاعٍ يَدْعُو كُلَّمَا هَمَّ عَبْدٌ أَنْ
يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَك لَا
تَفْتَحْهُ فَإِنَّك إنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ } .
ثُمَّ
فَسَّرَهُ فَأَخْبَرَ أَنَّ الصِّرَاطَ هُوَ الْإِسْلَامُ ، وَأَنَّ
الْأَبْوَابَ الْمُفَتَّحَةَ مَحَارِمُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَأَنَّ
السُّتُورَ الْمُرْخَاةَ حُدُودُ اللَّهِ ، وَالدَّاعِي عَلَى رَأْسِ
الصِّرَاطِ هُوَ الْقُرْآنُ ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِهِ هُوَ وَاعِظُ
اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ .
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مُخْتَصَرًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَعَلَّهُ .
وَابْنُ
مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا : { مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذِهِ
الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْت أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَ
بِيَدَيَّ وَعَدَّ خَمْسًا قَالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ
النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَك تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ،
وَأَحْسِنْ إلَى جَارِك تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا
تُحِبُّ لِنَفْسِك تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ فَإِنَّ
كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ } .
وَالْبَزَّارُ : { أَنَا
آخُذُ بِحُجَزِكُمْ أَقُولُ إيَّاكُمْ وَجَهَنَّمَ إيَّاكُمْ وَالْحُدُودَ
إيَّاكُمْ وَجَهَنَّمَ إيَّاكُمْ وَالْحُدُودَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَإِذَا
أَنَا مِتُّ تَرَكَتْكُمْ وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَمَنْ
وَرَدَ أَفْلَحَ } الْحَدِيثَ .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ
وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ دَأْبُهُ إظْهَارَ
الْحَسَنِ وَإِسْرَارَ الْقَبِيحِ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ وَإِغْوَاؤُهُ
لِلْمُسْلِمِينَ ؛ لِانْحِلَالِ رِبْقَةِ التَّقْوَى وَالْخَوْفِ مِنْ
عُنُقِهِ .
( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : الْمُدَاهَنَةُ فِي إقَامَةِ حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ )
أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ
الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلَاثِينَ صَبَاحًا } وَفِي رِوَايَةٍ :
{ إقَامَةُ حَدٍّ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ مَطَرِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { إقَامَةُ حَدٍّ بِأَرْضٍ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { إقَامَةُ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي بِلَادِ اللَّهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { يَوْمٌ مِنْ إمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ
سِتِّينَ سَنَةً ، وَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ بِحَقِّهِ أَزْكَى
فِيهَا مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ عَامًا } .
وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { أَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي الْقَرِيبِ
وَالْبَعِيدِ وَلَا تَأْخُذُكُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ } .
وَالشَّيْخَانِ
وَالْأَرْبَعَةُ : { إنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ
الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ
إلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أُسَامَةُ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ
مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ : إنَّمَا
أَهْلَكَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا
سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ
أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ
بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا } .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { مَثَلُ
الْقَائِمِ
فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالرَّاتِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا
عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ
أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا إذَا اسْتَقَوْا مِنْ
الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا
فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ، فَإِنْ
تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى
أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَسَلِمُوا جَمِيعًا } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا
هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ وَمَا قَبْلَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ
لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ، وَإِذَا سَبَقَ فِي الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ
مَا مَرَّ فَكَيْفَ بِالْحَاكِمِ إذَا تَرَكَهُ مُدَاهَنَةً أَوْ
تَسَاهُلًا .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : الزِّنَا أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ
بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ ) قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا
إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } .
وَقَالَ تَعَالَى : {
وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا
عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي
الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ
لَهُنَّ سَبِيلًا وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا
فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إنَّ اللَّهَ كَانَ
تَوَّابًا رَحِيمًا } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا
نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا } ، وَصَفَ تَعَالَى النِّكَاحَ
الَّذِي هُوَ زِنًا فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ ،
وَالزِّنَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى بِوَصْفَيْنِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ
الثَّانِيَ أَفْحَشُ وَأَقْبَحُ ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ تُشْبِهُ
الْأُمَّ فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهَا مِنْ أَفْحَشِ الْفَوَاحِشِ ، لِأَنَّ
نِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ مِنْ أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى عِنْدَ
الْجَاهِلِيَّةِ الْجُهَلَاءِ .
فَالْفَاحِشَةُ أَقْبَحُ الْمَعَاصِي ،
وَالْمَقْتُ بُغْضٌ مَقْرُونٌ بِاسْتِحْقَارٍ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ
الْفَاحِشَةِ وَهُوَ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَقِّ الْعَبْدِ
يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْخِزْيِ وَالْخَسَارِ ، وَإِنَّمَا قِيلَ فِيهِ
ذَلِكَ مَعَ قَوْله تَعَالَى : { وَسَاءَ سَبِيلًا } لِأَنَّ ذَلِكَ
قَبْلَ النَّهْيِ عَنْهُ كَانَ مُنْكَرًا فِي قُلُوبِهِمْ مَمْقُوتًا
عِنْدَهُمْ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لِوَلَدِ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَةِ
أَبِيهِ مَقِيتٌ ، وَكَانَ فِي الْعَرَبِ قَبَائِلُ اعْتَادَتْ أَنْ
يَخْلُفَ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ وَكَانَتْ هَذِهِ السِّيرَةُ
فِي الْأَنْصَارِ لَازِمَةً وَفِي قُرَيْشٍ مُبَاحَةً مَعَ التَّرَاضِي .
وَاعْلَمْ
أَنَّ مَرَاتِبَ الْقُبْحِ ثَلَاثَةٌ : عَقْلِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَعَادِيٌّ
؛ { فَاحِشَةً } إشَارَةٌ لِلْأَوَّلِ ، { وَمَقْتًا } إشَارَةٌ
لِلثَّانِي ، { وَسَاءَ سَبِيلًا } إشَارَةٌ
لِلثَّالِثِ ، وَمَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْوُجُوهُ فَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْقُبْحِ .
وَالِاسْتِثْنَاءُ
فِي " إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " قِيلَ مُنْقَطِعٌ إذْ الْمَاضِي لَا
يُجَامِعُ الِاسْتِقْبَالَ : أَيْ لَكِنْ مَا سَلَفَ فَلَا إثْمَ فِيهِ ،
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ
وَبِالِاسْتِثْنَاءِ مَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَتَعَاطَاهُ مِنْ الزِّنَا ؛
فَالْمَعْنَى وَلَا تَعْقِدُوا عَلَى مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِ آبَاؤُكُمْ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ زِنَاهُمْ فَإِنَّهُ لَا
يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ مَنْ زَنَوْا بِهِنَّ .
وَقِيلَ مُتَّصِلٌ
بِحَمْلِ النِّكَاحِ عَلَى الْوَطْءِ : أَيْ لَا تَطَئُوا مَا وَطِئَ
آبَاؤُكُمْ وَطْئًا مُبَاحًا بِالتَّرْوِيجِ إلَّا مَنْ كَانَ وَطْؤُهَا
فِيمَا مَضَى وَطْءَ زِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
وَقِيلَ ( مَا )
مَصْدَرِيَّةٌ ؛ وَالْمَعْنَى وَلَا تَنْكِحُوا مِثْلَ نِكَاحِ آبَائِكُمْ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا مَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْكُمْ مِنْ تِلْكَ
الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَمُبَاحٌ لَكُمْ الْإِقَامَةُ عَلَيْهَا فِي
الْإِسْلَامِ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ .
وَحَاصِلُ
كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ ، وَأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ إلَّا اللَّاتِي مَضَيْنَ وَفَنِينَ
وَكَوْنُ هَذَا مُحَالًا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا
يُخْرِجُهُ عَنْ الِاتِّصَالِ .
وَقِيلَ إلَّا بِمَعْنَى بَعْدَ نَحْوُ
{ إلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } وَقِيلَ { إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ }
قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ التَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ مُقَرَّرٌ عَلَيْهِ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِنَّ
مُدَّةً ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِمُفَارَقَتِهِنَّ لِيَكُونَ إخْرَاجُهُمْ عَنْ
الْعَادَةِ الرَّدِيئَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ .
وَرُدَّ
بِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَحَدًا عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةِ أَبِيهِ
مُطْلَقًا ؛ بَلْ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ : { مَرَّ بِي خَالِي
أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ ، قُلْت أَيْنَ تَذْهَبُ ؟
قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ آتِيهِ
بِرَأْسِهِ
وَآخُذُ مَالَهُ } ، وَفِي الرَّدِّ بِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ
أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِمُفَارَقَتِهِنَّ فَلَا دَلِيلَ
فِيهِ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الْمُدَّعَى .
وَأَحْسَنُ مَا يُرَدُّ بِهِ
عَلَى قَائِلِ ذَلِكَ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِإِثْبَاتِ مَا قَالَهُ مِنْ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُمْ مُدَّةً ثُمَّ
أَمَرَهُمْ بِمُفَارَقَتِهِنَّ .
وَ " كَانَ فِي " إنَّهُ كَانَ " لَا
تَدُلُّ هُنَا عَلَى الْمَاضِي فَقَطْ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى لَمْ يَزَلْ
فِي عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ مَوْصُوفًا بِهَذَا الْوَصْفِ ، قِيلَ وَهَذَا
الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَلْجَأَ الْمُبَرِّدَ إلَى ادِّعَاءِ
زِيَادَتِهَا فَمُرَادُهُ بِزِيَادَتِهَا مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا
تَدُلُّ عَلَى الْمَاضِي فَقَطْ وَإِلَّا فَشَرْطُ الزَّائِدَةِ مِنْ
عَدَمِ ذِكْرِ الْخَبَرِ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا .
وَوَجْهُ انْتِظَامِ
الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ
فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالْإِحْسَانِ إلَى النِّسَاءِ أَمَرَ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالتَّغْلِيظِ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَأْتِينَهُ مِنْ
الْفَاحِشَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ إحْسَانٌ إلَيْهِنَّ فِي الْحَقِيقَةِ ،
وَأَيْضًا فَهُوَ تَعَالَى كَمَا يَسْتَوْفِي لِخَلْقِهِ يَسْتَوْفِي
عَلَيْهِنَّ إذْ لَيْسَ فِي أَحْكَامِهِ تَعَالَى مُحَابَاةٌ ، وَأَيْضًا
فَلِئَلَّا يُجْعَلَ أَمْرُ اللَّهِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِنَّ سَبَبًا
لِتَرْكِ إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِنَّ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا
لِوُقُوعِهِنَّ فِي أَنْوَاعِ الْمَفَاسِدِ .
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
الْمُرَادَ بِالْفَاحِشَةِ هُنَا الزِّنَا كَذَا قِيلَ ، وَيُنَافِيهِ مَا
يَأْتِي عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يُعْتَدُّ
بِخِلَافِهِ ، وَأُطْلِقَتْ عَلَيْهِ لِزِيَادَتِهِ فِي الْقُبْحِ عَلَى
كَثِيرٍ مِنْ الْقَبَائِحِ .
لَا يُقَالُ الْكُفْرُ أَقْبَحُ مِنْهُ وَكَذَا الْقَتْلُ وَلَا يُسَمَّى أَحَدُهُمَا فَاحِشَةً .
لِأَنَّا
نَقُولُ مَمْنُوعٌ عَدَمُ تَسْمِيَةِ كُلٌّ مِنْهَا فَاحِشَةً وَإِنَّمَا
الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَلَمْ تَرِدْ تَسْمِيَتُهُمَا بِذَلِكَ .
وَجَوَابُهُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَسْتَقْبِحُهُ الْكَافِرُ مِنْ نَفْسِهِ
وَلَا
يَعْتَقِدُهُ قَبِيحًا بَلْ صَوَابًا وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ وَيَفْتَخِرُ
بِهِ الْقَاتِلُ وَيَعُدُّهُ شَجَاعَةً ، وَأَمَّا الزِّنَا فَكُلُّ
فَاعِلٍ لَهُ يَعْتَقِدُهُ فُحْشًا وَقَبِيحًا وَعَارًا إلَى الْغَايَةِ .
وَأَيْضًا
فَالْقُوَى الْمُدَبِّرَةُ لِقُوَى الْإِنْسَانِ ثَلَاثَةٌ نَاطِقَةٌ
وَغَضَبِيَّةٌ وَشَهْوَانِيَّةٌ ، فَفَسَادُ الْأُولَى بِالْكُفْرِ
وَالْبِدَعِ وَنَحْوِهَا ، وَالثَّانِيَةُ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ ،
وَأَخَسُّ هَذِهِ الْقُوَى الثَّلَاثَةِ الشَّهْوَانِيَّةُ فَلَا جَرَمَ
كَانَ فَسَادُهَا أَخَسَّ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ
خُصَّ هَذَا الْفِعْلُ بِاسْمِ الْفَاحِشَةِ .
" وَمِنْكُمْ " أَيْ
الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا جَعَلَ تَعَالَى الشَّهَادَةَ عَلَى الزِّنَا
أَرْبَعَةً دُونَ غَيْرِهِ تَغْلِيظًا عَلَى الْمُدَّعِي وَسِتْرًا عَلَى
الْعِبَادِ ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ
أَيْضًا كَذَلِكَ .
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { جَاءَتْ
الْيَهُودُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلٍ مِنْكُمْ فَأَتَوْهُ بِاثْنَيْنِ
فَنَشَدَهُمَا كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ ؟
قَالَا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا
ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا ،
قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَرْجُمُوهُمَا ؟ قَالَ ذَهَبَ
سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّهُودِ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا
ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ ، فَأَمَرَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِهِمَا } .
وَقَالَ قَوْمٌ :
إنَّمَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةً لِيَكُونَ عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ الزَّانِيَيْنِ شَاهِدَانِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ إذْ هُوَ
حَقٌّ يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا .
وَرُدَّ بِأَنَّ الْيَمِينَ لَا مَدْخَلَ لَهَا هُنَا فَلَيْسَ هُوَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ .
قَالَ جُمْهُورُ
الْمُفَسِّرِينَ : وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نُسِبَتْ إلَى الزِّنَا .
فَإِنْ
شَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ أَحْرَارٍ عُدُولٍ أَنَّهَا زَنَتْ
أُمْسِكَتْ فِي بَيْتٍ مَحْبُوسَةً إلَى أَنْ تَمُوتَ ، أَوْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لَهَا سَبِيلًا .
وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ : الْمُرَادُ مِنْ الْفَاحِشَةِ هُنَا السِّحَاقُ وَحَدُّ فَاعِلَتِهِ الْحَبْسُ إلَى الْمَوْتِ .
وَمِنْ
قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ } أَهْلُ
اللِّوَاطِ وَحَدُّهُمَا الْأَذَى بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ .
وَالْمُرَادُ
بِآيَةِ النُّورِ الزِّنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَحَدُّهُ فِي
الْبِكْرِ الْجَلْدُ ، وَفِي الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ .
وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّاتِي لِلنِّسَاءِ وَاَللَّذَانِ لِلْمُذَكَّرَيْنِ .
وَلَا
يُقَالُ غَلَّبَ الْمُذَكَّرَ ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ النِّسَاءِ مِنْ قَبْلُ
يَرُدُّ ذَلِكَ ، وَبِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا نَسْخَ فِي شَيْءٍ مِنْ
الْآيَاتِ ، وَعَلَى خِلَافِهِ يَلْزَمُ النَّسْخُ فِي هَاتَيْنِ
الْآيَتَيْنِ وَالنَّسْخُ خِلَافُ الْأَصْلِ ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى
خِلَافِهِ أَيْضًا تَكْرِيرُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي الْمَحَلِّ
الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ وَأَنَّهُ قَبِيحٌ ، وَبِأَنَّ الْقَائِلِينَ
بِأَنَّ هَذِهِ فِي الزِّنَا فَسَّرُوا السَّبِيلَ بِالْجَلْدِ
وَالتَّغْرِيبِ وَالرَّجْمِ ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَيْهِنَّ لَا
لَهُنَّ .
وَأَمَّا نَحْنُ فَنُفَسِّرُ بِتَسْهِيلِ اللَّهِ لَهَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ بِطَرِيقِ النِّكَاحِ .
قَالَ
: وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { إذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ ، وَإِذَا
أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَهُمَا زَانِيَتَانِ } وَرَدُّوا
عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي
الْمُفَسِّرِينَ ، وَبِأَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثٍ تَفْسِيرُ السَّبِيلِ
بِرَجْمِ الثَّيِّبِ وَجَلْدِ الْبِكْرِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ
فِي حَقِّ الزِّنَا .
وَبِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ
اللِّوَاطِ وَلَمْ يَتَمَسَّكْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ ،
فَعَدَمُ تَمَسُّكِهِمْ بِهَا مَعَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ إلَى
نَصٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ فِي اللِّوَاطِ .
وَأَجَابَ
أَبُو مُسْلِمٍ بِأَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ بِذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ
مُتَقَدِّمِي الْمُفَسِّرِينَ وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ
أَنَّ اسْتِنْبَاطَ تَأْوِيلٍ جَدِيدٍ فِي الْآيَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ
الْمُفَسِّرُونَ جَائِزٌ ، وَبِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُفْضِي إلَى نَسْخِ
الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ ، وَبِأَنَّ مَطْلُوبَ
الصَّحَابَةِ أَنَّهُ هَلْ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى اللُّوطِيِّ وَلَيْسَ
فِي الْآيَةِ ذَلِكَ فَلَمْ يَرْجِعُوا إلَيْهَا .
وَيُرَدُّ بِأَنَّ
الَّذِي يَأْتِي عَنْ مُجَاهِدٍ خِلَافُ ذَلِكَ وَبِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ
فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا
هُوَ فِي الدَّلَالَةِ وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ فِيهِمَا ، عَلَى أَنَّهُ
سَيَأْتِي أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا نَسْخَ فِي ذَلِكَ ، وَزَعْمُهُ
أَنَّ تَفْسِيرَ السَّبِيلِ بِالْجَلْدِ أَوْ الرَّجْمِ عَلَيْهَا لَا
لَهَا مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَ
السَّبِيلَ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ ، فَقَالَ : { خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ
اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ
وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ
وَتَغْرِيبُ عَامٍ } .
وَبَعْدَ أَنْ فَسَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ السَّبِيلَ بِذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُهُ عَلَى أَنَّ وَجْهَهُ
ظَاهِرٌ لُغَةً أَيْضًا لِأَنَّ الْمَخْلَصَ مِنْ الشَّيْءِ سَبِيلٌ لَهُ
سَوَاءٌ كَانَ أَخَفَّ أَمْ أَثْقَلَ .
وَالْمُرَادُ بِنِسَائِكُمْ فِيهَا الزَّوْجَاتُ وَقِيلَ الثَّيِّبَاتُ .
وَحِكْمَةُ إيجَابِ الْحَبْسِ أَوَّلًا أَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تَقَعُ فِي الزِّنَا عِنْدَ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ .
فَإِذَا حُبِسَتْ فِي الْبَيْتِ .
لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الزِّنَا .
قَالَ
عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ : كَانَ هَذَا فِي
ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حَتَّى نُسِخَ بِالْأَذَى الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ
نُسِخَ ذَلِكَ بِالرَّجْمِ فِي الثَّيِّبِ .
وَقِيلَ كَانَ الْإِيذَاءُ أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ بِالْإِمْسَاكِ وَلَكِنْ
التِّلَاوَةُ أُخِّرَتْ .
قَالَ
ابْنُ فُورَكٍ : وَهَذَا الْإِمْسَاكُ وَالْحَبْسُ فِي الْبُيُوتِ كَانَ
فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَكْثُرَ الْخَنَا فَلَمَّا كَثُرُوا
وَخُشِيَ قُوَّتُهُمْ اُتُّخِذَ لَهُمْ سِجْنٌ .
وَمَعْنَى {
يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ } يَأْخُذُهُنَّ أَوْ يَتَوَفَّاهُنَّ
مَلَائِكَتُهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ
الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ } وَأَوْ فِي ( أَوْ يَجْعَلَ ) إمَّا
عَاطِفَةٌ فَالْجَعْلُ غَايَةٌ لِإِمْسَاكِهِنَّ أَيْضًا ، أَوْ بِمَعْنَى
إلَّا فَلَيْسَ غَايَةً .
وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ :
أَنَّهُ جَلَدَ سُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ مِائَةً ،
ثُمَّ رَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ : جَلَدْتهَا بِكِتَابِ
اللَّهِ ، وَرَجَمْتهمَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ .
وَعَامَّةُ
الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ يَدْخُلُ فِي الرَّجْمِ { لِأَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ
وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا .
وَقَالَ لِأُنَيْسٍ : امْضِ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْجَلْدِ } .
وَعِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ التَّغْرِيبَ مَنْسُوخٌ
فِي حَقِّ الْبِكْرِ ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ثُبُوتِهِ لِأَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ ، وَكَذَا أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَبْسِ فِي الْبَيْتِ ، فَقِيلَ كَانَ تَوَعُّدًا بِالْحَدِّ لَا حَدًّا .
وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ : إنَّهُ حَدٌّ ، زَادَ ابْنُ زَيْدٍ
وَأَنَّهُنَّ مُنِعْنَ مِنْ النِّكَاحِ حَتَّى يَمُتْنَ عُقُوبَةً لَهُنَّ
حِينَ طَلَبْنَ النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ كَانَ حَدًّا بَلْ أَشَدُّ غَيْرَ أَنَّهُ حَدٌّ إلَى غَايَةٍ
هِيَ الْأَذَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى عَلَى اخْتِلَافِ التَّأْوِيلَيْنِ
السَّابِقَيْنِ ، وَكِلَاهُمَا مَمْدُودٌ إلَى غَايَةٍ هِيَ الْجَلْدُ
أَوْ الرَّجْمُ كَمَا بَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ : { خُذُوا عَنِّي } إلَخْ .
وَحِينَئِذٍ فَلَا نَسْخَ فِي الْآيَةِ عِنْدَ
الْمُحَقِّقِينَ
مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهَا عَلَى حَدِّ { ثُمَّ أَتِمُّوا
الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } فِيهِ يَرْتَفِعُ حُكْمُ الصِّيَامِ
لِانْتِهَاءِ غَايَتِهِ لَا نَسْخُهُ .
وَأَيْضًا فَشَرْطُ النَّسْخِ
تَعَذُّرُ الْجَمْعِ ، وَهُنَا الْجَمْعُ مُمْكِنٌ بَيْنَ الْحَبْسِ
وَالتَّغْرِيبِ وَالْجَلْدِ أَوْ الرَّجْمِ كَمَا تَقَرَّرَ ، فَإِطْلَاقُ
الْمُتَقَدِّمِينَ النَّسْخَ هُنَا تَجَوُّزٌ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ :
الْأَذَى وَالتَّغْرِيبُ بَاقِيَانِ مَعَ الْجَلْدِ لِأَنَّهُمَا لَا
يَتَعَارَضَانِ بَلْ يُحْمَلَانِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ .
وَأَمَّا الْحَبْسُ فَمَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ : أَيْ عَلَى مَا فِيهِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا تَقَرَّرَ .
وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ تَكْرِيرِ اللَّذَانِ إلَخْ .
فَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الْأُولَى فِي النِّسَاءِ وَهَذِهِ فِي الرِّجَالِ ، وَخُصَّ
الْإِيذَاءُ بِهِمْ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تَقَعُ فِي الزِّنَا
عِنْدَ الْخُرُوجِ غَالِبًا فَبِحَبْسِهَا تَنْقَطِعُ مَادَّةُ ذَلِكَ ،
وَالرَّجُلُ يَتَعَذَّرُ حَبْسُهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَى الْخُرُوجِ
لِإِصْلَاحِ مَعَاشِهِ .
وَقِيلَ كَانَ الْإِيذَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالْحَبْسُ مُخْتَصًّا بِالْمَرْأَةِ .
وَقَالَ السُّدِّيُّ : هَذِهِ فِي الْبِكْرِ مِنْهُمَا وَالْأُولَى فِي الثَّيِّبِ .
قَالَ
عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ : فَآذُوهُمَا عَيِّرُوهُمَا بِاللِّسَانِ أَمَا
خِفْت اللَّهَ وَنَحْوُهُ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ : سَبُّوهُمَا
وَاشْتُمُوهُمَا ، وَقِيلَ قُولُوا لَهُمَا فَجَرْتُمَا وَفَسَقْتُمَا .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : آذُوهُمَا بِالتَّعْيِيرِ وَاضْرِبُوهُمَا بِالنِّعَالِ .
وَقَالَ
تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا
يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا
يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ
الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إلَّا مَنْ
تَابَ } سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرُوا
مِنْ الْقَتْلِ وَالزِّنَا ، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ مَا تَدْعُو إلَيْهِ
حَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَاهُ كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ
وَنَزَلَ : { قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } .
{
وَجَاءَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ
أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ، قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ
خَلَقَك ، قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ ، قَالَ ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ أَنْ
تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك ، قَالَ ثُمَّ أَيٌّ ؟
قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِك } فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
تَصْدِيقَ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ .
وَسَيَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُوَافِقُهُ .
وَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا ذُكِرَ فَلِذَلِكَ حَدٌّ .
وَالْأَثَامُ
: الْعُقُوبَةُ ، وَقِيلَ الْإِثْمُ نَفْسُهُ ؟ أَيْ مُلَاقٍ جَزَاءَ
إثْمٍ ، وَقَالَ الْحَسَنُ : هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ اسْمُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ : وَقِيلَ بِئْرٌ فِيهَا .
وَيُضَاعَفُ
وَيَخْلُدُ بِالرَّفْعِ حَالًا أَوْ اسْتِئْنَافًا وَبِالْجَزْمِ بَدَلٌ
مِنْ يَلْقَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَمُهَانًا مِنْ أَهَانَهُ أَذَلَّهُ
وَأَذَاقَهُ الْهَوَانَ .
وَفِيهِ أَيْ الْعَذَابِ أَوْ التَّعْذِيبِ
أَوْ تَضْعِيفِهِ ، وَسَبَبُ هَذَا التَّضْعِيفِ أَنَّ الْمُشْرِكَ ضَمَّ
تِلْكَ الْمَعَاصِيَ إلَى شِرْكِهِ فَعُوقِبَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا .
وَقَالَ
تَعَالَى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي
دِينِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } الْجَلْدُ
الضَّرْبُ وَأُوثِرَ لِيُفْهَمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَنْ يُبَرِّحَ
وَلَا يَبْلُغَ اللَّحْمَ ، وَالرَّأْفَةُ الرَّحْمَةُ وَالرِّقَّةُ .
وَسَبَبُ
النَّهْيِ ارْتِكَابُ فَاعِلِهِ لِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ الْفَاحِشَةِ بَلْ
هِيَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْقَتْلِ كَمَا يَأْتِي ، وَمِنْ
ثَمَّ قَرَنَهُ تَعَالَى بِالشِّرْكِ وَالْقَتْلِ فِي الْآيَةِ
السَّابِقَةِ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا
مَعْشَرَ النَّاسِ اتَّقُوا الزِّنَا فَإِنَّ فِيهِ سِتَّ خِصَالٍ ثَلَاثٌ
فِي الدُّنْيَا وَثَلَاثٌ
فِي الْآخِرَةِ ، أَمَّا الَّتِي فِي
الدُّنْيَا : فَيُذْهِبُ الْبَهَاءَ وَيُورِثُ الْفَقْرَ وَيَنْقُصُ
الْعُمُرَ ؛ وَأَمَّا الَّتِي فِي الْآخِرَةِ فَسَخَطُ اللَّهِ وَسُوءُ
الْحِسَابِ وَعَذَابُ النَّارِ } ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ
أَئِمَّةِ عَصْرِهِ { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ }
فَتُعَطِّلُوا الْحُدُودَ وَلَا تُقِيمُوهَا ، وَقِيلَ إنَّهُ نَهَى عَنْ
التَّخْفِيفِ وَأَمَرَ بِأَنْ يُوجِعَا ضَرْبًا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ
الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ ؛ وَمَعْنَى { فِي دِينِ اللَّهِ } فِي حُكْمِهِ
.
جَلَدَ ابْنُ عُمَرَ أَمَةً لَهُ زَنَتْ فَقَالَ لِلْجَلَّادِ
اضْرِبْ ظَهْرَهَا وَرِجْلَيْهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ : { وَلَا
تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } فَقَالَ يَا بُنَيَّ
إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْنِي بِقَتْلِهَا وَقَدْ ضَرَبْت
فَأَوْجَعْت .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَئِمَّتُنَا يَضْرِبُ هُنَا وَفِي
بَقِيَّةِ الْحُدُودِ بِسَوْطٍ مُعْتَدِلٍ لَا حَدِيدٍ يَجْرَحُ وَلَا
خَلَقٍ لَا يُؤْلِمُ وَلَا يُمَدُّ وَلَا يُرْبَطُ بَلْ يُتْرَكُ وَإِنْ
اتَّقَى بِيَدَيْهِ ، وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا وَلَا يُجَرِّدُ
إلَّا مِمَّا يَمْنَعُ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ
جَالِسَةً وَتُرْبَطُ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا حَتَّى لَا يَبْدُوَ مِنْهَا
شَيْءٌ ، وَتُفَرَّقُ السِّيَاطُ عَلَى أَعْضَائِهِ وَلَا يَجْمَعُهَا فِي
مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَتَتَّقِي الْمَهَالِكَ كَالْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ
وَالْبَطْنِ وَالْفَرْجِ .
وَاخْتُلِفَ فِي الطَّائِفَةِ هُنَا :
فَقِيلَ وَاحِدٌ وَقِيلَ اثْنَانِ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ أَرْبَعَةٌ عَدَدُ شُهُودِ الزِّنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ
عَشَرَةٌ ، وَظَاهِرُ " وَلْيَشْهَدْ " وُجُوبُ الْحُضُورِ ، وَلَمْ
يَقُلْ بِهِ الْفُقَهَاءُ بَلْ حَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ ؛ لِأَنَّ
الْقَصْدَ إعْلَانُ إقَامَةِ الْحَدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّدْعِ ،
وَدَفْعِ التُّهْمَةِ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالطَّائِفَةِ الشُّهُودُ
يُسْتَحَبُّ حُضُورُهُمْ لِيُعْلَمَ بَقَاؤُهُمْ عَلَى الشَّهَادَةِ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنْ ثَبَتَ الزِّنَا
بِالْبَيِّنَةِ لَزِمَ الشُّهُودَ أَنْ يَبْدَءُوا بِالرَّمْيِ ثُمَّ
الْإِمَامُ
ثُمَّ النَّاسُ ، أَوْ بِالْإِقْرَارِ بَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ .
وَاحْتَجَّ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ وَلَمْ
يَحْضُرْ } ، ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَلْدِ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ
أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ ، وَأَمَّا الْمُحْصَنُ وَهُوَ الْحُرُّ
الْمُكَلَّفُ الَّذِي وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ مَرَّةً فِي
عُمُرِهِ فَحَدُّهُ الرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ .
قَالَ
الْعُلَمَاءُ : وَمَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَلَا تَوْبَةٍ عُذِّبَ
فِي النَّارِ بِسِيَاطٍ مِنْ نَارٍ ، كَمَا وَرَدَ أَنَّ فِي الزَّبُورِ
مَكْتُوبًا : أَنَّ الزُّنَاةَ يُعَلَّقُونَ بِفُرُوجِهِمْ فِي النَّارِ
وَيُضْرَبُونَ عَلَيْهَا بِسِيَاطٍ مِنْ حَدِيدٍ فَإِذَا اسْتَغَاثَ
أَحَدُهُمْ مِنْ الضَّرْبِ نَادَتْهُ الزَّبَانِيَةُ أَيْنَ كَانَ هَذَا
الصَّوْتُ وَأَنْتَ تَضْحَكُ وَتَفْرَحُ وَتَمْرَحُ وَلَا تُرَاقِبُ
اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا وَلَا تَسْتَحِي مِنْهُ .
وَجَاءَ فِي السُّنَّةِ تَغْلِيظٌ عَظِيمٌ فِي الزَّانِي لَا سِيَّمَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَاَلَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا .
أَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ فِي التَّفْسِيرِ وَالْأَدَبِ وَالتَّوْحِيدِ وَالدِّيَاتِ
وَالْمُحَارِبِينَ ، وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : { سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ قَالَ أَنْ
تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك : قُلْت إنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ ،
قُلْت ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ
يَطْعَمَ مَعَك ، قُلْت ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ
جَارِك } .
زَادَ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ : {
وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهَا
مُهَانًا إلَّا مَنْ تَابَ }
الْحَلِيلَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ : الزَّوْجَةُ } .
وَمُسْلِمٌ
وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ
- أَيْ فَقِيرٌ - مُسْتَكْبِرٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى الشَّيْخِ الزَّانِي وَلَا إلَى الْعَجُوزِ الزَّانِيَةِ } .
وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمْ اللَّهُ :
الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ، وَالشَّيْخُ
الزَّانِي ، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ } .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الشَّيْخُ الزَّانِي
، وَالْإِمَامُ الْكَذَّابُ ، وَالْعَائِلُ الْمَزْهُوُّ } .
وَفِي
حَدِيثٍ صَحِيحٍ : { الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمْ اللَّهُ :
الشَّيْخُ الزَّانِي ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا ابْنَ
لَهِيعَةَ ، وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ : { لَا يَنْظُرُ
اللَّهُ إلَى الْأُشَيْمِطِ الزَّانِي ، وَالْعَائِلِ الْمَزْهُوِّ } .
وَالْأُشَيْمِطُ تَصْغِيرُ أَشْمَطَ : وَهُوَ مَنْ اخْتَلَطَ شَعْرُ رَأْسِهِ الْأَسْوَدُ بِالْأَبْيَضِ .
وَالشَّيْخَانِ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { لَا يَزْنِي
الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ
حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ
يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، زَادَ النَّسَائِيُّ : { فَإِذَا فَعَلَ
ذَلِكَ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ فَإِنْ تَابَ
تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
وَالْبَزَّارُ : { لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، الْإِيمَانُ
أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ } .
وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ
يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَّا
بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ
، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ
أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَّا
فِي إحْدَى ثَلَاثٍ : زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ ،
وَرَجُلٍ خَرَجَ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ
يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنْ الْأَرْضِ ، أَوْ يَقْتُلُ نَفْسًا فَيُقْتَلُ
بِهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ : {
يَا بَغَايَا الْعَرَبِ إنَّ مِنْ أَخْوَفِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ
الزِّنَا وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ } ، وَضَبَطَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ
بِالرَّاءِ وَالتَّحْتِيَّةِ .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ
وَاللَّفْظُ لَهُ : { تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ
فَيُنَادِي مُنَادٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابُ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ
سَائِلٍ فَيُعْطَى ؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجُ عَنْهُ ؟ فَلَا
يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو دَعْوَةً إلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ لَهُ إلَّا زَانِيَةً تَسْعَى بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارًا } .
وَأَحْمَدُ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ : { إنَّ اللَّهَ يَدْنُو مِنْ
خَلْقِهِ - أَيْ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ - فَيَغْفِرُ لِمَنْ
يَسْتَغْفِرُ إلَّا لِبَغِيٍّ بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ الزُّنَاةَ تَشْتَعِلُ وُجُوهُهُمْ نَارًا } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { الزِّنَا يُورِثُ الْفَقْرَ } .
وَالْبُخَارِيُّ
وَتَقَدَّمَ بِطُولِهِ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ : { رَأَيْت اللَّيْلَةَ
رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ : فَانْطَلَقْنَا إلَى نَقْبٍ مِثْلِ
التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ
نَارٌ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا
وَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا ، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ }
الْحَدِيثَ .
وَفِي رِوَايَةٍ { فَانْطَلَقْنَا إلَى مِثْلِ
التَّنُّورِ ، قَالَ فَأَحْسَبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ
لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ
وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ
لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا - أَيْ صَاحُوا } الْحَدِيثَ .
وَفِي
آخِرِهِ : { وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ هُمْ
فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي } .
وَابْنَا
خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَلَا
عِلَّةَ لَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { بَيْنَمَا
أَنَا نَائِمٌ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ فَأَتَيَا بِي
جَبَلًا وَعْرًا ، فَقَالَا اصْعَدْ ، فَقُلْت إنِّي لَا أُطِيقُهُ
فَقَالَا إنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَك فَصَعِدْت حَتَّى إذَا كُنْت فِي
سَوَاءِ الْجَبَلِ فَإِذَا أَنَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ ، فَقُلْت مَا
هَذِهِ الْأَصْوَاتُ ؟ قَالُوا هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ ، ثُمَّ
انْطَلَقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ
مُشَقَّقَةً أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا ، قَالَ : قُلْت
مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قِيلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ
صَوْمِهِمْ ، فَقَالَ خَابَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى } قَالَ سُلَيْمٌ
: مَا أَدْرِي أَسَمِعَهُ أَبُو أُمَامَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ شَيْءٌ مِنْ رَأْيِهِ { ثُمَّ انْطَلَقَ
بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ أَشَدُّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا وَأَنْتَنُ رِيحًا
وَأَسْوَأُ مَنْظَرًا ، فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَقَالَ هَؤُلَاءِ
قَتْلَى الْكُفَّارِ ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ
أَشَدُّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا وَأَنْتَنُهُ رِيحًا كَأَنَّ رِيحَهُمْ
الْمَرَاحِيضُ ، قُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الزَّانُونَ
وَالزَّوَانِي ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ تَنْهَشُ
ثَدْيَهُنَّ الْحَيَّاتُ ، قُلْت مَا بَالُ هَؤُلَاءِ ؟ قِيلَ هَؤُلَاءِ
يَمْنَعْنَ أَوْلَادَهُنَّ أَلْبَانَهُنَّ ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي فَإِذَا
أَنَا بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ بَيْنَ نَهْرَيْنِ ، قُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ
؟ قِيلَ هَؤُلَاءِ ذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ شَرَفَ بِي شَرَفًا
فَإِذَا أَنَا بِثَلَاثَةٍ يَشْرَبُونَ مِنْ خَمْرٍ لَهُمْ ، قُلْت مَنْ
هَؤُلَاءِ ؟
قَالَ هَؤُلَاءِ جَعْفَرٌ وَزَيْدٌ وَابْنُ رَوَاحَةَ
ثُمَّ شَرَفَ بِي شَرَفًا آخَرَ فَإِذَا أَنَا بِنَفَرٍ ثَلَاثَةٍ ، قُلْت
مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ هَذَا إبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَهُمْ
يَنْتَظِرُونَك } .
وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ : { إذَا زَنَى الرَّجُلُ أُخْرِجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ
وَكَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا أَقْلَعَ رَجَعَ إلَيْهِ
الْإِيمَانُ } .
وَالْحَاكِمُ : { مَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ
نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ الْإِيمَانَ كَمَا يَخْلَعُ الْإِنْسَانُ
الْقَمِيصَ مِنْ رَأْسِهِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { إنَّ الْإِيمَانَ
سِرْبَالٌ يُسَرْبِلُهُ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ فَإِذَا زَنَى الْعَبْدُ
نُزِعَ مِنْهُ سِرْبَالُ الْإِيمَانِ فَإِنْ تَابَ رُدَّ عَلَيْهِ } .
وَرَزِينٌ
: { أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ
شَرِبَ ، فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ
حُدُودِ اللَّهِ فَمَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا
فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ
نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا
آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } ،
وَقَالَ : قُرِنَ الزِّنَا مَعَ الشِّرْكِ .
وَقَالَ : لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ } .
وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: { تَعَبَّدَ عَابِدٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَعَبَدَ اللَّهَ فِي
صَوْمَعَتِهِ سِتِّينَ عَامًا فَأَمْطَرَتْ الْأَرْضُ فَاخْضَرَّتْ
فَأَشْرَفَ الرَّاهِبُ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَقَالَ لَوْ نَزَلْت فَذَكَرْت
اللَّهَ فَازْدَدْت خَيْرًا ، فَنَزَلَ وَمَعَهُ رَغِيفٌ أَوْ رَغِيفَانِ
فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الْأَرْضِ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ فَلَمْ يَزَلْ
يُكَلِّمُهَا وَتُكَلِّمُهُ حَتَّى غَشِيَهَا ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ
فَنَزَلَ الْغَدِيرَ لِيَسْتَحِمَّ فَجَاءَ سَائِلٌ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ
أَنْ يَأْخُذَ الرَّغِيفَيْنِ ، ثُمَّ مَاتَ
فَوُزِنَتْ عِبَادَةُ
سِتِّينَ سَنَةً بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ فَرَجَحَتْ الزَّنْيَةُ
بِحَسَنَاتِهِ ، ثُمَّ وُضِعَ الرَّغِيفُ أَوْ الرَّغِيفَانِ مَعَ
حَسَنَاتِهِ فَرَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ فَغُفِرَ لَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
مِنْ رِوَايَةِ الصَّبَّاحِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ
نَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرُوَاتُهُ إلَى الصَّبَّاحِ ثِقَاتٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِسْكِينٌ
مُسْتَكْبِرٌ وَلَا شَيْخٌ زَانٍ وَلَا مَنَّانٌ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِهِ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ فَقَالَ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ : إيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ
رِيحَ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَاَللَّهِ لَا
يَجِدُهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ زَانٍ وَلَا جَارٍّ
إزَارَهُ خُيَلَاءَ إنَّمَا الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
.
وَالْبَزَّارُ : { إنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ
السَّبْعَ لَيَلْعَنَّ الشَّيْخَ الزَّانِيَ وَإِنَّ فُرُوجَ الزُّنَاةِ
لَيُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ نَتَنُ رِيحِهَا } .
وَابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا وَالْخَرَائِطِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ
وَجْهَهُ قَالَ : { إنَّ النَّاسَ يُرْسَلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ فَيَتَأَذَّى مِنْهَا كُلُّ بَرٍّ
وَفَاجِرٍ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ نَادَاهُمْ
مُنَادٍ يُسْمِعُهُمْ الصَّوْتَ وَيَقُولُ لَهُمْ : هَلْ تَدْرُونَ هَذِهِ
الرِّيحَ الَّتِي قَدْ آذَتْكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ لَا نَدْرِي وَاَللَّهِ
أَلَا إنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مِنَّا كُلَّ مَبْلَغٍ ، فَيُقَالُ أَلَا
إنَّهَا رِيحُ فُرُوجِ الزُّنَاةِ الَّذِينَ لَقُوا اللَّهَ بِزِنَاهُمْ
وَلَمْ يَتُوبُوا مِنْهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ عِنْدَ
الصَّرْفِ بِهِمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا وَسَيَأْتِي فِي شُرْبِ الْخَمْرِ
حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَفِيهِ : وَمَنْ مَاتَ مُدْمِنَ الْخَمْرِ سَقَاهُ
اللَّهُ مِنْ
نَهْرِ الْغَوْطَةِ ، قِيلَ وَمَا نَهْرُ الْغَوْطَةِ
؟ قَالَ نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ الْمُومِسَاتِ - يَعْنِي
الزَّانِيَاتِ - يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِمْ } .
وَالْخَرَائِطِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْمُقِيمُ عَلَى الزِّنَا كَعَابِدِ وَثَنٍ } .
وَيُؤَيِّدُهُ
مَا صَحَّ أَنَّ مُدْمِنَ الْخَمْرِ إذَا مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ
وَثَنٍ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الزِّنَا أَشَدُّ وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ
مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَمَّا عُرِجَ بِي
مَرَرْت بِرِجَالٍ تُقْرَضُ جُلُودُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ ،
فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ الَّذِينَ يَتَزَيَّنُونَ
لِلزِّينَةِ ، قَالَ ثُمَّ مَرَرْت بِجُبٍّ مُنْتِنِ الرِّيحِ فَسَمِعْت
فِيهِ أَصْوَاتًا شَدِيدَةً ، فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟
قَالَ نِسَاءٌ كُنَّ يَتَزَيَّنَّ لِلزِّينَةِ وَيَفْعَلْنَ مَا لَا
يَحِلُّ لَهُنَّ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ { لَا تَزَالُ
أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ الزِّنَا فَإِذَا فَشَا
فِيهِمْ الزِّنَا فَأَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ } .
وَأَبُو يَعْلَى : { لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مُتَمَاسِكٌ أَمْرُهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا } .
وَالْبَزَّارُ : { إذَا ظَهَرَ الزِّنَا ظَهَرَ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ } .
وَأَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الزِّنَا وَالرِّبَا إلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ اللَّهِ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ
الْمُلَاعَنَةِ : أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ
مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ
جَنَّتَهُ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ
احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ
الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : {
مَا
تَقُولُونَ فِي الزِّنَا ؟ قَالُوا حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
، فَهُوَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشَرَةِ
نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ } .
وَابْنُ
أَبِي الدُّنْيَا وَالْخَرَائِطِيُّ وَغَيْرُهُمَا : { الزَّانِي
بِحَلِيلَةِ جَارِهِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلَا يُزَكِّيهِ وَيَقُولُ لَهُ اُدْخُلْ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ : { مَنْ قَعَدَ عَلَى فِرَاشِ مُغِيبَةٍ }
- أَيْ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَوْ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ مَنْ غَابَ عَنْهَا
زَوْجُهَا - { قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ ثُعْبَانًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { مَثَلُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِ
الْمُغِيبَةِ مَثَلُ الَّذِي يَنْهَشُهُ أَسْوَدُ مِنْ أَسَاوِدِ } أَيْ
حَيَّاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَمُسْلِمٌ : { حُرْمَةُ نِسَاءِ
الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ ، مَا
مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنْ الْمُجَاهِدِينَ
فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إلَّا وَقَفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَيَأْخُذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شَاءَ حَتَّى يَرْضَى ثُمَّ الْتَفَتَ
إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
فَمَا ظَنُّكُمْ ؟ } وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ :
{ إلَّا نُصِّبَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقِيلَ هَذَا خَلَفُك فِي
أَهْلِك فَخُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْت } وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ
كَأَبِي دَاوُد وَزَادَ : { أَتَرَوْنَهُ يَدَعُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ
شَيْئًا ؟ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الزِّنَا هُوَ مَا أَجْمَعُوا
عَلَيْهِ بَلْ مَرَّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ بِحَلِيلَةِ
الْجَارِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ، وَقِيلَ الزِّنَا مُطْلَقًا
أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ ، فَهُوَ الَّذِي يَلِي الشِّرْكَ وَالْأَصَحُّ
أَنَّ الَّذِي يَلِي الشِّرْكَ هُوَ الْقَتْلُ ثُمَّ الزِّنَا ؛
وَأَفْحَشُ أَنْوَاعِهِ الزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ ، قَالَ فِي
الْإِحْيَاءِ : وَالزِّنَا أَكْبَرُ مِنْ اللِّوَاطِ ، لِأَنَّ
الشَّهْوَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ
وَيَعْظُمُ الضَّرَرُ بِكَثْرَتِهِ أَيْ وَلِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ
عَلَيْهَا اخْتِلَاطُ الْأَنْسَابِ وَقَدْ يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي أَنَّ
حَدَّهُ أَغْلَظُ بِدَلِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ
بِرَجْمِ اللُّوطِيِّ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ بِخِلَافِ الزَّانِي ،
وَبِدَلِيلِ مَا يَأْتِي أَيْضًا أَنَّ جَمَاعَةً آخَرِينَ شَدَّدُوا فِي
حَدِّ اللُّوطِيِّ مَا لَمْ يُشَدِّدُوا بِهِ فِي حَدِّ الزِّنَا ، وَقَدْ
يُجَابُ بِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَزِيَّةٌ وَفِيهِ مَا
فِيهِ ، وَلِلْحَلِيمِيِّ كَلَامٌ هُنَا مَرَّ عَنْهُ نَظَائِرُهُ ،
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيٍ لَهُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى خِلَافِهِ .
وَعِبَارَةُ
مِنْهَاجِهِ : وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ بِحَلِيلَةِ الْجَارِ
أَوْ بِذَاتِ رَحِمٍ أَوْ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَكِنْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ
أَوْ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ ؛ وَأَمَّا دُونَ
الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ فَإِنَّهُ مِنْ الصَّغَائِرِ فَإِنْ كَانَ
مَعَ امْرَأَةِ الْأَبِ أَوْ حَلِيلَةِ الِابْنِ أَوْ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ
عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْإِكْرَاهِ كَانَ كَبِيرَةً انْتَهَتْ .
وَرَدَّهُ
الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الزِّنَا فَاحِشَةٌ مُطْلَقًا كَمَا أَفَادَهُ
قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً }
فَقَصْرُهُ تَسْمِيَتَهُ فَاحِشَةً عَلَى الزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ
وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهُ مَمْنُوعٌ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا أُمُورًا
عُهْدَتُهَا عَلَيْهِ ، وَهِيَ عَنْ عَطَاءٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله
تَعَالَى عَنْ جَهَنَّمَ : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } أَشَدُّ تِلْكَ
الْأَبْوَابِ غَمًّا وَكَرْبًا
وَحَرًّا وَأَنْتَنُهَا رِيحًا لِلزُّنَاةِ .
وَعَنْ
مَكْحُولٍ قَالَ : يَجِدُ أَهْلُ النَّارِ رَائِحَةً مُنْتِنَةً ،
فَيَقُولُونَ مَا وَجَدْنَا أَنْتَنَ مِنْ هَذِهِ الرَّائِحَةِ ،
فَيُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ رِيحُ فُرُوجِ الزُّنَاةِ .
وَقَالَ ابْنُ
زَيْدٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ : إنَّهُ لَيُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ
رِيحُ فُرُوجِ الزُّنَاةِ ، فَفِي الْعَشْرِ الْآيَاتِ الَّتِي كَتَبَهَا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ
الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ : وَلَا تَسْرِقْ وَلَا تَزْنِ فَأَحْجُبْ
وَجْهِي عَنْك فَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لِنَجِيِّهِ مُوسَى صَلَّى
اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ ؟ .
وَجَاءَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ إبْلِيسَ
يَبُثُّ جُنُودَهُ فِي الْأَرْضِ وَيَقُولُ لَهُمْ أَيُّكُمْ أَضَلَّ
مُسْلِمًا أُلْبِسُهُ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ فَأَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً
أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ مَنْزِلَةً ، فَيَجِيءُ إلَيْهِ أَحَدُهُمْ
فَيَقُولُ لَمْ أَزَلْ بِفُلَانٍ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَيَقُولُ
مَا صَنَعْت شَيْئًا سَوْفَ يَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا ، ثُمَّ يَجِيءُ
الْآخَرُ فَيَقُولُ لَمْ أَزَلْ بِفُلَانٍ حَتَّى أَلْقَيْت بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أَخِيهِ الْعَدَاوَةَ فَيَقُولُ مَا صَنَعْت شَيْئًا سَوْفَ
يُصَالِحُهُ ، ثُمَّ يَجِيءُ الْآخَرُ فَيَقُولُ لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى
زَنَى فَيَقُولُ إبْلِيسُ نِعْمَ مَا فَعَلْت ، فَيُدْنِيهِ مِنْهُ
وَيَضَعُ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ
الشَّيْطَانِ وَجُنُودِهِ } .
وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَا مِنْ ذَنْبٍ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ
عِنْدَ اللَّهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَضَعَهَا رَجُلٌ فِي رَحِمٍ لَا يَحِلُّ
لَهُ } .
وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { فِي جَهَنَّمَ وَادٍ فِيهِ
حَيَّاتٌ كُلُّ حَيَّةٍ ثُخْنُ رَقَبَةِ الْبَعِيرِ تَلْسَعُ تَارِكَ
الصَّلَاةِ فَيَغْلِي سُمُّهَا فِي جِسْمِهِ سَبْعِينَ سَنَةً ثُمَّ
يَتَهَرَّأُ لَحْمُهُ ، وَإِنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِيًا اسْمُهُ جُبُّ
الْحُزْنِ ، فِيهِ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ كُلُّ عَقْرَبٍ مِنْهَا بِقَدْرِ
الْبَغْلِ لَهَا سَبْعُونَ شَوْكَةً فِي كُلِّ شَوْكَةٍ
زَاوِيَةُ
سُمٍّ تَضْرِبُ الزَّانِي وَتُفَرِّعُ سُمَّهَا فِي جِسْمِهِ يَجِدُ
مَرَارَةَ وَجَعِهَا أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ يَتَهَرَّأُ لَحْمُهُ وَيَسِيلُ
مِنْ فَرْجِهِ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ } .
وَوَرَدَ أَيْضًا : { إنَّ
مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا فِي
الْقَبْرِ نِصْفُ عَذَابِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ يُحَكِّمُ اللَّهُ تَعَالَى زَوْجَهَا فِي حَسَنَاتِهِ ،
هَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ ، فَإِنْ عَلِمَ وَسَكَتَ حَرَّمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَى
بَابِهَا أَنْتِ حَرَامٌ عَلَى الدَّيُّوثِ } وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ
بِالْفَاحِشَةِ فِي أَهْلِهِ وَيَسْكُتُ وَلَا يَغَارُ وَوَرَدَ أَيْضًا :
{ إنَّهُ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ بِشَهْوَةٍ
جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةً يَدُهُ إلَى عُنُقِهِ فَإِنْ
قَبَّلَهَا قُرِضَتْ شَفَتَاهُ فِي النَّارِ ، فَإِنْ زَنَى بِهَا
نَطَقَتْ فَخِذُهُ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَتْ
أَنَا لِلْحَرَامِ رَكِبْت ، فَيَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ بِعَيْنِ
الْغَضَبِ فَيَقَعُ لَحْمُ وَجْهِهِ فَيُكَابِرُ وَيَقُولُ مَا فَعَلْت
فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ لِسَانُهُ وَيَقُولُ أَنَا بِمَا لَا يَحِلُّ لِي
نَطَقْت وَتَقُولُ يَدَاهُ أَنَا لِلْحَرَامِ تَنَاوَلْت ، وَتَقُولُ
عَيْنُهُ أَنَا لِلْحَرَامِ نَظَرْت ، وَتَقُولُ رِجْلُهُ أَنَا لِمَا لَا
يَحِلُّ لِي مَشَيْت ، وَيَقُولُ فَرْجُهُ أَنَا فَعَلْت ، وَيَقُولُ
الْحَافِظُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَأَنَا سَمِعْت ، وَيَقُولُ الْمَلَكُ
الْآخَرُ وَأَنَا كَتَبْت ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَا اطَّلَعْت
وَسَتَرْت ، ثُمَّ يَقُولُ يَا مَلَائِكَتِي خُذُوهُ وَمِنْ عَذَابِي
أَذِيقُوهُ فَقَدْ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ مِنِّي } .
وَتَصْدِيقُ
ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { يَوْمَ تَشْهَدُ
عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ } وَأَعْظَمُ الزِّنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ الزِّنَا
بِالْمَحَارِمِ فَقَدْ صَحَّحَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ
فَاقْتُلُوهُ } ا
هـ .
وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ أَنَّ
الزِّنَا لَهُ ثَمَرَاتٌ قَبِيحَةٌ : مِنْهَا أَنَّهُ يُورِدُ النَّارَ
وَالْعَذَابَ الشَّدِيدَ ، وَأَنَّهُ يُورِثُ الْفَقْرَ وَأَنَّهُ
يُؤْخَذُ بِمِثْلِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ الزَّانِي ، وَلَمَّا قِيلَ لِبَعْضِ
الْمُلُوكِ ذَلِكَ أَرَادَ تَجْرِبَتَهُ بِابْنَةٍ لَهُ وَكَانَتْ غَايَةً
فِي الْجَمَالِ أَنْزَلَهَا مَعَ امْرَأَةٍ فَقِيرَةٍ وَأَمَرَهَا أَنْ
لَا تَمْنَعَ أَحَدًا أَرَادَ التَّعَرُّضَ لَهَا بِأَيِّ شَيْءٍ شَاءَ
ثُمَّ أَمَرَهَا بِكَشْفِ وَجْهِهَا وَأَنَّهَا تَطُوفُ بِهَا فِي
الْأَسْوَاقِ فَامْتَثَلَتْ فَمَا مَرَّتْ بِهَا عَلَى أَحَدٍ إلَّا
وَأَطْرَقَ رَأْسَهُ عَنْهَا حَيَاءً وَخَجَلًا ، فَلَمَّا طَافَتْ بِهَا
الْمَدِينَةَ كُلَّهَا وَلَمْ يَمُدَّ أَحَدٌ نَظَرَهُ إلَيْهَا حَتَّى
قَرُبَتْ بِهَا مِنْ دَارِ الْمَلِكِ لِتُرِيدَ الدُّخُولَ بِهَا
فَأَمْسَكَهَا إنْسَانٌ وَقَبَّلَهَا ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهَا ،
فَأَدْخَلَتْهَا عَلَى الْمَلِكِ فَسَأَلَهَا عَمَّا وَقَعَ فَذَكَرَتْ
لَهُ الْقِصَّةَ فَسَجَدَ لِلَّهِ شُكْرًا وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا
وَقَعَ مِنِّي فِي عُمْرِي قَطُّ إلَّا قِبْلَةٌ لِامْرَأَةٍ وَقَدْ
قُوصِصْت بِهَا .
وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الزِّنَا لَهُ
مَرَاتِبُ : فَهُوَ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَا زَوْجَ لَهَا عَظِيمٌ ،
وَأَعْظَمُ مِنْهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَهَا زَوْجٌ ، وَأَعْظَمُ مِنْهُ
بِمَحْرَمٍ ، وَزِنَا الثَّيِّبِ أَقْبَحُ مِنْ الْبِكْرِ بِدَلِيلِ
اخْتِلَافِ حَدَّيْهِمَا ، وَزِنَا الشَّيْخِ لِكَمَالِ عَقْلِهِ أَقْبَحُ
مِنْ زِنَا الشَّابِّ ، وَالْحُرِّ وَالْعَالِمِ لِكَمَالِهِمَا أَقْبَحُ
مِنْ الْقِنِّ وَالْجَاهِلِ .
خَاتِمَةٌ : فِيمَا جَاءَ فِي حِفْظِ الْفَرْجِ .
أَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ : { مِنْ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ
تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ : رَجُلٌ دَعَتْهُ
امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ لَمْ
أَسْمَعْهُ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ
وَلَكِنْ سَمِعْته أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُهُ { كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي
إسْرَائِيلَ وَكَانَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ ، فَأَتَتْهُ
امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا فَلَمَّا
قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ ارْتَعَدَتْ وَبَكَتْ
، فَقَالَ مَا يُبْكِيك ؟ أَكْرَهْتُك ؛ قَالَتْ لَا وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ
مَا عَمِلْته قَطُّ وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إلَّا الْحَاجَةُ ، فَقَالَ
تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ فَأَنَا أَحْرَى ،
اذْهَبِي فَلَكَ مَا أَعْطَيْتُك وَوَاللَّهِ لَا أَعْصِيهِ بَعْدَهَا
أَبَدًا ، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ
إنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ } .
وَالشَّيْخَانِ
حَدِيثُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ انْطَبَقَ عَلَيْهِمْ الْغَارُ :
فَقَالُوا : { إنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إلَّا أَنْ
تَدْعُوَا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ : فَقَالَ أَحَدُهُمْ :
اللَّهُمَّ إنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ وَكَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ
إلَيَّ ، فَرَاوَدْتهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ حَتَّى أَلَمَّتْ
بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ - أَيْ نَزَلَ بِهَا حَاجَةٌ وَفَقْرٌ
لِشِدَّةِ الْقَحْطِ - فَجَاءَتْنِي ؟ فَأَعْطَيْتهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ
دِينَارًا عَلَى أَنْ تُخَلِّيَس بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ
حَتَّى إذَا قَدَرْت عَلَيْهَا قَالَتْ لَا أُحِلُّ لَك أَنْ تَفُضَّ
الْخَاتَمَ - أَيْ تَطَأَ - إلَّا
بِحَقِّهِ - أَيْ بِالنِّكَاحِ -
فَتَحَرَّجْت مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْت عَنْهَا وَهِيَ
أَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ وَتَرَكْت لَهَا الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتهَا
، اللَّهُمَّ إنْ كُنْت فَعَلْت ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِك فَافْرِجْ
عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ } الْحَدِيثَ .
وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا وَالْبَيْهَقِيُّ : { يَا شَبَابَ قُرَيْشٍ
احْفَظُوا فُرُوجَكُمْ لَا تَزْنُوا أَلَا مَنْ حَفِظَ فَرْجَهُ فَلَهُ
الْجَنَّةُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ : { يَا فِتْيَانَ
قُرَيْشٍ لَا تَزْنُوا فَإِنَّهُ مَنْ سَلِمَ لَهُ شَبَابُهُ دَخَلَ
الْجَنَّةَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { إذَا صَلَّتْ
الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا
دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ } .
وَالْبُخَارِيُّ
: { مَنْ يَضْمَنُ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ - أَيْ لِسَانَهُ - وَمَا
بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَيْ فَرْجَهُ - ضَمِنْت لَهُ الْجَنَّةَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
{ مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { مَنْ حَفِظَ لِي مَا بَيْنَ فَقْمَيْهِ - أَيْ
بِسُكُونِ الْقَافِ لَحْيَيْهِ - وَفَخِذَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ } ،
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ : { مَا بَيْنَ فَقْمَيْهِ وَفَرْجِهِ } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
وَاعْتُرِضَ
بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا : { اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ : اُصْدُقُوا إذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا
إذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إذَا اُؤْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا
فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } .
وَعَشِقَ
بَعْضُ الْعَرَبِ امْرَأَةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَةً
حَتَّى مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَلَمَّا جَلَسَ بَيْنَ شُعْبَتَيْهَا
وَأَرَادَ الْفِعْلَ أُلْهِمَ التَّوْفِيقَ فَفَكَّرَ ثُمَّ أَرَادَ
الْقِيَامَ عَنْهَا ، فَقَالَتْ لَهُ مَا شَأْنُك ؟ فَقَالَ إنَّ مَنْ
يَبِيعُ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ بِقَدْرِ فِتْرٍ
لَقَلِيلُ الْخِبْرَةِ بِالْمِسَاحَةِ ثُمَّ تَرَكَهَا وَذَهَبَ .
وَوَقَعَ
لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ أَنَّ نَفْسَهُ حَدَّثَتْهُ بِفَاحِشَةٍ وَكَانَ
عِنْدَهُ فَتِيلَةٌ ، فَقَالَ لِنَفْسِهِ يَا نَفْسُ إنِّي أُدْخِلُ
أُصْبُعِي فِي هَذِهِ الْفَتِيلَةِ فَإِنْ صَبَرْت عَلَى حَرِّهَا
مَكَّنْتُك مِمَّا تُرِيدِينَ ، ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي نَارِ
الْفَتِيلَةِ حَتَّى أَحَسَّتْ نَفْسُهُ أَنَّ الرُّوحَ كَادَتْ تَزْهَقُ
مِنْهُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ يَتَجَلَّدُ عَلَى
ذَلِكَ وَيَقُولُ لِنَفْسِهِ هَلْ تَصْبِرِينَ ؟ وَإِذَا لَمْ تَصْبِرِي
عَلَى هَذِهِ النَّارِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي طَفِئَتْ بِالْمَاءِ
سَبْعِينَ مَرَّةً حَتَّى قَدَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى مُقَابَلَتِهَا
فَكَيْفَ تَصْبِرِينَ عَلَى حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ الْمُتَضَاعِفَةِ
حَرَارَتُهَا عَلَى هَذِهِ سَبْعِينَ ضِعْفًا ؟ فَرَجَعَتْ نَفْسُهُ عَنْ
ذَلِكَ الْخَاطِرِ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهَا بَعْدُ .
( الْكَبِيرَةُ
التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ وَالسِّتُّونَ وَالْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ
بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : اللِّوَاطُ وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ ،
وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا ) .
أَخْرَجَ ابْنُ
مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ } .
وَالْحَاكِمُ
وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ
إلَّا كَانَ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ ، وَلَا ظَهَرَتْ الْفَاحِشَةُ فِي
قَوْمٍ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْمَوْتَ ، وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ
الزَّكَاةَ إلَّا حَبَسَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْقَطْرَ } .
وَابْنُ
مَاجَهْ { أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا
اُبْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ
تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إلَّا
فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي
أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا } الْحَدِيثَ .
وَالطَّبَرَانِيُّ : {
إذَا ظُلِمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَانَتْ الدَّوْلَةُ دَوْلَةَ الْعَدُوِّ ،
وَإِذَا كَثُرَ الزِّنَا كَثُرَ السِّبَاءُ ، وَإِذَا كَثُرَ
اللُّوطِيَّةُ رَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَدَهُ عَنْ الْخَلْقِ فَلَا
يُبَالِي فِي أَيِّ وَادٍ هَلَكُوا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي
الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا مُحْرِزًا
بِالرَّاءِ وَالزَّايِ وَقَدْ حَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَشَّاهُ
بَعْضُهُمْ ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ أَخِي مُحْرِزٍ
وَصَحَّحَهُ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ وَاهٍ كَأَخِيهِ لَكِنْ أَخُوهُ
أَصْلُحُ حَالًا مِنْهُ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
لَعَنَ اللَّهُ سَبْعَةً مِنْ خَلْقِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتِهِ ،
وَرَدَّدَ اللَّعْنَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثًا وَلَعَنَ كُلَّ
وَاحِدٍ
مِنْهُمْ لَعْنَةً تَكْفِيهِ ، قَالَ : مَلْعُونٌ مَنْ
عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ
، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ
لِغَيْرِ اللَّهِ ، مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِمِ ،
مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ ، مَلْعُونٌ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ
امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا ، مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ حُدُودَ الْأَرْضِ ،
مَلْعُونٌ مَنْ اُدُّعِيَ إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ
الْأَرْضِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ السَّبِيلِ ،
وَلَعَنَ اللَّهُ مِنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ
تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ
لُوطٍ قَالَهَا ثَلَاثًا فِيمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَقَطْ } .
وَالنَّسَائِيُّ
: { لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، لَعَنَ اللَّهُ
مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ
قَوْمِ لُوطٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { أَرْبَعَةٌ
يُصْبِحُونَ فِي غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُمْسُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ
؟ قُلْت : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُتَشَبِّهُونَ
مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ
بِالرِّجَالِ ، وَاَلَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ ، وَاَلَّذِي يَأْتِي
الرِّجَالَ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنْ أُنْكِرَ عَلَى بَعْضِ رُوَاةِ
هَذَا الْحَدِيثِ : { مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ
فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ : { مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ : الرَّاكِبُ وَالْمَرْكُوبُ ، وَالرَّاكِبَةُ وَالْمَرْكُوبَةُ ،
وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى
رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي
دُبُرِهَا } .
وَأَحْمَدُ
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ : هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى ،
يَعْنِي الرَّجُلَ يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا .
وَأَبُو
يَعْلَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { اسْتَحْيُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا
يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي
أَدْبَارِهِنَّ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ
بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا جَيِّدٌ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ
الْحَقِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مَحَاشِّ النِّسَاءِ } وَالدَّارَقُطْنِيُّ : {
اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ
لَا يَحِلُّ مَأْتَاك النِّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنَّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { لَعَنَ اللَّهُ الَّذِينَ يَأْتُونَ النِّسَاءَ فِي مَحَاشِّهِنَّ } :
أَيْ جَمْعُ مِحَشَّةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا فَمُهْمَلَةٍ
فَمُعْجَمَةٍ وَهِيَ الدُّبُرُ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { مَنْ أَتَى النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
وَأَحْمَدُ : { مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { مَنْ أَتَى
حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ
كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
} .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي
دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي
أَسْتَاهِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ } .
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ
وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فَاحِشَةً وَخَبِيثَةً كَمَا يَأْتِي وَذَكَرَ
عُقُوبَةَ قَوْمٍ
عَلَيْهِ مِنْ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ ، وَهُوَ
دَاخِلٌ تَحْتَ اسْمِ الزِّنَا عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
ثُبُوتُ اللُّغَةِ قِيَاسًا وَفِيهِ الْحَدُّ عِنْدَ جُمْهُورِ
الْعُلَمَاءِ كَمَا يَأْتِي ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي
الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ ، وَهُوَ
مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ أَيْضًا ، وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ قِصَّتَهُمْ تَحْذِيرًا لَنَا مِنْ
أَنْ نَسْلُكَ سَبِيلَهُمْ فَيُصِيبَنَا مَا أَصَابَهُمْ فِي غَيْرِ
مَوْضِعٍ .
قَالَ تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا
عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أَيْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ بِأَنْ
يَقْلَعَ قُرَاهُمْ مِنْ أَصْلِهَا فَاقْتَلَعَهَا وَصَعِدَ بِهَا عَلَى
خَافِقَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ إلَى أَنْ سَمِعَ أَهْلُ سَمَاءِ الدُّنْيَا
أَصْوَاتَ حَيَوَانَاتِهِمْ ثُمَّ قَلَبَهَا بِهِمْ .
{ وَأَمْطَرْنَا
عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ } أَيْ مِنْ طِينٍ مُحَرَّقٍ
بِالنَّارِ { مَنْضُودٍ } أَيْ مُتَتَابِعٍ يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا {
مُسَوَّمَةً } أَيْ مَكْتُوبًا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا اسْمَ مَنْ يُصِيبُهُ
أَوْ مُعَلَّمَةً بِعَلَامَةٍ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ
حِجَارَةِ الدُّنْيَا { عِنْدَ رَبِّكَ } أَيْ فِي خَزَائِنِهِ الَّتِي
لَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ { وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ
بِبَعِيدٍ } أَيْ وَمَا أَصْحَابُ تِلْكَ الْقُرَى مِنْ الْكَافِرِينَ
الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ، وَقِيلَ مَا هِيَ بِبَعِيدٍ مِنْ ظَالِمِي
هَذِهِ الْأُمَّةِ إذَا فَعَلُوا فِعْلَهُمْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا
حَلَّ بِأُولَئِكَ مِنْ الْعَذَابِ ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا مَرَّ : { إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى
أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ وَلَعَنَ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ ثَلَاثًا }
.
وَقَالَ تَعَالَى : { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ
وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } أَيْ مُتَعَدُّونَ مُجَاوِزُونَ الْحَلَالَ
إلَى الْحَرَامِ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَنَجَّيْنَاهُ } أَيْ لُوطًا { مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ
الْخَبَائِثَ
إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } فَأَعْظَمُ خَبَائِثِهِمْ
إتْيَانُ الذُّكُورِ فِي أَدْبَارِهِمْ بِحَضْرَةِ بَعْضِهِمْ .
وَمِنْهَا
أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَيَمْشُونَ
وَيَجْلِسُونَ كَاشِفِي عَوْرَاتِهِمْ كَمَا يَأْتِي ، وَكَانُوا
يُتَحَنَّوْنَ وَيَتَزَيَّنُونَ كَالنِّسَاءِ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ
خَبَائِثَ أُخَرَ .
وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا مِنْ خَبَائِثِهِمْ عَشْرٌ تَصْفِيفُ الشَّعْرِ ، وَحَلُّ
الْإِزَارِ ، وَرَمْيُ الْبُنْدُقِ ، وَالْحَذْفُ بِالْحَصَى ،
وَاللَّعِبُ بِالْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ ، وَالصَّفِيرُ بِالْأَصَابِعِ ،
وَفَرْقَعَةُ الْعِلْكِ ، وَإِسْبَالُ الْإِزَارِ : أَيْ إذَا لَبِسُوهُ
وَحَلُّ أَزْرَارَ الْأَقْبِيَةِ ، وَإِدْمَانُ شُرْبِ الْخَمْرِ
وَإِتْيَانُ الذُّكُورِ .
قَالَ : وَسَتَزِيدُ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسَاحَقَةُ النِّسَاءِ النِّسَاءَ .
وَرُوِيَ
: إنَّ مِنْ أَعْمَالِهِمْ أَيْضًا اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ ،
وَالْمُهَارَشَةَ بَيْنَ الْكِلَابِ ، وَالْمُنَاطَحَةَ بِالْكِبَاشِ ،
وَالْمُنَاقَرَةَ بِالدُّيُوكِ ، وَدُخُولَ الْحَمَّامِ بِلَا مِئْزَرٍ ،
وَنَقْصَ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ وَيْلٌ لِمَنْ فَعَلَهَا .
وَفِي
الْخَبَرِ : { مَنْ لَعِبَ بِالْحَمَامِ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَذُوقَ
أَلَمَ الْفَقْرِ } ، وَلَمْ يَجْمَعْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّةٍ
مِنْ الْعَذَابِ مَا جَمَعَ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ ؛ فَإِنَّهُ طَمَسَ
أَبْصَارَهُمْ وَسَوَّدَ وُجُوهَهُمْ وَأَمَرَ جِبْرِيلَ بِقَلْعِ
قُرَاهُمْ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ بِقَلْبِهَا لِيَصِيرَ عَالِيَهَا
سَافِلَهَا ثُمَّ خَسَفَ بِهِمْ ثُمَّ أَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ
السَّمَاءِ مِنْ سِجِّيلٍ ؛ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِ
فَاعِلِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِ كَمَا
يَأْتِي .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَنْ أَتَى صَبِيًّا فَقَدْ كَفَرَ .
وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إنَّ اللُّوطِيَّ إذَا مَاتَ
مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ مُسِخَ فِي قَبْرِهِ خِنْزِيرًا .
وَقِيلَ : فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ اللُّوطِيَّةُ وَهُمْ ثَلَاثَةُ
أَصْنَافٍ : صِنْفٌ يَنْظُرُونَ ، وَصِنْفٌ يُصَافِحُونَ ، وَصِنْفٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْخَبِيثَ .
قَالَ
بَعْضُهُمْ : وَالنَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ
زِنًا كَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ
النُّطْقُ ، وَزِنَا الْيَدِ الْبَطْشُ ، وَزِنَا الرِّجْلِ الْخَطْوُ ،
وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ
يُكَذِّبُهُ } .
وَلِأَجْلِ ذَلِكَ بَالَغَ الصَّالِحُونَ فِي
الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُرْدِ وَعَنْ النَّظَرِ إلَيْهِمْ وَعَنْ
مُخَالَطَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ
: لَا تُجَالِسْ أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا
كَصُوَرِ الْعَذَارَى وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ النِّسَاءِ .
وَقَالَ
بَعْضُ التَّابِعِينَ : مَا أَنَا بِأَخْوَفَ عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ
مِنْ سَبُعٍ ضَارٍ مِنْ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ يَقْعُدُ إلَيْهِ .
وَحَرَّمَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْخَلْوَةَ بِالْأَمْرَدِ فِي نَحْوِ بَيْتٍ أَوْ دُكَّانٍ كَالْمَرْأَةِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا } بَلْ فِي الْمُرْدِ مَنْ يَفُوقُ النِّسَاءَ بِحُسْنِهِ فَالْفِتْنَةُ بِهِ أَعْظَمُ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ مِنْ الشُّهْرَةِ مَا لَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَيَتَسَهَّلُ فِي حَقِّهِ مِنْ طُرُقِ الرِّيبَةِ وَالشَّرِّ مَا لَا يَتَيَسَّرُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَهُوَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى ، وَأَقَاوِيلُ السَّلَفِ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ ، وَسَمُّوهُمْ الْأَنْتَانَ ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَقْذَرُونَ شَرْعًا وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ نَظَرُ الْمَنْسُوبِ إلَى الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ ؛ وَمَا قِيلَ إنَّ النَّظَرَ إلَيْهِمْ اعْتِبَارًا لَا مَحْذُورَ فِيهِ فَدَسِيسَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ ، وَإِنْ زَلَّ بِهَا قَلَمُ بَعْضِهِمْ ، وَلَوْ نَظَرَ الشَّارِعُ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ إلَى ذَلِكَ لَأَشَارَ إلَيْهِ فَلَمَّا أَطْلَقَهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ ، وَالْمُعْتَبَرَاتُ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَعْجَبُ مِنْهُ كَثِيرَةٌ ، وَلَكِنْ مَنْ خَبُثَتْ نُفُوسُهُمْ وَفَسَدَتْ عُقُولُهُمْ وَأَدْيَانُهُمْ وَلَمْ يَتَقَيَّدُوا بِالشَّرْعِيَّاتِ يُزَيِّنُ الشَّيْطَانُ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُوقِعَهُمْ فِيمَا هُوَ أَقْبَحُ مِنْهُ كَمَا هُوَ دَأْبُ اللَّعِينِ مَعَ مُسَاخَرَةِ الْقَاصِرِينَ الْأَغْنِيَاءَ الْجَاهِلِينَ ، وَمَنْ فَتَحَ عَلَى نَفْسِهِ أَدْنَى مَغْمَزٍ لِلشَّيْطَانِ اسْتَهَانَ بِهِ وَاسْتَرْذَلَهُ وَاِتَّخَذَهُ ضُحْكَةً يَلْعَبُ بِهِ لَعِبَ الصِّبْيَانِ بِالْكُرَةِ ؛ فَعَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَاقِلُ الْحَازِمُ الْبَصِيرُ النَّاقِدُ الْكَامِلُ أَنْ تَتَجَنَّبَ طُرُقَهُ وَتَسْوِيلَاتِهِ وَتَحْسِينَاتِهِ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا خَفِيَّهَا وَظَاهِرَهَا ، وَأَنْ تَسْتَحْضِرَ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُ لَك بَابًا لَمْ يَفْتَحْهُ الشَّرْعُ فَتْحًا ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ وَلَا شُبْهَةٍ إلَّا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُوقِعَك فِيمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ ؛
لِأَنَّك تَتَيَقَّنُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لَك
بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ، وَالْعَدُوُّ
لَا يُرْضِيهِ إلَّا هَلَاكُ عَدُوِّهِ أَصْلًا وَرَأْسًا .
دَخَلَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - وَنَاهِيك بِهِ مَعْرِفَةً وَعِلْمًا وَزُهْدًا
وَتَقَدُّمًا - الْحَمَّامَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ صَبِيٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ
فَقَالَ أَخْرِجُوهُ عَنِّي أَخْرِجُوهُ عَنِّي فَإِنِّي أَرَى مَعَ كُلِّ
امْرَأَةٍ شَيْطَانًا وَمَعَ كُلِّ صَبِيٍّ بِضْعَةَ عَشَرَ شَيْطَانًا .
وَجَاءَ
رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعَهُ صَبِيٌّ
حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ : مَنْ هَذَا مِنْك ؟ قَالَ
ابْنُ أُخْتِي ، قَالَ : لَا تَجِئْ بِهِ إلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى ،
وَلَا تَمْشِ مَعَهُ فِي طَرِيقٍ لِئَلَّا يَظُنَّ بِك مَنْ لَا يَعْرِفُك
وَيَعْرِفُهُ سُوءًا .
وَرُوِيَ { أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ
لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ فِيهِمْ أَمْرُدُ حَسَنُ الْوَجْهِ ، فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَقَالَ إنَّمَا
كَانَتْ فِتْنَةُ دَاوُد مِنْ النَّظَرِ } ، وَأَنْشَدُوا : كُلُّ
الْحَوَادِثِ مَبْدَؤُهَا مِنْ النَّظَرِ وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ
مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ وَالْمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا
فِي أَعْيُنِ الْعَيْنِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْخَطَرِ كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ
فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا فِعْلَ السِّهَامِ بِلَا قَوْسٍ وَلَا وَتَرِ
يَسُرُّ نَاظِرُهُ مَا ضَرَّ خَاطِرَهُ لَا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ
بِالضَّرَرِ وَكَانَ يُقَالُ : النَّظَرُ بَرِيدُ الزِّنَا .
وَفِي
الْحَدِيثِ : { النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ ،
مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَتِي أَبْدَلْته إيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ
فِي قَلْبِهِ } .
وَمِمَّا رُوِيَ : { أَنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ
عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ فِي سِيَاحَتِهِ عَلَى نَارٍ
تَتَوَقَّدُ عَلَى رَجُلٍ فَأَخَذَ مَاءً لِيُطْفِئَهَا عَنْهُ
فَانْقَلَبَتْ النَّارُ صَبِيًّا وَانْقَلَبَ الرَّجُلُ نَارًا ،
فَتَعَجَّبَ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ يَا رَبِّ رُدَّهُمَا إلَى
حَالِهِمَا فِي الدُّنْيَا لِأَسْأَلَهُمَا عَنْ
خَبَرِهِمَا فَأَحْيَاهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا هُمَا رَجُلٌ وَصَبِيٌّ ، فَقَالَ لَهُمَا عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا خَبَرُكُمَا وَمَا أَمْرُكُمَا ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رُوحَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ فِي الدُّنْيَا مُبْتَلًى بِحُبِّ هَذَا الصَّبِيِّ فَحَمَلَتْنِي الشَّهْوَةُ أَنْ فَعَلْتُ بِهِ الْفَاحِشَةَ فَلَمَّا مِتُّ وَمَاتَ الصَّبِيُّ صَيَّرَ اللَّهُ الصَّبِيَّ نَارًا يُحْرِقُنِي مَرَّةً وَصَيَّرَنِي نَارًا أُحْرِقُهُ أُخْرَى فَهَذَا عَذَابُنَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِهِ وَنَسْأَلُهُ الْعَافِيَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَرْضَاتِهِ .
تَنْبِيهٌ
ثَانٍ : مَرَّ الْحَدِيثُ فِي مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ أَنَّهَا تُقْتَلُ
مَعَهُ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَدْ عَارَضَ هَذَا الْحَدِيثُ {
نَهْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ }
وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ فَلَا تُقْتَلُ غَيْرُ الْمَأْكُولَةِ وَلَا
تُذْبَحُ الْمَأْكُولَةُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ .
وَمَرَّ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ قَتْلُ اللَّائِطِ وَالْمُلُوطِ بِهِ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ : { اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ وَاَلَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ } .
قَالَ
الْبَغَوِيّ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ ،
فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ حَدَّ الْفَاعِلِ حَدُّ الزِّنَا وَإِنْ كَانَ
مُحْصَنًا يُرْجَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا يُجْلَدُ مِائَةً ،
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ
وَالنَّخَعِيِّ ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ
أَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، وَيُحْكَى أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ
وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ
الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ
رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ .
وَذَهَبَ
قَوْمٌ إلَى أَنَّ اللُّوطِيَّ يُرْجَمُ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ ، رَوَاهُ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ .
وَرَوَى
حَمَّادُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي النَّخَعِيّ قَالَ :
لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ لَرُجِمَ
اللُّوطِيُّ .
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ .
ا هـ .
قَالَ
الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : حَرَّقَ اللُّوطِيَّةَ بِالنَّارِ أَرْبَعَةٌ
مِنْ الْخُلَفَاءِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ .
وَرَوَى
ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ
الْوَلِيدِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ
يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ ، فَجَمَعَ لِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ
أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ إنَّ هَذَا ذَنْبٌ لَمْ تَعْمَلْ
بِهِ أُمَّةٌ إلَّا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ فَفَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ مَا قَدْ
عَلِمْتُمْ أَرَى أَنْ نُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يُحَرَّقَ بِالنَّارِ ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُحَرَّقَ
بِالنَّارِ ، فَحَرَّقَهُ خَالِدٌ .
وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ
وَجْهَهُ : مَنْ أَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ طَائِعًا حَتَّى يُنْكَحَ أَلْقَى
اللَّهُ عَلَيْهِ شَهْوَةَ النِّسَاءِ وَحَمَلَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا
إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ
فَعَلَ بِمَمْلُوكِهِ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ مِنْ اللُّوطِيَّةِ
الْمُجْرِمِينَ الْفَاسِقِينَ الْمَلْعُونِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ ثُمَّ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ثُمَّ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَقَدْ فَشَا ذَلِكَ فِي
التُّجَّارِ وَالْمُتْرَفِينَ ، فَاِتَّخَذُوا حِسَانَ الْمَمَالِيكِ
سُودًا وَبِيضًا لِذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ أَشَدُّ اللَّعْنَةِ الدَّائِمَةِ
الظَّاهِرَةِ ، وَأَعْظَمُ الْخِزْيِ وَالْبَوَارِ وَالْعَذَابِ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا دَامُوا عَلَى هَذِهِ الْقَبَائِحِ
الشَّنِيعَةِ الْبَشِيعَةِ الْفَظِيعَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَقْرِ
وَهَلَاكِ الْأَمْوَالِ وَانْمِحَاقِ الْبَرَكَاتِ وَالْخِيَانَةِ فِي
الْمُعَامَلَاتِ وَالْأَمَانَاتِ .
وَلِذَلِكَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ
قَدْ افْتَقَرَ مِنْ سُوءِ مَا جَنَاهُ وَقَبِيحِ مُعَامَلَتِهِ لِمَنْ
أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى بَارِئِهِ
وَخَالِقِهِ وَمُوجِدِهِ وَرَازِقِهِ بَلْ بَارَزَهُ بِهَذِهِ
الْمُبَارَزَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى خَلْعِ جِلْبَابِ الْحَيَاءِ
وَالْمُرُوءَةِ وَالتَّخَلِّي عَنْ سَائِرِ صِفَاتِ أَهْلِ الشَّهَامَةِ
وَالْفُتُوَّةِ وَالتَّحَلِّي بِصِفَاتِ الْبَهَائِمِ ،
بَلْ بِأَقْبَحِ وَأَفْظَعِ صِفَةٍ وَخُلَّةٍ ، إذْ لَا نَجِدُ حَيَوَانًا ذَكَرًا يَنْكِحُ مِثْلَهُ ، فَنَاهِيكَ بِرَذِيلَةٍ تَعَفَّفَتْ عَنْهَا الْحَمِيرُ فَكَيْفَ يَلِيقُ فِعْلُهَا بِمَنْ هُوَ فِي صُورَةِ رَئِيسٍ أَوْ كَبِيرٍ ، كَلًّا بَلْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْ قَذَرِهِ وَأَشْأَمُ مِنْ خَبَرِهِ وَأَنْتَنُ مِنْ الْجِيَفِ وَأَحَقُّ بِالشَّرَرِ وَالسَّرَفِ ، وَأَخُو الْخِزْيِ وَالْمَهَانَةِ وَخَائِنُ عَهْدِ اللَّهِ وَمَا لَهُ عِنْدَهُ مِنْ الْأَمَانَةِ فَبُعْدًا لَهُ وَسُحْقًا وَهَلَاكًا فِي جَهَنَّمَ وَحَرْقًا .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ
بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : مُسَاحَقَةُ النِّسَاءِ وَهُوَ أَنْ تَفْعَلَ
الْمَرْأَةُ بِالْمَرْأَةِ مِثْلَ صُورَةِ مَا يَفْعَلُ بِهَا الرَّجُلُ )
.
كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { السِّحَاقُ زِنَا النِّسَاءِ بَيْنَهُنَّ
} وَقَوْلُهُ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ شَهَادَةَ أَنْ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ : الرَّاكِبُ وَالْمَرْكُوبُ ، وَالرَّاكِبَةُ
وَالْمَرْكُوبَةُ ، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ } .
الْكَبِيرَةُ
الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ
وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
وَطْءُ الشَّرِيكِ لِلْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَالزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ
الْمَيِّتَةِ ، وَالْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ
وَفِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ، وَوَطْءُ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَإِمْسَاكُ
امْرَأَةٍ لِمَنْ يَزْنِي بِهَا ) .
وَعَدُّ هَذِهِ الْخَمْسَةِ لَمْ
أَرَهُ وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًا
إذْ لَا يُوجِبُ الْجَلْدَ وَلَا الرَّجْمَ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ :
كَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالرَّابِعَةِ وَكَغَيْرِهِمْ فِي
الْبَاقِي .
وَالْحَاصِلُ : أَنَّ كُلَّ شُبْهَةٍ لَمْ تَقْتَضِ
الْإِبَاحَةَ لَا تُفِيدُ إلَّا رَفْعَ الْحَدِّ دُونَ زَوَالِ اسْمِ
الْكَبِيرَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى كَالزِّنَا مِنْ حَيْثُ
الْحُرْمَةُ الْمُغَلَّظَةُ ، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْفُحْشِ
الشَّنِيعِ وَاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ .
وَأَمَّا عَدُّ السَّادِسَةِ
فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، فَقَالَ : مَنْ أَمْسَكَ
امْرَأَةً مُحْصَنَةً لِمَنْ يَزْنِي بِهَا ، أَوْ أَمْسَكَ مُسْلِمًا
لِمَنْ قَتَلَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ مَفْسَدَتَهُ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ
أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ ؛ أَنَّ
التَّقْيِيدَ بِالْمُحْصَنَةِ غَيْرُ مُرَادٍ ، فَلِذَا حَذَفْتُهُ إذْ
الْمَفْسَدَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِالْمُحْصَنَةِ .
وَاعْلَمْ
أَنَّ أَصْحَابَنَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الزِّنَا لَا يُبَاحُ
بِالْإِكْرَاهِ وَإِنْ تُصُوِّرَ فِيهِ ، إذْ الِانْتِشَارُ عِنْدَ
رُؤْيَةِ الْمُشْتَهَى أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دَاعِيَةِ
الِاخْتِيَارِ ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ ، وَإِنْ لَمْ
يُبِحْ الزِّنَا لَكِنَّهُ شُبْهَةٌ يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ ،
وَحِينَئِذٍ فَهَلْ هُوَ شُبْهَةٌ يَسْقُطُ بِهَا كَوْنُ الزِّنَا
كَبِيرَةً ، أَوْ كَوْنُهُ كَبِيرَةً بَاقٍ بِحَالِهِ وَإِثْمِهِ ، وَلَوْ
مَعَ الْإِكْرَاهِ ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَلِلنَّظَرِ فِيهِ
مَجَالٌ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ صَغِيرَةٌ حِينَئِذٍ
لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ
إلَّا لِدَاعِيَةِ الْإِكْرَاهِ وَلَيْسَ
كَالْقَتْلِ إكْرَاهًا لِأَنَّهُ ثَمَّ آثَرَ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ ،
وَمِنْ ثَمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ لَا يُبَاحُ
بِالْإِكْرَاهِ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ : إنَّ الزِّنَا يُبَاحُ بِهِ ، فَعَلِمْنَا فَرْقَ مَا بَيْنَهُمَا .
فَإِنْ
قُلْتُ : لِمَ آثَرْتَ الشُّبْهَةَ هُنَا وَلَمْ تُؤْثِرْ فِي الصُّوَرِ
الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ ؟ قُلْت : يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ ثَمَّ
لَا قَائِلَ بِأَنَّهَا عُذْرٌ مُفْضِيَةٌ لِلْحِلِّ ، أَمَّا
الْأُولَيَانِ وَالْخَامِسَةُ فَظَاهِرٌ .
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ
وَالرَّابِعَةُ فَلِأَنَّ الْقَائِلَ بِإِبَاحَتِهِمَا يَشْتَرِطُ
تَقْلِيدَ الْقَائِلِ بِالْإِبَاحَةِ ، أَمَّا الْمُقَلِّدُ لِلْقَائِلِ
بِالْحُرْمَةِ فَلَا يُبَاحَ لَهُ ذَلِكَ إجْمَاعًا .
وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُقَلِّدِ لِلْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ .
وَأَمَّا
الْإِكْرَاهُ فَهُوَ يُعَدُّ عُذْرًا مُسْقِطًا لِلْإِثْمِ فِي مَسَائِلَ
كَثِيرَةٍ بَلْ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ إلَى الزِّنَا وَالْقَتْلِ فَلَمْ
يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا مُسْقِطًا لِلْكَبِيرَةِ هُنَا ، وَإِنْ
لَمْ يُسْقِطْ الْإِثْمَ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْأَمْرِ فِي
الْأَمْرِ التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَمْرِ الْمَقْصُودِ
وَهُوَ أَصْلٌ لِلْإِثْمِ .
وَأَمَّا وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً فَأَمْرٌ تَابِعٌ لَهُ .
(
الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
السَّرِقَةُ ) قَالَ تَعَالَى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ
وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : نَكَّلَ اللَّهُ
تَعَالَى بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ {
وَاَللَّهُ عَزِيزٌ } : أَيْ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ السَّارِقِ ، {
حَكِيمٌ } : أَيْ فِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ ، وَمَرَّ
قَرِيبًا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ
يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ
مُؤْمِنٌ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ - وَأَبُو دَاوُد -
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ، وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ
وَأَبُو دَاوُد بَعْدَ قَوْلِهِ : { وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ
يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ : { فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَلَعَ
رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ
عَلَيْهِ } .
وَمَرَّ أَيْضًا خَبَرُ الْبَزَّارِ : { لَا يَسْرِقُ
سَارِقٌ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ،
الْإِيمَانُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ :
{ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ
السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ
مَعْرُوضَةٌ } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ
اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ
الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ } قَالَ الْأَعْمَشُ : كَانُوا يَرَوْنَ
أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَالْحَبْلُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يُسَاوِي
ثَمَنُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ السَّرِقَةِ هُوَ
مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِهَا كَبِيرَةً بَيْنَ
الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ وَعَدَمِ الْمُوجِبَةِ لَهُ لِشُبْهَةٍ لَا
تَقْتَضِي حِلَّ الْأَخْذِ كَأَنْ سَرَقَ حُصْرَ مَسْجِدٍ أَوْ
نَحْوِهَا
أَوْ لِعَدَمِ حِرْزٍ ؛ ثُمَّ رَأَيْت الْهَرَوِيَّ مِنْ أَئِمَّةِ
أَصْحَابِنَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ وَتَبِعَهُ شُرَيْحٌ
الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَتِهِ .
وَحَدُّ الْكَبِيرَةِ أَرْبَعَةُ
أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا مَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قَتْلًا أَوْ قُدْرَةً
مِنْ الْفِعْلِ وَالْعُقُوبَةُ سَاقِطَةٌ لِلشُّبْهَةِ وَهُوَ عَامِدٌ
آثِمٌ .
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ .
قَوْلُهُ : أَوْ
قُدْرَةً إلَخْ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ سَرِقَةَ مَا لَا يُوجِبُ
الْقَطْعَ لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أَوْ لِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ
كَبِيرَةٌ وَلَكِنْ سَقَطَتْ الْعُقُوبَةُ لِمَانِعٍ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ
قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلِ أَنْ لَا يَقْتَرِفَ
الْكَبَائِرَ الْمُوجِبَاتِ لِلْحُدُودِ مِثْلَ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا
وَقَطْعَ الطَّرِيقِ أَوْ قُدْرَةً مِنْ الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ
الْحَدُّ فِيهَا لِشُبْهَةٍ أَوْ عَدَمِ حِرْزٍ .
ا هـ .
قَالَ
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَصْبَ الْحَبَّةِ
وَسَرِقَتَهَا كَبِيرَةٌ ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَى لَا
تَصِحُّ ، فَقَدْ اعْتَبَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَالِ
الْمَغْصُوبِ أَنْ يَبْلُغَ رُبُعَ دِينَارٍ ، وَمُقْتَضَاهُ اشْتِرَاطُهُ
فِي السَّرِقَةِ .
وَمَرَّ فِي مَبْحَثِ الْغَصْبِ زِيَادَةُ بَسْطٍ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ .
وَقَالَ
الْحَلِيمِيُّ : وَالسَّرِقَةُ كَبِيرَةٌ وَأَخْذُ الْمَالِ فِي قَطْعِ
الطَّرِيقِ فَاحِشَةٌ وَالْقَتْلُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَاحِشَةٌ
وَسَرِقَةُ الشَّيْءِ التَّافِهِ صَغِيرَةٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ
مِنْهُ مِسْكِينًا لَا غِنَى بِهِ عَمَّا أُخِذَ مِنْهُ فَذَلِكَ
كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ .
انْتَهَى .
وَقَوْلُهُ
مِسْكِينًا لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَوْ كَانَ غَنِيًّا
لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ كَمَائِهِ أَوْ رَغِيفِهِ بِمَفَازَةٍ لَا يَجِدُ
غَيْرَهُ كَانَ كَبِيرَةً أَيْضًا ، قَالَ : وَأَخْذُ أَمْوَالِ النَّاسِ
بِغَيْرِ حَقٍّ كَبِيرَةٌ ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مَالُهُ فَقِيرًا
أَوْ أَصْلًا لِلْآخِذِ أَوْ أَخَذَ بِالْكُرْهِ وَالْقَهْرِ مِنْهُ
فَهُوَ فَاحِشَةٌ ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقِمَارِ ، فَإِنْ
كَانَ
الْمَأْخُوذُ شَيْئًا تَافِهًا وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ
غَنِيًّا لَا يَتَبَيَّنُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرٍ فَذَلِكَ صَغِيرَةٌ ،
انْتَهَى .
وَيُوَافِقُهُ مَا مَرَّ فِي الْغَصْبِ وَغَيْرِهِ ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُ ذَلِكَ .
فَائِدَةٌ
: جَاءَ فِي رِوَايَةٍ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَطَعَ فِيمَا ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ } ، وَفِي أُخْرَى : { قَطَعَ
فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا لَا أَقَلَّ } ، وَلَا تَنَافِيَ ؛
لِأَنَّ رُبُعَ الدِّينَارِ كَانَ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ،
وَكَانَ الدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَعَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ ، قَالَ سَأَلْنَا فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ
عَنْ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي عُنُقِ السَّارِقِ أَمِنَ السُّنَّةِ ؟
فَقَالَ : { أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ
} .
قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : وَلَا يَنْفَعُ
السَّارِقَ وَالْغَاصِبَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ كُلِّ مَنْ أَخَذَ مَالًا
بِغَيْرِ وَجْهِهِ تَوْبَةٌ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ كَمَا
يَأْتِي فِي مَبْحَثِ التَّوْبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الْكَبِيرَةُ
السَّبْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : قَطْعُ الطَّرِيقِ أَيْ
إخَافَتُهَا وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ نَفْسًا وَلَا أَخَذَ مَالًا ) .
قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ
يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ
فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى تَغْلِيظَ الْإِثْمِ فِي قَتْلِ النَّفْسِ
بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ أَتْبَعَهُ بِبَيَانِ نَوْعٍ
مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ، فَقَالَ { إنَّمَا جَزَاءُ
الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أَيْ أَوْلِيَاءَهُ كَذَا
قَرَّرَهُ الْجُمْهُورُ .
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : يُحَارِبُونَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَارَبَةُ
الْمُسْلِمِينَ فِي حُكْمِ مُحَارَبَتِهِ ، يَعْنِي أَنَّ الْقَصْدَ
مُحَارَبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ
اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا لِمُحَارَبَةِ رَسُولِهِ نَحْوُ : {
إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } وَلَك أَنْ
تَحْمِلَ الْمُحَارَبَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ إنَّمَا جَزَاءُ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ أَحْكَامَ اللَّهِ وَأَحْكَامَ رَسُولِهِ .
{
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا } الْقَتْلُ أَوْ الصَّلْبُ أَوْ
قَطْعُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ { مِنْ خِلَافٍ } أَوْ النَّفْيُ مِنْ
الْأَرْضِ وَإِنْ تَحَمَّلَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى
ذَلِكَ ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى رَسُولِهِ وَخُلَفَائِهِ عَلَى
الْمُقَاتَلَةِ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا : أَيْ بِالْقَتْلِ
أَوْ أَخْذِ الْمَالِ أَوْ إخَافَةِ السَّبِيلِ ، فَكُلُّ مَنْ شَهَرَ
السِّلَاحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ،
قِيلَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَقَضُوا عَهْدَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَطَعُوا السَّبِيلَ
وَأَفْسَدُوا
، وَقِيلَ فِي { قَوْمِ هِلَالٍ الْأَسْلَمِيِّ : وَادَعَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا يُعِينَهُ
وَلَا يُعِينَ عَلَيْهِ وَمَنْ مَرَّ بِهِ إلَيْهِ فَهُوَ آمِنٌ ، فَمَرَّ
بِقَوْمِهِ فِي غَيْبَتِهِ قَوْمٌ مِنْ كِنَانَةَ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ
فَقَتَلَهُمْ قَوْمُهُ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ } ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْقِصَّةِ ، وَقِيلَ فِي { قَوْمٍ مِنْ عُرَيْنَةَ
وَعُكَلٍ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُمْ كَذَبَةٌ ، فَاسْتَوْخَمُوا
الْمَدِينَةَ ، فَبَعَثَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى
إبِلِ الصَّدَقَةِ لِيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا فَارْتَدُّوا
وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ مَنْ رَدَّهُمْ وَأَمَرَ
بِقَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ وَكَحْلِ أَعْيُنِهِمْ بِمَسَامِيرَ
مُحْمَاةٍ بِالنَّارِ وَطَرَحَهُمْ فِي الْحِرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا
يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا } .
قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : فَهَؤُلَاءِ
قَتَلُوا وَسَرَقُوا : أَيْ أَخَذُوا الْمَالَ وَحَارَبُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
نَاسِخَةً لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِنْ
نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ .
وَمَنْ مَنَعَهُ قَالَ إنَّمَا
نَسَخَ السُّنَّةَ سُنَّةٌ أُخْرَى ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مُطَابِقَةٌ
لِلسُّنَّةِ النَّاسِخَةِ ثُمَّ الْمَنْسُوخُ إنَّمَا هُوَ كَحْلُ
الْأَعْيُنِ وَالْمُثْلَةُ وَأَمَّا الْقَتْلُ فَبَاقٍ .
وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ : أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ .
قَالَ
أَبُو الزِّنَادِ : لَمَّا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَلِكَ بِهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْحُدُودَ وَنَهَاهُ عَنْ الْمُثْلَةِ .
قَالَ
قَتَادَةُ : بَلَغَنَا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ
الْمُثْلَةِ } .
وَعَنْ أَنَسٍ : إنَّمَا سَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ؛
لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ ، فَإِنْ صَحَّ فَلَا نَسْخَ ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ ،
فَقَدْ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ
سَعْدٍ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُعَاتَبَةً لَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْظِيمًا لَهُ بِعُقُوبَتِهِمْ ، فَقَالَ إنَّمَا
جَزَاؤُهُمْ هَذَا لَا الْمُثْلَةُ وَلِذَلِكَ مَا قَامَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا إلَّا نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ ، وَقِيلَ
نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَيْهِ
أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ، قَالُوا : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّينَ ، أَنَّ قَتْلَ
الْمُرْتَدِّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُحَارَبَةِ ، وَلَا عَلَى
إظْهَارِ الْفَسَادِ فِي دَارِنَا .
وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِيهِ
عَلَى قَطْعٍ وَلَا عَلَى نَفْيٍ ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ قَتْلُهُ
بِالتَّوْبَةِ ، وَلَوْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ ، وَأَنَّ الصَّلْبَ غَيْرُ
مَشْرُوعٍ فِي حَقِّهِ .
ثُمَّ الْمُحَارِبُونَ هُمْ الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ وَلَهُمْ مَنَعَةٌ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ نَحْوِهِ .
فَإِنْ
كَانُوا فِي الصَّحْرَاءِ فَقُطَّاعٌ اتِّفَاقًا أَوْ فِي الْبَلَدِ
فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ
إنْ لَمْ يَلْحَقْهُمْ غَوْثٌ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ فِي الْمُدُنِ
أَعْظَمُ ذَنْبًا وَبِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ وَبِأَنَّ هَذَا حَدٌّ
فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْمَكَانِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَكُونُونَ قُطَّاعًا .
وَاخْتَلَفُوا
فِي " أَوْ " فِي الْآيَةِ ، فَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهَا
قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ :
إنَّهَا لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ فَيَفْعَلُ الْإِمَامُ
بِالْقُطَّاعِ مَا شَاءَ مِنْ الْقَتْلِ وَمَا مَعَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ
أُخْرَى عَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهَا لِبَيَانِ اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ
وَتَرْتِيبِهَا بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ فَهِيَ لِلتَّنْوِيعِ ؛ فَإِذَا
قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا ، وَإِذَا قَتَلُوا
وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قُتِلُوا فَقَطْ وَيَتَحَتَّمُ الْقَتْلُ فِي
هَذَيْنِ فَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ ، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ
فَقَطْ قُطِعُوا مِنْ خِلَافٍ ، وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ نُفُوا مِنْ
الْأَرْضِ وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ
وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ
الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : يُقْتَلُ وَيُغَسَّلُ
وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصْلَبُ عَلَى خَشَبَةٍ
مُعْتَرِضَةً ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ زَجْرًا وَتَنْكِيلًا عَنْ مِثْلِ
فِعْلِهِ ثُمَّ يُدْفَنُ ، وَقِيلَ يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُطْعَنُ حَتَّى
يَمُوتَ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ .
وَقِيلَ يُصْلَبُ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ حَيًّا ثُمَّ يُنْزَلُ وَيُقْتَلُ وَقِيلَ يُقْطَعُ مِنْ خِلَافٍ
فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ تُحْسَمُ ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى
ثُمَّ تُحْسَمُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّفْيِ ؛ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : يَطْلُبُهُ الْإِمَامُ
فَكُلُّ مَحَلٍّ وَجَدَهُ فِيهِ نَفَاهُ عَنْهُ .
وَقِيلَ يَطْلُبُهُ لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : هُوَ أَنْ
يُهْدِرَ
الْإِمَامُ دَمَهُ فَيَقُولُ مَنْ لَقِيَهُ فَلْيَقْتُلْهُ هَذَا فِيمَنْ
لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَنَفْيُهُ حَبْسُهُ ،
وَقِيلَ النَّفْيُ الْحَبْسُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ
: قَالُوا : لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ النَّفْيُ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ
فَهُوَ مُحَالٌ أَوْ إخْرَاجُهُ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى مِنْ بِلَادِ
الْإِسْلَامِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ يُؤْذِيهِمْ أَيْضًا أَوْ
مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ فَهُوَ حَمْلٌ لَهُ عَلَى الرِّدَّةِ فَلَمْ
يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ يُحْبَسُ وَالْمَحْبُوسُ يُسَمَّى مَنْفِيًّا مِنْ
الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْ طَيِّبَاتِ
الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا وَلَا يَجْتَمِعُ بِأَقَارِبِهِ وَأَحِبَّائِهِ
فَكَانَ كَالْمَنْفِيِّ حَقِيقَةً ، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا حَبَسُوا صَالِحَ
بْنَ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَلَى تُهْمَةِ الزَّنْدَقَةِ فِي حَبْسٍ ضَيِّقٍ
وَطَالَ لُبْثُهُ قَالَ : خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ
أَهْلِهَا فَلَسْنَا مِنْ الْمَوْتَى عَلَيْهَا وَلَا الْأَحْيَاءِ إذْ
جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا
مِنْ الدُّنْيَا " ذَلِكَ " أَيْ الْجَزَاءُ الْمُتَقَدِّمُ " لَهُمْ فِي
الدُّنْيَا خِزْيٌ " أَيْ فَضِيحَةٌ وَهَوَانٌ وَعَذَابٌ { وَلَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أَيْ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُمْ
كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ أُخْرَى خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ
قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ أَيْ الظَّفَرِ بِهِمْ { إنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ } أَيْ لَهُمْ { رَحِيمٌ } أَيْ بِهِمْ فَيُسْقِطُ عَنْهُمْ
عُقُوبَةَ قَطْعِ الطَّرِيقِ .
وَقِيلَ : كُلُّ عُقُوبَةٍ وَحَقٍّ
لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ سَوَاءٌ الدَّمُ وَالْمَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ
مَعَهُ الْمَالُ بِعَيْنِهِ فَيَرُدَّهُ لِصَاحِبِهِ ؛ وَقِيلَ كُلُّ
عُقُوبَةٍ وَحَقٍّ لِلَّهِ فَقَطْ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ مَا
صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ لَكِنْ بِدُونِ الْغَايَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي
التَّرْجَمَةِ وَمَا ذَكَرْتُهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَالْآيَةُ نَاصَّةٌ
عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْ
الْأَنْوَاعِ السَّابِقَةِ مِنْ الْمُخِيفِ لِلطَّرِيقِ فَقَطْ وَمَا
قَبْلَهُ
بِالْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ جِدًّا ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْآيَةَ السَّابِقَةَ : فَبِمُجَرَّدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَإِخَافَةِ السَّبِيلِ قَدْ ارْتَكَبَ الْكَبِيرَةَ فَكَيْفَ إذَا أَخَذَ الْمَالَ أَوْ جَرَحَ أَوْ قَتَلَ أَوْ فَعَلَ عِدَّةَ كَبَائِرَ مَعَ غَالِبِ الْقُطَّاعِ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَإِنْفَاقِ مَا يَأْخُذُونَهُ فِي الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى .
الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ
وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ
وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ
وَالسَّبْعُونَ ، وَالثَّمَانُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : ) شُرْبُ الْخَمْرِ مُطْلَقًا
وَالْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا وَلَوْ قَطْرَةً إنْ كَانَ شَافِعِيًّا
وَعَصْرُ أَحَدِهِمَا وَاعْتِصَارُهُ بِقَيْدِهِ الْآتِي ، وَحَمْلُهُ
وَطَلَبُ حَمْلِهِ لِنَحْوِ شُرْبِهِ ، وَسَقْيِهِ وَطَلَبُ سَقْيِهِ ،
وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَطَلَبُ أَحَدِهِمَا وَأَكْلُ ثَمَنِهِ
وَإِمْسَاكُ أَحَدِهِمَا بِقَيْدِهِ الْآتِي .
فَهَذِهِ اثْنَتَا
عَشْرَةَ فِي الْخَمْرِ وَمِثْلُهَا فِي الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا
وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ قَالَ تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } أَيْ يَسْأَلُونَك
عَنْ حُكْمِهِمَا ، وَالْخَمْرُ الْمُعْتَصَرُ مِنْ الْعِنَبِ إذَا غَلَى
وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا بَلْ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى
مَا يَأْتِي مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ ، أَوْ عَلَى
الْأَصَحِّ أَنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا غَلَى
وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ ؛ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ
لِأَنَّهَا تَخْمُرُ الْعَقْلَ : أَيْ تَسْتُرُهُ وَمِنْهُ خِمَارُ
الْمَرْأَةِ لِسِتْرِهِ وَجْهَهَا ، وَالْخَامِرُ وَهُوَ مَنْ يَكْتُمُ
شَهَادَتَهُ ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَغَطَّى حَتَّى تَشْتَدَّ وَمِنْهُ : {
خَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ } ، أَيْ غَطُّوهَا ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا تُخَالِطُ
الْعَقْلَ ، وَمِنْهُ : خَامَرَهُ دَاءٌ ، أَيْ خَالَطَهُ ، وَقِيلَ
لِأَنَّهَا تُتْرَكُ حَتَّى تُدْرِكَ .
وَمِنْهُ : اخْتَمَرَ
الْعَجِينُ : أَيْ بَلَغَ إدْرَاكَهُ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ ، وَعَلَيْهَا
فَالْخَمْرُ مَصْدَرٌ يُرَادُ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ .
وَاحْتَجَّ
مَنْ عَمَّمَ الْخَمْرَ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ بِحَدِيثِ أَبِي
دَاوُد : { نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ يَوْمَ نَزَلَ وَهِيَ مِنْ
خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ
وَالذُّرَةِ وَالْخَمْرُ
مَا خَامَرَ الْعَقْلَ } .
وَحَدِيثُ
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى
مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَّا
إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ
وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْخَمْرُ مَا
خَامَرَ الْعَقْلَ ، وَهَذَانِ صَرِيحَانِ فِي أَنَّ تَحْرِيمَهَا
يَتَنَاوَلُ تَحْرِيمَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ : أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ
.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ عُمَرَ عَالِمٌ بِاللُّغَةِ يُرْجَعُ
إلَيْهِ فِيهَا ، وَقَدْ قَالَ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ
سِيَّمَا وَقَدْ وَافَقَ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورَ .
وَرَوَى
أَبُو دَاوُد أَيْضًا حَدِيثَ : { إنَّ مِنْ الْعِنَبِ خَمْرًا وَإِنَّ
مِنْ التَّمْرِ خَمْرًا وَإِنَّ مِنْ الْعَسَلِ خَمْرًا } ، وَهَذَا
صَرِيحٌ أَيْضًا فِي دُخُولِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ
فَإِنَّ الشَّارِعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مَقْصُودُهُ
تَعْلِيمَ اللُّغَاتِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بَيَانُ أَنَّ الْحُكْمَ
الثَّابِتَ فِي الْخَمْرِ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ .
قَالَ
الْخَطَّابِيُّ : وَتَخْصِيصُ الْخَمْرِ بِهَذِهِ الْخَمْسِ لَيْسَ إلَّا
لِأَجْلِ أَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِاِتِّخَاذِ
الْخَمْرِ مِنْهَا فَكُلُّ مَا فِي مَعْنَاهَا كَذَلِكَ ، كَمَا أَنَّ
تَخْصِيصَ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ فِي خَبَرِ الرِّبَا :
أَيْ السَّابِقِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الرِّبَا فِي
غَيْرِهَا .
وَرَوَى الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } .
وَأَبُو دَاوُد : { وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى : { أَلَا فَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سُئِلَ
عَنْ الْبِتْعِ أَيْ نَبِيذِ الْعَسَلِ ؟ فَقَالَ : كُلُّ شَرَابٍ
أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ } .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَالدَّلَالَةُ
فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا دَلَّتْ
عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَكَانَ
مُسَمَّاهَا مَجْهُولًا
لِلْقَوْمِ حَسُنَ لِلشَّارِعِ أَنْ يَقُولَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى
مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ هَذَا وَيَكُونُ عَلَى سَبِيلِ إحْدَاثِ لُغَةٍ
كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنْ
يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَالْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ
هَذَا خَمْرٌ ، إنْ كَانَ حَقِيقَةً حَصَلَ الْمُدَّعَى أَوْ مَجَازًا
فَكَذَلِكَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ
الشَّارِعَ لَيْسَ مَقْصُودُهُ تَعْلِيمَ اللُّغَاتِ بَلْ تَعْلِيمَ
الْأَحْكَامِ ، وَحَدِيثُ الْبِتْعِ الْمَذْكُورِ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ
يُبْطِلُ كُلَّ تَأْوِيلٍ ذَكَرَهُ الْقَائِلُونَ بِحِلِّ الْأَنْبِذَةِ
وَيُفْسِدُ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ حِلَّ مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ الْأَنْبِذَةِ
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ
مِنْ الْأَنْبِذَةِ ، فَأَجَابَ بِتَحْرِيمِ الْجِنْسِ الشَّامِلِ
لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، وَلَوْ كَانَ ثَمَّ تَفْصِيلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ
أَنْوَاعِهِ وَمَقَادِيرِهِ لَذَكَرَهُ وَلَمْ يُهْمِلْهُ وَفِي
الْحَدِيثِ : { مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ } .
وَفِي
حَدِيثٍ آخَرَ : { مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ - أَيْ بِفَتْحِ الرَّاءِ -
كَيْلٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ
حَرَامٌ } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ } .
قَالَ
الْخَطَّابِيُّ : الْمُفَتِّرُ كُلُّ شَرَابٍ يُورِثُ الْفُتُورَ
وَالْخَدَرَ فِي الْأَعْضَاءِ ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِالِاشْتِقَاقِ
الْمُتَقَدِّمِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ }
وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ ، لِأَنَّهَا
كُلَّهَا مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ عُمَرَ وَمُعَاذًا
قَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْخَمْرَ مُسْلِبَةٌ لِلْعَقْلِ
مُذْهِبَةٌ لِلْمَالِ ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي
الْأَنْبِذَةِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِآيَةِ : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ
وَالْأَعْنَابِ } مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ .
فَإِنْ
قُلْت : إنَّ ذَلِكَ السُّكْرَ هُوَ هَذَا النَّبِيذُ عَلَى أَنَّ
الْمُفَسِّرِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ سَابِقَةُ النُّزُولِ
عَلَى الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَهِيَ نَاسِخَةٌ
أَوْ مُخَصِّصَةٌ لِهَذِهِ ، { وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَتَى السِّقَايَةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَاسْتَنَدَ
إلَيْهَا وَقَالَ : اسْقُونِي ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : نُسْقِيك مِمَّا
نَنْبِذُهُ فِي بُيُوتِنَا ؟ فَقَالَ مِمَّا يُسْقَى النَّاسُ فَجَاءَهُ
بِقَدَحٍ مِنْ نَبِيذٍ ، فَشَمَّهُ فَقَطَّبَ وَجْهَهُ وَرَدَّهُ ،
فَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْسَدْت عَلَى أَهْلِ
مَكَّةَ شَرَابَهُمْ ، فَقَالَ رُدُّوا عَلَيَّ الْقَدَحَ فَرَدَّهُ
فَدَعَا بِمَاءٍ مِنْ زَمْزَمَ فَصَبَّ فِيهِ وَشَرِبَ : فَقَالَ إذَا
اغْتَلَمَتْ أَيْ اشْتَدَّتْ عَلَيْكُمْ الْأَشْرِبَةُ فَاقْطَعُوا
مُتُونَهَا بِالْمَاءِ } .
مَرْدُودٌ أَيْضًا بَعْدَ تَسْلِيمِ فَرْضِ
صِحَّتِهِ بِأَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ حَالٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ
مِمَّا نُبِذَتْ فِيهِ تَمَرَاتٌ لِتَجْذِبَ مُلُوحَتَهُ فَتَغَيَّرَ
طَعْمُ الْمَاءِ قَلِيلًا إلَى الْحُمُوضَةِ وَطَبْعُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَايَةِ اللَّطَافَةِ فَلَمْ يَحْتَمِلْهُ
فَقَطَّبَ وَجْهَهُ وَإِنَّمَا صَبَّ الْمَاءَ فِيهِ إزَالَةً لِتِلْكَ
الْحُمُوضَةِ أَوْ الرَّائِحَةِ ، وَبِأَنَّ فِيهِ آثَارًا عَنْ
الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ تَقْتَضِي الْحِلَّ ،
كَكَتْبِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ :
إنَّ أَرْزَاقَ الْمُسْلِمِينَ الطِّلَاءُ وَهُوَ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ ،
وَشُرْبُ أَبِي عُبَيْدَةَ ، وَمُعَاذٍ لَهُ مَرْدُودٌ أَيْضًا بَعْدَ
فَرْضِ صِحَّتِهَا بِأَنَّهُ قَدْ عَارَضَهَا آثَارٌ أُخَرُ ،
فَتَدَافَعَتْ وَتَسَاقَطَتْ وَبَقِيَتْ الْحُجَّةُ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَحْرِيمِ كُلِّ مُسْكِرٍ
قَلِيلِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ وَكَثِيرِهِ .
وَمَرَّ أَنَّ أَخْبَارَ حُرْمَةِ ذَلِكَ صَرَائِحُ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلِضَعْفِ شُبَهِ الْحِلِّ .
قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَحُدُّ مُعْتَقِدَهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَإِنَّمَا حَدَّهُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ ضَعْفِ شُبْهَتِهِ ، وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ لَا الْخَصْمِ وَإِنَّمَا قَبِلَ شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ مُفَسِّقًا فِي اعْتِقَادِهِ ، ثُمَّ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي شُرْبِ شَيْءٍ لَا يُسْكِرُ هُوَ أَصْلًا ، فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَأَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْخَمْرِ تَثْبُتُ لَهُ ، وَأَطَالُوا فِي رَدِّ خِلَافِ ذَلِكَ وَتَزْيِيفِهِ .
أَمَّا
شُرْبُ مَا يُسْكِرُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَرَامٌ وَفِسْقٌ بِالْإِجْمَاعِ
، وَكَذَا قَلِيلُ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ
وَغَلَا مِنْ غَيْرِ عَمَلِ النَّارِ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَنَجِسٌ
إجْمَاعًا يُحَدُّ شَارِبُهُ وَيُفَسَّقُ بَلْ وَيُكَفَّرُ إنْ
اسْتَحَلَّهُ ، قَالُوا وَنَزَلَ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَرْبَعُ آيَاتٍ
بِمَكَّةَ قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ } الْآيَةَ .
وَكَانَ
الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا وَهِيَ لَهُمْ حَلَالٌ ، ثُمَّ إنَّ {
عُمَرَ وَمُعَاذًا وَآخَرِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي
الْخَمْرِ فَإِنَّهَا مُذْهِبَةٌ لِلْعَقْلِ مُسْلِبَةٌ لِلْمَالِ }
فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى : { فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ } فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّهَ
يُقَدِّمُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهَا
فَلْيَبِعْهُ } ، فَتَرَكَهَا قَوْمٌ لِقَوْلِهِ { إثْمٌ كَبِيرٌ }
وَشَرِبَهَا قَوْمٌ لِقَوْلِهِ { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } إلَى أَنْ
صَنَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَعَامًا
فَدَعَا نَاسًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَتَاهُمْ بِخَمْرٍ فَشَرِبُوا
وَسَكِرُوا وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَتَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ
لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَقَرَأَ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَعْبُدُ
مَا تَعْبُدُونَ } هَكَذَا إلَى آخِرِ السُّورَةِ بِحَذْفِ ( لَا )
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ
سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } فَحَرَّمَ السُّكْرَ فِي
أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ ، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حَرَّمَهَا
قَوْمٌ وَقَالُوا : لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
الصَّلَاةِ وَتَرَكَهَا قَوْمٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَقَطْ ، فَكَانَ
أَحَدُهُمْ يَشْرَبُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَيُصْبِحُ وَقَدْ زَالَ
سُكْرُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيَصْحُو إذَا جَاءَ وَقْتُ الظُّهْرِ
.
{ وَاِتَّخَذَ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ صَنِيعًا وَدَعَا رِجَالًا
مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَكَانَ قَدْ
شَوَى لَهُمْ رَأْسَ بَعِيرٍ فَأَكَلُوا مِنْهُ وَشَرِبُوا الْخَمْرَ
حَتَّى أَخَذَتْ
مِنْهُمْ ، ثُمَّ إنَّهُمْ افْتَخَرُوا عِنْدَ
ذَلِكَ وَاسْتَبُّوا وَتَنَاشَدُوا الْأَشْعَارَ فَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ
قَصِيدَةً فِيهَا هِجَاءُ الْأَنْصَارِ وَفَخْرٌ لِقَوْمِهِ فَأَخَذَ
رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ لَحْيَ الْبَعِيرِ فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ سَعْدٍ
فَشَجَّهُ مُوضِحَةً ، فَانْطَلَقَ سَعْدُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَكَا إلَيْهِ الْأَنْصَارِيَّ : فَقَالَ :
اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا رَأْيَك فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ
عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } } .
وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ بِأَيَّامٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : انْتَهَيْنَا يَا رَبِّ .
قَالَ
الْفَخْرُ الرَّازِيّ : وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ التَّحْرِيمِ عَلَى
هَذَا التَّرْتِيبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ الْقَوْمَ
كَانُوا قَدْ أَلِفُوا شُرْبَ الْخَمْرِ وَكَانَ انْتِفَاعُهُمْ بِذَلِكَ
كَثِيرًا ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَشَقَّ
ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَلَا جَرَمَ دَرَّجَهُمْ فِي التَّحْرِيمِ رِفْقًا
بِهِمْ ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ
وَالْمَيْسِرَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَيْ آيَةِ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ نَزَلَ
قَوْلُهُ : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } فَاقْتَضَى
تَحْرِيمَ شُرْبِهَا أَيْضًا ، لِأَنَّ شَارِبَهَا تَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ مَعَ السُّكْرِ فَكَانَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعًا مِنْ
الشُّرْبِ ضِمْنًا ، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الْمَائِدَةِ فَكَانَتْ فِي
غَايَةِ الْقُوَّةِ فِي التَّحْرِيمِ .
قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ لِلْعَرَبِ عَيْشٌ
أَعْجَبَ مِنْهَا وَمَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْهَا ،
وَقَالَ : مَا كَانَ لَنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ فَإِنِّي لَقَائِمٌ
أَسْقِي أَبَا
طَلْحَةَ وَفُلَانًا وَفُلَانًا ، إذَا جَاءَ رَجُلٌ
فَقَالَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ قَالُوا أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ يَا
أَنَسُ قَالَ : فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ
الرَّجُلِ .
وَالْمَيْسِرُ الْقِمَارُ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ
عَلَيْهِ فِي مَبْحَثِهِ بَابِ الشَّهَادَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
فِيهِمَا } أَيْ تَعَاطِيهِمَا { إثْمٌ كَبِيرٌ } أَيْ بِالْمُوَحَّدَةِ
وَالْمُثَلَّثَةِ ، وَالْإِثْمُ يُوصَفُ بِالْكِبَرِ مُبَالَغَةً فِي
تَعْظِيمِ الذَّنْبِ وَمِنْهُ : { إنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } { إنْ
تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ
وَالْقِمَارُ مِنْ الْكَبَائِرِ : فَنَاسَبَ وَصْفُ إثْمِهِمَا بِذَلِكَ ،
وَقَدْ اتَّفَقَتْ السَّبْعَةُ فِي { أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } عَلَى
أَنَّهُ بِالْمُوَحَّدَةِ .
وَوَجْهُ قِرَاءَةِ الْأَخَوَيْنِ كَثِيرٌ
بِالْمُثَلَّثَةِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْآثِمِينَ مِنْ الشَّارِبِينَ
وَالْمُقَامِرِينَ ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى
تَعَاطِيهِمَا مِنْ تَوَالِي الْعِقَابِ وَتَضْعِيفِهِ ، أَوْ
بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى شُرْبِهَا وَاللَّعِبِ بِهِ مِنْ
الْأَقْوَالِ السَّيِّئَةِ وَالْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ ، أَوْ
بِاعْتِبَارِ مَنْ تَدَاوَلَهَا مِنْ لَدُنْ كَانَتْ عِنَبًا إلَى أَنْ
شُرِبَتْ فَقَدْ لُعِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْرُ
وَلُعِنَ مَعَهَا عَشْرَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَنَاسَبَ ذَلِكَ ، أَوْ
بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْإِثْمَ مُقَابِلٌ لِمَنَافِعَ وَهُوَ جَمْعٌ
فَنَاسَبَ وَصْفَ مُقَابِلِهِ بِمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ ، وَهُوَ
الْكَثْرَةُ فَاتَّضَحَتْ الْقِرَاءَتَانِ بَلْ مَآلُهُمَا إلَى شَيْءٍ
وَاحِدٍ لِأَنَّ الْكَبِيرَ كَثِيرٌ وَعَكْسَهُ ، كَمَا أَنَّ الصَّغِيرَ
حَقِيرٌ وَيَسِيرٌ .
وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِي
تَوْجِيهِ الْقِرَاءَاتِ أَنْ يُوَجِّهَ كُلًّا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ
لِتَضْعِيفِ قِرَاءَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ ، وَمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ
لِلزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي مَوَاضِعَ فَهُوَ مِنْ زَلَلِهِمْ
وَخَطَئِهِمْ ، وَدَلَّ قَوْلُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ { إثْمٌ كَبِيرٌ }
عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إنَّمَا
حَرَّمَ
رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَالْإِثْمَ } وَأَيْضًا فَالْإِثْمُ إمَّا الْعِقَابُ أَوْ سَبَبُهُ
وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُوصَفُ بِهِ إلَّا الْمُحَرَّمُ ، وَأَيْضًا
فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } فَرَجَحَ
الْإِثْمُ وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا لَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ حَرَامٌ بَلْ عَلَى أَنَّ فِيهِ
إثْمًا ، وَهَبْ أَنَّ ذَلِكَ الْإِثْمَ حَرَامٌ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّ
شُرْبَ الْخَمْرِ لَمَّا حَصَلَ فِيهِ ذَلِكَ الْإِثْمُ وَجَبَ أَنْ
يَكُونَ حَرَامًا ؟ أُجِيبَ : بِأَنَّ السُّؤَالَ كَانَ وَاقِعًا عَنْ
مُطْلَقِ الْخَمْرِ ، فَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ فِيهِ إثْمًا كَانَ
الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِثْمَ لَازِمٌ لَهُ عَلَى جَمِيعِ
التَّقْدِيرَاتِ فَكَانَ شُرْبُ الْخَمْرِ مُسْتَلْزِمًا لِهَذِهِ
الْمُلَازَمَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَمُسْتَلْزِمُ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ ،
فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الشُّرْبُ مُحَرَّمًا .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّ
هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ
فِيهَا مَنَافِعَ وَالْمُحَرَّمُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ
يَقْنَعُوا بِهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُرْمَةِ حَتَّى نَزَلَتْ
آيَةُ الْمَائِدَةِ وَآيَةُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ ، وَلِأَنَّهَا
أَثْبَتَتْ أَنَّ مِنْ أَوْصَافِهَا أَنَّ فِيهَا إثْمًا كَبِيرًا ،
فَلَوْ دَلَّ عَلَى التَّحْرِيمِ لَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ
قَطُّ فِي شَرْعِنَا وَلَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ .
وَأُجِيبَ
عَنْ الْأَوَّلِ : بِأَنَّ حُصُولَ النَّفْعِ فِيهَا غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ
حُرْمَتِهَا لِأَنَّ صِدْقَ الْخَاصِّ يُوجِبُ صِدْقَ الْعَامِّ أَيْ
وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
إنَّ اللَّهَ لَنْ يَجْعَلَ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ }
لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَعَمُّ مِنْ الشِّفَاءِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ
نَفْيِهِ نَفْيُ مُطْلَقِ الْمَنَافِعِ .
وَعَنْ الثَّانِي : بِأَنَّهُ
جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا نَزَلَتْ
وَحَرَّمَ الْخَمْرَ وَالتَّوَقُّفُ الَّذِي ذَكَرُوهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ
عَنْهُمْ إنَّمَا كَانَ مِنْ بَعْضِهِمْ ، عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ
أَنْ يَطْلُبَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ مَا هُوَ آكَدُ مِنْ هَذِهِ
الْآيَةِ فِي التَّحْرِيمِ كَمَا الْتَمَسَ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَاهَدَةَ إحْيَاءِ الْمَوْتَى ؛
لِيَزْدَادَ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً .
وَعَنْ الثَّالِثِ : بِأَنَّ
قَوْله تَعَالَى : { فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ } إخْبَارٌ عَنْ الْحَالِ لَا
عَنْ الْمَاضِي ، فَعَلَّمَ تَعَالَى أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ مَفْسَدَةٌ
لَهُمْ دُونَ مَنْ قَبْلَهُمْ .
وَمِنْ إثْمِ الْخَمْرِ الْكَبِيرِ
إزَالَةُ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ صِفَاتِ الْإِنْسَانِ ، وَإِذَا
كَانَتْ الْخَمْرُ عَدُوَّةً لِلْأَشْرَفِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ أَخَسُّ
الْأُمُورِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا سُمِّيَ عَقْلًا لِأَنَّهُ
يَعْقِلُ أَيْ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنْ الْقَبَائِحِ الَّتِي يَمِيلُ
إلَيْهَا بِطَبْعِهِ ، فَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ زَالَ ذَلِكَ الْعَقْلُ
الْمَانِعُ عَنْ الْقَبَائِحِ وَتَمَكَّنَ إلْفُهَا وَهُوَ الطَّبْعُ
مِنْهَا فَارْتَكَبَهَا وَأَكْثَرَ مِنْهَا حَتَّى يَرْتَدَّ إلَيْهِ
عَقْلُهُ .
ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : أَنَّهُ مَرَّ بِسَكْرَانَ
وَهُوَ يَبُولُ فِي يَدِهِ وَيَغْسِلُ بِهِ يَدَهُ كَهَيْئَةِ
الْمُتَوَضِّئِ وَيَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْإِسْلَامَ
نُورًا وَالْمَاءَ طَهُورًا .
وَعَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ :
أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِمَ لَا تَشْرَبُ الْخَمْرَ
فَإِنَّهَا تَزِيدُ فِي حَرَارَتِك ؟ فَقَالَ مَا أَنَا بِآخِذٍ جَهْلِي
بِيَدِي فَأُدْخِلُهُ فِي جَوْفِي وَلَا أَرْضَى أَنْ أُصْبِحُ سَيِّدَ
قَوْمِي وَأُمْسِي سَفِيهَهُمْ .
وَمِنْهُ صَدُّهَا عَنْ ذَكَرِ
اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَإِيقَاعُهَا الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ
كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ ، وَمِنْهُ أَنَّ
هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ مِنْ خَوَاصِّهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَلِفَهَا
اشْتَدَّ مَيْلُهُ إلَيْهَا وَكَادَ أَنْ يَسْتَحِيلَ مُفَارَقَتُهُ لَهَا
بِخِلَافِ أَكْثَرِ الْمَعَاصِي .
وَأَيْضًا فَمُتَعَاطِيهَا لَا
يَمَلُّ مِنْهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي ، أَلَا تَرَى أَنَّ
الزَّانِيَ تَفْتُرُ رَغْبَتُهُ مِنْ مَرَّةٍ وَكُلَّمَا زَادَ زَادَ
فُتُورُهُ ،
وَالشَّارِبُ كُلَّمَا زَادَ زَادَ نَشَاطُهُ
وَاسْتَغْرَقَتْهُ اللَّذَّةُ الْبَدَنِيَّةُ فَأَعْرَضَ عَنْ تَذَكُّرِ
الْآخِرَةِ وَجَعَلَهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ نَسْيًا مَنْسِيًّا ، فَكَانَ
مِنْ الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمْ
الْفَاسِقُونَ .
وَبِالْجُمْلَةِ ؛ إذَا زَالَ الْعَقْلُ حَصَلَتْ
الْخَبَائِثُ بِأَسْرِهَا ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ } .
وَمِنْ
مَنَافِعِهَا الْمَذْكُورَةِ فِيهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَغَالَوْنَ
فِيهَا إذَا جَلَبُوهَا مِنْ النَّوَاحِي ، وَكَانَ الْمُشْتَرِي إذَا
تَرَكَ الْمُمَاكَسَةَ فِي شِرَائِهَا عَدُّوهُ فَضِيلَةً لَهُ
وَمَكْرُمَةً فَكَانَتْ أَرْبَاحُهُمْ تَكْثُرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ؛
وَمِنْهَا أَنْ تُقَوِّيَ الضَّعِيفَ وَتَهْضِمَ الطَّعَامَ وَتُعِينَ
عَلَى الْبَاهِ وَتُسَلِّي الْمَحْزُونَ وَتُشَجِّعَ الْجَبَانَ
وَتُصَفِّيَ اللَّوْنَ وَتُنْعِشَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ وَتَزِيدَ
فِي الْهِمَّةِ وَالِاسْتِعْلَاءِ ؛ ثُمَّ لَمَّا حُرِّمَتْ سَلَبَهَا
جَمِيعَ هَذِهِ الْمَنَافِعِ وَصَارَتْ ضَرَرًا صِرْفًا وَمَوْتًا حَتْفًا
أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ مَعَاصِيهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ .
وَجَاءَ
فِي السُّنَّةِ الْغَرَّاءِ تَشْدِيدٌ عَظِيمٌ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ
وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَعَصْرِهَا وَحَمْلِهَا وَأَكْلِ ثَمَنِهَا
وَتَرْغِيبٌ عَظِيمٌ فِي تَرْكِ ذَلِكَ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ .
.
أَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا
يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ
السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ
حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ
وَأَبُو دَاوُد آخِرَهُ : { وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ : قَالَ { لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ
مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ
الْخَمْرَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَذَكَرَ رَابِعَةً فَنَسِيتهَا ، فَإِذَا
فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ،
فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
وَأَبُو دَاوُد : { لَعَنَ
اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَبَائِعَهَا
وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ } .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ : وَزَادَ " وَآكِلَ ثَمَنِهَا " .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ : وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
قَالَ
الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا
وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ لَهُ
وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا
وَالْمُشْتَرَى لَهُ } .
وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ : { إنَّ اللَّهَ
حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا
وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ } .
وَأَبُو دَاوُد : { لَعَنَ
اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ
فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا ، إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ عَلَى
قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصْ الْخَنَازِيرَ } .
قَالَ
الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى هَذَا تَوْكِيدُ التَّحْرِيمِ وَالتَّغْلِيظُ
فِيهِ ، يَقُولُ مَنْ اسْتَحَلَّ بَيْعَ الْخَمْرِ فَلْيَسْتَحِلَّ أَكْلَ
الْخَنَازِيرَ فَإِنَّهُمَا فِي الْحُرْمَةِ وَالْإِثْمِ سَوَاءٌ ، فَإِذَا
كُنْت لَا تَسْتَحِلُّ أَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَا تَسْتَحِلُّ ثَمَنَ الْخَمْرِ .
انْتَهَى .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { أَتَانِي جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ
وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ
إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْقَاهَا } .
وَأَحْمَدُ
مُخْتَصَرًا وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ : { يَبِيتُ
قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى طُعْمِ وَشُرْبٍ وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ
فَيُصْبِحُوا قَدْ مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ وَلَيُصِيبَنَّهُمْ
خَسْفٌ وَقَذْفٌ حَتَّى يُصْبِحَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ خُسِفَ
اللَّيْلَةَ بِبَنِي فُلَانٍ وَخُسِفَ اللَّيْلَةَ بِدَارِ فُلَانٍ
خَوَاصَّ ، وَلَتُرْسَلَنَّ عَلَيْهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ كَمَا
أُرْسِلَتْ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ عَلَى قَبَائِلَ فِيهَا وَعَلَى دُورٍ ،
وَلْتُرْسَلَنَّ عَلَيْهِمْ الرِّيحُ الْعَقِيمُ الَّتِي أَهْلَكَتْ
عَادًا عَلَى قَبَائِلَ فِيهَا وَعَلَى دُورٍ بِشُرْبِهِمْ الْخَمْرَ
وَلُبْسِهِمْ الْحَرِيرَ وَاِتِّخَاذِهِمْ الْقَيْنَاتِ وَأَكْلِهِمْ
الرِّبَا وَقَطِيعَتِهِمْ الرَّحِمَ } ، وَخَصْلَةٍ نَسِيَهَا جَعْفَرٌ .
وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ
غَرِيبٌ : { إذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا
الْبَلَاءُ ، قِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ
الْمَغْنَمُ دُوَلًا ، وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا ، وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا
، وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ ، وَعَقَّ أُمَّهُ ، وَبَرَّ صَدِيقَهُ
، وَجَفَا أَبَاهُ ، وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ ،
وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ
شَرِّهِ ، وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ ، وَلُبِسَ الْحَرِيرُ ، وَاُتُّخِذَتْ
الْقَيْنَاتُ ، وَالْمَعَازِفُ ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ
أَوَّلَهَا ، فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ أَوْ
خَسْفًا أَوْ مَسْخًا } .
وَالْحَاكِمُ : { مَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ
الْخَمْرَ نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ الْإِيمَانَ كَمَا يَخْلَعُ الْإِنْسَانُ
الْقَمِيصَ مِنْ رَأْسِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشْرَبْ الْخَمْرَ ،
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسُ
عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ } .
وَالشَّيْخَانِ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { كُلُّ مُسْكِرٍ
خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي
الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ }
.
وَالْبَيْهَقِيُّ { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ
يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ } .
وَمُسْلِمٌ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ } .
قَالَ
الْخَطَّابِيُّ : قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ : وَفِي
قَوْلِهِ { حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ } وَعِيدٌ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ ؛ لِأَنَّ شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَمْرٌ إلَّا أَنَّهُمْ
لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ
لَا يُحْرَمُ شَرَابَهَا .
انْتَهَى ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَحَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ الْمَذْكُورِ يَرُدُّهُ ؛ لِلتَّصْرِيحِ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَشْرَبُهَا وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ .
وَأَحْمَدُ
وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
: { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ،
وَقَاطِعُ الرَّحِمِ ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ ، وَمَنْ مَاتَ مُدْمِنُ
الْخَمْرِ سَقَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا مِنْ نَهْرِ الْغُوطَةِ .
قِيلَ
: وَمَا نَهْرُ الْغُوطَةِ ؟ قَالَ : نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ
الْمُومِسَاتِ - أَيْ الزَّوَانِي - يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ
فُرُوجِهِمْ } .
وَابْنُ حِبَّانَ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ ، وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ ، وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ } .
وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ : وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ مَتْرُوكًا : { أَرْبَعٌ حَقٌّ
عَلَى اللَّهِ أَلَّا يُدْخِلَهُمْ الْجَنَّةَ وَلَا يُذِيقَهُمْ
نَعِيمَهَا : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَآكِلُ الرِّبَا ، وَآكِلُ مَالِ
الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ } .
وَأَحْمَدُ : { لَا يَلِجُ حَائِطَ الْقُدْسِ
مُدْمِنُ خَمْرٍ ، وَلَا الْعَاقُّ ، وَلَا الْمَنَّانُ عَطَاءَهُ } .
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { لَا يَلِجُ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ } .
وَأَحْمَدُ
بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ : { مُدْمِنُ الْخَمْرِ إنْ مَاتَ
- أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ - لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُدْمِنَ خَمْرٍ لَقِيَهُ كَعَابِدِ وَثَنٍ } .
وَالنَّسَائِيُّ
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : مَا
أُبَالِي أَشَرِبْت الْخَمْرَ أَوْ عَبَدْت هَذِهِ السَّارِيَةَ دُونَ
اللَّهِ : أَيْ أَنَّهُمَا فِي الْإِثْمِ مُتَقَارِبَانِ ، وَكَأَنَّهُ
أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
كَعَابِدِ وَثَنٍ " ، وَمِمَّا يَأْتِي عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا لَمَّا
حُرِّمَتْ مَشَى بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَقَالُوا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ
وَجُعِلَتْ عِدْلًا لِلشِّرْكِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مَنَّانٌ } .
قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ
يُصِيبُونَ ذُنُوبًا حَتَّى وَجَدْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ ، فِي الْعَاقِّ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } الْآيَةَ .
وَفِي
الْمَنَّانِ : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى }
وَفِي الْخَمْرِ : { إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ
وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } .
وَأَحْمَدُ
وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
: { ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ
الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْعَاقُّ ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي
يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { يُرَاحُ
رِيحَ الْجَنَّةِ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَلَا يَجِدُ
رِيحَهَا مَنَّانٌ بِعَمَلِهِ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ
.
قَالَ
الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : لَا أَعْلَمُ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحًا
وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
أَبَدًا ، الدَّيُّوثُ ، وَالرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ ، وَمُدْمِنُ
الْخَمْرِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا مُدْمِنُ الْخَمْرِ
فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الدَّيُّوثُ ؟ قَالَ : الَّذِي لَا يُبَالِي
مَنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ .
قُلْنَا فَمَا الرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ ؟ قَالَ : الَّتِي تَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ } .
وَرَزِينٌ : { الْخَمْرُ جِمَاعُ الْإِثْمِ ، وَالنِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ ، وَحُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ } .
وَابْنُ
مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : { أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
لَا تُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْت وَإِنْ حُرِّقْت ، وَلَا
تَتْرُكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا
فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ، وَلَا تَشْرَبَ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا
مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : { أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَاسًا
جَلَسُوا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَذَكَرُوا أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهَا
عِلْمٌ فَأَرْسَلُونِي إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَسْأَلُهُ
فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ شُرْبُ الْخَمْرِ ،
فَأَتَيْتهمْ فَأَخْبَرْتهمْ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ وَوَثَبُوا إلَيْهِ
جَمِيعًا حَتَّى أَتَوْهُ فِي دَارِهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ مَلِكًا مِنْ
مُلُوكِ بَنِي إسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلًا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ
يَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا أَوْ يَزْنِيَ أَوْ يَأْكُلَ
لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ يَقْتُلُوهُ ، فَاخْتَارَ الْخَمْرَ وَإِنَّهُ
لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَرَادُوهُ مِنْهُ ،
وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْرَبُهَا فَتُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً ، وَلَا يَمُوتُ وَفِي مَثَانَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا
حُرِّمَتْ بِهَا عَلَيْهِ الْجَنَّةُ فَإِنْ مَاتَ فِي أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ
وَمَوْقُوفًا وَذَكَرَ أَنَّهُ الْمَحْفُوظُ : { اجْتَنِبُوا أُمَّ
الْخَبَائِثِ ، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
يَتَعَبَّدُ وَيَعْتَزِلُ النَّاسَ فَعَلَّقَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَرْسَلَتْ
إلَيْهِ خَادِمًا إنَّا نَدْعُوك لِشَهَادَةٍ فَدَخَلَ فَطَفِقَتْ
كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى إذَا أَفْضَى إلَى
امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ جَالِسَةٍ وَعِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةٌ فِيهَا
خَمْرٌ فَقَالَتْ إنَّا لَمْ نَدْعُك لِشَهَادَةٍ وَلَكِنْ دَعَوْتُك
لِتَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ وَتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ كَأْسًا مِنْ
الْخَمْرِ فَإِنْ أَبَيْتَ صِحْتُ بِكَ وَفَضَحْتُكَ ، فَلَمَّا رَأَى
أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ اسْقِينِي كَأْسًا مِنْ
الْخَمْرِ فَسَقَتْهُ كَأْسًا مِنْ الْخَمْرِ فَقَالَ زِيدِينِي فَلَمْ
يَزَلْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ ؛ فَاجْتَنِبُوا
الْخَمْرَ فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ إيمَانٌ وَإِدْمَانُ
الْخَمْرِ فِي صَدْرِ رَجُلٍ أَبَدًا لَيُوشِكَنَّ أَحَدُهُمَا يُخْرِجُ
صَاحِبَهُ } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، وَقِيلَ
الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ آدَمَ لَمَّا أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ قَالَتْ
الْمَلَائِكَةُ أَيْ رَبِّي { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِك وَنُقَدِّسُ لَك
قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } قَالُوا رَبَّنَا نَحْنُ
أَطْوَعُ لَك مِنْ بَنِي آدَمَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ
هَلُمُّوا مَلَكَيْنِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلَانِ
قَالُوا رَبَّنَا هَارُوتُ وَمَارُوتُ قَالَ فَاهْبِطَا إلَى الْأَرْضِ
فَتَمَثَّلَتْ
لَهُمَا الزَّهْرَةُ امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ
الْبَشَرِ فَجَاءَاهَا فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ لَا وَاَللَّهِ
حَتَّى تَتَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْإِشْرَاكِ قَالَا
وَاَللَّهِ لَا نُشْرِكُ بِاَللَّهِ أَبَدًا ، فَذَهَبَتْ عَنْهُمَا ثُمَّ
رَجَعَتْ إلَيْهِمَا وَمَعَهَا صَبِيٌّ تَحْمِلُهُ فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا
، فَقَالَتْ لَا وَاَللَّهِ حَتَّى تَقْتُلَا هَذَا الصَّبِيَّ .
فَقَالَا
: لَا وَاَللَّهِ لَا نَقْتُلُهُ أَبَدًا فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ
بِقَدَحِ خَمْرٍ تَحْمِلُهُ فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا ، فَقَالَتْ لَا
وَاَللَّهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذِهِ الْخَمْرَ فَشَرِبَا فَسَكِرَا
فَوَقَعَا عَلَيْهَا وَقَتَلَا الصَّبِيَّ ، فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتْ
الْمَرْأَةُ وَاَللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا مِنْ شَيْءٍ أَبَيْتُمَا عَلَيَّ
إلَّا فَعَلْتُمَا حِينَ سَكِرْتُمَا ، فَخُيِّرَا عِنْدَ ذَلِكَ بَيْنَ
عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { لَمَّا حُرِّمَتْ
الْخَمْرُ مَشَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَقَالُوا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ
وَجُعِلَتْ عِدْلًا لِلشِّرْكِ } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى
كِلَاهُمَا عَنْ شَيْخٍ مِنْ حِمْيَرَ لَمْ يُسَمِّيَاهُ عَنْ أَبِي
تَمِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ سَيِّدَ
الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ عَلَى مِصْرَ يَقُولُ :
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : {
مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ كَذِبَةً مُتَعَمَّدَةً فَلْيَتَبَوَّأْ مَضْجَعًا
مِنْ النَّارِ أَوْ بَيْتًا فِي جَهَنَّمَ } .
وَسَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ شَرِبَ
الْخَمْرَ أَتَى عَطْشَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَلَا فَكُلُّ مُسْكِرٍ
خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُبَيْرَاءَ } ،
وَسَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ مِثْلَهُ
لَمْ يَخْتَلِفَا إلَّا فِي بَيْتٍ أَوْ مَضْجَعٍ .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ خَرَجَ نُورُ الْإِيمَانِ مِنْ
جَوْفِهِ } .
وَالْبَزَّارُ { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَمِيمِ جَهَنَّمَ } .
وَمُسْلِمٌ
وَالنَّسَائِيُّ : { أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيَشَانَ ، وَجَيَشَانُ
مِنْ الْيُمْنِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ
يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَإِنَّ
عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ
طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ
؟ قَالَ : عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ } .
وَالْبَزَّارُ
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ
الْجُنُبُ وَالسَّكْرَانُ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْبَيْهَقِيُّ : {
ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً وَلَا تَصْعَدُ لَهُمْ
إلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى
مَوَالِيهِ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَالْمَرْأَةُ السَّاخِطُ
عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَرْضَى ، وَالسَّكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ } .
وَأَحْمَدُ
: { إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ وَأَمَرَنِي
أَنْ أَمْحَقَ الْمَزَامِيرَ وَالْكَبَارَاتِ يَعْنِي الْبَرَابِطَ - أَيْ
الْعِيدَانَ جَمْعُ بَرْبَطٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَهُوَ الْعُودُ
وَالْمَعَازِفُ وَالْأَوْثَانَ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ - وَأَقْسَمَ رَبِّي بِعِزَّتِهِ لَا يَشْرَبُ عَبْدٌ
مِنْ عَبِيدِي جَرْعَةً مِنْ خَمْرٍ إلَّا سَقَيْته مَكَانَهَا مِنْ
حَمِيمِ جَهَنَّمَ مُعَذَّبًا أَوْ مَغْفُورًا لَهُ ، وَلَا يَدَعُهَا
عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي مِنْ مَخَافَتِي إلَّا سَقَيْته إيَّاهَا مِنْ
حَظِيرَةِ الْقُدْسِ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { مَنْ
تَرَكَ الْخَمْرَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا سَقَيْتُهُ مِنْهُ مِنْ
حَظِيرَةِ الْقُدْسِ ، وَمَنْ تَرَكَ الْحَرِيرَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ
إلَّا كَسَوْته إيَّاهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا
شَيْخَهُ
، وَقَدْ وُثِّقَ وَلَهُ شَوَاهِدُ : { مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْقِيَهُ
اللَّهُ الْخَمْرَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهَا فِي الدُّنْيَا ،
وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْسُوَهُ اللَّهُ الْحَرِيرَ فِي الْآخِرَةِ
فَلْيَتْرُكْهُ فِي الدُّنْيَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ شَرِبَ
حَسْوَةً مِنْ خَمْرٍ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
صَرْفًا وَلَا عَدْلًا ، وَمَنْ شَرِبَ كَأْسًا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ
صَلَاتَهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، وَالْمُدْمِنُ الْخَمْرَ حَقٌّ عَلَى
اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَمَا نَهْرُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ } .
وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِهِ : { وَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَبِيتَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ
وَبَطَرٍ وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ فَيُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ
بِاسْتِحْلَالِهِمْ الْمَحَارِمَ وَاِتِّخَاذِهِمْ الْقَيْنَاتِ
وَشُرْبِهِمْ الْخَمْرَ وَأَكْلِهِمْ الرِّبَا وَلُبْسِهِمْ الْحَرِيرَ } .
وَابْنُ
مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي
الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمْ
بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ
وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ وَقَدْ وُثِّقَ وَقَالَ غَرِيبٌ وَقَدْ
رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ لِنُسُكَيْهِ مُرْسَلًا :
{ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : إذَا
ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ أَوْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ
الْخُمُورُ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { مَنْ مَاتَ
مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَتَحَلَّى
الذَّهَبَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ } .
وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ حِبَّانَ
فِي
صَحِيحِهِ بِنَحْوِهِ : { إذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ ، ثُمَّ
إنْ شَرِبُوا فَاجْلِدُوهُمْ ، ثُمَّ إنْ شَرِبُوا فَاجْلِدُوهُمْ ، ثُمَّ
إنْ شَرِبُوا فَاقْتُلُوهُمْ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ : { إذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ سَكِرَ
فَاجْلِدُوهُ ، ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ، ثُمَّ إنْ عَادَ فِي
الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ } ، وَرِوَايَةُ الْأَخِيرِينَ { فَاضْرِبُوا
عُنُقَهُ } .
وَجَاءَ قَتْلُ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الْمَرَّةِ
الرَّابِعَةِ مِنْ غَيْرِ مَا وَجْهٍ صَحِيحٍ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ
مَنْسُوخٌ .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ :
{ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا
فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ
صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ؛
فَإِنْ عَادَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ
تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ
أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبْ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ } ، قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ رَاوِيهِ يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا نَهْرُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ نَهْرٌ مِنْ
صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ .
وَالنَّسَائِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ
عُمَرَ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَلَمْ يَنْتَثِرْ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ
صَلَاةٌ مَا دَامَ فِي جَوْفِهِ أَوْ عُرُوقِهِ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَإِنْ
مَاتَ مَاتَ كَافِرًا ، فَإِنْ انْتَثَرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ
أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَإِنْ مَاتَ فِيهَا مَاتَ كَافِرًا } .
وَالنَّسَائِيُّ
: { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَعَلَهَا فِي بَطْنِهِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ
صَلَاةٌ سَبْعًا ، وَإِنْ مَاتَ فِيهَا مَاتَ كَافِرًا ، فَإِنْ
أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ } وَفِي رِوَايَةٍ : {
عَنْ الْقُرْآنِ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَإِنْ
مَاتَ فِيهَا مَاتَ كَافِرًا } : أَيْ إنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا لِشُرْبِهَا
أَوْ كَافِرًا لِلنِّعْمَةِ .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ
صَبَاحًا
، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ،
فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ
صَبَاحًا فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ
عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ
أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَإِنْ تَابَ تَابَ
اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ
أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ } .
وَالْحَاكِمُ
وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا : { لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ
مِنْ أُمَّتِي فَتُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا } .
وَأَبُو
دَاوُد : { كُلُّ مُخَمَّرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ
شَرِبَ مُسْكِرًا نَجَّسَتْ صَلَاتَهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ
تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى
اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ، قِيلَ : وَمَا طِينَةُ
الْخَبَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ ، وَمَنْ
سَقَى صَغِيرًا لَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى
اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ } .
وَأَحْمَدُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ .
وَأَحْمَدُ
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ
أَيْضًا : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَرْضَ اللَّهُ عَنْهُ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِرًا وَإِنْ تَابَ تَابَ
اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ
يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ
: { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا
وَمَا يَدْرِيهِ لَعَلَّ مَنِيَّتَهُ تَكُونُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي ،
فَإِنْ عَادَ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَمَا
يَدْرِيهِ لَعَلَّ مَنِيَّتَهُ تَكُونُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِيِ ، فَإِنْ
عَادَ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَهَذِهِ
عِشْرُونَ
وَمِائَةُ لَيْلَةٍ ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ ،
قِيلَ : وَمَا رَدْغَةُ الْخَبَالِ ؛ قَالَ : عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ
وَصَدِيدُهُمْ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ : { مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا
وَهُوَ سَكْرَانُ دَخَلَ الْقَبْرَ سَكْرَانَ وَبُعِثَ سَكْرَانَ وَأُمِرَ
بِهِ إلَى النَّارِ سَكْرَانَ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ سَكْرَانُ فِيهِ
عَيْنٌ يَجْرِي مِنْهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ وَهُوَ طَعَامُهُمْ
وَشَرَابُهُمْ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ } .
وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ سُكْرًا مَرَّةً وَاحِدَةً
فَكَأَنَّمَا كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا فَسُلِبَهَا ،
وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سُكْرًا كَانَ حَقًّا عَلَى
اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ، قِيلَ : وَمَا طِينَةُ
الْخَبَالِ ؟ قَالَ : عُصَارَةُ أَهْلِ جَهَنَّمَ } .
وَأَحْمَدُ
بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ سَكْرَانَ مَرَّةً
وَاحِدَةً فَكَأَنَّمَا كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا
فَسُلِبَهَا } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { إذَا اسْتَحَلَّتْ أُمَّتِي
خَمْسًا فَعَلَيْهِمْ الدَّمَارُ : إذَا ظَهَرَ التَّلَاعُنُ وَشَرِبُوا
الْخُمُورَ وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ وَاتَّخَذُوا الْقِيَانَ وَاكْتَفَى
الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَالْآتِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
أَمَّا
شُرْبُ الْخَمْرِ وَلَوْ قَطْرَةً مِنْهَا فَكَبِيرَةٌ إجْمَاعًا
وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ شُرْبُ الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا ، وَفِي إلْحَاقِ
غَيْرِ الْمُسْكِرِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ إلْحَاقُهُ إنْ كَانَ
شَافِعِيًّا وَقَدْ جَاءَ تَسْمِيَةُ الْخَمْرِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ .
وَرَوَى
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { سَأَلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَقَالَ هِيَ
أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَأُمُّ الْفَوَاحِشِ ، مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ
تَرَكَ الصَّلَاةَ وَوَقَعَ عَلَى أُمِّهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ } .
وَأَمَّا
مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّ شُرْبَ غَيْرِ
الْخَمْرِ إنَّمَا يَكُونُ كَبِيرَةً إذَا سَكِرَ مِنْهُ فَمَرْدُودٌ
بِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي لَا يُسْكِرُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْخَمْرِ عَلَى
الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ ثُبُوتِ اللُّغَةِ قِيَاسًا
وَفِيهِ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ أَيْضًا : أَيْ وَالْحَدُّ مِنْ
الْعَلَامَاتِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى كَوْنِ الشَّيْءِ الْمَحْدُودِ
عَلَيْهِ كَبِيرَةً ، فَسُكُوتُ الرَّافِعِيِّ عَلَى كَلَامِ
الرُّويَانِيِّ ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ : لَوْ خَلَطَ
خَمْرًا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ فَذَهَبَتْ شِدَّتُهَا وَشَرِبَهَا
فَصَغِيرَةٌ .
انْتَهَى .
وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَقِبَهُ
وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَسْمَحُ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ فِيمَا أَرَاهُ ،
وَقَدْ قَالُوا إنَّ شُرْبَ الْقَطْرَةِ مِنْهُ كَبِيرَةٌ وَمَعْلُومٌ
أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ ، انْتَهَى ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَهَذَا فِي حَقِّ
مَنْ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ أَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ الْحِلَّ فَقَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ ،
وَمَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ .
وَمِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةٌ فِي
عَقِيدَتِهِ ، عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ
الرُّويَانِيِّ ذَكَرَ مِثْلَهُ الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ
وَحَكَمَ الْخِلَافَ وَلَمْ يُرَجِّحْ مِنْهُ
شَيْئًا فَقَالَ فِي
تَعْدَادِ الْكَبَائِرِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهِ
وَفِي الْيَسِيرِ مِنْهُ خِلَافٌ إذَا كَانَ شَافِعِيًّا .
انْتَهَى .
وَالْأَرْجَحُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ أَيْضًا .
وَأَمَّا
قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ شُرْبُ الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ ، فَإِنْ اسْتَكْثَرَ
مِنْهُ حَتَّى سَكِرَ أَوْ جَاهَرَ بِهِ فَفَاحِشَةٌ ، فَإِنْ مَزَجَ
خَمْرًا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ فَذَهَبَ شِدَّتُهَا وَضَرَرُهَا
فَذَلِكَ مِنْ الصَّغَائِرِ فَمَرْدُودٌ أَيْضًا ، بَلْ الصَّوَابُ مَا
قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ لَا يَسْمَحُونَ
بِمَا قَالَهُ فِي مَزْجِ الْخَمْرِ بِمِثْلِهَا الْجَزْمُ بِخِلَافِ مَا
قَالَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ لَا مَحَالَةَ .
وَمَرَّ أَنَّ ابْنَ
عَبْدِ السَّلَامِ اخْتَارَ ضَبْطَ الْكَبِيرَةِ بِمَا يُشْعِرُ
بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِدِينِهِ إشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ
الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَقَرَّرَ ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ : فَعَلَى هَذَا
كُلُّ ذَنْبٍ يُعْلَمُ أَنَّ مَفْسَدَتَهُ كَمَفْسَدَةِ مَا اقْتَرَنَ
بِهِ وَعِيدٌ أَوْ لَعْنٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مَفْسَدَةً
مِنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ .
انْتَهَى .
وَذَيَّلَ عَلَيْهِ
تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ
تُوجَدَ الْمَفْسَدَةُ مُجَرَّدَةً عَمَّا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ أَمْرٍ
آخَرَ فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ الْغَلَطُ فِي ذَلِكَ ، قَالَ : أَلَا تَرَى
أَنَّ السَّابِقَ إلَى الذِّهْنِ فِي مَفْسَدَةِ الْخَمْرِ السُّكْرُ
وَتَشَوُّشُ الْعَقْلِ ، فَإِنْ أَخَذْنَا بِمُجَرَّدِهِ لَزِمَ أَنْ لَا
يَكُونَ شُرْبُ الْقَطْرَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُ كَبِيرَةً لِخُلُوِّهَا
عَنْ الْمَفْسَدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا لَكِنَّهَا كَبِيرَةٌ
لِمَفْسَدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ التَّجَرُّؤُ عَلَى شُرْبِ الْكَثِيرِ
الْمَوْقِعِ فِي الْمَفْسَدَةِ فَهَذَا الِاقْتِرَانُ يُصَيِّرُهُ
كَبِيرَةً .
انْتَهَى .
وَفِي الْخَادِمِ : وَأَمَّا النَّبِيذُ
الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إذَا شَرِبَ الْيَسِيرَ مِنْهُ مُعْتَقِدًا
تَحْرِيمَهُ فَفِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً خِلَافٌ مِنْ أَجْلِ اخْتِلَافِ
الْعُلَمَاءِ فِيهِ ؛ وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِيمَا بَعْدُ
بِأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ وَأَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الرَّدِّ : أَيْ
رَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ لِأَنَّهُ فِسْقٌ ؛ وَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ
الْخَمْرُ لِلتَّدَاوِي عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ ، فَيُحْتَمَلُ
أَنْ يُقَالَ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ
كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِلْجُرْأَةِ .
انْتَهَى .
قَالَ
غَيْرُهُ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ : وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ شُرْبَ
الْخَمْرِ وَلَوْ قَطْرَةً كَبِيرَةٌ وَكَذَا شُرْبُ كُلِّ مُسْكِرٍ
وَلَوْ قَطْرَةً أَيْضًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ ، فَجَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ
لَعْنُ نَحْوِ عَشَرَةٍ فِي الْخَمْرِ وَهِيَ جَارِيَةٌ فِي غَيْرِهَا ،
إمَّا بِطَرِيقِ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ أَنَّ
اللُّغَةَ ثَبَتَتْ قِيَاسًا وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لِمَا عُلِمَ
مِنْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْأَحْكَامِ .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
الْعَلَائِيُّ : رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { أَنَّهُ لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً : عَاصِرَهَا
وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ
وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا
وَالْمُشْتَرَى لَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ا هـ .
قَالَ الْجَلَالُ
الْبُلْقِينِيُّ : وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ
بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ ، إنَّمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لُعِنَتْ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ وُجُوهٍ ،
لُعِنَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا وَشَارِبِهَا وَسَاقِيهَا وَبَائِعِهَا
وَمُشْتَرِيهَا وَعَاصِرِهَا وَمُعْتَصِرِهَا وَحَامِلِهَا
وَالْمَحْمُولَةِ إلَيْهِ وَآكِلِ ثَمَنِهَا } ؛ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ
تَشْتَمِلُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ مِنْ الْمَلْعُونِينَ غَيْرِ الشَّارِبِ ،
هَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ .
وَلِأَبِي
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ : { لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا
وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا
وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ } ، هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد .
وَلِابْنِ
مَاجَهْ نَحْوُهُ وَزَادَ : " وَآكِلَ ثَمَنِهَا " ، وَهَذِهِ
الرِّوَايَةُ اشْتَمَلَتْ عَلَى ثَمَانِيَةٍ غَيْرِ الشَّارِبِ أَيْضًا .
وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : {
لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ
عَشَرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا
وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا
وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا وَالْمُشْتَرَى لَهُ } .
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تِسْعَةٍ غَيْرِ الشَّارِبِ .
انْتَهَى .
وَقُدِّمَتْ
فِي أَوَائِلِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً : عَاصِرَهَا
وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ
وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا
وَالْمُشْتَرَى لَهُ } .
وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَيْضًا : { أَتَانِي
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ لَعَنَ
الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا
وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا
وَمُسْتَقَاهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ
لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا
وَمُبْتَاعَهَا وَشَارِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَحَامِلَهَا
وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَمُسْتَقَاهَا } .
وَبِمَجْمُوعِ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يُعْلَمُ مِنْهَا مَا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ ،
عَلَى أَنَّ الْأَصْحَابَ صَرَّحُوا بِأَكْثَرِهِ فَقَدْ قَالَ الصَّلَاحُ
الْعَلَائِيُّ : نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ
كَبِيرَةٌ يُفَسَّقُ مُتَعَاطِيهِ وَكَذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُ الشِّرَاءِ
وَأَكْلُ الثَّمَنِ وَالْحَمْلُ وَالسَّقْيُ ؛ وَأَمَّا عَاصِرُهَا
وَمُعْتَصِرُهَا فَقَالُوا
لَا يَفْسُقُ بِذَلِكَ ، وَيَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَائِرًا مَعَ الْقَصْدِ ، فَإِنْ نَوَى بِهِ
الْخَمْرَ دَخَلَ فِي حُكْمِ الْحَدِيثِ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ شَيْئًا
غَيْرَهُ لَمْ يَدْخُلْ .
وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ مُجَرَّدَ إمْسَاكِ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ وَيَجُوزُ إمْسَاكُهَا لِتَنْقَلِبَ خَلًّا .
وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : إنَّ إمْسَاكَهَا لِذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ قَصَدَ
ادِّخَارَهَا عَلَى حَالِهَا فَيُفَسَّقُ بِهِ ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا
أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ مَعْنَى الْقَصْدِ .
انْتَهَى .
قَالَ
الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقَصْدِ هُوَ
الصَّوَابُ أَمَّا الْخَالِي عَنْ الْقَصْدِ أَوْ لِقَصْدِ الْخَلِّ فَلَا
.
انْتَهَى .
وَالْحَاصِلُ ؛ أَنَّ تَعَمُّدَ شُرْبِ الْقَلِيلِ
مِنْ الْخَمْرِ أَوْ النَّبِيذِ وَلَوْ مَطْبُوخًا مَعَ عِلْمِ
التَّحْرِيمِ كَبِيرَةٌ وَكَذَا بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ
كَتَدَاوٍ أَوْ قَصْدِ تَخَلُّلٍ وَكَذَا عَصْرُهَا وَاعْتِصَارُهَا
وَنَحْوُهُمَا مِمَّا مَرَّ إنْ قَصَدَ بِهِ شُرْبَهَا أَوْ الْإِعَانَةَ
عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَحْوِ إمْسَاكِهَا لِقَصْدِ تَخْلِيلٍ أَوْ تَخَلُّلٍ
.
خَاتِمَةٌ : ذَكَرَ بَعْضُهُمْ تَتِمَّاتٍ لِمَا سَبَقَ
فَأَذْكُرُهَا وَإِنْ كَانَ فِي خِلَالِهَا بَعْضُ مَا مَرَّ لِتَبْقَى
عُهْدَةُ غَيْرِ مَا سَبَقَ عَلَيْهِ قَالَ مَا حَاصِلُهُ : نَهَى اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ : { إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ } إلَى
قَوْله تَعَالَى { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فِي هَذِهِ الْآيَةِ
عَنْ الْخَمْرِ وَحَذَّرَ مِنْهَا .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ أُمَّ الْخَبَائِثِ فَمَنْ لَمْ
يَجْتَنِبْهَا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَحَقَّ الْعَذَابَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ يَعْصِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا
فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } } .
وَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ
الْخَمْرِ مَشَى الصَّحَابَةُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَقَالُوا حُرِّمَتْ
الْخَمْرُ وَجُعِلَتْ عِدْلًا لِلشِّرْكِ .
وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ
كَعَابِدِ الْوَثَنِ وَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
كَمَا مَرَّ فِي أَحَادِيثَ : أَيْ إنْ اسْتَحَلَّهَا .
وَذَهَبَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إلَى أَنَّ
الْخَمْرَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَهِيَ بِلَا رَيْبٍ أُمُّ الْخَبَائِثِ
وَقَدْ لُعِنَ شَارِبُهَا وَنَحْوُهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ ، وَمَرَّ
فِي الْحَدِيثِ أَنَّ السَّكْرَانَ لَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ
يَوْمًا وَلَا تُرْفَعُ لَهُ إلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ .
وَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَلَمْ
يَسْكَرْ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، وَمَنْ شَرِبَ
الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَإِنْ مَاتَ فِيهَا مَاتَ كَعَابِدِ وَثَنٍ وَكَانَ
حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قِيلَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : عُصَارَةُ أَهْلِ
النَّارِ الْقَيْحُ وَالدَّمُ } .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
أَوْفَى : مَنْ مَاتَ مُدْمِنَ خَمْرٍ كَعَابِدِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ،
قِيلَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَفِيقُ مِنْ شُرْبِهَا
قَالَ لَا وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي يَشْرَبُهَا إذَا وَجَدَهَا وَلَوْ
بَعْدَ سِنِينَ .
وَفِي الْحَدِيثِ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُمْسِيًا أَصْبَحَ مُشْرِكًا ، وَمَنْ شَرِبَهَا مُصْبِحًا أَمْسَى مُشْرِكًا } .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَا تَعُودُوا شَرَبَةَ الْخَمْرِ إذَا مَرِضُوا .
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الْخَمْرِ .
وَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تُجَالِسُوا شُرَّابَ
الْخَمْرِ وَلَا تَعُودُوا مَرَضَاهُمْ ، وَلَا تَشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ
، وَإِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُسْوَدًّا
وَجْهُهُ مُدْلِعًا لِسَانَهُ عَلَى صَدْرِهِ يَسِيلُ لُعَابُهُ
يُقَذِّرُهُ كُلُّ مَنْ رَآهُ } .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ :
وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ عِيَادَتِهِمْ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ
شَارِبَ الْخَمْرِ فَاسِقٌ مَلْعُونٌ قَدْ لَعَنَهُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ اشْتَرَاهَا وَعَصَرَهَا كَانَ مَلْعُونًا مَرَّتَيْنِ ، وَإِنْ سَقَاهَا لِغَيْرِهِ كَانَ مَلْعُونًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَلِذَلِكَ نَهَى عَنْ عِيَادَتِهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ .
وَلَا
يَحِلُّ التَّدَاوِي بِهَا ، فَعَنْ { أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ : اشْتَكَتْ بِنْتٌ لِي فَنَبَذْت لَهَا فِي كُوزٍ
فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ يَغْلِي قَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ ؟ فَذَكَرْت لَهُ
أَنِّي أُدَاوِي ، بِهِ ابْنَتِي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا
حَرَّمَ عَلَيْهَا } .
وَرُوِيَ فِي الْخَمْرِ أَحَادِيثُ
مُتَفَرِّقَةٌ : مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { أُتِيَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَبِيذٍ فِي جَرَّةٍ لَهُ نَشِيشٌ
فَقَالَ اضْرِبُوا بِهَذَا الْحَائِطَ فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لَا
يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ فِي صَدْرِهِ آيَةٌ مِنْ
كِتَابِ اللَّهِ وَصَبَّ عَلَيْهَا الْخَمْرَ يَجِيءُ كُلُّ حَرْفٍ مِنْ
تِلْكَ الْآيَةِ فَيَأْخُذُ بِنَاصِيَتِهِ حَتَّى يُوقِفَهُ بَيْنَ يَدَيْ
اللَّهِ تَعَالَى فَيُخَاصِمُهُ وَمَنْ خَاصَمَهُ الْقُرْآنُ خُصِمَ ،
فَالْوَيْلُ لِمَنْ كَانَ الْقُرْآنُ خَصْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَجَاءَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَا
مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا عَلَى مُسْكِرٍ فِي الدُّنْيَا إلَّا جَمَعَهُمْ
اللَّهُ فِي النَّارِ فَيُقْبِلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ
يَقُولُ أَحَدُهُمْ لِلْآخَرِ يَا فُلَانُ لَا جَزَاكَ اللَّهُ عَنِّي
خَيْرًا فَأَنْتَ الَّذِي أَوْرَدْتَنِي هَذَا الْمَوْرِدَ فَيَقُولُ لَهُ
الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ } .
وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا
سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ سُمِّ الْأَسَاوِدِ شَرْبَةً يَتَسَاقَطُ مِنْهَا
لَحْمُ وَجْهِهِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَهَا فَإِذَا
شَرِبَهَا يَتَسَاقَطُ لَحْمُهُ وَجِلْدُهُ يَتَأَذَّى بِهِ أَهْلُ
النَّارِ ، أَلَا وَإِنَّ شَارِبَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا
وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا شُرَكَاءُ فِي
إثْمِهَا لَا
يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً وَلَا صَوْمًا
وَلَا حَجًّا حَتَّى يَتُوبُوا فَإِنْ مَاتُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ كَانَ
حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُمْ بِكُلِّ جَرْعَةٍ شَرِبُوهَا فِي
الدُّنْيَا مِنْ صَدِيدِ جَهَنَّمَ ، أَلَا وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ
وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } .
وَرُوِيَ { أَنَّ شَرَبَةَ الْخَمْرِ إذَا
أَتَوْا عَلَى الصِّرَاطِ تَخَطَّفَهُمْ الزَّبَانِيَةُ إلَى نَهْرِ
الْخَبَالِ فَيُسْقَوْنَ بِكُلِّ كَأْسٍ شَرِبُوا مِنْ الْخَمْرِ شَرْبَةً
مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ ، فَلَوْ أَنَّ تِلْكَ الشَّرْبَةَ تُصَبُّ مِنْ
السَّمَاءِ لَاحْتَرَقَتْ السَّمَوَاتُ مِنْ حَرِّهَا نَعُوذُ بِاَللَّهِ
مِنْهَا } .
وَجَاءَ فِيهَا آثَارٌ عَنْ السَّلَفِ ، فَعَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إذَا مَاتَ شَارِبُ الْخَمْرِ
فَادْفِنُوهُ ثُمَّ اُصْلُبُونِي عَلَى خَشَبَةٍ ثُمَّ اُنْبُشُوا عَنْهُ
قَبْرَهُ فَإِنْ لَوْ تَرَوْا وَجْهَهُ مَصْرُوفًا عَنْ الْقِبْلَةِ
وَإِلَّا فَاتْرُكُونِي مَصْلُوبًا .
وَعَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَضَرَ عِنْدَ تِلْمِيذٍ لَهُ حَضَرَهُ
الْمَوْتُ فَجَعَلَ يُلَقِّنُهُ الشَّهَادَةَ وَلِسَانُهُ لَا يَنْطِقُ
بِهَا فَكَرَّرَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَا أَقُولُهَا وَأَنَا بَرِيءٌ
مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ فَخَرَجَ الْفُضَيْلُ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَبْكِي
ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فِي مَنَامِهِ وَهُوَ يُسْحَبُ بِهِ فِي
النَّارِ فَقَالَ لَهُ يَا مِسْكِينُ بِمَ نُزِعَتْ مِنْك الْمَعْرِفَةُ ؟
فَقَالَ : يَا أُسْتَاذُ كَانَ بِي عِلَّةٌ فَأَتَيْت بَعْضَ
الْأَطِبَّاءِ فَقَالَ لِي تَشْرَبُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدَحًا مِنْ
الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَبْقَ بِك عِلَّتُكَ فَكُنْتُ
أَشْرَبُهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ ؛ لِأَجْلِ التَّدَاوِي فَهَذَا حَالُ مَنْ
شَرِبَهَا لِلتَّدَاوِي فَكَيْفَ حَالُ مَنْ يَشْرَبُهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ بَلَاءٍ وَمِحْنَةٍ .
وَسُئِلَ
بَعْضُ التَّائِبِينَ عَنْ سَبَبِ تَوْبَتِهِ فَقَالَ كُنْتُ أَنْبُشُ
الْقُبُورَ فَرَأَيْت فِيهَا أَمْوَاتًا مَصْرُوفِينَ عَنْ الْقِبْلَةِ
فَسَأَلْتُ أَهَالِيَهُمْ عَنْهُمْ فَقَالُوا كَانُوا يَشْرَبُونَ
الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَمَاتُوا مِنْ غَيْرِ
تَوْبَةٍ .
وَقَالَ
بَعْضُ الصَّالِحِينَ : مَاتَ لِي وَلَدٌ فَلَمَّا دَفَنْتَهُ رَأَيْتُهُ
بَعْدَ مُدَّةٍ فِي الْمَنَامِ وَقَدْ شَابَ رَأْسُهُ فَقُلْتُ يَا
وَلَدِي دَفَنْتُكَ صَغِيرًا فَمَا الَّذِي شَيَّبَكَ ؟ فَقَالَ : يَا
أَبَتِ لَمَّا دَفَنْتنِي دُفِنَ إلَى جَانِبِي رَجُلٌ كَانَ يَشْرَبُ
الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَزَفَرَتْ النَّارُ لِقُدُومِهِ إلَى قَبْرِهِ
زَفْرَةً لَمْ يَبْقَ مِنْهَا طِفْلٌ إلَّا شَابَ رَأْسُهُ مِنْ شِدَّةِ
زَفْرَتِهَا .
وَقَالَ أَيْضًا : وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَشِيشَةَ
الْمَعْرُوفَةَ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ يُحَدُّ آكِلُهَا أَيْ عَلَى قَوْلٍ
قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا يُحَدُّ شَارِبُ الْخَمْرِ
وَهِيَ أَخْبَثُ مِنْ الْخَمْرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُفْسِدُ الْعَقْلَ
وَالْمِزَاجَ : أَيْ إفْسَادًا عَجِيبًا حَتَّى يَصِيرَ فِي مُتَعَاطِيهَا
تَخَنُّثٌ قَبِيحٌ وَدِيَاثَةٌ عَجِيبَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ
الْمَفَاسِدِ فَلَا يَصِيرُ لَهُ مِنْ الْمُرُوءَةِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ
وَيُشَاهَدُ مِنْ أَحْوَالِهِ خُنُوثَةُ الطَّبْعِ وَفَسَادُهُ
وَانْقِلَابُهُ إلَى أَشَرِّ مِنْ طَبْعِ النِّسَاءِ وَمِنْ الدِّيَاثَةِ
عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَهْلِهِ فَضْلًا عَنْ الْأَجَانِبِ مَا يَقْضِي
الْعَاقِلُ مِنْهُ بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ ، وَكَذَا مُتَعَاطِي نَحْوَ
الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ قَبْلَ الْبَيْعِ ،
وَالْخَمْرُ أَخْبَثُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُفْضِي إلَى الصِّيَالِ عَلَى
الْغَيْرِ وَإِلَى الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَالْبَطْشِ
وَكِلَاهُمَا يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ .
وَرَأَى آخَرُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَعْذِيرَ آكِلِهَا كَالْبَنْجِ .
وَمِمَّا
يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُحَدُّ أَنَّ آكِلَهَا يَنْتَشِي
وَيَشْتَهِيهَا كَالْخَمْرِ وَأَكْثَرَ حَتَّى لَا يَصْبِرُ عَنْهَا
وَتَصُدُّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ
تِلْكَ الْقَبَائِحِ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِّ
فِيهَا وَفِي نَجَاسَتِهَا كَوْنُهَا جَامِدَةً مَطْعُومَةً لَيْسَتْ
شَرَابًا فَقِيلَ : هِيَ نَجِسَةٌ كَالْخَمْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ : أَيْ
عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَقِيلَ : طَاهِرَةٌ
لِجُمُودِهَا أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَقِيلَ :
الْمَائِعَةُ نَجِسَةٌ وَالْجَامِدَةُ طَاهِرَةٌ .
قَالَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ لَفْظًا وَمَعْنًى .
قَالَ
أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا
فِي شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ الْبِتْعُ وَهُوَ مِنْ
الْعَسَلِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ ، وَالْمِزْرُ وَهُوَ مِنْ
الذُّرَةِ
وَالشَّعِيرِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلَامِ
بِخَوَاتِيمِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ
فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ } وَلَمْ يُفَرِّقْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ كَكَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا
، عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ يُتَأَدَّمُ بِهَا بِالْخُبْزِ ،
وَالْحَشِيشَةَ قَدْ تُذَابُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ ،
وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْعُلَمَاءُ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى
عَهْدِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ فِي مَجِيءِ
التَّتَارِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ .
وَمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ :
فَآكِلُهَا وَزَاعِمُهَا حَلَالًا فَتِلْكَ عَلَى الشَّقِيِّ مُصِيبَتَانِ
فَوَاَللَّهِ مَا فَرِحَ إبْلِيسُ بِمِثْلِ فَرَحِهِ بِالْحَشِيشَةِ
لِأَنَّهُ زَيَّنَهَا لِلْأَنْفُسِ الْخَسِيسَةِ .
حُكِيَ عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّ شَابًّا جَاءَ إلَيْهِ بَاكِيًا حَزِينًا
فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي ارْتَكَبْت ذَنْبًا عَظِيمًا
فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : وَمَا ذَنْبُك ؟ قَالَ : ذَنْبِي
عَظِيمٌ .
قَالَ : وَمَا هُوَ فَتُبْ إلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ ، قَالَ : يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُنْتُ أَنْبُشُ الْقُبُورَ وَكُنْت أَرَى فِيهَا
أُمُورًا عَجِيبَةً ، قَالَ : مَا رَأَيْت ؟ قَالَ : يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ : نَبَشْتُ لَيْلَةً قَبْرًا فَرَأَيْت صَاحِبَهُ قَدْ
حُوِّلَ وَجْهُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فَخِفْتُ مِنْهُ وَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ
وَإِذَا بِقَائِلٍ فِي الْقَبْرِ يَقُولُ أَلَا تَسْأَلُ عَنْ الْمَيِّتِ
لِمَاذَا حُوِّلَ وَجْهُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ ؟ فَقُلْتُ : لِمَاذَا
حُوِّلَ ؟ قَالَ : لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَخِفًّا بِالصَّلَاةِ فَهَذَا
جَزَاءُ مِثْلِهِ ، ثُمَّ نَبَشْتُ قَبْرًا آخَرَ فَرَأَيْتُ صَاحِبَهُ
قَدْ حُوِّلَ خِنْزِيرًا وَقَدْ شُدَّ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ فِي
عُنُقِهِ فَخِفْتُ مِنْهُ
وَأَرَدْت الْخُرُوجَ وَإِذَا بِقَائِلٍ
يَقُولُ أَلَا تَسْأَلُ عَنْ عَمَلِهِ وَلِمَاذَا يُعَذَّبُ ؟ فَقُلْتُ :
لِمَاذَا ؟ فَقَالَ : كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ
تَوْبَةٍ ، ثُمَّ نَبَشْتُ قَبْرًا آخَرَ فَوَجَدْتُ صَاحِبَهُ قَدْ شُدَّ
فِي الْأَرْضِ بِأَوْتَادٍ مِنْ نَارٍ وَأُخْرِجَ لِسَانُهُ مِنْ قَفَاهُ
فَخِفْتُ وَرَجَعْتُ وَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ فَنُودِيتُ أَلَا تَسْأَلُ
عَنْ حَالِهِ لِمَاذَا اُبْتُلِيَ ؟ فَقُلْت : لِمَاذَا ؟ فَقَالَ : كَانَ
لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ يَنْقُلُ الْحَدِيثَ بَيْنَ
النَّاسِ فَهَذَا جَزَاءُ مِثْلِهِ .
ثُمَّ نَبَشْت قَبْرًا آخَرَ
فَوَجَدْتُ صَاحِبَهُ قَدْ اشْتَعَلَ بِالنَّارِ فَخِفْتُ وَأَرَدْتُ
الْخُرُوجَ فَقِيلَ لِي أَلَا تَسْأَلُ عَنْهُ وَعَنْ حَالِهِ ؟ فَقُلْتُ
: وَمَا حَالُهُ ؟ قَالَ : كَانَ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ فَهَذَا جَزَاءُ
مِثْلِهِ ، ثُمَّ نَبَشْتُ قَبْرًا فَرَأَيْتُهُ قَدْ وُسِّعَ عَلَى مَدِّ
الْبَصَرِ وَفِيهِ نُورٌ سَاطِعٌ وَالْمَيِّتُ نَائِمٌ عَلَى سَرِيرِهِ
وَقَدْ أَشْرَقَ نُورُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ حَسَنَةٌ فَأَخَذَتْنِي
مِنْهُ هَيْبَةٌ فَأَرَدْت الْخُرُوجَ فَقِيلَ لِي أَلَا تَسْأَلُ عَنْ
حَالِهِ لِمَاذَا أُكْرِمَ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ ؟ فَقَالَ : لِمَاذَا ؟
فَقِيلَ لِي : إنَّهُ كَانَ شَابًّا طَائِعًا نَشَأَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ وَعِبَادَتِهِ .
فَقَالَ : عَبْدُ الْمَلِكِ عِنْدَ
ذَلِكَ إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِلْعَاصِينَ وَبِشَارَةً
لِلطَّائِعِينَ ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ أَطَاعَهُ فَرَضِيَ عَنْهُ
بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ .
بَابُ الصِّيَالِ ( الْكَبِيرَةُ
الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : الصِّيَالُ عَلَى مَعْصُومٍ
لِإِرَادَةِ نَحْوِ قَتْلِهِ أَوْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ انْتِهَاكِ
حُرْمَةِ بُضْعِهِ أَوْ لِإِرَادَةِ تَرْوِيعِهِ وَتَخْوِيفِهِ ) .
أَخْرَجَ
مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ أَبُو
الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَشَارَ إلَى
أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ
وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ } .
وَالشَّيْخَانِ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا تَوَجَّهَ الْمُسْلِمَانِ
بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُمَا : { إذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى
أَخِيهِ السِّلَاحَ فَهُمَا عَلَى حَرْفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا قَتَلَ
أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلَاهَا جَمِيعًا قَالَ قُلْنَا أَوْ قِيلَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ
إنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ طُرُقٍ : { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُؤْمِنٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا } .
قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَمَّا مَزَحَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ
مَعَ بَعْضِهِمْ فَأَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ وَهُوَ نَائِمٌ
إيهَامًا لَهُ أَنْ سُرِقَ } وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى عِنْدَ الْبَزَّارِ
وَالطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي الشَّيْخِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ فَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ : { لَا
تُرَوِّعُوا الْمُسْلِمَ فَإِنَّ رَوْعَةَ الْمُسْلِمِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
أَنَّ { رَجُلًا قَامَ وَنَسِيَ نَعْلَيْهِ فَأَخَذَهُمَا رَجُلٌ
فَوَضَعَهُمَا تَحْتَهُ فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَقَالَ نَعْلِي ؟ فَقَالَ
الْقَوْمُ : مَا رَأَيْنَاهُمَا فَقَالَ : هُوَ ذِهِ فَقَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَكَيْفَ بِرَوْعَةِ الْمُؤْمِنِ ؟ فَقَالَ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا صَنَعْته لَاعِبًا ، فَقَالَ فَكَيْفَ
بِرَوْعَةِ
الْمُؤْمِنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَمِّنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
وَأَبُو الشَّيْخِ : { مَنْ نَظَرَ إلَى مُؤْمِنٍ أَوْ مُسْلِمٍ نَظْرَةً
يُخِيفُهُ فِيهَا بِغَيْرِ حَقٍّ أَخَافَهُ اللَّهُ فِيهَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ هُوَ فِي
الْأَخِيرَةِ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ، وَمَا بَعْدَهُ وَفِيمَا
قَبْلَهَا مَفْهُومٌ مِنْهُ بِالْأَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ
مَنْ ذَكَرَهُ ، لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَئِمَّتَنَا أَهْدَرُوا دَمَ
الصَّائِلِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَبَاحُوا لِلْمَصُولِ عَلَيْهِ
تَارَةً وَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ أُخْرَى أَنْ يَدْفَعَهُ وَإِذَا دَفَعَهُ
لَزِمَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ ، فَلَا يَنْتَقِلُ
لِرُتْبَةٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّ مَا دُونَهَا كَافٍ ، فَإِذَا أَفْضَى
دَفْعُهُ حِينَئِذٍ إلَى قَتْلِهِ كَانَ مُهْدَرًا لَا قِصَاصَ فِيهِ
وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ ، فَإِهْدَارُهُ صَرِيحٌ ظَاهِرٌ فِي
فِسْقِهِ ؛ لِأَنَّ صِيَالَهُ إذَا كَانَ مُهْدَرًا لِدَمِهِ فَأَوْلَى
أَنْ يَكُونَ مُفَسِّقًا لَهُ ، وَهَذَا لَوْ لَمْ تَرِدْ تِلْكَ
الْأَحَادِيثُ بِهَذَا فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَتْ .
ثُمَّ رَأَيْت مَا
هُوَ نَصٌّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ خَبَرُ مُسْلِمٍ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ فَلَا تُعْطِهِ
مَالَك ، قَالَ : أَرَأَيْت إنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : قَاتِلْهُ ، قَالَ :
أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ : أَرَأَيْت إنْ
قَتَلْته ؟ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ } .
وَرَوَى النَّسَائِيُّ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ عُدِيَ عَلَى مَالِي ؟ قَالَ : فَانْشُدْ بِاَللَّهِ .
قَالَ : فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ ، قَالَ : فَأَنْشِدْ بِاَللَّهِ .
قَالَ
: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ ، قَالَ : فَأَنْشِدْ بِاَللَّهِ ، قَالَ :
فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ قَالَ : فَقَاتِلْ فَإِنْ قُتِلْت فَفِي
الْجَنَّةِ وَإِنْ قَتَلْت فَفِي النَّارِ } .
وَصَحَّ : { مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ
قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } .
ثُمَّ
رَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ صَرَّحَ فِي
الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ فَقَالَ : وَأَنْ يُشِيرَ إلَى أَخِيهِ
بِحَدِيدَةٍ أَوْ سِلَاحٍ مُرَوِّعًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْته .
(
الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
أَنْ يَطَّلِعَ مِنْ نَحْوِ ثُقْبٍ ضَيِّقٍ فِي دَارِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ
إذْنِهِ عَلَى حُرَمِهِ ) .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ
بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ } .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : { فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَقَدْ هُدِرَتْ } .
وَالنَّسَائِيُّ : { مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَلَا دِيَةَ وَلَا قِصَاصَ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ إلَّا ابْنُ لَهِيعَةَ : وَمَرَّ أَنَّ حَدِيثَهُ حَسَنٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ : {
أَيُّمَا رَجُلٍ كَشَفَ سِتْرًا فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ
لَهُ فَقَدْ أَتَى حَدًّا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ ، وَلَوْ
أَنَّ رَجُلًا فَقَأَ عَيْنَهُ لَهَدَرَتْ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ
عَلَى بَابٍ لَا سِتْرَ لَهُ فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ فَلَا خَطِيئَةَ
عَلَيْهِ إنَّمَا الْخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَنْزِلِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا أَنَّ {
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ
الِاسْتِئْذَانِ فِي الْبُيُوتِ ، فَقَالَ : مَنْ دَخَلَتْ عَيْنُهُ
قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ وَيُسَلِّمَ فَلَا إذْنَ لَهُ وَقَدْ عَصَى
رَبَّهُ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ
مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ
إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ أَوْ
بِمَشَاقِصَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعَنَهُ
} .
وَالنَّسَائِيُّ : { أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى بَابَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْقَمَ عَيْنَهُ خَصَاصَةَ
الْبَابِ فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَتَوَخَّاهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ عُودٍ لِيَفْقَأَ عَيْنَهُ ، فَلَمَّا أَنْ
أَبْصَرَهُ
انْقَمَعَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أَمَا إنَّك لَوْ ثَبَتَّ لَفَقَأْتُ عَيْنَك } ؛ وَالْمِشْقَصُ بِكَسْرٍ
فَسُكُونٍ لِلْمُعْجَمَةِ فَفَتْحٍ لِلْقَافِ سَهْمٌ لَهُ نَصْلٌ عَرِيضٌ
، وَقِيلَ طَوِيلٌ ، وَقِيلَ هُوَ النَّصْلُ الْعَرِيضُ نَفْسُهُ ،
وَقِيلَ الطَّوِيلُ ، وَيَخْتِلُهُ بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ يَخْدَعُهُ
وَيُرَاوِغُهُ ، وَخَصَاصَةُ الْبَابِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ
وَبِمُهْمَلَتَيْنِ الثُّقْبُ وَالشُّقُوقُ فِيهِ : أَيْ جَعَلَ شَقَّهُ
مُحَاذِيَ عَيْنَهُ وَتَوَخَّاهُ بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ : أَيْ
قَصَدَهُ .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُجْرَةٍ
مِنْ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرَاةٌ يَحُكُّ بِهَا
رَأْسَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ
عَلِمْتُ أَنَّك تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ ، إنَّمَا جُعِلَ
الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ
لَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : { ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ
يَفْعَلَهُنَّ : لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ
بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ ، وَلَا يَنْظُرُ
فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ
: أَيْ صَارَ كَاَلَّذِي دَخَلَ بَيْتَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ ، وَلَا
يُصَلِّي وَهُوَ حَقْنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ
طُرُقٍ أَحَدُهَا جَيِّدٌ : { لَا تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا
وَلَكِنْ ائْتُوهَا مِنْ جَوَانِبِهَا فَاسْتَأْذِنُوا فَإِنْ أُذِنَ
لَكُمْ فَادْخُلُوا وَإِلَّا فَارْجِعُوا } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا
هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ
ذَكَرَهُ لِأَنَّ هَدْرَ الْعَيْنِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ
فِسْقٌ ، لِأَنَّ قَلْعَهَا كَالْحَدِّ لِنَظَرِهَا ، وَالْحَدُّ مِنْ
أَمَارَاتِ الْكَبِيرَةِ اتِّفَاقًا فَكَذَا مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ ،
عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ حَدًّا لِكَوْنِ الشَّارِعِ
رَتَّبَ جَوَازَ فِعْلِهِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ بِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ ، وَهَذَا شَأْنُ الْحُدُودِ دُونَ التَّعَازِيرِ إذْ لَا مَحَلَّ لَهَا مَخْصُوصٌ مِنْ الْبَدَنِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ لِصَاحِبِ الدَّارِ تَرْكُ رَمْيِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ حَدِّ الْقَذْفِ فِي جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْهُ .
(
الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ :
التَّسَمُّعُ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ ) .
أَخْرَجَ
الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ
تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ
شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ ، وَمَنْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ
وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ - أَيْ بِالْمَدِّ
وَضَمِّ النُّونِ : الرَّصَاصُ الْمُذَابُ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ
صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ
وَلَيْسَ بِنَافِخٍ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحٌ هَذَا
الْحَدِيثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ لِأَنَّ صَبَّ
الرَّصَاصِ الْمُذَابِ فِي الْأُذُنَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعِيدٌ
شَدِيدٌ جِدًّا ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ وَمَرَّ فِي مَبْحَثِ
الْغِيبَةِ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَجَسَّسُوا } وَقَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا
تَحَسَّسُوا } ، قِيلَ هُمَا مُتَرَادِفَانِ وَمَعْنَاهُمَا طَلَبُ
مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ ، وَقِيلَ مُخْتَلِفَانِ فَهُوَ بِالْحَاءِ أَنْ
تَسْمَعَهَا بِنَفْسِك وَبِالْجِيمِ أَنْ تَفْحَصَ عَنْهَا بِغَيْرِك ،
وَقِيلَ بِالْحَاءِ اسْتِمَاعُ حَدِيثِ الْقَوْمِ وَبِالْجِيمِ الْبَحْثُ
عَنْ الْعَوْرَاتِ ؛ وَمِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ
لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَرِقَ السَّمْعَ مِنْ دَارِ غَيْرِهِ ، وَأَنْ
لَا يَسْتَنْشِقَ وَلَا يَمَسَّ ثَوْبَ إنْسَانٍ لِيَسْمَعَ أَوْ يَشُمَّ
أَوْ يَجِدَ مُنْكَرًا ، وَأَنْ لَا يَسْتَخْبِرَ مِنْ صِغَارِ دَارٍ أَوْ
جِيرَانِهَا ؛ لِيَعْلَمَ مَا يَجْرِي فِي بَيْتِ جَارِهِ .
نَعَمْ
لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلَهُ أَنْ
يَهْجُمَ عَلَيْهِمْ بِلَا اسْتِئْذَانٍ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ ،
وَسَيَأْتِي فِي بَحْثِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَا يُؤَيِّدُهُ
وَيُفِيدُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : تَرْكُ خِتَانِ الرَّجُلِ
أَوْ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ) .
كَذَا ذَكَرَ هَذَا بَعْضُهُمْ
، وَلَهُ نَوْعُ وَجْهٍ فِي تَرْكِ خِتَانِ الذَّكَرِ لِمَا يَتَرَتَّبُ
عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا تَرْكُ
الصَّلَاةِ غَالِبًا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَخْتُونِ لَا يَصِحُّ
اسْتِنْجَاؤُهُ حَتَّى يَغْسِلَ الْحَشَفَةَ الَّتِي دَاخِلَ قُلْفَتِهِ ؛
لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةَ الْإِزَالَةِ كَانَ مَا
تَحْتَهَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فَوَجَبَ غَسْلُهُ ، وَالْغَالِبُ مِنْ
أَحْوَالِ غَيْرِ الْمَخْتُونِينَ التَّسَاهُلُ فِي ذَلِكَ وَعَدَمُ
الِاعْتِنَاءِ بِهِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ فَكَأَنَّ هَذَا هُوَ
مَلْحَظُ مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ .
وَأَمَّا كَوْنُ تَرْكِهِ
فِي حَقِّ الْأُنْثَى كَبِيرَةً فَلَا وَجْهَ لَهُ ، ثُمَّ رَأَيْت فِي
كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
حَكَمُوا وَجْهَيْنِ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَقْلَفِ .
قَالَ بَعْضُ
شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ كَالْكَمَالِ الدَّمِيرِيِّ : وَالصَّحِيحُ أَنَّا
إنْ أَوْجَبْنَا الْخِتَانَ فَتَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ فَسَقَ .
انْتَهَى .
فَأَفْهَمَ
ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى
وَأَنَّ الذَّكَرَ يُفَسَّقُ بِتَرْكِ الْخِتَانِ بِلَا عُذْرٍ وَيَلْزَمُ
مِنْ فِسْقِهِ بِذَلِكَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْته .
كِتَابُ
الْجِهَادِ ( الْكَبِيرَةُ التِّسْعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ
وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : تَرْكُ الْجِهَادِ عِنْدَ
تَعَيُّنِهِ بِأَنْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّونَ دَارَ الْإِسْلَامِ أَوْ
أَخَذُوا مُسْلِمًا وَأَمْكَنَ تَخْلِيصُهُ مِنْهُمْ ، وَتَرْكُ النَّاسِ
الْجِهَادَ مِنْ أَصْلِهِ ، وَتَرْكُ أَهْلِ الْإِقْلِيمِ تَحْصِينَ
ثُغُورِهِمْ بِحَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ
بِسَبَبِ تَرْكِ ذَلِكَ التَّحْصِينِ ) .
قَالَ تَعَالَى : { وَلَا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } ، وَهِيَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى
الْهَلَاكِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا .
وَقَالَ قَوْمٌ : التَّهْلُكَةُ
مَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَالْهَلَاكُ مَا لَمْ يُمْكِنْ
التَّحَرُّزُ عَنْهُ ، وَقِيلَ هِيَ نَفْسُ الشَّيْءِ الْمُهْلِكِ ،
وَقِيلَ هِيَ مَا تَضُرُّ عَاقِبَتُهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ
الْإِلْقَاءِ بِالْأَيْدِي إلَى التَّهْلُكَةِ ، فَقِيلَ هُوَ رَاجِعٌ
إلَى نَفْسِ النَّفَقَةِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورِ
، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ
لَا يُنْفِقُوا فِي جِهَاتِ الْجِهَادِ أَمْوَالَهُمْ فَيَسْتَوْلِيَ
الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ وَيُهْلِكَهُمْ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ إنْ كُنْت مِنْ
رِجَالِ الدِّينِ فَأَنْفِقْ مَالَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كُنْت
مِنْ رِجَالِ الدُّنْيَا فَأَنْفِقْ مَالَك فِي دَفْعِ الْهَلَاكِ
وَالضُّرِّ عَنْ نَفْسِك ؛ وَقِيلَ : هِيَ الْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ
لِأَنَّ إنْفَاقَ جَمِيعِ الْمَالِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ عِنْدَ
الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ إلَى الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ أَوْ
الْمَلْبُوسِ ، وَقِيلَ : هِيَ السَّفَرُ إلَى الْجِهَادِ بِلَا نَفَقَةٍ
وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمٌ فَانْقَطَعُوا فِي الطَّرِيقِ ، وَقِيلَ :
الْمُرَادُ غَيْرُ النَّفَقَةِ ، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ هِيَ أَنْ يَخْلُوَا
بِالْجِهَادِ فَيَتَعَرَّضُوا لِلْهَلَاكِ الَّذِي هُوَ عَذَابُ النَّارِ
، وَقِيلَ : هِيَ اقْتِحَامُ الْحَرْبِ بِحَيْثُ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ
نِكَايَةٍ تَحْصُلُ مِنْهُ لِلْعَدُوِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَاتِلٌ
لِنَفْسِهِ تَعَدِّيًا ، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ
رَجُلًا
مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَمَلَ عَلَى صَفِّ الْعَدُوِّ فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ .
فَقَالَ
أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ : نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْآيَةِ
وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا ، صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَصَرْنَاهُ وَشَهِدْنَا مَعَهُ الْمُشَاهَدَ ،
فَلَمَّا قَوِيَ الْإِسْلَامُ وَكَثُرَ أَهْلُهُ رَجَعْنَا إلَى
أَهْلَيْنَا وَأَمْوَالِنَا نُصْلِحُهَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَكَانَتْ
التَّهْلُكَةُ الْإِقَامَةَ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكَ الْجِهَادِ
، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى كَانَ
آخِرَ غَزَاةٍ غَزَاهَا بِقُسْطَنْطِينِيَّة فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَتُوُفِّيَ هُنَالِكَ وَدُفِنَ فِي أَصْلِ
سُوَرِهَا وَهُمْ يَسْتَسْقُونَ بِهِ ، وَلَا شَاهِدَ فِي هَذَا لِأَنَّ
أَبَا أَيُّوبَ لَمْ يَقُلْ يَحِلُّ إلْقَاءُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ فِي
الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ إظْهَارِ نِكَايَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمُدَّعَى .
وَاسْتُدِلَّ
أَيْضًا بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ أَلْقَوْا بِنُفُوسِهِمْ فِي
الْعَدُوِّ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ؛ وَكَذَا وَقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ لِرَجُلٍ فَقِيلَ أَلْقَى
بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ فَقَالَ كَذَبُوا { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ } وَلَا شَاهِدَ لَهُ فِي
كُلِّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلَاقِ الْمُدَّعَى أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ
هَذِهِ الْوَقَائِعِ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ أَحَدًا أَلْقَى بِنَفْسِهِ فِي
الْعَدُوِّ حَتَّى قُتِلَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا تَظْهَرُ مِنْهُ
نِكَايَةٌ فِيهِمْ ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مَا أَقْدَمُوا ذَلِكَ الْإِقْدَامَ الْأَعْظَمَ إلَّا
لِإِيقَاعِ نِكَايَةٍ فِي عَدُوِّهِمْ هَذَا قَصْدُهُمْ ، ثُمَّ تَارَةً
يَظْهَرُ مِنْ قَاصِدِ ذَلِكَ نِكَايَةٌ وَتَارَةً لَا ، وَلَا يَضُرُّهُ
ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى قَصْدِ النِّكَايَةِ فِيهِمْ لَا
ظُهُورِهَا ، وَقِيلَ : هِيَ إحْبَاطُ الْإِنْفَاقِ فِي الْجِهَادِ
بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْمِنَّةِ ، وَقِيلَ : هِيَ الْقُنُوطُ
بِأَنْ
يُصِيبَ ذَنْبًا فَيَرَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ مَعَهُ
عَمَلٌ فَيَنْهَمِكُ فِي الْمَعَاصِي ، وَقِيلَ : إنْفَاقُ الْخَبِيثِ ،
وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ .
قَالَ الطَّبَرِيُّ : وَهِيَ عَامَّةٌ فِي
جَمِيعِ مَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ ؛ وَمَا مَرَّ فِي
قِصَّةِ أَبِي أَيُّوبَ رَوَاهَا بِنَحْوِهَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ { : كُنَّا
بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْ
الرُّومِ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ ،
فَأَمَّرُوا عَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ ، وَعَلَى
الْجَمَاعَةِ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ .
فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ بَيْنَهُمْ فَصَاحَ
النَّاسُ وَقَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِي بِيَدِهِ إلَى
التَّهْلُكَةِ ، فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ
إنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ
الْإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا
دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ
أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعَزَّ
الْإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا
وَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى
نَبِيِّهِ مَا يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا وَلِلْفُقَرَاءِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } فَكَانَتْ
التَّهْلُكَةُ الْإِقَامَةَ عَلَى الْأَمْوَالِ وَصَلَاحِهَا وَتَرْكَ
الْغَزْوِ ، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ
: { إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ
وَرَغِبْتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ } .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ
: { مَنْ لَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُجَهِّزْ غَازِيًا أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا
فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ أَصَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَارِعَةٍ قَبْلَ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنْ جِهَادٍ لَقِيَ اللَّهَ وَفِيهِ ثُلْمَةٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ إلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَذَابِ } .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا
يَحْصُلُ بِهِ مِنْ الْفَسَادِ الْعَائِدِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ
مَا لَا يُتَدَارَكُ خَرْقُهُ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ مَا فِي هَذِهِ
الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، فَتَأَمَّلْ
ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِعَدِّ ذَلِكَ مَعَ
ظُهُورِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ
وَالْخَامِسَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : تَرْكُ
الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ
بِأَنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَنَحْوِ مَالِهِ وَمُخَالَفَةُ الْقَوْلِ
الْفِعْلَ ) .
قَالَ تَعَالَى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنْ الْمُنْكَرِ } قَالَ الْغَزَالِيُّ : أَفْهَمَتْ الْآيَةُ أَنَّ مَنْ
هَجَرَهُمَا خَرَجَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : جَعَلَهُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فَرْقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ .
وَقَالَ
جَلَّ ذِكْرُهُ : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } فَتَرْكُ الْإِنْكَارِ
تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ .
وَقَالَ تَعَالَى : { لُعِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا
يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
} فَفِيهَا غَايَةُ التَّهْدِيدِ وَنِهَايَةُ التَّشْدِيدِ كَمَا يَأْتِي
فِي الْأَحَادِيثِ .
وَقَالَ تَعَالَى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ
بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ
أَفَلَا تَعْقِلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } .
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ،
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ } .
وَالنَّسَائِيُّ {
مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَغَيَّرَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ بَرِئَ ،
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَغَيَّرَهُ
بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيِّرَهُ
بِلِسَانِهِ فَغَيَّرَهُ بِقَلْبِهِ - أَيْ
أَنْكَرَهُ - فَقَدْ بَرِئَ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ } .
وَالشَّيْخَانِ
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : {
بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ
وَالْمَكْرَهِ وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ
أَهْلَهُ إلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ
فِيهِ بُرْهَانٌ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ الْحَقَّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا
نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ } .
وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ
لَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَابْنُ مَاجَهْ : {
أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ } .
وَأَبُو
دَاوُد : { أَوَّلُ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ
كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ
وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَك ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنْ
الْغَدِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ
أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ ؛ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ
اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ قَالَ : { لُعِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا
يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا
قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ } إلَى قَوْلِهِ { فَاسِقُونَ } ثُمَّ
قَالَ : كَلًّا وَاَللَّهِ لَتَأْمَرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ
عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ
وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا } زَادَ أَبُو دَاوُد فِي
رِوَايَةٍ فِي سَنَدِهَا انْقِطَاعٌ وَفِي أُخْرَى مُرْسَلَةٍ : { أَوْ
لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ
لَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ
غَرِيبٌ : { لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي نَهَاهُمْ
عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ
وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ
فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ
بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ، فَجَلَسَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ :
لَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ
أَطْرًا } .
أَيْ تَعْطِفُوهُمْ وَتَقْهَرُوهُمْ وَتُلْزِمُوهُمْ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ .
وَأَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ : {
مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي
يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ وَلَا يُغَيِّرُونَ إلَّا
أَصَابَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَرَّمَ اللَّهُ
وَجْهَهُ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ
الْآيَةَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا
يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ النَّاسَ
إذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ
يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ } : وَلَفْظُ النَّسَائِيّ :
إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : { إنَّ النَّاسَ أَوْ الْقَوْمَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ
فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ عَمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ } : وَفِي رِوَايَةٍ
لِأَبِي دَاوُد : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي
ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لَا يُغَيِّرُونَ إلَّا
يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ :
{ أَيُّهَا النَّاسُ مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ
قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ وَقَبْلَ أَنْ
تَسْتَغْفِرُوهُ فَلَا يَغْفِرُ لَكُمْ ؛ إنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يَدْفَعُ رِزْقًا وَلَا يُقَرِّبُ
أَجَلًا وَإِنَّ
الْأَحْبَارَ مِنْ الْيَهُودِ وَالرُّهْبَانَ مِنْ
النَّصَارَى لَمَّا تَرَكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ
الْمُنْكَرِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِمْ ثُمَّ
عُمُّوا بِالْبَلَاءِ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ : { لَا تَزَالُ لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَنْفَعُ مَنْ قَالَهَا وَتَرُدُّ عَنْهُمْ
الْعَذَابَ وَالنِّقْمَةَ مَا لَمْ يَسْتَخِفُّوا بِحَقِّهَا ، قَالُوا
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الِاسْتِخْفَافُ بِحَقِّهَا ؟ قَالَ يَظْهَرُ
الْعَمَلُ بِمَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُنْكَرُ وَلَا يُغَيَّرُ } .
وَمُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُ : { تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا
عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ
وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى
تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا
يَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ
أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا
وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ } : مُجَخِّيًا
بِضَمٍّ فَفَتْحٍ لِلْجِيمِ فَكَسْرٍ لِلْمُعْجَمَةِ ، أَيْ مَائِلًا أَوْ
مَنْكُوسًا : أَيْ إنَّ الْقَلْبَ إذَا اُفْتُتِنَ وَخَرَجَتْ مِنْهُ
حُرْمَةُ الْمَعَاصِي خَرَجَ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ كَمَا يَخْرُجُ
الْمَاءُ مِنْ الْكُوزِ إذَا مَالَ أَوْ انْتَكَسَ .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ { إذَا رَأَيْت أُمَّتِي تَهَابُ أَنْ تَقُولَ لِلظَّالِمِ يَا ظَالِمُ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ } .
وَأَبُو
دَاوُد : { إذَا عُمِلَتْ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ
شَهِدَهَا وَكَرِهَهَا } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { فَأَنْكَرَهَا كَمَنْ
غَابَ عَنْهَا ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا
} .
وَالْحَاكِمُ : { الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ لَا تُشْرِكَ
بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ
رَمَضَانَ وَالْحَجُّ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ
الْمُنْكَرِ وَتَسْلِيمُك عَلَى أَهْلِك ، فَمَنْ انْتَقَصَ شَيْئًا
مِنْهُنَّ فَهُوَ سَهْمٌ مِنْ الْإِسْلَامِ يَدَعُهُ ، وَمَنْ تَرَكَهُنَّ
فَقَدْ وَلَّى الْإِسْلَامَ ظَهْرَهُ } .
وَالْبَزَّارُ
: {
الْإِسْلَامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ الْإِسْلَامُ أَيْ الشَّهَادَتَانِ
سَهْمٌ ، وَالصَّلَاةُ سَهْمٌ ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ ، وَالصَّوْمُ سَهْمٌ
، وَحَجُّ الْبَيْتِ سَهْمٌ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ ،
وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
سَهْمٌ وَقَدْ خَابَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
{ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفْتُ
وَجْهَهُ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَهُ شَيْءٌ فَتَوَضَّأَ وَمَا كَلَّمَ أَحَدًا
فَلَصِقْتُ بِالْحُجْرَةِ أَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ فَقَعَدَ عَلَى
الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ : يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكُمْ مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا
عَنْ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلَا أَسْتَجِيبُ لَكُمْ
وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيكُمْ وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرُكُمْ
فَمَا زَادَ عَلَيْهِنَّ حَتَّى نَزَلَ } .
وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا
وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ } .
وَرَزِينٌ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كُنَّا نَسْمَعُ
أَنَّ الرَّجُلَ يَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ لَا
يَعْرِفُهُ فَيَقُولُ لَهُ مَا لَك إلَيَّ وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَك
مَعْرِفَةٌ فَيَقُولُ كُنْت تَرَانِي عَلَى الْخَطَأِ وَعَلَى الْمُنْكَرِ
وَلَا تَنْهَانِي } .
وَالشَّيْخَانِ : { إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ
بِالطُّرُقَاتِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ
مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ، قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إلَّا
الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ، قَالُوا وَمَا حَقُّهُ ؟
قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ } .
وَأَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : {
يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ
فَتَنْدَلِقُ : أَيْ تَخْرُجُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ - أَيْ أَمْعَاؤُهَا
وَأَحَدُهَا قِتْبٌ بِكَسْرِ الْقَافِ - فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ
الْحِمَارُ فِي الرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ
فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ مَا لَك أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ بَلَى كُنْت آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ
وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ
لِمُسْلِمٍ : { يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي
النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ
بِرَحَاهُ فَتَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ يَا
فُلَانُ مَا شَأْنُكَ ؟ أَلَيْسَ كُنْت تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى
عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ كُنْت آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا
آتِيهِ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ، وَإِنِّي سَمِعْته
يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَرَرْتُ
لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِأَقْوَامٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ
مِنْ نَارٍ قُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ خُطَبَاءُ
أُمَّتِك الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ } .
وَابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ
وَالْبَيْهَقِيُّ : { رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالًا تُقْرَضُ
شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ ، فَقُلْت : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا
جِبْرِيلُ ؟ فَقَالَ الْخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِك الَّذِينَ يَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ
الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ } .
زَادَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي
رِوَايَةٍ : { كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ } ، وَفِي أُخْرَى
لِلْبَيْهَقِيِّ : { وَيَقْرَءُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يَعْمَلُونَ
بِهِ } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ
مُرْسَلًا بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { مَا مِنْ عَبْدٍ يَخْطُبُ خُطْبَةً إلَّا
اللَّهُ سَائِلُهُ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا أَرَدْتَ بِهَا } ،
قَالَ : فَكَانَ مَالِكٌ يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ إذَا حَدَّثَ بِهَذَا
بَكَى ثُمَّ يَقُولُ : أَتَحْسَبُونَ أَنَّ عَيْنِي تَقَرُّ بِكَلَامِي
عَلَيْكُمْ
وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ سَائِلِي عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَقُولُ مَا أَرَدْتَ بِهِ ؟ فَأَقُولُ أَنْتَ الشَّهِيدُ عَلَى قَلْبِي
لَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ أَحَبُّ إلَيْك لَمْ أَقْرَأْ عَلَى اثْنَيْنِ
أَبَدًا .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { إنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
يَنْطَلِقُونَ إلَى أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُونَ بِمَاذَا
دَخَلْتُمْ النَّارَ ؟ فَوَاَللَّهِ مَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ إلَّا بِمَا
تَعَلَّمْنَا مِنْكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ إنَّا كُنَّا نَقُولُ وَلَا
نَفْعَلُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَالْبَزَّارُ : {
مَثَلُ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ
السِّرَاجِ } .
وَرِوَايَةُ الْبَزَّارِ : { مَثَلُ الْفَتِيلَةِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيُحْرِقُ نَفْسَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ : {
إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ
اللِّسَانِ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ : { إنَّ الرَّجُلَ لَا يَكُونُ
مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مَعَ لِسَانِهِ سَوَاءٌ وَلَا
يُخَالِفُ قَوْلُهُ عَمَلَهُ وَيَأْمَنُ جَارَهُ بَوَائِقُهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ : { إنِّي لَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِنًا وَلَا مُشْرِكًا .
أَمَّا
الْمُؤْمِنُ فَيَحْجِزُهُ إيمَانُهُ ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ
كُفْرُهُ ، وَلَكِنْ أَتَخَوَّفُ عَلَيْهِمْ مُنَافِقًا عَالِمَ
اللِّسَانِ يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ وَيَعْمَلُ مَا تُنْكِرُونَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { يُبْصِرُ أَحَدُكُمْ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ } .
وَمِنْ
أَقْبَحِ الْبِدَعِ أَنَّ بَعْضَ الْجَهَلَةِ إذَا أُمِرَ بِالْمَعْرُوفِ
أَوْ نُهِيَ عَنْ مُنْكَرٍ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { عَلَيْكُمْ
أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } وَمَا
عَلِمَ الْجَاهِلُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَكَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ : إنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَرْدَفَ
إثْمَ مَعْصِيَتِهِ بِإِثْمِ تَفْسِيرِهِ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ : أَيْ
وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ كَمَا مَرَّ ،