كتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر
المؤلف : أحمد بن محمد بن حجر المكي الهيتمي
وَمُغْتَابًا وَآتِيًا بِمَا عَنْهُ نَهَى .
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَنْ نَمَّ لَهُ شَيْئًا
: إنْ شِئْت نَظَرَنَا فِي أَمْرِك ، فَإِنْ كَذَبْت فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ
هَذِهِ الْآيَةِ : { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ } وَإِنْ صَدَقْت
فَمِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ { مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } وَإِنْ شِئْت
عَفَوْنَا عَنْك .
فَقَالَ الْعَفْوُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا أَعُودُ إلَيْهِ أَبَدًا .
وَعَاتَبَ
سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَنْ نَمَّ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ
الزُّهْرِيِّ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ : مَنْ أَخْبَرَنِي
صَادِقٌ .
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : النَّمَّامُ لَا يَكُونُ صَادِقًا فَقَالَ سُلَيْمَانُ صَدَقْت ، اذْهَبْ أَيُّهَا الرَّجُلُ بِسَلَامٍ .
وَقَالَ
الْحَسَنُ : مَنْ نَمَّ لَك نَمَّ عَلَيْك ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ
النَّمَّامَ يَنْبَغِي أَنْ يُبْغَضَ وَلَا يُؤْتَمَنَ وَلَا يُوَاثَقَ
بِصَدَاقَتِهِ ، وَكَيْفَ لَا يُبْغَضُ وَهُوَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ
الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخِيَانَةِ وَالْغِلِّ
وَالْحَسَدِ وَالْإِفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْخَدِيعَةِ ، وَهُوَ
مِمَّنْ سَعَى فِي قَطْعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ .
قَالَ تَعَالَى .
{ إنَّمَا
السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
وَالنَّمَّامُ مِنْهُمْ .
وَمِنْ النَّمِيمَةِ السِّعَايَةُ ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا .
(
الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ :
كَلَامُ ذِي اللِّسَانَيْنِ وَهُوَ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي لَا يَكُونُ
عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ) .
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ
خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا
فَقِهُوا ، وَتَجِدُونَ خِيَارَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدُّهُمْ
لَهُ كَرَاهِيَةً ، وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي
يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ } .
وَلِلْبُخَارِيِّ
عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ زَيْدٍ : { أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِجَدِّهِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إنَّا لَنَدْخُلُ عَلَى
سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ بِخِلَافِ مَا نَتَكَلَّمُ إذَا خَرَجْنَا مِنْ
عِنْدِهِ فَقَالَ : كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي
الْأَوْسَطِ : { ذُو الْوَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا يَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَهُ وَجْهَانِ مِنْ نَارٍ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا
كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ } .
وَابْنُ
أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْأَصْبَهَانِيّ وَغَيْرُهُمْ : {
مَنْ كَانَ ذَا لِسَانَيْنِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
لِسَانَيْنِ مِنْ نَارٍ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ مَا ذُكِرَ هُوَ صَرِيحُ
الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا
لَمْ يُفْرِدُوهُ بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي
النَّمِيمَةِ ، وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ .
فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ
: ذُو اللِّسَانَيْنِ مَنْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُتَعَادِيَيْنِ
وَيُكَلِّمُ كُلًّا بِمَا يُوَافِقُهُ ، وَقَلَّ مَنْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ
مُتَعَادِيَيْنِ إلَّا وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا عَيْنُ
النِّفَاقِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَبَرُ :
{ تَجِدُونَ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَا
الْوَجْهَيْنِ الَّذِي
يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ ، وَهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ } .
وَقَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " لَا يَنْبَغِي لِذِي
الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى " .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " لَا يَكُنْ أَحَدُكُمْ إمَّعَةً .
قَالُوا وَمَا الْإِمَّعَةُ ؟ قَالَ يَجْرِي مَعَ كُلِّ رِيحٍ " .
قَالَ
: أَعْنِي الْغَزَالِيَّ : وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُلَاقَاةَ اثْنَيْنِ
بِوَجْهَيْنِ نِفَاقٌ ، وَلِلنِّفَاقِ عَلَامَاتٌ كَثِيرَةٌ ، وَهَذِهِ
مِنْ جُمْلَتِهَا ، ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ قُلْت : فِي مَاذَا يَصِيرُ ذَا
لِسَانَيْنِ وَمَا حَدُّ ذَلِكَ ؟ فَأَقُولُ : إذَا دَخَلَ عَلَى
مُتَعَادِيَيْنِ وَجَامَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَانَ صَادِقًا
فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا وَلَا ذَا لِسَانَيْنِ ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ
قَدْ يُصَادِقُ مُتَعَادِيَيْنِ وَلَكِنَّ صَدَاقَتَهُ ضَعِيفَةٌ لَا
تَنْتَهِي إلَى حَدِّ الْأُخُوَّةِ ، إذْ لَوْ تَحَقَّقَتْ الصَّدَاقَةُ
لَاقْتَضَتْ مُعَادَاةَ الْأَعْدَاءِ .
نَعَمْ لَوْ نَقَلَ كَلَامَ
كُلِّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ فَهُوَ ذُو لِسَانَيْنِ وَذَلِكَ شَرٌّ مِنْ
النَّمِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَمَّامًا بِمُجَرَّدِ نَقْلِهِ مِنْ
أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، فَإِذَا نَقَلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَدْ
زَادَ عَلَى النَّمِيمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ كَلَامًا ، وَلَكِنْ
حَسَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُعَادَاةِ
مَعَ صَاحِبِهِ فَهُوَ ذُو لِسَانَيْنِ أَيْضًا ؛ وَكَذَا إذَا وَعَدَ
كُلًّا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ يَنْصُرُهُ أَوْ أَثْنَى عَلَى كُلٍّ فِي
مُعَادَلَةٍ أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا مَعَ ذَمِّهِ لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ
عِنْدِهِ فَهُوَ ذُو لِسَانَيْنِ فِي كُلِّ ذَلِكَ .
وَقَدْ مَرَّ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى الْأَمِيرِ فِي حَضْرَتِهِ وَذَمِّهِ
فِي غَيْبَتِهِ نِفَاقٌ ، وَمَحَلُّهُ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ الدُّخُولِ
عَلَى الْأَمِيرِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِرَجَائِهِ
مِنْهُ مَالًا أَوْ جَاهًا ، فَإِذَا دَخَلَ لِضَرُورَةِ أَحَدِهِمَا
وَأَثْنَى فَهُوَ مُنَافِقٌ ، وَهَذَا مَعْنَى
حَدِيثِ .
{ حُبُّ
الْجَاهِ وَالْمَالِ يُنْبِتَانِ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ
الْمَاءُ الْبَقْلَ } : أَيْ : لِأَنَّهُ يُحْوِجُ إلَى الدُّخُولِ عَلَى
الْأُمَرَاءِ وَمُرَاعَاتِهِمْ وَمُرَاءَاتِهِمْ ، فَإِنْ اضْطَرَّ
لِلدُّخُولِ لِنَحْوِ تَخْلِيصِ ضَعِيفٍ لَا يُرْجَى خَلَاصُهُ بِدُونِ
ذَلِكَ وَخَافَ مِنْ عَدَمِ الثَّنَاءِ فَهُوَ مَعْذُورٌ ، فَإِنَّ
اتِّقَاءَ الشَّرِّ جَائِزٌ .
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : إنَّا
لَنَكْشِرُ أَيْ نَضْحَكُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا
لَتَلْعَنُهُمْ ، وَمَرَّ خَبَرُ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِمُسْتَأْذِنٍ عَلَيْهِ : ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو
الْعَشِيرَةِ ، فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَ : إنَّ شَرَّ النَّاسِ
الَّذِي يُكْرَمُ اتِّقَاءً لِشَرِّهِ } ، وَلَكِنَّ هَذَا وَرَدَ فِي
الْإِقْبَالِ وَنَحْوِ التَّبَسُّمِ .
فَأَمَّا الثَّنَاءُ فَهُوَ كَذِبٌ صَرِيحٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةِ حَاجَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ .
وَمِنْ
النِّفَاقِ أَنْ تَسْمَعَ بَاطِلًا فَتُقِرَّهُ بِنَحْوِ تَصْدِيقٍ أَوْ
تَقْرِيرٍ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ إظْهَارًا لِذَلِكَ ، بَلْ يَلْزَمُهُ
أَنْ يُنْكِرَ بِيَدِهِ ثُمَّ لِسَانِهِ ثُمَّ قَلْبِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : الْبُهُتُ ) .
لِمَا
فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي الْغِيبَةِ : { فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ } بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْغِيبَةِ ، إذْ
هُوَ كَذِبٌ فَيَشُقُّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، بِخِلَافِ الْغِيبَةِ لَا
تَشُقُّ عَلَى بَعْضِ الْعُقَلَاءِ ؛ لِأَنَّهَا فِيهِ .
وَأَخْرَجَ
أَحْمَدُ : { خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ،
وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَبَهْتُ مُؤْمِنٍ ، وَالْفِرَارُ
مِنْ الزَّحْفِ ، وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ
حَقٍّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ ذَكَرَ امْرَأً بِشَيْءٍ لَيْسَ
فِيهِ لِيَعِيبَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى
يَأْتِيَ بِنَفَاذِ مَا قَالَ فِيهِ } تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ مَا
صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ مَعَ عَدِّهِ الْكَذِبَ كَبِيرَةً أُخْرَى ،
وَكَأَنَّ وَجْهُهُ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ خَاصٌّ فِيهِ هَذَا الْوَعِيدُ
الشَّدِيدُ فَلِذَا أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ .
( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : عَضْلُ الْوَلِيِّ مُوَلِّيَتَهُ عَنْ النِّكَاحِ ) .
بِأَنْ دَعَتْهُ إلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ لَهَا ، وَهِيَ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ فَامْتَنَعَ .
وَكَوْنُ
هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ
فَقَالَ : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْعَضْلَ كَبِيرَةٌ ،
لَكِنَّ الَّذِي قَرَّرَهُ هُوَ وَالْأَئِمَّةُ فِي تَصَانِيفِهِمْ
أَنَّهُ صَغِيرَةٌ ، وَأَنَّ كَوْنَهُ كَبِيرَةً وَجْهٌ ضَعِيفٌ ، بَلْ
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ : لَا يَحْرُمُ الْعَضْلُ
إذَا كَانَ ثَمَّ حَاكِمٌ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : يَنْبَغِي أَلَّا يَحْرُمَ
مُطْلَقًا إذَا جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ : أَيْ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ
حِينَئِذٍ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْوَلِيِّ .
وَإِذَا قُلْنَا صَغِيرَةٌ
فَتَكَرَّرَ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ
يَصِيرُ كَبِيرَةً حَيْثُ قَالَ : وَلَيْسَ الْعَضْلُ مِنْ الْكَبَائِرِ
وَإِنَّمَا يَفْسُقُ بِهِ إذَا عَضَلَ مَرَّاتٍ أَقَلُّهَا فِيمَا حُكِيَ
عَنْ بَعْضِهِمْ ثَلَاثٌ .
انْتَهَى .
وَرُدَّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ
الَّذِي ذَكَرَاهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ وَقَوْلَ
الْجُمْهُورِ أَنَّ الطَّاعَاتِ إذَا غَلَبَتْ لَا تَضُرُّ الْمُدَاوَمَةُ
عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ الصَّغَائِرِ ، وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ أَنَّ
الْمُدَاوَمَةَ عَلَى ذَلِكَ فِسْقٌ ، وَإِنْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : الْخِطْبَةُ عَلَى الْخِطْبَةِ الْغَيْرِ الْجَائِزَةِ الصَّرِيحَةِ إذَا أُجِيبَ إلَيْهَا صَرِيحًا مِمَّنْ تُعْتَبَرُ إجَابَتُهُ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلَا أَعْرَضَ هُوَ وَلَا هُمْ ) ذِكْرُ هَذَا فِي الْكَبَائِرِ هُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ الشِّرَاءِ عَلَى شِرَاءِ الْغَيْرِ فَيَأْتِي هُنَا جَمِيعُ مَا قَدَّمْته ثَمَّ .
( الْكَبِيرَةُ
السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ :
تَخْبِيبُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا : أَيْ إفْسَادِهَا عَلَيْهِ ،
وَالزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ،
وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ
، وَمَنْ خَبَّبَ عَلَى امْرِئٍ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ
مِنَّا } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ } .
وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ خَبَّبَ عَبْدًا عَلَى أَهْلِهِ فَلَيْسَ
مِنَّا ، وَمَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا } .
وَرَوَاهُ
بِنَحْوِهِ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ
ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ
فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ
مَا صَنَعْت شَيْئًا ، ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْته
حَتَّى فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ
وَيَقُولُ نَعَمْ أَنْتَ فَيَلْتَزِمُهُ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ
الْأُولَى كَبِيرَةً هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ وَرَوَوْا فِيهِ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ
ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتهَا ، وَالثَّانِيَةُ
كَالْأُولَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ أَمْكَنَ الْفَرْقُ بِأَنَّ
الرَّجُلَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُفْسِدِ لَهُ وَزَوْجَتِهِ
بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ إفْسَادَ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا
وَالرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّجُلِ
أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ مَعَ إرَادَةِ تَزْوِيجٍ أَوْ تَزَوُّجٍ أَوْ لَا
مَعَ إرَادَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمَاءَيْنِ : عَقْدُ الرَّجُلِ عَلَى مَحْرَمِهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ ) وَعَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَكِنَّهُ لَمْ يُعَمِّمْ الْمَحْرَمَ وَلَا ذَكَرَ ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ وَذَلِكَ مُرَادُهُ بِلَا شَكٍّ ، ثُمَّ لِمَا ذَكَرَهُ نَوْعُ اتِّجَاهٍ ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى مَحْرَمِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى خَرْقِهِ سِيَاجَ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ مِنْ أَصْلِهِ وَأَنَّهُ لَا مُبَالَاةَ عِنْدَهُ بِحُدُودِهَا سِيَّمَا مَا اتَّفَقَتْ الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ عَلَى قُبْحِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى مِسْكَةٍ مِنْ مُرُوءَةٍ فَضْلًا عَنْ دِينٍ .
(
الْكَبِيرَةُ السِّتُّونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ
بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : رِضَا الْمُطَلِّقُ بِالتَّحْلِيلِ وَطَوَاعِيَةُ
الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ عَلَيْهِ وَرِضَا الزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ لَهُ
) .
أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ
لَهُ } .
وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ
بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ
هُوَ الْمُحَلِّلُ .
لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } .
قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : وَالْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنْهُمْ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ
قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ .
وَأَبُو إِسْحَاقَ
الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : {
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الْمُحَلِّلِ ؟ فَقَالَ لَا ، إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ لَا نِكَاحَ
دُلْسَةٍ وَلَا اسْتِهْزَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ
تَذُوقُ الْعُسَيْلَةَ } .
وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ
إلَّا رَجَمْتُهُمَا ، فَسُئِلَ ابْنُهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ :
كِلَاهُمَا زَانٍ .
{ وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ مَا
تَقُولُ فِي امْرَأَةٍ تَزَوَّجْتهَا لِأُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا لَمْ
يَأْمُرْنِي وَلَمْ يَعْلَمْ .
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : لَا إلَّا
نِكَاحَ رَغْبَةٍ إنْ أَعْجَبَتْك أَمْسَكْتهَا وَإِنْ كَرِهْتهَا
فَارَقْتهَا ، وَإِنَّا كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُئِلَ عَنْ
تَحْلِيلِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا فَقَالَ ذَلِكَ هُوَ السِّفَاحُ .
وَعَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ ابْنَةَ عَمِّهِ ثُمَّ نَدِمَ وَرَغِبَ فِيهَا ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ
لِيُحِلَّهَا
لَهُ فَقَالَ كِلَاهُمَا زَانٍ ، وَإِنْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ
نَحْوِهَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُحِلَّهَا } .
وَسُئِلَ
ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ
ثَلَاثًا ثُمَّ نَدِمَ فَقَالَ هُوَ عَصَى اللَّهَ فَأَنْدَمَهُ ،
وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا .
قِيلَ لَهُ : فَكَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ يُحِلُّهَا ؟ فَقَالَ مَنْ يُخَادِعُ اللَّهَ يَخْدَعْهُ .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ صَرِيحُ مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ
الْأَوَّلَيْنِ مِنْ اللَّعْنِ ، وَهُمَا مَحْمُولَانِ عِنْدَ
الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ فِي صُلْبِ
نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ أَنَّهُ يُطَلِّقُ بَعْدَ أَنْ يَطَأَ أَوْ نَحْوَ
ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ لِلنِّكَاحِ ، وَحِينَئِذٍ
التَّحَلُّلُ كَبِيرَةٌ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْمُطَلِّقِ وَالْمُحَلِّلِ
وَالْمَرْأَةِ فَاسِقًا لِإِقْدَامِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ ،
وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ
أَنَّ التَّحْلِيلَ كَبِيرَةٌ إذْ هُوَ بِدُونِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا
حَرَامٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً وَلَا عِبْرَةَ بِمَا
أَضْمَرُوهُ وَلَا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ عَلَى الْعَقْدِ ، وَأَخَذَ
جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثَيْنِ فَحَرَّمُوا
التَّحَلُّلَ مُطْلَقًا مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فَقَالَ : إذَا هَمَّ أَحَدُ
الثَّلَاثَةِ بِالتَّحَلُّلِ فَقَدْ أَفْسَدَ الْعَقْدَ .
وَالنَّخَعِيُّ
فَقَالَ : إذَا كَانَتْ نِيَّةُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ
أَوْ الزَّوْجُ الْآخَرُ أَوْ الْمَرْأَةُ التَّحْلِيلَ فَنِكَاحُ
الْآخَرِ بَاطِلٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ .
وَابْنُ الْمُسَيِّبِ
فَقَالَ : مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ
لَمْ تَحِلَّ لَهُ ، وَتَبِعَهُمْ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَسُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ .
وَقَدْ سُئِلَ عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً
وَفِي نَفْسِهِ أَنْ يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ وَلَمْ تَعْلَمْ هِيَ
بِذَلِكَ فَقَالَ : هُوَ مُحَلِّلٌ ، وَإِذَا أَرَادَ بِذَلِكَ
التَّحْلِيلَ
فَهُوَ مَلْعُونٌ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ
وَالرَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : إفْشَاءُ الرَّجُلِ
سِرَّ زَوْجَتِهِ وَهِيَ سِرَّهُ بِأَنْ تَذْكُرَ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا
مِنْ تَفَاصِيلِ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَخْفَى ) .
أَخْرَجَ
مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ
مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ
تُفْضِي إلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ أَحَدُهُمَا سِرَّ صَاحِبِهِ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُمْ : { مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إلَيْهِ ثُمَّ
يَنْشُرُ سِرَّهَا } .
وَأَحْمَدُ عَنْ { أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ
أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ فَقَالَ : لَعَلَّ
رَجُلًا يَقُولُ مَا فَعَلَ بِأَهْلِهِ ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ
مَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَأَرَمَّ الْقَوْمُ - أَيْ بِفَتْحِ
الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ : سَكَتُوا ، وَقِيلَ سَكَتُوا مِنْ خَوْفٍ
وَنَحْوِهِ - فَقُلْت : إي وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُمْ
لَيَفْعَلُونَ وَإِنَّهُنَّ لِيَفْعَلْنَ ، قَالَ لَا تَفْعَلُوا
فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةَ
فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ } .
وَالْبَزَّارُ وَلَهُ
شَوَاهِدُ تُقَوِّيهِ وَأَبُو دَاوُد مُطَوَّلًا بِنَحْوِهِ بِسَنَدٍ
فِيهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ : { أَلَا عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَخْلُوَ
بِأَهْلِهِ يَغْلِقُ بَابًا ثُمَّ يُرْخِي سِتْرًا ثُمَّ يَقْضِي
حَاجَتَهُ ، ثُمَّ إذَا خَرَجَ حَدَّثَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ ، أَلَا
عَسَى إحْدَاكُنَّ أَنْ تُغْلِقَ بَابَهَا وَتُرْخِيَ سِتْرَهَا ، فَإِذَا
قَضَتْ حَاجَتَهَا حَدَّثَتْ صَوَاحِبَهَا فَقَالَتْ امْرَأَةٌ سَفْعَاءُ
الْخَدَّيْنِ وَاَللَّهِ إنَّهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَفْعَلْنَ
وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ ، قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مِثْلُ
ذَلِكَ مِثْلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ
فَقَضَى
حَاجَتَهُ مِنْهَا ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَهَا } .
وَأَحْمَدُ
وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ رَوَاحٍ عَنْ
أَبِي الْهَيْثَمِ وَقَدْ صَحَّحَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { السِّبَاعُ حَرَامٌ } قَالَ ابْنُ
لَهِيعَةَ يَعْنِي بِهِ الَّذِي يَفْتَخِرُ بِالْجِمَاعِ : أَيْ بِمَا
فِيهِ هَتْكُ سِتْرٍ لَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ
بِالْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ فَالْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ
وَأَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ : { الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ
إلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ ؛ سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ ، أَوْ فَرْجٌ حَرَامٌ ،
أَوْ اقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَيْنِ
كَبِيرَتَيْنِ لَمْ أَرَهُ لَكِنَّهُ صَرِيحُ مَا فِي هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ
الْمَحْكِيِّ عَنْهُ وَغِيبَتِهِ ، وَهَتْكِ مَا أَجْمَعَتْ الْعُقَلَاءُ
عَلَى تَأَكُّدِ سِتْرِهِ ، وَقُبْحِ نَشْرِهِ ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا
الْمَحَلِّ بَسْطٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ، وَأَنَّ كَلَامَ
النَّوَوِيِّ اخْتَلَفَ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَحُرْمَتِهِ فَإِنَّهُ
ذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَجَزَمَ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ بِالتَّحْرِيمِ مُسْتَدِلًّا بِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورِ
وَأَنَّ مَحَلَّ الْحُرْمَةِ فِيمَا إذَا ذَكَرَ حَلِيلَتَهُ بِمَا
يُخْفَى كَالْأَحْوَالِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْجِمَاعِ
وَالْخَلْوَةِ ، وَالْكَرَاهَةُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ مَا لَا يَخْفَى
مُرُوءَةً .
وَمِنْهُ ذِكْرُ مُجَرَّدِ الْجِمَاعِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ
، ثُمَّ رَأَيْت ذِكْرَ بَعْضِهِمْ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته فِي
التَّرْجَمَةِ .
( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ : إتْيَانُ الزَّوْجَةِ أَوْ السُّرِّيَّةِ فِي دُبُرِهَا ) .
أَخْرَجَ
التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ : { مَنْ أَتَى النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد : { مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ
مَجْهُولٌ وَانْقِطَاعٌ : { مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي
دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَكَذَا أَبُو دَاوُد
إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَأَحْمَدُ
وَالْبَزَّارُ وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى } : يَعْنِي
الرَّجُلَ يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا .
وَأَبُو يَعْلَى
بِإِسْنَادٍ : { اسْتَحْيُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ
الْحَقِّ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ } .
وَابْنُ
مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا صَحِيحٌ
عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَا
يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ
فِي أَدْبَارِهِنَّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ
رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مَحَاشِّ
النِّسَاءِ } .
وَالدَّارَقُطْنِيِّ : { اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ
فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ، لَا يَحِلُّ مَأْتَاك
النِّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنَّ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَعَنَ اللَّهُ
الَّذِينَ يَأْتُونَ النِّسَاءَ فِي مَحَاشِّهِنَّ } وَهِيَ بِمِيمٍ
مَفْتُوحَةٍ فَمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ جَمْعُ مَحَشَّةٍ
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ : وَهِيَ الدُّبُرُ .
وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ : { لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَسْتَاهِهِنَّ فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ } .
تَنْبِيهٌ : عَدَا هَذَا
هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ كُفْرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا
يَنْظُرُ لِفَاعِلِهِ ، وَأَنَّهُ اللِّوَاطِيَّةُ الصُّغْرَى ، وَهَذَا
مِنْ أَقْبَحِ الْوَعِيدِ وَأَشَدِّهِ .
فَقَوْلُ الْجَلَالِ
الْبُلْقِينِيِّ فِي عَدِّ ذَلِكَ كَبِيرَةً فِيهِ نَظَرٌ ، وَقَدْ
صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَلَائِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ
يُلْحَقَ بِاللِّوَاطِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ لَعْنُ
فَاعِلِهِ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : أَنْ يُجَامِعَ حَلِيلَتَهُ بِحَضْرَةِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ ) وَعَدُّ هَذَا كَبِيرَةً وَاضِحٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى قِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهِ بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدَّيَّانَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي ظَنًّا بَلْ قَطْعًا إلَى إفْسَادِهِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ إفْسَادِ الْأَجْنَبِيِّ بِحَلِيلَتِهِ ، وَمَنْ عَدَّ نَحْوَ النَّظَرِ كَبِيرَةً كَمَا مَرَّ بِمَا فِيهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَدَّ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ أَقْبَحُ وَأَعْظَمُ مَفْسَدَةً .
بَابُ الصَّدَاقِ ( الْكَبِيرَةُ
السَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : أَنْ يَتَزَوَّجَ
امْرَأَةً وَفِي عَزْمِهِ أَلَّا يُوَفِّيَهَا صَدَاقَهَا لَوْ طَلَبَتْهُ
) .
أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً عَلَى مَا قَلَّ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ كَثُرَ وَلَيْسَ فِي
نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا حَقَّهَا خَدَعَهَا فَمَاتَ وَلَمْ
يُؤَدِّ إلَيْهَا حَقَّهَا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ
زَانٍ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَدَانَ دَيْنًا وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ
يُؤَدِّيَ إلَى صَاحِبِهِ حَقَّهُ خَدَعَهُ حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ لَقِيَ
اللَّهَ وَهُوَ سَارِقٌ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ { مَنْ أَصْدَقَ
امْرَأَةً صَدَاقًا وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ
إلَيْهَا فَغَرَّهَا بِاَللَّهِ وَاسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِالْبَاطِلِ
لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ
أُخْرَى لَهُ أَيْضًا : { إنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا
طَلَّقَهَا وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا ، وَرَجُلٌ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا فَذَهَبَ
بِأُجْرَتِهِ ، وَآخَرُ يَقْتُلُ دَابَّةً عَبَثًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ فِيهِ مَتْرُوكٌ : { أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً
يَنْوِي أَنْ لَا يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا شَيْئًا مَاتَ يَوْمَ
يَمُوتُ وَهُوَ زَانٍ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ
الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ وَمَا بَعْدَهُ وَبِهِ جَزَمَ
بَعْضُهُمْ ، لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً
وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُوَفِّيَهَا الصَّدَاقَ وَعَدَلْت عَنْهُ فِي
التَّرْجَمَةِ إلَى مَا عَبَّرْت بِهِ لِمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّ مَنْ
لَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَدَاءٌ وَلَا مَنْعٌ لَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ فَضْلًا
عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ كَبِيرَةً الَّذِي أَفْهَمَتْهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ ،
لَكِنَّ قَائِلَهَا اغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ، وَلَمْ
يَنْظُرْ إلَى آخِرِهِ وَلَا إلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهُ ، وَهِيَ
- وَاَللَّهُ يَعْلَمُ - أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ
إلَيْهَا وَلَوْ نَظَرَ لِذَلِكَ لَعَبَّرَ بِمَا عَبَّرْت بِهِ ، وَوَجْهُ كَوْنِ ذَلِكَ كَبِيرَةً تَضَمُّنُهُ لِثَلَاثِ كَبَائِرَ : الْغَدْرُ وَالظُّلْمُ وَاسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْحُرِّ بِعِوَضٍ ثُمَّ مَنْعُهُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا قَيَّدْت فِي التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِي لَوْ طَلَبَتْهُ لَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ فِي عَزْمِهِ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهَا ؛ لِغَلَبَةِ الْمُسَامَحَةِ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ ؛ وَعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ ذَلِكَ إثْمُهُ فَضْلًا عَنْ فِسْقِهِ .
بَابُ الْوَلِيمَةِ ( الْكَبِيرَةُ
الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : تَصْوِيرُ ذِي رُوحٍ
عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ مُعَظَّمٍ أَوْ مُمْتَهَنٍ بِأَرْضٍ أَوْ
غَيْرِهَا وَلَوْ صُورَةً لَا نَظِيرَ لَهَا كَفَرَسٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ )
قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ
عَذَابًا مُهِينًا } قَالَ عِكْرِمَةُ : هُمْ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ
الصُّوَرَ .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ
يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ
} .
وَرَوَيَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْت سَهْوَةً
لِي } - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ قِيلَ الطَّاقُ فِي الْحَائِطِ يُوضَعُ
فِيهِ الشَّيْءُ ، وَقِيلَ الصُّفَّةُ ، وَقِيلَ الْمَخْدَعُ بَيْنَ
الْبَيْتَيْنِ ، وَقِيلَ بَيْتٌ صَغِيرٌ كَالْخِزَانَةِ الصَّغِيرَةِ -
بِقِرَامٍ - أَيْ سِتْرٍ وَقَافُهُ مَكْسُورَةٌ - { فِيهِ تَمَاثِيلُ .
فَلَمَّا
رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَوَّنَ
وَجْهُهُ وَقَالَ : يَا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ
اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ
اللَّهِ تَعَالَى قَالَتْ فَقَطَّعْنَاهُ ، فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً
أَوْ وِسَادَتَيْنِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { دَخَلَ عَلَيَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ
قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ
فَهَتَكَهُ وَقَالَ : مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّورَةَ } .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا
أَيْضًا : { أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً - أَيْ مِخَدَّةً وَهُوَ
بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَكَسْرِهِمَا وَبِضَمٍّ ثُمَّ بِفَتْحٍ -
فِيهَا تَصَاوِيرُ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ ، فَعَرَفْت فِي
وَجْهِهِ الْكَرَاهَةَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَتُوبُ إلَى
اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْت ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ ؟
فَقُلْت اشْتَرَيْتهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ
يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا
خَلَقْتُمْ .
وَقَالَ إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ } .
وَرَوَيَا
أَيْضًا : أَنَّ { ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَاءَهُ
رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّورَةَ فَأَفْتِنِي
فِيهَا .
فَقَالَ لَهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ أَدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ .
وَقَالَ
أُنْبِئَك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ : كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ
صَوَّرَهَا نَفْسًا تُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ : إنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ
صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ .
فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا أُحَدِّثُك إلَّا مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْته يَقُولُ : { مَنْ صَوَّرَ
صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا
الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا ، فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً
شَدِيدَةً - أَيْ انْتَفَخَ غَيْظًا أَوْ كِبْرًا - فَقَالَ وَيْحَك إنْ
أَبَيْت إلَّا أَنْ تَصْنَعَ ، فَعَلَيْك بِهَذِهِ الشَّجَرَةِ وَكُلِّ
شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ } .
وَرَوَيَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ } .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا
حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ : { يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ
وَلِسَانٌ يَنْطِقُ وَيَقُولُ : إنِّي وُكِّلْت بِثَلَاثَةٍ : بِمَنْ
جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ، وَبِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ،
وَبِالْمُصَوِّرِينَ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ { عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
قَالَ : قَالَ لِي عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَلَا أَبْعَثَك عَلَى
مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ صُورَةً إلَّا طَمَسْتَهَا ، وَلَا قَبْرًا
مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ
عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ : أَيُّكُمْ
يَنْطَلِقُ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إلَّا كَسَرَهُ
، وَلَا قَبْرًا إلَّا سَوَّاهُ ، وَلَا صُورَةً إلَّا لَطَّخَهَا .
فَقَالَ
رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَابَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
قَالَ فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَدَعْ
بِهَا وَثَنًا إلَّا كَسَرْته ، وَلَا قَبْرًا إلَّا سَوَّيْتَهُ ، وَلَا
صُورَةً إلَّا لَطَّخْتهَا ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ عَادَ إلَى صَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَقَدْ
كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
} .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بَدَلَ وَلَا صُورَةٌ : { وَلَا تَمَاثِيلُ } .
وَرَوَيَا
: { وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ
أَنْ يَأْتِيَهُ فَرَاثَ عَلَيْهِ - أَيْ بِمُثَلَّثَةٍ غَيْرِ مَهْمُوزٍ
أَبْطَأَ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَلَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَشَكَا
إلَيْهِ
فَقَالَ : إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كُلُّهُمْ مِنْ
رِوَايَةِ مَنْ نَظَرَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ : { لَا تَدْخُلُ
الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا كَلْبٌ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : { أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ ، فَقَالَ لِي : أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي
أَنْ أَكُونَ دَخَلْت إلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ
وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي
الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ
يُقْطَعْ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ شَجَرَةٍ ؛ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَيُقْطَعُ
فَيُجْعَلُ وِسَادَتَيْنِ مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآنِ وَمُرْ بِالْكَلْبِ
فَيُخْرَجْ } .
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ : { أَتَانِي جِبْرِيلُ
فَقَالَ إنِّي كُنْت أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ
أَكُونَ دَخَلْت عَلَيْك الْبَيْتَ الَّذِي كُنْت فِيهِ إلَّا أَنَّهُ
كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالٌ لِرَجُلٍ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ
قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ
بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَيَصِيرُ
كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيَجْعَلْ
مِنْهُ وِسَادَتَانِ مَنْبُوذَتَانِ تُوطَآنِ ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ
فَيُخْرَجْ فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جِرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ لِلْحُسَيْنِ بِجَنْبِ
نَضَدٍ لَهُ - أَيْ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُعْجَمَةٍ سَرِيرٌ - فَأَمَرَ
بِهِ فَأُخْرِجَ } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ
آخَرُونَ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ : عَنْ { أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ الْكَآبَةُ فَسَأَلْته فَقَالَ :
لَمْ يَأْتِنِي جِبْرِيلُ مُنْذُ ثَلَاثٍ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ بَيْنَ
يَدَيْهِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ، فَبَدَا لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ فَهَشَّ
إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالَك لَمْ تَأْتِنِي ؟ فَقَالَ : إنَّا لَا
نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ : { وَاعَدَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي
سَاعَةٍ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ
قَالَتْ وَكَانَ بِيَدِهِ عَصًا فَطَرَحَهَا وَهُوَ يَقُولُ : مَا
يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلَهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا
جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فَقَالَ مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ ؟
فَقُلْت وَاَللَّهِ مَا دَرَيْت فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ، فَجَاءَهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَعَدْتَنِي فَجَلَسْت لَك وَلَمْ تَأْتِنِي
.
فَقَالَ مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِك ، إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ مَا ذُكِرَ كَبِيرَةً هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ ، وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ
وَجَرَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ؛ وَتَعْمِيمِي فِي التَّرْجَمَةِ
الْحُرْمَةَ بَلْ وَالْكَبِيرَةُ لِتِلْكَ الْأَقْسَامِ الَّتِي أَشَرْت
إلَيْهَا ظَاهِرٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ ،
وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ ، وَيَجُوزُ مَا عَلَى الْأَرْضِ
وَالْبِسَاطُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ كُلِّ مُمْتَهَنٍ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ
بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَقَاؤُهُ وَلَا يَجِبُ إتْلَافُهُ ، وَإِذَا
كَانَ فِي مَحَلِّ وَلِيمَةٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحُضُورِ فِيهِ .
وَأَمَّا
فِعْلُ التَّصْوِيرِ لِذِي الرُّوحِ فَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا ، وَإِنْ
أُغْفِلَ مِنْ الصُّورَةِ أَعْضَاؤُهَا الْبَاطِنَةُ أَوْ بَعْضُ
الظَّاهِرَةِ مِمَّا تُوجَدُ الْحَيَاةُ مَعَ فَقْدِهِ ، ثُمَّ رَأَيْت
فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ مَا
حَاصِلُهُ : تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ مِنْ الْكَبَائِرِ
لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ سَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ
لِغَيْرِهِ إذْ فِيهِ مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ ، وَسَوَاءٌ
كَانَ بِبِسَاطٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ مِخَدَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا .
وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُوَرِ الشَّجَرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ .
وَأَمَّا
الْمُصَوِّرُ صُورَةَ الْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ
أَوْ مَلْبُوسًا كَثَوْبٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا
يُعَدُّ مُمْتَهَنًا فَحَرَامٌ ، أَوْ مُمْتَهَنًا كَبِسَاطٍ يُدَاسُ
وَمِخَدَّةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْرُمُ لَكِنْ هَلْ يَمْنَعُ
دُخُولَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ ذَلِكَ الْبَيْتِ ؟ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ
عَامٌّ فِي كُلِّ صُورَةٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا
صُورَةٌ } ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَهُ ظِلٌّ وَمَا لَا ظِلَّ لَهُ ،
هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ
وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى
وُجُوبِ تَغْيِيرِ مَا لَهُ ظِلٌّ .
قَالَ الْقَاضِي : إلَّا مَا
وَرَدَ فِي لَعِبِ الْبَنَاتِ الصِّغَارِ مِنْ الرُّخْصَةِ ، وَلَكِنْ
كَرِهَ مَالِكٌ شِرَاءَ الرَّجُلِ ذَلِكَ لِبِنْتِهِ ، وَادَّعَى
بَعْضُهُمْ أَنَّ إبَاحَةَ اللَّعِبِ لَهُنَّ بِهَا مَنْسُوخٌ بِمَا مَرَّ
.
فَائِدَةٌ : قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا
فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ } .
الْمُرَادُ
بِالْمَلَائِكَةِ فِيهِ مَلَائِكَةُ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ دُونَ
الْحَفَظَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ لِأَجْلِ ذَلِكَ .
قِيلَ
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجُنُبِ مِنْ يُؤَخِّرُ الْغُسْلَ إلَى حُضُورِ
الصَّلَاةِ فَيَغْتَسِلُ ، بَلْ مَنْ يَتَهَاوَنُ بِالْغُسْلِ وَيَتَّخِذُ
ذَلِكَ عَادَةً فَإِنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ ، فَفِيهِ تَأْخِيرُ
الِاغْتِسَالِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهِ ، بَلْ قَالَتْ عَائِشَةُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ
مَاءً } ، وَالْمُرَادُ
بِالصُّورَةِ كُلُّ مُصَوَّرٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ سَوَاءٌ كَانَتْ
أَشْخَاصًا مُنْتَصِبَةً أَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً وَفِي سَقْفٍ أَوْ
جِدَارٍ أَوْ مَنْسُوجَةٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَالْمُرَادُ
بِالْكَلْبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ لِأَجْلِهِ ، وَيَنْقُصُ
بِسَبَبِ اقْتِنَائِهِ مِنْ عَمَلِ الْمُقْتَنِي لَهُ كُلَّ يَوْمٍ
قِيرَاطَانِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ غَيْرُ كَلْبِ
الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ كَذَا قِيلَ وَهُوَ قَاصِرٌ ، فَإِنَّ ذَلِكَ
مُصَرَّحٌ بِهِ فِي نَفْسِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ .
أَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ : { مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ
مَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : { مِنْ عَمَلِهِ } .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا : { كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إلَّا كَلْبَ حَرْسٍ أَوْ مَاشِيَةٍ } .
وَرِوَايَةُ الْقِيرَاطَيْنِ فِيهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ .
وَفِي
أُخْرَى لِمُسْلِمٍ : { مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ
وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ أَجْرِهِ
قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ : {
لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْت بِقَتْلِهَا
فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ ، وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ
يَرْتَبِطُونَ كَلْبًا إلَّا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ
قِيرَاطٌ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ حَرْسٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ } .
(
الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسِّتُّونَ وَالسَّبْعُونَ وَالْحَادِيَةُ
وَالثَّانِيَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : التَّطَفُّلُ
وَهُوَ الدُّخُولُ عَلَى طَعَامِ الْغَيْرِ ؛ لِيَأْكُلَ مِنْهُ مِنْ
غَيْرِ إذْنِهِ وَلَا رِضَاهُ وَأَكْلُ الضَّيْفِ زَائِدًا عَلَى
الشِّبَعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ رِضَا الْمُضِيفِ بِذَلِكَ
وَإِكْثَارُ الْإِنْسَانِ الْأَكْلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ
يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ ضَرَرًا بَيِّنًا وَالتَّوَسُّعُ فِي
الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ شَرَهًا وَبَطَرًا ) .
أَخْرَجَ ابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ
نَفْسٍ مِنْهُ } .
قَالَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ .
وَالشَّيْخَانِ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ : { إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ
حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ،
فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلَا هَلْ بَلَّغْت } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { الْمُسْلِمُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ } .
وَمُسْلِمٌ
: { أَضَافَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفًا كَافِرًا ،
فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ
فَشَرِبَ حِلَابَهَا ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا ، ثُمَّ أُخْرَى
فَشَرِبَ حِلَابَهَا حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ ، ثُمَّ إنَّهُ
أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ ، فَأَمَرَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثُمَّ أُخْرَى فَلَمْ
يَسْتَتِمَّهُ .
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ
الْمُؤْمِنَ لَيَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَإِنَّ الْكَافِرَ لَيَشْرَبُ
فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَابْنُ
مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ
وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكْلَاتٍ يُقِمْنَ
صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ } وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ : {
فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ
لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ } .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ
رُوَاةُ أَحَدِهِمَا ثِقَاتٌ : { فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي
الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ، قَالَهُ لِأَبِي
جُحَيْفَةَ لَمَّا تَجَشَّأَ فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ
بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ، كَانَ إذَا تَغَدَّى لَا يَتَعَشَّى
، وَإِذَا تَعَشَّى لَا يَتَغَدَّى .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ : { إنَّ أَهْلَ الشِّبَعِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْجُوعِ غَدًا فِي الْآخِرَةِ } .
زَادَ الْبَيْهَقِيُّ : { الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ } .
وَابْنُ
أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ
وَالْبَيْهَقِيُّ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى
رَجُلًا عَظِيمَ الْبَطْنِ فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ لَوْ كَانَ هَذَا فِي
غَيْرِ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَك } .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ
لَهُ وَالشَّيْخَانِ بِاخْتِصَارٍ : { لَيُؤْتَيَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِالْعَظِيمِ الطَّوِيلِ الْأَكُولِ الشَّرُوبِ فَلَا يَزِنُ عِنْدَ
اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ { فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } } .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : {
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَهُ جُوعٌ يَوْمًا
فَعَمَدَ إلَى حَجَرٍ فَوَضَعَهُ عَلَى بَطْنِهِ ثُمَّ قَالَ : أَلَا
رُبَّ نَفْسٍ طَاعِمَةٍ نَاعِمَةٍ فِي الدُّنْيَا جَائِعَةٍ عَارِيَّةٍ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَلَا رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا
مُهِينٌ ، أَلَا رُبَّ مُهِينٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُكْرِمٌ } .
وَصَحَّ خَبَرٌ : { مِنْ الْإِسْرَافِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ
بِسَنَدٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :
{ رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ
أَكَلْت فِي
الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ .
فَقَالَ يَا عَائِشَةُ ،
أَمَا تُحِبِّينَ أَنْ يَكُونَ لَك شُغْلٌ إلَّا جَوْفَك ، الْأَكْلُ فِي
الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ الْإِسْرَافِ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ } .
وَصَحَّ خَبَرٌ : { كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إسْرَافٌ وَلَا مَخِيلَةٌ } .
وَالْبَزَّارُ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا مُخْتَلَفٌ فِيهِ جَمْعٌ وَجَمَاعَةٌ
أَجِلَّاءُ يُوَثِّقُونَهُ : { إنَّ شِرَارَ أُمَّتِي الَّذِينَ غُذُّوا
بِالنَّعِيمِ وَنَبَتَتْ عَلَيْهِ أَجْسَامُهُمْ } .
وَابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ : { سَيَكُونُ
رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ ، وَيَشْرَبُونَ
أَلْوَانَ الشَّرَابِ ، وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ ،
وَيَتَشَدَّقُونَ فِي الْكَلَامِ ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي } .
وَصَحَّ بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ : { يَا ضَحَّاكُ مَا طَعَامُك ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ .
قَالَ
ثُمَّ يَصِيرُ إلَى مَاذَا ؟ قَالَ إلَى مَا عَلِمْت قَالَ فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَثَلًا
لِلدُّنْيَا } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ
الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ ، أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِأَنَّهُمَا مِنْ أَكْلِ
أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ، وَخَبَرُ أَبُو دَاوُد السَّابِقُ
صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ لِلتَّعْبِيرِ فِيهِ بِقَوْلِهِ : { دَخَلَ
سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا } وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ
صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَهُ ، لَكِنْ قَالَ غَيْرُهُ إنَّ فِيهِ
مَجْهُولًا وَمُخْتَلِفًا فِي تَوْثِيقِهِ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى
تَضْعِيفِهِ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ مِنْ إضْرَارِ النَّفْسِ
وَهُوَ كَبِيرَةٌ كَإِضْرَارِ الْغَيْرِ وَكَذَا عَدُّ الرَّابِعَةِ
قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي اللِّبَاسِ بِمَا فِيهِ مِنْ أَنَّ
تَطْوِيلَ الْإِزَارِ لِلْخُيَلَاءِ كَبِيرَةٌ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا يُنْبِئُ عَنْ الْعُجْبِ وَالزَّهْوِ وَالْكِبْرِ ، وَعَلَى
هَذَا الشِّبَعُ الْمُضِرُّ أَوْ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ يُحْمَلُ مَا فِي
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الْوَعِيدِ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ
الْحَلِيمِيِّ فِي
قَوْله تَعَالَى : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ
فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ
تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } الْآيَةَ .
هَذَا الْوَعِيدُ مِنْ
اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ يُقْدِمُونَ
عَلَى الطَّيِّبَاتِ الْمَحْظُورَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : {
فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } فَقَدْ يُخْشَى مِثْلُهُ عَلَى
الْمُنْهَمِكِينَ فِي الطَّيِّبَاتِ الْمُبَاحَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ
تَعَوَّدَهَا مَالَتْ نَفْسُهُ إلَى الدُّنْيَا فَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ
يَرْتَكِبَ فِي الشَّهَوَاتِ وَالْمَلَاذِ كُلَّمَا أَجَابَ نَفْسَهُ إلَى
وَاحِدٍ مِنْهَا دَعَتْهُ إلَى غَيْرِهِ فَيَصِيرُ إلَى أَنْ لَا
يُمْكِنَهُ عِصْيَانُ نَفْسِهِ فِي هَوًى قَطُّ ، وَيَنْسَدُّ بَابُ
الْعِبَادَةِ دُونَهُ فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى هَذَا لَمْ يَبْعُدْ
أَنْ يُقَالَ لَهُ : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ
الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ
الْهُونِ } فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَوَّدَ النَّفْسُ بِمَا تَمِيلُ بِهِ
إلَى الشَّرَهِ فَيَصْعُبُ تَدَارُكُهَا وَلْتَرْضَ مِنْ أَوَّلِ
الْأَمْرِ عَلَى السَّدَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَدِبَّ
عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ يَجْتَهِدُ فِي إعَادَتِهَا إلَى الصَّلَاحِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
انْتَهَى : ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ
الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فِي
التَّطَفُّلِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَكَى قَوْلَ الشَّافِعِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ : مَنْ يَغْشَى الدَّعْوَةَ بِغَيْرِ
دُعَاءٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَسْتَحِلُّ صَاحِبُ الطَّعَامِ
فَتَتَابَعَ ذَلِكَ مِنْهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ
مُحَرَّمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ دَعْوَةَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ ،
فَأَمَّا إذَا كَانَ طَعَامُ سُلْطَانٍ أَوْ رَجُلٍ يَتَشَبَّهُ
بِسُلْطَانٍ فَيَدْعُو النَّاسَ فَهَذَا طَعَامُ عَامَّةٍ وَلَا بَأْسَ
بِهِ .
انْتَهَى بِلَفْظِهِ .
قَالَ : وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ
الشَّامِلِ إنَّمَا اشْتَرَطَ تَكْرَارَ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
يَكُونُ لَهُ شُبْهَةٌ حَتَّى يَمْنَعَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ ، فَإِذَا
تَكَرَّرَ صَارَ دَنَاءَةً
وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ انْتَهَى .
ثُمَّ
قَالَ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ
إنَّمَا اشْتَرَطَ التَّكْرَارَ فِي حُضُورِ الدَّعْوَةِ ؛ لِأَنَّهُ
يَصِيرُ دَنَاءَةً وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ بِخِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ
الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ عَلَّلَ الرَّدَّ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ مُحَرَّمًا .
وَهَذَا
يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الرَّدِّ مِنْ جِهَةِ إصْرَارِهِ عَلَى
الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ فِي حُكْمِ الْكَبِيرَةِ لَا مِنْ جِهَةِ
تَرْكِ الْمُرُوءَةِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَلَا شَكَّ
أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَمْرَيْنِ ، وَهَذَا فِي الْأَكْلِ
الْمُجَرَّدِ ، أَمَّا لَوْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ انْتِهَابُ الطَّعَامِ
النَّفِيسِ وَالْحُلْوِ أَوْ حَمْلِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ السَّفَلَةُ
وَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الْحَاضِرِينَ وَيَغُضُّونَ عَنْهُ حَيَاءً فَهُوَ
خَرْقٌ لِلْمُرُوءَةِ وَإِلْقَاءٌ لِجِلْبَابِ الْحَيَاءِ ، فَيَكْفِي فِي
رَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَلَا يُعْتَبَرُ
التَّكْرَارُ .
انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ فِي قُوَّتِهِ بَعْد إيرَادِهِ كَلَامَ
ابْنِ الصَّبَّاغِ وَأَشَارَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ صَغِيرَةٌ فَإِذَا
تَكَرَّرَ صَارَ فِي حُكْمِ الْكَبِيرَةِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ
اعْتِبَارُ رُبُعِ دِينَارٍ فِي جَعْلِ الْغَصْبِ كَبِيرَةً ، وَالْأَكْلُ
مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَا يَبْلُغُهُ غَالِبًا لَكِنَّهُ تَرْكُ
مُرُوءَةٍ .
نَعَمْ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ السَّفَلَةِ مِنْ
الْمُتَطَفِّلِينَ إذَا حَضَرَ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ يَنْتَهِبُ
مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ الْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ وَالْحَلْوَى
وَيَحْمِلُهُ وَيَشُقُّ ذَلِكَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً عَلَى صَاحِبِ
الدَّعْوَةِ ، وَإِنَّمَا يَسْكُتُ حَيَاءً مِنْ النَّاسِ وَمُرُوءَةً
فَهُوَ خَرْقٌ لِلْمُرُوءَةِ وَنَزْعٌ لِجِلْبَابِ الْحَيَاءِ ، فَيَكْفِي
فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ .
وَفِي الْمَوْقِفِ
لِلْجِيلِيِّ : وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ الَّذِي يَأْتِي
طَعَامَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ
مُخَالِفًا لِمَا
رُوِيَ مَرْفُوعًا : { مَنْ أَتَى طَعَامًا لَمْ يُدْعَ إلَيْهِ دَخَلَ
سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا } ؛ وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ مُحَرَّمًا
وَيَفْعَلُ مَا فِيهِ سَفَهٌ وَدَنَاءَةٌ وَذَهَابُ مُرُوءَةٍ فَإِنْ لَمْ
يَتَكَرَّرْ مِنْهُ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
الصَّغَائِرِ انْتَهَى .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا فِي الْأَكْلِ الْمُجَرَّدِ دُونَ النَّهْبِ كَمَا بَيَّنَّاهُ انْتَهَى .
خَاتِمَةٌ
: رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ : "
شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ
وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى
اللَّهَ وَرَسُولَهُ " .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا إلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ : { شَرُّ
الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى
إلَيْهَا مِنْ يَأْبَاهَا ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى
اللَّهَ وَرَسُولَهُ } .
وَالشَّيْخَانِ : { إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : { إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ } .
وَفِي أُخْرَى لَهُ : إذَا دُعِيتُمْ إلَى كَرَاعٍ - أَيْ وَهُوَ مَحَلٌّ بِقُرْبِ خَلِيصٍ - فَأَجِيبُوا " .
وَفِي أُخْرَى لَهُ : { إذْ دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ } .
وَأَبُو
دَاوُد : { نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ طَعَامِ
الْمُتَبَارِينَ - أَيْ الْمُتَبَاهِينَ - أَنْ يُؤْكَلَ } وَأَكْثَرُ
الرُّوَاةِ عَلَى إرْسَالِهِ .
وَالْحَاصِلُ عِنْدَنَا أَنَّ
الْإِجَابَةَ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَاجِبَةٌ بِشُرُوطِهَا
الْمُقَرَّرَةِ فِي مَحَلِّهَا ، وَلِسَائِرِ الْوَلَائِمِ غَيْرِهَا
مُسْتَحَبَّةٌ .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ وَالصَّفْحَةِ ، وَقَالَ
إنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ } .
وَمُسْلِمٌ
: { إذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا
كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعُهَا لِلشَّيْطَانِ
وَلَا
يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمَنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ } .
وَمُسْلِمٌ
: { إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَحْضُرُ أَحَدُكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ
شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ ، فَإِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ
أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ
لِيَأْكُلهَا وَلَا يَدَعُهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ
أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةَ }
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ : { فَإِنَّ آخِرَ الطَّعَامِ
الْبَرَكَةُ } .
وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ : { إذَا أَكَلَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي
أَيَّتِهِنَّ الْبَرَكَةُ } .
وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ : { إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَمْسَحْ أَصَابِعَهُ
حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا } .
وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَبُو دَاوُد عَنْ حُذَيْفَةَ : { كُنَّا إذَا حَضَرْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ يَضَعْ
أَحَدُنَا يَدَهُ حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ طَعَامًا فَجَاءَ
أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يَدْفَعُ فَذَهَبَ لِيَضَعَ يَدَهُ فِي
الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِيَدِهِ ، ثُمَّ جَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تَدْفَعُ فَذَهَبَتْ
لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا وَقَالَ : إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَسْتَحِلُّ
الطَّعَامَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ
جَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ يَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْت بِيَدِهِ ،
وَجَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ يَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْت بِيَدِهَا ،
فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ يَدَهُ لَفِي يَدِي مَعَ أَيْدِيهِمَا
} .
وَصَحَّ : { أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَلَمْ يُسَمِّ حَتَّى كَانَ فِي
آخِرِ طَعَامِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ حَتَّى سَمَّى فَمَا بَقِيَ فِي بَطْنِهِ شَيْءٌ إلَّا قَاءَهُ } .
وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ سَرَّهُ أَنْ لَا يَجِدَ الشَّيْطَانُ عِنْدَهُ
طَعَامًا وَلَا مَقِيلًا وَلَا مَبِيتًا فَلْيُسَلِّمْ إذَا دَخَلَ
بَيْتَهُ وَلْيُسَمِّ عَلَى طَعَامِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ مُعَاذِ
بْنِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي
وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ : { قَرَأْت
فِي التَّوْرَاةِ إنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ ،
فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَأَخْبَرْته بِمَا قَرَأْت فِي التَّوْرَاةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ
قَبْلَهُ } : أَيْ غَسْلُ الْيَدَيْنِ ، وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ
: { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُكْثِرَ اللَّهُ خَيْرَ بَيْتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ
إذَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَإِذَا رَفَعَ } ، وَكَرِهَهُ سُفْيَانُ وَمَالِكٌ
قَبْلَهُ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَكَذَا صَاحِبُنَا الشَّافِعِيُّ
اسْتَحَبَّ تَرْكَهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ : { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالطَّعَامِ فَقِيلَ لَهُ أَلَا
تَتَوَضَّأُ ؟ فَقَالَ لَمْ أُصَلِّ فَأَتَوَضَّأُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ
لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ : { إنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ إذَا
قُمْت إلَى الصَّلَاةِ } ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ نَامَ وَفِي
يَدِهِ غَمَرٌ } - أَيْ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ بَعْدَهَا
رَاءٌ : رِيحُ اللَّحْمِ وَزُهُومَتِهِ - { لَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ
شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } وَاخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَدِيثٌ بَلْ رُوِيَ شَطْرُهُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَمِنْ طَرِيقٍ حَسَنٍ إلَّا
أَنَّ
فِيهِ : { فَأَصَابَهُ وَضَحٌ - أَيْ بَرَصٌ - فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا
نَفْسَهُ } ، وَصَحَّ : { الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ
فَكُلُوا مِنْ حَافَّتِهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ } .
وَصَحَّ
أَيْضًا : { إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلُ مِنْ أَعْلَى
الصَّحْفَةِ وَلَكِنْ لِيَأْكُلَ مِنْ أَسْفَلِهَا } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلَّ } .
وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ ؟ { كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَإِنَّهُ طَيِّبٌ مُبَارَكٌ ، وَانْهَشُوا اللَّحْمَ نَهْشًا فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ } .
وَصَحَّ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَزَّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ ثُمَّ صَلَّى } .
وَأَمَّا
خَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ : { لَا تَقْطَعُوا
اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ
وَانْهَشُوهُ نَهْشًا فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ } ، فَأَبُو مَعْشَرٍ
وَإِنْ لَمْ يُتْرَكْ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا أُنْكِرُ عَلَيْهِ .
وَرَوَى
أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ : { إنَّ أَحَبَّ
الطَّعَامِ إلَى اللَّهِ مَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْأَيْدِي } .
وَأَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ ، قَالَ تَجْتَمِعُونَ
عَلَى طَعَامِكُمْ أَوْ تَتَفَرَّقُونَ ؟ قَالُوا نَتَفَرَّقُ قَالَ
اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ
يُبَارَكُ لَكُمْ فِيهِ } .
وَصَحَّ : { لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ
بِيَمِينِهِ ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ ،
وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ،
وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ
} .
وَصَحَّ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ .
فَقَالَ
رَجُلٌ الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ فَقَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ :
فَإِنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ قَالَ فَأَبِنْ الْقَدَحَ إذًا
عَنْ فِيك } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَأَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ } .
وَصَحَّ {
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْرَبَ
الرَّجُلُ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَأَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ } .
وَصَحَّ : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ هُوَ أَمْرَأُ وَأَرْوَى } .
وَمَعْنَاهُ
أَنَّهُ كَانَ يُبِينُ الْقَدَحَ عَنْ فِيهِ ثُمَّ يَتَنَفَّسُ
لِلرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ : { فَأَبِنْ الْقَدَحَ إذًا عَنْ فِيك } .
وَصَحَّ
: { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ - يَعْنِي أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا -
فَيُشْرَبُ مِنْهَا } .
وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : { نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشْرَبَ مِنْ
فِي السِّقَاءِ فَأُنْبِئْتُ أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ
فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ حَيَّةٌ } .
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ (
الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ :
تَرْجِيحُ إحْدَى الزَّوْجَاتِ عَلَى الْأُخْرَى ظُلْمًا وَعُدْوَانًا ) .
أَخْرَجَ
التِّرْمِذِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى
شَرْطِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ كَانَتْ
عِنْدَهُ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ } .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ } .
وَالنَّسَائِيُّ
: { مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ إلَى إحْدَاهُمَا عَلَى
الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : {
وَأَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ } ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَمَالَ
وَقَوْلِهِ يَمِيلُ ، الْمَيْلُ بِظَاهِرِهِ بِأَنْ يُرَجِّحَ إحْدَاهُمَا
فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي حَرَّمَ الشَّارِعُ التَّرْجِيحَ
فِيهَا ، لَا الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ لِخَبَرِ أَصْحَابِ السُّنَنِ
الْأَرْبَعَةِ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا : { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ
فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا
تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ } يَعْنِي الْقَلْبَ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رُوِيَ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ .
وَرَوَى
مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { إنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى
مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ
يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا
} .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ قَضِيَّةُ هَذَا الْوَعِيدِ الَّذِي
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ لِمَا
فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ .
(
الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ مَنْعُ الزَّوْجِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ زَوْجَتِهِ
الْوَاجِبَةِ لَهَا عَلَيْهِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَمَنْعُهَا
حَقًّا لَهُ عَلَيْهَا كَذَلِكَ ، كَالتَّمَتُّعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
شَرْعِيٍّ ) .
قَالَ تَعَالَى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }
ذَكَرَهُ تَعَالَى عَقِبَ قَوْلِهِ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } لِأَنَّهُ لَمَّا
بَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ إصْلَاحُ حَالِهَا لَا
إيصَالُ الضَّرَرِ إلَيْهَا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ
الزَّوْجَيْنِ حَقًّا عَلَى الْآخَرِ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنِّي لَأَتَزَيَّنُ لِامْرَأَتِي كَمَا تَتَزَيَّنُ لِي لِهَذِهِ الْآيَةِ .
وَقَالَ
بَعْضُهُمْ : يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِحَقِّهَا وَمَصَالِحِهَا ،
وَيَجِبُ عَلَيْهَا الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ لَهُ ، وَقِيلَ : لَهُنَّ
عَلَى الزَّوْجِ إرَادَةُ الْإِصْلَاحِ عِنْدَ الْمُرَاجَعَةِ ،
وَعَلَيْهِنَّ تَرْكُ الْكِتْمَانِ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
أَرْحَامِهِنَّ .
وَالْأَوْلَى إبْقَاءُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ
وَإِنْ كَانَ صَدْرُهَا يُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ ، ثُمَّ دَرَجَةُ
الرَّجُلِ عَلَيْهَا ؛ لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ مِنْهَا فَضْلًا وَعَقْلًا
وَدِيَةً وَمِيرَاثًا وَغَنِيمَةً ، وَكَوْنِهِ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ
وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ ، وَكَوْنِهِ يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا
وَيَتَسَرَّى ، وَيَقْدِرُ عَلَى طَلَاقِهَا وَرَجْعَتِهَا ، وَإِنْ
أَبَتْ وَلَا عَكْسَ ، وَأَيْضًا فَهُوَ أَخَصُّ بِأَنْوَاعٍ مِنْ
الرَّحْمَةِ وَالْإِصْلَاحِ كَالْتِزَامِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ
وَالذَّبِّ عَنْهَا ، وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهَا ، وَمَنْعِهَا مِنْ
مَوَاقِعِ الْآفَاتِ ، فَكَانَ قِيَامُهَا بِخِدْمَتِهِ آكَدُ لِهَذِهِ
الْحُقُوقِ الزَّائِدَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ
عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ : تَفْضِيلُ
الرِّجَالِ
عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَشَرْعِيَّةٍ : فَمِنْ
الْأَوَّلِ : أَنَّ عُقُولَهُمْ وَعُلُومَهُمْ أَكْثَرُ وَقُلُوبَهُمْ
عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ أَصْبَرُ وَكَذَلِكَ الْقُوَّةُ
وَالْكِتَابَةُ غَالِبًا وَالْفُرُوسِيَّةُ وَالرَّمْيُ ، وَفِيهِمْ
الْعُلَمَاءُ وَالْإِمَامَةُ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَالْجِهَادُ
وَالْأَذَانُ وَالْخُطْبَةُ وَالْجُمُعَةُ وَالِاعْتِكَافُ وَالشَّهَادَةُ
فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ وَالْأَنْكِحَةُ وَنَحْوُهَا ، وَزِيَادَةُ
الْمِيرَاثِ ، وَالتَّعْصِيبُ وَتَحَمُّلُ الدِّيَةِ ، وَوِلَايَةُ
النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ، وَالرَّجْعَةُ وَعَدَدُ الْأَزْوَاجِ
وَإِلَيْهِمْ الِانْتِسَابُ وَمِنْ الثَّانِي : عَطِيَّةُ الْمَهْرِ
وَالنَّفَقَةِ وَنَحْوِهِمَا ، وَفِي الْحَدِيثِ : { لَوْ كُنْت آمِرًا
أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ
لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ
} ، فَحِينَئِذٍ الْمَرْأَةُ كَالْأَسِيرِ الْعَاجِزِ فِي يَدِ الرَّجُلِ
، وَلِهَذَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ
بِهِنَّ خَيْرًا فَقَالَ : { وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا
فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ } .
أَيْ أَسِيرَاتٌ .
وَقَالَ : { اتَّقُوا اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ الْمَمْلُوكِ وَالْمَرْأَةِ } .
وَقَالَ
تَعَالَى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } قَالَ الزَّجَّاجُ : هُوَ
النَّصَفَةُ فِي النَّفَقَةِ وَالْبَيْتِ ، وَالْإِجْمَالُ فِي الْقَوْلِ
، وَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَتَصَنَّعَ لَهَا كَمَا تَتَصَنَّعُ لَهُ .
وَنَقَلَ
الْقُرْطُبِيُّ عَنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى
أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ يَكْفِهَا إلَّا أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ
وَجَبَ ، ثُمَّ غَلَّطَ الشَّافِعِيُّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِمَا : لَا يَجِبُ لَهَا إلَّا خَادِمٌ
وَاحِدٌ إذْ مَا مِنْ امْرَأَةٍ فِي الْعَالَمِ إلَّا وَيَكْفِيهَا
خَادِمٌ وَاحِدٌ بِأَنَّ بَنَاتِ الْمُلُوكِ اللَّاتِي لَهُنَّ شَأْنٌ
كَبِيرٌ لَا يَكْفِي الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ خَادِمٌ وَاحِدٌ لِطَبْخِهَا
وَغَسْلِ ثِيَابِهَا ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ تَغْلِيظَ الْأَئِمَّةِ
بِمُجَرَّدِ
هَذَا الْخَيَالِ هُوَ عَيْنُ الْخَبَالِ ، لِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا
هُوَ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ .
وَمَعْلُومٌ
أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مَا
تَحْتَاجُهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَاتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَلَا
شَكَّ أَنَّ هَذَا يَكْفِي لِتَحْصِيلِهِ خَادِمٌ وَاحِدٌ .
وَأَمَّا
احْتِيَاجُهَا لِلزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لِأُمُورٍ
تَتَعَلَّقُ بِهَا خَارِجَةٍ عَنْ الزَّوْجِيَّةِ فَكِفَايَتُهَا
عَلَيْهَا أَوْ تَتَعَلَّقُ بِهِ كَذَلِكَ فَكِفَايَتُهَا عَلَيْهِ لَا
مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ فَظَهَرَ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْإِمَامَانِ
وَاتَّضَحَ تَغْلِيطُ مَنْ غَلَّطَهُمَا ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ
فَالتَّأَدُّبُ مَعَ الْأَئِمَّةِ هُوَ الْخَيْرُ كُلُّهُ .
وَجَاءَ
عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ :
أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ
رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَا قَلَّ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ
كَثُرَ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا حَقَّهَا خَدَعَهَا
فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَيْهَا حَقَّهَا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ } الْحَدِيثَ .
وَالشَّيْخَانِ : {
كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الْإِمَامُ رَاعٍ
وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ
زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي
أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ
سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
{ أَكْمَلُ
الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقَا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ
لِنِسَائِهِمْ } وَصَحَّ أَيْضًا : { إنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ
إيمَانًا أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفَهُمْ بِأَهْلِهِ } .
وَصَحَّحَ
ابْنُ حِبَّانَ { خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ
لِلنَّسَائِيِّ : { وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي } .
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { إنَّ
الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ فَإِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا } .
وَالشَّيْخَانِ
وَغَيْرُهُمَا : { اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ
مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ وَإِنَّ أَعْوَجَ مَا فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ
فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهُ كَسَرْته وَإِنْ تَرَكْته لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ
فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ } .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ الْمَرْأَةَ
خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ } - أَيْ بِكَسْرٍ وَهُوَ أَفْصَحُ أَوْ فَتْحٍ
فَسُكُونٍ - لَنْ تَسْتَقِيمَ لَك عَلَى طَرِيقَةٍ ، { فَإِنْ اسْتَمَعْت
بِهَا اسْتَمْتَعْت بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهَا
كَسَرْتهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا } .
وَالْعِوَجُ بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ
، وَقِيلَ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُنْتَصِبِ كَالدِّينِ وَالْخُلُقِ
وَالْأَرْضِ وَإِلَّا كَالْعَصَا فَهُوَ بِفَتْحِهِمَا .
وَمُسْلِمٌ :
{ لَا يَفْرَكْ } - أَيْ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ وَشَذَّ الضَّمُّ
يَبْغُضُ - { مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ
مِنْهَا آخَرَ أَوْ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ
أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : أَنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْت ،
وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْت ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا
تُقَبِّحْ أَيْ لَا تُسْمِعْهَا مَكْرُوهًا كَقَبَّحَكِ اللَّهُ وَلَا
تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ
صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَابْنُ مَاجَهْ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ
تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ : أَلَا فَاسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ
تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ، أَلَا إنَّ لَكُمْ
عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا ؛
فَحَقُّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ
وَلَا يَأْذَنَّ فِي
بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ .
أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ } .
وَابْنُ
مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : {
أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ
الْجَنَّةَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { إذَا صَلَّتْ
الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا
دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ } .
وَأَحْمَدُ
بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ إلَّا ابْنَ لَهِيعَةَ وَحَدِيثُهُ
حَسَنٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ : { إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا
وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ
لَهَا اُدْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ } .
وَصَحَّ
: { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُزَوَّجَةٍ :
فَأَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ؟ قَالَتْ مَا آلُوهُ - أَيْ مَا أُقَصِّرُ فِي
خِدْمَتِهِ إلَّا مَا عَجَزْت عَنْهُ - قَالَ فَكَيْفَ أَنْتِ لَهُ
فَإِنَّهُ جَنَّتُك وَنَارُك } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ {
عَائِشَةَ قَالَتْ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ ؟ قَالَ :
زَوْجُهَا ، قُلْت فَأَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ ؟
قَالَ أُمُّهُ } .
وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَنَّ
امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إلَيْك
ثُمَّ ذَكَرَتْ مَا لِلرِّجَالِ فِي الْجِهَادِ مِنْ الْأَجْرِ
وَالْغَنِيمَةِ ثُمَّ قَالَتْ فَمَا لَنَا مِنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلِغِي مَنْ لَقِيتِ مِنْ النِّسَاءِ أَنَّ
طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاعْتِرَافًا بِحَقِّهِ يَعْدِلُ ذَلِكَ وَقَلِيلٌ
مِنْكُنَّ مَنْ يَفْعَلُهُ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { أَتَى رَجُلٌ
بِابْنَتِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ إنَّ ابْنَتِي هَذِهِ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ ، فَقَالَ لَهَا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَطِيعِي أَبَاك ، فَقَالَتْ
وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَتَزَوَّجُ
حَتَّى تُخْبِرَنِي
مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ؟ قَالَ حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى
زَوْجَتِهِ لَوْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةٌ فَلَحَسَتْهَا أَوْ انْتَشَرَ
مَنْخَرَاهُ صَدِيدًا وَدَمًا ثُمَّ ابْتَلَعَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ ،
قَالَتْ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ، فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُنْكِحُوهُنَّ إلَّا
بِإِذْنِهِنَّ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ
وَاهِيًا : { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ ، قَالَ قَدْ
عَرَفْتُك فَمَا حَاجَتُك ؟ قَالَتْ حَاجَتِي إلَى ابْنِ عَمِّي فُلَانٍ
الْعَابِدِ ، قَالَ قَدْ عَرَفْته ، قَالَ يَخْطُبُنِي فَأَخْبِرْنِي مَا
حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ ؟ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا أُطِيقُهُ
تَزَوَّجْته ، قَالَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَوْ سَالَ مَنْخَرَاهُ دَمًا
وَقَيْحًا فَلَحَسَتْهُ بِلِسَانِهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ .
لَوْ كَانَ
يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ
تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِمَا فَضَّلَهُ اللَّهُ
عَلَيْهَا ، قَالَتْ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَتَزَوَّجُ مَا
بَقِيَتْ الدُّنْيَا } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ
أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ -
أَيْ يَسْقُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ - وَأَنَّهُ
اُسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ وَأَنَّ الْأَنْصَارَ
جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا إنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نَسْنِي عَلَيْهِ وَإِنَّهُ
اُسْتُصْعِبَ عَلَيْنَا وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ
وَالنَّخْلُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَقَامُوا فَدَخَلُوا الْحَائِطَ ، وَالْجَمَلُ فِي
نَاحِيَةٍ فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ
، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَارَ مِثْلَ
الْكَلْبِ وَنَخَافُ عَلَيْك صَوْلَتَهُ ، قَالَ لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ
بَأْسٌ فَلَمَّا
نَظَرَ الْجَمَلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا
بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي
الْعَمَلِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا بَهِيمَةٌ
لَا يَعْقِلُ يَسْجُدُ لَك وَنَحْنُ نَعْقِلُ فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ
نَسْجُدَ لَك ، قَالَ : لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ
وَلَوْ صَلُحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ
أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا ، لَوْ كَانَ مِنْ
قَدَمِهِ إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةٌ تَنْبَجِسُ - أَيْ تَتَفَجَّرُ
- بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا
أَدَّتْ حَقَّهُ } .
وَأَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { لَوْ كُنْت
آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ
يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ
الْحَقِّ .
قَالَهُ لَمَّا قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا رَأَى أَهْلُ الْحِيرَةِ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ
فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَك } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : {
لَمَّا قَدِمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا هَذَا ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمْت الشَّامَ
فَرَأَيْتهمْ يَسْجُدُونَ لِبَطَارِقَتِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ فَأَرَدْت
أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِك ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ فَإِنِّي لَوْ أَمَرْت
شَيْئًا أَنْ يَسْجُدَ لِشَيْءٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ
لِزَوْجِهَا ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ
حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا } .
وَالْحَاكِمُ
مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا : { لَوْ أَمَرْت أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ
لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ
حَقِّهِ عَلَيْهَا ، وَلَا تَجِدُ امْرَأَةٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى
تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا
وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَّا وَاحِدًا ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَمْ أَقِفْ
فِيهِ عَلَى جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ
فِي الْجَنَّةِ ؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ كُلُّ
وَدُودٍ وَلُودٍ إذَا غَضِبَتْ أَوْ أُسِيءَ إلَيْهَا أَوْ غَضِبَ
زَوْجُهَا ، قَالَتْ هَذِهِ يَدِي فِي يَدِك لَا أَكْتَحِلُ بِغَمْضٍ
حَتَّى تَرْضَى } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { لَا يَحِلُّ
لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ أَنْ تَأْذَنَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا
وَهُوَ كَارِهٌ وَلَا تَخْرُجُ وَهُوَ كَارِهٌ وَلَا تُطِيعُ فِيهِ
أَحَدًا وَلَا تَعْتَزِلُ فِرَاشَهُ وَلَا تَضُرُّ بِهِ فَإِنْ كَانَ هُوَ
أَظْلَمَ فَلْتَأْتِهِ حَتَّى تُرْضِيَهُ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهَا فَبِهَا
وَنِعْمَتْ وَقَبِلَ اللَّهُ عُذْرَهَا وَأَفْلَجَ حُجَّتَهَا - أَيْ
بِالْجِيمِ أَظْهَرَهَا وَقَوَّاهَا - وَلَا إثْمَ عَلَيْهَا وَإِنْ هُوَ
لَمْ يَرْضَ فَقَدْ أَبْلَغَتْ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرَهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { إنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ إنْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا
وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ أَنْ لَا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا ، وَمِنْ حَقِّ
الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ لَا تَصُومَ تَطَوُّعًا إلَّا
بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ جَاعَتْ وَعَطِشَتْ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهَا ،
وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ
لَعَنَتْهَا مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ
وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى تَرْجِعَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { الْمَرْأَةُ لَا تُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهَا
حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا كُلَّهُ لَوْ سَأَلَهَا وَهِيَ عَلَى
ظَهْرِ قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ نَفْسَهَا } .
وَصَحَّ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَحَسَّنَهُ : { لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إلَّا
قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَك
اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَك دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَك
إلَيْنَا } .
وَصَحَّ : { إذَا دَعَا الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ
لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ } .
وَالشَّيْخَانِ
: { إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ
فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ
} .
وَرَوَيَا : { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ
يَدْعُو امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إلَّا كَانَ
الَّذِي فِي السَّمَاءِ - أَيْ أَمْرُهُ وَسُلْطَانُهُ - سَاخِطًا
عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا } أَيْ زَوْجُهَا .
وَرَوَيَا { إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ } .
وَمَرَّ
فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ
رُءُوسِهِمْ شِبْرًا ، وَعَدَّ مِنْهُمْ امْرَأَةً بَاتَتْ وَزَوْجُهَا
عَلَيْهَا سَاخِطٌ } .
وَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا
تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ وَلَا يَصْعَدُ لَهُمْ إلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ
وَعَدَّ مِنْهُمْ الْمَرْأَةَ السَّاخِطَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى
يَرْضَى } .
وَفِي حَدِيثٍ سَنَدُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ
وَاحِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ : { إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَرَجَتْ مِنْ
بَيْتِهَا وَزَوْجُهَا كَارِهٌ لَعَنَهَا كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ
وَكُلُّ شَيْءٍ مَرَّتْ عَلَيْهِ غَيْرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ حَتَّى
تَرْجِعَ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَيْنِ هُوَ صَرِيحُ مَا فِي أَوَّلِ
الْأَحَادِيثِ إذْ فِيهِ : { لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ
زَانٍ } ، وَهَذَا غَايَةُ الْوَعِيدِ وَأَشَدُّهُ ، وَآخِرُهَا إذْ
فِيهَا لَعْنَتُهَا مِنْ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَجَمِيعِ خَلْقِهِ
غَيْرِ الثَّقَلَيْنِ ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي شِدَّةِ الْوَعِيدِ أَيْضًا ،
فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ كَوْنُ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ
يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ
.
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ
وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : التَّهَاجُرُ بِأَنْ يَهْجُرَ
أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ
وَالتَّدَابُرُ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْمُسْلِمِ بِأَنْ يَلْقَاهُ
فَيُعْرِضُ عَنْهُ بِوَجْهِهِ وَالتَّشَاحُنُ وَهُوَ تَغَيُّرُ الْقُلُوبِ
الْمُؤَدِّي إلَى أَحَدِ ذَيْنِك ) .
أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ
صَحِيحٍ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ : { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ
أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ
عَنْ الْحَقِّ } - أَيْ مَائِلَانِ عَنْهُ مَا دَامَا عَلَى صِرَامِهِمَا
- وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا - أَيْ رُجُوعًا إلَى الصُّلْحِ ، يَكُونُ
سَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَةً لَهُ وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ
يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ
الْمَلَائِكَةُ وَيَرُدُّ عَلَى الْآخَرِ الشَّيْطَانُ ، فَإِنْ مَاتَا
عَلَى صِرَامِهِمَا لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ جَمِيعًا أَبَدًا .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ : { لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ وَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ } .
وَابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ : { لَا يَحِلُّ أَنْ يَصْطَرِمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنْ
اصْطَرَمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا ،
وَأَيُّهُمَا بَدَأَ صَاحِبَهُ كُفِّرَتْ ذُنُوبُهُ فَإِنْ هُوَ سَلَّمَ
فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ سَلَامَهُ رَدَّ عَلَيْهِ
الْمَلَائِكَةُ وَرَدَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْطَانُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { لَا تَحِلُّ الْهِجْرَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ
الْتَقَيَا فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَرَدَّ الْآخَرُ اشْتَرَكَا فِي
الْأَجْرِ ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ بَرِئَ هَذَا مِنْ الْإِثْمِ وَبَاءَ
بِهِ الْآخَرُ } ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ : { وَإِنْ مَاتَا وَهُمَا
مُتَهَاجِرَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْجَنَّةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { لَا تَدَابَرُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ
إخْوَانًا ، هَجْرُ الْمُؤْمِنِينَ ثَلَاثٌ فَإِنْ تَكَلَّمَا وَإِلَّا
أَعْرَضَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمَا حَتَّى يَتَكَلَّمَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَهُوَ فِي
النَّارِ إلَّا أَنْ يَتَدَارَكَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ } .
وَمُسْلِمٌ
: { إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ } : أَيْ
الْإِغْرَاءِ وَتَغْيِيرِ الْقُلُوبِ وَالتَّقَاطُعِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا بِسَنَدٍ جَيِّدٍ
: " لَا يَتَهَاجَرُ الرَّجُلَانِ قَدْ دَخَلَا فِي الْإِسْلَامِ إلَّا
خَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ
وَرُجُوعُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ " .
وَالْبَزَّارُ
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلَا فِي الْإِسْلَامِ فَاهْتَجَرَا لَكَانَ
أَحَدُهُمَا خَارِجًا عَنْ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَرْجِعَ } ، يَعْنِي
الظَّالِمَ مِنْهُمَا .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { لَا
تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ
يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ } .
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ : {
يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَاَلَّذِي يَبْدَأُ
بِالسَّلَامِ يَسْبِقُ إلَى الْجَنَّةِ } .
قَالَ مَالِكٌ : وَلَا أَحْسَبُ التَّدَابُرَ إلَّا الْإِعْرَاضَ عَنْ الْمُسْلِمِ يُدْبِرُ عَنْهُ بِوَجْهِهِ .
وَالشَّيْخَانِ
: { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ
يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي
يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ } .
وَأَخَذَ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ السَّلَامَ يَرْفَعُ إثْمَ الْهَجْرِ .
وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ : { لَا
يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، فَمَنْ هَجَرَ
فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ } .
وَأَبُو دَاوُد : { لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنْ
مَرَّتْ
بِهِ ثَلَاثٌ فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَدَّ
عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ ، وَإِنْ لَمْ
يَرُدَّ فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ وَخَرَجَ الْمُسَلِّمُ مِنْ الْهَجْرِ }
.
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ
اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا امْرَأً
كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيَقُولُ : اُتْرُكُوا
هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : {
تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ
فَيَغْفِرُ اللَّهُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا
رَجُلًا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ :
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى
يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { تُنْسَخُ دَوَاوِينُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي دَوَاوِينِ أَهْلِ
السَّمَاءِ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ
لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ
شَحْنَاءُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ : { تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ
فَمِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرُ لَهُ وَمِنْ تَائِبٍ فَيُتَابُ عَلَيْهِ
وَيُرَدُّ أَهْلُ الضَّغَائِنِ لِضَغَائِنِهِمْ - أَيْ أَحْقَادِهِمْ -
حَتَّى يَتُوبُوا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ : { يَطَّلِعُ اللَّهُ إلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ
لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إلَّا
لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ } .
وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِنَحْوِهِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَالْبَيْهَقِيُّ
عَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ عَنْهُ
ثَوْبَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَسْتَتِمَّ أَنْ قَامَ فَلَبِسَهُمَا
فَأَخَذَتْنِي غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ ظَنَنْت أَنَّهُ يَأْتِي بَعْضَ
صُوَيْحِبَاتِي فَخَرَجْت أَتْبَعُهُ فَأَدْرَكْته بِالْبَقِيعِ
الْغَرْقَدِ
يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالشُّهَدَاءِ فَقُلْت بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنْتَ فِي حَاجَةِ
رَبِّك وَأَنَا فِي حَاجَةِ الدُّنْيَا فَانْصَرَفَ فَدَخَلْت حُجْرَتِي
وَلِي نَفَسٌ عَالٍ وَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا هَذَا النَّفَسُ يَا عَائِشَةُ ؟ فَقُلْت :
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَتَيْتَنِي فَوَضَعْت عَنْك ثَوْبَيْك ثُمَّ
لَمْ تَسْتَتِمَّ أَنْ قُمْت فَلَبِسْتَهُمَا فَأَخَذَتْنِي غَيْرَةٌ
شَدِيدَةٌ ظَنَنْت أَنَّك تَأْتِي بَعْضَ صُوَيْحِبَاتِي ، حَتَّى
رَأَيْتُك بِالْبَقِيعِ تَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إنْ
كُنْت تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْك وَرَسُولُهُ ؟ أَتَانِي
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ
شَعْبَانَ وَلِلَّهِ فِيهَا عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ بِعَدَدِ شُعُورِ
غَنَمِ كَلْبٍ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ فِيهَا إلَى مُشْرِكٍ وَلَا إلَى
مُشَاحِنٍ وَلَا إلَى قَاطِعِ رَحِمٍ وَلَا إلَى مُسْبِلٍ - أَيْ إزَارَهُ
- وَلَا إلَى عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ وَلَا إلَى مُدْمِنِ خَمْرٍ قَالَتْ :
ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ ثَوْبَيْهِ فَقَالَ لِي يَا عَائِشَةُ أَتَأْذَنِينَ
لِي فِي قِيَامِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ ؟ قُلْت : نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمِّي فَقَامَ فَسَجَدَ طَوِيلًا حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ
فَقُمْت أَلْتَمِسُهُ وَوَضَعْت يَدِي عَلَى بَاطِنِ قَدَمَيْهِ
فَتَحَرَّكَ فَفَرِحْت وَسَمِعْته يَقُولُ فِي سُجُودِهِ : أَعُوذُ
بِعَفْوِك مِنْ عِقَابِك ، وَأَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك ، وَأَعُوذُ
بِك مِنْك جَلَّ وَجْهُك ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا
أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرْتهنَّ لَهُ قَالَ : يَا
عَائِشَةُ تَعَلَّمِيهُنَّ وَعَلِّمِيهِنَّ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ عَلَّمَنِيهِنَّ وَأَمَرَنِي أَنْ أُرَدِّدَهُنَّ فِي
السُّجُودِ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ : { يَطَّلِعُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ إلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إلَّا اثْنَيْنِ : مُشَاحِنٌ وَقَاتِلُ نَفْسٍ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ : { فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لِأَهْلِ الْأَرْضِ إلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
يَطَّلِعُ اللَّهُ إلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ
الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدْعُوهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ .
وَاخْتُلِفَ
فِي تَوْثِيقِهِ وَمَعَ ذَلِكَ حَدَّثَ عَنْهُ النَّاسُ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثٌ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَاحِدَةٌ
مِنْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا ، وَلَمْ يَكُنْ سَاحِرًا
يَتْبَعُ السَّحَرَةَ ، وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَى أَخِيهِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ
وَقَالَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
: { قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
اللَّيْلِ فَصَلَّى فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ قَدْ
قُبِضَ ، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ قُمْت حَتَّى حَرَّكْت إبْهَامَهُ
فَتَحَرَّكَ فَرَجَعْت ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ
وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ : يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ
ظَنَنْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَاسَ -
أَيْ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ : أَيْ غَدَرَ بِك فَلَمْ يُوَفِّكِ
حَقَّك - قُلْت : لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنِّي ظَنَنْت
أَنَّك قَدْ قُبِضْت لِطُولِ سُجُودِك ، فَقَالَ : أَتَدْرِينَ أَيُّ
لَيْلَةٍ هَذِهِ ؟ قُلْت : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : هَذِهِ
لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرَيْنِ وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ
وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا : رَجُلٌ
أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ } .
وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ }
وَذَكَرَ نَحْوَهُ ، وَمَرَّ فِي مَبْحَثِ الْحَسَدِ أَوَّلَ الْكِتَابِ
حَدِيثُ { الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَبَاتَ عِنْدَهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِيَنْظُرَ عَمَلَهُ
فَلَمْ يَرَ لَهُ كَبِيرَ عَمَلٍ فَقَالَ لَهُ : مَا الَّذِي بَلَغَ بِك
مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ :
مَا هُوَ إلَّا مَا رَأَيْت غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي
لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ
أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : هَذِهِ الَّتِي
بَلَغْت بِك وَهِيَ الَّتِي لَا تُطِيقُ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ
الثَّلَاثَةِ هُوَ صَرِيحُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ
الْأَحَادِيثِ وَمَا بَعْدَهُ : { لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ جَمِيعًا
أَبَدًا } ، وَقَوْلُهُ : { فَهُوَ فِي النَّارِ } وَقَوْلُهُ : {
كَسَفْكِ دَمِهِ } .
وَقَوْلُهُ : { خَارِجًا مِنْ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَرْجِعَ } .
وَقَوْلُهُ
: { فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ } وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ ؛ وَأَمَّا
قَوْلُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ : إنَّ هَجْرَ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثٍ
صَغِيرَةٌ فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَإِنْ سَكَتَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ ،
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ جَزَمَ بِأَنَّ الْهِجْرَةَ الْمَذْكُورَةَ
كَبِيرَةٌ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى مَقَالَةِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ
وَالزَّرْكَشِيِّ وَقَالَ : مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ هَجْرِ الْمُسْلِمِ
فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ الصَّغَائِرِ فِيهِ نَظَرٌ ،
وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّقَاطُعِ
وَالْإِيذَاءِ وَالْفَسَادِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَجِيءُ ذَلِكَ مِنْ
الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ " إلَّا " إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَهُوَ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ
مَعْنَى
كَوْنِ ذَلِكَ كَبِيرَةً هَلْ هُوَ مَا فِيهِ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ
الْإِصْرَارُ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَالْوَجْهُ
الْأَوَّلُ .
إذْ الثَّلَاثَةُ قَيْدٌ لِأَصْلِ الْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّ
بِمُضِيِّهَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْسَادُ وَالتَّقَاطُعُ بِخِلَافِهِ
قَبْلَهَا فَلَا إصْرَارَ هُنَا .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ
الْهَجْرِ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ مَسَائِلُ ذَكَرَهَا
الْأَئِمَّةُ ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ مَتَى عَادَ إلَى صَلَاحِ دِينِ
الْهَاجِرِ وَالْمَهْجُورِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا .
( الْكَبِيرَةُ
التَّاسِعَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : خُرُوجُ الْمَرْأَةِ
مِنْ بَيْتِهَا مُتَعَطِّرَةً مُتَزَيِّنَةً وَلَوْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ ) .
أَخْرَجَ
أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ
وَالْمَرْأَةُ إذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا
وَكَذَا } يَعْنِي زَانِيَةَ .
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ
اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ
زَانِيَةٌ وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ } .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
وَصَحَّ
عَلَى كَلَامٍ فِيهِ لَا يَضُرُّ : { أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ بِأَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرِيحُهَا يَعْصِفُ فَقَالَ لَهَا
أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ ؟ قَالَتْ إلَى الْمَسْجِدِ ؛
قَالَ وَتَطَيَّبْت لَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ .
قَالَ : فَارْجِعِي
فَاغْتَسِلِي فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ إلَى
الْمَسْجِدِ لِصَلَاةٍ وَرِيحُهَا يَعْصِفُ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ
} .
وَاحْتَجَّ بِهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ إنْ صَحَّ .
وَقَدْ عَلِمْت
أَنَّهُ صَحَّ عَلَى إيجَابِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَنَفْيِ قَبُولِ
صَلَاتِهَا إنْ صَلَّتْ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ
خُصُوصَ الْغُسْلِ بَلْ إذْهَابُ رَائِحَتِهَا .
وَابْنُ مَاجَهْ : {
بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي
الْمَسْجِدِ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ تَرْفُلُ فِي زِينَةٍ
لَهَا فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْهَوْا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ
الزِّينَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسْجِدِ ، فَإِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ
لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمْ الزِّينَةَ وَتَبَخْتَرْنَ فِي
الْمَسْجِدِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ لِيُوَافِقَ قَوَاعِدَنَا عَلَى مَا
إذَا تَحَقَّقَتْ الْفِتْنَةُ ، أَمَّا مَعَ مُجَرَّدِ خَشْيَتِهَا
فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ مَعَ ظَنِّهَا فَهُوَ حَرَامٌ غَيْرُ كَبِيرَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ .
(
الْكَبِيرَةُ الثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : نُشُوزُ الْمَرْأَةِ
بِنَحْوِ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَرِضَاهُ
لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَاسْتِفْتَاءٍ لَمْ يَكْفِهَا إيَّاهُ
أَوْ خَشْيَةٍ كَأَنْ خَشِيَتْ فَجَرَةً أَوْ نَحْوَ انْهِدَامِ
مَنْزِلِهَا ) .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ
عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ
لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلِيًّا كَبِيرًا } لَمَّا تَكَلَّمَ النِّسَاءُ فِي تَفْضِيلِ
الرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَأُجِبْنَ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى : { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ
عَلَى بَعْضٍ } إلَخْ .
بَيَّنَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ
الْآيَةِ أَنَّهُ إنَّمَا فَضَلَّهُمْ عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ
قَوَّامُونَ عَلَيْهِنَّ ، فَالْجَمِيعُ وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي
التَّمَتُّعِ لَكِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَ الرِّجَالَ
بِالْقِيَامِ عَلَى النِّسَاءِ بِإِصْلَاحِهِنَّ وَتَأْدِيبِهِنَّ
وَدَفْعِ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ إلَيْهِنَّ .
إذْ الْقَوَّامُ
الْأَبْلَغُ مِنْ الْقَيِّمِ هُوَ الْقَائِمُ بِأَتَمِّ الْمَصَالِحِ
وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّأْدِيبِ وَالِاهْتِمَامِ بِالْحِفْظِ وَالتَّوَقِّي
مِنْ الْآفَاتِ ، نَزَلَتْ فِي { سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ أَحَدِ نُقَبَاءِ
الْأَنْصَارِ ، نَشَزَتْ زَوْجَتُهُ فَلَطَمَهَا فَجَاءَ بِهَا أَبُوهَا
إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
افْتَرَشَتْهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا وَإِنَّ أَثَرَ اللَّطْمَةِ
بِوَجْهِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: اقْتَصِّي مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : اصْبِرِي حَتَّى انْتَظَرَ
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَمْرًا وَاَلَّذِي
أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ } ، فَعُلِمَ أَنَّ
فِي الْآيَةِ دَلِيلًا
عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُؤَدِّبُ زَوْجَتَهُ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ
يُسِيءَ عِشْرَتَهَا كَمَا أَفْهَم ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { قَوَّامُونَ
} .
وَفِي قَوْله تَعَالَى : { وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ
} دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ قِوَامِيَّتِهِ بِانْتِفَاءِ إنْفَاقِهِ
لِإِعْسَارِهِ ، وَإِذَا انْتَفَتْ قِوَامِيَّتُهُ عَلَيْهَا فَلَهَا
فَسْخُ الْعَقْدِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِزَوَالِ الْمَقْصُودِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ
النِّكَاحُ ، وقَوْله تَعَالَى : { فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } عَامٌّ
مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ وَغَيْرِهِ ، وَلَفْظُ الْقُنُوتِ يُفِيدُ الطَّاعَةَ
لِلَّهِ - تَعَالَى - وَلِلْأَزْوَاجِ بِطَوَاعِيَتِهِمْ فِي حُضُورِهِمْ
وَحِفْظِهِمْ عِنْدَ غَيْبَتِهِمْ فِي مَالِهِمْ وَمَنْزِلِهِمْ
وَأَبْضَاعِهِنَّ عَنْ الزِّنَا لِئَلَّا يَلْتَحِقَ بِهِ الْعَارُ أَوْ
وَلَدُ غَيْرِهِ .
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا
اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ
زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ ، إنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إلَيْهَا
سَرَّتْهُ ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ ، وَإِنْ غَابَ
عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ } ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ
" .
ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - الصَّالِحَاتِ
وَبَيَّنَهُنَّ بِذِكْرِ وَصْفَيْ الْقُنُوتِ وَالْحِفْظِ الشَّامِلَيْنِ
لِكُلِّ كَمَالٍ يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ وَالدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ
إلَيْهَا وَإِلَى الزَّوْجِ ذَكَرَ وَصْفَ غَيْرِ الصَّالِحَاتِ
بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } وَالْخَوْفُ
حَالَةٌ تَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ عِنْدَ حُدُوثِ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
دَلَالَةٌ تَكُونُ بِالْقَوْلِ كَأَنْ كَانَتْ تُلَبِّيهِ إذَا دَعَاهَا
وَتَخْضَعُ لَهُ بِالْقَوْلِ إذَا خَاطَبَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَتْ ،
وَبِالْفِعْلِ كَأَنْ كَانَتْ تَقُومُ لَهُ إذَا دَخَلَ إلَيْهَا
وَتُسَارِعُ إلَى أَمْرِهِ وَتُبَادِرُ إلَى فِرَاشِهِ بِاسْتِبْشَارٍ
إذَا لَمَسَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَتْ فَهَذِهِ مُقَدِّمَاتٌ تُوجِبُ خَوْفَ
النُّشُوزِ ؛ فَأَمَّا
حَقِيقَةُ النُّشُوزِ فَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَمُخَالَفَةٌ ، مِنْ نَشَزَ إذَا ارْتَفَعَ فَكَأَنَّهَا بِهِ تَرَفَّعَتْ عَلَيْهِ .
وَقَالَ
عَطَاءٌ : هُوَ أَنْ لَا تَتَعَطَّرَ لَهُ وَتَمْنَعَهُ نَفْسَهَا
وَتَتَغَيَّرَ عَمَّا كَانَتْ تَفْعَلُهُ مِنْ الطَّوَاعِيَةِ ،
وَالْوَعْظِ التَّخْوِيفِ بِالْعَوَاقِبِ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا اتَّقِي
اللَّهَ فِي حَقِّي الْوَاجِبِ عَلَيْك وَاخْشِ سَطْوَةَ انْتِقَامِهِ ،
وَلَهُ أَنْ يَهْجُرَهَا فِي الْمَضْجَعِ بِأَنْ يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي
الْفِرَاشِ وَلَا يُكَلِّمُهَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْ يَعْتَزِلُ
عَنْهَا فِي فِرَاشٍ آخَرَ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ ،
وَالثَّانِي أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إنْ أَحَبَّتْهُ
شَقَّ عَلَيْهَا هَجْرُهُ فَتَرْجِعُ عَنْ النُّشُوزِ أَوْ كَرِهَتْهُ
فَقَدْ وَافَقَ غَرَضَهَا فَيَتَحَقَّقُ نُشُوزُهَا حِينَئِذٍ .
وَقِيلَ
اُهْجُرُوهُنَّ مِنْ الْهَجْرِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ الْقَبِيحُ مِنْ
الْقَوْلِ ، أَيْ أَغْلِظُوا عَلَيْهِنَّ فِي الْقَوْلِ وَضَاجِرُوهُنَّ
لِلْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ شِدُّوهُنَّ وِثَاقًا
فِي بُيُوتِهِنَّ مِنْ هَجَرَ الْبَعِيرَ أَيْ رَبَطَهُ بِالْهِجَارِ
وَهُوَ حَبْلٌ يُشَدُّ بِهِ الْبَعِيرُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ
الْبُعْدِ وَالشُّذُوذِ وَإِنْ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ،
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ : لَهَا مِنْ هَفْوَةِ
عَالِمٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، لَكِنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذَا
التَّأْوِيلِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ
الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَهَذَا
الْهَجْرُ غَايَتُهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ شَهْرٌ كَمَا فَعَلَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسَرَّ إلَى حَفْصَةَ حَدِيثًا أَيْ
تَحْرِيمَ مَارِيَةَ أَمَتِهِ النَّازِلُ فِيهَا : { يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك } فَأَفْشَتْهُ إلَى
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
ا هـ .
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ عُلَمَاءَ مَذْهَبِهِ .
أَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَعِنْدَهُ مَا أَنَّهُ لَا غَايَةَ
لَهُ
لِأَنَّهُ لِحَاجَةِ صَلَاحِهَا ، فَمَتَى لَمْ تَصْلُحْ تُهْجَرُ ،
وَإِنْ بَلَغَ سِنِينَ وَمَتَى صَلُحَتْ فَلَا هَجْرَ كَمَا قَالَ
تَعَالَى : { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا }
وَ ( فِي ) إمَّا ظَرْفٌ عَلَى بَابِهِ مُتَعَلِّقٌ بِاهْجُرُوهُنَّ :
أَيْ اُتْرُكُوا مُضَاجَعَتَهُنَّ أَيْ النَّوْمَ مَعَهُنَّ ، أَوْ
لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ اُهْجُرُوهُنَّ مِنْ أَجْلِ تَخَلُّفِهِنَّ عَنْ
الْمُضَاجَعَةِ مَعَكُمْ ، قِيلَ : وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ ؛ لِأَنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ لَيْسَ ظَرْفًا لِلْهَجْرِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لَهُ .
ا هـ .
وَلَيْسَ
كَذَلِكَ بَلْ الظَّرْفِيَّةُ هُنَا صَحِيحَةٌ ، وَالْهَجْرُ وَاقِعٌ
فِيهَا ، وَقِيلَ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنُشُوزِهِنَّ ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ
أَيْضًا مَعْنًى ؛ لِإِيهَامِهِ قَصْرَ النُّشُوزِ عَلَى الْعِصْيَانِ فِي
الْمَضْجَعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ وَلَا صِنَاعَةَ ؛ لِأَنَّ
فِيهِ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ بِأَجْنَبِيٍّ ،
وَقِيلَ يُقَدَّرُ مَحْذُوفٌ بَعْدَ نُشُوزِهِنَّ : أَيْ وَاَللَّاتِي
تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ وَنَشَزْنَ وَإِنَّمَا يَفِرُّ لِذَلِكَ مَنْ لَا
يُجَوِّزُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْوَعْظِ وَالْهَجْرِ بِمُجَرَّدِ
الْخَوْفِ وَمَذْهَبُنَا خِلَافُهُ ، عَلَى أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْخَوْفَ
هُنَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا ، وَقِيلَ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ
وَاضْرِبُوهُنَّ أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : مِثْلُ اللَّكْزَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ ضَرْبٌ بِالسِّوَاكِ .
وَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ وَلَا تَضْرِبْ إلَّا فِي الْبَيْتِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : يَكُونُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهَا أَقَلُّ حُدُودِ الْحُرِّ .
وَقَالَ
غَيْرُهُ دُونَ الْعِشْرِينَ ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ كَامِلٌ فِي حَقِّ
الْقِنِّ وَيُفَرِّقُهَا عَلَى بَدَنِهَا وَلَا يُوَالِيهِ فِي مَوْضِعٍ
لِئَلَّا يَعْظُمَ ضَرَرُهُ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ وَالْمَقَاتِلَ .
قَالَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَكُونُ بِمِنْدِيلٍ مَلْوِيٍّ أَوْ بِيَدِهِ لَا
بِسَوْطٍ وَلَا بِعَصًا ، وَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ أَخَذَهُ مِمَّا
مَرَّ عَنْ عَطَاءٍ .
وَبِالْجُمْلَةِ
: فَالتَّخْفِيفُ يُرَاعَى فِي هَذَا الْبَابِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : تَرْكُ الضَّرْبِ بِالْكُلِّيَّةِ
أَفْضَلُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هَلْ هِيَ عَلَى
التَّرْتِيبِ أَمْ لَا ؟ قَالَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - :
يَعِظُهَا بِلِسَانِهِ فَإِنْ أَبَتْ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ فَإِنْ
أَبَتْ ضَرَبَهَا فَإِنْ لَمْ تَتَّعِظْ بِالضَّرْبِ بَعَثَ الْحَكَمَ .
وَقَالَ
آخَرُونَ : هَذَا التَّرْتِيبُ مُرَاعًى عِنْدَ خَوْفِ النُّشُوزِ ،
أَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِهِ فَلَا بَأْسَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكُلِّ ،
وَمَعْنَى " لَا تَبْغُوا " أَيْ لَا تَطْلُبُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا
أَيْ لَا تُكَلِّفُوهُنَّ مَحَبَّتَكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ لَيْسَ
بِأَيْدِيهِنَّ ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ
بِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ : أَيْ لَا تَطْلُبُوا مِنْهُنَّ مَا لَا
يَلْزَمُهُنَّ شَرْعًا بَلْ اُتْرُكُوهُنَّ إلَى خِيرَتِهِنَّ
فَإِنَّهُنَّ جُبِلْنَ طَبْعًا عَلَى التَّبَرُّعِ بِكَثِيرٍ مِنْ
الْحُقُوقِ وَالْخِدْمَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُهُنَّ ، وَخَتَمَ الْآيَةَ
بِذَيْنِك الِاسْمَيْنِ فِي تَمَامِ الْمُنَاسَبَةِ ؛ لِأَنَّ
مَعْنَاهُمَا أَنَّهُ - تَعَالَى - مَعَ عُلُوِّهِ وَكِبْرِيَائِهِ لَمْ
يُكَلِّفْ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَهُ إذْ لَا يُؤَاخَذُ الْعَاصِي
إذَا تَابَ فَأَنْتُمْ أَوْلَى أَنْ لَا تُكَلِّفُوهُنَّ مَا لَا يُطِقْنَ
وَأَنْ تَقْبَلُوا تَوْبَتَهُنَّ عَنْ نُشُوزِهِنَّ .
وَقِيلَ : إنَّهُنَّ إنْ ضَعُفْنَ عَنْ دَفْعِ ظُلْمِكُمْ فَاَللَّهُ عَلِيٌّ كَبِيرٌ قَادِرٌ يَنْتَصِفُ لَهُنَّ مِنْكُمْ .
وَمَرَّ
آنِفًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى
بَعْضِ صُوَرِ النُّشُوزِ ، وَيُقَاسُ بِهِ بَاقِيهَا ، فَمِنْ ذَلِكَ
حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ : { إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى
فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا
الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا
وَلِلنَّسَائِيِّ : { إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ
زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ : { مَا مِنْ
رَجُلٍ
يَدْعُو امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى إلَّا كَانَ الَّذِي فِي
السَّمَاءِ - أَيْ أَمْرُهُ وَسُلْطَانُهُ - سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى
يَرْضَى عَنْهَا زَوْجُهَا } .
وَمَرَّتْ الْأَحَادِيثُ فِي أَنَّ الَّتِي يَسْخَطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا لَا تُقْبَلُ صَلَاتُهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا .
وَجَاءَ
عَنْ { الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَوَّلُ مَا تُسْأَلُ
الْمَرْأَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ صَلَاتِهَا وَعَنْ بَعْلِهَا } .
وَمَرَّ
فِي خَبَرٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَصُومَ
وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ
إلَّا بِإِذْنِهِ .
وَمَحَلُّهُ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرْضٍ
مُوَسَّعٌ فَلَا تَصُومُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْبَلْدَةِ ، وَإِنْ كَانَ
لَهَا ضَرَّةٌ وَهُوَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا يَوْمَهَا كَمَا شَمِلَهُ
كَلَامُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فِي الْمَجِيءِ إلَى
عِنْدَهَا لِلتَّمَتُّعِ بِهَا حَتَّى يَأْذَنَ لَهَا أَوْ تَعْلَمَ
رِضَاهُ ، ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ بِهَا فَيَمْتَنِعُ
مِنْهُ لِأَجْلِ صَوْمِهَا ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ
وَطْؤُهَا وَإِفْسَادُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَهَابُ
إفْسَادَ الْعِبَادَةِ .
وَمَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ
فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ
أَمَرَ أَحَدًا بِالسُّجُودِ لِأَحَدٍ لَأَمَرَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ
لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا } .
{ وَذَكَرَتْ امْرَأَةٌ
زَوْجَهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ؟ فَإِنَّهُ جَنَّتُك وَنَارُك } أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيُّ .
وَمَرَّ خَبَرُ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ } .
وَجَاءَ
فِي الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ
أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ ؟
فَإِنِّي امْرَأَةٌ أَيِّمٌ فَإِنْ اسْتَطَعْت وَإِلَّا
جَلَسْت
أَيِّمًا ؟ قَالَ : فَإِنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ إنْ
سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ أَنْ لَا تَمْنَعَهُ
نَفْسَهَا ، وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ لَا تَصُومَ
تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ جَاعَتْ وَعَطِشَتْ وَلَا
يُقْبَلُ مِنْهَا ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ
فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَتْهَا مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ
الْأَرْضِ وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى
تَرْجِعَ } ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ وُجُوبًا مُتَأَكَّدًا عَلَى
الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَحَرَّى رِضَا زَوْجِهَا وَتَجْتَنِبَ سَخَطَهُ مَا
أَمْكَنَ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُهُ مِنْ تَمَتُّعٍ
مُبَاحٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُبَاحِ كَوَطْءِ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ
قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ عِنْدَ الْإِمَامِ
الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَعْرِفَ
أَنَّهَا كَالْمَمْلُوكِ لِلزَّوْجِ فَلَا تَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ مِنْ
مَالِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ ، بَلَى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ
إنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ أَيْضًا فِي مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ
كَالْمَحْجُورَةِ لَهُ ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُقَدِّمَ حُقُوقَهُ عَلَى
حُقُوقِ أَقَارِبِهَا بَلْ وَعَلَى حُقُوقِ نَفْسِهَا فِي بَعْضِ
الصُّوَرِ ، وَأَنْ تَكُونَ مُسْتَعِدَّةً لِتَمَتُّعِهِ بِهَا بِمَا
تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّظَافَةِ ، وَلَا تَفْتَخِرُ
عَلَيْهِ بِجَمَالِهَا وَلَا تَعِيبُهُ بِقَبِيحٍ فِيهِ .
قَالَ
الْأَصْمَعِيُّ : " دَخَلْت الْبَادِيَةَ فَإِذَا امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ
لَهَا بَعْلٌ قَبِيحٌ ، فَقُلْت لَهَا كَيْفَ تَرْضِينَ لِنَفْسِك أَنْ
تَكُونِي تَحْتَ هَذَا ؟ قَالَتْ اسْمَعْ يَا هَذَا : لَعَلَّهُ أَحْسَنَ
فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَالِقِهِ فَجَعَلَنِي ثَوَابَهُ ، وَلَعَلِّي
أَسَأْت فَجَعَلَهُ عُقُوبَتِي " .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ لَوْ تَعْلَمْنَ بِحَقِّ
أَزْوَاجِكُنَّ عَلَيْكُنَّ لَجَعَلَتْ الْمَرْأَةَ مِنْكُنَّ تَمْسَحُ
الْغُبَارَ عَنْ قَدَمَيْ زَوْجِهَا بِحُرِّ وَجْهِهَا .
وَفِي حَدِيثٍ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ فِي الْجَنَّةِ ؟
قُلْنَا
بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ إذَا أَغْضَبَتْ
أَوْ أُسِيءَ إلَيْهَا أَوْ غَضِبَ زَوْجُهَا قَالَتْ هَذِهِ يَدِي فِي
يَدِك لَا أَكْتَحِلُ بِغَمْضٍ حَتَّى تَرْضَى } .
قَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ : وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ دَوَامُ الْحَيَاءِ مِنْ
زَوْجِهَا وَغَضُّ طَرْفِهَا قُدَّامَهُ وَالطَّاعَةُ لِأَمْرِهِ
وَالسُّكُوتُ عِنْدَ كَلَامِهِ ، وَالْقِيَامُ عِنْدَ قُدُومِهِ وَعِنْدَ
خُرُوجِهِ وَعَرْضُ نَفْسِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ النَّوْمِ وَتَرْكُ
الْخِيَانَةِ لَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فِي فِرَاشِهِ أَوْ مَالِهِ ،
وَطِيبُ الرَّائِحَةِ لَهُ ، وَتَعَاهُدُ الْفَمِ بِالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ
، وَدَوَامُ الزِّينَةِ بِحَضْرَتِهِ ، وَتَرْكُهَا فِي غَيْبَتِهِ ،
وَإِكْرَامُ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ وَتَرَى الْقَلِيلَ مِنْهُ كَثِيرًا .
ا هـ .
قَالَ
: وَيَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ الْخَائِفَةِ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ
تَجْتَهِدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ زَوْجِهَا وَتَطْلُبَ رِضَاهُ
جَهْدَهَا فَهُوَ جَنَّتُهَا وَنَارُهَا ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا
رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ } .
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا : { إذَا
صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا
وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا اُدْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ
أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْت } .
قَالَ : وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّهُ قَالَ : { يَسْتَغْفِرُ
لِلْمَرْأَةِ الْمُطِيعَةِ لِزَوْجِهَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ
وَالْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ مَا دَامَتْ فِي رِضَا زَوْجِهَا ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ
عَصَتْ زَوْجَهَا فَعَلَيْهَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ كَلَحَتْ فِي وَجْهِ
زَوْجِهَا فَهِيَ فِي سَخَطِ اللَّهِ إلَى أَنْ تُضَاحِكَهُ
وَتَسْتَرْضِيَهُ ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا بِغَيْرِ
إذْنِ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ } .
وَجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : { أَرْبَعَةٌ مِنْ
النِّسَاءِ
فِي الْجَنَّةِ وَأَرْبَعَةٌ فِي النَّارِ ، وَذَكَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ
اللَّوَاتِي فِي الْجَنَّةِ امْرَأَةً عَفِيفَةً طَائِعَةً لِلَّهِ
وَلِزَوْجِهَا وَلُودًا صَابِرَةً قَانِعَةً بِالْيَسِيرِ مَعَ زَوْجِهَا
ذَاتَ حَيَاءٍ إنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا حَفِظَتْ نَفْسَهَا وَمَالَهُ
، وَإِنْ حَضَرَ أَمْسَكَتْ لِسَانَهَا عَنْهُ ، وَامْرَأَةً مَاتَ
عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ فَحَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى
أَوْلَادِهَا وَرَبَّتْهُمْ وَأَحْسَنَتْ إلَيْهِمْ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ
خَشْيَةَ أَنْ يَضِيعُوا .
وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ اللَّوَاتِي فِي
النَّارِ فَامْرَأَةٌ بَذِيئَةُ اللِّسَانِ عَلَى زَوْجِهَا إنْ غَابَ
عَنْهَا لَمْ تَصُنْ نَفْسَهَا وَإِنْ حَضَرَ آذَتْهُ بِلِسَانِهَا ،
وَامْرَأَةٌ تُكَلِّفُ زَوْجَهَا مَا لَا يُطِيقُ ، وَامْرَأَةٌ لَا
تَسْتُرُ نَفْسَهَا مِنْ الرِّجَالِ وَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا
مُتَبَهْرِجَةً ، وَامْرَأَةٌ لَيْسَ لَهَا هَمٌّ إلَّا الْأَكْلُ
وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ وَلَيْسَ لَهَا رَغْبَةٌ فِي صَلَاةٍ وَلَا فِي
طَاعَةِ اللَّهِ وَلَا طَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا فِي طَاعَةِ زَوْجِهَا } .
فَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ
بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَتْ مَلْعُونَةً مِنْ أَهْلِ النَّارِ إلَّا أَنْ
تَتُوبَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
اطَّلَعْت فِي النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ } ،
وَذَلِكَ بِسَبَبِ قِلَّةِ طَاعَتِهِنَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
وَلِأَزْوَاجِهِنَّ وَكَثْرَةِ تَبَهْرُجِهِنَّ ، وَالتَّبَهْرُجُ هُوَ
إذَا أَرَادَتْ الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهَا لَبِسَتْ أَفْخَرَ ثِيَابِهَا
وَتَجَمَّلَتْ وَتَحَسَّنَتْ وَخَرَجَتْ تَفْتِنُ النَّاسَ بِنَفْسِهَا ،
فَإِنْ سَلِمَتْ فِي نَفْسِهَا لَمْ يَسْلَمْ النَّاسُ مِنْهَا .
وَلِهَذَا
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ
فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ وَأَقْرَبُ
مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - إذَا كَانَتْ فِي
بَيْتِهَا } .
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا : { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ
فَاحْبِسُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا خَرَجَتْ
لِلطَّرِيقِ قَالَ لَهَا
أَهْلُهَا أَيْنَ تُرِيدِينَ ؟ قَالَتْ
أَعُودُ مَرِيضًا أُشَيِّعُ جِنَازَةً فَلَا يَزَالُ بِهَا الشَّيْطَانُ
حَتَّى تُخْرِجَ ذِرَاعَهَا ، وَمَا الْتَمَسَتْ الْمَرْأَةُ وَجْهَ
اللَّهِ بِمِثْلِ أَنْ تَقْعُدَ فِي بَيْتِهَا وَتَعْبُدَ رَبَّهَا
وَتُطِيعَ بَعْلَهَا } .
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
لِزَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : مَا خَيْرُ لِلْمَرْأَةِ ؟
قَالَتْ أَنْ لَا تَرَى الرِّجَالَ وَلَا يَرَوْهَا .
وَكَانَ عَلِيٌّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : أَلَا تَسْتَحُونَ أَلَا تَغَارُونَ ؟
يَتْرُكُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ تَخْرُجُ بَيْنَ الرِّجَالِ تَنْظُرُ
إلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إلَيْهَا .
{ وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ
جَالِسَتَيْنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَدَخَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَأَمَرَهُمَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ ، فَقَالَتَا :
إنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِ }
، فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَغُضَّ طَرْفَهُ عَنْ النِّسَاءِ
كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَغُضَّ طَرْفَهَا عَنْ
الرِّجَالِ .
وَإِذَا اضْطَرَّتْ امْرَأَةٌ لِلْخُرُوجِ لِزِيَارَةِ
وَالِدٍ أَوْ حَمَّامٍ خَرَجَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُتَبَهْرِجَةٍ
فِي مِلْحَفَةٍ وَثِيَابٍ بَذْلَةٍ وَتَغُضُّ طَرْفَهَا فِي مِشْيَتِهَا
وَلَا تَنْظُرُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَإِلَّا كَانَتْ عَاصِيَةً .
وَمَاتَتْ
مُتَبَهْرِجَةً فَرَآهَا بَعْضُ أَهْلِهَا فِي النَّوْمِ وَقَدْ عُرِضَتْ
عَلَى اللَّهِ فِي ثِيَابٍ رِقَاقٍ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْهَا
فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَقَالَ خُذُوا بِهَا ذَاتَ الشِّمَالِ إلَى النَّارِ
فَإِنَّهَا كَانَتْ مِنْ الْمُتَبَهْرِجَاتِ فِي الدُّنْيَا .
{
وَقَالَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - : دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَفَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا فَوَجَدْنَاهُ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًا ، فَقُلْت : فِدَاك
أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
الَّذِي أَبْكَاك ؟ قَالَ :
يَا عَلِيُّ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ نِسَاءً مِنْ
أُمَّتِي يُعَذَّبْنَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ فَبَكَيْت لِمَا رَأَيْت
مِنْ شِدَّةِ عَذَابِهِنَّ ، رَأَيْت امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِشَعْرِهَا
يَغْلِي دِمَاغُهَا ، وَرَأَيْت امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِلِسَانِهَا
وَالْحَمِيمُ يُصَبُّ فِي حَلْقِهَا ، وَرَأَيْت امْرَأَةً قَدْ شُدَّ
رِجْلَاهَا إلَى ثَدْيَيْهَا وَيَدَاهَا إلَى نَاصِيَتِهَا وَقَدْ سَلَّطَ
اللَّهُ عَلَيْهَا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ ، وَرَأَيْت امْرَأَةً
مُعَلَّقَةً بِثَدْيَيْهَا ، وَرَأَيْت امْرَأَةً رَأْسُهَا بِرَأْسِ
خِنْزِيرٍ وَبَدَنُهَا بَدَنَ حِمَارٍ وَعَلَيْهَا أَلْفُ أَلْفُ لَوْنٍ
مِنْ الْعَذَابِ ، وَرَأَيْت امْرَأَةً عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ
وَالنَّارُ تَدْخُلُ مِنْ فِيهَا وَتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا
وَالْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ رَأْسَهَا بِمَقَامِعَ مِنْ نَارٍ ،
فَقَامَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا
وَقَالَتْ : يَا حَبِيبِي وَقُرَّةَ عَيْنِي مَا كَانَ أَعْمَالُ
هَؤُلَاءِ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهِنَّ هَذَا الْعَذَابُ ؟ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بُنَيَّةُ أَمَّا
الْمُعَلَّقَةُ بِشَعْرِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لَا تُغَطِّي شَعْرَهَا
مِنْ الرِّجَالِ ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِلِسَانِهَا فَإِنَّهَا
كَانَتْ تُؤْذِي زَوْجَهَا ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِثَدْيَيْهَا
فَإِنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي فِرَاشَ زَوْجِهَا ، وَأَمَّا الَّتِي شُدَّ
رِجْلَاهَا إلَى ثَدْيَيْهَا وَيَدَاهَا إلَى نَاصِيَتِهَا وَقَدْ سَلَّطَ
اللَّهُ عَلَيْهَا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ فَإِنَّهَا كَانَتْ لَا
تَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَتَسْتَهْزِئُ بِالصَّلَاةِ ،
وَأَمَّا الَّتِي رَأْسُهَا رَأْسُ خِنْزِيرٍ وَبَدَنُهَا بَدَنُ حِمَارٍ
فَإِنَّهَا كَانَتْ نَمَّامَةً كَذَّابَةً ، وَأَمَّا الَّتِي عَلَى
صُورَةِ الْكَلْبِ وَالنَّارُ تَدْخُلُ مِنْ فِيهَا وَتَخْرُجُ مِنْ
دُبُرِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ مَنَّانَةً حَسَّادَةً .
يَا بُنَيَّةُ الْوَيْلُ لِامْرَأَةٍ تَعْصِي زَوْجَهَا } .
ا هـ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا أُمِرَتْ الزَّوْجَةُ بِبَذْلِ تَمَامِ
الطَّاعَةِ
وَالِاسْتِرْضَاءِ لِزَوْجِهَا فَهُوَ مَأْمُورٌ أَيْضًا بِالْإِحْسَانِ
إلَيْهَا بِإِيصَالِهَا حَقَّهَا نَفَقَةً وَمُؤْنَةً وَكِسْوَةً بِرِضًا
وَطِيبِ نَفْسٍ وَلِينِ قَوْلٍ وَبِالصَّبْرِ عَلَى نَحْوِ سُوءِ
خُلُقِهَا .
وَمَرَّ فِي الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ بِهِنَّ
وَأَنَّهُنَّ عَوَانٌ أُخِذْنَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ جَمْعُ عَانِيَةٍ
وَهِيَ الْأَسِيرَةُ ، شَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ فِي دُخُولِهَا تَحْتَ حُكْمِ الرَّجُلِ وَقَهْرِهِ
بِالْأَسِيرِ .
وَمَرَّ فِي الْحَدِيثِ : { خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { أَلْطَفُكُمْ بِأَهْلِهِ } .
وَكَانَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدَ اللُّطْفِ بِالنِّسَاءِ ،
قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذِكْرِهِ نَحْوَ ذَلِكَ .
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَيُّمَا رَجُلٍ صَبَرَ
عَلَى سُوءِ خُلُقِ امْرَأَتِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ الْأَجْرِ مِنْ
مِثْلِ مَا أَعْطَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى
بَلَائِهِ ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ صَبَرَتْ عَلَى سُوءِ خُلُقِ زَوْجِهَا
أَعْطَاهَا اللَّهُ مِنْ الْأَجْرِ مَا أَعْطَى آسِيَةَ بِنْتَ مُزَاحِمٍ
امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } .
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَشْكُوَ إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ فَوَقَفَ
بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ
بِلِسَانِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا فَانْصَرَفَ قَائِلًا
: إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ حَالِي ،
فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ مَا حَاجَتُك ؟ فَقَالَ :
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئْت أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي
وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ فَسَمِعْت زَوْجَتَك كَذَلِكَ فَرَجَعْت
وَقُلْت : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ
فَكَيْفَ حَالِي ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا أَخِي إنِّي احْتَمَلْتُهَا
لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ ، إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ
لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِي وَلَيْسَ ذَلِكَ
بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ فَأَنَا
أَحْتَمِلُهَا
لِذَلِكَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَمِيرَ الْمُومِنِينَ وَكَذَلِكَ
زَوْجَتِي قَالَ : فَاحْتَمِلْهَا يَا أَخِي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ
يَسِيرَةٌ .
وَكَانَ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ أَخٌ صَالِحٌ يَزُورُهُ
كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً ، فَجَاءَ مَرَّةً لِزِيَارَتِهِ فَطَرَقَ بَابَهُ
فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ : مَنْ ؟ فَقَالَ : أَخُو زَوْجِك فِي اللَّهِ جَاءَ
لِزِيَارَتِهِ فَقَالَتْ ذَهَبَ يَحْتَطِبُ لَا رَدَّهُ اللَّهُ
وَبَالَغَتْ فِي شَتْمِهِ وَسَبِّهِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ وَإِذَا
بِأَخِيهِ قَدْ حَمَّلَ الْأَسَدَ حُزْمَةَ حَطَبٍ وَهُوَ مُقْبِلٌ بِهِ ،
فَلَمَّا وَصَلَ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَحَّبَ بِهِ ، ثُمَّ أَنْزَلَ
الْحَطَبَ عَنْ ظَهْرِ الْأَسَدِ وَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ بَارَكَ اللَّهُ
فِيك ثُمَّ أَدْخَلَ أَخَاهُ وَهِيَ تَسُبُّهُ فَلَا يُجِيبُهَا
فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ وَدَّعَهُ وَانْصَرَفَ عَلَى غَايَةِ التَّعَجُّبِ
مِنْ صَبْرِهِ عَلَيْهَا ثُمَّ جَاءَ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَدَقَّ
الْبَابَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ : مَنْ ؟ قَالَ أَخُو زَوْجِك جَاءَ
يَزُورُهُ .
قَالَتْ : مَرْحَبًا وَبَالَغَتْ فِي الثَّنَاءِ
عَلَيْهِمَا وَأَمَرَتْهُ بِانْتِظَارِهِ ، فَجَاءَ أَخُوهُ وَالْحَطَبُ
عَلَى ظَهْرِهِ فَأَدْخَلَهُ وَأَطْعَمَهُ وَهِيَ تُبَالِغُ فِي
الثَّنَاءِ عَلَيْهِمَا ، فَلَمَّا أَرَادَ مُفَارَقَتَهُ سَأَلَهُ عَمَّا
رَأَى مِنْ تِلْكَ وَمِنْ هَذِهِ وَمِنْ حَمْلِ الْأَسَدِ حَطَبَهُ زَمَنَ
تِلْكَ الْبَذِيئَةِ اللِّسَانِ الْقَلِيلَةِ الْإِحْسَانِ ، وَحَمْلِهِ
لَهُ عَلَى ظَهْرِهِ زَمَنَ هَذِهِ السَّهْلَةِ اللَّيِّنَةِ
الْمُثْنِيَةِ الْمُؤْمِنَةِ فَمَا السَّبَبُ ؟ قَالَ يَا أَخِي
تُوُفِّيَتْ تِلْكَ الشَّرِسَةُ وَكُنْت صَابِرًا عَلَى شُؤْمِهَا
وَتَعَبِهَا فَسَخَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِي الْأَسَدَ الَّذِي
رَأَيْته يَحْمِلُ الْحَطَبَ لِصَبْرِي عَلَيْهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجْت
هَذِهِ الصَّالِحَةَ وَأَنَا فِي رَاحَةٍ مَعَهَا فَانْقَطَعَ عَنِّي
الْأَسَدُ فَاحْتَجْت أَنْ أَحْمِلَ عَلَى ظَهْرِي لِأَجْلِ رَاحَتِي مَعَ
هَذِهِ الصَّالِحَةِ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ النُّشُوزِ كَبِيرَةً هُوَ
مَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ وَلَمْ يُرِدْ الشَّيْخَانِ بِقَوْلِهِمَا :
امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا بِلَا
سَبَبٍ كَبِيرَةٌ
خُصُوصَةً ، بَلْ نَبَّهَا بِهِ عَلَى سَائِرِ صُوَرِ النُّشُوزِ
وَقَدَّمْت مَا يَشْمَلُهُ ، لَكِنْ لِمَا فِي هَذَا مِمَّا بَسَطْته
فِيهِ أَفْرَدْته بِالذِّكْرِ .
وَمَرَّ أَنَّ فِيهِ وَعِيدًا شَدِيدًا كَلَعْنِ الْمَلَائِكَةِ لَهَا إذَا أَبَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ .
قَالَ
الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْوَالِدُ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ لَعْنِ الْمَلَائِكَةِ
عَلَى جَوَازِ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ وَبَحَثْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ
بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَعْنُهُمْ لَهَا لَيْسَ بِالْخُصُوصِ بَلْ
بِالْعُمُومِ بِأَنْ يُقَالَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ بَاتَتْ مُهَاجِرَةً
فِرَاشَ زَوْجِهَا .
بَابُ الطَّلَاقِ ( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : سُؤَالُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا
الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ ) .
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي
صَحِيحَيْهِمَا ، عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ
سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ
عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثٍ
قَالَ : { وَإِنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ ، وَمَا مِنْ
امْرَأَةٍ تَسْأَلُ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَتَجِدُ
رِيحَ الْجَنَّةِ أَوْ قَالَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } .
تَنْبِيهٌ :
عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ صَرِيحُ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِمَا
فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى
قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا الْمُؤَيَّدَةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَالشَّرْطُ قَبْلَهُ لَيْسَ
لِلْجَوَازِ بَلْ لِنَفْيِ كَرَاهِيَةِ الطَّلَاقِ ، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { خُذْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا
تَطْلِيقَةً } ، وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى
أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ عَلَى مَا إذَا أَلْجَأَتْهُ إلَى الطَّلَاقِ
بِأَنْ تَفْعَلَ مَعَهُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عُرْفًا كَأَنْ أَلَحَّتْ
عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ مَعَ عِلْمِهَا بِتَأَذِّيهِ بِهِ تَأَذِّيًا
شَدِيدًا ، وَلَيْسَ لَهَا عُذْرٌ شَرْعِيٌّ فِي طَلَبِهِ .
(
الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّمَانُونَ وَالثَّالِثَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : الدِّيَاثَةُ وَالْقِيَادَةُ
بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَوْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْدِ ) .
عَنْ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ :
الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ ، وَالرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ }
رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ : إحْدَاهُمَا
هَذِهِ ، وَالثَّانِيَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَصَحَّحَ الثَّانِيَةَ ،
قَالَ : وَالْقَلْبُ إلَى الْأُولَى أَمْيَلُ ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ :
إسْنَادُ الْحَدِيثِ صَالِحٌ .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ فِيهِ
مَجْهُولٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: { ثَلَاثَةٌ حَرَّمَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ :
مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي
يُقِرُّ الْخَبَثَ فِي أَهْلِهِ } .
وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَيْضًا
بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ
عَطَاءَهُ ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ ، وَالدَّيُّوثُ ، وَالرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ } .
وَأَحْمَدُ
وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ ، وَقَالَ
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ : { ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ } .
وَأَخْرَجَ
أَحْمَدُ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَنْظُرُ
اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ،
وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ ،
وَالدَّيُّوثُ وَثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ،
وَالْمَنَّانُ
بِمَا أَعْطَى } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ،
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ مَجْرُوحًا وَلَهُ
شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا :
الدَّيُّوثُ ، وَالرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ،
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَمَّا مُدْمِنُ الْخَمْرِ فَقَدْ
عَرَفْنَاهُ فَمَا الدَّيُّوثُ ؟ قَالَ : الَّذِي لَا يُبَالِي مَنْ
دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ ، قِيلَ : فَمَا الرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ ؟
قَالَ : الَّتِي تُشَبَّهُ بِالرِّجَالِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ
هَذَيْنِ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا ، وَقَالَ
الْعُلَمَاءُ : الدَّيُّوثُ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ عَلَى أَهْلِ
بَيْتِهِ ، وَفِي الْجَوَاهِرِ : الدِّيَاثَةُ هِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ
النَّاسِ وَاسْتِمَاعُ الْمَكْرُوهِ وَالْبَاطِلِ .
قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إذَا كَانَ شَخْصٌ لَا يَعْرِفُ
الْغِنَاءَ وَإِنَّمَا مَعَهُ مَنْ يُغَنِّي ثُمَّ يَمْضِي بِهِ إلَى
النَّاسِ فَهُوَ فَاسِقٌ وَهَذِهِ دِيَاثَةٌ .
انْتَهَى كَلَامُ
الْجَوَاهِرِ ، وَحَدُّهُ لِلدِّيَاثَةِ بِمَا ذَكَرَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ
وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَا مَرَّ عَنْ الْعُلَمَاءِ الْمُوَافِقُ
لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ آنِفًا .
وَأَمَّا كَلَامُ
الشَّافِعِيِّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تَلْحَقُ
بِالدِّيَاثَةِ ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ : وَالدَّيُّوثُ الْقَوَّادُ
عَلَى أَهْلِهِ وَاَلَّذِي لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِهِ وَالتَّدْثِيثُ
الْقِيَادَةُ .
وَفِي الْمُحْكَمِ : الدَّيُّوثُ الَّذِي يَدْخُلُ
الرِّجَالُ عَلَى حَرَمِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُمْ ، وَقَالَ ثَعْلَبُ : هُوَ
الَّذِي يُؤْتَى أَهْلُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ وَأَصْلُ الْحَرْفِ
بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَعُرِّبَ .
انْتَهَى .
أَيْ فَعَلَى هَذَا
هُوَ سُرْيَانِيٌّ مُعَرَّبٌ ثُمَّ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ لِسَانِ
الْعَرَبِ ثَانِيًا تَشْمَلُ الدِّيَاثَةُ الْقِيَادَةَ وَهِيَ الْجَمْعُ
بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ أَوَّلًا فَخَصَّ
فِيهِ الدِّيَاثَةَ بِالْقِيَادَةِ عَلَى الْأَهْلِ ، وَاَلَّذِي جَرَى
عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا
وَتَبِعْتهمْ فِي
التَّرْجَمَةِ .
وَعِبَارَةُ أَصْلِ
الرَّوْضَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ الْقَوَّادُ مَنْ يَحْمِلُ الرِّجَالَ إلَى
أَهْلِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَهْلِ ثُمَّ قَالَ
وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَخْنَسَ بِالْأَهْلِ ، بَلْ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ
بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْحَرَامِ ، ثُمَّ حَكَى عَنْ
التَّتِمَّةِ أَنَّ الدَّيُّوثَ مَنْ لَا يَمْنَعُ النَّاسَ الدُّخُولَ
عَلَى زَوْجَتِهِ ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ الَّذِي
يَشْتَرِي جَارِيَةً تُغَنِّي لِلنَّاسِ انْتَهَتْ .
وَقَضِيَّتُهَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَرْقَ مَا بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ .
وَقَالَ
الزَّرْكَشِيُّ : الدِّيَاثَةُ اسْتِحْسَانُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ ،
وَالْقِيَادَةُ اسْتِحْسَانُهُ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ .
انْتَهَى .
وَالْحَاصِلُ
: أَنَّ الِاسْمَ إنْ شَمِلَهُمَا لِتَرَادُفِهِمَا فَالْأَحَادِيثُ
السَّابِقَةُ نَصٌّ فِيهِمَا ، وَإِنْ لَمْ يَشْمَلْهُمَا ،
فَالْقِيَادَةُ مِنْ خَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ لِظُهُورِ قِلَّةِ اكْتِرَاثِ
مُتَعَاطِيهَا بِمُرُوءَتِهِ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْأَنْسَابِ مَطْلُوبٌ
شَرْعًا ، وَفِي الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ مَا يَقْتَضِيهِ فَفَاعِلُ
ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَالطَّبْعِ وَفِيهَا إعَانَةٌ عَلَى
الْحَرَامِ .
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ
: فَهَذِهِ كَبِيرَةٌ بِلَا نِزَاعٍ وَمَفْسَدَتُهَا عَظِيمَةٌ ، قَالَ
بَعْضُهُمْ : وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهَا بَيْنَ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بَلْ هِيَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُرْدِ
أَقْبَحُ .
بَابُ الرَّجْعَةِ ( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : وَطْءُ الرَّجْعِيَّةِ قَبْلَ
ارْتِجَاعِهَا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ ) .
وَعَدُّ هَذَا
كَبِيرَةً إذَا صَدَرَ مِنْ مُعْتَقِدِ تَحْرِيمَهُ غَيْرُ بَعِيدٍ وَإِنْ
لَمْ يَجِبْ فِيهِ حَدٌّ ، ؛ لِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِهِ لِمَعْنًى هُوَ
الشُّبْهَةُ وَهِيَ لِكَوْنِ الْحُدُودِ مَبْنِيَّةً عَلَى الدَّرْءِ مَا
أَمْكَنَ تُسْقِطُ الْحَدَّ وَلَا تَقْتَضِي خِفَّةَ الْحُرْمَةِ ، أَلَا
تَرَى أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ كَبِيرَةٌ كَمَا هُوَ
ظَاهِرٌ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ الَّذِي لَهُ فِيهَا
مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ .
فَإِنْ قُلْت : جَرَى فِي وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ خِلَافٌ فِي الْحِلِّ فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ كَبِيرَةً ؟ .
قُلْت
: لَيْسَ ذَلِكَ بِغَرِيبٍ فَإِنَّ النَّبِيذَ جَرَى فِيمَا لَا يُسْكِرُ
مِنْهُ خِلَافٌ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ كَبِيرَةٌ عِنْدَنَا كَمَا يَأْتِي .
بَابُ
الْإِيلَاءِ ( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ
الْمِائَتَيْنِ : الْإِيلَاءُ مِنْ الزَّوْجَةِ بِأَنْ يَحْلِفَ
لَيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) .
وَعَدِّي
لِهَذَا كَبِيرَةً غَيْرُ بَعِيدٍ ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ
كَاَلَّذِي قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُضَارَّةً عَظِيمَةً لِلزَّوْجَةِ ؛
لِأَنَّ صَبْرَهَا عَنْ الرَّجُلِ يَفْنَى بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
كَمَا قَالَتْهُ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لِأَبِيهَا عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا فَأَمَرَ أَنْ لَا يَغِيبَ أَحَدٌ عَنْ زَوْجَتِهِ
ذَلِكَ ، وَلِعَظِيمِ هَذِهِ الْمَضَرَّةِ أَبَاحَ الشَّارِعُ لِلْقَاضِي
إذَا لَمْ يَطَأْ الزَّوْجُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ يُطَلِّقَ
عَلَيْهِ طَلْقَةً وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ أَئِمَّتِنَا : لَا
يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛
لِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا فِي ذَلِكَ بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ إذْ الْمَرْأَةُ
مَا دَامَ لَمْ يَقَعْ حَلِفٌ هِيَ تَتَرَجَّى الْوَطْءَ فَلَا يَحْصُلُ
لَهَا كَبِيرُ ضَرَرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَيِسَتْ كَمَا هُنَا ، وَكَمَا
لَوْ تَحَقَّقَتْ عُنَّتَهُ فَإِنَّ الشَّارِعَ مَكَّنَهَا مِنْ الْفَسْخِ
عَلَيْهِ بِشَرْطٍ ، وَمَكَّنَ الْقَاضِي هُنَا مِنْ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ
بِشَرْطِهِ دَفْعًا لِذَلِكَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ عَنْهَا فَتَأَمَّلْ
ذَلِكَ .
بَابُ الظِّهَارِ ( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ
وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : الظِّهَارُ ) قَالَ - تَعَالَى -
: { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ
أُمَّهَاتُهُمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ
وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ
اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } .
وَحِكْمَةُ { مِنْكُمْ } تَوْبِيخُ
الْعَرَبِ وَتَهَجُّنُ عَادَتِهِمْ فِي الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ
أَيْمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْأُمَمِ { مَا هُنَّ
أُمَّهَاتُهُمْ } أَيْ مَا نِسَاؤُهُمْ بِأُمَّهَاتِهِمْ حَتَّى
يُشَبِّهُونَهُنَّ بِهِنَّ ، إذْ حَقِيقَةُ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ
لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ نَحْوَهَا .
{ إنْ
أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ } أَيْ مَا أُمَّهَاتُهُمْ
إلَّا وَالِدَاتُهُمْ أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِنَّ كَالْمُرْضِعَةِ {
وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا } أَيْ
شَيْءٌ مِنْ الْقَوْلِ مُنْكَرًا وَزُورًا : أَيْ بُهْتَانًا وَكَذِبًا
إذْ الْمُنْكَرُ مَا لَا يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ .
وَالزُّورُ
الْكَذِبُ { وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } إذْ جَعَلَ
الْكَفَّارَةَ مُخَلِّصَةً لَهُمْ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الْمُنْكَرِ
وَالزُّورِ .
لَا يُقَالُ الْمُظَاهِرُ إنَّمَا شَبَّهَ زَوْجَتَهُ
بِنَحْوِ أُمِّهِ فَأَيُّ مُنْكَرٍ وَزُورٍ فِيهِ ؟ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ
إنْ قَصَدَ بِهِ الْإِخْبَارَ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَكَذِبٌ أَوْ
الْإِنْشَاءَ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ ،
وَالشَّرْعُ لَمْ يَجْعَلْهُ كَذَلِكَ ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي قُبْحِ
الْمُخَالَفَةِ وَفُحْشِهَا ، وَمِنْ ثَمَّ اُتُّجِهَ بِذَلِكَ كَوْنُ
الظِّهَارِ كَبِيرَةً ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَمَّاهُ زُورًا ،
وَالزُّورُ كَبِيرَةٌ كَمَا يَأْتِي .
وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْكَبَائِرِ .
بَابُ
اللِّعَانِ ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ
بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : قَذْفُ الْمُحْصَنِ أَوْ الْمُحْصَنَةِ بِزِنًا
أَوْ لِوَاطٍ وَالسُّكُوتُ عَلَى ذَلِكَ ) .
قَالَ - تَعَالَى - : {
وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ
شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
} .
وَقَالَ - تَعَالَى - : { إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ
وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ
يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ
هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
مِنْ الرَّمْيِ فِي الْآيَةِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَهُوَ يَشْمَلُ
الرَّمْيَ بِاللِّوَاطِ كَيَا زَانِيَةُ أَوْ بَغِيَّةُ أَوْ قَحْبَةُ ،
أَوْ لِزَوْجِهَا كَيَا زَوْجَ الْقَحْبَةِ ، أَوْ لِوَلَدِهَا كَيَا
وَلَدَ الْقَحْبَةِ ، أَوْ لِبِنْتِهَا كَيَا بِنْتَ الزِّنَا ، فَهَذَا
كُلُّهُ قَذْفٌ لِلْأُمِّ ، أَوْ لِرَجُلٍ يَا زَانِي أَوْ مَنْكُوحُ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : أَوْ يَقُولُ لَهُ يَا عِلْقُ .
انْتَهَى .
وَكَأَنَّهُ
أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ شُهْرَةِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ
وَالشُّهْرَةُ تُوجِبُ الصَّرَاحَةَ عَلَى مَا قَالَهُ جَمْعٌ لَكِنَّ
الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ ، فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ .
وقَوْله
تَعَالَى : { الْمُحْصَنَاتِ } أَيْ الْأَنْفُسُ الْمُحْصَنَاتُ فَيَعُمُّ
الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ، أَوْ التَّقْدِيرُ وَالْمُحْصَنِينَ
لِلْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمِ النَّوْعَيْنِ فِي الْقَذْفِ ،
وَالْمُرَادُ بِالْإِحْصَانِ هُنَا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ
وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْعِفَّةُ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ ، وَعَنْ
وَطْءِ زَوْجَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ فِي دُبُرِهَا ، فَمَنْ فَعَلَ وَطْئًا
يُحَدُّ بِهِ أَوْ وَطِئَ حَلِيلَتَهُ فِي دُبُرِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَى
رَامِيهِ
بِالزِّنَا حَدُّ الْقَذْفِ ، وَإِنْ تَابَ وَصَلُحَ حَالُهُ ؛ لِأَنَّ
الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ لَا يَلْتَئِمُ خَرْقُهُ أَبَدًا ، نَعَمْ
قَذْفُهُ بِالزِّنَا أَوْ نَحْوُهُ كَبِيرَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ يَأْتِي
فِي النَّسَبِ .
وَعُلِمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ لَمْ
يَأْتُوا } إلَى آخِرِهِ أَنَّ سَبَبَ الْحَدِّ هُنَا إنَّمَا هُوَ
إظْهَارُ تَكْذِيبِهِ وَافْتِرَائِهِ ، فَمَنْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِأَنْ
أَقَامَ أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ عُدُولٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ :
يَكْفِي هُنَا الْفُسَّاقُ يَشْهَدُونَ بِزِنَا الْمَقْذُوفِ أَوْ
رَجُلَيْنِ بِإِقْرَارِهِ ، أَوْ اُدُّعِيَ أَنَّهُ زَانٍ فَوُجِّهَتْ
إلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ فَرَدَّهَا عَلَى الْقَاذِفِ
فَحَلَفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَشَرْطُ الْحُرْمَةِ وَالْحَدِّ أَنْ
يَصْدُرَ الْقَذْفُ مِنْ بَالِغٍ عَاقِلٍ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْحَدُّ
بِتَكَرُّرِ الْقَذْفِ مِرَارًا ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَزَنَيْت
بِفُلَانَةَ ثُمَّ قَالَ زَنَيْت بِأُخْرَى وَهَكَذَا ، نَعَمْ إنْ حُدَّ
فَقَذَفَهُ بَعْدُ عُزِّرَ وَقِيلَ يَتَعَدَّدُ الْحَدُّ بِالتَّعَدُّدِ
مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَتَدَاخَلُ كَالدُّيُونِ ،
وَإِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ السَّابِقَةِ وَجَبَ
التَّعْزِيرُ .
وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ نَظِيرُ مَا مَرَّ .
وَيُشْتَرَطُ
فِي شُهُودِ الزِّنَا تَعَرُّضُهُمْ لِلزَّانِي وَالْمَزْنِيِّ بِهِ ، إذْ
قَدْ يَرَى عَلَى أُمِّهِ ابْنَهُ فَيَظُنُّ أَنَّهُ زِنًا وَكَكَوْنِ
ذَكَرِهِ فِي فَرْجِهَا وَيُنْدَبُ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَجِبُ أَنْ
يَقُولُوا رَأَيْنَا ذَكَرَهُ يَدْخُلُ فِي فَرْجِهَا دُخُولَ الْمِيلِ
فِي الْمُكْحُلَةِ ، فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُمْ زَنَى فَقَطْ بِخِلَافِ
الْقَاذِفِ يُحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ زَنَيْت وَلَا يَسْتَفْسِرُ ،
وَلَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا فَقِيلَ يَجِبُ اسْتِفْسَارُهُ
كَالشُّهُودِ ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ كَمَا فِي الْقَذْفِ ، وَالْأَوَّلُ
هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا ، وَفَارَقَ الْقَذْفَ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ
فِيهِمَا إذْ هُوَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى
اسْتِفْسَارٍ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ عَنْهُ ؛
لِكَوْنِهِ حَقَّ
آدَمِيٍّ ، وَفِي الْإِقْرَارِ تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ مُبَالَغَةٌ فِي
سَتْرِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - ،
وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ مُجْتَمَعِينَ أَوْ
مُتَفَرِّقِينَ وَكَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنْ تَفَرَّقُوا لَغَتْ شَهَادَتُهُمْ
وَحُدُّوا ، حُجَّةُ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ التَّفْرِيقَ أَبْعَدُ فِي
التُّهْمَةِ وَأَبْلَغُ فِي ظُهُورِ الصِّدْقِ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ
تَلَقُّفِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ، وَمِنْ ثَمَّ إذَا ارْتَابَ الْقَاضِي
فِي شُهُودٍ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ ، وَأَيْضًا فَالتَّفْرِيقُ لَا بُدَّ
مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ اجْتَمَعُوا عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ
تَقَدَّمُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا لِتَعَسُّرِ شَهَادَتِهِمْ مَعًا .
وَحُجَّتُهُ
أَنَّ مَنْ شَهِدَ أَوَّلًا ثُمَّ ثَانِيًا ، وَهَكَذَا يَصْدُقُ عَلَى
كُلٍّ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَذَفَ وَلَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَيُحَدُّ لِلْآيَةِ وَلَا أَثَرَ ؛ لِإِتْيَانِهِمْ بِلَفْظِ
الشَّهَادَةِ وَإِلَّا لَاُتُّخِذَ ذَرِيعَةً إلَى قَذْفِ الْمُسْلِمِينَ
، وَأَيْضًا فَلِأَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَرْبَعَةٌ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَبُو بَكْرَةَ ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ ، وَنَافِعٌ ، وَنُفَيْعٌ
.
لَكِنْ قَالَ رَابِعُهُمْ رَأَيْت اسْتًا يَنْبُو وَنَفَسًا يَعْلُو
وَرِجْلَاهَا عَلَى عَاتِقَيْهِ كَأُذُنَيْ حِمَارٍ وَلَا أَدْرِي مَا
وَرَاءَ ذَلِكَ فَحَدَّ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ
مَعَهُمْ شَاهِدٌ رَابِعٌ فَلَوْ قَبِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهَادَةَ
غَيْرِهِمْ لَتَوَقَّفَ أَدَاءُ الْحَدِّ عَلَيْهِ .
وَبِمَا فِي
هَذِهِ الْوَاقِعَةِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ ،
وَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ ؛ لِأَنَّهُمْ جَاءُوا مَجِيءَ
الشُّهُودِ ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ حُدُّوا لَانْسَدَّ بَابُ الشَّهَادَةِ
عَلَى الزِّنَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَأْمَنُ أَنْ لَا يُوَافِقَهُ
صَاحِبُهُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ ، وَيُرَدُّ مَا عَلَّلَ بِهِ بِأَنَّ
الْقَصْدَ سَتْرُ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ مَا أَمْكَنَ ، وَلِذَا تَمَيَّزَتْ
عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ بِاشْتِرَاطِ أَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ بِهَا .
وقَوْله تَعَالَى : { فَاجْلِدُوهُمْ } الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ، وَكَذَا السَّيِّدُ فِي قِنِّهِ .
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : أَوْ رَجُلٌ صَالِحٌ إذَا فُقِدَ الْإِمَامُ وَمَذْهَبُنَا لَا يُوَافِقُ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ
- عَزَّ وَجَلَّ - : { ثَمَانِينَ جَلْدَةً } مَحَلُّهُ فِي كَامِلِ
الْحُرِّيَّةِ فَغَيْرُهُ يُجْلَدُ أَرْبَعِينَ وَفِي غَيْرِ الْوَالِدِ
وَإِنْ عَلَا فَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ فَرْعِهِ كَمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ
بَلْ يُعَزَّرُ ، وَكَذَا السَّيِّدُ مَعَ قِنِّهِ .
وَأَشَدُّ
الْحُدُودِ حَدُّ الزِّنَا ، ثُمَّ الْقَذْفِ ، ثُمَّ الْخَمْرِ
وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا حَدَّ الْكُفْرِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي
حُدُودِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا حَدَّ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ ؛
لِأَنَّهُ قَوَدٌ لَا حَدٌّ ، وَإِنْ وَجَبَ فِيهِ التَّحَتُّمُ الَّذِي
هُوَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - .
وَوَجْهُ أَشَدِّيَّةِ الزِّنَا
أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْأَنْسَابِ الَّتِي هِيَ شَقَائِقُ النُّفُوسِ
، ثُمَّ الْقَذْفِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ الْعَظِيمَةِ
الرِّعَايَةِ عِنْدَ ذَوِي الْمُرُوآتِ مَعَ تَمَحُّضِهَا لِحَقِّ
الْآدَمِيِّ .
وقَوْله تَعَالَى : { وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ }
فِيهِ أَشَدُّ الْعُقُوبَةِ وَأَبْلَغُ الزَّجْرِ وَأَكْبَرُ الْمَقْتِ
لِلْقَاذِفِينَ .
وَقَوْلُهُ - جَلَّ وَعَلَا - : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } إلَخْ اخْتَلَفُوا فِيهِ .
فَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَآخَرُونَ : إنَّهُ خَاصٌّ
بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ ،
فَالْقَاذِفُ فَاسِقٌ إلَّا إنْ تَابَ ؛ وَأَمَّا رَدُّ شَهَادَتِهِ
فَهُوَ مُعَلَّقٌ عَلَى حَدِّهِ فَإِنْ حُدَّ فِي الْقَذْفِ لَمْ تُقْبَلْ
لَهُ بَعْدُ شَهَادَةٌ أَبَدًا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ
الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : الِاسْتِثْنَاءُ
رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ ، فَمَتَى تَابَ الْقَاذِفُ تَوْبَةً صَحِيحَةً زَالَ
فِسْقُهُ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ .
فَمَعْنَى أَبَدًا : أَيْ مَا دَامَ قَاذِفًا : أَيْ مُصِرًّا عَلَى قَذْفِهِ ، وَبِالتَّوْبَةِ زَالَ أَثَرُ
الْقَذْفِ فَزَالَ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ رَدِّ الشَّهَادَةِ .
وَقَوْلُ
أَبِي حَيَّانَ : لَيْسَ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي عَوْدَ
الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْجُمَلِ الثَّلَاثَةِ بَلْ الظَّاهِرُ هُوَ مَا
يَعْضُدُهُ كَلَامُ الْعَرَبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَخِيرَةِ
مَمْنُوعٌ بِإِطْلَاقِهِ ، بَلْ قَاعِدَةُ الْعَرَبِ الْمُقَرَّرَةُ
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ : أَنَّ
الِاسْتِثْنَاءَ وَالْوَصْفَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ
تَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهَا ، بَلْ وَإِلَى جَمِيعِ مَا
تَأَخَّرَ مِنْهَا ، بَلْ قَالَ جَمْعٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ
لَوْ تَوَسَّطَتْ رَجَعَتْ إلَى الْكُلِّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا
بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا مُتَأَخِّرَةٌ وَلِمَا بَعْدَهَا
مُتَقَدِّمَةٌ ، فَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْآيَةِ عَوْدَهُ إلَى الْجُمَلِ
الثَّلَاثَةِ .
لَكِنْ مَنَعَ مِنْ عَوْدِهِ إلَى الْأُولَى وَهِيَ {
فَاجْلِدُوهُمْ } مَانِعٌ هُوَ عَدَمُ سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ
بِالتَّوْبَةِ ، فَبَقِيَ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ ،
وَهُمَا رَدُّ الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقُ ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ عَنْ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ الْمُغِيرَةِ
السَّابِقَةِ : مَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَأَكْذَبَ
شِبْلٌ وَنَافِعٌ أَنْفُسَهُمَا فَكَانَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى
أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ بِرُجُوعِهِ إلَى الْأُولَى أَيْضًا .
فَقَالَ : إذَا تَابَ الْقَاذِفُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ .
تَنْبِيهٌ
: مَنْ قَذَفَ آخَرَ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ لَزِمَهُ أَنْ يَبْعَثَ
إلَيْهِ وَيُخْبِرَهُ بِهِ لِيُطَالِبَ بِهِ إنْ شَاءَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ
عِنْدَهُ مَالٌ عَلَى آخَرَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ
بِهِ ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ إذَا رُمِيَ رَجُلٌ بِزِنًا أَنْ
يُرْسِلَ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ .
وقَوْله تَعَالَى : { الْغَافِلَاتِ }
أَيْ عَنْ الْفَاحِشَةِ بِأَنْ لَا يَقَعَ مِثْلُهَا مِنْهُنَّ فَهُوَ
كِنَايَةٌ عَنْ مَزِيدِ عِفَّتِهِنَّ وَطَهَارَتِهِنَّ ، وَهَذِهِ
الْآيَةُ عَامَّةٌ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهَا .
قَالَتْ : { رُمِيت وَأَنَا غَافِلَةٌ وَإِنَّمَا
بَلَغَنِي
بَعْدَ ذَلِكَ ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدِي إذْ أُوحِيَ إلَيْهِ فَقَالَ أَبْشِرِي وَقَرَأَ هَذِهِ
الْآيَةَ } وَقِيلَ هِيَ خَاصَّةٌ بِهَا ، وَقِيلَ بِأُمَّهَاتِ
الْمُؤْمِنِينَ ؛ لِأَنَّ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ ذُكِرَتْ فِي الْآيَةِ
الْأُولَى دُونَ هَذِهِ فَلَا تَوْبَةَ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ
لِمُنَافِقٍ بَلْ كَافِرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا
ثُقِفُوا } وَأَيْضًا فَشَهَادَةُ الْأَلْسِنَةِ وَغَيْرِهَا تَكُونُ
لِلْمُنَافِقِ وَالْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ، { وَيَوْمَ يُحْشَرُ
أَعْدَاءُ اللَّهِ إلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } أَيْ يُجْمَعُونَ {
حَتَّى إذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ } الْآيَةَ .
وَأَجَابَ
الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ بِأَنَّ هَذَا الْعِقَابَ
كُلَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِقَاذِفِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ
أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِنَّ ، إلَّا أَنَّهُ مَشْرُوطٌ
بِعَدَمِ التَّوْبَةِ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ مِنْ الْقَوَاعِدِ
الْمُسْتَقِرَّةِ إذْ الذَّنْبُ كُفْرًا كَانَ أَوْ فِسْقًا يُغْفَرُ
بِالتَّوْبَةِ .
وقَوْله تَعَالَى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ } إلَخْ .
هَذَا
قَبْلَ أَنْ يُخْتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ الْمَذْكُورُ فِي يس فِي قَوْله
تَعَالَى : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ } يُرْوَى أَنَّهُ
يُخْتَمُ عَلَى الْأَفْوَاهِ وَالْأَرْجُلِ فَتَتَكَلَّمُ الْأَيْدِي
بِمَا عَمِلَتْ فِي الدُّنْيَا .
وَقِيلَ : تَشْهَدُ أَلْسِنَةُ
بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَمَعْنَى دِينَهُمْ الْحَقَّ جَزَاؤُهُمْ
الْوَاجِبُ ، وَقِيلَ حِسَابُهُمْ الْعَدْلُ { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } أَيْ الْمَوْجُودُ وُجُودًا حَقِيقِيًّا لَا
يَقْبَلُ زَوَالًا وَلَا انْتِقَالًا وَلَا ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً ،
وَعِبَادَتُهُ هِيَ الْحَقُّ دُونَ عِبَادَةِ غَيْرِهِ { الْمُبِينُ }
أَيْ الْمُبِينُ وَالْمُظْهِرُ لَهُمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَمَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابًا وَعِقَابًا ، وَسَيَأْتِي فِي الْكَبِيرَةِ
الْآتِيَةِ الْأَحَادِيثُ الشَّامِلَةُ لِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ أَيْضًا .
رَوَى
الشَّيْخَانِ
: { مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ } .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ مَتْرُوكًا : { أَيُّمَا
عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَالَ أَوْ قَالَتْ لِوَلِيدَتِهَا يَا زَانِيَةُ
وَلَمْ تَطَّلِعْ مِنْهَا عَلَى زِنًا جَلَدَتْهَا وَلِيدَتُهَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ } .
؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُنَّ فِي الدُّنْيَا .
وَالشَّيْخَانِ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاللَّفْظُ لَهُ : { مَنْ
قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ } .
قَالَ بَعْضُهُمْ :
وَمَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى قَوْلُ الْإِنْسَانِ لِقِنِّهِ يَا
مُخَنَّثُ أَوْ يَا قَحْبَةُ ، وَلِلصَّغِيرِ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ يَا
وَلَدَ الزِّنَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ
لِلْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ
فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعِيفٌ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ
الْفَرَائِضُ وَالدِّيَاتُ وَبَعَثَ بِهِ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكَانَ فِي الْكِتَابِ : وَإِنَّ أَكْبَرَ
الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ
، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَالْفِرَارُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَرَمْيُ
الْمُحْصَنَةِ وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ
مَالِ الْيَتِيمِ } .
وَجَاءَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَأَبِي
الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِيهَا التَّصْرِيحُ
بِأَنَّ قَذْفَ الْمُحْصَنَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ .
وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ : { أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ عَدُّوا بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَذْفَ الْمُحْصَنَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ } .
وَرَوَى الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ
وَغَيْرُهُ
، وَإِنْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { الْكَبَائِرُ أَوَّلُهُنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ
وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقِّهَا ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ
مَالِ الْيَتِيمِ ، وَفِرَارُ يَوْمِ الزَّحْفِ ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَاتِ
، وَالِانْتِقَالُ إلَى الْأَعْرَابِ بَعْدَ هِجْرَتِهِ } .
وَعَنْ
عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ : { أَنَّ رَجُلًا
قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَكَمْ الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ تِسْعٌ
أَعْظَمُهُنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ
حَقٍّ ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ،
وَالسِّحْرُ ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا } الْحَدِيثَ .
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ مِنْ صَحِيحِهِمَا ،
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
هُنَّ ؟ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا إلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا
، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ
الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } .
وَرَوَى ابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { إنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ
الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ ،
وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ } الْحَدِيثَ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الْقَذْفِ
هُوَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ النَّصِّ فِي
الْآيَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ
صَرِيحًا فِي الْأُولَى لِلنَّصِّ فِيهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِسْقٌ ،
وَضِمْنًا فِي الثَّانِيَةِ لِلنَّصِّ فِيهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَلْعَنُ
اللَّهُ فَاعِلَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ
الْوَعِيدِ وَأَشَدِّهِ ، وَعَدُّ السُّكُوتِ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ
بَعْضُهُمْ
وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي السُّكُوتِ عَلَى الْغِيبَةِ بَلْ أَوْلَى
وَتَقْيِيدِي فِي التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِي بِزِنًا أَوْ لِوَاطٍ هُوَ
وَإِنْ ذَكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ فِي شَرْحِهِ لِجَمْعِ الْجَوَامِعِ .
وَقَالَ
غَيْرُهُ : إنَّهُ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ مَعَ ظُهُورِهِ ، لَكِنَّ
الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلْكَبِيرَةِ بَلْ لِمَزِيدِ
قُبْحِهَا وَفُحْشِهَا ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ مِنْ
أَصْحَابِنَا : وَالْقَذْفُ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يُخَصَّ بِزِنًا وَلَا
بِلِوَاطٍ ، وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَذْفُ
الْمُحْصَنَاتِ ، وَبَعْضُهُمَا يَقُولُ وَقَذْفُ الْمُحْصَنِ وَالْكُلُّ
صَحِيحٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي
ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى .
وَفِي قَوَاعِدِ ابْنِ عَبْدِ
السَّلَامِ : الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا فِي خَلَوْتِهِ
بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ
بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ وَلَا
يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ عِقَابَ الْمُجَاهِرِ بِذَلِكَ فِي
وَجْهِ الْمَقْذُوفِ أَوْ فِي مَلَإٍ مِنْ النَّاسِ بَلْ يُعَاقَبُ
عِقَابَ الْكَاذِبِينَ غَيْرَ الْمُفْتَرِينَ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ
فِي قُوَّتِهِ : وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ إذَا كَانَ صَادِقًا ، فَإِنْ
كَانَ كَاذِبًا فَفِيهِ نَظَرٌ لِلْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى - بِالْفُجُورِ .
وَقَالَ فِي تَوَسُّطِهِ : وَقَدْ
يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ فِي
الْخَلْوَةِ : إنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ لِصِدْقِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ ،
ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَقْذُوفُ
الْقَذْفَ الَّذِي جَهَرَ بِهِ لَزِمَهُ الْحَدُّ مَعَ انْتِفَاءِ
مَفْسَدَةِ التَّأَذِّي .
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَهُ لَكَانَ
أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الْقَذْفِ فِي الْخَلْوَةِ ، ثُمَّ قَالَ :
وَأَمَّا قَذْفُهُ فِي الْخَلْوَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إجْرَائِهِ عَلَى
لِسَانِهِ وَبَيْنَ إجْرَائِهِ عَلَى قَلْبِهِ .
ا هـ .
وَالْمُتَجَاوَزُ عَنْهُ بِنَصِّ السُّنَّةِ حَدِيثُ النَّفْسِ دُونَ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ ،
وَقَدَّمْت
فِي الْكَلَامِ عَلَى الْآيَةِ أَنَّ قَذْفَ نَحْوِ الصَّغِيرِ
وَالرَّقِيقِ كَبِيرَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ ثُمَّ رَأَيْت الْحَلِيمِيَّ
قَالَ : قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ كَبِيرَةٌ ، فَإِنْ كَانَتْ أُمًّا أَوْ
بِنْتًا أَوْ امْرَأَةَ أَبِيهِ كَانَ فَاحِشَةً ، وَقَذْفُ الصَّغِيرَةِ
وَالْمَمْلُوكَةِ وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ .
ا هـ .
قَالَ
الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَذْفَ
الصَّغِيرَةِ إنَّمَا يَكُونُ صَغِيرَةً إنْ لَمْ تَحْتَمِلْ الْجِمَاعَ
بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِكَذِبِ قَاذِفِهَا ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكَةُ فَفِي
كَوْنِ قَذْفِهَا صَغِيرَةً مُطْلَقًا وَقْفَةٌ ، وَلَا سِيَّمَا
أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْأَمَةِ وَسَيِّدِهَا
وَوَلَدِهَا وَأَهْلِهَا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ سَيِّدُهَا أَحَدَ
أُصُولِهِ .
ا هـ .
وَالْمُعْتَرِضُ الَّذِي أَبْهَمَهُ الْجَلَالُ
هُوَ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ : وَتَخْصِيصُهُ الْقَذْفَ بِكَوْنِهِ مِنْ
الْكَبَائِرِ بِقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، فَقَذْفُ
الرِّجَالِ الْمُحْصَنِينَ أَيْضًا كَبِيرَةٌ ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ
فِيهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى غَيْرِهِنَّ إذْ لَا قَائِلَ
بِالْفَرْقِ فَهُوَ كَذِكْرِهِ الْعَبْدَ فِي السِّرَايَةِ .
ا هـ .
وَمَرَّ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ قَذَفَ
مَمْلُوكَهُ بِالزِّنَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ } ، وَكَثِيرُونَ مِنْ الْجُهَّالِ
وَاقِعُونَ فِي هَذَا الْكَلَامِ الْقَبِيحِ الْمُوجِبِ لِلْعُقُوبَةِ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ
: { إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا
يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ ، وَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا
لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ، قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّك وَهَلْ
يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى
مَنَاخِرِهِمْ إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ } .
وَفِي الْحَدِيثِ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَيْسَرِ الْعِبَادَةِ وَأَهْوَنِهَا عَلَى الْبَدَنِ
الصَّمْتُ
وَحُسْنُ الْخُلُقِ } ، قَالَ - تَعَالَى - : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ
إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } { وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ مَا
النَّجَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَمْسِكْ عَلَيْك لِسَانَك
وَلْيَسَعْك بَيْتُك وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِك } .
وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
غَرِيبٌ : { لَا تُكْثِرْ الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ
كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةُ الْقَلْبِ وَإِنَّ
أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - الْقَلْبُ الْقَاسِي } .
وَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي
مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ
اللَّهَ يَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذَّاءَ } ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ
مَمْدُودًا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفُحْشِ وَرَدِيءِ الْكَلَامِ .
(
الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّمَانُونَ وَالتِّسْعُونَ وَالْحَادِيَةُ
وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : سَبُّ الْمُسْلِمِ
وَالِاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِهِ وَتَسَبُّبُ الْإِنْسَانِ فِي لَعْنِ أَوْ
شَتْمِ وَالِدَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسُبَّهُمَا وَلَعْنُهُ مُسْلِمًا ) .
قَالَ
- تَعَالَى - : { وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا
مُبِينًا } .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .
عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { سِبَابُ الْمُسْلِمِ فِسْقٌ
وَقِتَالُهُ كُفْرٌ } .
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ :
{ الْمُتَسَابَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا حَتَّى
يَتَعَدَّى الْمَظْلُومُ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ : { سِبَابُ الْمُسْلِمِ كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَكَةِ } .
وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَشْتُمُنِي وَهُوَ دُونِي
أَعَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهُ ؟ قَالَ :
الْمُتَسَابَّانِ شَيْطَانَانِ يَتَهَاتَرَانِ وَيَتَكَاذَبَانِ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ { جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ
لَا يَقُولُ شَيْئًا إلَّا صَدَرُوا عَنْهُ .
قُلْت : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قُلْت
: عَلَيْك السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْك
السَّلَامُ ، عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى أَوْ الْمَيِّتِ ،
قُلْ السَّلَامُ عَلَيْك ، قَالَ : قُلْت أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَ
: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي إذَا أَصَابَك ضُرٌّ فَدَعَوْته كَشَفَهُ
عَنْك ، وَإِذَا أَصَابَك عَامُ سَنَةٍ - أَيْ قَحْطٌ - فَدَعَوْته
أَنْبَتَهَا لَك ، وَإِذَا كُنْت بِأَرْضٍ قَفْرَاءَ وَفَلَاةٍ فَضَلَّتْ
رَاحِلَتُك فَدَعَوْته رَدَّهَا عَلَيْك ، قَالَ : قُلْت
اعْهَدْ
إلَيَّ ، قَالَ : لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا ، فَمَا سَبَبْت بَعْدَهُ حُرًّا
وَلَا عَبْدًا وَلَا بَعِيرًا وَلَا شَاةً ، قَالَ : وَلَا تَحْقِرَنَّ
شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ ، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاك وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ
إلَيْهِ وَجْهُك إنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ ، وَارْفَعْ إزَارَك إلَى
نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أَبَيْت فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَإِيَّاكَ
وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ - أَيْ الْكِبْرِ
وَاحْتِقَارِ الْغَيْرِ - وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ ،
وَإِنْ امْرُؤٌ شَتَمَك أَوْ عَيَّرَك بِمَا يَعْلَمُ فِيك فَلَا
تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ نَحْوُهُ وَقَالَ فِيهِ : { وَإِنْ امْرُؤٌ
عَيَّرَك بِشَيْءٍ يَعْلَمُهُ فِيك فَلَا تُعَيِّرْهُ بِشَيْءٍ تَعْلَمُهُ
فِيهِ وَدَعْهُ يَكُونُ وَبَالُهُ عَلَيْهِ وَأَجْرُهُ لَك ، فَلَا
تَسُبَّنَّ شَيْئًا قَالَ فَمَا سَبَبْت بَعْدَهُ دَابَّةً وَلَا
إنْسَانًا } .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ مِنْ أَكْبَرِ
الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ يَسُبُّ أَبَا
الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ } .
وَأَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا
مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ
عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا
لَا يَمْلِكُ ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : " كُنَّا إذَا رَأَيْنَا الرَّجُلَ يَلْعَنُ أَخَاهُ
رَأَيْنَا أَنْ قَدْ أَتَى بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ " .
وَأَبُو دَاوُد : { إنَّ الْعَبْدَ إذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ
إلَى
السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ثُمَّ تَهْبِطُ إلَى
الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا ،
فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إلَى الَّذِي لَعَنَ فَإِنْ كَانَ
أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إلَى قَائِلِهَا } .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ
جَيِّدٍ : { إنَّ اللَّعْنَةَ إذَا وُجِّهَتْ إلَى مَنْ وُجِّهَتْ إلَيْهِ
فَإِنْ أَصَابَتْ عَلَيْهِ سَبِيلًا أَوْ وَجَدَتْ فِيهِ مَسْلَكًا
وَإِلَّا قَالَتْ : يَا رَبِّ وُجِّهْت إلَى فُلَانٍ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ
مَسْلَكًا وَلَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ سَبِيلًا ، فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي
مِنْ حَيْثُ جِئْتِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ : { لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا بِغَضَبِهِ وَلَا بِالنَّارِ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ : { لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ لَعَّانًا } وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ : { لَيْسَ الْمُؤْمِنُ
بِالطَّعَّانِ وَلَا بِاللَّعَّانِ وَلَا بِالْفَاحِشِ وَلَا بِالْبَذِيِّ
} أَيْ الْمُتَكَلِّمِ بِالْفُحْشِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ .
وَالْبَيْهَقِيُّ
عَنْ عَائِشَةَ : { مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَلْعَنُ بَعْضَ رَقِيقِهِ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ
وَقَالَ لَعَّانِينَ وَصِدِّيقِينَ كَلًّا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، فَعَتَقَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ بَعْضَ رَقِيقِهِ ثُمَّ
جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا
أَعُودُ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { لَا يَجْتَمِعُ أَنْ تَكُونُوا لَعَّانِينَ صِدِّيقِينَ } .
وَمُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُ : عَنْ { عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ
فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : خُذُوا مَا عَلَيْهَا
وَدَعُوهَا
فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ، قَالَ عِمْرَانُ فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ
تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ } .
وَأَبُو يَعْلَى
وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : {
سَارَ رَجُلٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَنَ
بَعِيرَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا
تَتْبَعْنَا أَوْ قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسِرْ مَعَنَا عَلَى
بَعِيرٍ مَلْعُونٍ } .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ يَسِيرُ فَلَعَنَ رَجُلٌ نَاقَتَهُ
فَقَالَ أَيْنَ صَاحِبُ النَّاقَةِ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا ، فَقَالَ
أَخِّرْهَا فَقَدْ أُجِبْتَ فِيهَا } .
وَأَبُو دَاوُد : { لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يَدْعُو لِلصَّلَاةِ } ، وَوَرَدَ : { فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ } .
وَالْبَزَّارُ
بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ : { صَرَخَ دِيكٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَّهُ رَجُلٌ فَنَهَى عَنْ سَبِّ الدِّيكِ
} ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ : { لَا تَلْعَنْهُ وَلَا تَسُبَّهُ
فَإِنَّهُ يَدْعُو لِلصَّلَاةِ } .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
رُوَاةُ الصَّحِيحِ إلَّا عَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ ضَعَّفَهُ كَثِيرُونَ
وَحَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ مَا حَدِيثٍ : { أَنَّ دِيكًا
صَرَخَ قَرِيبًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ رَجُلٌ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَهْ كَلًّا إنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ
} .
وَأَبُو يَعْلَى : ` { أَنَّ بُرْغُوثًا لَدَغَتْ رَجُلًا
فَلَعَنَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لَا تَلْعَنْهَا فَإِنَّهَا نَبَّهَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ
لِلصَّلَاةِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَزَّارِ : { لَا تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
عَنْ { عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - قَالَ : نَزَلْنَا مَنْزِلًا
فَآذَتْنَا الْبَرَاغِيثُ فَسَبَبْنَاهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : لَا تَسُبُّوهَا فَنِعْمَتْ الدَّابَّةُ فَإِنَّهَا أَيْقَظَتْكُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - } .
وَصَحَّ
{ أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا تَلْعَنْ الرِّيحَ فَإِنَّهَا
مَأْمُورَةٌ ، مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتْ
اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ
صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِلْحُكْمِ فِيهِ عَلَى
سِبَابِ الْمُسْلِمِ بِأَنَّهُ فِسْقٌ .
وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى
الْهَلَكَةِ وَأَنَّ فَاعِلَهُ شَيْطَانٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَعَلَى
لَعْنِ الْوَالِدَيْنِ بِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَلِذَا
أَفْرَدْته بِالذِّكْرِ وَإِنْ دَخَلَ فِي سِبَابِ الْمُسْلِمِ أَوْ
لَعْنِهِ ، وَعَلَى أَنَّ لَعْنَ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَعَلَى أَنَّ
مَنْ لَعَنَ أَخَاهُ أَتَى بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَعَلَى أَنَّ
اللَّعْنَةَ تَرْجِعُ إلَى قَائِلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَعَلَى أَنَّ
اللَّعَّانَ لَا يَكُونُ شَفِيعًا وَلَا شَهِيدًا وَلَا صِدِّيقًا وَهَذَا
كُلُّهُ غَايَةٌ فِي الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، فَظَهَرَ بِهِ مَا ذَكَرْته
مِنْ عَدِّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ وَبِهِ فِي الْأَوَّلِ صَرَّحَ
جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ
خِلَافُهُ .
وَحَمَلُوا حَدِيثَ : { سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ }
عَلَى مَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ طَاعَتَهُ ، وَأَمَّا
الثَّلَاثَةُ فَهِيَ ظَاهِرُ قَوْلِ شَرْحِ مُسْلِمٍ : { لَعْنُ
الْمُسْلِمِ كَقَتْلِهِ } : أَيْ فِي الْإِثْمِ ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ
الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي لَعْنِ الدَّوَابِّ أَنَّهُ حَرَامٌ
وَبِهِ صَرَّحَ أَئِمَّتُنَا .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ إذْ
لَيْسَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ ؛ وَمُعَاتَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ لَعَنَتْ نَاقَتَهَا بِتَرْكِهَا لَهَا
تَعْزِيرًا وَتَأْدِيبًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ
كَبِيرَةٍ ، سِيَّمَا وَقَدْ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِالتَّرْكِ فِي
الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِأَنَّ دَعْوَتَهُ بِاللَّعْنِ عَلَى دَابَّتِهِ
أُجِيبَتْ .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ : {
خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ } ، وَحَدِيثَ : { لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ } .
قَدْ
يُسْتَشْكَلُ مَعْنَاهُ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ ، بَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ
لَنْ تُصَاحِبْهُمْ تِلْكَ النَّاقَةُ وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ
بَيْعِهَا وَذَبْحِهَا وَرُكُوبِهَا فِي غَيْرِ صُحْبَةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ وَمَا سِوَاهُ
مِنْ التَّصَرُّفَاتِ جَائِزٌ لَا مَنْعَ مِنْهُ إلَّا مِنْ مُصَاحَبَتِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ
التَّصَرُّفَاتِ كُلَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً فَمَنَعَ بَعْضٌ مِنْهَا
فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ .
ا هـ .
ثُمَّ رَأَيْت
بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِأَنَّ لَعْنَ الدَّابَّةِ وَالذِّمِّيِّ
الْمُعَيَّنَيْنِ كَبِيرَةٌ ، وَقَيَّدَ حُرْمَةَ لَعْنِ الْمُسْلِمِ
بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَفِيمَا ذَكَرَهُ وَقَيَّدَ بِهِ نَظَرٌ .
أَمَّا
الْأَوَّلُ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ لَعْنَ
الدَّابَّةِ صَغِيرَةٌ لِمَا ذَكَرْته ، وَأَمَّا لَعْنُ الذِّمِّيِّ
الْمُعَيَّنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ؛ لِاسْتِوَائِهِ مَعَ
الْمُسْلِمِ فِي حُرْمَةِ الْإِيذَاءِ ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ فَغَيْرُ
صَحِيحٍ إذْ لَيْسَ لَنَا غَرَضٌ شَرْعِيٌّ يَجُوزُ لَعْنُ الْمُسْلِمِ
أَصْلًا ثُمَّ مَحَلُّ حُرْمَةِ اللَّعْنِ إنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ
فَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ لَعْنُهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا ، كَيَزِيدَ
بْنُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ ذِمِّيًّا حَيًّا أَوْ
مَيِّتًا وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ
يُخْتَمُ لَهُ أَوْ خُتِمَ لَهُ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَنْ عُلِمَ
مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ كَفِرْعَوْنَ وَأَبِي جَهْلٍ وَأَبِي لَهَبٍ
وَنُظَرَائِهِمْ ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ لَعْنِ يَزِيدَ
فَهُوَ تَهَوُّرٌ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِإِسْلَامِهِ وَهُوَ
الظَّاهِرُ ، وَدَعْوَى جَمْعٍ أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ
عَلَيْهَا بَلْ أَمْرُهُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا
وَلِهَذَا أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِحُرْمَةِ لَعْنِهِ : أَيْ وَإِنْ كَانَ
فَاسِقًا سِكِّيرًا مُتَهَوِّرًا فِي الْكَبَائِرِ بَلْ
فَوَاحِشِهَا .
وَأَمَّا
احْتِجَاجُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيِّ عَلَى جَوَازِ
لَعْنِ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ : { إذَا دَعَا
الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ
عَلَيْهِمَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُمَا وَلِلنَّسَائِيِّ : { إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ
هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ
} فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ وَلَدُهُ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : بَحَثْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ
بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَعْنُ الْمَلَائِكَةِ لَهَا لَيْسَ
بِالْخُصُوصِ بَلْ بِالْعُمُومِ بِأَنْ يَقُولُوا : لَعَنَ اللَّهُ مَنْ
بَاتَتْ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا ، وَأَقُولُ : لَوْ اسْتَدَلَّ
لِذَلِكَ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَرَّ بِحِمَارٍ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ : لَعَنَ اللَّهُ
مَنْ فَعَلَ هَذَا } لَكَانَ أَظْهَرَ إذْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا
صَرِيحَةٌ فِي لَعْنِ مُعَيَّنٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ
جِنْسُ فَاعِلِ ذَلِكَ لَا هَذَا الْمُعَيَّنُ ، وَفِيهِ مَا فِيهِ .
أَمَّا
لَعْنُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِالشَّخْصِ وَإِنَّمَا عُيِّنَ بِالْوَصْفِ
بِنَحْوِ لَعَنَ اللَّهُ الْكَاذِبَ فَجَائِزٌ إجْمَاعًا .
قَالَ -
تَعَالَى - : { أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } - { ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }
وَسَيَأْتِي عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ مِنْ هَذَا
النَّوْعِ .
فَائِدَةٌ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةً بِالْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ
وَجَمَاعَةً بِالتَّعْيِينِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ
وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا مِنْهُ جُمْلَةً مُسْتَكْثَرَةً مِنْ غَيْرِ
سَنْدٍ فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَوَائِدِ .
فَنَقُولُ
: " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ
الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ وَالْمُصَوِّرِينَ ،
وَمَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ : أَيْ حُدُودَهَا كَاَلَّذِي
يَأْخُذُ
قِطْعَةً مِنْ الشَّارِعِ أَوْ الْمَسْجِدِ فَيُدْخِلُهَا بَيْتَهُ أَوْ
يَأْخُذُ مَكَانًا مَوْقُوفًا فَيُعِيدُهُ مَمْلُوكًا ، وَمَنْ كَمَّهَ
أَعْمَى عَنْ الطَّرِيقِ : أَيْ دَلَّهُ عَلَى غَيْرِهَا وَأُلْحِقَ بِهِ
الْبَصِيرُ الْجَاهِلُ ، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ ، وَمَنْ عَمِلَ
عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ أَتَى امْرَأَةً فِي
دُبُرِهَا ، وَمَنْ أَتَى حَائِضًا ، وَالنَّائِحَةَ وَمَنْ حَوْلَهَا ،
وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةً بَاتَتْ
وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ أَوْ هَاجِرَةً فِرَاشَهُ ، وَمَنْ ذَبَحَ
لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَالسَّارِقَ ، وَمَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَالْمُخَنَّثَ مِنْ الرِّجَالِ ، وَرَجُلَةَ
النِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَمِنْ
النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ ،
وَالرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ، وَمَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ :
أَيْ تَغَوَّطَ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَالْمَرْأَةَ السَّلْتَاءَ : أَيْ
الَّتِي لَا تُخَضِّبُ يَدَهَا ، وَالْمَرْهَاءَ : أَيْ الَّتِي لَا
تَكْتَحِلُ ، وَمَنْ خَبَّبَ : أَيْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا
أَوْ مَمْلُوكًا عَلَى سَيِّدِهِ ، وَمَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ
بِحَدِيدَةٍ .
وَمَانِعَ الزَّكَاةِ ، وَمَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ
أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ ، وَمَنْ وَسَمَ فِي الْوَجْهِ ،
وَالشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى -
إذَا بَلَغَ الْحَاكِمَ ، وَالْمَرْأَةَ إذَا خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا
بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا ، وَمَنْ تَرَكَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ إذَا أَمْكَنَهُ ، وَالْخَمْرَ وَشَارِبَهَا
وَسَاقِيهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ
وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ
وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالدَّالَّ عَلَيْهَا ، وَالزَّانِي بِحَلِيلَةِ
جَارِهِ ، وَالنَّاكِحَ يَدَهُ ، وَنَاكِحَ الْأُمِّ وَبِنْتِهَا ،
وَالرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ ، وَالرَّائِشَ : أَيْ
السَّاعِي بَيْنَهُمَا ، وَكَاتِمَ الْعِلْمِ وَالْمُحْتَكِرَ ، وَمَنْ
حَقَّرَ مُسْلِمًا :
أَيْ خَذَلَهُ وَلَمْ يَنْصُرْهُ ، وَالْوَالِي
إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ رَحْمَةٌ ، وَالْمُتَبَتِّلِينَ
وَالْمُتَبَتِّلَاتِ : أَيْ تَارِكِي النِّكَاحِ وَرَاكِبَ الْفَلَاةِ
وَحْدَهُ ، وَمَنْ جَعَلَ ذَاتَ الرُّوحِ غَرَضًا يَرْمِي إلَيْهِ ،
وَمَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا ، وَمَنْ
أَوْقَدَ سِرَاجًا عَلَى الْقُبُورِ ، وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا
بِالْمَقْبَرَةِ وَزَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالصَّالِقَةَ : أَيْ
الرَّافِعَةَ لِصَوْتِهَا بِالْبُكَاءِ ، وَالْحَالِقَةَ لِشَعْرِهَا ،
وَالشَّاقَّةَ لِثَوْبِهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ ، وَاَلَّذِينَ
يُثَقِّفُونَ الْكَلَامَ تَثْقِيفَ الشِّعْرِ .
وَمَنْ أَفْسَدَ فِي
الْأَرْضِ وَالْبِلَادِ ، وَمَنْ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ أَوْ انْتَسَبَ
إلَى غَيْرِهِ ، وَمَنْ قَذَفَ الْمُحْصَنَةَ ، وَمَنْ لَعَنَ أَصْحَابَهُ
، وَمَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ ، وَمَنْ كَتَمَ الْقُرْآنَ ، وَمَنْ لَعَنَ
أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا ، وَمَنْ مَكَرَ بِمُسْلِمٍ أَوْ ضَارَّهُ ،
وَالْمُغَنَّى لَهُ ، وَالشَّيْخَ الزَّانِيَ ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ
الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا ، وَالْمُغَنِّي بَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ ،
وَمَنْ جَلَسَ وَسَطَ الْحَلَقَةِ ، وَمَنْ سَمِعَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
وَلَمْ يُجِبْ .
وَقَاطِعَ السِّدْرِ - قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ :
هَذَا فِي السِّدْرِ الَّذِي فِي الطُّرُقَاتِ وَفِي الْبَوَادِي
يَسْتَظِلُّ بِهَا الْمَارَّةُ - وَقَالَ : { إنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ
وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ وَالْجِبَالَ لَيَلْعَنَّ الشَّيْخَ الزَّانِيَ
} .
{ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ .
وَمَنْ
مَشَى بِقَمِيصٍ رَقِيقٍ بِغَيْرِ إزَارٍ بَادِي الْعَوْرَةِ لَعَنَتْهُ
الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَتُوبَ } .
{
وَإِذَا ظَهَرَتْ الْبِدَعُ وَسُبَّتْ أَصْحَابِي فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ
يُظْهِرَ عِلْمَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
{ إنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا فَجَعَلَ مِنْهُمْ
وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا وَأَصْهَارًا ، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ
اللَّهُ مِنْهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } .
{
سَبْعَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا
يُزَكِّيهِمْ وَيَقُولُ لَهُمْ اُدْخُلُوا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ :
الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ ، وَنَاكِحُ يَدِهِ ، وَنَاكِحُ
الْبَهِيمَةِ ، وَنَاكِحُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، وَجَامِعٌ بَيْنَ
الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا ، وَالزَّانِي بِحَلِيلَةِ جَارِهِ ،
وَالْمُؤْذِي لِجَارِهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا
فَلَمْ يَرْحَمْهُمْ فَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللَّهِ قَالُوا وَمَا بَهْلَةُ
اللَّهِ ؟ قَالَ لَعْنَةُ اللَّهِ } .
{ وَمَنْ أَحْدَثَ فِي
الْمَدِينَةِ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } .
{ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
{
وَالْهَاجِرَةُ لِفِرَاشِ زَوْجِهَا تَلْعَنُهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى
تُصْبِحَ فَإِنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ إنْ سَأَلَهَا وَهِيَ
عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ أَنْ لَا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا } .
{ وَمِنْ حَقِّ
الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ لَا تَصُومَ تَطَوُّعًا إلَّا
بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ جَاعَتْ وَعَطِشَتْ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا
وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ
لَعَنَتْهَا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى
تَرْجِعَ } .
{ مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ مَلْعُونٌ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ } .
{ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ } .
{
سِتَّةٌ لَعَنَتْهُمْ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَكُلُّ
نَبِيٍّ مُجَابُ الدَّعْوَةِ الْمُحَرِّفُ لِكِتَابِ اللَّهِ } ، وَفِي
رِوَايَةٍ : { الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ
اللَّهِ وَالْمُتَسَلِّطُ بِالْجَبَرُوتِ لِيُعِزَّ مَنْ أَذَلَّ اللَّهُ
وَيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّ اللَّهُ ، وَالْمُسْتَحِلُّ حُرْمَةَ اللَّهِ ،
وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي } .
وَأَمَّا
الَّذِينَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْيَانِهِمْ فَهُمْ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { اللَّهُمَّ الْعَنْ رَعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فَهَذِهِ ثَلَاثُ قَبَائِلَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مَوْتَهُمْ أَوْ مَوْتَ أَكْثَرِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ فَلَمْ يَلْعَنْ إلَّا مَنْ عَلِمَ مَوْتَهُ عَلَيْهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيَقْرَبُ مِنْ اللَّعْنِ الدُّعَاءُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالشَّرِّ حَتَّى الدُّعَاءُ عَلَى الظَّالِمِ نَحْوَ لَا أَصَحَّ اللَّهُ جِسْمَهُ وَلَا سَلَّمَهُ اللَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَذْمُومٍ ، وَلَعْنُ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ كُلُّهُ مَذْمُومٌ ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَنْ لَعَنَ ، مَا لَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ فَلْيُبَادِرْ بِقَوْلِهِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَسْتَحِقُّ ، وَلِلْآمِرِ بِمَعْرُوفٍ وَالنَّاهِي عَنْ مُنْكَرٍ وَكُلُّ مُؤَدِّبٍ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ بِقَصْدِ الزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ : وَيْلَك أَوْ يَا ضَعِيفَ الْحَالِ يَا قَلِيلَ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ يَا ظَالِمَ نَفْسِهِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ كَذِبٌ وَلَا قَذْفٌ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ أَوْ تَعْرِيضٌ وَلَوْ كَانَ صَادِقًا فِيهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ
وَالثَّالِثَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : تَبَرُّؤُ
الْإِنْسَانِ مِنْ نَسَبِهِ أَوْ مِنْ وَالِدِهِ وَانْتِسَابُهُ إلَى
غَيْرِ أَبِيهِ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ ) .
أَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ
أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ } .
وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ أَيُّمَا
امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ
اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا جَنَّتَهُ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ
جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ
وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ
} .
وَالشَّيْخَانِ : { لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ
وَهُوَ يَعْلَمُ إلَّا كَفَرَ ، وَمَنْ ادَّعَى مَنْ لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ
مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا
بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا حَارَ
عَلَيْهِ } بِالْمُهْمَلَةِ : أَيْ رَجَعَ .
وَالشَّيْخَانِ : { مَنْ
ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا
يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } .
وَالْبُخَارِيُّ : { لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَفَرَ مَنْ تَبَرَّأَ أَوْ كَفَرَ بِاَللَّهِ
مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ ادَّعَى نَسَبًا لَا يُعْرَفُ
} .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { مَنْ ادَّعَى نَسَبًا لَا يُعْرَفُ كَفَرَ
بِاَللَّهِ أَوْ انْتَفَى مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ كَفَرَ بِاَللَّهِ } .
وَأَحْمَدُ
: { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ
وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ قَدْرِ سَبْعِينَ عَامًا أَوْ مَسِيرَةِ
سَبْعِينَ عَامًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ وَرِجَالُهَا
رِجَالُ الصَّحِيحِ : { أَلَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ
خَمْسِمِائَةِ عَامٍ } .
وَكَأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
الْمُدْرِكِينَ ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشُمُّهُ مِنْ مَسِيرَةِ
خَمْسمِائَةِ عَامٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشُمُّهُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ
سَنَةً .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ
انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
الْمُتَتَابِعَةُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ
هَذَيْنِ هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَهُوَ
وَاضِحٌ جَلِيٌّ ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ، وَالْكُفْرُ
فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَيْهِ أَوْ اسْتَحَلَّ أَوْ
كَفَرَ النِّعْمَةَ .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ
بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ الثَّابِتِ فِي ظَاهِرِ
الشَّرْعِ ) قَالَ - تَعَالَى - : { وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ
احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } .
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ
هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ : الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى
الْمَيِّتِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ .
( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ بِزِنًا أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ : أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا جَنَّتَهُ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ } .
كِتَابُ الْعِدَدِ .
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : الْخِيَانَةُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ) .
وَذِكْرُ
هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ غَيْرُ بَعِيدٍ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ
تَسَلُّطِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى بَعْضِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَفِي ذَلِكَ
مِنْ عَظِيمِ الضَّرَرِ وَالْمَفَاسِدِ مَا لَا يُحْصَى .
(
الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ :
خُرُوجُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْمَسْكَنِ الَّذِي يَلْزَمُهَا
مُلَازَمَتُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ) .
وَذِكْرُ
هَذَا غَيْرُ بَعِيدٍ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِ
زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ، بَلْ هَذَا أَوْلَى فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ
وَفَاةٍ ؛ لِأَنَّ فِي مُلَازَمَتِهَا الْمَسْكَنَ حَقًّا مُؤَكَّدًا
لِلَّهِ - تَعَالَى - مِنْ حِفْظِ النَّسَبِ وَغَيْرِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : عَدَمُ إحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ) وَذِكْرُ هَذَا غَيْرُ بَعِيدٍ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الْكَثِيرَةِ .
(
الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ : وَطْءُ
الْأَمَةِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا ) وَذِكْرُ هَذَا غَيْرُ بَعِيدٍ
أَيْضًا ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ
وَضَيَاعِ الْأَنْسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ ، ثُمَّ
رَأَيْت خَبَرَ مُسْلِمٍ الصَّرِيحَ فِيهِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا .
وَسَبَبُهُ
: { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ حَامِلٍ
عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَسَأَلَ عَنْهَا ، فَقَالُوا هَذِهِ أَمَةٌ
لِفُلَانٍ ، فَقَالَ أَلَمَّ بِهَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ .
فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ
لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ ، كَيْفَ يُورِثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ
لَهُ ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ } : أَيْ ؛ لِأَنَّ
أَمْرَ الْوَلَدِ مُشْكِلٌ إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ
غَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ وَلَدَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نَفْيُهُ
وَاسْتِرْقَاقُهُ وَاسْتِخْدَامُهُ ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُ غَيْرِهِ لَمْ
يَحِلَّ لَهُ اسْتِلْحَاقُهُ وَتَوْرِيثُهُ .
كِتَابُ النَّفَقَاتِ
عَلَى الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ مِنْ الرَّقِيقِ
وَالدَّوَابِّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّلَاثُمِائَةِ : مَنْعُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ أَوْ كِسْوَتِهَا مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ ) .
وَذِكْرُ
هَذَا ظَاهِرٌ نَظِيرَ مَا يَأْتِي فِي الظُّلْمِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ
أَقْبَحِهِ ، وَيَأْتِي فِي الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ
تَامٌّ بِهَا .
( الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ بَعْدَ
الثَّلَاثِمِائَةِ : إضَاعَةُ عِيَالِهِ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ )
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ
يَقُوتُ } .
رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ يَعُولُ } .
وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { إنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا
اسْتَرْعَاهُ أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ
أَهْلِ بَيْتِهِ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { كُلُّكُمْ رَاعٍ
وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ
عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ } .
تَنْبِيهٌ : ذِكْرُ هَذَا ظَاهِرٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ أَقْبَحِ الظُّلْمِ وَأَفْحَشِهِ .
فَائِدَةٌ : فِي ذِكْرِ مَا وَرَدَ مِنْ الْحَثِّ عَلَى الْإِحْسَانِ إلَى الزَّوْجَةِ وَالْعِيَالِ سِيَّمَا الْبَنَاتُ .
أَخْرَجَ
مُسْلِمٌ : { دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ
أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ
، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِك أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي
أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِك } .
وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ : {
أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى
عِيَالِهِ ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
قَالَ
أَبُو قِلَابَةَ : بَدَأَ بِالْعِيَالِ ، وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا
مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمْ اللَّهُ أَوْ
يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ لَهُ وَيُغْنِيهِمْ .
وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي
صَحِيحِهِ ، وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ بِنَحْوِهِ : {
عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ،
وَأَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ .
فَأَمَّا
أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : فَالشَّهِيدُ ، وَعَبْدٌ
مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ ، وَعَفِيفٌ
مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ .
وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ
النَّارَ فَأَمِيرٌ مُسَلَّطٌ ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُؤَدِّي
حَقَّ اللَّهِ مِنْ مَالِهِ ، وَفَقِيرٌ فَخُورٌ } .
وَالشَّيْخَانِ
مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : { وَإِنَّك
لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت
عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ } .
وَأَحْمَدُ
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { مَا أَطْعَمْت نَفْسَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ } -
أَيْ إنْ كَانَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ بِقَصْدِ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى
الطَّاعَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ - {
وَمَا أَطْعَمْت وَلَدَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ ، وَمَا أَطْعَمْت زَوْجَتَك
فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ ، وَمَا أَطْعَمْت خَادِمَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { مَنْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ نَفَقَةً يَسْتَعِفُّ بِهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ .
مَنْ أَنْفَقَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَهِيَ صَدَقَةٌ } ، وَهَذَا مُفَسِّرٌ لِمَا قَبْلَهُ .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالشَّيْخَانِ بِنَحْوِهِ : { الْيَدُ الْعُلْيَا
أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّك
وَأَبَاك وَأُخْتَك وَأَخَاك وَأَدْنَاك فَأَدْنَاك } .
وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ : { تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ
اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك ، قَالَ إنَّ
عِنْدِي آخَرَ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى زَوْجَتِك ، قَالَ إنَّ عِنْدِي
آخَرَ قَالَ أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك ، قَالَ إنَّ عِنْدِي آخَرَ قَالَ
أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِك ، قَالَ إنَّ عِنْدِي آخَرَ قَالَ أَنْتَ
أَبْصَرُ بِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ
الصَّحِيحِ : { أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَرَأَوْا مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ ،
فَقَالُوا
يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى
وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ
يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً
فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ : { كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَنْفَقَ
الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ كُتِبَ لَهُ صَدَقَةٌ ، وَمَا وَقَى بِهِ
الْمَرْءُ عِرْضَهُ كُتِبَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَنْفَقَ
الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّ خَلَفَهَا عَلَى اللَّهِ وَاَللَّهُ
ضَامِنٌ إلَّا مَا كَانَ فِي بُنْيَانٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ } ، وَفُسِّرَتْ
وِقَايَةُ الْعِرْضِ بِمَا يُعْطَى لِلشَّاعِرِ وَذِي اللِّسَانِ
الْمُتَّقَى .
وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ فِي كَلَامٍ مُرِيبٍ .
قَالَ
الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ الْحَدِيثَ غَرِيبٌ : {
إنَّ الْمَعُونَةَ تَأْتِي مِنْ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ الْمُؤْنَةِ ،
وَإِنَّ الصَّبْرَ يَأْتِي مِنْ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ الْبَلَاءِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ : { أَوَّلُ مَا يُوضَعُ فِي مِيزَانِ الْعَبْدِ نَفَقَتُهُ عَلَى أَهْلِهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ : { كُلُّ مَا صَنَعْت إلَى أَهْلِك فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِمْ } .
وَالشَّيْخَانِ
: { أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ تَسْأَلُ عَائِشَةَ وَمَعَهَا بِنْتَاهَا
فَلَمْ تَجِدْ إلَّا تَمْرَةً فَأَعْطَتْهَا إيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا
بَيْنَ بِنْتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ، فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ
ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ
كُنَّ لَهُ سِتْرًا أَوْ حِجَابًا مِنْ النَّارِ } .
وَمُسْلِمٌ : {
إنَّ مِسْكِينَةً جَاءَتْهَا بِبِنْتَيْهَا فَأَعْطَتْهَا ثَلَاثَ
تَمَرَاتٍ ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً ، وَرَفَعَتْ
إلَى
فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا
فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا
بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَهَا شَأْنُهَا فَذَكَرَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ
لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ } .
وَمُسْلِمٌ : { مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَلَفْظُهُ : { مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْت أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ
كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ : { مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ
أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى يَبْنِينَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْت
أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ
السَّبَّابَةِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا } .
وَفِي أُخْرَى صَحَّحَهَا
جَمَاعَةٌ : { مَا مِنْ مُسْلِمٍ لَهُ ابْنَتَانِ فَيُحْسِنُ إلَيْهِمَا
مَا صَحِبَتَاهُ أَوْ صَحِبَهُمَا إلَّا أَدْخَلَتَاهُ الْجَنَّةَ } .
وَفِي
أُخْرَى شَوَاهِدُهَا كَثِيرَةٌ : { مَا مِنْ مُسْلِمٍ لَهُ ثَلَاثُ
بَنَاتٍ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَبْنِينَ أَوْ يَمُتْنَ إلَّا
كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أَوْ
بِنْتَانِ ؟ فَقَالَ وَبِنْتَانِ } .
وَفِي أُخْرَى لِلتِّرْمِذِيِّ : { فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ } .
وَفِي أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد : { فَأَدَّبَهُنَّ وَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ وَزَوَّجَهُنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ
يَئِدْهَا - أَيْ يَدْفِنْهَا حَيَّةً عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ -
وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ يَعْنِي الذَّكَرَ عَلَيْهَا
أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ : {
مَنْ أَنْفَقَ عَلَى ابْنَتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ذَوَاتَيْ
قَرَابَةٍ يَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُغْنِيَهُمَا مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ أَوْ يَكْفِيَهُمَا كَانَتَا لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ }
.
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ
رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ يُؤْوِيهِنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ
وَيَكْفُلُهُنَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ أَلْبَتَّةَ قِيلَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ؟ قَالَ وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ
.
قَالَ فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ لَوْ قَالَ وَاحِدَةً لَقَالَ وَاحِدَةً } .
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ : وَزَادَ { وَيُزَوِّجُهُنَّ } .
وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ : { مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ يَصْبِرُ عَلَى
لَأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ
الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ إيَّاهُنَّ .
فَقَالَ رَجُلٌ : وَابْنَتَانِ
يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ وَابْنَتَانِ ، قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَوَاحِدَةٌ ؟ قَالَ وَوَاحِدَةٌ } .
( الْكَبِيرَةُ
الثَّانِيَةُ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ
أَحَدِهِمَا وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ ) قَالَ -
تَعَالَى - : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ الْبِرَّ
بِهِمَا مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ ، فَلَا يُغْلِظُ لَهُمَا فِي
الْجَوَابِ ، وَلَا يُحِدُّ النَّظَرَ إلَيْهِمَا ، وَلَا يَرْفَعُ
صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا ، بَلَى يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِمَا مِثْلَ
الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ السَّيِّدِ تَذَلُّلًا لَهُمَا ، وَقَالَ -
تَعَالَى - : { وَقَضَى رَبُّك أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَك الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي
صَغِيرًا } أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا ،
وَهُوَ الْبِرُّ وَالشَّفَقَةُ وَالْعَطْفُ وَالتَّوَدُّدُ وَإِيثَارُ
رِضَاهُمَا .
وَنَهَى عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا أُفٍّ ، إذْ هُوَ
كِنَايَةٌ عَنْ الْإِيذَاءِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ حَتَّى بِأَقَلِّ
أَنْوَاعِهِ ، وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : قَالَ : { لَوْ عَلِمَ اللَّهُ شَيْئًا أَدْنَى مِنْ أُفٍّ
لَنَهَى عَنْهُ ، فَلْيَعْمَلْ الْعَاقُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ فَلَنْ
يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، وَلْيَعْمَلْ الْبَارُّ مَا شَاءَ أَنْ يَعْمَلَ
فَلَنْ يَدْخُلَ النَّارَ } .
ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمَا
الْقَوْلُ الْكَرِيمُ : أَيْ اللَّيِّنُ اللَّطِيفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى
الْعَطْفِ وَالِاسْتِمَالَةِ وَمُوَافَقَةِ مُرَادِهِمَا وَمَيْلِهِمَا
وَمَطْلُوبِهِمَا مَا أَمْكَنَ سِيَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ ، فَإِنَّ
الْكَبِيرَ يَصِيرُ كَحَالِ الطِّفْلِ وَأَرْذَلَ ؛ لِمَا يَغْلِبُ
عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَفِ وَفَسَادِ التَّصَوُّرِ ، فَيَرَى الْقَبِيحَ
حَسَنًا وَالْحَسَنَ قَبِيحًا ، فَإِذَا طَلَبْت رِعَايَتَهُ وَغَايَةَ
التَّلَطُّفِ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَنْ يَتَقَرَّبَ إلَيْهِ
بِمَا يُنَاسِبُ عَقْلَهُ إلَى أَنْ
يَرْضَى فَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى .
ثُمَّ
أَمَرَ - تَعَالَى - بَعْدَ الْقَوْلِ الْكَرِيمِ بِأَنْ يَخْفِضَ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يُكَلِّمَهُمَا إلَّا مَعَ
الِاسْتِكَانَةِ وَالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ وَإِظْهَارِ ذَلِكَ لَهُمَا ،
وَاحْتِمَالِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا ، وَيُرِيهِمَا أَنَّهُ فِي غَايَةِ
التَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِمَا وَبِرِّهِمَا ، وَأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
ذَلِيلٌ حَقِيرٌ ، وَلَا يَزَالُ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُثَلِّجَ
خَاطِرَهُمَا ، وَيُبَرِّدَ قَلْبَهُمَا عَلَيْهِ ، فَيَنْعَطِفَا
عَلَيْهِ بِالرِّضَا وَالدُّعَاءِ ؛ وَمِنْ ثَمَّ طَلَبَ مِنْهُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ يَقْتَضِي
دُعَاءَهُمَا لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَلْيُكَافِئْهُمَا إنْ فُرِضَتْ
مُسَاوَاةٌ ، وَإِلَّا فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ ،
وَكَيْفَ تُتَوَهَّمُ الْمُسَاوَاةُ ، وَقَدْ كَانَا يَحْمِلَانِ أَذَاك
وَكَلَّك وَعَظِيمَ الْمَشَقَّةِ فِي تَرْبِيَتِك ، وَغَايَةَ
الْإِحْسَانِ إلَيْك ، رَاجِينَ حَيَاتَك ، مُؤَمَّلِينَ سَعَادَتَك ،
وَأَنْتَ إنْ حَمَلْت شَيْئًا مِنْ أَذَاهُمَا رَجَوْت مَوْتَهُمَا ،
وَسَئِمْت مِنْ مُصَاحَبَتِهِمَا ؛ وَلِكَوْنِ الْأُمِّ أَحْمَلَ لِذَلِكَ
وَأَصْبَرَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ عَنَاءَهَا أَكْثَرُ وَشَفَقَتَهَا
أَعْظَمُ بِمَا قَاسَتْهُ مِنْ حَمْلٍ وَطَلْقٍ وَوِلَادَةٍ وَرَضَاعٍ
وَسَهَرِ لَيْلٍ ، وَتَلَطُّخٍ بِالْقَذَرِ وَالنَّجَسِ ، وَتَجَنُّبٍ
لِلنَّظَافَةِ وَالتَّرَفُّهِ حَضَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى بِرِّهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَعَلَى بِرِّ الْأَبِ مَرَّةً
وَاحِدَةً كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ أُمُّك ،
قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّك ،
قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أَبُوك ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ } .
وَقَدْ
رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجُلًا يَطُوفُ
بِالْكَعْبَةِ حَامِلًا أُمَّهُ عَلَى رَقَبَتِهِ فَقَالَ : يَا ابْنَ
عُمَرَ أَتَرَى أَنِّي جَزَيْتهَا ؟ قَالَ : لَا
وَلَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّك أَحْسَنْت وَاَللَّهُ يُثِيبُك عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا .
{
وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ
إنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّيَ تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا فَقَالَ
سَمِعْت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
الْوَالِدَةُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْت فَأَضِعْ ذَلِكَ
الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ } .
وَقَالَ - تَعَالَى - : { أَنْ اُشْكُرْ
لِي وَلِوَالِدَيْكَ } فَانْظُرْ - وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ -
كَيْفَ قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا : ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثٍ لَمْ
تُقْبَلْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا .
إحْدَاهَا :
قَوْله تَعَالَى : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } فَمَنْ
أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُطِعْ رَسُولَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ .
وَالثَّانِيَةُ
قَوْله تَعَالَى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } فَمَنْ
صَلَّى وَلَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ .
الثَّالِثَةُ قَوْله
تَعَالَى : { أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ
وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَلِذَا قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ
وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ } .
وَصَحَّ { أَنَّ
رَجُلًا جَاءَ يَسْتَأْذِنُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْجِهَادِ مَعَهُ ، فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاك ؟ قَالَ نَعَمْ ،
قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ } .
فَانْظُرْ كَيْفَ فَضَّلَ بِرَّ
الْوَالِدَيْنِ وَخِدْمَتَهُمَا عَلَى الْجِهَادِ مَعَهُ ، وَسَيَأْتِي
فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ : { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ
الْكَبَائِرِ ؟ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ } .
فَانْظُرْ
كَيْفَ قَرَنَ الْإِسَاءَةَ إلَيْهِمَا وَعَدَمَ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ
إلَيْهِمَا بِالْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ
بِأَمْرِهِ بِمُصَاحَبَتِهِمَا بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ كَانَا يُجَاهِدَانِ
الْوَلَدَ عَلَى أَنْ يُشْرِكَ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - .
قَالَ - تَعَالَى - : { وَإِنْ جَاهَدَاك
عَلَى
أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ
أَنَابَ إلَيَّ } فَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِمُصَاحَبَةِ
هَذَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ هَذَا الْقُبْحِ الْعَظِيمِ الَّذِي
يَأْمُرَانِ وَلَدَهُمَا بِهِ وَهُوَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى
- فَمَا الظَّنُّ بِالْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ سِيَّمَا إنْ كَانَا
صَالِحَيْنِ ، تَاللَّهِ إنَّ حَقَّهُمَا لَمِنْ أَشَدِّ الْحُقُوقِ
وَآكَدِهَا وَإِنَّ الْقِيَامَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ أَصْعَبُ الْأُمُورِ
وَأَعْظَمُهَا ، فَالْمُوَفَّقُ مَنْ هُدِيَ إلَيْهَا وَالْمَحْرُومُ
كُلُّ الْمَحْرُومِ مَنْ صُرِفَ عَنْهَا .
وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ
مِنْ التَّأْكِيدِ فِي ذَلِكَ مَا لَا تُحْصَى كَثْرَتُهُ وَلَا تُحَدُّ
غَايَتُهُ ؛ فَمِنْ ذَلِكَ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ
الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا ؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ
الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا
فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فَمَا
زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ } .
وَالْبُخَارِيُّ
: { الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ،
وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ } .
وَالشَّيْخَانِ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْكَبَائِرَ فَقَالَ : { الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ
الْوَالِدَيْنِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَهُ إلَى
أَهْلِ الْيَمَنِ وَبَعَثَ بِهِ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ : وَإِنَّ أَكْبَرَ
الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ
، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْفِرَارُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَرَمْيُ
الْمُحْصَنَةِ ، وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ
مَالِ الْيَتِيمِ
} الْحَدِيثَ .
وَالشَّيْخَانِ : { إنَّ مِنْ
أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ، قِيلَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ :
يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُمَا : { مِنْ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ،
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟
قَالَ : نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ
أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { إنَّ
اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ
وَمَنْعًا وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ
وَإِضَاعَةَ الْمَالِ } .
وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ
لَهُ بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { ثَلَاثَةٌ
لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ
لِوَالِدَيْهِ ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ .
وَثَلَاثَةٌ
لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ
وَالرَّجِلَةُ مِنْ النِّسَاءِ } ، وَالرَّجِلَةُ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ
الْمُتَرَجِّلَةُ ، أَيْ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ .
وَأَحْمَدُ
وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
: { ثَلَاثَةٌ حَرَّمَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عَلَيْهِمْ
الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ،
وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ الْخَبَثَ فِي أَهْلِهِ } ، أَيْ الزِّنَا
مَعَ عِلْمِهِ بِهِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ : { يُرَاحُ
رِيحُ الْجَنَّةِ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَلَا يَجِدُ
رِيحَهُ مَنَّانٌ بِعَمَلِهِ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ }
وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا عَاقٌّ وَمَنَّانٌ
وَمُكَذِّبٌ بِقَدْرٍ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { أَرْبَعٌ حَقَّ
عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُدْخِلَهُمْ الْجَنَّةَ وَلَا يُذِيقَهُمْ
نَعِيمَهَا : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَآكِلُ الرِّبَا ، وَآكِلُ مَالِ
الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ }
.
وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْكَبِيرِ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْفَعُ مَعَهُنَّ عَمَلٌ : الشِّرْكُ
بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ } .
وَأَحْمَدُ
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ ، وَابْنَا
خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِاخْتِصَارٍ : { جَاءَ رَجُلٌ
إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ شَهِدْت أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ
وَصَلَّيْت الْخَمْسَ وَأَدَّيْت زَكَاةَ مَالِي وَصُمْت رَمَضَانَ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ مَاتَ
عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا ، وَنَصَبَ أُصْبُعَيْهِ مَا
لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ } .
وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ { مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ ، قَالَ : لَا
تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قَتَلْت وَحَرَقْت ، وَلَا تَعُقَّنَّ
وَالِدَيْك وَإِنْ أَمَرَاك أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِك وَمَالِكِ }
الْحَدِيثَ .
وَمَرَّ أَوَائِلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ عَنْ { جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ
الْمُسْلِمِينَ : اتَّقُوا اللَّهَ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ ثَوَابٍ أَسْرَعَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَإِيَّاكُمْ
وَالْبَغْيَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ أَسْرَعَ مِنْ عُقُوبَةِ
بَغْيٍ ، وَإِيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ
يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَإِنَّهُ لَا يَجِدُ رِيحَهَا
عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ زَانٍ وَلَا جَارٍّ إزَارَهُ
خُيَلَاءَ ، إنَّمَا الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ،
وَالْكَذِبُ كُلُّهُ إثْمٌ إلَّا مَا نَفَعْت بِهِ مُؤْمِنًا وَدَفَعْت
بِهِ عَنْ دِينٍ ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا مَا يُبَاعُ فِيهَا
وَلَا يُشْتَرَى لَيْسَ فِيهَا إلَّا الصُّوَرُ
فَمَنْ أَحَبَّ صُورَةً مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ دَخَلَ فِيهَا } .
وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ مَتْرُوكًا : { أَرْبَعٌ حَقَّ
عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُدْخِلَهُمْ الْجَنَّةَ وَلَا يُذِيقَهُمْ
نَعِيمَهَا : مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَآكِلُ الرِّبَا ، وَآكِلُ مَالِ
الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ } .
وَأَحْمَدُ : { لَا يَلِجُ حَظِيرَةَ الْقُدْسِ مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَا الْعَاقُّ وَلَا الْمَنَّانُ عَطَاءَهُ } .
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { لَا يَلِجُ جِنَانَ الْفِرْدَوْسِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مَنَّانٌ } .
قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ
يُصِيبُونَ ذُنُوبًا حَتَّى وَجَدْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ فِي الْعَاقِّ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } الْآيَةَ .
وَفِي الْمَنَّانِ : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } الْآيَةَ .
وَفِي الْخَمْرِ : { إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } الْآيَةَ .
وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْخَمْرِ .
وَالطَّبَرَانِيُّ
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { لَعَنَ اللَّهُ سَبْعَةً مِنْ فَوْقِ سَبْعِ
سَمَوَاتِهِ وَرَدَّدَ اللَّعْنَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثًا ،
وَلَعَنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَعْنَةً تَكْفِيهِ ، قَالَ : مَلْعُونٌ
مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ .
مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ
قَوْمِ لُوطٍ مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، مَلْعُونٌ مَنْ
ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ } .
وَابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ
، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ
مَنْ سَبَّ الدِّيَةَ } الْحَدِيثَ .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
الْأَصْبَهَانِيُّ : { كُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مِنْهَا مَا
شَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ
اللَّهَ يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ
قَبْلَ الْمَمَاتِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ
فِي الدَّلَائِلِ ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ
بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ عَنْ جَابِرٍ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنَّ أَبِي أَخَذَ مَالِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاذْهَبْ فَأْتِنِي بِأَبِيك ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُقْرِئُك السَّلَامَ وَيَقُولُ لَك : إذَا جَاءَك
الشَّيْخُ فَسَلْهُ عَنْ شَيْءٍ قَالَهُ فِي نَفْسِهِ مَا سَمِعَتْهُ
أُذُنَاهُ ، فَلَمَّا جَاءَ الشَّيْخُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالُ ابْنِك يَشْكُوَك تُرِيدُ أَنْ
تَأْخُذَ مَالَهُ ؟ قَالَ سَلْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَنْفَقْته
إلَّا عَلَى عَمَّاتِهِ وَخَالَاتِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِي ؟ .
فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إيهٍ ، دَعْنَا مِنْ
هَذَا أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْءٍ قُلْته فِي نَفْسِك مَا سَمِعَتْهُ
أُذُنَاك ، فَقَالَ الشَّيْخُ : وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
يَزَالُ اللَّهُ يَزِيدُنَا بِك يَقِينًا ، لَقَدْ قُلْت فِي نَفْسِي
شَيْئًا مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، فَقَالَ قُلْ وَأَنَا أَسْمَعُ ،
فَقَالَ قُلْت : غَذَّوْتُكَ مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا تَغُلُّ
بِمَا أَجْنِي عَلَيْك وَتَنْهَلُ إذَا لَيْلَةً ضَاقَتْك بِالسَّقَمِ
لَمْ أَبِتْ لِسَقَمِك إلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ كَأَنِّي أَنَا
الْمَطْرُوقُ دُونَك بِاَلَّذِي طُرِقْت بِهِ دُونِي فَعَيْنِي تَهْمِلُ
تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْك وَإِنَّهَا لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ
وَقْتٌ مُؤَجَّلٌ فَلَمَّا بَلَغْت السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي
إلَيْهَا مَدَى مَا كُنْت فِيهَا أُؤَمِّلُ جَعَلْت جَزَائِي غِلْظَةً
وَفَظَاظَةً كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ فَلَيْتَك إذْ
لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي فَعَلْت كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ
يَفْعَلُ تَرَاهُ مُعِدًّا لِلْخِلَافِ كَأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ
الصَّوَابِ مُوَكَّلُ قَالَ : فَحِينَئِذٍ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَلَابِيبِ ابْنِهِ وَقَالَ : أَنْتَ
وَمَالُك
لِأَبِيك } .
وَهُوَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ مِنْ
الْكَشَّافِ بِلَفْظِ : { شَكَا رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاهُ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ فَدَعَا بِهِ
فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ :
إنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا وَأَنَا قَوِيٌّ وَفَقِيرًا وَأَنَا غَنِيٌّ
فَكُنْت لَا أَمْنَعُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِي ، وَالْيَوْمَ أَنَا ضَعِيفٌ
وَهُوَ قَوِيٌّ وَأَنَا فَقِيرٌ وَهُوَ غَنِيٌّ ، وَهُوَ يَبْخَلُ عَلَيَّ
بِمَالِهِ ، فَبَكَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَالَ : مَا مِنْ
حَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ يَسْمَعُ هَذَا إلَّا بَكَى ، ثُمَّ قَالَ لِلْوَلَدِ
: أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } .
قَالَ مُخْرِجُ أَحَادِيثَهُ لَمْ أَجِدْهُ .
وَأَخْرَجَ
أَبُو يَعْلَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعْدِي عَلَى وَالِدِهِ فَقَالَ :
إنَّهُ أَخَذَ مِنِّي مَالِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا عَلِمْت أَنَّك وَمَالَك مِنْ كَسْبِ
أَبِيك } .
وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ أَبِي يَجْتَاحُ مَالِي
، قَالَ أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك ، إنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ
كَسْبِكُمْ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِكُمْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَحْمَدُ مُخْتَصَرًا عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ : شَابٌّ
يَجُودُ بِنَفْسِهِ قِيلَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمْ
يَسْتَطِعْ ، فَقَالَ أَكَانَ يُصَلِّي ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَنَهَضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَضْنَا مَعَهُ
فَدَخَلَ عَلَى الشَّابِّ فَقَالَ لَهُ : قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ،
فَقَالَ لَا أَسْتَطِيعُ ، قَالَ : لِمَ ؟ قِيلَ كَانَ يَعُقُّ
وَالِدَتَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَحَيَّةٌ وَالِدَتُهُ ؟ قَالُوا نَعَمْ ، قَالَ اُدْعُوهَا فَدَعَوْهَا
فَجَاءَتْ ، فَقَالَ هَذَا ابْنُك ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ ، فَقَالَ لَهَا
أَرَأَيْت لَوْ
أَجَّجْت نَارًا ضَخْمَةً فَقِيلَ لَك إنْ شَفَعْت
لَهُ خَلَّيْنَا عَنْهُ وَإِلَّا أَحْرَقْنَاهُ بِهَذِهِ النَّارِ أَكُنْت
تَشْفَعِينَ لَهُ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَنْ أَشْفَعُ ، قَالَ
فَأَشْهِدِي اللَّهَ وَأَشْهِدِينِي أَنَّك قَدْ رَضِيَتْ عَنْهُ ،
قَالَتْ اللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُك وَأُشْهِدُ رَسُولَك أَنِّي قَدْ
رَضِيتُ عَنْ ابْنِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا غُلَامُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
فَقَالَهَا .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَرُوِيَتْ
هَذِهِ الْقِصَّةُ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا ، وَهِيَ : { أَنَّ ذَلِكَ
الشَّابَّ اسْمُهُ عَلْقَمَةُ وَأَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الِاجْتِهَادِ فِي
الطَّاعَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ ، فَمَرِضَ
وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَأَرْسَلَتْ امْرَأَتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَوْجِي عَلْقَمَةَ فِي
النَّزْعِ فَأَرَدْت أَنْ أُعْلِمَك يَا رَسُولَ اللَّهِ بِحَالِهِ ،
فَأَرْسَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّارًا وَبِلَالًا
وَصُهَيْبًا وَقَالَ : امْضُوا إلَيْهِ وَلَقِّنُوهُ الشَّهَادَةَ ،
فَجَاءُوا إلَيْهِ فَوَجَدُوهُ فِي النَّزْعِ فَجَعَلُوا يُلَقِّنُونَهُ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلِسَانُهُ لَا يَنْطِقُ بِهَا ، فَأَرْسَلُوا
إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ .
فَقَالَ
: هَلْ مِنْ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ
أُمٌّ كَبِيرَةُ السِّنِّ ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا : إنْ قَدَرْت عَلَى الْمَسِيرِ
إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا
فَانْتَظِرِيهِ فِي الْمَنْزِلِ حَتَّى يَأْتِيك ، فَجَاءَ إلَيْهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَهَا
بِذَلِكَ فَقَالَتْ نَفْسِي لِنَفْسِهِ الْفِدَاءُ أَنَا أَحَقُّ
بِإِتْيَانِهِ فَتَوَكَّأَتْ وَقَامَتْ عَلَى عَصًا وَأَتَتْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَتْ
وَرَدَّ
عَلَيْهَا السَّلَامَ وَقَالَ لَهَا : يَا أُمَّ عَلْقَمَةَ اُصْدُقِينِي
وَإِنْ كَذَبْتنِي جَاءَ الْوَحْيُ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - ، كَيْفَ
كَانَ حَالُ وَلَدِك عَلْقَمَةَ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ
كَثِيرَ الصَّلَاةِ كَثِيرَ الصِّيَامِ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَمَا حَالُك ؟
قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا عَلَيْهِ سَاخِطَةٌ .
قَالَ :
وَلِمَ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُؤْثِرُ زَوْجَتَهُ
وَيَعْصِينِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : إنَّ سَخَطَ أُمِّ عَلْقَمَةَ حَجَبَ لِسَانَ عَلْقَمَةَ عَنْ
الشَّهَادَةِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا
بِلَالُ انْطَلِقْ وَاجْمَعْ لِي حَطَبًا كَثِيرًا ، قَالَتْ وَمَا
تَصْنَعُ بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ أُحْرِقُهُ بِالنَّارِ ،
قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَدِي لَا يَحْتَمِلُ قَلْبِي أَنْ
تُحْرِقَهُ بِالنَّارِ بَيْنَ يَدِي ، قَالَ : يَا أُمَّ عَلْقَمَةَ
فَعَذَابُ اللَّهِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ، فَإِنْ سَرَّك أَنْ يَغْفِرَ
اللَّهُ لَهُ فَارْضِي عَنْهُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا
يَنْتَفِعُ عَلْقَمَةُ بِصَلَاتِهِ وَلَا بِصِيَامِهِ وَلَا بِصَدَقَتِهِ
مَا دُمْت عَلَيْهِ سَاخِطَةً ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي
أُشْهِدُ اللَّهَ - تَعَالَى - وَمَلَائِكَتَهُ وَمَنْ حَضَرَنِي مِنْ
الْمُسْلِمِينَ أَنِّي قَدْ رَضِيت عَنْ وَلَدِي عَلْقَمَةَ ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْطَلِقْ إلَيْهِ
يَا بِلَالُ فَانْظُرْ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ أَمْ لَا ؟ فَلَعَلَّ أُمَّ عَلْقَمَةَ تَكَلَّمَتْ بِمَا لَيْسَ
فِي قَلْبِهَا حَيَاءً مِنِّي ، فَانْطَلَقَ بِلَالٌ فَسَمِعَ عَلْقَمَةَ
يَقُولُ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَدَخَلَ بِلَالٌ
فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ إنَّ سَخَطَ أُمِّ عَلْقَمَةَ حَجَبَ لِسَانَهُ
عَنْ الشَّهَادَةِ وَإِنَّ رِضَاهَا أَطْلَقَ لِسَانَهُ ثُمَّ مَاتَ
عَلْقَمَةُ مِنْ يَوْمِهِ .
فَحَضَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ ثُمَّ صَلَّى
عَلَيْهِ وَحَضَرَ دَفْنَهُ ، ثُمَّ قَامَ
عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ
وَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ فَضَّلَ
زَوْجَتَهُ عَلَى أُمِّهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا
عَدْلًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُحْسِنَ
إلَيْهَا وَيَطْلُبَ رِضَاهَا فَرِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي رِضَاهَا
وَسَخَطُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فِي سَخَطِهَا } .
وَرَوَى
الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ
الْأَصَمُّ بِمَشْهَدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَنَّ
الْعَوَّامَ بْنَ حَوْشَبَ قَالَ : نَزَلْت مَرَّةً حَيًّا وَإِلَى
جَانِبِ ذَلِكَ الْحَيِّ مَقْبَرَةٌ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ
انْشَقَّ مِنْهَا قَبْرٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ رَأْسُهُ رَأْسُ حِمَارٍ
وَجَسَدُهُ جَسَدُ إنْسَانٍ فَنَهَقَ ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ انْطَبَقَ
عَلَيْهِ الْقَبْرُ ، فَإِذَا عَجُوزٌ تَغْزِلُ شَعْرًا أَوْ صُوفًا
فَقَالَتْ امْرَأَةٌ : تَرِي تِلْكَ الْعَجُوزَ ؟ قُلْت : مَا لَهَا ؟
قَالَتْ تِلْكَ أُمُّ هَذَا ، قُلْت وَمَا كَانَ قَضِيَّتُهُ ؟ قَالَتْ
كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَإِذَا رَاحَ تَقُولُ لَهُ أُمُّهُ : يَا
بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ إلَى مَتَى تَشْرَبُ هَذَا الْخَمْرَ ؟ فَيَقُولُ
لَهَا : إنَّمَا أَنْتِ تَنْهَقِينَ كَمَا يَنْهَقُ الْحِمَارُ ؛ قَالَتْ
فَمَاتَ بَعْدَ الْعَصْرِ ، قَالَتْ فَهُوَ يَشُقُّ عَنْهُ الْقَبْرَ
بَعْدَ الْعَصْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَيَنْهَقُ ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ
يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ " .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ :
دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ
عَلَى وَلَدِهِ } .
وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ { قَالَ : لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَأَيْت أَقْوَامًا فِي النَّارِ
مُعَلَّقِينَ فِي جُذُوعٍ مِنْ نَارٍ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا
جِبْرِيلُ ؟ قَالَ الَّذِينَ يَشْتُمُونَ آبَاءَهُمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ فِي
الدُّنْيَا } .
وَرُوِيَ { أَنَّهُ مَنْ شَتَمَ وَالِدَيْهِ يَنْزِلُ
عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ جَمْرٌ مِنْ النَّارِ بَعْدَ كُلِّ قَطْرٍ يَنْزِلُ
مِنْ السَّمَاءِ
إلَى الْأَرْضِ } .
وَرُوِيَ : { أَنَّهُ إذَا دُفِنَ عَاقُّ وَالِدَيْهِ عَصَرَهُ الْقَبْرُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ } .
وَقَالَ
كَعْبُ الْأَحْبَارِ : إنَّ اللَّهَ لَيُعَجِّلُ هَلَاكَ الْعَبْدِ إذَا
كَانَ عَاقًّا لِوَالِدَيْهِ لِيُعَجِّلَ لَهُ الْعَذَابَ وَإِنَّ اللَّهَ
لَيَزِيدُ فِي عُمُرِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ
لِيَزِيدَهُ بِرًّا وَخَيْرًا .
وَسُئِلَ عَنْ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ
مَا هُوَ ؟ قَالَ : إذَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ لَمْ
يَبَرَّ قَسَمَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُ بِأَمْرٍ لَمْ يُطِعْهُ ، وَإِذَا
ائْتَمَنَهُ خَانَهُ .
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : أَوْحَى
اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا
وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا مُوسَى وَقِّرْ وَالِدَيْك فَإِنَّهُ مَنْ
وَقَّرَ وَالِدَيْهِ مَدَدْت فِي عُمُرَهُ وَوَهَبْت لَهُ وَلَدًا
يَبَرُّهُ ، وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ قَصَّرْت عُمُرَهُ وَوَهَبْت لَهُ
وَلَدًا يَعُقُّهُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ : قَرَأْت فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مَنْ يَضْرِبُ أَبَاهُ يُقْتَلُ .
وَقَالَ وَهْبٌ : فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ صَكَّ وَالِدَيْهِ الرَّجْمُ .
وَقَالَ
بِشْرٌ : أَيُّمَا رَجُلٍ يَقْرَبُ مِنْ أُمِّهِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ
كَلَامَهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ، وَالنَّظَرُ إلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .
{
وَجَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَخْتَصِمَانِ فِي صَبِيٍّ لَهُمَا ، فَقَالَ الرَّجُلُ :
وَلَدِي خَرَجَ مِنْ صُلْبِي ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
حَمَلَهُ خَفًّا وَوَضَعَهُ شَهْوَةً وَحَمَلْته كَرْهًا وَوَضَعْته
كَرْهًا وَأَرْضَعْته حَوْلَيْنِ فَقَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأُمِّ } ؛ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ
بَعْضِهِمْ إغْرَاءً عَلَى الْبِرِّ وَتَحْذِيرًا عَنْ الْعُقُوقِ
وَوَبَالِهِ وَإِعْلَامًا بِمَا يُدْحِضُ الْعَاقَّ إلَى حَضِيضِ
سَفَالِهِ وَيَحُطُّهُ عَنْ كَمَالِهِ : أَيُّهَا الْمُضَيِّعُ لِأَوْكَدِ
الْحُقُوقِ الْمُعْتَاضُ عَنْ الْبِرِّ بِالْعُقُوقِ النَّاسِي لِمَا
يَجِبُ عَلَيْهِ الْغَافِلُ عَمَّا بَيْنَ
يَدَيْهِ ، بِرُّ
الْوَالِدَيْنِ عَلَيْك دَيْنٌ وَأَنْتَ تَتَعَاطَاهُ بِاتِّبَاعِ
الشَّيْنِ ، تَطْلُبُ الْجَنَّةَ بِزَعْمِك وَهِيَ تَحْتَ أَقْدَامِ
أُمِّك ، حَمَلَتْك فِي بَطْنِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَأَنَّهَا تِسْعُ
حِجَجٍ وَكَابَدَتْ عِنْدَ وَضْعِك مَا يُذِيبُ الْمُهَجَ ، وَأَرْضَعَتْك
مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا وَأَطَارَتْ لِأَجْلِك وَسَنًا ، وَغَسَلَتْ
بِيَمِينِهَا عَنْك الْأَذَى وَآثَرَتْك عَلَى نَفْسِهَا بِالْغِذَاءِ ،
وَصَيَّرَتْ حِجْرَهَا لَك مَهْدًا وَأَنَالَتْك إحْسَانًا وَرَفْدًا ،
فَإِنْ أَصَابَك مَرَضٌ أَوْ شِكَايَةٌ أَظْهَرَتْ مِنْ الْأَسَفِ فَوْقَ
النِّهَايَةِ ، وَأَطَالَتْ الْحُزْنَ وَالنَّحِيبَ وَبَذَلَتْ مَالَهَا
لِلطَّبِيبِ ، وَلَوْ خُيِّرَتْ بَيْنَ حَيَاتِك وَمَوْتِهَا لَآثَرَتْ
حَيَاتَك بِأَعْلَى صَوْتِهَا ، هَذَا وَكَمْ عَامَلْتهَا بِسُوءِ
الْخُلُقِ مِرَارًا فَدَعَتْ لَك بِالتَّوْفِيقِ سِرًّا وَجِهَارًا ،
فَلَمَّا احْتَاجَتْ عِنْدَ الْكِبَرِ إلَيْك جَعَلْتهَا مِنْ أَهْوَنِ
الْأَشْيَاءِ عَلَيْك ، فَشَبِعْت وَهِيَ جَائِعَةٌ وَرُوِيت وَهِيَ
ضَائِعَةٌ ، وَقَدَّمْت عَلَيْهَا أَهْلَك وَأَوْلَادَك فِي الْإِحْسَانِ
وَقَابَلْت أَيَادِيهَا بِالنِّسْيَانِ ، وَصَعُبَ لَدَيْك أَمْرُهَا
وَهُوَ يَسِيرٌ وَطَالَ عَلَيْك عُمُرُهَا وَهُوَ قَصِيرٌ ، وَهَجَرْتهَا
وَمَا لَهَا سِوَاك نَصِيرٌ .
هَذَا ، وَمَوْلَاك قَدْ نَهَاك عَنْ
التَّأْفِيفِ وَعَاتَبَك فِي حَقِّهَا بِعِتَابٍ لَطِيفٍ ، سَتُعَاقَبُ
فِي دُنْيَاك بِعُقُوقِ الْبَنِينَ وَفِي أُخْرَاك بِالْبُعْدِ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ يُنَادِيك بِلِسَانِ التَّوْبِيخِ وَالتَّهْدِيدِ : {
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ
لِلْعَبِيدِ } .
لِأُمِّك حَقٌّ لَوْ عَلِمْت كَبِيرُ كَثِيرُك يَا
هَذَا لَدَيْهِ يَسِيرُ فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَتْ بِثِقَلِك تَشْتَكِي
لَهَا مِنْ جَوَاهَا أَنَّةٌ وَزَفِيرُ وَفِي الْوَضْعِ لَوْ تَدْرِي
عَلَيْهَا مَشَقَّةٌ فَمِنْ غُصَصٍ مِنْهَا الْفُؤَادُ يَطِيرُ وَكَمْ
غَسَلَتْ عَنْك الْأَذَى بِيَمِينِهَا وَمَا حِجْرُهَا إلَّا لَدَيْك
سَرِيرُ وَتَفْدِيك مِمَّا تَشْتَكِيهِ بِنَفْسِهَا وَمِنْ ثَدْيِهَا
شُرْبٌ لَدَيْك نَمِيرُ وَكَمْ مَرَّةٍ جَاعَتْ وَأَعْطَتْك قُوتَهَا
حُنُوًّا
وَإِشْفَاقًا وَأَنْتَ صَغِيرُ فَآهًا لِذِي عَقْلٍ
وَيَتْبَعُ الْهَوَى وَآهًا لِأَعْمَى الْقَلْبِ وَهُوَ بَصِيرُ فَدُونَك
فَارْغَبْ فِي عَمِيمِ دُعَائِهَا فَأَنْتَ لِمَا تَدْعُو إلَيْهِ فَقِيرُ
.
تَنْبِيهٌ : عَدُّ الْعُقُوقِ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا اتَّفَقُوا
عَلَيْهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا
فَرْقَ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ وَالْمُسْلِمَيْنِ لَا يُقَالُ يُشْكِلُ
عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْحَسَنُ الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْفِرَارِ مِنْ
الزَّحْفِ إذْ فِيهِ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ الْإِشْرَاكُ
بِاَللَّهِ ، وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَالْفِرَارُ مِنْ
الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ، وَالسِّحْرُ ، وَأَكْلُ مَالِ
الْيَتِيمِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ
الْمُسْلِمَيْنِ } الْحَدِيثَ .
لِأَنَّا نَقُولُ التَّقْيِيدُ
بِالْمُسْلِمَيْنِ إمَّا بِأَنَّ عُقُوقَهُمَا أَقْبَحُ وَالْكَلَامُ
هُنَا فِي ذِكْرِ الْأَعْظَمِ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فِي عَطْفِ
وَقَتْلِ الْمُؤْمِنِ وَمَا بَعْدَهُ ، وَإِمَّا ؛ لِأَنَّهُمَا ذُكِرَا
لِلْغَالِبِ كَمَا فِي نَظَائِرَ أُخَرَ .
وَلِلْحَلِيمِيِّ هُنَا
تَفْصِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيٍ لَهُ ضَعِيفٍ مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ
، وَهُوَ أَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ سَبٍّ
فَفَاحِشَةٌ ، وَإِنْ كَانَ عُقُوقُهُ هُوَ اسْتِثْقَالُهُ لِأَمْرِهِمَا
وَنَهْيِهِمَا وَالْعُبُوسُ فِي وُجُوهِهِمَا وَالتَّبَرُّمُ بِهِمَا مَعَ
بَذْلِ الطَّاعَةِ وَلُزُومِ الصَّمْتِ فَصَغِيرَةٌ ، وَإِنْ كَانَ مَا
يَأْتِيهِ مِنْ ذَلِكَ يُلْجِئُهُمَا إلَى أَنْ يَنْقَبِضَا فَيَتْرُكَا
أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَيَلْحَقُهُمَا مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ فَكَبِيرَةٌ .
انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَالْوَجْهُ
الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ كَمَا
يُعْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْعُقُوقِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ ، وَهُوَ أَنْ
يَحْصُلَ مِنْهُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ
أَيْ عُرْفًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي ،
وَلَكِنْ لَوْ كَانَ فِي غَايَةِ الْحُمْقِ أَوْ سَفَاهَةِ الْعَقْلِ
فَأَمَرَ
أَوْ نَهَى وَلَدَهُ بِمَا لَا يُعَدُّ مُخَالَفَتُهُ
فِيهِ فِي الْعُرْفِ عُقُوقًا لَا يَفْسُقُ وَلَدُهُ بِمُخَالَفَتِهِ
حِينَئِذٍ لِعُذْرِهِ ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِمَنْ
يُحِبُّهَا فَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا وَلَوْ لِعَدَمِ عِفَّتِهَا فَلَمْ
يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ
بِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَكِنَّهُ أَشَارَ إلَى
أَنَّ الْأَفْضَلَ طَلَاقُهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ وَالِدِهِ ،
وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ : { أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ
ابْنَهُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَأَبَى فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا } .
وَكَذَا
سَائِرُ أَوَامِرِهِ الَّتِي لَا حَامِلَ عَلَيْهَا إلَّا ضَعْفَ عَقْلِهِ
وَسَفَاهَةَ رَأْيِهِ ، وَلَوْ عُرِضَتْ عَلَى أَرْبَابِ الْعُقُولِ
لَعَدُّوهَا أُمُورًا مُتَسَاهَلًا فِيهَا ، وَلَرَأَوْا أَنَّهُ لَا
إيذَاءَ لِمُخَالَفَتِهَا ، هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ إلَيْهِ فِي
تَقْرِيرِ ذَلِكَ الْحَدِّ .
ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ
السِّرَاجَ الْبُلْقِينِيَّ أَطَالَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ فَتَاوِيهِ
بِمَا قَدْ يُخَالِفُ بَعْضُهُ مَا ذَكَرْته وَعِبَارَتُهُ : مَسْأَلَةٌ
قَدْ اُبْتُلِيَ النَّاسُ بِهَا وَاحْتِيجَ إلَى بَسْطِ الْكَلَامِ
عَلَيْهَا وَإِلَى تَفَارِيعِهَا لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ فِي ضِمْنِ
ذَلِكَ وَهِيَ السُّؤَالُ عَنْ ضَابِطِ الْحَدِّ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ
عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ .
إذْ الْإِحَالَةُ عَلَى الْعُرْفِ مِنْ
غَيْرِ مِثَالٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ، إذْ النَّاسُ
أَغْرَاضُهُمْ تَحْمِلُهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا مَا لَيْسَ بِعُرْفٍ
عُرْفًا .
لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ قَصْدُهُمْ تَنْقِيصَ شَخْصٍ أَوْ
أَذَاهُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ مِثَالٍ يُنْسَجُ عَلَى مِنْوَالِهِ ، وَهُوَ
أَنَّهُ مَثَلًا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ
فَاخْتَارَ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ
فَلَوْ حَبَسَهُ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوقًا أَمْ لَا ؟ أَجَابَ :
هَذَا الْمَوْضِعُ قَالَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَكَابِرِ إنَّهُ
يَعْسُرُ ضَبْطُهُ .
وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِضَابِطٍ أَرْجُو مِنْ فَضْلِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا .
فَأَقُولُ
: الْعُقُوقُ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ هُوَ أَنْ يُؤْذِيَ الْوَلَدُ
أَحَدَ وَالِدَيْهِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ وَالِدَيْهِ كَانَ
مُحَرَّمًا مِنْ جُمْلَةِ الصَّغَائِرِ ، فَيَنْتَقِلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى
أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ إلَى الْكَبَائِرِ أَوْ يُخَالِفُ أَمْرَهُ أَوْ
نَهْيَهُ فِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَوْفُ عَلَى الْوَلَدِ فَوَاتَ
نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مَا لَمْ يُتَّهَمْ الْوَلَدُ فِي
ذَلِكَ أَوْ أَنْ يُخَالِفَهُ فِي سَفَرٍ يَشُقُّ عَلَى الْوَالِدِ
وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْوَلَدِ أَوْ فِي غَيْبَةٍ طَوِيلَةٍ فِيمَا
لَيْسَ بِعِلْمٍ نَافِعٍ وَلَا كَسْبٍ أَوْ فِيهِ وَقِيعَةٌ فِي الْعِرْضِ
لَهَا وَقْعٌ .
وَبَيَانُ هَذَا الضَّابِطِ أَنَّ قَوْلَنَا أَنْ
يُؤْذِيَ الْوَلَدُ أَحَدَ وَالِدَيْهِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ
وَالِدَيْهِ كَانَ مُحَرَّمًا .
مِثَالُهُ لَوْ شَتَمَ غَيْرَ أَحَدِ وَالِدَيْهِ أَوْ ضَرَبَهُ بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي
الشَّتْمُ
أَوْ الضَّرْبُ إلَى الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمُحَرَّمُ
الْمَذْكُورُ إذَا فَعَلَهُ الْوَلَدُ مَعَ أَحَدِ وَالِدَيْهِ كَبِيرَةً
، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا أَنْ يُؤْذِيَ مَا لَوْ أَخَذَ فَلْسًا أَوْ
شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ مَالِ وَالِدَيْهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَبِيرَةً
وَإِنْ كَانَ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِ وَالِدَيْهِ بِغَيْرِ
طَرِيقٍ مُعْتَبَرٍ كَانَ حَرَامًا ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَالِدَيْنِ لَا
يَتَأَذَّى بِمِثْلِ ذَلِكَ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ الشَّفَقَةِ وَالْحُنُوِّ
فَإِنْ أَخَذَ مَالًا كَثِيرًا بِحَيْثُ يَتَأَذَّى الْمَأْخُوذُ مِنْهُ
مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَبِيرَةً فِي
حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ كَبِيرَةً هُنَا ، وَإِنَّمَا
الضَّابِطُ فِيمَا يَكُونُ حَرَامًا صَغِيرَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ
الْوَالِدَيْنِ ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا مَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ
وَالِدَيْهِ كَانَ مُحَرَّمًا مَا إذَا طَالَبَ الْوَالِدَ بِدَيْنٍ
عَلَيْهِ فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ أَوْ رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ
لِيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ الْعُقُوقِ
فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنَّمَا
يَكُونُ الْعُقُوقُ بِمَا يُؤْذِي أَحَدَ الْوَالِدَيْنِ بِمَا لَوْ
فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ وَالِدَيْهِ كَانَ مُحَرَّمًا ، وَهَذَا لَيْسَ
بِمَوْجُودٍ هُنَا فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ النَّفَائِسِ .
وَأَمَّا
الْحَبْسُ فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى جَوَازِ حَبْسِ الْوَالِدِ بِدَيْنِ
الْوَلَدِ كَمَا صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ فَقَدْ طَلَبَ مَا هُوَ جَائِزٌ
فَلَا عُقُوقَ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى مَنْعِ حَبْسِهِ كَمَا هُوَ
الْمُصَحَّحُ عِنْدَ آخَرِينَ ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا كَانَ
مُعْتَقَدُهُ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ
الَّذِي يَطْلُبُ ذَلِكَ عَاقًّا إذَا كَانَ مُعْتَقَدُهُ الْوَجْهَ
الْأَوَّلَ ، فَإِنْ اعْتَقَدَ الْمَنْعَ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ كَانَ كَمَا
لَوْ طَلَبَ حَبْسَ مَنْ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ
لِإِعْسَارٍ وَنَحْوِهِ ، فَإِذَا حَبَسَهُ الْوَلَدُ وَاعْتِقَادُهُ
الْمَنْعُ كَانَ عَاقًّا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِ
وَالِدَيْهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ كَانَ
حَرَامًا .
وَأَمَّا
مُجَرَّدُ الشَّكْوَى الْجَائِزَةِ وَالطَّلَبِ الْجَائِزِ فَلَيْسَ مِنْ
الْعُقُوقِ فِي شَيْءٍ ، وَقَدْ جَاءَ وَلَدُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو مِنْ وَالِدِهِ فِي
اجْتِيَاحِ مَالِهِ وَحَضَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عُقُوقًا وَلَا عَنَّفَ الْوَلَدَ
بِسَبَبِ الشَّكْوَى الْمَذْكُورَةِ .
وَأَمَّا إذَا نَهَرَ الْوَلَدُ
أَحَدَ وَالِدَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ غَيْرِ وَالِدَيْهِ
وَكَانَ مُحَرَّمًا كَانَ فِي حَقِّ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ كَبِيرَةً ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا ، وَكَذَا أُفٍّ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ
صَغِيرَةً فِي حَقِّ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ
عَنْهُمَا وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْكَبَائِرِ ،
وَقَوْلُنَا أَنْ يُخَالِفَ أَمْرَهُ أَوْ نَهْيَهُ فِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ
الْخَوْفُ عَلَى الْوَلَدِ إلَخْ .
أَرَدْنَا بِهِ السَّفَرَ
لِلْجِهَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ الْخَطِرَةِ لِمَا يَخَافُ مِنْ
فَوَاتِ نَفْسِ الْوَلَدِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لِشِدَّةِ
تَفَجُّعِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ .
وَقَدْ
ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ { فِي الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ يَسْتَأْذِنُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَحَيٌّ وَالِدَاك
؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : { أَقْبَلَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ
وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ فَقَالَ : فَهَلْ مِنْ
وَالِدَيْك أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ بَلْ كِلَاهُمَا حَيٌّ قَالَ
فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ فَارْجِعْ
إلَى وَالِدَيْك فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا } وَفِي رِوَايَةٍ : { جِئْت
أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْت أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ