كتاب : الزواجر عن اقتراف الكبائر
المؤلف : أحمد بن محمد بن حجر المكي الهيتمي
إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا
وَلَكِنَّهُمْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ
وَافِرٍ } .
زَادَ الْبَيْهَقِيُّ : { وَمَوْتُ الْعَالِمِ مُصِيبَةٌ لَا تُجْبَرُ وَثُلْمَةٌ لَا تُسَدُّ وَهُوَ نَجْمٌ طُمِسَ .
مَوْتُ قَبِيلَةٍ أَيْسَرُ مِنْ مَوْتِ عَالِمٍ .
نَضَّرَ
اللَّهُ امْرَأً - أَيْ رَزَقَهُ النَّضَارَةَ وَهِيَ النِّعْمَةُ
وَالْبَهْجَةُ وَالْحُسْنُ - سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا
كَمَا سَمِعَهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ ،
وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ مِنْهُ .
ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ
عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ : إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ
وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ لَا
تُحْبَطُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { تَحْفَظُ مَنْ وَرَاءَهُمْ .
وَمَنْ
كَانَتْ الدُّنْيَا نِيَّتَهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ
فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا
كُتِبَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ
أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ
رَاغِمَةٌ .
مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ أَوْ قَالَ عَامِلِهِ .
الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ وَاَللَّهُ يُحِبُّ إغَاثَةَ اللَّهْفَانِ .
مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ .
لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا } .
(
الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : تَعَمُّدُ
الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَوْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ تَعَالَى : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ
تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ } قَالَ
الْحَسَنُ : هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنْ شِئْنَا فَعَلْنَا ، وَإِنْ
شِئْنَا لَمْ نَفْعَلْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ
كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ بَلَغَتْ التَّوَاتُرَ ، عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ
وَاقِعٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكْذِبْ عَلَيْهِ فَوَاضِحٌ ،
وَإِلَّا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ بِهِ .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ } .
وَأَيْضًا
{ إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ
عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَمَنْ خُلَفَاؤُك ؟ قَالَ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يَرْوُونَ
أَحَادِيثِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ } وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ
وَاثِلَةَ : { إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ
عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ : { مَا
مِنْ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ يَتَعَاطَوْنَهُ
بَيْنَهُمْ إلَّا كَانُوا أَضْيَافًا لِلَّهِ ، وَإِلَّا حَفَّتْهُمْ
الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يَقُومُوا أَوْ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ،
وَمَا مِنْ عَالِمٍ يَخْرُجُ فِي طَلَبِ عِلْمٍ مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ
أَوْ يَنْسَخَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَدْرُسَ إلَّا كَانَ كَالْغَادِي
الرَّائِحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ
يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ } .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ
كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ : { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا
مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ - أَيْ وَهِيَ
الْوَقْفُ - أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ - أَيْ مُسْلِمٍ - يَدْعُو لَهُ } .
وَكَالْأَحَادِيثِ
فِيمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِمَنْ
نَسَخَ عِلْمًا نَافِعًا ، وَهِيَ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ
مَنْ قَرَأَهُ أَوْ نَسَخَهُ أَوْ عَمِلَ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ مَا بَقِيَ
خَطُّهُ وَالْعَمَلُ بِهِ ، وَإِنْذَارٌ عَظِيمٌ لِمَنْ نَسَخَ عِلْمًا
فِيهِ إثْمٌ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ وِزْرَهُ وَوِزْرَ مَنْ قَرَأَهُ أَوْ
نَسَخَهُ أَوْ عَمِلَ بِهِ بَعْدَهُ مَا بَقِيَ خَطُّهُ وَالْعَمَلُ بِهِ .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ،
بَلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ : إنَّ الْكَذِبَ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ .
وَقَالَ
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ
إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كُفْرٌ يُخْرِجُ عَنْ
الْمِلَّةِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ
، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِمَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ .
وَقَالَ
الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : جَاءَ الْوَعِيدُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ
بِأَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِنْ النَّارِ .
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّهَا بَلَغَتْ حَدَّ
التَّوَاتُرِ : قَالَ الْبَزَّارُ : رَوَاهُ مَرْفُوعًا نَحْوُ
أَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا .
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : إنَّهُ حَدِيثٌ
بَلَغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ ، رَوَاهُ الْجَمُّ الْكَثِيرُ مِنْ
الصَّحَابَةِ ، قِيلَ إنَّهُمْ يَبْلُغُونَ ثَمَانِينَ نَفْسًا ، وَجَمَعَ
الْحَافِظُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ ضَخْمٍ ، قِيلَ : رُوَاتُهُ فَوْقَ
سَبْعِينَ صَحَابِيًّا ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ رَوَاهُ
الْعَشَرَةَ إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَبَلَغَ بِهِمْ
الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ سَبْعَةً وَثَمَانِينَ مِنْهُمْ
الْعَشَرَةُ .
( الْكَبِيرَةُ الْخَمْسُونَ : مَنْ سَنَّ سُنَّةً
سَيِّئَةً ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : { كُنَّا فِي صَدْرِ النَّهَارِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ قَوْمٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي
النِّمَارِ - أَيْ لَابِسِيهَا - قَدْ خَرَقُوهَا فِي رُءُوسِهِمْ مِنْ
الْجَوْبِ وَهُوَ الْقَطْعُ - جَمْعُ نَمِرَةٍ وَهِيَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ
مُخَطَّطٍ - أَوْ الْعَبَاءِ مُقَلِّدِي السُّيُوفِ ، عَامَّتُهُمْ مِنْ
مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ - أَيْ بِتَشْدِيدِ
الْمُهْمَلَةِ - تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ
ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ
خَطَبَ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
} وَالْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }
تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ
صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ : وَلَوْ بِشِقِّ
تَمْرَةٍ .
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ
كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ
حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْت وَجْهَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهَلَّلَ كَأَنَّهُ
مُدْهُنَةٌ - أَيْ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَضَمِّ الْهَاءِ ، أَوْ
الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ :
أَيْ كَأَنَّهُ وَرَقَةٌ مَطْلِيَّةٌ بِذَهَبٍ ، وَكِلَاهُمَا كِنَايَةٌ
عَنْ ظُهُورِ الْبِشْرِ وَالْإِشْرَاقِ مِنْ شِدَّةِ السُّرُورِ - فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي
الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ
بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ
شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ
وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ
أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { مَنْ سَنَّ خَيْرًا
فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ
غَيْرَ مُتَنَقِّصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ شَرًّا
فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ مَنْ تَبِعَهُ غَيْرَ
مُتَنَقِّصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا
لَا بَأْسَ بِهِ : { مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا مَا
عُمِلَ بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ حَتَّى تُتْرَكَ .
وَمَنْ
سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ إثْمُهَا حَتَّى تُتْرَكَ ، وَمَنْ
مَاتَ مُرَابِطًا جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُرَابِطِ حَتَّى يُبْعَثَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
فِي أُخْرَى سَنَدُهَا حَسَنٌ عَنْ التِّرْمِذِيِّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ وَاهِيًا .
وَأُجِيبَ
بِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ : { مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ
أُمِيتَتْ بَعْدِي كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ مَنْ عَمِلَ بِهَا
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ ابْتَدَعَ
بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَانَ عَلَيْهِ
مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ
النَّاسِ شَيْئًا } .
وَصَحَّ : { مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو لِشَيْءٍ
إلَّا وَقَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَازِمًا لِدَعْوَتِهِ مَا دَعَا
إلَيْهِ ، وَإِنْ دَعَا رَجُلٌ رَجُلًا } .
وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ
بِسَنَدٍ فِيهِ لِينٌ : { إنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ ، وَلِتِلْكَ
الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا
لِلْخَيْرِ مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ
مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ
هَذَا كَبِيرَةً هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُضَاعَفَةُ تِلْكَ الْآثَامِ ،
وَذَلِكَ لِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ الْمُضَاعَفَةَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي
يَعْجِزُ عَنْهَا الْحِسَابُ .
فَإِنْ قُلْت : إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ
الَّتِي سَنَّهَا كَبِيرَةً فَعَدُّهَا غَيْرُ صَحِيحٍ ، أَوْ غَيْرَ كَبِيرَةٍ فَعَدُّهَا مُشْكِلٌ .
قُلْت
: بَلْ الْوَجْهُ حَمْلُ عَدِّهَا كَبِيرَةً ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ
ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا سَنَّ صَغِيرَةً وَلَا إشْكَالَ فِيهِ ،
لِأَنَّهُ لَمَّا سَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَاقْتَدَى بِهِ فِيهَا فَحُشَتْ
وَتَضَاعَفَ عِقَابُهَا فَصَارَتْ بِذَلِكَ كَالْكَبِيرَةِ ، بَلْ
وَأَعْظَمَ بِكَثِيرٍ إذْ الْكَبِيرَةُ يَنْقَطِعُ إثْمُهَا بِالْفِرَاعِ
مِنْهَا وَهَذِهِ إثْمُهَا مُتَضَاعِفٌ مُسْتَمِرٌّ وَشَتَّانَ مَا
بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ رَأَيْتُ جَمْعًا عَدُّوا مِنْ الْكَبَائِرِ
الْإِحْدَاثَ بِالدِّينِ وَاسْتَدَلُّوا بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ : {
لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا } .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ :
وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَدَثِ نَفْسِهِ ، فَكُلَّمَا كَانَ
أَكْبَرَ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ أَعْظَمَ .
قَالَ الذَّهَبِيُّ : وَمِنْهُ { مَنْ دَعَا لِضَلَالَةٍ أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً } .
انْتَهَى ، وَفِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِمَا ذَكَرْته .
(
الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ : تَرْكُ السُّنَّةِ ) أَخْرَجَ
الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ
حُجَّةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الصَّلَاةُ
الْمَكْتُوبَةُ إلَى الَّتِي بَعْدَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ،
وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ
لَمَّا بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ :
الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ وَتَرْكِ السُّنَّةِ ،
قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا الْإِشْرَاكُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ
فَمَا نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ ؟ قَالَ : أَمَّا نَكْثُ
الصَّفْقَةِ أَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِك ثُمَّ تُخَالِفَ إلَيْهِ
فَتَقْتُلَهُ بِسَيْفِك ، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ : فَالْخُرُوجُ مِنْ
الْجَمَاعَةِ } .
قَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .
وَيُعَضِّدُهُ
رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد : { مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ
شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ } .
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ اتِّبَاعُ الْبِدَعِ عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ .
وَصَحَّ أَيْضًا : { لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا } .
وَأَيْضًا
: { سِتَّةٌ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابِ الدَّعْوَةِ :
الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَالْمُكَذِّبُ
بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَالْمُتَسَلِّطُ عَلَى أُمَّتِي بِالْجَبَرُوتِ
لِيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّهُ اللَّهُ وَيُعِزَّ مَنْ أَذَلَّهُ اللَّهُ ،
وَالْمُسْتَحِلُّ حُرْمَةَ اللَّهِ ، وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا
حَرَّمَ اللَّهُ ، وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي } .
وَصَحَّ أَيْضًا : { مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } .
وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ : { مَا مِنْ أُمَّةٍ ابْتَدَعَتْ بَعْدَ نَبِيِّهَا فِي
دِينِهَا بِدْعَةً إلَّا أَضَاعَتْ مِثْلَهَا مِنْ السُّنَّةِ } .
وَهُوَ
وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : { مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ مِنْ إلَهٍ
يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى يُتَّبَعُ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ
هَذَا
كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الصَّلَاحُ
الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ ، وَالْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ
وَغَيْرُهُمَا .
وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ فِي تَعْدَادِ الْكَبَائِرِ :
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ الْبِدْعَةُ وَهِيَ الْمُرَادُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ
انْتَهَى .
وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا عَلَيْهِ إمَامَا أَهْلِ
السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ
وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ ، وَالْبِدْعَةُ مَا عَلَيْهِ
فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِاعْتِقَادِ
هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ وَجَمِيعِ أَتْبَاعِهِمَا .
وَصَحَّ فِي
تَقْرِيعِ الْمُبْتَدِعَةِ أَحَادِيثُ : مِنْهَا : " مَنْ أَحْدَثَ فِي
أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ .
أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، { وَشَرَّ الْأُمُورِ
مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ .
إنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ ، وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى .
إيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ ضَلَالَةٌ .
إنَّ اللَّهَ حَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ : { أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ } .
وَفِي
أُخْرَى لَهُ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلَا
حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا
يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ .
لَقَدْ تُرِكْتُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إلَّا هَالِكٌ .
لِكُلِّ
عَمَلٍ شِرَّةٌ - أَيْ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ فَشَدَّةٍ لِلرَّاءِ
فَتَاءِ تَأْنِيثٍ : نَشَاطٌ وَهِمَّةٌ - وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ،
فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إلَى سُنَنِي فَقَدْ اهْتَدَى ، وَمَنْ كَانَتْ
شِرَّتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ .
إنِّي أَخَافُ عَلَى
أُمَّتِي مِنْ ثَلَاثٍ : مِنْ زَلَّةِ عَالِمٍ ، وَهَوًى مُتَّبَعٍ ،
وَحَكَمٍ جَائِرٍ } وَهَذَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ
بِسَنَدِهِ فِي مَوَاضِعَ وَصَحَّحَهُ فِي مَوَاضِعَ .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ وَاهِيًا لَكِنْ احْتَجَّ بِهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ .
وَصَحَّ
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى قَصَّاصٍ فَقَالَ لَهُ :
لَقَدْ ابْتَدَعْتَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ ، أَوْ إنَّك لَأَهْدَى مِنْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ .
، ،
فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، وَهُوَ
مَحْمُولٌ أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ فِي قَصَصِهِ مَا ابْتَدَعَهُ جَهَلَةُ
الْقُصَّاصِ مِنْ ذِكْرِ الْأَكَاذِيبِ وَالْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْقَصَصُ عَلَى مَا يَنْبَغِي - بِأَنْ
يُذَكِّرَهُمْ بِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَيُعَرِّفَهُمْ مَا يَنْبَغِي أَوْ
يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ تَعَلُّمُهُ - فَهَذَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ
وَأَجَلِّ الْمَقَامَاتِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ
وَالْخَمْسُونَ : التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ ) أَيْ بِأَنَّ اللَّهَ
يُقَدِّرُ عَلَى عَبْدِهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ كَمَا زَعَمَهُ
الْمُعْتَزِلَةُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ
الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ - تَبَارَكَ
وَتَعَالَى - فَهُمْ يُنْكِرُونَ الْقَدَرَ فَسُمُّوا قَدَرِيَّةً
لِذَلِكَ ، وَزَعْمُهُمْ أَنَّ الْأَحَقَّ بِهَذَا الِاسْمِ هُمْ
الْمُثْبِتُونَ نِسْبَةَ الْقَدَرِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - يَرُدُّهُ
صَرِيحُ مَا يَأْتِي مِنْ الْأَحَادِيثِ وَعَنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ - ، وَالْحُجَّةُ لَيْسَتْ إلَّا فِي ذَلِكَ دُونَ
الْعُقُولِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي اسْتَنَدُوا إلَيْهَا وَتَرْكِ
النُّصُوصِ عَلَى عَادَاتِهِمْ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ مِنْ تَرْكِهِمْ
صَرَائِحَ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ لِمُجَرَّدِ خَيَالٍ تَخَيَّلَتْهُ
عُقُولُهُمْ كَإِنْكَارِهِمْ سُؤَالَ الْمَلَكَيْنِ ، وَعَذَابَ الْقَبْرِ
، وَالصِّرَاطَ ، وَالْمِيزَانَ ، وَالْحَوْضَ ، وَرُؤْيَةَ اللَّهِ
تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِالْبَصَرِ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا
صَحَّتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ بَلْ تَوَاتَرَتْ مِنْ غَيْرِ رَيْبٍ وَلَا
مِرْيَةٍ ، فَقَبَّحَهُمْ اللَّهُ مَا أَخْذَلَهُمْ وَأَسْفَهَهُمْ
وَأَجْهَلَهُمْ بِالسُّنَّةِ وَبِنَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّذِي نَطَقَ بِهَا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَا يَنْطِقُ
عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى } وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ
فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ قَوْله تَعَالَى { إنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
الْقَدَرِيَّةِ .
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ : أَنَّ
سَبَبَ نُزُولِهَا : أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاصِمُونَهُ فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَ
: { إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي
النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } فَالْقَدَرِيَّةُ هُمْ الْمُجْرِمُونَ الَّذِينَ
ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ
كَالْمُعْتَزِلَةِ
، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ
وَجْهٍ ، وَفِيهَا قَالَ آخَرُ : { أَنَّ أُسْقُفَ نَجْرَانَ جَاءَ إلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : تَزْعُمُ يَا
مُحَمَّدُ أَنَّ الْمَعَاصِيَ بِقَدَرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْتُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ فَنَزَلَ
: { إنَّ الْمُجْرِمِينَ } إلَخْ } .
وَصَحَّ : { كَتَبَ اللَّهُ
مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } الْحَدِيثَ ، وَسَيَأْتِي .
وَقَالَ
طَاوُسٌ : أَدْرَكْت مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرِ
اللَّهِ ، وَسَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ
حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوْ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ } .
وَعَنْ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ عَبْدٌ حَتَّى
يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ : يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ، وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ
الْمَوْتِ ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : " خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " وَحَدِيثُ : { كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ .
وَأَخْرَجَ
ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { سِتَّةٌ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابِ
الدَّعْوَةِ : الْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَالزَّائِدُ فِي كِتَابِ
اللَّهِ ، وَالْمُتَسَلِّطُ بِالْجَبَرُوتِ لِيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّهُ
اللَّهُ ، وَالْمُسْتَحِلُّ حُرْمَةَ اللَّهِ ، وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ
عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي } .
قَالَ
بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : اعْلَمْ أَنَّ الْجَبْرِيَّ يَقُولُ :
الْقَدَرِيُّ مَنْ يَقُولُ : الطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِي فَهُوَ
يُنْكِرُ الْقَدَرَ ، وَالْمُعْتَزِلِيُّ يَقُولُ الْجَبْرِيُّ قَدَرِيٌّ
لِأَنَّهُ
يَقُولُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ
فَهُوَ مُثْبِتٌ لِلْقَدَرِ ، وَالْفَرِيقَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ
السُّنِّيَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْأَفْعَالَ بِخَلْقِ اللَّهِ وَكَسْبٍ
مِنْ الْعَبْدِ لَيْسَ بِقَدَرِيٍّ انْتَهَى .
وَفِيهِ ؛ إنْ صَحَّ
رَدٌّ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ الْحَامِلِ رَايَةَ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى
النَّارِ فِي زَعْمِهِ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ هُمْ أَهْلُ
السُّنَّةِ وَكَذَبَ فِي ذَلِكَ وَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ وَعَلَى
رَسُولِهِ وَعَلَى الصَّحَابَةِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ خُبْثُ
عَقِيدَتِهِ وَفَسَادُ طَوِيَّتِهِ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ
{ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً } {
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } { أَمْ
يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ
آتَيْنَا آلَ إبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ
مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ
عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } .
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ :
وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَدَرِيَّ هُوَ الَّذِي يُنْكِرُ الْقَدَرَ
وَيَنْسُبُ الْحَوَادِثَ لِاتِّصَالَاتٍ بِالْكَوَاكِبِ ، لِمَا رُوِيَ
أَنَّ قُرَيْشًا تَخَاصَمُوا فِي الْقَدَرِ .
وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ
اللَّهَ مَكَّنَ الْعَبْدَ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ ، وَهُوَ
قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يُطْعِمَ
الْفَقِيرَ ، وَلِهَذَا قَالُوا : { أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ
أَطْعَمَهُ ؟ } مُنْكِرِينَ لِقُدْرَتِهِ - تَعَالَى - عَلَى الْإِطْعَامِ
.
وَأَمَّا قَوْلُهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ } .
فَإِنْ
أُرِيدَ بِالْأُمَّةِ أُمَّةُ الدَّعْوَى فَالْقَدَرِيَّةُ فِي زَمَانِهِ
هُمْ الْمُشْرِكُونَ الْمُنْكِرُونَ قُدْرَتَهُ تَعَالَى عَلَى
الْحَوَادِثِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُعْتَزِلَةُ ، أَوْ أُمَّةُ
الْإِجَابَةِ ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ الْقَدَرِيَّةِ إلَيْهِمْ
كَنِسْبَةِ
الْمَجُوسِ إلَى الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَضْعَفُ
الْأُمَمِ شُبْهَةً وَأَشَدُّهُمْ مُخَالَفَةً لِلْعَقْلِ ، وَكَذَا
الْقَدَرِيَّةُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَكَوْنُهُمْ كَذَلِكَ لَا
يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِكُفْرِهِمْ ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْقَدَرِيَّ هُوَ
الَّذِي يُنْكِرُ قُدْرَةَ اللَّه تَعَالَى انْتَهَى .
وقَوْله
تَعَالَى ( كُلَّ ) مَنْصُوبٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَقُرِئَ شَاذًّا
بِالرَّفْعِ ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُوهِمُ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ
السُّنَّةِ إذْ ( كُلَّ ) مُبْتَدَأٌ وَ ( خَلَقْنَاهُ ) صِفَتُهُ أَوْ
صِفَةُ : شَيْءٍ ، وَبِقَدَرٍ خَبَرُهُ أَيْ كُلُّ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ
بِالْخَلْقِ هُوَ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ فِي مَاهِيَّتِهِ وَزَمَانِهِ
وَحِينَئِذٍ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ الشَّيْءَ الْغَيْرَ الْمَخْلُوقِ
لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِقَدَرٍ ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَذْهَبِ
الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ ثَمَّ مَخْلُوقَاتٍ لِغَيْرِ اللَّهِ -
تَعَالَى - كَالْإِنْسَانِ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ بِخِلَافِ
قِرَاءَةِ النَّصْبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ عُمُومَ
خَلْقِهِ تَعَالَى لِكُلِّ شَيْءٍ .
إذْ التَّقْدِيرُ إنَّا خَلَقْنَا
كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ : فَخَلَقْنَاهُ الثَّانِيَةُ تَفْسِيرٌ
وَتَأْكِيدٌ لِخَلَقْنَا الْأُولَى لَا صِفَةٌ لِشَيْءٍ ، لِأَنَّ
الصِّفَةَ لَا تَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَ الْمَوْصُوفِ فَيَضِيعُ نَصْبُ
كُلٍّ فَتَعَيَّنَ أَنَّ نَاصِبَهُ مُضْمَرٌ ، وَأَنَّ خَلَقْنَاهُ
الْمَذْكُورَ تَأْكِيدٌ وَتَفْسِيرٌ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَالتَّأْكِيدُ
فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ ، فَكُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ
شُمُولِ الْخَلْقِ لَهُ ، وَبِقَدَرٍ حَالٌ : أَيْ إنَّا خَلَقْنَا كُلَّ
شَيْءٍ حَالَ كَوْنِهِ مُلْتَبِسًا بِتَقْدِيرِنَا لَهُ أَوْ بِمِقْدَارٍ
فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَذْهَبِ أَهْلِ
السُّنَّةِ .
فَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي حَقِّيَّةِ مَذْهَبِهِمْ
وَبُطْلَانِ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَلَمْ يَشْتَدَّ تَعَصُّبُ
الزَّمَخْشَرِيِّ لَهُمْ هُنَا كَعَادَتِهِ لِضَعْفِ وَجْهِ الرَّفْعِ
خِلَافًا لِقَوْمٍ زَعَمُوا أَنَّهُ الِاخْتِيَارُ صِنَاعَةً ، بَلْ
زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْوَجْهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، وَلَيْسَ
كَمَا زُعِمَ لِأَنَّ إنَّا عِنْدَهُمْ تَطْلُبُ الْفِعْلَ ، فَكَانَ النَّصْبُ هُوَ الِاخْتِيَارَ صِنَاعَةً أَيْضًا .
وَلَك
أَنْ تَقُولَ وَلَوْ سَلَّمْنَا قِرَاءَةَ الرَّفْعِ هُنَا لَا دَلَالَةَ
فِيهَا لِلْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ خَلَقْنَاهُ كَمَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ
يَحْتَمِلُ الْخَبَرِيَّةَ لِكُلٍّ وَهُمَا خَبَرَانِ فَأَفَادَتْ مَا
يُفِيدُهُ النَّصْبُ مِنْ الْعُمُومِ ، وَإِذَا احْتَمَلَتْ الْعُمُومَ
وَغَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ؛ وَعَلَى التَّنَزُّلِ
وَأَنَّهُ صِفَةٌ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُفْهَمُ مَا يُمْكِنُ
حَمْلُهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، إذْ لَنَا
شَيْءٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ هُوَ ذَاتُ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ،
فَهَذَا هُوَ مَفْهُومُ الْآيَةِ ، فَأَيُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ
تُفْهِمُ غَيْرَ هَذَا ، عَلَى أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ ضَعِيفَةٌ
جِدًّا لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي حُجِّيَّتِهَا فِي الظَّنِّيَّاتِ فَمَا
بَالُك بِهَا فِي الْقَطْعِيَّاتِ ، وَمِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ
الْعَرَبِيَّةِ الدَّلَالَةُ عَلَى جَلَالَتِهِ ، وَإِفْهَامِهِ
الْمَعَانِيَ الْغَامِضَةَ ، الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ هُنَا
وَبِالرَّفْعِ وَحْدَهُ فِيمَا يَلِيهِ ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ
فِي الزُّبُرِ إذْ لَوْ نُصِبَ لَفَسَدَ الْمَعْنَى إذْ التَّقْدِيرُ
فَعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ فِي الزُّبُرِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ .
إذْ
فِيهِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ تَفْعَلُوهَا ، وَأَمَّا الرَّفْعُ
فَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِمْ فَعَلُوهُ ثَابِتٌ
فِي الزُّبُرِ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَاقِعٌ .
قَالَ أَهْلُ
السُّنَّةِ : قَدَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْأَشْيَاءَ : أَيْ عَلِمَ
مَقَادِيرَهَا وَأَحْوَالَهَا وَأَزْمَانَهَا وَسَائِرَ مَا سَتُوجَدُ
عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِهَا ثُمَّ أَوْجَدَ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي
عِلْمِهِ عَلَى مَا فِي عِلْمِهِ فَلَا يَحْدُثُ شَيْءٌ فِي الْعَالَمِ
الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ إلَّا وَهُوَ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ
وَقُدْرَتِهِ ، وَإِرَادَتِهِ فَقَطْ ، وَلَيْسَ لِلْخَلْقِ فِي تِلْكَ
الْأَنْوَاعِ اكْتِسَابٌ وَمُحَاوَلَةٌ وَنِسْبَةٌ مَا ، وَإِضَافَةٌ ،
وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ
بِتَيْسِيرِ اللَّهِ
وَقُدْرَتِهِ ، وَإِلْهَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَا خَالِقَ
غَيْرُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، لَا كَمَا
افْتَرَاهُ الْقَدَرِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَالَ إلَيْنَا
وَالْآجَالَ بِيَدِ غَيْرِنَا .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ : { وَلَمَّا
قِيلَ يَا مُحَمَّدُ يَكْتُبُ عَلَيْنَا الذَّنْبَ وَيُعَذِّبُنَا بِهِ ؟
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ مَجُوسَ هَذِهِ
الْأُمَّةِ الْمُكَذِّبُونَ بِقَدَرِ اللَّهِ إنْ مَرِضُوا فَلَا
تَعُودُوهُمْ ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ ، وَإِنْ
لَقِيتُمُوهُمْ فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ } .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { صِنْفَانِ مِنْ
أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ : أَهْلُ الْإِرْجَاءِ
وَالْقَدَرِ } ، وَسَتَأْتِي بَقِيَّةُ طُرُقِهِ ، وَالْأَوَّلُ هُمْ
الْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ
كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ ؛ وَسُمِّيَتْ الْقَدَرِيَّةُ
خُصَمَاءَ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يُخَاصِمُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ
يُقَدِّرَ الْمَعْصِيَةَ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يُعَذِّبَهُ عَلَيْهَا .
وَعَنْ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا جَمَعَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي نِدَاءً يَسْمَعُهُ
الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ : أَيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ فَتُقَدَّمُ
الْقَدَرِيَّةُ فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إلَى النَّارِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى
: { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } } .
رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ : { إذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَلَا لِيَقُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ وَهُمْ
الْقَدَرِيَّةُ } ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحَسَنُ : وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ
قَدَرِيًّا صَامَ حَتَّى صَارَ كَالْحَبْلِ ثُمَّ صَلَّى حَتَّى
صَارَ
كَالْوَتَدِ لَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي سَقَرَ ثُمَّ قِيلَ
لَهُ : ذُقْ مَسَّ سَقَرَ إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } أَيْ
خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ ، أَوْ وَخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ
بِأَيْدِيكُمْ ، فَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ
كُلَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَقَالَ تَعَالَى :
{ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } وَالْإِلْهَامُ : إيقَاعُ
الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ فَهُوَ - تَعَالَى - الْمُوقِعُ لِإِلْهَامِ
الْفُجُورِ وَالتَّقْوَى فَهُوَ الْخَالِقُ لَهُمَا ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : أَلْزَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا .
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ جَعَلَ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِهِ إيَّاهَا لِلتَّقْوَى وَخِذْلَانِهِ إيَّاهَا لِلْفُجُورِ .
وَفِي
الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَى قَوْمٍ فَأَلْهَمَهُمْ
الْخَيْرَ وَأَدْخَلَهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ، وَابْتَلَى قَوْمًا
فَخَذَلَهُمْ وَذَمَّهُمْ عَلَى أَفْعَالِهِمْ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا
غَيْرَ مَا ابْتَلَاهُمْ فَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ عَادِلٌ { لَا يُسْأَلُ
عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } } وَسَتَأْتِي أَحَادِيثُ
بِمَعْنَاهُ وَأَكْثَرِ لَفْظِهِ ، وَقَالَ تَعَالَى : { فَمَنْ يُرِدْ
اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ
أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا } وَهَذِهِ الْآيَةُ
كَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَقْوَى الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ضَلَالَةِ
الْقَدَرِيَّةِ وَانْحِرَافِهِمْ عَنْ سَبِيلِ الِاسْتِقَامَةِ .
وَعَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ
إلَّا وَفِي أُمَّتِهِ قَدَرِيَّةٌ وَمُرْجِئَةٌ ، إنَّ اللَّهَ لَعَنَ
الْقَدَرِيَّةَ وَالْمُرْجِئَةَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا } .
وَعَنْ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ ،
وَمَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ } .
قَالَ
: فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ
وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ
لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ مَا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ
خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ
جِبْرِيلَ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ، وَفِيهِ : { إنَّهُ قَالَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ
: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ } .
وَوَرَدَ
فِي الْقَدَرِ أَحَادِيثُ كُثْرٌ غَيْرُ مَا مَرَّ أَحْبَبْت ذِكْرَ
أَكْثَرِهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا وَعُمُومِ عَائِدَتِهَا .
مِنْهَا :
أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ : { مَنْ كَذَّبَ بِالْقَدَرِ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا
جِئْت بِهِ } وَأَبُو يَعْلَى : { مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْقَدَرِ
خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ } .
وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ : { لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ
حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ : يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ، وَيُؤْمِنُ بِالْمَوْتِ
، وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ : { مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَيُؤْمِنْ
بِقَدَرِ اللَّهِ فَلْيَلْتَمِسْ إلَهًا غَيْرَ اللَّهِ } .
وَأَيْضًا
{ الْقَدَرُ نِظَامُ التَّوْحِيدِ فَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَآمَنَ
بِالْقَدَرِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } .
وَأَيْضًا : { فَرَغَ إلَيَّ ابْنُ آدَمَ مِنْ أَرْبَعٍ : الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ وَالرِّزْقِ وَالْأَجَلِ } .
وَأَيْضًا : { إذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزِيغَ عَبْدًا أَعْمَى عَلَيْهِ الْحِيَلَ } .
وَالْحَاكِمُ : { لَا يُغْنِي حَذَرٌ عَنْ قَدَرٍ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ، مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي وَقَدَرِي فَلْيَلْتَمِسْ رَبًّا غَيْرِي } .
وَابْنُ عَدِيٍّ وَالطَّبَرَانِيُّ : { خَلَقَ اللَّهُ يَحْيَى بْنَ
زَكَرِيَّا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مُؤْمِنًا ، وَخَلَقَ فِرْعَوْنَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَافِرًا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ : { السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ } .
وَأَحْمَدُ
وَالطَّبَرَانِيُّ : { فَرَغَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إلَى كُلِّ
عَبْدٍ مِنْ خَمْسٍ : مِنْ أَجَلِهِ وَرِزْقِهِ وَأَثَرِهِ وَمَضْجَعِهِ
وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { فَرَغَ اللَّهُ مِنْ
الْمَقَادِيرِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } .
وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ : { قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } .
وَمُسْلِمٌ :
{ كَتَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - مَقَادِيرَ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَعَرْشُهُ عَلَى
الْمَاءِ } .
وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ : { كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ } .
وَأَبُو
نُعَيْمٍ : { لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهْرُبُ
مِنْ الْمَوْتِ لَأَدْرَكَهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ } .
وَابْنُ
عَسَاكِرَ : { لَوْ دَعَا لَك إسْرَافِيلُ وَجَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلُ
وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَأَنَا فِيهِمْ مَا تَزَوَّجْتَ إلَّا الْمَرْأَةَ
الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَك } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ : { لَوْ قَضَى كَانَ } .
وَأَبُو
نُعَيْمٍ { لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِأَكْسَبَ مِنْ أَحَدٍ قَدْ كَتَبَ
اللَّهُ الْمُصِيبَةَ وَالْأَجَلَ ، وَقَسَمَ الْمَعِيشَةَ وَالْعَمَلَ
فَالنَّاسُ فِيهَا يَجْرُونَ إلَى مُنْتَهًى } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { مَا أَصَابَنِي شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا وَهُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيَّ وَآدَمُ فِي طِينَتِهِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَا تُكْثِرْ هَمَّك مَا يُقَدَّرُ يَكُونُ وَمَا تُرْزَقُ يَأْتِيك } .
وَالدَّيْلَمِيُّ
: { إذَا أَرَادَ اللَّهُ إنْفَاذَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ سَلَبَ ذَوِي
الْعُقُولِ عُقُولَهُمْ حَتَّى يَنْفُذَ فِيهِمْ قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ
فَإِذَا مَضَى أَمْرُهُ رَدَّ إلَيْهِمْ عُقُولَهُمْ وَوَقَعَتْ
النَّدَامَةُ } .
وَالْخَطِيبُ : { إذَا أَحَبَّ اللَّهُ إنْفَاذَ أَمْرٍ
سَلَبَ كُلَّ ذِي لُبٍّ لُبَّهُ } .
وَالسُّلَمِيُّ
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : { إذَا أَرَادَ
اللَّهُ إمْضَاءَ أَمْرٍ نَزَعَ عُقُولَ الرِّجَالِ حَتَّى يَمْضِيَ
أَمْرُهُ ، فَإِذَا أَمْضَاهُ رَدَّ إلَيْهِمْ عُقُولَهُمْ وَوَقَعَتْ
النَّدَامَةُ } .
وَمُسْلِمٌ : { إذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، اعْمَلُوا فَكُلٌّ
مُيَسَّرٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ ، مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ
لِوَاحِدَةٍ مِنْ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَفَّقَهُ لِعَمَلِهَا } .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ : { كُلُّ امْرِئٍ مُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد : { كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ
وَالدَّيْلَمِيُّ : { إنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَى قَوْمٍ فَأَلْهَمَهُمْ
الْخَيْرَ فَأَدْخَلَهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ، وَابْتَلَى قَوْمًا
فَخَذَلَهُمْ وَذَمَّهُمْ عَلَى فِعَالِهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ
يَرْحَلُوا عَمَّا ابْتَلَاهُمْ بِهِ فَعَذَّبَهُمْ وَذَلِكَ عَدْلُهُ
فِيهِمْ } .
وَأَحْمَدُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ عَنْهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ
مَسْعُودٍ : { لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وَأَهْلَ
أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ
لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ ، وَلَوْ
أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ مِنْك
حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ
لِيُخْطِئكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَلَوْ مِتَّ
عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ } .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ
وَالْأَرْبَعَةُ : { مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلَّا وَقَدْ كَتَبَ
اللَّهُ مَكَانَهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَإِلَّا وَقَدْ
كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ، قِيلَ : أَفَلَا نَتَّكِلُ ؟ قَالَ
لَا ، اعْمَلُوا وَلَا تَتَّكِلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ،
أَمَّا
أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا
أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ } .
وَابْنُ
مَاجَهْ : { مَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَدَرِ سُئِلَ عَنْهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ } .
وَأَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ : { الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ
إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ
عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ
أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ : أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا
، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ
تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { لَا يُؤْمِنُ
عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحَتَّى يَعْلَمَ
أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ
يَكُنْ لِيُصِيبَهُ } .
وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ } .
الْحَدِيثَ .
وَالْأَرْبَعَةُ
وَالْعُقَيْلِيُّ : { بُعِثْتُ دَاعِيًا وَمُبَلِّغًا وَلَيْسَ إلَيَّ
مِنْ الْهُدَى شَيْءٌ ، وَخُلِقَ إبْلِيسُ مُزَيِّنًا وَلَيْسَ لَهُ مِنْ
الضَّلَالِ شَيْءٌ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ : {
إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ
اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا
وَجِلْدَهَا وَشَحْمَهَا وَعَظْمَهَا ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ
أَمْ أُنْثَى ؟ فَيَقْضِي رَبُّك مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ
يَقُولُ يَا رَبِّ أَجَلُهُ ؟ فَيَقْضِي رَبُّك مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ
الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ رِزْقُهُ ؟ فَيَقْضِي رَبُّك مَا
شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ
فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يَنْقُصُ } .
وَمُسْلِمٌ عَنْهُ
أَيْضًا : { إنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
ثُمَّ يَتَصَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ الَّذِي يَخْلُقُهَا فَيَقُولُ :
يَا رَبِّ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى ؟ فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ ذَكَرًا أَوْ
أُنْثَى ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ سَوِيٌّ
أَمْ غَيْرُ سَوِيٍّ
فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ سَوِيًّا أَوْ غَيْرَ سَوِيٍّ ثُمَّ يَقُولُ : مَا
رِزْقُهُ وَمَا أَجَلُهُ ؟ ثُمَّ يَجْعَلُهُ اللَّهُ شَقِيًّا أَوْ
سَعِيدًا } .
وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ أَيْضًا : { يَدْخُلُ
الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ
بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَيَقُولُ : يَا رَبِّ مَاذَا أَشَقِيٌّ أَوْ
سَعِيدٌ ؛ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَكْتُبُ وَيَكْتُبُ
عَمَلَهُ وَأَثَرَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ ثُمَّ تُطْوَى الصَّحِيفَةُ
فَلَا يُزَادُ عَلَى مَا فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ } .
وَالشَّيْخَانِ
وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : { إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ
خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً
مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ
اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ، وَيُقَالُ
لَهُ : اُكْتُبْ عَمَلَهُ ، وَأَجَلَهُ ، وَرِزْقَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ
سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ
لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ
بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ
لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ
بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ } .
وَظَاهِرُ "
ثُمَّ " فِيهِ يُنَافِي مَا قَبْلَهُ ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى
الْوَاوِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجِنَّةِ ؛
فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسَلُ لَهُ الْمَلَكُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى
، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسَلُ لَهُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ .
وَأَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ
الْكِتَابَانِ ؟ هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ
أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ
عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ ، وَهَذَا كِتَابٌ
مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ
آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا .
سَدِّدُوا
وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ ، وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ
يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ .
فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنْ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } .
وَالْخَطِيبُ
: { أَحْسِنُوا فَإِنْ غُلِبْتُمْ فَكِتَابُ اللَّهِ - تَعَالَى -
وَقَدَرُهُ وَلَا تُدْخِلُوا اللَّوْ فَإِنَّ مَنْ أَدْخَلَ اللَّوْ
دَخَلَ عَلَيْهِ عَمَلُ الشَّيْطَانِ } .
وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ : { إنَّ اللَّهَ
تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ وَمَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ - أَيْ أَوْجَدَ
فِيهِ ذُرِّيَّةً مُلْتَبِسَةً بِقُدْرَتِهِ وَيُمْنِهِ وَبَرَكَتِهِ -
فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ
وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ
فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ
وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { إنَّ
اللَّهَ إذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
فَيَدْخُلَ بِهِ الْجَنَّةَ ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ
اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ
أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَ بِهِ النَّارَ } .
وَأَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ : { إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ
أَخَذَ الْخَلْقَ مِنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا
أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ ، وَلَا أُبَالِي } .
وَأَحْمَدُ
وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : {
احْتَجَّ آدَم وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى : أَنْتَ الَّذِي خَلَقَك اللَّهُ
بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَتَهُ
وَأَسْكَنَك جَنَّتَهُ أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنْ الْجَنَّةِ بِذَنْبِك
وَأَشْقَيْتَهُمْ ، قَالَ آدَم : يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاك
اللَّهُ
بِرِسَالَتِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْك التَّوْرَاةَ
أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ
يَخْلُقَنِي فَحَجَّ آدَم مُوسَى } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد :
{ إنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ آدَمَ فَأَرَاهُ إيَّاهُ
فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ أَبُونَا آدَم ؟ أَنْتَ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ
فِيك مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَك الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَأَمَرَ
الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَك ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا حَمَلَك
عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ لَهُ آدَم
: وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا مُوسَى قَالَ : أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي
إسْرَائِيلَ الَّذِي كَلَّمَك اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَمْ يَجْعَلْ
بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ :
فَمَا وَجَدْتَ أَنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟
قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَبِمَ تَلُومُنِي فِي شَيْءٍ سَبَقَ مِنْ
اللَّهِ فِيهِ الْقَضَاءُ ؟ قَالَ : فَحَجَّ آدَم مُوسَى } .
وَجَاءَ فِي الْقَدَرِيَّةِ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا مَرَّ .
يَتَعَيَّنُ
حَمْلُهُمْ عَلَى مَنْ مَرَّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ
وَتُنَزِّهُ أَهْلَ السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِ أُولَئِكَ الْمُبْتَدِعَةِ
الضُّلَّالِ : إنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ هُمْ الْقَدَرِيَّةُ .
مِنْهَا :
أَخْرَجَ أَحْمَدُ : { لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ ، وَمَجُوسُ أُمَّتِي
الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَرَ إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ ،
وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ } .
وَالشَّيْخَانِ
وَالنَّسَائِيُّ : { لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ وَمَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ
الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَرَ ، فَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ ،
وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ ، وَهُمْ شِيعَةُ الدَّجَّالِ وَحَقٌّ
عَلَى اللَّهِ أَنْ يَحْشُرَهُمْ مَعَهُ } وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ فِي
مُسْتَدْرَكِهِ : { سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُونَ
بِالْقَدَرِ } .
وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ ،
وَالْخَطِيبُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ : { صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمَا فِي
الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ : الْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ } .
وَأَبُو
نُعَيْمٍ عَنْ أَنَسٍ ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ وَاثِلَةَ
وَعَنْ جَابِرٍ : { صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَا تَنَالُهُمْ شَفَاعَتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ : { صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَا يَرِدَانِ
عَلَى الْحَوْضِ وَلَا يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ : الْقَدَرِيَّةُ
وَالْمُرْجِئَةُ } .
وَالْخَطِيبُ : { عَزَمْتُ عَلَى أَنْ لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الْقَدَرِ } .
وَابْنُ
عَدِيٍّ : { عَزَمْت عَلَى أَنْ لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الْقَدَرِ ، وَلَا
يَتَكَلَّمُ فِي الْقَدَرِ إلَّا شِرَارُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ }
.
وَالدَّارَقُطْنِيُّ : { لُعِنَتْ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا } .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ : { لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ } .
وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ ، وَابْنُ عَدِيٍّ : { اتَّقُوا الْقَدَرَ فَإِنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالْحَاكِمُ : { الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إنْ
مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ } .
وَأَبُو
يَعْلَى وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْخَطِيبُ : { أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ
بَعْدِي خَصْلَتَيْنِ : تَكْذِيبًا بِالْقَدَرِ وَتَصْدِيقًا بِالنُّجُومِ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ فِي
الْمُسْتَدْرَكِ : { آخِرُ الْكَلَامِ فِي الْقَدَرِ لِشِرَارِ أُمَّتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
تَنْبِيهٌ : عَدُّ مَا مَرَّ فِي
التَّرْجَمَةِ كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ ،
وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتهَا نَصٌّ فِيهِ وَهُوَ ، وَإِنْ كَانَ
دَاخِلًا فِي تَرْكِ السُّنَّةِ الَّذِي مَرَّ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، لَكِنْ
أُفْرِدَ هَذَا بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ قُبْحِهِ وَلِكَثْرَةِ وُقُوعِ
الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ ؛ إذْ مَسْأَلَةُ
خَلْقِ الْأَفْعَالِ مِنْ مُهِمَّاتِ مَسَائِلِ الْكَلَامِ ، وَمَنْ
أَدِلَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ فِيهَا عَلَى مَا زَعَمُوهُ افْتِرَاءً عَلَى
اللَّهِ ، وَإِعْرَاضًا عَنْ صَرَائِحِ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ
وَغَيْرِهَا ، وَعَنْ جَمِيعِ مَا مَرَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله تَعَالَى : { ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ
حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ
سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِك قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا مَا
أَصَابَك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَةٍ
فَمِنْ نَفْسِك وَأَرْسَلْنَاك لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاَللَّهِ
شَهِيدًا } .
قَالَ إمَامُهُمْ فِي الضَّلَالَةِ الْجُبَّائِيُّ : قَدْ
ثَبَتَ أَنَّ لَفْظَ السَّيِّئَةِ تَارَةً يَقَعُ عَلَى الْبَلِيَّةِ
وَالْمِحْنَةِ ، وَتَارَةً يَقَعُ عَلَى الذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ ،
ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ السَّيِّئَةَ إلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا ،
وَإِلَى الْعَبْدِ ثَانِيًا ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا
فَنَقُولُ : لَمَّا كَانَتْ السَّيِّئَةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ
مُضَافَةً إلَيْهِ تَعَالَى ؛ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي
مُضَافَةً إلَى الْعَبْدِ لِيَزُولَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ هَاتَيْنِ
الْآيَتَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ ، وَقَدْ حَمَلَ الْمُخَالِفُونَ
أَنْفُسَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ الْآيَةِ وَقَرَءُوا : أَفَمِنْ نَفْسِك
أَيْ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَغَيَّرُوا الْقُرْآنَ وَسَلَكُوا مِثْلَ
طَرِيقَةِ الرَّافِضَةِ فِي ادِّعَاءِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْقُرْآنِ .
فَإِنْ
قِيلَ : لِمَ أَضَافَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْحَسَنَةَ - الَّتِي هِيَ
الطَّاعَةُ - إلَى نَفْسِهِ دُونَ السَّيِّئَةِ وَكِلَاهُمَا فِعْلُ
الْعَبْدِ عِنْدَكُمْ ؟ .
قُلْنَا
: الْحَسَنَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا وَصَلَ
إلَيْهَا بِتَسْهِيلِهِ وَأَلْطَافِهِ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ ،
وَأَمَّا السَّيِّئَةُ فَهِيَ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهِ - تَعَالَى -
بِأَنَّهُ فَعَلَهَا وَلَا أَرَادَهَا وَلَا أَمَرَ بِهَا وَلَا رَغَّبَ
فِيهَا فَلَا جَرَمَ انْقَطَعَتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ إلَى اللَّهِ -
تَعَالَى - مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ .
انْتَهَى كَلَامُ الْجُبَّائِيِّ
الْمُنْبِئُ عَنْ قُصُورِ فَهْمِهِ وَفَسَادِ تَصَوُّرِهِ وَقِلَّةِ
عِلْمِهِ ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّيِّئَةِ وَالْحَسَنَةِ أَوَّلًا
وَثَانِيًا طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً ، بَلْ النِّعَمَ وَالْمِحَنَ
وَهُمَا لَيْسَا مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ
بِأَصَابَكَ ، إذْ لَا يُقَالُ فِي الطَّاعَةِ : الْمَعْصِيَةُ أَصَابَنِي
، بَلْ أَصَبْتُهُ بِخِلَافِ النِّعَمِ وَالْمِحَنِ فَإِنَّهَا الَّتِي
يُقَالُ : فِيهَا أَصَابَتْنِي ، وَالسِّيَاقُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ ، إذْ
سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ الْمُنَافِقُونَ الْيَهُودُ : مَا
زِلْنَا نَعْرِفُ النَّقْصَ فِي ثِمَارِنَا وَمَزَارِعِنَا مُنْذُ قَدِمَ
الرَّجُلُ وَأَصْحَابُهُ ، فَكَانُوا يَنْسِبُونَ النِّعَمَ إلَى اللَّهِ
وَالْمِحَنَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ بِمَقَالَتِهِمْ
الْفَاسِدَةِ ثُمَّ رَدَّهَا بِقَوْلِهِ : { قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ } مُبَيِّنًا لِمَصْدَرِهَا الْأَصْلِيِّ ، ثُمَّ بَيَّنَ
السَّبَبَ فَخَاطَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْمُرَادُ
غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَةٍ } أَيْ
نِعْمَةٍ كَخِصْبٍ وَنَصْرٍ { فَمِنْ اللَّهِ } أَيْ مِنْ مَحْضِ فَضْلِهِ
إذْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ عَلَيْهِ - تَعَالَى - شَيْئًا { وَمَا
أَصَابَك مِنْ سَيِّئَةٍ } أَيْ مِحْنَةٍ كَجَدْبٍ وَهَزِيمَةٍ { فَمِنْ
نَفْسِك } أَيْ مِنْ أَجْلِ عِصْيَانِهَا فَهِيَ مِنْ اللَّهِ لَكِنْ
بِسَبَبِ ذَنْبِ النَّفْسِ عُقُوبَةً لَهَا ، كَمَا قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ
} وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَرَأَ : وَمَا أَصَابَك مِنْ
سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِك وَأَنَا كَتَبْتُهَا عَلَيْك .
وَقَدْ قَالَ
إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا
وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } فَأَضَافَ
الْمَرَضَ لِنَفْسِهِ وَالشِّفَاءَ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَمْ
يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ - تَعَالَى - خَالِقًا لِلشِّفَاءِ
وَالْمَرَضِ ، وَإِنَّمَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا رِعَايَةً لِلْأَدَبِ ،
لِأَنَّهُ - تَعَالَى - إنَّمَا يُضَافُ إلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ
الشَّرِيفُ دُونَ الْخَسِيسِ ، فَيُقَالُ : يَا خَالِقَ الْخَلْقِ وَلَا
يُقَالُ : يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ، وَيُقَالُ : يَا
مُدَبِّرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا يُقَالُ : يَا مُدَبِّرَ
الْقَمْلِ وَالْخَنَافِسِ فَكَذَا هُنَا .
وَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا
الَّذِي قَرَّرْنَاهُ وَجَدْتَ نَظْمَ الْآيَةِ عَلَيْهِ عَلَى غَايَةٍ
مِنْ السَّبْكِ وَالِالْتِئَامِ وَالرَّصَانَةِ وَالْبَلَاغَةِ
اللَّائِقَةِ بِالْقُرْآنِ .
وَأَمَّا عَلَى مَا زَعَمُوهُ فَيَخْتَلُّ
النَّظْمُ وَيَتَغَيَّرُ الْأُسْلُوبُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَا دَاعٍ إلَّا
بِتَكْلِيفٍ تَامٍّ ، وَجَلَالَةُ الْقُرْآنِ تَأْبَى ذَلِكَ ، عَلَى
أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْإِصَابَةِ الْمُوَافِقَ لِلِاسْتِعْمَالِ
اللُّغَوِيِّ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ ، وَأَنَّ
الْمُرَادَ بِالسَّيِّئَةِ وَالْحَسَنَةِ مَا قَالُوهُ ، فَلَا دَلَالَةَ
لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بَلْ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِمْ
لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ حَصَلَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى
لِأَنَّهُ حَسَنَةٌ إذْ هِيَ الْغِبْطَةُ الْخَالِيَةُ عَنْ جَمِيعِ
جِهَاتِ الْقُبْحِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَسَنَةً ،
وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى : {
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إلَى اللَّهِ } كَلِمَةُ
الشَّهَادَةِ وَبِهَا فُسِّرَ الْإِحْسَانُ فِي قَوْله تَعَالَى : { إنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ } ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ
الْإِيمَانَ حَسَنَةٌ فَكُلُّ حَسَنَةٍ مِنْ اللَّهِ بِنَصِّ
الْآيَةِ
حَتَّى عَلَى مَا زَعَمُوهُ ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ
الْإِيمَانَ مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - كَمَا دَلَّتْ
عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ .
لَا يُقَالُ :
الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ { فَمِنْ اللَّهِ } أَنَّهُ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ
وَهَدَاهُ لِمَعْرِفَةِ حُسْنِهِ وَقُبْحِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ
.
لِأَنَّا نَقُولُ جَمِيعُ الشَّرَائِطِ مُشْتَرَكَةٌ بِالنِّسْبَةِ
إلَى الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ عِنْدَكُمْ ، فَالْعَبْدُ بِاخْتِيَارِ
نَفْسِهِ أَوْجَدَهُ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِقُدْرَةِ اللَّهِ ،
وَإِعَانَتِهِ عَلَى زَعْمِكُمْ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ عِنْدَكُمْ عَنْ
اللَّهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ، وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
{ مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ } فَبَانَ بُطْلَانُ مَا
ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ مِنْ الْآيَةِ وَأَنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ ، وَإِذَا
ثَبَتَ بِهَا أَنَّ الْإِيمَانَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَذَلِكَ
الْكُفْرُ إذْ كُلُّ مَنْ قَالَ : الْإِيمَانُ مِنْ اللَّهِ قَالَ :
الْكُفْرُ مِنْ اللَّهِ ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ اللَّهِ
دُونَ الْآخَرِ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ .
وَأَيْضًا :
فَالْعَبْدُ لَوْ قَدَرَ عَلَى إيجَادِ الْكُفْرِ فَالْقُدْرَةُ
الصَّالِحَةُ لِإِيجَادِ الْكُفْرِ إمَّا أَنْ تَصْلُحَ لِإِيجَادِ
الْإِيمَانِ أَوْ لَا ، فَإِنْ صَلُحَتْ لِإِيجَادِهِ عَادَ الْقَوْلُ
بِأَنَّ إيمَانَ الْعَبْدِ مِنْهُ وَقَدْ عُلِمَ بُطْلَانُهُ مِنْ
الْآيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَإِنْ لَمْ تَصْلُحْ لِإِيجَادِهِ لَزِمَ
أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الشَّيْءِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى ضِدِّهِ وَذَلِكَ
عِنْدَهُمْ مُحَالٌ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْإِيمَانُ
مِنْهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْكُفْرُ مِنْهُ .
وَأَيْضًا : إذَا
لَمْ يُوجِدْ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُوجِدَ الْكُفْرَ
لِأَنَّ الْمُسْتَقِلَّ بِإِيجَادِ الشَّيْءِ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُهُ
تَحْصِيلُ مُرَادٍ ، وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا عَاقِلٌ قَطُّ يُرِيدُ أَنْ
يَكُونَ الْحَاصِلُ فِي قَلْبِهِ هُوَ الْجَهْلَ وَالضَّلَالَ ، فَإِذَا
كَانَ الْعَبْدُ مُوجِدًا لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَقْصِدُ إلَّا
تَحْصِيلَ الْعِلْمِ
الْحَقِّ الْمُطَابِقِ وَجَبَ أَنْ لَا
يَتَحَصَّلَ فِي قَلْبِهِ إلَّا الْحَقُّ ، وَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ
الَّذِي هُوَ مَقْصُودُهُ وَمَطْلُوبُهُ وَمُرَادُهُ لَمْ يَقَعْ
بِإِيجَادِهِ فَبِأَنْ يَكُونَ الْجَهْلُ - الَّذِي لَمْ يُرِدْهُ وَمَا
قَصَدَ تَحْصِيلَهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ النَّفْرَةِ عَنْهُ - غَيْرَ
وَاقِعٍ بِإِيجَادِهِ أَوْلَى .
وَأَمَّا مَا شَنَّعَ بِهِ
الْجُبَّائِيُّ عَلَى مَنْ قَرَأَ : أَفَمِنْ نَفْسِك ؟ بِالِاسْتِفْهَامِ
فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ افْتِرَائِهِ كَشِيعَتِهِ .
إذْ أَهْلُ
السُّنَّةِ لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَلَا جَعَلُوهَا
حُجَّةً لَهُمْ ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ صَحَّ
أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجَبَ
قَبُولُهَا وَتَكُونُ حِينَئِذٍ دَلِيلًا عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّ
الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ إذَا صَحَّ سَنَدُهَا كَالْخَبَرِ الصَّحِيحِ
فِي الْحُجِّيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لَمْ
يُلْتَفَتْ إلَيْهَا وَلَيْسَتْ الْحُجِّيَّةُ مُفْتَقِرَةً إلَيْهَا ،
عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ الْمَشْهُورَةَ يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى
الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ كَهُوَ فِي تِلْكَ الْقِرَاءَةِ إنْ
صَحَّتْ ، نَظِيرُ مَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله
تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ خَلِيلِهِ : { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا
قَالَ هَذَا رَبِّي } مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ اسْتِفْهَامًا
عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ ، فَكَذَا هُنَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ
ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْحُجِّيَّةُ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ
مِمَّا تَقَرَّرَ ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي
وَقَعَ عَلَى وَفْقِ قَصْدِهِ قَدْ بَانَ بِقَوْلِهِ : { فَمِنْ اللَّهِ }
أَنَّهُ لَيْسَ وَاقِعًا مِنْهُ بَلْ مِنْ اللَّهِ ، فَهَذَا الْكُفْرُ
الَّذِي لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ أَلْبَتَّةَ
كَيْفَ يَدْخُلُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ وَاقِعٌ مِنْهُ بَلْ
هُوَ مِنْ اللَّهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا
لِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ وَقَصْدٌ ، وَإِرَادَةٌ وَمَحَبَّةٌ لَا يَقَعُ
مِنْهَا بَلْ مِنْ اللَّهِ ، فَأَوْلَى مَا لَيْسَ لَهَا فِيهِ شَيْءٌ
مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاقِعَ مِنْ اللَّهِ لَا مِنْهَا .
وَفِي
خَتْمِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا }
إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا إسْنَادُ جَمِيعِ الْأُمُورِ إلَى
اللَّهِ تَعَالَى ، إذْ الْمَعْنَى لَيْسَ لَك إلَّا الرِّسَالَةُ
وَالتَّبْلِيغُ وَقَدْ فَعَلْت وَمَا قَصَّرْت وَكَفَى بِاَللَّهِ
شَهِيدًا عَلَى ذَلِكَ .
وَأَمَّا حُصُولُ الْهِدَايَةِ فَلَيْسَ
إلَيْك بَلْ إلَى اللَّهِ { لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ } { إنَّك
لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } أَوْ { كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا } عَلَى
صِدْقِك ، وَإِرْسَالِك أَوْ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَةَ وَالسَّيِّئَةَ مِنْ
اللَّهِ .
وَمِنْ الْأَدِلَّةِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا فِي
الْقُرْآنِ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مِنْ نَحْوِ الْخَتْمِ عَلَى الْقَلْبِ
وَالسَّمْعِ ، وَالطَّبْعِ ، وَالْكِنَانِ ، وَالرَّيْنِ عَلَى الْقَلْبِ
وَالْوَقْرِ فِي الْأُذُنِ وَالْغِشَاوَةِ عَلَى الْبَصَرِ ؛ فَإِنَّ
النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ، فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَفْعَالَ
الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ
فَذَلِكَ كُلُّهُ ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِهِمْ ، ثُمَّ لَهُمْ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ خَلْقِ الْكُفْرِ فِي
قُلُوبِ الْكُفَّارِ ، وَثَانِيهِمَا : أَنَّهُ خَلَقَ الدَّاعِيَةَ
الَّتِي إذَا انْضَمَّتْ إلَى الْقُدْرَةِ صَارَ مَجْمُوعُ الْقُدْرَةِ
مَعَهَا سَبَبًا لِوُقُوعِ الْكُفْرِ .
وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ
قَبَّحَهُمْ اللَّهُ ، فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ
وَأَخْرَجُوهَا عَنْ ظَوَاهِرِهَا بِطَرِيقِ التَّحَكُّمِ وَالتَّشَهِّي
تَحْكِيمًا لِعُقُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ الْقَاصِرَةِ فِي نُصُوصِ
الشَّرْعِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَ شَاءُوا تَارَةً بِالرَّدِّ
وَتَارَةً بِالتَّأْوِيلِ ، فَخَذَلَهُمْ اللَّهُ وَأَبَادَهُمْ فَمَا
أَغْبَاهُمْ وَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَاهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ عَنْ سَبِيلِ
الْهُدَى وَمُجَانَبَةِ الضَّلَالِ وَالرَّدَى ، وَأَنْسَاهُمْ لِآيَاتِ
اللَّهِ الْبَيِّنَاتِ وَدَلَائِلِ خَلْقِهِ - تَعَالَى - لِسَائِرِ
الْحَادِثَاتِ ، وَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَبْدِ الضَّعِيفِ الْعَاجِزِ
الْمُقَصِّرِ الْجَاهِلِ
بِاَللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَبِمَا طَوَاهُ عَنْهُ مِمَّا اسْتَأْثَرَ بِهِ مِنْ عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ أَنْ يَنْسَى قَوْله تَعَالَى لِخَلْقِهِ إعْلَامًا لَهُمْ بِذَلِكَ { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } ثُمَّ يَقُولُ : كَيْفَ يَذُمُّ الْكُفَّارَ عَلَى شَيْءٍ خَلَقَهُ فِيهِمْ ، وَأَيُّ ذَنْبٍ لَهُمْ حِينَئِذٍ حَتَّى يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْخُرَافَاتِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ الْخُرُوجِ عَنْ حَيْزِ الْعُبُودِيَّةِ وَالْخُضُوعِ لِلْحَقِّ وَالرِّضَا بِقِسْمَتِهِ - تَعَالَى - ، وَكَفَى هَؤُلَاءِ هَذِهِ الْمَهَاوِي السَّخِيفَةُ الَّتِي وَقَعُوا فِيهَا فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا وَعَانَدُوا وَلَجُّوا ، وَلَوْ تَأَمَّلُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ لَوَجَدُوا أَنْفُسَهُمْ آخِذِينَ بِحُجْزَةِ قَوْلِ الْكُفَّارِ : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ } قَالَ - تَعَالَى - جَوَابًا لَهُمْ : { إنْ أَنْتُمْ إلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } فَكَذَا أُولَئِكَ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ مُضِلَّاتِ الْآرَاءِ وَغَوَائِلِ الْفِتَنِ ، وَأَصْلَحَ مِنَّا مَا ظَهَرَ وَجَمِيعَ مَا بَطَنَ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ .
{ الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ
وَالْخَمْسُونَ : عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } .
وَقَالَ
تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : بِالْعُهُودِ ، وَهِيَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ،
وَحَرَّمَ ، وَمَا فَرَضَ ، وَمَا حَدَّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ،
وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الضَّحَّاكُ
هِيَ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ يُوَافُوا
بِهَا مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ وَمِمَّا فَرَضَ مِنْ الصَّلَاةِ
وَغَيْرِهَا ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ إنَّهُ فِي
أَهْلِ الْكِتَابِ .
أَيْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِالْكُتُبِ
الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْكُمْ فِي
شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي مِنْ
جُمْلَتِهَا : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } ، وَمِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ :
أَرَادَ بِهَا الْحِلْفَ الَّذِي تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ ، قَالَ الزَّجَّاجُ : وَالْعُقُودُ أَوْكَدُ الْعُهُودِ .
إذْ
الْعُهُودُ إلْزَامٌ ، وَالْعُقُودُ إلْزَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِحْكَامِ
وَالِاسْتِيثَاقِ ، مِنْ عَقَدَ الشَّيْءَ بِغَيْرِهِ وَصَلَهُ بِهِ كَمَا
يُعْقَدُ الْحَبْلُ بِالْحَبْلِ ؛ وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ هُوَ
الْمَعْرِفَةَ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا
أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ إظْهَارُ الِانْقِيَادِ لِلَّهِ -
تَعَالَى - فِي جَمِيعِ التَّكَالِيفِ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ .
وَالْمَعْنَى
: أَنَّكُمْ قَدْ الْتَزَمْتُمْ بِإِيمَانِكُمْ أَنْوَاعَ الْعُقُودِ
وَإِظْهَارَ الطَّاعَةِ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي سَائِرِ أَوَامِرِهِ
وَنَوَاهِيهِ فَأَوْفُوا بِتِلْكَ الْعُهُودِ .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :
قَرَأْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى نَجْرَانَ وَفِي صَدْرِهِ :
هَذَا بَيَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } إلَى { سَرِيعُ الْحِسَابِ
}
فَالْمَقْصُودُ التَّكَالِيفُ فِعْلًا وَتَرْكًا ، وَسُمِّيَتْ عُقُودًا
لِأَنَّهُ - تَعَالَى - عَقَدَ أَمْرَهَا وَحَتَمَهُ وَأَوْثَقَهُ فَلَا
انْحِلَالَ لَهُ ، وَقُلْ : هِيَ الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَدُهَا
النَّاسُ بَيْنَهُمْ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ فِيمَا مَرَّ
أَنَّهَا عَامَّةٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى صِحَّةِ نَحْوِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ
وَعَضَّدَهَا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } {
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا } " أَوْفِ بِنَذْرِك "
وَنَفْيُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْعَقَدَ ،
وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الطَّلَقَاتِ ، لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ
فَحَرُمَ رَفْعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }
تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ بِالْإِجْمَاعِ
فَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ ، وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ هَذَا
الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ : { لَا نَذْرَ فِي
مَعْصِيَةِ اللَّهِ } وَالْخَبَرِ الصَّحِيحِ : { الْبَيِّعَانِ
بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا } ؛ وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ، إذًا
لَوْ حَرُمَ الْجَمْعُ فِي الْأَخِيرَةِ لَمَا نَفَذَ ، فَلَمَّا نَفَذَ
إجْمَاعًا دَلَّ عَلَى حِلِّهِ .
إذْ الْأَصْلُ فِي نُفُوذِ الْعُقُودِ
أَنَّهُ يَقْتَضِي حِلَّهَا عَلَى أَنَّ فِيهِ حَدِيثًا صَحِيحًا ، وَهُوَ
أَنَّ الْمُلَاعِنَ طَلَّقَ ثَلَاثًا ظَانًّا أَنَّهَا تَنْفُذُ وَلَمْ
يَنْهَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا .
إذْ لَوْ كَانَ
جَمْعُ الثَّلَاثِ حَرَامًا لَكَانَ أَتَى بِحَرَامٍ فَكَانَ يَجِبُ
نَهْيُهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى
إبَاحَتِهِ .
وَلَا يُقَالُ إنَّمَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ
لَغْوٌ لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَغْوًا إلَّا فِي
الْوَاقِعِ ، وَأَمَّا فِي ظَنِّهِ فَلَمْ يَكُنْ لَغْوًا لِأَنَّهُ ظَنَّ
أَنَّهُ يُفِيدُهُ تَأْيِيدُ حُرْمَتِهَا فَأَوْقَعَ الثَّلَاثَ ، فَهُوَ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ إيقَاعَ
الثَّلَاثِ لَا يَحْرُمُ وَإِلَّا لَنَهَاهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ .
وَمِمَّا
يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ الْعُهُودِ وَأَنَّ الْإِخْلَالَ بِالْوَفَاءِ
بِهَا كَبِيرَةٌ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ : { أَرْبَعٌ مَنْ
كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ
مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إذَا
حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ،
وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } .
وَفِي الْحَدِيثِ : { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ } .
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ : { يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى - ثَلَاثَةٌ أَنَا
خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ،
وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا
فَاسْتَوْفَى مِنْهُ الْعَمَلَ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ } .
وَرَوَى
مُسْلِمٌ : { مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَقِيَ اللَّهَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي
عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً } ، وَمَرَّتْ أَحَادِيثُ
كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا مِنْ
الْكَبَائِرِ هُوَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ ، لَكِنْ
مِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ بِمَا مَرَّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ بِخُلْفِ
الْوَعْدِ ، فَالْعِبَارَتَانِ إمَّا مُتَّحِدَتَانِ أَوْ
مُتَغَايِرَتَانِ وَعَلَى كُلٍّ فَقَدْ يُشْكِلُ عَدُّهُمْ مِنْ
الْكَبَائِرِ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْوَفَاءَ
بِالْوَعْدِ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ وَفِي الْعَهْدِ أَنَّهُ مَا
أَوْجَبَهُ اللَّهُ أَوْ حَرَّمَهُ ، وَمُخَالَفَةُ الْمَنْدُوبِ
جَائِزَةٌ ، وَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ تَارَةً تَكُونُ كَبِيرَةً
وَتَارَةً تَكُونُ صَغِيرَةً ، فَكَيْفَ يُطْلَقُ أَنَّ عَدَمَ الْوَفَاءِ
بِذَلِكَ كَبِيرَةٌ ؟ فَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِمَا يَكُونُ
الْإِخْلَالُ بِهِ كَبِيرَةً كَانَ عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً مُسْتَقِلَّةً
غَيْرَ سَائِغٍ .
إذْ لَا وُجُودَ لَهُ إلَّا فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ .
وَيُجَابُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى تَغَايُرِهِمَا عَلَى الْمُلْتَزِمِ بِالنَّذْرِ وَنَحْوِهِ ،
وَكَوْنُ
مَنْعِهِ كَبِيرَةً ظَاهِرٌ إذْ النَّذْرُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ
الشَّرْعِ ، وَسَيَأْتِي أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَوْ الزَّكَاةِ أَوْ
الْحَجِّ أَوْ الصَّوْمِ كَبِيرَةٌ فَكَذَا هَذَا .
وَيُحْمَلُ
الثَّانِي عَلَى شَيْءٍ خَاصٍّ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ التَّصْرِيحِ
بِهَذَا وَهُوَ مَا لَوْ بَايَعَ إمَامًا ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ
عَلَيْهِ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَا تَأْوِيلٍ لِهَذَا فَهَذَا كَبِيرَةٌ
كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : { ثَلَاثَةٌ لَا
يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ - إلَى أَنْ قَالَ - وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لَا
يُبَايِعُهُ إلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا مَا يُرِيدُ وَفَى
لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ } .
وَمِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ : { رَجُلٌ أُعْطِيَ بِي ثُمَّ غَدَرَ } .
وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ : { مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ } .
وَفِي
الْحَدِيثِ الْآخَرِ : { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ
وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إلَى النَّاسِ الَّذِي
يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ ، وَمَنْ بَايَعَ إمَامًا فَأَعْطَاهُ
صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ
جَاءَهُ أَحَدٌ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ } ، وَيَدْخُلُ
فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ ، { إنَّ مَنْ أَمَّنَ
حَرْبِيًّا ثُمَّ غَدَرَ بِهِ وَقَتَلَهُ كَانَ كَبِيرَةً } ، وَهُوَ
الْمُرَادُ بِنَكْثِ الصَّفْقَةِ ، وَقَدْ مَرَّ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ
وَسَيَأْتِي .
( الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ
وَالْخَمْسُونَ : مَحَبَّةُ الظَّلَمَةِ أَوْ الْفَسَقَةِ بِأَيِّ نَوْعٍ
كَانَ فِسْقُهُمْ ، وَبُغْضُ الصَّالِحِينَ ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ
فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِي الصَّغِيرِ
وَالْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثٌ
هُنَّ حَقٌّ : لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ
كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَبْدًا فَيُوَلِّيهِ
غَيْرَهُ ، وَلَا يُحِبُّ الرَّجُلُ قَوْمًا إلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ } .
وَأَحْمَدُ
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ : لَا يَجْعَلُ
اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ ،
وَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثٌ .
الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ
وَالزَّكَاةُ وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا
فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يُحِبُّ الرَّجُلُ
قَوْمًا إلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ مَعَهُمْ } .
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
: { الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا فِي
اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ، وَأَدْنَاهُ أَنْ يُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ
الْجَوْرِ وَيُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَدْلِ وَهَلْ الدِّينُ إلَّا
الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ ؟ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى
- { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ
اللَّهُ } } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ } .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَةً هُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ تِلْكَ
الْأَحَادِيثُ الْمَاضِيَةُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْآتِيَةُ : {
الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعَمَلِهِمْ } وَلَهُ
وَجْهٌ ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَحَبَّ الْفَاسِقِينَ لِفِسْقِهِمْ
وَبَغَضَ الصَّالِحِينَ لِصَلَاحِهِمْ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَبَّةَ
الْفِسْقِ كَبِيرَةٌ كَفِعْلِهِ وَكَذَا بُغْضُ الصَّالِحِينَ لِأَنَّ
حُبَّ أُولَئِكَ الْفَاسِقِينَ وَبُغْضَ الصَّالِحِينَ يَدُلُّ عَلَى
انْفِكَاكِ رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى بُغْضِهِ ،
وَبُغْضُ الْإِسْلَامِ كُفْرٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً .
خَاتِمَةٌ
فِي سَرْدِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ فِي ثَوَابِ الْمُتَحَابِّينَ
فِي اللَّهِ - تَعَالَى - : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : مَنْ
كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَمَنْ
أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ
يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا
يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : { وَأَنْ
يُحِبَّ الْمَرْءُ فِي اللَّهِ وَيُبْغِضَ فِي اللَّهِ ، إنَّ اللَّهَ -
تَعَالَى - يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ
بِجَلَالِي ، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا
ظِلِّي } .
{ إنَّ مِنْ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ رَجُلًا
لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ مَالٍ أَعْطَاهُ فَذَلِكَ
الْإِيمَانُ } .
{ مَا تَحَابَّ رَجُلَانِ فِي اللَّهِ إلَّا كَانَ أَحَبُّهُمَا إلَى اللَّهِ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ } .
{
خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ ، وَخَيْرُ
الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ } { يَقُولُ اللَّهُ -
تَبَارَكَ وَتَعَالَى - : وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِي ،
وَلِلْمُتَجَالِسَيْنِ فِي ، وَلِلْمُتَزَاوِرَيْنِ فِي ،
وَلِلْمُتَبَاذِلَيْنِ فِي } .
{ الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ } .
{
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِي ،
وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِي ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي
لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِي ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِي ،
وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَصَادَقُونَ مِنْ أَجْلِي } .
{
الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا
ظِلُّهُ يَغْبِطُهُمْ لِمَكَانِهِمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ } .
{
إنَّ لِلَّهِ - تَعَالَى - جُلَسَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ
الْعَرْشِ - وَكِلْتَا يَدَيْ اللَّهِ يَمِينٌ - عَلَى مَنَابِرَ مِنْ
نُورٍ
، وُجُوهُهُمْ مِنْ نُورٍ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ وَلَا
صِدِّيقِينَ ، قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ هُمْ
الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِ اللَّهِ - تَعَالَى - } .
{ إنَّ مِنْ
عِبَادِ اللَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ يَغْبِطُهُمْ
الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ قِيلَ مَنْ هُمْ ؟ لَعَلَّنَا نُحِبُّهُمْ
، قَالَ : هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِنُورِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَرْحَامٍ
وَلَا أَنْسَابٍ ، وُجُوهُهُمْ نُورٌ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، لَا
يَخَافُونَ إذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إذَا حَزِنَ النَّاسُ ؛
ثُمَّ قَرَأَ : { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } } .
{ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ أَقْوَامًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي وُجُوهِهِمْ النُّورُ عَلَى مَنَابِرِ
اللُّؤْلُؤِ يَغْبِطُهُمْ النَّاسُ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا
شُهَدَاءَ فَجَثَا أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، فَقَالَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ حَلِّهِمْ لَنَا نَعْرِفُهُمْ ، قَالَ : هُمْ
الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى
وَبِلَادٍ شَتَّى يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَذْكُرُونَهُ } ،
وَفِي رِوَايَةٍ { هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ
الْقَبَائِلِ ، لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ
تَحَابُّوا فِي اللَّهِ وَتَصَادَقُوا يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا فَيَجْعَلُ
وُجُوهَهُمْ نُورًا وَثِيَابَهُمْ نُورًا يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَا يَفْزَعُونَ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } .
{ سَأَلَ رَجُلٌ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ
: وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : لَا شَيْءَ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
قَالَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، قَالَ
أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، قَالَ
أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ
بِحُبِّي إيَّاهُمْ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ قَالَ : الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ } .
(
الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ : أَذِيَّةُ أَوْلِيَاءِ
اللَّهِ وَمُعَادَاتُهُمْ ) قَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ
احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وَقَالَ - تَعَالَى - : {
وَاخْفِضْ جَنَاحَك لِلْمُؤْمِنِينَ } .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ
أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { عَنْ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى
- : مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا
تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ مَا تَرَدَّدْتُ فِي قَبْضِ
نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ
وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ، وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ
بِمِثْلِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَلَا تَعَبَّدَ لِي بِمِثْلِ مَا
افْتَرَضْته عَلَيْهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى -
قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ - أَيْ
أَعْلَمْته أَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ - وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي
بِشَيْءٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْته عَلَيْهِ ، وَلَا
يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبُّهُ
فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ
الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ
الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْته وَإِنْ اسْتَعَاذَنِي
- أَيْ بِالنُّونِ أَوْ الْبَاءِ - لَأُعِيذَنَّهُ } .
وَفِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ
وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا : مَا
أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا - أَيْ لَمْ
تَسْتَوْفِ حَقَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ كَانَ عَلَى كُفْرِهِ -
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَتَقُولُونَ هَذَا
لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّك
أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ
أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ
رَبَّك ، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ يَا
إخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ ؟ قَالُوا : لَا ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَك يَا
أَخِي } .
وَمِنْ عَظِيمِ احْتِرَامِ الْفُقَرَاءِ سِيَّمَا فُقَرَاءُ
الصَّحَابَةِ الَّذِينَ اسْتَبَقُوا إلَى الْإِيمَانِ قَوْله تَعَالَى
لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَذَلَهُ
الْمُشْرِكُونَ فِي الْجُلُوسِ مَعَهُمْ وَقَالُوا : اُطْرُدْهُمْ فَإِنَّ
نُفُوسَنَا تَأْنَفُ أَنْ تُجَالِسَهُمْ ، وَلَئِنْ طَرَدْتَهُمْ
لَيُؤْمِنَنَّ بِك أَشْرَافُ النَّاسِ وَرُؤَسَاؤُهُمْ { وَلَا تَطْرُدْ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ } فَلَمَّا أَيِسَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ طَرْدِهِمْ سَأَلُوا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ
يَوْمًا وَلَهُمْ يَوْمًا ، فَأَنْزَلَ تَعَالَى : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا } أَيْ لَا تَتَعَدَّاهُمْ وَلَا تَتَجَاوَزْهُمْ بِنَظَرِك
رَغْبَةً عَنْهُمْ وَطَلَبًا لِصُحْبَةِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا { وَقُلْ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ } ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ
بِقَوْلِهِ - عَزَّ قَائِلًا - { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ }
إلَى قَوْله تَعَالَى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
} .
الْآيَةَ .
كُلُّ ذَلِكَ تَقْرِيرٌ لِفَخَامَتِهِمْ وَحَثٌّ
عَلَى تَعْظِيمِهِمْ وَرِعَايَتِهِمْ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَظِّمُ الْفُقَرَاءَ وَيُكْرِمُهُمْ سِيَّمَا
أَهْلُ الصُّفَّةِ ، وَهُمْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي صُفَّةِ الْمَسْجِدِ مُلَازِمِينَ
لَهَا يَنْضَمُّ إلَيْهَا كُلُّ مَنْ هَاجَرَ إلَى أَنْ كَثُرُوا
وَكَانُوا عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْفَقْرِ وَالصَّبْرِ ، لَكِنْ حَمَلَهُمْ
عَلَى ذَلِكَ شُهُودُهُمْ مَا أَعَدَّ - تَعَالَى - لِأَوْلِيَائِهِ
لَمَّا أَزَالَ عَنْ قُلُوبِهِمْ التَّعَلُّقَ بِشَيْءٍ مِنْ
الْأَغْيَارِ
، وَحَثَّهُمْ عَلَى الِاسْتِبَاقِ إلَى الْخَيْرَاتِ وَحِيَازَةِ
أَفْضَلِ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ ، فَحِينَئِذٍ اسْتَحَقُّوا أَنْ
لَا يُطْرَدُوا عَنْ بَابِهِ ، وَأَنْ يُعْلِنَ بِمَدْحِهِمْ بَيْنَ
أَحْبَابِهِ لِمَا أَنَّ الْمَسَاجِدَ مَأْوَاهُمْ ، وَاَللَّهَ
مَطْلُوبُهُمْ وَمَوْلَاهُمْ وَالْجُوعَ طَعَامُهُمْ ، وَالسَّهَرَ إذَا
نَامَ النَّاسُ إدَامُهُمْ وَالْفَقْرَ ، وَالْفَاقَةَ شِعَارُهُمْ ،
وَالْمَسْكَنَةَ وَالْحَيَاءَ دِثَارُهُمْ ، فَقْرُهُمْ لَيْسَ مِنْ
الْفَقْرِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ -
تَعَالَى - لِأَنَّ هَذَا وَصْفُ كُلِّ مَخْلُوقٍ وَهُوَ الْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ
إلَى اللَّهِ } بَلْ مِنْ الْفَقْرِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ شِعَارُ
أَوْلِيَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَحِبَّائِهِ وَهُوَ خُلُوُّ
الْقَلْبِ مِنْ التَّعَلُّقِ بِغَيْرٍ أَوْ سِوًى ، وَالتَّمَلِّي
بِشُهُودِهِ - تَعَالَى - فِي سَائِرِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ
حَشَرَنَا اللَّهُ فِي زُمْرَتِهِمْ لِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ
حَقَائِقِ مَحَبَّتِهِمْ آمِينَ .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً
هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَهُوَ صَرِيحُ هَذَا الْوَعِيدِ
الَّذِي لَا أَشَدَّ مِنْهُ إذْ مُحَارَبَةُ اللَّهِ - تَعَالَى -
لِلْعَبْدِ لَمْ تُذْكَرْ إلَّا فِي أَكْلِ الرِّبَا وَمُعَادَاةِ
الْأَوْلِيَاءِ ، وَمَنْ عَادَاهُ اللَّهُ لَا يُفْلِحُ أَبَدًا بَلْ لَا
بُدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ أَنْ يَمُوتَ عَلَى
الْكُفْرِ ، عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ ، ثُمَّ
رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ فِي الْخَادِمِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ
بَعْدَ الْحَدِيثِ وَتَأَمَّلْ هَذَا الْوَعِيدَ وَهُوَ حِينَئِذٍ
وَأَكْلُ الرِّبَا فِي قَرْنٍ { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا
بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } وَفِي فَتَاوَى الْبَدِيعِيِّ مِنْ
الْحَنَفِيَّةِ : مَنْ اسْتَخَفَّ بِالْعَالِمِ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ
وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ رِدَّةً انْتَهَى ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ -
يَعْنِي الْحَافِظَ الْإِمَامَ ابْنَ عَسَاكِرَ - : اعْلَمْ يَا أَخِي
وَفَّقَك اللَّهُ وَإِيَّانَا ، وَهَدَاك
سَبِيلَ الْخَيْرِ وَهَدَانَا أَنَّ لُحُومَ الْعُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ .
وَعَادَةَ
اللَّهِ فِي هَتْكِ مُنْتَقِصِهِمْ مَعْلُومَةٌ ، وَمَنْ أَطْلَقَ
لِسَانَهُ فِي الْعُلَمَاءِ بِالثَّلْبِ بَلَاهُ اللَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ
بِمَوْتِ الْقَلْبِ { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
(
الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ : سَبُّ الدَّهْرِ مِنْ عَالِمٍ
بِمَا يَأْتِي ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ ، وَأَنَا
الدَّهْرُ وَبِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ } وَفِي رِوَايَةٍ : {
أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا } .
وَمُسْلِمٌ
: { لَا يَسُبُّ أَحَدُكُمْ الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ }
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : { لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ
وَلَا تَقُولُوا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ
الدَّهْرِ ، فَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي
أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ } .
وَمَالِكٌ : { لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ } .
وَالْحَاكِمُ
وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ : { يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ
وَجَلَّ - اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضْنِي وَيَشْتُمُنِي
عَبْدِي وَهُوَ لَا يَدْرِي يَقُولُ : وَادَهْرَاهُ وَادَهْرَاهُ ،
وَأَنَا الدَّهْرُ } وَالْبَيْهَقِيُّ : { لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ قَالَ
اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : أَنَا الدَّهْرُ ، الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي
أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا وَآتِي بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ } .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ لَا
سِيَّمَا قَوْله تَعَالَى : { وَيَشْتُمُنِي عَبْدِي } فَعَدَّ - تَعَالَى
- سَبَّ الدَّهْرِ شَتْمًا لَهُ أَيْ يُؤَدِّي إلَيْهِ وَهُوَ كُفْرٌ
وَمَا أَدَّى إلَى الْكُفْرِ أَدْنَى مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً
، لَكِنَّ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا يَأْبَى ذَلِكَ وَيُصَرِّحُ بِأَنَّ
ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ .
فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً ،
وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ سَبَّ
الدَّهْرَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الزَّمَنَ فَلَا كَلَامَ فِي الْكَرَاهَةِ
، أَوْ اللَّهَ - تَعَالَى - فَلَا كَلَامَ
فِي الْكُفْرِ ، وَإِنْ
أَطْلَقَ فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ التَّرَدُّدِ لِاحْتِمَالِهِ الْكُفْرَ
وَغَيْرَهُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا الْكَرَاهَةُ هُنَا أَيْضًا
لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ الزَّمَنُ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ -
تَعَالَى - إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا
فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ : إنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إذَا نَزَلَتْ
بِأَحَدِهِمْ نَازِلَةٌ أَوْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ أَوْ مَكْرُوهٌ
يَسُبُّ الدَّهْرَ اعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ فِعْلُ
الدَّهْرِ ، كَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَسْتَمْطِرُ بِالْأَنْوَاءِ
وَتَقُولُ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا اعْتِقَادًا أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ
هُوَ الْأَنْوَاءُ فَكَانَ هَذَا كَاللَّعْنِ لِلْفَاعِلِ ، وَلَا فَاعِلَ
لِكُلِّ شَيْءٍ إلَّا اللَّهُ - تَعَالَى - خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
وَفَاعِلُهُ ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ رَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ قَالُوا : إنَّ سَبَّ
الدَّهْرِ كَبِيرَةٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِيمَا نَزَلَ
بِهِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ كُفْرٌ
وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ دَاوُد كَانَ
يُنْكِرُ رِوَايَةَ أَهْلِ الْحَدِيثِ " وَأَنَا الدَّهْرُ " بِضَمِّ
الرَّاءِ وَيَقُولُ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الدَّهْرُ اسْمًا مِنْ
أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - .
وَكَانَ يَرْوِيهِ " وَأَنَا
الدَّهْرَ " بِفَتْحِ الرَّاءِ ظَرْفًا لِأُقَلِّب : أَيْ وَأَنَا
أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ الدَّهْرَ - أَيْ عَلَى طُولِ
الزَّمَانِ وَمَمَرِّهِ ، وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ فَرَجَّحَ الْفَتْحَ
وَلَيْسَ كَمَا قَالَا لِأَنَّ رِوَايَةَ { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ
الدَّهْرُ } تُبْطِلُ مَا زَعَمَاهُ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْجُمْهُورُ
عَلَى ضَمِّ الرَّاءِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا زَعَمَهُ ابْنُ دَاوُد
: أَنَّ الدَّهْرَ يَكُونُ مِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - لِمَا سَبَقَ
أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّجَوُّزِ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ فِيهِ الْمُؤَثِّرَ
هُوَ عَيْنُ الْأَثَرِ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِ ذَلِكَ الْأَثَرِ وَفِي
الزَّجْرِ عَنْ سَبِّهِ وَنَقْصِهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ
وَالْخَمْسُونَ : الْكَلِمَةُ الَّتِي تَعْظُمُ مَفْسَدَتُهَا
وَيَنْتَشِرُ ضَرَرُهَا مِمَّا يُسْخِطُ اللَّهَ - تَعَالَى - وَلَا
يُلْقِي لَهَا قَائِلُهَا بَالًا ) وَعَدُّ هَذِهِ كَذَلِكَ هُوَ مَا
وَقَعَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِمَا فِي ذَلِكَ
مِنْ الْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ وَالضَّرَرِ الظَّاهِرِ كَمَا عُلِمَ مِنْ
التَّرْجَمَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا فَيَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ
أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } .
وَجَاءَ أَيْضًا
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ الرَّجُلَ
لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَا
كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ
رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا
بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهِ سَخَطَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }
.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَهَذَا كَالْكَلَامِ عِنْدَ الْمُلُوكِ
أَوْ الْوُلَاةِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ خَيْرٌ عَامٌّ أَوْ شَرٌّ عَامٌّ ،
وَمِنْهُ كَلِمَةٌ تَضَمَّنَتْ مَذَمَّةَ سُنَّةٍ أَوْ إقَامَةَ بِدْعَةٍ
أَوْ إبْطَالَ حَقٍّ أَوْ تَحْقِيقَ بَاطِلٍ أَوْ سَفْكَ دَمٍ أَوْ
اسْتِحْلَالَ فَرْجٍ أَوْ مَالٍ ، أَوْ هَتْكَ عِرْضٍ أَوْ قَطْعَ رَحِمٍ
أَوْ وُقُوعَ غَدْرَةٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِرَاقَ زَوْجَةٍ أَوْ
نَحْوَ ذَلِكَ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ :
كُفْرَانُ نِعْمَةِ الْمُحْسِنِ ) كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَهُوَ
بَعِيدٌ ، يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى كُفْرَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ -
تَبَارَكَ وَتَعَالَى - إذْ هُوَ الْمُحْسِنُ عَلَى الْحَقِيقَةِ ،
وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى كُفْرَانِ نِعْمَةِ مُحْسِنٍ تَجِبُ
مُرَاعَاتُهُ كَالزَّوْجِ .
وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِخَبَرِ النَّسَائِيّ
: { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكُرُ زَوْجَهَا وَهِيَ
لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ } وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَعَلَ مِنْ مُوجِبَاتِ كَوْنِ النِّسَاءِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ
كُفْرَانَهُنَّ نِعَمَ الزَّوْجِ وَأَنَّهُ لَوْ أَحْسَنَ إلَى
إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَتْ : مَا
رَأَيْت مِنْك خَيْرًا قَطُّ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا فِي هَذَيْنِ
الْحَدِيثَيْنِ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ جِدًّا فَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ
كُفْرَانُ نِعْمَةِ الزَّوْجِ كَبِيرَةً ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ
بَعْضِهِمْ لِذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ : { لَا
يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ } .
بِرَفْعِهِمَا ، أَوْ
نَصْبِهِمَا ، وَرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي وَعَكْسِهِ ،
فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِخُصُوصِ الْكَبِيرَةِ إذْ لَا
شَيْءَ فِيهِ مِنْ عَلَامَاتِهَا ، وَقَوْلُهُ عَقِبَ الْحَدِيثِ :
وَالشُّكْرُ بِالْمُجَازَاةِ أَوْ الثَّنَاءِ أَوْ الدُّعَاءِ .
لِخَبَرِ
التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ : { مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ
فَلْيَجْزِ بِهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ فَمَنْ أَثْنَى بِهِ
فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ } .
وَلَا يُؤَيِّدُ مَا اُسْتُدِلَّ لَهُ فَالْوَجْهُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْته مَعَ مَا فِيهِ أَيْضًا .
(
الْكَبِيرَةُ السِّتُّونَ : تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ
عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اُحْضُرُوا الْمِنْبَرَ فَحَضَرْنَاهُ ،
فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ آمِينَ ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ
الثَّانِيَةَ قَالَ آمِينَ ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ
قَالَ آمِينَ ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ
سَمِعْنَا مِنْك الْيَوْمَ شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ قَالَ : إنَّ
جِبْرِيلَ عَرَضَ لِي فَقَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ
يُغْفَرْ لَهُ قُلْتُ آمِينَ ، فَلَمَّا رَقَيْتُ الثَّانِيَةَ قَالَ
بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك قُلْتُ آمِينَ ،
فَلَمَّا رَقَيْتُ الثَّالِثَةَ قَالَ بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ
الْكِبَرُ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ
قُلْتُ آمِينَ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { صَعِدَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا رَقِيَ
عَتَبَةً قَالَ آمِينَ ، ثُمَّ رَقِيَ أُخْرَى فَقَالَ آمِينَ ، ثُمَّ
رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً فَقَالَ آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : أَتَانِي
جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَلَمْ
يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، فَقُلْت : آمِينَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ
وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ،
فَقُلْتُ : آمِينَ قَالَ وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك
فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْتُ : آمِينَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ لَيِّنٍ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَقَى
عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَمَّنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ : تَدْرُونَ
لِمَ أَمَّنْت ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ :
جَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ : إنَّهُ مَنْ ذُكِرْتَ
عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ قُلْت
: آمِينَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ
يَبَرَّهُمَا
دَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ ،
قُلْتُ آمِينَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ دَخَلَ
النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ فَقُلْتُ : آمِينَ } .
وَالْبَزَّارُ
وَالطَّبَرَانِيُّ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ
الْمَسْجِدَ ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : آمِينَ آمِينَ آمِينَ ،
فَلَمَّا انْصَرَفَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاك صَنَعْت شَيْئًا
مَا كُنْت تَصْنَعُهُ ، فَقَالَ : إنَّ جِبْرِيلَ تَبَدَّى لِي فِي
أَوَّلِ دَرَجَةٍ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ
فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَهُ ،
فَقُلْت : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ لِي فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ :
وَمَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ
اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ تَبَدَّى لِي فِي
الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ : وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ
يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَهُ ، فَقُلْتُ
آمِينَ } .
وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ
لَهُ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ ،
فَقَالَ : آمِينَ آمِينَ آمِينَ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك
صَعِدْت الْمِنْبَرَ فَقُلْت آمِينَ آمِينَ آمِينَ ، فَقَالَ : إنَّ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَقَالَ : مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ
رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ
قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ
أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ
اللَّهُ ، قُلْ : آمِينَ ، فَقُلْت : آمِينَ ، وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ
فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ،
قُلْ آمِينَ فَقُلْتُ : آمِينَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
{
رَغَمَ } - أَيْ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ذَلَّ ، أَوْ بِكَسْرِهَا لَصِقَ
بِالرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ ذُلًّا وَهَوَانًا - { أَنْفُ مَنْ
ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك ، وَرَغَمَ أَنْفُ رَجُلٍ
دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ،
وَرَغَمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ ذُكِرْتُ
عِنْدَهُ فَخَطِئَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ } .
وَرُوِيَ
مُرْسَلًا عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ
الْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ
عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَنَسِيَ
الصَّلَاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِسَنَدٍ فِيهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ : {
مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ } .
وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ، عَنْ
الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ : وَزَادَ فِي سَنَدِهِ عَلِيَّ
بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
غَرِيبٌ : { الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ } .
وَابْنُ
أَبِي عَاصِمٍ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَبْخَلِ النَّاسِ ؟ قَالُوا
بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ
يُصَلِّ عَلَيَّ فَذَلِكَ أَبْخَلُ النَّاسِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ
هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِيهَا وَعِيدًا شَدِيدًا كَدُخُولِ النَّارِ ،
وَتَكَرُّرِ الدُّعَاءِ مِنْ جِبْرِيلَ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُعْدِ وَالسُّحْقِ ، وَمِنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ ، وَالْوَصْفِ
بِالْبُخْلِ ، بَلْ بِكَوْنِهِ أَبْخَلَ النَّاسِ ، وَهَذَا كُلُّهُ
وَعِيدٌ شَدِيدٌ جِدًّا فَاقْتَضَى أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ ، لَكِنَّ
هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَالَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ
الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ :
إنَّهُ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا ذُكِرَ .
وَهُوَ
صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ مُخَالِفٌ
لِلْإِجْمَاعِ قِيلَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ مُطْلَقًا فِي
غَيْرِ الصَّلَاةِ ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ يُمْكِنُ أَنْ
يُقَالَ إنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ كَبِيرَةٌ .
وَأَمَّا عَلَى مَا
عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ ، فَهُوَ مُشْكِلٌ مَعَ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ
الْوَعِيدُ فِيهَا عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ
بِعَدَمِ تَعْظِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَأَنْ
يَتْرُكَهَا لِاشْتِغَالِهِ بِلَهْوٍ وَلَعِبٍ مُحَرَّمٍ ، فَهَذِهِ
الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ
حَقُّهَا مِنْ الْقُبْحِ وَالِاسْتِهْتَارِ بِحَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اقْتَضَى أَنَّ التَّرْكَ حِينَئِذٍ لِمَا
اقْتَرَنَ بِهِ كَبِيرَةٌ مُفَسِّقٌ ، فَحِينَئِذٍ يَتَّضِحُ أَنَّهُ لَا
مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ
عَدَمِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ
مُهِمٌّ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا بِأَدْنَى
إشَارَةٍ .
خَاتِمَةٌ فِي سَرْدِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ
فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَوْفَيْت جَمِيعَ مَا فِيهَا وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي كِتَابِي : [ الدُّرِّ الْمَنْضُودِ فِي فَضَائِلِ
الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى صَاحِبِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ ] قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا .
مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ .
وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا .
مَنْ
صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ
صَلَوَاتٍ وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا عَشْرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَهُ بِهَا
عَشْرَ دَرَجَاتٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ : { مَنْ
صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ،
وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ عَشْرًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِائَةً ، وَمَنْ
صَلَّى عَلَيَّ مِائَةً كَتَبَ اللَّهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَرَاءَةً مِنْ
النِّفَاقِ وَبَرَاءَةً مِنْ النَّارِ ، وَأَسْكَنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مَعَ الشُّهَدَاءِ .
إنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي : أَلَا أُبَشِّرُك ؟
إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ مَنْ صَلَّى عَلَيْك صَلَّيْتُ
عَلَيْهِ ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْك سَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَسَجَدْتُ
لِلَّهِ شُكْرًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي يَعْلَى : { سَجَدْت
لِرَبِّي شُكْرًا فِيمَا أَبْلَانِي } أَيْ أَنْعَمَ عَلَيَّ فِي أُمَّتِي
{ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً مِنْ أُمَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ
حَسَنَاتٍ وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ } .
زَادَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : { وَرَفَعَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ وَكُنَّ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ } .
وَفِي
أُخْرَى لِلنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبَزَّازِ : { مَنْ صَلَّى
عَلَيَّ مِنْ أُمَّتِي صَلَاةً مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ ، وَرَفَعَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ ،
وَكَتَبَ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ
.
إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ
صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ
فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ،
وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي
الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ } أَيْ وَجَبَتْ
وَتَحَتَّمَتْ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ .
" مَنْ
صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ سَبْعِينَ صَلَاةً " قَالَهُ
ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ
قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ .
{ أَكْثِرُوا مِنْ
الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ
آنِفًا عَنْ رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَقَالَ : مَا عَلَى الْأَرْضِ
مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيْك مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا صَلَّيْتُ أَنَا
وَمَلَائِكَتِي عَلَيْهِ عَشْرًا } .
{ إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً
سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ حَيْثُمَا كُنْتُمْ ،
فَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي } .
{ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ بَلَغَتْنِي صَلَاتُهُ وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَكُتِبَ لَهُ سِوَى ذَلِكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ } .
{
مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ إلَيَّ رُوحِي -
أَيْ نُطْقِي إذْ الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ - حَتَّى
أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ فِيهَا مَجْهُولٌ : {
إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَكًا أَعْطَاهُ أَسْمَاعَ الْخَلَائِقِ
فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ أَحَدٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا بَلَّغَنِي
بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ : هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَدْ صَلَّى
عَلَيْك } .
{ إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً } .
{
مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي
عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ فَلْيُقْلِلْ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ
لِيُكْثِرْ } .
{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذَا ذَهَبَ رُبُعُ اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اُذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ .
قَالَ أُبَيّ بْنُ
كَعْبٍ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ فَكَمْ
أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي ؟ قَالَ : مَا شِئْت .
قُلْت : الرُّبُعُ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَك .
قَالَ النِّصْفُ ؟ قَالَ مَا شِئْت وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك .
قَالَ : أَجْعَلُ لَك صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : إذًا تُكْفَى مَا هَمَّك وَيُغْفَرُ لَك ذَنْبُك } .
{
وَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي
كُلَّهَا عَلَيْك ؟ قَالَ : إذًا يَكْفِيَك اللَّهُ - تَبَارَكَ
وَتَعَالَى - مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاك وَآخِرَتِك } .
{ أَيُّمَا
رَجُلٍ مُسْلِمٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ صَدَقَةٌ فَلْيَقُلْ فِي دُعَائِهِ
: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك وَصَلِّ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ
فَإِنَّهَا زَكَاةٌ } .
وَقَالَ : { لَا يَشْبَعُ مُؤْمِنٌ مِنْ خَيْرٍ
حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الْجَنَّةَ أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ
عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ
الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّ أَحَدًا لَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ إلَّا عُرِضَتْ
عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا .
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : قُلْتُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ .
قَالَ : إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ } .
{
أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَإِنَّ صَلَاةَ
أُمَّتِي تُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ ، فَمَنْ كَانَ
أَكْثَرَهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً كَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً } .
{
مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، فِيهِ خُلِقَ آدَم
وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا
عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ،
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْك وَقَدْ
أَرَمْت ؟ - أَيْ بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ أَوْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فَكَسْرِ
الرَّاءِ يَعْنِي بَلِيتَ - فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -
حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ } .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ : { مَنْ
قَالَ جَزَى اللَّهُ عَنَّا مُحَمَّدًا مَا هُوَ أَهْلُهُ أَتْعَبَ سَبْعِينَ كَاتِبًا أَلْفَ صَبَاحٍ } .
وَأَبُو
يَعْلَى : { مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا
صَاحِبَهُ وَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلَّا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا ذُنُوبُهُمَا
مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ } .
( الْكَبِيرَةُ
الْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ : قَسْوَةُ الْقَلْبِ بِحَيْثُ تَحْمِلُ
صَاحِبَهَا عَلَى مَنْعِ إطْعَامِ الْمُضْطَرِّ مَثَلًا ) أَخْرَجَ
الْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اُطْلُبُوا الْمَعْرُوفَ
مِنْ رُحَمَاءِ أُمَّتِي تَعِيشُوا فِي أَكْنَافِهِمْ ، وَلَا تَطْلُبُوهُ
مِنْ الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ،
يَا عَلِيُّ إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَعْرُوفَ وَخَلَقَ لَهُ أَهْلًا
فَحَبَّبَهُ إلَيْهِمْ وَحَبَّبَ إلَيْهِمْ فِعَالَهُ وَوَجَّهَ إلَيْهِمْ
طُلَّابَهُ كَمَا وَجَّهَ الْمَاءَ إلَى الْأَرْضِ الْجَدْبَةِ لِيُحْيِيَ
بِهِ أَهْلَهَا ، وَإِنَّ أَهْلَ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ
الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ } .
وَالْخَرَائِطِيُّ فِي مَكَارِمِ
الْأَخْلَاقِ : { اُطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ الرُّحَمَاءِ مِنْ
أُمَّتِي تَعِيشُوا فِي أَكْنَافِهِمْ فَإِنَّ فِيهِمْ رَحْمَتِي ، وَلَا
تَطْلُبُوهَا مِنْ الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ
سَخَطِي } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذَيْنِ
الْحَدِيثَيْنِ ، فَإِنَّ اللَّعْنَةَ وَالسَّخَطَ مِنْ أَمَارَاتِ
الْكَبِيرَةِ ، لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ، وَلَكِنْ
يَنْبَغِي حَمْلُ الْقَسْوَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْته
فِي التَّرْجَمَةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ
صَرَّحَ بِهِ وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ .
( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالسِّتُّونَ : الرِّضَا بِكَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ أَوْ الْإِعَانَةُ عَلَيْهَا بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ ) وَذِكْرِي لِهَذَيْنِ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا يَأْتِي فِي بَحْثِ تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ .
(
الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ : مُلَازَمَةُ الشَّرِّ
وَالْفُحْشِ حَتَّى يَخْشَاهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ ) أَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ شَرَّ النَّاسِ
عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ
أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ حِبَّانَ : { الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ ، وَالْإِيمَانُ فِي
الْجَنَّةِ ، وَالْبَذَاءُ - أَيْ الْفُحْشُ - مِنْ الْجَفَاءِ
وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ } .
وَأَحْمَدُ : { إنَّ الْفُحْشَ
وَالتَّفَحُّشَ لَيْسَا مِنْ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ ، وَإِنَّ أَحْسَنَ
النَّاسِ إسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا } .
الْكَبِيرَةُ
الْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ : كَسْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ )
كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : {
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
وَلَا يُصْلِحُونَ } .
نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْسِرُونَ الدَّرَاهِمَ .
وَلِخَبَرِ
أَبِي دَاوُد : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ تُكْسَرَ سِكَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةُ بَيْنَهُمْ
إلَّا مِنْ بَأْسٍ } ، انْتَهَى .
وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ بَلْ
الْكَلَامُ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً ،
وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا إنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ
لَقِيمَتِهَا ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ .
(
الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسِّتُّونَ : ضَرْبُ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ
وَالدَّنَانِيرِ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مِنْ الْغِشِّ الَّتِي لَوْ اطَّلَعَ
عَلَيْهَا النَّاسُ لَمَا قَبِلُوهَا ) وَذِكْرِي لِهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ
لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ دَلَائِلَ الْغِشِّ
الْآتِيَةَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ تَشْمَلُ هَذَا ، وَأَيْضًا فَفِيهِ
أَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ، إذْ غَالِبُ الْمُنْهَمِكِينَ
عَلَى ضَرْبِ الْكِيمْيَاءِ أَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَهَا وَإِنَّمَا
يَصْبُغُونَ ، أَوْ يَلْبَسُونَ ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْغِشِّ
الْمُسْتَلْزِمِ لِتَغْرِيرِ النَّاسِ وَأَكْلِ أَمْوَالِهِمْ
بِالْبَاطِلِ .
وَلِذَلِكَ تَجِدُهُمْ قَدْ مَحَقَهُمْ اللَّهُ
الْبَرَكَةَ وَسَحَقَهُمْ فَلَا يَسْتَتِرُ لَهُمْ عَوَارٌ وَلَا تُحْمَدُ
لَهُمْ آثَارٌ وَلَا يُقَرُّ لَهُمْ فِي مَحَلٍّ قَرَارٌ ، بَلْ ضُرِبَتْ
عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِأَقْبَحِ وَصْفٍ
وَحُرِمُوا الْجَنَّةَ لِأَنَّهُمْ أَخْلَصُوا الْقَصْدَ فِي مَحَبَّةِ
الدُّنْيَا وَتَحْصِيلِهَا بِالْبَاطِلِ ، وَرَضُوا بِغِشِّ
الْمُسْلِمِينَ وَأَكْلِ أَمْوَالِهِمْ وَضَيَاعِهَا فِيمَا لَيْسَ
بِطَائِلٍ ، فَوَفَّقَهُمْ اللَّهُ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَسُلُوكِ
سَبِيلِهِ وَمُجَانَبَةِ الْبَاطِلِ وَقَبِيلِهِ .
سِيَّمَا أَهْلُ
هَذِهِ الصِّنَاعَةِ الرَّذِيلَةِ الَّتِي أَوْسَعُوا فِي طُرُقِ
تَحْصِيلِهَا الْحِيلَةَ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَزْدَادُونَ إلَّا فَقْرًا
وَلَا يَذُوقُونَ فِيهَا إلَّا ذُلًّا وَقَهْرًا ، وَفَّقَنَا اللَّهُ
وَإِيَّاهُمْ لِطَاعَتِهِ آمِينَ .
الْبَابُ الثَّانِي فِي
الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ وَقَدْ عَزَمْت أَنْ أُرَتِّبَهَا عَلَى
تَرْتِيبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ لِيَسْهُلَ الْكَشْفُ عَنْهَا كِتَابُ
الطَّهَارَةِ بَابُ الْآنِيَةِ ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ
: الْأَكْلُ أَوْ الشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ )
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ الَّذِي يَأْكُلُ
وَيَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ - أَيْ
يُصَوِّتُ - فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ } .
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ : { إلَّا أَنْ يَتُوبَ } .
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ .
{ نُهِيَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ } .
وَرَوَى
الشَّيْخَانِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الَّذِي يَشْرَبُ
فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ }
.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ يَشْرَبُ فِي
إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ
نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ } .
تَنْبِيهَاتٌ : مِنْهَا : عَدُّ هَذَا
كَبِيرَةً هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا وَكَأَنَّهُ
أَخَذَ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، فَإِنَّ
تَصْوِيتَ النَّارِ فِي جَوْفِهِ الْمُتَوَعَّدَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ
عَذَابٌ شَدِيدٌ .
ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ صَلَاحَ الدِّينِ
الْعَلَائِيَّ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته مِنْ تَوْجِيهِ كَوْنِ ذَلِكَ
كَبِيرَةً وَزَادَ نَقْلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَتَبِعَهُ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ : قَالَ الشَّيْخُ
صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ : وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ
الشُّرْبَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَبِيرَةٌ وَهُوَ
مُنْطَبِقٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ
بِالنَّارِ كَبِيرَةٌ انْتَهَى .
وَنَقَلَ ذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ أَيْضًا فَقَالَ : وَعَدَّ مِنْهُنَّ ذَوُو الْأَعْمَالِ آنِيَةَ
النَّقْدَيْنِ
فِي اسْتِعْمَالِ لَكِنَّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ
وَغَيْرُهُ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْجُمْهُورِ : أَنَّ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ .
وَمِنْهَا
: ذِكْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْحَدِيثِ مِثَالٌ وَلِذَا
أَلْحَقُوا بِهِمَا سَائِرَ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَلْحَقُوا
بِالِاسْتِعْمَالِ الِاقْتِنَاءَ أَيْضًا فَيَحْرُمُ لِأَنَّ اقْتِنَاءَ
ذَلِكَ يَجُرُّ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَاقْتِنَاءِ آلَةِ اللَّهْوِ ،
وَالْمُرَادُ بِالْإِنَاءِ كُلُّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَمْرٍ وُضِعَ لَهُ
عُرْفًا ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمِرْوَدُ وَالْمُكْحُلَةُ وَالْخِلَالُ
وَمَا يُخْرَجُ بِهِ وَسَخُ الْأُذُنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
نَعَمْ إنْ
كَانَ بِعَيْنِهِ أَذًى ، وَقَالَ لَهُ طَبِيبٌ عَدْلٌ : إنَّ
الِاكْتِحَالَ بِمِرْوَدِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ يَنْفَعُ ذَلِكَ
حَلَّ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَمَحَّضُ
الْإِنَاءِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ ، بَلْ لَوْ غُشِّيَ إنَاءٌ
نَحْوُ نُحَاسٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِحَيْثُ سَتَرَ عَيْنَهُ وَكَانَ
يَتَحَصَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ لَوْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ حَرُمَ
اسْتِعْمَالُهُ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ إنَاءِ
النَّقْدَيْنِ ، وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِهِ الْعَيْنُ وَالْخُيَلَاءُ ،
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ غُشِّيَ إنَاءُ النَّقْدِ بِنَحْوِ نُحَاسٍ حَتَّى
عَمَّهُ جَمِيعَهُ حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَحَصَّلْ مِنْهُ
شَيْءٌ بِالنَّارِ كَمَا لَوْ صَدِئَ إنَاءُ الذَّهَبِ وَعَمَّهُ
الصَّدَأُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لِفَوَاتِ أَحَدِ جُزْأَيْ
الْعِلَّةِ وَهُوَ الْخُيَلَاءُ ، وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي
النَّفِيسَةِ الْمُثَمَّنَةِ كَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ لِانْتِفَاءِ
الْعَيْنِ وَلَا نَظَرَ لِوُجُودِ الْخُيَلَاءِ فِيهَا لِأَنَّهُ وَحْدَهُ
لَا يَكْفِي ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا الْخَوَاصُّ فَلَا
تَنْكَسِرُ بِاسْتِعْمَالِهِ قُلُوبُ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُمْ لَوْ
رَأَوْهُ لَمْ يَعْرِفْهُ غَالِبُهُمْ بِخِلَافِ الذَّهَبِ أَوْ
الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ، فَلَوْ جَازَ
اسْتِعْمَالُهُ لَأَدَّى إلَى كَسْرِ قُلُوبِهِمْ .
وَمِنْهَا : لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ مَا
مَرَّ
بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْمُكَلَّفِينَ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى
يَحْرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْقِيَ طِفْلَهَا فِي مِسْعَطِ فِضَّةٍ
، وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ مَا مَرَّ الضَّبَّةُ
الصَّغِيرَةُ عُرْفًا لِلزِّينَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّهَا
تَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، لِأَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِهِ ضَبَّةٌ ، وَأَصْلُ الضَّبَّةِ مَا
يُصْلَحُ بِهِ خَلَلُ الْإِنَاءِ كَشَرِيطٍ يُشَدُّ بِهِ كَسْرُهُ أَوْ
خَدْشُهُ ، ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى مَا هُوَ لِلزِّينَةِ تَوَسُّعًا ،
وَكَذَا تَحِلُّ ضَبَّةٌ لِحَاجَةٍ لَكِنْ تُكْرَهُ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً
؛ وَلَيْسَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ مَا يُتَلَقَّى بِالْفَمِ
أَوْ الْيَدِ مِنْ مَاءِ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ النَّازِلِ مِنْهُ ،
لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا عُرْفًا ، وَلَا الْجُلُوسُ
تَحْتَ سَقْفٍ مُمَوَّهٍ بِمَا لَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَهَبٍ
أَوْ فِضَّةٍ .
وَالْحِيلَةُ فِي حِلِّ اسْتِعْمَالِ آنِيَةِ النَّقْدِ
أَنْ يُصَبَّ مِمَّا فِيهِ فِي الْيَدِ الْيَسَارِ أَوْ فِي إنَاءٍ ثُمَّ
يَأْخُذُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى عُرْفًا
مُسْتَعْمِلًا لِإِنَاءِ النَّقْدِ " .
نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ إنَّمَا تَمْنَعُ حُرْمَةَ مُبَاشَرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الْإِنَاءِ .
أَمَّا
حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِهِ بِوَضْعِ مَظْرُوفِهِ فِيهِ وَحُرْمَةُ
اتِّخَاذِهِ فَلَا حِيلَةَ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ
، وَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِهِمْ نَفْعُ هَذِهِ الْحِيلَةِ فِي
الْكُلِّ .
بَابُ الْأَحْدَاثِ ( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ
وَالسِّتُّونَ : نِسْيَانُ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ مِنْهُ بَلْ أَوْ حَرْفٍ
) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ
أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ
وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ
سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا } .
وَأَبُو
دَاوُد عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : { مَا مِنْ امْرِئٍ يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَجْذَمَ } .
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ مِنْ أَكْبَرِ ذَنْبٍ
تُوَافَى بِهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَسُورَةً مِنْ كِتَابِ
اللَّهِ كَانَتْ مَعَ أَحَدِهِمْ فَنَسِيَهَا } .
وَأَخْرَجَ ابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُغِيثٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
عُرِضَتْ عَلَيَّ الذُّنُوبُ فَلَمْ أَرَ فِيهَا شَيْئًا أَعْظَمَ مِنْ
حَامِلِ الْقُرْآنِ وَتَارِكِهِ } : أَيْ بَعْدَ مَا كَانَ حَامِلَهُ
بِأَنْ نَسِيَهُ .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : {
مَا مِنْ أَحَدٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إلَّا لَقِيَ
اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ } .
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ
سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : { مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ
لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ } .
تَنْبِيهَاتٌ : عَدُّ نِسْيَانِ
الْقُرْآنِ كَبِيرَةً هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ،
لَكِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : إنَّ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيِّ : { عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ
ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا
رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا } فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ .
وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى .
وَكَلَامُ
التِّرْمِذِيِّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ عَقِبَهُ " غَرِيبٌ
لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَذَاكَرْتُ بِهِ مُحَمَّدَ
بْنَ
إسْمَاعِيلَ : أَيْ الْبُخَارِيَّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَاسْتَغْرَبَهُ .
قَالَ
مُحَمَّدٌ : وَلَا نَعْرِفُ لِلْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَيَّ رِوَايَةٍ
سَمَاعًا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَأَنْكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَنْ يَكُونَ الْمُطَّلِبُ سَمِعَ مِنْ أَنَسٍ .
"
انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَ
النَّوَوِيِّ بِقَوْلِهِ " فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ " أَيْ انْقِطَاعٌ لَا
ضَعْفٌ فِي الرَّاوِي الَّذِي هُوَ الْمُطَّلِبُ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ كَمَا
قَالَهُ جَمَاعَةٌ .
لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ : لَا
يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ لِأَنَّهُ يُرْسِلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا وَلَيْسَ لَهُ لِقِيٌّ .
وَبَيَّنَ
الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ ابْنَ
جُرَيْجٍ رَاوِيَهُ عَنْ الْمُطَّلِبِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
الْمُطَّلِبِ شَيْئًا كَمَا أَنَّ الْمُطَّلِبَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ
شَيْئًا فَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، وَمَا ذُكِرَ
أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ شَيْئًا يَرُدُّ
عَلَيْهِ قَوْلُ الْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ : إنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ .
وَحَدِيثُ : { مَا مِنْ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
ثُمَّ يَنْسَاهُ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ }
فِيهِ انْقِطَاعٌ وَإِرْسَالٌ أَيْضًا ، وَسُكُوتُ أَبِي دَاوُد عَلَيْهِ
مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ فِيهِ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ وَلَيْسَ صَالِحًا
لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ كَثِيرِينَ .
لَكِنْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ
الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَرَكَ حَدِيثَهُ ،
وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : هُوَ مِنْ
شِيعَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ انْتَهَى ،
وَبِالتَّعْبِيرِ فِيهِ بِامْرِئٍ الشَّامِلِ لِلرَّجُلِ وَغَيْرِهِ
يُعْلَمُ أَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا
إنَّمَا هُوَ لِلْغَالِبِ .
وَمِنْهَا : الظَّاهِرُ مِنْ الرَّوْضَةِ
أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلرَّافِعِيِّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ أَنَّ
ذَلِكَ كَبِيرَةٌ فَإِنَّهُ
لَمْ يَعْتَرِضْهُ فِي الْحُكْمِ ،
وَإِنَّمَا أَفَادَ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ عَلَى مَا مَرَّ ، وَمِنْ
ثَمَّ جَرَى مُخْتَصِرُو الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَبِهِ
يَتَّضِحُ قَوْلُ الصَّلَاحِ الْعَلَائِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ : إنَّ
النَّوَوِيَّ قَالَ : اخْتِيَارِي أَنَّ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ مِنْ
الْكَبَائِرِ لِحَدِيثٍ فِيهِ انْتَهَى ، فَأَرَادَ بِاخْتِيَارِهِ
لِذَلِكَ أَنَّهُ أَقَرَّ الرَّافِعِيَّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مُشْعِرٌ
بِاخْتِيَارِهِ وَاعْتِمَادِهِ .
نَعَمْ قَوْلُهُ " لِحَدِيثٍ فِيهِ "
فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ ، كَيْفَ
وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِضَعْفِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَالطَّعْنِ فِيهِ ،
وَإِنَّمَا سَبَبُ تَقْرِيرِهِ لِلرَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ اتِّضَاحُهُ
مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ فِي دَلِيلِهِ شَيْءٌ عَلَى أَنَّ
الَّذِي مَرَّ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا وَإِرْسَالًا ، وَقَدْ يُؤْخَذُ
مِنْ تَعْدَادِ طُرُقِهِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا فِيمَا مَرَّ جَبْرُ
مَا فِيهِ .
وَبِمَا وَجَّهْت بِهِ كَلَامَ الْعَلَائِيِّ مَعَ
النَّظَرِ فِيهِ مِنْ الْجِهَةِ السَّابِقَةِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ
الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ
اخْتِيَارُ كَوْنِهِ كَبِيرَةً خِلَافًا لِلْعَلَائِيِّ ، وَبِذَلِكَ
أَيْضًا يُرَدُّ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ : إنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ خَالَفَ
الرَّافِعِيَّ فِي كَوْنِ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ كَبِيرَةً .
وَمِنْهَا : قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : الْأَجْذَمُ الْمَقْطُوعُ الْيَدِ .
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : الْأَجْذَمُ هَاهُنَا الْمَجْذُومُ .
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : مَعْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُ وَلَا خَيْرَ فِيهِ .
وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ .
وَمِنْهَا
: قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا :
مَحَلُّ كَوْنِ نِسْيَانِهِ كَبِيرَةً عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ إذَا كَانَ
عَنْ تَكَاسُلٍ وَتَهَاوُنٍ انْتَهَى ، وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِذَلِكَ
عَمَّا لَوْ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِنَحْوِ إغْمَاءٍ أَوْ مَرَضٍ مَانِعٍ لَهُ
مِنْ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ
الْقِرَاءَةُ ، وَعَدَمُ التَّأْثِيمِ بِالنِّسْيَانِ
حِينَئِذٍ
وَاضِحٌ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ
بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَغَلَ عَنْهُ بِمَا يُمْكِنُهُ الْقِرَاءَةُ
مَعَهُ ، وَإِنْ كَانَ مَا اشْتَغَلَ بِهِ أَهَمَّ وَآكَدَ كَتَعَلُّمِ
الْعِلْمِ الْعَيْنِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ تَعَلُّمِهِ
الِاشْتِغَالُ بِهِ عَنْ الْقُرْآنِ الْمَحْفُوظِ حَتَّى نَسِيَ ،
وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ نِسْيَانَ آيَةٍ مِنْهُ كَبِيرَةٌ
أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ حَفِظَهُ بِصِفَةٍ مِنْ إتْقَانٍ أَوْ
تَوَسُّطٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَأَنْ كَانَ يَتَوَقَّفُ فِيهِ أَوْ يَكْثُرُ
غَلَطُهُ فِيهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي حَفِظَهُ
عَلَيْهَا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا نَقْصُهَا مِنْ حَافِظَتِهِ ،
أَمَّا زِيَادَتُهَا عَلَى مَا كَانَ فِي حَافِظَتِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ
أَمْرًا مُؤَكَّدًا يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ لِمَزِيدِ فَضْلِهِ
إلَّا أَنَّ عَدَمَهُ لَا يُوجِبُ إثْمًا .
وَحَمَلَ أَبُو شَامَةَ
شَيْخُ النَّوَوِيِّ وَتِلْمِيذُ ابْنِ الصَّلَاحِ الْأَحَادِيثَ فِي
ذَمِّ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ ، لِأَنَّ
النِّسْيَانَ هُوَ التَّرْكُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا
إلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ } قَالَ : وَلِلْقُرْآنِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ حَالَتَانِ : إحْدَاهُمَا : الشَّفَاعَةُ لِمَنْ قَرَأَهُ
وَلَمْ يَنْسَ الْعَمَلَ بِهِ .
وَالثَّانِيَةُ : الشِّكَايَةُ عَلَى
مَنْ نَسِيَهُ : أَيْ تَرَكَهُ تَهَاوُنًا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا
فِيهِ ، قَالَ : وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَنْ تَهَاوَنَ بِهِ حَتَّى
نَسِيَ تِلَاوَتَهُ كَذَلِكَ انْتَهَى .
وَهَذَا الَّذِي زَعَمَ
أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ النِّسْيَانِ الْوَاقِعِ
فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَهُوَ الْمُرَادُ مِنْهَا خِلَافًا لِمَا
زَعَمَهُ .
وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ
الصَّلَاةِ تَشْدِيدٌ عَظِيمٌ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ لِمَنْ أَخَذَ الْقُرْآنَ
ثُمَّ رَفَضَهُ وَنَامَ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ
فِي النِّسْيَانِ أَيْضًا .
وَمِنْهَا : قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : لَا يُقَالُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ ، فَكَيْفَ يُذَمُّ
مَنْ تَغَافَلَ عَنْ حِفْظِهِ ؟ لِأَنَّا نَقُولُ : مَنْ جَمَعَهُ فَقَدْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ وَشَرُفَ فِي نَفْسِهِ وَقَوْمِهِ ، وَكَيْفَ لَا ؟ وَمَنْ حَفِظَهُ فَقَدْ أُدْرِجَتْ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ ، وَصَارَ مِمَّنْ يُقَالُ : فِيهِ هُوَ مِنْ أَهْلِ اللَّهِ وَخَاصَّتِهِ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ الْمُنَاسِبِ تَغْلِيظُ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ أَخَلَّ بِمَرْتَبَتِهِ الدِّينِيَّةِ ، وَمُؤَاخَذَتُهُ بِمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُهُ ، وَتَرْكُ مُعَاهَدَةِ الْقُرْآنِ يُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ انْتَهَى .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسِّتُّونَ
: الْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ وَهُوَ الْمُخَاصَمَةُ ، وَالْمُحَاجَجَةُ ،
وَطَلَبُ الْقَهْرِ ، وَالْغَلَبَةِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ الدِّينِ )
أَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
لَا تُجَادِلُوا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ جِدَالًا فِيهِ كُفْرٌ } .
وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْجِدَالُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ عَنْهُ أَيْضًا ، { الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ } .
وَالسِّجْزِيُّ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : { نُهِيَ عَنْ الْجِدَالِ فِي الْقُرْآنِ } وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : { دَعُوا الْمِرَاءَ فِي الْقُرْآنِ
فَإِنَّ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى اخْتَلَفُوا فِي
الْقُرْآنِ ، إنَّ مِرَاءً فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ : { لَا تُمَارُوا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ
: { لَا تُجَادِلُوا فِي الْقُرْآنِ وَلَا تُكَذِّبُوا كِتَابَ اللَّهِ
بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، فَوَاَللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُجَادِلُ بِهِ
فَيُغْلَبُ ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَيُجَادِلُ بِهِ فَيُغَالِبُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ يَتَنَازَعُونَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ
يَا قَوْمُ بِهَذَا هَلَكَتْ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ مِنْ الْقُرُونِ ، إنَّ
الْقُرْآنَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ
بِبَعْضٍ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي
تَوْثِيقِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : { كُنَّا جُلُوسًا
عِنْدَ بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَتَذَاكَرُ يَنْزِعُ هَذَا بِآيَةٍ وَيَنْزِعُ هَذَا بِآيَةٍ ، فَخَرَجَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا
يُنْقَعُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ ، فَقَالَ : يَا هَؤُلَاءِ
أَبِهَذَا بُعِثْتُمْ أَمْ بِهَذَا أُمِرْتُمْ ؟ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي
كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ } وَصَحَّ : {
مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلَّا أُوتُوا الْجِدَالَ ثُمَّ قَرَأَ : { مَا ضَرَبُوهُ لَك إلَّا جَدَلًا } } .
وَرَوَى
الشَّيْخَانِ : { إنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ
الْخَصِمُ - أَيْ الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ - الَّذِي يُحِجُّ مُخَاصِمَهُ
} .
وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ عِيسَى
قَالَ : إنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ ، أَمْرٌ تَبَيَّنَ لَك رُشْدُهُ
فَاتَّبِعْهُ ، وَأَمْرٌ تَبَيَّنَ لَك غَيُّهُ فَاجْتَنِبْهُ ، وَأَمْرٌ
اُخْتُلِفَ فِيهِ فَرُدَّهُ إلَى عَالِمِهِ } .
وَرَوَى
الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ قَالُوا : { خَرَجَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا
وَنَحْنُ نَتَمَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَغَضِبَ غَضَبًا
شَدِيدًا لَمْ يَغْضَبْ مِثْلَهُ ثُمَّ انْتَهَرَنَا فَقَالَ : مَهْلًا
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ .
إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا
، ذَرُوا الْمِرَاءَ لِقِلَّةِ خَيْرِهِ ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ
الْمُؤْمِنَ لَا يُمَارِي ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ الْمُمَارِيَ قَدْ
تَمَّتْ خَسَارَتُهُ ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَكَفَى إثْمًا أَنْ لَا تَزَالَ
مُمَارِيًا ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ الْمُمَارِيَ لَا أَشْفَعُ لَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ذَرُوا الْمِرَاءَ فَأَنَا زَعِيمٌ بِثَلَاثَةِ
أَبْيَاتٍ فِي الْجَنَّةِ : فِي رَبَاضِهَا - أَيْ أَسْفَلِهَا
وَوَسَطِهَا ، وَأَعْلَاهَا ، لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ صَادِقٌ ،
ذَرُوا الْمِرَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا نَهَانِي عَنْهُ رَبِّي بَعْدَ
عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ الْمِرَاءُ } الْحَدِيثَ ، وَقَوْلُهُ : { بَعْدَ
عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ } لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَبَدَهَا حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ ، إذْ الْأَنْبِيَاءُ
مَعْصُومُونَ مِنْ الْكُفْرِ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ .
تَنْبِيهٌ
: عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً لَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إلَيْهِ ، وَهَذِهِ
الْأَحَادِيثُ كَمَا تَرَى ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ ، وَالْحَدِيثُ
الْأَخِيرُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا إلَّا أَنَّهُ يُعَضِّدُهُ حَدِيثُ
الْبُخَارِيِّ : { أَبْغَضُ الرِّجَالِ عِنْدَ اللَّهِ الْأَلَدُّ
الْخَصِمُ } .
وَقَدْ أَخَذَ جَمْعٌ
عَدَّ الْوَطْءِ فِي دُبُرِ
الْحَلِيلَةِ كَبِيرَةً مِنْ نَظِيرِ هَذَا وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي
بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ بِأَنَّهُ كُفْرٌ ، فَكَذَا يُقَالُ
هُنَا : إنَّ تَسْمِيَتَهُ كُفْرًا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، بَلْ
مَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْكُفْرِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ
ذَلِكَ الْوَطْءِ ، لِأَنَّ الْجِدَالَ وَالْمِرَاءَ فِي الْقُرْآنِ إنْ
أَدَّى إلَى اعْتِقَادِ وُقُوعِ تَنَاقُضٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ اخْتِلَالٍ فِي
نَظْمِهِ كَانَ كُفْرًا حَقِيقِيًّا وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ لِذَلِكَ
وَإِنَّمَا أَوْهَمَ بِهِ النَّاسَ تَنَاقُضًا أَوْ اخْتِلَالًا ، أَوْ
أَدْخَلَ بِالْكَلَامِ فِي الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ شُبْهَةً وَنَحْوَهَا ،
فَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا حَقِيقِيًّا إلَّا أَنَّهُ لَا
يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً لِعِظَمِ ضَرَرِهِ فِي الدِّينِ ،
وَأَدَائِهِ إلَى سُلُوكِ سَبِيلِ الْمُلْحِدِينَ .
وَلَقَدْ ضَرَبَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ أَرَادَ إدْخَالَ أَدْنَى شُبْهَةٍ
عَلَى النَّاسِ بِسُؤَالِهِ عَنْ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى : { فَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ } مَعَ قَوْله تَعَالَى : { فَلَا
أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } وَعَنْ قَوْله
تَعَالَى : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا
أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ } مَعَ قَوْله تَعَالَى : { يَوْمَ
تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ }
قَوْله تَعَالَى : { هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ } وَنَفَاهُ مِنْ
الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ خَشِيَ مِنْ فَتْحِ هَذَا الْبَابِ أَنْ
يَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى اعْتِقَادِ نَوْعِ نَقْصٍ فِي الْقُرْآنِ
الْمُنَزَّهِ الْمُكَرَّمِ .
وَالْحَاصِلُ : أَنَّ الْجِدَالَ فِيهِ إمَّا كُفْرٌ أَوْ عَظِيمُ الضَّرَرِ فِي الدِّينِ فَكَانَ إمَّا كُفْرًا أَوْ كَبِيرَةً .
وَبِذَلِكَ صَحَّ مَا ذَكَرْته وَاتَّضَحَ مَا حَرَّرْته وَاَللَّهُ - تَعَالَى - الْمُوَفِّقُ .
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ عَدَّ الْخِصَامَ مِنْ الْكَبَائِرِ كَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته .
خَاتِمَةٌ
فِي بَعْضِ أَحَادِيثَ مُنَبِّهَةٍ عَلَى أُمُورٍ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ
بِالْقُرْآنِ : أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ حِبَّانَ : { تَذَاكَرُوا الْقُرْآنَ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ
النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهَا } .
وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ : { تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ
وَحْشِيٌّ فَلَهُوَ أَسْرَعُ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ
الْإِبِلِ مِنْ عُقُلِهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْخَطِيبُ : {
تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ
تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ الْإِبِلِ النَّوَازِعِ إلَى
أَوْطَانِهَا } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : {
لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ } أَيْ
لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَأَمَّلُ مَعَانِيَهُ وَلَا يُحَكِّمُ
مَبَانِيَهُ .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ : { لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ : { لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ } .
وَمُسْلِمٌ : { لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ } .
وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا : { بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ } .
وَأَيْضًا : { نُهِيَ أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ
: { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لِيَأْكُلَ بِهِ أَمْوَالَ النَّاسِ جَاءَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ
وَضَعَّفَهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : { عَلَّمْتُ رَجُلًا
الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إلَيَّ قَوْسًا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنْ أَخَذْتَهَا أَخَذْتَ
قَوْسًا مِنْ نَارٍ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَابْنِ مَنِيعٍ
وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ
وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي يَعْلَى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ بِمِثْلِ قِصَّةِ أُبَيِّ : { إنْ كُنْت تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ بِهَا طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَخُذْهَا } .
وَأَبُو نُعَيْمٍ { إنْ أَرَدْت أَنْ يُقَلِّدَك اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَخُذْهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ يَأْخُذْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ قَوْسًا قَلَّدَهُ اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ } .
وَأَبُو
نُعَيْمٍ : { مَنْ أَخَذَ عَلَى الْقُرْآنِ أَجْرًا فَقَدْ تَعَجَّلَ
حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَالْقُرْآنُ يُحَاجِجُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ } .
وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
فَحَرَّمُوا الِاسْتِئْجَارَ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ، وَجَوَّزَهُ
الْأَكْثَرُونَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ
أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ } .
وَمُحَمَّدُ
بْنُ نَصْرٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ : { قَالُوا : يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنَّا لَنَجِدُ لِلْقُرْآنِ مِنْك مَا لَا نَجِدُ مِنْ
أَنْفُسِنَا إذَا نَحْنُ خَلَوْنَا ، فَقَالَ : أَجَلْ .
أَنَا أَقْرَؤُهُ لِبَطْنٍ وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَهُ لِظَهْرٍ .
قَالُوا
: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْبَطْنُ مِنْ الظَّهْرِ ؟ قَالَ أَنَا
أَقْرَؤُهُ وَأَتَدَبَّرُهُ وَأَعْمَلُ بِمَا فِيهِ ، تَقْرَءُونَهُ
أَنْتُمْ هَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَأَمَرَّهَا } .
وَالسِّجْزِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ وَفِي بَعْضِ رُوَاتِهِ مَقَالٌ .
وَابْنُ
السُّنِّيِّ وَالدَّيْلَمِيُّ : { حَمَلَةُ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ :
أَحَدُهُمْ اتَّخَذَهُ مَتْجَرًا ، وَالْآخَرُ يَزْهُو بِهِ حَتَّى لَهُوَ
أَزْهَى بِهِ مِنْ مَزَامِيرَ عَلَى مِنْبَرٍ فَيَقُولُ : وَاَللَّهِ لَا
أَلْحَنُ وَلَا يَعِيبُنِي فِيهِ حَرْفٌ فَتِلْكَ الطَّائِفَةُ شِرَارُ
أُمَّتِي ، وَحَمَلَهُ آخَرُ فَسَرْبَلَهُ جَوْفُهُ وَأَلْهَمَهُ قَلْبُهُ
فَاتَّخَذَ قَلْبَهُ مِحْرَابًا ، النَّاسُ مِنْهُ فِي عَافِيَةٍ
وَنَفْسُهُ مِنْهُ فِي بَلَاءٍ فَأُولَئِكَ أَقَلُّ فِي أُمَّتِي مِنْ
الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَالسِّجْزِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَفِي رُوَاتِهِ مَقَالٌ .
وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ .
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ مِنْ قَوْلِهِ : { قُرَّاءُ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَاتَّخَذَهُ
بِضَاعَةً اسْتَمَالَ بِهِ النَّاسَ ، وَرَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَقَامَ حُرُوفَهُ ، وَضَيَّعَ حُدُودَهُ ، كَثُرَ هَؤُلَاءِ مِنْ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ لَا كَثَّرَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَرَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَوَضَعَ دَوَاءَ الْقُرْآنِ عَلَى دَاءِ قَلْبِهِ فَأَسْهَرَ بِهِ لَيْلَهُ وَأَظْمَأَ بِهِ نَهَارَهُ وَقَامُوا فِي مَسَاجِدِهِمْ وَحُفُّوا بِهِ تَحْتَ بَرَانِسِهِمْ ، فَهَؤُلَاءِ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِمْ الْبَلَاءَ وَيُنِيلُ مِنْ الْأَعْدَاءِ وَيُنَزِّلُ غَيْثَ السَّمَاءِ فَوَاَللَّهِ لَهَؤُلَاءِ مِنْ الْقُرَّاءِ أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ }
بَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (
الْكَبِيرَةُ السَّبْعُونَ : التَّغَوُّطُ فِي الطُّرُقِ ) أَخْرَجَ
الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ سِيرِينَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : أَفْتَيْتَنَا
فِي كُلِّ شَيْءٍ يُوشِكُ أَنْ تُفْتِيَنَا فِي الْخُرْءِ ، فَقَالَ :
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : {
مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ عَلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ
} .
وَالْخَطِيبُ : { مَنْ تَغَوَّطَ عَلَى حَافَّةِ نَهْرٍ
يُتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيُشْرَبُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } .
وَأَحْمَدُ : { اتَّقُوا
الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ ، قِيلَ : مَا الْمَلَاعِنُ الثَّلَاثُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنْ يَقْعُدَ أَحَدُكُمْ فِي ظِلٍّ
يُسْتَظَلُّ بِهِ أَوْ فِي طَرِيقٍ أَوْ فِي نَقْعِ مَاءٍ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ : { اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ الْبَرَازَ
فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ } .
وَفِي أُخْرَى
لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ : { اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ ، قَالُوا : وَمَا
اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِي يَتَخَلَّى فِي
طَرِيقِ النَّاسِ وَفِي ظِلِّهِمْ } .
أَيْ الَّذِي اتَّخَذُوهُ
مَقِيلًا وَمَنْزِلًا لَا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَضَى حَاجَتَهُ تَحْتَ حَائِشٍ مِنْ النَّخْلِ وَهُوَ لَا
مَحَالَةَ لَهُ ظِلٌّ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ .
وَفِي أُخْرَى لِابْنِ
مَاجَهْ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { إيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى
جَوَادِّ الطَّرِيقِ ، وَالصَّلَاةَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مَأْوَى
الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ ، وَقَضَاءَ الْحَاجَةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا
الْمَلَاعِنُ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ مَا اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لِمَا مَرَّ أَنَّ مِنْ أَمَائِرِ
الْكَبِيرَةِ اللَّعْنَ .
لَكِنَّ
أَئِمَّتَنَا لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى ذَلِكَ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ
الْأَوَّلِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ
بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ صَغِيرَةٌ أَوْ مَكْرُوهٌ ؟
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ .
لَكِنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ
تُرَجِّحُ الْحُرْمَةَ الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ مِنْ
أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ
وَأَقَرَّاهُ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَفِي
الْخَادِمِ : مُرَادُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ التَّحْرِيمُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ
فِيهِ إيذَاءً لِلْمُسْلِمِينَ بِإِشْغَالِ الطَّرِيقِ بِغَيْرِ حَقِّهِ
مِنْ الطُّرُوقِ .
أَمَّا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَدَبًا مِنْ آدَابِ
قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَنْتَهِي إلَى التَّحْرِيمِ فَهُوَ ذُو
وَجْهَيْنِ ، هَذَا إنْ جَرَيْنَا عَلَى أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعُدَّةِ
مَا فَهِمَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ، وَإِنَّمَا
أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ يُخِلُّ
بِالْمُرُوءَةِ لَا لِكَوْنِهِ حَرَامًا .
انْتَهَى مُلَخَّصًا .
(
الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالسَّبْعُونَ : عَدَمُ التَّنَزُّهِ مِنْ
الْبَوْلِ فِي الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ
وَغَيْرُهُمَا : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ
بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي
كَبِيرٍ بَلَى إنَّهُ لَكَبِيرٌ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي
بِالنَّمِيمَةِ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ
بَوْلِهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي
صَحِيحِهِ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِحَائِطٍ
فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا
يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، إنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ
لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ
} الْحَدِيثَ .
وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا لَا بَأْسَ إلَّا أَنَّ
فِيهَا مُخْتَلَفًا فِي تَوْثِيقِهِ : { عَامَّةُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي
الْبَوْلِ } ، وَفِي لَفْظٍ : { مِنْ الْبَوْلِ فَاسْتَنْزِهُوا مِنْ
الْبَوْلِ } .
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ : { أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ } .
وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا لَا بَأْسَ بِهِ : { اتَّقُوا الْبَوْلَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ فِي الْقَبْرِ } .
وَفِي
أُخْرَى لِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ قَالَ : { بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَمْشِي بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ إذْ أَتَى عَلَى
قَبْرَيْنِ فَقَالَ : إنَّ صَاحِبَيْ هَذَيْنِ الْقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ
فَأْتِيَانِي بِجَرِيدَةٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَاسْتَبَقْتُ أَنَا
وَصَاحِبِي ، فَأَتَيْتُهُ بِجَرِيدَةٍ ، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَوَضَعَ
فِي هَذَا الْقَبْرِ وَاحِدَةً وَفِي ذَا الْقَبْرِ وَاحِدَةً وَقَالَ :
لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ } .
وَفِي
أُخْرَى لِأَحْمَدَ وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ قَالَ : { مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَالَ : وَكَانَ
النَّاسُ
يَمْشُونَ خَلْفَهُ قَالَ : فَلَمَّا سَمِعَ صَوْتَ
النِّعَالِ وَقَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَجَلَسَ حَتَّى قَدَّمَهُمْ
أَمَامَهُ ، فَلَمَّا مَرَّ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ إذَا بِقَبْرَيْنِ قَدْ
دَفَنُوا فِيهِمَا رَجُلَيْنِ قَالَ : فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ دَفَنْتُمْ هَاهُنَا الْيَوْمَ ؟
قَالُوا : فُلَانٌ وَفُلَانٌ ، قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ
؟ قَالَ : أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ ،
وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَخَذَ جَرِيدَةً
رَطْبَةً فَشَقَّهَا ثُمَّ جَعَلَهَا عَلَى الْقَبْرِ ، قَالُوا : يَا
نَبِيَّ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : لِيُخَفِّفَ عَنْهُمَا ،
قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَتَّى مَتَى هُمَا يُعَذَّبَانِ ؟ قَالَ :
غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ ، وَلَوْلَا تَمَزُّعُ قُلُوبِكُمْ
وَتَزَيُّدُكُمْ فِي الْحَدِيثِ لَسَمِعْتُمْ مَا أَسْمَعُ } .
وَفِي
أُخْرَى لِابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : { كُنَّا نَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَرْنَا عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَامَ فَقُمْنَا
مَعَهُ ، فَجَعَلَ لَوْنُهُ يَتَغَيَّرُ حَتَّى رَعَدَ كُمُّ قَمِيصِهِ ،
فَقُلْنَا : مَا لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : أَمَا تَسْمَعُونَ
مَا أَسْمَعُ ؟ فَقُلْنَا : وَمَا ذَاكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ؟ قَالَ :
هَذَانِ رَجُلَانِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا عَذَابًا شَدِيدًا فِي
ذَنْبٍ هَيِّنٍ - أَيْ فِي ظَنِّهِمَا أَوْ هَيِّنٍ عَلَيْهِمَا
اجْتِنَابُهُ - قُلْنَا : فَبِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ : كَانَ أَحَدُهُمَا لَا
يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ الْآخَرُ يُؤْذِي النَّاسَ
بِلِسَانِهِ وَيَمْشِي بَيْنَهُمْ بِالنَّمِيمَةِ فَدَعَا بِجَرِيدَتَيْنِ
مِنْ جَرَائِدِ النَّخْلِ فَجَعَلَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً ، قُلْنَا
: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ،
يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا دَامَتَا رَطْبَتَيْنِ } .
وَأَخْرَجَ ابْنُ
أَبِي الدُّنْيَا ، وَالطَّبَرَانِيُّ - بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ - وَأَبُو
نُعَيْمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَرْبَعَةٌ
يُؤْذُونَ أَهْلَ
النَّارِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الْأَذَى
يَسْعَوْنَ بَيْنَ الْحَمِيمِ وَالْجَحِيمِ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ
وَالثُّبُورِ ، يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا بَالُ
هَؤُلَاءِ قَدْ آذَوْنَا عَلَى مَا بِنَا مِنْ الْأَذَى قَالَ : فَرَجُلٌ
يُغْلَقُ عَلَيْهِ تَابُوتٌ مِنْ جَمْرٍ ، وَرَجُلٌ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ ،
وَرَجُلٌ يَسِيلُ فُوهُ قَيْحًا وَدَمًا ، وَرَجُلٌ يَأْكُلُ لَحْمَهُ ،
قَالَ : فَيُقَالُ لِصَاحِبِ التَّابُوتِ مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ
آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنْ الْأَذَى ، فَيَقُولُ : إنَّ الْأَبْعَدَ
مَاتَ وَفِي عُنُقِهِ أَمْوَالُ النَّاسِ مَا يَجِدُ لَهَا قَضَاءً أَوْ
وَفَاءً .
ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِي يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ : مَا بَالُ
الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنْ الْأَذَى فَيَقُولُ : إنَّ
الْأَبْعَدَ كَانَ لَا يُبَالِي أَيْنَ أَصَابَ الْبَوْلُ مِنْهُ لَا
يَغْسِلُهُ } .
وَيَأْتِي فِي بَحْثِ الْغِيبَةِ تَمَامُ الْحَدِيثِ .
وَأَخْرَجَ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ : { أَوَ مَا عَلِمْتُمْ مَا أَصَابَ صَاحِبَ
بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا إذَا أَصَابَهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْبَوْلِ
قَرَضُوهُ بِالْمَقَارِيضِ فَنَهَاهُمْ صَاحِبُهُمْ فَعُذِّبَ فِي
قَبْرِهِ } .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عَلِمْت مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
أَنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ عَدَمَ التَّنَزُّهِ عَنْ الْبَوْلِ
كَبِيرَةٌ ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَسَبَقَهُمْ
إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ تَرْجَمَ عَلَى رِوَايَتِهِ السَّابِقَةِ
بَابَ : مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ لَا يُسْتَنْزَهَ مِنْ الْبَوْلِ .
قَالَ
الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا
يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ } مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَمْ يُعَذَّبَا فِي
أَمْرٍ كَانَ يَكْبُرُ عَلَيْهِمَا ، أَوْ يَشُقُّ فِعْلُهُ لَوْ أَرَادَا
أَنْ يَفْعَلَاهُ وَهُوَ التَّنَزُّهُ مِنْ الْبَوْلِ وَتَرْكُ
النَّمِيمَةِ ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي هَاتَيْنِ
الْخَصْلَتَيْنِ لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ فِي حَقِّ الدِّينِ وَأَنَّ
الذَّنْبَ فِيهِمَا هَيِّنٌ سَهْلٌ .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ
: وَلِخَوْفِ تَوَهُّمِ مِثْلِ هَذَا اسْتَدْرَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ .
وَفِي
هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا
يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِأَنْ يَمْشِيَ خُطُوَاتٍ أَوْ يَنْتُرَ ذَكَرَهُ
أَوْ يَتَنَحْنَحَ ، وَقَدْ جَرَتْ لِكُلِّ إنْسَانٍ عَادَةٌ فِي
الِاسْتِبْرَاءِ لَا تَخْرُجُ فَضَلَاتُ بَوْلِهِ إلَّا بِهَا ،
فَلْيَفْعَلْ كُلُّ إنْسَانٍ عَادَتَهُ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ
الِاسْتِقْصَاءُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُورِثْ الْوَسْوَاسَ وَيَضُرُّ
بِهِ سِيَّمَا بِالذَّكَرِ إذَا أَكْثَرَ مِنْ جَذْبِهِ ، وَكَذَلِكَ
يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي غَائِطِهِ أَنْ يُبَالِغَ فِي غَسْلِ
مَحَلِّهِ وَأَنْ يَسْتَرْخِيَ قَلِيلًا حَتَّى يَغْسِلَ مَا فِي
تَضَاعِيفِ شَرْجِ حَلْقَةِ دُبُرِهِ ، فَإِنَّ كَثِيرِينَ مِمَّنْ لَا
يَسْتَرْخُونَ وَلَا يُبَالِغُونَ فِي غَسْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ
يُصَلُّونَ بِالنَّجَاسَةِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ ذَلِكَ الْوَعِيدُ
الشَّدِيدُ الْمَذْكُورُ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ ، لِأَنَّهُ إذَا
تَرَتَّبَ عَلَى الْبَوْلِ فَلَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْغَائِطِ مِنْ
بَابِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْذَرُ وَأَفْحَشُ .
وَقَدْ حَكَى
الْأَئِمَّةُ أَنَّ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ الْمَالِكِيَّ رُئِيَ فِي
النَّوْمِ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك ؟ قَالَ : غَفَرَ لِي ،
قِيلَ : بِمَاذَا ؟ قَالَ : بِقَوْلِي فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ
الِاسْتِنْجَاءِ وَأَنْ يَسْتَرْخِيَ قَلِيلًا وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ
قَالَهَا ، أَيْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَرْخَى
مَقْعَدَتَهُ قَلِيلًا ظَهَرَتْ تِلْكَ التَّضَاعِيفُ وَالتَّثَنِّي
الَّذِي فِي فَمِ الدُّبُرِ فَيَصِلُهُ الْمَاءُ وَيُنَقِّي مَا فِيهِ
بِخِلَافِ مَا إذَا غَسَلَهُ بِدُونِ ذَلِكَ ، وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ
أَنْ يَغْسِلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ
وَآثَارِهَا عَنْ جَمِيعِ حَدِّ الظَّاهِرِ ، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى
ظَنِّهِ زَوَالُ ذَلِكَ ثُمَّ شَمَّ فِي يَدِهِ رِيحَ النَّجَاسَةِ فَإِنْ
كَانَ فِي جِرْمِ الْيَدِ الْمُبَاشِرِ لَلْمَحَلِّ وَجَبَ غَسْلُهُ
لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَشُمَّهَا مِنْ
ذَلِكَ كَأَنْ شَمَّهَا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ أَوْ شَكَّ لَمْ
يَلْزَمْهُ إلَّا غَسْلُ يَدِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الرِّيحَ
فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَمْ يُبَاشِرْ الدُّبُرَ .
بَابُ
الْوُضُوءِ ( الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالسَّبْعُونَ : تَرْكُ شَيْءٍ
مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ لَمْ يُخَلِّلْ
أَصَابِعَهُ بِالْمَاءِ خَلَّلَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ } وَرَوَاهُ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا وَفِي الْكَبِيرِ
مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ : {
لَتَنْهَكُنَّ الْأَصَابِعَ بِالطَّهُورِ أَوْ لَتَنْهَكُنَّهَا النَّارُ
} النَّهْكُ : الْمُبَالَغَةُ : أَيْ لَتُبَالِغُنَّ فِي غَسْلِهَا أَوْ
لَتُبَالِغَنَّ النَّارُ فِي إحْرَاقِهَا ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي
الْكَبِيرِ مَوْقُوفًا : { خَلِّلُوا الْأَصَابِعَ الْخَمْسَ لَا
يَحْشُوهَا اللَّهُ نَارًا } .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ فَقَالَ :
وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا :
أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْمِطْهَرَةِ فَقَالَ :
أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَإِنِّي سَمِعْت أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ ، أَوْ
وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّارِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ
لِأَحْمَدَ وَمَرْفُوعَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَابْنِ
خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ : { وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ
الْأَقْدَامِ مِنْ النَّارِ } .
وَفِي أُخْرَى لِلطَّبَرَانِيِّ فِي
سَنَدِهَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ { أَبِي الْهَيْثَمِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَتَوَضَّأُ فَقَالَ بَطْنَ الْقَدَمِ يَا أَبَا الْهَيْثَمِ } .
وَرَوَى
مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ : أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى قَوْمًا وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ فَقَالَ :
وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ } .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ بِسُورَةِ
الرُّومِ
فَلَبَسَ بَعْضُهَا فَقَالَ : إنَّمَا لَبَسَ عَلَيْنَا الشَّيْطَانُ
الْقِرَاءَةَ مِنْ أَجْلِ أَقْوَامٍ يَأْتُونَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ
وُضُوءٍ ، فَإِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَأَحْسِنُوا الْوُضُوءَ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُ صَحِيحَةٍ أَيْضًا { فَتَرَدَّدَ فِي آيَةٍ فَلَمَّا
انْصَرَفَ قَالَ : إنَّهُ لَبَّسَ عَلَيْنَا الْقِرَاءَةَ أَنَّ
أَقْوَامًا مِنْكُمْ يُصَلُّونَ مَعَنَا لَا يُحْسِنُونَ الْوُضُوءَ ،
فَمَنْ شَهِدَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ } .
وَرَوَى
ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ حَتَّى يُسْبِغَ
الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِغَسْلِ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ إلَى
الْمَرْفِقَيْنِ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ } .
وَأَخْرَجَ
أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ : { خَرَجَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
حَبَّذَا الْمُتَخَلِّلُونَ مِنْ أُمَّتِي ، قَالُوا : وَمَا
الْمُتَخَلِّلُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْمُتَخَلِّلُونَ
بِالْوُضُوءِ وَالْمُتَخَلَّلُونَ مِنْ الطَّعَامِ } .
أَمَّا تَخْلِيلُ الْوُضُوءِ : فَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ .
وَأَمَّا
تَخْلِيلُ الطَّعَامِ : فَمِنْ الطَّعَامِ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدَّ
عَلَى الْمَلَكَيْنِ مِنْ أَنْ يَرَيَا بَيْنَ أَسْنَانِ صَاحِبِهِمَا
طَعَامًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي .
تَنْبِيهٌ : اُسْتُفِيدَ مِنْ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ التَّوَعُّدُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا
مِنْ وَاجِبِ غَسْلِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ ، وَيُقَاسُ بِهِ بَقِيَّةُ
وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي حَدِّ الْكَبِيرَةِ
السَّابِقِ بِأَنَّهُ مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ ، فَلِذَلِكَ عَدَدْتُ
ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي لِذَلِكَ ،
لِأَنَّ أَحَدَهُمْ شَامِلٌ لَهُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ - أَعْنِي
الْوَاجِبَ إجْمَاعًا أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِاعْتِقَادِ التَّارِكِ -
يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الصَّلَاةِ ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِمْ
الْآتِي : إنَّ تَرْكَهَا كَبِيرَةٌ .
بَابُ الْغُسْلِ (
الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ : تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ
وَاجِبَاتِ الْغُسْلِ ) أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ
وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَسَدِهِ فِي جَنَابَةٍ
لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فِي النَّارِ } قَالَ
عَلِيٌّ : فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْت شَعْرَ رَأْسِي ، وَكَانَ يَجُزُّ
شَعْرَهُ " .
وَابْنُ جَرِيرٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا : { تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ
مُرْسَلًا وَابْنُ جَرِيرٍ مَوْصُولًا : { تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ
جَنَابَةٌ فَبِلُّوا الشَّعْرَ وَنَقُّوا الْبَشَرَ } .
وَأَحْمَدُ : { يَا عَائِشَةُ إنَّ عَلَى كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { اتَّقُوا اللَّهَ وَأَحْسِنُوا الْغُسْلَ فَإِنَّهَا مِنْ
الْأَمَانَةِ الَّتِي حُمِّلْتُمْ وَالسَّرَائِرِ الَّتِي
اُسْتُوْدِعْتُمْ } .
تَنْبِيهٌ : مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ كَمَا تَرَى ، وَبِهِ يَتَّضِحُ عَدُّ
ذَلِكَ كَبِيرَةً ، سِيَّمَا مَعَ مُلَاحَظَةِ مَا مَرَّ أَنَّ تَرْكَهُ
يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الصَّلَاةِ ، نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ .
(
الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ : كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِغَيْرِ
ضَرُورَةٍ وَمِنْهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ سَاتِرٍ لَهَا
) أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ عَلَى غَائِطِهِمَا يَنْظُرُ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ
وَجَلَّ - يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد
وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ : { لَا يَخْرُجْ الرَّجُلَانِ
يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ - أَيْ يَأْتِيَانِهِ - كَاشِفَيْنِ عَنْ
عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَمْقُتُ
عَلَى ذَلِكَ } وَفِي سَنَدِهِمَا مَنْ رَوَى لَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
لَكِنْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : إنَّهُ مَجْهُولٌ .
وَأَخْرَجَ
الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ : { لَا يَخْرُجْ اثْنَانِ إلَى
الْغَائِطِ فَيَجْلِسَانِ يَتَحَدَّثَانِ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا
فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ } ، وَصَحَّحَ
ابْنَا السَّكَنِ وَالْقَطَّانُ خَبَرَ : { إذَا تَغَوَّطَ الرَّجُلَانِ
فَلْيَتَوَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ } .
وَأَخْرَجَ
أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالْحَاكِمُ
وَالْبَيْهَقِيُّ : { احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا
مَلَكَتْ يَمِينُك ، قِيلَ : إذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ
قَالَ : فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا
يَرَيَنَّهَا ، قِيلَ : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ، قَالَ :
فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ } .
وَأَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَيِيٌّ
سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْتَتِرْ } .
وَالْحَاكِمُ عَنْ جَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { إنَّا نُهِينَا أَنْ تُرَى عَوْرَاتُنَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { نُهِيت أَنْ أَمْشِيَ عَارِيًّا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
: { إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ
إلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ
فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ } .
وَابْنُ
عَسَاكِرَ : { إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - حَيِيٌّ عَلِيمٌ سِتِّيرٌ ،
فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ وَلَوْ بِجِرْمِ حَائِطٍ } .
وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ : { إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - حَيِيٌّ يُحِبُّ
الْحَيَاءَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَتَوَارَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ } .
وَالدَّيْلَمِيُّ : { لَا تَدْخُلُنَّ الْمَاءَ إلَّا بِمِئْزَرٍ فَإِنَّ لِلْمَاءِ عَيْنَيْنِ } .
وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ بَلَغَنِي { أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِأَجِيرٍ لَهُ
يَغْتَسِلُ عَارِيًّا فَقَالَ : لَا أَرَاك تَسْتَحِي مِنْ رَبِّكَ ، خُذْ
إجَارَتَك لَا حَاجَةَ لَنَا بِك } .
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ : { مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ
إلَّا بِمِئْزَرٍ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ } .
وَابْنُ مَاجَهْ
وَأَبُو دَاوُد : { سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ
فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلَنَّهَا
الرِّجَالُ إلَّا بِالْإِزَارِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً
أَوْ نُفَسَاءَ } .
وَفِي رِوَايَةٍ إسْنَادُهَا لَيْسَ بِذَلِكَ
الْقَائِمِ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ : { نَهَى الرِّجَالَ
وَالنِّسَاءَ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ
يَدْخُلُوهَا فِي الْمِئْزَرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلنِّسَاءِ } .
وَفِي
أُخْرَى صَحِيحَةٍ : { الْحَمَّامُ حَرَامٌ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي }
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ،
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ نِسَائِكُمْ
فَلَا تَدْخُلْ الْحَمَّامَ } .
وَصَحَّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنَعَ لِأَجْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ النِّسَاءَ عَنْ الْحَمَّامِ .
وَفِي
أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا : { احْذَرُوا بَيْتًا يُقَالُ لَهُ
الْحَمَّامُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يُذْهِبُ الدَّرَنَ
- أَيْ الْوَسَخَ - وَيَنْفَعُ الْمَرِيضَ ، قَالَ فَمَنْ دَخَلَهُ
فَلْيَسْتَتِرْ } .
زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي أَوَّلِهَا : { شَرُّ
الْبُيُوتِ الْحَمَّامُ ، تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ ، وَتُكْشَفُ فِيهِ
الْعَوْرَاتُ } .
وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا : " إنَّ نِسَاءً
مِنْ حِمْصَ أَوْ الشَّامِ دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهَا فَقَالَتْ : أَنْتُنَّ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ
نِسَاؤُكُنَّ الْحَمَّامَاتِ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي
غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا هَتَكَتْ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
رَبِّهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ لِأُمِّ
سَلَمَةَ وَأَنَّهَا قَالَتْ لَهُنَّ - لَمَّا قُلْنَ لَهَا :
وَبِالْحَمَّامَاتِ بَأْسٌ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَزَعَتْ ثِيَابَهَا
فِي غَيْرِ بَيْتِهَا خَرَقَ اللَّهُ عَنْهَا سِتْرَهُ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ : { مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ
إلَّا بِمِئْزَرٍ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ - أَيْ مَوْطُوءَتَهُ مِنْ زَوْجَةٍ
أَوْ أَمَةٍ - الْحَمَّامَ } .
وَفِي أُخْرَى فِي سَنَدِهَا ابْنُ
لَهِيعَةَ : { أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَأَلَتْهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَمَّامِ فَقَالَ : إنَّهُ سَيَكُونُ
بَعْدِي حَمَّامَاتٌ وَلَا خَيْرَ فِي الْحَمَّامَاتِ لِلنِّسَاءِ ،
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا تَدْخُلُهُ بِإِزَارٍ ، فَقَالَ
لَا ؛ وَإِنْ دَخَلَتْهُ بِإِزَارٍ وَدِرْعٍ وَخِمَارٍ ، وَمَا مِنْ
امْرَأَةٍ تَنْزِعُ خِمَارَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا
كَشَفَتْ السِّتْرَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ
:
{ إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أُفُقًا ، أَيْ نَاحِيَةً ، فِيهَا بُيُوتٌ
يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ حَرَامٌ عَلَى أُمَّتِي دُخُولُهَا ،
فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا تُذْهِبُ الْوَصَبَ ، - أَيْ
الْمَرَضَ - ، وَتُنَقِّي الدَّرَنَ قَالَ فَإِنَّهَا حَلَالٌ لِذُكُورِ
أُمَّتِي فِي الْأُزُرِ حَرَامٌ عَلَى إنَاثِ أُمَّتِي } .
وَفِي
أُخْرَى لَهُ أَيْضًا : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ ، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ ، مَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشْرَبْ الْخَمْرَ
، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ
عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ .
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ
أَجْنَبِيَّةٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمِيَّةٌ } .
وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ : { إنَّ الْحَمَّامَ بَيْتٌ لَا يَسْتُرُ وَمَاءٌ لَا
يُطَهِّرُ ، لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَدْخُلَهُ إلَّا بِمِنْدِيلٍ ،
مُرْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَفْتِنُونَ نِسَاءَهُمْ : { الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } عَلِّمُوهُنَّ ، وَمُرُوهُنَّ
بِالتَّسْبِيحِ } .
وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ : { بِئْسَ
الْبَيْتُ الْحَمَّامُ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَتُكْشَفُ فِيهِ
الْعَوْرَاتُ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { أَنْشُدُ اللَّهَ رِجَالَ
أُمَّتِي لَا يَدْخُلُونَ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ وَأَنْشُدُ
اللَّهَ نِسَاءَ أُمَّتِي لَا يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { شَرُّ الْبَيْتِ الْحَمَّامُ ؛ تَعْلُو فِيهِ الْأَصْوَاتُ ،
وَتُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ فَمَنْ دَخَلَهُ فَلَا يَدْخُلْهُ إلَّا
مُسْتَتِرًا } .
وَالشِّيرَازِيُّ : { مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ لَعَنَهُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ } .
وَالْحَكِيمُ
التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ السُّنِّيِّ وَابْنُ عَسَاكِرَ : { نِعْمَ
الْبَيْتُ يَدْخُلُهُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَيْتُ الْحَمَّامِ ،
وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ
مِنْ النَّارِ .
وَبِئْسَ الْبَيْتُ يَدْخُلُهُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ
بَيْتُ الْعَرُوسِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُرَغِّبُهُ فِي الدُّنْيَا وَيُنْسِيهِ الْآخِرَةَ } .
وَالْعُقَيْلِيُّ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { أَوَّلُ مَنْ
دَخَلَ الْحَمَّامَاتِ وَوُضِعَتْ لَهُ النُّورَةُ سُلَيْمَانُ بْنُ
دَاوُد .
فَلَمَّا دَخَلَهُ وَوَجَدَ حَرَّهُ وَغَمَّهُ قَالَ : أُوهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أُوهِ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ أُوهِ } .
وَابْنُ
عَسَاكِرَ : { إذَا كَانَ آخِرُ الزَّمَانِ حَرُمَ فِيهِ دُخُولُ
الْحَمَّامِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي بِمَآزِرِهَا قَالُوا : يَا رَسُولَ
اللَّهِ لِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَى قَوْمٍ عُرَاةٍ
، أَلَا وَقَدْ لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ وَالْمَنْظُورَ إلَيْهِ } .
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ : { مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ } .
وَسَمَّوَيْةِ .
{ عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ } .
وَالدَّارَقُطْنِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَا فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ وَمَا
أَسْفَلَ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { فَخِذُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ مِنْ عَوْرَتِهِ } .
وَالْحَاكِمُ : { غَطِّ فَخِذَك فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
: { الْفَخِذُ عَوْرَةٌ } ، وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ { يَا جَرْهَدُ غَطِّ فَخِذَك فَإِنَّ
الْفَخِذَ عَوْرَةٌ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ : { لَا تُبْرِزْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ } .
وَالْحَاكِمُ
: { عَوْرَةُ الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ كَعَوْرَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى
الرَّجُلِ ، وَعَوْرَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَعَوْرَةِ
الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ } .
تَنْبِيهٌ : مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ
أَحَادِيثَ { فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ } أَيْ كَشْفِ
الْعَوْرَةِ ، إذْ الْكَلَامُ مُبَاحٌ فَلَا يَتَرَتَّبُ الْمَقْتُ
عَلَيْهِ .
وَمَا مَرَّ فِي أَحَادِيثِ دُخُولِ الْحَمَّامِ يَشْهَدُ
لِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ الصُّغْرَى أَوْ الْكُبْرَى
بِحَضْرَةِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ
كَبِيرَةٌ .
وَبِهِ صَرَّحَ مِنْ أَصْحَابِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْعُتْبِيُّ
حَيْثُ قَالَ : كَشْفُهَا فِسْقٌ بَيْنَ النَّاسِ ، الْمُغَلَّظَةُ - أَيْ
وَهِيَ السَّوْأَتَانِ - وَالْمُخَفَّفَةُ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهَا ،
وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِيهِ ، فَفِي
طَبَقَاتِ الْعَبَّادِيِّ أَنَّ الْمُزَنِيّ رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ :
أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ فِي الْحَمَّامِ يُرَى مَكْشُوفًا : إنَّهُ لَا
تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، فَإِنَّ السَّتْرَ فَرْضٌ انْتَهَى .
وَكَذَا
حَكَاهُ التَّوْحِيدِيُّ فِي الْبَصَائِرِ عَنْ رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ
وَقَالَ بَدَلَ مَكْشُوفًا السَّابِقِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ ،
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُفَسَّقُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ ذَلِكَ
وَهَذَا شَأْنُ الْكَبِيرَةِ ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا فِي أَدَبِ
الْقَضَاءِ لِلْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَدَّادِ الْبَصْرِيِّ أَدْرَكَ
أَصْحَابُ ابْنِ شُرَيْحٍ أَنَّ زَكَرِيَّا السَّاجِيَّ قَالَ : لَا
تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ أَوْ وَقَعَ
فِي نَهْرٍ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ ، وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ الْمُزَنِيّ عَنْ
الشَّافِعِيِّ نَصًّا .
ثُمَّ قَالَ الْحَدَّادُ إنَّ زَكَرِيَّا قَالَ
يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ مَنْ يَرَى
عَوْرَتَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُرُوءَةِ ، وَصَوَّبَهُ الْحَدَّادُ
وَقَالَ هُوَ مُسْقِطٌ لِلْمُرُوءَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً
انْتَهَى .
وَصَرَّحَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي أَدَبِ الشَّاهِدِ بِأَنَّهُ
مُسْقِطٌ لِلشَّهَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا
كَشَفَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا بُدَّ مِنْهُ ، وَفِي فَتَاوَى
الشَّاشِيِّ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْحَمَّامِ يَقْدَحُ فِي
الْعَدَالَةِ .
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ : كَشْفُهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْخَلْوَةِ .
لَكِنْ
أَقَرَّ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا صَاحِبَ الْعُدَّةِ
عَلَى إطْلَاقِهِ أَنَّ كَشْفَهَا صَغِيرَةٌ ، وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ
الْحَنَّاطِيِّ بِأَنَّ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ يَصِيرُ
فَاسِقًا إذَا تَعَوَّدَ ذَلِكَ انْتَهَى .
فَتَقْيِيدُهُ الْفِسْقَ بِالتَّكَرُّرِ صَرِيحٌ
فِي
أَنَّهُ صَغِيرَةٌ ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ بِأَنَّ ذَلِكَ
صَغِيرَةً عَلَى مَا إذَا كَشَفَهَا فِي الْخَلْوَةِ وَإِنْ أَمِنَ
حُضُورَ مَنْ يَرَاهُ لِوُجُوبِ السَّتْرِ فِيهَا أَيْضًا .
وَالْحَاصِلُ
؛ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ مُطْلَقًا ،
لَكِنَّهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ يُوجِبُ خَرْمَ الْمُرُوءَةِ ، وَقِلَّةَ
الْمُبَالَاةِ ، فَتُبْطَلُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَيَكُونُ كَالْفِسْقِ فِي
مَنْعِهِ لَهَا ؛ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ
لِلْحَدَّادِ ، وَمَا بَعْدَهُ ، وَأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ
كَلَامُهُمْ فِي حَدِّ الْكَبِيرَةِ وَصَرَّحَ بِهِ مَنْ مَرَّ مِنْ
أَصْحَابِنَا أَنَّهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَبِيرَةٌ .
تَنْبِيهٌ
آخَرُ : قَضِيَّةُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ الَّذِي فِيهِ لَعْنُ النَّاظِرِ
وَالْمَنْظُورِ أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ كَبِيرَةٌ وَأَنَّ
كَشْفَهَا كَبِيرَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ اللَّعْنَ مِنْ عَلَامَاتِ
الْكَبِيرَةِ ؛ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ تَعَمُّدَ نَظَرِ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ
أَمْرَدَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ فِسْقٌ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ .
بَابُ
الْحَيْضِ ( الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ وَالسَّبْعُونَ : وَطْءُ
الْحَائِضِ ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَتَى حَائِضًا فِي
فَرْجِهَا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا ، أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ
بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : ضَعَّفَ
مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ إسْنَادِهِ
، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ
قَوْلِهِ .
تَنْبِيهٌ : مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ
نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ ، وَفِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَذَا
نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ أَيْضًا قَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ
الشَّيْخَ مُحْيِيَ الدِّينِ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَنَقَلَهُ
نَقْلَ مُسْتَغْرِبٍ لَهُ ، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ ، وَذَكَرَ مَا
مَرَّ ثُمَّ قَالَ : فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِ
إسْنَادِهِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُثْبَتَ
الْكَبِيرَةُ بِذَلِكَ مَعَ احْتِمَالِ تَأْوِيلِهِ بِأَنْ يَكُونَ
مُسْتَحِلًّا فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ - أَيْ الْمَعْلُومِ
مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ - فَيُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ .
وَقَالَ
الشَّيْخُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ : إنَّ الْوَطْءَ فِي الْحَيْضِ
جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ لَعْنُ فَاعِلِهِ وَلَمْ أَقِفْ إلَى
الْآنَ عَلَى ذَلِكَ .
انْتَهَى .
، لَكِنْ جَرَى جَمَاعَةٌ عَلَى
مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لِكَوْنِ النَّوَوِيِّ نَقَلَهُ فِي
الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
كِتَابُ
الصَّلَاةِ ( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّبْعُونَ : تَعَمُّدُ
تَرْكِ الصَّلَاةِ ) قَالَ - تَعَالَى - مُخْبِرًا عَنْ أَصْحَابِ
الْجَحِيمِ : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنْ
الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ
الْخَائِضِينَ } .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ : { بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ } .
وَمُسْلِمٌ : { بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ أَوْ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ } .
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ : { بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ } .
وَصَحَّ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ
الْحَاكِمُ : وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ : { الْعَهْدُ الَّذِي
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ جِهَارًا } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ ، فَإِذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَفِي أُخْرَى : { لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالشِّرْكِ إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ ، فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ } .
وَفِي
أُخْرَى - سَنَدُهَا حَسَنٌ - : { عُرَى الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدُ
الدِّينِ ثَلَاثٌ عَلَيْهِنَّ أُسُّ الْإِسْلَامِ ، مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً
مِنْهُنَّ فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ : شَهَادَةُ أَنْ لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَالصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ
} .
وَفِي أُخْرَى - سَنَدُهَا حَسَنٌ أَيْضًا : { مَنْ تَرَكَ
مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَهُوَ بِاَللَّهِ كَافِرٌ ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ
صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَقَدْ حَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادَيْنِ لَا بَأْسَ بِهِمَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِ خِلَالٍ قَالَ : لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ
شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتُمْ أَوْ
حُرِّقْتُمْ أَوْ صُلِّبْتُمْ ،
وَلَا تَتْرُكُوا الصَّلَاةَ تَعَمُّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا
فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْمِلَّةِ ، وَلَا تَرْكَبُوا الْمَعْصِيَةَ
فَإِنَّهَا سَخَطُ اللَّهِ ، وَلَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا
رَأْسُ الْخَطَايَا كُلِّهَا } الْحَدِيثَ .
وَالتِّرْمِذِيُّ : "
كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " .
وَصَحَّ خَبَرُ : { بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ الصَّلَاةُ ، فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ } .
وَالْبَزَّارُ : { لَا سَهْمَ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ .
وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا
طَهُورَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ .
إنَّمَا مَوْضِعُ الصَّلَاةِ مِنْ الدِّينِ كَمَوْضِعِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ } .
وَابْنُ
مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : { أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَإِنْ أُحْرِقْتَ ،
وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا
مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ، وَلَا تَشْرَبْ
الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ } .
وَالْبَزَّارُ
وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ : لَمَّا قَامَ بَصَرِي - أَيْ ذَهَبَ - مَعَ بَقَاءِ
صِحَّةِ الْحَدَقَةِ قِيلَ نُدَاوِيك وَتَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامًا ؟
قَالَ : لَا ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ
} .
وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُتَابَعَاتِ :
{ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلًا إذَا أَنَا عَمِلْتُهُ
دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ
عُذِّبْتَ وَحُرِّقْتَ ، وَأَطِعْ وَالِدَيْك وَإِنْ أَخْرَجَاك مِنْ
مَالِكِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ
هُوَ لَك ، وَلَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ
مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ
بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ } الْحَدِيثَ .
وَفِي رِوَايَةٍ
سَنَدُهَا صَحِيحٌ لَكِنْ فِيهِ انْقِطَاعٌ : { لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ
شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْك
وَإِنْ أَمَرَاك أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِك وَمَالِكِ ، وَلَا
تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ
صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ
، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا فَإِنَّهُ - أَيْ شُرْبَهَا - رَأْسُ كُلِّ
فَاحِشَةٍ ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ
سَخَطُ اللَّهِ ، وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ
النَّاسُ وَإِنْ أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ فَاثْبُتْ ، وَأَنْفِقْ عَلَى
أَهْلِك مِنْ طَوْلِك وَلَا تَرْفَعْ عَصَاك عَنْهُمْ أَدَبًا
وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {
بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ
الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ { أُمَيْمَةَ
مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ :
كُنْت أَصُبُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَضُوءَهُ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ أَوْصِنِي ؟ فَقَالَ : لَا
تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْت وَحُرِّقْت بِالنَّارِ ،
وَلَا تَعْصِ وَالِدَيْك وَإِنْ أَمَرَاك أَنْ تُخَلِّيَ مِنْ أَهْلِك
وَدُنْيَاك فَتَخَلَّهُ ، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ
كُلِّ شَرٍّ ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ فَعَلَ
ذَلِكَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ }
الْحَدِيثَ .
وَأَبُو نُعَيْمٍ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا كَتَبَ اللَّهُ اسْمَهُ عَلَى بَابِ النَّارِ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَإِنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
وَالْحَاكِمُ
عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
وَاَللَّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَتُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ وَلَتُؤْتُنَّ
الزَّكَاةَ أَوْ
لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا فَيَضْرِبُ
أَعْنَاقَكُمْ عَلَى الدِّينِ } الْحَدِيثَ وَالْبَزَّارُ : { لَا سَهْمَ
فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا
وُضُوءَ لَهُ } .
وَأَحْمَدُ مُرْسَلًا : { أَرْبَعٌ فَرَضَهُنَّ
اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَتَى بِثَلَاثٍ لَمْ يُغْنِينَ عَنْهُ
شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِنَّ جَمِيعًا : الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ
وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ } .
وَالْأَصْبَهَانِيّ : {
مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا أَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ وَبَرِئَتْ
مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَاجِعَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -
تَوْبَةً } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ جِهَارًا } .
وَأَحْمَدُ
بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنْ فِيهِ انْقِطَاعٌ : { لَا تَتْرُكْ الصَّلَاةَ
مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ
بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } .
وَابْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ } .
وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَابْنُ نَصْرٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ } .
وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ : { مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ } .
وَابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ :
{ لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ
لَهُ } .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ } .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : سَمِعْت إِسْحَاقَ يَقُولُ : " صَحَّ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ
كَافِرٌ } .
وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ
عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ .
وَقَالَ أَيُّوبُ : تَرْكُ الصَّلَاةِ
كُفْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ .
(
الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ : تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ
الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بِهِ ) قَالَ -
تَعَالَى - : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إلَّا مَنْ تَابَ }
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لَيْسَ مَعْنَى أَضَاعُوهَا : تَرَكُوهَا
بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَكِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا .
وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إمَامُ التَّابِعِينَ : هُوَ أَنْ لَا
يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى تَأْتِيَ الْعَصْرُ وَلَا يُصَلِّيَ الْعَصْرَ
إلَى الْمَغْرِبِ وَلَا يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ إلَى الْعِشَاءِ وَلَا
يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ إلَى الْفَجْرِ وَلَا يُصَلِّيَ الْفَجْرَ إلَى
طُلُوعِ الشَّمْسِ ، فَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ
وَلَمْ يَتُبْ أَوْعَدَهُ اللَّهُ بِغَيٍّ وَهُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ ،
بَعِيدٌ قَعْرُهُ شَدِيدٌ عِقَابُهُ .
وَقَالَ - تَعَالَى - : { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ
هُمْ الْخَاسِرُونَ } .
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ
الْمُرَادُ بِذِكْرِ اللَّهِ هُنَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَمَنْ
اشْتَغَلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا بِمَالِهِ كَبَيْعِهِ أَوْ
صَنْعَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ كَانَ مِنْ الْخَاسِرِينَ ، وَلِهَذَا قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ
الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ
فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ نَقَصَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ } .
وَقَالَ
- تَعَالَى - : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { هُمْ
الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا } .
وَقَالَ - تَعَالَى - : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } .
وَأَخْرَجَ
أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ
الصَّلَاةَ يَوْمًا
فَقَالَ : مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ
نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ
يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا
نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ } .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ :
وَإِنَّمَا حُشِرَ مَعَ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ عَنْ
الصَّلَاةِ بِمَالِهِ أَشْبَهَ قَارُونَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ ، أَوْ
بِمُلْكِهِ أَشْبَهَ فِرْعَوْنَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ ، أَوْ بِوَزَارَتِهِ
أَشْبَهَ هَامَانَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ ، أَوْ بِتِجَارَتِهِ أَشْبَهَ
أُبَيَّ بْنِ خَلَفٍ تَاجِرَ كُفَّارِ مَكَّةَ فَيُحْشَرُ مَعَهُ .
وَالْبَزَّارُ
بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ { سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : سَأَلْت
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } قَالَ هُمْ
الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا } .
وَأَبُو يَعْلَى
بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قُلْت لِأَبِي يَا
أَبَتَاهُ أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ
سَاهُونَ } أَيُّنَا لَا يَسْهُو أَيُّنَا لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ ، قَالَ
لَيْسَ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ إضَاعَةُ الْوَقْتِ .
وَالْوَيْلُ : شِدَّةُ
الْعَذَابِ ، وَقِيلَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ لَوْ سُيِّرَ فِيهِ جِبَالُ
الدُّنْيَا لَذَابَتْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ ، فَهُوَ مَسْكَنٌ لِمَنْ
يَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ وَيُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا إلَّا أَنْ
يَتُوبَ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَيَنْدَمَ عَلَى مَا فَرَّطَ .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : { مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
وَالْحَاكِمُ
بِسَنَدٍ فِيهِ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى
عَدَمِهِ : { مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ
أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ } .
وَالشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَةُ : { الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ مَالِكٌ : تَفْسِيرُهُ ذَهَابُ الْوَقْتِ .
وَالنَّسَائِيُّ : { مِنْ الصَّلَاةِ
صَلَاةُ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
يَعْنِي الْعَصْرَ .
وَمُسْلِمٌ
وَالنَّسَائِيُّ : { إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ - يَعْنِي الْعَصْرَ -
عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا ، فَمَنْ حَافَظَ
مِنْكُمْ الْيَوْمَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا
صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ } أَيْ النَّجْمُ .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ : { مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } .
وَأَحْمَدُ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : { مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ
الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى تَفُوتَهُ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } .
وَابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا : { مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ حَتَّى تَغِيبَ
الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } .
وَعَبْدُ
الرَّزَّاقِ : { لَأَنْ يُوتَرَ أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ وَمَالَهُ خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
وَأَحْمَدُ : { مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى
تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا أُوتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } .
وَالْبُخَارِيُّ
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ
يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا ؟ فَيَقُصُّ
عَلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ
غَدَاةٍ : إنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا
انْبَعَثَا بِي ، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي : انْطَلِقْ ، وَإِنِّي
انْطَلَقْت مَعَهُمَا ، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ،
وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ وَإِذَا هُوَ يَهْوِي
بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ -
أَيْ فَيَتَدَحْرَجُ - فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ حَتَّى
يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ
مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، قَالَ : قُلْت لَهُمَا :
سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَا ؟ قَالَا لِي : انْطَلِقْ
انْطَلِقْ ،
فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ
عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ
وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ أَيْ يَشُقُّ شِدْقَهُ إلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرَهُ
إلَى قَفَاهُ وَعَيْنَاهُ إلَى قَفَاهُ - قَالَ : وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو
رَجَاءٍ : فَيَشُقُّ - قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ
فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ ، قَالَ فَمَا
يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا
كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي
الْمَرَّةِ الْأُولَى ، قَالَ : قُلْت : سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَا ؟
قَالَا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى
مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسَبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ
لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ : فَاطَّلَعْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ
وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ
مِنْهُمْ .
فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا - أَيْ
بِفَتْحِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوَيْنِ صِيَاحٌ مَعَ
انْضِمَامٍ وَفَزَعٍ - ، قَالَ قُلْت : مَا هَؤُلَاءِ ؟ قَالَا لِي :
انْطَلِقْ انْطَلِقْ ، قَالَ : فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ
حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ وَإِذَا فِي
النَّهْرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ
قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا
فَيَنْطَلِقُ فَيَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ ، كُلَّمَا رَجَعَ
إلَيْهِ فَغَرَ - أَيْ بِفَاءٍ فَمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ فَتَحَ -
فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا ، قُلْت لَهُمَا مَا هَذَا ؟ قَالَا لِي :
انْطَلِقْ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ
الْمِرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْئِيًّا وَإِذَا
عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا - أَيْ بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُعْجَمَةٍ
يُوقِدُهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا - ، قَالَ : قُلْت لَهُمَا مَا هَذَا ؟
قَالَا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا عَلَى رَوْضَةٍ
مُعْتَمَّةٍ - أَيْ طَوِيلَةِ النَّبَاتِ مِنْ اعْتَمَّ إذَا طَالَ -
فِيهَا مِنْ
كُلِّ نُورِ الرَّبِيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانِي الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طُوَالٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ .
وَإِذَا
حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ ، قَالَ : قُلْت
مَا هَذَا مَا هَؤُلَاءِ ؟ قَالَا لِي : انْطَلِقْ انْطَلِقْ ،
فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى دَوْحَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ دَوْحَةً
قَطُّ أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا قَالَا لِي : ارْقَ فِيهَا
فَارْتَقَيْنَا فِيهَا إلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهَبٍ
وَلَبِنٍ فِضَّةٍ فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا
فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ ، شَطْرٌ مِنْ
خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ كَأَقْبَحِ
مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَا لَهُمْ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ .
قَالَ
: وَإِذَا النَّهْرُ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ - أَيْ
الْخَالِصُ - فِي الْبَيَاضِ فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا
إلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ
صُورَةٍ قَالَا لِي : هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَا مَنْزِلُك ، قَالَ :
فَسَمَا - أَيْ ارْتَفَعَ بَصَرِي - صُعُدًا بِضَمَّتَيْنِ إلَى فَوْقُ
فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ - أَيْ السَّحَابَةِ - الْبَيْضَاءِ
قَالَ : قَالَا لِي هَذَا مَنْزِلُك قَالَ : قُلْت لَهُمَا بَارَكَ
اللَّهُ فِيكُمَا فَذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ قَالَا : أَمَّا الْآنَ فَلَا
وَأَنْتَ دَاخِلَهُ ، قَالَ : قُلْت لَهُمَا فَإِنِّي رَأَيْت مُنْذُ
اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْت ؟ قَالَا لِي إنَّا
سَنُخْبِرُك : أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْت عَلَيْهِ
يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ
فَيَرْفُضُهُ ، وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ .
وَأَمَّا
الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْت عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلَى قَفَاهُ
وَمَنْخِرُهُ إلَى قَفَاهُ وَعَيْنَاهُ إلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ
يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ .
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ هُمْ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي .
وَأَمَّا الرَّجُلُ
الَّذِي أَتَيْت عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهْرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرُ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا .
وَأَمَّا
الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمِرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا
وَيَسْعَى حَوْلَهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ .
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطُّوَالُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إبْرَاهِيمُ .
وَأَمَّا
الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى
الْفِطْرَةِ ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ .
وَأَمَّا الْقَوْمُ
الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ
فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ
اللَّهُ عَنْهُمْ } .
وَفِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ قَالَ : { ثُمَّ أَتَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ
رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ وَلَا
يَفْتُرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، قَالَ يَا جِبْرِيلُ مَنْ
هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَثَاقَلَتْ رُءُوسُهُمْ عَنْ
الصَّلَاةِ } .
وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ وَابْنُ النَّجَّارِ : { عِلْمُ
الْإِسْلَامِ الصَّلَاةُ فَمَنْ فَرَغَ لَهَا قَلْبُهُ وَحَافَظَ
عَلَيْهَا بِحَدِّهَا وَوَقْتِهَا وَسُنَنِهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ } .
وَابْنُ
مَاجَهْ : { قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - افْتَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِك
خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَعَهِدْتُ عِنْدِي عَهْدًا أَنَّ مَنْ حَافَظَ
عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ
عَلَيْهِنَّ فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي } .
وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ : { مَنْ عَلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ وَأَدَّاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : { أَوَّلُ مَا
يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ الصَّلَاةُ
فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ
خَابَ وَخَسِرَ ، وَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ قَالَ الرَّبُّ :
اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا
انْتَقَصَ مِنْ
الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ } .
وَالنَّسَائِيُّ
: { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ
وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ } .
وَأَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ : { أَوَّلُ
مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ ، فَإِنْ
كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا
قَالَ لِمَلَائِكَتِهِ اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ
تَطَوُّعٍ ، فَيُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ ، ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ
ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ } .
وَأَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ قَانِعٍ
وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَابْنُ أَبِي
شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ : { أَوَّلُ مَا
يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَ
أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا ، قَالَ
اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِلْمَلَائِكَةِ : اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ
لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ، فَتُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ ثُمَّ
الزَّكَاةُ كَذَلِكَ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
: { أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُنْظَرُ
فِي صَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ
خَابَ وَخَسِرَ } .
وَابْنُ عَسَاكِرَ : { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ
الْعَبْدُ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ صَلُحَ سَائِرُ عَمَلِهِ ، وَإِنْ
فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ ثُمَّ يَقُولُ : اُنْظُرُوا هَلْ
لِعَبْدِي نَافِلَةٌ ؟ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَتَمَّ بِهَا الْفَرِيضَةَ ،
ثُمَّ الْفَرَائِضُ كَذَلِكَ لِعَائِدَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ } .
وَأَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ : { أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ
النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلَاةُ ،
فَيَقُولُ رَبُّنَا - عَزَّ وَجَلَّ - لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ :
اُنْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا ، فَإِنْ
كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ تَامَّةً
وَإِنْ انْتَقَصَ مِنْهَا
شَيْئًا قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ، فَإِنْ كَانَ
لَهُ تَطَوُّعٌ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ
تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ } .
وَالطَّيَالِسِيُّ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ : { أَتَانِي
جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فَقَالَ يَا
مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ إنِّي افْتَرَضْت عَلَى
أُمَّتِك خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَمَنْ أَوْفَى بِهِنَّ عَلَى وُضُوئِهِنَّ
وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ كَانَ لَهُ بِهِنَّ
عَهْدٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ لَقِيَنِي قَدْ انْتَقَصَ
مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَيْسَ لَهُ عِنْدِي عَهْدٌ إنْ شِئْتُ عَذَّبْتُهُ
وَإِنْ شِئْتُ رَحِمْتُهُ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { لِلصَّلَاةِ مِيزَانٌ فَمَنْ أَوْفَى اسْتَوْفَى } .
وَالدَّيْلَمِيُّ
: { الصَّلَاةُ تُسَوِّدُ وَجْهَ الشَّيْطَانِ ، وَالصَّدَقَةُ تَكْسِرُ
ظَهْرَهُ ، وَالتَّحَابُبُ فِي اللَّهِ ، وَالتَّوَدُّدُ فِي الْعِلْمِ
يَقْطَعُ دَابِرَهُ فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ تَبَاعَدَ مِنْكُمْ
كَمَطْلِعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ
حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ : { اتَّقُوا اللَّهَ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ
وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا إذَا
أَمَرْتُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ } .
وَأَحْمَدُ
وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { أَحَبُّ الْأَعْمَالِ
إلَى اللَّهِ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ
الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ أَيُّ الْأَعْمَالِ
أَحَبُّ إلَى اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ ؟ فَقَالَ : الصَّلَاةُ
لِوَقْتِهَا ، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ ، وَالصَّلَاةُ
عِمَادُ الدِّينِ } .
وَلِذَلِكَ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قِيلَ : لَهُ الصَّلَاةُ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ
نِعْمَةٌ ، أَمَا إنَّهُ لَا حَظَّ لِأَحَدٍ فِي الْإِسْلَامِ أَضَاعَ
الصَّلَاةَ وَصَلَّى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَجُرْحُهُ يَجْرِي دَمُهُ .
وَرَوَى
الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا
صَلَّى الْعَبْدُ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ صَعِدَتْ إلَى
السَّمَاءِ وَلَهَا نُورٌ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْعَرْشِ
فَتَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَتَقُولُ لَهُ
حَفِظَك اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي ، وَإِذَا صَلَّى الْعَبْدُ الصَّلَاةَ
فِي غَيْرِ وَقْتِهَا صَعِدَتْ إلَى السَّمَاءِ وَعَلَيْهَا ظُلْمَةٌ ،
فَإِذَا انْتَهَتْ إلَى السَّمَاءِ تُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ
الْخَلَقُ وَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا } .
وَأَخْرَجَ أَبُو
دَاوُد أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ثَلَاثٌ لَا
يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاتَهُمْ وَذَكَرَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى
الصَّلَاةَ دِبَارًا } أَيْ بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ .
قَالَ بَعْضُهُمْ
: وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ : أَنَّ { مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَاةِ
أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِخَمْسِ خِصَالٍ : يَرْفَعُ عَنْهُ ضِيقَ الْعَيْشِ ،
وَعَذَابَ الْقَبْرِ ، وَيُعْطِيهِ اللَّهُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ،
وَيَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ
حِسَابٍ ، وَمَنْ تَهَاوَنَ عَنْ الصَّلَاةِ عَاقَبَهُ اللَّهُ بِخَمْسَ
عَشْرَةَ عُقُوبَةً : خَمْسَةٌ فِي الدُّنْيَا ، وَثَلَاثَةٌ عِنْدَ
الْمَوْتِ ، وَثَلَاثٌ فِي قَبْرِهِ ، وَثَلَاثٌ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ
الْقَبْرِ .
فَأَمَّا اللَّوَاتِي فِي الدُّنْيَا : فَالْأُولَى
تُنْزَعُ الْبَرَكَةُ مِنْ عُمْرِهِ ، وَالثَّانِيَةُ تُمْحَى سِيمَا
الصَّالِحِينَ مِنْ وَجْهِهِ ، وَالثَّالِثَةُ كُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ
لَا يَأْجُرُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَالرَّابِعَةُ لَا يُرْفَعُ لَهُ
دُعَاءٌ إلَى السَّمَاءِ ، وَالْخَامِسَةُ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ فِي دُعَاءِ
الصَّالِحِينَ .
وَأَمَّا الَّتِي تُصِيبُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ،
فَإِنَّهُ يَمُوتُ ذَلِيلًا ، وَالثَّانِيَةُ يَمُوتُ جَائِعًا ،
وَالثَّالِثَةُ يَمُوتُ عَطْشَانًا وَلَوْ سُقِيَ بِحَارَ الدُّنْيَا مَا
رُوِيَ مِنْ عَطَشِهِ .
وَأَمَّا الَّتِي تُصِيبُهُ فِي قَبْرِهِ :
فَالْأُولَى يَضِيقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ ،
وَالثَّانِيَةُ يُوقَدُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ نَارًا فَيَنْقَلِبُ عَلَى
الْجَمْرِ
لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَالثَّالِثَةُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ
ثُعْبَانٌ اسْمُهُ الشُّجَاعُ الْأَقْرَعُ ، عَيْنَاهُ مِنْ نَارٍ
وَأَظْفَارُهُ مِنْ حَدِيدٍ طُولُ كُلِّ ظُفْرٍ مَسِيرَةُ يَوْمٍ
يُكَلِّمُ الْمَيِّتَ فَيَقُولُ : أَنَا الشُّجَاعُ الْأَقْرَعُ ،
وَصَوْتُهُ مِثْلُ الرَّعْدِ الْقَاصِفِ يَقُولُ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ
أَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى بَعْدِ طُلُوعِ
الشَّمْسِ ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى
الْعَصْرِ ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى
الْمَغْرِبِ ، وَأَضْرِبَك عَلَى تَضْيِيعِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلَى
الْعِشَاءِ ، وَأَضْرِبَك عَلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ .
فَكُلَّمَا
ضَرَبَهُ ضَرْبَةً يَغُوصُ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فَلَا
يَزَالُ فِي الْقَبْرِ مُعَذَّبًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا
الَّتِي تُصِيبُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْقَبْرِ فِي مَوْقِفِ
الْقِيَامَةِ فَشِدَّةُ الْحِسَابِ وَسَخَطُ الرَّبِّ وَدُخُولُ النَّارِ
} .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِهِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ مَكْتُوبَاتٍ .
السَّطْرُ
الْأَوَّلُ : يَا مُضَيِّعَ حَقِّ اللَّهِ ، السَّطْرُ الثَّانِي : يَا
مَخْصُوصًا بِغَضَبِ اللَّهِ ، الثَّالِثُ كَمَا ضَيَّعْتَ فِي الدُّنْيَا
حَقَّ اللَّهِ فَآيِسٌ الْيَوْمَ أَنْتَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } .
وَمَا
ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ تَفْصِيلِ الْعَدَدِ لَا يُطَابِقُ
جُمْلَةَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ لِأَنَّ الْمُفَصَّلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
فَقَطْ فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ نَسِيَ الْخَامِسَ عَشَرَ .
وَعَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " إذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ يُؤْتَى بِرَجُلٍ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ - عَزَّ
وَجَلَّ - فَيَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ إلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ
بِمَاذَا ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ
أَوْقَاتِهَا وَحَلِفِك بِي كَاذِبًا " .
قَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا :
وَعَنْ { رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ قُولُوا : اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ فِينَا
شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ مَنْ الشَّقِيُّ الْمَحْرُومُ ؟ قَالُوا وَمَنْ
هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : تَارِكُ الصَّلَاةِ } .
قَالَ
أَيْضًا : وَيُرْوَى أَنَّهُ { أَوَّلُ مَا يَسْوَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وُجُوهُ تَارِكِي الصَّلَاةِ وَإِنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ
لَمْلَمُ فِيهِ حَيَّاتٌ كُلُّ حَيَّةٍ بِثِخَنِ رَقَبَةِ الْبَعِيرِ ،
طُولُهَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ ، تَلْسَعُ تَارِكَ الصَّلَاةِ فَيَغْلِي
سُمُّهَا فِي جِسْمِهِ سَبْعِينَ سَنَةً ثُمَّ يَتَهَرَّأُ لَحْمُهُ } .
قَالَ
: وَرُوِيَ أَيْضًا : { أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ جَاءَتْ
إلَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى
سَائِرِ النَّبِيِّينَ - فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَذْنَبْت
ذَنْبًا عَظِيمًا وَقَدْ تُبْت إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَادْعُ اللَّهَ
لِي أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبِي وَيَتُوبَ عَلَيَّ ، فَقَالَ لَهَا مُوسَى :
وَمَا ذَنْبُك ؟ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ زَنَيْتُ وَوَلَدْتُ وَلَدًا
وَقَتَلْتُهُ ، فَقَالَ لَهَا مُوسَى - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اُخْرُجِي يَا فَاجِرَةُ ، لَا تَنْزِلُ نَارٌ
مِنْ السَّمَاءِ فَتُحْرِقُنَا بِشُؤْمِك فَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ
مُنْكَسِرَةَ الْقَلْبِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ :
يَا مُوسَى الرَّبُّ - تَعَالَى - يَقُولُ لَك لِمَ رَدَدْتَ التَّائِبَةَ
؟ يَا مُوسَى أَمَا وَجَدْتَ شَرًّا مِنْهَا ؟ قَالَ مُوسَى يَا جِبْرِيلُ
وَمَنْ شَرٌّ مِنْهَا ؟ قَالَ : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَامِدًا
مُتَعَمِّدًا } .
وَقَالَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ : إنَّهُ
دَفَنَ أُخْتًا لَهُ مَاتَتْ فَسَقَطَ مِنْهُ كِيسٌ فِيهِ مَالٌ فِي
قَبْرِهَا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ حَتَّى انْصَرَفَ عَنْ قَبْرِهَا ثُمَّ
تَذَكَّرَهُ ، فَرَجَعَ إلَى قَبْرِهَا فَنَبَشَهُ بَعْدَمَا انْصَرَفَ
النَّاسُ فَوَجَدَ الْقَبْرَ يَشْتَعِلُ عَلَيْهَا نَارًا فَرَدَّ
التُّرَابَ عَلَيْهَا وَرَجَعَ إلَى أُمِّهِ بَاكِيًا حَزِينًا ، فَقَالَ
: يَا أُمَّاهُ أَخْبِرِينِي عَنْ أُخْتِي وَمَا كَانَتْ تَعْمَلُ ؟
قَالَتْ : وَمَا سُؤَالُك عَنْهَا ؟ قَالَ : يَا أُمَّاهُ رَأَيْتُ
قَبْرَهَا يَشْتَعِلُ عَلَيْهَا نَارًا قَالَ : فَبَكَتْ وَقَالَتْ
:
يَا وَلَدِي كَانَتْ أُخْتُك تَتَهَاوَنُ بِالصَّلَاةِ وَتُؤَخِّرُهَا
عَنْ وَقْتِهَا ، فَهَذَا حَالُ مَنْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا
فَكَيْفَ حَالُ مَنْ لَا يُصَلِّي ؟ فَنَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ
يُعِينَنَا عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا بِكِمَالَاتِهَا فِي
أَوْقَاتِهَا إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
تَنْبِيهَاتٌ
مِنْهَا : عَدُّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ
وَتَقْدِيمِهَا عَلَى وَقْتِهَا وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ
كَبِيرَةً وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ
وَأَقَرَّاهُ ، وَتَقْيِيدُ الْأَنْوَارِ لِذَلِكَ بِلَا إعَادَةٍ لَيْسَ
فِي مَحَلِّهِ ، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَعَادَهَا فِي الْوَقْتِ هُوَ
بِفِعْلِهَا قَبْلَهُ مُتَعَمِّدًا مُتَلَاعِبٌ بِالدِّينِ .
وَأَمَّا
قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ عَدَّ الشَّيْخَيْنِ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ
عَلَى وَقْتِهَا كَبِيرَةً لَا تَحْقِيقَ لَهُ ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ
مُعْتَقِدًا لِلْجَوَازِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا
بِالْمَنْعِ فَالصَّلَاةُ فَاسِدَةٌ ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ صَلَّاهَا فِي
وَقْتِهَا فَالتَّحْرِيمُ وَقَعَ لِكَوْنِهِ أَتَى بِصَلَاةٍ فَاسِدَةٍ
فَيَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِهِ ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى هَذِهِ
الصُّورَةِ الشَّاذَّةِ النَّادِرَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي
وَقْتِهَا فَالْعِصْيَانُ بِالتَّأْخِيرِ وَبِالصَّلَاةِ الْفَاسِدَةِ
فَهُوَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ أَيْضًا ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ
: مَا ذَكَرَهُ تَخْلِيطٌ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادَ صَاحِبِ
الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا إلَّا إذَا
قَدَّمَهَا عَالِمًا بِعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا
يَجُوزُ ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ خَلَائِقَ مِنْ الْأَئِمَّةِ
وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ ،
وَالتَّلَاعُبِ بِالدِّينِ ، سَوَاءٌ قَضَاهَا أَمْ لَا انْتَهَى .
وَفِي
التَّهْذِيبِ حِكَايَةُ وَجْهٍ ضَعِيفٍ : أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ
الْوَاحِدَةِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُهَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ وَإِنَّمَا
تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ إذَا اعْتَادَهُ .
قَالَ الْحَلِيمِيُّ : تَرْكُ الصَّلَاةِ كَبِيرَةٌ
فَإِنْ
اتَّخَذَهُ عَادَةً فَهُوَ فَاحِشَةٌ فَإِنْ أَقَامَهَا وَلَمْ يُوفِهَا
حَقَّهَا مِنْ الْخُشُوعِ كَأَنْ الْتَفَتَ فِيهَا أَوْ فَرَقَعَ
أَصَابِعَهُ أَوْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ النَّاسِ ، أَوْ سَوَّى الْحَصَا
، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَسِّ اللِّحْيَةِ فَذَلِكَ مِنْ الصَّغَائِرِ
انْتَهَى .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : قَضِيَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ عَدُّ
ذَلِكَ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ ، وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - أَمْيَلُ ا هـ .
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْوَجْهِ
الْمُوجِبِ لِلْخُشُوعِ فَعَلَيْهِ كُلُّ مَا نَافَى الْخُشُوعَ مِنْ
أَصْلِهِ - بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي جُزْءٍ مِنْهَا - يَكُونُ مُحَرَّمًا ،
أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْخُشُوعَ سُنَّةٌ فَلَا حُرْمَةَ فِي
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
وَمِنْهَا : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنْ
الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي كُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ
مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ السَّابِقَةِ التَّصْرِيحُ
بِكُفْرِهِ وَشِرْكِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْ الْمِلَّةِ ، وَبِأَنَّهُ
تَبْرَأُ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ، وَبِأَنَّهُ
يَحْبَطُ عَمَلُهُ ، وَبِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ ، وَبِأَنَّهُ لَا
إيمَانَ لَهُ ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّغْلِيظَاتِ ، وَأَخَذَ
بِظَاهِرِهَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَقَالُوا : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا
حَتَّى خَرَجَ جَمِيعُ وَقْتِهَا كَانَ كَافِرًا مُرَاقَ الدَّمِ .
مِنْهُمْ
عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو
هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ ، وَمِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ أَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَأَيُّوبُ
السِّخْتِيَانِيُّ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَغَيْرُهُمْ ، فَهَؤُلَاءِ
الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ قَائِلُونَ بِكُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ
وَإِبَاحَةِ دَمِهِ .
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا : أَنَّ مَنْ تَرَكَ
صَلَاةَ
فَرْضٍ وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَهُوَ كَافِرٌ
مُرْتَدٌّ وَلَا نَعْلَمُ لِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا انْتَهَى .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ : قَالَ إِسْحَاقُ صَحَّ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنَّ تَارِكَ
الصَّلَاةِ كَافِرٌ } وَكَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنْهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَارِكَهَا عَمْدًا مِنْ غَيْرِ
عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ .
انْتَهَى .
وَفِي
هَذِهِ الدَّعْوَى نَظَرٌ بَلْ هِيَ مَمْنُوعَةٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا
تَقَرَّرَ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ : فَإِنَّهُمْ وَإِنْ قَالُوا
بِعَدَمِ كُفْرِهِ إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ التَّرْكَ ، لَكِنَّهُمْ
قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا أُمِرَ
بِهَا فِي وَقْتِهَا حَتَّى خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّهَا ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ
: صَلِّهَا فَأَبَى ضُرِبَ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ .
وَمِنْهَا : وَرَدَ
فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ ،
وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ - أَيْ إنْ مَيَّزُوا - ، وَاضْرِبُوهُمْ
عَلَيْهَا ، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي
الْمَضَاجِعِ } .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ
عَلَى إغْلَاظِ الْعُقُوبَةِ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ تَارِكًا
لَهَا ، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَحْتَجُّ بِهِ فِي
وُجُوبِ قَتْلِهِ ، وَيَقُولُ : إذَا اسْتَحَقَّ الضَّرْبَ وَهُوَ غَيْرُ
بَالِغٍ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَسْتَحِقُّ مِنْ
الْعُقُوبَةِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ الضَّرْبِ وَلَيْسَ بَعْدَ الضَّرْبِ
شَيْءٌ أَشَدَّ مِنْ الْقَتْلِ انْتَهَى .
وَفِيهِ مَا فِيهِ ،
وَمِمَّا وُجِّهَ بِهِ قَتْلُهُ : أَنَّ تَارِكَهَا جَنَى عَلَى جَمِيعِ
الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ يَجِبُ
عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ أَنْ يَقُولَ : السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى
عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: { إذَا قَالَهَا بَلَغَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ } .
وَهَذِهِ
الْجِنَايَةُ الْعَامَّةُ لَا يَلِيقُ بِهَا إلَّا الْقَتْلُ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ لِقَتْلِهِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ : أَنَّ تَارِكَهَا تَبْرَأُ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ، وَأَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي إهْدَارِ دَمِهِ ، وَمِنْ لَازِمِ إهْدَارِهِ وُجُوبُ قَتْلِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَلْ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهَا مِنْهُ بِالْمُقَاتَلَةِ وَلَا بِتَرْكِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إلْجَاؤُهُ إلَيْهِ بِالْحَبْسِ وَمَنْعِ الْمُفْطِرِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا مُخَلِّصَ لَهُ إلَى تَنَاوُلِ مُفْطِرٍ نَهَارًا ، نَوَى لَيْلًا ، وَصَامَ ، وَلَا بِتَرْكِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَيُمْكِنُ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ ، وَالصَّلَاةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي الْكُلِّ فَلَمْ يُنَاسِبْ عُقُوبَةَ تَرْكِهَا إلَّا الْقَتْلُ ، وَإِذَا جَازَتْ الْمُقَاتَلَةُ لِتَخْلِيصِ الزَّكَاةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْقَتْلُ بِحَمْلِ النَّاسِ بِالْخَوْفِ مِنْهُ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى .
( الْكَبِيرَةُ الثَّامِنَةُ وَالسَّبْعُونَ :
النَّوْمُ عَلَى سَطْحٍ لَا تَحْجِيرَ بِهِ ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ بَاتَ
عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ
الذِّمَّةُ } ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " حِجَابٌ " بِالْبَاءِ
الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ .
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ
بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { مَنْ رَمَانَا
بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ رَقَدَ عَلَى سَطْحٍ لَا جِدَارَ لَهُ
فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ } .
وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ
قَالَ : " كُنَّا بِفَارِسَ وَعَلَيْنَا أَمِيرٌ يُقَالُ لَهُ زُهَيْرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَبْصَرَ إنْسَانًا فَوْقَ بَيْتٍ أَوْ إجَّارٍ -
أَيْ بِكَسْرٍ فَجِيمٍ مُشَدَّدَةٍ سَطْحٌ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ -
فَقَالَ لِي سَمِعْتَ فِي هَذَا شَيْئًا ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ
حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ بَاتَ فَوْقَ إجَّارٍ أَوْ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَ
حَوْلَهُ شَيْءٌ يَرُدُّ رِجْلَهُ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ،
وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ بَعْدَمَا يُرِيحُ - أَيْ يَهِيجُ وَيَضْطَرِبُ -
فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا هَكَذَا
وَمَوْقُوفًا وَرُوَاتُهُمَا ثِقَاتٌ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَيْضًا قَالَ : كُنْت
مَعَ زُهَيْرٍ الشَّوَّاءِ فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ عَلَى ظَهْرِ
جِدَارٍ وَلَيْسَ لَهُ مَا يَدْفَعُ رِجْلَيْهِ فَضَرَبَ يَدَهُ
بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ قُمْ ، ثُمَّ قَالَ زُهَيْرٌ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ
جِدَارٍ وَلَيْسَ لَهُ مَا يَدْفَعُ رِجْلَيْهِ فَوَقَعَ فَمَاتَ فَقَدْ
بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ } .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ شُعْبَةُ
عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ ، وَقِيلَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ ، وَقِيلَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ
أَبِي جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ
: أَخَذَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ عِنْدَ النَّوْمِ عَلَى سَطْحٍ غَيْرِ مَحُوطٍ مِنْ
الْكَبَائِرِ وَلَيْسَ هَذَا الْأَخْذُ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ بَرَاءَةَ
الذِّمَّةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ هُنَا بِخِلَافِهِ فِيمَا قَدَّمْته آنِفًا
لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا الْحَدِيثِ
إلَّا أَنَّهُ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ لِارْتِكَابِهِ مَا هُوَ سَبَبٌ
لِلْهَلَاكِ عَادَةً فِي بَعْضِ النَّاسِ فَلَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ
الْحُرْمَةَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً ، فَمِنْ ثَمَّ اُتُّجِهَ
أَنَّ الصَّوَابَ مَا عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ
إنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ
مَنْ عَدَّ ذَلِكَ كَبِيرَةً فَرُكُوبُ الْبَحْرِ وَقْتَ هَيَجَانِهِ
يَكُونُ كَبِيرَةً بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا حَرَامٌ فَلَا يَبْعُدُ
أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ كَبِيرَةً لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ إلَى
التَّهْلُكَةِ وَالتَّغْرِيرِ الشَّنِيعِ ؛ فَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فِيهِ
بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوكَلُ إلَى نَفْسِهِ حَتَّى إذَا مَاتَ عُذِّبَ
بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ بِرُكُوبِهِ الْمُحَرَّمِ ، بِخِلَافِ النَّوْمِ
عَلَى السَّطْحِ غَيْرِ الْمَحُوطِ فَإِنَّ الْهَلَاكَ لَا يَغْلِبُ
مِنْهُ كَمَا يَغْلِبُ مِنْ رُكُوبِهِ الْبَحْرَ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ
مُشَاهَدٌ ، وَهَذَا هُوَ مَلْحَظُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ بِحُرْمَةِ هَذَا
وَكَرَاهَةِ ذَلِكَ .
( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسَّبْعُونَ :
تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَوْ
الْمُخْتَلَفِ فِيهَا عِنْدَ مَنْ يَرَى الْوُجُوبَ كَتَرْكِ
الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ ) أَخْرَجَ جَمَاعَةٌ
وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ
الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } .
وَأَبُو
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ
فِي صَحِيحَيْهِمَا : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ ، وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ ، وَأَنْ
يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ
الْبَعِيرُ } ، وَصَحَّ أَيْضًا { أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي
يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْرِقُ
مِنْ صَلَاتِهِ ؟ قَالَ : لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا } -
أَوْ قَالَ - { لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } .
وَصَحَّ
أَيْضًا : { أَسْرَقُ النَّاسِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ ، قِيلَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ ؟ قَالَ لَا يُتِمُّ
رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا ، وَأَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ
بِالسَّلَامِ } .
وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنَا خُزَيْمَةَ
وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمَحَ بِمُؤَخَّرِ عَيْنِهِ رَجُلًا خَلْفَهُ لَا يُقِيمُ
صَلَاتَهُ - يَعْنِي صُلْبَهُ - فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَمَّا
قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ
لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } ، وَالطَّبَرَانِيُّ
بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى صَلَاةِ عَبْدٍ
لَا يُقِيمُ فِيهَا صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ ،
وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ وَهُوَ
يُصَلِّي ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ مَاتَ هَذَا عَلَى حَالِهِ مَاتَ عَلَى غَيْرِ
مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَثَلُ الَّذِي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ
وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ مَثَلُ الْجَائِعِ يَأْكُلُ التَّمْرَةَ
وَالتَّمْرَتَيْنِ لَا يُغْنِيَانِ عَنْهُ شَيْئًا } .
قَالَ أَبُو
صَالِحٍ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَنْ حَدَّثَ بِهَذَا عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ أُمَرَاءُ
الْأَجْنَادِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ،
وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ سَمِعُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ :
{ إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي سِتِّينَ سَنَةً وَمَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ
لَعَلَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَلَا يُتِمُّ السُّجُودَ وَيُتِمُّ
السُّجُودَ وَلَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ } .
وَالطَّبَرَانِيُّ
بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِأَصْحَابِهِ : لَوْ أَنَّ لِأَحَدِكُمْ هَذِهِ السَّارِيَةَ لَكَرِهَ
أَنْ يَجْدَعَ - أَيْ يَقْطَعَ - بَعْضَهَا ، كَيْفَ يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ
فَيَجْدَعُ صَلَاتَهُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ فَأَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ
فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَقْبَلُ إلَّا تَامًّا } .
وَصَحَّ
عَنْ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ
الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ فَقَالَ : لَوْ مَاتَ هَذَا مَاتَ عَلَى
غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالْبُخَارِيُّ
عَنْ حُذَيْفَةَ : أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي لَا يُتِمُّ رُكُوعَ
الصَّلَاةِ وَلَا سُجُودَهَا فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ : مَا صَلَّيْتَ
وَلَوْ مِتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ مِتَّ عَلَى غَيْرِ
فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
زَادَ أَبُو
دَاوُد أَنَّهُ قَالَ : " مُذْ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ
مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، قَالَ مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ
سَنَةً شَيْئًا ، وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ
: { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى عَبْدٍ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ
رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ ، وَمَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ وَالزَّانِي
وَالسَّارِقِ - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ الْحُدُودُ ؟
قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : هُنَّ فَوَاحِشُ
وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ
قَالُوا وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ ؟ قَالَ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا
وَلَا سُجُودَهَا } .
وَالْبَيْهَقِيُّ : { مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ
الْوُضُوءَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا
وَسُجُودَهَا وَالْقِرَاءَةَ فِيهَا ، قَالَتْ الصَّلَاةُ : حَفِظَك
اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي ثُمَّ صُعِدَ بِهَا إلَى السَّمَاءِ ، وَلَهَا
ضَوْءٌ وَنُورٌ ، وَفُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى يُنْتَهَى
بِهَا إلَى اللَّهِ فَتَشْفَعُ لِصَاحِبِهَا ، وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ
رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا وَلَا الْقِرَاءَةَ فِيهَا ، قَالَتْ :
ضَيَّعَك اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي ثُمَّ صُعِدَ بِهَا إلَى السَّمَاءِ
وَعَلَيْهَا ظُلْمَةٌ فَأُغْلِقَتْ دُونَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ثُمَّ
تُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ
صَاحِبِهَا } .
وَالطَّبَرَانِيُّ : { وَمَنْ صَلَّاهَا لِغَيْرِ
وَقْتِهَا ، وَلَمْ يُسْبِغْ لَهَا وُضُوءَهَا ، وَلَمْ يُتِمَّ لَهَا
خُشُوعَهَا وَلَا رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا خَرَجَتْ ، وَهِيَ
سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ، تَقُولُ ضَيَّعَك اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي
حَتَّى إذَا كَانَتْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ لُفَّتْ كَمَا يُلَفُّ
الثَّوْبُ الْخَلَقُ ثُمَّ ضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ } .
وَصَحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ .
وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ { إنَّهُ لَمَّا صَلَّى وَجَاءَ
فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ
عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : لَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ،
فَرَجَعَ وَصَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ
قَالَ لَهُ ذَلِكَ فَفَعَلَ ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ
: لَا أَدْرِي مَا عِبْت عَلَيَّ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ
أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ
الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ، وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى
الْمَرْفِقَيْنِ ، وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ
، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ وَيَحْمَدَهُ وَيُمَجِّدَهُ وَيَقْرَأَ مِنْ
الْقُرْآنِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ وَتَيَسَّرَ ، ثُمَّ يُكَبِّرَ
وَيَرْكَعَ فَيَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ
مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ ، ثُمَّ يَقُولَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ ، وَيَسْتَوِيَ قَائِمًا حَتَّى يَأْخُذَ كُلُّ عَظْمٍ
مَأْخَذَهُ وَيُقِيمَ صُلْبَهُ ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْجُدَ وَيُمَكِّنَ
جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ
، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى
مَقْعَدَتِهِ وَيُقِيمَ صُلْبَهُ ، فَوَصَفَ الصَّلَاةَ هَكَذَا حَتَّى
فَرَغَ ثُمَّ قَالَ ، لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ
ذَلِكَ } .
وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { الصَّلَاةُ ثَلَاثَةُ
أَثْلَاثٍ ، الطَّهُورُ ثُلُثٌ ، وَالرُّكُوعُ ثُلُثٌ ، وَالسُّجُودُ
ثُلُثٌ ، فَمَنْ أَدَّاهَا بِحَقِّهَا قُبِلَتْ مِنْهُ وَقُبِلَ مِنْهُ
سَائِرُ عَمَلِهِ ، وَمَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ رُدَّ عَلَيْهِ
سَائِرُ عَمَلِهِ } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ
وَاضِحٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ لَمَا عَلِمْته مِنْ هَذَا
الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ
وَاجِبٍ لَهَا مُجْمَعٍ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الصَّلَاةِ
وَأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، وَكَذَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى
وُجُوبَهُ ، فَتَرْكُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِتَرْكِهَا أَيْضًا ، فَفِيهِ
أَيْضًا الْوَعِيدُ السَّابِقُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ .
الْكَبِيرَةُ
الثَّمَانُونَ : الْوَصْلُ وَطَلَبُ عَمَلِهِ الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ
وَالثَّمَانُونَ : الْوَشْمُ وَطَلَبُ عَمَلِهِ الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ
وَالثَّمَانُونَ : وَشْرُ الْأَسْنَانِ أَيْ تَحْدِيدُهَا وَطَلَبُ
عَمَلِهِ الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّمَانُونَ : التَّنْمِيصُ
وَطَلَبُ عَمَلِهِ ، وَهُوَ جَرْدُ الْوَجْهِ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ
وَغَيْرُهُمَا : { لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ،
وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ } ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ
وَالْمُتَنَمِّصَاتِ ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ
خَلْقَ اللَّهِ ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : وَمَا
لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - : { وَمَا آتَاكُمْ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } .
وَأَبُو
دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ
وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ وَالْوَاشِمَةُ
وَالْمُسْتَوْشِمَةُ مِنْ غَيْرِ دَاءٍ " .
وَالشَّيْخَانِ : { أَنَّ
امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا فَتَمَعَّطَ شَعَرُ
رَأْسِهَا فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ وَقَالَتْ : إنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ
فِي شَعَرِهَا ، فَقَالَ : لَا إنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمَوْصُولَاتُ } .
وَرُوِيَ
أَيْضًا أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ
عَامَ حَجَّ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ ، فَقَالَ يَا أَهْلَ
الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ ؟ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا وَيَقُولُ : { إنَّمَا
هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ : { مَا
كُنْت أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُهُ إلَّا الْيَهُودُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ فَسَمَّاهُ الزُّورَ } ، .
وَفِي أُخْرَى لَهُمَا أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ :
إنَّكُمْ قَدْ اتَّخَذْتُمْ زِيَّ سُوءٍ فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الزُّورِ .
قَالَ قَتَادَةُ : يَعْنِي مَا تُكْثِرُ بِهِ النِّسَاءُ أَشْعَارَهُنَّ مِنْ الْخِرَقِ .
وَقَالَ : جَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا وَعَلَى رَأْسِهَا خِرْقَةٌ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : أَلَا هَذَا الزُّورُ .
وَفِي
رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ - فِي سَنَدِهَا ابْنُ لَهِيعَةَ - { أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِقُصَّةٍ فَقَالَ : إنَّ
نِسَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ كُنَّ يَجْعَلْنَ هَذَا فِي رُءُوسِهِنَّ
فَلُعِنَّ وَحُرِّمَ عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِدُ } .
وَالْوَاصِلَةُ
الَّتِي تَصِلُ الشَّعَرَ بِشَعَرٍ آخَرَ ، ، وَالْوَاشِمَةُ الَّتِي
تَفْعَلُ الْوَشْمَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ ، ، وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَنْقُشُ
الْحَاجِبَ حَتَّى تُرِقَّهُ كَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد ، وَالْأَشْهَرُ
مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مِنْ النَّمْصِ ، وَهُوَ
نَتْفُ شَعَرِ الْوَجْهِ ، ، وَالْمُتَفَلِّجَةُ هِيَ الَّتِي تُفَلِّجُ
أَسْنَانَهَا بِنَحْوِ مِبْرَدٍ لِلْحُسْنِ ، وَالْمُسْتَوْصِلَةَ
وَالْمُتَنَمِّصَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ الْمَفْعُولُ بِهَا ذَلِكَ .
تَنْبِيهٌ
: ذَكَرَ هَذِهِ كُلَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْأَوَّلَيْنِ ،
وَغَيْرُهُ فِي الْكُلِّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ مِنْ
أَمَارَاتِ الْكَبِيرَةِ اللَّعْنَ ، وَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ
الْأَحَادِيثِ بِلَعْنِ الْكُلِّ ، لَكِنْ لَمْ يَجْرِ كَثِيرٌ مِنْ
أَئِمَّتِنَا عَلَى إطْلَاقِ ذَلِكَ ، بَلْ قَالُوا : إنَّمَا يَحْرُمُ
غَيْرُ الْوَشْمِ وَالنَّمْصِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ ،
وَهُوَ مُشْكِلٌ لِمَا عَلِمْت فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِيَّةِ فَإِنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : لَا ، مَعَ قَوْلِهَا
إنَّ الزَّوْجَ أَمَرَ بِالْوَصْلِ ، وَعَجِيبٌ قَوْلُهُمْ بِكَرَاهَةِ
النَّمْصِ بِمَعْنَيَيْهِ السَّابِقَيْنِ مَعَ اللَّعْنِ فِيهِ وَمَعَ
قَوْلِهِمْ بِالْحُرْمَةِ فِي غَيْرِهِ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ
الزَّوْجِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ ، وَأَيُّ فَرْقٍ مَعَ وُقُوعِ
اللَّعْنِ عَلَى الْكُلِّ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ،
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَشَارُوا إلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ .
(
الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالثَّمَانُونَ : الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ
الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى لِسُتْرَةٍ بِشَرْطِهَا ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ
وَأَصْحَابُ السُّنَنِ : { لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ
الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا
لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ
: { لَكَانَ أَنْ يَقُومَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا } : سَنَةً أَيْ خَيْرًا
لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ : { لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ
عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ
يُصَلِّي .
} وَصَحَّ فِيهِ حَدِيثٌ وَهُوَ : { لَوْ يَعْلَمُ
أَحَدُكُمْ مَا لَهُ فِي أَنْ يَمْشِيَ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا
وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ
مِائَةَ عَامٍ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا } .
وَأَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ : { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ
النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْ
فِي نَحْرِهِ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ } .
وَصَحَّ
أَيْضًا : { فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ أَبَى
فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ } أَيْ وَأَطَاعَهُ وَإِلَّا
فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ .
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
مَوْقُوفًا : { لَأَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ رَمَادًا يُذْرَى بِهِ خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ
يُصَلِّي } .
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا وَقَعَ
لِبَعْضِ أَئِمَّتِنَا وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ نَحْوِ مَا ذَكَرْته
مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّ فِيهَا وَعِيدًا شَدِيدًا كَمَا لَا
يَخْفَى ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهَا أَنَّ شَرْطَ التَّحْرِيمِ أَنْ يُصَلِّيَ
إلَى سَاتِرٍ ، وَهُوَ عِنْدَنَا جِدَارٌ أَوْ عَمُودٌ أَوْ نَحْوُ عَصًا
يَغْرِزُهَا ، أَوْ مَتَاعٍ يَجْمَعُهُ ، فَإِنْ عَجَزَ بَسَطَ مُصَلًّى ،
فَإِنْ عَجَزَ خَطَّ خَطًّا طُولًا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ ،
وَيُشْتَرَطُ قُرْبُهُ مِنْهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ عَقِبِهِ
وَبَيْنَهُ
أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ، وَأَنْ يَكُونَ طُولُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ ، وَأَنْ لَا يَقِفَ بِطَرِيقٍ كَالْمَطَافِ وَقْتَ طَوَافِ أَحَدٍ بِهِ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ فِي صَفٍّ وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ ، فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَلْ يُكْرَهُ ، وَقِيلَ يَحْرُمُ فِي مَحَلِّ سُجُودِهِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا .
( الْكَبِيرَةُ
الْخَامِسَةُ وَالثَّمَانُونَ : إطْبَاقُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَوْ
الْبَلَدِ أَوْ نَحْوِهِمَا عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي فَرْضٍ مِنْ
الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيهِمْ شُرُوطُ وُجُوبِ
الْجَمَاعَةِ ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ : { لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ
بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ
أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا
يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ } .
وَأَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي
صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَا مِنْ
ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ
إلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ ، أَيْ غَلَبَ ،
فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ
الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ } زَادَ رَزِينٌ : { وَإِنَّ ذِئْبَ الْإِنْسَانِ
الشَّيْطَانُ إذَا خَلَا بِهِ أَكَلَهُ } .
وَالْحَاكِمُ فِي
مُسْتَدْرَكِهِ : { ثَلَاثَةٌ لَعَنَهُمْ اللَّهُ : مَنْ تَقَدَّمَ
قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ تُحَذِّفُ
وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَرَجُلٌ سَمِعَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَلَمْ يُجِبْ } .
وَالشَّيْخَانِ
وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى
اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا - يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ - فَلْيُحَافِظْ
عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ -
تَعَالَى - شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُنَنَ الْهُدَى - وَإِنَّهُنَّ - مِنْ سُنَنِ الْهُدَى ، وَلَوْ
أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا
الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ
تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ .
وَمَا مِنْ رَجُلٍ
يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ، ثُمَّ يَعْمِدَ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ
هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ
يَخْطُوهَا حَسَنَةً ، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً
وَيَحُطُّ بِهَا
عَنْهُ سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا
مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ
يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ " ، وَفِي
رِوَايَةٍ : " لَقَدْ رَأَيْتنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا
مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ ، إنْ كَانَ الْمَرِيضُ
لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ " وَقَالَ إنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ
الْهُدَى ، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ
الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بَدَلُ
قَوْلِهِ - : " وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ " -
وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَكَفَرْتُمْ " .
وَأَحْمَدُ
وَالطَّبَرَانِيُّ : { الْجَفَاءُ كُلُّ الْجَفَاءِ ، وَالْكُفْرُ
وَالنِّفَاقُ مَنْ سَمِعَ مُنَادِيَ اللَّهِ يُنَادِي إلَى الصَّلَاةِ
فَلَا يُجِيبُهُ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ : { بِحَسْبِ
الْمُؤْمِنِ مِنْ الشَّقَاءِ وَالْخَيْبَةِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُؤَذِّنَ
يُثَوِّبُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُجِيبُهُ } وَالتَّثْوِيبُ هُنَا اسْمٌ
لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ .
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ : { لَقَدْ هَمَمْت
أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي فَيَجْمَعُوا إلَيَّ حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ ثُمَّ
آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ
فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ } فَقِيلَ لِيَزِيدَ - هُوَ ابْنُ الْأَصَمِّ -
: الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا ؟ قَالَ : صُمَّتَا أُذُنَايَ إنْ
لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَأْثُرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ جُمُعَةً وَلَا
غَيْرَهَا .
وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَأَى فِي
الْقَوْمِ رِقَّةً فَقَالَ : إنِّي لَأَهُمُّ أَنْ أَجْعَلَ لِلنَّاسِ
إمَامًا ثُمَّ أَخْرُجُ فَلَا أَقْدِرُ عَلَى إنْسَانٍ يَتَخَلَّفُ عَنْ
الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ إلَّا أَحْرَقْتُهُ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ أُمِّ
مَكْتُومٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ
نَخْلًا
وَشَجَرًا وَلَا أَقْدِرُ عَلَى قَائِدٍ كُلَّ سَاعَةٍ
أَيَسَعُنِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي قَالَ : أَتَسْمَعُ الْإِقَامَةَ
؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَأْتِهَا } .
وَمُسْلِمٌ : { إنَّ أَعْمَى
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى
الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ
هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ فَأَجِبْ
} .
وَأَبُو دَاوُد : { إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ أَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ
الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ وَأَنَا ضَرِيرُ
الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ - أَيْ بَعِيدُهَا - وَلِي قَائِدٌ لَا
يُلَائِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي ؟ فَقَالَ :
هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ فَقَالَ نَعَمْ ، قَالَ فَأَجِبْ فَإِنِّي لَا
أَجِدُ لَكُمْ رُخْصَةً } .
وَابْنُ مَاجَهْ : { لَيَنْتَهِيَنَّ
رِجَالٌ عَنْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ }
وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ خَبَرَ : { مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَارِغًا
صَحِيحًا فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ } ، لَكِنْ قَالَ
الْمُنْذِرِيُّ الصَّحِيحُ وَقْفُهُ .
وَأَبُو دَاوُد : { مَنْ
يَسْمَعُ الْمُنَادِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ
عُذْرٌ قِيلَ وَمَا الْعُذْرُ ؟ قَالَ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ لَمْ تُقْبَلْ
مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى } يَعْنِي فِي بَيْتِهِ .
وَقَالَ
إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ
سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً
أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلَى
السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ } إنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ يَغْشَاهُمْ فِيهِ ذُلُّ النَّدَامَةِ لِأَجْلِ
كَوْنِهِمْ كَانُوا يُدْعَوْنَ فِي الدُّنْيَا إلَى السُّجُودِ وَهُمْ
سَالِمُونَ فَلَمْ يُجِيبُوا ، وَقَالَ أَيْضًا : يُدْعَوْنَ إلَى
الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ : كَانُوا يَسْمَعُونَ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " فَلَا
يُجِيبُونَ وَهُمْ أَصِحَّاءُ سَالِمُونَ .
وَقَالَ
كَعْبُ الْأَحْبَارِ : وَاَللَّهِ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إلَّا فِي
الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَاتِ فَأَيُّ وَعِيدٍ أَبْلَغُ وَأَشَدُّ
مِنْ هَذَا لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ .
وَسُئِلَ
ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَمَّنْ يَصُومُ النَّهَارَ
وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا يُصَلِّي فِي الْجَمَاعَةِ وَلَا يُجَمِّعُ ؟
فَقَالَ : إنْ مَاتَ هَذَا فَهُوَ فِي النَّارِ .
وَقَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ : لَأَنْ يَمْتَلِئَ أُذُنُ ابْنِ آدَمَ رَصَاصًا مُذَابًا
خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ وَلَا يُجِيبَ .
وَقَالَ
عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - : لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ
إلَّا فِي الْمَسْجِدِ ، قِيلَ : وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ ؟ قَالَ : مَنْ
يَسْمَعُ الْأَذَانَ ، وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَهُمَا
جَاءَ حَدِيثًا : وَقَالَ حَاتِمٌ الْأَصَمُّ : فَاتَتْنِي مَرَّةً
صَلَاةٌ فَعَزَّانِي أَبُو إِسْحَاقَ الْبُخَارِيُّ وَحْدَهُ وَلَوْ مَاتَ
لِي وَلَدٌ لَعَزَّانِي أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ نَفْسٍ لِأَنَّ
مُصِيبَةَ الدِّينِ عِنْدَ النَّاسِ أَهْوَنُ مِنْ مُصِيبَةِ الدُّنْيَا .
وَحَكَى
ابْنُ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى بُسْتَانٍ لَهُ فَرَجَعَ وَقَدْ
صَلَّى النَّاسُ الْعَصْرَ ، فَقَالَ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ
رَاجِعُونَ ، فَاتَتْنِي صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي الْجَمَاعَةِ أُشْهِدُكُمْ
أَنَّ حَائِطِي عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ لِتَكُونَ كَفَّارَةً لِمَا
صُنِعَ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : كُنَّا إذَا
فَقَدْنَا الْإِنْسَانَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي
الْجَمَاعَةِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَافَقَ أَيْ
لِحَدِيثِ : { إنَّهُمَا أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ
وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا } .
تَنْبِيهٌ
: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ
أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ ، وَبِهِ يَظْهَرُ
مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ تَرْكَ
الْجَمَاعَةِ بِالْقُيُودِ الَّتِي قَدَّمْتهَا كَبِيرَةٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ
صَرَّحَ
بِذَلِكَ ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ الْأَحَادِيثِ أَيْضًا أَنَّ تَرْكَهَا
بِالْقُيُودِ الَّتِي قَدَّمْتهَا كَبِيرَةٌ ، وَإِنْ قُلْنَا
بِالرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَيُؤَيِّدُ
ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ يُقَاتِلُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا ؛ وَأَمَّا مَا
رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَأَنَّهُمْ لَا
يُقَاتَلُونَ عَلَى تَرْكِهَا فَلَا يَقْتَضِي أَنَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ
لَا نَجْعَلُهُ كَبِيرَةً ، لِأَنَّهُ يُؤَوِّلُ الْأَحَادِيثَ
بِحَمْلِهَا عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، فَهِيَ وَارِدَةٌ فِي قَوْمٍ
كُفَّارٍ مُنَافِقِينَ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا فَهُوَ وَإِنْ سَلِمَ لَهُ
فِيمَنْ عَزَمَ عَلَى حَرْقِهِمْ فَلَا يَسْلَمُ لَهُ فِي الْمَلْعُونِينَ
وَنَحْوِهِمْ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ اللَّعْنَ مِنْ أَمَارَاتِ
الْكَبِيرَةِ ، فَظَهَرَ أَنَّ تَرْكَهَا كَبِيرَةٌ فَيُفَسَّقُ أَهْلُ
الْبَلَدِ مَثَلًا إذْ تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَلَوْ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ
مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى
تَهَاوُنِهِمْ بِالدِّينِ فَهُوَ جَرِيمَةٌ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ
مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ .
ثُمَّ رَأَيْت
الذَّهَبِيَّ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ ، لَكِنْ عَلَى
غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّهُ قَالَ : الْكَبِيرَةُ
السَّادِسَةُ وَالسِّتُّونَ الْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِ صَلَاةِ
الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِبَعْضِ مَا سَبَقَ
، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَتَمَشَّى إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ
الْقَائِلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَا عَلَى
مَذْهَبِنَا ، لِأَنَّهَا إمَّا فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ سُنَّةٌ ، وَكُلٌّ
مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ - إذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُ - وَمِنْ السُّنَّةِ
لَا إثْمَ بِتَرْكِهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً .
(
الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّمَانُونَ : إمَامَةُ الْإِنْسَانِ
لِقَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي
مُسْتَدْرَكِهِ : { ثَلَاثَةٌ لَعَنَهُمْ اللَّهُ : مَنْ تَقَدَّمَ
قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا
عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَرَجُلٌ سَمِعَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى
الْفَلَاحِ فَلَمْ يُجِبْ } .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
: { ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ : الْعَبْدُ الْآبِقُ
حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ،
وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ } .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً : مَنْ
تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَرَجُلٌ يَأْتِي الصَّلَاةَ
دِبَارًا - وَالدِّبَارُ أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ -
وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ حُرًّا } أَيْ جَعَلَهُ عَبْدًا .
وَالطَّبَرَانِيُّ
- بِسَنَدٍ قِيلَ فِي بَعْضِ رِجَالِهِ : إنَّ لَهُ مَنَاكِيرَ - : أَنَّ
طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِقَوْمٍ
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إنِّي نَسِيت أَنْ أَسْتَأْمِرَكُمْ قَبْلَ
أَنْ أَتَقَدَّمَ أَرَضِيتُمْ بِصَلَاتِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ وَمَنْ
يَكْرَهُ ذَلِكَ يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ
لَهُ كَارِهُونَ لَمْ تُجَاوِزْ صَلَاتُهُ أُذُنَيْهِ } .
وَابْنُ
خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مُرْسَلًا وَمَرْفُوعًا : { ثَلَاثَةٌ لَا
يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً ، لَا تَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ وَلَا
تُجَاوِزُ رُءُوسَهُمْ : رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ،
وَرَجُلٌ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَلَمْ يُؤَمَّرْ ، وَامْرَأَةٌ دَعَاهَا
زَوْجُهَا مِنْ اللَّيْلِ فَأَبَتْ عَلَيْهِ } .
وَابْنُ مَاجَهْ : {
ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ شِبْرًا : رَجُلٌ
أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا
عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ } .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : {