كتاب : المعاني الكبير
المؤلف : ابن قتيبة الدينوري

إذا حبا قُف له تعرقبا
أي عدل عنه والنوى للأي أي لالتواء خصم عليك. وقال البعيث:
نعز بنجدٍ كل من لقط الحصى ... ونعلو رؤوسَ الناسِ عند المواسمِ
لقط الحصا أن يقول: لنا يوم كذا ويلقطَ حصاة ويوم كذا ويلقط حصاة. وقال حكيم بن معَية:
إني إذا ما طارتْ الزنابز ... ولقّحتْ أيديها عَواسرُ
يعني رفع أيدي القوم عند الخصومة. ومثله للعجاج في رفع اليد:
لغد كفى قرضى بنيك العَسرا
أي أن تعسر عليهم الأيدي بالسياط فيضربوا. وقال القلاخ
وأوخفت أيدي الخصوم الغسلا
أي قلبوها في الجدال كما يوخف الخطمى باليد. ومثله للراعي وذكر عريفا:
نسي الأمانةَ من مخافةِ لقّح ... شمس تركن بضيعةٍ مجزولا
لقح أيد ترتفع عليه بالسياط شبهها بأذناب الابل اللواقح شمس صفة للابل الحوامل لا للايدي.
وقال النابغة:
وقد عسرت من دونهم بأكّفِهم ... بنو عامر عسر المخاضِ الموانعِ
يقول اتقتهم بنو عامر بأيديها كما تتقي المخاض الفحل بأذنابها. وقال آخر:
تلقَح أيديهم كأن زبيبَهم ... زبيب الفحولِ الصيد ِوهي تلمّجُ
تلقح أيديهم يعني أنهم يشيرون إذا اكلموا وأصل التلقح في الناقة إذا شالت ذنبها تريك أنها لاقح. وقال ذو الرمة:
إذا قلت عاجِ أو تغنّيت أبرقَتْ ... بمثل الخوافي لاقحاً أو تلقّحَ
الزبيب الزبد الذي مجتمع في الاشداق إذا تكلم فأكثر، يقال قد زبب شدقاه.
وقال آخر أبو الحجناء:
إني إذا ما زبّب الأشداق ... وكثر الضَجاج والَلقلاقُ
ثبت الجنان مرجم ودق
ومنه قول الجارية: كنت أنشد أبي حتى يزبب شدقاي، شبه ذلك من هؤلاء المتكلمين بما مجتمع في أشداق الفحول الصيد وهي التي ترفع رؤوسها، والصيد داء يصيب الابل فترفع، وهي تلمّج أي تأكل اليسير ومنه يقال: ما ذقت لَماجا، وقول لبيد:
يلمّج البارض لمجاً في الندى ... في مرابيع رياض ورِجَل
وقال أبو خراش:
تخاصَمَ قوما لا تلفّى جوابُهم ... وقد أخذتْ من أنفِ لحيتكَ اليدُ
يقول ندمت على ما ضيعت، ومن عمل النادم العبث بلحِيته قال أبو عمرو أي كبرت فطالت وأنت لا تعقل، وأنف اللحية مقدمها. وقال آخر أبو النجم:
وقد أقود بالدوىَ الملزمّلِ ... أخرس في الركب بقَق المنزلِ
الدوى الرجل الأحمق والبقاق الكثير الحديث، تقول: بققت له أي أخرجت له ما في نفسي، ويقال بق الغيث عبابه أي أخرج ما فيه، يقول فهذا الرجل ساكت في السفر لا يتحدث ولا يؤنس وهو في منزله كثير الحديث، وهذا مما يعاب به. وقال ابن أحمر وذكر كلمة:
ليست بمشتمةٍ تعدّ وعفوها ... عرَق السقاءِ على القعودِ اللاغبِ
قال الأصمعي: العرب تقول لقيت من فلان عرق القربة يعنون الشدة، وقال هذا: عرق السقاء أراد القربة فلم يمكنه الشعر، والمعنى أنه يسمع الكلمة تغيظ وليست بشتم فيأخذ صاحبها بها وقد أبلغت إليه كعرق السقاء على القعود اللاغب، وقال أبو عبيدة: وهذا المعنى يشبه ما كان الفراء يحكيه أنهم كانوا يتزودون الماء في المفاوز فيعلقونه على الابل يتناوبونه فكان في ذلك تعب ومشقة على الظهر وكان الفراء يجعل هذا التفسير في عَلق القربة. وقال المرار الفقعسي:
لنا مساجد ونعّمروها ... وفي المنابرِ قعدانُ لنا ذُلل
قعدان جمع قعود، شبه مجلسه على المنبر بالبعير يقتعده. وقال أبو داود:
وأتانا تقحيمُ كعبٍ لي المن ... طق إن النكيثةَ الإقدام
في نظامٍ ما كنتُ فيه فلا ب يح ... زنكَ قول لكل حسناءِ ذام
التقحيم الكلام بعضه في إثر بعض كأنه هجاه، وكعب هو كعب ابن مامة وكان بلغه عنه ما يكره، والنكيثة بلوغ الأمر يقال بلغت نكيثة البعير إذا جهدته في السير، وقال طرفة:
وقربت بالقربى وجدّك إنني ... ومتى يك أمر للنكيثة أشهد
ويروى: الاقحام، في نظام، أي في نظام من القول، والذام والذيم العيب. وقال طرفة:
وتضد عنك مخيلة الرجل ال ... عريض موضحة عن العظم
بحسامِ سيفِكَ او لسانكَ وال ... كلم الاصيل كأرغب الكَلْمِ

الكلم جمع كلمة والكلْم الجرح وأرغب أوسع، وهو مثل قول امريء القيس:
ولو عنْ نثا غيره جاءني ... وجرحُ اللسانِ كجرحِ اليدِ
والعريض المتعرض للشر، والمخيلة الخيلاء، موضحة شبحه توضح عن العظم. وقال النابغة:
يصدّ الشاعرُ الثنيان عني ... صدودَ البَكر عن قرم هجانِ
أثرت الغي ثم نزعتُ عنه ... كما حاد الأزَب عن الطعانِ
الثنيان الذي يعد ثانيا من الشعراء ويقال هو الشاعر ابن الشاعر يقول لا يقوى على مهاجاتي كما لا يطيق البكر القرم فيصد عنه، أثرت الغي أي هيجت الشر ثم تركته، كما حاد الأزبّ وهو الكثير وبر الحاجبين والعينين، والطعان حبل يشد به الهودج وقال:
وأي الناسِ اغدر من شآم ... له صردان منطلق اللسانِ
الصُرَدان عرقان يكتنفان اللسان، وقال شآم لأن النابغة كان بالشأم. وقال الكميت:
ولو جّهزث قافية شروداً ... لقد دخلت بيوتَ الأشعرينا
ولارتحلتَ مّن العريان نضواً ... غنياً عن رحالةٍ منطفِينا؟
يريد العريان بن الهيثم وكان على شرط الحجاج، لارتحلت القافية من هذا الرجل أي لركبتْ منه بعيرا نضوا وكان غنيا أن يركب حتى يدبر ظهره - شبهه ببعير دبر إذ هجاه.
وأنشد الأصمعي:
حديث بني قرط إذا ما لقيتهم ... كمزوِ الدبا في العرفج المتقاربِ
يريد أن كلامهم عجلة. ونحو منه قول آخر:
كأن بني رألانِ إذ جاء جمعهم ... فراريج يلقي بينهنَ سويقُ
شبههم بذلك لدقة أصواتهم وعجلة كلامهم. وقال ابن أحمر:
ولم أختلس بين الشقاشقِ حجةً ... وقد وَقعَتْ بالقرِ إلا تلاقيا
يريد شقاشق الخطباء شبه ذلك بشقشقة البعير وقد وقعت الحجة بمستقرها، أي لا تدرك بعد وقوعها. وقال ذو الرمة يهجو قوما
كأن أباها نهشل أو كأنهم ... لشقشقةٍ من رهطِ قيسٍ بن عاصمِ
الشقشقة أصله الذي يخرجه البعير من لهاته فضربه مثلا أي كأنهم للخطباء من رهط قيس بن عاصم. وقال ابن أحمر يصف خطيبا:
إذا نفرجتْ عنه سمادير حلقةٍ ... وبردان من ذاك الخلاج المسهمِ
أتانا طموحُ الرأسِ عاصبٌ رأسَه ... فمن لكً من امرِ العماسِ الملوّمِ
السمادير الغشى وممن اكتنفه من الناس، والخلاج ضرب من البرود يشبه الوشى، أتانا رافع رأسه من الكبر، والعماس الذي لا يتجه له ولبابه، والملوّم الذي لا يزال يأتي بما يلام عليه. وقال الراعي:
وخصمٌ غضاب ينفضونَ لحاهم ... كنفضِ البراذين الغِراث المخاليا
هذا مثل قول الأعشى:
أتاني كريم ينفضُ الرأسَ مغضباً
وقال زهير:
وذي نعمة تممتَها وشكرتُها ... وخصم يكادُ يغلب الحق باطِلَه
دففتُ بمعروفٍ من القولِ صائبٍ ... إذا ما أضّل القائلين مفاصله
هذا من قولهم فلان يصيب المفصل إذا أصاب المقطع. وقال الحارث بن حلزة:
إرمي بمثلِه جالَت الجنّ ... فاْبت لخصمها الأجلاء
نسبه إلى إرم عاد في قدم ملكه، وقيل في حلمه، جالت كاشفت وهو فاعلت من المجالاة وهي المكاشفة، والجن دهاة الناس وأبطالهم، يقال: ما هو إلا جني إذا كان عاقلا بطلا، يقول بمثل عمرو بن هند كاشفت الدهاة الناس فرجعوا وقد فلج خصمهم على من خاصمهم، والأجلاء جمع ممدود وهو الأمر الواضح البارز. قال آخر:
شيخ لنا كاللَيث من باقي إرم
وقال ابن مقبل:
وكنا إذا ما الخصمُ ذو الضغنِ هرَّنا ... قد عنا الجموح واختلعنا المعذرا
المعذر سن الفرس الذي عليه العذار والفرس إذا خلع عذاره لا يعدو وهذا مثل أي نقطع الخصم، ومثله له.
وخلعي عذار الخطيب اللسن
وقال آخر الدبيري:
أو رجل عن حقهم منافد
أي يخامم حتى ينفد حجة صاحبه ويبقى هو.
وقال آخر:
ومَنطق خُرِّقَ بالعَواسلِ ... لذّكَوشي اليمنة المراجل
قال الأصمعي: هذا مثل قول الآخر وهو عامر بن جوَين الطائي ويروى لأبي قردودة.
يا جفنةً كازاء الحوضِ قد هدموا ... ومنطقاً مثلَ وشي اليمنة الحبره
أي قتل صاحبها فكفئت. وقال عمرو بن الإطنابة:
فإنكم وما ترجونَ شطري ... من القولِ المرغّي والصريح

شطري نحوي، والمرغي أصله في اللبن وهو الذي عليه الرغوة، والصريح الخالص جعلهما مثلا للقول المستور المعرض به، والقول الظاهر المكشوف. وقال النابغة:
أتاكَ بقولٍ لهله النسجِ كاذبا ... ولم يأتكَ الحقَ الذي هو ساطع
ويروى: هلهل، يقال لهله الثوب وهلهله إذا ارقه، ومنه سمي المهلهل لأنه أول من هلهل الشعر أي أرقه، ويروى: الذي هو ناصع. وقال ابن أحمر:
إذا جاءَ منهم قافل بصحيفةٍ ... يكون عناءَ ماينبق عانيا
وتعرفُ في عنوانِها بعضَ لحنِها ... وفي جوفها صمعاء تبلي النواصِيا
قافل راجع، ينبّق يسطر. قال الأصمعي في قول امرىء القيس.
وحدَثَ بأنْ زالتْ بليل حمولهم ... كنخل من الأعراضِ غير منبقِ
قال ليس على سطر واحد، وعناء عان مثل موت مائت، وعنوانها ما ظهر من قولها، ومنه عنوان الكتاب أي ظاهره، ولحنها قصدها من قول الله عز وجل " ولتعرفهم في لحن القول " ، وفي جوف الصحيفة صمعاء أي داهية، تبلي النواصي أي تشيبها.
وقال ابن أحمر وذكر نساء:
تعاورْنَ الحديثَ وطبّقته ... كما طبقتَ بالنعلِ المثالا
طبقته أصابت مفصله وعينه، يقال قطعه طوابيق أي مفصلا مفصلا. وقال المرار:
أنا الخزَمي حلخلّي الناس بيني ... وبين الهدر بذخا أو بليعا
يقول عرفوا فضلي فخلوا بيني وبين ما أفتخر به، بذخا عاليا من المجد، والبليع من الكلام ما فتح به الفم وسوّغه قائله لم ينازع فيه. وقال العجاج:
بمنطقٍ لو أنني أسبني ... حيات هضبٍ جئنَ أو لوانيّ
أرقى به الأروى دنوْن مني
أسنّى أسهل وأرفق كأنه يفتح، يقال ظل يسنّي فلانا حتى أدرك حاجته. وقال العجاج أيضاً:
فقلت قولاً ليس بالمشاخسِ ... والجِد مضّا على التغامسِ
المشاخس المختلف يقال تشاخس أمر بني فلان أي اختلف.َ ومنه قول الطرماح:
وشاخس فاه الدهر حتى كأنه ... منمّس ثيران الكريصِ الضوائنِ
أي خالف بين أسنانه، والتغامس التعامي والتغافل، يقول الجد من القول يمضي وان تعاميت. وقال عدي بن زيد يذكر منازعا له.
أطحطحه حتى أضل حخيفه ... ويسرعُ فيه النافذاتُ البواضعا
أطحطحه أرمي به فأذهبه، والجخيف الكبر والعظمة، أبو عمرو: الجخيف الصخَب يقال جخف علينا أي فخر، والبواضع التي تبضع لحمه أي تقطعه.
فكيفَ ترونَ السعي أسأر قِيله ... على نقبِ الوجوه سواد براقعا
السعي في المجد أبقى القيل به أي الافتخار، يقول ترك قولي على وجوهكم براقع سودا.
أراهم بحمد الله بعد جخيفِهم ... غرابهم اذ مسّه الفَتر واقعا
قال يكون الرجل كثير الصخب ثم يفتر فيقال قد فتر غرابه ووقع غرابه.
وقال كثير يمدح رجلا:
ولكن بلوا في الجدِ منكَ ضريبة ... بعيداً ثراها مسمهراً وجينها
إذا جاوزوا معروفها أسلمتُهم ... إلى غمرة لا ينظر العَومَ نونها
ضريبة طبيعة، بعيدا ثراها ضربه يقول إنك بعيد الغور، والمسمهر الغليظ الصلب، والوجين ما غلظ من الارض، إذا جاوزوا معروفها معروف الطبيعة أي تركوا المقاربة وقعوا في غمرة من الماء يهلك فيها النون وهو السمكة، والعوم السباحة. وقال يمدح:
له عهد ودٍ لم يكذَّبْ يزيّنه ... ردَي قول معروفٍ حديثٍ ومزمنِ
ردى قول معروف زيادة قول، يقال أردي وأربي عليه، ومنه قول الحطيئة:
تضمنها بنات الفحل عنهم ... فأعطوها وما بَلغَتْ رداها
وقال كثيّر لعمر بن عبد العزيز وذكر أباه:
ذكرتُ عطاياه وليستْ بحجةٍ ... عليكَ ولكن حجة لك فاتْن
يقول: عطايا أبيك ليست توجب عليك أن تعطيني مثلها ولكنها حجة لك إن فاخرت، فاتّن إفتعل من ثنيّت أي بدأ هو فكن أنت ثانيا. وقال له:
له في شيمتانِ منهما أنَسيّة ... ووحشيةٌ إغراقها النهي معجلُ
فراعهما منه فانهما له ... وانهما منه نجاةٌ ومحفل

أنسية ووحشية واحدة تؤنس وأخرى يستوحش منها وهو كقولك حلو ومر، إغراقها من أغرقت في الأمر، والنهي الزجر عن الشيء والنهي عنه، والنجاة مثل النجوة وهو الموضع المرتفع الذي لا يبلغه السيل، والمحفل مجرى السيل، يقول فيهما عطب وسلامة. وقال:
حليم كريم ذو أناةٍ وأربةٍ ... بصير إذا ما كفة الحبل جرّت
الأربة العقدة، والكفة كفة الصَائد وهو حبل يديره، يقول هو بصير إذا خودع ونصب له ليختل مثل الحبالة التي تنصب للصيد.

في الدعاء بالشر واليمن
قال المنخل:
إن كنتِ عاذلتي فسيري ... نحوَ العراق ولا تَحوري
يدعو فيها أي لاردّك الله. وقال زيد الخيَل:
فلا شربَا إلا بلَزن مصرّدٍ ... ولا رميَا إلا بأفوقٍ ناصل
اللزن الضيق والقلة، والمصرد الذي ينقطع قبل الري، والأفوق السهم المنكسر الفوق، والناصل الساقط النصل. وقال بعض الضبيين:
أزائدَ لا أحلْت الحول حتى ... كأن عجوز كم شربت سماما
أي هلكتم حتى كأن أمكم شربت سما فماتت قبل أن تلد. وقال طرفة:
ولا غروَ إلا جارتي وسؤالها ... ألاهال لنا أهل؟ سئلتِ كذلك
أي صرت غريبة حتى تسألي كما سألتني - يدعو عليها، ومثله.
أفي كل يوم أم مثوى تعودني ... وتنفض أحلاسي وتسألني ما اسمي
وأنشد أبو زيد لامرأة:
فآبك هلا والليالي بغرة ... تلّم وفي الأيام عنك غفولُ
قال أبو زيد: آبك أبعدك الله، وفي كتابه سيبويه:
آبك أيّه بي أو مصدّر.
أنشدني أبو غانم: وقال آخر:
فجنّبتَ الجيوش أبا زينب ... وجادَ على ديارِكُم السخاب
أي لا كان لك مال، تغزَى له ولا زلت فقيرا وجاد السحَاب على ديارك لتراه حسنا، والعرب تقول: مرعى ولا أكولة، وعشب ولا بعير، وكلأ يتّجع له كبد المصرِم. وقال آخر:
فما للذي ولّى بها يومَ فارقَتْ ... مرَى بيد خلف الرفاقِ كسير
دعا عليه لأنه فرق بينه وبينها، مرى أي حرك بعيره وسار بيد كسير. وقال ابن أحمر:
لأصابَ جارهُم الربيعَ ولا ... زادتْ حمولته على عشرِ
أي لا جعل الله له من الحمولة وهي الإبل التي يحمل عليها إلا أصابعه العشر أي لا كان له إلا ما يحمل بكفه حسب وأنكر أن يكون أراد عشرا من الابل لأنها إن كانت حمولة لرجل كان كثير الميرة والخير. وأنشد لآخر:
يردّون في فيه عشر الحسود
يعني أصابع يديه العشر يعضّها غيظا عليهم وحنقا. نحو منه قول الهذلي صخر الغي:
قدَ افنى أناملَه أزمُه ... فأضحى يعضّ عليّ الوظيفا
يقول قد عضّض أصابعه غيظا وحنقا حتى ابانها ثم هو يعض على الوظيف، والأزم العض. وقال جرير للطلل:
سقيت دمَ الحياتِ ما ذنب زائرٍ ... يلّم فيعطي نائلاً أن يكلما
وقال مقاس:
تقول له لما رأتْ ظَلع رجله ... أهذا رئيس القوم؟ رادَ وسادَها
راد أي قلق وجاء وذهب حتى تأرق ويصيبها المكروه، دعا عليها. ابن احمر يدعو على الذي رمى عينه.
شُلت أنامل مخشيّ فلا جبَرتْ ... ولا أستعانَ بضاحي كفَه أبدا
ضاحي الكف ظاهرها، لم يقل باطن لأن العصب في ظاهر الكف. وقال أبو خراش لامرأته:
وبعد بلائي ظلّت البيت من عمي ... تحبّ فراقي أو يحلّ لها شتمي
أي بعد ما أبلاها الله من الخير على يدي أحبت فراقي وضلت البيت، دعا عليها - يقول أعماها الله حتى لا تبصر البيت. وقال العباس بن مرداس:
فا وأيىّ ما وأيّك كان شراً ... فقِيدَ إلى المقامةِ لا يراها
هذا دعاء، يريد أينا كان شرا فأعماه الله حتى يقاد إلى المقامة وهو لا يراها. وقال مقاس:
ألا أبلغْ بني شيبانِ عني ... فلا يلك من لقائكم الوداعا
أي أبلغهم عني فلا جعل آخر العهد منكم. وقال أوس:
فيا راكباً إما عرَضَتْ فبلغن ... بني كاهل، شاهَ الوجوه لكاهلِ
أي قبحت الوجوه التي لكاهل، يقال رجل أشوه وامرأة شوهاء وفي الحديث: شاهت الوجوه أي قبحت. وقال النابغة:
أغيركَ معقلاً أبغي وحصناً ... فأعيتَني المعاقل والحصونُ
فجئتكَ عارياً خلَقاً ثيابي ... على خوفٍ تظَن بي الظنون

يدعو على نفسه، عاريا سائلا من قولك عراه يعروه. وقال آخر:
قفا، لا يكن حظي وحظكما البكا ... على طَللٍ بالغَمرتيْنِ محيلِ
لا يكن دعاء له ولهما أي لا كان حظنا ذاك. وقال آخر:
لقد غيّل الأيتامَ طعنةَ ناشره ... أناشر لا زالتْ يمينُكَ آشرُه
آشرة يعني مأشورة من المئشار، يقال مئشار وميشار بغير همزة أيضا ومنشار بالنون أيضاً. وقال النابغة الجعدي:
إذا فعدِمت المالَ الا مقيّرا ... بأقرابه نِسفٌ من العرِّ جالبُ
المقير البعير المهنوء، والنسف أشد الجرب جالب ذو جلب. وقال امرؤ القيس وذكر الرامي: ماله لا عد من نغره يقول إذا عد أهله لم يعد معهم يدعو عليه بالموت وليس يربد بهذا وقوع الأمر، وهو مثل قولهم: قاتله والله وأخزاه الله، وكذلك قول ابن مقبل وذكر الفرس:
خدي مثلُ خدي الفالجيّ ينوّشنُي ... بخبطِ يديْه عيل ما هو عائله
هو من قولك عالني الشيء أي أثقلني يريد يشدد هذا الشيء الذي عليه وأثقله كقولك للشيء يعجبك: قاتله الله.

الأيمان
قال الأعشى:
إني لعمرِ التي خطت مناسمها ... تخدي وسيقَ إليه الباقر العثلُ
الاصمعي: خطت شقت التراب، وحطت خطأ لأن الحطاط الاعتماد بالزمام، والباقر جع بقر، والعثل الكثير. قال أبو عمرو: روى أبو عبيدة العثَل فأرسلت إليه: قد صحفَ إنما هو الغيل أي الكثير يقال ماء غيل إذا كان كثيراً، وفسره أخرى السمان يقال ساعِد غيل، والأصمعي: وجدّ عليها النافر العجُل - أي النفار من معنى، والنافر في معنى جمع، وأبو عبيدة يرويه: حطت بالحاء يعني حطاطها، وألأصمعي: خطت، وأنشد:
أرأيتُ يومَ عُكاظَ حين لقيتنى ... تحت العَجاجِ فما خططتَ غباري
للنابغة أي شققته. وقال عدي بن زيد:
إذ أتاني نبأ من منعم ... لم أخفهْ والذي أعطي السِبَرِ
أي الحسن والجمال يقال: حِبَر وسِبَر وسِبْر.
إنني والله فأقبلُ حِلفي ... بأبيلٍ كلما صلى جأرِ
مُرعَعد أحشاؤه في هيكلٍ ... شعِث لمَته وافي الشعرِ
الابيل الراهب، الهيكل الصومعة. وقال لأهل بيت النعمان:
فلا يميناً بذاتِ الوَدْع لوحدَثَتْ ... فيكم وقابلَ قبر الماجد الزارا
ذات الودع صنم كان بالحيرة ويقال بل هي الابل التي تسير إلى مكة يعلق عليها الودع، ويقال إن مكة يقال لها ذات الودع، وواجه قبر النعمان الزار وهي الأجمة أي دفن حذاءها.
إذاَ لبؤتم بجمعٍ لا كفاءَ له ... أوتاد ملْك تليد جدّه بارا
أي لو مات لغزتكم الجيوش فأقررتم أو رجعتم بجيش لا مثل له أوتاداً لملك قديم قد سقط جده أي صرتم كذلك وهو منصوب على الحال ولا مجوز أن يكون منصوباً على النداء. لأنه لا يجوز أن يدعوهم بذلك والنعمان لم يمت. أنشدني الرياشي لعبد الرحمن بن جمانة المحاربي:
فان حراما لا أرى الدهر باكياً ... على شجوة إلا بكيت على عمرو
قال: حرام هاهنا واجب: قال الله عز وجل " وحرام على قرية أهلكناها " وقد يجيء بمعنى اليمين. وقال العجاج:
وربّ هذا الأثر المقسّم ... من عهدِ إبراهيم لما يُطسم
المقسّم المحسّن من القسام وهو الحسن، ويطسم ويطمس واحد.
بحيثُ تدلَى قدم لم تذأمِ ... وربّ هدي كالحنيّ موذَمِ
أي الأثر بحيث دلّى قدمه لتغسل أم اسمعيل رأسه. لم تذأم لم تغب: والذام العيب وكذلك الذيم، موذم موجب. قال:
لا هُمّ ان عامرَ بن جَهمِ ... أوذم حجّا في ثيابٍ دسمَ
وقال العجاج أيضاً:
كالخَيم في شطيّه المخيّمِ ... حتى إذا ما حانَ فِطرُ الصوَّمِ
الخيم البيوت جمع خيمة شبهها بالخيم لعظمها، والشطي الشطوى وهي ثياب تعمل بشطا، يقول كأنها البيوت وهي في أجلتها، والمخيم الذي اتخذ خيمة.
أجازَ منا جائز لم يوقَمِ ... لقصفةِ الناس من المحرنجمِ
أجاز منا يريد تقدمنا يريد دفع جائز نافذ، يقال جاز وأجاز لغتان، يوقم يرد يقال وقَمه يقمه أي رده، يريد أن دفعة الحج كانت لنا، وقصفة الناس دفعتهم يقال انقصف الناس إذا اندفعوا، والمحرنجم المجتمَع. وقول بشر بن أبي خازم وقد أقسم:
وبالأدم ينظرن الحليل

وقال بعضهم الحليل حيث يحل لهم النحر، وقيل: ان يحل الناس من إحرامهم ثم يركبونها فهي تنتظر ذلك. قال الفِرزدق:
ولا خير في مال عليه الية ... ولا في يمين غير ذات مخارم
مخارم أي طرق جمع مخرم. وقال رؤبة:
ولاتني أيدٍ علينا تضبَع ... بما أصبناها واخرَى تطمع
تضبع تمد أضباعها وهي أعضادها بالدعاء علينا، ومنه قول الآخر وهو عمرو بن شأس:
نذود الملوك عنكم وتذودنا ... ولا صلح حتى تضبعونا ونضبعا
أي تمدون إلينا أضباعكم بالسيوف. وقال عمرو ذو الكلب:
منت لكَ أن تلاقيني المنايا ... أحادَ أحادَ في الشهرِ الحلالِ
هذا دعاء، منت لك أي قدرت لك الأقدار لقائي وحدَين في الشهر الحلال. وقال العجاج وذكر مرضة دعا الله فيها:
هو الذي أبصرَ ليلاً لَمعتي ... بالكف إذ مسك بالمصوّتِ
وحالت اللأواء دون نشغتي
اللمعة الدعاء بالاصبع أو بالكف، والمصوت موضع الصوت، يقال للرجل يغشى عليه ثم يفيق نشَغ، أي حالت اللأواء وهي الشدة دون إفاقتي. وقال آخر القلاخ بن حزن:
أبعدهن الله من مناق ... إن هن أنجين من الوثاق
بأربع من كذب سماق
السماق الخالص أي بأربع أمان بها فيخلون عني وأنجو وقال الشماخ وذكر أهل بيت امرأته:
يقولون لي يا احلفَ ولست بحالفٍ ... أخادعهُم عنها لكيما أنالها
يريد يقولون لي يا هذا احلف مثل: ألا يا اسلمى وألاّ يسجدوا اخادعهم عن اليمين لكيما أردها عني فلما عيل صبري حلفت.
ففرجت همَ الصدرِ عني بحلفةٍ ... كما شقَّت الشقراءُ عنها جلالَها
أي كما وطئت فرس شقراء على جلالها فخرجت منها وكذلك خرجت انا من هذه اليمين، أبو عمرو: " كمثل جواد قدّ عنها جلالها " أبو عبيدة و " كقدك عن متن الجواد جلالها " .
وقال يذكر امرأته في أول هذا الشعر:
وكنت إذا زالتْ رحالة سابحٍ ... شمِتّ به فقد لقيتُ مثالَها
هذا مثل ضربه لامرأته حين طلقها وهي الرحالة. وقال ابن أحمر:
فإما زال سرج عن مَعدً ... فأخلِق بالحوَادثِ أن تكونا
المعدان ما وقع عليه السرج من جنبي الفرس أي ان بنت بالطلاق، يقول الشماخ كنت أشمَت بمن طلق امرأته فقد أتيت ذلك. وقوله يعني الشماخ:
أغدو القِمِصى قبل عَيرٍ وما جرى ... ولم تدرِ ما خبري ولم أدرِ مالَها
القمصي عدو الأتان، وقبل عير وما جرى قبل أن يأتيها الفحل وقبل جريه إليها، وما جرى بمعنى ولم يجر، يقول نفرت امرأتي مني ولم تدر ما لحالها عندي كنفر هذه الأتان من الفحل حين نظرت إليه من بعيد لما تخوّفت طلبه لها. وقال لبيد لامرأته:
دعي اللوم أو بيني كشِق صديع
الصديع ثوب يشق نصفين يقول فارقيني كما فارق هذا النصف النصف الآخر.
وقال الأعشى لامرأته:
وبِيني فانَ البيْنَ خير من العصا ... وأن لاتزالي فوقَ رأسكَ بارقه
يقول بينك خير لك من العصا ومن أن لا تزال فوق رأسك لائحة من السيوف، والبارقة لمعها. قال المرقش الأصغر:
تنجّد عمرو حلفةً فأطعتُه ... فنفسَكَ ول اللومَ إن كنت لائماً
تنجد أي وثب على حلفة، والنجد ذو الجرأة من الرجال. وقال النابغة:
فإن كنتَ لاذاً الضغن عني منكّلا ... ولا حلفي على البراءةِ نافع
حلفتُ فلمْ أتركْ لنفسكَ رِيبةَ ... وهلْ يأثمن ذو أمة وهو طائع
قالوا كيف يقول: ولا حلفي على البراءة نافع - ثم يقول حلفت فلم أترك لنفسك ريبة؟ قال بعضهم - لا - في قوله: ولا حلفي، حشو والمعنى: إن كنت لا تكذب الساعي بي إليك ولا تنكله ويميني على البراءة تنفعني فإني أحلف وهل يأثم ذو أمة أي ذو دين واستقامة وهو طائع لم يجبر، وقوله:
وذلك أمر لم أكنْ لأقولَه ... ولو كبلت في ساعدي الجوامعُ
يقول لو حبست حتى أغل لم أكن لأقول ماَ بلغك. وقال عدي بن زيد في قصة الزباء وقصير:
فردته بضعفَي ما أتاها ... ولم تكبلْ على المالِ يمينا
لم تكبل لم تعقد على المال بأن تحلف لا يخرج مالي هذا اليوم من يدي إليك.
وقال ساعدة بن جؤية:
ينيلان بالله المجيدِ لقد ثوَى ... لدي حيث لاقى زينها ونصيرها

أي يحلفان، وقال كثير:
فما وجدوا منكَ الضريبةَ هدّة ... هَياراً ولا سقطَ الألية أخرما
هياراً أي تنهار أي لم يجدوك ضعيفاً، ولا سقط الألية الكذاب الحلف، أخرما - أي لا تنخرم أليتك فتذهب باطلا، والأخرم لا يثبت على رأي واحد، وهدة منهدة مسترخية. وقول آخر: تفرقتم لا زلتم قرن واحد يقول لا زلتم ضعفاء لا تقاومون إلا واحداً. العداوة والبغصاء قال الشاعر:
ومولي كأن الشمسَ بيني وبينه ... إذا ما التقينا ليس ممن أعاتبه
يقول: لا أقدر أن أنظر إليه من بغضه فكأن الشمس بيني وبينه. وقال الفرزدق:
وما خاصمَ الأقوامَ من ذي خصومةٍ ... كورهاءِ مشنوءٍ إليها حليلها
تراها إذا اصطفّ الخصومُ كأنهاترى رفقةً من ساعةٍ تستحيلها يقول هي طامحة الطرف عن زوجها لا تنظر إليه من بغضه فكأنها تنظر إلى رفقة من بعد تستحيلها، يقال: إستحل الشخص أي انظر هل يزول. وقال آخر:
يتقارضون إذا التقوا في موطنٍ ... نظرآَ يزيلُ مواطىء الأقدامِ
من قول الله عز وجل " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر " . آخر:
ومولى كداءِ البطنِ لا خيرَ عندة ... لمولاه إلا أن يعيبَ الأدانيا
جعله كداء البطن لأنه لا يدري ما هو وما هاجه ولا كيف يتأتى له. وقال ابن أحمر:
أرانا لا يزالُ لنا حيمٌ ... كداءِ البطن يلاّ أو صُفارا
يعالج عاقراَ عاصَتْ عليه ... ليلقّحها فنتجها حواراً
عاصت عليه التوتْ، يقول يطلب من الشر ما لا يكون ولا يقدَر عليه.
ويزعم أنه نازٌ علينا ... بشِرّته فتاركَنا تبارا
كحجةِ أم شعلٍ حين حجتْ ... بكلبتِها فلمْ ترمِ الجمارا
أي حلف أن ينالنا بشرته فيهلكنا كما حجت أم شعل في الجاهلية بكلبتها وهي مدلة بنفسها تظن أنها ترجع فماتت فلم تدرك الحج.
نُدارئه كما أنقاء وهبِ ... يساعدها وتنهمرُ انهِمارا
أنقاء جمع نقا أي ندارىء هذا الرجل كما تدارىء الرمل أي يتناثر. وقال الكميت:
لما رآه الكاشحو ... نَ من العيون على الحنادر.
الكاشحون الأعداء سموا بذلك لأنهم يخبأون العداوة في كشوحهم، والحنادر نواظر العيون واحدها حندورة وحندرة، أي رأوه كأنه على أبصارهم من بغضه. وقال زهير:
تلجلج مضغةَ فيها أنيض ... أصلّت فهي تحت الكشحِ دأءُ
بسأتٍ بنيئها وجوِيتْ ... عنها وعندي لو أردت لها دواء
ورواه الأصمعي " غصِصت بنيئها وبشمت منها، وعندك " يقول أخذت هذا المال فأنت لا تأخذه ولا ترده كما يلجلج الرجل المضغة فلا يبتلعها ولا يلقيها، والأنيض اللحم الذي لم ينضج والأناضة والنهوءة خلاف النضج وإذا لم ينضج فهو أثقل لأنه لا يستمر فيريد أن تريد أن تسيغ شيئاَ لم يدخل حلقك أي تظلم ولا تترك والظلم، أصلّت أنتنت فهي مثل هذا الذي أخذت فإن حبسته فقد انطويت على داء، يقال: صلّ اللحم وأصلّ وفيه صلول وإصلا ل.
وأنشد الأصمعي للحطيئة:
ذاك فتى يبذل ذا قِدره ... لا يفسد اللحم لديه صلول
غصصت بنيئها يقول المال الذي أخذته كمضغة نيئة غصصت بها وبشمت منها، وعندك لها دواء لو شئت في رد المال إلى أهله. آخر:
فلا توعدونا بالجيادِ فإننا ... لكم مضغةٌ قد لجلجتْ فأمرّتْ
ويروى نجنجت والمعنى أنها رددت في الفم، والجياد الخيل. أمرّت صارت مرة، والمعنى أنكم لا تسيغوننا ولا تقدرون علينا، وقال جرير:
ونبئتْ غسّانُ بن واهصةٍ الخصي ... يلجلجُ مني مضغةً لا بحيرها
واهصة الخصي شادختها أي تشدخها لتلين فتأكلها، ولا يحيرها لا يسيغها فردها إلى جوفه. وقال العجاج:
وقد وغَظْناها اتقاءَ المأثمِ ... فجعلوا العتابَ حرق الأرّم
أي جعلوا عتاينا، ويقال هو يعُلك على الأرم، ويحرق على الأرم إذا صرف بنابه وأوعد، والأرّم أقصى الأنياب. وقال الهذلي المعطل:
وفهم بن عمرو يعلونَ ضريسَهم ... كما صرفَتْ فوقَ الجُذاذ المساخن

ضرس وضريس مثل كلب وكليب وعبد وعبيد ومعز ومعيز، والجذاذ حجارة فيها ذهب، والمساحن واحدها مسحنة وهو حجر يدق به حجارة الذهب. وقال المرار بن منقذ العدوى:
وحشوتُ الغيظَ في أضلاعهِ ... فهو يمشي حظلاناً كالنقرِ
النقر من النقرة وهو داء يأخذ الغنم في بطون أفخاذها وفي جنوبها فإن أخذها في أفخاذها طلعت وإن أخذها في جنوبها انتفخت بطونها وحظلت المشي أي كفّت بعض مشيها.
وقال آخر أبو خراش الهذلي:
رأيتُ بني العَلّاتِ لما تضافروا ... يحوزونَ سهمي دونهم في الشمائل
بنو العلات الذين ليسوا لأم واحدة، تضافروا تعاونوا، يحوزون يجعلون وهذا مثل يقول ينزلونني بالمنزلة الخسيسة كقولك في ضده: فلان عندي باليمين أي بالمنزلة العليا.
وقال الأعشى:
أرى رجلاً منهم أسيفاَ كأنما ... يضّم إلى كشحيةِ كفاً مخضباَ
أسيف غضبان، كأن هذا الرجل قطعت يده فغضب لذلك وعادة بكل إنسان إذا أرسل يده ولم يستعملها أن يقفها على كشحه: وأما قوله: كفا - واحدا وهما كشحان فذلك لضمه يديه جميعا وإن كانت المقطوعة واحدة ولم يَخف اللبس لقرب المعنى من الفهم وإحاطة العلم بأن كفا واحدة لا تضم إلى الكشحين، ومثل هذا كثير في الكلام، مخضب بالدم. آخر:
وفينا وإن قيل أصطلحْنا تضاغُن ... كما طرّ أو بار الجراب على النَشْرِ
النشر الكلأ إذا جف ثم أصابه مطر واخفرّ وهو داَء كله إذا أكلته الماشية، يقول: نحن وإن ظهر الصلح ففي قلوبنا غير ذاك كما أن هذه الجراب أكلت النشر فطّرت أوبارها وحسن ظاهرها وفيه من الداء ما فيها. ومثله قول زفر بن الحارث:
وقد ينبت المرعى على دِمَنِ الثري ... وتبقى حَزازات النفوس كما هيا
المرعى إذا نبت على الدمن فهو أخبث المرعى. أي فكما أن ظاهر هذا المرعى حسن وداخله رديء فكذلك نحن ومثله.
ولا يغرّنك أضغان مزمّلة ... قد يضرب الدبر الدامي بأحلاس
أي تستر هذه الأحقاد كما تستر هذه بالأحلاس وتحتها الداء، ومثله للكميت.
ولم أحلَس على جُلَب
وقال معقل بن خويلد:
أبا معقل إن كنتَ أشّحت حلّة ... أبا معقلِ فانظر بنبلكَ من ترمي
أبا معقلٍ لا توطئَنكم بغاضَتي ... رؤوس الأَفاعي في مراصدِها العُرْمِ
يقول إن كنت أعطيت جاها وقدرا فانظر لمن تعرض، وأشحت ووشحت سواء، لا يحملنك بغضي على أن تقتل نفسك وتهلكها، والعُرم الرقط يقال شاة عرماء، مراصدها حيث ترصُد.
فودِّع خليلإِ لا يزال كأنه ... على الوّدِ والبغضاء ريشة غاربِ
إذا دبر البعير جعلوا في دَبرته ريشة فتحركها الريح فإذا رآها الغراب لم يقع على الدبرة، يقول هو يتلون لي. وقال آخر من ضبة:
لا تجعلونا إلى مولى يحلّ بنا ... عقدَ الحِزامِ إذا ما لبِدنا مالا
أي إذا رآنا في شر أعان علينا. وقال آخر:
يا رب مولي حاسد مباغض ... علّى ذي ضغنٍ وضبٍ فارضِ
له قُروء كقروء الحائض
فارض ضخم، قال الله تبارك وتعالى " لا فارض ولا بكر " قروء أي أوقات تهيج فيها عداوته يقال: رجع فلان لقرئه أي لوقته. قال الهذلي مالك بن الحارث:
كرهت العقر عقر بني شليل ... إذا هبّتْ لقارئها الرياَح
أي لوقتها. وقال زيد الخيل:
وأسلَم عرسه لما التقيْنا ... وأيقنَ أننا صهْب السِبالِ
يقال للأعداء صهب السبال وسود الأكباد، ويقال أن الأصل في الصهب أن العجم صهب السبال وكانوا لهم أعداء فكثر حتى قيل للأعداء ممن كانوا وكيف صهب السبال.
وقال الأعشى:
فما أجشِمت من إتيانِ قوم ... هم الأعداءُ فالأكباد سود
يقال عدو أسود الكبد أي أحرفت كبدَه شدة العداوة. وقال العجاج:
فقأ أكبادهم المرارا
يقول احتثت أكبادهم غيظاَ فانشق منه المرار. وقال طفيل:
فذوقوا كما ذقنا غداةَ محْجرِ ... من الغيظِ في أكبادنا والتحوّبِ
التحوب التوجع يقال: بات مجيبة سوء من هذا، ولا يقال حيبة صدق. وقال النابغة:
أتاكَ امرو مستعلنٌ ليَ بغضة ... له من عدوّ مثل ذلك شافع

مستعلن مظهر، والبغضة والبغض مثل الذلة والذل وَالقِلة والقل، شافع أي معه ثان، يقول أتاك رجل من أعدائي معه آخر مثله.
وذلك ذنبٌ لم أكن لأقوله ... ولو كُبلتْ في ساعدي الجوامع
الجوامع الأغلال الواحدة جامعة، يقول لم أكن لأقوله ولو حبست وقال:
لاتقذفني بركنٍ لا كفاءَ له ... ولو تأثفكَ الأعداءُ بالرِفَدِ
يقول لا ترميني بناحية لا مثل لها في الشر، ولو تأثفك الأعداء أي احتشوك وصاروا من جوانبك بمنزلة الأثافي من القدر، والرفد التعاون يرفد بعضهم بعضاً علّى عندك ويسعون بي.
لا أعرفنك أن جدّت عداوتنا ... والتمس النصر منكم عوضَ تحتَمل.
تحتمل قال عروة بن الورد:
ألا إن أصحاب الكنيفِ وجدتُهم ... هم الناس لما أخصبوا وتمولوا
قال الأحمر: يقول وجمدتهم مثل سائر الناس في الغدر وكانوا عاهدوه حين كانوا معه أن لا يفارقوه، وفي الناس الرفع أيضاً. وقال النابغة للنعمان:
فمن عصاك فعاقبْه معاقبةً ... تنهى الظلومَ ولاتقعد على ضَمدِ
إلاّ لمثلكَ أو من أنتَ سابقه ... سبقَ الجوادِ إذا استولى على الأمدِ
قال الأصمعي: لا تقعد على غيظ وغضب إلا لمثلك في حالك أو لمن فضلك عليه كفضل السابق على المصلّى فأما من دون ذلك فأمض إرادتك فيهم. وقال له:
فإن أك مظلوماً فعبد ظلمته ... وإن تكُ غضباناً فمثلكَ يعتَبُ
يريد إني غير ممتنع من ظلمك إن كنت ظلمتني كما لا يمتنع العبد من فعل سيده، وإن تك غضباناً فلك العتبى أي لك الرجوع إلى ما تحب. وقال:
ولكنني كنت امرءاً إلى جانبٌ ... من الأرضِ فيه مسترادٌ ومذهب
ملوك وإخوان إذا ما لقيتهم ... أحكّم في أموالهم واقرّب
كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم ... فلم ترهم في مثل ذلك أذنبوا
يقول اجعلني كهؤلاء القوم الذين صاروا إليك وكانوا مع غيرك فاصطنعتهم وأحسنت إليهم ولم ترهم مذنبين إذ فارقوا من كانوا معه يقول: فأنا مثلهم صرت عنك إلى غيرك فاصطنعَني وأحسن إليّ فلا ترني مذنباً إذ لم تر أولئك مذنبين. وقال الأعشى:
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا ... ولستَ ضائرها ما أطت الإبل
كناطح صخرة يوماً ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنَه الوعل
أثلتنا شجرتنا وإنما يريد عزنا، وقيل أثلتنا أصلنا، يقال مجد مؤثل أي فو أصل، والوعل إذا اشتد قرنه أتى صخرة فنطحها يريد بذلك تجريب قرنه. يقول: فأنت في الذي ترومه منا كالوعل ونحن صخرة. وقال المرار يصف ناقة:
هذي الوَآة كصخرة الوعِل وقال الأعشى:
صرمت ولم أصرمكم وكصارم ... أخ قد طوى كشحا وأبّ ليذهبا
أب تهيأ وتشمر للذهاب والأبابة إسم من ذلك. وقال:
وزعمتَ أنك مانع ... حقا فلا تعطى اصطبارَه
حتى تكون عرارة ... منا فقد كانت عراره
ولقد علمت لتشربن ... ببعض ظلمك في محاره
اصطبارة أي لا يعطيه صبراً عليه وأصل الصبر حبس النفس على الحق، والعرارة الشدة، والمحارة الصدفة أي نوجرك كرهاً كما يوجَر الصبي. وقال الكميت:
أضحت عداوتهم إياي إذ ... ركبوا بحرَى نزار بهم منفّشة القِرَب
بحرى نزار يريد ربيعة ومضر أراد ركبوا بحرى نزار على قِرَب قد نفخت فانفشت الريح من القرب فغرقوا، وهذا مثل. وقال الحارث بن حلزة:
إن إخواننا الأراقم يغلو ... ن علينا في قولهم إحفاء
زعموا أن كل من ضرب العير ... مَوال لنا وأنا الوَلاء

يغلون يرتفعون في القول وكذلك الغلو في كل شيء هو الارتفاع وجواز القدر، إحفاء إلحاح واستقصاء في مساءتنا كما يحفَى الشيء ينتقَص منه، ومنه يقال أحفيت شاربي أي استأصلته، وقيل أصل هذا كله الحفى، قال أبو عبيدة سألت أبا عمرو بن العلاء عن البيت، يعني الثاني فقال: ذهب والله الذين كانوا يحسنونه ولكنا نرى معناه: إن إخواننا يضيفون إلينا ذنب كل من أذنب إليهم ممن نزل الصحراء وضرب عيرا ويجعلونهم موالى لنا - والموالى الأولياء وبنو العم، ويقال إنه عني بالعير كليب وائل سماه عيرا لأنه كان سيداً والعير سيد القوم، يقول كل من قتل كليبا أو أعان على قتله جعلوه مولى لنا وألزمونا ذنبه، وقال أبو مالك: العير الوتد سماه عيراً لنتوّه من الأرض مثل عير النصل وهو الناتىء في وسطه، يقول: كل من ضرب وتداً في الصحراء فأذنب إلى الأرقم ألزمونا ذنبه. وفيه قول رابع - العير جبل بالمدينة، منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين عير إلى ثور، أي كل من ضرب إلى ذلك الموضع وبلغه، وأنا الولاء أي أهل الولاء، ولم يقل الأصمعي فيه شيئاً.
أجمعوا أمرهم عشاء فلما أصبحوا ... أصبحت لهم ضوضاء
يريد أجمعوا أمرهم ليلا على أن يصبحونا بالذي اتفقوا عليه من تهمتنا فلما أصبحوا جلّبوا، ويروى: أجمعوا أمرهم بليل، وهذا كقول القائل: هذا أمر دبّر بليل. لم وقال العجاج:
يا عمربن معمر لا منتظَر ... بعد الذي عدا القروصَ فحزر
لا منتظر أي لا انتظار بعد هذا الذي مرق فجاوز القدر، يقال للرجل إذا أفرط وعدا قدره: عدا القارص فحزر، مثل، وأصله في اللبن، والقارص الذي يَحذي اللسان، والحازر الحامض. واشتغروا في دينهم حتى اشتغر فقد تكبّدت المناخ المشتهَر تشغروا انتشوا حتى اشتغر الدين أي انتشر، تكبّدت المناخ أي نزلت وسطه وأصله من الكبد أي نزلت منزلاً مشهوراً وأنظر ما تفعل.

الداهية والخطة
قال امرؤ القيس:
بدّلتْ من وائل وكندةٍ عد ... وان وفهما صَمّي ابنةَ الجبلِ
يقال للداهية صمّي صَمامِ مثل نظارِ وحذار. وقال ابن أحمر:
فردوا ما لديكم من ركابي ... ولما تأتِكم صمِّي صمامِ
وقد اختلف في أصل هذا الحرف فقال الأصمعي: بنت الجبل الصدى ويقال إذا دعي على رجل بهلكة " صم صداه " . وقال أبو عبيدة: بنت الجبل هي الحصاة ويقال في المثل: صَمتْ حصاة بدم، وذلك إذا اشتدت الحرب وتفاقم الأمر كأنه كثر الدم حتى إذا وقعت فيه حصاة لم يُسمع لها صوت. وقال آخر بنت الجبل الحية الصماء التي لا تجيب الراقي وذلك أنها تكون في الجبل يقال لها: صمِّي صَمام - أي لا تجيبي، ثم شبهت الداهية بها. وقال الكميت:
إيّاكم إيّاكم وملمّةً ... يقولُ لها الكانون صَمّي إبنة الجبلِ
الكانون الذين يكنون عنها. وقال أيضاً وذكر داهية:
إذا لقي السفير بها وقالا ... لها صمّي ابنةَ الجبلِ السفير
وقال سويد ابن كراع وذكر إبلا:
إذا عَرَضتْ داويةَ مدلهمةً ... وعرّد حاديها فرَين بها فلقا
الفلق الداهية ويقال فلان يفري الفرى إذا كان يعمل عملا محكماً، ويروى: عملن بها فلقا. وقال الشمماخ:
ومرتبةٌ لا يستقال بها الردى ... تلافى بها حلمى عن الجهلِ حاجز
وعوجاءُ مِجذام وامر صربمة ... تركَمت بها الشك الذي هو عاجز
مرتبة منزلة من ردِي فيها لم يستقل ذلك، تلافى تدارك حلمي أن أجهل، حاجز من نفسي، عوجاء خصلة عوجاء، مجذام مقطاع لا ينظَر صاحبها أن ينظر فيها إذا وقعت ولكنها تنجذم ولا تستقال وأمر صريمة يعني عزبمة، يقال ليست لفلان صربمة، والصرم القطع يقول رب أمر هكذا ليس له إلا أن يُصرَم تركت الشك فيه وعزمت ومضيت على الصواب.
وقال العجاج:
وعاصماً سلمه من الغَدرِ ... من بعدِ إرهانٍ بصماء الغَبر
الغدر الجحَرة والجرَفة يقال للرجل أنه لثبت الغدر، إذا ثبت في موضع الزلقَ كما تقول ثبْت الخبار ومعناه أنجاه من الهلاك، أرِهان إثبات وإدامة يقال أرهن لهم الشراب إذا أدامه وأرهن لهم الشر إذا أدامه، وصماء الغبر داهية تبقى، والغبر البقاء. وقال لبيد:

وكل أناس سوفَ تدخل بينهم ... دويهيةٌ تصفرّ منها الأناملُ
صغّر دويهية والمعنى التكببر. ومثله قول أوس:
فُويقُ جبيلٍ الرأسِ لم تكن ... لتلُغَه حتى تكِل وتعملا
وإذا اصفرت أنامل الرجل فقد مات. ومن ذلك قول أبي زبيد:
يارِزٌ ناجذاة قد تجرَدَ المو ... ت على مُصطلاهِ أيّ برودِ
مصطلاه أنامله لأنه إذا اصطلى اصطلى بها وبرود الموت عليها؟، والناجذ آخر الأضراس. وقال ابن أحمر:
فلما غَسا ليلِي وأيقنت أنها ... هي الأربى جاءتْ بأم حَبَوْكَرا
وأفلَّت من أخرى تقاصرَ طَيرها ... عشيّةَ أدعو بالستارِ المجبّرا
الأربى وأم حبوكر داهيتان، وأفلت من أخرى أي داهية كأنها صاعقة، والطير تقاصر من حِس الصاعقة. وقال علقمة وذكر سحابة:
كأنهم صابَتْ عليهم سحابة ... صواعِقها لطيرهنَ دَبيب
وقال الكميت:
فأياكُم وداهيةً نآدى ... أظلّتكم بعارضها المخيلِ
لعلّ لبونها ستروح يوماً ... بَسيء قبل دِرّتها وبيل
وذا وَيقبنٍ ذكّره تماد ... من الهلكاتِ بالخطبِ الجليلِ
السيء اللبن اليسير يخرج من الضرع قبل الدرة. قال زهير:
كما استغاثَ بسيءٍ فزّ غيطَلة ... خاف العيون فلم يُنظربه الخشَك
هذا مثل ضربه الكميت لما تأتى به من الشر وإذا كان الشيء وبيلا فكيف الدِرة، وذا ودقين يعني أمرا شديدا، يريد وإياكم وذا وَدقين ذا طرفين. ذكرّه تماد أي تمادى فصار ذكرا.
قال أيضا يصف رجلا:
واذا خافَ منَ مَغَبّةٍ أمر ... حَقَبا أن يُلا قي التصديرا
كانّ بالمِقُبل المغمّض منه ... قبل إفراخ بيضتيْه بَصيرا
الحقب في الحقو والتصدير في الصدر، وإنما يلتقيان عند أشد سير يكون وأتعبه، يقول إذا خاف من الأمر اضطرابا عرفه قبل وقوعه وقبل ظهوره شره، وجعل له بيضتين لأن الطائر يحضِن على بيضتين.
يعرف السقبَ قبل أن يُنتج السِل ... تمِ أهال الجَهالة العَنقَفيرا
السقب الحوار الذكر وهو لا يحمد وإنما تحمد الإناث فصار الذكر مضروبا لكل أمر غير محمود، والسلتم والعنقفير داهيتان وإنما ينتجان بينهما القتلى. وقال يذكر خطوبا:
أَنطفت رُبدها الأسِرّة منها ... واستَلجّتْ دماؤها تقطيرا
أي أدَمت فجعلتها تنطف، والربد الدواهي، والأسرّة الخطوط، واستلجّت لجت الدماء بالقطر، وتقول العرب للأمر إذا كان عظيما " المقطر من الأسّرة الدَم " . وقال:
أجيبوا رقي الآسيِ النطاسيّ وأحذوا ... مطفّئة الرضف التي لا شوَي لها
النطاسي الحاذق، ومطفئة الرضف وهي الحجارة المحماة حتى يبرد الرضف لما يخرج من الماء والقَذر، وقوله لا شوّى لها لا برء لها جعل ذلك مثلا للداهية. وقال المرار في نحو ذلك:
على كششُفِ مطَفئة صلاها ... ورضف المرءَ يطفئهَ الكِشاف
أي على دواهٍ مثل هذه الكُشف التي بها هذا الداء فتحمي الحجارة ثم تجعل في رحمها فتطفأ. وقال الكميت:
إذا طرَّق الأمر بالمغلقا ... تِ يَتْناً وضاقَ به المهبل
وقال المذَمرِ للناتجين ... متى ذمِرّت قبلي الأرجل
يقال طرقت القطاة إذا حان خروج بيضها، والمغلقات الدواهي، واليتن الذي تخرج رجلاه قبل رأسه، والمهبل أقصى الرحم، وهذا مثل ضربه للأمر العظيم ينزل، والمذمّر الذي يدخل يده في رحم الناقة ليعلم ما الجنين، سمي بذلك لأن يده تقع على مذمّرالجنين فهذا يتَن لأن يده وقعت على رجله، والمذمر الذِفَري وما يليها. وقال الجعدي:
وحيَّ أبي بكر ولا حيّ مثلهم ... إذا بلغ الأمر العَماش المذَّمرا
العماس المبهم الذي لا يعرف جهته، بلغ المذَّمر كما تقول بلغ الأمر المخنق. قال أبو كبير:
ورغا بهم سقب السماءِ وخُنقت ... مهج النفوسِ بكاربِ متزلّفِ
وتبوّأ الأبطال بعد حَزاحز ... هكعَ النواحز في مناخِ اَلموحِفِ
قوله رغابهم سقب السماء مثل - وأصله أن ناقة ثمود لما عقرت علا فصيلها شرفا فرغا فجاءهم الهلاك. وقال علقمة بن عبدة:

رغافوقهم سقب السماءَ فداحصَ ... بشكّتِه لم يستلَب وسليبِ
الداحص الفاحص برجله، يقال دحّص أي فحص برجله، ومثله قول آخر:
أصابك بالثَرثار راغية السقب
والكارب الكرب، ومهَج النفوس خالصها والمهجة أيضا الدم إذا سال، متزلف يأتيه زلفة زلفة تبوأ الأبطال تهيأوا للقتال، والجزاحز الحركة للقتال، والهكع السعال، أي يبرحون؟ كما تسعل النواحز وهي التي بها السعال، والموحف وهو الموضع الذي يحِف فيه البعير أي يضرب بنفسه الأرض ويبرك. وقال جرير:
فأولى وأولى أن أصيبَ مقلّدا ... بفاشيةِ العدوى سريعٍ نشورها
أولى وأولى تهدد ووعيد أي كفّوا عني لا أصيبكم بَعّر، فاشية العدوى أن تفشو في الجلد فيعدى ما قرب منها، سريع نشورها يقول إذا هنئت فظنوا أنها قد برأت انتشرت أي عاد الجرب فيها وفشا وأسرع. وقال ابن مقبل:
زجرنا بني كعب فأما خيارهم ... فصدوا ولَلمعروف في الناس أعرفُ
وأما أناس فاستعاروا بعيرنا ... فِقيدَ لهم بادٍ به العَرّ أسعفُ
قال الأصمعي: هذا مثل يقول طلبوا شرنا فوقع في أيديهم منه بعير أجرب. والأسعف الذي به قروح في وجهه ومشافره وهو السعف. وقال الأخطل:
كانوا ذوي إمّةٍ حتى إذا علقت ... بهم حبائلٌ للشيطان فابتهَروا
صكوا على شارفٍ صعبٍ مراكبها ... حصّاء ليس لها هلبُ ولا وبر
إمة نعمة، ابتهروا قذفوا الناس بما ليس فيهم، صكوا على شارف صعبة - يقول حملوا على خطة شبيهة بشارف وهي المسنة من النوق ونحوه قوله:
ولولا يزيد ابن الملوك وسَيبه ... تجللَّتُ حِد بارا من الشر أنكدا
الحدبار الناقة الذاهبة السنام، تجللت ركبت. وقال:
وكم انقذتَني من جرورِ حبالُكم ... وخرسا لو يرمى الفيل بلّدا
جرور بئر بعيدة القعر - مَثل ضربه للشر الذي كاد يقع فيه، والخرساء داهية. وقال العجاج:
فإن يعقّبُ درّك على ثمرٍ ... يبرىء داءَ أو يقي إحدى الكبر
يقول إن تدركنا عقبى أي أمر يدركنا على ما ثمرنا من أموالنا يبرىء داء أي يصلح بين عشيرة أو يدفع بلية ويقي عظيمة. وأما قوله:
وعوّر الرحمن من ولّى العور
فإنه يريد أفسد الرحمن من ولاه الضلالة أي من جعله أهلا ومن ولاه الفساد، يقال عورت عليه أمره أي أفسدته. وقال كثير:
فلا تعجلي ياغزّ أن تتفهمي ... أجاءوا بنصح أم أتوا في بحبولِ
الحبول الدواهي. وقال آخر:
لعمري لقد قلتم حبولا ومأثما
وقال صخر بن الجعد الخضري:
أليسَ حبولاً أنها لا تهيدني ... وانّي كجنابٍ بها لا أهيدها
جناب غريب وهو الجانب أيضا أي فليس هذا داهية. وقال عدي بن زيد للنعمان:
سعى الأعداءُ لا يألون شرا ... إليكَ وربّ مكة والصليب
أرادوا أن تمهّل عن كبيرٍ ... لأسجَنُ أو لأقذَف في قليب
تمهل تفعل من قول الله عز وجل " فمهل الكافرينَ " أي دعهم فإني من ورائهم، وقوله عن كبير يعني نفسه أي عن رجل هو كبيركم ومؤدبكم ومصلح أمركم، وكان كذلك لهم، يقول تبطأ عنه فلا تداركه حتى يحبس ليموت فيلقي في حفرة. وقال:
وما طلبي سؤالاً بعد خبر ... نماهُ الموضعونَ إلى شَعوب
وما شأيي به والفيجُ حولي ... وهمي في ملماتِ الخطوب
يقول ما لي أسأل وقد عرفت الأشياء وخبرتها، ونماه رفعه، والموضعون أصله من الإيضاع في السير وإنما أراد السعاة، وشعوب هي المنية، وما شأني به أي وما همي بالسؤال، والفيح الحرس يقال هم فيج وهو فيج - الواحد والجمع سواء، ويقول ما أصنع بهذا السؤال، والذي هو همّ إليّ اليوم ما أتوقع من ملمات الخطوب - يعني القتل. قال أبو عمرو ما شأني به من شئت أي ما أشاء به. وقال:
ألا تلكَ الثعالب قد تَوالتْ ... عليّ وحالفَتْ عرجا ضباعا
لتأكلني فمّر لهنَّ لحمي ... وأفرقَ من جذاري أو أتاعاَ
الثعالب والضباع أعداؤه. فمر من المرارة يقال مر الشيء وأمرّ يقول صار لحمي في أفواهها مرا حتى سلحت من حذاري وقاءت وأضمر هاهنا، أراد فكلها افرق وأتاع. وقال كثير يمدح:

وشعثاءُ أمرِ قد برّت بين غالبِ ... تلافيّتها قبل التنافي فلمّتْ
وأبرأتها لم يجرحْ الكلم عظمَهاَ ... ولو غبتُ عنها ربّعت ثم أمَتْ
ربعت شجت مربعة، وأمت من الآمّة وهي التي تبلغ أمّ الدماغ. وقال آخر:
تزاكها من إبل تراكها ... ألا ترى الموتَ لدى أوراكِها
أغير على إبل قوم فلحق أصحاب الإبل فجعلوا لا يدنو منها أحد إلا قتلوه، فقال الذين أغاروا على الإبل هذه المقالة. وقال آخر وذكر إبلا:
إذا تمطيْنَ على القياقي ... لا قيْن منه أذِني عناق
يعني داهية. وقال أوس:
أم مَن لحيّ أضاعوا بعض أمرهم ... بين القسوطِ وبين الدين دَلدال
خافوا الأصْيلة واعتلّتْ ملوكهم ... وحمّلوا من أذى غُرم باثقال
القسوط الجور يقال قسط السلطان إذا جار، والدين والطاعة. يقول هم بين الطاعة والمعصية فهم يفرقون، دَلدال متذبذبين، وخافوا الأصيلة خافوا أن يستأصلوا. وقال:
هل سرَّكم في جمادي أن نصالكم ... إذ الشقاشقُ معدولٌ بها الحَنَك
اوسرّكم إذ لحقنا غز فخركم ... بأنكم بين ظهري دِجلة السمكُ
قال كان هذا في جمادي، يقول أسّركم أنا سلم لكم في هذا الوقت؟ وذلك أن بني عامر لما قتلوا بني تميم يوم جبَلة قالوا: لم يبق منهم إلا يسير فغزوهم فنستأصلهم، فغزوهم يوم ذي نَجَب فقتلتهم تميم، وقوله " إذ الشقائق معدول بها الحنك " يرشد إذ تهدرون، والشقشقة أبدا تكون من جانب، وقوله إذ لحقنا غير فخركم - يقول: لحقنا ملحقا ليس كما تفخرون، يقول أسركم أنكم سمك فتقتلون. وقال رؤبة:
إذا الأمور أولعتْ بالشخزِ ... والحربُ عسراء اللقاحِ المغزى
الشخز الطعن، يريد أن الأمور تطعن هاهنا وهاهنا، والمزى التي لا تنتج إلا بعد بطء، يقال شاة مغزية وأتان مغزية. وقال ذو الرمة:
رباع أقبّ البطنِ جأب مطرّد ... بلحييه صكّ المغزيات الرواكلِ
عسراء اللقاح يقول تلقح لقاحا عسرا، وإنما يريد أن الحرب لا تكاد تنقطع. وقوله:
أترِفن يشدخن العِدى بالخَبز
أترفن أعطين ما أردن، والخبز الوطء. وقال المخبل:
هلا تسلى حاجةً غرضَتْ ... علَق القرينة حبلها جذمُ
الجذمة القطعة من الحبل وإذا كان الحبل هكذا قربت القرينتان، يقول فهذه الحاجة قد قربت كما قربت هذه القرينة لما كان حبلها جذما. وقال رؤبة:
وحاجة أخرِجَتْ من أمرِ لبك ... أخرجتها من بين تصريحٍ وَلَكَ
تدحىَ الرومّى من يّك لَبِك
لبك مختلط، واللك نحو منه، يقول كانت الحاجة بين أمر مختلط و بَين تصريح فأخرجتها بتحد كتحدي هذا الداعي إلى البراز واحدا لواحد. وقال
يا حكم الوارث عن عبدِ الملكِ ... أوديت إن لم تحبُ حبو المعتنكِ
المعتنك البعير الذي يقطع العانك وهي الرملة الضخمة وربما حبا فيها الجمل وعليه حمله حتى يقطعها فيشتد عليه المشي فيها فيبرك على ركبتيه ثم يعتمد، فيقول: أوديت إن لم تعتمد في حاجتي كاعتماد هذا البعير في العانك. وأما قوله:
ما بعدنا من طلب ولادَرَك
فإنه يريد: أنك لا تضع معروفك عند أحد هو أحق به منا. وقال العجاج
والشَحط قطاع رَجاء من رَجا ... إلا احتضار الحاج من تجوجا
الشحط البعد، يقول: إذا بعدت ممن تحب انقطع رجاؤك منه إلا أن تكون حاضرا لحاجتك أي قريبا منها. يقال تجوّجت حاجة طلبتها. وقال الشماخ:
وإني عداني عنكُما غيرَ ما قِتٍ ... نواران مكتوبٍ على بغاَهما
أي حاجتان عسرتان، والنوار النُفور. وقال لبيد يصف خطة:
فأصبحت أنى تأتها تبتئس بها ... كلا مركبيها تحتَ رحلكَ شاجر
يقول من حيث أتيتها لزمك بأسها وشاجر ناب بك، وقوله:
فإن تتقدم تغش منها مقدما ... عظيا وإن أخرت بالكفل فاجر
الكفل الحويّة، فاجر مائل والفجور منه لأنه عدول عن الحق وقال الكميت:
وما غيب الأقوام عن مثل خطة ... تغيّب عنها يومَ قيلتْ أريبها
ولاعن صفاةِ النيقِ زِلّت بنا علىّ ... ترامى به أطوادها ولهوبها
يقول تلك الخطة أشد من صفاة النيق، واللهِب ما بين الجبلين. وقال أبو زبيد:

إلي: إليكَ عِذرة بعد عذرةٍ ... فقد يبالغ الشرّ السديل المشهرُ
يريد يبالغ الشر المشهر السديل، يعني ستر الملك يريد أن الشر إذا جاء لم يمنع من سرداق الملك ولم يهبهم فكيف من دونهم. وقال الفرزدق
أبا مَعقلِ لولا حواجز بيننا ... وقُربي ذكرناها لآل المجبّر
إذا لركبنَا العام حدَ ظهورهم ... على وقُر أندابه لم تغَفّرِ
أندابه جروحه لم تغفر لم تيبس وتجلب. وقال طرفة:
وأنا امرؤ أكوى من القَصر ال ... بادي وأغشى الدَهَم بالهم
القصر داء يأخذ في العنق فلا يقدر صاحبه أن يلتفت، يقول من كان معرضا عني كأن به قصرا داويت ضغنه. وقال ابن حِلزة لعمرو بن كلثوم:
أيها الناطق المرّقش عنا ... عند عمرو وهلْ لذاكَ بقاء
لا تخلنا على غَراتكَ إنا ... قبل ما قد وَشى بنا الأعداءُ
روى أبو عمرو: المقرّش، وقال: هو المحرش، وقوله: وهل لذاك بقاء - أي أنه كذب فإذا نظر فيه بطل. لا تخلنا لا تحسبنا جازعين لأغرائك الملك بنا فإنا قد مر بنا من سعاية الأعداء ما لا نجزع معه من وِشايتك.
وعَلونا الشناءةِ ينمي ... نا حصون وعزةٌ قعساء
قبل ما اليومُ بيصتْ بعيونِ ال ... ناسِ فيها تعيّط وإباء
علونا ارتفعنا على بغض الناس إيانا وغيظنا لهم بما يرون من ثبات عزنا ومكاننا من الملك، القعساء الثابتة الدائمة ويقال المتمنعة، بيضت هذه العزة عيون الناس وأقحم الباء كما قال الآخر وهو الراعي:
هن الحرائر لا باتٍ أحمرة ... سود المحاجرِ لا يقرأنَ بالسورِ
التعيط الامتناع والإباء من قولهم تعيطت الناقة واعتاطت إذا امتنعت من الفحل فلم تحمل، الأصمعي: تعيط ارتفاع من قوله.
في رأسِ عيطاءٍ من خلقاءِ مشرفة
وكأن المنون ترِدى بنا أر ... عن جونا ينجاب عنه العماء
مكفهراً على الحوادثِ لا تر ... ته للدهرِ مؤيد صمّاء
تردي بنا ترمي بنا يقال ردى يدِي ردْيا والمرادة حجر يرمى به، يقول كأنها ترمي برميها لنا جبلا فلا تؤثر فينا ولا تضرنا كما لا تؤثر في الجبل، ينجاب يشنق، والعماء سحاب رقيق، يقول هذا الجبل من طوله ترى الغيم إنما تراه أبدا دونه، ويروي: أصحَم صّمٍ، يريد جبل جبال والأصحم في لونه ويروى: أصحم عصم، أي جبل وعول، مكفهر متراكب بعضه على بعض، ممتنع على الحوادث، والرتو النقصان من قولك: رتوت الدرع إذا قصّرت من طولها عند القتال فرفعتها بالعرى. وقال لبيد:
فخمة ذفراء ترتَى بالعرى ... قردما نيا وتَركا ِكالبصل.
ورتوت القوس إذا شددت وترها وقصرت منه، ويقال أصابه مصيبة فما رتت في ذراعه أي ما كسرته، ويكون رتا في غير هذا يقال أكلت أكلة فرتت فؤادي - أمسكته، مؤيد داهية قوية شديدة وهو عن الوأد وهو الثقل، صماء لا جهة لها. وقال رؤبة:
وجامع القطرين مطْرخمّ ... بيّض عينيه العمى المعمّى
أي ورب جامع القطرين - وهو مثل، وذلك أن الناقة إذا لقحت زمّت برأسها وشالت بذنبها فاستكبرت، فقال: ورب مستكبر كاستكبار هذه الناقة قد أصابه كذا، مطرخم مستكبر ومثله مصْلخِمّ. وقال سلامة بن جندل:
اما الخلا والمسح إن كان نية ... علىّ فإني غير خال وماسح
ومستهزع خالا ولؤمَ خليقة ... صعقت بشر والأكف لواقح
الخالي الذي يلقي الخلا والماسح الذي يمسح الضرع، ويروى ومهتزِع أيضا، وهو الذي يسرع في اللوم، والخال الكِبر، واللواقح المرتفعة وإذا رفع يده للضرب فيده لاقحة. وأصل هذا أن الناقة إذا حملت شالت بذنبها. وقال امرؤ القيس:
ألاهل أتاها والحوادث جمة ... بأن امرأ القيس بن تمِلكََ بيقرا
الأصمعي: بيقر هاجر من أرض إلى أرض. غيره: بيقر أقام بالعراق. غيره بيقر: أعيا.
القيد والغُل
قال الفرزدق يمدح هشاما وهو محبوس:
وما قمت هتى همّ من كان مسلما ... ليلبس مسدَّى وثياب الأعاجم
وضاق فراعا بالحياة وقطعت ... حواملَه عضّ العَذارى الأوازم

يقول هم من كان مسلما أن يرتد عن الإسلام ويتمجس مما يلقون من الخراج، ومسودى يعني الطيالسة والبرنكانات، حوامل يديه يعني عصبهما الذي تحملان به، والعذارى الجوامع، أي يعذّبون في الخراج بالجوامع والدهق. وقال آخر:
ولي مسمِعان وزَمّاة ... وظلّ مديد وحصن أمقّ
هذا مسجون، والمسمعان القيدان، والزمارة الغل. وقال آخر:
ولي مسمِعان فأدنا هما ... يغنّي ويمسك في الحالك
وأقصاهما ناظر في السما ... ء عمدا وأوسخ منِ عارِك
أحد المسمعين قيده والآخر الذي يضرب بالجرس، والعارك الحائض. وقال المرار:
أنت رهين بالحجاز محالف ... يجون سرى دهم المطئيّ وما يسري
يعني القيد. وقال الفرزدق في يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج
رأيت ابن دينار يزيدَ رمى به ... إلى الشأم يوم العنز والله شاغله
بعذراء لم تنكح خليلا ومن تلج ... ذراعيه تخذل معد ساعديه أنامله
وثقت له يالخزى لما رأيته ... على البغل معد ولا ثِقالا فَراز له
يوم العنز أراد حتفه كما قال:
وكنت كعنز السوء قامت لحتفها ... إلى مدية مدفونة تستشيرها
وعذراء جامعة وفراز له كبوله.
وقال آخر:
وقالوا رَبوض ضخمة في جِرانه ... واسمر من جلد الذراعين مقغَل
الربوض هاهنا السلسلة وأصل الربوض الشجرة الضخمة، والجران هاهنا العنق، وأسمر يعني غلا وكانوا يغلون بالقِد ولذلكِ قيل غل قيل لأن الشَعر يكون عليه فربما قمل الغل، مقفل يابس وقد أقفله الصوم إذا أيبسه، وخيل قوافل أي ضوامر يُبّس. وقال الفرزدق وذكر زيادا
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه ... أداهم سودا أو محدرجة سمرا
يعني بالأداهم القيود وبالمحدرجة السياط. وقال الراعي:
وأزهر سخىّ نفسه عن تِلاده ... حنايا حديد مغفل وسوارقه
أزهر رجل أبيض أسرناه فسخت نفسه عن تلادة، وحنايا ما عطف من حديد عليه وأوثق به، وسوارقه يعني الأقفال وأراد أنه فدى نفسه. وقال عدى بن زيد للنعمان:
جاءني من لديه مروان إذ قف ... يت عنه بخير ما أحداني
بإفال عشرين قحمها الصع ... ب بحسن الإخاء والخُلاّن
لاصفا يادُهم فأسنمها الرِس ... ل ولا جلة قطيع هجان
الإفال هاهنا القيود، قحمها أدخل بعضها في بعض، ويقال قحمها في رجله. وكان النعمان يسمى الصعب لصعوبته في ملكه، بحسن الإخاء أي فعل ذلك مكافأة لمسن الإخاء ومكافأة للخلان - يهزأ به، أي كانت تلك مكافأته لي بإحساني. وقال خالد: بل أراد بالأفال صغار الإبل، قحمها الصعب وهو رجل يسوقها، ومن ذهب هذا المذهب أراد أن عديا استقل ما بعث به ولم يرض. آخر كتاب الوعيد والبيان وغير ذلك.

الجزء السادس من كتاب المعاني الكبير
كتاب الحرب
الأبيات في الحرب
قال زهير بن أبي سلمى:
فَتعركْكم عرك الرحا بثفالها ... وتلقح كشافا ثم تحمل فتت
فتنتج لكم غلمان أشأمَ كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
هذا كله أمثال. إراد أحمر ثمود الذي عقر الناقة فصار مثلا في الشؤم. ومثله قول الراجز: مثل النصارى قتلوا المسيحا سمع بالنصارى والمسيح ولم يدر كيف كان الأمر فقال علي ما توهم. غلمان أشأم أي غلمان شؤم، يقال: كانت لهم أشأم، ثم ابتدأ فقال كلهم كأحمر عاد ثم ترضع فتئم أي يتطاول أمرها حتى تكون بمنزلة من تلد وترضع وتفطم.
فتُغلل لكم ما لا تغلّ لأهلها ... قُرى بالعراق من قفير ودرهم
يقول يأتيكم منها ما تكرهون لا كما يأتي أهل العراق من الطعام والدراهم. قال أبو عمرو: يصيبون غلة من هذه الحروب من عقل وغيره، وقال ليزيد بن حارثة بن سنان والحارث بن عوف المصلحين بين عبس وذبيان.
سعى ساعيا غيظ بن مرّة بعدما ... تبزّل ما بين العشيرة بالدم
يقول أصلحا أمر العشيرة وقد كاد يتبزل بالدم أي يتشقق.
يمينا لنعم السيدان وجِدتما ... على كل حال من سَحَيل ومبرَم

السحيل خيط غير مفتول على طاق، والمبرم يفتل على طاقين، يقول على كل حال من شدة وسهولة، أي نعم السيدان وجدتما حين تُفاجآن لأمر محكم وأمر لم يحكم.
تداركآ عبسا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقّوا بينهم عطر منَشم
الأصمعي: منشم امرأة كانت عطارة فتحالف قوم فأدخلوا أيديهم في عطرها على أن يقاتلوا حتى يموتوا فصاغوا هؤلاء بمنزلة أولئك في شدة الأمر، أبو عبيدة: منشم اسم وضع لشدة الأمر لا أن ثم امرأة، قال وهو مثل قولهم: جاؤا على بكرة أبيهم وليس ثم بكرة. أبو عمرو: هو من التنشيم في الشر وهو الابتداء به. غيره: منشم امرأة كانت تبيع الحنوط. وقال:
لعمري لنعم الحيّ جرّ عليهم ... بما لايؤاتيهم حصين بن ضَمضم
أي بما لا يوافقهم، وحصين من بني مرة وهو الذي لم يدخل في الصلح وكان حين اجتمعوا للصلح شد على رجل منهم فقتله. وقال يذكر حصينا:
فشدّ ولم يُفزِع بيوتا كثيرة ... لدي حيث ألقت رحلَها أمّ قَشعمَ
قوله: ولم يفزع بيوتا كثيرة أي قتل رجلا واحدا ولو قتل أكثر من واحد لكان الفزع أكثر، وأم قشعم المنية - أي حيث أقامت لهذا الرجل فأهلكته وذلك إلقاؤها رحلها، وقيل أم قشعم الحرب الشديدة، أبو عبيدة: أم قشعم العنكبوت أي شد عليه بمضيعة فقتله، ويروى يَفزع بيوت كثيرة، يقول شد على ثأره وحده فقتله ولم تفزع العامة بطلب واحد، يريد بذلك تملقهم وأن لا يغضبوا وأنه إنما قصد لثأره ولم يردكم فاقبلوا الدية والصلح.
رعوا ما رعوا من ظِمئهم ثم أوردوا ... غمار تفرَّى بالسلاح وبالدم
الظمء ما بين الشربتين، والغمار من الغمرة وهي أعظم شأنهم تفَرّي تشقق عليهم بالسلاح وبالدم وهذا مثَل ضربه لرمِّهم أمرهم ثم وقوعهم في الحرب. وقال:
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي رُتهّبت كل لهذم
يريد من عصى الأمر الصغير صار إلى الأمر الكبير، وهذا مثَل، يقول: أن الزجّ ليس يُطعن به إنما الطعن بالسنان فمن أبي الصلح وهو الزج أطاع العوالي، ومثَل للعرب " الطعن يظأر " أي يعطف على الصلح، أبو عبيدة: يقول من لم يقبل السلم عفوا قبلها بعد أن يغلب ويقتل قومه وكانوا يرفعون الزجاج أولا فإذا أرادوا الحرب قلبوها، واللهذم المحدد الماضي من الأسنة، أي ركبت في كل لهذم. وقال أوس:
تحيزَن انضاء ورُكبّن أنصلا ... كجر الغضافي يوم ريح تزيّلا
وقال عبيد:
قومي بنو دودان أهل النهى ... يوما إذا ألقَحت الحائل
يقول إذا هاجت الحرب التي لم يكن لها أصل. وقال الأخطل:
لقد حملت قيسَ بن عيلان حربُنا ... على يابس السِيساء محدودب الظهر
السِيساء عظم الظهر. يقول حملناهم على مشقة. وقال:
واسأل بهم أسَدا إذا جعلت ... حرب العدو تشول عن عُقهم
عن بمعنى بعد. وهذا مثَل، وذلك إن الناقة إذا لقحت شالت بذنبها فضربه مثلا للحرب أي قد لقحت فهي تشول بذنبها بعد أن كانت عقيما لا تحمل، والمعنى أنها كانت ساكنة فهاجت. ومثل قول الأخطل بيت النابغة الجعدي:
نحن الفوارس يوم ديسقة ال ... مغشو الكُماة غوارب الأ كم
غارب كل شيء أعلاه، وديسقة موضع، يريد نحملهم على المشقة والغلظ. وقال الجعدي:
تفوزُ علينا قِدْرهم فنُديمها ... ونفثؤها عنا إذا حميها غلا
هذا مثل، قدرهم حربهم يريد نُسكنها إذا فارت. يقال أدْم قدرك فيسوطها حتى تسكن، ومنه الحديث: " لا يبولن أحدكم في العلماء الدائم " نفثؤها نكسرها. وقال أبو ذؤيب:
فجاءَ بها ما شئت من لطَميّةٍ ... يدوم الفراتُ فوقُها ويموج
أي يموج مرة ويسكن أخرى. وقال الجعدي:
مُصابِينَ خِرصانَ الوشيجِ كأننا ... لأعدائنا نُكبٌ إذا الطعن أفقرا
الخُرص القناة والخرص السنان وجمعه خِرصان، مصابين أي حادريها، والوشيج الرماح، نكب متحرفين متهيئين للطعن، أفقر أمكن يقال أفقرك الصيد أي أمكنك، ويقال رماه من فقرة - أي من قريب ورماه من كَثب. ويقال فلان يصابي الرمح أي يميله للطعن.
ومثله قول الأجدع الهمداني:
خَيلانٌ من قومي ومن أعدائهم ... خفضوا أسنتَهم وكلّ ناعِ

خفضوا للطعن، وكل ناع يقول: يا لثَارات فلان أو - يا فلاناه - ونحو ذلك. وقال الجعدى:
حتى لحِقناهم تعدِي فوارسُنا ... كأننا رَعن قفٍّ يرفغ الآلا
تعدي أي تستحضر خيلها، يقال عدا الفرس وأعديته أنا، والرعن أنف الجبل، يعني أنها تنزو في السير كما ينزو الرعن في الآل. وقال الأعشى:
إذ نظرتْ نظرةً ليست بكاذبةٍ ... ورفّعَ الآل رأس الكلبِ فارتفعا
رأس الكلب يريد القف وقوله يرفع الآلا وكلاهما يرفح صاحبه، ألا ترى أن الآل إذا رفع القف إرتفع معه ولولا مكانه لم يرتفع الآل.
فلم توقّفْ مشيلين الرماح ولم ... توجَد عواوير يوم الرَوعِ غُزّالا
أي لم تقف رافعي الرماح حسب ولكن حدروها للطعن، والعزّال الذين لا سلاح معهم، يقال رجل أعزل، والعواوير الضفاء. وقال رؤبة وذكر جيشاً أتاهم:
عاينَ حيّاَ كالحِراج نِعَمه ... يكون أقصى شِلّه محر نجَمه
الحراج قطع الشجر أي هم ملتفّون مجتمعون كأنهم حراج الشجر، ونعمه إبله، وقوله: يكون أقصى شله محر نجمه، كان القوم إذا فوجئوا بالغارة طردوا نعمهم وأقاموا يقاتلون بعد طردهم النعم، فيقول: هؤلاء من عزهم وكثرتهم إذا أتتهم الغارة لم يطردوا نعمهم، وكان أقصى طردهم أن ينيخوها في مباركها ثم يقاتلون عنها، ومحر نجمها الموضع الذي تحر نجم فيه أن تجتمع ويدنو بعضها من بعض. ومثل هذا قول آخر:
قوم إذا رِيعوا كأنّ سَوامَهم ... على ربعٍ وسطَ الديارِ تعطّف
الربع الخوار الذي ينتج في النتاج الربعي، يريد أن أبلهم في وقت الروع لا تطرد ولا تبرح كأنها قد عطفت على ولد فهي لا تبرحه، والسوام المال الراعي. ومثله قول الأعشى:
نَعم يكون حجازه برماحنا ... وإذا يُراع فإنه لن يُطردا
حجازه الذي يحجزه ويمنعه. ومثله قول زهير:
فإن شلَّ رَيعان الجميع مخافةً ... نقول جهازاً ويلكم لا تنفَروا
على رِسلكم إنّا سنعدي وراءكم ... فتمنّعكم أرماحنا وسنعذِر
ويروى: فإن شل رعيان الجميع، !ثهل طرد وريعان كل شيء أوله، سنعدي أي سنعدي خيلنا أي سنحضر، أو سنعذر أي نصنع ما نعذر فيه ومثله قول لبيد:
في جميعِ حافظي عوراتهم ... لا يهمّون بأدعاقِ الشَللِ
الدعقة الدفعة، والعورة موضع المخافة. وقال ابن مقبل:
بحيّ إذا قيلَ اظْعنوا قد أتيتم ... أقاموا على أثقالِهم وتلَحلَحوا
تلحلحوا تحركوا فلم يبرحوا من أمكنتهم، يقال تحلحل وتلحلح إذا تحرك وثبت فلم يبرح.
وقال الأعشى:
رُب رفد هرقتَه ذلك اليو ... م وأسَرى من معشَرٍ أقتالِ
الأقتال الأعداء واحدهم قتل، ويقال الأقتال الأمثال، والرفد القدح الكبير، والمعنى أنك قتلت صاحبه فذهب وبطل. وقال امرؤ القيس:
وقاهُم جدهُم ببني أبيهمِ ... وبالأشقَين ما كان العِقابُ
وأفلتَهن عِلباء جَريضاً ... ولو أدركنَه صَفِر الوِطاب
أي قتل وأخذت. إبله فصفرت وطابه من اللبن أي خلت، والجريض الذي قد غص بريقه من الجهد. ومثله لأبي زبيد:
وجَفنةٍ كنضيحِ الحوضِ قد كُفِئت ... بِثنى صِفّينٍ يعلو فوقَها القتَرُ
أي ورب جفنة قد قتل صاحبها فقفئت. وقال آخر: وهو عامر بن جوين الطائي ويروى لأبي قردودة الطائي:
ياجفنة كإزاءِ الحوضِ قد هدَموا ... ومنطقاً مثل وشي اليمنة الحِبره
وقال آخر في مثله وهو لسلمة بن الخُرشُب الأنماري
هرَقنَ بساحوقٍ جفاناً كثيرةَ ... وغادرنَ أخرى من حقينٍ وحازر
يقول قتلت أصحاب جفان كثيرة فتكتْ لا يحلب فيها فكأنهم هراقوها، وغادرن أخرى أي تركن جفانا على حالها لم يُهرَقن، من حقَين من حليب، وحازر، أي من شريف سيدودون ذلك - اللفظ للّبن والمعنى للقوم. وقال آخر وهو أبو بكر شداد بن الأسود الليثي:
وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشِيزَى تكلّل بالسَنام
وقال عنترة:
حالَث رماح ابني بغيض دونكم ... وزَوتْ جواني الحربِ من لم يُجرم

ابني بغيض عبس وذبيان يعني قتالهم في حرب داحس، وذوت أي نحت وباعدت، جواني لحرب الذين جنوها، من لم يجرم من ليس له ذنب، أي لم يقدر أحد أن ينفرد عن عشيرته وأصله مخافة أن يقتل وأن لم يكن له ذنب، ومثله قول مالك بن حَريم الهمذاني:
قرِّب رباطَ الجَون مني فإنه ... دنا الحِلُ واحتلّ الجميعَ الزَعانفُ
الزعانف الزوائد، أي صار إلى الجميع لم يطيقوا الانفراد، ومثله قول وعلة الجرمي:
سائلٌ مجاور جَرم هل جنيت لهم ... حرباً تزيّل بين الجَيرةِ الخلُطِ
أي يدع كل قوم جيرانهم ويلحقون بأصولهم. ومثله لرؤبة:
وأجمعْت بالشرِ أن تلفَّعا ... حربٌ تضمّ الخاذلين الشسّعا
وقال أبو ذؤيب يذكر حربا:
وزافَتْ كموجِ البحرِ يسمو أمامها ... وقامَتْ على ساقٍ وآن التلاحُق
أي آن أن يلحق كل قوم بأصلهم. وقال أبو طالب:
أفيقوا أفيقوا قبل أن نحفِر الثرى ... ويصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنبِ
نحفر الثرى أي نتتبع أصول الأمور ونطلب عيوبكم ويصبح من كان له ذنب ومن لم يكن له ذنب سواء. وقال النابغة في مثل هذا ووصف جيشاً:
أو تزجروا مكفهرّا لا كِفاءَ له ... كالليلِ يخلطُ أصراماً بأصرام
أي جماعات بجماعات تلحق كل قوم يأصولهم، مكفهر جيش كثير بعضه على بعض، لا كفاء له لا مثله له. وقال آخر:
وخمارُ غانيةٍ شُدِّدت برأسها ... أصلا وكان منشّراً بشمالها
هذه امرأة فزعة فلما أدركها أمنت فاختمرت. وقال عنترة فَي مثله:
ومُرقِصة رددت الخيلَ عنها ... وقد همّتْ بالقاءِ الزِمام
ومرقصة يعني امرأة ركبت بعيرا فهي ترقصه هاربة وقد همت أن تلفي زمام بعيرها وتعطي بيدها. وقال الكميت:
ومرقصة قد مال كور خمارِها ... منعنا إذا ما أعجلتْ أن تخَمرّا
وقال طفيل:
وراكضة ما تستجِنّ بجُنةِ ... بعَير حِلال غادرتْه مجعفَل
الحلال مركب من مراكب النساء، غادرته تركته، مجعفل مصروع يعني الحلال وقد كان البعير لحلال فغادرت الحلال ملقي ونصّت أي ركبت بعيرها عريا من المخافة.
فقلت لها لما رأيْنا الذي بها ... من الشرِ لا تستوهِلي وتأمّلي
أي لا تفزعي، والوهل الفزع، وتأملي انظري ممن نحن، قال أوس بن حجر:
ترى الأرضّ منا بالفضاءِ مريضةً ... معضَّلةً منا بجمعٍ عَرمَرمِ
المعضلة التي نشب ولدها في بطنها أي فقد نشبت هذه الأرض بنا أي نشبنا كما ينشب ولد هذه في بطنها يريد من الكثرة. ومثله للنابغة يصف جيشاً:
لَجِب يظّل به الفضاءُ معضِّلاً ... يدع الإكام كأنهنَّ صَحارى
أي من كثرة ما يطأ عليها هذا الجيش يسويها بالأرض. ومثله لزيد الخيل:
بجمعٍ تضل البلق في حجَراتِه ... ترى الأكم منه سجّدا للحوافر
يقول إذا ضلت البلق فيه مع شهرتها فلم تعرَف فغيرها أحرى أن تضل، يصف كثرة الجيش ويريد أن الاكم قد خشعت من وقع الحوافر. وقال الحطيئة:
بجمهورٍ يحارُ الطرفُ فيه ... يظّل معضَلاً منه الفَضاء
جمهور كتيبة كثيرة. وقال أوس بن حجر يصف جيشاً:
بأرعنٍ مثل الطَودِ غير أشابةٍ ... تناجزُ أولاه ولم يتصرمِ
آرعن جيش كثير مثل رعن الجبل، والرعن أنف يتقدم من الجبل فينسل في الأرض، والطَود الجبل، غير أشابة أي غير أخلاط، تناجز أولاه أي يمضي أوله وهو لا ينقطع من كثرته. ومثله قول الجعدي:
بأرعنٍ مثلِ الطودِ تحسب أنهم ... وقوفت لأمرٍ والركابُ تُهملج
أي من كثرتهم تحسب أنهم وقوف وركابهم تسير، وفي كتاب الله جل وعز: " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب " . وقال عمرو ابن قميئة:
وملمومة لا يخرق الطرف عرّضَها ... لها كوكب فخم شديدٌ وضوحها
تسيرُ وتزجي السمَ تحتَ لَبانِها ... كريه إلى من فاجأته صبوحها
يصف كتيبة والملمومة المجتمعة لا ينفذ البصر في عرضها من كثرتها، وكوكب الشيء معظمه، فخم عظيم شديد، وضوحها أي بياضها، تزجي السم أي تقدم الموت بين يديها، والصبوح شرب الغداة، وهذا مثَل. وقال قيس بن الخطيمِ يصف جيشاً كثيراً:

لوَ أنّكَ تلقي حنظلاً فوق بيضنا ... تدحَرجَ عن ذي سامِه المتقاربِ
السام عرق الذهب أي عن بيضه المذهب، يقول لو ألقيت حنظلا على بيضهم لتدحرج عليه، يريد جرى فوقه ولم يسقط إلى الأرض لقرب بعضه من بعض ولالتصاق بعضه ببعض وعن بمعنى على، وواحد السام سامة وبه سمي سامة بن لؤي. وقال أبو خراش يصف حفيف جيشهم وكثرتهم:
وسائل سبرة الشجعي عنا ... غداة تخالَنا نجواً جَنيبا
النجو السحاب، والجنيب الذي أصابته جنوب فَهو أغزر له. وقال آخر:
ولقد شهدَتْ الحي بعد رقادِهم ... يعلي جما جِمهم بكل مقللِ
يعني أنهم بيّتوا بياتا، يعلي جماجهم بالسيوف، مقلل سيف عليه قلة والقلة القبيعة وقلة كل شيء أعلاه، أبو عمرو، بكل منحَّل أي سيف قد نحل لقدمه، ويروى " منخل " أي منتفي.
حتى رأيتهم كأن سحابةً ... صابَت عليهم ودقّها لم يشَمل
أي كأن حفيف هذا الجيش في القتال حفيف مطر، صابت قصدت، ودقها مطرها، لم يشمل لم تصبه شمال وذلك أنه إذا شُمل انقشع وإذا جنب كان أدرّ له، وهكذا يصفون السحاب، وإنما ضربه مثلا لكثرتهم وشمدة حفيفهم. ومثله قول الهذلي عبد بن حبيب:
كأن القوم إذ دارت رحاهم ... هدوءاً تحت أقمر ذي جنوب
وقال أوس:
صحّنا بني عوف وأفناءَ عامرٍ ... بصادقةٍ جَودٍ من الماءِ والدمِ
يريد بغارة صادقة كأنها سحابة فيها جود من الماء، ثم أعلم أنها ليست بسحابة خالصة فقال: والدم، يعلمك أنها وقعة. وقال ابن مقبل:
وخطّارة لم ينضحْ السِلم فرجَها ... تلّقح بالمرّانِ حتى تَشذّرا
لم ينضح من قولك انضح رحمك أي بلّها وصلها، ويروى ينصح أي يخيط والأول أجود، السلم المسالمة، المران القنا، تشذرا تشول إذا قحت، وهذا مثَل لبيد يصف كتيبة:
أوتْ للشِياحِ واهتدى بصليلِها ... كتائب خضر ليس فيهن ناكِلُ
ناكل جبان، أوت هذه الكتيبة للشياح أي للجدّ والحملة، والصليل خضرمن الحديد. وقال بشر:
عطفنا لهم عطف الضَروسِ من الملا ... بشَهباءٍ لا يمشي الضَراءَ رقيبها
الضَروس الناقة السيئة الخلق، شهباء كتيبة بيضاء، لا يمشي الضراء رقيبها لا يستتر وهو مصحِر، ورقيبها رئيسها. العجاج يصف جيشاً:
بلَجِبٍ ينفي الأسودَ هزَمه ... مردفٍ جُولٍ لا يُخاف هدَمه
لجب جيش كثير الأصوات، هزمه صوته، والجول ناحية البئر يقول هذا الجيش له ردف خلفه مثل جول البئر، لايخاف هدمه أي لا يخاف ان يؤتى من ضف. وقال الأعشى:
فأصبْن ذا كرم ومَن أخطأنَه ... جزأ المقيظة خَشية أمثالَها
جزأ أي أقام بالفلاة ولم يقرب الماء مخافة أن يغار عليه. ومثله لقيس بن مسعود:
فإياكُم والطفّ لا تقربُنّه ... ولا الماءُ إن الماءَ للقَودِ واصلُ
أي من نزل الماء قيد إليه الخيل أي فلا تأتوا والزموا الفلاة وقال النابغة:
وكانتْ له رِبْعيةً يحذرونها ... إذا خَضخَضتْ ماءَ السماءِ القبائلُ
ويروى لا القنابل لا والربعي أول شيء في النتاج. غيرهَ: أول كلِ شيء، ربعية أي غزوة في الربيع والغزو إنما يكون في الربيع إذا وجدوا المياه فإذا جاء الصيف انقطع الغزو، والقنابل الجماعات من الخيل واحدتها قنبلة. ومثله:
لو وصلَ الغيمث أبنَينَ امرءاً ... كانت له قبةً سَحق بجادْ
يقول لو وصل المطر ووجدنا المياه غزونا، وقوله: أبنين يعني الخيل جعلن بناء هذا الرجل، يقول: يُغار عليه فيؤخذ ماله فلا يجد إلاّ سحق بجاد يتخذه بناء بعد أن كان ذاقبة، والسحق الخلق، والبجاد كساء أي بعد ما كانت له قبة صار له هذا البجاد. ومثله:
وفي البقل إن لم يدفع الله شره ... شياطين ينزو بعضهن على بعض
ومثله:
يا ابن هشامٍ أهلَكَ الناسَ اللبن ... فكلّهم يغدو بقَوس وقَرنِ
يقول لما جاء الربيع وأصابوا اللبن قووا وغزوا، والقرن الجعبة. ومثله للحارث بن دوس الايادي يخاطب المنذر بن ماء السماء:
قوم إذا نَبَتَ الربيعُ لهم ... نَبتتْ عداوتهم مع البقلِ
ومثله:
قوم إذا اخضّرتْ نعالهم ... يتناهقونَ تناهقَ الحُمرِ
تخضر نعالهم لوطئهم العشب. ومثله:

وقد جَعلَ الوسميّ ينبتُ بيننا ... وبين بني رومان نبعاً وشوْحطا
النبع والشوحط ضربان من الشجر وهي هاهنا القسيّ نرميهم بها ويرموننا.
ومثله لأوس بن حجر:
تَناهقونَ إذا اخضّرتْ نعالِكم ... وفي الحفيظةِ أبرامٌ مَضاجيز
أي تأشَرون إذا أصبتم الغنى والخصب وإذا كان موضع المخافة ضجرتم، والأبرام جمع برَم وهو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر. وقال آخر:
إذا اخضرّتْ نعال بني غرابٍ ... بغَوا ووجدتهم أشري لئاما
وقال الأعشى:
وفي كل عام أنتَ جاسمُ وقعةٍ ... تشد لأقصاها عزيم عَزائكا
مورّثة مالاً وًفي الأصلِ رِفعة ... لما ضاع فيها من قروءٍ نسائكا
أي لما ضاع فيها من طهر نسائك نم تغشهن لشغلك بالغزو فأبدلت من ذلك هذا المال وهذه الرفعة. ومثله للنابغة:
شعَب العِلافّيات بين فروجهم ... والمحصنات عوازبُ الأطهارِ
العلافيات رحال منسوبة إلى علاف رجل من قضاعة، هؤلاء قوم في غزو فأطهار نسائهم عازبة عنهم، وشعب الرحال بين أرجلهم. وقال الحطيئة في مثله:
إذا همّ بالأعداءِ لم يثْنِ هَمّه ... كَعاب عليها لؤلؤٌ وشنوف
وقال كثّير في مثله:
إذا همّ بالأعداءِ لم يثنِ همه ... كَعاب عليها نظمُ در يُزينها
وقال الأخطل:
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... عن النساءِ ولو باتَتْ بأطهارِ
وقال ربيع بن زياد العبسي:
أفبعد مقتلِ مالكٍ بن زهيرِ ... ترجو النساءُ عواقبَ الأطهارِ
أي الغشيان بعد الطهر. وقال أبو كبير يصف قوماً لا يجعلهم الفزع:
يتعطّفون على البطىء تعطف ال ... عوذ المطافل في مناخ المعقل
أي يتعطفون على من أبطأ منهم كما تتعطف العوذ على أولادها والعُوذ الحديثات النتاج واحدها عائذ، وهذا من مقلوب كلامهم العائذ الناقة ما دامت يعوذ بها ولدها وإنما يكون ذلك يومين أو ثلاثة، ومثل ذلك قولهم: غيث عازب - أي معزوب عنه، والمطافل التي معها أولادها، والمعقل الحرز، يقول هم يتعطفون عليه كما تعطف هذه حيث تأمن ولا يذعرها شيء ولذلك هم لا يربدون الفرار. أوس بن حجر:
لعمركَ إنّا والأحاليف هَؤلا ... لفي حِقبةٍ أظفارُها لم تقلّم
أي نحن في حرب. ومثله للنابغة الذبياني:
وبنو قُعَينِ لا محالَة إنهم ... آتوكَ غير مقلّمي الأظفارِ
أي محاربين غير مسالمين، والأظفار هاهنا السلاح، يريد أن سلاحهم تام جديد. وقال آخر:
الضاربون غداةَ غارةٍ ثابت ... ضرباً أضاع له المقاديم العرا
المقاديم الأبطال والعري الرؤوس، أي فضربوا ضربا أضاعت له الأبطال رؤوس الجيش وتركوهم. آخر وهو مقّاس العائذي:
أوْلَى وأوْلى يا امرأ القيس بعدما ... خصفنَ بآثارِ المطيّ الجوافرا
أي قُرنت الخيل بالابل في الغزو فوطئت الخيل على آثار الإبل. ومثله قول الآخر:
مستحقبات رواياها جَحافلها ... يأخذنَ بين سوادِ الخطِ فاللوبِ
البعير يكون عليه الماء والزاد ويرن به الفرس بمنزلة الحقيبة للبعير، والروايا الإبل يكون عليها الماء. ومثله قول الآخر وهو الأعشى:
وما خآتْ أبقى بيننا من مودةٍ ... عِراض المذاكى المسنفاتِ القَلائصَا
المذاكي المسان، أي قُرنت بالإبل فهي تعارضها. آخر في وصف جبان:
أي تركض والعينانُ في نُقرة القفا ... من الذّعرِ لا تلوى على متخلِفِ
أي أنت منهزم فعيناك في نقرة قفاك. ومثله:
فولّيتَ عنه يرتمي بك سابح ... وقد قابَلَتْ أذنيه منك الأخادع
أي صارت أخادعك قبالة أذنيه وأنت متلفف منهزم، والأخدع عرق في القفا. ومثله:
ألقيَتا عيناكَ عند القفا ... أوْلى فأوْلى لكَ ذا واقيه
وقال الفرزدق:
بأيدي رجالٍ لم يَشيِموا سيوفَهم ... ولم يكثرالقتلى بها حينَ سلّتْ
أراد لا يشيمون سيوفهم ولم يكثر القتلى بها ولكنهم يشيمونها إذا أكثروا بها القتلى.
الذلى وهو المتنخل يصف قوما لا عَناء عندهم:
عقوا بسهمٍ فلم يشعرْ به أحد ... ثم استفاءوا وقالوا حبّذاَ الوضَح

عقوا مفتوحة القاف وهو رميك بالسهم في السماء يقال عقَّى بسهمه يريد أنهم لم يضروا برميهم ثم رجعوا إلى أكل اللبن وشربه، والوضح اللبن، ويحكى عن بعض الأعراب أنه كان يشكو ويسأل، ويقول: مالي وضح أنفخ فيه ولا لي كذا.
لكن كبير بن هند يوم ذَلكم ... فتخ الشمائل في أيمانهم رَوَحُ
كبير بن هند قبيلة، فتخ الشمائل يريد أنهم قد تترسوا بالتِراس وقد نصبوا شمائلهم وفتخوها ليتقوا بها ضرب السيوف، وأصل الفتخ اللين ولذلك فيل للعقاب فتخاء، في أيمانهم روح أي سحة لأنهم قد بسطوها وفيها السيوف يضربون بها.
لا يسلمونَ قريحاً حلّ وَسطهم ... يوم إلقاءِ ولا يشوونَ من قَرحوا
القريح الجريح والقرح الجرح، لا يشوون من قرحوا لا يخطئون مقتل من جرحوه ومن جرح منهم حاموا عليه حتى يستنقذوه. يقال رميت فأشويت إذا أصاب الأطراف وأخطأ المقاتل، ورميت فأصميت إذا أصاب المقتل. وقال الجعدي:
فلما أنْ تلاقيْنا ضُحياّ ... وقد جعلوا المِصاع على الذراعِ
المصاع القتال، أي جعلوا أمر القتال إلينا فقالوا: إن شئم فقاتلوا، كما تقول للرجل في الشيء: هو على حبل ذراعك، أي الأمر فيِه إليك. وقال أبو ذؤيب:
وصرّح الموتُ عن غلْبٍ كأنهم ... جرب يدافعها الساقي منازيح
صرح انكشف، غلب غلاظ الرقاب، جرب يدافعها الساقي أي يدفعها عن الماء لأن الجراب لا يدعونها تختلط بالابل يخافون الإعداء، منزيح قد طلبت الماء من مكان بعيد نازح فهو أحرص لها عليه، يقول فهؤلاء يغشون الحرب كما تغشى هذه الماء. بعض الهذليين وهو أبو خرلش.
تذكرتُ ما أينَ الفرارُ وأنني ... بَغرزِ الذي ينجى من اِلموتِ معصم
يقال للرجل: أشدد بغرز فلان أي تمسك به. فيقول أنا متعلق بعدو ينجيني من الموت.
فعديت شيئاً والدَريس كأنما ... يزعزعه وِرد من الممِ مُردمُ
عاديت صرفت، والدريس ثوبه الذي عليه وهو الثوب الخلَق، يزعزعه يحركه، وِرد أي حمّى، والموم البرسام، مردم ملازم، أي من شدة عدوي واضطرابه علي، وروى أَبو عمرو: فعرَرت شيئا، أي تلبثت، والمعارة التلبيث. وقال قبل هذا وذكر قوما هرب منهم:
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوهْ هم هم
رفوني أي سكّنوني، وقالوا لا ترع أي لا تخف، هم هم أي هم الذين أخاف. أبو عمرو: يقال ارفه أي سكته. وقال أبو خراش:
وشَوط فصّح قد شهَدت مشايِحا ... لأدرِكَ ذحَلا أو أشيف على غُنمِ
أي من سَبق فيه افتضح، شوط عدو، مشايحا جادّا، ويقال " مهاذبا " أي سريعا، أشرف وأشفى سواء وهو مقلوب - أشرف، يريد أصيب أو أدرك ذَحلا.
إذا ابتّلتِ الأقدام والتفَ تحتها ... غُثاء كأجوازِ المقرّنةِ الدرهمِ
ابتلت الأقدام من العرق ويقال من ندى الليل، والتف تحتها غثاء أي يعدون فيكسرون الشجر فيتعلق بأرجلهم، والمقرّنة إبل صعاب تقرن، والأجواز الأوساط، وروى أبو عمرو: إذا كلّت الأقدام وابتل تحتها. وقال:
ولا بطلاَ إذا الكماة تزينّوا ... لدى غَمراتِ الموتِ بالحالكِ الفَدْمِ
الحالك الأسود، والفدم الثقيل، أي كانت زينتهم في حربهم أن يتضمخوا بالدم، والفدم الثقيل الخاث، ومن هذا يقال صبغ مفدّم أي خاثر ثقيل. أبو عمرو: الفدم القانيء. وقال ابن كُراع:
ومُعدنا بالقتل يحسب أنه ... سيُخرج منا القتل ما القتل مانع
أي يحسب أنا سنذل إذا قتل منا والقتل يمنع أن نذل لا نزداد على القتل إلا عزة. وقال:
ألم ترَ أن الغزوَ يُعرِج أهله ... مراراً وأحيانا يفيد ويُورقُ
يعرج أي لهم عرجا من الابل، ويفيد يهلك، يقال فاد الرجل وأفدته، ويقال أورم القوم إذا طلبوا صيدا ففاتهم بعد أن يرموه. وقال مقّاس في يوم الشيطَين:
نهَيت تميماً أن تربّ نحاءها ... وتطوِيَ أجباءَ الرَكىّ المعموَّر
أي نهيتهم أن يربّوا نحاءهم للسمن واللبن وتهيئوا للمقام معشّرِ سنزعجهم عن هذا الموضع، والأجباء جمع جَبَى وهو ما حول البئر. وقال:
ليختلطّنَ العام راع مجنبٍ ... إذا تلاقينا براعٍ معشَّ

المجنب الذي ليس في إبله لبن، والمعشر الذي قد عشّرت إبله، يقول ليس لنا لبن فنغير عليكم فنأخذ إبلكم فيختلط بعضها ببعض. وقال الكميت وذكر يوم حرب:
كالروقِ فيه الأقوامِ نلّهمُ ... إذا الخرائدُ لم يثبتن في الحجُبِ
الأرَوق الطويل الأسنان والأيَلّ الذي قد لزقت أسنانه باللثة ولم يبق منه شيء، يقول فهؤلاء اليلّ من الفزع قد كلَحوا فبدت أسنانهم فكأنهم روق. ومنه قول لبيد وذكر سهاما:
رَقمياتٌ عليها ناهض ... تُكِلح الأروقَ منهم وأ لايلّ
رقميات نبل منسوبة إلى الرَقم وهو موضع دون المدينة ويقال سهام مرقومة، عليها ناهض أي ريش فرخ نسر حين نهض وهِو أجود، يقول إذا أصابت هذه السهام هؤلاء كلَحوا وفتحوا أفواههم فالقصير الأسنان والطويل سواء. وقال النابغة:
فداءُ خالتي لبنى حيّ ... خصوصاً يوم كِِّالقوم روق
ا لأعشى:
وإذا ما الأكس شبِّه بالأر ... وقِ عند الهيجا وقَلَّ البُصاقُ
من شدة الفزع. وقال الراجز:
إني إذا لم يُندِ حلقا رِيقه
وقال القطامي:
قد حَقنَ اللَه بكفيْكَ دمي ... من بعد ما ذَبَّ لساني وفمي
أي يبس من الخوف. وقال عنترة:
لما رآني قد نَزَلت أريده ... أبدَى نواجذه لغير تبسّم
النواجذ آخر الأضراس، يريد أنه كلح. ومثله له:
ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى ... إذ تقلُص الشفتان عن وضَح الفم
وأستخرجَ الهولُ ما تخفن براقعهاتحتَ العجاجةِ والأوضاحَ في الِقصَبِ
الأوضاح الخلاخيل، والقصب أسواقُها. وقال أيضا:
ولم أرَ مثلَ الحي بكر بن وائلٍ ... إذا نزلَ الخلخالُ منزلةَ القُلبِ
يقول إن الحرب إذا كانت حسرت المرأة عن ساقها فبدا خلخالها من الرعب وإنما يبدو في الأمن السوار وهو القلب. وقال أيضا:
إذا الإرون إرو الحربَ العوانِ لهم ... شُبّتْ وركبت الأرجاء والثُقل
إرون جمع إرة وهي حفرة توقد فيها النار، والثفل جع ثِفال وهو جلد يجعل تحت الرحى.
وأتثَّفر الكلب إنكاراً لمُولغِ ... في حلةٍ قصرَت عن نعتِها الحوَلُ
استثفر دخل ذنبه بين رجليه لم يعرف من يسقيه، والحولة الداهية، وإنما ينكر الكلب أبهله لأنهم قد لبسوا الحديد. ومثله:
أناس اذا ما أنكرت الكلب أهله ... حموا جارهم من كل شنعاء مبِق
وقال يصف غارة والبيت للكميت:
وصارَتْ البِيض لاتخفي محاسنها ... إذ كالوقوفِ لدى أبكارِها الخدم
الوقوف جع وقف وهي الأسورة من عاج شبه الدماليج، والقلب خدمة شبه الخلخال، يقول اشتد الفزع فأبدت النساء خلاخيلها كما كانت في الأمن تبدي الاسورة. وقال يصف جيشا:
بأرعنٍ كالجبال تَضيفُ عنه ... لظاهرة إذا وَرَدَ البُحورَ
الظاهرة أن تشرب كل يوم مرة، يريد تضيق عنه البحورَ إذا وردها الظاهرة. وقال:
أرى أمراً سيكبر أصغراه ... لتم لقاحٍ مُبسِقة حفول
التم التمام، مبسقة دفعت باللبن في ضهروعها، وقيل هي التي ترى على حيائها شيئا أبيض ملتزقا حين يدنو نتاجها، حفول كثيرة اللبن. وقال:
وهل تخفينّ السِرَ دون وليها ... صرام وقد أيلت عليه وآلهَا
صرام اسم الحرب، إيلت وليت عليه وآلها وليَها وساسها، ويقال في مثل " ألنا وإيل علينا " . وقال وذكر ظعائن قومه:
ظعائن من بني الجَلالّافِ تأوى ... إلى خُرس نواطق كالفَتِنا
خرس كتائب لا يسمع لمن فيها كلام، نواطق بالضرب وصوت الجِلاد، والفتين جع فتينة وهي الجرار. وقال وذكر بني هاشم:
تجود لهم نفسي بما فوق وثبةٍ ... تظّل لها الغِربان حولىَ تحجِلُ
أي تجود لهم نفسي بما فوق القتل أن كان فوقها شيء مثلا - وإذا قتل حَجلت الغربان حوله. وقال وذكر الحسين صلوات الله عليه حين قتل
وتُطيلُ الرزءاتُ المقالي ... تُ إليه القعود بعد القيامِ
المرزءات اللواتي أصِبن بالمصائب، والقِلات التي لا يبقى لها ولد، وكانوا يزعمون أن المقلات إذا تخطّت قتيلا كريما ووطئته أحيت أي عاش ولدها، وقيل المقاليت اللواتي لا يحملن فإذا وطئن القتيل حملن. وقال ابن مقبل:

فينا كَراكر إخواِ مضبّرة ... فيها دروء إذا شئنا من جوزَوَرِ
تقول: بنو فلان كركرة إذا كانوا كثيرا، وإخوان أوساط من الناس، فيها دروء أي اعتراض مثل اعتراض الجبل، والزوَر عوَج في الزور، أراد فيها عرضية.
وثورة من رجال لو رأيتهم ... لقلتً إحدى حراجِ الجَرةِ من أقُرِ
ثورة أي عدد كثير يثورون، والحراج حرَجة وهي شجر كثير ملتف وكل مكان غليظ في سفح جبل فهو جرّ، وأقر جبل. وقال لبيد:
وإذا تواكلَت المقانب لم يَزلبالثَغرِ منا مِنسر وعظيم تواكلت اتّكل بعضها على بعض، عظيم يعني سيدا. وقال لبيد:
وأربد فارس الهيجا إذا ما ... تقعّرتْ المشاجر بالفِئامِ
تقعرت سقطت، والفئام أن يوسع الهودج يزاد فيه حتى يكون فيه تربيع، والمشاجر مراكب للنساء أكبر من الهودج، الواحد مشجر، يقول أربد فارس الهيجا إذا كان فزَع وسقطت المشاجر بما فيها من الفئام والنساء، وقال يصف النسا:
إذا بكر النساء مرَّدفاتٍ ... حواسر لا يجين على الخدام
أي لا يرخين على خلاخليهن ثيابهن لأنهن قد سبين، أجْأتْ أرخت وغطّت. وقال لبيد يصف جيشا:
نغير به طَوراً وطَوراً نضّمه ... إلى كلِ محبوكٍ من السَروِ أيهما
إلى كل جيش محبوك مدمج مجتمع، والسرو باليمن يعني جبلا شبه الجيش به - أملس، والأيهم الأعمى. وقال أبو دواد وذكر نساءً:
غير ما أن يَبنّ من سلفٍ أر ... عنٍ عَود لسربه قدام
يقول ما يفارقهن هذا السلف وهم فرسان حيها الذين يكونون قدّام الظعن يحمونهن أن يغار عليهن، والأرعن الكثيف الضخم كرعن الجبل، والعَود القديم أي قديم لهن ذلك، والسَرب والسرح هم الرعاء مع الابل. وقال يذكر إبله:
مكفهرّعلى حواجبها يغ ... رقُ في جمعِها الخميس اللُهامُ
فارس طارد وملتقط بي ... ضاً وخيل تعدو وأخرى صيام
مكفهر جيش كالسحاب أي متراكب كثيف، على حواجبها على جوانبها، واللهام الجيش الذي يلتهم كل شيء أي يبلعه ويذهب به، وقوله: يغرق في جمعها الخميس اللهام من كثرتها، ثم أخبرك أن للجيش الذي يحميها واحدا يطرد الوحش وآخر يلتقط بيض النعام وخيلا تعدو وأخرى قيام لأنها طلائع. وقال امرؤ القيس:
وغارةٌ ذات قَيروانٍ ... كأنّ أسرابها الرِعال
رعال أجبال هاهنا، قيروان جمع فارسي أصله كاروان وهي القافلة فعرب.
كأنهم حرشفٌ مبثوثٌ ... بالجوّ إذ تبرق النعال
الحرشف الجراد، والنعال الأرض الصلبة واحدها نعل، يريد أنه غزا في الشتاء: وقد أصاب النعال المطر فبرقت وصفت. وقال:
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... لفثكَ لأمين على نابلِ
عن أبي عبيدة: سألت أبا عمرو بن العلأ عن هذا البيت فقال: ذهب من كان يعرف هذا وهو مما درس معناه، غيره: السُلكى الطعنة المستقيمة، ومخلوجة يمنة يسرة: كرك - وهو مثله، ولأمين سهمين واحدهما لأم، أي ككرك سهمين على رام رمى بهما تعيدهما عليه فكذلك نطعنهم ثم نعود عليهم كما يعِاد السهمان على الرامي أي ينفذهم ثم يعودهما، وسألت ابن السجستاني فقال: ككرك سهمين على رام رمى بهما لأنك تردهما إلى ورائك. وقال:
ومجر كغلاّن الأنَيعِن بالغٌ ... ديارَ العدوّ ذي زهاءٍ وأركان
غزوتُ بهم حتى تكلّ غزاتهم ... وحتى الجياد ما يَقدن بأرسانَ
مجر جيش، والغلان واحدها غالّ وهو الوادِي الكثير الشجر، زهاؤه كثرته وارتفاعه، وقوله: وحتى الجياد ما يقدن - أي قد أعيت فلا تحتاج إلى أرسان. وقال النابغة وذكر كتيبة:
وأضحى عاقلاَ بجبالِ حِسمى ... ذقاق التربِ محتزِم القتامِ
يقال عقل يعقل إذا صار في حرز، يقول: أصبح التراب الذي تثيره الخيل عاقلا في الجبل كما تعقل الوعول فيه، أي دقاق التراب احتزم بذلك المكان فصار للجبل مثل الحزام.
فدوّختُ البلادَ بكل قصرِ ... يجلل خندقاً منه وحامي
الحامي الذي يحمي مجعل حوله خندقا، وحام بمعنى حمي فاعل بمعنى مفعول، أي فكل قصر وحام يجلل خندقا منه والهاء راجعة إلى الذين غزاهم، يريد مجللان خندقا من خوفه.
وما تنفكُ محلولاً عُراها ... على متناذَرِ الأكلاء طام

يريد الكتيبة أي لا يزال محمولاً عراها على موضع قد تناذره الناس من خوبه.
وقال يصف طيرا تتبع عسكرا.
يصانعهم حتى يغرنَ مُغارهم ... من الضارياتِ بالدماء الدواربِ
يقول هذه النسور تسير معهم فلا تؤذي دابة ولا تقع على دبرة صانعتها لهم، ثم قال من الضاريات بالدماء، والدوارب المعتادة والدربة الضراوة والنسور تكون على الجيش تنتظر القتلى لتقع عليهم فإذا لم تحم النسور على الجيش ظنوا أنه لا يكون قتال.
وقال يصف النسور:
تراهنّ خلفَ القَومِ زوراً عيونها ... جلوس الشيوخ في مسوكِ الأرانبِ
الشيوخ ألزم للفراء لرقتهم على البرد، الأصمعي: " في ثياب لمرانب " ، وزعم أنها ثياب سود يقال لها المرنبانية شبه ألوان النسور بها.
لهن عليهم عادة قد علمنها ... إذا عرضَ الخَطىّ فوق الكواثبِ
يقول إذا عرضت الرماح على الكواثب علمت النسور أن ذلك لرزق يساق إليها، والكاثب المنسج القربوس. وقال:
وقلتُ لهم لا أعرفنّ عقائلا ... رَعابيب من جنبَى أريك وعاقل
أي حذرتهم أن تسبى نساؤهم، والرعبوبة الرخصة البيضاء.
ضوارب بالأيدي وراء بَراغزٍ ... صغارٍ كآرامِ الصريمِ الخواذلِ
أي ضربن بالأيدي خلف أولادهن بها، والآرام الَظباء، والصريم ما انقطع من الرمل، خواذل تخذل صواحبها وتقيم على أولادها. وقال يصف رجلا:
إذا حلَّ بالأرضِ البريةِ أصبحتْ ... كئيبةً وجه غبّها غير طائل
يقول إذا حل بأرض برية من القتل أصبحت غِب إتيانه لها كئيبة أي فيها الدماء والقتل.
يؤم برِبعى كان زهاءه ... إذا هبط الصحراء حرة راجلِ
ربعى جيش يبكر بالغزو، وزهاؤه قدرة، حرة راجل لقيس وهي خشنة غليظة، وحرة النار لبني سليم، وحرة واقم بالمدينة، وحرة ليلى في بلاد قيس. وقال:
مخافة عمرو أن تكون جياده ... يقَدن إلينا بين حافٍ وناعلِ
إذا استعجلوها عن سجيةِ نفسها ... تَبلّغُ في أعناقِها بالجَحافلِ
الأصمعي: الخيل مقطورة بالإبل فكلما استعجل القوم الإبل لم دركها الخيل تمد جحافلها فتبلغ أعجاز الإبل لأن الخيل إذا كانت مع الإبل تقاد كانت أبطأ، مثل الحُطيئة.
مستحقبات رواياها جحافِلها ... يسمونها أشعرى طرفة سامِ
وقد مر لهذا أمثال، وقال النابغة:
وغارة فات أطفال مُلملَمة شعواء تعتسف الصحراء والأكَما
أي تزلق الخيل فيه أولادها، ويروى: ذات أظفار - أي ذات سلاح. مُلملمة مجتمعة.
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وخيل تعلِك اللجما
صيام قيام ليست في قتال، وأخرى تعلك اللجما قد هيِّئت للقتال. وقال يصف جيشا:
مطَوتَ به حتى تصون جياده ... ويرفضّ من أعلاقه كل مِرفد
تصون جياده يتوجيّن، مطوت به أي مددت به، ويربض ينقطع ويتفرق، والأعلاق ما علق أي تبلى المعاليق فتقع الأقداح والمشارب. وقال يصف جيشا:
يقودهم النعمان منه بمحصف ... وكيد يغُم الخارجيَّ مناجِد
بمحصف برأي محصف وعقل محكم، والخارجي الذي يَشرُف ولم يكن لآبائه شرف ولا قديم، والكيد المكر، والمناجد شديد من النجدة. وقال يصف نساء سبين:
يخّططن بالعِيد أن في كل مقعد ... ويخبأن رمان الثَّدِىّ النواهِد
يخططن بالعيدان في الأرض من الهم - والمهموم يولع بذلك وبلقط الحصى. وقد مر لهذا أشباه. وقال يصف جيشا
لا تزجروا مكفهرا لا كفاء له ... كالليل يخلط أصراما بأصرام
لا كفاء له لا مثل له. والمكفهر المتراكب أي جيش كثير الأهل شبهه بالسحاب المكفهر. وقوله: لا تزجروا يريد أنكم لا تدفعونه بالزجر عن أنفسكم، يخلط أصراما بأصرام أي جماعات بجماعات الواحد صِرم، يقول: إذا فزع الناس وخشوا العدو اجتمع الأصرام وهم القطع من الناس إلى الحي الأعظم ليعتزّوا بهم كما قال مالك ابن حريم:
فأدن رباطَ الجَون مني فإنه ... دنا الحِل واحتل الجميع الزعانف
كانوا في الأشهر الحرم فقرب دخول الحل فقال أدن فرسي فقد صارت الزعانف وهي البيوت المتفرقة إلى البيت الأعظم وهو الجميع، والزعانف الزوائد واحدتها زِعِنفة. وقال النابغة:

تبدو وكواكبه والشمس طالعة ... لا النورُ نور ولا الإظلامُ إظلامُ
في هذا البيت إكفاء وكذا أنشد، يريد أن اليوم من ظلمته تبدو كواكبه، يقال للرجل لأرينّك الكواكب بالنهار. ومنه قول طرفة:
إن تنوّله فقد تمنعه ... وتريه النجمَ يجري بالظُهُير
يريد هذا اليوم ليس بشديد النور كالنهار ولا بشديد الظلمة كالليل، ويقال: بل أراد ولا كنوره نور أن ظَفر ولا كظلمته ظلمة إن ظُفِر به - يعني الرئيس. وقال النابغة، يصف جيشا كثيرا:
لم يُحرَموا حسنَ الغذاءِ وأمهم ... طفحَتْ عليكَ بناتقٍ مذكارِ
ويروى: دحقت، وطفحت اتسعت أي غُذُوا غذاء حسنا. فنموا وكثروا، الناتق الكثيرة الولد أخذ من نتق السقاء وهو نفضه حتى يخرج ما فيه، مِذكار تلد الذكور، وقوله: دحقت عليك - أي هي نفسها ناتق، كما قال الأعشى:
مرِحت حرةً كقنطرةِ الرو ... مي تفري الهجير بالإرقال
أي هي نفسها. وكما قال الأخطل:
بنزوةِ لصٍ بعد مامرّ مصعب ... بأشعثٍ لا يفليَ ولا هو يقمَلُ
وقول آخر:
إذا قيلَ ماماءُ الفراتِ وبردهِ ... تعرض لي منها أغنّ غَضوب
وقال النابغة يصف جيشا:
ما حاولتُما بجماعِ جيشٍ ... يصون الوَردَ فيه والكميتَ
يصون يتوجى، وخَص الورد والكميت لأنهما فيما يقال أصلب الدوابّ حوافر. وقال النابغة:
فلتأتينك قصائد وليدفَعنَ ... ألف إليك قوادم الأكوارِ
أي ليدفعن جيش قدره ألف إليك أي يغزونك، والأكوار الرحال. وقال يصف نساء سبين:
خَرز الجزيز من الخدام خوارج ... من فرج كل وصيلة وإزار
الجزيز تعمل من هنات من صوف تعلقهن الجواري، والوصيلة ثوب أحمر وجمعه وصائل يجاء بها من اليمن. وقال عنترة يصف امرأة هاربة:
فقلتُ لها اقصُري منه وسيري، وقد قرعَ الجزائز بالخِدام
وفسر الجزيزة شيء يجعل من صوف أحمر موضع الخلخال أراه تصنع للعين.
شمس موانع كل ليلةٍ حرة ... يُخلفنَ ظن الفاحشِ المغيارِ
شمس عفيفات فيهن نفار وأزواجهن غيب، وقوله: ليلة حرة - إذا غَلبت المرأة ليلة هدائها قيل وأزواجهن غيب، وقوله: ليلة حرة - إذا غَلبت المرأة ليلة هدائها قيل باتت بليلة حرة وإذا غلبها الزوج، باتت بليلة شيباء، قال الأصمعي: موانع كل ليلة شيباء لأن ليلة الشيباء التي يَغلب فيها الزوج المرأة ولكنه عرف ما أراد أنهن يمنعن الليلة التي يقال فيها: باتت بليلة حرة، وقوله يخلفن ظن الفاحش المغيار، يقول إذا أساء بهن الظن أخلفن ظنه لعفتهن.
فنكحنَ أبكاراً وهن بآمةٍ ... أعجلنهن مظنةَ الاعذار
الآمة العيب، أراد نكحن ولم يختتن بعد. أعجلنهن أي الخيلَ سبتهن قبل أن يبلغن وقت الختان وهو الإعذار. وقال:
لا أعرفنّك معرضاً لرما حِنا ... في جُفٍ تغلب واردي الأمرار
الجف الجماعة من الناس وهو في غير هذا شيء ينقر من جذوع النخل، معرضا أي ممكنا من عرضك يقال أعرض لك الشيء إذا أمكنك من عرضه، ويروي " في جف ثعلب " يريد ثعلبة بن سعد والأمراء ماء. وقال:
قرما قضاعة حلا حول قبتِه ... مدّا عليه بسُلاّفٍ وأنفارِ
حلا حول حجرة النعمان، مدا عليه يعني مقدمة الخيل، أنفار قوم متقدمون من النفر.
لا يخفُضُ الرِزّ عن حي ألَّم بهم ... ولا يضّلُ على مصباحِه الساري
يقول إذا أراد أن يأتي أرضا يغير عليها لم يسّر ذلك ولم يخفض الصوت ولكنه يعلنه وناره مضيئة فالساري لا يضل. الأعشى:
لاينتهونَ ولاينهي ذوي شططٍ ... كالطعن يذهبُ فيه الزيت والفُتل
حتى يصيرُ عميدَ الحي متكئاً ... يدفع باالراحِ عنه نسوة عُجل
عميد الحي سيدهم، متكئا أي مصروعا، تدفع النساء عنه بالراح لأنه قد قتل الرجال فلم يبق أحد يدفع إلا النساء، عجل جع عجول وهي الثكلى. وقال أيضا:
واعددَت للحرب أوزارَها ... رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا
إلا بدّ من غزوةَ في المصي ... ف رهب تفلّ الوقاح الشكورا

الأوزار السلاج، والرهب من النوق التي لا تقوم هزالا فصير لغزوة رهبا، أي يصيب الناس فيها الضر، الوقاح الفرس الشديد، الشكور الذي يبس عليه العلف.
وقال يصف قوما في حرب:
لا يقيهم حدُ السلاح ولانأ ... لم جرحاً ولا نبالي السهاما
ساعة أكَبر النهار كما ش ... لّ محيل لبونه إعتاما
يقول كان ذلك أكبر النهار أي ثبوتنا لهم، والمحيل الذي حالت إبله فلم تحمل تلك السنة.
وقال لقيس بن مسعود الشيباني:
أطورين في عامِ غزاةٍ ورحلةٍ ... ألا ليتَ قيساً غرّقته القوابلُ
أي تغزو الملك ثم ترتحل إليه في عام واحد؟ يعنفه بذلك ويضعف رأيه، أي غرفته في ماء السلي فلم تخرجه منه.
أمن جبل الأمرارِ صُرَّتْ خيامكمعلى نبإ أنّ الأشافيّ ساثلُ
فهان عليه أن تجفّ وطابها إذا حنيت فيما لديه الزواجلُ
كان قيس بن مسعود وفد على كسرى فأطعمه الأبلّة فلما حضر قتال العرب العجم سار قيس إلى بكر بن وائل سرا فأشار عليهم برأيه فلما هزمت الأعاجم وبلغ كسرى مسير إليهم ومشورته عليِهم فبعث إليه أن ائتني فتجهز ليأتيه، فاجتمعت رجال من بكر بن وائل فنهوه وقالوا: إنما بعث إليك لما بلغه عنك، فقال: كلاّما بلغه ذلك، فأتاه فحسبه في قصر له بالأنبار حتى هلك وفي ذلك القصر حبس النعمان بن المنذر حتى هلك. ويقال نجا قيس. فقال الأعشي احتملتَ من حبل الأمرار فصرّت خيامك وقبابك على علم منك بأن الأشافي وهو واد سائل بك. أي تهلك، ومنه يقال سال به السيل إذا هلك وقوله - فهان عليه - أي على كسرى، إن تجف أي تيبس من اللبن، ويروي: تجف وطابكم، أسقيتكم أسقية اللبن، والزواجل جع زاجل وهو العود الذي يكون في طرف الحبل الذي يشد به الحمْل وهو على هيئة الحلقة. يقول هان على كسرى أن يقتلكم ويأخذ إبلكم فتجف وطابكم إذا حطت أحمالكم إليه. وقال:
يشّد على الحربِ ليّ العصاب ... ويغشي المهجهجُ حتى ينيبا
هذا مثل، إذا منعت الناقة الدر عصبوا فخذيها عصبا شديدا فقرت ودرت. يقول: إذا امتنع علينا أصحاب الحرب فعلنا بهم مثل ما يفعل، بهذه الناقة حتى يذعنوا كما تذعن هذه، والمهجهج الزاجر يقال هجهجت بالسبع إذا زجرته، حتى ينيبا - أي حتى يرجع. وقال:
أما التلاءُ فلا تِلا ... ء ولا أودّ ولا خفَاره
إلا بُداهة أو علا ... لةُ سابحٍ نهد الجزارَه
التلاء الأمان، والأود جع ود، ولا خفارة أي ولا جوار، والبداهة المفاجأة، والعلالة البقية، سابح فرس يسبح بيديه، نهد الجزارة أي ضخم القوائم، يريد ليس عندنا إلا الحرب. وقال:
ولكن شَببت الحرب أدنى صلاتها ... إذا حركّوه حَشّها غير مُبردِ
أدنى صلاتها أي كنتَ أقربهم منها، وقوله:
ألى وألى كل فلست بظالمٍ ... وطئتَهم وطءَ البعيرِ المقيدِ
المقيد أثقل وطأ لأنه يطأ بيديه جميعا. وقال:
ولمثل الذي جمعت لرَيب ال ... دهر تأبى حكومة المقتال
يقول مثل الذي جمعت من العدة والسلاح تأبى أن يحتكم عليك متحكم، والمقتال المتحكم يقال " اقتَل عليّ ما شئت " .
كل عام يقود خيلا إلى خي ... ل شيار غداة غب الصقالِ
تُذهل الشيخَ عن بنيه وتلوي ... بلبونِ المِعزابةَ المِعزالِ
أبو عبيدة: أي يسلي الوالد عن ولده كما يقال: تركتهم في أمر لا يناديَ وليده - أي أمر يذهل الوالد عن ولده فلا يناديه، وهذا مثل في الخير والشر، يلوي يذهب، والمعزابة الذي يعزب في إبله لا يؤوب إلى أهله يقال معزاب ومعزابة كما يقال مجذام ومجذامة، والمعزال الذي لا يخالط الناس وهو فرد أبدا، واللبونة ما كان بها لبن وهن جمع وكذلك الواحد، يقال ليس لهم لبونة، ومثله الحلوبة والحمولة، الأصمعي: اللبون ما حلب، الفراء: تدخل الهاء في نعت المذكر على وجهين على المدح والمبالغة يذهبون به إلى الداهية وعلى الذم يذهبون به إلى البهيمة.
هو دان الرِباب اذكر هو الدينَ ... دراكا بغزوةٍ فارتحالِ
الدين الطاعة ودان ملك والديّان منه ودان جزي ومنه مالك يوم الدين أي المجازاة، والدين في غير هذا الدأب كما قال المثقب العبدي.
تقولُ إذا رأت لها وضيني ... أهذا دينة أبداً وديني

ثم أسقاهم على نَفدِ العي ... شِ فأروى ذَنوبَ رِفد مُحالِ،
ذنوب رفد أي مثل ي قدح القرى، محال مصبوب، يقال أحلْت الدلو في البير أي صببتها، هذا مثل ضربه للموت.
دانَتْ بعد الرِبالب وكانتْ ... كعذاب عقوبة الأقوالِ
دانت أطاعت، والأقوال الملوك وهم الأقيال واحدهم قَيل ومن ضعهم الأقوال ذهب إلى مِقوال.
ثم واصلتْ صِرة بربيع ... حينَ صرّفت حالة عن حالِ
صرة شتوة من الصِر وهو البرد، أي وصلتها بربيع من طول غزوك، وقوله حالة عن حال أي حالا بعد حال وعن بمعنى بَعد، روى أبو عمرو: ضّرة بربيع، أي كنت لقوم ربيعا ولآخرين عذابا، يقال معناه أسرتهم ثم أنعمت عليهم.
وشريكَن في كثير من الما ... ل وكانا محالفَي إقلال
قسما التالدَ الطريف من الما ... لِ فآبا كلاهما دون مال
يعني رجلين من عنده غنما، كان هذا المال تالدا عند أربابه وهو طريف عندهما. ومثله قوله يصف إبلا أخذت في غنيمة
تدّرعلى غيرِ أسمائها ... مطرّفةً بعد إتلادِها
وقال زيد الخيل:
تلاقَينْا فما صبنا سواءً ... ولكن خرّ عن حالٍ فحالِ
يقول ما وقعنا سواء لكن طعنته فسقط عن حال فحال، الأولى لقاؤها والثانية صرعه.
تذكر وطبه لما رآني ... أقلّب الّةً مثلَ الهِلالِ
الألّة الحربة والوطب اللبن، يريد أثر اللبن، وتذكَر الخفض والدعة.
وقد بلغتْ سواءة كل مجدٍ ... بأنفسها إذا سمنتْ فصالي
يقول يكثر البقل ويكثر اللبن فتسمن الفصال فيقول إذا نبت البقل فقد بلغوا الغاية في العداوة ولم يكن بعد ذلك إلا القتال، مثله للحارث بن دوس:
قوتم إذا نبتَ الربيع لهم ... نبتتْ عداوتُهم مع البقلِ
وقال زيد الخيل:
إذا أخفر وكم مرةَ كان ذاكم ... جياداَ على فُرسانهن العمائم
وصف قوما كانوا جيرانا لقوم فقال إن ترككم هؤلاء وأخفروا ذمتكم غزاكم الناس وأغاروا عليكم لأنكم إنما تعزون بهم، يقال أخفرت ذمة فلان أي غدرت به، وحفرته أي صرت له خفيرا. وقال أزيد الخيل:
وآل عروةٍ في قَتلاكم ... عَلما تنفى الثعالبَ عنهم رَكضَة الساق
يقول هم قتلى قد وقعت عليهم الثعالب تأكل منهم فإذا حركت على الخيل تنحت عنهم. وقال العوّام بن شوذب في بساط بن قيس يصفه بالجبن وفر يوم العظالي:
ولو أنهاعصفورةٌ لحسبتها ... مسوَّعةً تدعو عبيداً وأزنما
أي لو أن عصفورة طارت لحسبتُها من جبنك خيلا معلمة، تدعو عبيدا وأزنما أي شعارهم: يال عبيد أزنم، ونحو منه قول الله عز " يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم ). وقال أبو خراش:
وأحسب عرفط الزوراءِ يؤدي ... علّى بوشكِ رجع واستِلال
عرفط شجر له شوك، أي كلما طلعت عرفطة خشيت من الفزع أن تعين علي، وشك رجع أي برد يد إلى كناية وسلّ سيف، يؤدي يعين، يقال أدى وأعدى على فلان سواء أي أعان وقوى عليه. وقال العباس بن مرداس:
فلو ماتَ منهم من قتلنا ... لأصبحت ضباع بأكنافِ الأراكِ عرائسا
يقال إن الضبع إذا وجدت قتيلا استعملت ذكره، وأنشد لتأبط شراً:
تضحك الضبع لقتلى هذيلٍ ... وترى الذئب لها يستهلُ
وقول عمرو بن معدي كرب:
أعباس لو كانت شياراً جيادنا بتثليتٍ ما ... ناصيت بعدي الأحامسا
ولكنها قيِّدتْ بصعدةٍ مرة فأصبحن ما يمشينَ إلا تكاوسا
الشيار السمان الحسنة المنظر، يقول لو لقيناك وخيلنا جامّة لقتلت والأحامس الأشداء، ولكنا لقينا وهي كليلة قد أتعبت بصعدة وهي قرية بَخيوان، وتكاوس - أي على ثلاث، ومنه قيل للذي عُرقب هو يكوس - أي على ثلاث قال أنس بن مدرك الخثعمي وقتل سليكا.
إني وقتلى سليكا ثم أعقلَه ... كالثورِ يُضرب لما عافَتْ البقر

كان سليك مر ببيت من خثعم أهله خلوف فوطىء امرأة منهم فبادرت إلى الماء فأخبرت القوم فركب أنس الخثعمي في أثره فقتله فأخذ بعقله فقال ولله لا اديه ابن إفال - وقال شعرا فيه هذا البيت - يريد إن قتلى إياه كان باستحقاق منه لذلك فكيف أعقله؟ أي فمطالبتكم إياي بالعقل ظلم كما ظلم الثور فضرب إذ عافت البقر الماء، ومثله للأعشى:
فإني وما كلفتموني خهدتم ... ليعلم من أمسى أعّق وأحوبا
لكاثور والجني يضربُ ظهرَه ... وما ذنبة أن عافتِ الماءُ مشربا
وما ذنبُه أن عافَتْ الماء باقر ... وما إن تعالف الماء إلا لتضربا
الجنى الراعي وكانوا إذا أرادوا أن تورد البقر الماء فعافته قدموا فضربوه فورد، فإذا فعلوا ذلك وردت البقر، يقول فأنتم قد ألزمتموني ما لا ذنب لي فيه. أبو عبيدة: لم يكن هذا قط وإنما ضرب هذا مثلا لما ألزم ذنب غيره. ومثله بيت النابغة:
حملت علّى ذنبِه وتركتهُ ... كذي العرّ كوى غيره وهو راتع
كانت العرب إذا وقع العر في إبلهم - وهو قرح يخرج في مشافِرها - اعترضوا بعيرا لم يقع ذلك فيه فيكوى مشفره ويرون أنهم إذا فعلوا ذلك العر من أبلهم، وقال أبو عبيدة: هذا مثل أيضا ولم يكن قط وإنما هذا كقولهم: كلفتني الأبلق العقوق. والذكر لا يكون حاملا أبدا.
وقال عمرو بن معدى كرب يصف جيشا:
جوافلٌ حتى ظلَّ جُند كأنه ... من النقعِ شيخ عاصب بخماِ
جند جبل، شبّه هذا الجبل لما علاه الغبار الذي أثارته الخيل بشيخ معتّم.
وقال أبو النجم يصف جيشا:
وذو دخيسٍ أيد الصواهل ... مِن طبَقٍ طّمٍ ومن رَعابل
أدنى من المرسل والرسائل.
ذو دخيس يريد جيشا ذا عدد، طبق جمع كثير، طم كثير، رعابل كتائب متفرقون لأنهم لا يقدرون أن يسيروا في موضع، أراد حتى يكونوا أقرب منا من أن يبعث إليهم، وقوله:
بجَحفل يأتاب ثم يسرى
يأتاب يفتعل من الأوب، أي يسير ليلا ويطرق العدو ليلا ثم يسري أي يعود أيضا.
وقال الأعشى:
وفَيلقٌ شَهباء ملموسة ... تعصف بالدارعِ والحاسرِ
تعصف به تهلكه. وقال بشر بن أبي خازم خازم يصف مقتولا
تظلُ مقاليت النساء يطأنه ... يقلن ألا يُلقى على المرء مِئزر
يقولون إن المقلات - وهي التي لا يعيش لها ولد - إذا توطأت رجلا كريما قتل غدرا عاش ولدها. وهذا مثل قول الكميت في الحسين عليه السلام.
وتطيل المزرءاتُ المقالي ... ت عليه القعود بعد القيامِ
وقال يذكر قوما:
وكانوا كذاتِ القدرِ لم تدراذغلت ... أتنزلها مذمومةَ أم تذيبها
أبو عبيدة: تذيبها تنهبها، يقال أذاب علينا بنو فلان إذابة شديدة إذا أغاروا عليهم فأخذوا أموالهم. غيره: أراد كانوا كسالئة ارتجنت عليها زبدتها فإن أذابتها لم تفلح وإن أنزلتها فكذلك، يريد اختلط أمرهم كهذه السالئة، والارتجان أن تعلو الزبدة حتى تصير في أعلى القدر وإذا علت فإنها تتقطع وتفسد فلا تدِري صاحبتها ما تصنع أتنزلها وهي يذم أمرها أم اديم الوقود عليها لتذوب فتحترق، يقول فهؤلاء لا يدرون إذ رأونا ما يصنعون أيرجعون فنتبعهم فنقتلهم أم يتقدمون فنستأصلهم. ابن الأعرايي: هذه أمرأة كانت تسلأ سمنا فرأت ركبا فكرهت أن تطعمه من القدر وكرهت أن تنزلها مذمومة لم تحكمها ولم تصلحها. وقال يذكر الخيل:
جعلن قشيراًغاية تقتدي بها ... كما مدَّ أشطانَ الدلاءِ قليبها
يقول جعلت الخيل قشيرا غاية لها دون غيرها فهي تمد إليها السير كما تمد أنت الدلو لتخرجها وإنمآ كانت الدلو تمد في البئر صارت البئر تمد الدلو، ونحو من هذا قول أبي زبيدة.
ناط أمرالضعاف فاجتعل اللي ... ل كحبل العاديّة الممدود
يريد أنه سار الليل كله لم يعرّج ولم يعدل كحبل البئر الممدود. وقال بشر:
كنا إذا نعروا لحربٍ نعثر ... نشفى صداعهُم برأسٍ مِصدَمٍ
نعروا صاحوا وهو النعير والنعار، نشفى صداعهم أي إذا أتوا بوجع في روؤسهم نَذهَب بذلك الذي هاجوا له، وهذا مثل، والرأس الحي الذي لا يحتاج إلى أن يعينه أحد ولا يمده، يقال هذا الحي رأس من الأحياء ويقال الرأس الرئيس، والمصدم الذي يصدِم ما أصاب من شيء.

وقال:
ورأو أعقابهم المدِلّة أصبحْ ... نُبذتْ بأغلب ذي مخالبٍ جهضم
أي رميت بحي مثل الأسد الأغلب وهو الغليظ العنق، والمدلة التي تدلّ بقوة، والعقاب الراية ويقال هي الحرب هاهنا ضرَبها مثلا لها، الجهضم المنتفج الجنبين، ويروي: بأفصح ذي مخالب، يريد بأصبح، والصُبحة بياض تعلوه حمرة.
وبني نميرٍ قد لقينا منهم جيلا ًتضب لثاتها للمغبمِ
تضب تدمى من الحرص وهذا مثل للعرب، يقال جاءنا يدمي فوه من الحرص، إذا اشتد حرصه، تضب تقطر وتبِضّ. مثله لعنترة:
أبينا أن تضِب لثاتهم ... على مرشقاتٍ كالظباء عواطيا
مرشقات نساء ينظرن، والعواطي من الظباء التي تعطو الشجر أي تتناوله.
ولقد خبطْنَ بني كلابٍ خَبطةً ... ألصقنهم بدعائمِ المتخيَّمِ
خبطن دُسن بقوائمهن، يريد الخيل هزمن هؤلاء حتى ألزمنهم بخشب البيوت، والمتخيَّم الموضع الذي خيموا به أي أقاموا وضربوا خيامهم.
وصقلن كعباً قبل ذلك صلقةً ... بقنا تعاوره إلا كفّ مُقوّم
يقول أوقعن بهم وقعة سمعت لها صوتا، والصلق الضرب أيضا الأول قول لبيد:
فصلْقنا في مرادٍ صَلقة ... وصداء ألحقتهم بالثَللِ
ومن الضرب قول ابن أحمر:
كأن وقعته في لوحٍ مرفقها ... صلق الصفا بأديم وقعة تير
وقال أبعثر بن أبي خازم:
وشبّ لطيء الجبليْنِ حرب ... تهرّ لشَجوِها منه صحار
تهرّ تكره، لشجوها ما يشجوها منه أي يحزنها، وصحار مدينة عمان، المعنى إنا أوقعنا بطيىء وقعة كرهتها صحار لما دخل عليها من الفزع.
وصوّب قومِه عمرو بن عمرو ... كجادعٍ أنفه وبه انتصار
ابن الأعرابي: صوب قومه أي انحدر بهم إلى بني تميم وكان ذلك عليه كجدع أنفه ولو شاء أن ينتصر لانتصر.
فحاطونا القَصاء وقد رأونا ... قريبا حيث يُستَمع السرار
حاطونا القصاء هربوا منا، يقال لتحوطنّي القصا أولأقتلنك قال ذلك ابن الأعرابي، وقال هذا مثل الأخفش: حطني القصا - تباعد عني وكن حيث أسمع كلامك. غيره: أحاطهم بقصاهم - وحاطهم قصاهم - معناه كان فيهم في قاصيتهم.
يسومونا الصيلاحَ بذاتِ كهفٍ ... وما فيها لهمْ سلَع وقارُ
الصلاح مصدر صالحته أي يريدون الصلح، وما فيها - أي الذي لهم بهذا المكان سلع وقار وهما شجران مران، يقول والذي لهم في ذات كهف لثر، يقول تركوا موضع الكلأ من أجلنا وخوفنا وتنحوا عنا إلى أرض سوء مرتعها السلع والقار. وروى عن ألب عمر والشيباني: هذا أقير من هذا - أي أمر من هذا. وهو هذا النبت.
وأنزل يخوفنا سعداَ بأرضٍ ... هنالك إذ تُجز ولا تُجاز
يقول أنزلهم خوفنا بأرض لا يخرجون منها، وقد كانت تجير ولا ر فصارت إلى هذه الحال.
وقد ضمزت بَحرتها سليم ... نحافتنا كما ضمزَ الحمارُ
يقال للبعير إذا أمسك عن جرته قد ضمز فضربه مثلا لهم لهم فضربه مثلا لهم أي أنهم قد أذعنوا وأمسكوا من مخافتنا.
ولم نهلكْ لمرّة إذ رأونا ... فساروا سيرَ هاربة فغاروا
لم نهلك أي لم نستوحش، وهاربة بن ذبيان تحولوا إلى الشأم عن قومهم، الأخفش: كان بين هاربة وقومهم حرب فرحلوا من غطفان فنزلوا في بني ثعلبة بن سعد.
وقال لقوم يحذّرهم الحرب:
ويلتفُ جذماناً ولا حق بيننا ... وبينُكم إلا الصريخ المهذَّب
الجذَم الأصل، يقول نلتقي وأنتم فلا يكون بيننا وبينكم من الحق الجلاد بالسيوف، والصريح الخالص من كل شيء، ومن روى: لا حي بيننا - فإنه يريد لا يدخل بيننا وبينكم أحد من غيرنا.
سينصُرهم قوم غضاب عليكم ... متى تدعهم يوماً إلى الروعِ يركبوا
أشارَ بهم لمعُ الأصم فأقبلوا ... عرانببنَ لا يأتيه للنصر محلب

أي كما تلمع للأصم بإصبعك أي كما تشير بها، يقول: أكثر في ذلك وردده ليشد عليهم، والمحلب المعين من غير قبيلتك، يقول لا يأتيك أحد سوى قومه وبني عمه يكفونه، والعرانين الرؤساء يقول أثار إليهم فأقبلوا مسرعين، ثم ابتدأ فقال: لا يأتيه محلبَ أي معين من غير قبيلتك، يقول لا يأتيك أحد سوى قومه وبني عمه يكفونه، والعرانين الرؤساء يقول أشار إليهم فأقبلوا مسرعين، ثم ابتدأ فقال: لا يأتيه محلب - أي معين من غير قومه: وقوله:
وراكبٌ ... حثيث بأسبابِ المنيةِ يضربُ
الراكب راكب البعير جاء بأسباب المنية يضرب بها أي يعول بها مثل قوله: دونكم السلاح، اخرجوا إلى عدوكم، يقال: هل وقعت إليكم ضربة خبر، وما ضُربت لي منه ضربة خبر، ابن الأعرابي: يضرب يحث بعيره وما ركبه، يقال جاء يضرب إذا كان مستعجلا.
وقال طفيل وذكر خيلاً:
ولكن يجابَ المستغيث وخيلهم ... عليها كماة بالمنيّةِ تضربُ
أي تسرع، وقال المسيب:
فإن الذي كنتم تحذرونَ ... أتتنا عيون به تضربُ عيون قوم يبعث بهم يتجسسون.
فلو صادموا الرأس المللففَّ حاجباً ... للاقى كما لاقى الحمارُ وجُندب
هذان رجلان، والرأس الرئيس، والملفف يريد أن القوم لفّوا أمرهم وأسندوه إليه، والمعمم من الرجال كذلك، يقال عممه القوم أمرهم مثل العمامة يتعمم بها، وحاجب هو ابن زرارة التميمي. ابن الأعرابي: الملفف المتوج. وقال يصف قوماً:
وما يندوهم النادي ولكنَّ ... بكلِ محلةٍ منهم فئامُ
أي ما يسعهم المجلس من كثرتهم فيتفرقون.
وما تسعى رجالهم ولكن ... فضولَ الخيلِ ملجمة صيامُ
أي لا يسعون في دية يطلبونها ولكن خيولهم تكفيهم ذلك يقول يركبون فيد ركون بالثأر، وفضول الخيل يريد أن لهم خيلا معدة سوى التي يركبونها، ابن الأعرابي: أراد لا يمشون على أرجلهم ولكن يركبون. وقال:
فأما تميم تميم بن مر ... فألفاهم القومُ رَوبيَ نياما
أبو عبيدة: روبى خثراء الأنفس مختلطين، وروى مثل ذلك عن الأخفش وقال غيره: هم سكاري من اللبن، وليس هذا بشيء، ابن الأعرابي: روبى لم يحكموا أمرهم.
وأما بنو عامرٍ بالنسارِ ... فكانوا غداةً لقونا نَعاما
شبههم بالنعام حين هربوا مسرعين.
نعانا بخطمةٍ صرا لخدو ... دٍ لاتطعم الماءَ إلا صياما
صياما قياما. وقال يصف جيشاً:
سمونا بالنسارِ بذي دروءٍ ... على أركانِه شذَب مَنيغ
إذا ما قلتُ أقصر أو تناهي ... به الأصواء لجّ به الطلوعُ
بذي دروء أي بجيش ذي فوائد والدرء الاعوجاج، أركانه جوانبه، شذب ما تفرق من النبت وهو هاهنا السلاح جعله شذبا لأنه متفرق فيهم وعليهم، إذا ما قلت أقصر أراد أنه كثير فكِلما ظننت أنه قد انقطع وتناهى به الأصواء وهي الأعلام ارتفع منه شيء آخر وطلع، يقال طلع طلوعا إذا ارتفع في الجبل. وقال بشر بن أبي خازم:
سائل نميرا غداة النعفِ من شطَبٍ ... إذ فُضّت الخيلُ من ثهلانٍ ما ازدَهفوا
فضت الخيل فيهم أي فرقت للقتال، وما ازدهفوا ما غنموا واحتملوا.
لما رأيتُم رماحَ القومِ حِطَّ بكم ... إلى مرابطها المقورّة الخُنفِ
إلى مرابطها أي انهزمتم: والمقورة الضوامر، والخنف اللينة الأرساغ.
إذ تتّقي ببني بدرٍ وأردفَهم ... فوقَ العمايةِ منا عاند يكِف
المعنى إنك تتقي ببني بدر وجمعتهم جيشا فأردفناهم بجيش طمَّ عليهم، والعماية السحابة، شبه الجيش بها، والعاند الدم يعند عن مجراه يريد الطعنة.
تبكي لهم أعين من شجوٍ غيرهم ... وإن يكنْ منهم باكٍ فقد لهفوا
تبكي لهم أعين رحمة وحزنا عليهم ويبكي لهم من ليس منهم ولا من حيهم. وقال زهر يصف حربا وقوما:
على ما خيّلتْ هم إزاءها ... وإن أفسدَ المال الجماعاث وإلأزل

يقول تجد هؤلاء القوم إزاء الحرب أي مدبّروها - من قولك: هو إزاء مال أي يقوم به، على ما خيلت أي على ما شبهت، الأصمعي: إن حبس الناس أموالهم لا تسرح وجدتهم ينحرون وإن اشتد أمر حتى بلغ الضيق وجدتهم يسوسون. وإن كان بالمال عزة أفنته الجماعات الذين ينتابونها، والأزل الجدب. وقال يصف بلدة.
وهم ضربوا عن فرجها بكتيبةٍ ... كبيضاءِ حرسٍ في طوائفها الرجْلُ
الفرج موضع المخافة مثل الثغر أي ذبوا عن ثغرها بكتيبة كبيضاء حرس وهي صفاة بيضاء في جبل يقال له حرس، أراد أنها تلوح الصفاة، ورجل جمع راجل. وقال:
كانوا فريقين ينضون الزِجاج على ... قعس الكواهل في أكتافها شمم
ينضون الزجاج أي يسقطونها من كثرة ما يجرونها على الأرض.
ينزعن إمّة أقوام لذي كرم ... مما تيسَّر أحيانا له الطعم
أي يسلبن أقواما نعمتهم لهذا الرئيس، مما تيسر أي ئهيأ، والطعم المأكل تيسر له من الغزو. وقال يصف خيلا:
فأتبعهم فَيلقا كالسرا ... ب جأواء تتبع شئخبا ثَعولا
الفيلق الكتيبة، كالسراب من بريق الحديد، جأواء في لونها والجؤوة لون الحديد، الأصمعي الجؤوة السواد تعلوه حمرة، والشخب ما خرج من الضرع من اللبن، والثعول الكثير، وإنما يريد الخيل يتبع بعضها بعضا من كثرتها مثل هذا اللبن الذي يدر بعضه على أثر بعض ويتتابع، وأصل الثعول في الشاء يقال: شاة ثعلاء إذا كان لها ظبي زائد، ورجل أثعل إذا كانت له سن زائدة. وقال يصف رجلا:
فما مخدر ورد عليه مهابة ... يصيدْ الرجال كل يوم ينازل
وشهك منه أن ينازل قوزه ... إذا شال عن خفض العوالي السوافل
يريد غذا حدروا رماحهم، للطعن فارتفعت الأسافل من خلف وانخفضت العوالي من قدام. ومثله.
إذا وردت ماء علتها زِجاجها ... وتعلو أعاليها إذا الروع أنجما
يقول إذا ما وردوا ماء قاتلوا فخفضوا أسنتهم للطعن فعلت زجاج من خلف فإذا أنجم الروع أي ذهب علت الأعالي وانخفضت الأسافل، وقال الحارث بن حلزة اليشكري:
هل علمتم أيام ينتهب النا ... س غوارا لكل حي عواء
كانت العرب من نزار يملكهم ملوك فارس، وغسان تملكهم الروم، فلما غلب كسرى على بعض ما في يديه وكان بنو حنيفة الذين غلبوه ضعف أمر كسرى فغزا بعض العرب بعضا.
إذا رفعنا الجمال من سعف البح ... رين سيرا حتى نهاها الحساء
يخبر عن مغارهم يقول أغرنا على من لقينا من الناس حتى انتهينا إلى سعف البحرين ثم مضينا نغير حتى بلغنا حسى البحر فلم يكن وراءَه مغار.
ثم مْلنا على تميم فأحرن ... نا وفينا بناتُ قومٍ إماءُ
ويروى: بنات مر، وهو أبو تميم، يقول لما صرنا في بلاد تميم دخلنا في الأشهر الحرم فكففنا وفينا بناتَ قوم إماء أي سبين.
لا يقيمُ العزيز بالبلدِ السه ... ل ولا ينفغ الذليلَ النجاءُ
يقوم لم يكن العزيز يقيم بالسهل لخوف الغارات فكيف الذليل ولا ينفع الذليل الهرب لأنه يلحق. وقال وذكر عمرو بن هند حين أراد الغزو:
فتأوتْ له قراضبةٌ من ... كلِ حيٍ كأنها اللقاءُ
تأوت اجتمعت للغزو ومعه، قراضبة الواحد قرضاب وهو الصعلوك، الألقاء واحدهم لَقّى وهو الشيء المطروح، واللقي من الرجال الخامل الذكر الذي لا يعرف لأن ذكره مطروح.
فهداهم بالأسودْين وأمراد ال ... له بلْغ يشقَى به الأشقياءُ
الأسودان التمر والَماء، وبلغ بالغ.
لم يغرّوكم غروراً ولكن ... رفع الآل حزهم والصحاءُ
يقول لم يأتوكم مستترين ولم يخاتلوكم ولكن القوم ظهروا لكم وأتوكم جهارا. وقال يذكر ثلاثة خلال موجبة له الحظوة عند عمرو:
آية شارقٍ الشقيقةِ إذ حا ... جاؤا جميعا لكل حي لِواءُ
شارق الشقيقة أي من جاء منها من قبل المشرق والشقيقة من بني شيبان، آية واحد الآى. وهذه واحدة عدها.
حول قيسٍ مستلئمينَ بكبشٍ ... قَرظىّ كأنّه عَبلاءُ

قيس بن معدى كرب وهو أبو الأشعث بن قيس وكانوا جاءوا يغيرون على إبل عمرو بن هند وعليهم قيس فردتهم يشكر وقتلواكم منهم، مستلثمين قد لبسوا الدروع، قرظى نسبة إلى البلاد التي تنبت القرظ وهي اليمن، وعبلاء هضبة بيضاء، أي جاءوا بكبش عظيم كأنه هضبة.
ثم حُجرا أعني ابن أم قطامٍ ... وله فارسية خضراءُ
هذه اليد الأخرى، فارسية كتيبة عليها سلاح من عمل أهل فارس، خفراء من كثرة السلاح، وكان حجر غزا أبا المنذر بن ماء السماء يجمع من كندة فخرجت إليه بكر بن وائل فردته وفلّت جموعه.
ومع الجَونِ جون آل أبي الأو ... سِ عنود كأنها دَفواءُ
الجون ملك من ملوك كندة. عنود كتيبة محكمة، دفواء منعطفة على ملكها تمنعه، والأدفي القرن المنحني على عجز الوعل. وقال سلامة بن جندل:
كنا إذا ما أتانا صارح فزِعَ ... كان الصراخَ له قرعُ الظَنابيبِ
أبو عمرو: كانوا إذا أرادوا أن ينيخوا البعير فعسر عليهم ضربوا ظنبوبه فبّرك. يقول إذا أتانا صارخ أنخنا الإبل ليحمل عليها أراد إنا نصرخه. قال الأصمعي: يقال ضرب لذلك الأمر جروته وقرع له ساقه وشد له حزيمه كل هذا إذا عزم عليه.
وشدّ كُر على وجناء ذِعلبةٍ ... وشدَّ لِبد على جرداءٍ شرحوبِ
يقال محبِسُها أدنى لمرتعِها ... ولو تعادى بَبكءٍ كل محلوبِ
يقول إذا نزلنا الثغر فحبسنا به الإبل حتى صب ونسمن ونهاب قال الناس محبس هذه الإبل على دار الحِفاظ أدنى أن تنال المرعى وإن كن قد تعادينَ أي توالين ببكء وَالبكء، يقال بكؤت الناقة، يقول: إن حبسناها في الثغر قليلا على سوء من حالها فإن ذلك أدنى لها من المرتع لأنا نستبيحها فتكون لها ترعاها، أبو عمرو: يقول هم وإن ذهب لبنها احتملوا لأنهم في حفاظ، وقيل أيضا يحبسونها ترعى قريبا منهم لتُركب إن خافوا شيئا، ولو تعادى أي أعدت هذه من عدوَى الحرب وتوالت - من قوله والبيت لامريء القيس.
فعادى عداءً بين ثورٍ ونعجتة ... دراكاً ولم بنصحْ بماءٍ فيغسلُ
حتى تُرِكنا وما يُثنَى ظعائننا ... يأخذن ب!ين سوادِ الخطِ فاللوبِ
يثنى يرد، يقول اتسع لها البلد بين الحرار والبحرين، يقول تحامانا الناس وقال عنترة:
وجئنا على عمياء ماجمعوا لنا ... بأرعنٍ لاخَلٌ ولا متكشف
قول جئنا على أمر عمى وجهالة لما جمعوا لنا، أرعن جيش كثير برعن الجبل، ولا خل أي ضعيف ضئيل، ولا متكشف. وقال:
فإن يكُ عبد الله لاقي موارساً ... يردونَ خالَ العارضِ المتوقِدِ
العارض السحاب وأراد الجيش هاهنا شبهه به، المتوقد للمع الحديد فيه، والخال من المخيلة وقيل الخال الراية. قال المفضل بن عبد القيس:
وهم رفعوا المنيةَ فاستقلَتْ ... دِراكاً بعدِ ما كانتْ تحيق
هذا مَثل، يريد أنهم رفعوا الراية وتحتها المنية، داركا متداركا، تحيق تنزل بهم - ومنه: " وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " .
فلما اسيقنوا بالصبرِ منا ... تَذُكرتْ العشائر والحديق
يقول: لما عرفوا الصبر منا انهزموا وولوا عند ذكرهم قومهم وحدائقهم. وقال وعلة الجرمي:
ولما رأيتُ الخيلَ تتْرى أثايجا ... علمتُ بأن اليومَ أحس فاجرُ
أثايج جاعات، أحمس شديد. فاجر يركب فيه الفجور ولا يبقى فيه محرم، أراد مفجور فيه. وقال عوف بن الخرع:
إذا ما اجتببنا جَبّاً مَنهل ... شببنا لحربٍ بعَلباَءٍ نارا
يقول إذا غلبنا على منهل فشربنا منه شخصنا إلى قوم آخرين. وقوله يصف خيلا:
وجللنَ دَمخا قناع العرو ... سِ أدنت على حاجبْيها الخِمارا
دمخ جبل، يربد قناعا من الغبار الذي أثارته.
وكلّ قبائِلهم أتّبعتْ ... كما أتبعَّ العرمِلحا وقارا
يقول كان في صدورهم بغي وحب للقتال فأتبعتهم وقعتنا بُرءا كما أبرأ الملح والقار الجرب. وقال سلة بن الخرشب الأنماري يوم الرقم:
إذا ما خرجتمُ عامدينَ لأرضنا ... بني عامر فاستظهروا بالمرائر
يعني أن بعض بني عامر لما خاف الإسار حين هزمت بنو عامر بحل حتى مات.
يصف امرأة:
توقع أنباء الخميس فراعَها ... توادِر خيلٍ لم يذرِّعْ بشيرها

يقال ذَرّع البشير إذا جاء رافعا ذراعيه يولول أو يبشر، يقول لم يرفع يديه لأن الظفر لو كان لهم جاء البشير بذلك، يقول فلم يرعها إلا قد هجمت عليهم. عمرو بن قميئة:
فدارت رَحانا ساعةً ورحاهمُ ... وردتْ طباقاً بَكءِ لَقحها
هذا مَثل، يقول درت الحرب كما درت اللقوح، طباقا أي بعد أن كانت لا تدر: والبكء قلة اللبن.
نبذنا إليهم دعوةً يال مالك ... لها إربة إن لم تجدْ من يريحها
مالك يربد قومه، أي هذه الدعوة حاجة إن لم تجد من يريحها أي يردها بفداء أو ما ترد بمثله. وقال ذو الرمة:
أبت إبلي أن تعرفَ الضيم ... نيبها إذا اجتيب للحربِ العوانِ السَنوّر
النيب المسانّ: يقول هذا التي كبرت وولت فلا يرغب فيها ولا تلقح أبت الضيم فكيف خيار إبلي، اجتيب لُبس، والسنور الدروع. وقال ذو الرمة:
صدَمناهم دونَ الأماني صدمةً ... عَماساً بأطوادِ طواَلِ الشواهقِ
يقول أمنوا بنا ما تمنوا فصدمناهم دون ذلك فلم يبلغوه، عماس مظلوة شديدة، بأطواد يقول بجبال من الجمع، شبه جمعهم بالجبال الطوال.
لنا ولهُم جَرسٌ كأن ؤغاتَه ... تقوِّض بالوادي رؤوس الأبارقِ
جرس صوت، وغاته ضوضاؤه: تقوِض تهدم بالوادي، رؤوس الأبارق جمع أبريق وهو جبل فيه حجارة وطين فشبه صوتهم في الحرب بصوت تقويض جبل. وقال آخر:
وأقبلَ القوُ نَعاميّةً ... فينا وفئنا بالنِهابِ الخميسِ
نعامية ضرب من المشي، وفئنا الثانية من الفيء، والخميسى المخموس أي مأخوذ منه الخمس، عن عدي بن حاتم أنه قال: ربعت في الجاهلية وخمست في الإسلام. وقول الآخر وهو عبد الله بن عنمة:
لكَ المرباعُ منها والصفايا ... وحكمكَ والنشيطةُ والفضولُ
المرباع ربع الغنيمة، والصفايا ما يصطفيه الرئيس لنفسه، والنشيطة ما أخذوه في قَفلهم، والفضول ما فضل عن القسم - هذه كانت تُجعل للرئيس في غزواتهم. قال آخر:
دعوا رحِماً فينا ولا يرقبونها ... وصدّتْ بأيديها النساء عن الدمِ
أي كانوا يناشدونهم برحم بينهم وهم لا يرعونها حين حاربوهم فظفروا بهم واستقبلت النساء الطالبين فقلن بأيديهن: كفوا حسبهم، ونحو منه قول بشر:
إذا عُلُوا قالوا أبونا وأمنا ... وليسَ لهم عالينَ أم ولا أبُ
أبو زبيد:
أصبحت حربُنا وحربُ بني الحا ... رثِ مشبوبةً بأعلى الدماءِ
شامذاً تتقي المبِسَّ عن المر ... يةِ كرهاً بالصرف ذى الطلاء
الشامذ الناقة التي ترفع ذنبها وإنما تفعل ذلك إذا لقحت، شبه الحرب بها، والمبس الحالب الذي يسَكّن الناقة إذا أراد أن يحتلبها، والمرية مسح الضرع حتى تدر، والصرف الدم الخالص، والطلاء اللبن والدم إذا اختلطا، أبو عمرو: الطلاء ما ارتفع فوق الدم واللبن إذا جمدا مثل الماء، يقول: إذا امتراها الحالبون يعني الحرب حلبت لهم دما صرفا. وقال آخر:
لأجنينَّ لعامرٍ ولمنقذٍ ... حرباً كناصيةِ الحصانِ الأشقرِ
وقال ابن أحمر:
على حالةٍ لا يعرفُ الورَد ... ربّه من الأبلق المشهورِ وسط القنابلِ
يقول صار الأبلق والورد واحدا من الدم. وقال خداش بن زهير:
ومُرقصة ترى زفيان خيلٍ ... وألهي بعلها عنها الشغولُ
وتؤنس ركض مشعلة رعال ... وقد جعلت رجازتها تميلُ
ترقص بعيرها هاربة لما رأت الخيل، والمشعلة الخيل المتفرقة في الغارة والرعال القطع، والرجازة ما عدلت به مما يلي الهودج، الطرماح يصف جيشا:
بقود سما باللوثٍ حتى أبادَه ... من العيشِ واستلهى شهودُ العواهنِ
القود الخيل تقاد، واللوث الشحم، أباده ذهب به، يقول غزوا بها سمانا، واستلهى من قولك لهيث عنه أي تركته، يقول تركهم القود في منازلهم لم يطيقوه فلهوا، والشهود الحضور، والعاهن المقيم على ماله لا يبرح، ويقال القود الجيش. وقال:
ويفون إن عقدوا وإن أتلوا حَبوا ... دون التلاء بفخمة مذكار
أتلوا أجاسوا، والفخمة الكتيبة الضخمة، والمذكار التي فيها ذكور الخيل.
وقال جرير لبني مجاشع:

فبتّم خزايا والخزيرُ قراكُم ... وباتَ الصدى يدعو عقالاً وضمْضما
خزايا واحدهم خزيان والمرأة خزيا وهي المستحيية والخزير شيء يعمل من الدقيق يشبه العصيدة، وبات الصدى يعني صدى هامة مزاد بن الأقعس بن ضمضم قتله عوف بن القعفاع فلم يدركوا بدمه، كانت العرب تقول إذا قتل خرج من رأسه هامة تزقو على قبره: اسقوني فإني عطشى فإذا أدرك بدمه سكتت. وقال ربعية بن عرادة.
فإن تكُ هامةً بهراةٍ تزقو ... فقد أزقيتَ بالمروين ها ما
وقال البعيث:
نضاربُهم والخيل عابسة بنا ... ونكرِهُها ضربَ المخيض على الوحلِ
المخيض الذي يريد أن يخيض إبله وحلا وهي تتأَخر وهو يضربها لتخوض.
وقال الفرزدق يمدح قوماً:
المانعون إذا النساءُ ترادفَتْ ... حذرَ السباء جمالها لا تُرحلُ
ترادفت أي ركب بعضهن خلف بعض للهرب، جمالها لا ترحل أي تركب أعراء من العجلة. وقال آخر في مثله والبيت لأبي دواد الرؤاسي:
واعرورَتُ العلُطُ العُرصيّ تركضه ... أم الفوارسِ بالدئداءِ والرَبعه
اعرورت ركبت البعير عريا للعجلة، والعلط التي لا أداة عليها مثل العطل، والعرضي الصعب الذي فيه اعراض، فإذا فعلت أم الفوارس هذا فغيرها أشد مخافة، والدئداء والربعة ضربان من العدو شديدان. وقال الفرردق وذكر الخيل:
ترعى الزعانفُ حولنا بقيادِها ... وغدوّهنَ مروّحُ التَشلالِ
الزعانف التباع والضعفاء من الناس الواحد زعنفة، يقول إذا قدنا الخيل إلى الأعداء رعت الزعانف حولنا آمنين، ويروى وعدوهن، أي عدو الخيل، مروح التشلال يقول يحمل الناس على أن يطردوا نعمهم فيهربوا منا، والشل الطرد.
في جحفلٍ لجبٍ كأنّ سعاعَه ... جبل الطراة مضعضع الأميالِ
يقول كان بريق السلاح فيه هذا الجبل إذا تضعضعت أمياله في السراب، والميل منتهى البصر.
تغشى مكثلةٌ عوابسُها بنا ... يوم اللقاءِ أسنة الأبطالِ
يعني الخيل، مكللة حاملة لا تكذب، يقال كلّل الرجل إذا حمل، وهلّل إذا فر. وقال كعب بن زهير:
لا يقع الطعنُ إلا في نحورِهم ... ما إن لهم عن حياضِ الموتِ تهليلُ
وقال الفرزد ق:
كيفَ التعذز بعد ذُمِّر تم ... صقباً لمعضلةِ النتاجِ نوار
ذمرتم مسستم المذَّمر والمذَّمر مكانان يمسهما المذمِّر أحدهما بين الأذنين فإذا وجده غليظا تحت يده علم أنه ذكر وإن وجده لينا علم أنها أنثى والآخر طرق اللحي إذا وجده لطيفا علم أنها أنثى وإذا وجده غليظا علم أنه ذكر، معضلة النتاج نتجت في مشقة وشدة، نوار نفور، وهذا مثل للحرب وجعل الجنين صقبا أي ذكرا لأن الإناث أحمد في النتاج. وقال جرير:
وخور مجاشع تركوا لقيطاً ... وقالوا حِنَو عينكَ والغرابا
لقيط ابن زرارة، تركوه أسلموه فقتل، حنو العين الحاجب ينحني على العين، والغراب أي قتل حين أسلموه فالغراب ينقر عينه. وقالت الهذلية تذكر قتيلا والبيت لجنوب:
تمشي النسورُ إليه وهي لا هية ... مشى العذارى عليهنَ الجلابيبُ
تريد أنها آمنة لا يذعرها شيء فهي تمشي لاهية كمشي العذارى. وقال جرير:
ولم تأتِ عز أهلَها بالذي أتَتْ ... به جعفرا يوم الهضيباتِ عيرها
أتتّهم بِعير لم تكنْ هجريّةً ... ولا حنطة الشأم المزِيت خميرها
يوم الهضيبات يوم طِخفه وكانت وقعة بين الضباب وبين بني جعفر فكانت للضباب على بني جعفر فقتلوا من بنيِ جعفر سبعة وعشرين رجلا فجاءت نساء بني جعفر فحملن قتلاهم على الإبل فدفنهم. يقول لم تكن العير هجرية تحمل التمر من هجر إلى البحرين ولا عيرا تحمل الحنطة من الشأم التي تخمَّر بالزيت إنما كانت قتلى حلوا على الإبل.
وقال أيضا في غير هذا المعنى:
لولا ارتدافكما الخصّي عشية ... يا ابني حَميضة جئتما في العير
أي لولا أنكما ركبتما الخصي - وهو برذون - فانهزمتما لكنتما بمنزلة هذه العير والقتلى. وقال يذكر نساء القتلى:
وقد أنكَرَتْ أزواجَها إذ رأتْهم ... عراة نساء قد أحرّت صدورُها
رأتْ كمراً مثل الجلاميدِ فتحتْ ... أحاليلها لما اتمأرَّتْ جذورُها

الإحليل مخرج البول. اتمأرت انتفخت وعظمت. جذورها أصولها.
منعنَ زيستحييْمَ بعد فرارهِم ... إلى حيثِ للأولاد يطوّى صغيرُها
أي النساء منعن أزواجهن أنفسهم وأرحامهن التي يطوَى صغير أولادهن فيها استحياء من فرارهم واستهانة منهن بهم، أيمط منعن إلى حيث يطوي للأولاد. وقال:
وأضيافُ ليلٍ قدّ نقلنا قِراهم ... إليهُم فأتَلفْنا المنايا وأتلفوا
نقلنا قراهم قتلناهم، فأتلفنا المنايا أي صادفناه بخيلا وجَبانا.
وقال عمرو بن كلثوم في مثل هذا المعنى:
قرينا كم فعبجّلْنا قِراكم قب ... يْل الصبحِ مِرداة طحونا
يقول جعلنا قراكم كتيبة كالصخرة وهي المرداة.
يكونُ ثِفالُها شرقي نجدٍ ... ولَهوتها قضاعة أجمعينا
الثفال جلدة تكون تحت الرحى يقع عليها الدقيق، واللهوة الكف من الحنطة، وسلمى أحد جبلي طيىء، يقول: كتيبتنا تأخذ من الأرض هذا المقدار، ولهوتها قضاعة أي تطحنهم.
وقال عمرو بن كلثوم:
إذا ما عيَّ بالإسنافِ حيٌ ... من الهولِ المشبَّه أن يكونا
الإسناف التقدم يقول إذا عي بالتقدم حي من الإحياء، من الهول المشبه يعني الذي قد شبه على الناس فلا يدرون أي جهة يأخذون ثم قال:
نصْبنا مثل رَهوةَ ذات حدٍ ... محافظة وكنا المسنِفينا
أي نصبنا لهم كتيبة مثل رهوة وهي جبل، وكنا المتقدمين.
ونحنُ الحاسبونَ بذي اُراطَي ... تسّف الجِلّةُ الخورُ الدَرينا
الجلة المشان من الإبل، والخور الغِزار، تأكل، الدرين، وهو الكلأ اليابس، أي نحبس الإبل في دار الحفاظ وهو أجدر أن تأمن في غد. ومثله لسلامة بن جندل:
يقالُ محبسها أدنى لمرتعها ... وان تعادي ببَكءٍ كلِ محلوبِ
يقول محبسها في دار الحفاظ على الخسف والجدب أحرى أن تأمن معه في غدا إذا تنحى عنها الأعداء ورتعت حيث شاءت. ومثله للكميت:
يرونَ الجَدبَ ما نزلوه خِصباً ... محافظة وكالأنُف الدَرينا
وقال الفرزدق:
منازيل عن ظهرِالقليلِ كثيرنا ... إذا ما دعا في المجلسِ المتردَّف
الأصمعي: يريدَ إن لنَا نزلا وإن كان قليلا فهو خير من كثير غيرنا، أبو عبيدة: يريد نحن وإن كنا كثيرا لنا عزّو منعة فنزل لذي القلة عن حقه ولا تمنعنا كثرتنا من إنصافه، والمتردف الذي تردّفه الشر شيء بعد شيء. والقول قول أبي عبيدة لأنه يقول في هذا الشعر.
ولا عّزٌ إلا عّزنا قاهرٌ له ... ويسألنا النِصفِ الدليلُ فيُنصَفُ
وبعد الأول:
فقلنا الحصى عنه الذي فوقَ ظهره ... باحلامِ جهال إذا ما تغضَّفوا
ولو أن سعاً أقبلتْ من بلادِها ... لجاءتْ بيبرينََ الليالي تَزَحَّف
تغضفوا مالوا عليه بالتعطف، أي لجاءت الليالي من سعد بعدد مثل عدد الرمل.
وقال يصف الخيل:
علميهن منا الناقصون ذحولهم ... فهن بأعباء المنية كُتّف
أعباءُ المنّية فرسان الخيل، كّتف تكتف في مشيتها وذلك إذا رفعت كتفا وخفضت كتفا.
وقال الفرزدق يصف جيشاً:
لنا أمرُه لا تعرف البلق وسطه ... كثيرُ الوَغي من كل حيّ قنابِلُه
لنا أمره أي نحن أمراؤها، لا تعرف البلق وسطه، يقول أشهر الخيل البلق فإذا لم تعرف فغيرها أجدر أن لا تعرف لكثرة الجيش، والوغى اجتماع الأصوات.
إذا حانَ منه منزل الليلِ أو قدتْ ... لأخراه في أعلى اليفاعِ أوائلة
يقول إذا ورد الجيش فنزلوا منزلا أوقدت على شرف الأرض ليهتدى بالنار آخر القوم إلى المنزل الذي نزل به أولهم.
تظلُ به الأرضُ الفضاء معّضِلا ... وتَجهر أسدامَ المياه قبائلهُ
أي تضيق عنه الأرض لكثرته، والتعضيل أن ينشب الولد في بطن المرأة فلا يخرج، والأسدام المياه المندفنة لطول عهدها بالناس، يقول إذا جاء هؤلاء استقوا منها فأخرجوا مع الماء التراب فيظهر الماء، فذلك الجهر، يقال جهرت البئر، وإنما يريد أن هؤلاء يسلكون طريقا لم يسلكه الناس من مخافته فقد اندفنت مياهه. وقال جرير للفرزدق:
هّلا الزبيرَ مُنعت يومَ تشمستْ ... حرب تَضرَّم نازها مِذكاز

تشمست امتنعت، وهذا مَثل، والناقة إذا حلت امتنعت عن الفحل، مذكار تلد الذكور وهو شر إنما تحمد الإناث. وقال الأخطل:
فإن تك حرب ابنى نزار تواضَعتْ ... فقد عذرتنا في كلابٍ وفي كعبِ
تواضعت سكنت، وكلاب وكعب ابنا ربيعة بن عامر بن صعصعة، عذرتنا جعلت لنا عذرا، يقال عذرْت الرجل وأعذرته أي جعلت له عذرا، يقول إن كانت حربنا سكنت فقد نلنا ما نحب من كلاب وكعب. وقال يذكر عمير بن الحباب حين قُتل:
يسألة الصبر من غسان إذ حَضروا ... والحزمُ كيف قَراك الغِلمة الجشَر
الصبر والحزم قبيلتان من غسان وكان عمير يقول: إنما هؤلاء جشر لنا والجشر القوم العزّاب في إبلهم، فلما مروا برأسه على هؤلاء قالوا: كيف رأيت قرى الغلمة الذين زعمت أنهم جشر لك؟ واحدهم جاشر. وقال:
أبحت حصونَ الأعجمبنَ فأمسكْتَ ... بأبوابِها من منزلٍ أنت نازله
يقول إذا نزلت منزلا قريبا منهم أغلقوا أبواب حصونهم خوفا. وقال العجاج وذكر الحرب:
ونجنجت بالخوفِ من تنجنجا ... ولبست للشرِ جُلّا أخرجا
النجنجة الترديد، والأخراج الذي فيه بياض وسواد، المعنى أنها ت " مشهورة.
ولم تعوّج رُحمٌ من تعوّجا ... وأعشَتْ الناس الضحاجَ الاضججا
أي لم تعوج حم س لعوجا... أي لم تعوج رحمة لمن تعوج، أي لم تمل عمن مال عنها ولكنها غشيته، الأضجج كقولك: الليل الأليل.
وصاحَ خاشي شرِها وهجهجا ... وكان ما اهتضَّ الجحافُ بهرَجا
هجهج زجر، اهتضّ كسر، والجحاف المجاحفة في الحرب، بهرج باطل، يقول ما أصيب فيها بطل ليس فيها عدْوَى ولا سلطان
وحين يبعثْنَ الرياغ رهجآَ ... سفْر الشَمالِ الزِبْرَجَ المزبرجا
أي حين الخيل يبعثن يثرن الغبار والتراب، رهجا غبارا، سفر الشمال أي كقشر الشمال الزبرج وهو قطع الغيم الصغار.
عن ذي اميسَ لهام لو دسر ... بركنه اركان دَمخ لا نقعر
ذو قد اميس جيش ضخم، لهام يبتلع، دسر نطح، دمخ جبل، انقعر سقط.
أرعن جرّار إذا جر الأثر ... دّيث صعْبات القفاف واربتأر
ارعن له رَعن مثل رعن الجبل ورعنه أنفه، جرّار يَجر نفسه جرا من ثقله جرا لا يرى لا يستبين له أثر أاي ليس بقليل فيستبين آثاره، ديث لين كل قف ودقه، ابتأر حفر آبارا بالسهل.
بالسهل مدعاس وبالبيد النقر ... كأنما زُهاؤه لمن جهر
المدعاس الطريق الكثير الآثار، زهاؤه قدره وحزره، جهر نظر إليه.
ليل ورزّ وغرِه إذا وغر ... سارٍ سرى من قبل العين فجر
رز صوت، وغره أيضا صوته، يقول هذا الجيش كالليل. وضجته كضجة المطر، والساري سحاب يسري ليلا، والعين عن يمين قبلة العراق. وقال:
سنابك الخيل يصدّ عن الأيَرّ ... من الصفا العاسي ويدهَسن الغَدَر
الأيرّ الصفا الدلاص، يدهسن يلين، والغدر ما تعادى من الأرض فلم يستو وارتفع بعضه وانخفض بعضه.
وقال أيضا يذكر الجيش:
في لامع العقبان لا يأتي الخمر ... يوجّه الأرض ويستاق الشجر
أي في جيش تلمع عقبانه وهي الرايات، لا يأتي الخمر أي لا هو مِصحر، يوجّه الأرض يجعلها وجها واحدا من كثرته، ويستق الشجر يعني العرفج والرمث.
قال يصف جيشا:
بجشة جشوا بها ممن نفر ... محمّلين في الأزمّنة النخَر
بجشة بثورة ونهضة، جشوا بها أي طحنوا ومنه سميت الجشيشة،وقوله: ممن نفر أي ممن ثار فنفر حين أتاه الخبر، محملين يقول علقوا الأزمة في النخر والنخر جع نخرة وهو طرف الأنف. وقوله:
وانشقّ شؤبوب النفاق واشفتّر ... وأذلقته لجّة الغيث سحر
شؤبوبه دفعته وحده، اشفتر تفرّق، لجة الغيث صوته وضجته ضرب ذلك مثَلا للحرب.
منهما هما ذيّ إذا حرّت وحر ... فَقْخ إذا مارنّح الطرف اسمدرّ
هماذِى تقول كان المطر هماذىَّ - أي يشتد مرة ويسكن أخرى أي للحرب تارات شداد، والفقخ ضرب ودفعة، حرّت وحر فقخ، والمرّنح الذي يميل كالمغشى عليه وكذلك الطرف، واسمدرّ حين يأخذه مثل الغشى.
ضربا إذا ما مِرجل القوم أفَر ... بالغلْى أحموه وأخبوِه التير

أفر نزا بالغلى، والمرجل هاهنا مَثل للحرب، أخبوه أسكنوه، التّير جمع تارة أي مرة بعد مرة. وقال يصف جيشا
آذى أوراد يغيّقن النظر ... من ذي إيادَين إذا جدّ اعتكر
يغيّقن يحّيرن، والإياد شخص كالمسناة، أب للجيش مثل ذلك الإياد أي له جيشان مثل ذينك الإيادين، اعتكر عاد. وقال:
لما رأوا منا إيادا سامكا ... مِردَى حروب بحروب يفرج اللكائكا
الإباد مثلُ الركنِ يستقبلك أو يستدبرك، يريد جيشا، والسامك المشرف، واللكائك الضيق والزحام - الْتكَ عليه القوم إذا ازدحموا. وقال يصف جيشا:
كثير مَجْرِ المقرِلاتِ والحصا ... ذي لجبٍ يسرح من حيث اغتدا
حتى توارتْ شمسه وما انقَضا
المجر الجيش، المقربات الخيل تكون قريبات من البيوت لكرامتها، والحصى العدد الكثير من الناس، يقول يغتدى هذا الجيش مغيب الشمس من الموضع الذي خرج منه وما انقضى وهو معنى قوله: يسرح من حيث اغتدى.
ينكر ذو الحاجة منه ما ابتغى ... حيران لا يشعر من حيثُ أتى
عن قبص من لاقى أخاسً أم زكا
يقول من جاء يطلب فرسا لم يعرفه من كثرة الخيل فيبقى متحيرا، والقبص العدد الكثير، يقول لا يشعر من كثرتهم أأزواج هم أم أفراد. وقال طفيل الغنوي:
تبيت كعقبانِ الشريفِ رجالُه ... إذا كانو وا إحدث أمرٍ معطّفِ
أي تبين مستعدة للعدو كما تبيت هذه العقبان، معطّب مهلك. وقال الجعدي:
وبنو فزارةٍ إنها ... لاتلبث الحلَب الحوالبِ
أي لا تلبث الحوالب أن تحلب عليها - تعاجلها قبل أن تأتيها الأمداد. وقال الأصمعي: لا تلبث الحوالب حلب الناقة حتى تهزم، والأول أجود، وقال الجعدي:
فلما أنْ تلاقيْنا ضحيّا ... وقد جعلوا المِصارعَ عَلى الذراعِ
المصاع القتال، أي جعلوا أمر القتال إلينا فقالوا إن شئتم فقاتلوا كما يقول الرجل في الشيء: هو على حبل ذراعك، أي الأمر فيه إليك. وقال آخر:
جدّت جَداد بلاعبٍ وتقشّعتْ ... غفمراتُ قالِبٍ لبسة حيرانِ
أي لبس ثوبه مقلوبا من الدهش أوقال الكميت:
في حومةِ الفيلقِ الجأواء إن ركبتْ ... قسر وهيضلها الخشخاشُ إن نزلوا
الهيضل الرجالة، والخشخاش الكثير. وقال:
وأي امرىءٍ كنتّ في الوغا ... إذا مارأينَ السُوقَ مثل السواعدِ
أي تخرج النساء أسواقها من الفزع كما يخرجن السواعد في الأمن. وقال وذكر حربا:
وأنَسى في الحروبِ مذمّريكم ... نتاج اليَتْنِ ما صفة السليل
اليتين أن تخرج رِجلاَ الولد قبل يديه، والسليل الولد، والمذمِرّ الذي يدخل يده في رحم الناقة لينظر ما الولد، يقول أنساهم اليتن الولد أذكر هو أو أنثى؟. وقال:
مهاجر سائر وقد شالتْ ال ... سحرب لِقاحا بغُبرها الكُثبُ
قول بغبر اللقاح من الحرب الكثب وهو جع كثبة وهي الدفعة من اللبن.
مبسورة شارِفا مصّرمة ... محلوبُها الصابُ حين تُحتلَبُ
مبسورة بسَرها الفحل أي ضربها على غير ضَبعة، والمصرّمة التي قد صرموا اخِلفها حتى انقطع لبنها. وقال:
إذا ابتسر الحربَ أخلامُها ... كِشافا وهيّخت لأفحلُ
أي أصدقاؤها واحدهم خلم.
واحتضر الموقدونَ إذ غزل ال ... واغلّ عنها النفارُ والزَيبُ
الواغل الداخل، والازبّ الذي على عينيه شعر كثير طويل فهو ينفر أبدا.
قدريْن لم يقتدحْ وقودَهما ... بالمرخِ تحت العفارِ منتصبُ
أي واحتضر الموقدون، أي يقدح نارهما ذو زندين، منتصب ناصب للقدر. وقال جرير:
نهيتكم أن تركبوا ذاتَ ناطحٍ ... من الحربِ يلوي بالرِداءِ نذيرُها
قال يجيء رجل يلّوِح رداءه يقول: أتيتم فتهيئوا. وقال:
وإذا سمعت بحربِ قيسٍ بعدها ... فضعوا السلاحَ وكفّروا تكفيرا
التكفير أن يضع يديه على صدره. وقال وعلة الجرمي:
فدى لكمار رجلّي أمي وخالتي ... الكُلابِ إذ تُحزّ الدوابر
هذا رجل كان يغدو ساعة ويركب فرسه ساعة حتى نجا، تحزّ الدوابر تقطع الأصول، ومنه قولهم: قطع الله دابرة فلان.

ولما سمعتُ الخيلَ تدعو مُقاعساً ... تطالعني من ثغرةِ النحرِ جائزِ
ثغرة النحر النقرة التي في أعلى الصدر وأسفل العنق. وقال الأخنس بن شهاب التغلبي:
بجأواءٍ ينفي وردُها سرعانَها ... كأن وضيع البيضِ فيها الكواكبُ
جأواء كتيبة علاها لون السواد والصدأ، والخضراء نحو ذلك، يقدّم وردها سرعانا منه لا يحملهم ماء واحد، والورد والواردة التي ترد الماء. وقال مهلهل ويقال رجل من تغلب يقال له شرحبيل.
خلعَ الملوكَ وسارَ تحتَ لوائِهشجر العُرَى وعُراعر الأقوامِ أبو عبيدة: العراغر السيد ليس يريد سيدا واحدا إنما أراد السيد من كل قوم، وقوله العري واحدها عروة وهو الشجر الذي لا يذهب أبدا يقال: بارض بني فلان عروة من شجر أي شجر هو دائم فشبه كثرة الناس وبقاءهم بذلك الشجر. أبوعبيدة: إنما قيل عري الإسلام للبقية، أبو عمرو: في العروة غير ذلك، ومن أنشده: عَراعر بفتح العين أراد جمع عراعر. وقال الكميت يهجو:
ما أنتَ من شجرِ العرى ... عند الأمورِ ولا العَرَاعرِ
وقال الأعشى يمدح رجلا:
وَثوب إذا ما الحرب آوتْ سُروبهم ... وفاتهُم مأوي من الأرضَ سَملقُ
سُروب جمع سَرب، وكانوا إذا أحَسّوا الغارة ضموا الإبل ولم يسرحوها بعيدا وفاتهم مأواها الذي كانت ترعى فيه. وقال الكميت:
فأيّ مَزورٍ نحن أم أي زائِر ... إذا الكوم باءتْ بالرذيّة وارَهْبِ
باءت ساوت، والرذية الهالكة، والرهب الكبيرة الهرمة، يقول صارت الكوم كذلك لمسيرنا عليها إليكم.
وأيّ مزورٍ نحن أم أي زائرٍ ... إذا بَلَغَ القَود الوِكال من الندْبِ
القود بلغ من الندب وهو السريع، أي يواكل فلا يبرح. وقال وذكر الخيل:
ومن غنمها يوم الهياجِ إذا غدَتْ ... بنا العَرَج يحوَي والقتيل الملحَّب
سقتنا دماء القومِ طوراً وتارةً ... صبو حاله اقتار الجلودَ المعِلّب
اقتار قوّر، والمجلب صاحب العلبة. وقال قيس بن الخطيم:
أرِبتُ بدفعِ الحرلب حتى رأيتُها ... عن الدفع لا تزداد غيرُ تقاربِ
فلما رأيت الحربَ حرباً تجردتْ ... لبست مع البرديْنِ ثوبَ المحاربِ
أربت أي كانت لي حاجة في دفع القتال، والأرَب والإربة الحاجة، عن الدفع أي إذا دُفعت، ولبست مع البردين ثوب المحارب قال: كان يقول الرجل إذا أراد أن يحارب: إشتر لي ثوب مفاخر ودرع محارب. وقال:
أطاعت بنو عوفٍ أميراً نهاهُم ... عن السِلمِ حتى كانَ أولَ واجبِ
واجب ميت من قولهم وجبت الشمس إذا سقطت ووجب البيع إذا وقع.
وقال صخر الغي يذكر كتيبة:
متى ما تنكروها تَعرفوها ... على أقطارِها علق نفيثُ
أراد فيها ترد عليكم في الدماء تنفثها نفثا أي ترمي به، أي ترون كتيبة نكَر.
وقال ابن شلوة:
وحبيّب يزجونَ كل طمّرة ... ومن اللهازم شخْب غير مصرّم
يمشونَ في خلقِ الحديد ِكما مشتْ ... أسْد الغريفِ بكلِ نحس مظلمَ
يزجون يسوقون، طمّرة طويلة، ويقال وقع من طمار وهو المكان المشرف، واللهازم قيس وعِجل وتيم الله وعنزة، وقوله: شخب غير مصرم يريد أنهم من جماعة عزيزة والمصرم الضرع الذي أصابه شيء فاشتد وانقطع، شخب ما يخرج من الإحليل من اللبن، النحس الغبرة، مظلم أنهم يمشون في أمر عظيم. وقال عوف بن الخرع:
بثّوا المغيرة في السوادِ كأنّها ... سَنَن تحيّر حول حوضِ المبِكرِ
يقول فرّقوا الجيش فكأنه إبل جاءت سننا ثم تفرقت حول. الحوض، والمبكر الذي يسقي إبله بكرا، يقال أبكر وبكر. وقال أبو قلابة الهذلي:
ومنّا غصبة أخرى سراع ... زفّتها الريحُ كالسَنن الطِرابِ
أي كابل تستّن في العدو، زفتها استخفتها، الطراب قد طربَت إلى أولادها والطرب خفة تأخذ الرجل من حزن ومن فرح. وقال حسان بن ثابت:
وقال اللة قد أرسلت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاءُ
يقال فلان عرضة لكذا وكذا - إذا كان قويا عليه. وقال رؤبة:
إنا إذا قدنا لقومٍ عَرضا ... لم نُبقِ من بغي الأعادي عِضّاً
الغرض الجبل شبه الجيش به وجمعه أعراض. وأنشد الأصمعي لذي الرمة:

أدنى تقاذَقه التقريب أو خبب ... كما تدَهدَى من العرضِ الجلاميد
العض الجَلْد الشديد ويقال للرجل إذا كان منكرا شديدا: إنه لعض. وقال طفيل:
فألوَتْ بغاياهم بنا وتباشَرتْ ... إلى عَرضِ جيشٍ غير أن لم يُكتَّبِ
ألوت لمعتِ لهم بشيء، وبغاياهم رباياهم الذين يبغون لهم الخبر ويلتمسونه لمعوا لهم بثوب أو بسيف، تباشرت البغايا إلى ذلك الجيش حين رأته وظنت أنه شيء يسرهم، وقوله إلى عرض جيش - تقول ذهب الجيش عرضا، لم يكتّب لم يجمع كتيبة.، أنشد يونس بن حبيب:
نجا عامر والنفس منه بشدقِه ... ولم ينبئ إلا جفنَ سيفٍ ومئزرا
يونس: أراد لم ينج إلا بجفن سيف ومئزر، وكان الكسائي ينصبه على الاستثناء يريد نجا ولم ينج ماله كما تقول نجا فلان وأنت تريد ماله واحترق منزل فلان إلا بيتين. وقال آخر:
لو جسرَ دِجلة عن يزيدٍ سألتة ... والجسر منقطع به معقودُ
يقال جسر وجسر يعني أنه وقف على الجسر فقاتل فمنعه فهو منقطع لا يجَاوزه أحد وهو معقود. وقال أبو حزام العكلي:
وضاربتَ يوم الجسرِ والموتِ كانع ... وأبناؤه بين الذراعيْنِ والنحرِ
كانع دان، وأبناء الموت قد نزلوا بين نراعيك ونحرك أي قربوا منك يعني الفرسان.
وقال آخر:
إذا ما الحرب ضّرس نابها
أي ساء خلقها. وقال طفيل:
ومشعلة تخال الشمسَ فيها ... بعَيدَ طلوعِها تحت الحجابِ
مشعلة غارة متفرقة كقولك أشعلت النار، ومنه قول الشاعر
والخيل مشعلة النحور من الدم
تحت الحجاب يقول تخالها تحت حجابها لم تطلع بعد، يريد كأنها ليست بطالعة وإن كانت طالعة لأنه لا ضوء لها من ضوء الحدَيد. وقال الحصين بن الحمام المري.
ولما رأيتُ الصبرَ ليس بنافعي ... وإن كان يوماً ذا كواكبٍ أشهبا
يقول كان اليوم يوما ذا كواكب، يقول له كواكب من السلاح، وأشهب يقول يوم شمس لا ظل فيه. وقال آخر.
ويوم كظلِ الرمحِ واليوم شامسٌ
أي طويل لأن ظل الرمح في أول النهار يطول جدا فيقول يوم طويل وهو شامس لا ظل فيه من شدته. ويقال في قول الحصين في شعر آخر:
ولما رأيتُ الودَ ليسَ بنافعي ... وإن كان يوماذا كواكب مظُلمِا
إنه مثل قول النابغة وذكر يوما:
تبدو كواكبة والشمسُ طالعةٌ ... لا النور نور ولا الإظلام إظلامُ
وقد فسر، يريد أنه يوم شديد تظلم عليهم الشمسى من شدته فتبدو كواكبه كما تقول للرجل تهدّده: لأرينك الكواكب ظهرا. وقال آخر:
ومشعلة ترى السُفَراءَ فيها ... كأن وجوهَهم عصب نضاج
أي قد لوّحتهم الحرب وغيّرتهم فكأن وجوههم عصب قد لاحته النار، والسفراء والسفراء جمع سفير وهم الذين يصلحون بين القوم. وقال العباس بن مرداس:
ونحنُ ضربنا الكبشَ حتى تساقَطتْ ... كواكُبه بكل عَضًبٍ مهنّد
كبش القوم رأسهم، وقوله تساقطت كواكبه يقول ذهب معظم كتائبه - وكوكب كل شيء معظمه - وكوكب الماء معظمه - وكوكب الحر معظمه - وكوكب القتال معظمه.
قال أبو جندب الهذلي:
ونهنهتُ أولى القومِ عنه بضربةٍ ... تنفّس منها كل حشيانٍ مُجحر
أي كففتهم عنه، والحشيان الذي به ربو أي تفرج بتلك الضربة كل مكروب.

في الطعنة والشجة والضربة
قال أبو ذؤيب:
فتخالسا نفسيْهما بنوافذٍ ... كنوافذِ العُبُطِ التي لا تُرقَعُ
وصف رجلين التقيا في قتال، والعبط جع عبيط وهو الثوب يشق عن صحة وكذلك الناقة العبيط والشاة التي تنحر من غير علة، لا ترقع يقول فهذا أصلب من خلق يرقع، ويقال طعنة عبيط أي طعنت على صحة فنفذت إلى الجوف فهي لا يسدها سبار ولا يرقععها أيضا. وقال:
وطعنةُ خَلس قد طَعنَتْ مُرِشّة ... كعَطِّ الرداءِ لا يُشك طَوارُها
أي لا تُسبرَ ولا تعالج، طوارها ناحيتها، خلس على دهش، مرشة ترش الدم، والعرب تقول: طعن بتر أي يختلس، ورمي سعَر - مصدر سعّرت الحرب والنار إذا لهبتها، وضرب هبر - أي يلقي قطعة من اللحم.
مسحسحة تنفي الحصى عن طريقِها ... يطيّر أحشاءَ الرعيبِ اثِرارُها

مسحسحة أي تسح الدم سحا، تنفي الحصى يقول دمها الذي يسيل منها ينّحي الراب عن طريقه، يصف كثرة الدم، والرعيب المرعوب، أي إذا نظر المرعوب إلى هذه الطعنة هاله ذلك، والانثرار سيلان ويقال سعة الجرح. وقال طفيل في مثل ذلك:
برمّاحةٍ تنفي الترابُ كأنّها ... هراقة عقّ من شَعيبي معجّلِ
عق شق، والشعيبان المزادتان، والمعجل الذي يحلب الإبل فيعجله إلى أهله قبل ورود الإبل. وقال أبو جندب الهذلي:
وطعن كَرمحِ الشَول أمسَتْ غَوارِزا ... جَواذِبُها تأبى على المتغّبِرِ
أي ينفح هذا الطعن بالدم كما يرمح الشول. والغوارز التي قد غرزت وذلك إذا ذهبت ألبانها فإذا طلب منها الدر رمحت، والمتغبر الذي يطلب الغُبر أي بقية اللبن، والجواذب والغوارز قريب من السوء. وقال ابن رِبع الهذلي واسمه عبد مناف:
والطعن شغشغة والضرب هيقعة ... ضرب المعوّل تحت الديمة العضدا
شغشغة حكاية صوت الطعن، والهيقعة حكاية وقع السيوف، والمعوّل يتخذ عالة يبنيها وهي بيت من شجر يستظل من المطر، والعضد ما قطع من الشجر، والعضْد بالإسكان القطع يقال عضد يعِضد عضدا. وقال آخر:
وطعنةُ مستبسلٍ ثائرٍ ... تردّ الكتيبة نصف النهار
يقول: إذا رأوا تلك الطعنة رجعوا يقولون قد طعنوا هذا الطعن - فينهزمون نصف يوم.
وقال المسيب بن علس:
كغماغمِ الثيرانِ بينهمُ ... ضربٌ يغمّض دونه الحدقُ
غماغم الثيران أصواتها، وعماعم الثيران بالعين جاعاتها، يقول هذا الضرب إذا رآه الإنسان غمض عينيه من هوله. وقال آخر يصف شجة وهو عذار بن ذرة الطائي:
يحجّ مأمومةً في قعرِها لجفٍ ... فاست الطبيب قذاها كالمغاريد
يحج يصلح، مأمومة شجة بلغت أم الدماغ، ولجف أن يذهب في إحدى الناحيتين، فالطبيب مما يرى من هولها تقذى استه كالمغاريد وهم كمء صغار. ويقال له غماريد مقلوب، وهو مثل الجوز فعقد في كل شجرة ذات هدَب، والهدب ما كان يشبه ورق السرو مما ذهب طولا وما ذهب عرضا فهو ورق. وقال العجاج:
عن قُلب ضُجم تورّي من سَبَر
القلب جمع قليب، والضجم العوج، تورِّي تفسد جوفه من الخوف، من سبر هو الذي يسبرها والمسبار الذي يقدّر به الجراحة فينظر ما غورها. وقال الكميت يصف رجلا ضُرب رأسه:
كأن الأمَ أم صداه لما ... جلوا عنها غَطاطة حابلينا
الحابل الصائد بالحبالة، والغطاطة القطاة، شبه القحف حين ندر بقطاة، والصدى طائر كانت الأعراب تقول أنه يخرج من هامة الميت فلا يزال يصيح على قبره حتى يُدرَك بثأره. فأما قول ذي الإصبع:
إنك إلاّ تَدع شتمي ومنقصتي ... أضربكَ حيث تقولُ الهامة اسقوني
فانه إنما أراد أضربك على الهامة لأن العطش يكون في الهامة. وأنشدنا لأبي محمد الفقعسي:
قد علمتُ أني مروِّي هامها ... ومُذهب الغليلِ من أوامِها
وقال الكميت يذكر طعن الثور:
بطعن كوقعِ شراد النقالِ ... يحاكي به اللبة الأبحلِ
السِراد المخصف وهو المِسرد، والنقال رقاع النعال واحدها نقيل، والأبجل العرق، يقول هذا يسيل واللبة تسيل فكأنهما يتباريان. وقال قيس بن الخطيم يصف طعنة:
ملكتُ بها كفِّي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها
ملكت شددت، ومنه قوله: أملكوا العجين فإنه أحد الريعين يريد شدوا عجنه، أراد أن البصر ينفذ فيها وهذا من إفراط الشعر وقبل هذا البيت.
طعنتُ ابن عبد القيسِ طعنةَ ثائرٍ ... لها نَفَذ لولا الشعاع أضاءَها
نفَذ الجرح منجمه من حيث نفذ أي ظاهره.
وقال جرير:
وعاوٍ عوى من غير شيءٍ رميته ... بقارعة أنفاذها تقطُر الدما
جع نَفذٍ، والشعاع ما تفرق من الدم وانتشر، يقول لولا ذلك أضاءت حتى يستبين لك، أنهرت فتقها أي أجريت الدم وكأنه من النهر. وقال الأعشى يصف ضربا بالسيف:
كاذن الفَرَاء الأصح ... ر بين الغيل والدَحل
يقيل النسر فيه ك ... جلوسِ الشيخ ذي الكِفلِ

الفرأ الحمار، والأصحر في لونه وكذلك حمير الوحش صحر، والغيل الشجر، والدحل غار يكون في أصل الجبل يتسع من آخره ويضيق من أعلاه، شبه ما بقي من ذلك الضرب من الجلود المتعلقة بآذان الحمر، وشبه النسر بشيخ مكتفل. وقال مالك بن زغبة:
بضربٍ كآذانِ الفراءِ فضوله ... وطعنٌ كايزاغ المخاض تبورها
الفِراء جمع فَرإ، وإيزاغ المخاض دفعها بالبول - يقال أوزغت توزغ وذلك إذا قطّعته قطعا، تبورها تعرضها على الفحل تنظر ألواقح هي أم لا. وقال الأعشى:
بمشعلةٍ يغشى الفِراشَ رشاشتها ... يبيت لها ضو من النارِ جاحم
مشعلة متفرقة الدم، ومنه قيل قد اشتعلت الكتيبة إذا تفرقت يبيت لها ضوء أي يوقدون عند المطعون ليعرفوا حاله في كل ساعة، جاحم جمر، الأصمعي: الجحمة حر النار ومنه الجحيم. وقال حسان بن ثابت:
ذَروا فلجات الشأم قد حالَ دونها ... ضراب كأفواهِ اللقاح الأوراكِ
ينشَد: فلحات وفلجات بالحاء والجيم، قالِ: والفلحة من الأرض ما اشتققت منها للزرع، والفلجة ما اشتققت من الديار وقال آخر:
وأحياناً نخالطهم بضربٍ ... صموتٍ في الحديد وأرونانِ
يقول إذا ضربنا البَيض صوت وإذا ضربنا الدروع لم تصوت، أرونان صوت.
وقال الحارث بن حلزة:
وصتيت من العواتك ماتن ... هاه إلا مُبيضّة رَعلاء
صتيت جمع، والعواتك أمهات ملوك اليمن من كندة، ما تنهاه أي لا تكف هذا الجمع الاضربة توضح عن بياض العظم، رعلاء يتدلى اللحم من جانبيها جميعا. وقال:
وسمعت وقعَ سيوفنا برؤوسهم ... وقعَ السحابِ على الطِرافِ المشَرجِ
شبه وقع السيوف برؤوسهم بوقع المطرعلى الطراف وهو بيت من أدَم، مُشَرج منصوب مبني. وقو له:
وضرّب غير تذبيب
يريد أنه ليس بضرب نردّهم به عنا ولكنه ضرب قتل. وقال سلامة بن جندل:
كأن منا خا من قيون ومنزلاً ... بحيث التقيْنا من أكّفٍ وأسوق
أي قيون يقطعون الأيدي والأرجل. وقال عنترة:
وحليل غانيةٍ تركَتْ مجدّلاً ... تمكو فريصته كشدقِ الأعلم
تمكو تصغِر من قول الله جل وعز " وما كان صلاتهم عند البيت الامكاء وتصدية " ، يريد صوت خروج الدم منها، والأعلم الجمل المشقوق المشفر، شبه مواضع الضربة بشدق الأعلم. وقال:
بكلِ مرهفةٍ لها نَفَتٌ ... تحت الضلوعِ كطرة القدمِ
مرهفة سيوف رقاق، نفث تنفث بالدم، ويقال نفت بالتاء، يقال نفتت القدر تنفت نفتا إذا غلت، والرجل ينفت إذا غضب، القُدم برود يقال لها القُدمية، والطرة الحاشية.
وقال مالك بن زغبة الباهلي يصف رجلا طعن:
يجرِّر ثربه قد قضَّ فيه ... كأنّ بياضَه سِبّ صفيقُ
يريد أن بطنه شُق فخرج ثربه فقضّ في الراب أي حمل القضض، والسِب الخمارأ.
وقال القطامي يصف ضربا وطعنا:
ترى منه صدورَ الخيلِ زورا ... كأنّ بها نخازاً أو دُكاعا
نحاز مثل السعال، والدكاع الزكام، والنحاز للخيل والدكاع للابل.
فظلَّتْ تعبط الأيدي كلوماً ... تمّ عروفها علَقاً مُتاعا
تعبط تكلم كلْما على صحة لغير علة، والمتاع المسال يقال أتاع الرجل إتاعة إذا قاء قيئة.
وقال أيضا:
بضرب تهللك الأبطال منه ... وتمتكر اللحى منه امتكارا
المكرة المغرة، أي تخضب اللحى منه بالدم، شبه حمرة الدم بالمغرة. وقال عنترة أو غيره:
فنجا أمامَ رماحنا وكأنّه ... فوتَ الأسنة حافر الجَأبِ
الجأب المغرة، شبه ما عليه من لطخ الدم برجل يحفر في معدن مغرة. وقال خداش بن زهير:
وطعنة خَلس كفرغ الإزا ... ء أفرغ في مثعبِ الحائرِ
الفرغ مصب الماء من الدلو، وإزاء الحوض الموضع الذي تفرغ عليه الدلو.
تهالُ العوائدَ من فرغِها ... ترد السبارَ على السابرِ
السِبار الذي يدخل في الجراحة ليعلم ما غورها، ترده علىِ السابر لكثرة ما يخرج منها من الدم. وقال الطرماح يصف الثور حين طعن الكلاب:
فنحا لأولاها بطعنةِ محفظٍ ... تمكو جوانبها من الإنهارِ
نحا انحرف، والمحفظ المغضب،تمكو تصفِر وذلك عند سيلانها، والإنهار سعة الطعنة.
ومنه قول قيس بن الخطيم:
فأنهرت فتقها
وقال البعيث:

ونحن منعنا بالكلابِ نساءَنا ... بضربٍ كأفواهِ المقّرحةِ الهدلِ
المقرحة التي بمشافرها قَرْح فتسترخي مشافرها وتسيل ماء، شبه الضرب بها.
وقال الفرردق يصف شجّة ويهوّلها:
ترى في نواحيها الفراخَ كأنما ... جثَمن حِوالَي أم أربعةٍ طُحْلِ
شرَنبثةَ شمطاءَ من يرَ مابها ... يُشْبِه ولوبين الخماسّي والطفلِ
إذا ما سقوها السمنَ أقبلَ وجهُها ... بعين عجوزٍ من عرينةٍ أو عُكلِ
جُنادفةً سجراء تأخذُ عينُها ... إذا اكتحلَتْ نصفَ القفيزِ من الكحلِ
جنادقة يعني العجوز قصيرة غليظة، سجراء حمراء. وقال الفرزدق:
يحمي إذا اختلطَ السيوفُ نساءَنا ... ضرب تخِرّ له السواعدُ أرعلُ
تخر تسقط، أرعل مسترخ، المعنى أنه يميل ما قطع فيسترخي وفي مثل للعرب " زادك الله رَعالة: كلما ازددت مثالة " رعالة استرخاء ومثالة من قولك: هذا أمثل من هذا.
وقال الغرزدق أيضا:
ونحن ضربْنا هامةَ ابن خويلدٍ ... يزيدَ على أم الفِراخِ الجواثمِ
ونحنُ ضربنا من شُتيرِ بن خالدٍ ... على حيث تستسَقيه أم الجماجمِ
أم الفراخ الهامة، وكذلك أم الجماجم. وهذا مثل قول ذي الأصبع:
أضربْك حيث تقول الهامة اسقوني
ونحو منه قوله:
ونحن صدَّعنا هامةَ ابن خويلد ... على حيثِ تستسقيه أم الجواثمِ
الجواثم الفراخ يريد، الدماغ - وأمها الهامة. وقال العجاج يصف طعن الثور الكلاب:
وبجَّ كلَّ عاندٍ نَعور ... قضبَ الطبيبُ نائطَ المصغور
بج شق كل عرق عاند وهو الذي لا يرقأ، ويقال العاند العادل لا يجري دمه على جهته، والنعور الذي يرتفع دمه إذا جرى، قضب الطبيب أي قطعه، والنائط عرق يقال إنه في الظهر، والمصفور الذي به الصفار. وقال:
صقعاً إذا صابَ اليآ فيخ احتفَر ... في الهامِ دُحلانا يفّرسْنَ النُعَر
الصقع الضرب، والدحلان جع دحل وهو هوّة تكون في الأرض، يقول مجفر الضربُ في الهام، والفَرْس أصله دقّ العنق ثم جُعل كل دق فرسا، والنُعرة ذبابة، يقال: في رأسه نعرة - أي كبرة، وأصله أن الحار النِعر - وهو الذي يكون هذا الذباب في رأسه - يرفع رأسه فَضُرب مثلا للرجل الذي به كبر كأن تلك الذبابة في رأسه فهو شامخ بأنفه، يقول: فهذا الضرب بالسيف يذهب الكبر.
بين الطِراقين وَيفلين الشعرَ ... عن قُلُبٍ ضُجمٍ تورِّي من سَبرِ
أي بين طراقي عظام الرأس، والقلب الآبار: شمبه الشجاج بها ضجم مائلة يقال فم أضجم إذا كان مائلا، تورِّي من سبر أي من قاسها أورثت جوفه داء يسمى الوَرْي.
منها قعور عن قَعورٍ لم تذر ... دون الصَدى وأمه سترا سَتر
الصدى الدماغ وأمه الجلدة تكون عليه، يقول السيوف لم تنر شيئا من الرأس دون الدماغ وأمه، ويسمى الدماغ بالصدى لقول الأعراب أنه يخرج من هامة الميت فلا يزال يصيح على قبره. ومنه قول الكميت:
كأن الأمَ أم صداه لما ... جلوا عنها غَطاطةً حابلينا
يعني هامته، وقد فُسّر ذلك. ويقال أنه سمي الدماغ بالصدى لأن العطش يكون منه.
ومنه قول ذي الإصبع:
أضربْك حيث تقول الهامة اسقوني
وقوله يصف ضربا أيعني قول العجاج:
تفضّ أمّ الهام والترائكا ... هشمَك حوليّ الهبيد الراتِكا
الترائك أصله بيض النعام الذي قد قمثر فترك، شبه البيض على الرؤوس به. وقال: لا أدري ما الهبيد الراتك غير أن الرتك مقاربة الخطو. وقال بعضهم: إن الحنظل يؤخذ فيلقي حبه في حوض ويصب عليه الماء مرارا ثم يوطأ بالأرجل ويدلك دلكا شديد فإذا طاب الماء أخرج وجفف ثم جش فطبخ به واتخذ منه السويق، يريد بالراتك المرتوك فيه، الأصمعي: ويروي حولى الهبيد آركا، أي مقيما عليه وهذا مثل - يقال إبل آركة إذا لزمت الأراك تأكله. وقال:
وفي الحَراكيك بخُدبٍ خزّلٍ ... لَخفٍ كأشداقِ القِلاص الهدَّلِ
الحراكيك الحراقِف وهي رؤوس الأوراك والخُدب الضربات التي لا تمالك، والخزل القطع، لخف هو أن يقطع قطعا رقيقا، ثم شبه هذه الخدب في سعتها بأشداق إبل هدل مسترخيات المشافر. وقال عبد الله بن الحويرث الحنفي:

هم أنشبوا زرقَ القنافي في نحورَهم ... وبِيضاً تقيضن البَيض من حيث طائره
يعني الفرخ وهو الدماغ، وتقيض تكسر. آخر وهو ابن مقبل:
كأن نزَو فراخِ الهامِ بينهم ... نزو القلاتِ زَهاها قال قالينا
القلات جمع قلَة وهي الدوّامة، والقال الخشبة التي تضرب بها الدوامة، والقالون الضاربون بها - يقال: قلوت بها. وقال الراعي يصف سيفا:
يزيل بناتَ الهامِ عن سكناتها ... وما يلقَه من ساعدٍ فهو طائح
بنات الهام الأدمغة، وسكناتها مواضعها. وقال آخر:
ألم ترمِ أوتضربْ وقد يضربُ الفتى ... ويرمي إذا جاري وإن مال رَلكبُه
أي يقاتل وإن قُتل، وراكبه رأسه. وقال أبو النجم:
وكان نوْل العبدِ إذ تحرّفا ... أن يُضرَب البيضِاءُ أو أن يُرعفا
إذ تحرف إذ مال عن الطربق، يضرب البيضاء أي الوجه، يقال ضربتك البيضاء أي الوجه، أو أن يرعف أي يجدع أنفه فيسيل دمه. وقال ابن شلوة:
وكأنما أقدامُهم ... كرَب تساقط في خليجٍ مفعَمِ
مفعم مملوء أراد كثرة الدم أي تَقع فيه فكأنها تقع في خليج وهو النهر الصغير يشق من النهر الكبير. وقال قيس بن الخطيم:
ترى اللابةَ السوداءَ يحمّر لونُها ... ويسهل منها كل رِيع وفَدفَدِ
اللابة الحرة والجمع لاب ولوب، يحمر لونها من الدم، ويسهل فيها كل ريع أي ينزل منه الدم، والريع كل ما ارتفع من الأرض، والفدفد المستوى الصلب.
وقال ابن أحمر يذكر عينه ورماها رجل ففقأها:
أهوى لها مِشَقصاً حشراً فشبرقها ... وكنت أدعو قذاها الاثمد القَرِدا
يقول كنت من إشفاقي عليها أسمي ما يصلحها قذى فكيف ما يؤذيها، وقوله: أدعو أي أسمي، تقول: ما تدعون هذا فيكم؟ أي ما تسمونه. وقال ساعدة بن جؤية:
يُدعون حُمساً ولم يرتعْ لهم فزع ... حتى رأوهم خِلالَ السبي والنَعم
يُدعَون يسمّون، يقال لهم حرمة الحمس والحمس قريشَ ومن ولدت وحلفاؤها، ولم يرتع من الروع، خلال السبي بينه، والنعم الإبل، والحشر السهم الخفيف الريش الذي قد قُصبه ورِصافه، والاثمد القرد هو الذي ينقطع في العين وقيل القرد الذي لصق بعضه ببعض، والمعنى كنت أسمي الإثمد قذى من حذري عليها. وقال أبو كبير:
عجِلت يداك لخيرهمِ بمِرشّةٍ ... كالعّط وسط مزادةِ المستخلفِ
مرشة طعنة ترش الدم، والعط الشق، والمستخلف الذي يسقى، يقول يسيل دم هذه الطعنة كما تسيل المزادة المشقوقة.
مستّنة سننُ الفَلُوّ مرشّة ... تنفي التراب بقاحِز مُعرَورِفِ
أي يسن دمها يتبع بعضه بعضا كما يستن الفلو، تنفي التراب تبعده بدم يقحز أي ينزو، معرورف له عرف.
يهدى السباع لها مُرِشّ جديّة ... شعواء مشعلة كجّرِ القَرطفِ
أي تشم السباع الدم فتتبع أثره، والجدية الطريقة من الدم وشعواء منتشرة، مشعلة متفرقة، وشبه طريقة الدم بمجرّ قطيفة على الأرض. وقال
وإذا الكماةُ تعاوروا طعَن الكلى ... ندْر البِكارةِ في الجزاء المضعَفِ
أي يتعاورون طعنا يذهب هدرا كما تندر البكارة وهي الصغار أي تُلقى فلا تحسب في الجزاء أي في الدية، وَالمضف المضاعف. وقال:
وأخو الأباءةِ إذ رأى خُلّانه ... تلّى شفاعا حوله كالاِذخِرِ
الأباءة الغيضة، يريد قوما قُتلوا قريبا من غيضة، تلّى صرعى، من تَلّه للجبين، شفاعا اثنين اثنين، يقول امتلأت الأرض منهم حي قُتلوا، وذلك أن الاذخر يكثر إذا نبت ولا تكاد تجد اذخرة واحدة إنما تجد الأرض منه مستحلسة.
من يأتِه منهم يؤبْ بمرشّةٍ ... نجلاءٍ تُزغل مثل عَطِ المِسترِ
تزغل تدفع، مثل شق المستر وهو ثوب يستتر به، نجلاء، واسعة.
وقال يصف رجلا والبيت لزهير:
يطعنهُم ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا ... ضارب حتى إذا ماضاربوا اعتنقا
يقول: إذا رموا من مدى بعيد غشيهم بالرمح فإذا اطعنوا دخَل تحت الرماح وضارب فإذا ضاربوا دخل تحت السيوف فاعتنق، إنما أراد أن يخبر أنه أقربهم منهم وألزقهم بهم.
وقال مالك بن خالد الخناعي:
ترى القوم صَرعى جثوةٍ أصبحوا معا ... كأنّ بأيديهم حواشي شِبرق

شبرق شجر وحواشيه حمر، فشبه الدماء بها. وقال ابن مقبل:
ورجلة يضربون البَيضَ عن عُرُضٍ ... ضرباً تواصى به الأبطالُ سِجّينا
سجّين ضرب شديد، قال أبو عبيدة: ومنه قول الله عز وجل " بحجارة من سجيل " ، أي شديد، قال: وليس قول من قال سنكك وكل بشيء، ويروي سِخينا أي سخن. وقال كعب بن زهير:
بضربٍ يُلقح الضِبعانُ منه ... طِروقته ويأتنف السفادا
قال الأصمعي: يقول أخصب الضبعان حتى كأنه في ربيع يخصب فيلقح فيه، يأتنف السفادا، آخر: إذا شبع ترك الطلب وألحّ على السفاد، غيره: يريد تركنا من ذلك الضرب قتلى فيها طعام يلقح الضبعان طروقته سنتة ويأكل منه فيكفيه حتى يأتنف سفاداً من العام المقبل، والضبعان ذكر الضباع وقال النابغة الجعدي:
تحمَّل حي من كلاب وعلّقوا ... رؤوسً تُثفّى منزلاً ثم منزلا
وجئنا بإبدالء الرؤوس فلم ندعْ ... لبنتِ كلابيّ من التبلِ مغزلا
تثفى تُتَّخد أثافي، أي لم ندع مغزلا أخذ منهم إلا استنقذناه فرددناه عليهم.
وقال عدي بن زيد يمدح رجلا في حرب:
يهيِّجُه الصوتُ الضئيلُ وقِرنه ... يعاندُ خرقاً ثائرأ دون سربالِ
يقول يهيجه صوت رجل قد طُعن فهو ضعيف الصوت يستغيث، يعاند يميل من طعنة، والثائر الدم، ويروي.
يجيْبُ إلى الصوتِ فقرنه ... يعالجُ وهياً فائرأ دون سربالِ
وقال يذكر طعنة:
تقحِّم الآنِيَ العبيط كما ... قحَّمَ غرب المحالةِ الجملِ
الآني الدم الذي قد بلغ ونزا في الجوف، والعبيط الطي، والغرب الدلو، والمحالة البكرة، يقول تدفع الطعنة الدم كما يجذب الجمل الغرب ويدفعه. وقال أبو ذؤيب:
وغادر في رئيسِ القومِ أخرى ... مشَلشلة كما نفَذَ الخسيف
مشلشلة طعنة تشلشل بالدم، والخسيف البئر تكون في جبل فيُكسَر جبلها عن الماء فلا تنزح أبدا. وقال ساعدة بن جؤية:
كأنما يقعُ البُصري بينهم ... من الطوائفِ والأعناقِ بالوَذمِ
البصري سيف منسوب، والطوائف النواحي يريد الأيدي والأرجل، والوذم سيور في الدلو، يقول كأنما تقع السيوف على السيور من سرعة مّرها. وقال لبيد وقد ذكر الدهر وحوادثه:
ولقد رأى صُبح سوادَ خليلةِ ... من بينِ قائمِ سيفه والمِجملِ
صبح ملك من ملوك اليمن، وخليلة كندة وذلك أنه ضُرب ضربة فرأى كبد نفسه، ويقال: بل أراد بخليله صاحبه الذي ضربه وسواده شخصه وقد قرب منه، والمحمل حمائل السيف.
وقال أبو خراش:
فنهنه أولى القوم عني بضربةٍ ... كأوشخةِ العذراءِ ذاتِ القلائدِ
يريد طرائق الدم كأوشحة العذراء. وقال المتنخل الهذلي وذكر سيفا:
ذلك بزّي وسليهم إذا ... ما كنَّتِ الحَيش عن الأرجلِ
هل ألحق الهِدرة بالضربة الخدباء بالمطَّرد المقصَل. كفت شمر، والحيش الفزع أي شمر بهم الفزع، والهدرة الضربة التي تهدر قطعة فترمى بها، والمطرد الذي يتتابع إذا هز. وقال كثير:
ويضربُ رَيعانَ الكتيبةِ صفّنا ... إذا أقبلتْ حتى نطرّفها رَعلا
ريعان الكتيبة أولها، والرعل أن يقطع اللحمَ ويترك متعلقا لا يسقط، نطرفها نردّها. وقال آخر:
وضربُ الجماجمِ ضرب الأص ... م حنظل شابةَ يجني هَبيدا
ضرب الأصم أشد من ضرب السميع لأنه يبالغ ليسمع صوت الضربة.
وقال آخر وهو الفرزدق - ويروي لذي الرمة:
وكنا إذا القيسي نبّ عَتودُه ... ضربناه دونَ الأنثيين على الكرَدِ
نبَّ عتوده - يصغرّ شأنه، والنيب صياح التيس عند السفاد، والعتود العريض حين يبلغ السفاد، والأنثيان الأذنان، والكرد أصل العنق. وقال زهير:
إذا لِقحَتْ حرب عَوان مضرة ... ضروس تهرّ الناس أنيابُها عُصلِ
قضاعّيةٌ أو أختها مضريّة ... يحرَّق في حافاتها الحطبُ الجَزلُ
لقحت اشتدت، وعوان ليست بأول - قد قوتل فيها مرة بعد مرة، وضروس عضوض سيئة الخلق، تهر الناس أيمط تصيرهم يَهرون منها أي يكرهونها. وقال عننترة:
حلفنا لهم والخيلُ تردِى بنا معا ... نقاتلُكم حتى تهروا العوالياِ

وعصل كالِحة معوجة وإنما يعصل ناب البعير إذا أسن، فأراد أنها حرب قديمة. قال وسمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: يقولون لزهير " حرب مضرة " ولو كان إلي لقلت " مصِرّة " أي تعتزم وتمضي، قضاعية أو أختها مضرية - أي حرب منكرة. يقال: قضاعة بن معد مضر بن نزار بن معد، والجزل ما غلظ من الحطب. يقول: توقد بالجزل لا بالدقيق، والمعنى أنها حرب شديدة. ومثله قول الأعشى:
أي نارِ الحربِ لا أوقدُها ... حطَباً جزلاً فأورَى وقدَحَ
وقال ابن مقبل:
لا حرب بالحرب يشفيها الإله ويش ... فيها شفاعة بين الاِلّ والرحِم
حتى تشولُ لقاحاً بعد قارحِها ... تحرّبوها كحربِ الذئب للغنمِ
يقول: إذا شفى الله الحرب وشفتها الرحم فليست بحرب شديدة، والالّ الحِلف والقرابة، وأول ما تلقح الناقة فهي قارح، جعل الناقة مثلا للحرب، تحربوها أي تجعلوها حربا، يقال: حرب وأحرب أي حرش الحرب. وقال كعب بن زهير:
صبحناهم بجمعٍ فيه ألف ... رواياهم يخضخضنَ المزادا
الروايا الإبل التي تحمل الماء، تخضخض المزاد والضأن القهادا أربت يعني الحرب لزمتهم، والأركاع السفلة، والقهاد الصغار الأذناب القباح الوجوه، يهجوهم أي أنهم كذلك.
وقال النابغة الجعدي:
ويوم شديد غير ذي متنفسٍ ... أصمٍ على من كان يُحسب راقيا
كأن زفير القوم من خوفِ شرهِ ... وقد بلغت منه النفوسُ التراقيا
زفير متمّ بالمشيّا طرّقتْ ... بكاهله فلا يَريمُ الملاقيا
المتم المرأة الحامل أتمت حملها، والمشيأ المختلف الجسم، طرقت بكاهله أي حان خروج كاهله فنشب، فلا يريم ملاقي الفرج. وقال أبو ذؤيب:
وقائلة ما كان حذوةً بعلها ... غداة إذٍ مِنها شاءِ قِرد وكاهلِ
ردّدنا إلى مولى بنيها فأصبحتْ ... يُعَدُّ بها وسط النساءِ الأراملِ
أي رب قائلة تقول ما أصاب زوجي من حذوة الجيش؟ أي ما أعطى، وقرد وكاهل قبيلتان من هذيل، وإنما يهزأ بالمرأة يقول: قتلنا زوجها فصار يلي بنيها مواليهم أي بنو العم وأصبحت تعد في الأرامل.
وأشعت بوشّي شفينا اُحاحَه ... غداة إذ ذي جَردة متماحلِ
أهمَّ بنيه صيفهم وشتاؤهُم ... فقالوا: تعدّوا غْز وسط الأراجل
بوشي ذو بوش وعيال، أحاحه غيظه، والجردة الشملة، المتماحل الطويل الطرفين، أهم بنيه نفقة صيفهم وشتائهم فقالوا لأبيهم تعدّ أِي - انصرف، واغز وسط الأراجل رجّالة جماعة.
تأبّط نعليْه وشيقّ فريرة ... وقال أليس القوم دون حُفائل
يقول تزود نصف خروف، قال أبو عمرو: نصف فروة. وقال أليس القوم - العدو - قريباً؟، فقال يكفيني هذا الزاد وأنا إليكم بالغنائم. وقال ساعدة بن جؤية:
بيناهُم يوما كذلك راعَهُم ... ضبر لباسهم الحديد مؤلّبُ
ضبر جماعة من الناس، ومنه ضبرت الكتب أي جمعتها، مؤلب مجّمع.
تحميهُم شهبا ذاتُ قوانس ... رمّازة تأبى لهم أن يُحربوا
قوانس أعالي حديد، رمازة تموج وتتحرك وأصل الرمز تحريك الشفتين.
لا يُكتَبون و لا يُكَتّ عديدُهم ... حفلَت بجيشهم كتائب أو عبوا
لا يكتبون أي يجمعهم العدد، ولا يكت لا يكسر، أو عبوا جاءوا بجماعتهم. وقال:
يُدعُون حُمساً ولم يرتعْ لهم فزع ... حتى رأوهم خلالَ السبي والنعمِ
الحمس بنو عامر وكنانة وخزاعة ومن ولدته قريش - سمّوا بذلك لأنهم كانوا يحرمون أشياء لم تكن العربَ تحرمها. وقال الشاعر وهو ابن أحمر:
لو بي تحمّست الركاب إذّا ... ما خانني حَسبي ولا وفري
أي تحرمتْ، ولم يرتع - يفتعل من الروع كأنه قال: ولم يفزع لهم فزع أي لم يكونوا فزعوا قبل ذلك وكانوا عند أنفسهم أعزّ من الأحماس فلم يشعروا حتى رأوا الذين أغاروا عليهم بين السبي والنعم يأخذون.
فاستدّبروا كل ضَحضاحٍ مدفّئِة ... والمحَصنات وأوزاعاً من الصِرَمِ

استدبروا ساقوها من ورائها، كل ضحضاح يعني إبلا والضحضاح الرقيق أصله من الماء الرقيق وإنما قال لها ضحضاح يعني لانتشارها على الأرض، مدفئة كثيرة، وأوزاعا يعني فرقا. وقال عمرو ذو الكلب وكان جارا لهذيل:
ومالَبثَ القتالُ إذا التقينا ... سوى لَفْتِ اليمينِ على الشمالِ
يقول إنما لبث كقدر اشتمال إنسان في السرعة. وقال عياض بن خويلد:
من المدَّعينَ إذا نوكِروا ... ترْيع إلى صوته الغَيلَم
المدعين هو أن يقول: خذها وأنا فلان، ونوكروا كرهوا، تريع ترجع، والغيلم المرأة الحسناء، أي هو يمنع ويقاتل عن الفتاة. وقال عياض بن خويلد:
بشهباءٍ تغلب من ذادَها ... لدى متنٍ وازعِها الأورمِ
تغلب من طردها، يقول معظم الجيش وأشده انتفاجا خَلف وازعها ليزعها فخلفه معظمها. وقال أبو جندب:
وقلت لهم قد ادركتُكم كتيبةً ... مفسِّدةً الأدبارِ مالم تخفّز
من قال: تخفر بفتح الفاء أراد ما لم تُنفَذ لها خفارتها، ومن قال تخفر بكسر الفاء أراد ما لم تعب عَهدا فإن أعطت وفت به، مفسّدة يريد إذا أدركت دبر كتيبة أفسدتها.
وقال ساعدة يذكر امرأة تسأل عن أبيها صاحبين له:
فقالا عهدنا القومَ قد حضَروا به ... فلا ريب أن أن قد كانَ ثم لَحيم
حضروا به أي حضروه، فلا ريب فلا شك، لحيم قتيل - لحِم فلان قتل، ويروى " شحيم " أيضا أي قتيل. وقال يذكر جيشا:
صابوا بستةِ أبياتٍ وأربعةٍ ... حتى كأنّ عليهم جابئاً لبدا
أي وقعوا بهم، والجابيء الجراد يريد من كثرة ماَ وقع عليهم الناس كأن عليهم جرادا ملتبدا. وقال أبو خراش حين أسر فافتداه خويلد:
فداني فلم يضننَّ عليّ ببكرِه ... وردّ غداة القاعِ رَدّة ماجدِ
بكره ولده الأول، رد ردة ماجد أي كرّ كرة ماجد. وقال أبو ذؤيب:
مردّ قد نرى ما كان فيه ... ولكن إنما يدَعي النجيب
أي مكرّ. وقال كثيّر:
وسارَتْ إلى شهباءٍ ثابِتة الرحى ... مقنّعة أخرى تزود نجومها
مقنعة بالحديد يعني كتيبة، ونجومها توقدها من الحديد والبَيض كأن فيها نجوما، تزول تحرك كقول زهير:
تبصّر خليلي هلى ترى من ظعائن ... كما زالَ في الصبحِ الأشياءِ الحواملِ
عبد الرحمن عن عمه.
والحرب لا تقهر لاستعلائِها ... تطمح لم يقدَر على إلهائِها
يقول الحرب لا تقهر بأمر يسير حتى يحتوش من نواحيها، فشبه الناقة بالحرب لأنها لا تضبط حتى يكون مستعلٍ وبائن، والمستعلي الذي يحلب والبائن الذي يمسك العلبة.
عبد الرحمن عن عمه لعامر بن الطفيل:
ونعم أخو الصعلوكِ أمسِ تركتُه ... بتّضرعٍ يمري باليديْنِ ويعسِفُ
يمري يمسح الأرض، والعسف أن يتنفس نفسا شديداً. والعرب إذا رأوا البعير قد عسف نحروه، والعسف نزو الحنجرة وهذا مجروح، وأنشد.
حتى يرى يعسف قد أحبّا
والمحِب الذي قد كاد يموت. وأنشد:
ما كان ذنبي في محبٍ باركْ ... أتاه أمرُ الله فهو هالْكُ
وقال أوس بن حجر:
وفارَتْ بهم يوماً إلى الليلِ قِدْرنا ... تصّكُ حرابيَّ الظهور وتدسَعُ
هذا مثل، أي كأنهم في قدر لنا تغلي بهم، وحَرابيّ الظهور عضلُها الذي يشخص من لحمها، أراد إنا نطعنهم في ظهورهم لأنهم منهزمون وأنشد لعبد الله بن عنمة الضبي.
حرابيّ متنيه تديص كأنها ... خُصي أكلب ينزون فَي رأسِ أبرقا
تديص تموج، وتدسع تدفع وترمي بالزبد يعني القدر كأنها تقىء عليهم.
فما جبنوا إني أسِدّ عليهم ولكن لقوا ناراً تحشّ وتسفع
إني بالكسر أسِدّ عليهم أقول بالسداد وهو القصد. قال الأصمعي هكذا أنشدنيه شعبة عن سماك بن حرب، وأنشدنيه أبو عمرو بن العلاء " فما جبنوا أنا نَشد عليهم " يقول لم يجبنوا لشَدنا عليهم ولكن لقوا حربا مثل النار. وقال يذكر خيلا عليها فرسان:
عليها شِحاحٌ لا ذخيرة فيهم ... فيلحق منهم لاحق وتقطّعوا
شحاح شداد حراص على الغنيمة، لا ذخيرة فيهم لا معروف لأحد عندهم فيحتاجوا إلى أن يكافئوه به، فيلحق لاحق أي من الخيل، وتقطعوا قبل أن تبلغ. وقال:

لدي كلِ أخدودِ يغادرن دارعاً ... يجَرّكما جر الفصيلِ المقرَّعُ
القرع بثر الفصال وجدريّها فتبلّ ثم تجرّ في سبخة أو ملح فيذهب.
لدن غدوةٍ حتى أغاثَ شريدّهم ... طويل البناتِ فالعيونُ فضَلفَع
طويل البنات جبل حوله جبال صغار، يقول صاروا فيه فأفاقوا وشربوا الماء. وقال:
نبئت أنّ دماَ حراماً نلتَه ... وهريق في ثوبِ عليكَ محبّرِ
إن كان ظني يا ابن هند صادقي ... لا تحقنوها فيَ السقاءِ الأوفرِ
يقول صار الدم في ثيابكم ليس عند آخرين، لا تحقنوها أي لا تذهبوا بها، وهذا مثَل للعرب أي أنتم قتلتموه. وقال رؤبة:
قلت وجدَّ الورد بالفُرّاطِ ... لابدّ من جبيهةِ الخِلاطِ
إذا تلاقى الوهط بالأوهاطِ ... أروِي بثَرثارَين في الغِطماطِ
الوهط المكان المطمئن من الأرض، يريد إذا اجتمعت جماعات القتال في هذه المواضع: وإنما يريد ورد القتال، والجبيهة المصادمة، والخلاط المخالطة، والثرثار الذي له صوت، والغطماط الموج، وإنما هذا مثل. وقوله:
أغرفُ من ذي حدب وأوزي ... إلى تميم وتميم حرزي
قال بعضهم: أوزي أسند وقال آخرون أصبّ في الإزاء وهو موضع مصب الماء، وهو أيضا مثل قوله:
بأيّ دلو إن سقينا تستنيَ
وهذه أمثال. الأصمعي في قول الشاعر:
وخيل بني شَيبان أحنطها الدم
: أي كان الدم لها حنوطا. وقال رؤبة:
وأنا إن حافل يوم الحّفِل ... وغَشّ ذو الضّبِ وداء الحقلِ
والحرب تَشرَي بالكِشافِ المغلِ
الضب داء يكون في الصدر، والحقل هاهنا مثَل وهو داء يصيب الإبل في بطونها من أكل التراب والاسم الحَقْلة، والكشاف اللقاح، والمغل أن تلقح في السنة مرتين يقال أمغلت الشاة، قال الأصمعي: وضعه في غير موضعه لأن الكشاف إنما هو في الإبل والمغل في الشاء.
أنشد ابن الأعرابي لشداد بن معاوية:
قتلت سراتكم وحَسلت منكم ... حسيلأ مثل ما حسل الوِبار
الحسيل والخسيل الرُذال، يقول قتلت سراتكم وتركت رذالكم الذين يُنفون كما ينفيَ الوبار. وأنشد:
تخبط بالأخفافِ والمناسمِ ... عن دِرّة تخضب كف الهاشمِ
هذه حرب شبهها بناقة ودرتها دم، ويقال هشم ما في الضرع إذا حلبه كله. وأنشد لبعض الأنصار:
وأفلتنا أحَيَة غَير غَفرٍ ... يواري شخصه منا السواد
الغفر أصله النكس، يقول أفلتنا مرةَ وليس بمفلت بعد. وقال في قول ضمرة:
ماويّ بل ربّتَ ما غارة ... شعوا كاللَذعة بالمِيسمِ
يريد كأنها في سرعتها لذعة بميسم في وبر. وقال آخر:
وآخر شاص ترى جلده ... كقشرِ القتادةِ غِبّ المطرِ
الشاصي الرافع رجله، وإذا أصاب المطر القتاد انتفخت قشوره وارتفعت، أراد قتيلا قد انتفخ.

باب المعاني في الديات
قال زهير:
تُعفى الكلوم بالمئين فأصبحَتْ ... ينجّمها من ليسَ فيها بمجرِم
أي تمحي الجراح بالمئين من الإبل، يقول أنتم تغرمونها وتتحملونها نجوما على أنفسكم حتى يتموا الصلح، يريد المصلحين من عبس وذبيان.
فأصبحَ يجري فيهم من تلادكم ... مغانم شتى من إفالٍ مزنَّم
يقول صار عندهم من تلادكم لأنكم تحملتم، والإفال صَغار الإبل الواحد أفيل، والمزنم الموسّم بسمة توسم بها كرام الإبل. وقال: المزنم فحل معروف. ثم قال:
لعمركَ ماجرّت عليهم رماحهم ... دم ابن نهيكٍ أو قتيلِ المثلّمِ
فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه ... صحيحات مال طالعات بمخرم
يقول لم يحملوا دم ابن نهيك ودم قتيل المثلم لأن رماحهم جرّت ذلك ولأنهم جنوه - ولكن تبرعوا بالصلح بين عشيرتهم فأصبحوا يعقلون عنهم، وقوله: صحيحات مال - ويروي ألف، يريد ألفا من الإبل، طالعات بمخرم - أي قد نفذت إلى أصحابها الذين أدوها إليهم وقال آخر:
عقلُنا لهم من زوجِها عددُ الحصى ... تُخطّطهُ في جنحِ كل أصيلِ
يقول قتلنا زوجها فلم نجعل عقله إلاّ همها تخطط في الأرض من غمها بذلك وفكرتها بما أصيب به من زوجها. والمغموم يولع بلقط الحصى وعدّه. وانشد لذي الرمة:

عشية مالي حيلة غير أنني ... بلقطِ الحصى في عرصة الدار مولعُ
وقال آخر:
كفى مطلَّقةٍ تفتّ اليرمعا
وقال أمية بن أبي الصلت:
في فعالٍ من المكارمِ جزل ... لم تعلّل لهم بلَقطِ حصاكا
وقال الكميت يذكر رجلا:
كأنّ الدياتِ إذا علّقتْ ... مئوها به الشنَق الأسفلُ
الشنق ما بين الفريضتين وهي في البقر الوقص، يقول الديات التامات عنده في خفة حملها عليه كأسفل الأشناق. وقال الأخطل:
قرم تعلق أشناق الدياتِ به ... إذا المئون أمرّت فوقه حملا
ابن الأعرابي: الشنق أن تزيد الإبل على المائة خمساً أو ستا: يقول فهو يحتمل الديات كاملة زائدة وقد تفعل العرب ذلك إذا احتمل الرجل الحمالة زاد أصحابها ليقطع ألسنتهم عنه وينسب إلى الوفاء. أمرت فوقه حملا - كأنها شدت عليه بالمِرار وهو الحبل. وقال الكميت:
أبونا الذي سن المئون لقومِه ... ديات وعداها سلوفاً منيبهاً
عدّاها أمضاها سنة، سلوفا متقدما، منيبها مطيعها، وقيل السابق.
وسلمها واستوسق الناس للتي ... تعلل فيما سن فيهم جَدوبها
يقول من عابها تعلل لأنه لا يجد عيبا. وقال زيد الخيل يذكر إياس بن قبيصة الطائي:
أفي كل عام سيد يفقدونه ... تحكِّك من وجدٍ عليه الكلا كلُ
ثم يكون العقل منكم صحيفةً ... كما علقت على السليمِ الجلاجلُ
كان كسرى أرسل إلى مال إياس ليأخذه فنفرت عن ذلك طيء وقد أراد أن يبطش بأناس منهم فلما رأى ذلك كسرى كتب لهم كتابا. فيه أمان فقال زيد شعرا هذين البيتين فيه يحض قومهم وينهاهم أن يقبلوا كتابه أو يطمئنوا إلى قوله. وقوله: كما علقت على السليم الجلاجل - كان اللديغ تعلق عليه الجلاجل والحلى ثم تحرك لئلا ينام فيدب السم في جسده. يقول: فهذا الكتاب الذي كتبه لكم كسرى كذلك يخدعكم به ويعللكم. وقال النابغة يصف حية:
يسهّد من نومِ العشاءِ سليمها ... بحلى النساءِ في يديه قعاقعُ
وقال عمرو بن معدي كرب:
لصاحت تنادي الهام منهم بأرضنا ... صياحَ الندامى حول بيتِ تجارِ
يقول قُتلوا فصاحت هامهم وكانت الأعراب تزعم أن الهامة تصيح إذا قتل الرجل بإني عطشى حتى يقتل بثاره فتسكهن، ويقال بل يخرج من رأسه طائر يقال له الهامة، والتجار هاهنا باعة الخمر وقالت ليلى الأخيلية:
إلى الخيل أجلي شأوها عن عقيرةٍ ... لعاقرِها فيها عقيرةُ عاقرِ
تريد فيها وفاء لعاقرها في القصاص.
فإن لا يباوئه السليل يكنْ لكم ... من الدهرِ يومِ ورده غير صادرِ
يباوئه من البواء وهو القصاص، والسليل رجل من عقيل، تقول إن لم يقاص به أقام لكم يوم من الشر مَن وردَه لم يصدر، تريد أنه يقتل.
وإن تكنْ القتلى بواء فإنكم ... فتى ماقتلتم آل عوفٍ بن عامر
فتى ما قتلتم على جهة التعجب أيْ: أيّ فتى ما هو من فتى، والبواء التساوي في القصاص. وقال أنس بن مدرك وقتل سُليكا:
إني وقتلى سليكاً ثم أعقُله ... كالثورِ يُضرب لما عافت البقرُ
كان سليك وطىء امرأة من خثعم وأهلها خلوف فقتله انس فطولب بعقله فامتنع. وقال: إن قتلى سليكا كان باستحقاق فمطالبتكم إياي بعقله ظلم كما ظُلِم الثور لما ضُرب إذ عافت البقر، وقد فُسر هذا وما أشبهه. وقال زهير يصف قوما:
كرام فلا ذو التبل يدرك تبلهلديهم ولا الجاني عليهم بمسلم يقول إذا تبلوا في قوم لم يطمع القوم في الإدراك بتبلهم منهم وإن جني عليهم جان لم يسلَم لمن يأخذه بجنايته. وقال يمدح قوما:
وإن قامَ منهم قائمٌ قالَ قاعد ... رشدت فلا غرمٌ عليك ولا خذل
أي إذا قام في الحمالة قائم دعا له القاعد بالرشاد: لا غرم عليك لتبرعهم جميعا بالاحتمال، كلهم يحب أن يلزم ذلك دون غيره. قال الحارث بن حلزة:
إن نبشتَّم ما بين مِلحةَ فالصاق ... بُ فيه الأمواتُ والأحياءُ

يقول إن أثرتم ما كان بيننا وبينكم من الوقعات التي كانت بين الصاقب - وهو جبل - وملحة - وهو مكان - ظهر عليكم ما تكرهون من قتلى قتلناها لم تدركوا بثارهم، وفيه الأموات والأحياء - يقول في هذا النبش والأمر الذي أثرتموه موتى قد نُسوا ومات أمرهم لقدم عهدهم، وفيه أحياء أي حديث أمرهم قد بقي ففي آثارهم تلك ما يعرف به فضلنا عليكم وادعاؤكم الباطل، ويقال: إن نبشتم ما فعل الميت وما فعل الحي.
أو نقشتم فالنقش يجشِّمه النا ... سُ وفيه السقام والابراءُ
النقش الاستقصاء ومنه قيل ناقش فلان فلانا في الحساب أي استقصاه، يقول إن استخرجتم كل شيء ففي الناس السقام والابراء أي لا تأمنون إن استقصيتم أن يكون السقام فيكم بأن تكونوا فتلتم فلم تثأروا وقُهرتم وعسى أن يكون الإبراء منا فيستبين ذلك للناس ويصير عاره عليكم فترك الاستقصاء خير.
أو سكتَّم عنا فكنتمِ كمنْ أغ ... مَضَ عيناً في جفنها أقذاءُ
أو منَعتُم ما تُسألون فمن حدِّ ... ثتموء له علينا العلاءُ
أي إن منعتم ما تسألون من النصفة فانظروا من ضامنا أو كانت له الغلبة علينا فاعتبروا.
فاتركوا الطَيخَ والتعدي وإمّا ... تتعاشَوا ففي التعاشِي الداءُ
الطيخ الكلام القبيح، يقال هو طيّاخة، والتعاشي التعامي يقول إن تعاشيتم عن أيامنا فألجأتمونا إلى الإخبار عنكم وعنّا صرتم إلى ما تكرهون.
أعلينا جُناحِ كندة إن يغ ... نم غازيهم ومنا الجَزاء
ذكروا أن كندة غزت بني تغلب فقتلوا منهم وأسروا، يقول إن كانت كندة فعلت ذلك بكم فلم تقدروا أن تمتنعوا ولا أن تلحقوا اثأركم أفعلينا تحملون ذنبهم؟ يقول: تغنم كندة منكم فيكون جناح ما صنعواعلينا؟.
أم علينا جرّي إياد كما قي ... ل لطسم أخوكم الأبّاء
قال الأصمعي: كان طسم وجديس أخوين فكسرت جديس على الملك خراجه فأخذت طسم بذنب جديس، والأباء أبى أن يؤدي الخراج، يقول تريدون أن تلزمونا ذنوب الناس كما قيل لطسم إن أخاكم كسر الخراج على الملك فنحن نأخذكم بذنبه.
عننا باطلا وظلما كما تُع ... تر عن حَجرة الربيض الظِباء
عننا اعتراضا، يقول: أنتم تعترضوننا بادعاء الذنوب، والعتر الذبح والعتيرة ذبيحة، والحجرة الحظيرة تتخذ للغنم، والربيض جماعة الغنم، وكان الرجل من العرب ينذر نذرا على شائه إذا بلَغت مائة أن يذبح عن كل عشر منها شاة في رجب كانت تسمى تلك الذبائح، الرجبية فكان الرجل منهم ربما بخل بشائه فيصيد الظباء ويذبحها عن غنمه في رجب ليوفي بها نذره، فقال: أنتم تأخذوننا بذنوب غيرنا كما ذبح أولئك الظباء عن غنمهم. وقوله:
أم علينا جرَّى العباد كما ني ... ط بجوز المحمّل الأعباء
جوزه وسطه، والأعباء الأثقال، أي كما يزاد الثقل على الثقل وقال يصف إيقاع الغَلاّق بتغلب:
ما أصابوا من تغلبي فمطلو ... ل عليه إذا تولّى العفاء
كتكاليف قومنا إذ دعا المن ... ذر: هل نحن لابن هند رِعاء
كان عمرو بن هند قد بعث إلى بني تغلب وكانوا انحازوا عنه، يدعوهم إلى الرجوع إلى طاعته والغزو معه فأبوا وقالوا: مالنا نغزو معك أرعاء نحن لك؟ فحكى الحارث قول تغلب - فغضب عمرو فغزاهم في طريقه إلى غسان فقتل منهم، وقوله: كتكاليف - يقول لما كلِّفوا أن يرجعوا إلى عمرو لم يفعلوا - أي كانت وقعة الغَلاق بهم وذهاب أموالهم ودمائهم فيها هدرا كهذا. وقوله:
وأقد ناه رب غسّان بالمن ... ذ ركرها اذلا تكال الدماء.
يقول ذهبت هدرا فليس فيها قَود، يقال كِيل فلان بفلان إذا قتل به.
وقال الأسعر بن حمران الجعفي:
باتت بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعد وبهاعتَد وَأي
البصيرة الدفعة من الدم، أي دماؤهم قد خرجت فصارت على أكتافهم وبصيرتي - في جوفي يعدو بها فرسي، يريد أنهم جرحوا، ويقال: بل أراد أن الذي طلبوه من الذحول على أكتافهم لم يدركوه بعد فهو ثقل عليهم، وبصيرتي أي ذحلى قد أدركت به.
وقال عوف لقوم أخذوا إبل جيران له:
وإن كان عقلا فاعقلوا لأخيكم ... بنات المخاض والبِكارَ المقاحما

يهزأ بهم يقول: إن كان الأمر إلى أن تعقلوا فأعطوا الخشارة. وقال عبد الله بن سلمة:
وسامِي الناظرين غذيّ كثر ... وثروة نابت كثرو افهِيبوا
غذى كثر هو في سعة من المال، وثروة أي عدد كثير، نابت نشأ حديثا.
نقِمت الوتر منه فلم أعَتم ... إذا مسحت بمغنظة جنوب
أي انتصرت منه، لم أعتم لم أحتبس، مغنظة غم - غنظه الأمر إذا كَربه.
وقال عطية الخطَفَي:
إذا ما جدعنا منكم أنف مِسمَع ... أقرّ ومنّاه الصعاصِع أبكُرَا
مسمع أذن، وأنف كل شيء أوله، وقال بعضهم: المسمع كل خرق في الجسد من أنف وأذن، أقر على ذلك لذلّه، الصعاصع هلال بن صعصعة وقومه ومن يليه، أبكرا في الدية.
وقال الأخطل:
ألقوا البُرِين بني سليم إنها ... شابت وإنّ حَزازها لم يذهب
البُرة الحلقة، وكانت امرأة من بني سُليم خزمت أنفها لما قُتل عمير بن الحباب السلمي وقالت: لا أنزعها حتى يدرك بثأره، والحزاز الحرقة يجدها الرجل في قلبه.
ولقد علمت بأنها إذ علقت ... سمة الذليل بكل أنف مغضَب
وقال العجاج:
فلم يكن ينكَر فيما لم يُغَرّ ... عقل المئين والمئين والغُرر
أي لم يكن ينكر فيما لم يُغَرّ منه الناس - فخفف - أي لم يكن ينكر أن يعقل المئين من الإبل في الدية، والغُرر جمع غرة وهو عبد أو أمة أو فرس. وقال العجاج:
فإن يكن لاقي حيا بلأمم ... أمر يَفُضّ الصخر من جُول العلَم
حي رجل حبس وقيّد، يقول إن فعل هذا به في أمر يسير وهو الأمم فلاقاه منه أمر عظيم يكسر الصخر من ناحية العلم، والعلم الجبل، والجول الناحية.
فلم يعِشْ مضيّما ولم يضَم ... بالأخذ والأخذ له ثأر العيمَ
أي لم يعش يحمل على الضيم ولم يضم هو بأن يؤخذ وأن يؤخذ لَه الثأر المختار، يقال اختار له عيمة ماله - أي خياره - وجماعة عِيمَ. وقال آخر:
فقتلا بتقتيل وعقرا بعقركم ... جزاء العطاس لا يموت من اثّأر
جزاء العطاس يعني التشميت. وقال امرؤ القيس:
بأي علا قتنا ترغبو ... ن عن دم عمرو على مَرثد
أبو عمرو - لم يعرف هذا البيت أحد ممن سألته عنه غيره - : يقول بأي شيء تتعلقون علينا من العيوب فترغبون له. وقال النابغة:
لئن كان للقبرين قبر بجلّق ... وقبر بصيداء التي عند حارب
وللحارث الجفني سيد قَومه ... ليلتمسن بالجمع أرض المحارب
هذا تحضيض على الغزو، يقول: لئن كان ابن هؤلاء الذين سميت ووصف مكان قبورهم ليغزون بالجمع دار من يحاربه. وقال الكميت لقضاعة:
لأية خصلتين دعوتمانا ... فلبّيكُم إجابة مستطيل
مستطيل يأخذ بالفضل عليكم لا إجابة فقير إليكم.
فإن نك في مُناوأة أخذنا ... بسَجل في الخُماشة ذي فضول
المناوأة المعاداة، و يروى: في مباوأة، من البواء - رجل برجل، والسجل أصله الدلو أي بنصيب وحظ، والخماشة جراحة لا تبلغ الدية وقال خداش بن زهير:
أكّاف قتلي العِيص عِيص شُواحط ... وذلك أمر لا يثفي له قِدري
يقال هذا أمر لا يثَّفى عليه قدري أي لا تبرك عليه إبلي أي لا أعتد به ولا أريده وقال الراعي:
وفجع يقلع الأحداث عنه ... تحسر حربُه الدحِن البَطينا
الفجع المصيبة تقضّي أحداث الدهر عنه، تحسِّر تدعه حسيرا، والدحِن العظيم البطن.
تُبادرنا إساءتُه فجئنا ... من الأفواج نبتدر المِئينا
يريد تبادر بالإصلاح من قولك أسوت الجرح، يريد جئنا نصلح ذلك الفجع، والأفواج الطرق من كل وجه، نبتدر المئين يريد نحتمل الدماء والديات بالمئين من الإبل.

باب في الثأو
قال أبو كبير الهذلي:
تقع السيوفُ على طوائفٍ منهم ... فيُقامُ منهم ميل من لم يعدل
يقول إذا كان لنا فيهم دم قتلنا به منهم حتى نستوي نحن وهم، والطوائف النواحي يريد الأيدي والأرجل. ومثله لأحيحة بن الجلاح:
وقد علمتْ سَراةُ الأوسِ أنيمن الفتيان أعدلُ ما يميلُ
أنشد عبد الرحمن عن عمه:
تالله قد قذَفوا ضحوا بفاقرة ... إذا لقيلٍ أصابوا الميلَ فاعتدلوا
وقال رجل من عبد شَمس:

أكرهت نفسي والحياةُ حبيبة ... على جدن والخيل زُور قَوابعُ
جدن اسم رجل، زور مزورة من الطعن. قال عنترة:
فازوّر من وقعِ القنا بلبَانه ... وشكا إليّ بعبرةٍ وتحمحُمِ
قوابع متقاعسة خانسة.
ولم يثنِ همي يومَ ذلك أنه ... بنحري جارٍ من دمِ الجوف ناقع
يعني أنه طعنهم فانتضح عليه من دمائهم، يقول لم يثن همي ذلك من طلب الزيادة، ناقع شاف لأنه قد طعنه فاشتفى بذلك. أبو جندب الهذلي:
دَعوا حولي نفاثةَ ثم قالوا ... لعلّكَ لست بالثأرِ المنيمِ
كان هذا القول منهم على الاستهزاء، يقولون له لعلك إن قتلت لم تكن بثأر، والمنيم الذي إذا ظفر به صاحبه رضي به ونام عليه، أبو عمرو: الثأر المنيم الكفء.
وقال عمرو بن معدي كرب:
فإن أنتمُ لم تثأروا بأخيكم ... فمشّوا بآذانِ النعامِ إلمصلّمِ
أي أنكم قد جدعتم بأخيكم فآذانِكم كآذان النعام، ومُشوا أمسحوا أيديكم بها. وقال امرؤ القيس:
نمشّ بأعرافِ الجيادِ أكفّنا ... إذا نحن قمنا عن شواءٍ مضهَّبِ
وقال آخر:
مشينا فسوّينا القبورَ بعاقلٍ ... فقد حسنت بعد القُبوحِ قبورُها
يقول قد كان قتلوا منا أكثر ممن قتلنا منهم حتى استوينا نحن وهم فقد حسن أمرنا بعد أن كان قبيحا. وقال آخر وهو جرير:
يمشي هبيرة بعد مقتلِ شيخِه ... مشى المراسلِ أوذنت بطلاقِ
يعني يمشي على هينته فاترا لم يتحرك في ذلك ولم يطلب ثأر أبيه، والمراسل التي كانت لها زوج مرة فهي قد سمعت الطلاق فليست كأخرى لم تسمعه، ويقال المراسل التي قد تزوجت أزواجا. وقال آخر:
ألا أبلغْ بني وهبٍ رسولاً ... بأنّ التمرَ حلوٌ في الشتاءِ
عيّرهم بأنهم أخذوا دية فاشتروا بها نخلا، أي اقعُدوا وكلوا التمر ولا تطلبوا بثأركم.
وقال آخر:
فظلّ يضوزُ التمرَ والتمر ناقعٌ ... بوردٍ كلونِ الأرجوان سبائبه
الضوز الأكل بخفاء، هذا رجل أخذ دية، يقول فهو يأكل التمر بدم لأنه إنما يأكله بالدية، والأرجوان صبغ أحمر. و قال آخر:
إذا صُبّ ما في الوطب فاعلم بأنه ... دمُ الشيخ فاشربْ من دمِ الشيخِ أودعا
هؤلاء قوم أخذوا دية إبلا فعيرهم، وأرادَ النون الخفيفة في دعا و قال آخر:
كأنّ الذي أصبحتُم تحلبونه ... دمٌ غير أن الدَرَ ليس بأحمرا
وقال آخر:
متى تردوا عكاظ توافقوها ... بآذان مسامِعُها قصارُ
أي بآذان مجدعة أي قد ذللتم وغُلبتمً فلم يكن عندكم انتصار ولا طلب ثأر.
ومثله قول أخت عمرو بن معدي كرب:
فمُشوا بآذان النعام المصلّم
وقال الأعشي:
قد نطعنُ العيرَ في مكنون فائله ... وقد يشيطُ على أرماحِنا البَطلُ
الفائلان عرقان عن يمين الذنب وشماله، يشيط يبطل دمه يقال شاط دمه إذا بطل وأصل الإشاطة الاحتراق ويقال أشاط دمه إذا عرضه للقتل، ويروى: قد نخضب العير من مكنون فائله، قال: والفارس الحاذق يتعمد بالطعن في الخُربة وهي نقرة في الورك فيها لحم ولا عظم فيها تنفذ إلى الجوف، يقول إنا بصراء بموضع الطعن، والفائل عرق يخرج من الجوف في الخربة فيجري في الفخذ، ومكنون الفائل دمه، ومن أنشد: قد نطعن العير فقد أخطأ كيف يطعنه في الدم، ويشيط يهلك، والأصل في الإشاطة الاحتراق. وقال الراعي:
وأزهر سخّي نفسه عن تلادهِ ... حَنايا حديد مُقفلٍ وسوارقه
أزهر رجل أبيض أسرناه فسخت نفسه عن تلاده، حنايا حديد ما عطف من الحديد عليه فاُوثق به، وسوارقه يعني الأقفال، يريد أنه فدى نفسه. وقال آخر:
هم قتلوا منكمُ بظنةٍ واحدٍ ... ثمانية ثم استمروا فأرتعوا
يقول اتهموكم بقتل رجل منهم فقتلوا منكم ثمانية به، ثم أرتعوا إبلهم آمنين لا يخافون منكم غيرا. وقال الحطيئة:
قد ناضلوكَ فسلَّوا من كنائنهم ... مجداً تليداً ونبلأ غير أنكاسِ

ناضلوك رامَوك، وهذا مثَل أي فاخروك فرجحوا عليك بآبائهم وأجدادهم، والنكس هو أن يجعل أعلاه أسفله حين ينكسر، الأصمعي - وقال: المجد هاهنا كان الرجل في الجاهلية إذا أسر الرجل جز ناصيته وخلي سبيله وصيّر ناصيته في كنانته ثم أخرج الناصية عند الفخار فيقول: هذه ناصية فلان. وقال الراعي:
ومغتصَب من رهطِ ضِبعانٍ يشتكي ... إلى القوم أعضادُ المطيّ الرواسمِ
أي أسر وجنب فهو يشتكي أعضادها لأنه قد شُد إليها.
تجولُ به عَيرانة عند غرزِها ... جنيب أقادته جريرةُ جارم
أقادته جعلته منقادا وقال الطرماح:
إذا الجبلان استتليادَين معشرٍ ... على الناسَ كان الدينَ أحلامَ باطلِ
يعني جبلي طيىء أجأ وسلمى، استتليا من التلية والتلاوة ويقال تتلّيت حقي أي تتبعته، يريد صار دين لمعشر من الناس يريد دما يُطلَب به كان ذلك الدم باطلا أي مطلولا بعز طيىء وامتناعها. وقال:
كم من كريم عظيم الشأن من مضرٍ ... ومن ربيعةٍ نائي الدار والنسب
قدراحَ زيد إلى الهطّالَ جانِبَه ... مواشكاً للمطايا طيّع الخَبَبِ
يعني زيد الخيل والهطال فرسه، يقول كم من كريم قد أخذه زيد فقرنه بحبل ثم ذهب به إلى الهطال يجنبه. وقال آخر وهو جرير:
وما باتَ قوم ضامنين لنا دماً ... فتوفيْنا إلا دماء شوافع
أي دمان من غيرنا بدم واحد منا. وقال الأخطل:
وإذا المئون تُووكلت أعناقها ... فاحمل هناك على فتى حمال
أعناقها جماعاتها يقال عنق من الناس أي جماعة، والمئون من الإبل، تووكلت أي اتكل بعضها على بعض فيها. وقال آخر:
وقالوا رَبوض ضخمة في جرانه ... واسمر من جلد الذراعين مقُفَل
يقال شجرة ربوض أي ضخمة وهي هاهنا سلسلة، والجران العنق هاهنا، وأسمر يريد القِدّ، مقفل يابس، يقال أقفله الصوم أي أيبسه وخيل قوافل أي ضوامر يبّس. وقال الفرزدق:
وإني لأخشى أن يكون عطاؤه ... أداهم سودا أو محدرجة سُمرا
اداهم قيود، ومحدرجة سمر سياط من القِد. وقا ل الأعشى:
يقوم على الوغمِ في قومه ... فيعفوا إذا شاءَ أو ينتقم
الوغم التِرة والذحل، يقوم عليه في قومه أي يطالب فإذا قدر فهو بالخيار إن شاء عفا وإن شاء انتقم. وقال أبو زبيد:
من دمٍ ضائعٍ تغّيب عنه ... أقربوه إلا الصدى والجبوبُ
الصد ى ذكر البوم، والجبوب الحجارة، استثنى الصدى والجبوب من الأقربين وليسا منهم. وقال المرار بن سعيد الفقعسي:
ونحن جنبنا السمهري إليهم ... يطيع القرين مرة ويجاذبه
القرين الحبل، يريد أنه موثق. وقال آخر أبو خراش الهذلي:
فمن كانَ يرجو الصلحَ منهم فإنه ... كأحمرٍ عاد أو كُلَيبٍ لوائل
وصف قتيلا فقال: من كان يرجو الصلح من أولئك الذين قتلوا فإن هذا القتيل في الشؤم كأحمر ثمود الذي عقر الناقة أو كشؤم كليب لابني وائل يعني الذي هاجت لمقتله الحرب بين بكر وتغلب، يريد أن الصلح لا يتم. وقالت ليلى الأخيلية:
إلى الخيلِ أجلي شأؤها عن عقيرةٍ ... لعاقرِها فيها عقيرةُ عاقرِ
تريد: فيها وفاء لعاقرها. تريد: عقيرة ما هي من عقيرة - على جهة التعجب.
فالّايباوئه السليل نقم لكم ... من الدهرِ يوماً ورده غير صادرِ
السليل بن ثور بن أبي سمعان العقيلي، يباوئه من البَواء وهو التساوي في القصاص، نقم لكم يوما من الشر مَن ورده لم يصدر عنه، تريد أنه يقتل.
وإن تَكُن القتلى بواءٍ فإنّكم ... ما قتلتُم آل عوف بن عامر
تقول إن تكن القتلى متساوية في القصاص دم بدم فأي فتى قتلتم - على جهة التعجب.
وقال قيس بن الخطيم:
ثأرت عديّأ والخطيمُ فلم اُضع ... وصية أشياخٍ جعلت إزاءَها
تقول ثأرت فلانا - وبفلان إذا قتلت قاتله وثأرك هو الرجل الذي أصاب حميمك والمصدر الثؤرة يقال أدرك فلان ثؤرته، وأنشد عن أبي عمرو:
قتلت به ثأري فأدركت ثؤرتي
جُعلت إزاءها أي القيّم بها، يقال هو إزاء مال أي يقوم به وأنشد:
ولكني جُعلتُ إزاءَ مالٍ ... فأبخلُ بعد ذلك أو أنيلُ
وقال يزيد بن الصعق:

بإصر يقولنَ حميري لقومهِ ... أو ابن أبَير أو يقولّنَ عاصمُ
متى عقلت عليا هوازن مذحجاً ... كأنا بنو أم اليكِ توائمُ
الأصمعي: أسر ابن بوّ وهو رجل من تميم رجلا من طوائف مذحج فاستودعه يزيد بن الصعق فأطلقه يزيد وقال: قد أفلت منيَ، فقال ابن بوّ: أردد إليّ أسيري أو هات فداءه، فقال يزيد هذا الشعر، وحميري الذي ذكر رجل من بني رياح، وابن أبير تميمي أيضا، وعاصم أبو قيس بن عاصم المنقري، يقول: باصر يقولن هؤلاء متى أخذت هوازن بفعل مذحج ثم تعجب فقال: كأنا بنو أم إليك - بمعنى عندك في حكمك، وبقوله: يقولن، أراد ليقولن فأضمر اللام، وقال سُحَيم بن وثيل الرياحي:
وإني لا يعود إليّ قِرني ... غداةَ الغِبّ إلا في قرينِ
غداة الغب إذا غمزه وثبت معه يوما وليلة لم يصبر فلا يعود إليه أبدا إلا وهو مقرون أي أسير مربوط، وقوله: إلا في قرين أي إلا مع قرين قد قُرن إليه من الأساري.
وقال آخر وهو الحطيئة:
غضبتُم علينا أنْ قتلنا بما لك ... بني مالكٍ ها ان ذا غضَب مُطّرْ
أبو عبيدة: يقال جاء فلان مطرّا أي مستطيلا مدلا. وقال ابن مقبل:
ونجنُ قَتلنا القومَ ليلة أجحمتْ ... هلالٌ وقالوا: حَرّزوا وانظروا غدا
حرزوا أسراكم أي اعتقوهم وانظروا غدا أي حسن المقالة غدا أي انظروا في العواقب.
وقال كعب بن زهير:
صبّحنا الخزرَ جيةَ مرهفات ... أبار ذوي أرومتِها ذووها
فما عُتر الظباء بحي كعب ... ولا الخمسون قصّر طالبوها
ذووها أي ذوو السيوف، عتر ذبح من العتيرة وهي الذبيحة في رجب، يقول لم تعتر الظباء ولكن عترت الرجال، ولا الخمسون قصر طالبوها - قالوا لا نقتل إلا خمسين ليس فيهم أعور ولا أعرج. وقال المرار الفقعسي:
وأنتَ رهين بالحجازِ محالفٌ ... بجون سري دهم المطيّ ومايسري
وقال الجعدي، ويقال هو لأبي الصلت:
تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ... سيباً بماءِ فعادا بعد أبوالا
يقال في تفسيره إن المكارم أن تطلب بثأرك حتى تدركه وليس بأن تأخذ إبلا فتشرب ألبانها. ويقال: بل تفسيره ما عدّد في الشعر لا لبن يشرب ويسقاه الناس. وقال عدي وذكر النعمان:
جاءني من لديه مروان إذ قفّي ... تْ عنه بخبرٍ ما أحذاني
بافال عشرين قحّمَها الصع ... ب بحسن الإخاء والخُلاّن
لاصفايادهم فأسمنها الرسا ... لُ ولا جلة قطيع هجانِ
الإفال القيود، قحمها أدخل بعضها في بعض، يقال قحمها في رجله، وكان النعمان يسمي الصعب لصعوبته في ملكه، بحسن الإخَاء أي جعل ذلك مكافأة لحسن الإخاء ومكافأة للخلان، يهزأ به: أي كانت تلك مكافأته إياي بإحساني، قال خالد: بل أراد بالإفال صغار الإبل قحمها الصعب وهو رجل يسوقها، ومن ذهب هذا المذهب أراد أن عديا استقل ما بعث به ولم يرضه. وقال:
إن ابن أمك لم يُنظَر قفيتَه ... لما توارى ورامى الناسِ بالكِلمِ
قفيته كرامته يقال هو يقفي بكذا أي يؤثر به ويكرم أي لم ينظر لكرامته لما توارى أي لما حبس إنما أخّر ليقتل، ورامي الناس بعضهم بعضا بالكلم في أمره. وقال يزيد بن الصعق:
أساور بَيض الدارعينَ وأبتغي ... عقالَ المئين في الصباحِ وفي الدَّهم
أي آخذ برؤوس الفرسان وأعانق، أبتغي عقالَ المئين أي الفرسان الذين فداؤهم مائة، وأصله أن يقال: فلان قيد مائة أي إذا أسر فمِائته مقيدة عند صاحبه. وقال الراعي:
وكان لها في أوَلِ الدهرِ فارسٌ ... إذا ما رأى قيدَ المئِين يعانقه
وقال آخر:
لعلكَ يوماً إن أثرت خليةً ... بُجذمورما أبقى لك السيف تغضَبُ
هذا رجل قطعت يده فأخذ ديتها، ويروي: بجذماء فيها ضربة السيف.
وقال أعرابي أسر يحرض قومه على فكاكه:
نطحن بالرحا شزرا وبتّا ... ولو نعطَي المغازل ماعَيينا
ونصبحُ بالمغداةِ اترّ شيء ... ونمسي بالعشي طلنفَجينا
الشزر إدارة الرحا على غير جهتها والبتّ على جهتها، والطلنفح الكال المعي.
وقال الفرزدق في يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج:

رأيتُ ابنَ دينارٍ يزيدَ رمي به ... إلى الشأمِ يومَ العنزِ والله شاغِلُهُ
بعذراءٍ لم تُنكَح حليلاً ومن تلج ... ذراعيْه تَخذلُ سأعدبَه أناملَهُ
وثِقتُ له بالخزي لما رأيتُه ... على البغلِ معدولاً ثقالاً فرازله
يوم العنز أراد حتفه - كما قال:
وكنتُ كعنزِ السوءَ قامَتْ لحتفِهاإلى مُدية مدفونة تستثيرها عذراء جامعة، وفرازله كبوله. أنشد الرياشي:
فإن تقتلوا أوساً كريماً فإنني ... جعلتُ أبا سفيان ملتزماً رَحلِى
أي أسرته. وقال حميد بن ثور وذكر رجلا يمدحه:
تلافيَ مهمات الحمالةِ كلما ... اُريحتْ بأيدي الجارِ مين الجرائرِ
تلافى تدارك أي تحمل الحمالات، أريحت الجرائر أي ردت عليكم جرائر الجار مين فأدوا إلى أهلها، والعرب تقول: أرح عليه حقه أي أده إليه. وقال آخر:
لتبكِ على الجّحافِ عين مريضة ... وصما عمّا ساءَها وهي تسمعُ
ومستشعرونَ الثأرِ دون ثيابهم إذا ... هتَفَتْ ورقا يوما تقنعوا
يعني أنها ذلت بعد قتل الجحاف فإن سمعتْ كلاما يسوءها صمتت، ومستشعرون الثأر أي لم يدركوه ولم يطلبوه فهو لهم شعار وهو ما ولى الجلد من الثياب فإذا هتفت ورقاء أي حمامة فأذكرتهم الجحاف ببكائها تفنعوا خزاية.

البيض والدروع
قال لبيد:
فخمة ذفراء تُرَتى بالعُرى ... قُردما نياً وتَركا كالبصل
فخمة كتيبة عظيمة، ذفراء منتنة الريح من الحديد، ترتي بالعري أي تشد الدروع بالعري فيها حتى تقصر وذلك أنها طوال، والقر - دماني الدروع وهو فارسي " أصله كردمانذ " أي عمل فبقى، والتَرك البيض، كالبصل في بياضه، وكانوا يجعلون في الدرع عروة ثم تقلص بها حتى تخف على الراكب.
أحكم الجنثّي من عوراتها ... كلَّ حرباء إذا أكره صَلَّ
أحكم - على هذا الأعراب - من الإحكام للصنعة، والجنثي هو الزراد، والعورات الفتوق واحدها عورة، والحرباء المسمار في حلق الدرع، إذا أكره ليدخل في الحلق سمعت له صليلاً وقال الأصمعي:
أحكم الجنثّي من عوراتها ... كلّ حرباء إذا أكره صل
وقال: الجنثي السيف هاهنا، وأحكم منع السيفَ كلّ حرباء فلم يصل السيف إليه - وأنشد:
ولكنها سوق يكون بياعها ... بِجنثية قد احكمتها الصياقل
يعني سيوفا وأحكم على مذهب الأصمعي منع وردَّ، ومنه سميت حكَمة الدابة لأنها تمنعها من كثير من الطماح، ويقال أحكم فلانا عن كذا. وقال لبيد أيضا:
إذا ما اجتلاها مأزِق وتزايَلتْ ... وأحكم أضغانَ القَتير الغلائلُ
مأزق مضيق في الحرب، تزايلت تفرقت مساميرها، والقتير رؤوس مسامير الدروع، والأضغان ما تزايل من المسامير ولم يلتئم، والغلائل ما غل أي دخل في المسامير من الحلق - الواحد غليل ومغلول، فهذه أحكمت المسامير. وقال الكميت:
علينا كالنهاءِ مضاعفات ... من الماذيّ لم تؤذِ المتونا
النهاء الغدران واحدها نهي، لم تؤذ لم تثقل متون الأفراس، وصفها بالرقة والخفة.
وقال عمرو بن كلثوم:
علينا كل سابغةٍ دلاصٍ ... ترى فوقَ النِطاقِ لها غضونا
دلاص لينة، سابغة واسعة، غضون تشنّج وإنما تشنجت فوق النطاق لطولها.
علينا البَيض واليلب اليماني ... وأسياف يقمن وينحنينا
اليلب بَيض يعملونها من أنساع تعرض النسعة ويخرز بعضها إلى بعض.
وقال النابغة يذكر كتيبة:
فصَّبحهم بها صهباءً صرفا ... كأنّ رؤوسَهم بيض النعامِ
صهباء في لونها: صرفا خالصة، وشبه البيض على رؤوسهم ببيض النعام.
وقال سلامة بن جندل في مثله:
كأن النعامَ باضَ فوقَ رؤوسِهم ... بروض القِذافِ أو بروضٍ مخفّقِ
وقال أيضا:
كأن نعام الدوباض عليهم
وقال النابغة:
وكل صموتٍ نثَلة تُبّعيةٍ ... ونسج سُليم كل قضّاءِ ذائل
صموت درع لينة إذا صبّت لم يكن لها صوت. ونثلة واسعة، وقّضاء حديثة العهد بالعمل خشنة المس ومنه أقض على مضجعي أي أخشن والقِضة حصى صغار، والذائل الواسعة، وسليم يريد سليمان عليه السلام. وقال آخر وهو الحطيئة:

فيه الرماح وفيه كل سابغةٍ ... جدلا محكمة من نسجِ سلامِ
أراد سليمان.
علين بكدَيون وأبطّن كرّةً ... فهن إضا صافيات الغلائل
الكديون درديِّ الزيت، والكرّ البعر تجلى به الدروع، فهن إضاء أي مثل الغدران، يقول مسحن بعكر الزيت ثم ألقيت الكرة في الأوعية. وجعلت فيها الدروع لئلا تصدأ ولا تختلّ فيضرَ ذلك بمساميرها، والغلائل الواحدة غلالة وهو الثوب يكون تحت الدرع وتكون مسامير الدروع الواحد غليل فعيل بمعنى مفعول، وإنما قيل غليل لأن المسمار غل في الحلَق ثم أدخل ثم جمع. وقال عمرو بن معدي كرب:
قلتُ لعيرٍ جَرمٍ لا تراعي ... إذا وطَنَتْ بالبدنِ الصديعا
البَدن الدرع، والصديع ثوب يصدع أي يشق نصفين يكون تحت الدرع وهو غلالته.
وقال أبو قيس بن الأسلت
أحفِزها عني بذي رونقٍ ... مهندٍ كالملحِ قَطّاعُ
أبو عبيدة: هو أن تجعل في حمائل السيف كلابا وتكون في أسفل الدرع عروة فتعلق بالكلّاب فتِخف على صاحبها، وكذلك قول زهير:
ومفاضة كالنهي تنسِجُه الصّبا ... بيضا كفَّتْ فضَلها بمهنّدِ
أبو عبيد قال سمعت أبا عبيدة يقول: أحفزها بالسيف أي أعينها به وأجعله معها في لباسي. وكذلك قول كعب من زهير:
خدبا يحفّزها نِجاد مهندٌ ... صافي الحديدةِ صارِم ذي رونقِ
الخدباء الواسعة بالخاء معجمة. وقال المنخل يصف فوارس:
شدَّوا قوانسَ بيضِهم ... في كلِ محكمةٍَ القتيرِ
دوابر البيض مآخيرها. وكان الفارس إذا ركض فخاف أن تسقط بيضته شدها في درعه، والقتير رؤوس المسامير. وقال الحارث بن حلزة:
يحبوكَ بالزَعْفِ الفَيوضِ على ... هميانِها والأدم كالغرسِ
الزغف الدرع اللينة المس، الفيوض السابغة، والهميان هاهنا المنطقة، والأدم البيض من الإبل، والغرس البستان المغروس. وقال سلامة بن جندل يصف درعا:
فألقوا لنا أرسانَ كل نجيبةٍ ... وسابغة كأنها مسّ خرنقُ
أي من لينها، ومنه قول المرأة في زوجها: المس مس أرنب.
مداخلة من نسج داود سكْهامَحبِ الجني من أبلمٍ متفلِّقُ
السك المسمار، الأبلم نبت، شبّه مساميرها بحب الأبلم، وأما قولهم " المال بيني وبينه شق أبلمة " فإنها الخوضة. وقال جرير للأخطل:
أبا مالكٍ مالَتْ برأسكَ نشوةٌ ... وعرّدَت إذ كبشُ الكتيبةِ أملح
عردتَ جُبنت وتأخرت، والأملح من الكباش الذي يشبهَ لونه لون الرماد وإنما يريد أن رئيس القوم في الحديد وهكذا لونه. وقال لبيد:
الضاربون الهام تحت الخيَضَعة
الخيضة البيضة. وقال الحطيئة:
فيه الرماحُ وفيه كل سابغةٍ ... جَدلاء مبهمة من نسجِ سلاّم
سابغة درع، جدلاء مدورة الحلق، مبهمة مستوية الحلق، وأراد بسلام سسليمان صلى الله عليه ولم يعمل الدروع سليمان وإنما عملها داود عليه السلام: وقال ابن مقبل:
سم الصباح بِخرصانٍ مسوّمةٍ ... والمشرفيّة نُهديها بأيدينا
أبو عبيدة: الخرصان الدروع الواحد خرص، ونظنهم سموا الدرع خرصا لأنه حلَق كما سموا الحلقة التي في الأذن خرصا مسومة أي سومت بالحَلق الصفر التي فيها، والمشرفية من صنعة مشرف ومشرف جاهلي وهم يدعون إلى ثقيف. الأصمعي: الخِرصان الرماح واحدها خُرص وخرص وكل قضيب خرص، وروى - بخرصان مقوّمة، وقال: المشرفية السيوف نسبت إلى المشارف قرى للعربَ تدنو من الريف، نهديها نقيمها، سم الصباح أي. سم الغارة يقال فرسان الصباح أي فرسان الغارة. وقال النابغة:
وكل صموتٍ نثلة تبّعية ... ونسج سليم كل قضّاءَ ذائل
القضة الحصى الصغار وأنشد لأبي زبيد الطائي: يقيها قضة الأرض الدخيس أبو عبيدة: النثلة من أسمائها، يقال نثلت عني الدرع ألقيتها ويقال نثرة ولا يقال نثرت عني الدلاع فنراهم حوّلوا اللام إلى الراء كما قالوا سملت عينه وسمرت ونرى أن النثلة هي الأصل لأن لها فعلا وليس للنثرة فعل لأنها مستبدلة، والقضاء المسرودة المسمورة ونراها من قولهم قض الجوهرة إذا ثقبها ومنه قضة العذراء إذا فرغ منها، ومن قوله يعني النابغة
علينَ بكديون وأبطنّ كرةً ... فهنّ إضا صافيات الغلائل

ويروى: فهن وِضاء، أي نقاء نظاف وهو جمع وضيئة، والغلالة المسمار الذي يجمع رأسي الحلقة، وإنما خص الغلائل بالصفاء لأنها أول ما يصدأ من الدرع، وروى أبو عبيدة: فهن إضاء، أي نقية من الصدأ كإضاء الغدران، والغلائل التي تحتها وهي ما تلبس تحت الدروع. وقال آخر:
وجاء سِعر عارضا رمحه ... ولابسا حصداء مثل البِجاد
حَصداء درع، والبجاد كساء من أكسية العرب. وقال قيس بن عَيزارة أسرته فَهم فأخذ سلاحه تأبط شرا:
سرا ثابت بزّي ذميما ولم أكن ... سلكت عليه شلّ مني الأصابع
فويل ام بن جرّ شَعل على الحصى ... ووقر بزّ ما هنالك ضائع
سرا عني أخذه مني وسلبنيه، ويقال سروت عن الفرس جله. وقال أبو دواد:
فسَرونا عنه الجلال كما سسُ ... لّ لبيع اللطيمة الدخدار
اللطيمة سوق المسك، والدخدار بالفارسية إنما هو تخت دار أي يمسكه التخت، ذميما أي مذموما، وثابت اسم تأبط شرا، سلكت عليه أي لم أقاتله، شل مني الأصابع دعا على نفسه، فويل ام بز يتعجب منه وبزه سلاحه، وشعل لقب تأبط شرا، ووقر بزّ أي أكرم بزّكنت أوقره وأكرمه - دعاء، قيل: وقر - صارت فيه وقرات وآثار: وروى أبو عمرو: فضُيع بز. وقال آخر عبد قيس بن خفافُ البرجمي:
وسابغة من جياد الدرو ... ع تسمع للسيف فيها صَليلا
كمتن الغدير زفته الدبور ... يجر المدجّ منهاَ فضولا
الدرع تشبه بالغدير والنهي وبذور الشمس وبالبجاد والمِجول قال الشاعر:
وعلي سابغة كأن قتيرها ... حدق الأساود لونها كالمجول
القتير رؤوس مسامير الدروع شبهها بحدق الجنادب، والمجول دُريع صغير تلبسه الصبية. وقال امرؤ القيس:
إلى مثلها يرنو الحليم صبابة ... إذا ما اسبكّرت بين دِرع ومجول
وقال زهير يمدح رجلا:
حامي القتير على محافظة ال ... جليّ أمين مغيّب الصدر
القتير رؤوس مسامير الدرع، يقول يلبس الدرع في الحوب فتحمي عليه، والجلي الأمر العظيم وجمعه جلل على غير قياس. وقال كعب بن زهير:
بيض سوابغ قد شدت لها حلق ... كأنه حلَق القَفعاء مَجدول
القفعاء ضرب من الحسك وهو أشبه شيء بحلق الدروع، مجدول من الجدل وهو العصب والشد. وقال أبو ذؤيب وذكر متبارزين:
وتعاورا مسرودتين قضاهما ... داود أو صَنعُ السوأبغ تُبع
مسرودتان درعان، قضاهما أي فرغ منهما، ومنه تول الله عزَ وجل " فقضاهن سبع سموات في يومين " والصنع الحاذق بالعمل يريد تعاورا درعين بالطعن.

باب القسي والسهام
قال رؤبة وذكر صائدا:
سوَّى لها كبداء تنزو في الشَنق ... نبعيّة ساورها بين النِيق
يقول كأنها من شدة ما وترت تنزو، الشناق الحبل والشنق العمل وهو أن يرفع رأسه إذا شدها، والنيق رؤوس الجبال واحدها نيق وجاء به على نيقة.
تنثر متن السمهري الممتَشق ... كأنها في كفه تحت الرِوق
وفق هلال بين ليل وأفق ... أمسي شفا أو خطّه يوم المحق
السمهري الشديد يعني الوتر، والممتشق الذي مُرن ولين، والروق وهي الشقة المقدمة من البيت، والمؤخرة تسمى كفاء وليس ثم رواق إنما يريد أنه في مقدم الناموس، وفق هلال بين ليل - شبه عطف القوس ودقتها بهلال حين طلع لوفق وهو الذي يطلع لليلته، وقوله بين ليل وأفق، يقول حين جاء الليل من ناحية المشرق ولم يغب في الأفق هو بين ذلك، أمسى شفاً أي بقية، أو خطه بالرفع هكذا أنشده الأصمعي وهو عطف على قوله وفق هلال، يريد كأنها الهلال في أول ما يطلع أو القمر في آخر الشهر، والمحاق هو اليوم الذي يطلع فيه القمر فتمحقه الشمس، والسرار الذي خلفه يستسر فيه. وقال
لولايُد اليِ خفضه القِدح انزرَق
يدالي يداري ويرفق به، والانزراق أن يفلت فيجاوز ويذهب.
فارتاز عيرَ سَندريّ مختلق ... لوصفّ أدراقا مضى من الدّرَق
ارتازه رازه فغمزه لينظر إلى صلابته، والسندري الأزرق وسمعت أعرابيا يقول: يصيد هاهنا زريقاء سندرية، يريد طائرا خالصَ الزرق، مختلق تام. يقول لوصف أدراقا لهذا السهم لأنفذه. وقال أبو النجم:
في كفه اليسرى على ميسورها ... نبعيّة قد شد من تَوتيرها

وفي اليد اليمنى لمستعيرها ... شهباء تروي الريش من بصيرها
لمستعيرها أي لآخذها من الكنانة، تقول أعرني ثوبك أي حوله منك إليّ، شهباء يعني مَعبلة، والبصيرة الطريقة من الدم، والبصير جمع بصيرة، والهاء للحمير، أي من بصير الحمير، ومثل مستعيرها قول العجاج.
وإن أعارت حافرا معارا
أي قلبته مقَلبا وحولته عوَّلا في عدْوها. وقال الراعي:
فيمّم حيث قال القلب منها ... بحَجْريٍّ ترى فيه اضطمارا
قال القلب حيث يقيل أي يسكن، وحجري مشقَص وهوسهم عريض نسبه إلى حَجْر وهي قصبة اليمامة. وقال الهذلي يذكر سهما:
شديد العير لم يَدحض عليه ال ... غرار فقِدحه زَعِل دروج
العير الناتيء في وسط النصل، والغرار المثال وفيه فجوة للعير فإذا زلق عنه فسد العير، زعِل نشيط. وهذا مثل، دروج يدرج إذا ألقى في الأرض من استوائه.
وقال ساعدة بن العجلان الهذلي:
ولقد بكيتك يوم رَجْل شُواحط ... بمعابل ضلع وابيض مِقطع
يعني أنه جعل يرميهم بالسهام وينادي أخاه فجعل ذلكَ بكاء له، والرجل الرجال، وشواحط موضع، والمعابل نصال عراض، وأبيض مقطع يعني سيفا قاطعا.
فرميت حول مُلاءة محبوكة ... وأبنت للأشهاد حَزّة أدّعي
أي رميت وعليّ هذه الملاءة، والمحبوكة التي لها حبك أي طرائق والأشهاد الشهود شهدوا ما تم، حزة أي ساعة، أي أبنت لهم من أنا حين رميت فقلت: أنا ابن فلان، يقال: جئتنا على حزة منكرة - أي ساعة. وقال الشماخ يصف قوسا:
وذاق فأعطته من اللين جانبا ... كفى ولها أن يُغرق السهم حاجز
ذاق يعني راز ونظر، كفى ذلك اللين منها، وإن أراد أن يغرق النبل فيها منعت ذاك أي فيها لين وشدة، ومثله للعكلي:
في كفه معطية منوع
ومثله.
شريانة تمنع بعدَ لين
وقال زيد الخيل:
وزُرق كستهن الأسنة هبوة ... أحدّ من الماء الزُلال كليلها
زرق نصال بيض، والأسنة المسانّ التي يحدَّد بها واحدها سنان، وهبوة يعني من صفائها كأن عليها غبرة. وقال آخر:
مالك لا ترمي وأنت أنزع ... وهي ثلاث أذرع وإصبع
خِطامها حبل الفقار أجمع
أي مالك لا ترمي وأنت رجل قد اختتلت وبلغت، حبل الفقار - يقول وترها من المتن كله، والقوس أنتم ما تكون فمالك لا ترمي. وقال آخر:
أرمي عليها وير فرع أجمع
عليها أي عنها، وهي قضيب كله يريد أنها تامة. وقال آخر:
وميّتة ركضت ميّتا ... فولّى حثيثأ هو الجاهد
طليعة حيّ إلى حيّة ... يرجي النجاحَ بها الشاهد
ميتة قوس، وميت سهم، وحي صائد، إلى حية أي رمية، والشاهد الصائد الذي شهد الصيد. وقال الكميت:
أرهط امرئ القيس اعبأوا حظواتكم ... لحيّ سوانا قبل قاصِمه الصُلب
اعبأوا عبّئوا، والحظوات سهام الصبيان، وقال الكميت:
بأن قوسهم تعطيك ما منعت ... وأن نبلك لا فُوق ولا نُصل
فُوق جمع أفوق وهو المنكسر الفوق، نُصل ساقطة النصال.
وقال الكميت:
فأوفقت دوني بغير المِراط ... ولا الفوق مما حشوت الجفيرا
أي ناضلت دوني بغير الفوق جمع أفوق، والمِراط التي لا ريش عليها، والجفير الجعبة.
وقال الكميت:
وكنا إذا ما الجمع لم يك بيننا ... وبينهم إلا الزوافر تنحِب
الزوافر القسي. وقال الكميت يصف القوس:
وفليقا ملء الشمال من الشو ... حط تعطي وتمنع التوتيرا
تعطي في الرمي وتمنع إن توتر، فيها شدة ولين. كما قال الآخر " معطية منوع " .
وثلاثا بين اثنتين بها ير ... سِل أعمى بما يكيد بصيرا
يعني ثلاثة أصابع يرمي بها بين اثنتين الإبهام والخنصر، والأعمى السهم وهو بصير بما يكيده الصائد، ويقال الثلاث القذذ والاثنتان الإصبعان، ومن أحاجيهم: ما ذو ثلاث آذان، يسبق الخيل بالرديان - أراد بآذانه قذذه.
وبنات لها وما ... لدتهن إناثا طورا وطورا ذكورا
أراد السهام يقال مرماة تارة فتؤنث وسهم تارة فيذكر.
قلقات على البنان جديرا ... ت إذا نفرت بها أن تخورا
نفرت حركت وأديرت، وتخور تصيح. وقال الكميت:

رمانا بأرشاقِ العداوةِ فيكم ... كذي النبل اذيرمي الكنانة بالعِلَلِ
هذا مثل تضربه العرب، وذلك أن رجلا لقي رجلا ومعهما كنائن ونبل، فقال أحدهما لصاحبه: أينا أرمى، فنصبا كنانة الذي مُكربه فرمي الكنانة حتى نفذت سهامه ثم رماه الآخر بسهم فقتله، أي يرمي صاحب الكنانة ويظهر أنه يريد الكنانة. ومثله قول الفرزدق لجرير:
فقلتُ: أظَن ابن الخبيثةِ أنني ... غفلت عن الرامي الكنانة بالنبلِ
وقال الشماخ يذكر القوس:
أقام الثقاف والطريدةُ درأها ... كما أخرجَتْ ضغن الشَموس المهامزِ
الثقاف خشبة في رأسها ثقب تدخل فيها الرماح فتقوم، والطريدة قصبة توضع فيها السكين تبرى بها القداح. الأخفش: هي الحديدة التي تكون مع المثقب ينحت بها، ودرؤها اعوجاجها، ثم شبه قوسه في حالها تلك بالشَموس من الخيل ردتها المهامز إلى الانقياد والمسامحة بعد الشِماس، والمهامِز جمع مهمزة وهي حديدة تنخس بها الدابة. وقال أيضا يصف القوس:
بحضرته رامٍ أعد سلاحما ... وفي الكفِ طوع المركضين كتوم
المركضان جانبا القوس وهما ما انحنى من طرفيها، والكَتوم التي لا صدع فيها.
فأنفذ حضنيْها وجالَ وراءَها ... طَميل يباري الجوف فهو سليمُ
الحضنان جانبا البطن، جال وراءها يعني السهم خرج من جوفها حين جال وراءها، والطَميل السهم وجمعه طُمل، يباري الجوف من المبارأة والتبرؤ أي دخل الجوف فخالطه ثم تبرأ منه فخرج سليما، وترك الهمز في يباري. وقال يصف القسي:
إذا نفّزوها بالأهيمِ جرجرتْ ... عجيج الروايا من عروكِ الكراكرِ
نفزوها حركوها. جرجرت صوتت، كما تعج الروايا وهي الإبل تستقي الماء، والعروك جمع عَرك وهو الضاغط.
إذا جاءَ عالاها على ظهرِ شَرجعٍ ... كمرتفق الحسناءِ ذاتِ الجبائرِ
يقول إذا انصرف الرامي وضع قوسه على طرف السرير من ضنّه بها كما ارتفقت حسناء أي اتكت على سرير، والجبائر الدماليج. وقال جندب الراجز:
قذف المغالين على الشرائج
المغالين الرُماة، والشرائج القسي جمع شريجة. قال لبيد:
فرميت الناسَ رِشقا صائباً ... ليس بالعصلِ ولا بالمفتعلِ
رِشقا وجها، العصل المعوَّجة يقال سهم أعصل وناب أعصل أي معوج، ولا بالمفتعل أي ولم يعمل مما يعمل منه السهام، وذكّره لأنه ذهب إلى لفظ الرشق وإنما أراد السهام.
رَقميّات عليها ناهض ... تكلح الأروق منهم والأيّلِ
رقميات ريش فَرخ نسر حين نهض وهو أجود، والأورق الطويل الأسنان الشاخصها، والأيلّ القصير الأسنان الذي أقبلت أسنانه على باطن فيه. يقول فإذا أصابته هذه السهام كلح وفتح فاه فالقصير الأسنان والطويلها واحد، أنشد ابن الأعرابي لعامر المجنون:
معطّفة الأذنابِ ليس فصيلُها ... برازِئها درّا ولا ميِّت غوَى
يريد القوس وفصيلها السهم والغوى البشَم: وقال امرؤ القيس:
رُبَّ رامٍ من بني ثعل ... مُخرج كفَّيْه من ستّرهِ
سُتره كُمّاه، ويروي: متلج كفيه في ستره، يريد أنه أولج يديه في كميه لئلا يراه الوحش، وهذا الرامي عمرو بن عبد المسيح.
عارض زورا من نشمٍ ... غير باناةٍ عليَ وترهِ
أي رب رام عارض أي يرمي عن القوس العربية وإنما يرمي عليها بالعرض، والزَوراء القوس لاعوجاجها، والنَشم شجر تعمل منه القسي. قال الأصمعي: غير باناة غير بانية فقلب، ذهب إلى لغة من قال باداة في البادية، وناصاة في الناصية وامرأة كاساةَ يريد كاسية، وأنشد لحُريث بن عناب الطائي:
لقد آذَنَتْ أهل اليمامة طيىء ... بحربٍ كناصاةِ الحصانِ المشهر
على وتره في معنى عن وتره، يريد أن القوس ليست بمنفجّة فيقل ذهاب سهمها.
فأتَتْه الوحشُ واردةً ... فتمتّي النزعُ في يسَرهِ
تمتى تمطي ومدّ، يسره قبالته وهو يسْر مخفف فحرّكه، والشزر يمنة.
برهيش من كنانته ... كتلظّي الجمرِ في شَرَرِهِ
رهيش سهم ضامر والناقة الرهيش الخفيفة لحم المتن المهزولة،
راشه من ريشٍ ناهضةٍ ... ثم أمهاه على حَجرهِ

ريش النواهض ألين وأطول وريش المسان أحصّ لا خير فيه، أمهاه أرقّه، أبو عبيدة سقاه الماء يقال أماهه وأمهاه.
فَهوَ لا تنمي رميّته ... ماله لا عُدّ من نفَره
أي لا تجوز الموضع الذي رماها فيه حتى تموت ولكنه يصمِيها، لا عد من نفره يدعو عليه بالموت، يقول إذا عُدّد أهله لم يعد معهم. وقال:
أيقتُلني والمشر في مُضاجعي ... ومسنونةٌ زرقٌ كأنيابِ أغوالِ
يريد غول. وقال يذكر امرأة.
وفَتَحتْ له عن أرزِ تالَبةٍ ... فِلق فِراغ معابل طُحلِ
يقال قوس ذات أرز أي ذات صلابة، والتألبة شجرة يريد قوسا، فراغ إذا كانت بعيدة رمْي السهم، يقال نحا له بسهم إذا رماه به. وقال النابغة وذكر امرأة:
ولقد أصابَتْ قلبَه من حبّها ... عن ظهرِ مرنانٍ بسهمٍ مُصردِ
مرنان قوس في صوتها، ومصرد مُنفذ يقال أصردت السهم وصرد هو. وقال زيد الخيل:
فلا شرباً إلا بلَزْن مصّردٍ ... ولا رمَياً إلا بأفوقَ ناصلِ
اللْزن الضيق والقلة، والمصرد المنقطع قبل الرِي، والأفوق السهم المنكسر الفوق، والناصل الساقط عنه النصل. وقال يصف نصالا:
كأنّ على أعجازِها أطْر اَدبرِ ... بدتْ من شفاذي كفة ما يطولُها
أطر أدبر أي أذناب زنابير، ذي كفة يريد الجفير. وقال أبو النجم يصف سهما:
يسوقُها صُلب القوى مربّع ... فاختلَّها وهو خصيفٌ أصمعُ
أي وتر فُتل على أربع طاقات، أختلها نفذها إلى الجانب الآخر حتى خرج منها، وهو خصيف أي له لونان لونه الأول ولون من الدم، أصمعُ متقبض الريش من الدم.
وقال أبو النجم يصف صائدا:
في كفِّه اليسري على ميسورِها ... كبداءٍ قَعساءٍ على تأثيرها
على ميسور الأتان لأن المقتل في جنبها الأيسر وفيه يكون القلب، كبداء ضخمة الكبد وهو مقبض القوس، والقَعس أن يدخل الظهر ويخرج الصدر، وكذلك القوس وهو أشدّ لها.
هتّافة تخفضُ من نذيرِها ... وفي اليدِ اليمنى لمستعيرِها
أي لمستعير يده يريد نفسه كأنه إذا تناول السهم بها فكأنه قد استعارها.
شَهباء تروي الريش من بصيرها
شهباء يعني مَعبلة، والبصيرة طريقة من الدم والبصير جمعه والهاء للحمير، أي من بصير الحمير. وقال يصف معبَلة حين وقعت في الأتان.
رمى فردّت نَفسي نثيرها
يقول قتلها على المكان فردت نفسيها الخارجين من منخريها إلى جوفها. وقال يصف فرسا:
نحا حيالَ الدفِ أو طحالها ... عوجاء في عوجاءٍ من أوصالِها
ترنّ في الكفِ إلى نصالِها
عوجاء قوس في عوجاء أي في يده لأنه قد أمالها للرمي فهي عوجاء ترن في الكف، يقول إذا رمى بالنصل فجاز حنّت فكأنها تحن إلى نصالها. وقوله يصف معبلة: ركّبها القانص في مِزجا لها المزجال القدح قبل أن تركب عليه الحديدة والريش. وقال يصف قوسا:
نبعاً يغني سالماً ممتوحأ ... من متنِ نابٍ لم تكن لَقُوحا
سالم يعني الوتر، ممتوح ممدود وقيل شديد من متن ناب وكانوا يعملون الأوتار من جلود الإبل، فيقول هذا الوتر من جلد ناقة لم تجلب فهو أصلب لجلدها وأغلظ وإذا حلبت رقت جلودها، وسالم وتر لا عيب فيه.
تهِدي نضّياً جسداً مضبوحاً ... أزَّره خشيةَ أن يطيحا
النضّى القدح، جسد قد تبين عليه الدم لأنه قد رمى به غير مرة، مضبوح ضبح بالنار حين قوّم، أزره بالريش.
غُضفا حوالي فُوقه جنوحا
غضفا طويلة الريش جنوح مائلة، وذلك أنه يجعل أعلاها أغلظ من أسافلها فكأنها مائلة.
وقال أبو وجزة
شاكت رُغَامي قذوفَ الطرفِ خائفةً ... هول الجنان وما همّت بادلاجِ
الرغامي زيادة الكبد ويقال قصب الرئة، وأنشدنا عن الأصمعي
يبلُ من ماء الرغاميَ ليته ... كما يبلُ سالىء حميته
الساليء الطابخ للسمن والحميت زق السمن، إنه يطعن الكلاب فيسيل دمه على اليته وهما صفحتا عنقه، ومنه قول رؤبة:
وبلَّ من أجوافهن الأخدعا
شاكت الكبد فهي تشاك من الشوك، قذوفَ الطرف بعيدة النظر، والجنان ما سترها يعني الليل، أراد الاتان. وقال أبو وجزة:
حرّى موقّعة ماجَ البنان بها ... على خِضمٍّ يسّقي الماء عجّاج

الحرى المِرماة العطشى أي السهم الذي يرمى به، والخضم المسنّ الذي يحدد به، موقّعه محددة، ماج البنان بها بالمعبلة على المسن، عجّاج في صوته. وقال يذكر حميرا:
وهن بالعينِ من ذي صارخٍ لجبٍ ... هول ونوّاحة بالموت مِرجاج
من ذي صارخ يعني قانصا، صارخ يعني القوس وذكرها أراد عودا، لجب شديد الصوت، مرجاج لها رجّة أي صوت، ويقال أراد وترا وعنى أن الحمير بالعين من صائد ذي وتر لجب وقوس نواحة بالموت.
فاغتالها الأجلَ الآتي فأسلمها ... ناوي الحياة عليها غيرَ مُنعاجُ
اغتال الحمير ذهب بها وأهلكها لأجل وأسلمها الحمار وهو ناوي الحياة أي يريد الحياة ولا يريد الموت، غير منعاج أي غير منعطف. وقال أبو الصلت الثقفي:
يرمونَ عن عَتلٍ كأنها غُبُط ... بزمخرٍ يعجل المرمّى إعجالا
العتل القسي الفارسية واحدتها عتَلة، والغبط غبط الإبل جمع غبيط، والزَمخر السهام.
وقال سلامة بن جندل يصف رجلا:
شاكٍ يَكرُّ على المضافِ ويدّعي ... إذ لا يوافق شعبتا الايفاق
يقول إذا دهش الجبَان فلم يصب وضع الوتر في شعبتي الفُوْق. وقال النمر بن تولب:
فأخرَجَ سهماً له أهزعا ... فشكَّ نواهقه والفما
أهزع واحد، يقال ما في كنانته أهزع أي سهم واحد، يقال ما في كنانته أهزع أي سهم واحد، والنواهق أراد الناهقين وهما عظمان يبدوان في وجه الفرس في مجرى الدمع فجعله للوعل، وشك انتظم. وقال عنترة وذكر الفرس:
طَوراَ يجّرد للطعانِ وتارةً ... يأوي إلى حصدِ القسى عَرمرم
أي يأوي إلى جيش كثير القسى، والحصد المفتولة الأوتار وقال:
وهل تدري جريةَ أنّ نبلي ... يكونُ جَفيرَها البطل النجيد
الجفير جعبة النبل فإذا وقعت النبل في جوفه صار كالجعبة لها، والنجيد الشجاع. وقال:
وكل هَتوفٍ عَجسها رضوية ... وسهم كبير الحميري مؤنّفُ
هتوف قوس لها صوت، والعجس مقبض القوس، رضوية منسوبة إلى جبل رضَوي، مؤنّف محد. وقال:
وكالورقِ الخلافِ وذات غربٍ ... ترى فيها عن الشرعِ ازورارا
أراد نصا لا تشبه ورق الخلاف، ذات غرب يعني قوسا والغرب الحدة، والشرع أوتار، ازورار تباعد عن الوتر. وقال يصف فرسه:
كأن دفوفَ مرجعٌ مرفقيْه ... توارثها منازيع السهَام
المنزع السهم، يقول: السهام في مرجع مرفقيه كثيرة فكأنها توارثت ذلك الموضع.
وقال لقيط بن يعمر الأيادي:
فهم سراع إليكم بين ملتقطٍ ... شوكا وآخر يجني الصاب والسلعا
شوكا يعني سلاحا حديدا ومنه قيل أنه لذ وشوكة، والصاب لبن العشَر وهو سم، والسلع نبت يكون بالحجاز خبيث الطعم لا يرعى، يريد أنه يعدّ لكم الشر. وقال الشنفّري:
وباضعة حُمر القسى بعثتُها ... ومن يغز يغنمُ مرةً ويشمّت
باضعة أصحاب جراح وغزْو وهم الرجال الذين يقطعون كل شيء، حمر القسى معاودين للقتال بالقسى فقسيهم عُتق وإذا عتقت القوس احمرت، ويشمت يخيب، وأنشد لساعدة بن جؤية الهذلي:
به القوم مسنلوبٌ بتبلٍ وذاهب ... شَماتاً ومكتوف أوانا وكاتِف
لها وَفضة فيها ثلاثون سيحَفا ... إذا آنست أولى العديّ اقشعرّتْ
الوفضة الجعبة، سيحف نصل عريض. وقال راشد بن شهاب اليشكري:
ونبل قران كالسيورِ سَلاجمٌ ... وفلق هتوف لاسقيَّ ولا نشم
قران متشابهة من عمل رجل واحد وهو من قرين، سلاجم طوال. سقيّ يقول ليست مما يشرب الماء هي جبلية، والنشم خشب هش ضعيف، كالسيور أي محددة كما يحدد طرف للسير، ومثله. كالسيور سلاجمات وقال أبو أسامة الجشمي يصف سهما:
كأن الريشَ والفوقيْنِ منه ... يُعَلّ به أجاجِيّ عليلُ
أجاجي طيب يأتّج. وقال مالك بن نويرة:
وأدبرت عني هارباً بعد ما جرى ... لمهركَ مزواراً تحَيت المعذّر
كل شيء فتل قد زوّر ويقال للعود الذي يشد خيط الفخ مزوار، يقول رميتك فشج سهمي فرسك فكان له مزوارا. وقال ذوالرمة يذكر القانص.
معدّ زرق هدَّت قَضباً مصدرة ... ملس المتون حداها الريشُ والعَقب

زرق نصال، هدت تقدمت، قضبا سهاما، حداها ساقها، وكان الأصل قَضب بالفتح لأنه جمع قضيب مثل أديم وأدَم وأفيق وأفَق، مصدرة شديدة الصدور. وقال يصف قوما:
كانوا ذوي عددٍ دَهم وعائرة ... من السلاحِ وأبطالاً ذوي نَجدِ
عائرة كثير من السلاح وذلك أنه يعير فيه بصرك من كثرته ترمي به هاهنا وهاهنا ومنه فرس عيار يأخذ هاهنا وهاهنا، نجَد شدة. وقال:
فلاة ينزّ الرِئم في حجراتها ... نزير خطامِ القوسِ يحدّي به النبلُ
ينزّ يزو ويتحرك، خطام القوس وترها. وقال يصف القوس:
يؤودُ من متنها متنٌ ... ويجذبُه كأنه في نياطِ القوس حلقومُ
يؤود يعوّجَ من متن القوس متن الناقة يعني وترا عملَ من متن، كأن الوتر حلقوم قطاة، ونياط القوس معلقها. وقال وذكر الصائد:
له نبعةٌ عطوى كأنّ رنينَها ... بألوى تعاطته الأكف المواسح
عطوي تعطيه ما أراد من النزع، والألوي الوتر، والمواسح اللواتي يمسحنه يلينّه. ثم قال:
أخو شقة يرمي على حيث يلتقيمن الصفحةِ اليسرى صُحارو واضحُ
صحار حمرة إلى بياض وهي الصحرة، واضح بياض وهو ما وضح من إبطه، فأراد حيث يجتمع ذا وذا عند الفريصة وهي مضغة لحم تحت الإبط مما يلي الجنب، والعرب تقول رماه ورمى عليه، يقول: فهذان يلتقيان عند مقطّ الجنب حيث تنقطع الأضلاع، والمقتل في الجانب الأيسر وفيه القلب. وقال:
وشعب أبَي أن يسلكَ الغُفرُ بينه ... سلكت قُرانَي من قياسرة سمرا
يعني بالشعب فُوق السهم، والغُفر ولد الأروية، قراني يعني الوتر، من قياسرة يعني إبلا عظاما يريد وترا من جلود هذه الإبل العظام، قراني أي قد قرن قوي الوتر بعضها إلى بعض لأنه من ثلاث طاقات. وقال ابن أحمر يذكر ذهاب عينه:
ولكن قومي شبر قوها فجاءةً ... بأورقٍ لالَغب ولا متخاذل
شبرقوها مزقوها، والأورق النصل عليه آثار النار وسوادها واللغب الردى من الريش إذا اجتمع ظهران وبطنان فالريش لغب. وقال خداش بن زهير.
أريشٌ وأبري للظلومِ معابلا ... إذا خرجَتْ من بدئها لم تنزّع
المعابل نصال عراض، إذا خرجت من حيث بدأت لم تنزع من جسد من رمى بها أي إذا خرجت من يد الرامي. وقال الطرماح يذكر كلب صيد:
يمرّ إذا ماحُلَّ مر مقّزع ... عتيق حداه أبهرُ القوس جارِنِ
يمر الكلب إذا حُل عنه مر السهم المقزّع وهو المصلح المحذق والعرب تقول قزِّعوا إلى بني فلان رسولا - أي ابعثوا متجردا خفيفا، وحداه ساقه، والأبهر موضع الكف، وجارن لين: يقال جرن جُرونا إذا لان، وأنشد للطرماح:
سلاجم يثربٍ الأولى عليها ... بيثربٍ كَبرة بعد الجُرونِ
سلاجم نصال، كبرة قدِم، ويروى: كدرة، بعد الجرون - أي بعد ما جليت والجرون والمرون سواء، يقال استعمل حتى جرن ومرن - بمعنى، وقال يذكر صائدا:
يلحس الرصف له قضبةً ... سمحج المتن هتوف الخِطامِ
الرصف عقب السهم وهو الرصاف، والقضبة القوس، والسمحج الطويلة الظهر، والخطام الوتر، والهتوف التي تصوت. وقال الأخطل:
حتى تكون لهم بالطف ملحمةٍ ... وبالثويّةِ لم يُنبضْ بها وترُ
يقول تكون تلك الحرب أشد من أن يكون فيها إنباض بوتر إنما هو جِلاد بالسيوف وطعان، والثوية بظهر الكوفة. وقال العجاج يصف إبلا:
نواحل مثل قسّي العُجرم
العجرم شجر تعمل منه القسي. وقال يصف ماء:
كأن أرياشَ الحمامِ النُسّلِ ... عليه وُرقان القران النُصّلِ
النسّل الساقطة، والقران نبل صيغت صيغة واحدة وجعلها وُرقا لأنها تدخل النار فتسود وتجيء ورقا، النصّل التي نصلت أي خرجت جمع ناصل. وقال:
وفارجاً من قضبٍ ما تقضّبا ... تُرِنّ إرناناً إذا ماَ أنضبا
الفارج القوس التي يبين وترها عن كبدها، تقضّب اقتضب شيئا لم يكن ويقال ناقة قضيب إذا اقتُضبت فركبت قبل أن تتم رياضتها.
يمطو تمطّيها الخِطام المِجذيا
يقول إذا تمطت القوس فتطاولت مدت الخطام وهو الوتر، والمجذب الذي يجذب مثل المغرف الذي يغرف به. وقال:
أو رد حُذّا تَسبق الأبصارا ... تسبق بالموت القنا الحرارا

الحذّ السهام القصار يريد نبلا تسبق القنا بالموت. وقال يذكر الإبل:
تغلو بها ركبانُها وتغتلي ... معَجَ المرامي عن قياسِ الأشكلِ
يريد تغتلي كما يمضي المرامي، عن قياس جمع قوس، والمعج سير سهل، والأشكل ضرب من الشجر. وقال ذو الرمة يصف حميرا وردت:
فمرّ على الأول النضيّ فصدَّه ... تليّة وقت لم يكمّل كمالُها
أي على الأولى من الآتن، النضي السهم، التلية البقية، يقول لم يأت وقتها.
وقال ساعدة بن جؤية يصف رجلا:
فورّك لَينا أخلص القين أثره ... وحاشكة يحصى الشمالَ نذيرُها
ورّك لينا أي أماله إلى يده، أثره فرنده، والحاشكة القوس تحشك بدرتها، يحصى الشمال نذيرها - أي يضرب وترها اليد حتى يؤثر فيها، والنذير الصوت صوت الوتر وسمي نذيرا لأنه ينذر الوحش. وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي وذكر الرامي.
يصيبُ الفريص وصدقاً يقو ... ل مرحى وإيحا إذا ما يوالي
إذا أصاب مرحى، وإذا اثنى فأصاب إيحا. يقال ذلك عند الفرح والتعجب، ويقال بل إذا رمى الثانية فأخطأ قال إيحا، يوالي من الموالاة. وقال أوس بن حجر:
فملّك بالليطِ الذي تحت قشرِها كغِرقيء بيضٍ كنّه القيضُ من علُ
ملك شدد، أي ترك من القشر شيئا يتمالك به يكنه لئلا يبدو قلب القوس وإلا انشقت، وهم الآن يصنعون عقبة إذا لم يكن عليها قشر، وملك من قولهم ملكوا العجين أي شددوا عجنه، ومن قول قيس بن الخطيم:
ملكت بها كفي
والليط القشر ومنه: اذبحه بليطة، والقيض قشر البيضة اِلغليظ، والغرقيء القشر الرقيق.
وقال أيضا يصف نبعة قطعها يتخذ منها قوسا:
فلما نجا من ذلك الكربِ لم يزلْ ... يشرّبها ماءَ اللحاءِ لتذبلا
كان صاحب القوس إذا قطع العود ترك عليه لحاءه يمظعه ماءه أي يشربه كيلا يتصدع فإذا يبس قُوِّم حينئذ، وكذلك كانوا يفعلون بالقداح أيضا. وقال كعب بن زهير وذكر نصالا:
صدرن رواء عن أسنةٍ صلّبِ ... يقئنَ ويقطرنَ السمامَ سلاجم
وصفرا شكّتها الأسرة عودهاَ ... على الطلِ والأنداءِ أحمرُ كاتمُ
صدرن رواء أي قد بولغ في تحديدهن، والأسنة جمع سنان، وهو المسن الذي يسن عليه، والصُلّب حجارة تعمل منها المسان، والأسرة طرائق تكون في القوس، شكتها دخلت فيها، أحمر من القدم، كاتم لا صدع فيه. وقال طفيل:
كأن عراقيبَ القطا أطَرٌ لها ... حديثٌ نواحيها بوقعِ وصلّبِ
الأطر جمع أطرة وهي العقبة المشدودة على مجمع الفوق لئلا يفتق، شبه الأطر بعراقيب القطا، حديث نواحي هذه السهام بالتحديد لم تقدم فتكل، بوقع يقال قع سهمك أي اضربه بالميقعة وهي المطرقة والجمع مواقع، وأنشد:
سلاط حداد أرهفتها المواقع وقال آخر وهو الفند الزِمّاني:
ونبلي وفُقا هاكعراقيب قطا طحل وقال صخر الغي.
كأنّ اّزَبّيها إذا رُدَمِتْ ... هزم بُغاة في إثِر ما فقدوا
الأزبي الفن الذي يأخذ فيه صوتها، وكل ضرب وطريقة أزبي، يعني به هاهنا ضربا من صوتها، والبغاة القوم يبغون بالأرض القفر فإذا كلم بعضهم بعضا همس إليه بشيء من الكلام، إذا رُدمت وذلك أن ينزع في الوتر ثم يرسله فيردم الكف كما يردم الباب.
وقال آخر وذكر ذئبا:
دَفَعَتْ إليه سلجم اللحي نصلُه ... كباردةِ الحُوّا وهو وقيعُ
يعني دفعت بالوتر إلى الذئب، سلجم اللحى أي طويل اللحى، والحواء نبت، باردته نباته قبل أن يتشقق، فشبه النصل به، وقيع مضروب بالميقعة ليرق. وقال العبدي:
وأرسلَ عن فرعٍ من النبلِ فارجٍ ... أغرّ بلاديا فاصردٌ يرعق
أغر يريد أن له غَرا وهي الطربقة، فأصرد أي أنفذ، يقال صرِد السهم يصرد وأصردته، وأنشد الزيادي:
ماذالها هَبلَتْ في أنّ تخرّقَني ... بيضٌ مطارد قدزُينّ بالعقَبِ
وصف سهاما، الواحد مِطرد. وقال أوس:
وحشو جفيرٌ من فروعٍ غرائبٍ ... تنطّعَ فيها صانعُ وتنبّلا
الجفير الكنانة، حشوها السهام، تنبل تحذق.
تُخّيرن أنضاءَ وركّبن أنصلا ... كجمرٍ غضافي يوم ريحٍ تزيلا
النابل الحاذق، تخيرن من قداح ثم ركب فيها النصال، والأنضاء التي لم تبر بعد، الواحد نضى.

يُخزن إذا انفَزن في ساقطِ الندى ... وإن كان يوماً ذا أهاضيبٍ مخضلا
يخزن أي يسمع لهن صوت إذا أديرت على الظفر وحركت بالأصابع وإذا صوتت في الندى فكيف في الجفاف. وقال أبو كبير وذكر رجلا قُتل أصحابه:
لما رأى أن ليسَ عنهُم مقصِرٌ ... قصرُ اليمين بكلِ أبيضٍ مطحر
وعراضة السيَتَين توبِع بريها ... تأوى طوائفُها لعجسٍ عَبهرِ
يأوي إلى عظمِ الغريفِ ونبله ... كسَوامِ دَبرِ الخشرمِ المتثّورِ
يقول لما رأى أن ليس عنهم محبس ولا متخلف قصر اليمين أي حبسها عليهم لا يشغلها بغيرهم، مطحر سهم بعيد الذهاب، وعراضة يريد عريضة، والسيتان ما انعطف من طرفي القوس، توبع بريها أي جُعل بعضها يشبه بعضا، تأوي طوائفها إلى عجس والطائفان دون السيتين والعجس مقبض القوس، عبهر ممتليء شدة وغلظا، يقال: فلان يأوي إلى عقل ورأي، أي يرجع إلى ذلك، يأوي هذا الرامي إلى عظم الغريف والغريف شجر ملتف، أي جعل ظهره إلى معظم الأجمة وجعل يرميهم، والسوام مرّه ومضيه، والخشرم النحل كأنه أضافه إليه لما اختلف لفظه. وقال:
ومعابلا صلع الرؤوسِ كأنها ... جمرٌ بمسهَكةٍ تشَبّ لمصطلى
ويروى: صفع الظباة، والمعابل نصال عراض قد جليت حتى هي صلع أي ملس، مسهكة مكان ذو ريح تسهك التراب أي تسحقه يقال سهكت الزعفران وسحقته سواء، تشب توقد، واذا هبت الريح فهو أذكى للجمر وأشدّ لتوقده.
نُجفا بذلَتْ لها خوافي ناهض ... حشرالقوادمِ كالِلفاعِ الأطحلِ
النجف النصال العراض، بذلت لها أي جعلت فيها خوافي، أراد الزقت قذذها، والقوادم العشر الريشات المتقدمات، والخوافي دونها والناهض الفرخ والفرخ أجود ريشا وألين، وريش المسانّ احضّ قد تحاتّ، واللفاع اللحاف، والأطحل الأسود إلى الخضرة، أي كأن هذا النسر في لونه لحاف بهذه الصفة. وقال كعب بن زهير يصف قانصا:
ثاوياً ماثلاً يقلّب زرقاً ... رَمّها القَين بالعيونِ حشورا
رمها القين اصلحها الحداد، بالعيون أي بالنظر، والحشر الملصق القذذ ومنه سهم محشور.
شرِقاتٌ بالسم من صلبّيّ ... ورَكَوضاً من السراء طًحورا
الصلبي حجارة المسانّ، يقول حددها على المسانّ حتى كأن فيها سما، وركوضا يعني قوسا تركض السهم أي تدفعه وكذلك الطحور، والسراء شجر تتخذ منه القسي.
يبعثُ العزفُ والترنمُ منها ... ونذير إلى الحميرِ نذيرا
النذير الصوت، يقول: إذا صوتت أنذرت الحمير بذلك. وقال وذكر القانص:
فلما أراد الصيدَ يوماً وأشرعَتْ ... زوى سهمَهِ غاوِ من الجنِ عارِمِ
قال أبو عمرو: يقولون ليس من وحشية إلا وعليها جني يركبها. وهو مثل قول النابغة:
يقول راكبُها الجنيّ مرتفقاً ... هذا لكنُّ ولحم الشاة محجورُ
ويروى: حارم، أي حرمه الصيد. وقال ساعدة بن جؤية يذكر وعِلا:
حتى أتيحَ له رام بمحدَلة ... جَشءٍ وبِيض نواحيهن كالِسجَمِ
محدلة قوس أحد أبهريها أوفى من الآخر، والمحدل من الرجال الذي أحد منكبيه أوفَى من الآخر، يقال رجل أحدل وامرأة حدلاء، ومحدل مفعول به، جشء خفيفة، وبيض نصال، والسجم شجر، يقول حروفها كحروف ورق هذا الشجر. وقال آخر يذكر سهما:
وخلّقته حتى إذا تمَّ واستوى ... كمخةِ ساق أو كمتن إمامِ
خلقته من الأخلق وهو الأملس.
قرنت بحقوْيهِ ثِلاثاً فلم يُزلْ ... عن القصدِ حتى بُصّرت بدمامِ
الامام هاهنا خيط يقدر به البناء، قرنت بحقويه ثلاث قذذ، فلم يزل عن القصد حين رمى به حتى بصرت القذذ من بصيرة الدم، والدمام الطلاء يقال دُمّ قدرك - أي اطلها بالدم أو الطحال، ومنه قول علقمة:
عقلا ورقما تظلّ الطيرُ تتبعُه ... كأنه من دمِ الأجوافِ مَدموم
يريد أن السهم أصاب الرميّة ونفذ فيها حتى تدمت قذذه، وقال أبو ذؤيب وذكر صائدا:
فذاك تلاده ومسلَجماتٍ ... نظائر كل خوّارِ بروقُ
نظائر يشبه بعضها بعضا، خوار في صوته، بروق في لونه وصفائه
له من كسبهن معذ لَجات ... قعائد قد مُلئن من الوَشيقِ

معذلجات مملوءات، قعائد عزائز، والوشيق ما جفف من اللحم. وبِكّر كلما مُسّت أصاتت صوتت، ذو الشرع عود عليه أوتار.
لها من غيرِها معها قرينٌ ... يردّ مِراح عاصية صفوقِ
من غيرها معها يعني وترا، وعاصية هي القوس فيها صلابة، صفوق لينة.
وهذا مثل قول الآخر:
في كفه معطية منوع
وقال وذكر قاتل خالد ابن أخيه:
فأعشيتُه من بعدِ ما راثَ عِشيه ... بسهمٍ كسَيرِ الثابريةِ لهوقِ
أعشيته يريد عشيته من بعد ما أبطأ عشاؤه، وسير الثابرية منسوب، لهَوق حديد.
وقلت له هل كنت آنست خالدا ... فإن كنت قد آنسته فتأرّق
يهزأ به، يقول إن كنت أبصرته فلا تنم لأنه رماه في عينه فأصاب بصره فلا يقدر على النوم. وقال المتنخل:
واسلُ عن الحب بمضلوعة ... تابعها الباري ولم يعجَل
كالوقف لا وقَربها ... بالشِرع كالخَشرم بالأزمل
مضلوعة قوس بريت ضليعة أي غليظة، تابعها الباري جعل بعضها يتبع بعضا، والوقف السوار أي تبرق كما يبرق، وهزمها صوتها، والشرع الوتر، والوقر الهزمة، والخشرم الدَبْر، والأزمل في صوتها. وقال أمية بن أبي عائذ يصف الصائد:
تراح يداه بمحشورة ... خواظي القداح عجاف النصال
أي تخف يداه، محشورة قد ألصق قذذها فهو أسرع لها وأبعد، خواظي متان، عجاف قد أرهفت.
كخشرم دَبر له أزمل ... أو الجمر خشّ بصُلب جزال
على عجْس هتافة المذروي ... ن زوراء مضجعة في الشمال
أي السهم على عجس، والمذروان الطرفان، أي لهما صياح بالنبيض، ومضجعة في الشمال يريد أنه في موضع ضيق كاللحد فهو لا يستطيع أن ينبضها، زوراء منحنية.
بها محص غير جافي القُوى ... إذا مُطْيّ جنّ بورك حدال
الأصمعي: بها محص يريد الوتر، والقوى الطاقات، مطى أنبض، بورك أي في ورك يريد القوس، حدال هو أن يكون أحد منكبيه أوفي من الآخر، محص بالمشاقة حين فتل.
وقال ساعدة:
وصفراء من نبع كأن عدادها ... مزعزعة تلقي الثياب حطوم
كحاشية المحذوف زيّن ليطَها ... من النبغ أرزٌ حاشيك وكتُوم
عدادها صوتها، مزعزعة ريح، والمحذوف ضرب من البرود حواشيه حمر، شبه القوس بها في اللون، أرز شدة، يقال قوس ذات أرز، حاشك حشكت بدرّتها، كتوم ما بها شق.
وأحصنه ثُجر الظباة كأنها ... إذا لم يغيبها الجفير جحيم
أحصنه منعه، ثجر عراض النصال، يقول كأنها نار إذا لم تجعل في الكنانة، والجفير الكنانة المشقوقة في جنبها، وقوله.
وشقت مقاطيعُ الرماة فؤادَه ... إذا يسمع الصوت المغرد يصلد
يعني وحشية، مقاطيع جمع قطع وهو نصل عريض قصير وزيدت الميم في أوله كقولهم مشابه ومحاسن.

باب السيوف
وقال أبو كبير يذكر ربيئة:
مستشعرا تحت الرداء إشاحَة ... عَضبا غموض الحد غير مفلل
جعل سيفه بمنزلة الوشاح له، غموض الحد يقول حده يغمض أي يدخل إذا ضرب به، وعضب قاطع، غير مفلل أى غير مكسر. وقال النابغة الجعدي وذكر سيفا:
تنَّحي عليه كل أسقف جائني ... بجبهته حتى يكل ويعملا
فأبرز عن أثر قديم كأنه ... مدّب دبيً سود سري ثم أسهلا
تنحى اعتمد ومثله انتحى، والأسقف الصيقل وجعله أسقف لانحنائه، والجانيء المنكب المعتمل، ويعمل يدأب، والأثر الفرند. وقال الجعدي:
ثم نزلنا وكسرنا الرماح وجرّدنا صفيحا كستها الروم دجّالا الدجال ماء الذهب الذي تطلى به السيوف كيلا تصدأ وهو مثل وأصله الهِناء، يقال بعير مدجل أي مطلى بالهناء.
وقال أبو ذؤيب يصف متبارزين:
وكلاهما متوشّح ذارونق ... عضبا إذا مسّ الكريهة يقطع
العضب القاطع، والكريهة الضريبة وهو ما وقع عليه السيف. وقال أجنادة، بن عامر الهذلي:
بمّطرد تخال الأئر منه ... مدب غرانِق خاضت نِقاعا
إذا مس الضريبة شفرتاه ... كفاك من الضريبة مَا استطاعا
والغرانق طير يشبه الكركيّ واحدها غُرنَيق، والنقع محتبس الماء، كفاك من الضريبة أي تبلغ إرادتك ولا تنكل. وقال أبو العيال:

ومشقوق الخشيبة مش ... ر فيّ صارم رسبُ
الخشيبة الطبيعة أي طبع طبعا عريضا، ويقال شقه أي عرّضه ومثله قولهم، مفتوق الغرارين - وغراراه حداه من الجانبين، يقال ذلك للعريض من السيوف، رسب أي يرسب في اللحم. وقال المتنخل يصف سيفا:
أبيض كالرَجع رسوب إذا ... ما ثاخ في محتفَل يختلي
الرجع الغدير فيه ماء المطر، رسوب يرسب في اللحم، ثاخ وساخ سواء محتفَل معظَم أي إذا أصاب معظم موضع رسب في الجسد، ويختلي يقطع. وقال ساعدة يذكر ثغرا:
رميتَ بمخشوب صقيل وضالة ... مباعج ثُجر كلها أنت شائف
مخشوب سيف لم يتم عمله أي حين بدىء طبعه. وقال الأصمعي: كثر المخشوب في كلامهم حتى جعل اسما للسِيف لا صفة ثم وصف بصقيل، وضالة نبل معمولة من شجر الضال، مباعج عظام الجروح، وثجر عراض، وشائف حالٍ يقال شفته شوفا. وقال ساعدة:
فوّرك لَينا لا يثمثَم نصله ... إذا صاب أوساط العظام صميم
ورك صيره على أحد شقيه فهو يقع على الورك، لين سيف ليس بيابس فينقصف، يثمثم لا يُرد مصروفا بل يمضي قُدما، صميم أراد نصله صميم أي خالص، إذا صاب أي وقع.
ترى أثره في صفحتيه كأنه ... مدارجِ شبثان لهن هميم
أثره فرنده، شبثان جمع شَبث وهو دويبة في الرمل، لهن هميم أي دبيب قال: سمعت أعرابية تقول: همّمي في رأسي لا أبالك، أي دبيّ بيدك في رأسي. وقال ساعدة:
فقال: بشير أو نذير فسلموا ... وألكد آيات المنا بالحمائل
ألكد ألصق، يقول الموت لصق بجمائل السيوف، والمنا القدر والمنية.
ومنه قوله في هذا الشعر يرثي ابنه:
ولو سامني الماني مكان حياته ... أنا عيم دهر من عباد وجامل
سامني أي أراد مني مكانه إن أقبل منه هذا، وأنا عيم جمع نعيم وعباد جمع عبيد، والماني المقدر وأراد الدهر. وقال أبو خراش:
أذا لبل صبي السيف من رجل ... من سادة القوم أولا لتف بالدار
صبي السيف أسفل من طرفه، والتف بالدار أي سباهم وذهب وقال صخر الغي:
وصارم أخلصت خشيبته ... أبيض مهو في متنه ربَد
فليت عنه سيوف أرْيح إذ ... باء بكفي ولم أكد أجد الخشية
الطبع الأول قبل أن يتم عمله ثم استعمل حتى صير الصقيل خشيبا، والمهو الرقيق ومنه رطبة مهوة أي رقيقة. ويقال سلح سلحا مهوا أي رقيقا، والربد جمع ربدة وهي غبرة إلى سواد يريد فرنده، فليت عنه أي بحثت عنه حتى أخرجته، باء بكفي رجع بكفي أي صار فيها، وأريح موضع. وقال أبو المثلم لصخر الغي:
يا صخر ورّاد ماء قد تمانعه ... سوم الأراجيل حتى جمّه طَحِل
يا صخر جاء له من غير مورده ... بصارمَين معاً لم يثنه وجلَ
سوم الأراجيل أي منع هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، يقول فهذا الرجل يرِد على هذه المخافة، والأراجيل الرجالة، أي جاء لهذا الماء من غير مورد أي انحدر عليه من غير الطريق الذي يرَده الناس، بصارمَين يعني نفسه وسيفه. وقال البريق:
ألم تعلموا أن الشعير تبدلت ... دَيافيّة تعلو الجماجم من عل
إذا الرجل الشعبان صابت قذالَة ... أذاع به مجلوزها والمقلَل
ديافية سيوف جلبت من دياف قرية بالشام، يقول كانوا يجلبون الطعام فتبدلوا منه الذي ذكره، والشعبان البطين، والمجلوز من السيوف الذي عليه جلاز من علباء وهو أن يتقلقل قائمه فيشد بعلباء والمقلل من القلّة وهي رأس القبيعة. وقال الزبير بن عبد المطلب:
وينهي نخوةَ المختال عني ... غَموضُ الحد ضربته صموت
السيف إذا كان قاطعا مر في العظم سريعا فلم يكن له صوت. وقال آخر:
وأحياناً نخالطهم بضرب ... صموت في الحديد وأرونان
وقد فسر. وقال آخر:
يكفيك من قَلَع السماء مهندِ ... فوق الذراع ودون بوع البائع
نسبه إلى السماء أراد أنه من صاعقة. وقال آخر وذكر سيفا:
أو قدْت فوقه الصواعق نارا ... ثم ساطت به الذعافَ القيون
وقال آخر:
اُداعيك ما مستصحَبات مع السري ... حسان وما آثارهاَ بحسان
أداعيك مثل أحاجيك، بينهم أدعيّة وأحجية - سواء، يعني السيوف - حاجاه به.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5