كتاب : المعاني الكبير
المؤلف : ابن قتيبة الدينوري

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه المعونة
كتاب الخيل
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري: أنشدني الرياشي عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء لأبي داوود الإيادي هذه الأبيات إلا ككنانة الزغري فإنه لم يحفظه.
لقد ذُعِرَتْ بَنَاتُ عَ ... مِّ المُرِشقاتِ لها بصابِصُ
بِمجوَّفٍ بلقا وأع ... لى لونه ورد مُصامِصُ
أراد أن يقول ذعرت البقر فقال: بنات عم المرشقات - وهي الظباء، والمرشق الظبية التي تمد عنقها وتنظر فهي كذلك أحسن ما تكون، والظباء بنات عم البقر لأنها وحش تشبّه بها، والبقر لا تكون مرشقات لأنها وُقص قصار الأعناق، وبصابص حركات الأذناب، يقال بصبص إذا حرك ذنبه، ومثل للعرب بصبصن إذ حُدين، والمجوف الفرس الذي بلغ البلق بطنه وهو التجويف - يقال ما أحسن ما جُوف.
قال طفيل:
شميطُ الذنابي جُوِّفَتْ وهي جَونةٌ ... بنُقبةِ ديباجٍ ورَيط مقطع
الشمْط الخلط يقول اختلط في ذنبها بياض وغيره، يقال اشمُط له العلف أي اخلط، ويقال للصبح شميط.
والجونة السوداء والنقبة اللون يريد أن التجويف منها كالديباج والربط.
وأنشدني عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب ابن أخي الأصمعي عن عمه للرخيم العبدي في شعر له طويل:
ومجوّف بلقا ملكتُ عنانَه ... يعدو على خمسٍ قوائمه زكا
يعدو على خمس أُتن، وقوائمه زكا زوج يريد أنها أربع، وقوله ملكت عنانة أي صار لي.
وقال الأصمعي ليس هذا من الوصف جيداً لأن كل بياض يجاوز العرقوبين عيب في العتاق.
والمصامص الخالص من كل شيء يريد أنه خالص في العراب ليس بهجين.
ككنانة الزُغَري زي ... نها من الذهب الدُلامص
هذه كنائن يؤتى بها من بلد من الشام، يقال له زغر تعمل من أدم أحمر وتذهَّب.
والدلامص البراق، يقال امرأة دُمَلِصة ودلمصة مقلوب إذا كانت ملساء تبرق، شبه لونه بألوان من هذه الكنائن.
وقال امرؤ القيس يصف حماراً:
كأن سَرَاتَه وجُدة متنِهِ ... كنائنٍ يجرى فوقهنَ دليصُ
أي صقال، يريد الذهب.
يمشي كمشي نعامتيْ ... ن تتابعان أشقَّ شاخص
هكذا أنشدنيه الرياضي عن الأصمعي - وأنشدنيه السجستاني عن أبي عبيدة.
يمشي كمشي نعائمٍ ... يشتالهن أشق شاخص
قوله يمشي كمشي نعامتين يقول إذا مشى اضطرب فارتفعت عجزه مرة وعنقه مرة أخرى، وكذلك مشي النعامتين إذا تتابعتا تقاصر واحدة وتطاول واحدة فإذا مشت المتقدمة ارتفع الصدر وإذا مشت المتأخرة ارتفع العجز، والأشق الطويل.
وسُمع عقبة بن رؤبة ينعت فرساً أو رجلاً فقال: " هو والله أشق أمق خبق " قال الأصمعي الأشق والأمق والخبق الطويل، وروى غيره عن الأصمعي أن أمق وخبق تأكيد أن لأشق.
يَخْرُجْنَ مِنْ خَلَلٍ الْغُبَا ... رِ فُجامِزُ الوَلقى وقابصُ
الولقي والجمزي المر السريع، والقابص الذي يعدو على الأطراف كأنه ينزو في عدوه، والقبص الأخذ بأطراف الأصابع والقبض بالكف.
وقال المرار العدوي يصف فرساً:
سائلٍ شمرٍ أخ ذي جُببٍ ... سَلْطِ السنبكِ رسغ عَجُرْ
الشمراخ الغرة التي استدقت في الجبهة، والجبب أن يبلغ بياض التحجيل ركبة اليد وعرقوب الرجل - أو ركبتي اليدين وعرقوبي الرجلين يقال فرس مجبب بين التجبيب، عجر غليظ، وسلط طويل.
فهو وردُ اللونِ في ازبئرارِهِ ... وكميتُ اللونِ ما لم يزبئرُ
الازبئرار الانتفاش، ومنه قول امرؤ القيس:
سود يفئن إذا تزبئر
يقول إذا سكنت شعرته استبانت كمتته وإذا ازبأر استبانت أصول الشعر وهي أقل حمرة من أطرافه، ومثله قول ساعدة بن جؤية وذكر وعلا:
يحول لوناً بعد لونٍ كأنه ... بشفانِ يوم مقلِعِ للوبل يُصرّدِ
أراد أنه يقشعر فيخرج باطن شعره فيبدو لون غير لونه ثم يسكن فيعود لونه الأول، والشفان الريح الباردة.
ومثله له:
يحولُ قشعر يراتُه دون لونه ... فرائصُهُ من خيفةِ الموتِ تُرعَدُ

وقال الفراء في قول الله عز وجل " فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان " أراد فرسا وردة تكون في الربيع وردة إلى الصفرة فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة، فشبه تلون السماء بتلون الوردة من الخيل، وشبه الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه، ويقال أن الدهان الأديم الأحمر، وقال كثير يمدح:
إذا ما لَوَى صَنَعَ به عدنيةً ... كلونِ الدهانِ وردة لم تَكمّت
الصنع الخياط، تكمت تضرب إلى الكمتة - وقال النابغة:
وما حاولتُما لجماعٍ جيَشٍ ... يصونُ الوردَ فيه والْكُميتَ
خص الورد والكميت لصلابتهما، والصائن الذي يتقي على حافره من الحفي والوجي - وقال أبو النجم:
يبرى لنا أحْوَى خفيفَ نقلهِ ... أغرَّ في البُرقعِ بادٍ حجله
يقول غرته شادخة فقد ظهرت من البرقع، والشادخة التي قد فشت وملأت الجبهة، يقال فرس شادخ الغرة.
وقال سلمة بن الخرشب الأنماري:
كميتُ غيرُ مُحلِفةٍ ولكن ... كلون الصِرفِ عُلّ به الأديم
المحلف الذي يشبه الأشقر في ذنبه وناصيته ويشبه الأحوى، وأصله أنه يشك فيه حتى يختلف فيه فيقول واحد هو كميت ويقول آخر هو أشقر أو أحوى فيحلف هذا ويحلف هذا، ومن هذا قولهم " حَضارِ والوزن محلفان " وهما نجمان أي يظن بهذا أنه هذا وبهذا أنه هذا ويحلف كل واحد على ما ادعاه، والصرف نبت أحمر يصبغ به الأديم، وقال كثير يصف خيلاً:
ومُقرَبةٌ دهمٌ وكمتٌ كأنها ... طماطمٌ يوفون الوِفار هنادكَ
شبهها حين حُزّمت بعجم احتزموا بالمناطق، ويوفون الوفا رأى يطولون الشعور، هنادك هند والكاف زائدة، قال ابن هرمة:
كالهندكية نبذت أثوابها
وقال سلمة - ابن الخرشب:
كأن مسيحتي ورِقٌ عليها ... نمت قرطيهما أذن خذيم
المسيحة القطعة من الفضة يقول كأنها أُلبست مسيحة فضة من حسن لونها وصفاء شعرتها، وقد فسّر البيت في الخلق.
وقال عبد الله بن سَليمة يصف بعيراً:
يُعلَى عليه مسائحٌ من فضةٍ ... وثَرى حُبابِ الماءِ غير وريسِ
الثرى أول ما يبدأ به العرق، قال طفيل:
يُذَدن ذيادَ الخامساتِ وقد بدا ... ثَرى الماءِ من أَعطافِها المُتحلبِ
وإنما أراد الأول صفاء شعره وقصره، يقول إذا عرق فكأن عليه مسائح فضة.

العرق
قال زهير:
يَعودُها الطرادُ وكل يومٍ ... تُسَنَّ على سنابِكِها القرونُ
القرون العرق الواحد قرن يريد مرة بعد مرة، وأصل القرن الطلق يقال عصرنا الفرس قرناً أو قرنين يريد العرق الذي يكون في ذلك الطلق، وإذا لم يعرق الفرس فهو صلود وذلك مذموم. والهِضَبْ الكثير العرق. ومنه قول طرفة:
وهِضَبَات إذا ابتلّ العذر
وقال خفاف بن عمير السلمي:
من المغضباتِ بفضِ القرونِ ... إذا رُدَّ منها حميمٌ غرارا
وقال المستوغر القريعي:
يِنشّ الماءُ في الربَلاتِ منها ... نَشيشَ الرّضفِ في اللبنِ الوغيرِ
الربلات أصول الفخذين والرضف الحجارة المحماة والوغير اللبن ساعة يحلب فسمى المستوغر بهذا البيت.
قال ابن ميادة:
هم الضاربونَ الخيلِ حتى إذا بَدَتْ ... نواجِذُها واستغضبتْها جلودها
بدت نواجذها، يريد كلحت في الحرب، ولهذا قيل لها عوابس ولا يقال عوابس إلا في الحرب.
وقال لبيد:
ومقطِعٌ حلقُ الرحالةِ سابحٌ ... بادٍ نواجذه على الإطرابِ
وأنشد:
إذا العوالي أخرَجَتْ أقصى الفمِ
وقوله واستغضبتها جلودها، أي عرقت فأغضبتها. ويقال في قوله باد نواجذه على الإطراب، وبدت نواجذها، النواجذ آخر الأضراس أي أنها تنازع فتكبح اللجام وتكف فتفتح أفواهها وتبدو نواجذها، ولذلك قال بادٍ نواجذه على الإطراب، أراد أنه ينازعه على الطرب لنشاطه ومرحه فيكبحه فينفتح فوه وتبدو نواجذه.
وقال أبو النجم:
والحُصنُ شُوسُ الطرفِ كالأجادلِ ... تَردى معاً شاحيةَ الجَحافلِ
أي مفتوحة الأفواه، يقال شحافاه إذا فتحه وليس ذلك بمحمود إذا كان من عادتها، إنما يريد أنها تنازع فتكبح باللجم فتنفتح أفواهها.
وقال بشر بن أبي خازم:

تَراها من يَبيسِ الماءِ شهباً ... مخالطَ درةٍ منها غرار
قال ابن الأعرابي: يقول لا ينقطع عرقها ولا يكثر فيضعفها، والدرة أن تدر، والغرار القلة، ويقال غارت الناقة إذا قل لبنها بعد مجيئه.
وقال غيره - أراد سيرها إذ تنفتق من عزة نفسها ونشاطها ثم ترجع إلى الذي كانت عليه من سيرتها، وعرق الخيل إذا يبس ابيض وعرق الإبل إذا يبس اصفر.
وقال طفيل الغنوي يذكر خيلاً:
كأن يبيسَ الماءِ فوق متونِها ... أشاريرُ ملحٍ في مَباءةِ مُجرِبِ
يبيس الماء العرق الجاف شبهه بالملح، والأشارير لحم يشر كما يشر الإقط واحدها إشرارة.
والمجرب الذي قد جربت إبله وهو يجمع الملح ليداويها به.
وقال طفيل:
كأن على أعطافِهِ ثوبٌ مائحٌ ... وإن يُلق كلب بين لحييه يذهبُ
المائح الذي يدخل البئر فيملأ الدلو فيسيل الماء على ثيابه فيبتل، أراد أنه قد عرق فكأن عليه ثوب مائح.
وقوله - وإن يلق كلب بين لحييه يذهب، لسعة شدقه.
وقال خداش بن زهير يصف خيلاً:
وقد سالَ المسيحُ على كُلاها ... يخالفُ دُرةً منها غرارا
المسيح العرق، وأراد بكلاها بطونها والدرة أن يسيل، والغرار أن يقل، يريد أنها تعرق تارة وتجف تارة وهذا مما يحمد لأنه لو دام عرقها لأضعفها. وقال أبو ذؤيب:
تأبى بدّرَتِها إذا ما استُغضِبت ... إلا الحميم فإنه يتبصعُ
ويروي يتبصع أي تأبى بدرة العدو إذا حركت بساق أو ضربت بسوط تنزو وتمرح ولا تعدو إلا الحميم، وهو العرق فإنه ينفجر، وقال الأصمعي قد أساء الوصف لأنه يستحب من الفرس أن لا يعجل عرقه ولا يبطئ، وقال ابن أحمر وذكر فرساً:
هَمِع إذا رشح العذار بِلِيته وكَفت خصائله وكيف الغرقد همع
سائل بالعرق خصائله عضَلاته وأول ما يرشح موضع العذار والغرقد يسرع القطر - وقال الجعدي وذكر فرساً:
فعرفَّنا هِزةً تأخذه ... فقرناه برضراضٍ رِفلِّ
فظننا أنه غالبه ... فزجرناه بيهياهِ وهلِ
كَلِبا من حسِ ما قد مسّه ... وأفانينُ فؤادٍ محتملِ
ويروي: " من حس ماء مسه " هزة نشاط، رضراض بعير كثير اللحم، رفلّ سابغ الذنب، يقول ظننا أن الفرس يستخف البعير ويغلبه حين قرن به فزجرناه لئلا يمرح. قوله كَلِبا من حسِ ما قد مسّه - أي لما وجد مس العرق أخذه شبيه بالجنون من شهوة العدو، وأفانين ضروب، ومحتمل مستخف يقال جاء فلان محتملاً إذا جاء غضبان مستخفاً.
وقال امرؤ القيس يصف فرساً:
فعادى عَداءً بين ثورٍ ونعجةٍ ... دراكاً ولم ينضح بماءٍ فيُغسَلُ
هكذا أنشدنيه السجستاني عن الأصمعي ينضح، والناس يغلطون فيروونه يُنضَح وإنما هو مثل قول النابغة يصف خيلاً:
يَنِضحنَ نَضْحَ المزادِ الوُفرِ أتْأَقَها ... شَدّ الرواةُ بماءٍ غيرِ مشروبِ
شبه عرق الخيل بنضح المزاد ثم قال إلا أن هذا النضح ليس مما يشرب، والرواة المستقون، وعادي والي بين اثنين، ولم يرد بقوله ولم ينضح بماء أن العرق مكروه ولكنه أراد سرعة إدراكه إياهما وأنه عقرهما قبل أن يعرق الفرس، ومثل هذا قوله:
فأدرك لم يعرق مناط عذارهِ ... يمرُ كخُذْروفِ الوليدِ المثقبِ
قالوا والخيل إذا عرقت غُسلت بالماء وليس هذا بشيء، قول امرئ القيس مثل قول معقر بن حمار:
وكل سبوحٍ في العنان كأنها ... إذا اغتسلتْ بالماء فتخاء كاسرِ
لأن اغتسلت في هذا البيت عرقت، وأنشدنيه السجستاني عن أبي عبيدة " وكأنها إذا اغتمست بالماء فتخاء كاسر " والعرق عندهم محمود.
قال النجاشي:
كأن جنابَيه وصُفّةَ سرجِه ... من الماءِ ثوباً مائحٍ خضلانِ
وقال أبو النجم:
كأنه في الجلِ وهو ساميٌ ... مشتملٌ جاء من الحمامِ
وقال أيضاً:
كأن مِسكاً غله مغلِّلُهْ ... في ناضحِ الماءِ الذي يشلشلهُ
" وغله فانغل أي دخل بعضه ببعض وغل فلان المفاوز أي دخلها، والغلل الماء بين الأشجار " وطيب رائحة العرق عندهم محمود أنشدني السجستاني عن أبي عبيدة:
إذا عرقَ المهقوعُ بالمرءِ أنعظت ... حليلتُه وازداد حراً مِتاعها

قال أبو عبيدة أبقي الخيل المهقوع وكانوا يستحبون الهقعة وهي الدائرة التي تكون في عرض زوره حتى أراد رجل شراء فرس مهقوع فامتنع صاحبه من بيعه فقال هذا البيت فكُرهت الهقعة منذ ذاك.
قال أبو النجم وذكر فرساً:
ساطٍ إذا ابتلّ رقيقاه ندا
رقيقاه جانبا منخره ابتلاّ من العرق، والساطي البعيد الأخذ من الأرض. وللعرق باب ألفته في كتاب الإبل فيه أبيات المعاني في عرق الإبل.

باب اضطرام العدو وحفيفه
قال امرؤ القيس:
رَقاقها ضرِمٌ وجريِها خذمٌ ... ولحمها زِيمٌ والبطن مقبوبُ
الرقاق الملأ المستوى ضرم أي يضطرم من الجري، وجريها خذم أي تقطعه شيئاً بعد شيء، ولحمها زيم أي متفرق في أعضائها ليس بمجتمع في مكان فتبدن.
قال جرير:
من كلِ مشترفٍ وإن بعد المدا ... ضرم الرَقاق مناقلَ الأجرالِ
مشترف عالي النظر، ضرم الرقاق أي هو كالنار المضطرمة إذا جرى في الرقاق، والأجرال الحجارة، والمناقلة أن يضع يده ورجله على غير الحجارة لحسن نقلهما لحذقه.
وقال يزيد بن عمرو الحنفي:
للشأ وفيها إذا ورّعتْها حدم ... يحسبه الكِفلُ شداً وهو تقريبُ
حدم اضطرام مثل حدمة النار، والشأ والطلق والكفل القَلِع الذي لا يثبت على سرجه أي تقريبها عنده إحضار، ورّعتها كففتها.
وقال آخر - أوس بن حجر:
نجّاكَ جيّاشٌ هزيمٌ كما ... احميت وسط الوبرِ المِيسَما
شبه حفيفه بحفيف الميسم وسط الوبر.
وقال امرؤ القيس:
على العقبِ جيّاش كأن اهتزامَه ... إذا جاش منه حميه غلى مرجلُ
يقول إذا حركته بعقبك جاش وكفاك ذاك من السوط ويقال العقب جرى بعد جري، يجيش يرتفع كما يجيش المرجل إذا غلى، واهتزامه شققه بالعدو.
وقال أبو زبيد يصف خيلاً:
كل سجحاءٍ كالقناة قَرونُ ... وطُوال القَرا هزيمُ الذكاءِ
القرون التي تعرق واحدة من القرن وقد فسرناه والذكاء السن يقال: قد ذكّى الفرس فهو مذك إذا أسن، وأراد بقوله هزيم الذكاء هزيم عند الذكاء، ومثل للعرب " جرى المذكيات غلاب " . ويقال غِلاء فمن قال أراد جريها كغلاء السهام، ومن قال غلاب أراد أنها تغالب الجري غلاباً وليست كالمهارة.
وقال امرؤ القيس:
وسالفةٌ كسحوق الليا ... نِ أضرمَ فيه الغَوى السُعرَ
الليان جمع لينة وهي النخلة، والسالفة صفحة العنق من مقدمها، والسحوق النخلة الطويلة وأحسب ذلك مع انجراد ويقال ثوب سَحْق وسحوق إذا انجرد من الإخلاق وقوله أضرم فيه الغوى السعر - أراد حفيفه حين جرى كحفيف النار ويقال إذاً كأن عنقها نخلة قد شذبت النار سعفها وبقيت منجردة.
وقال طفيل:
كأن على أعرافِهِ ولجامهِ ... سنا ضَرم من عرفَجٍ يتلهبُ
السنا الضوء وإذا كان له ضوء كان له حفيف، وضرم جمع ضرمة، والعرفج تسرع فيه النار لأنه ليس بجزل، يقول يحف من شدة العدو حتى كأن عرفجاً يتضرم على عنانه وعنقه، وهو كما قال الآخر:
عمل الحريق بيابس الحلفاء
ومثله:
جموحاً مروحاً وإحضارها ... كمعمعةِ السعفِ الموقدِ
ومثله للعجاج:
سفواءُ مرخاءُ تباري مِغلجاً ... كأنما يستضرمان العرفَجا
الغلج عدو دون الاجتهاد يقول: حفيف عدوهما مثل عجيج العرفج.
وقال رؤبة:
تكاد أيديها تهاوَى في الرهقِ ... من كَفتها شداً كإضرامِ الحرقِ
تهاوى تهوي، والرهق التقدم يقال فرس رَهَيقَى إذا كان يتقدم الخيل، يقول تكاد أيديها تهوي من شدة ما تقدمها، والكفت السرعة.
وقال الهذلي وذكر حماراً:
يعالج بالعطفينِ شأواً كأنه ... حريقٌ أُشيعته الأباءة حاصدُ
يعالج بالعطفين يعني أنه يميل في شقه يتكفأ في عدوه، والشأو الشوط، أشيعته الأباءة وهو أن يضع حطباً صغاراً مع حطب كبار حتى تشتعل النار في الصغار ويقال أشعت إشاعة وشيّعت تشييعاً، والأباءة الأجمة، حاصد يحصدها بإحراقه.
باب في وثبها
قال زيد الخيل:
وكل كميت كالقناة طمرة ... وكل طمرّ يحسب الغَوط حاجراً
أي يثب الغوط وهو المطمئن من الأرض فهو عنده كالحاجر والحاجر محبس للماء لطيف.
وقال آخر:
غَشمشمٌ يغشي الشجرَ ... ببطنه يعدُ والذكرَ

يريد أنه يثب الشجر.
وقوله ببطنه يعدو الذكر خص الذكر لأنه يقال إن الإناث أقوى على الخلاء من الذكور.
وقال آخر:
وكأنما دوحُ الأراكِ لمهرهِ ... حُوّاءةٌ نبتَتْ بدارٍ قرارِ
الدوح عظام الشجر يريد أنه يطفرها كما يطفر الحواءة وهي نبت لازق بالأرض لا يرتفع.
قال:
كما تبسم للحُواءة الجملُ
يريد أنه لا يقدر على رعيها حتى يكشر فذلك تبسمه.
وقال امرؤ القيس:
لها وثبات كصوبِ السحابِ ... فواد خطيطٍ وواد مطِرِ
الخطيطة أرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين ويستحب سعة شحوة الفرس فجعل شحوته وهي بين حافريه من الأرض خطيطاً وموضع الحافر غيثاً ويروي خطاء أي يخطو وادياً ويعدو وادياً.
كما قال الآخر - زهير:
يركضن ميلاً وينزعن ميلاً
وأنشدنيه السجستاني عن أبي عبيدة: فواد خطئ.
وقال أبو داود:
ضُروحُ الحماتيْنِ سامي الذراعِ ... إذا ما انتحاه خَبار وَثَبَ
الحماتان عضلتا الساقين.
يقول إذا عدا ضرح برجليه يريد سعته وانبساطه في عدوه، والخبار أرض مسترخية وفيها جِحرَة فالخيل تعثر فيها.
يقول إذا وقع في الخبار جمع قوائمه ووثب.
وقال أبو النجم:
يخرجُ ثلثاها من الإعصارِ ... قوداءَ يُجفيها عن العِثارِ
في جَدَد الأرضِ وفي الخبارِ ... سُمر الحوامي وأبة الآثارِ
يقول إذا جرت فأثارت غباراً فحملته الريح سبقته هي حتى يخرج ثلثاها منه، قوداء طويلة العنق، يجفيها يرفعها عن أن تعثر في جدد الأرض وهي الصلبة وفي الخبار وهي المسترخية وفيها جِحَرة هذه الحوافر، ويقال إن إناث الخيل تعثر في الجدد، ولذلك قال قيس بن زهير. في داحس والغبراء " رويد يلعون الجدد " وإن الذكور تعثر في الخبار، والحوامي جوانب الحافر.
وأبة الآثار مقعَّبة الآثار، وإذا كانت الحوافر مقعبة فهو أحمد لها، وقال الراعي في مثله:
إذا كان الجِراءُ عفَّت عليه ... ويسبقها إذا هبطت خباراً
عفت زادت، وقال الأخطل:
ذوابل كلِ سلهبةٍ خنوفُ ... وأجردٌ ما يثبِّطهُ الخبارُ
ولذلك قال أبو داود للغلام حين حمله على الفرس:
أحصننه إن المكان خبار
وقال العجاج:
عافى الرَقاقِ مِنهب مَيوحٍ ... وفي الدهاس مِضبرٍ ضروحٍ
يقول إذا عدا في الرقاق فعدوه عاف لا يجتهد، منهب شديد المناهبة كأنه يناهب قوماً ويبادرهم، والميوح الميال في شقيه، قال الأصمعي وذاك أجود له كما قال الآخر.
تَبرِي لعريان الشوي ميّاح
والدهاس رمل تغيب فيه الأرجل، يقول إذا وقع في الدهاس ضبر أي جمع رجليه فوثب والضبر الوثب وقوائمه مجموعة، يقال ضبرت الشيء جمعته ومنه قيل إضبارة كتب، والضروح النفوح برجليه يقال اضرح عنك هذا الأمر أي نحه عنك، وقال أيضاً:
عافي الرقاق مِنهب مُواثم ... وفي الدهاس مضبر مُتائم
الوئم شدة وقع الحافر والخف على الأرض، متائم أي يجيء بعدو توأم أي بعدو، وبعد عدو ويريد أن عنده ضروباً من العدو، وقال أيضاً وذكر الثور والكلاب:
غَمر الجِراءِ إن سطون ساط ... عافى الأياديم بلا اختلاطِ
وبالدهاسِ ريّثُ السقاطِ
غمر الجراء كثير الجري، إن سطون إن أبعدن الأخذ من الأرض، ساط بعيد الخطو، والإيدامة المكان الصلب ليس بحصي ولا بحجارة، يقول إذا وقع في الأياديم جاء عدوه عفواً سهلاً، ريث السقاط يقال للرجل أنه لذ وسقطات أي لا يزال يعثر فهذا لا يعثر البتة، وقال حميد الأرقط:
أضر فهي وَكَرَى مضرارُ ... عُرضتُها التقريبُ والاحضارُ
لم يتكأد ضبرها الخبارُ
يقال ناقة وكرى وقد وكرت تكر وكراً، ويقال للرجل أنه لعرضة للقتال وأن الناقة لعرضة للسفر إذا كانت قوية عليه، ويتكأد من الكؤود وهي العقبة أي لم يشق الخبار عليها إذا وثبت، وقال ابن مقبل:
زلُّ العِثارِ وثبت الوعَث والغَدَر
زل العثار أي بعيد منه قد زل عنه، والوعث السهل الذي تسوخ فيه أخفاق الإبل مثل الرمل، والغدر المكان المتعادي، أي تثبت فيها، يقال للرجل إذا كان جيد الحجة أنه لثبت الغَدر.
وقال ابن مقبل:
إذا كان جريُ العيرِ جَوداً وديمةً ... تغمدُ جودَ العيرِ في الوعثِوابلهِ

يقول ما عند الفرس من الجري يتغمد جري العير في الوعث.

في لحوق الخيل بالصيد
قال امرؤ القيس:
وقد أغتدي والطيرُ في وكناتها ... بمنجردٍ قيدِ الأوابدِ هيكلُ
الوكنة الوكر وهو موضع العش وأما الوكن بالنون فالعود الذي يثبت عليه الطائر، منجرد قصير الشعر، وطول الشعر هجنة ويقال منجرد ماض غير وان، كما يقال انجرد في حاجتك، قيد الأوابد يقول إذا أرسل على الأوابد وهي الوحش فكأنها في قيد.
وقال الأسود - بن يعفر:
بمقلِّصٍ عَتَدٍ جهيزٍ شده ... قيدَ الأوابدِ والرهانِ جوادُ
الأصمعي: المقلص المشرف الطويل القوائم، والعتد الذي هو عدة للجري يقال فرس عتَد وعتِد، جهيز شده أي سريع شده. ومنه قيل أجهز على الرجل إذا كان بآخر رمق فقتله، وقال أبو عبيدة: المنجرد الذي لا يتعلق به فرس والمقلص الطويل القوائم المرتفع عن الأرض الخفيف الوثب، أبو عبيدة: يقال قيد الأوابد وقيد الرهان وهو الذي كأن طريدته في قيد إذا طلبها. قال واول من قيدها امرؤ القيس، وقال ابن أحمر:
بمقلِّصٍ درَك الطريدَة متنُهُ ... كصفا الخليقةِ بالفضاءِ الملبِدِ
درك الطريدة أي هو إدراك الطريدة ويقال مالك في هذا درك أي إدراك، يقول فهو درك الطريدة - كما قال الآخر قيد الأوابد، والخليقة الملساء مثل الخلقاء والمخلّقة يقال خلقت الشعر إذا لينته وملسته، يريد أنه لين أملس كهذا الصفا، والفضاء المتسع من الأرض، والملبد الخاشع، يريد كصفا في مستوى من الأرض، وقال عدي بن زيد:
مشرِفُ الهادي له غُسَنٌ ... يُوثقُ العلجينِ إحضاراً
العلجان حماران غليظان، والغسن شعر الناصية، الواحدة غُسْنَة ويروي يغرق العِلجين إحضاراً، أي يجيء الفرس بجري يغمر جريهما.
وقال أيضاً:
يغرقُ المطرودَ منه وابلٌ ... ضابطُ الوعثِ ضبوعٍ في الجددِ
يقول إذا طلب الشيء أغرقه في جريه وأدركه كما يغرق الماء الشيء يعلوه ويغمره، وابل أي شد كالوابل من المطر، ضابط الوعث أي هو ضابط في الوعث، وضبوع من الضبع وهو ضرب من العدو يمد ضبعيه فتطول خطاه. وقال المرار - بن منقذ العدوي:
يصرعُ العيرينِ في نقعيهما ... أحوذيّ حينَ يهوي مستمرِ
ثم إن يُقدَع إلى أقصاهما ... يخبطُ الأرضَ اختباطِ المحتفِرِ
أي يخرج من غبارهما حتى يوالي بينهما، والأحوذي الماضي الناجي، يقدع يكف، وقوله إلى أقصاهما أي عند أقصى المديَين وهما الغايتان، يخبط الأرض من النشاط.
وقال ابن مقبل:
وصاحبي وهوه مستوهلٌ صرِعٌ ... يحول بين حمارِ الوحشِ والعَصَرِ
وهوه ذاهب العقل وقيل خفيف، والعصر الملجأ.
وقال عبد المسيح بن عسلة:
لا ينفعُ الوحشُ منه أن تحذّرَه ... كأنه معلقٌ فيها بخطَّافِ
وهذا من أغرب ما جاء في هذا المعنى.
وقال أمية بن أبي عائد الهذلي وذكر حماراً وآتنه:
كأن الطِمِرّةِ ذات الطِما ... حِ منها لضَبرتِهِ بالعِقالِ
الطمرة المشرفة ومنه يقال طمر الجرح إذا نتا وورم، ومنه يقال وقع من طَمار إذا وقع من مكان مشرف، وذات الطماح التي تطمح في العدو تبعده والطماح الارتفاع.
يقول إذا وثب هذا الحمار فكأن الأتان التي طمحت في عدوها في عقال من إدراكه إياها، والضبر أن يجمع قوائمه ويثب.
وقال عدي بن زيد:
أحالَ عليه بالقطيعِ غلامنا ... فأذرِع به لخلَة الشاةِ راقعاً
أحال عليه أقبل فاذرع به أي ما أذرعه يريد بعد شحوته لخلة الشاة يريد الفرجة التي بينه وبين الشاة، راقعاً أي يرقعها بنفسه يريد أنه يلحق الشاة فلا يكون بينهما فرجة، والقطيع السوط وهذا كقول الجعدي:
واستوت لهزمتا خديهما ... وجرى الشّفُ سَواءً فاعتدلَ
الشف القِصَر أي ذهب ما كان بينهما من فضل، يقول أحدهما يسبق الآخر فاستويا، ويروي لخلة الشاء راقعاً، وروي عن خلف في هذه الرواية أنه قال، يعدو الفرس وبين الشاتين فرجة فيدخل بينهما فكأن الفرس يرقع الخلة بنفسه إذا صار فيها.
باب الميل في أحد الشقين في مشيها وجريها
قال المرار - بن منقذ العدوي:
شُندُفٌ أشدفٌ ما ورعته ... فإذا طُؤطِئَ طيار طمِرِ

الشدف كالميل في أحد الشقين، وأرى أن شندفاً منه، ما ورعته ما كففته فهو يعرض، فإذا طؤطئ أي دفع، وإنما أراد أنه صبه في آثارهن والصب طأطأة، ومنه قول امرئ القيس:
كأني بفتخاءِ الجناحين لقوةٍ ... صيود من العقبانِ طأطأتْ شملالَى
ويقال تطأطأت أيضاً أسرعت، ويقال فلان يطأطئ في ما له إذا أسرع إنفاقه.
وقال امرؤ القيس:
إذا ما عنَجَتْ بالعِنانينِ رأسه ... مشى الهِربِذي في دَفّة ثم فرفرا
عنجت عطفت، والهربذي التبختر، وقوله في دفه يريد أنه يحرك رأسه مرة في هذا الجانب ومرة في هذا الجانب في دفه وهو جنبه وفرفر نفض رأسه، ويروي الهيذبي وهي فيعلي من الإهذاب، وقال خداش بن زهير:
متحرّفاً للجانبيْنِ إذا جرى ... خِذماً جوادَ النزعِ والإرسالِ
أي يميل على شقيه في جريه ويتكفأ من النشاط، ومثله:
من المتحرفات بجانبيها ... إذا أشكلن بالعرق الجلودا
وللهذلي في وصف حمار:
يُعالجُ بالطفيْنِ شأواً كأنه ... حريقٌ أشيعته الأباءةُ حاصدُ
أي يضرب بعطفيه في عدوه يتكفأ، وقال آخر:
يضربُ عطفَيْه إلى شأوِهِ ... يذهبُ في الأقربِ والأبعدِ
وقال ابن مقبل:
مُفِجٌ من اللائي إذا كنتَ خلفه ... بدا نحرُهُ من خلفِهِ وجحافلِهِ
يقول خانف برأسه فأنت ترى نحره وجحفلته، وقال العجاج:
كالأخدري يركب الأقطارا
أي يركب قطريه في عدوه من النشاط، وقال رجل من كنانة:
على رِبذِ التقريبِ يُفديه خالَه ... وخالَتَه لما نجا وهو أملسُ
فنحنُ لأمِ البيضِ وهو لأمه ... لئن قاظ لم يصحبنه وهي شُوّسُ
ربذ التقريب يريد خفيف رجع اليد، يفديه خاله يقول فدى لكل خالي لما نجا، أملس لم تصبه جراحة يعني رجلاً انهزم فهو يفدّي فرسه، وقوله فنحن لأم البيض يقول نحن نعام لؤماً وجبناً وهو لأمه أي وهو إنسان لئن صار في القيظ ولم تغر عليه الخيل، وهي شوس أي موائل في ناحية من النشاط، وقال أبو عبيدة: إذا اشتد عدو الفرس فكأنه يأخذ في أحد شقيه، وقال زهير:
جوانحٌ يخلِجنَ خلجَ الظباءِ ... يركضنَ ميلاً وينزعن ميلا
جوانح موائل في العدو، ويخلجن يسرعن وأصل الخلج الجذب ولا يقال ركض الفرس إنما يقال يركضه صاحبه، والميل القطعة من الأرض قد رمد البصر.
وينزعن يكففن عن العدو، وقال العجاج:
عافى الرَقاق مِنهب ميوح
الميوح والمياح الميال في شقيه وذاك أجود له وقد فسر البيت.

باب جريها ومشيها
قال عدي بن زيد:
لا يرقب الجِريُ في المواطن لِل ... عُقبِ ولكنّ للعقابِ حضُرُ
العقب آخر الجري يقول لا يُبقي من جريه شيئاً للعقب ولكنه يخرجه كله فإذا عاقب أحضر كما أحضر في أول دفعة أي عقبة وابتداؤه سواء. قال أبو النجم:
يسبح آخره ويطفو أوله
قال الأصمعي: إذا كان كذلك كان حمار الكساح أسرع منه لأن اضطراب مآخيره قبيح، قال وأحسن في قوله: ويطفو أوله، وقالوا: خير عدو الذكران الإشراف وخير عدو الإناث الصغاء كعدو الذئبة والظليم، قال لبيد يصف الظليم:
يُلقي سقيطُ عِفائِه متقاصراً ... للشد عاقدٌ مَنكبٍ وجرانِ
يقول يلقي ما ينتف من ريشه من شدة عدوه، ومنه قول ابن أقيصر في وصف فرس:
إذا استقبلته أقعي
يقول، كأنه مقع لإشراف مقدمه، وقال غير الأصمعي: إنما أراد بقوله يسبح أخراه أنه لسعته وانبساطه في عدوه يضرح برجليه كالسابح ومثله قول أبي داود:
ضروحُ الحماتيْنِ سامي الذراعِ ... " إذا ما انتحاه خبار وثب "
والحماتان عضلتا الساق يقول إذا عدا ضرح برجليه، والأصمعي ذهب في أخراه إلى عجزه، وقال امرؤ القيس:
على زبذٍ يزدادُ عفواً إذا جرى ... مِسَح حثيثَ الركضِ والذألانِ
يزداد عفواً أي يجم ويسكن وهو سريع في سهولة، والذألان المر السريع ومنه سمي الذئب ذؤالة، ويروي الدألان وهو قريب منه، ربذ خفيف. وقال رؤبة:
كيف ترى الكاملَ ينقضي فرقاً ... إلى ندى العقب وشداً سحقاً

الكامل اسم فرس، يقضي فرقاً أي يقضي قضاء يفرق به وذلك لأنه يسبقها سبقاً بيناً ومنه عمر الفاروق، والندي الغاية مثل المدي، والعقب جري بعد جري، يريد أنه لا يزال يفرق بينها وبينه إلى هذه الغاية، وقال رؤبة - 1 :
وإن هَمَرن بعد معق معقاً ... عرفت من ضربِ الحريرِ عتقاً
الهمر الغرف يقال إنه ليهمر همراً في الكلام وإنه لمهمار إذا كان كثير العطاء أو كثير الكلام، والمعق البعد يقال عمق ومعق، والحرير فرس كان لهم.
يهوي إذا هُن وَلقنَ ولقاً ... بأربعٍ لا يعتنفن العفقا
يهوين شتى ويقعن وفقاً
الوَلق المر الخفيف يقال مر يلق، والاعتناف أخذ الرجل العمل بغير حذق، والعفق ضعف اليد في العدو، وقوله يهوين شتى ويقعن وفقاً، قال الأصمعي: بلغني أن سلم بن قتيبة قال له يا أبا الجحاف أخطأت في هذا جعلته مقيداً، فقال رؤبة: أدنني من ذنب البعير.

ما يشبه به مشيها وجريها
قال امرؤ القيس:
له أيْطَلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ ... وإرخاء سرحانٍ وتقريبِ تتفلِ
وقد فسر صدر البيت في باب الخلق والإرخاء جري سهل ليس بالشديد، يقال فرس مِرخاء وأفراس مَراخ وليس شيء أحسن إرخاءً من الذئب ولا أحسن تقريباً من الثعلب، ويقال للفرس هو يعد الثعلبية إذا كان حسن التقريب، ويقال أنه لم يُقَل في وصف الفرس أحسن من هذا البيت، وقال ابن مقبل:
بذي مَيعةٍ كأنّ بعضَ سقاطهِ ... وتَعدائِه رِسلاً ذآليل ثعلبِ
جرى قَفِصاً وارتدَّ من أسرِ صلبِهِ ... إلى موضعٍ من سرجِهِ غير أحدبِ
الميعة النشاط، ويقال إنه ليساقط الشد أي يأتي منه الشيء بعد الشيء فذلك سقاطه، والذآليل من الذألان وهو مر سريع، والقفص الذي لا ينطلق في جريه، وأسر صلبه اندماجه، وارتد يقول رجع بعضه إلى بعض لأنه لم يستقم جريه وليس ذلك من الحدب، وقال المرار - بن منقذ العدوي:
صفةُ الثعلبِ أدنى جريِه ... وإذا يُركَض يعفور أشر
ونشاصي إذا تُقرِعُه ... لم يكدْ يلجُمُ إلا ما قسر
يعفور ظبي، أشر ظبي، أشر نشيط، نشاصي مرتفع، ومنه يقال للغيم المرتفع نشاص، ونشصت المرأة على زوجها ونشزت، ورواه أبو عبيدة شناصي ويقال هو الشديد الخلق الجواد والأنثى شناصية، وقال طفيل:
كأنه بعد ما صدَّرنَ من عرقٍ ... سِيد تمطر جنح الليلِ مبلولِ
أراد بالعرق سطور الخيل، ويقال لكل شيء من الدواب والطير يصطففن مثل السطر عرقة وجمعها عرق، صدرن سبقن سطر الخيل بصدورهن فكأنه ذئب قد ابتل من المطر فهو يبادر إلى الغار، والتمطر العدو وهو تفعل من قولك مطر في الأرض يمطِر مطوراً أي ذهب، وقال الجعدي:
وعاديةٌ سوم الجرادِ وزعتها ... فكلفتها سِيداً أزل مصدّراً
عادية حاملة، يقال رأيت عديّ القوم أي حاملة القوم في الحرب، سوم الجراد أي مضيه يريد أنها تنتشر كما ينتشر الجراد، ووزعتها كففتها، وكلفتها سيداً أي جعلت مؤونة هذه العادية على فرس يشبه الذئب، والأزل الأرسح وهو من صفة الذئب لا من صفة الفرس.
ومثله قول الراجز يصف فرساً:
أزل إن قيد وإن قام نصب
أي كأنه ذئب إن قيد وإن قام نصب رأسه فرأيته مشرفاً، قال الأسعر الجعفي:
أما إذا استعرضتُه متمطّراً ... فتقولُ هذا مثلُ سرحانِ الغَضَا
متمطراً عادياً، وشبهه بذئب الغضا لأنه أخبث الذئاب يقال ذئب خمر أي يلزم الخمَر، وقال طفيل:
وفينا رباطُ الخيلِ كل مطهّمٍ ... رجيلٍ كسرحان الغَضا المتأوبِ
المطهم التام كل شيء على حدته وكذلك العميثل، وأنشد - لبعض الضبيين:
متقاذفٌ عبلُ الشَوَى شنج النسا ... سباق أنديةِ الجيادِ عميثلُ
الرجيل الجيد المشي القوي عليه الذي لا يحفي، ومنه قول الآخر:
أنى سريتِ وكنت غير رجيلة
وقال طرفة:
وكَرَى إذا نادى المضافُ محنّباً ... كسيدِ الغَضا نبهتُه المتوردُ
المحنب الذي في رجليه انحناء وتوتير وذلك محمود في الخيل.
وقال آخر:
يعسلُ تحتي عسَلاناً كما ... يعسلُ تحت الردهةِ الذِيبُ
الردهة منقع ماء قليل، وقال آخر:
كإرخاء سيد إلى ردهةٍ يوائل ... من بردٍ مرهبِ

يوائل ينجو. وقال آخر:
كما يختبُّ معتدلُ مطاهٌ ... إلى وشلٍ بذي الروهاتِ سيدُ

باب التشبيه بالعقاب
قال امرؤ القيس:
كأني بفخاءِ الجَناحَيْنِ لقوةٍ ... صيودٌ من العقبانِ طأطأتْ شِيمالي
أخبرني السجستاني عن أبي عبيدة أن أبا عمرو بن العلاء كان ينشده شيمالي فزاد ياء، وكان غيره يروي شملالي يريد الخفيفة يقول كأني بطأطأتي هذه طأطأت عقاباً، ويقال لِقوة ولَقوة والكسر أجود، وقال آخر:
هو سِمعَ إذا تمطَر مشياً ... وعقابٌ يحثها عِسبارُ
فالسمع ولد الذئب من الضبع والعسبار ولد الضبع من الذئب، وقوله يحثها عسبار يريد أن العسبار يسرع في عدوه فتسرع العقاب في طلبه كأنه هو حثها، وقال الأعشى:
وكأنما تبع الصِوارِ بشخصِها ... عجزاءٌ ترزقُ بالسُلّى عيالها
أي كأنما تبع الصوار حين تبعته الفرس عقاب، الأصمعي: عجزاء في أصل ذنبها بياض، أبو عبيدة: عجزاء شديدة الدابرتين، والسلي واد دون حجر، وعيالها فراخها.
باب التشبيه بالبازي
قال الأسعر الجعفي:
أما إذا استقبلتُه فكأنه ... بازٌ يكفكفُ أن يطيرَ وقد رأى
ويكفكف يكف مثل قولهم يكمك من الكمة، وقال المرار - ابن منقذ:
وكأنما كلما هُجْنا به ... نطلبُ الصيدَ ببازٍ منكدرِ
وقال آخر:
وعلاهن إذ تجاهدن في الأج ... رال باز شاكي السلاح مُطار
الأجرال جمع جرل وهي حجارة صغار وكبار يقال أرض جرَل وجرلة وجرولة إذا كان فيها غلظ وحجارة، يريد أنه ينقل قوائمه في الأجرال لتوقيه الحجارة.
باب التشبيه بالصقر
قال زاحم العقيلي:
يهوى إذا بلّ عطفيْهِ الحميمَ كما ... يهوى القطامِيّ أضحى فوق مرتَقبِ
وقال النابغة الجعدي:
ومن دونِ هَوَى له هَوّى ... القَطامِيّ للأرنب
وقال:
فسُرِّح كالأجْدلِ الأزرقي ... في إثر سِربٍ أجَدّ النفارا
وقال لبيد:
وكأني ملجمٌ شُوذانقا ... أجدليا كَرُّه غير وَكِل
الشو ذانق الشاهين وأصله بالفارسية سوذانه، وقال الجعدي:
كأنه بعد ما تقطعت ال ... خيل ومال الحميم بالجُرُم
شَو ذانق يطلب الحمام وتز ... هاه جنوب لناهِض لحِم
وقال - وهو أبي بن سلميّ الضبي:
وما شو ذنيقٍ على مَرقَبٍ ... كمي الجنانِ حديد النظرِ
رأى أرنباً سنحتْ بالفضاءِ ... فبادَرَها ولجأت الخَمرِ
بأسرعِ منه ولا مِنزعِ ... يقمّصُه ركضه بالوترِ
باب التشبيه بالنعامة
قال أبو داود:
يمشي كمشي نعامتيْ ... نِ تتابعان أشق شاخص
وقد فسر، ومثله:
يمشي كمشي نعامةٍ تبِعتْ ... أخرى إذا هي راعَها خَطبُ
وله:
وهي تمشي مشي الظليمِ إذا ما ... مارَ في الجري سَهلةَ عُرهومِ
أي عظيمة.
باب التشبيه بالوعل والظبي
قال مهلهل:
وخيل تكدَّس بالدار عين ... مشى الوعول على الظاهره
التكدس أن يحرك منكبيه إذا مشى كأنه ينصب إلى بين يديه وكذلك مشى الوعول على الأرض، وإنما وصفها بهذا لأنه أراد أنها تمشي إلى الحرب رويداً وهو أثبت لها من أن تلقاها وهي تركض.
قالت الخنساء:
وخيلٌ تكدّسَ بالدارِ عينٌ ... قارعَتْ بالسيفِ أبطالُها
ويروي تكدس مشي الوعول، وقال آخر:
يبكون نضلةً بالرماح على ... جردٍ تكدّس مِشية العُصمِ
يقول بكاؤهم له أن طلبوا بثاره، وقال يزيد بن خذّاق:
فآضتْ كتيسِ الربلِ تعدو إذا عدت ... على ذرعاتٍ يغتلينَ خُنوسا

الربل جمعه ربول وهو نبت ينفطر بورق أخضر إذا أدبر الصيف وبرد الزمان من غير مطر يقال تربلت الأرض وهو عنده إذا أكل الخضر كان أقوى له وأسرع من غيره، آضت صارت وقولهم افعل ذلك أيضاً أي عد إليه ثانية وهو مصدر آض إلى كذا أي صار إليه، والذِرعة الطويلة ويقال الذرعة السريعة الاندفاع، ويقال امرأة ذراع للسريعة الغزل، يغتلين أي يعلون ما جاراهن وهو يخنسن أي يسرعن عن الرد، وإذا أسرع الفرس مدّ يده ولم يسرع ردها فليس بسريع ولا جواد، وقال النجاشي:
مكرٌ مفرٌ مدبرٌ معاً ... كتيسِ ظباءِ الحُلْبِ الغَذَوانِ
أي يصلح للكر والفر والإقبال والإدبار، والحلب نبت تعتاده الظباء يخرج منه شبيه باللبن إذا قطع، وتسميه العرب الحلبلاب وبلغني أنه هو الذي تسميه العامة اللبلاب، وإنما سمي الحلب لتحلبه والغذوان الذي يُغذِي ببوله أي يدفعه دفعة دفعة من النشاط. والأصمعي يرويه: العدوان من العدو، والغدوان من الغدو.

باب التشبيه بالطير
قال زيد الخيل:
إذا وقعتْ في يوم هيْجا تتابعتْ ... خروج القواري الخضرِ من خللِ السيلِ
القواري واحدتها قارية وهي طير شبهها بها في السرعة وهي تبادر إلى أوكارها. وقال النابغة:
والخيلُ تمزَع غرباً في أعِنّتها ... كالطيرِ تنجو من الشؤبوبِ ذي البردِ
تمزع تثب.
باب التشبيه بالرشا
المرقّش الأصغر:
تراه بِشكاتِ المدجج بعد ما ... تقطعَ أقرانُ المغيرةِ يجمحُ
الشكة السلاح، والأقران الأسباب، وفيه قولان أحدهما أنه يقول تراه يجمح بعد انقضاء أسباب المغيرة وهم القوم يغيرون وبعد أن انصرم أمرهم من الغارة والخيل أشد ما تكون كلالا في ذلك الوقت، والقول الآخر أنه أراد بالأقران الحبال يقول تراه يجمح بعد طول المسير وبعد أن تقطعت حبال المسافرين، والجموح الاعتراض في السير من النشاط، وقال:
شهدَتْ به في غارةٌ مسبطرةٌ ... يطاعن أولاها فئام مصبّح
كما انتفجت من الظباءِ جداية ... أشم إذا ذكَّرته الشدافيح
مسبطرة منقادة، المصبح المغار عليه في الصبح، كما انتفجت من الظباء جداية أي كما ينتفج الجداية إذا ذعر، وهو أفيح أي واسع في الجري، إذا ذكر أي إذا أريد منه وحمل عليه.
على مثله تأتي النديّ مخايلاً ... وتعبر سراً أيّ أمريكٍ أفلحِ
ويروي أنجح، يقول أن تسابق عليه أنجح أو أن تغير عليه، والندي المجلس، وقوله تعبر سراً أي تدبّر في نفسك أي أمر يك أنجح.
باب التشبيه بالسهم
قال عبيد بن الأبرص:
يرعُف الألفَ بالمدجَّجِ ذي القَوْ ... نسِ حتى يؤوبُ كالتمثالِ
فهو كالمِنزعِ المريّشِ من الشو ... حطِ مالتْ به يمينُ الغالِي
يرعف الألف أي يسبقهم ويتقدمهم، قال السجستاني أخبرني أبو عبيدة قال يقال بينا نحن نذكرك رعف بك الباب أي دخلت علينا، والمنزع السهم، وقال ابن مقبل:
كأنه متنُ مريخٍ أمرِّ به ... زيغُ الشمالِ وحفزُ القوسِ بالوترِ
هَرجُ الوليد بخيط مبرم خلق ... بين الرواجب في عود من العشر
المريخ سهم له أربع قذذ وهو أسرع السهام ذهاباً، زيغ الشمال يقول حيث زاغت شماله أرسل سهمه، والحفز الدفع، الهرج كثرة الفتل، يريد الخذروف وجعل خيطه خلقاً لأنه أسلس وأخف وجعله من عشر لأن العشر أخف، والرواجب سلاميات الأصابع، وقال آخر:
وشمر كالمريخ يرمي به الغالي
وقال آخر:
يمر كأنه مريخ غالي
باب التشبيه بالخذروف
قال امرؤ القيس:
دريرٌ كخذروفِ الوليدِ أمرّه ... تتابعُ كفّيه بخيطٍ موصلِ
وقال:
فأدرك لم يعرق مناط عذاره ... يمر كخذروف الوليد المثقبِ
باب التشبيه بالحجر
فأمره في إثرها وكأنه ... حجر القذافِ أمر فيهِ المجذبِ
التشبيه بالجرادة
قال بشر - بن أبي خازم الأسدي:
مهارشةُ العنانِ كأنّ فيه ... جرادةً هَبوةً فيها اصفرارُ
أي تعض العنان وتعبث به من النشاط. كما قال الآخر:
ملاعبة العنان بغصن بان
وجعل الجرادة صفراء لأنه جعلها ذكراً والإناث سود. يقال:

جرادة ذكر وجرادة أنثى وكذلك نعامة ذكر ونعامة أنثى وبطة وحمامة وحية كذلك.
وقال آخر:
كجرادةٍ بَرَحَتْ لريحِ شمألٍ ... صفراءٍ مصغيةٍ لرجلٍ جرادِ
برحت من البارح.

التشبيه بالكلاب
قال الجعدي:
وشعثٌ يطابقنَ بالدارعينَ ... طباقَ الكلابِ يطأنَ الهَراسا
المطابقة أن تقع الرجل موقع اليد، والهراس نبت له شوك والكلب يطابق والذئب لا يطابق. وقال طفيل:
تصانعُ أيديها الرسيحَ كأنّها ... كلابٌ يطأنَ في هراسٍ مقنّبِ
وقال:
تبارى مراخيها الزِجاج كأنها ... ضرا أحسّتْ نبأة من مكلِّبِ
التشبيه بالثور
قال عمر وبن معدي كرب:
وأجردٌ ساطَ كشاةٍ الأرا ... نِ رِيع فعنّ على الناجشِ
ساط طويل بعيد الخطو، والشاة الثور، والأران النشاط، قال الشاعر:
وكان انطلاق الشاة من حيث خيّما
يريد الثور والناجش الصائد ومنه قيل للزائد في ثمن السلعة ناجش ونجاش.
التشبيه بالناس
قال أبو داود:
ظَلِلت أخفضُه كأنه رجلٌ ... دامي اليدينِ لي علياءِ مسلوبِ
أخفضه أسكنه، كأنه رجل عريان واقف على شرف وإنما أراد أنه مطوى مدمج قصير الشعرة ولم يشبهه به إلا في الخلقة لا في المشي ولا في العدو.
أو هيِّبان نجيب بات عن غنمٍ ... مستوهلٍ في سوادِ الليلِ منخوبِ
يقول أو كأنه راع بات عن غنمه فوقع فيها الذئب أو تفرقت عليه فهو منخوب قد سلب لبه، شبه الفرس به لهوجه ونزقه وقلقه، وأنشدني السجستاني عن أبي عبيدة:
كأنه يرفئي نامَ في غنمٍ ... مستوثرٍ في سواد الليلِ مذؤوبِ
وقال: يرفئ راع أسود، مستوثر نام مذعورا، مذؤوب وقع الذئب في غنمه قال: وبعضهم يجعل اليرفئ تيس المعز، وقال زهير يصف العير:
فظلّ كأنه رجلٌ سليبٌ ... على علياءِ ليس له رداءُ
وقال الأخطل:
كأنهما لما استحمّا فأشرفا ... سليبان من ثوْبيهما خضلانِ
كأن ثيابَ البربري تطيّرها ... أعاصيرُ ريحٍ زفزفٍ زفيانِ
وقال أبو النجم:
كأنه حينَ تدمّى مسحله ... وابتلّ ماءُ نحرهِ وكفلهُ
جعد طوال ظل دجن يغسله
يقول كأن هذا الفرس رجل هذه صفته، وقال عقبة بن سابق:
كشخصِ الرجلِ العريا ... نِ قذد فوجئ بالرعبِ
وقال النظار الفقعسي وذكر الحمار:
ظلّ بقفٍ فرقاً أجلاده ... يوفي الصوى مثل السليبِ العريانِ
فرقاً ذائباً من التلف، وقال آخر وذكر الفرس:
كأنه سكرانٌ أو عابثٌ ... أو ابنُ ربٍ حدثِ المولدِ
وقال أبو النجم:
والخيل تمشي مِشية الزوار
أي تمشي بليقة في مشيها كما يمشي الذي يزور بعضهم بعضاً على إدلال وتؤدة.
وقال كثير:
ولقد شهدت الخيل يحمِل شِكّتي ... متملِّط خذِم العنان بَهيمُ
متملط ذاهب ماض يقال تملط منى وقولهم فلان مِلط منه.
عَتد القيادِ كأنه متحجّرٌ ... حرِبٌ يشاهدُ رهطَه مظلومُ
باقي الذّماءِ إذا ملكت مُناقل ... وإذا جمعتُ به أجش هزيمُ
حرب غضبان، والذماء بقية نفسه، يقول: إذا ملكت عنانه فهو مناقل في السير وإذا جمعت به رجليك للحضر فهو أجش هزيم، يقال جمع رجليه به إذا طلب عدوه، ومنه قول عمرو بن معدي كرب:
ولقد أجمع رجليّ بها ... حذَرُ الموتِ وإني لفَرورُ
ويروى: وإني لوقور.
باب التشبيه في خلقه بالعصا
امرؤ القيس:
بِعجِلزةٍ قد أترزَ الجريُ لحمها ... كميتٌ كأنها هِراوة مِنوالِ
عجلزة صلبة ويقال عَجلَزة أيضاً، أترز أيبس، يقال خرجت خبزتك تارزة أي يابسة ويقال للميت قد تَرز، والمنوال خشبة من أداة النساج وهراوته التي يلف عليها الغزل وهي صلبة ملساء، وقال أبو عبيدة: امرؤ القيس أول من شبه الخيل بالعصا واللقوة والسباع والظباء والطير فاتبعه الناس على ذلك.
وقال لبيد:
جرداء مثل هراوة الأعزاب
الهراوة العصا والأعزاب الذين يعزبون عن أهلهم واحدهم عزب.
وقال الأعشى:
وكل كميت كجذع الطري ... ق يجري على سلطات وُثُم

الطريق ضرب من النخل وإنما سمي طريقاً لأنه يغرس على سطر واحد، وثم من الوثم وهو شدة وقع الحافر والخف على الأرض.

باب التشبيه بالدلو
قال الشاعر:
كل وآةٍ طيّعٍ جَنا بها ... مثل الدَلاةِ عُطِبتْ أسبابُها
وآة شديدة، طيع مطيع، جنا بها قودها والدلاة الدلو، وقال آخر:
متطلعٌ في الكفِ ينزعُ مقدماً ... كهوّى دلوٍ خانها التكريبُ
أي انقطع الكرب فهوت في البئر، وقال ذو الرمة في مثله:
كأنها دلوُ بئرٍ جد ماتحها ... حتى إذا ما رآها خانها الكربُ
وقال خفاف بن ندبة:
حامَ على أثرِ الشياهِ كأنه ... إذ جد سجل نزيّة مصبوبُ
النزية ما نزا من الماء.
باب التشبيه بالحسى
أنشد:
يجيشُ على العلاتِ والخيلِ شرّب ... كما جاشَ حسى الأبطحِ المتفجرِ
وقال زيد الخيل:
يجمُ على الساقينِ بعد كلالهِ ... كما جمُ جفرٍ بالكلابِ نقيبُ
وأخذه من قول امرئ القيس حين، يقول:
يجم على الساقين بعدَ كلالِهِ ... جمومُ عيونِ الحسى بعد المخيضِ
يقول إذا غمز بالساقين وحث بهما جم كما يجم البئر يجمع ماؤها والمخيض مخضها بالدلاء.
باب التشبيه بالماء والسيل
قال:
فولّت سراعاً وإرخاؤها ... كسيلِ النضيحِ إذا ما انبعَثْ
النضيح الحوض، سمي بذلك لأنه ينضح العطش.
وقال زهير:
فتبّع آثارَ الشياهِ جوادُنا ... كشؤبوبِ غيثٍ يحفشُ الأكم وابله
يحفش يعلو.
وقال المرار - بن منقذ العدوي:
يرأبُ الشدّ إلى الشدِ كما ... حفش الوابلِ غيث مسبكرِ
وقال آخر:
تقريبها شدٌ وإحضارها ... كمرّ غيث مسبل تحت ريحِ
ما تشبه به جماعات الخيل
قال ضمرة بن ضمرة:
والخيلُ من خللِ الغبارِ خوارجٌ ... كالتمرِ ينثر من جرابِ الجرّمِ
الجرم الصرام، وهذا مثل - يقول الخيل في الغبار منتشرة كأنها تمر ينثر من جراب.
وقال دريد - بن الصمة:
وربت غارةٌ أوضعت فيها ... كسحّ الخزرجي جريم تمرِ
الإيضاع ضرب من السير السريع، والسح الصب، والجريم التمر المصروم. وقال العجير:
كمتا وشقرا وورادا شُزّبا ... مثل جريمِ الهَجري المتسقِ
أي هن متتابعات كالتمر إذا نثر فتتابع، وقال آخر:
أسآر جرد مترصات كالنوى
وقال آخر - الأعشى - :
وجذ عانها كلقيط العجم
العجم النوى شبهها به لصلابتها واكتنازها، وقال أمية بن أبي عائذ يصف الحمير:
فظلت صَوافِن خوصُ العيو ... نِ بثّ النوى بالرُبا والهِجالِ
وقال رؤبة:
مستويات القدِّ كالجنبِ النسقِ ... تحيدُ عن الظلاها من الفرقِ
يقول كأنهن أضلاع الجنب في استوائهن.
وقال الأعلب في الإبل:
على قِلاصٍ يعملات قُبْ ... متَّسقات كضلوعِ الجنبْ
وقال الجعفي - الأسعر:
يخرُجنَ من خللِ الغبارِ عوابساً ... كأصابعِ المقرورِ أقعى فاصطلى
يقول خرجت الخيل متقارباً بعضها من بعض يبادرن الغارة كتقارب الأصابع، وقال بعضهم شبهها بأصابع المقرور خاصة إذا اصطلى لأنه إذا أدناها من النار قبضها بعض القبض فكادت أطرافها تتساوى وقال زيد الخيل وذكر الربيئة:
وألقى نفسَه وهويْنَ رَهواً ... ينازُ عن الأعنّة كالكعابِ
شبه الخيل بكعاب القمار إذا ضربت فوقعت متبددة، ومثله - والبيت لأجدع بن مالك - :
وكأن عَقراها كِعابٍ مقامرٍ ... ضربت على شَزَنَ فهن شَواعي
شزن حرف شاخص ليس بمستوٍ، وإذا ضربت عليه كان أشد لتفرقها وأراد شوائع فقلب والشوائع المتفرقة، يقال شائع وشاعٌ مثل هائر وهار قال الأصمعي: كأن الخيل كعاب مقامر فبعضها على ظهر وبعضها على جنب، وقال الجعدي:
وعادية سوم الجراد وزعتها
أي تنتشر كما ينتشر الجراد، والعادية الحاملة على القوم وقد فسر البيت.
ما يشبه به حدة نفسه ونزقه ونبض فؤاده
قال أبو داود:
كليتاها كالمروتينِ وقلبِ ... نبضى كأنه برعومُ
البرعوم كمام الزهر، وهو لا يكاد يسكن من خفته فشبه قلبها في نبضه بذلك، وقال ابن مقبل:

وللفؤادِ وجيبٌ تحت أبهره ... لَدمِ الغلامِ وراء الغيبِ بالحجرِ
الأبهر عرق مستبطن الصلب، يقال أن القلب متصل به، يقول تسمع صوت فؤاده من تحت الأبهر كما تسمع لدما من وراء غيب ونبض الفؤاد لحدة نفسه وذلك محمود وكذلك الرعدة، قال ابن مقبل:
ويرعدُ إرعادَ الهجينِ أضاعَه ... غداةَ الشمالِ الشُمرجِ المتنصَّحِ
الهجين البختي ويكون من الرجال في غير هذا الموضع أيضاً، والشمرج الثوب الخلق، والمتنصح المخيط في كل ناحية.
وقال أبو داود يصف حدة نفسه ونزقه بعد الجري:
فقلت لهم جلّلوه الثياب ... وشدوا الحِزام وأرخوا اللبب
وضموا جناحيه أن يستطار ... فقد كان يأخذُ حسنَ الأدبِ
وقال ابن أحمر:
ثم اقتحمت مناجدا ولزمته ... لفؤادِه زجَلٌ كعَزفِ الهدهدِ
مناجدا مشارا ولفؤاده صوت ووجيب مثل صوت الهدهد وهو عزفه، وقال طرفة يصف قلب ناقة:
وأروعُ نباضِ أحذ ململمٍ ... كمرادةِ صخرٍ من صفيحٍ مصمدِ
الأروع الحديد، ومرادة صخر حجر يرمى به صلب شبهه به في صلابته، قال ابن مقبل:
يزَعُ الذراعُ منه مثل ما ... يزعُ الدالي من الدلوِ الوذِمِ
يزع يكف الذراع منه ويرفق به كما يرفق الدالي بالدلو يخاف على أوذامها، وقال امرؤ القيس:
فظلّت وظل الجَون عندي بِلبدِه ... كأني أعدّى عن جناح مهِيضِ
أخفّضه بالنقرِ لما عَلَوْته ... ويرفع طرفاً غير جافٍ غضيضِ
أعدى يقول أكف عن عُريه وأبقى منه كما يبقى جناح قد انكسر، والنقر أن ينقض له بفيه حتى يسكن، غير جاف أي لا يجفو عن الأشباح ولا هو غضيض عنها، وقال العرجي:
إذا قادهُ السُّواسُ لا يملكونَه ... وكان الذي يألونَ قولاً له هلا
أي كان الذي يستطيعون أن يقولوا له هلا، وقال الشاعر:
وإن تركبوا أعراضنا بشتيمةٍ ... فإني لا آلو لأعراضكم شتما
أي لا أستطيع، وقال زهير:
فبُتنا عراةً عند رأسِ جوادِنا ... يزاولنا عن نفسِه ونزاوله
قال الأصمعي: العرب تقول بتنا عراة أي مشمرين وعلينا أزرنا، قال أبو عبيدة: عراة يعرونا عرواء أي رعدة من الزمع أي بنا زمع وحرص على القنص، وأنشد:
أسد تفر الأسد من عروائه
يزاولنا ونزاوله أي يجذبنا ونجذبه.
وقال آخر - أبو داود الإيادي:
فبتنا عراةً لدى مهرِنا ... ننّزعُ من شفتيهِ الصّفارا
" الصفار يبيس البهمي، وقال ابن مقبل:
خدّى مثل خَدى الفالجي ينوشى ... بخبطِ يديهِ عِيل ما هو عائلهُ
خدي من الخديان، ينوشى من النوش وهو التناول يقول يكاد يتناولني بيديه من خبطه بهما وذاك من نزقه ومرحه، عيل ما هو عائله وإنما هو كقولك عالني الشيء أي أثقلني ولم يرد بذلك مذهب الدعاء عليه وإنما هو كقولك للشيء يعجبك قاتله الله أخزاه الله أي شدد هذا الشيء عليه وأثقله.

التشبيه باهتزاز الرمح
قال أبو داود:
كهزِ الرديني بين الأكفّ ... جري في الأنابيبِ ثم اضطربِ
يقول إذا هززت الرمح جرت تلك الهزة فيه حتى يضطرب كله وكذلك هذا الفرس ليس فيه عضو إلا وهو يعين ما يليه، ولم يرد الاضطراب ولا الرعدة.
وقال ابن مقبل:
يفرفر الفأسِ بالنا بين يخلعه ... في أفكلٍ من شهودِ الجنِ محتضرِ
يفرفر يجري فأس اللجام حتى يخلعه في رعدة، ويقال إن الجن تحضر الفرس، عن أبي عمرو.
قال أبو النجم:
والجن حُضّار به تقبّله
وأنشدنيه السجستاني عن أبي عبيدة: يفرّرالفأس أي يخرجه من فيه وقال - ابن مقبل:
أقولُ والحبلُ مشدودٌ بمسحلهِ ... مرحى له إن يفُتنا مسحه يطِرِ
الأصمعي عن أبي طرفة وأبي عمر وبن العلاء: يقال إذا رمى فأصاب مرحى فإذا ثنى فأصاب قال أيحى.
قال أمية بن أبي عائذ:
يصيب الفريصُ وصدقاً يقو ... ل مَرحى وإيحى إذا ما يوالي
يقول إن فاتنا مسحه طار من الحدة.
ما يشبه به بعد الإضمار
أبو داود:
غدوْنا به كسوارِ الهَلو ... كِ مضطمِراً حالباه اضطِمارا

الهلوك الفاجرة التي تتهالك على الرجال وهي أكثر لبساً للسوار من غيرها وهي تليحه وتبرزه للرجال فهو أدق من غيره من الأسوارة، والحالبان العرقان في الخاصرتين عن يمين وشمال، أراد أنه مضمر.
وقال أيضاً:
فسَللْنا عنه الجِلالَ كما س ... ل لبيعِ اللطيمةِ الدَخدارِ
يقول نزعنا عنه الجلال فخرج منه الصيان كما يخرج ثياب البزاز من التخت إذا صينت بالمناديل، والدخدار بالفارسية تخت دار وهو الثوب الذي يمسكه التخت.
وقال امرؤ القيس:
فقمنا بأشلاءِ اللجامِ ولم نقُد ... إلى غصنِ بانٍ ناضرٍ لم يحرَّقِ
نزاوله حتى حَمَلنا غلامَنا ... على ظهرِ ساطٍ كالصليفِ المعرقِ
أراد قمنا بأشلاء اللجام إلى غصن بان، ولم نقد أي ركبناه ولم نقده، ويقال للشَعر إذا نبت كزاليس بسبط ولا مسترسل أنه لحرق النبات، والساطي الطويل وهو الواسع الخطو، والصليف عود يكون معرضاً في القتب، والمعرق الذي قد برى فليس عليه قشر أي هو أملس ويقال الصليف جانب العنق وهما صليفان، والمعرق الذي لا لحم عليه.
وقال امرؤ القيس:
إذا أعرضتُ قلتُ دُبّاءةٌ ... من الخضر مغموسةٌ في الغُدُرِ
يقول كأنها من بريقها قرعة وليس يريد أنها مغموسة في الماء ولكنه أراد أنها في ري فهو أشد لملاستها، وهذا كقولك: فلان مغموس في الخير، وقال بعضهم إناث الخيل تكون في الخلقة كالقرعة يدق مقدمها ويعظم مؤخرها.
وقال ابن مقبل:
كأن دباءة شُدّ الحزام بها

ما يشبه من صغارها ومهازيلها
قال بشر - بن أبي خازم الأسدي:
بأحقِيها المُلاء محزّمات ... كأن جِذاعها أُصُلا جِلام
كانت الخيل إذا طرحت أولادها عُصبت بطونها بالملاء كراهة الخوى، والجلام الواحد جلم، قال بعضهم هو الجدي وقال آخرون هو الذي يقطع به، ويقال الجلام اعنز حجازية صغار دقاق، وقد اكترث الشعراء في تشبيه صغراها ومهازيلها بالجلام، قال أبو داود:
قد شوتهن غِرة الوحش والأع ... داء حتى كأنهن جلام
أي أضمرها كثرة ما يطلب بهن غرة الوحش وغرة الأعداء، وقال الأعشى:
شوازبُ جُذعانها كالجلامِ ... قدَ اقرحَ منها القِيادَ النسورا
وقال النابغة:
شوازبٌ كالأجلامِ قد آلَ رِمّها ... سماحيقٌ صفُرا في تليلٍ وفائلِ
شوازب وشواسب ضوامر، رمها بقية مخها صار رقيقاً أصفر وقال الأصمعي: يقول نحلت فصار ما كان فيها من شحم وقوة إلى المواضع التي لا تنحل إلى التليل وهو العنق وإلى الفائل وهو عرق يكون في الفخذ ولم يرد الفائل بعينه وإنما أراد موضع الفائل، وسماحيق طرائق رقاق فأما المخ فإنه بعد النحول يبقى في السلاميات والعين، قال أبو ميمون النضر بن سلمة العجلي يصف الخيل:
لا يشتكيْن عملاً ما أنقين ... ما دامَ مخٌ في سلامي أو عينُ
وأنشدني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه:
أضر به التعداء حتى كأنه ... منيحٌ قدّاحٌ في اليدينِ مشيقُ
قال لأن المنيح يلقي ما لا يلقي القداح لأنه كلما خرج رُد، ومشيق يقول يعرق فيدلك باليدين.
ما يشبه به الغبار الذي تثير بحوافرها
والحصا الذي تنجله بأرجلها وما تستخرجه من الفار
قال مزاحم:
يتبعنَ مُشترفاً ترمي دوابره ... رمي الأكفِّ بتربِ الهائلِ الحصبِ
المشترف السامي ببصره، ودوابره مآخير حوافره، قال امرؤ القيس:
مَسحِّ إذا ما السابحات على الونى ... أثرنَ الغبارَ بالكديدِ السَمَوّلِ
الكديد المكان الغليظ يقول يثرن الغبار بالمكان الحزن، والسمول جوف من الأرض واسع، يقال إذا فعل العتاق هذا الونى والفترة كان مسحاً. قال أبو النجم:
كأنها بالصمدِ ذي القُلاقِل ... مجتابةٌ في خلقٍ رَعابِلِ
الصمد مكان غليظ والقلاقل شجر، يقول يثرن الغبار مجتابة ثوباً خلقاً، وقال في الإبل:
تغادر الصمد كظهر الأجزَل
وقال دكين:
ينبُثن نبثاً كالجراء الأطفال
أي يقلعن بحوافرهن من الطين مثل الجرار، وقال امرؤ القيس:
ترى الفأر في مستنقعِ الماءِ لاحباً ... على جددِ الصحراءِ من شدّ ملهِبِ

خفاهُن من أنفاقَهُن كأنما ... خفاهُن ودقّ من عشي مجلِّبِ
يريد أنه مر وله حفيف فخرج الفأر من حجرتهن خشية المطر، لاحباً يأخذ في لحب الطريق، خفاهن استخرجهن، وأنفاقهن جحرتهن، مجلب ذو جلبة ويروي محلب وقال آخر:
وراحَ كشؤبوبِ العشي بوابلٍ ... ويخرُجنَ من جعدٍ ثراه منصَّبِ
جعد غبار، منصب قد نصب على كل شيء، وقال طفيل:
إذا هبطتُ سهلاً حسبتُ غبارَها ... بجانبه الأقصى دواخنَ تنضُبُ
دواخن جمع دخان وهو جمع على غير قياس وكذلك يقال عُثان للغبار وعواثن، والتنضب شجر.

في القنص
قال عدي يصف الفرس والعير:
كأن ريقَه شؤبوبُ غاديةٍ ... لما تقفَّى رقيبُ النقعِ مُسطارا
يربي عليه تجاه الركبِ ذو دركٍ ... بالعقبِ إن لم يدم الجلزِ إحضارا
ريقه أول عدوه وريق الشباب وروقه سواء وهو أوله وجدته، والشؤبوب سحابة قليلة العرض شديدة الوقع عظيمة القطر، فضربه مثلاً لعدوه، وغادية أمطرت بالغداة، ولما تقفي يعني الفرس يريد لما تولي في أثر الحمار، رقيب النقع أي مراقباً لنقع الحمار وهو غباره، مسطاراً أراد مستطاراً أي ذاهب الغبار من حدته، يربي عليه يعني الفرس يدرك ما طلب، والعقب عدو بعد العدو الأول، والجلز معظم السنان وأغلظه، يقول إن لم يدركه صاحبه فيطعنه حتى يدمي الجلز فإنه يدركه في العقب، وقال ابن الرقاع ووصف فرساً يطرد عانة:
فرمى به أدبارَهُن غلامنا ... لما استتبّ به ولم يستدخلُ
استتب تتابع، ولم يستدخل أي لم يدخل الحمر دواخل الأرض ولكن جاهر الصيد كما قال زهير:
متى نره فإننا لا نختاله
وقال يزيد بن عمرو الحنفي:
نعم الألوك الوك اللحم ترسله ... على خواضبٍ فيها الليلَ تطريبُ
الألوك الرسالة، يقول ترسله فيأتيك باللحم أي يصيدك.
وقال أبو داود:
يزيّنَ البيتَ مربوطاً ... ويشفي قرم الركبِ
يقول إذا قرموا إلى اللحم ركبوه فصادوا عليه.
وقال آخر - خالد بن الصقعب:
وتُشبِع مجلسَ الحييْنِ لحماً ... وتُبقي لِلإماءِ من الوَزيمِ
الوزيم البقية، يقول يفضل بعد شبعهم للإماء.
وقال عوف بن الخرع يصف فرساً:
فأثنتْ تقودُ الخيلَ من كل جانبٍ ... وقال الصديقُ قد أجادوا وأنعموا
هنالك لا تُلقي عليها هشيمةً ... لبخل ولكن صيدها متقسَّمُ
تقول الخيل أي تقاد الخيل إليها ليسابق بها، أجادوا جاؤوا بها جواداً، وأنعموا زادوا ومنه يقال دققت الدواء فأنعمت، والهشيمة الصيد يقول لا يحملونه على هذه الفرس كما يفعل من يبخل ولكنه يقسم.
وقال عبد المسيح بن عسلة:
وعازبٌ قد علا التهويلُ جنبتَه ... لا ينفعُ النعلُ في رقراقِه الحافي
باكرته قبل أن تلغي عصافِره ... مستخفياً صاحبي وغيره الخافي
لا ينفعُ الوحشَ منه أن تحذّره ... كأنه معلقٌ فيها بخطافِ
عازب نبت بعيد ليس فيه أحد، والتهويل الألوان من الحمرة والصفرة في نور البقل، والجنبة شجر من الحمض والخلة، لا ينفع النعل الحافي فيه من كثرة نداه، ورقراقه ما رق منه، تلغي تصيح، مستخفياً صاحبي أي فرسي أخفيه لئلا يعلم به الوحش، وغيره الخافي أي مثله لا يخفي لطوله وإشرافه، وقال سلامة بن جندل:
والعادياتُ أسابيُّ الدماءِ بها ... كأن أعناقها أنصابُ ترجيبِ
العاديات خيل تعدو، قال الله عز وجل والعاديات ضبحاً، تعدو وتضبح والضبح صوت يخرج من حلوقها عند العدو، والأسابي طرائق الدم واحدها إسباءة، أنصاب ترجيب جمع نُصب وهو الذي ينصب لذبح رجب، شبه أعناقها لما عليها من الدم بالحجارة التي كانوا يذبحون عليها، وكان الفرس إذا عقر عليه خضبوه بدم الصيد وكذلك البازي إذا صاد شيئاً من عظام الطير، وقال أبو عمرو واحد الأسابي إسباء.
وقال امرؤ القيس وذكر الفرس:
وقام طُوال الشخصِ إذ يخضِبونه ... قيامَ العزيزِ الفارسي المنطَّقِ
يقول يخضبونه بدم ما يصاد عليه. وقال الأعشى:
بمشذبٍ كالجذعِ صا ... كَ على حواجبهِ خضابَه
صاك لزق والمشذب الطويل وقال العباس بن مرداس:

صنيعاً كقارورةِ الزعفرا ... نِ مما تُصانُ وما تُؤثرُ
إذا شاء أربابُها لم يزل ... خضاب بلبتها أحمرُ
يصاد اعتباطاً عليها الظلي ... م في القطر والفرأ الأقمرُ
الفرأ حمار الوحش، وقال ابن مقبل:
وغيثٌ تبطنت قُريانه ... إذا رفه الوبلُ عند دُجنَ
ذعرتْ به العيرُ مستوزياً ... شكير جحافله قد كَتِنَ
مستوزياً متهيئاً، شكير جحافله صغار الشعر على جحافله، كتن لزج واتسخ، ومثله له:
والعيرُ ينفخُ في المكنانِ قد كتِنت ... منه جحافلُه والعَضرسِ الثُجَرِ
والمكنان نبت وإنما ينفخ فيه لأنه قد سنق من الكلأ، والعضرس نبت أحمر النوار إلى السواد، والثجر جماعات متفرقة الواحدة ثجرة وواحدة المكنان مكنانة، وقال معاوية بن مرداس:
وعازب عاشبٌ قفرٌ مساربه ... تلقي أوابده عِينا وأثوارا
باكرتُه بكرةٌ أخشى اللقاءَ به ... أقودُ منجرداً كالسِيد عَيّارا
يكاد في شأوه لولا أسَكنّه ... لو طارَ ذو حافرٍ من شدِّهِ طارا
فاخترتهنَ ولم تُنجَد مغابنه ... وكنتُ لا بد إذ عاديتُ مختارا
عاديت واليت بين اثنين كما قال امرؤ القيس:
فعادى عداء بين ثور ونعجة
وقوله: لم تنجد لم تعرق والنَجد العرق، فاخترتهن يقول اخترت منهن. وقال المرار العدوي:
نبعثُ الحُطّاب أن يعدي به ... يبتغَى صيدَ نعامٍ وحمرِ
يقول نبعث من يحتطب لأنا نثق بأنه يصيد، وقال الهذلي وذكر خمارين:
وقد لقيا مع الإشراقِ خيلاً ... تسوفُ الوحشَ حسبها خياما
السائف الصائد وأصله و - هو - يسوف يصيد، وقال زياد - بن منقذ - لعدي أخو المرار:
من غير عُرى ولكن من تبذلهم ... للصيدِ حين يصيحُ السائفُ اللحِمُ
وقال عدي بن زيد:
شاءنا ذو ميعة يُبطِرنا ... خمر الأرض وتقديم الجُننِ
شاءنا أعجبنا ما نرى منه وهو من شؤت به، قال - الحارث بن خالد المخزومي:
مر الحمول فما شأونك نقرة " ... ولقد أراك تشاء بالأظعان
يريد سرّنا، ذو ميعة ذو نشاط، يبطرنا يعجلنا عن أن نتقدم إلى خمر أو جنة توارينا من الصيد، وأصل يبطرنا يدهشنا والبطر والدهش واحد.
يرأب الشدُ بسحٍ مرسلٍ ... كاحتفالِ الغيثِ بالمزنِ اليفنِ
يرأب الشد بسح مرسل أي يصلح شده بسرعة، والاحتفال الاجتماع، والمزن السحاب، واليفن الشيخ البالغ، يقول قد بلغ هذا السحاب الغاية وكثر ماؤه، وهو من المقلوب إنما هو كاحتفال المزن اليفن بالغيث.
أنسل الذرعانُ غربَ خذم ... وعلا الربرب أزم لم يَدُن
أنسل أي خلّف الذرعان خلفه فنسلت، ويقال أسقطها من قولك نسل وبر البعير أي سقط، والذرعان أولاد البقر واحدها ذرع، وإنما يطلب الكبار منها، غرب نشاط، خذم سريع، أزم عض لأن الفرس يعض على لجامه إذا أرسل، وإنما أراد العدو الذي يكون فيه العض لا العض، لم يدن لم يضعف من قولك دان يدون دوناً وأُدِين إدانةً أي أضعف، أبو عمرو لم يُدَنّ لم يقصر وأنشد:
يا من لقوم رأيهم خلف مدَن
وقال عدي بن زيد وذكر الحمار والفرس:
متى يهبطا سهبا فليس حماره ... وإن كان علجاً مُضمرَ الكشحِ طالعا
السهب المنصوب من الأرض، علجاً غليظاً، يقول متى صارا في السهب فليس الحمار بمنفلت منه حتى يطلع أي يشرف من ذلك السهب.
تردَّين ثوباً واستغاثَ بمغولٍ ... يضيفُ ويُعطي الغرب غرباً منازعا
تردين ثوباً من الغبار، بمغول يعني فرساً يغتال جريهن فيذهب به حتى يتركهن دون الغبار، ويقال مغول فرس يغول الأرض في جريه، ويضيف يجليء ما يطرد من الوحش ويخرجها من قولك فلان مضاف إلى كذا وكذا، قال ويعطي الغرب غرباً من جريه ينازعه به.
فلما استدارَ واستدرنَ بريق ... يُحلن به دون الغبارِ شوافعا
يريد لما بعد وبعدن - وذلك أن الفرس وكل عاد يبعد عنك فأنت تراه من بعيد وهو في حال عدوه كأنه يدور كما قال ذو الرمة:
حتى إذا دومت في الأرض

أي بعدت حتى رأيتها كأنها تدور، يقول فلما بعد الفرس وبعدت بهذا الريق من العدو، يخلن به أي يخلن الوحش به دون الغبار أي مع هذا الفرس وهو دون غبارهن قد كاد يلحقهن فهو دون غبارهن لأن الغبار يتأخر عنهن فيخلن مع الفرس وهو دون غبارهن شوافعا، وقال الحرمازي: يحسب الواحد اثنين، وأنشد للبعيث:
وتيهُ مروراة تخالُ شخاصَه ... يحلنَ بأمثالٍ فهنَ شوافعُ
وقال لبيد:
يُغرق الثعلب في شرّته ... صائبَ الجذمةِ في غير فشلِ
الثعلب من القناة ما دخل منها في السنان، ويقال لما دخل فيه الثعلب من السنان الجبة، وأنشد في صفة الطعنة:
تغادرُ الجبّةَ محمرةً ... بقانئٍ من دمِ جوفٍ جميسِ
وشرته نشاطه وحدته، وقوله يغرق الثعلب يقول إذا طعنت عليه الطريدة أغرق ثعلب الرمح فيها من حدته وشدة جريه، صائب قاصد، والجذمة السوط، يقول إذا ضرب بالجذمة عدا عدواً صائباً غير منتشر، وجمع الجذمة جذم، والفشل الانتشار والفساد، والمعنى صائب عند الجذمة كما يقال ناقة رقود - الحلب - 5 - أي رقود عند الحلب، وقال غير الأصمعي الجذمة السرعة والذهاب ومنه قيل أجذم فلان في سيره وأنشد - للربيع بن زياد:
حرّق قيسٌ عليّ البلا ... دِ حتى إذا اضطرمت أجذَما
وأنشدنيه السجستاني عن أبي عبيدة - للبيد:
يمكن الثعلب إن ثوّرته ... صائب الجِذمةِ من غير فَشَلِ
من نسا الناشِط في شِرّته ... ورئيسُ الأخدرياتِ الأولِ
أي يلحق الناشط فيمكن ثعلب الرمح من نساه، ونسا - رئيس - 5 - الأخدريات، والناشط الثور، وقال أبو داود يصف فرساً أنثى صاد عليها الوحش:
فلَهزتهنَ بها يؤّل فريصُها ... من لمعِ رابِئنا وهنَ غَوادي
يقال قد ألّ يؤل إذا أسرع في السير ويقال ألّ لونه يؤل إذا صفا وبرق ويكون يؤل في هذا البيت منهما جميعاً يقول لما لمع إلينا الرابيء بالوحش ركبت الفرس في آثارهن، وقال زهير:
ولقد غدوت على القنيص بسابح ... مثل الوذيلة جرشع لأم
الوذيلة الفضة أراد في صفاء شعرته وملاسته مثل قول الآخر - وهو سلمة من الخرشب:
كأن مسيحتي ورق عليها
وقال آخر - وهو عبد الله بن سلمة - :
تُعلى عليه مسائح من فضة
وقال الفرزدق:
ووفراء لم تُخرز بسيرِ وكيعةٍ ... غدوتَ بها طيَّا يدي برشائها
ذعرتُ بها سرباً نقياً جلودهُ ... كنجمِ الثّريا أسفرتْ من عَمائها
وفراء وافرة يعني فرساً، وكيعة وثيقة الخلق شديدته وكل وثيق شديد فهو وكيع، يقال دابة وكيع. وسقاء وكيع ويقال استوكعت معدته إذا اشتدت وقويت، طياً ضامر البطن، وقال ابن مقبل:
يُردي الحمارُ لزاماً وهو مبتركٌ ... كالأشعبِ الخاضعِ الناجي من المطرِ
يردي يهلك، لزاماً يلزمه، وهو مبترك أي معتمد، والأشعب الظبي وإنما يقال له أشعب إذا كان بعيد ما بين القرنين شبهه به في عدوه لا في خلقه.

باب في السباق عليها
قال العجاج:
تراهُ بعد المائة الطروحِ ... من الهوادي مَعطِفَ السنيحِ
المائة يريد مائة غلوة، والطروح المبعدة يقال اطرح بطرفك أي أبعد النظر وأنشد:
فاطرح بنفسك في البلاد
وقال آخر - الطرماح:
فاطرح بطرفك هل ترى أظعانهم
أي تراه بعد أن بعد من الهوادي وهي أوائل الخيل، معطف السنيح يقول تراه من سوابق الخيل بقدر المكان الذي يسنح فيه الظبي بين يدي المار.
وقال أبو النجم:
يقبض ما بين المنارِ مِغوله ... في جنبه الطائرِ ريث عجَلُه
مغوله شده وسرعته يقول كأنه يجمع ما بين المنار والمنار لسرعته، وقال آخر:
ليس بملحوق ولا بلا حق
أراد أنه متقدم أبداً لا شيء بين يديه يريد أن يلحقه ولا خلفه شيء قد لحقه منها.
وقال آخر:
يمشي رويداً ويكون أولاً
يريد أن عفوه أكثر من جهد غيره، وقال سلامة بن جندل:
يحاضر الجُونُ مخضراً جحافلها ... ويسبقُ الألفَ عفواً غير مضروبِ
الجون الحمر في ألوانها، مخضراً جحافلها يريد أنها تأكل الرطب فهو أشد لها وأسرع، ويسبق الألف فرس، ومثله للأعشى:

به يرعفُ الألفَ إذ أَرسلتْ ... غداةَ الصباحِ إذا النقعُ ثارا
يرعف يسبق ومنه يقال رعف فلان أي سبق دمه من أنفه، وقال أبو النجم يصف فرسه.
سباقة كل صنيعٍ علله ... أحلى من الشّهدِ ومرٌّ حنظلُهُ
فهو يسيل شريُه وعسلُه ... والخيلُ يحرمنَ خسيفاً يبذلُهُ
يقول يسبق معتلاً كل صنيع مصنوع من الخيل، وعلله أن لا يحنذ ولا يضمر والإحناذ أن يلقي عليه جل حتى يعرق فيذهب رهله عنه ويخف للجري، والشري الحنظل، قال حلاوته لصاحبه ومرارته لمن سابقه، يحرمن يمنعن والخسيف يعني به شدة عدوه شبهه بالخُسُف وهي الآبار التي لا تنزح.
وقال يذكر مُجرى الفرس:
أدرك عقلاً والرهانُ عملُه ... ثقْفٌ أعاليه وَقارٌ أسفلُه
يقول طرح في الرهان وهو صبي فكبر وعقل وليس يعرف عملاً غيره، ثقف لبق خفيف جيد التحرف، وقار كأنه ملزق بقار من ثبوته على متن فرسه.
وقال يصف يوم الرهان:
فظل مجنوباً وظل جَمَله ... بين شعيبين وزاد يُزملُه
حتى وَرَدْنا المصرَ يطوي قنبله ... نفرعُه فرعاً ولسنا نعتلُه
أي يحمل له العلف واللبن على جمل، والشعيبان مزادتان، يطوي يضمر، قنبله جماعة خيله، نفرعه نكفه، ونعتله ندفعه ونجره، يقول نداريه:
يحثي بجمرٍ خلفه وينجله ... كأن تربَ القاعِ وهو يسحلُه
صيق شياطين زفته شمأله ... فأوفَتِ الخيلُ ونحن نشلكُه
يقول إذا وطئ المرو بحوافره نجلها أي رمى بها إلى خلفه وقد انقدح منها النار يسحله يقشره ويرمي به وصيق غبار رفعته الشمال وأراد الزوابع، قال وذكر الخيل التي وافت بعده:
كل مكّبِ الجريِ أو مُنَعثِله ... والضربُ يحشوها بربوِ تشعلهُ
المنعثل البطيء مأخوذ من نعثل وهي الضبع وفيها ظلع، أي هي تضرب فالضرب يحشوها إذا عدت أي يملؤها ربواً أي قد جهدت، وقال يصف فرساً:
مقتدرُ النفسِ على اعتوائهِ ... مبتركٌ يخرجُ من هبائِه
تجرُّدَ المجنونُ من كسائه ... منفلَتَ الأصلعِ من نِصائِه
يقال إن من الخيل ما لا يستطيع أن ينثني إذا عدا وإن فعل ذلك به أتعب، مبترك معتمد في العدو، يقول يخرج من الغبار كما رمي مجنون بكسائه وكما أفلت أصلع ناصاه إنسان أي أخذ بناصيته، وقال أحيحة بن الجلاح يصف فرساً:
تَذر العناجيجُ الجيادَ بقفرةٍ ... مر الدموك بمحصدٍ ورجامِ
الدموك بكرة سريعة الدوران، محصد حبل شديد الفتل، والرجام حجر يشد في طرف الحبل ثم يدلي في البئر يخضخض به الحمأة حتى تثور ثم يستقي ذلك الماء فيستنقي البئر وهذا إذا بعدت فلم ينزل إليها، وقال الفرزدق وحمله سبرة بن النخف على فرس:
حمى سبرة بن النخف يوم لقيتُهُ ... ذمار العتيكِ بالجوادِ المقصبِ
المقصب السابق الذي يحرز قصبة السبق، وقال العماني ووصف فرساً يعدو:
كأن تحتَ البطنِ منه أكلباً ... بيضاً صغاراً ينتهشنَ المنقَبا
وصف فرساً يسرع في عدوه فقوائمه الأربع تجتمع على بطنه وهو محجل فشبه قوائمه في اجتماعها هناك وتحجيلها بكلاب بيض والمنقب موضع نقب البيطار، وقال:
كأن أجراءَ كلابٍ بيضٍ ... بين صفاقيهِ إلى التعريضِ
وقال:
كأن قطناً أو كلاباً أربعاً ... دون صفاقيه إذا ما ضبَعا
وقال آخر في تشبيه بذلك:
ونجاكَ منها بعد ما ملّت جانئا ... ورمت حِذار الموتِ كل مَرامِ
مُلحّ إذا بلّحن في الوعثِ سابق ... سنابكُ رجليهِ بعَقدِ حِزامِ
جانيء يقول جنأت مخافة الطعن، يقول إذا عدا قربت سنابك رجليه من حزامه لشدة عدوه، بلحن أعيين وقمن.

باب حثها بالأعقاب والسياط
قال الشاعر - وهو ساعدة بن جؤية الهذلي:
يوشونهنَ إذا ما آنسوا فزعاً ... تحت السنّورِ بالأعقابِ والجِذمِ
يوشونهن يستخرجون ما عندهن بالحث بالأعقاب والضرب بالسياط.
وقال رؤبة يصف فرساً:
ناجٍ يعنّيهنَ بالإبعاطِ ... إذا استدى نوّهنَ بالسياطِ

الإبعاط والأبعاد واحد ومثله مد ومط، استدى عرق وهو افتعل من السدي وهو الندى نوهن بالسياط أي كأنهن يدعون بها ليضربن لأنهن يقصرن عن غايته في هذا الوقت فيضربن، ومثله لابن كراع في وصف ناقة:
وإذا السياطُ تكلّفتها عَطّفت ... ثمرَ السياطِ قطوفَها ووساعَها
وقد فسر في كتاب الإبل، وقال امرؤ القيس:
فللسوطِ ألهوبٌ وللساقِ درةٌ ... وللزجر منه وقعٌ أخرج مُهذِبُ
يقول إذا ضرب بالسوط التهب في جريه وإذا مُري بالساق در، والأخرج الظليم، وروي أن امرأ القيس وعلقمة بن عبدة الفحل تنازعا الشعر إلى أم جندب امرأة امرئ القيس وادعى كل واحد أنه أشعر من صاحبه، فقالت قولا شعراً في صفة الخيل على روي واحد، فقال امرؤ القيس شعراً هذا البيت فيه.
وقال علقمة شعراً فيه:
فولّى على آثارهنَ بحاصبٍ ... وغَبية شؤبوب من الشدّ ملهبِ
فأدركهنَ ثانياً من عنانه ... يمر كمرِّ الرائحِ المتحلبِ
فحكمت لعلقمة على امرئ القيس وقالت: أما أنت فجهدت فرسك بسوطك وزجرك ومريته بساقك، وأما هو فأدرك فرسه الطريدة ثانياً من عنانه لم يضربه بسوط ولم يمره بساق ولم يزجره، فقال امرؤ القيس: ما هو بأشعر مني ولكنك له عاشق، فطلقها فخلف عليها علقمة.
وقال امرؤ القيس:
وللسوطِ فيها مجالٌ كما ... تنزّل ذو بردٍ منهمرِ
يقول إذا وقع بها السوط جالت من حدة نفسها ثم شبه حفيفها بحفيف المطر الذي فيه برد.
وقال زهير:
إذا رُفع السياطُ لها تمطّت ... وذلك من عُلالتها متينُ
تمطت تمددت، وعلالة الفرس بقية جريه بعد الجهد وعلالة الناقة والشاة ما تدر به بعد الحلب، يقول ذلك العدو وإن كان علالة فهو متين، وقال امرؤ القيس:
يجمُّ على الساقينِ بعدَ كلالهِ ... جمومَ عيونِ الحسى بعد المخيضِ
يقول إذا غمز بالساقين وحث بهاجم كما تجم البئر أي يجتمع ماؤها والمخيض مخضها بالدلاء، وقال خداش بن زهير العامري:
وأبرحُ ما أدامَ اللهُ قومي ... رخيّ البال منتطقا مُجيدا
منتطقاً فيه قولان، أحدهما أن يشد الدرع عليه بالنطاق، ويروى عن يونس أنه قال: تقول انتطق الرجل فرسه إذا قاده، مجيداً أقود فرساً تلد الجياد، وقاد الأصمعي أرسل الوليد بن عبد الملك حلبة من الخيل فأرسل أعرابي فرساً له مجيداً فسبقت الخيل فقال له الوليد: احملني عليها، فقال إن لها حرمة ولكني أحملك على مهر لها سبق الناس عاماً أول وهو رابض يريد أنه في بطن أمه فسبقت.

باب في القيام عليها وإضمارها
وسقيها باللبن
قال زهير:
تميمٌ علفناه فأكمل صنعه ... فتم فعزّته يداه وكاهلهُ
تميم تام، ويروي فلوناه أي فطمناه ويقال له إذا فطم فلوٌّ. عزته يداه وكاهله أي صار أعظم شيء فيه يداه وكاهله وهذا من صفة الجياد. وقال زهير:
وعزّتها كواهِلِها وكلّتْ ... سنابِكُها وقدّحت العيون
وقال أبو زبيد يصف الأسد:
إذا سار عزّته يداه وكاهله
وقال امرؤ القيس:
ورحنا وراحَ الطِرفُ ينفضُ رأسَه ... متى ما ترقُ العينُ فيه تسهّلُ
ينفض رأسه من النشاط، يقول إذا رفع رأسه إليه ناظر رأى ما يعجبه فسهل وهذا مثل قولهم: صعد فيه البصر وصوبه، وقال رجل من جشم:
طِرف غدونا بسواد نستره
نستره مخافة العين عليه. وقال عنترة يذكر فرسه الأغر وإحسانه إليه:
أراه أهلُ ذلك حين يسعى ... رعاءَ الناسِ في طلبِ الحلوبِ
الحلوب جمع حلوبة وهي النوق تحلب، يقول أفعل ذلك به إذا اشتد الزمان وطلب الرعاء الحلوب في الإبل لشدة الزمان.
فيخفُقُ مرةً ويفيدُ أخرى ... ونفجع ذا الضغائنِ بالأريبِ
يخفق يخيب، أخفق الرجل، ويفيد يغنم، ونفجع نصيب ذا العداوة والحقد بالأريب وهو العاقل وهو الداهي أيضاً، وقال آخر - وهو أوس بن حجر - :
فأعقب خير أكلٍ أهوجٍ مِمْرَج ... وكل مفداةِ العُلالةِ صِلدمِ
أي أعقبتهم خيلهم هذه خيراً مما قاموا عليها وصنعوها، والأهوج الذي يركب رأسه، والممرج الكثير الجري، وقوله مفادة العلالة يقال لها إذا طلب علالتها وهي بقية جريها: وَيها فدى لك، ومثله لطفيل:

وللخيل أيام فمن يصطبر لها ... ويعرف لها أيامها الخير تعقب
والعرب لكثرة انتفاعها بالخيل تسميها الخير، قال الله عز وجل: " إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب " ذكروا أنه لها بالخيل وبالنظر إليها حتى فاتته صلاة العصر، وقال أبو ميمون العجلي:
فالخيل والخير ... كالقرينين
وقال خالد بن الصقعب النهدي:
يُصَبُ لها نطافُ القومِ سراً ... ويَشهدُ خالُها أمرَ الزعيمِ
أي تؤثر بالماء لنفاستها، وخالها صاحبها، يقال أنه لخائل مال وخال مال - إذا كان حسن القيام عليه، والزعيم الرئيس، أراد أن لفارسها قدراً فالرئيس يشاوره في أمره، وقالت ليلى الأخيلية:
حتى إذا برز اللواءُ رأيتهُ ... تحتَ اللواءِ على الخميسِ زعيماً
وقال أبو ذؤيب:
قصر الصبوحَ لها فشُرّج لحمها ... بالنِيّ فهي تثوخُ فيها الأصبعُ
قصره حبسه عليها لا يفارقها، فشرج لحمها أي صار ضربين شحماً ولحماً والشريج كل شيء مختلط، تثوخ وتسوخ واحد ساخت رجله في الأرض ثاخت، والمعنى أن عليها من الشحم واللحم ما لو غمزت فيه إصبعك لم تبلغ العظم أي لم تجد حسه، قال الأصمعي هذا من أخبث ما نعتت به الخيل والجيد قول الآخر، أنشدنيه عبد الرحمن عن عمه:
كثيرٌ سوادُ اللحمِ ما كان بادِناً ... وفي الضمرِ ممشوقُ القوائمِ حوشبُ
يعني أن الفرس إذا كان سمنه بربو لحمه وكثرته ولم يكره الشحم فذاك أحمد له وإذا كانت المرأة كذلك كانت عضلة وسمنها بالشحم أحمد.
وقال الشمردل اليربوعي:
نبيتُ نَلحفه طوراً ونغبقه ... شحمَ الذَري وقَراحَ الماءِ نَغتبقُ
أي نغبقه اللبن الذي هو شحم لأنه يذهب بالشحم إذا در، ونغتبق نحن الماء القراح أي نؤثره به، ومثله - للشماخ:
إذا دَعَت غوثُها ضراتَها فزعت ... أطباقُ نِيّ على الأثباجِ منضودُ
يقول هي سمان فإذا احتاجت إلى الدر أتتها شحومها بالدر، وقال يزيد بن خذاق العبدي:
وداويتُها حتى شتَّت حبشيةٌ ... كأن عليها سندساً وسدوسا
أي ألقت شعرها وطرّت فكأن عليها هذا السدوس، قال أبو عبيدة هي الطيالسة وهو بالضم، وقال الأصمعي السدوس الطيلسان وهو بالفتح واسم الرجل سُدوس، قالوا غلط الأصمعي وهو بالضم، وداويتها سقيتها اللبن وصنعتها والدواء اللبن، وقال آخر - وهو ثعلبة بن عمرو العبدي:
وأهلكَ مهرَ أبيكِ الدوا ... ء ليس له من طعامٍ نصيبِ
الدواء اللبن وإنما أراد طلبه اللبن وهو لا يجده، ومثله قول جرير:
لما تذكرتُ بالديرينِ أرّقَني ... صوتُ الدجاجِ وقرعٌ بالنواقيسِ
أي تذكرت المسير فأرقني انتظار الديوك أن تصيح، والنواقيس أن تضرب فأرتحل - وقال آخر:
جزتني ما خفنتُ لها عيالي ... وكرّي في المقيظِ لها لقاحي
وإعمالي لها رَسفُ المطايا ... تكُر على الكلالةِ والرُزاحِ
حفَنت أي أعطيتهم أحفن لهم حفناً لا أبالي كيف أعطيهم، وكرّي لقاحي لها أسقيها لبنها مرة بعد أخرى، والرسف والرسفان والرسيف واحد وهو ضرب من السير مقارب الخطو أي يأتيها بالماء، يقول إن اللبن لها طعام والماء لا تجد منه بداً، ومثله لمالك بن نويرة:
جزاني دوائي ذو الخمارِ وصنعتي ... بما باتَ أطواء بنيَّ الأصاغرُ
رأى أنني لا بالقليلِ أهورهُ ... ولا أنا عنه في المواساةِ ظاهرُ
ذو الخمار فرسه، وصنعتي من قولك صنعت الدابة أي قمت عليها، أهوره أي لا أظن القليل يكفيه يقال هو يهار بكذا أي يظن به قال بعض الرجاز:
قد علمتْ جِلادُها وخُورُها ... أني بشربِ السَّوءِ لا أهورها
أني لا أظن القليل يكفيها ولكني أطلب لها الكثير، والخور الضعاف وقال زهير يصف الفرس:
صدّت صدوداً عن الأشوالِ فاشترفتْ ... قُبلاً تقلقَلُ في أفواهها الحكمُ
يقول صدفت عن الماء لأن عادتها أن تسقي اللبن.
وقال ابن مقبل:
فيهم تجاوبَ أولادُ الوجيهِ إذا ... صامَ الضُّحى تقدع الذِبّان بالنُّخَرِ
من كل أهوجٍ سرداحٍ وهيكله ... تقات يوم لِكاكِ الوِردِ في الغُمَرِ

تقدع الذبان بالنخر تطردها بأفواهها، والنخر جمع نخرة، ويروي تقدع الذبان كالشُجُر: وهو جمع شجار وهي عيدان الهودج، شبه الخيل في ارتفاعها بذلك، لكاك الورد ازدحامه، والغمر القدح الصغير تقات فيه اللبن لأنها تضمر.
وقال أبو داود:
وقصرنا الشتاء بعد عليه ... فهو للذَودِ أن يقسَّمن جار
يقول حبسنا الإبل عليه الشتاء كله يشرب ألبانها، فهو لها جار من أن يغار عليها فتتقسم لأن صاحبه يقاتل عليه من يريدها ويلحق من أغار عليها فيردها.
علِقتْ هابتي بهنَ فما يم ... نعُ مني الأعنةَ الإقتارَ
أي أولعت بالخيل فما يمنعني إقتاري من اتخاذهن حتى أوسر.
وقال عنترة لامرأته:
لا تذكري مُهري وما أبليته ... فيكون جلدكِ مثل جلدِ الأجربِ
أي لا تلومي فيه فأُنزل بك ما أنزل من الاتعاب.
إن الغبوقَ له وأنتِ مسوءةٌ ... فتأ وهي ما شئتِ ثم تحوَّبي
التحوب التوجع، وقال آخر - وهو طفيل الغنوي:
من الغيظ في أكبادنا والتحوب
كذبَ العتيقُ وماء شنٍ باردٍ ... إن كنتِ سائلتي غَبوقاً فاذهبي
يقول عليك بالتمر والماء البارد ودعي اللبن لفرسي، يقال كذب عليكم الحج، معناه الزموا الحج، فإن سألتني غبوقاً فاذهبي أي أنت طالق.
إن الرجالَ لهم إليكِ وسيلةٌ ... إن يأخذوكِ تكحّلي وتخضبي
ويكونُ مركبكِ القعود ورحله ... وابن النعامةِ يوم ذلك مركبي
ابن النعامة فرسه، وقال بعضهم ابن النعامة الخط الذي في أسفل رجله في وسطها فاحتج بقوله - والبيت لعنترة أيضاً:
وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوةً ... أقرَن إلى شر الركابِ وأجنبِ
فقال كيف يكون فرسه مركبه وهو يريد أنها إذا أخذت كُحِّلت وخضِّبت وإنما تؤخذ إذا اُسر فإذا أُخذ قرن إلى بعض الركاب وجنب كما يفعل بالأسير.
وقال ابن الأخيذ:
أوكّل بالخِرازةِ كل عامٍ ... ويُقسَمُ بيننا لبن المصورِ
يريد أوكل بخرز الشكاء وهي جماعة شكوة وهي المزادة للغزو في كل شتوة، والمصور القليلة اللبن.
أحاذِرُ أن أصادَفَ في الروايا ... على رجلٍ كتابعةِ الكسيرِ
يقول أحاذر أن أصادف في هذه الإبل ولا فرس معي فأكون كالكسير الذي لا يقدر على النجاء، وقال يصف الفرس:
سليم شظَى اليدين تُرد فيه ... عُلالة كل مُبسئَة دَرورِ
العلالة حلبة بعد الدرة الأولى، والمبسئة الطيبة النفس بالحلب، وقال امرؤ القيس:
تقدمني نَهدة سَبوحٍ ... صلّبها العُضُ والحِيالُ
العض القت والشعير وهو يصفون الحائل من النوق والخيل بالصلابة والحائل التي لا تحمل.
وقال أبو النجم:
من كل شَوهاء عوان بِكر ... حالتْ حيالاً لم يكن عن عُقرِ
الشوهاء الحسنة، عوان حملت غير مرة، وهي بكر لم تلد شيئاً لأنها تخدج أولادها.
وقال الكميت يصف خيلاً:
أبدأنَ لالّو فيما قال ناعتها ... من صنعة ضامت الولدان في الحلَبِ
لالو يقول لا يقول ناعتها ما أحسنها لو كان أتم فزادها كذا، لأنه قد أحكم القيام عليها فتمت، ضامت الولدان يقول أصار أولادنا إلى الضر إيثارنا خيلنا باللبن عليهم.
إذا الصبوحُ لهم أسآر ما تركت ... بعد التعلّجِ والتَحساءِ في العُلبِ
لهم للولدان أسآر بقايا ما تركت الخيل مما فضل عنها بعد التعلج وهو الانتقاض من الامتلاء.
لا ينضحُ الصارباتَ الوطبَ من يُبُس ... لحالبٍ قبل أن يروينَ مصطربِ
لا ينضح السقاء صارباته بالماء حتى ينظرن هل يفضل عن الخيل أم لا، والصارب الذي يجمع اللبن في السقاء أراد الحلب، ومصطرب جامع.
لا يخدع الألُ بالموماةِ أعينها ... من شربهنَ عن الأشوالِ في القِرَبِ
يقول لم يغر السراب قُوّامها فيُهريقوا ما بقي من الماء في قربهم الذي رفعوه لها، والشول دلو من ماء يبقى في القربة.
حتى يُصَبَّ لها فضلُ النطافِ إذا ... ما كدّر الماحة الساقون ذا القُلُبِ
النطاف الماء، ذا القلب يعني الذي في القلب وهو الماء والقلب جمع قليب.
وقال عدي بن زيد:
تربّبته لم أَل في ثغباتهِ ... فتُبصرهُ عينٌ إذا أشير ضائعاً

الثغب الغدير العذب.
يقول لم أقصر في مشربه، ويروى: في سبغباته أي في جوعه شير عرض.
يقول: لم أقصر في الإحسان عليه خوفاً من أن تبصره العين ضائعاً.
فذلَّقته حتى ترفع لحمه ... أداويه مكنوناً وأركَبُ وادِعا
ذلقته ضمرته وحددته حتى ترفع لحمه في الضمر، أداويه أسقيه اللبن، مكنوناً مصوناً بحل، وأركبه وادعاً أي رافقاً به، وقال الراعي:
نوضح بالحَوْم الهجانِ ونَقترى ... مراعيه بالمخلّصات الضوامرِ
نوضح نظهر أي أنا نستر بأنفسنا لا نخشى فنورى، والحوم الكثير من الإبل، والمخلصات خيل خالصات، نقترى نتبع.
بجرد عليهنَ الأجلّة سويت ... بضيق الشتاءِ والبنينِ الأصاغرِ
وقال خداش بن زهير:
ما إن يرودُ ولا يزال فِراغه ... طحلاً ويحفظهُ من الاعيالِ
الفِراغ حوض من أدم، طحلاً أي وسخاً، والاعيال سوء الغذاء من عيّل الرجل عِياله إذا أساء إليهم، ويروى الاغيال وهو الحمر والبشم، يقول لا يقضمه الشعير وأنشد ابن الأعرابي:
ومنتخبٌ كأن هالةَ أمه ... سبيه الفؤاد ما يعيش بمعقولِ
قصّرنا عليه بالمقيظِ لقاحنا ... فعيّلنه من بين عَشى وتقييلِ
قال: هالة الشمس، والهالة الدارة حول القمر، قول غيره أخبر أنه كريم كأن الشمس ولدته، سبيه الفؤاد ومسبوه الفؤاد واحد أي كأنه مجنون من نشاطه، والعشى العشاء والتقبيل شرب نصف النهار، وعيلنه هاهنا مثل علنه وليس مثل الاعيال في البيت الأول، أنشدني عبد الرحمن عن عمه للنابغة:
ومعلّقين على الجيادِ حَليّها ... حتى تصوبَ سماؤهم بقطارِ
قال الحلى إذا كان رطباً فهو نصى، يقول يعلقون عليها الحلى لتأكله حين لا يكون في الأرض نبت حتى تصوب السماء لهم بقطر فيحيا لهم النبت. ورواه غيره: ومعلقين على الجياد حُليها، بضم الحاء وفسره لجمها وفسر حتى يصوب سماؤهم حتى يوقعوا.
وهو نحو قول الآخر:
أبوكَ الذي نئبت يحبسُ خيلَه ... حذار الندى حتى يجفَّ لها البقلُ
قال الندى هاهنا النشر، والنشر نبت ينبت عن مطر يكون في الصيف بعد يبس الكلا والخيل إذا رعته دويت، فيقول: أبوك عالم بالخيل فإذا جاء ذلك الوقت حبسها حتى يذهب ذلك عنها، وفسر هذا البيت فقيل: إنما حمّقه بهذا لأن الحافر كله لا يضره السُهام والسُهام داء يعتريها من النشر إذا رعته وإنما يضر الإبل، ويقول: فأبوك يحبس خيله من أن تُسهَم لقلة علمه بالخيل.
وأنشد للأحمر:
سَقى سَكَراً كأسَ الذُعافِ عشيةً ... فلا عاد مخضراً بعشبِ جوانبه
سكراً جمله، وكان رعى النشر فسُهِم، قال الأصمعي الخيل تدوى من النشر وإن لم تسهَم.
وقال علقمة بن عبدة وذكر خيلاً:
تتبعُ جُونا إذا ما هُيّجت زَجِلت ... كأن دُفاً على العَلياء مهزوم
هذه خيل تتبع جوناً أي إبلاً تسقى ألبانها، إذا ما هيجت زجلت يريد أنها تهيج عند الحلب فتحانُّ أي تحن بعضها إلى بعض، ومهزوم مشقوق يقول كأن فيه خرقاً فهو أبح لصوته.

باب في مغازيهم
قال الأعشى:
عناجيج من ألِ الوجيهِ ولاحقُ ... مغاويرٍ فيها للأريبِ معقَّبُ
الوجيه ولاحق والعسجدي لبني أسد وغنى تدعى لاحقاً، والحلاّب لبني تغلب، وذو العقال لبني يربوع، والأعوج لبني عامر بن صعصعة والتدمري لبني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، والصريح لبني نهشل، والغراب ومُذهب لغنى بن أعصر، والواقي وناضح فحلان لا أعلم لمن هما، قوله عناجيج أي طوال الأعناق، مغاوير تغزو ويقال مغاوير شديدات العدو يقال أغار إغارة الثعلب، والأريب العاقل: معقب يرجع إلى الغارة، يقول ليس هي مما إذا غزى عليها انقطعت ولكنها فيها قوة لغزو بعد غزو في عام واحد.
وقال بشر:
بكلِ قِيادٍ مُسنفِةٌ عنود ... أضرَّ بها المسالحُ والغِوارُ
مسنفة متقدمة، عنود لا تستقيم على حالة ولكنها تعارض، والمسالح مواضع القتال حيث يستعمل السلاح، والغوار المغاورة، مسنف بالكسر في الفرس وبالفتح في البعير.
وقال لبيد:
ولقد حميت الحمى تحمل شِكّتى ... فُرُط وشاحى إذ غدوت لجامُها

الشكة السلاح، فرط فرس متقدمة، ثم استأنف قائلاً وشاحى لجامها وإنما جعله وشاحاً لأنهم كانوا ينزعون لجم الخيل إذا رجعوا من الغزو ويلقونها على مناكبهم.
وقال النابغة:
فأوردهُنَّ بطنَ الإتم شُعثاً ... يصُنَّ المشي كالحِدإ التُؤامِ
على إقرِ الأدلةِ والبغايا ... وخفقِ الناعجاتِ من السأمِ
يصن المشي أي يتقين في مشيهن كأن بهن حفى، والحدأ جمع حدأة والتؤام جمع تؤام أي مثنى مثنى، والبغايا الطلائع، وخفقها اضطرابها، من السأم وهو الإعياء أبو عمر من الشأم، ويروى: الروايا، يريد الإبل عليها الماء.
وقال آخر:
مستحقباتٍ رواياها جحافِلها ... يأخذنَ بين سوادِ الخطِ فاللُّوبِ
البعير يكون عليه الماء والزاد فيقرن به الفرس فإذا طال القياد بالفرس وضع جحفلته على عجز البعير فجعل جحفلة الفرس بمنزلة الحقيبة للبعير.
وقال آخر - وهو مقلس العائذي:
أولى فأولى يا امرأ القيس بعدما ... خصفنَ المطّى الحوافِرا
أي قرنت الخيل بالإبل في الغزو فوطئت الخيل على آثار الإبل.
وقال آخر:
وما خلتُ بيننا من هَوادةٍ ... عراض المذاكي المُسنِفات القلائصا
المذاكي المسان، أي قد قرنت بالإبل فهي تعارضها، والمسنفات إن كان من صفة الخيل فهو بكسر النون وهي المتقدمات كأنه قال عراض المسنفات القلاص وإن كان من صفة الإبل فهو بفتح النون وهي المشدودات بالسنف كأنه قال عراض المذاكي القلاص المسنفات.
وقال طفيل:
نزائعَ مقذوفاً على سرواتها ... بما لم تخالسُها الغُزاة وتُسهَبُ
نزائع نزيع كل قبيلة غريبها، ويقال الذي انتزع منها، مقذوفاً على سرواتها أي قذفت الأداة على ظهورها ثم تركت مسهبة، والمسهب المهمل المتروك، ربما تركت بموضع لا يخالسها الغزاة فيه، وسراة كل شيء أعلاه، ويقال مقذوفاً على سرواتها الشحم، بما لم تخالسها الغزاة أشي حين ترك ركوبها والمخالسة لها سمنت ولو كان يفعل ذلك بها لضمرت ومن ذهب إلى هذا رواه: يخالسها الغزاة وتركب.
أنخنا فسمناها النطاف فشارب ... قليلاً وأب صدّ عن كل مشربِ
أي أنخنا الإبل نسقي الخيل فسمناها أي عرضنا عليها الماء وصببنا لها والنطاف المياه واحدتها نطفة، فشارب يقول هو مجرب قد علم أنه يغار عليه وترك الشرب لأنه إذا طرد وقد شرب كان أشد عليه، والنطفة الماء القليل يبقى في الإناء والنطفة الماء الكثير يقال قطعنا هذه النطفة يعني البحر والنهر، ونحو منه قول زيد الخيل:
صبّحنا هُنَّ من سَملِ الأداوَى ... فمصطبحٍ على عَجلٍ وأبي
وقال زهير:
وخرّجها جعلها خُرجاً كل يومٍ ... فقد جعلتْ عرائكها تلينُ
خرجها جعلها خرجاً أي ضربين ضرباً فيه طِرق وضرباً لا طِرق فيه وكل ضربين فهو أخرج.
قال العجاجُ يصفُ الحربَ:
ولبِست للشرِ جُلاً أخرجا
أي هي شنعاء مشهورة والخرج من هذا وبه سميت الخرجاء ويقال عام مخرّج فيه سواد وبياض من الجدب والخِصب،وقال بشر وذكر خيلاً وفرساً أنثى:
تراهُنَّ من أزمها شُزَّبا ... إذا هنَّ أنسن منها وحاما
الأزم العض يقال أزم على فأس اللجام أي عض، والشزب الدقاق، يقول أضرت هذه الفرس بالخيل عِضت على لجامها وعضضن وهن لا يقدرن على ذلك فقد ضررن، أنسن رأين وعلمن، والوحام أصله شدة شهوة الحامل، يقال امرأة وحمى، فهو يريد في هذا الموضع شهوتها لذلك العدو وحرصها عليه وقال عمرو بن معدي رب للعباس بن مرداس:
أعباسٌ لو كانت شياراً جيادُنا ... بتثليثٍ ما ناصيت بعدي الأحامسا
ولكنها قيّدت بصعدةٍ مرةً ... فأصبحنَ ما يمشينَ إلا تكاوسا
الشيار السمان الحسنة المنظر، والأحامس الأشداء.
يقول لو لقيناك وخيلنا جامة لقتلت ولكنا لقيناك وهي كليلة قد أتعبت بصعدة وهي قرية، تكاوس على ثلاث.
ومثله له:
ولو جئْنَ يحملنَ الحديدَ بنا معاً ... ألا يا لعمرو بعدها لشَوارِ
ولكنها قيّدت بصعدة مرة ... فجئنَ وما يعدون غير عِذارِ

الشوار المتاع، يقول يا لها من غنيمة، يال عمرو يعني نفسه، عذار تعذير والعرب تقول: الخيل تجري على مساويها - أي على ما بها من علل ونصب كما يقال الجواد يعطى على علاته أي على نوائبه وإعساره.
وقال العباس بن مرداس:
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع
وقال النابغة:
فيهم بناتُ العسجدي ولا حق ... وُرقاً مراكلها من المضمارِ
أي تحاث الشعر عن مواضع الأعقاب فلما نبت خالف لونها وخرج أورق.
وقال أبو داود:
قد تَصعْلكنَ في الربيع وقد قر ... ع جلدُ الفرائصِ الأقدامَ
تصعلكن طارت أوبارهن ورققن في الربيع، وقد قرعت فرائصهن من الركض بأعقاب الرجال.
وقال آخر:
وجردأَ كبدإٍ مثل القنا ... ةِ قد طارَ في الروضِ سربالها
سربالها وبرها.
وقال آخر:
فتُبنا بالأوارةِ دون سلمى ... نخافِتُ بيننا دون السرارِ
نشيرُ إلى وجوهِ الخيلِ حتى ... بدَا بلقٌ يبشرُ بالنهارِ
هؤلاء قوم يريدون الغارة على قوم فهم يشيرون إلى وجوه الخيل لئلا تصهل فتنذرهم حتى بدا الصبح.
وقال لبيد:
بأجّشِ الصوتِ يعبوب إذا ... طرق الحي من الليلِ صهلَ
الفرس يمدح بأن يكون في صوته جُشة.
قال الجعدي:
ويصهلُ في مثلِ جوفِ الطّوى ... صهيلاً يبيّنُ للمعربِ
الطوى البئر، يقول كأن صوته يخرج من بئر، والمعرب صاحب الخيل العراب.
وقال جرير:
يشتفنَ للنظرِ البعيدِ كأنما ... إرنانُها ببوائنِ الأشطان
يشتفن ينظرن ويرفعن رؤوسهن، وإرنانها أصواتها، ببوائن في أبار تبين أشطانها من بعدها، والأشطان الحبال، يقال بئر بيون وبئار بوائن، ويجعل لها شطنان فيأخذ كل شطن رجل فإذا جازت الدلو بالجرف من قبل كل واحد جرها عنه الآخر، فيقول كأن أصواتها تخرج من هذه الآبار، ويقال لتلك البئر الشطون ويقال نوى شطون، وأنشد:
أكل يوم ل شاطنان ... على الطوى متقابلانِ
والشاطن الذي ينزع بالشطن.
وقال آخر:
فلا ألفيْن الخيلَ تطرحُ بيننا ... وبينكم سخلاً بهيماً موضعا
يقول نغزو عليها فنجهدها فتسقط أولادها بهما أي على لون واحد أراد أنها لم تشعر فتستبين شياتها، وقال كثير يمدح قوماً:
وهم يضربونَ الصَفَّ حتى يثْبتوا ... وهو يرجعونَ الخيلَ جماً قرونها
أي حتى يثبتوا ما أرادوا، جماً قرونها وقد قتل فرسانها وقال مقّاس العائذي:
تذكرتْ الخيلُ الشعيرَ عشيةً ... ونا أناساً يعلفونَ الأياصرا
أي ذكرتم الحب والقرى فانهزمتم ورجعتم إليها ونحن نعلف الحشيش فنحن نصبر لا ننهزم ولا نبالي أين كنا، ونحو منه قول عوف بن عطية بن الخرع للقيط بن زرارة:
هلا كررتُ على ابنِ أمكِ معبد ... والعامري يقودهُ بصفادِ
وذكرتُ من لبنِ المحلَّقِ شربةً ... والخيلُ تعدو بالصعيدِ بَدادِ
المحلق إبل سماتها الحلق، بداد متفرقة، وقال وذكر خيلاً:
وجللنَ دمخاً قناعَ العرو ... سِ أدنَتْ على حاجبَيْها الخمارا
دمخ جبل يريد قناعاً من الغبار، ومثله قول عمرو بن معدي كرب:
جوافلٌ حتى ظل جُندٌ كأنه ... من النقعِ شيخٌ عاصبٌ بخمارِ
جند جبل.
وكلّ قبائلهم أتبعتْ ... كما أتّبعَ العَرّ ملحاً وَقارا
يقول كان في صدورهم بغي وحب للقتال أتبعتهم وقعتنا برءاً كما أتبع العر الملح والقار، والعر الجرب.
وقال عُقفان بن قيس اليربوعي:
لا يركبُ الخيلَ إلا أن يُركَّبها ... ولو تناتجنَ من حمرٍ ومن سودِ
يركبها يعطاها يغزو عليها ويعطى أصحابها نصف ما يصيب.
وقال متمم بن نويرة:
ونحن بجوٍ إذا أصيبَ عميدُنا ... وعرّدَ عنا كل نِكسٍ مركَّبِ
وأنشد الأصمعي - لابن أحمر:
وقرّطوا الخيلَ من فلجِ أعنّتها ... مستمسكٌ بهواديها ومصروعُ
قال يقال قرط الفرس لجامها أي احملها على أن تجري جرياً شديداً حتى يمتد على أذنها فيصير كأنه قرط.
وقال عنترة:
تركتْ بني الهُجيم لهم دَوار ... إذا تَمْضي جمَاعتُهم تعودُ

الدوار نسك للجاهلية يدورون فيه لصنم أو غيره، أي تركتهم لفرسي كذلك تكر عليهم فتجوزهم ثم تعود عليهم.

سقوط الذباب من صهيل الفرس
قال ابن مقبل وذكر فرساً:
ترى النُعَراتَ الخضرَ تحت لَبانِه ... فرادَى ومُثنى أصعقتها صواهِله
فريساً ومُغشيّا عليه كأنها ... خيوطهُ مارِي لواهنٍ فاتِله
النُعرة الذبابة، أصعقتها أي غشى عليها لصهيله، والماري الكساء الذي له خيوطة مرسلة، والخيوطة الخيوط، شبه النعرات للخطوط التي فيها بهذا الكساء المخطط بسواد وبياض، ويقال الماري صائد القطا شبهها بالخيوط التي تكون في شبكته والقطاة يقال لها مارية.
وقال مطير بن الأشيم الأسدي:
تزيدُ العنانَ على طولهِ ... ذراعاً وتؤنس شخصاً بعيدا
" تكَبُ الذبابُ لدى طرفها ... أمام اليدينِ وقيصاً لهيدا "
تكب الذباب إذا دنا من جفن عينها ضربته به فقتلته.
وقال المرقش:
بمُحالةٍ تقصُ الذبابُ بطرفِها ... " خلقت معاقمها على مُطوائها "
وقال العبشمي وذكر حماراً:
من الحميرِ صعِقَ ذبّانه ... بكلِ ميثاءٍ كتغريدِ المغَنِّ
أعلام الجواد من الخيل
قال أنيف بن جبلة الضبي:
ولقد شهدتُ الخيلَ يحمل شكتي ... عتد كسرحانِ القصيمةِ مِنهَبِ
الشكة السلاح، والقصيمة الرملة تنبت الغضا، وذئب الغضا أخبث الذئاب لأنه خمر، ومنهب كأنه ينتهب الأرض.
أما إذا استقبلتُه فكأنه ... في العينِ جذعٌ من أوالَ مشذّبُ
وإذا اعترضتُ له استوتْ أقطاره ... وكأنه مستدبَراً متصوَبُ
أوال جزيرة في البحر، مشذب منزوع الشذب، وشذب كل شيء ما يلقى منه عند التنقية، ومعنى هذه الأبيات قول - ابن - أقيصر خير الخيل الذي إذا استدبرته جبّى وإذا استقبلته أقعى، وإذا استعرضته استوى، وإذا مشى ردى، وإذا عدا دحا. وقوله إذا استدبرته جبى أي كأنه مكب لإشراف عجيزته، وإذا استقبلته أقعى أي كأنه مقع لإشراف مقدمه، وإذا اعترضته استوى لك منظره فلم يكن مقعياً، ولا منكباً، والرديان - قال الأصمعي عن المنتجع بن نبهان هو عدو الحمار بين آريه إلى متمرغه، وروى عن خلف عن رجل من بني الحرماز قال أتى العجاج إلى أبي فقال: أتبيعني شاة من غنمك على نعتي ببكر ؟ قال وما نعتك ؟ قال: حسراء المقدم شعراء المؤخر إذا أقبلت حسبتها نافراً وإذا أدبرت حسبتها ناثراً. قوله حسبتها ناثراً أي كأنها تعطس، يقول من " أي - 1 " أقطارها أتيتها وجدتها مشرفاً.
وقال يزيد بن عمرو الحنفي:
محنَّبٌ مثل تيسِ الربلِ محتفلٍ ... بالقُصرَيين على أولاهِ مصبوبُ
التحنيب كالقنا، والربل نبت وقد فسر معناهما في التشبيه بتيس الربل محتفل بالقصريين يعني عظم ذلك الموضع، والقصري فيها قولان يقال هي الضلع القصيرة مما يلي الصدر ويقال هي ضلع الخلف في آخر الأضلاع، وقوله على أولاه مصبوب أي هو مكبوب، يقول إذا استدبرته فكأنه مكب لإشراف عجيزته.
وقال ابن مقبل:
مجبٌ من اللائي إذا كنتُ خلفَه ... بدا نحرُه من خلفِه وجحافلُهُ
يقول هو يخانف برأسه إذا سار من نشاطه كما قال:
متحرفاً للجانبين
فأنت ترى نحره وجحفلته، وقال الأسعر الجعفي:
أما إذا استقبلتُه فكأنه ... بازٌ يكَفكفُ أن يطيرَ وقد رأى
أما إذا استدبرتُه فتسوقُه ... ساق قموصٍ الوقعِ غارية النسا
أما إذا استعرضتُه متَمطراً ... فتقول هذا مثلُ سرحانِ الغضَا
ابن الأعرابي قال: سئل رجل من بني أسد: تعرف الفرس الكريم ؟ قال أعرف الجواد المُبِر من المبطئ المقرف، أما الجواد المبر فالذي لُهز العير وأنّف تأنيف السير، الذي إذا عدا اسلهبّ وإذا قيد اجلعَبَ وإذا انتصب اتلأبّ، وأما البطئ المقرف فالمدكوك الحجبة الضخم الأرنبة الغليظ الرقبة الكثير الجلبة، الذي إذا أمسكته قال أرسلني وإذا أرسلته قال أمسكني، وأنشد:
كمهرِ سوءٍ إذا سكّنت سيرتُه ... رامَ الجماحَ وإن رفّعته سكنا

وقوله لُهز لَهز العير أي ضبّر خلقه تضبير الحمار، وأنف قد وحدد حتى استوى كما يستوي السير المقدود، والمسلهب الماضي الذاهب، والمجلعب الممتد، والمتلئب المستقيم المستوى، والمدكوك الحجبة الذي ليس لحجبته إشراف فهي ملساء مستوية وهي أعلى وركيه الذي يشرف " على - 5 " صفاف بطنه، هذا تفسير ابن الأعرابي أيضاً، قال وروى الهيثم عن ابن عياش أنه قال: لا تشتر خمساً من خمسة، لا تشتر فرساً من أسدي ولا جملاً من نهدي ولا عنزاً من تميمي ولا عبداً من بجلي، ونسي الهيثم الخامس، يريد أن هذه القبائل عظام الجدود في هذه الأشياء، وأنشد أبو عبيدة هذا الشعر وقال لا أعرف قائله وعروضه لا يخرج أيضاً، وقال السجستاني هو لعبد الغفار الخزاعي:
ذاكَ وقد أذغرَ الوحوشُ بصلْ ... تِ الخدِ رَحبٌ لبانِهِ مُجفَرُ
طويلٌ حمسٌ قصيرٌ أربعة ... عريضٌ ستٌ مقلِّصٌ حَشوَرُ
قال: قال أبو عبيدة طويل العنق طويل الأذنين طويل الذراعين طويل الأقراب طويل الناصية، قصير الأرساغ قصير عسيب الذنب قصير الظهر قصير الأطرة وهو عصبة فوق الصفاق قصير النضى وهو الذكر. عريض الجبهة عريض اللبان عريض المحزم عريض الفخذين عريض وظيفي الرجلين عريض مثنى الأذنين.
حدتْ له سبعةٌ وقد عُرِيَتْ ... تسعٌ ففيه لمن رأى منظَرُ
حديد الأذنين، حديد العينين، حديد المنكبين، حديد القلب، حديد عرقوبي الرجلين، حديد المنجمين وهما عظمان متقابلان في باطن الكعبين، حديد الكتفين.
عاري النواهق، عاري السموم، عاري الخدين، عاري الجبهة، عاري مثنى الأذنين، عاري الكعبين، عاري عصب اليدين، عاري عصب الرجلين.
تم له تسعةٌ كسينَ وقد ... أرحَبَ منه اللبانُ والمنخِرُ
مكتسي الكتفين، مكتسي المَدّين، مكتسي الناهضين، مكتسي الفخذين، مكتسي الكاذتين، مكتسي أعلى الحمامتين.
بعيدٌ عشر وقد قرّبنَ له ... عشر وخمس طالتْ ولم تقصُر
بعيد ما بين الجحفلة والناصية، بعيد ما بين الأذنين والعينين، بعيد ما بين العينين، بعيد ما بين أعالي اللحيين، بعيد ما بين الناصية والعكوة، بعيد ما بين العضدين والركبتين، بعيد ما بين البطن والرفغين، بعيد ما بين الحجبتين والجاعرتين، بعيد ما بين الجاعرتين.
قريب ما بين المنخرين، قريب ما بين الأذنين، قريب ما بين المنكبين، قريب ما بين المرفقين، قريب ما بين الوركين، قريب ما بين الحارك والقطاة، قريب ما بين المعدين والقصريين، قريب ما بين الجاعرتين والعكوة، قريب ما بين الثفنتين والكعبين، قريب ما بين الجبب والأشاعر. وقوله خمس طالت ولم تقصر وقد فسرناهن في موضع قوله طويل خمس.
نُقفيه بالمحضِ دون ولدتنا ... وغُضّه في آرَيْه ينثرُ
نُصبّحه تارةً ونُغبقه ... ألبانَ كُوم روائم ظُؤَّرُ
حتّى شتا بادناً يُقال ألا ... تطوون من بُدنِه وقد أضمِرُ
موثّقُ الخُلقِ جرشعٌ عتَدُ ... منضرجُ الحضرِ حين يستحضرُ
خاظى الحَمامتينِ لحمُه زِيمَ ... نهدٌ شديدُ الصفاقِ والأبهرُ
رقيقُ خمسٍ غليظُ أربعة ... نابى المعدّين ليّن الأشعَرُ
رقيق الأرنبة، رقيق الجحافل، رقيق الجفون، رقيق الأذنين، رقيق عرض المنخرين.
غليظ الخلق، غليظ القوائم، غليظ القصرة، غليظ عكوة الذنب، وقوله أرحب منه اللبان والمنخر ويستحب أن يرحب منه أيضاً الاهاب والجوف والعجان والشدقان، وقال آخر من الضبيين:
وقد حد منه أربع بعد أربعٍ ... عرضْنَ فِالا يحتبسْ فهو طائرُ
وقد طال منه أربع بعد أربعٍ ... قصرنَ فاضحى وهو بالشدِ ماهرُ
وتفسير هذا يستخرج من الشعر الأول، وكذلك قول أبي صِرار اليمامي:
عاري ثمانٍ مكتسي ثمانٍ ... إلى ثمانٍ قُدّرت حِسانُ
وستة والعشر بالميزان

مما يوصف به أعضاؤها
الأذن وما يحمد من رقتها وانتصابها
قال ابن مقبل:
تُرخى العِذارُ ولو طالتْ قبائِلهُ ... عن حَشْرةٍ مثل سنفِ المَرخةِ الصفرِ

ترخى العذار لطول خد الفرس، وقبائله سيوره، عن أذن حشرة أي رقيقة منتصبة، والسنف وعاء ثمرة المرخ، والصفر الذي لا شيء فيه، قال الجراح العقيلي ليس للمرخة ورق ولكن لها ثمرة طويلة كالإصبع، وقال الراجز في مثل ذلك:
حَشْرة الأذن كاعليط صِفِر
الاِعليط ثمرة المرخ، وقال ربيعة بن جشم النمري:
لها أذنٌ حَشرة مَشرةٌ ... كاِعليطِ مرخٍ إذا ما صِفرَ
مشرة نضيرة، يقال تمشَّر الشجر إذا أصابه مطر فخرج فيه الورق.
قال مطير بن الأشيم الأسدي:
وسامعتان كسلاءتي ... عسيبة مؤتبرٌ من يهودا
وقال آخر في مثله:
يخرجنَ من مستطيرِ النقعِ داميةً ... كأن آذانها أطرافُ أقلامِ
يريد أن آذانها مؤللة، والتأليل التحديد وهو محمود في الخيل والإبل، والخدا مذموم وهو استرخاء أصول الأذنين على الخدين وقال امرؤ القيس:
ومستفلكُ الذفرى كأن عنانَه ... ومثناتَه في رأس جذعٍ مُشذّبِ
الذفريان عن يمين الذن وشمالها، مستفلك يقول كأن ذفراه فلكة وذلك من علامات العتق، مثناته وثنايته حبله يقول كأنها علقت برأس جذع من طول عنقه، وقال أبو داود:
" وهاد تقدم لا عيب فيه " ... كما الجذع شُذّب عنه الكرب
المشذب الذي ألقى شذبه، وقال سلمة بن الخرشب:
كأن مسيحتي ورقٌ عليها ... نَمَتْ قرطيهما أذنُ خَذيمِ
كذا رواه الأصمعي نمت قرطيهما أي قرطي المسيحتين كأنهما عملا منها، ونمت رفعت أذن خذيم أي مثقوبة، ورواه ابن الأعرابي:
كأن مسيحتي ذهبٌ عليها ... نَفَتْ عن قرطِها أذنَ خذيمِ
والمسيحة القطعة من الفضة والذهب، قال أراد أنها كميت صفراء وأراد الأول بمسيحة الورق صفاءها وحسن لونها وملاستها، وقال ابن الأعرابي أراد كأنها في سموها برأسها قِرطت قرطاً فخذم أذنها فهي طامحة الرأس تتقى خذم القرط أذنها، وعن صلة، أراد نفت قرطها أذن خذيم.

الناصية وما يحمد من سبوغها
قال ابن مقبل:
وحاجبٌ خاشعٌ وماضِغٌ لهزٍ ... والعينُ تكشفُ عنها ضافي الشعرِ
قال: إذا خشع الحاجب من الفرس والناقة فهو أعتق لها وقد خالف أبو ميمون العجلي هذه الصفة فقال:
وحاجبين أشرفا كالصفَّين
وإذا اشتد الماضغ وكبر عصبه قيل ماضغ لهز: والضافي السابغ المسترخي، وقال امرؤ القيس:
وأركبُ في الرّوعِ خيفانةً ... كسا وجهَهَا سعَفُ منتشِرُ
خيفانة جرادة، شبه الفرس بها وأراد أن ناصيتها كسعف نخلة، والسعف في غير هذا بياض يعلو الناصية وذلك مما يعاب، وقال عَبيد:
مضبَّرٌ خلقُها تضبيراً ... ينشقّ عن وجهها السَبيبِ
السبيب شعر الناصية هاهنا وهو أيضاً شعر الذنب، وقال سلامة بن جندل:
ليس بأسفي ولا أقني ولا سَغِل ... يسقي دواء قفي السكن مربوبِ
الأقنى الذي في أنفه احديداب وذلك يكون في الهجن والأسفي الخفيف الناصية والاسم السفا مقصور، وهو عيب في الخيل ومحمود في البغال، وأنشد:
جاءتْ به معتجِراً بِبُردِه ... سفواءَ تَردى بنسيجٍ وَحدِه
قال أبو عبيدة يقال للفرس أسفي و - لا - يقال للأنثى سفواء ويقال للبغلة سفواء وليس وراء السفا إلاّ الزّعر والمعر والحصص وذلك كله قريب بعضه من بعض وهو ذهاب شعر الناصية، إذا غطت الناصية عينيه فهي خاشعة وغماء وذلك الإفراط في كثرة الناصية مذموم وإنما يحمد من النواصي - الجَثْلة، والسِغل المضطرب الخلق السيء الغذاء، ويروى: لا صِقل - وهو طويل الصُقلة والصُقلة الطِفطِفة، يقال ما طالت صقلة فرس إلا قصر جنباه وذلك عيب، والقفى الذي يعطى القفية وهي ما خبأت للإنسان تكرمة، والدواء ما عولجت به الجارية لتسمن وعولج به الفرس عند المضمار، والسكن أهل الدار، مربوب مربب يصان ولا يرسل، وقال امرؤ القيس:
لها عُذَرٌ كقرونِ النسا ... ءِ رُكَبنَ في يومِ ريحِ وصِرِّ
عِذر ذوائب، وقال الكميت.
نزائعٌ من آلِ الوجيهِ ولاحقٌ ... تخفَّفَ بالتقزيعِ منها وبالهَلبِ
نزائع انتزعت، والتقزيع أن يخفف أعرافها والهلب في الذنب، قال ابن الأعرابي النتف والتقزيع القص.
باب الخد وما يحمد وما يحمد منه أسالته وملاسته ورقته

قال امرؤ القيس يصف خد فرس:
يباري شباةُ الرمحِ خد مذلقِ ... كصفحِ السنانِ الصُلّبى النّحيضِ
شباة الرمح حد السنان، والمذلق الطويل الدقيق الذي ليس بكز، يريد أن عنقه طويلة فخذه يباري حد الرمح، وصفح السنان عرضه والسنان المسن، والصلبي منسوب إلى الحجارة الصلبة، والنحيض المرقق، شبه خده بالمسن في ملاسته ورقته وذلك من علامات العتق والكرم. ومثله قول لبيد:
يطردُ الزُجَّ يبلرى ظلُه ... بأسيلٍ كالسنانِ المنتخّلِ
يقول رأس هذا الفرس مع رأس هذا الزج يباريه بخده الأسيل، والزج السنان في هذا الموضع، والمنتخل المنتقي. أبو عمرو الزج النعام الواحد أزج والأنثى زجاء وهو البعيد الخطو، وقال لبيد أيضاً:
رفيغٌ اللَبانِ مطمئناً عِذارهُ ... على خدٍ منحوضِ الغرارينِ صُلَّبِ
يقول قد لصق عذاره بخده لأنه طويل أسيل فليس في عذاره فضل فينبو، منحوض الغرارين يعني أنه قلي لحم الخدين وذلك من علامات الكرم. صلب شديد، وقال الفرزدق:
وهززْنَ من فزعِ أسنة صلَبِ ... بجذوعِ خيبرٍ أو جذوعِ أوالِ
أي هززن خدوداً كالمسان بجذوع خيبر أي أعناق كجذوع خيبر في الطول.

مما توصف به في وجوهها
قال امرؤ القيس:
لها جبهةٌ كسراةِ المج ... نِ حذفَهُ الصانعُ المقتدرُ
المجن الترس، مدحها بسعة الجبهة وعرضها والجبهة أحد ما يوصف بالعرض، وقال الجعدي:
بعارى النواهق صلت الجبين
الناهقان العُظيمان الشاخصان في وجهه أسفل من عينيه، وقال بعضهم الناهق ما أسهل من الجبهة في قصبة الأنف، وقد بينا أين يحمد العرى، وقال آخر:
ضَمِر الحَجاجين هريت الشدق
الحجاجان ما جيب عن موضع مقلتيه من العظم الذي يحيط بالعينين فإذا دق ذلك فهو ضمر وذلك محمود، وقال آخر:
قد أشهدُ الغارةَ الشعواءَ تحملني ... جرداءً معروقةَ اللحيين سرحوب
العين وما توصف به
قال أبو داود:
طويلٌ طامحُ الطرفِ ... إلى مفزعةِ الكلبِ
حديدُ الطرفِ والمنك ... بِ والعرقوبِ والقلبِ
يقول هو مشترف إلى الموضع الذي يتشوف إليه الكلب للصيد، وقال أبو النجم:
طامحة الطرف نباة الفائل
وقال سُبيع بن الخطيم:
ترمى أمام الناظريْنَ بمقلةٍ ... خوصأَ يرفعُها أشمُّ منيفُ
يعني بالأشم المنيف عنقها، وقال أبو النجم:
والحُصن شُوس الطرف كالأجادلِ
يصفونها بالشَوس والخَوص لأنها تفعل ذلك من عزة أنفسها تشاوس في نظرها فأما الحول فمذموم إذا كان خلقة، وأما قول الخنساء:
ولما أن رأيتُ الخيلَ قُبْلا ... تبارى بالخدودِ شَبا العَوالى
فليس القبَل هاهنا مذموماً لأنه بمنزلة الشَوس والخَوص وليس بخلقة إنما تفعله من عزة أنفسها، وقال ابن أحمر وذكر فرساً:
وحَبت له أذن يراقبُ سمعها بصر
يقول إذا سمعت حسا نظرت والسمع يراقبه البصر، بناصية الشجاع والشجاع يرفع من وسط رأسه إذا انساب فيعرورف أي يرفع عُرفه، فشبه حدة طرفه وسموه به برفع الحية عرفه، ويقال جاء فلان غضبان معروفاً، قال مزرّد:
يُرى طامحُ العينينِ يرنو كأنه ... مؤانسُ ذَعرٍ فهو بالأذن خاتِلُ
يقول أنس شيئاً يحذره فكأنه يختل ما يسمع لشدة استماعه وقال امرؤ القيس:
وعينُ كمرأة الصناعِ تديرُها ... لمحجرِها من النصيفِ المنَقَّبِ
الصناع الحاذقة فمرآتها أصفى من مرآة خرقاء لأنها تجلوها وتصونها تديرها النظر إلى محجرها وقد تنقبت، والنصيف الخمار.
المنخر وما يحمد من سعته
قال بشر بن أبي خازم:
كأن حفيفَ منخرهِ إذا ما ... كتمنَ الربوِ كيرٌ مستعارُ
يستحب سعة المنخر وربما ضاق فشق، - أي - الخيل الربو النفس لضيق مناخرهن، ويقال للفرس إذا كتم الربو في جوفه فلم يخرجه قد كبا وهو فرس كاب، والكير زق الحداد، وجعله مستعار لأنه إذا كان كذلك كان العمل به أحث وقيل مستعار من التعاور، وقال الراجز:
وجارُه في العدوِ من أن يُبهرا ... سم هريت ما يزال مُغبِرا
السم يعني منخره وكل خرق في الجسد سم مثل خرق الأذن، مغبر أي يغبر فيه النفس، وقال عياض بن كثير الضبي:

له منخر كالورب لم يكم رَبوة ... إذا ما كمت رَبو الجياد المناخرُ
لم يكم لم يكتُم يقال كمى شهادته إذا كتمها، وهو مثل قول بشر:
إذا ما كتمن الربو
والورب الثقب في الجبل، وقال امرؤ القيس:
لها منخر كوِجارِ السباعِ ... فمنه تريحُ إذا تنبَهِر
شبهه بحجر السبع لسعته، ومثله لأبي داود:
ولها منخر كمثل وجار الضبع ... تذرى له العَجاج السموم
وقال:
له منخرٌ مثلُ جيبِ القميصِ ... تنفَّسَ منه إذا ما احتفَلَ
الأفواه وما يَحمد من هرتها والأسنان
قال الأعشى:
هرِيت قصير عِذار اللجامِ ... أسيل طويل عِذار الرسَنِ
لم يرد بقوله قصير اللجام أنه قصير الخد وكيف يكون ذلك وهو يقول أسيل طويل عذار الرسن، ولكنه أراد أنه هريت وأن مشق شدقيه من الجانبين مستطيل فقد قصر عذار لجامه، ثم قال طويل عذار الرسن لأن الرسن لا يدخل في فيه شيء منه كما يدخل فأس اللجام فعذار رسنه طويل لطول خده، وقال أبو داود:
ترى فاه إذا أقبلَ ... مثل السلقِ الجدْبِ
السلق جانب الوادي إلى الأرض.
وقال أيضاً:
وهي شَوهأُ كالجُوالقِ فوهاً ... مستجاف يضل فيه الشكيمُ
قال أبو عبيدة: شَوهاء واسعة الفم والمنخرين.
وقال المنتجع: هي الرائعة في الحسن. ومنه قولهم لا تشوه إذا قال ما أحسنك أي لا تصبني بعين، وقيل: شوهاء طويلة، ومستجاف مثل أجوف، والشكيم فأس اللجام، يضل فيه لسعته.
وقال طفيل:
كأنّ على أعطافهِ ثوبَ مائحٍ ... وإن يُلق كلبٌ بين لحْييه يذهبُ
المائح الذي ينزل يملأ الدلو في البئر فتبتل ثيابه، يعني من عرفه وأن يلق كلب بين لحييه يذهب من سعته.
وقال ابن الرقاع:
وهو شاح كأنّ لحييه حنوا ... قتبٌ لاحَ منهما المسمارُ
عن لسان كجثة الوَرل الأحمر مجّ الندى عليه العَرارُ
العرار نبت أصفر طيب الريح، يشبه لسان الفرس في طيب رائحته بورل أصابه ندى العرار والفرس إذا حمِر أنتن فوه، وإنما أراد بهذا الوصف أنه غير حَمِر.
وقال امرؤ القيس:
لعمري لسعدٍ حلَّت ديارُه ... أحبُّ إلينا منك فافرس حمِرِ
لقب رجلاً بذلك أراد يافافرس حمر، كما قال الآخر - رجل من ضبة:
أكان كرّي وإقدامي لفي جرَذ ... بين العواسج أجنى حوله المُصَع
المصع ثمر العوسج، وكما قال الآخر:
لفي جمل عَود عليه أياصِر
وقال خالد بن عجرة الكلابي:
كأن لسانه ورَل عليه ... بدارِ مَضَبَّة مَجَّ العرارِ
واحسب ابن الرقاع أخذ من هذا، وقال ابن مقيل:
فقمت أُلجمه وقال مشترفاً ... على سنابكه في شائك يسَر
المعنى فقمت ألجمه في شائك يسر أي في رأس شائك الأنياب أي قد طلعت، يسر سهل، ويروى شابك، أي قد اشتبكت أنيابه، وقال أبو النجم:
حتى إذا بدَّلَه ... بالراضعِ الأقصى دخيلاً يُنصِلهُ
قسراً يحل داره ويُحمله
الفرس يقرح بأقصى سن له وإنما يطلع القارح في موضع سن تسقط راضع ثم يطلع القارح مكانه، فأنا البعير فإنه يبزل بنابه وليس يطلع مكان سن، وقوله مبدله يعني الله عز وجلّ، والدخيل القارح، ينصله أي يسقطه يعني الراضع، ويحمله يرحّله.

العنق وما يحمد من طولها
قال أبو داود:
إذا قيد قحّم من قادَه ... وولت علاّبيه واجلعبّ
وهادٍ تقدّم لا عيبَ فيه ... كما الجذعُ شُذِبَ عنه الكَرب
الهادي العنق، وقوله كما الجذع شذب عنه الكرب نحو قول امرئ القيس:
ومستفلك الذفرى كأن عنانَهُ ... ومثناتَه في رأس جذعٍ مشذبِ
وكقول الفرزدق:
بجذوع خيبر أو جذوع أوال
قد فسرناهما فيما تقدم من الكتاب، وقوله: إذا قيد قحّم من قاده يقول يتقدم من يقوده فيقحمه، والعلباوان عصبتان في العنق وذلك أن العلباء يمتد حتى يكاد يتصل بالرأس ثم يولى إلى ناحية العنق شيئاً وإذا جَسَت العنق لم يدبر العلباء، وقال ابن مقبل:
وحاوطني حتى ثنيت عنانه ... على مدبر العلباء ريّان كاهله

حاوطني داورني وعالجني حتى ألقيت عنانه على عنق مدبر العلباء، يريد أنه طويل العنق لينها ففي طرف علبائه إدبار، وقال ابن الرقاع:
ومنيف غوج اللبان يرى منه ... بأعلى علبائه إدبار
غوج اللبان واسعه، يقال للفرس إذا جعل ينثني في شقيه أنه يتغوج، واللبان مجرى اللبب من صدر الفرس، قال أبو ميمون العجلى:
ضافي السبيب مدبر العلباوين
وقالت الخنساء:
ولما أن رأيتُ الخيل قُبلاً ... تُبارى بالخدودِ شبا العَوالى
الشبا حد السنان تريد، أنها طوال الأعناق فهي تباري الأسنة بخدودها، ومثله لبشر:
يبارينَ الأسنة مُصغياتٍ ... كما يتفارطُ الثمدَ الحمامُ
يتفارط يريد أن بعضها يتقدم بعضاً إلى الماء وهو أشد لطيرانها، والثمد ركايا يجتمع فيها ماء المطر. وقد تقدمت أبيات في هذا المعنى في وصف خدودها فتركنا ذكرها. وطول العنق من علامات العتق وقصرها من علامات الهجنة.
وروي أن عمر بن الخطاب رحمه الله لما شك في العتاق والهجن دعا سلمان بن ربيعة الباهلي بطست من ماء فوضعت على الأرض ثم قدم الخيل فرساً فرساً فما ثنى منها سنبكه فشرب جعله هجيناً وما شرب ولم يثن سنبكه جعله عتيقاً، وذلك لأن في أعناق الهجن قصراً فهي لا تنال الماء على تلك الحال حتى تثني سنابكها وأعناق العتاق طوال وفي ذلك يقول لبيد:
من يمدُدا لله إصبعاً ... في الخيرِ والشرِ يلاقه معا
أنت جعلت الباهلي مِفَنّعا
قال أبو عبيدة أول من عرّب العراب رجل من وادعة همدان أغارت الخيل فصبحت العدو وأبطأت الكوادن فجاءت ضحَى فأسهم للعراب وترك الكوادن وكتب إلى عمر بذلك، فقال عمر: هبِلت الوادعيّ أمه لقد أذكرني أمراً أكنت نسيته وكتب إليه أن نعم ما صنعت، وقال خالد بن الصقعب:
ملاعبةُ العنانِ بغصنِ بانٍ ... إلى كتفينِ كالقتبِ الشميمِ
يقول عنقها لينة ليست بجاسية، ومعنى إلى معنى مع، والشميم من الأشم وهو المرتفع يقال جبال شم أي مرتفعة، وإذا كانت العنق غير لينة المعاطف كانت معيبة، والقصر في العنق والجساءة أن تكون غير لينة.
وقال:
لما أتيتُ الحيَ في متنِه ... كأنّ عرجوناً بمثنى يدى
وقال سلامة بن جندل:
تم الدسيع إلى هادٍ له تَلِع ... في جُؤجُؤ كمداكِ الطيبِ مخضوب
الدسيع صفحة العنق من أصلها والجمع دسائع، والهادي العنق تلع الطويل منتصب، والجؤجؤ الصدر، مداك الطيب الصلاية.
يقول: هو أملس قصير الشعر وكأن جؤجؤه صلاية، ورقة الجؤجؤ عندهم محمود، مخضوب بدم الصيد.
وقال أبو داود:
يهزّ العنقَ الأجرَ ... دفى مستأ من الشَّعْبِ
مع الحاركِ مخشوش ... يجنبٍ مُجَفر رَحْبِ
يقول إذا سار هز عنقه، والأجرد الأملس قصير الشعر، والعنق يؤنث ويذكر يقول قد ركب في أصلٍ وتين، والشعب الوصل المركب في الحارك وهو موصل العنق مع الكاهل، والمخشوش المدخل فيه كما يدخل الخشاش.
وقال أبو النجم:
في مُفْرع الكتفيْن حلو عطَلُه ... سوند في هادٍ كثيفٍ خَلله
مفرع مشرف، الأصمعي: عطله عنقه يقال شاة حسنة العطل أي العنق وأصل ذلك العنق التي لا حلى عليها ويقال عطله جسمه ومجرده.
وقال خالد بن كلثوم: عطله ضمره وذهاب لحمه، يقول: هو حلو في الضمر فكيف في السمن، سوند رفع وضم بعضه إلى بعض، في هاد أي مع هاد وهو العنق، كثيف خلله يقول هو مكتنز ما بين الأضلاع والفقَر.
وقال ابن فسوة يصف فرساً:
بعيدة بين العَجب والمتلدَّد
والمتلدد المتلفت وأصل ذلك من اللديدين وهما صفحتا العنق ومنه قبل فلان متلدد أي متلفت يميناً وشمالاً.

الكتفان وما يحمد من ارتفاعهما
قال ربيعة بن جشم:
له حاركٌ مثل شرخِ الغبيطِ ... عرّى منه بعير دَبر
الحارك فروع الكتفين وهو أيضاً الكاهل، والمنسج أسفل من ذلك، وشرخ الرحل مقدمه وآخره، والغبيط قتب الهودج وإذا وضع عن البعير رأيته أشرف. قال لبيد:
مغبط الحارك
أي كأن ظهره غبيط وهو القتب. والكتف عيب وهو أن يكون في أعالي كتفي الفرس انفراج في غرا ضيفهما مما يلي الكاهل، وقال آخر:
كتفاها كما يركّب قينٌ ... قَتبا في أجنائِه تشميمُ

الأحناء خشب الرحل، تشميم ارتفاع، ونحو منه قول خالد بن الصقعب:
إلى كتفين كالقتب الشميم
وقال الضبي:
وكاهلٌ افرعٌ فيه مع ال ... افراع إشرافٌ وتقتيبُ
الأفرع المشرِف، وقال زهير:
قد أبدأت قطفاً في الجري منشزة ال ... أكتافِ تنكُبها الحزانُ والأكُمُ
أبدأت من بدأت في ذلك مثل ابتدأت، قطفاً في الجري أي في أوله وذلك من النشاط، ومنشزة مرتفعة، وقال زهير:
بذي ميعةٍ لا موضعِ الرمحِ مسلم ... لبطءٍ ولا ما خلف ذلك خاذله
الميعة النشاط والميعة من السير هاهنا وميعة الحب وميعة الشباب أوله، ويقال أمّاع السمن إذا ذاب، لا موضع الرمح يعني الكاثبة وهي موضع الرمح وهي قدام القربوس مقدم المنسج ويدلك على ذلك قول النابغة:
لهنَ عليهم عادةٌ قد علنَها ... إذا عرضَ الخُطى فوق الكواثبِ
وأراد زهير أن مقدمه لا يخذل مؤخره ومؤخره لا يخذل مقدمه كما قال القطامي في وصف الإبل:
يمشينَ رهواً فلا الأعجازُ خاذلةٌ ... ولا الصدورُ على الأعجاز تتكلُ
ويستحب من الفرس أن يشتد مركّب عنقه في كاهله لأنه يتساند إليه إذا أحضر، ويشتد حقواه لأنهما معلق وركيه ورجليه في صلبه.
قال أبو عبيدة: لا موضع الرمح مسلم يعني الطريدة التي يطلبها من الوحش لا تفوته، وقال العجاج:
نُتبعهم خيلاً لنا عواتكا ... من كل نهدٍ يستعزِ الحاركا
منه تليلٌ يعتلي السوامكا
عواتك رواجع يقال عتك عليه أي كر. يقول: تغلظ عنقه حتى يصغرُ حاركُه عندها، ومنه قول زهير:
وعزتها كواهله
أي كانت أغلظ شيء فيها. وأراد أن التليل قاهر للحارك.

الصدر وما يحمد منه
قال زهير:
قد عوليت فهي مرفوع جواشنها ... على قوائم عوج لحمها زيم
فهي تبلّغ بالأعناق يتبعها ... خلج الأجرة في أشداقها ضجم
مرفوع جواشنها أي خلقت مرتفعة والجوشن الصدر، قوائم عوج وإذا كان في رجلي الفرس أو يديه قنا كان أسرع له، قال الجعدي:
مفروشة الرجل فرشاً لم يكن عقَلا
زيم متفرق في أعصانها لم يجتمع في مكان فتبدن، وقوله تبلغ بالأعناق أي تمد أعناقها لأنها مقرنة بالإبل فإذا مدتها إلى بين أيديها مدت أعناقها: خلج جذب يقال خلجه إذا جذبه وصرفه ويقال ناقة خلوج إذا اختلج ولدها عنها بموت أو ذبح، والأجرة جمع جرير وهو حبل من جلود، ضجم ميل، ومثله للنابغة:
إذا استعجلوها عن سجيةٍ في مشيها ... تبلّغ في أعناقِها بالجحافلِ
يقول الخيل مقطورة بالإبل فكلما استعجل القوم الإبل لم تدركها الخيل حتى تمد جحافلها فتبلغ إعجاز الإبل لأن الخيل أبطأ إذا كانت مع الإبل. وقد مرت أبيات في هذا المعنى فيما تقدم.
قال أبو النجم:
منتفج الجوف رحيب كلكله
وعرض الصدر محمود قاما الجؤجؤ والزور فيوصفان بالضيق وهما جميعاً شيء واحد، وقال عبد الله بن سليمة:
متقاربُ الثفناتِ ضيقٌ زورُهُ ... رحبُ اللبانِ شديدُ طي ضريسِ
الثفنات مواصل الذراعين في العضدين والساقين في الفخذين، ويقال أن الفرس إذا دق جؤجؤه وتقارب مرفقاه كان أجود لجريه، وقوله: شديد طي ضريس أي شديد الفقار ضُرس ضرساً، وأصل ذلك البئر إذا طويت بالحجارة قيل ضرست، قال لبيد:
رفيع العذار مطمئناً عذاره
يقول هو مرتفع الصدر ليس به ذنن والدنن تطامن الصدر ودنوه من الأرض وهو من أسوأ العيوب، فأما الهنع فتطامن العنق من وسطها يقال عنق هنعاء، قال أبو داود:
رهلٌ زورُها كأن قراها ... مسدشدٌ متنهُ التبريمُ
يستحب أن يكون الفرس رهل اللبان رحيب الاهاب واسع الأباط، وعيب الحمار الكزازة في يديه وفي منكبيه وانضما مهما إلى إبطيه وضيق جلده وإنما يعدو بعنقه، والتبريم الفتل، والزور في الصدر عيب وهو دخول إحدى الفهدتين وخروج الأخرى، والفهدتان اللحمتان الناتئتان في الصدر مثل الفهرين، وقال ابن مقبل:
غوجُ اللبانِ ولم تعقُد تمائمُه ... مُعرى القلادةِ من ربوٍ ولا بهر

أي لين اللبان واسعه، واللبان مجرى اللبب، ويقال للدابة إذا جعل يتثنى في شقيه أنه ليتغوج، يقول: لم يقلد من داء ولا ربو إنما قلد للحسن خوفاً من العين، وقال عبد المسيح يذكر نبتاً رعاه أو صاد فيه:
صبَّحته صاحبي كالسيد معتدل ... كأن جؤجؤه مداك أصداف
مداك الطيب وهو الصلابة، شبه جؤجؤه وهو عظم صدره به، وقال سلامة بن جندل:
تم الدسيعُ إلى هادلِه تَلِع ... في جؤجؤ كمداكِ الطيب مخضوب
وقد فسر شبهه بالصلاية لإملاسه وبريقه ويقال بل شبهه به لضيق جؤجؤه، وقال امرؤ القيس:
كأنّ على الكتْفينِ منه إذا جرى ... مداكُ عروسٍ أو صَراية حنظلِ
يقول هو أملس فكأن على كتفيه فهر عروس أو حنظلة براقة قد أصفرت وهي الصرابة، قال أبو عبيدة صراية بالكسر وهو الماء الذي ينقع فيه الحنظل لتذهب مرارته. شبه عرقه بمداك العروس لأنه أصفر أو بصراية الحنظل، وجعلها مداك عروس لأنها قريبة عهد بالسحق فهي تبرق في القول الأول، وفي القول الآخر فيها صفرة، وقال الجعدي:
ولوح ذراعينِ في بركةٍ ... إلى جؤجؤ رهِل المنكبِ
كل عظم لوح، والبركة الصدر بكسر الباء فإن حذفت الهاء قلت برك ففتحت الباء، وقوله في بركة معناه مع بركة، ويستحب أن يكون في جلد الصدر وجلد المنكبين رهل وهو مسترخى جلد المنكب فهو يموج ليس بضيق، وقال أيضاً:
في مرفقَيه تقاربٌ وِله ... بركةُ زَور كَجبأةِ الخزَمِ
الجبأة خشبة الحذّاء ويقال الجفنة أيضاً، والخزم شجر يتخذ من لحائه الحبال، قال أصمعي: وبالمدينة سوق يقال لها سوق الخزامين، وقال بعضهم الخزم شجر الجوز.

الجنبان والجوف وما يحمد من إجفاره وانطواء الكشح
قال مزرّد:
له طُحرٌ عُوجٌ بضيعها ... قِداحٌ بَراها صانعُ الكفِ نابلُ
الأصمعي قال: الطحر هاهنا الأضلاع مشتق من قولهم طحره إذا دفعه وباعده لأن اللحم قد ذهب عنها، والبضيع اللحم، والنابل الحاذق. وقال بشر:
على كل ذي ميعةٍ سابحٌ ... سقطَع ذو أبهريه الحِزاما
الأبهر عرق مستبطن الصلب وهو واحد فجعله اثنين وإنما أزاد ذوا أبهره يعني جنبيه يقول: يقطعان الحزام إذا زفر، وقال مطير بن الأشيم:
له زَفرةٌ بعد طولِ الجِراء ... يقطع منها الحِزامَ الشديدا
وقال العجاج:
يقطع إبزيم الحِزام جشَمه
يقول يجشّم الحزام ما لا يطيق من انتفاخ جنبيه فإذا زفر انكسر الإبزيم، وقال لبيد:
ومقطعٌ حلقُ الرحالةِ سابحٌ ... باد نواجذه على الإطرابِ
يقطعها من انتفاخ جنبيه وقد فسر البيت فيما تقدم، وقال الجعدي:
خِيطَ على زفرةٍ فتم ولم ... يرجعْ إلى رقةٍ ولا هضَمِ
يقول كأنه زافر أبداً من عظم جوفه، والهضم استقامة الضلوع ودخول أعاليها وهو عيب، يقال فرس أهضم، والاخطاف لحوق ما خلف المحزم من بطنه وهو عيب، يقال فرس مخطَف، قال الأصمعي: لم يسبق الحلبة أهضم قط والفرس بعنقه، وقال آخر - وهو الجعدي أيضاً:
شديدُ قلاتِ الموقفيْنِ كأنما ... نهَى نَفساً أو قد أراد ليزفِرا
الموقفان رؤوس الفخذين وهما الحارقتان، نهى نفساً كأنه أراد أن يزفر فانتفخ لذلك ثم نهى نفسه أي رده. والثجل خروج الخاصرة ورقة في الصفاق، يقال فرس أثجل وهو عيب، وقال الراعي في الإبل:
حُوزية طويَتْ على زفَراتها ... طي القناطرِ قبدأنَ بزولا
كقوله: خيط على زفرة.
وقال ابن أحمر:
حَبَطت قُصيراه وسوند ظهره ... وإذا تدافَع خلتَه لم يسندِ
القصيري آخر ضلع في جنبه، يريد أنه منتفخ الجنبين وسوند ظهره يريد أن ظهره مشترف إذا وقف، وإذا تدافع في مشبه اعتدل ودخل بعضه في بعض.
وقال ابن مقبل:
إلى كبدٍ كأنّ منهاة سوطها ... بفرجِ الحِزامِ بين قُنبٍ ومَنقَبِ
وما انتَقَصَتْ من حالبيْه ومتنِه ... صفيحةُ ترسٍ جَوزها لم يثقَّبِ
منهاة سوطه حيث ينتهي السوط إليه منها، وفرج الحزام حيث ينفرج من الحزام، والحالبان عرقان يكتنفان السرة، أي كأن متنه وما وصف من هذه المواضع صفيحة ترس، والمنقب حيث ينقب البيطار.
وقال أبو داود:

فُرشت كِبدها على الكبِد السفلى فأضت كأنها فُرزُوم
يريد أنها مجفرة انبسطت كبدها على موضعها، والفرزوم خشبة الحذاء ويقال للقصار: قال أبو عبيدة للفرس كبد وليس له طحال، شبهها بالفرزوم في صلابتها.
وقال النابغة:
لقد لحقتُ بأولى الخيلِ تحملني ... كَبْداءِ لا شَنجٌ فيها ولا طَنَبُ
كبداء ضخمة الوسَط، شنج قصر، وطنب طول مع اضطراب يقول هي معتدلة، وقال امرؤ القيس:
له أيْطَلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ ... وإرخاء سرحانٍ وتقريبِ تتفل
أيطلا ظبي كشحاه، ويروى اطِلا - وهما سواء، وشبهها بكشحى ظبي لأنه طاو، وساقا نعامة لقصر ساقيها ويستحب قصر الساقين في الفرس وقال المعَذَّل بن عبد الله:
لها قُصريا رئمٍ وشِدقا حمامةٍ ... وسائقتا هَيقٍ من الرُبدِ أربدا
وقال أبو داود:
وقُصرى شنجِ الإنسا ... ء نبّاح من الشُعْبِ
القصرى الضلع الأخرى التي تلي الكشح وإنما أراد الكشح، نباح يقال للظبي إذا كبر وهرم نباح، والشعب جمع أشعب وهو الظبي وإنما قيل له أشعب لانفراج ما بين قرنيه، وقال آخر:
تردّى به مَلَث الظلام طمّرة ... مَرَطى الجِراء طُوالة الأقرابِ
الأقراب واحدها قُرب وهو منقطع حصيري الجنبين، قال أبو عبيدة القرب والموفف والأيطل والحقو كل ذلك قريب بعضه من بعض وهو الخاصرة وما يليها، وهم يذمون طول الصُقلة وهي الطِفطفة، يقال: ما طالت صقلة الأقصر جنباه وذلك عيب وقال الجعدي:
كأنّ مقطَّ شرا سيفِه ... إلى طرفِ القُنبِ فالمَنقَبِ
لَطمنَ بترسٍ شدن الصفا ... قِ من خشبِ الجوزِ لم يثقَبِ
الشراسيف مقاط الأضلاع، والقنب غلاف قضبيه والمنقب موضع نقب البيطار من بطنه، أي كأن ذلك الموضع منه ألصق بترس من خشب الجوز وإنما يعني الجوز ثم رجع إلى نعت الفرس فقال شديد الصفاق والصفاق الجلد الأسفل دون الجلد الأعلى الذي عليه الشعر.
وقال يذكر فرساً:
ويُبقي وجيفَ الأربعِ السودِ جوفه ... كما خلق التابوت أحزم مُجفَرا
أي بعد ما يوجف أربع ليال يبقى جوفه مثل التابوت، أحزم عظيم المحزم.
فلما أبى أن ينقصَ القودُ لحمه ... نقصتْ المديدُ والمريذُ ليضمرا
المديد دقيق وما يمده به المريذ أن يمرذ له خبزاً وتمراً أو غيره يقال مرذ ومرث ومرس سواء.
وبطنٌ كظهرِ الترسِ لوشُلٍ أربعا ... فإصبح صفراً بطنهُ ما تخرجوا
شل طرد أربع ليال فأصبح خالي الجوف ما اضطرب بطنه ولا تغير عن حاله.
وقال سلمة بن الخرشب:
إذا كان الحزامُ لقُصرييها ... أما ما حيث يتمسكُ البريمُ
يقول إذا قلق الحزام واضطرب وسفل عن موضعه، أما ما أي صار قداماً أي قدام القصرى، والبريم الحقاب، أي حيث يكون الحقاب من المرأة وهذا مثل.
وقال المرقش:
ومغيرةٌ نَسَجَ الجنوبُ شهدتَها ... تمضي سوابقُها على غُلَوائها
بمُحالةٍ تقصُ الذبابَ بطرفها ... خُلقَتْ معاقمُها على مُطَوائها
نسج الجنوب أي هم مجتمعون كسحاب نسجته الجنوب وجمعته من الآفاق، والغلواء الارتفاع، وقال آخرون أراد أن المغيرة تمر مثل مر الريح والمحالة الشديدة المحال وهو الفقار، تقص الذباب تقتله بطرفها إذا سقط ودنا منها، والمعاقم الفصوص وهي المفاصل، أراد أنها كأنها تمطت فخلقت على ذلك، وشبيه به قول الجعدي:
خيط على زفرة
وقال سلمة بن يزيد الجعفي:
كأن مواضُعَ الدأياتِ منه ... وجُفرَة جنبِه حُشيتْ ثَماما

الظهر والقطاة والمتن وما يوصف به
وقال سلمة بن يزيد الجعفي: قال امرؤ القيس:
وصُمّ صلاب ما يقين من الوجَى ... كأن مكانَ الرِدفِ منه على رالِ
صم صلاب حوافره ما يقين من الوجى، وشبه قطاته بقطاة الظليم لأنها مشرفة ويستحب إشراف قطاة الفرس.
وقال أيضاً:
يديرُ قطاةً كالمحالةِ اشرفتْ ... إلى سندٍ مثلِ الغبيطِ المذأبِ
المحالة البكرة، إلى سند أراد مع سند وهو الظهر، والغبيط الرحل، والمذأب له ذئب أي فُرَج، قال أبو داود:
يعلو بفارسهِ منه إلى سندٍ ... عالٍ وفيه إذا ما جدّ تصويبُ

أي ظهر مشرف إذا وقف وفيه إذا سار طمأنينة وتصويب وذلك محمود، وقال الفرزدق يهجو سليطاً:
سائلٌ سليطاً إذا ما الحربُ أفزعَها ... ما بال خيلكُم قُسا هَواديها
القعس أن يطمئن الصلب من الصهوة وترتفع القطاة وذلك عيب، فإن اطمأنت القطاة والصلب فذلك البَزخ يقال فرس أبزخ وأقعس وهما عيبان، وإنما أراد الشاعر أنكم تتأخرون عن الحرب وتجذبون أعنة الخيل فقد دخلت أصلا بها وخرجت صدورها والصهوة مغق الفارس وقال أبو داود:
ومتنان خظانان ... كزحلوف من الهضب
وكزحلوق أيضاً وهو بمعناه، يقال لحمه خظا بظا إذا كان كثير اللحم صلبة والزحلوق الحجر الأملس، وقال امرؤ القيس:
لها متنتان خطانا كما ... أكب على ساعديه الغمر
ويقال هو خاظى البضيع إذا كان كثير اللحم مكتنزه، وقوله خظاتا فيه قولان أنه أراد خظاتان كما قال أبو داود: ومتنان خظاتان، فحذف نون الاثنين يقال متن خظاة ومتنة خظاة، والآخر أنه أراد خظتا أي ارتفعتا فاضطر فزاد ألفاً، والقول الأول أجود، وقوله " كما أكب على ساعديه النمر " أراد كأن فوق متنها نمراً باركاً لكثرة لحم المتن وقال:
كميتٌ يَزّلُ اللِبْدَ عن حالِ مَتْنِهِ ... كَما زَلَّتِ الصَّفْوأَ بِالمُتَنَزَّلِ
حال متنه موضع اللبد، قال الأصمعي لم أسمع به إلا في هذا البيت، وشبه زليل اللبد عنه بصخرة تزل في هبوط، وقال أوس:
كميتٌ يَزلُ اللِبَد عن دأياتها ... كما زلّ عن عظمِ الشجيجِ المُحارفُ
الدأيات الفقار، وقال علقمة:
وجوفٌ هوا تحت متنٍ كأنه ... من الهضبةِ الخلقاءِ زُحلوقٌ مَلعَبُ
وقال خداش بن زهير:
دحِض السراةُ إذا علوتَ سَراته ... صافي الأديمِ صبيحة الأعمالِ
السراة الظهر، أي لا يثبت فوقه شيء لملاسته يزلق عنه، وقال عمرو بن معدي كرب:
وعجِلِزة يزل اللِبد عنها
العجلزة الشديدة وقال النجاشي:
كأن بمنهى سرجِهِ وقطاتهِ ... ملاعب ولدان على صَفوانِ
الملاعب الزحاليق، وقال دكين:
كأنّ غَر متْنَه إذ نُجنبه ... من بعدِ يومٍ كاملٍ نؤوبُه
سير صناع في خيرز تكلُبه
غر المتن طريقته وكذلك غر كل شيء، قال واشترى رؤبة ثوباً من بزاز فلما استوجبه قال: أطوه على غره أي على كسره، والتأويب سير اليوم إلى الليل، يقول طريقة متنه تبرق كأنها سير في خريز، والكلب أن يبقى السير في القربة وهي تخرز فتدخل الخارزة يدها وتجعل معها عقبة فتدخلها من تحت السير ثم تخرق خرقاً بالأشفى فتخرج رأس الشعرة منها فإذا خرج رأسها جذبتها فاستخرجت السير، وقال ابن مقبل:
جرى قفصاً وارتدَّ من أسرِ صُلبِه ... إلى موضعٍ من سرجِهِ غيرِ أحدبِ
القفص الذي لا ينطلق في جريه، وأسر صلبه اندماجه، وارتد يقول رجع بعضه إلى بعضه لأنه لم يستقم جريه وليس ذاك من حَدب. وقال كعب بن زهير:
شديدُ الشَظَى عبلُ الشوى شنجُ النسا ... كأن مكانَ الرِدفِ من ظهرهِ وَعا
أي كأنه كسر ثم جبر وإنما أراد أن فيه ارتفاعاً، وقال الجعدي:
أمِرَ ونُحَى من صلبه ... كنتيجةِ القتبِ المجلَبِ
على أن حاركَهُ مشرفٌ ... وظهر القطاةِ لم يحدّبِ
أمر فتل وأدمج، ونحى حرف، يقول في عظامه قنا أي تحنيب وهو أن يكون فيه كالحدب وهو يستحب في المحال والذراع، وأنشد الأصمعي:
أقنى المحال مجفَر مجرى الضفر
الذَنب وما يوصف به
قال النمر بن تولب:
جمومُ الشّدِ شائلةُ الذنابى ... تخالُ بياضَ غِرَّتها سِراجا
جموم الشد يقول إذا ذهب شد جاء شد كما تجم البئر إذا ذهب ماء جاء آخر، ويستحب من الفرس أن يرفع ذنبه إذا عدا، يقال هو من شدة صلبه، ويقال الذنابي شعر ذائل منتشر في أصل الذنب من جانبيه.
وقال دكين:
فهو كأنّ يد ساط ذَنَبه
يريد أنه قد رفع ذنبه في عدوه فكأنه رجل ساط قد رفع يده ليدخلها في حياء ناقة، وجاء في الحديث " لا بأس أن يسطو الرجل على المرأة " وقال زهير:
عواسِرٌ يمزَعنَ مَزع الظبا ... ءِ يركضنَ ميلاً وينزُعن ميلا
عواسر رافعة أذنابها، ويروى يمزعن ميلاً، أي يثبن، وقال امرؤ القيس:

ضليعٌ إذا استدبرتُه سدّ فرجَه ... بضاف فويقَ الأرضِ ليس بأعزلِ
ضاف سابغ، سد فرجه ما بين فخذيه، يريد كثرة الذنب، والعزل أن يعزل ذنبه في أحد الجانبين وذلك عادة لا خلقة، والعَصل التواء عسيب الذنب حتى يبرز بعض باطنه الذي لا شعر عليه، والكَشف أكثر من ذلك، والصبغ بياض الذنب كله، والشعل أن يبيض عرضه - وهذه عيوب الذنب، وقال أيضاً:
وإن أدبَرتْ قلتُ سُرعوقةٌ ... لها خلفُها ذنبٌ مسبَطِرُ
سرعوفة جرادة، مسبطر ممتد، مدحها بطول الذنب، وقال أيضاً:
لها ذنبٌ مثلُ ذيلِ العروسِ ... تسدُ به فرجَها من دبرِ
أراد الفرج بين فخذيها، وقال خداش بن زهير:
لها ذنبٌ مثلُ ذيلِ الهَدي ... إلى جؤجؤ أيدِ الزافرِ
أيد شديد، الزافر الصدر لأنه يزفر منه، وقال النابغة:
بكل مدجّجِ في البأسِ يسمو ... إلى أوصالِ ذيالِ رِفَنِ
الذيال الطويل الذنب الطويل فإن كان الفرس قصيراً وذنبه طويلاً قالوا ذائل والأنثى ذائلة وذيال الذنب فيذكرون الذنب، ورفن ورفل واحد، وقال ابن مقبل:
وكل علنَدي قُصّ أسفلُ ذيلِه ... فشمَّرَ عن ساقٍ وأوظفة عُجْرِ
- العلندي الجمل والكندي إذا غلظ - قص أسفل ذيله أي حذف، وعجر غلاظ، وقال امرؤ القيس:
على كلِ مقصوصِ الذنابي معاودِ ... وجيفِ السرى بالليلِ من خيلٍ بربرا
إذا قلتُ روّحنا أرن فُرانِق ... على جلعدٍ واهى الأباجل أبترا
يعني البريد وكانت دواب البريد الخيل، واهى الأباجل منفتق الأباجل بالجرى، أبتر محذوف.

العجز والفخذان
قال امرؤ القيس:
سليمُ الشظى عبلُ الشوى شَنِجُ النِسا ... له حجباتٌ مشرفاتٌ على الفالِ
الشظى عظم لاصق بالذراع، فإذا تحرك قيل شظى الفرس، شنج النسا قصيره والنسا عرق مستبطن الفخذين حتى يصير إلى الحافر فإذا هزلت الدابة ماجت فخذاه فخفى وإذا سمنت انفلقت فجرى بينهما واستبان كأنه حية وإذا قصر كان أشد لرجله، قال:
بشنج موتَّر الأنسا
فإذا كان فيه توتير فهو أسرع لقبض رجليه وبسطهما غير أنه لا يسمح بالمشي، وضروب من الحيوان توصف بشنج النسا وهي لا تسمح بالمشي كالظبي، قال أبو داود:
وقصرى شنجُ الأنسا ... ءِ نباحٌ من الشُعْبِ
ومنها الذئب وهو أقزل وإذا طرد فكأنه يتوجى، ومنها الغراب وهو يحجل كأنه مقيد، قال الطرماح:
شَنِجُ النِسا حرِقُ الجَناحِ كأنه ... في الدارِ إثر الظاعنيْن مقيّدُ
والحجبات واحدتها حجبة وهي رأس الورك التي تشرف على الجاعرة، والفال عرق يخرج من فوارة الورك، يقول قد أشرفت حجبته على هذا العرق، وقال أبو النجم:
طامحة الطرف نباة الفائل
نباة مشرفة والفائل والفال واحد، أراد مشرفة موضع الفال وقال طفيل:
على كلِ مَنشقٍ نساها طمْرة ... ومنجردٍ كأنه تيسٌ حُلّبُ
منشق نساها يريد به موضع نساها، منشق لأنها سمينة فقد انفلقت فخذاها كما يقال فلان شديد الاخدع يراد شديد العنق، والأخدع عرق في العنق، وفلان شديد الأبهر وهو عرق في الظهر يريد الظهر.
وقال النابغة - الجعدي:
فليقُ النِسا حبِطُ الموقفينِ ... يستنُ كالتيسِ في الحلَّبِ
فليق النسا مثل منشق النسا، والموقف ما دخل في وسط الشاكلة إلى منتهى الأطرة من منتهى الخاصرة، أراد أنه منتفج وقال أبو ذؤيب:
متفلقٌ أنساؤها عن قانى ... كالقُرطِ صاوٍ غُبره لا يُرضعُ
تفلقت أنساؤها عن ضرع أحمر كالقرط في صغره، وصاو يابس، والغبر بقية اللبن، وإنما أراد أنها لم تحمل وإذا لم تحمل كان أصلب لها، ومثله في الكلام " فلان لا يرجى خيره " أي ليس له خير يرجى.
وقال دكين:
على ضروع كقرون الأوعال
شبهها بقرون الأوعال لرقتها ولأنها لم تحمل قط ولم ترضع فتستفيض ضروعها وللضروع باب ألفته في كتاب الإبل.
وقال ابن الرقاع:
وترى لغَرّ نساه غيباً غامضاً ... فلق الخصيلةِ من فويق المفصلِ

الغر تكسر الجلد وجمعه غرور، وسئل رجل من العلماء بالخيل: متى يبلغ الفرس، فقال: إذا ذبل فريره وتفلقت غروره وبدا حصيره واسترخت شاكلته، الفرير موضع المجسة من معرفته والغرور واحدها غر وهو كل تكسر في الجلد، والحصير ما بين العرق الذي يظهر في جنب الفرس والبعير معرضاً فما فوقه إلى منقطع الجنب، وقال آخر: الحصير العصبة التي تبدو في الجنب بين الصفاق ومقط الأضلاع وأنشد الأصمعي:
كأنّ سفينةً طُليتْ بقارٍ ... مقطا زوره حتى الحصيرِ
والحصير في غير هذا الملك وأنشد:
بني مالكٍ جارَ الحصيرُ عليكم
والشاكلة الجلدة التي بين الثفنة وعرض الخاصرة، وقال آخر هي الطفطفة، وقوله غيباً، يريد انفلقت فخذاه بلحيتين عند سمنه فجرى النسا بينهما واستبان، والخصيلة كل لمحة فيها عصبة.
وقال امرؤ القيس:
لها عجزٌ كصفاةِ المسيلِ ... أبرَزَ عنها جِحافُ مِضرِ
يريد أن عجزه ملساء ليس بها فَرق والفرق إشراف أحد الوركين على الأخرى يقال فرس أفرق وذلك عيب، جحاف مجاحفة السيل الصخرة، مضر دانٍ متقارب، وقال عوف بن عطية بن الخرع:
لها كفلٌ مثلُ متنِ الطرا ... فِ مدد فيه البُناةُ الحِتارا
الطراف الفسطاط من أدم، والحتار ما أطاف به من أطرافه وهو موقع الطنب من الطراف، ومثله الإطار وإنما شبه الكفل بمتن الطراف في استوائه، وقال:
كميتاً كحاشيةٍ الأتحمى ... لم يدعِ الصنعُ فيه عَوارا
شبهها بحاشية البرد في استوائه وسفاقته، أنشدني السجستاني عن أبي عبيدة للعُديل:
ومهريْنِ كالرمحينِ تنشقُّ عنهما ... عجاجةُ نقعٍ ساطعٍ فتجرّدا
شُجيْريْنِ طارَ الكبوُ والربوُ عنهما ... إذا الربوُ في أكفالهن تصعّدا
قال أبو عبيدة يقال فرس شجير أي لطيف الشجر ليس بمنتفج يربو ولكنه لطيف لا ينتفج ولا يربو، والكبو هاهنا أن لا يعرق كما تكبو الركية إذا ذهب ماؤها فلم تبض، وقال غيره كما يكبو الزند إذا لم يور، قال أبو عبيدة وإذا صعد الربو في كفل الفرس وذلك من طول ما يعلف سقطت رجلاه فقام، والربو هاهنا من ربا يربو ربواً.

القوائم
قال الشاعر - ويروى لطفيل الغنوي:
وأحمرٌ كالديباجِ أما سماؤه ... فريّا وأما أرضه فَمحُولُ
سماء الفرس ما كان من عجب ذنبه إلى المعذَّر، وأرضه قوائمه يريد أن قوائمه ممحِّصة ليست برهلة وأن أعلاه ريان ليس بمهزول ولا ضعيف، وأرضه في غير هذا الموضع تكون حوافره، قال حميد الأرقط:
ولم يقلّب أرضها البيطارُ ... ولا لحبليْه بها حَبارُ
يقول لم تكن بها علة فيحتاج البيطار إلى تقليب حوافرها، والحبار الأثر، قال أبو داود:
أيّد القُصريين ما قِيد يوماً ... فيعنَّى لصرعهِ بيطارُ
أراد لم يقد يوماً إلى بيطار ليصرعه ويعالجه.
وقال الجعدي:
سليم السنابك لم يُقلَب
وقال آخر:
إذا ما استحمّتْ أرضُه من سمائِه ... وباعَ كبوعِ الخاضبِ المتطلقِ
يقول عرق حتى سال العرق على قوائمه، والخاضب الظليم، وقال سلمة بن الخرشب:
إذا ما استحمّتْ أرضُه من سمائِه ... جرى وهو مودوعٌ وواعدٌ مصدَّقُ
مودوع مودع، وواعد مصدق أي يعدك صدقاً في العدو، وقال العجاج:
قد لاح منه فالسراة أشحمه
أي أسمنه سراته وهو أعلاه، وقال دكين بن رجاء:
ينجّيه من مثلِ حمامِ الأغلالِ ... وقعُ يدٍ عجلى ورجلٍ شِملالِ
يظمأُ من تحتٍ ويروى من عالِ
يعنى من خيل مثل - حمام - 1 - الأغلال والأغلال جمع غَلَل وهو الماء الجاري على وجه الأرض وإذا كانت الحمام تريد الماء فهو أسرع لها، والشملال الخفيفة، وقال أبو النجم:
عَبْل الأعالي مَرِسُ الأسافلِ ... مشترِفٌ محتَجِزُ الخصائلِ
عن سلباتِ ذُبّلِ المفاصلِ
أراد بالأعالي كاهله وبأسافله قوائمه، مرس شديد، مشترف عالي النظر سام، محتجز يقول قد احتجز بعض لحمه من بعض من شدته، ومثله لحمها زيم أي مفترق في أعضائها ليس بمجتمع فتبدن، عن سلبات عن قوائم سلبات أي طوال، ذبل يبّس والخصائل العضل ومثله:
من كلِ عريانِ الشوى جُسام ... محتجزُ الحمِ على العظامِ

أي هو ممحّص القوائم ليست قوائمه برهلة.
وقال الأسدي:
كميتٌ أمِّر على زفرة ... طويل القوائم عريانها
أمر كأنه فتل وطوى على زفرت.
وقال خداش بن زهير:
ولا حنكل عاري الظنابيب اكزما ... الحنكل والأكرام والحاذي القصير
ولميسمع بأحد ذم العري في الظنابيب غيره والعري محمود وقال امرؤ القيس:
وساقان كعباهما صمعا ... ن لحم حمايتهما منبتر
الحماة عضلة الساق ويحب انبتارها، والكعوب المفاصل، يريد أنهما ليستا برهلتي المفاصل، والصمع اللزوق، ومنه أذن صمعاء أي صغيرة لازقة بالرأس، ويقال خرج السهم متصمعاً أي قد انضم ريشه من الدم، منبتر متقطع.
وقال زيد الخيل:
نسوف للحِزامِ بمرفقيْها ... شَنونُ الصلبِ صَمعاء الكِعابِ
نسوف للحزام قطوع، يقال نسفه أي قطعه.
ومثله قول بشر:
نسوف للحِزامِ بمرفقيْها ... يسدُ خَواءَ طُبييها الغُبارُ
الأطباء لكل ذات حافر، والضرع لكل ذات ظَلف والخِلف لكل ذات خف، والخَواء فرجة ما بينها، شنون الصلب سمينة، صمعاء الكعاب لازقتها وقال أبو داود:
لها ساقا ظليمٍ خا ... ضبٍ فوجى بالرُعبِ
ساقا ظليم قصيرتان ويستحب قصر ساقي الفرس.
ومثله قول الآخر:
له متن عَير وساقا ظليم
وقال امرؤ القيس:
له أيطلا ظبي وساقا نعامة
وقال أبو داود:
بين النعامِ وبين الخيلِ خلقتهُ ... خاظَى البضيعِ أجش الصوتِ يعبوبُ
يريد أن فيه من خلقة النعامة قصر ساقيها وإشراف قطاتها ومشيها في بعض أحوالها وعدوها.
وقال آخر يمدحه بطول القوائم:
شرجبٌ سلهبٌ كأن رماحاً ... حملَتْه وفي السراة دُموجُ
الشرجب الطويل العاري أعالي العظام، والسلهب أيضاً الطويل القوائم.
وقال زهير:
وملجمُنا ما إن ينالُ قَذاله ... ولا قدماه الأرضُ إلا أناملهُ
فنضربه حتى أطمان قَذاله ... ولم يطمئنَّ قلبُه وخصائلهُ
القذال من الإنسان ما بين النقرة والأذن ومن الفرس معقد العذار والخصائل جمع خصيلة وهي كل لحمة في عصبة، وقوله: اطمأن قذاله كان رافعاً رأسه فضربناه حتى نكس، يقول وهو فإن كان قد اطمأن قذاله فليس يناله ملجمنا ولا تنال الأرض قدماه لأنه قد قام على أطراف أصابعه، ومثله قول الآخر:
كأن هاديها إذ قامَ ملجمُها ... قعو على بكرةِ زَوراءِ منصوبُ
وقال خفاف بن ندبة:
ربِذ الخِناف إذا اتلأب ورجلهُ ... في وقعِها ولحاقِها تجنيبُ
الربذ سرعة رجع اليد وليس الربذ سعة الشحوة، والخناف في الحافر كلها أن يهوي بيده إلى وحشيته والتجنيب كالروح في الرجلين والتجنيب انحناء وتوتير وذلك محمود: وإذا كانت رجلاه منتصبتين، غير محنبتين فهو أقسط والاسم القسَط وذلك عيب، قال طرفة:
وكرّى إذا نادى المضاف محنبا
في وقعها، يريد مع وقعها وكذلك قولك فلان عاقل في حلم، وقال زهير:
قد عوليت فهي مرفوعٌ جواشنُها ... على قوائمٍ عُوجٍ لحمُها زيمُ
وقال العماني الراجز:
يرى له عظم وظيف أحدبا ... مسقّفاً عبلاً ورسغاً مُكربا
وقال يزيد بن عمرو الحنفي:
يخطو على عسَبٍ عوجٍ سمونٍ به ... فيهن أطرٌ وفي أعلاه تقتيبُ
وقال أبو داود:
وفي اليدينِ إذا ما الماء أسهله ... ثنى قليلٌ وفي الرجلينِ تجنيبُ
وقال طرفة:
جافلاتٌ فوق عوج عجل ... ركبت فيها ملاطيس سمرُ
ملاطيس جمع ملطاس وهو معول للصخر شبه الحافر به. وقال رجل من الأنصار:
وأقدر مشرف الصهوات ساط ... كميت لا أحق ولا شيئت
ويروى: وأقدر من جياد الخيل ناج، قال أبو عبيدة الأقدر من الخيل الذي يجاوز حافراً رجليه موضع حافري يديه والأقدر أفسح الخيل عنقاً والأنثى قدراء، وروى أبو عبيد القاسم بن سلام عن بعضهم، أن الأقدر إذا سار وقعت رجلاه مواقع يديه.
قال أبو عبيدة: والأحق الذي يطبّق حافراً رجليه موضع حافري يديه، ورواية أبي عبيد: الأحق الذي لا يعرق، الشئيت الذي يقصر حافراً رجليه عن موضع حافري يديه، والساطي البعيد الخطو، وروى القاسم بن سلام عن بعضهم: أن الشئيت العثور.

وأنشد أبو عبيدة لعياض بن كثير الضبي:
إذا ما الشئيتُ أمسكَ الربوُ ماءه ... تحدّر لا وإن ولا متفاتر
وقال أبو داود:
حديدُ الطرفِ والمكبِ والعرقوبِ والقلبِ
التحديد في العرقوب محمود وفي جميع ما ذكر، ومن العراقيب المؤنَّف وهو الذي حدت إبرته وهو محمود، ومنها الأدرم وهو الذي عظمت إبرته وهي طرفه، ومنها أقمع وهو الذي عظم رأس عرقوبيه وذلك القمَع.
وقال آخر:
لطافُ الفصوصِ نيامُ الشظى ... صحاحُ الأباجلِ لم تُضربِ
نيام الشظى يريد أنها غير منتشرة.
وقال عوف بن عطية بن الخرع:
لها شعبٌ كأياد الغبي ... طِ فضض عنها البناةُ الشجارا
شعب قوائم، والغبيط مركب النساء، وأياده جانبه، والبناة الذين بنوه وركبوه، فضض كسر وفرق، والشجار عيدان الهودج، وقوله ولا العرق فاراً، يقول: لم يكن بها داء فتُودج فيفور الدم، وقال عمرو بن معدي كرب:
يقولُ له الفوارسُ إذ رأوه ... نرى مَسداً أمِّر على رماحٍ
أي يشبه بحبل فتل على رماح وهي قوائمه وشبهه بالحبل في ضمره واندماج خلقه، وقال الأعشى:
منه وجاعرةٌ كأن حماتَهالما كشفت الجل عنها أرنب
الحماة عضلة الساق ويستحب انقطاعها واجتماعها، وقال عبد الرحمن بن حسان:
كأن حماتَيْها أرنبانِ ... تقبّضتا خيفةَ الأجدلِ
؟؟

الأرساغ وما يحمد من يبسها وغلظها
قال امرؤ القيس:
تبارى الخنوفُ المستقلُ زِماعه ... ترى شخصَه كأنه عودُ مشجبِ
الخنوف الذي يرى بيديه في السير فهو أسرع له وأوسع، والزماع جمع زمعة والزمعة تكون لما له ظلف ولكنه أراد المستقل ثنته وهو الشعر المعلق في مآخير قوائمه وأراد أنها لا تمس الأرض ولكنه يستقل بها لأن أرساغه غير لينة، وقال أبو داود:
وأرساغٌ كأعناقٍ ... ضباعٍ أربعٍ غلب
الغلب الغلاظ الرقاب واحدتها غلباء، وقال الجعدي:
كأن تماثيل أرساغه ... رقاب وعول على مشرب
وقال امرؤ القيس:
لها ثُننٌ كخوافي العُقا ... بِ سودٌ يفينَ إذا تزبئرَ
يريد تنتفش أخبرك أنها غير معِرة والمعَر مكروه وجعلها سوداً لأن البياض كله رقة في الخيل وشبهها بالخوافي في رقتها ويستحب أن تكون الثنن والناصية والسبيب ليناً، قال أبو عمرو: يفين لا يهمز أي يكثرن يقال وفي شعره إذا كثر، وقال غيره: يفئن مهموز أي يرجعن بهذا الازبئرار، وقال في وصف ناقة:
تُطايرُ شَذّانُ الحصا بمناسمٍ ... صلابِ العُجى ملثومها غير أمعرا
العجاية عصبة في الوظيف وجمعها عُجى، ويقال أن الانتشار منها يكون، والملثوم الذي لثمته الحجارة.
وقال طرفة وذكر ناقة:
تتقى الأرضُ بملثومٍ مَعر
فهذا وصَفها بالمعر وقال لبيد:
صاجبٌ صاجبٌ غير طويلِ المحتبلِ
أي غير طويل الأرساغ والمحتبل موضع الحبل من رسغه وإنما يحمد قصر الرسغ إذا لم يكن معه انتصاب وإقبال على الحافر فإذا كان منتصباً مقبلاً على الحافر فهو أقفد والقفَد عيب، قال أبو عبيدة: والقفد لا يكون إلا في الرجل، قال والفحَج: تباعد ما بين الكعبين والصكك اصطكاك الكعبين والبدد بعد ما بين اليدين، والصدف تداني الفخذين وتباعد الحافرين في التواء من الرسغين والتوجيه نحو من ذلك إلا أنه أقل منه، والفدع التواء الرسغ من عرضه الوحشي.
الحوافر وما توصف به
قال امرؤ القيس:
ويخطو على صُمٍ صلابٍ كأنها ... حجارةُ غَيلٍ وارساتٌ بطُحلُبِ
الغيل الماء الجاري على وجه الأرض، وارسات داخلات في الطحلب وإذا كان الطحلب على حجارة صلبت، ويقال وارسات أي صفر والحجارة تصفر إذا كان عليها الطحلب ولم يرد أن الحافر أصفر، وإنما أراد أن الحجر مصفر من الطحلب صلب، والنّقد في الحافر عيب وذلك أن تراه مثل المتقشر، وقال الجعدي في مثله:
كأن حوامِيَه مدبراً ... خضبنَ وإن كان لم يخضبِ
حجارةُ غيلٍ برضراضةٍ ... كُسين طلاءً من الطحلبِ
الحوامي جوانب الحوافر، يقول هي سود كأنها خضبت، والرضراضة حجارة ترصف بعضها إلى بعض وإذا أصابها الماء وركبها الطحلب كان أصلب لها وأشد، وقال ساعدة بن جؤية:

وحوافرٌ تقعُ البراح كأنما ... ألف الزماعُ بها سلام صُلّب
البراح ما استوى من الأرض، تقع تضرب، ومنه يقال وقعت السكين إذا ضربتها بالمطرقة، والزماع أصله في الظلف في مؤخر الحافر وهي الزوائد كأنها الزيتون، أراد كأن ذلك الموضع حجارة صلب وواحد السلام سلمة، وقال النابغة:
بَرى وقع الصوّانُ حدّ نسورِها ... فهنَّ لطافٌ كالصعادِ الذوابلِ
الصوان الصلابة في الأرض واليبس، يقال وَقِعت الدابة توقِع وقعاً إذا أصابها وجع في الحافر ولا يكون ذلك إلا من وطئها في الغلظ فالغلظ هو أوقعها، وبرى نسورها والنسور ما ارتفع من باطن الحافر كأنه النوى أو الحصى، وقال علقمة بن عبدة:
سُلاّءةٌ كعصا النهدي غل لها ... منظمٌ من نوى قُرّان معجومِ
ويروى: ذو فيئة من نوى قرّان، سلاءة يقول هذه الفرس دقيقة المقدم كسلاءة النخل غليظة المؤخر، ومثله قول امرئ القيس:
إذا أقبلت قلت دُبّاءة
شبهها بقرعة في دقة مقدمها وغلظ مؤخرها ويستحب ذلك في الإناث من الخيل، وعصا النهدي أراد النبع والنبع نبت ببلاد نهد، وقيل أيضاً: شبهها بالسلاءة في صلابتها وضمرها، وقال آخر نهدينزلون الجبل فشجرهم أصلب من شجر غيرهم، غل لها أدخل لها، ذو فيئة أي ذو رجوع، وذلك أن الإبل تطعم النوى فإذا هي بعرت غسلوا البعر فإذا أصابوا نوى صحاحاً أطعمته الإبل ثانية وهو أصلب النوى أراد بذلك أن نسورها كنوى القسب من صلابته، معجوم يعني النوى أنه مما أكل ولم يطبخ وإذا طبخ كان أضعف له والمأكول أصلب، وقال أبو داود:
ترى بين حواميْه ... نسوراً كنوى القسبِ
وقال آخر:
مُفِّج الحَوامي عن نسورٍ كأنها ... نوى القسبِ تَرت عن جريمٍ مُلجلَجِ
مفج واسع يقال أفج أي اتسع، والجريم النوى، ترت ندرت شبهها بنوى ندر عن المرضحة ويقال الجريم هاهنا التمر المصروم والجرام الصرام، والملجلج تمر لجلج في الفم، وقال أبو النجم:
سُمُرُ الحوامى وأبةُ الآثارِ ... كالأقعُبِ البيضِ من النُضارِ
ركِبنَ في كاسيةٍ عوارى ... يهمشنَ جوزَ القَلّعِ الصّرارِ
الحافر يوصف بالسمرة والخضرة والورقة وإذا كان كذلك كان أصلب له، وأبة الآثار أي مقعبة الآثار فهو أحمد لها، وقوله: من النضار، وإنما أراد صفاء الحوافر ولم يرد البياض، والصفاء فيها أحمد من أن تكون كمدة متقشرة، كاسية قوائم كسيت بالجلد والعصب وهي عوار من اللحم، والقلع الصخر الأسود يصرّ لصلابته إذا وطئته الحوافر ولا يتكسر، يقول فحوافر هذه تكسره، وقال عوف بن عطية بن الخرع:
لها حافرٌ مثلُ قعبِ الوليدِ ... يتخذُ الفأرَ فيه مَغارا
يتخذ الفأر مغارا في الحافر، شبهه في تقعيبه بالقعب يريد لو كان الفأر يتخذ فيه مغاراً لكان له فيه مغار، ومثله جاءنا بجفنة يقعد فيها ثلاثة أي لو قعد فيها ثلاثة لوسعتهم، ويقال بل أراد يتخذ الفأر مغاراً في القعب لأن القعب للوليد لا يزال يكون فيه الشيء من الطعام يعلل به الوليد فالفأر يدخله.
وقال آخر - وهو أبو النجم:
بكلِ وأبٍ للحصى رَضّاحٍ ... ليس بمصطرٍ ولا فرشاحِ
ضافي الحوامي مكرَب وَقاح
أي مقعب، مصطر ضيق، فرشاح منبسط، مكرب شديد.
وقال طرفة:
تتقى الأرضُ بُرح وُقُح ... ورُق تقعر أنباكَ الأكم
الرح جمع أرح وهو الحافر الكثير الأخذ من الأرض الواسع وهو ضد المصطر والوقُح الصلاب، ورق في لونها.
وقال أبو داود:
سلطاتِ رُكّبنَ في عجِراتٍ ... مكرِباتٍ لم يخفها التقليمُ
ونسورٌ كأنهن أواقٌ ... من حديدٍ يشقى بهن الرضيمُ
سلطات طوال، أراد القوائم، عجرات حوافر غليظة فهو من المعجور الذي فيه كالعقد، والأواقي مكاييل الزيت، والرضيم الحجارة المرضومة.
وقال دكين:
يُبثنَ نبثاً كالجراء الأطفالِ ... بسلطاتٍ كمساحى العُمّالِ
أي يقلعن من الطين بحوافرهن مثل الجراء من شدة عدوهن، سلطات حوافر طوال.
وقال سلمة بن الخرشب:
ومختاضٌ تبيضُ الرُبدُ فيه ... تُحومي نبته فهو العميمُ
غدوتُ به تدافعني سبوحٌ ... فَراشُ نسورِها عجمٌ جريمُ

مختاض بلد يخاض خوضاً كأنه بحر أو ليل من كثرة نبته وخضرته، والفراش كل عظم رقيق، وكل رقيق من حديدة أو عظم يتقشر فهو فراشة، أراد أن ما يتقشر من نسورها مثل العجم وهو النوى، جريم مصروم، وجعله مصروماً لأنه قد بلغ واشتد نواه.

تم الخلق
أنشدني السجستاني لأبي ميمون النضر بن سلمة العجلي هذا الشعر وقال قرأته على أبي عبيدة والأصمعي:
قُدنا إلى الشأم جِيادَ المصريْنِ ... آلُ الحرونِ قد سُحقنَ العصرينِ
قال أبو عبيدة: آل الحرون أولاد الحرون وهو فرس كان لمسلم بن عمرو بن أسيد الباهلي، والذائد من نسل الحرون.
شهراً فشهراً فاغتفرنَ الشهريْنِ ... فهنَ قُبٌ مالئاتٌ للعينِ
اغتفرن أي احتملن ذاك لأنها تطعم قوتاً على قدر فاحتملت ذاك.
مثل قِداحِ النبعِ مما يُبرينَ ... أنضجهن الطبخُ طبخ الصِرعينِ
الصرعان غدوة وعشية وهما العصران والبردان، والطبخ هو الحِناذ وهو التسخين للخيل بعد التقريب حتى يذهب الشحم ويبقى اللحم، وتستوكع على الجري ويفعل ذلك بها في البردين.
والركضُ بعد الركضِ حتى يُمهينَ ... والقودُ بعد القَودِ قد تمكَّينَ
يمهين يستخرج عرقهن كما تمهى الركية يستخرج ماؤها، أمهت وأمهيت الحديدة سقيتها الماء وماهت هي، تمكين ابتللن وخمص فضولهن.
مستقبلاتُ الريحِ حينَ يُلقّينَ ... للأرضِ يعركنَ بها ما يأذَينَ
أذيت به بعلت به، يعركن بالأرض يريد التمريغ.
عَرك ذوي العُرّةِ جربي يطلينَ ... حتى تبعثنَ وقد تثرّينَ
أي لصق بهن ثرى الأرض.
ثم انتفضْنَ مرةً أو اثنتين ... نفضَ عتاقِ الطيرِ حين يُندينَ
ثم توذَّفنَ كأن لن يُجرينَ ... وجُلنَ في الأرسانِ حتى يخلّينَ
أصل التوذف التبختر، يخلين تعلق عليهن المخالي.
كل طويلِ الساقِ حُر الخدينِ ... مقسمُ الوجهِ هريت الشِدقينِ
مقسم الوجه حسن الوجه، رجل قسيم ووسيم.
مؤلّلُ الأذنينِ صافي العينينِ ... ذي حاجبينِ أشرفا كالصفَّينِ
مؤلل محدد، والحاجب يستحب منه الخشوع كما قال ابن مقبل:
وحاجب خاشع وماضغ الهز
ومدح هذا بإشرافه:
ومنخرينِ رحبا كالكيرينِ ... صلت الجبينِ رحب شجرِ اللَّحيينِ
الكير زق الحداد، والشجر ما بين لحييه من اللحم من ظاهر وباطن.
في فهقةٍ غامضةِ المقذينِ ... وعنقٍ كالجذعِ حرِ الليتينِ
الفهقة الفقرة التي هي مركب الرأس في العنق، والليتان صفحتا العنق.
ضافي السبيب مدبرِ العلباويْنِ ... في منكبيْنِ رهليْنِ ضخميْنِ
ضافي سابغ، والسبيب شعر ناصيته وذنبه، والعلباء يدبر فتلين العنق وهما عصبتان في العنق وقد فسر ذلك، والرهل في المنكب والزور يستحب وإنما يكون ذلك لسعة الجلد.
ذي حافرٍ كقعبِ بين القعبينِ ... مستقدمِ السنبكِ وافي العرضينِ
النسور في باطن الحافر مثل النوى واللوز، والأشعر ما أحاط بالحافر من الشعر، والبريم المخلوط، يريد في الأشعر بياضاً، وكل شيئين خلطا فهما بريم.
وثننٌ تحمى حواميها الشينُ ... مثل الخوافئهَن للأرضِ الزينِ
الثنة الشعر المعلق في مؤخر كل قائمة من قوائمه، وشبهها بالخوافي لطولها، وطولها يستحب ويكره المعر وهو شينها، وحواميها جوانبها.
وحوشبٌ لا يتشكّاه القيْنِ ... هادي العروقِ سالمُ الشظاتيْنِ
الحوشب موصل الوظيف في الرسغ والقينان حرفاً وظيفي اليدين، يقول هو شديد الحوشب وثيقه فليس يتشكى الوظيف، وقوله: هادي العروق أي هي غير منتشرة كما قال الآخر:
نيام الأباجل لم تضرب
والشظاة عظم لاصق بالركبة فإذا شخصت شظى الفرش:
في عصباتِ مصحٍّ لا يُخشيْنَ ... عارى الوظيفِ أحدب الذراعيْنِ
يقول عصباته قد خفيت لأنها غير منتشرة فلا يخشى عليها الانتشار، والعرى في الوظيف محمود، واعوجاج الذراعين أيضاً محمود وأنشد - للعماني:
ترى له عظم وظيف أحدبا
مستقدمُ البركة ضخمُ العضدينِ ... مشترفُ الكتْفِ طُوالُ القرنيْنِ
نهدُ الغرابِ ناهدُ المعدّيْنِ ... معقربٌ منبترُ الحماتيْنِ

البركة الصدر، والغرابان ملتقى أعالي الوركين، والقطاة بينهما على العجز والمعدّان موضع السرج من جنبي الفرس، ويستحب أن ترتفع القطاة وإذا ارتفعت اشتد الغرابان، والحماة عضلة الساق ويستحب انتبارها وقد فسر ذلك:
قليلُ لحمِ الشدقِ ضخمُ الفخذينِ ... أشق قاسى الظهرِ عاري الكعبينِ
غوجٌ جهيزُ الشدِ حين يُبلينَ ... ترى الغلامَ بعد ركضِ الميلينِ
يقال هو يتغوج في مشيته إذا تثنى في شقيه، والشد العدو، ويبلين يختبرن، جهيز سريع.
وبعد تقريبٍ أفاضَ العطفينِ ... في ربذٍ منه يوارى الساقينِ
أفاض عطفيه ماء أي عرقاً.
مستمسكاً منه بلهبِ العُرشَينِ ... ترمي به الرجل فروع الكتفينِ
الهلب الشعر، والعرشان منبت العرف، يقول قد استمسك بالعرف خوفاً من أن يسقط:
يقول قد حنَتْ وما منه الحين ... ثم ثنى يجذِبه بالكفيْنِ
بالسبقِ فوق السبقِ بين الجمعيْنِ ... ثم مشى فاهتزّ بين الحزبينِ
يريد أنه سبق سبقاً بيناً كأنه تجاوز السبق فهناك حبسه الغلام بكفيه.
مثلَ اهتزازِ الرمحِ بين النصليْنِ ... فمثل هذا نعم كحلِ العينيْنِ
بين النصلين بين السنان والزج.
ونعم حشو السرجِ بين الخيليْنِ ... ونعم تالى الحمرِ حين يتليْنِ
فالخيلُ منى أهلٌ ما أن يدنينِ ... وأن يقرّبنِ وأن يقصيْنِ
وأن يبأ بأن أن يفدين ... وأن يكون المحضُ مما يسقينِ
وأهل إن أغلين أن يغالين ... بالطُرف والتلد وأن لا يُجفينِ
وأهل ما صحبننا أن يقفين ... وأهل ما أعقبننا أن يجزيْنِ
قوله أعقبننا يريد أهل أن يجزين بما أعقببنا من إحساننا إليهن كما قال الآخر:
فأعقب خيراً كل أهوج مهرج
ألسن عزُ الناس فيما أبليْنَ ... والحسبُ الزاكي إذا ما يثنينِ
والأجر والزين إذا رمت الزينُ ... وأي يوم حظوة لم يحظينِ
وأي يوم غارةً لم يدميْن ... وكم كريمٌ جدّهُ قد أغلينِ
وكم طريدٌ خائفٌ قد أنجين ... ومن فقيرٍ عائلٍ قد أغنينِ
وكم برأس في لبان أجرين ... وجسد للعافيات أعرينِ
يقول مثل رؤوس الجوارح تجعل في أعناقها وتجرئ والعافيات الطير والسباع تعفو أجساد القتلى تأتيها.
وأهل حصنٍ ذي امتناعٍ أدَّينِ ... وكم لها في الغنم من ذي سهميْنِ
يكون فيما اقتسموا كالرّجلينِ ... وكم وكم أنكحن من ذي طِمريْنِ
المنكحاتُ البيض مما يسبين ... بغير مهرٍ عاجلٍ ولا دينِ
كل معروف البلا أبلينَ ... فالخيلُ مخٌ في سُلامَى أو عينِ
ما بلّل الصوفةَ ماءُ البحريْنِ
ما أنقين ما كان لهن مخ وهو النقى، ويقال أن المخ يبقى في السلامى والعين بعد أن يذهب من جميع العظام، وأنشدني أيضاً لأبي صدقة العجلي في هذا الوزن عن أبي عبيدة:
أعددتُ سامي الطرفَ حدر العينيْنِ ... في محجرينٍ سُهّلا كاللصّيْنِ
يقال عين حدرة وحادرة وهي الضخمة الصافية.
عارٍ من اللحمِ صبيا اللحييْنِ ... مؤلل الأذنِ أسيل الخديْنِ
الصبيان مجتمع اللحيين من مقدمهما، وقلة اللحم هناك محمود.
في هامةٍ بهيةٍ وصدغيْنِ ... تم له هاد طويل العَرشيْنِ
منتصبُ العلباءِ تحت الخُشّيْنِ ... منفرجُ المنخرِ رحبُ الشدقيْنِ
الخشاء والخششاء عظم ناتئ خلف الأذن وهما اثنان، وكان ينبغي أن يقول الخشاوين.
مستنتِلُ المنكبِ رَسل العضديْنِ ... طالتْ ذراعاهُ تمام الحبليْنِ
مستنتل متقدم.
ذا عصبٍ تم على الوظيفيْنِ ... وثنَّتيْنِ
وحافريْنِ أدمجا كالقُعبينِ ... وأبين قد لُمّا كلّم الفهريْنِ
وحوشبين فيهما سليمين ... تحرَّزا في سنبكٍ ونسرينِ
وبركةٌمثل مقيلِ الفهدينِ ... لط بها زور نبيلُ العرضيْنِ

منتفجُ الجوفِ رحيبُ الجنبينِ ... إلى قطاةِ زانت الغرابينِ
وذنب أضمر كالعسيبينِ ... نازي الحماتيْنِ عريضُ الفخذيْنِ
محددُ العرقوبِ أظمى الكعبينِ ... إذا تعالى طَلقاً أو اثنينِ
خلتُ بعطفيْهِ له جناحينِ ... ولثق الشرسوف بعد العطفيْنِ
وانحدرَ الماءُ كفيضِ الغربيْنِ ... وصارَ للناظرِ لونيْنِ اثنيْنِ
يهتز في المشيةِ بين القُتريْنِ ... حتى إذا حانَ رِهانُ المصريْنِ
وقد صُنعن قبل ذاك شهريْنِ ... حتى تملّينَ وقد تعزيْنِ
تملين قال أبو عبيدة أطلن المكث في ذلك المضمار وتمتعن به ومنه يقال تمليت حبيبك وشبابك، وتعزين تشددن وقوله عزيته إنما هو شددته وعززته.
قُوّدنَ بالليلِ ولم يعنّين ... حتى تخففنَ وقد تطوينِ
أخذْنَ بالتقريبِ حتى يندينَ ... طوراً يقربنَ وطوراً يجريْنِ
وبالجناذِ بعد ذاك يعلين ... حتى إذا رفَّه عنها أفضيْنِ
يعركن بالأرضِ إذا ما يُلقينَ ... عرك هناء الجربِ حين يطليْنِ
حتى إذا بعثتُها تمطّينَ ... ثم انتفضْنَ مرةً أو اثنتيْنِ
حتى تشقّقْنَ ولما يُشقيْنَ ... شبه قداحِ النبعِ حين يُبريْنِ
أبو عبيدة تشققن ضمرن وهو من الأشق والأشق الضامر، وقال الأصمعي الأشق الطويل، ولما يشقين أي لم يفعل ذلك بهن للشقاء، والحِناذ أن يعتصر ماؤها، وفي أخرى:
فهي إذا رفقتُها تمطيْنَ ... يخلطنَ من جهلٍ وحلمٍ خلطيْنِ
وأنشد الدكين:
أعددتُ للرَّوعِ ويومَ التَشلالِ ... مطهَّمُ الصورةِ مثل التمثالِ
التشلال الطرد والمطهم التام الخلق.
قاظَ بقيدٍ مقفلٍ وتطوالِ ... في تولجٍ ممردٍ وتظلالِ
مفرجُ الرُفغِ مِرَّخى الأذيالِ ... فهو مُمر كقناةِ المنوالِ
حتى إذا كان غداةُ الإرسالِ ... وأشرف الديرُ له والطربالِ
وصاح من مبرذِن وبغّالِ ... وجعلَ السوط شمال الشّمالِ
بشرٌ منه بصهيلٍ صلصالِ ... بين خفاقي مأزقٍ ذي أهوالِ
جاء يفدّي بالأبين والخالِ ... ينجّيه من مثلِ حمامِ الأغلالِ
وقع يد عجلى ورجل شملالِ ... ظمأى النِسا من تحتِ ريّا من عالِ
ينبثنَ نبثاً كالجراءِ الأطفالِ ... بسلطاتٍ كمساحى العمالِ
خضرُ النواحي ريّثاتُ الأنصالِ ... كأنما غلامُنا في تَلتالِ
يرمي به المنسجُ جالاً عن جالِ ... تطاوحِ الأرجاء مدلاة الدالِ
على ضروعٍ كقرونِ الأوعالِ ... يخرجنَ من قرطفٍ جونٍ منجالِ
وقال لا أملكهُ على حالِ ... بهبةٍ مني ولا بيع غالِ
قد فسرنا ما يحتاج إلى التفسير منها فيما تقدم.
وأنشد ابن الأعرابي:
يا رُب مُهرٍ مزعوقٍ ... مقيّلٍ أو مغبوقٍ
من لبن الدهمِ الرُوقِ ... حتى شتا كالذعلوقِ
أسرعُ من طرفِ الموقِ ... وذي جناحٍ أو فوقِ
وكل شيءٍ مخلوقِ
الذعاليق بقل شبيه بالكراث يلتوى طيب يؤكل، وقال آخر:
ورَبربٌ حمّاضُ ... يطعنَ بالصياصي
ينظرنَ من خصاصٍ ... بأعينٍ شَواصِ
كفلقِ الرصاصِ ... يأكلنَ من قُرَّاصِ
أو 5 حمصيص واصِ
تمت معاني الخيل والحمد لله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

الجزء الثاني
كتاب السباع
فيه الأبيات في صفة الذئب والأرنب والضبع والكلاب والأسد والغراب، والتطير من الغربان وسائر ما يتطير منه، والعقاب والنسر والصقر والرخم والحبارى والمُكاء والحمام وغيرها من الطير والقطا، والأبيات في النعام من كتاب المعاني لابن قتيبة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه معونتي وعليه توكلي
أبيات المعاني في وصف الذئب

أنشدني أبو حاتم السجستاني عن أبي زيد:
عَوى ثم قَوقا بعد ما لعبتْ به ... حوامِيْنَ أمثالُ الذئابِ السوافدِ
قال السجستاني سألت عنه الأصمعي فقال: السافد أضم ما يكون وأذهبه سخنة وأشده غبرة فأراد أنها حوامين غبر، وحَوامين جمع حومانة وهي القطعة من الأرض فيها غلظ وانقياد، وقال ابن مقبل وذكر بقرة:
حتى احتوى بكرُها بالجزعِ مطردٍ ... هملعٍ كهلالِ الشهرِ هذلولُ
لم يبقَ من زغبٍ طارَ الشتاءُ به ... على قرى ظَهرهِ إلا شماليلُ
يعني ذئباً أكل ولدها، والهملع الخفيف، كهلال الشهر في دقته وضمره، شماليل بقايا متفرقة يقال للنخلة إذا أكلت فلم يبق فيها إلا أشياء يسيرة متفرقة في الأعذاق ما يقي الأشماليل، وقال كعب بن زهير وذكر ذئباً:
إذا ما عوى مستقبِل الريح جاوبتْ ... مسامعُه فاه على الزاد مُعوِلُ
الأصمعي يقول: إذا عوى مستقبل الريح ردت الريح الصوت فسمع لذلك طنيناً، ويقال: أراد أنه إذا عوى صوتت مسامعه من فمه لأنه ليس بينهما حاجز وذلك إذا جاع، معول باك إذا لم يجد الزاد، ويروى: مرمل، أي هو مرمل من الزاد.
كسوبٌ لدنٌ أن شبّ من كسبٍ واحدٍ ... محالِفه الأقتارُ ما يتمولُ
رواه الأصمعي: كسوب له المعدوم من كسب غيره، يقول ما يعدم غيره أصابه، وقال أعرابي في رجل: هو آكلكم للمأدوم وأعطاكم للمحروم وأكسبكم للمعدوم: ومن قال كسوب لدن أن شب من كسب واحد فإنه يريد أن الذئب يكسب قد ما يكسب واحد.
كأنّ دخانَ الرمثِ خالطَ لونَه ... يُغَلُّ به من باطنٍ ويجللُ
بصيرُ بأدغالِ الضراءِ إذا غدا ... يعيلُ ويخفي بالجهادِ ويمثلُ
يعيل يميل في مشيته يتبختر، ويمثل يظهر منتصباً، ويقال يعيل في البلاد مثل قولك يعير.
تراه سميناً ما شتا وكأنه ... حمّى إذا ما صافَ أو هو أهزلُ
قال: كل السباع يسمن في الشتاء حتى السنانير في البيوت، حمى مُحْتم، قال الأصمعي: وصفه بالسمن في الشتاء لأنه يأكل من الأسلاء فإذا جاء الصيف جهد.
كأن نساه شرعةٌ وكأنه ... إذا ما تمطّى وجهةَ الريحِ محملُ
محمل حمالة السيف، شبه الذئب به أي هو ممتد خميص، وشرعة وتر، يريد أنه معرّق القوائم ليس برهل فنساه مثل الوتر والذئب يوصف بشنج النسا.
وقال وذكر ناقة:
تجاوبُ أصداءِ وحيناً يروعها ... تصوّر كسّابٌ على الركب عائلُ
يعني ذئباً، عائل محتاج، أي تضوره على الركب.
وقال الراجز يذكر ذئباً:
يستخبرُ الريحَ إذا لم يسمع ... بمثل مقراعِ الصفا الموقّع
أي يستروح إذا لم يسمع صوتاً بخرطوم مثل مقراع الصفا وهو الفأس التي يكسر بها الصخر، وجعل تشممه استخباراً.
وقال طفيل وذكر فرساً شبهه بالذئب:
كسيدِ الغضا الغادي أضلَّ جراءه ... على شرفٍ مستقبلِ الريحَ يلحبُ
سيد الغضا أخبث الذئاب يقال ذئب خِمر والذئب يستقبل الريح ليشم أرواح جرائه أو غير ذلك وقال الجعدي وذكر جؤذراً:
رأى حيث أمسى أطلسَ اللونِ شاحباً ... شحيحاً تسميه الشياطينُ نهسرا
فباتَ يذكّيه بغيرِ حديدةٍ ... أخو قنصٍ يمسى ويصبحُ مفْطرا
إذا ما رأى منه كراعاً تحركتْ ... أصابَ مكان القلبِ منه وفرفرا
نهسر خفيف، يقول إذا تحركت قائمة من قوائمه غمز بطنه وعضه فلا يزال يفعل ذلك حتى تسكن حركته ويموت وهكذا تفعل السباع، وقال ابن مقبل وذكر ذئب:
كأنما بين أذنيْه وزبرته ... من صبغهِ في دماءِ الناسِ منديلُ
الزبرة موضع المنسِج، من صبغه أي مما يأكل ويكرع في الدماء.
وقال آخر:
إني رأيتكِ كالورقا يوحشُها ... قربُ الأليفِ وتغشاه إذا نحرا
يعني ذئبة تنفر من الذئب وهو صحيح فإذا رأت به دماً غشيته لتأكله وهذا طبع الذئب، ومثله - لرؤبة:
فلا تكوني يا بنةَ الأشمِّ ... وَرقاءَ دَمّى ذئبها المدمِّي
وقال آخر - وهو الفرزدق:
وكنتُ كذئبِ السوءِ لما رأى دماً ... بصاحبه يوماً أحالَ على الدمِ
أي أقبل عليه يقال أحال عليه بالسوط، وقال مغلِّس بن لقيط:

إذا هنَّ لم يلحسنَ من ذي قرابةٍ ... دماً هُلِستْ أجسامُها ولحومُها
وقال أبو كبير يرثي رجلاً:
ولقد وردتُ الماءَ لم يشربْ به ... بين الربيعِ إلى شهورِ الصَّيفِ
الأعواسرُ كالمراطِ معيدةٌ ... بالليلِ مورد أيّم متغضفِ
عواسر ذئاب ترفع أذنابها.
وأنشدنيه الرياشي: الأعواسل، عن الأصمعي أي ذئاب تعسل تمر مراً خفيفاً، والمراط القداح المتمرطة الريش، معيدة معاودة لذلك مرة بعد مرة يقال أبدأ وأعاد في الأمر، والأيم الحية والأصل بالتشديد إلا أن الناس خففوا فقالوا أيم كما قالوا ميت وهين ولين، ويقال له أين أيضاً، متغضف متثن متطوّ.
ينسلنَ في طرقٍ سباسبٍ حوله ... كقداحِ نبلِ محبِّر لم تُرصَفِ
يقال نسل الذئب وعسل سواء، والسباسب الأرض المستوية البعيدة والواحد سبسب، وأراد حوله ذئاب كقداح، والمحبر المحسن للشيء المزين له، لم ترصف من الرصاف وهو العقَب الذي فوق الرُّعظ، والرعظ مدخل سنخ النصل في القدح.
تعوي الذئابُ من المخافةِ حوله ... إهلالَ ركبِ اليامنِ المتطوفِ
اليامن الذي يجيء من اليمين.
زقَبٌ يظلُ الذئبُ يتبعُ ظلَّه ... من ضيقِ موردِه استنان الأخلفِ
الزقب الضيق، أي يمر الذئب مائلاً على شقه من ضيقه، والأخلف الذي يمشي على أحد شقيه كأن به عَسراً، والاستنان العدو.
وقال رؤبة:
يشقى بي الغَيرانُ حتى أحسبا ... سيداً مغيراً أو لِياحاً مَغرَبا
يقول أتقى على الحرم كما يتقي الذئب على الغنم، واللياح الثور الوحشي الأبيض، وكانوا يتطيرون من المغرب ويتشاءمون به، أي فكأني ذلك لكراهتهم للنظر إليّ.
وقال ابن كراع يذكر ناقة:
كأن خيالَ الذئبِ دفوفها ... إذا ما غدتْ فُتلا مَرافقُها دُفقا
يقول هي خفيفة كأن ظلالها ظلال الذئب من خفتها، ويروى: كأن خروف الذئب، يريد كأن ولد الذئب ينيّب في جنبها فتعدو، والفتل أن يفتل المرفق عن الإبط فلا يحزه ولا ينكُته، دفقاً متدفقة بالعدو.
وقال مغلِّس بن لقيط:
فما لكم طُلساً إلى كأنكم ... ذئابُ الغضا والذئبُ بالليلِ أطلسُ
أي سواده يشبه سواد الليل فهو في الليل أخفى يريد أنه يختطف الشاة وهم لا يعملون، وقال آخر يصف ذئب:
أطلسٌ يخفي شخصَه غبارُه ... في شدقهِ شفرتهُ ونارهُ
وقال ابن أحمر وذكر بقرة وولدها:
طلت تُماحِلُ عنه عسعساً لحِماً ... يغشى الضراءَ خفياً دونه النظرُ
تماحل عن ولدها أي تخادع وتماكر، والعسعس يغشى الضراء أن يستتر فيما يواريه ليختل، خفياً دونه النظر، يقول لا يتبينه الناظر لطلسته ولأنه على لون الأرض في الغبرة.
تربَّى له وهو مسرورٌ بغفلتِها ... طوراً وطوراً تسنّاه فتعتكرُ
تربى لولدها أي تشرف له، والذئب مسرور بغفلتها عنه إذا غفلت، طوراً تسناه أي تغشاه فتركبه وتعتكر ترجع إليه، وقال خداش بن زهير يصف رجلاً:
يخالسُ الخيلَ وهس محضرةٌ ... كأنما ساعداه ساعدا ذئبِ
شبه سرعة اختلاسه للطعن بسرعة يدي الذئب، وقال:
فلما دنوْنا للقبابِ وأهلِها ... أتيحَ لنا ذئبٌ مع الليل فاجرُ
ويروى غادر وكافر، يعني رجلاً شبهه بالذئب، وقال الراعي:
كهداهدٍ كسرَ الرماةُ جناحَه ... يدعو بقارعةِ الطرقِ هَديلا
يقول أنا كحمامة يهدهد في صوته وقد كسر جناحه يدعو بأعلى الطريق وهو لا يستطيع البراح.
وقعَ الربيعُ وقد تقاربَ خطوه ... ورأى بعقوته أزل نسولا
يعني ذئباً قد طمع فيه لضعفه وسوء حاله.
متوضّحُ الأقرابِ فيه شبهةٌ ... نهشُ اليدينِ تخاله مشكولا
نهش اليدين يريد أنه خفيف في العدو، وتخاله مشكولا من بغيه في مشيته.
كدخانٍ مرتجلٍ بأعلى تلعةٍ ... غرثان ضرّم عرفجاً مبلولا
يقول لونه كدخان رجل يطبخ في مرجل بالعرفج الندي، ويقال مرتجل رجل صاد رِجْلاً من جراد فهو يشويه، وقال أبو النجم يذكر جنيناً ألقته الناقة:
يشقُ عنه كفناً لم يُخلق ... عاري الشَوى مثل الدخانِ الأورقِ

كفناً يعني السلا، عاري الشوى ذئب لا لحم على قوائمه، مثل الدخان الأورق في لونه، وقال الطرماح يصف ذئباً:
عملس دلجات كأنّ مسافَه ... قرا حنظُب أخلى له الجوُّ مُقَمحِ
العملس الذئب، ومسافه خطمه لأنه يسوف به أي يشم، قرا ظهر، والحنظب الجعل شبه خطمه لسواد فيه بظهر جعل، أخلى له كثر خلاه، مقمح رافع رأسه.
كلونِ الغرّى الفردِ أجسد رأسَه ... عتائرٌ مظلومُ الهديّ المذبحِ
الغرى الصنم، أجسد رأسه يقول يبس الدم على رأسه من كثرته، والعتائر الذبائح في رجب واحدتها عتيرة، مظلوم يذبح لغير علة، والهدي ما يهدي للصنم، ومثل هذا قوله يصف الذئب:
كغريّ أجسدت رأسه ... فُرُع بين رياسٍ وَحامِ
الفرع الذبائح واحدتها فرعة، وكان الرجل إذا تمت له مائة شاة ذبح على النصب منها شاة ويسمون تلك الفرعة، والرياس يقال أنه ذبح الأم التي تلد للصنم، والحامي كان الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس منهن ذكر قيل حمى ظهره فلم يركب ولم يجز وبره وخلى في الإبل يضرب فيها، ويروى بين رَءوس وهي الناقة تشق أذنها ليكون لبنها للرجال دون النساء ويكون الأضياف، ويقال الفرع أول ما تلده الناقة وكان يذبح لآلهتهم، وقال يصف الذئب:
إذا امتل يهوى قلتُ ظل طهاءة ... درى الريح في أعقابِ يومٍ مصرح
امتل عدا، والطهاءة والطخاءة السحابة تراها في ناحية السماء، شبه الذئب بظلها، وأعقاب يوم أي آخر يوم، مصرح فقد ذهب سحابة وأضاءت شمسه.
وإن هو أقعى خلتُه من أمامهِ ... على حاله ما لم يُرم جذم مصطحِ
جذم أصل، والمصطح صفا عريض واسع يحوط حوله حائط لماء المطر والمصطح أيضاً عود من عيدان الخباء.
بمنتاطٍ ما بين النياطينِ موره ... من الأرضِ يعلو صحصحاً بعد صحصح
منتاط معلق، موره متردده، يقول طرفه متصل بأرض أخرى.
وقال جرير:
وسودا من نبهانٍ تثنى نطاقُها ... بأخجى قعورٍ أو جواعرِ ذيبِ
أخجى كثير الماء يعني فرجها، أو جواعر ذئب يصفها بالرسح والذئب أرسح ولذلك يقال له أزلّ، والجاعرة موضع الرقمة من مؤخر الحمار.
وقال الأخطل وذكر ناقة:
يشقُ سماحيقُ السلا عن جنينها ... أخو قرةٍ بادي السغابةِ أطحل
سماحيق السلى الغِرس، أخو قفرة الذئب، والسغابة الجوع والأطحل كدر إلى السواد.
وقال الراجز:
في بلدةٍ لا يستطيعُ سِيدها ... حسرى الأراكيبِ ولا يهيدها
يقول الذئب في هذه البلدة لا يمس الحسرى ولا يقربها لأن الماء بعيد منها فهو يخاف إن أكل أن يعطش.
وقال ابن ميادة في مثله:
ودويةٌ قفرٌ يكادُ يهابها ... من القوم مصلاتِ الرحيلِ دليلِ
يَعافُ بها المعبوطَ بُعد مائهاوإن جاعَ مقرام السباع نسولِ
المصلات الماضي، والمعبوط اللحم الذي ينحر بعيره وهو صحيح من غير داء، والمقرام القرم إلى اللحم.
وقال ذو الرمة وذكر ماء:
به الذئبُ محزوناً كأن عواءه ... عواءُ فصيلِ آخرِ الليلِ مُحثَلِ
محزون لأنه لا يجد به ما يأكل، والمحثل الذي أسئ غذاؤه وجعل عواءه في آخر الليل لأنه لم يسق في أول الليل من اللبن فهو أجوع ما يكون في آخر الليل فشبه صوت الذئب بصوت هذا الفصيل في ضعفه:
أفلّ وأقوى فهو طاو كأنما ... يجاوبُ أعلى صوتهِ صوتَ معولِ
أفل وقع في أرض فِل وهي التي لم تمطر ولا نبات فيها، وأقوى صار في القواء وهو الخلاء، يقول إذا صاح أجابه الصدى.
وقال يذكر صائداً:
كأنما أطمارُه إذا عدا ... جُلّلنَ سرحان فلاة مِعمدا
ممعد قال الأصمعي إما أن يكون يجذب العدو أو يجذب شيئاً سرقه يقال امتعده إذا اختلسه.
وقال الأخطل يذكر عدواً:
ولو أواجههُ مني بقارعةٍ ... ما كان كالذئبِ مغبوطاً بما أكلا
يقول لو أصبته بقارعة لم يسلم كما يسلم الذئب، بذي بطنه أي بما في بطنه. ويقال في مثل: الذئب يغبط بذي بطنه، لأنه وإن كان جائعاً ضريراً فليس يظن به إلا البطنة لعدوه على الناس والماشية.
وهو مثل قول آخر:
ومن يسكنُ البحرين يعظُم طحالُه ... ويغبُط بها في بطنهِ وهو جائعُ
وقال يصف ناقة:

على أنها تُهدي المطي إذا عوى ... من الليلِ ممشوقُ الذراعينِ هبهبُ
هبهب سريع خفيف يعني ذئباً.
وقال الشماخ:
بها السِرحان مفترِشاً يديه ... كأن بياضَ لبَّته صديعُ
الصديع يقال أنه الفجر ويقال أنه ثوب يصدع وسطه وتجتابه المرأة ولا يجيّب فإذا جيّب فهو بقير وربما لبسه الدارع تحت الدرع، قال عمرو بن معدي كرب:
إذا أبطنت دا البدن الصديعا
أراد هذا الثوب تحت الدرع. شبه البياض الذي في نحر الذئب تحت غُبسة سائر لونه بهذا الثوب تحت الدرع، قال ابن غَلفاء:
سوى آثارِ عرجلةٍ حُفاةٍ ... خفافُ الوطءِ ليس لهم نعالُ
قليلُ فضلٍ كاسبّهم عليهم ... سوى ما نال في دهشٍ ونالوا
أخبرني عبد الرحمن عن عمه الأصمعي قال: هذه ذئاب، يقول: رئيسهم قليل الكسب عليهم إلا أن يختلس شيئاً ويختلسوه، وقال غيره هؤلاء رجّالة لصوص.
وقال آخر - وهو دكين - :
فصبحته سِلَق تَبربَس ... تهتكُ خلَ الخلقِ الملسلَسِ
سلق جمع سلقة وهي الذئبة، ويقال إذا مر مراً خفيفاً مر يتبربس، والخل الطريق في الرمل، والحلق حلق من الرمل تعقد أي دارات فهي تخلله، وأراد بالملسلس المسلسل فقلب، وقال الشماخ يذكر ماء ورده:
ذُعِرتْ به القَطا ونُفيتْ عنه ... مقامَ الذئبِ كالرجلِ اللعينِ
مقام الذئب يريد الذئب نفسه أي نفيت الذئب عن مقامه واللعين المطرود وهو الخليع لكثرة جناياته، أبو عبيدة قال إنما يريد مقام الذئب اللعين كالرجل.
وقال آخر:
ظَللْنا معاً جاريْنِ نحترسُ الثأى ... يسائرُنا من نطفةٍ ونسائرُه
وصف ذئباً، نحترس الثأى أي الفساد منا ومنه، يسائرنا من السؤر أي يبقى لنا ونبقى له يرد هو الماء ونرده نحن تارة، والنطفة من الماء يكون الكثير منه والقليل، وقال آخر:
وزيدٌ إذا ما سيمَ خسفاً رأيتُه ... كسيدِ الغَضا أربى لك المتظالع
أربى لك أشرف لك، والغضا خمر وسيده أخبث الذئاب، والمتظالع الذي يظلع من البغي، وقال حميد بن ثور في ذكر الذئب وذكر المرأة:
تلومُ ولو كان ابنها قنِعت به ... إذا هبَّ أرواحُ الشتاء الزعازعُ
يريد لو كان الذئب ابنها قنعت به لما يسرق من أغنام الناس ويأتيها به.
فقامتْ تعْشى ساعةَ ما تطيقُها ... من الدهرِ نامتها الكلابُ الظوالعُ
الظالع من الكلاب لا ينام إلا بعد أن تنام الكلاب لأنه ينتظر أن تسفد الكلاب ثم يسفد هو بعدها لضعفه وظلعه، وفي مثل للعرب " افعل ذلك إذا نام ظالع الكلاب " .
رأته فشكّتْ وهو أطحلٌ مائلٌ ... إلى الأرضِ مثنّى إليه الأكارعُ
يقول رأته وقد ربض قوضع قوائمه بعضها على بعض على بعض فشكت فيه أهو الذئب أم غيره، أطحل في لونه يضرب إلى السواد.
طوِي البطنُ الأمنُ مصير يبله ... دم الجوفِ أو سؤر من الحوضِ ناقعُ
المصير واحد مصران والمصارين جمع الجمع، يقول ليس في جوفه شيء من الطعم إنما هو مصيره الذي يبله دم جوفه أو شيء يناله من الماء.
ترى طَرفيْه يعسلان كلاهما ... كما اهتزَّ عودُ الساسمِ المتتايعُ
يعني مقدمه ومؤخره وذلك من لين ظهره.
إذا خافَ جوْراً من عدوٍّ رمَتْ به ... قصايته والجانبُ المتواسعُ
وإن باتَ وحشاً ليلةً لم يضُق بها ... ذراعاً ولم يصبح لها وهو خاشعُ
وحش جائع خالي الجوف، ومنه قيل فلان يتوحش للدواء، يقول هو صبور على الجوع.
إذا اختلَّ حضنى بلدة طِر منهما ... لأخرى خفي الشخصُ للريحِ تابعُ
هذا مثل أي كما يختل الرمح حضنى الإنسان أي ينفذهما، وقوله: للريح تابع يقول يتشمم فإذا وجد ريح شيء اتبع الرائحة، ونحو منه قول الآخر:
يستخبر الريح إذا لم يسمع
وإن حذرّتْ أرضٌ عليه فإنه ... بغرةٍ أخرى طيبُ النفسِ قانعُ
يقول: إن حذره أهل أرض وقعدوا له وطلبوه ليقتلوه خرج إلى أرض أخرى طيب النفس بها يغير على أهلها وعلى شائهم وهم له آمنون.
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي المنايا بأخرى فهو يقظان هاجع أخبر أنه يفتح عيناً ويغمض عيناً لشدة حذره.

إذا قامَ ألقى بوعَه قدرَ طولهِ ... ومدّد منه طلبصلبَه وهو بائعُ
بائع من البوع ويعني أنه يتمطى.
وفكّكَ لحييْه فلما تعاديا ... صأى ثم أقْعى والبلادُ بلاقعُ
إذا ما عدا يوماً رأيتُ عنانةً ... من الطيرِ ينظرن الذي هو صانعُ
يقول ينتظرن أن يفرس شيئاً فيسقطن معه عليه، ويروي رأيت ظلاله، أنشد أبو زيد:
أنعتُ ذئباً من ذئاب قَعرينِ ... منهرتُ الشدقِ حديدُ النابينِ
تَبري له طلساء ذات جرويْنِ ... مألولةَ الأذنين كحلاءَ العيْنِ
ومنخرينِ خلقا مسوّدين ... لكل ريحٍ نفخت معدّينِ
يعني أنها تستروح فإذا وجدت ريح شيء طلبته.
تعدو العِراضات بشوطين اثنين
وقال كعب بن زهير:
يقول حيّاي من عوفٍ ومن جشمٍ ... يا كعبَ ويحُك ألا تشتري غنما
مالي منها إذا ما أزمة أزمتْ ... ومن أويْس إذا ما أنفه رذَما
يعني الذئب إذا جاع سال أنفه، يريد أنه يأكلها.
أخشى عليها كسوباً غير مدّخرٍ ... عاري الأشاجعِ لا يشوى إذا ضغما
إذا تولى بلحم الشاةِ نبذها ... أشلاءَ بردٍ ولم يجعل لها وضما
أشلاء برد كما يخرّق البرد قطعاً.
إن يُعد في شيعةٍ لا يثنهِ نَهَر ... وإن عدا واحداً لا يتقي الظلما
نهر نهار، يقال ليلة نهرة أي مضيئة، ويروى: نُهُر أيضاً.
وقوله في شيعة يعني أصحابه من الذئاب، والظلم جمع ظلمة.
وإن أغارُ فلم يحلأ بطائلةٍ ... في ظلمةِ ابن جميرٍ ساورَ الفُطما
ابن جمير أظلم ليلة في الشهر وهي التي لا يطلع فيها القمر من أولها ولا آخرها، والفطم السخال التي قد فطمت، يقول جاء يطلب الكبار فلما لم يجدهن ساور الصغار.
إذا لا يزالُ فريسٌ أو مغبّبةٌ ... صيداء تنشج من دونِ الدماغ دما
المغببة التي دنت من الموت وفيها بقية، صيداء ملتوية العنق، تنشج أي لها صوت من الدم.
وقال آخر:
لا تأمريني ببناتٍ أسفعٍ ... فالعينُ لا تمشي مع الهملّعِ
أسفع الكبش، وبناته الغنم والسفعة سواد، والعين العظام العيون يريد أن الغنم لا تمشي أي لا تكثر، يقال قد مشت الماشية إذا كثرت وأمشى الرجل إذا كثرت ماشيته، والهملع الخفيف يريد الذئب يعني أن الماشية لا تكثر والذئب يعدو عليها يفنيها، وقال النابغة:
وكل فتى وإن أن أمشي فأرى ... ستُخلِجُه عن الدنيا منونُ
أمشى كثرت ماشيته، يقال الرجل مشى بعد ما أمشى وذلك إذا افتقر بعد الغنى، وقال كثير وذكر ماء ورده:
وصادفتُ عيّالاً كأن عواءه ... بكا مُجْرَذٍ يبغى المبيتَ خليعُ
عيال يعني ذئباً يعيل في البلاد كما يقال عار يعير فهو عيار ويقال عيال في مشيته كأنه يميل، خليع خلعه أهله لجنايته، والمجرذ الذي ذهب ماله.
عوى ناشزُ الحيزومِ مضطمرَ الحشا ... يعالجُ ليلاً قارساً مع جوعِ
فصوّتَ أذناي بباقٍ على الطوى ... محنّبٍ أطرافِ العظامِ هبوعِ
أي بصوت باق على الجوع، محنب ماطور، هبوع يستعين بعنقه في مشيته من الضعف، لذلك قيل لما تضعه الناقة في آخر النتاج هبع لأنه ضعيف فإذا مشى مع أمه هبع أي استعان بعنقه.
فلم يجترسُ الأمعرس راكب ... تأيا قليلاً واسترى بقطيعِ
الاجتراس الإصابة يقال هل اجترست شيئاً ويقال النحل جوارس لأنها تصيب من الشجر، ويروى يحترس أي يسرق ويقال للذي يسرق الغنم المحترس وللشاة التي تسرق حريسة، تأيا تلبّث قليلاً، استرى افتعل من السرى وهو سير الليل، بقطيع أي بقطع من الليل.
وموقع حرجوج على ثفناتها ... صبور على عدوى المناخ جموع
عدوى المكان وتعاديه واحد وهو أن يرتفع بعض وينخفض بعض.
ومَطرحٌ أثناءَ الزمامِ كأنه ... مزاحف أيم بالفناءِ صريعِ
الأيم الحية وهو الأين أيضاً، وقال ذو الرمة في هذا المعنى وذكر أرضاً:
إذا اعتَسَ فيها الذئبُ لم يلتقطْ بها ... من الكسبِ الأمثلِ مُلقى المشاجرِ
اعتس طلب ما يأكل والمشاجر أعواد الهودج واحدها مِشجر، شبه آثار قوائم الناقة حيث بركت بمشاجر ملقاة.

وبينهما مُلقى زِمام كأنه ... مخيطٌ شجاعُ آخر الليلِ ثائرِ
أي بين الرجل والناقة ملقى زمام كأنه ممرحية، يقال خاط بنا فلان خيطة أي مر بنا مرة، ثائر أي قد قتل أخوه فجاء يطلب ثأره وهو الشجاع.
ومُغفى فتى حلّت له فوقَ رحلهِ ... ثمانيةٌ جُردا صلاة المسافرِ
أي ولم يجد هذا الذئب إلا الموضع الذي أغفى فيه الفتى: حلت له أي ثمانية أشهر جرد أي تامة صلاة المسافر أراد تقصير الصلاة.
سوى وطأةٍ في الأرضِ من غير جعدةٍ ... ثنى أختها في غرزِ عَوجاءٍ ضامرِ
أي ولم يجد سوى وطأة وطئها هذا الرجل وضع واحدة في غرز الناقة والأخرى في الأرض، من غير جعدة يقول هذه الرجل ليست بكزة وهي سبطة سهلة.
وموضعُ عرنيْنِ كريم وجبهةٌ ... إلى هدفٍ من مسرعٍ فاجرِ
ولم يجد أيضاً غير أثر سجود الرجل صلى إلى هدف أي شرف من الأرض صلى عليه، من رجل مسرع غير فاجر لأنه مسافر إنما يصلي ركعتين ثم يمضي، وقال الطرماح في مثل هذا:
أطافَ بها طِملٌ حريصٌ فلم يجد ... بها غير مُلقى الواسطِ المتباينِ
الطمل الذئب، والواسط العمود الذي يكون في وسط البيت، ورواها أبو عمرو: فلم يجد سوى مثل ملقى.
ومخفقٌ ذي زرين في الأرضِ متنهُ ... وفي الكفِ مثناه لطيفُ الأسائنِ
مخفق حيث وقع يعني الزمام، والأسائن القوي وهي الطاقات التي تفتل يريد سيور الزمام.
خفي كمنحارِ الشجاعِ وذُبّل ... ثلاث كحباتِ الكباثِ القرائنِ
خفي يعني أثر الزمام خفي، ثم شبهه بممر شجاع وهو الحية، والذبل بعرات ثلاث شبههن بحب الكباث لصغرهن وهو ثمر الأراك.
وضَبثةُ كفٍ باشرتْ بيمينها ... صعيداً كفاها فقد ماءِ المصافنِ
الضبثة القبضة، يقال ضبث به إذا قبض عليه، والصعيد التراب كفاها فقد الماء يريد تيمم فاكتفى بالصعيد من الماء، والمصافن الذي يقاسم الماء في السفر.
ومعتمدٌ من صدرِ رجلٍ محالةٍ ... على عجلٍ من خائفٍ غير آمنِ
معتمد موطئ أي حيث اعتمد فوطئ، محالة مرفوعة وإذا رفعت رجلك فقد أحلتها، من رجل خائف بهذه الفلاة.
مقلّصة طارت قرينتُها بها ... إلى سلّمٍ في دفِ عوجاءِ ذاقنِ
مقلصة مشمرة يعني الرجل التي في الأرض، وقرينتها الرجل الأخرى، والسلم يريد الغرز، والدف الجنب، وذاقن تطأطئ رأسها وعنقها إذا سارت.
وموضعُ مثنى ركبتينِ وسجدةٍ ... توخّي بها ركنُ الحطيمِ الميامنِ
وقال كعب بن زهير في مثل هذا وذكر ذئباً وغراباً:
فلم يجدا الأمناخَ مطيةً ... تجافي بها زورُ نبيلٍ وكلكلِ
ومضرُبها وسطُ الحصى بجرانِها ... ومثنى نواجٍ لم يخنهن مفصلِ
وموضعٌ طوليّ وأحناءُ قاترٌ ... يئطُ إذا ما شد بالنسعِ من علِ
طولّى زمام، ويقال قطع يكون فوق البرذعة، والقاتر الرجل الحسن الوقوع على ظهر الناقة.
وأتلع يلوى بالجديلِ كأنه ... عسيبٌ سقاه من سُميحة جدول
وسمر ظماءٍ واترتهنَ بعدما ... مضَتْ هجعةٌ من آخرِ الليلِ ذُبّلِ
أراد بعرات، واترتهن تابعتهن.
سفي فوقهنَ التربُ صافٍ كأنه ... على الفرجِ والحاذين قنو مُذلّلِ
يعني فوق البعر، ضاف يعني ذنباً سابغاً طويلاً، مذلل مهيأ مسوي.
ومضطمِرٌ أراد الطرفِ خائف ... لما تضع الأرضُ القواء وتحملِ
مضطمر أراد شخص الرجل يعني نفسه واضطماره انضمامه، لما تضع الأرض وتحمل أي خائف لما يكون عليها، وقال المرار:
على صرماء فيها أصرماها ... وخرّبت الفلاة بها مليلِ
صرماء مفازة لا ماء بها ولا علف، والأصرمان الذئب والغراب والخريت الدليل، مليل محترق من الشمس من الملّة، وقال كثيّر:
ومن قاوٍ يصيّح أصرماه
وقال الطرماح يذكر الفلاة:
يظل غرابُها ضرما شذاه ... شج بخصومةِ الذئبِ الشنونِ
شذاه حده يريد هاهنا صوته، وضرم كثير الصياح، شج حزين وذلك أنه إذا رأى الذئب قد طرده عن شيء صاح وصفق بجناحيه وذلك خصومته للذئب.
على حُوَلاءِ يطفو السُخدُ فيها ... فراها الشيذُمانُ عن الجنينِ

الحولاء التي تقع بعد الولد من البطن، يطفو يرتفع، والسخد الماء يكون فيها، فراها شقها، والشيذمان الذئب، والجنين الولد، وقال الراجز:
ما زلتُ أسعى معهم وألتبطُ حتى إذا جُنَّ الظلامُ المختلطُ
جاؤوا بضيح هل رأيت الذئب قطُ
يريد لبناً ممزوجاً صار أورق كلون الذئب من كثرة مائه. وأنشد ابن الأعرابي:
شرِبنا فلم نهجأ من الجوعِ نقرةً ... سَمارا كإبط الذئب سَودا حواجره
يقال شربنا شيئاً ما هجأنا أي لم يغن عنا شيئاً إلا أن رد أنفسنا، وأنشد:
سَجاجاً كأقراب الثعالب أورقا
وقال الكميت:
ومستطعِمٌ يُكنَّى بغيرِ بناتهِ ... جعلت له حظاً من الزادِ أوفرا
يعني الذئب يكنى أبا جعدة ولا تسمى ابنته جعدة.
وقال وذكر أرضاً:
لقينا بها ثِلباً ضريراً كأنه ... إلى كلِ من لاقى من الناسِ مذنبُ
الثلب الهرم.
مضيعاً إذا أثرى كَسوباً إذا عدا ... لساعتهِ ما يستفيدُ ويكسبُ
أي لا يدخر.
تضوّر يشكو ما به من خَصاصةٍ ... وكاد من الإفصاحِ بالشكوِ يعربُ
فنَشنا له من ذي المزاودِ حصةً ... وللزاد أسآر تلّقي وتوهبُ
نشنا تناولنا، وذو المزاود الزاد، وأسآر بقايا جمع سؤر.
وقلنا له هل ذاك فاستغن بالقرى ... ومن ذِي الأداوي عندنا لك مشربُ
وصبّ له شوْل من الماءِ غابر ... به كفٌ عنه الحِيبة المتحوّبُ
ذو الأداوي الماء، الشول القليل من الماء، والحيبة الإثم والمتحوب المتأثم.
وقال حين أضاف الذئب أيضاً:
فقلت له اشرب هذه ليس مُطعِم ... من الناس لا يسقي برائشٍ ما يَبري
يقول من أطعم ولم يسق بمنزلة من برى سهماً ولم يرشه.
وقال وذكر أرضاً:
بنائيةِ المناهلِ ذاتِ غولٍ ... لسرحانِ الفلاةِ بها خيبُ
يراني في الطعامِ له صديقاً ... وشادنة العسابر رعبليبُ
إذا اشتكيا إليّ رأيت حقاً ... لمحرومينِ شفهما السغوبُ
العسابر واحدها عسبارة وهو ولد الذئب من الضبع، والشادنة ما شدن، رعبليب ملاطفة، شفهما هزلهما، والسغوب الجوع، وأنشد ابن الأعرابي:
لشخصٍ خفي قد رأيتُ مكانَهُ ... يضائلُ مني شخصَه ويقاصرهُ
دفعتُ بكفي الليلَ عنه وقد بدَت ... هوادي ظلام الليل فالليل غامرهُ
يعني بالشخص الخفي الذئب، وقوله دفعت بكفي الليل عنه يريد أنه وضع يده فوق حاجبه وعينه كما يفعل من يستثبت في النظر إلى الشيء البعيد أو الشمس كما قال - العجاج:
أدفعها بالراح كي تزحلفا
إذا الذئبُ قد أعيتْه كل بغيةٍ ... وآيسة من كل فجٍ مصادرهُ
وقال لقد أمسيتُ عطشان لاغباً ... وأحببتُ أن ألقي رفيقاً أوازرهُ
فقلتُ التمس فوق الحقيبةِ مركباً ... ولا تغش حنو الرحل إنك كاسرهُ
فاهوى يديه للحقيبةِ فاستوى ... عليها فثارتْ وهي عجلى تبادرهُ
فأجلت بنا إجلاءةً ثم راجعت ... وقد علقت في النِسعتينِ أظافرهُ
فبتُ على رحلي وباتَ مكانهُ ... أراقبُ ردفي تارة وأباصرهُ
أراقبُ رِد في خشيةَ أن يخونني ... وفي منكبي إن حاولَ الغدرُ زاجرهُ
يعني أن في منكبه سيفه.
فلما ورَدنا الماءَ فرّق بيننا ... وكل دعت أهواؤه وأواصرهُ
وقمتُ أصلي وهو ملقي كأنه ... لجامُ جوادٍ قد تحنت مكاسرهُ
أنشد للعبدي وذكر ناقة - وهو المثقب:
كأنّ مناخَها ملقي لجامٍ ... على معزائها وعلى الوجينِ
فقلتُ له خذ مزودي فاستعن به ... على الدهرِ إن الدهرَ جمٌ بوادرهُ
فعهدي به قد جاوزَ الماءَ صادِراً ... يجرّ جرابي تارة ويناثرهُ
وقال النجاشي وذكر ماء:
وماء كلونِ البولِ قد عاد آجناً ... قليلٌ به الأصوات ذي كلأ مخلي
لقيتُ عليه الذئبَ يعوي كأنه ... خليعٌ خلا من كلِ مالٍ ومن أهلِ

فقلتُ له يا ذئبَ هل لك في أخٍ ... يواسي بلا أثرٍ عليك ولا بخلِ
فقالَ هداكَ اللهُ إنكَ إنما ... دعوتُ لما لم يأته سبعٌ قبلي
فلستُ بآتيهِ ولا أستطيعهُ ... ولاكِ اسقني إن كان ماؤك ذا فضلِ
فقلتُ عليكَ الحوض إني تركته ... وفي صغوه فضل القلوص من السجلِ
فطربَ يستعوي ذئاباً كثيرةً ... وعديت كل من هواه على شغلِ
وقال الغنوي:
ولو أخاصمُ ذئباً في أكيْلتهِ ... لجاءني جمعهُم يسعى مع الذيبِ
يريد أنهم يعينون عليه وإن كان مظلوماً والمثل يضرب بظلم الذئب وظلم الحية يقال: أظلم من ذئب وأظلم من حية.
وقال مغلس بن لقيط:
لعمركَ إني لو أخاصمُ حيةً ... إلى فقعسٍ ما أنصفتني فقعسُ
فيالكم طلساً إليّ كأنكم ... ذئاب الغضا والذئبُ بالليلِ أطلسُ
وقال تأبط شراً:
ووادٍ كجوفِ قفرٍ قطعتهُ ... به الذئبُ يعوي كالخليع المعيّلِ
الخليع الذي قد خلعه أهله لجناياته، والمعيل الذي تُرك يذهب ويجيء حيث شاء، وقال الأصمعي أنشدني خلف الأحمر:
نسقي قلائصنا بماءٍ آجنٍ ... وإذا يقوم به الخليع يعيّلُ
طرحت له نعلاً من السبتِ طلّة ... خلافَ ندى من آخر الليل مُخضِل
يقول لما ابتلت طرحتها له، خلاف ندى، أي بعد نِدى، والمخضل المندى.
وقلت له لما عوي إن ثابتاً ... قليلَ الغنى إن كنت لما تموّلُ
كلانا مضيع لا حراثةَ عنده ... ومن يحترثُ حرثي وحرثُكَ يهزلُ
يقول إن كنت لا مال لك فأنا لا مال لي، وثابت اسم تأبط شراً، لا حراثة عنده أي ليس عنده إصلاح مال.
وقال الهذلي - ربيعة بن الجحدر:
وقرنٍ صريعٍ قد تركت مجدلاً ... يطوفُ عليه العاسلات اللغاوِسِ
يعني الذئاب، واللغاوس اللواتي تأكل أكلاً سريعاً يقال تلغوس ما هناك أي أكله أكلاً سريعاً واحدها لَغوَس.
وقول أبي النجم:
واكتن من لفح الأوار الوعوع
يعني الذئب والثعلب يدخلان الكن من شدة الحر.

الأبيات في الأرانب
قال الشاعر:
وطالبتْ بي الأيامُ حتى كأنني ... من الكبرِ البادي بدَت لي أرنبُ
يريد انحنيت فكأني صائد يحتل أرنباً فهو يتقاصر لها كيلا تراه. ومثله:
وقد طالتْ بي الأيامُ حتى ... كأني خاتلٌ يدنو لصيدِ
وقال - عمرو - بن قميئة:
شرّكم حاضرٌ وخيركُم درّ ... خروسٌ من الأرانبِ بكرُ
الخروس النفساء والخُرسة ما تأكله، والخرس طعام الولادة الذي يدعي إليه الناس، وطعام الختان إعذار، وطعام القادم من السفر نقيعة وطعام البناء الوكيرة وكل طعام صنع مأدُبة و مأدَبة، والبكر التي لم تلد الأمرة وهو أقل للبنها وأضيق لمخرجه، والمثل يضرب بقلة لبن الأرانب، وقال عبد الله بن همام السلولي لمعاوية:
لقد ضاقتْ رعيتكم وأنتم ... تدرون الأرانب غافلينا
وقال الشماخ وذكر عقاباً:
فما تنفكُ حول عويرِ ضاتٍ ... تجرُّ برأسِ عكرشةٍ زموعِ
يقال زموع تطأ على زمعاتها وهي مواضع الثنن من الدواب وذلك هو التوبير لئلا يعرف أثرها والتوبير للأرنب وللثعلب ولكثير من صغار السباع إذا طمع في صيد أو خاف أن يصاد فربما ضم براثنه ووطئ ببطن الكف وربما وطئ على زمعاته وذلك كله في السهل، وقال امرؤ القيس يهجو:
مرسعةٌ وسط أرباعِه ... به عسمٌ يبتغي أرنبا
ليجعلَ في كفِّه كعبَها ... حذارُ المنية أن يعطبا
وكانوا يقولون في الجاهلية من علق كعب أرنب لم يصبه عين ولا سحر وكانت عليه واقية من الجن لأن الجن تهرب منها للحيض ولا تمتطيها، ويقال رجل مرسِع ومرسعة وهو الفاسد العين، ويروى مرسَّعة بين أرساغه من الترسيع وهو سير يضفر ويرسع ثم يشد في الساق وأنث لأنه يرده على قوله لا تنكحي بوهة مرسعة، وأما قول المخبل:
كما قال سعدٌ إذ يقود به ابنه ... كبرت فجنبني الأرانب صعصعا

فإن الأرانب في هذا البيت أحقاف من الرمل منحنية يريد خذ بي في طريق مستو وجنبني الوعث والرمل والصعود، وكذلك قول الكلح الذهلي يصف راحلته:
قوداءُ تملكُ رحلَها ... مثل اليتيمِ من الأرانبِ
أراد أن رحلها على سنام مثل اليتيم وهي الهضبة المنفردة وكل شيء انفرد فقد يتم، والأرانب الأحقاف من الرمل واحدها أرنب.

أبيات المعاني في الضبع
قال الكميت:
كما خامرتْ في حضنها أم عامرٍ ... لدى الحبلِ حتى عال أوس عيالها
أم عامر الضبع، وأوس الذئب، والضبع من أحمق الدواب وتبلغ من حمقها أنه يدخل عليها في مغارها فيقال: ليست هذه أم عامر، فتسكن حتى تقاد، ويقال لها: خامري أم عامر، ثم يشد في عرقوبها حبل ثم تجرّ به، وقوله خامرت سكنت وانخدعت وأصل المخامرة المخالطة، وقوله لدى الحبل يريد الصائد، وقوله: حتى عال أوس عيالها، يقال إن الضبع إذا صيدت عال الذئب ولدها وأتاها باللحم وذلك أنه يثبت على الضبع فتحمل منه وتلد له، وكان بعضهم يرويه: غال أوس عيالها أي أكل جراءها، وقال آخر:
كمرضعةِ أولاد أخرى وضيّعتْ ... بنيها ولم ترقَعْ بذلك مرقعا
أراد الذئبة يقال إنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع ولذلك تقول العرب: أحمق من جهيزة يعنونها، ويقولون أيضاً: أحمق من نعامة لأنها تدع الحضن على بيضها ساعة تحتاج إلى الخروج لطلب الطعم فإن رأت بيض نعامة قد خرجت للطعم حضنت وتركت بيض نفسها.
وقال ابن هرمة:
كتاركةٍ بيضِها بالعراءِ ... وملبسةٍ بيض أخرى جناحا
وأنشد أبو عبيدة:
والذئبُ يغذو بناتَ الذيخِ ناقلة ... بل يحسبُ الذئبَ أن النجلَ للذيبِ
الذيخ ذكر الضباع وهو الضبعان أيضاً، والنجل الولد.
وقال جرير:
تراغيتُم يوم الزبيرِ كأنّكم ... صباغٌ بذي قارٍ تُمنى الأمانيا
يقول صحتم صياح الضباع إذا جهدت، يقول لم يكن عندكم إلا أن يشكو بعضكم إلى بعض، وقوله تمنى الأمانيا هو قولهم للضبع في وجارها: خامري أم عامر أبشري بجراد عضال وكمر رجال، فلا يزالون يقولون ذلك حتى تقر فيدخل عليها الرجل فيربط يديها ورجليها ويكعمها والعظال الجراد الذي يركب بعضه بعضاً إذا أراد أن يبيض ولذلك قيل يوم العظالى لأن الناس - كان - يركب بعضهم بعضاً، وقوله كمر رجال يقال إن الضبع إذا وجدت قتيلاً قد انتفخ جرد أنه ألقته على قفاه ثم ركبته لتستعمله أبداً حتى يلين.
وقال العباس بن مرداس:
فلو ماتَ منهُم جرحنا لأصبحت ... ضباعٌ بأكنافِ الأراكِ عرائسا
أراد هذا المعنى.
وقال آخر:
تضحكُ الضبعُ لقتلى هذيلٍ ... وترى الذئبَ لها يستهلُ
وعتاقُ الطيرِ تهفو بطاناً ... تتخطاهم فما تستقلُ
وقال الكميت يهجو قوماً:
أما أخوكَ أبو الولي ... د فلابسٌ ثوبي مخامرِ
فعَلَ المقرِةَ للمقا ... لة خامري يا أم عامرِ
حتى إذا نَشُبَ الضفي ... رُ بجاذبٍ للحبلِ باترِ
ذهبت تحير إليه وه ... ي بغير منزلةِ المحاورِ
وقال كثير بذكر ناقة:
وذفري ككاهلِ ذيحِ الرفيضِ ... أصابَ فريقةً ليل فعاثا
الذيح ذكر الضباع، والرفيض قطعة من الجبل وجمعه رفض، والفريقة الغنم الضالة يقال أفرق غنمه أي أضلها، وقال جران العود وذكر نفسه حين أسن:
أصبحتُ قد جحّمتُ في كسر بيتكم ... كما حجّم الضبعانُ بين السخابرِ
الضبعان ذكر الضباع، والسخابر شجر الواحدة سخبرة، ويقال جحم فلان إذا نظر نظراً حديداً حتى يُنظر إلى عينه كأنها جاحظة - قال قيس - ابن عيزارة الهذلي:
فإنكَ إذ تحذوكَ أم عويمرٍ ... لذو حاجةٍ حافٍ مع القومِ ظالعُ
أم عويمر الضبع، أي تتبعك تطمع أن تقتل فتأكل منك، وقال العجاج يذكر سني جدب:
يدعنَ ذا الثروةِ كالمعيلِ ... وصاحب الأقتارِ لحم المألِ
أي يتركن الفقير لحماً للضبع أي يمتنه، وقال آخر - المشعث:
وجاءت جيألٌ وأبو بنيها ... أحمُ المأقييْن به خماعُ
أبو بنيها الذكر وهو الضبعان، وقال مدرَك بن حصين الأسدي:

رغا جزعاً بعد البكاءِ كما رغتُ ... موشمةَ الجنبينِ رطبَ عرينها
يريد ضبعاً موشمة بها وشوم، وقال الكميت:
نطعم الجيأل اللهيد من اللح ... م ولم ندع من يشيط الجزورا
الجيأل الضبع، واللهيد مثل الحسير، ويقال شاط دمه إذا بطل وأشطته أبطلته وقال ساعدة بن جؤية وذكر ميتاً:
وغودرَ ثاوياً وتأوبَتْهمذرعة اميم لها فليلُ
تأوبته أتته ليلاً مذرعة ضبع بذراعيها توقيف أي آثار خطوط والفليل ما تكبب من الشعر واحدتها فليلة.
لها خفّان قد ثلبا ورأسٌ ... كرأسِ العودِ شهبرة نؤولُ
أراد أن لها خفاً غليظاً، ثلبا تكسرا من قولك ثلب فلان عرض فلان أي كسره، وشهبرة مسنة، والنهشلة مثلها، والنؤول التي تمشي كأنها مثقلة من حمل يقال مر ينأل بحمله نألانا إذا مر يتدافع به ومر يدلح.
تبيتَ الليلَ لا يخفي عليها ... حمارٌ حيث جر ولا قتيلُ
كمشيِ الأقبل الساري عليها ... عفاء كالعباءةِ عفشليلُ
يريد أنها تمشي في الليل كمشي الرجل الأقبل وهو الذي في عينه شبيه بالحول وذلك أنها تلتفت وتدير عينيها، وجعله سارياً لأن الضبع أكثر جولانها في الليل لأكل الجيف، وعفاؤها شعرها ووبرها، والعفشليل الجافي، وكذا خلقة الضبع وهي كثيرة الشعر ولذلك قيل عثواء لأنها كثيرة الشعر.
فذاحتْ بالوتائرِ ثم بدّت ... يديْها عند جانبه تهيلُ
ذاحت مرت مراً سريعاً سهلاً، والوتائر طرائق مرتفعة من الأرض منقادة، بدت يديها أي فرقت بين الأصابع وفتحتها لتحفر عند جانب القبر، تهيل تحثو التراب وتنبش، وقال الأعلم يخاطب رجلاً يذمه:
تشايعُ وسطَ ذودك مقبئنّاً ... لتُحسب سيداً، ضبعاً تبولُ
المشايعة والشياع رغاء الإبل، يريد إنك ذو مال فأنت تنادي وسط إبلك، والمقبئن المجتمع، وقوله ضبعاً أراد يا ضبعاً تبول فشبه بها.
عشنزرة جواعِرها ثمانٍ ... فويق زماعِها وشمٌ حجولُ
العشنزرة الغليظة، وسألت الرياشي عن قوله جواعرها ثمان فقال الجواعر أربع في رقمتي الحمار مواصل أطراف عظام وأراه أراد زيادة في تركيب خلقها، وإنما سميت الضبع جعار من الجواعر، والزماع جمع زمعة وهي شيء مثل الزيتونة تكون خلف ظلف الشاة، وشم من الخطوط، وحجول مثل الخلاخيل.
تراها الضُبع أعظمهنَ رأساً ... جراهمة لها حرة وثيلِ
الضُبع جمع ضَبع، جراهمة عظيمة الرأس.
وقوله لها حرة أي حر فزاد الهاء، وثيل وعاء القضيب، وأراد أنها خنثى، ويروي لها حر بتشديد الراء للضرورة.
كما قال: " كأن مهواها على الكلكلّ " وقال:
وتجرّ مجريةً لها ... لحمى إلي أجرٍ حواشبِ
مجرية ضبع ذات جراء، حواشب منتفخات الجنوب.
سودٌ سحا ليلٌ كأنّ ... جلودَهن ثيابُ راهبِ
سحاليل لينة واحدها سحليل شبه جلودها بثياب الرهبان لأن ثياب الرهبان سود.
آذانهن إذا احتضَرْ ... نَ فريسةً مثل المذانبِ
المذانب المغارف واحدتها مِذنبة.
ينزعنَ جلدَ المرءِ نز ... عَ القينِ أخلاق المذاهبِ
أخلاق المذاهب أخلة تجعل مذهبة على جفن السيف فإذا أخلقت نزعت عن الجفن وأعيد عليه غيرها، وأنشدني الرياشي في وصف ضبع:
دفوع للقبورِ بمنكبيْها ... كأن بوجهها تحميمَ قدرِ
يريد أن وجهها سواداً والتحميم السواد.
قال ابن الأعرابي يقال في مثل: إنما أنت خلاف الضبع الراكب.
قال لأن الضبع إذا رأت راكباً خالفته وأخذت في ناحية، يقول فأنت تخالف الناس أبداً فيما يصنعون، والذئب يعارضه وهو أخبث.
قال الهذلي - عبد بن حبيب:
تركنا ضُبع سُمْيَ إذا استباءت ... كأن عجيجهُنَ عجيجُ نيبِ
استباءت يقال رجعت إلى القتلى من باء يبوء ويقال استباءت أرادت الباءة من القتلى وهو النكاح والضبع تستعمل ذكر القتيل.
وقال آخر:
فارتث كلما هم عشية هزمهم ... حي بمنعرجِ المسيلِ مقيمُ
يعني الضباع جعلها بمنزلة حي من الأحياء.

أبيات المعاني في الكلاب
قال الشاعر يصف الكلاب - والبيت للبعيث المجاشعي:
محرَّجةٌ حُص كأن عيونَها ... إذا آذن القناصُ بالصيدِ عضرسِ

محرجة في أعناقها الحِرج وهو الودع، والعضرس بقلة حمراء الزهرة، أراد أعين الكلاب تجمر من شدة الغضب، ومثله - لامرئ القيس:
مغرَثةٌ زرقا كأن عيونَها ... من الذمرِ والإيسادِ نوار عضرسِ
مغرثة مجوعة، والذمر الإغراء والزجر، وقال عنترة:
أقل عليك ضراً من قريح ... إذا أصحابه ذمروه سارا
ويقال آسدت الكلاب إذا قلت لها خذي، ويقال العضروس في البيت الأول البرد يعني أنها تبيض عيونها حين تشخص للصيد، ويقال العضرس الورق الذي يصبح عليه الندى شبه العيون به، وقال الراعي وذكر الصائد والثور والكلاب:
يشلى سلوقية زلاً جواعرها ... مثل اليعاسيبِ في أصلابِها أودُ
زل رسح، قال الأصمعي: يستحب من الكلب أن يكون في ظهره أحد يدأب قليلاً وأن يكون في سَبّته سعة وفي شدقيه سعة.
فجالَ إذ رعنه ينأى بجانبهِ ... وفي سوالفِها من مثله قددُ
يريد أن في أعناق الكلاب قلائد من جلد ثور، وقال امرؤ القيس وذكر كلباً:
فيدركنا فغِم داجنٌ ... سميعٌ بصيرٌ طلوب نكِرُ
فغم حريص على الصيد، يقال للكلب ما أشد فغمه، قال الأعشى: " وأنت بآل عُقَيل فغِم " أي حريص مولع.
ألصّ الضروسُ حتّى الضلوعَ ... تبوعٌ أريبُ نشيطٌ أشِرُ
قال الأصمعي: لا أعرف ألص الضروس ولكني أعرف ألص الثنيتين إذا كانت إحداهما على الأخرى ويقال للزنجي ألص الأليتين إذا كان صغيرهما قريب ما بينهما، وقال يذكر الثور:
فكر عليه بمبراتهِ ... كما خلّ ظهر اللسان المُجِرّ
فظل يرنّح في غيظلٍ ... كما يستديرُ الحمارُ النعرِ
المبراة القرن وأصلها التي تبرى بها القوس، والمجر الذي يثقب لسان الفصيل ويجعل فيه عوداً لئلا يرضع، يرنح يقال ضربة حتى رنّحه أي غشي عليه فمال كما يميل السكران، غيظل شجر ملتف، والجلبة والأصوات يقال لها أيضاً غيظل، النعر الذي دخلت في أنفه نُعَرة وهي ذبابة تدخل في أنف الحمار فيضرب بنفسه الأرض ويقلق، وقال النابغة وذكر صائداً وثوراً:
من حسِ أطلسٍ يسعى تحته شِرَع ... كأن أحناكها السفلى مآشيرُ
شرع كلاب شبهها في دقتها بالأوتار.
يقول راكبُها الجنّى مرتفقاً ... هذا لكُنّ ولحم الشاة محجورُ
راكبها يعني صاحب الكلاب الذي هو خلفها يوسدها، مرتفقاً في رفق، هذا لكن أي لحم الثور ولكن هيهات أن تدركه ولحم الشاة - يعني الثور - محجور عنهن ولا يدركنه.
وقال وذكر القانص والكلاب والثور:
فبثهن عليه واستمر به ... صُمع الكعوب بريات من الحرَدِ
الحرد يكون بالبعير وهو استرخاء في عصب يديه من شدة العقال فهو ينفضهما ويضرب بهما راد ليس بالكلاب عيب ولم يرد الحرد نفسه، صمع الكعوب - لازقة خفية.
فكان ضُمِرانٌ منه حيث يوزعه ... طعن المعارك عند المُحجَر النَجُدِ
ضمران اسم كلب، حيث يوزعه أي حيث يغريه صاحبه يقال هو يوزَع بالشيء إذا كان مولعاً به أي كان الكلب من الثور حيث أمره الكلاّب أن يكون كما تقول للرجل أنا بحيث تحب، ضرب المعارك أراد كضرب المعارك وهو المقاتل، والمحجر الملجأ المدرك، ويروي النُجد والنِجد، والنِجد الذي يعرق من الكرب والشدة واسم العرق النَجد ومنه قوله في هذه القصيدة: " بعد الأين والنَجد " يقال رجل منجود، والنِجد من نعت المُحجر، وإن قلت النجد فهو من نعت المعارك والنُجد الشجاع من النجدة، قال أبو عبيدة: حيث يوزعه طعن، طعن بالرفع، وقال رفع ضمران بكان وجعل الخبر في " منه " أي كان الكلب من الثور كأنه قطعة منه في قربه وارتفع الطعن بيوزعه، وقال سمعت يونس بن حبيب يجيب بهذا الجواب في هذا البيت:
شكَّ الفريصةَ بالمدرى فأنفذَها ... شكَ المبيطرِ إذ يشفي من العضَدِ
المدرى قرنه، والمبيطر البيطار والعضد داء.
كأنه خارجاً من جنبِ صفحتهِ ... سفود شَرب نسوه عند مفتأدِ
أي كأن القرن في حال خروجه سفود، والمفتأد الموضع الذي يختبز فيه ويطبخ ومثله قول أبي ذؤيب:
فكأن سف لماوديْنِ لما يقترا ... عجلاله بشواءٍ شَرب ينزعُ

أي فكأن سفودين لم يقترا بشواء شرب ينزع أي هما حديدان شبه قرنيه بالسفودين، عجلاً له أي الثور بالطعن الواقع بالكلاب.
فظلَّ يعجمُ أعلى الروق منقبضاً ... في حالكِ اللونِ صَدق غير ذي أوَدِ
أي ظل الكلب يمضغ أعلى القرن لما خرج من جنبيه، في حالك اللون أي أسود يعني القرن، صدق صلب، أود اعوجاج، ومن عادة الشعراء إذا كان الشعر مديحاً وقال كأن ناقتي بقرة أو ثور أن تكون الكلاب هي المقتولة فإذا كان الشعر موعظة ومرثية أن تكون الكلاب هي التي تقتل الثور والبقرة ليس على أن ذلك حكاية بقصة بعينها.
وقال ذو الرمة وذكر الصائد:
يجْنبُ ضِرواً ضارياً مقلّداً ... أهضم ما خلف الضلوع أجيدا
موثّق الخلقِ بروقاً مبعداً ... وانقضّ يعدو الرَهَقى واستأسدا
لابس أذنيه لما تعودا
أهضم منضم الجنبين، أجيد طويل العنق، بروق شائل ذنبه ويكون البروق الواضح اللون، مبعد مُبعد، والرهقى عدو يرهق به المطلوب، استأسدا صار كالأسد، لابس أذنيه أي صرهما وجمعهما فألصقهما بصماخه.
وقال سويد بن أبي كاهل: " وضِراء كن أبلينَ السِرَع " السرع السرعة، يقول أبلين صدقاً في الإسراع.
قال الأعشى: " إن ريثا وإن سرعا " وقال يذكر الكلاب والثور:
وتراهن على مهلتِه ... يختلينَ الأرضَ والشاة يلَعُ
مهلته تقدمه، يلع يعدو ولا يصدق في عدوه، ويقال كذب وولع.
وأنشد:
إلاّ بأن تكذبا عليّ ولاأملكُ أن تكذبا وأن تلَعا
ولم أسمع ولع وحدها إلا ها هنا، يختلين الأرض يقطعن الأرض بأرجلهن إذا عدون، وقال لبيد:
حتى إذا يئسَ الرماةُ وأرسلوا ... غَضفا دواجن قافلاً أعصامُها
أي يئس الرماة من بلوغ السهام فأرسلوا كلاباً، دواجن متعودة للصيد، قافلاً أعصامها أي يابساً قلائدها.
ويقال الأعصام الأمعاء وهي الأعصال أيضاً.
وقال يصف الثور والكلاب:
فجالَ ولم يَعكِم بغضفٍ كأنها ... دقاقُ الشعيلِ يبتدرنَ الجعائلا
جال الثور، ولم يعكم لم يرجع، والشعيل الفتائل واحدتها شعيلة، والجعائل ما جعل للكلاب من رزقهن.
وقال الكميت وذكر الكلاب:
حتى إذا أطعمتْ أحناكُ ضاريةٌ ... هن المساريف يوم الغُنم والنجَلُ
ضارية كلاب، يقول ينجلن على صيدهن ويسرفن في أكله.
وقال وذكر الكلاب:
فدُع أيد فج العراقيب كالأق ... دح إلا سمُومها والغرورا
الأفدع المائل اليد، والسموم الثقب مثل المنخرين والفم، والغرور غضون الجلد.
وقال يصفها:
مؤللةُ الآذانِ عقد كأنها ... يعاسيبٌ لا يأدو الضَراء اختيالُها
مؤللة محددة الآذان، والكلاب توصف بالغضف، والأعقد الذي إذا عدا رفع ذنبه، وقال الفرزدق: " مشية الجاذف الأعقد " يريد الكلب، يأدو يختل، يقول لا تختل ولكنها تحمل، والضراء ما استترت به.
تولّت بإجريّا وِلاف كأنما ... تحوّلَ شختاً بعد جأبٍ خيالها
إجريا من الجري، ولاف مؤتلف، يقول إذا عدت دقت شخوصها وإذا وقفت كانت أعظم خلقاً، وقال الطرماح وذكر صائداً:
يورِّع بالأمراسِ كل عملّسٍ ... من المطعَماتِ الصيدِ غير الشواحنِ
يورع يكف، والأمراس الحبال واحدها مَرَس والعملس أصله الذئب سمي بذلك لسرعته وشبه الكلاب بالذئاب، والمطعمات الصيد المرزوقات ويقال للرجل إنه لمطعَم إذا كان مرزوقاً من الصيد، والشواحن اللواتي يبعدن في الطلب ولا يصدن شيئاً.
معيدٌ قمِطر الرِجلِ مختلفُ الشبا ... شرنبث شوكِ الكفِ شثن البراثنِ
المعيد الذي عاود الصيد، والقمطر الرجل الذي كأنه به عقالاً من اعوجاج ساقيه وهو الشديد، والشبا حد أنيابه، والشرنبث الخشن الكف، والشوك المخالب، والبراثن ما وطئ به الأرض.
توازنه صيّ على الصيدِ همّها ... تفارطَ أحراج الضراءِ الدواجنِ
توازنه تساويه وتعاونه، صي كلبة من قولك صارت تصيء صيئاً وهو صوت دقيق، تفارط تسابق، أحراج جمع حِرج يقال هو نصيبهن الذي يجعل لهن من الصيد، الضِراء الكلاب جمع ضرو.
وقال يذكر الكلاب:
يبتدرنَ الأحراج كالثَولِ والحِر ... جِ لرب الضراءِ يصطفِدهُ

يبتدرن يعني الكلاب، والأحراج أنصباؤها من الصيد ما سقط من البطون وغيرها، والثول الزنابير وشبهها بها، يصطفده يأخذه يفتعل من الصفد.
مِرُغناتٍ لأخلجِ الشدقِ سلعا ... م مُمَرَ مفتولة عضُده
مرغنات مطيعات، أخلج الشدق واسعه، سلعام عظيم الخلق والبطن، ممر مفتول شديد.
يضغم النابئ الملّمع بين ال ... روق والعين ثم يقصده
يضغم يعض، والنابئ الثور يخرج من بلد إلى بلد وكذلك الناشط، والملمع الذي في يديه لمع سواد وبياض.
مستنيع يصر مثل صرير ال ... قعو لما أصاحه مسده
مستنيع متقدم، يصوت صوتاً كصرير القعو وهو الذي يكون فيه المحور من خشب فإن كان من حديد فهو خطاف، والمسد حبل من ليف وهو كل ما ضفر فتل، وقال وذكر كلبة:
عولق الحرصِ إذا أبشرت ... لعوةً تضبحُ ضبحَ النُهامِ
عولق لا يفلت منها شيء، أبشرت من المباشرة، لعوة حريصة على الصيد، والنهام ذكر البوم، وتقول العرب: أحرص من لعوة، وقال العجاج:
غُضفاً طواها الأمس كلاّبيُّ ... بالمالِ إلا كسبها شقيّ
يريد بالمال شقي إلا من كسبها، وقال وذكر الكلاب بعد طعن الثور لها:
حتى إذا ميَّثَ منها الريُّ ... وعظعظِ الجبان والزِئني
ميث أي لين من الكلاب، الري السكر من الطعن، عظعظ اضطرب، والزئني الصغير من الكلاب، والعامة تقول الصيني.
وطاحَ في المعركةِ الفُزنى ... تواكلتُه وهو عجرفي
الفرني الضخم، تواكلته الكلاب أي اتكل بعضها على بعض وأحبت أن يكفي بعضها بعضاً، وقال وذكر الثور:
مبتكراً فاصطادَ في البكورِ ... ذا أكلبٍ نواهزٍ ذكورِ
اصطاد في البكور هذا هزء يريد أنه خرج فأصاب الصائد كقولك خرج فلان يصطاد فوقع على أسد فأكله، فيقال بئس الصيد وقع عليه، نواهز تنتهز الصيد.
" يُهمدن للاجراسِ والتشوير " يهمدن يَجدِدن، ويسرعن في العدو، والاجراس أن تسمع الجرس، والتشوير أن شير بيده يقال أشار وشوّر، قال جرير:
رأى عبد قيس خفقة شوّرت بها ... يدا قابس ألوى بها ثم أخمدا
أي أشار بها، وقال آخر: " حتى إذا أجرس كل طائر " أي صوت، وقول ذي الرمة يصف الكلاب: " لاحها التغريث والجنب " والتغريث الجوع، والجنب لصوق الرئة بالجنب من العطش.
وقال جرير:
فلا تحسبني شحمةً من وقيفةٍ ... تسرّطُها مما تصيدُك سلفعُ
الوقيفة التي تلجئها الكلاب أو الرامي إلى موضع لا تخلص منه يريد إني ممتنع، تسرطها تزدردها يقال في المثل الأكل سُرَّيْطَي والقضاء ضُرَّيْطَي، ويقال الأكل سلَجان والقضاء ليّان، وسلفع اسم كلبة، وقال أبو خراش الهذلي لابنه حين هاجر في خلافة عمر:
فإنكَ وابتغاءَ البِرِ بعدي ... كمخضوبِ اللَبانِ ولا يصيدُ
هذا مثل يعني الكلب تلطخ صدره وحلقه بالدم ترى الناس أنه قد صاد ولم يصد شيئاً، وقال آخر:
فلا ترفعي صوتاً وكوني قصيةً ... إذا ثوبَ الداعي فأنكرني كلبي
إنما ينكره كلبه إذا لبس سلاحه يخبر أن سلاحه تام يقول إياك والصراخ إذا عاينت الجيش، وقال آخر:
إذا خَرسَ الفحلُ وسطَ الحجورِ ... وصاحَ الكلابُ وعقَّ الولدُ
الفحل إذا عاين الجيش وبوارق السيوف لم يلتفت لِفت الحجور، والكلاب تنج أربابها لأنها لا تعرفهم للبسهم الحديد، والمرأة تذهل عن ولدها ويشغلها الرعب فجعل ذلك عقوقاً، قالوا ومنه يقال: أمر لا ينادي وليده، أي تشتغل المرأة عن ولدها فلا تناديه.
وقال آخر - وهو طفيل الغنوي:
أناسٌ إذا ما الكلبُ أنكرَ أهلَه ... حمُوا جارَهم عن كل شنعاءٍ مضلعِ
وقال آخر:
وفينا إذا " ما " الكلبُ أنكر أهلَه ... غداةَ الصباحِ المانعون الدوابرا
وقال الكميت:
واستثفر الكلبُ إنكاراً لمولغِهِ ... في حُولةٍ قصرت عن نعتِها الحُوَلُ
اسثفر الكلب أدخل ذنبه بين رجليه، لم يعرف من يسقيه لأنه قد لبس الحديد فأنكره، والحولة الداهية.
وقال زيد الخيل:
يتبعنَ نضلةَ أيرِ كلبٍ منعظٍ ... عض الكلابُ بعجبهِ فاستثفرا
وقال الكميت:
فإنكم ونزاراً في عداوتها ... كالكلبِ هرّ جدا وطَفاء مِدارِ

الأصل في هذا أن كلباً ألحت عليه السماء بالمطر أياماً ثم طلعت الشمس فذهب يتشرق فلم يشعر إلا بسحابة قد أظلته ففزع ورفع رأسه وجعل ينبح، ويقال في المثل " وهل يضر السحاب نباح الكلاب " .
وقال آخر:
وما لي لا أغزو وللدهرِ كرة ... وقد نبَحت نحو السماءِ كلابُها
يقول: كنت أدع الغزو قبل الغيث فما عذري اليوم وقد جاء المطر وامتلأت الغدران، والكلب ينبح السحاب من الحاج المطر.
وقال الأفوه الأودي وذكر سحاباً:
فباتتْ كلابُ الحي ينبحنَ مزنه ... وأضحتْ بناتُ الماءِ فيه تعمّجُ
أي تتلوى.
وقال آخر:
إذا عمى الكلبُ في ديمةٍ ... وأخرسَه الله في غير ضرِّ
يخرسه إفراط البرد، كما قالت الهذلية - وهي جنوب أخت عمرو ذي الكلب - وذكرت ليلة:
لا ينبحُ الكلبُ فيها غير واحدةٍ ... من العشاءِ ولا تسرى أفاعيها
وقوله عمى الكلب مثل قول الآخر - مرة بن محكان - :
وليلةٌ من جمادي ذات أنديةٍ ... لا يبصرُ الكلبُ من ظلمائها الطُنُبا
وقال الفرزدق:
ولا يدعُ للأضيافِ إلا الفتى الذي ... إذا ما ابى أن ينبحَ الكلبُ أوقدا
يأبى الكلب أن ينبح لشدة البرد فيوقد ناره ليراها الطارقون، وقال الأعشى:
وتسخنُ ليلةٌ لا يستطيع ... نباحاً بها الكلب إلاّ هريرا
وأما قول الآخر:
مالكَ لا تنبحُ يا كلبَ الدّومِ ... قد كنتَ نبّاحاً فمالكَ اليوم
فإن هذا الرجل كان ينتظر عيراً له تجيء وكان الكلب إذا جاءت ينبح فاستبطأ العير فقال مالك لا تنبح أي ما للعير لا تجيء وقال ابن هرمة:
كيف يلقونني إذا نبحَ الكل ... بُ وراء الكسورِ نبحاً خفياً
من شدة البرد، وقال آخر:
ومبدٍ لي الشحناء بيني وبينه ... دعوتُ وقد طال السُرى فدعاني
يعني كلباً وذلك أن المسافر إذا كان في الليل فلم يدر أين البيوت نبح ليُسمع الكلاب فتجيبه وتنبح له أي لما نبح للكلب نبح الكلب فجعل ذلك دعاء، وقال الكميت يمدح قوماً:
ولا لقاحهُم إلا مُعَودة ... ذل الكلابِ وأن لا تسمنُ الفُصُلُ
ذل الكلاب أن لا تنبح الأضياف، وأن لا تسمن الفصل لأنهم يسقون ألبان الأمهات، وقال آخر في مثله:
وما يك فيّ من عيبٍ فإني ... جبانُ الكلبِ مهزولُ الفصيلِ
وقال حاتم:
إذا ما بخيلُ القومِ هرّت كلابُه ... وشقَّ على الضيفِ الغريبِ عقورها
فإني جبانُ الكلبِ بيتي موطأ ... جوادٌ إذا ما النفسُ شحَّ ضميرُها
وإن كلابي قد أقرت وعُودت ... قليل على من يعتريها هريرها
وقال آخر وذكر ضيفاً:
حبيبٌ إلى كلبِ الكريمِ مُناخُه ... كريهٌ إلى الكوماءِ والكلب أبصرُ
يحب الكلب مناخه لأنهم ينحرون له فيأكل الكلب ويخصب، وتكرهه الناقة السمينة لأنها تخاف النحر، وقال ابن هرمة:
وفرحةٌ من كلابِ الحي يتبعها ... شحمٌ يزفُ به الراعي وترعيبُ
الأسعر بن حمران الجعفي:
باتتْ كلابُ الحي تنبحُ بيننا ... يأكلنَ دعلجةً ويشبعُ من عفا
الدعلجة الاختلاف يقال بينهم دعلجة، وقال الحطيئة:
تسدينها من بعد ما نام ظالع ال ... كلاب وأخبى ناره كل موقد
الظالع من الكلاب لا يسفد حتى يسفد الكلاب كلها لضعفه، ويقال في مثل - أفعل ذاك إذا نام ظالع الكلاب - أي في آخر الأوقات لأن الظالع لا ينام إلا بعد الكلاب كلها، وقال حميد بن ثور وذكر امرأة:
فقامت تعشى ساعة ما يطيقُها ... من الناسِ نامتها الكلابُ الظوالعُ
وقال أبو ذؤيب وذكر امرأة:
بأطيبِ من فيها إذا جئتَ طارقاً ... وأشهى إذا نامت كلابُ الأسافلِ
قال الأصمعي: كلاب الأسافل يريد أسافل الأحوية يكون فيها الرعاء والكلاب وهم آخر من يهدأ، وقال رؤبة:
لاقيتُ مطلاً كنعاسِ الكلبِ ... وعدة عُجتُ عليها صحبي
يقول مطلاً دائماً لأن الكلب تراه أبداً ناعساً مغضياً عينيه وإنما يفعل هذا بالنهار فإما بالليل فلا، وقال أبو حية وذكر فلاة:
يكونُ بها دليلُ القومِ نجم ... كعينِ الكلبِ في هبىً قِباعِ

هذه الأرض جدبة ذات غبرة لا تبصر فيها النجوم فينظر الدليل إلى النجم الذي يهتدي به كأنه عين الكلب إنما يبدو له منه شيء يسير كأنه عين الكلب لأن الكلب ناعس أبداً مغض، في هبى يعني النجم في نجوم هبى وهي التي تراها مظلمة من القتام والواحد هاب مثل غاز وغزى قباع قد قبعت في الغبار دخلت فيه ويقال للقنفذ إذا أدخل رأسه قد قبع.
وقال الأخطل يهجو رجلاً:
سَبنتَي يظل الكلبُ يمضغ ثوبه ... له في ديار الغانيات طريق
السبنتي الجريء، ولذلك قيل للنمر سبنتي، يمضغ الكلب ثوبه من أنسه به ومعرفته له، يريد أنه يخالف إلى جاراته فيدارى الكلاب بالشيء يطعمها إياه فهي آنسة به، وقال آخر:
إني لعفٍّ عن زيارة جارتي ... وإني لمنشوءٍ إليَّ اغتيابها
إذا غابَ عنها بعلُها لم أكنْ لها ... زؤوراً ولم تأنسْ إليَّ كلابها
وقال الفرزدق:
وضاربةٌ ما مر إلا اقتسمنه ... عليهنَ خوّاضَ إلى الطِنء مخَشفُ
ضاربة كلاب، يقول إذا مر بهن أحد لريبة اقتسمنه بالنهش والخدش، والطنء الريبة والتهمة، مخشف سريع في أموره ومروره دليل يقال خشف يخشف خشفاً، وقال الأعشى - وهو أعشى تغلب واسمه عمرو بن الأيهم - :
إذا حلّت معاويةٌ بن عمرو ... على الأطواءِ خنَّقتِ الكلابا
يهجوهم يقول يخنقون الكلاب لئلا تنبح فيستدل بذلك الأضياف.
وقال الحطيئة:
دفعَت إليه وهو يخنقُ كلبه ... ألا كلُ كلبٍ لا أبا لك نابحُ
وقال الكميت:
وأحلب إسمعيل فيها ومنذر ... بأوبط من كيدِ الفراشةِ والجُعَلِ
ليستبعيا كلباً بهيماً مخزّماً ... ومن يك أفيالاً أبوته يفِلِ
أحلب أعان، أوبط أضعف، يستبعيا يستعينا وأصل البعو الجناية يقال بعا عليهم فهو باع، بهيم أسود لا لون فيه غير لونه وجعله كذلك لأنه يقال إن الأسود البهيم شيطان، مخزم خزم أنفه بخزامة من ذله، شبه رجلاً بهذا الكلب، والأفيال واحدهم فيل وهو الكثير الخطأ، وأبوته آباؤه جمع أبا على فعولة كما يقال صقر وصقورة وحمو وحموة وكذلك أب وأبوة.
أنشد أبو عبيدة:
أرسلت أسداً على سودِ الكلابِ فقد ... أمسى شريدُهم في الأرض فُلاّد
قال لأن سود الكلاب أكثرها عقوراً ولذلك أمر بقتل الكلاب السود منها.
قال وهي للذئاب وأنشد: " كخوفِ الذئبِ من سودِ الكلابِ " وأنكر على من يرويه: من بقع الكلاب، وأنشد غيره:
إذا تخازرتُ وما بي من خَزرٍ ... ثم كسرتُ العينَ من غير عَورِ
لقيتني ألوى بعيدُ المستمرِ ... أبذي إذا بوذيتُ من كلبٍ ذكرِ
أسود قزّاح يغذّى في الشجر
قزاح يقزح ببوله يزج به ويغذى ببوله.
وقال الخذلي:
أأجعلُ نفسي عدل عِلج كأنما ... يموتُ به كلبٌ إذا ماتَ أبقعُ
قال البقع شر الكلاب والتبقع هجنة وسوادها أكثرها عقوراً وهي للذئاب وهي شرها، وخيرها ما شاكه الأسد في لونه.
وقال الراجز:
كأنه ملبّسٌ درانكا ... يقصر يمشي ويطول باركا
أراد يقصر ماشياً، ومما يتحاجى الناس به: ما شيء إذا قام كان أقصر منه إذا قعد، يريدون الكلب لأن قعوده إقعاء.
وقال عمر بن لجأ:
عليه حنوا قتَبٍ مستقدمٍ ... مقعٍ كإقعاءِ الكليبِ المعصِمِ
وقال مزرد وذكر ضيفاً نزل به فأمر بإطعامه:
فجاءا بخرشاوى، شعيرٍ عليهما ... كراديسٍ من أوصال أعقد سافدِ
الأعقد الكلب الرافع ذنبه على ظهره وإذا كان سافداً فهو أشد لهزاله وأخبث للحمه، أخبرك أنه قرى ذيفه لحم كلب، وقال ابن الأعرابي أراد تيساً. وقال مساور بن هند:
إذا أسدية ولدت غلاماً ... فبشرها بلؤم من الغلامِ
يخرّسها نساء بني دُبير ... بأخبث ما يجدنَ من الطعامِ
ترى أظفارَ أعقد ملقياتٍ ... براثنُها على وضَمِ الثُمامِ
يخرسها من الخرسة وهو ما تطعمه النساء يريد أنها تطعم لحم الكلب.
وقال الفرزدق:
إذا أسدى جاعَ يوماً ببلدةٍ ... وكان سميناً كلبُه فهو آكله
وقال مساور:
بني أسدٍ إن تُمحل العامُ فقَعس ... فهذا إذاً دهرُ الكلابِ وعامُها

وقول العرب في مثل أمثالها " فلان يثير الكلاب عن مرابضها " يراد به لؤمه وطمعه وأنه يثيرها يطمع أن يجد في مواضعها شيئاً يأكله، ومن أمثالهم " ألأم من كلب على عَرق " ومن أمثالهم " سمن كلب في جوع أهله " وذلك إذا وقع في الإبل السُواف فماتت فأكل، وأنشدني الرياشي:
قد شيّب الرأسُ حتى ابيضَّ مفرقهُ ... أن قلتَ يا عمرو إني نابحُ الظّرِبِ
وفسره غيره فقال هذا رجل به الكلب فهو ينبح على الظرب وهو دون الجبل، قال والكلب الكلِب إذا عض إنساناً إحاله نباحاً مثله ثم أحبله وألقحه بأجر صغار يراها علقاً في صورة الكلاب، وقال ابن فسوة عتيبة بن مرداس وكان به الكلَب فداواه ابن المحل فأخرج اجرى الكلاب علقاً مثل صور النمل فبرأ.
لولا دواءُ ابن المُحِلّ وعلمه ... هررت إذا ما الناس هرَّ كليبُها
وأخرج بعد الله أولاد زارعٍ ... مولّعة أكتافها وجنوبها
الكليب جمع كلب مثل عبد وعبيد، وأولاد زارع الكلاب، وقال امرأة في رجل أصابه الكلَب:
أبالك أدراصاً وأولاد زارعٍ ... وتلك لعمري نُهيةُ المتعجّبِ
ويقولون أن دماء الملوك شفاء من الكلب، قال رجل من كندة لبني أسد في قتلهم حُجراً:
عبيد العصا حُبتم بقتل ربيبكم ... تريقون تامورا شفاء من الكلَب
التامور الدم، وقال الفرزدق:
ولو شرب الكلَبي المراض دماءنا ... شفتها وذو الخبل الذي هو أدنف
وقال آخر:
بُناة مكارم وأساة كلم ... دماؤهم من الكلَب الشفاء
وقال دريد بن الصمة حين ضرب امرأته بالسيف ليقتلها فسلمت:
اقرّ العين أن عُصبت يداها ... وما أن تعصبان على خضاب
وابقاهن انّ لهن جنا ... وواقية كواقية الكلاب
يقال أن على الكلاب واقية من عبث الصبيان والسفهاء بها، وقال آخر:
إني وأتيي ابن غلاّق ليقريني ... كالغابط الكلب يبغى الطِرق في الذنب
الغابط الذي يجسّ الموضع من الشاة لينظر أسمينة هي أم لا، والطرق الشحم، وقال أعرابي يوصي بكلبه:
استوص خيراً به فإن له ... عندي يداً لا أزال أحمدها
يدل ضيفي عليّ في غسق ال ... ليل إذا النار خف موقدها

أبيات المعاني في الأسد
قال أبو زبيد يذكر الأسد:
بِثنْيِ القريتيْنِ له عيالُ ... بنوه ومُلمِع نصف ضَروسُ
الثِني العقبة، والملع التي قد قاربت أن تضع فاشرق ضروعها، ضروس عضوض يريد لبؤة، نصَف ليست بشابة.
غُذين بكلِ منعفرٍ سليبِ ... يجاء به وقد نسَل الدريسُ
نسل سقط، والدريس خلقان الثياب.
رأى بالمستوى سفْراً وعيراً ... أُصيلالاً وُجنته الغميسُ
أصيلالاً عشية، وجنته سترته، والغميس الأجمة التي ينغمس فيها وقيل الظلمة.
تواصوا بالسَّرى هَجراً وقالوا ... إذا ما ابتزّ أمرَكم النعوسُ
فإياكم وهذا العرق واسموا ... لموماة مآخذُها مليسُ
يقول تواصلوا نصف النهار بأن يتحفظوا في سرى ليلهم من الأسد، والنعوس الذي يحرسهم فينام، والعرق واحد العراق، يقول سيروا في موماة ملساء فإن جاءكم الأسد رأيتموه.
وحُقوا بالرحال على المطايا ... وضُمّوا كل ذي قَرنٍ وكيسوا
القرن الكنانة، يقول ضموا إليكم الرماة، ويكون أيضاً أن يضموا إليهم كلهم ذي قرن من أبلهم والقرن الحبل، وروى الأصمعي: وزموا كل ذي قرن - يقول اجعلوا الأوتار في أفواق سهامكم، ويقال يصف مخالبه:
بسُمر كالمجالقِ في فُتوخٍ ... يقيها قَضةَ الأرضِ الدخيسُ
السمر المخالب، والمحالق المواسي شبهها بها في حدتها، ويروى كالمعابل وهي نصال سهام، لي فتوخ في استرخاء ولين، والقضة الحصى الصغار، والدخيس اللحم الذي في كفيه.
كأنّ بنحرهِ وبمنكبيْه ... عبيراً بات تعبؤه عروسُ
العبير عند العرب الزعفِران، تعبؤه تهيئه.
وقال يصف الأسد وما في عرينه:
ومن فلائلٍ هامَ القومُ محتلِقاً ... بمستحى من أمينِ الجلدِ إتعابا

الفلائل واحدتها فليلة وهي الخصلة من الشعر، بمستحى أي بمقشور من الجلد قشر بإتعاب وهو مفتعل من سحوت القرطاس أي قشرته.
ومن سرابيلِ أهبابٍ مضرّجةٍ ... بصائكٍ من دمِ الأجوافِ قد رابا
أهباب أخلاق من الثياب والصائك الدم الذي له ريح، راب أي غلظ كما يروب اللبن.
كأنَّ أثوابَ نقادٍ قُدرنَ له ... يعلو بخملتِها كهباءِ هُدّابا
النقاد صاحب النقَد وهي الغنم الصغار، شبه جلد الأسد وشعره المتدلي بالقطيفة التي على الراعي.
وقال يصفه حين زجره القوم:
كأنما كان تأييها ليأتيهم ... في كل إيعادهِ يدنو تقرّابا
التأييه الدعاء، يقول كأن زجرهم إياه ليتنحى عنهم فكأنه إنما كان ليأتيهم.
وثارَ إعصارٌ هيجا بينهم وجلوا ... يضيء محراثُهم جمراً وإحطابا
هذا مثل، يريد بالجمر نار الحرب بينهم، والمحراث ما حُرك به النار أي سلاحهم يستثير نار الحرب.
وقال يصفه:
وَرَدَ كأن على أكتادهِ حَرَجاً ... في قَرطفٍ من نسيلِ البُخت مخدورِ
الكتد مغرز العنق في الكاهل، والحرج الهودج، شبه ما على كتده من الشعر بالحرج، والقرطف القطيفة، وقوله: من نسيل البخت أي هذا القطيفة متخذة مما نسل أي سقط من أوبار الإبل فقد جلل بها ذلك الهودج.
أو ذا شصائبٌ في أحنائهِ شمَمٌ ... رخو الملاطِ غبيظاً فوق صُرصورِ
الشصائب عيدان الرحل واحدها شصيبة، في أحناء الرحل وهي عيدانه، شمم أي ارتفاع، رخو الملاط أي لم يشد شداً جيداً والملاط جنب البعير وهو هاهنا جنب الرحل، والغبيط مركب النساء، والصرصور البازل من الإبل ويقال هو الفالج ويقال ولد البختية من العربي.
إذا تبهنس يمشي خلته وعثاً ... وعيَ السواعد منه بعد تكسير
تبهنس تبختر، وعثاً يمشي في وعث وهو ما كثر فيه الرمل، وعي السواعد يقول كأنها كانت قد انكسرت ثم جبرت بعد.
أقبل يريدي معاردي الحصانُ إلى ... مستعسبٌ أربُ منه بتمهيرِ
الرديان ضرب من العدو، والحصان الفرس، والمستعسب مثل المستطرق من العسب أي أقبل هذا الأسد إلى هؤلاء القوم كما يقبل هذا الفرس إلى هذا الرجل الذي معه هذه الفرس الأنثى، أرب ذو إربة وحاجة، بتمهير بطلب مهر، وعسب الفحل وطرقه سواء.
خان العذارَ بما في الرأسِ من طولٍ ... وسيّر الجلُ عنه أي تسييرِ
أي قصر عنه عذاره لطول رأسه، وسير الجل أي ألقاه.
وفي القوائمِ والأقربِ باقيةٌ ... منه هذاليل تبطين وتصديرِ
الأقرب الخواصر، والهذاليل المقطَّع وقوله تبطين وتصدير يقول بقي من الجل في موضع البطان والتصدير، شبه الأسد بالفرس في هذه الحال.
وصاحَ من صاحَ في الأجلابِ وابتعثت ... وعاثَ في كبّة الوعواعُ والعيرِ
الكبة الجماعة، والوعواع الصوت، وعاث أفسد، وابتعثت الإبل.
فكعكعوهُنَ في ضيقٍ وفي دهشِ ... ينزون من بين مأبوضٍ ومهجورِ
كعكعوهن كفوا إبلهم في ضيق، مأبوض مشدود بالإباض، وهو حبل يشد من العنق إلى الرجل.
للصدرِ منه عويلٌ فيه حشرجةَ ... كأنما هي في أحشاءِ مصدورِ
يريد هماهم الأسد كأنما هي في أحشاء رجل يشتكي صدره.
وغودِرَ السيفُ لم يخرج وخِلته ... أهبابُ دام على السربالِ معفورِ
خلة السيف بطانة جفنه وجمعها خلل، والأهباب الأخلاق المنقطعة، معفور قد انعفر في التراب.
ثم استمرَ إلى تَرجٍ فأسندَه ... إلى فريسينِ ذي كفلٍ وذي كورِ
أي مضى الأسد بهذا الرجل إلى ترج وهو موضعه، وأسنده إلى فريسين أي صريعين قد كان افترسهما قبل ذلك، ذي كفل يقول كان مكتفلاً بكساء له، وقال في أخرى:
تمهلِ رِبعياً وزايل شيخُه ... بمأربةٍ لما اعتلى وتمهرا
تمهرا تثبت، ربعياً في أول شباب أبيه، وزايل أباه بمأربة أي قضى إربه منه، لما اعتلى أي قوي على الصيد، وتمهر ومهر سواء.
وعايَشَه حتى رأى من قوامِهِ ... قَواماً وخلقاً خارجياً مصبّرا
أي عايش الجرو أباه حتى رأى من استقامة خلقه، مضبراً موثقاً.
تريبل لا مستوحشاً لصحابةٍ ... ولا طائشاً أخذا وإن كان أعسرا

تريبل صار ريبالاً، والأسد لا يضرب إلا بشماله.
خُبعِثنة في ساعديْهِ تزايلُ ... تقولُ وعيَ من بعدما قد تكسرا
خبعثنة ضخم يقول كأن ساعديه كسرا ثم جبرا، وقوله يصف أسنانه:
مطلن ولم يُلفتن في الرأس مثغَرا
مطلن طولن والأسد لا يسقط أسنانه، وقال يصف الأسد:
ينيخ نهار بالرفاق
أي ينيخ الرفاق من خوفه نهاراً، وقال في أخرى يصف الأسد:
له لِبَدٌ كاللبْدِ طارتْ رعابلاً ... وكتفانِ كالشرخينِ، عبل مضبرَ
اللبد ما تلبد من شعره على عنقه، والرعابل المتقطع، والشرخان عودان في مقدم الرحل وآخرته يتكئ عليهما الراكب والمضبر الموثق المحكم.
كأنّ غضوناً من لهاهِ وحلقهِ ... مغار هَيام عُدمُليّ منهوّرِ
الغضون ما تغضن بعضه على بعض من الجلد الذي فوق حلقه ولهاه، والهيام الرمل الذي يتناثر، والعدملي القديم، والمنهور الواسع أخذه من النهر، وقيل المنهور المتهدم، وقوله:
كأن الجوش منه مشجّر
الجوش والجاش الصدر، مشجر قد أدخل بعضه في بعض.
يعرّد منه ذو الحفاظِ مدججاً ... ويحبقُ منه الأحمري المدوّرِ
أي يفر الذي يحافظ على القتال، ويحبق يضرط الرجل الأحمر المدور السمين لأنه لا يقدر على الهرب فهو يضرط.
يظلُ مُغِبّاً عنده من فرائسٍ ... رُفات حطامٍ أو غرضٍ مُشرشرِ
يقال أغب اللحم إذا أنتن وغب أيضاً، غريض طري، مشرشر مقطع وقوله:
وراح على آثارهم يتقمر
أي يسير في القمر وينتظر أوبته.
ففاجأهُمْ يستّنُ ثاني عطفه ... له غببٌ كأ،ما باتُ يمكر
المكر المغرة، يقول كأنما خضب غببه بها، ويقال يمكر ينفخ يقال زق ممكور أي منفوخ، ومنه يقال امرأة ممكورة إذا كانت ممتلئة، وقال كثير يذكر أسداً:
يرى أن أُحدانَ الرجالِ غَفيرةٌ ... ويُقدم وسطَ الجمع والجمعُ حافلُ
غفيرة أي يغتفر الواحد لا يلتفت إليه من احتقاره إياه، وقال أوس:
ليث عليه من البرديّ هِبريةٌ ... كالمِزْبراني عيّالٌ بآصالِ
الهبرية ما تطاير من البردي، والمزبراني الشديد الزبرة وهو يعنيه كما تقول رأيت رجلاً ذي الهيئة، وأنت تعنيه والعيال يعيل أي يتبختر في مشيته يقول يتبختر بالعشيات، وقال مالك بن خالد الهذلي:
يحمي الصريمةُ أُحدانَ الرجالِ له ... صيدٌ ومستمعٌ بالليلِ هَجّاسِ
الصريمة موضع هاهنا، أحدان الرجال ما انفرد منهم، يقول لا يمر في هذا الموضع إلا الجماعة، ويقال الصريمة رميلة فيها شجر. وقال زهير:
يصطاد أحدانُ الرجالِ فما ... تنفكُ أجريه على ذُخْرِ
أجريه يغنى جراءه، على ذخر من لحوم الناس وقال العجاج:
ليث غاب لم يرم بأبس
الأبس أن يصغّر الرجل ويحقر.
يقال أبسه أبساً وأبّسته تأبيساً مثله، وقال الفرزدق:
هزبر هريت الشدق ريبال غابه ... إذا سار عزّته يداه وكاهله
ريبال يصيد وحده، يقال خرج الناس يتريبلون إذا خرجوا للغارة والسرق متخففين، غابة أجمة إذا سار من قولك هو يسور، عزته يداه وكاهله أي صار أعظم شيء فيه، وقال أبو النجم يصف أسداً:
كان سفّافاً بخوص سفَفَاً ... من سعفَ النخل كميتاً سعفا
السفاف الذي يعمل السفيف من الخوص أراد سفف سعفاً كميتاً من سعف النخل فقدم النعت، كميت أحمر، يقول السعف يابس قد احمر.
ناطَ على المتنيْنِ منه خصفاً ... وابتزَّ منه الصدرُ بطناً أهيفا
ناط علّق على متني الأسد، خصفاً أي جلال الواحدة خصفة وسميت الجلة بذلك لأنها تخاط، وابتز منه - يقول: صدره عظيم وبطنه خميص فكأن الصدر غلب البطن على السمن.
وإن رآهُ مدلجُ تلهّفا ... وصدّقَ الظنَ الذي تخوّفا
تلهف قال والهفاه، وصدق الأسد خوفه:
عدواً وإلهاباً يمد الطفطفا
يقول إذا امتد في عدوه امتدت خواصره.
كأن عينيْه إذا ما ألغفا ... الشعريان لاحتا بعد الشَفا
ألغف وألعف أولع به ويقال ألغف وألعف ولغ في الدم وهما سواء وشبههما بالشعريين بعد دنو الشمس للمغيب لأنهما في أول الليل حمراوان ثم تبيضان بعد ذلك في الليل، يقول فعيناه حمراوان، وقال عمرو بن معدي كرب:

بعفُروسٍ تبادرهُ يداهُ ... وصمصامٌ يصممُ في العظامِ
العفروس الأسد تبادره يداه أنه اضبط يعمل بيديه جميعاً عملاً واحداً، وقال لبيد:
أو ذو زوائدٍ لا يطاقُ بأرضِه ... يغشى المهجهجُ كالذَنوبِ المرسلِ
في أرساغه زوائد مثل الزوائد في الأصابع، والمهجهج الذي يصيح به ويزجره، يقول يغشاه ولا يباليه كالذنوب وهو الدلو قد أرسل في سرعته. وقال القطامي:
لعل الصيدَ سوف يصيرُ شثناً ... يبينُ حين ينهِمُ أو يقومُ
يقول لعلك تطلب صيداً فتقع على أسد، والشثن الغليظ الكف.
وقال ابن هرمة يصف أسداً:
مطرقاً يُكذِبُ عن أعدائه ... ينقضُ الكلم إذا الكلم التأمَ
يكذب عنهم إذا قال إنسان لأعداء هذا الأسد من القوم أنه لا يقدم عليهم جبناً أكذب هو ذاك وظهر منه أنه إنما امتنع من الإقدام عليه - ؟ - لخبث الأسد وشدته، وقال الأعشى:
فلم يسبقوه أن تلافي رهينةً ... قليلُ المساكِ عنده غير مفتدي
يقول ارتهن من القوم رهينة قليل البقاء عنده لا يفتدي نفسه منه كما يفتدى الأسير.
فأسمع أولى الدعوتيْنِ صحابَه ... وكان التي لا يسمعون لها قَدي
يقول دعا فأسمع ثم دعا ثانية لم يرفع بها صوته حتى أتى على نفسه وكانت قد، أي حسب، وقال رجل من بني أسد:
رضينا بحظِ الليثِ طُعماً وشهوةً ... فسائل أخا الحلفاءِ إن كنتَ لا تدري
بنو أسد تعير بأكل لحوم الكلاب والأسد يأكل الكلاب ويحرص على لحومها، وأخو الحلفاء الأسد لأنه يسكن الحلفاء في الغياض، وقال الشاعر - الفرزدق:
إذا أسديّ جاعَ يوماً ببلدةٍ ... وكان سميناً كلبُه فهو آكلهُ
وقد مر في هذا أبيات في باب الكلاب.
وقال ساعدة بن جؤية يذكر أسداً:
إذا احتضرَ الصُرمُ الجميع فإنه ... إذا ما أراحوا حضرةَ الدارِ ينهدُ
أي إذا احتضروا نهدلهم، ومثله: لما رأى العدو نهدلهم، يريد أراحوا إبلهم حضرة الدار، والصرم هم الجماعة من البيوت، والجميع أهل الحِواء ما بين ثلاثين بيتاً إلى أربعين بيتاً، يريد أنه ينهض إليهم إذا اجتمعوا وأراحوا إبلهم فهدرت ولم يكترث لهم جرأة وشجاعة.
وقاموا قياماً بالفجاجِ وأوصدوا ... وجاءَ إليهم مقبلاً يتورَّدُ
أوصدوا صاروا في الوصيد وهو الفناء، أراد حضروا الدار، يتورد يغشاهم في بيوتهم، والفجاج الطرق.
يقصّم أعناقَ المطيّ كأنما ... بمفرجٍ لحييه الزِجاجُ الموتدُ
يقول كأن زجاج الرماح وتدت مكان أنيابه، يقصم يكسر، وقال مالك بن خالد الهذلي:
يا ميُّ لا يعجز الأيام مجترئ ... في حومة الموتِ رزّام وفرَاسُ
أحمي الصريمة أُحدان الرجال له ... صيد ومستمع بالليل هجّاسُ
مجترئ من الجرأة، رزام يرزم على قرنه أي يبرك، والصريمة رميلة فيها شجر، وأحمي جعلها حمي يقال أحميت المكان جعلته حمى لا يقرب، ومستمع نعت له بكسر الميم، والهجس الاستماع.
الأصمعي قال أنشدني عيسى بن عمرو:
يصطاد أُحدان الرجالِ وإن يجدَ ... ثناءهم يفرحُ بهم ثم يزددُ
وقال أبو الطمحان القيني وذكر أسداً:
يظلُتغنيه الغرانيقُ فوقه ... أباء وغيل فوقه متآصِرُ
يقول هو في أجمة فيها طير الماء فهي تصوت واحدها غُرنَيق.
وقال المعطل الهذلي:
كأنهم يخشونَ منك محرَّبا ... بحليةٍ مشبوحِ الذراعينِ مهزَعا
المحرب المغيظ، يعني أسداً، مشبوح الذراعين عريضهما، مهزع مدق يقال تهزعت عظامه إذا تكسرت.
له أيكةٌ لا يأمنُ الناسُ غينُها ... حمى رفرفاً منها سباطاً وخِروعا
قال الأصمعي: لا أدري ما الرفرف هاهنا.
وقال غيره الأيكة الشجر الملتف والرفرف أصله ما انعطف واسترخى أراد ما تهدل من غصون الشجر، والخروع النبت الناعم الأخضر، والسباط الممد.
وقال أبو زُبَيد يصف أسداً:
أقبلَ يردي معاً رَدْي الحصانِ إلى ... مستعسبٍ أربٍ منه بتمهيرِ
وقال الكميت:
صارتْ هناك لبصريّيكَ دولتُهم بعد الذي أنتَ فيه الهترك البِيد
الهترك الأسد، والبيد الذي يبيد كل شيء.

أبيات المعاني في الغراب
قال كعب بن زهير:

وحَمشَ بصيرُ المقلتينِ كأنه ... إذا ما مشي مستكرهَ الريحِ أقزلَ
حمش يعني الغراب يقول هو دقيق الساقين، مستكره الريح أي يستقبل الريح وترده، والأقزل الأعرج.
يكادُ يرى ما لا ترى عينٌ واحد ... يثير له ما غيّب الترب مِعولَ
يقول يبلغ نظره ما لا يبلغه واحد، معول منقار مثل الفأس يستخرج به ما في التراب.
الغردة جمع غِرد وهو كمء صغير ويقال له مُغرود والجمع مغاريد وقالوا غِرْد وغِرَدة كما قالوا فِقْع وفِقَعة للكمأة أيضاً ويقال فقع أيضاً بفتح الفاء، قالوا الغراب أعرف شيء بموضع الكمأة.
وقال النابغة:
ولرهطِ حرّابٍ وقدٍّ سُورة ... في المجدِ ليس غرابُها بمطارِ
السورة الفضيلة والشرف، ليس غرابها بمطار أي هو ثابت، فهذا مثل أصله أن المكان إذا وصف بالخِصب وكثرة الشجر والنخل قيل لا يطير غرابه، يراد أنه يقع في المكان فيجد ما يشبع به فلا يحتاج إلى أن يتحول عنه فضربه مثلاً لمجدهم أي مجدهم ثابت كثير.
وقال آخر:
يا عجباً للعجبِ العجابِ ... خمسةُ غربانٍ على غرابِ
هذا رأى خمسة غربان على غراب بعير قد مات، والغراب رأس الورك المتصل بالصلب، وهو من الإنسان الحرقفة ومن الفرس القطاة.
وقال:
سأرفع قولاً للحصينِ ومالكٍ ... تطيرُ به الغربانُ شطرَ المواسمِ
يريد هجاء يسير به الركبان نحو المواسم، والغربان غربان الإبل واحدها غراب وهو مقعد الراكب، وقال ابن ميادة:
ألا طرقَتْنا أمُ أوسٍ ودونها ... حِراج من الظلماءِ يعشى غرابُها
خص الغراب لصحة بصره، يقال أبصر من غراب وأصفى عيناً من غراب، فإذا عشى الغراب من هذه الظلمة فكيف غيره، وإنما قيل للغراب أعور لحدة بصره على الضد كما قيل للحبشي أبو البيضاء وللفلاة مفازة، قال الكميت:
نطعمُ الجيألَ اللهيدَ من الكُو ... مِ ولم ندعْ من يشيطُ الجَزورا
والحوارُ التِمام ذا السر منه ... ن صحاح العيونِ يدعينَ عورا
الجيأل الضبع، واللهيد من الكوم مثل الحسير، يشيط ينحر، ونطعم الحوار صحاح العيون يعني الغربان، وقال آخر لرجل طويل العمر صحيح البدن:
قد أصبحتْ دارُ آدمٍ خربت ... وأنت فيها كأنك الوتدُ
تسألُ غربانُها إذا حجلتْ ... كيف يكون الصداعُ والرمدُ
خص الغراب بالمسألة لصحة بصره وبدنه يقال فلان أصح من غراب، وقال أبو الطمحان:
إذا شاءَ راعيها استقى من وقيعةٍ ... كعين الغرابِ صفوها لم يكدَّرُ
وقال آخر:
قد قلت يوماً للغرابِ إذ حجل ... عليك بالقُودِ المسانيف الأولُ
تغدَ ما شئت على غير عجل
المسانيف المتقدمات يقول للغراب تغد مما عليها فإنها قد تقدمت الإبل والركاب فليس أحد يعجلك ولا ينفرك.
وقال آخر في مثله - والرجز للاجلح ويقال للجليح بن شميذ - :
تقدمُها كل عَلاةٍ عِليانِ ... حمراءٍ من معرّضات الغربانِ
علاة مشرفة وإذا قيل كعلاة القين فهو الصلاية، والعلاة السندان، حمراء يقال أجلد الإبل وأصبرها الحمر، معرضات مهديات من العُراضة وهي الهدية يعني أن الناقة تتقدم الإبل فتأكل الغربان من التمر الذي عليها لتباعدها من الحادي، وقال الكميت يمدح رجلاً في غزاته:
في داره حين يغدو من وضائِعه ... مالَ تنافسه الغربانُ والرَخمُ
يقول إذا حسر بعير أو وجيت دابة ترك ذلك للسباع والطير ولم يرج شيئاً منها ولم ينحره لسرعته في السير، وقال الراعي:
بملحمةٍ لا يستقلُ غرابُها ... دفيفاً ويمشي الذئبُ فيها مع النسرِ
الملحمة موضع القتال، لا يستقل غرابها أي لا يطير مخلفاً فيذهب ولكنه يطير عن قتيل ويقع على آخر، وقوله ويمشي الذئب فيها مع النسر يقول قد تملأ النسر فليس يقدر على الطيران كما قال في العقاب:
قَرى الطيرَ بعد الناس زِيد فأصبحتُ ... بساحةِ زِيدٍ ما يدف عقابها
أي لا يقدر على الدفيف لشبعه وثقله، وكما قال الآخر - تأبط شراً:
وعناقُ الطيرِ تهفو بطاناً ... تتخطاهم فما تستقلُ
وقال آخر لناقته:

فمثلكَ أو خير تركت رذيةً ... تقلبُ عينيْها إذا مر طائرُ
يعني الغراب وذلك أنه يقع على دبر الإبل، والعرب تسمي الغراب ابن داية لأنه إذا وجد دبرة في ظهر البعير سقط عليها ونقرها حتى يبلغ الدايات، وقال أبو حية:
وإذا تحلّ قتودَها بتنوفةٍ ... مرّت تُليحُ من الغرابِ الأعورِ
تليح تُشفق من الغراب الأعور لوقوعه على الدبر وإذا كان بظهر البعير دبرة غرزوا في سنامه إما قوادم ريش أسود وإما خرقاً سوداً ليفزع الغراب فلا يقع عليه، وقال الشاعر - وهو ذو الخرق الطُهَوي:
لما رأتْ إبلي جاءت حمولتُها ... هَزلي عِجافاً عليها الريشُ والخِرقُ
وقال آخر:
كأنها ريشةٌ في غاربِ دبِرٍ ... في حيث ما صرفتها الريحُ تنصرفُ
وقول الآخر:
يهبُ الجيادُ بريشِها ورعائها ... كالليلِ قبل صباحه المتبلّجِ
فأنه لم يرد ريش الدبر وإنما أراد ريشاً يغرز في أسنمتها علامة لها وذلك إذا كانت الملك فدفعها وأراد تشريف صاحبها، ويروى أن نابغة بني ذبيان رجع من عند النعمان بن المنذر وقد وهب له من عصافيره بريشها.
وقال الراعي يذكر إبلاً دبرة:
رأيتَ رُدافيّ فوقها من قبيلةٍ ... من الطيرِ يدعوها أحمُّ تشُخوجِ
يقول يقع الغراب على دبرها، رُدافى ما ترادف، أحم غراب أسود، وقال الفرزدق:
إذا ما نزلنا قاتلت عن ظهورِها ... حراجيجُ أمثالِ الأهلة شُسَّف
يقول يقع الغربان على دبرها فتقاتل عن ظهورها، وحراجيج مرفوع لأنها فاعلة ولم يذكر المفعول، شسف يابسة، وقال الأخطل وذكر إبلاً:
إذا كلفوهُنَ الفيافي لم يزل ... غرابٌ على عوجاءٍ منهن أو سَقب
عوجاء اعوجت من الهزال، والسقب الصغير، يقول هن يتقدمن فيقع الغربان على الدبرة منهن والجنين الذي تلقيه، وقال يصف نساءً:
نواعمٌ لم يقظنَ بجُدّ مَقل ... ولم يقذفنَ عن حفّضٍ غرابا
الجد البئر جيدة الموضع من الكلاء، والحفض البعير الذي يحمل عليه القوم متاعهم وكل ردى وسقط من متاع أو غيره فهو حفض، والغراب يقع على البعير الدبر يقول فهن لا يرمين الغراب لأنهن خفرات.
؟

الأبيات في التطير من الغربان
وغيرها
قال المرقش - السدوسي:
ولقد غدوتُ وكنتُ لا ... أغدو على واقٍ وحاتمِ
فإذا الأشائمُ كالأيا ... من والأيامنُ كالأشائمِ
الحاتم الغراب لأنه يحتم بالبين والفراق، وقال عوف بن الخرِع:
ولكني أهجو صفي بن ثابتٍمثبّجة لاقت من الطيرِ حاتما
والواقي الصرد.
وقال آخر:
وليس بهيّابٍ إذا شدّ رحلَه ... يقولُ عداني اليوم واقٍ وحاتمِ
ولكنه يمضي على ذاك مقدماً ... إذا صدّ عن تلك الهناتِ الخُثارمِ
الخثارم المتطير من الرجال، وأنشد الأصمعي:
وهوّن وجدي إنني لم أكن لهم ... غرابَ شمالٍ ينتفُ الريشَ حاتما
يقال مر له طير شمال أي طير شؤم.
وقال الطرماح:
وجرى بالذي أخاف من البي ... ن لعين ينوض كل مناضِ
صيدحيِ الضحى كأن نساهُ ... حين يحتثُّ رجله في إباضِ
اللعين الغراب، ينوض يذهب، صيدحي في صوته من صدح يصدح، والغراب يوصف بشنج النسا، يقول فهو يحجل إذا مشى كأنه مأبوض والإباض حبل يشد من رسغ البعير إلى مأبضه.
وقال ذو الرمة يصف الغربان:
ومستشحجاتٌ بالفراقِ كأنها ... مثاكيلٌ من صُيابةِ النوبِ نوح
مستشحجاتٌ غربان استُشحجن فشحجن، شبهها بنساء مثاكيل من النوب وصيابة النوب خالصهم يقال فلان من صيابة قومه أي من صميمهم، وإنما قيل غراب البين لأنه إذا بان أهل الدار للنجعة وقع في موضع بيوتهم يلتمس ويتقمم فتشاءموا به وتطيروا إذا كان يعتري منازلهم إذا بانوا، ويقال إنما سمي غراب البين لأنه بان عن نوح عليه السلام واغترب، وليس شيء مما يزجرونه من الطير والظباء وغيرها أنكد منه ولست تراه محموداً في شيء من الأحوال ويشتقون من اسمه الغُربة.
قال الشاعر:
دعى صردٌ يوماً على غصنٍ شوحطٍ ... وصاحَ بذاتِ البينِ منها غرابُها

فقلتُ أتصريدٌ وشحطٌ وغُربةٌ ... فهذا لعمري نأْيُها واغترابُها
وقال سوار بن المضرب:
تغنى الطائرانِ بنأي سلمى ... على غضنيْن من غَربٍ وبانِ
فكان البانُ أن بانَتْ سليمى ... وبالغربِ اغترابٌ غيرُ دانِ
فزجر في الغرب الغربة كما زجر الآخر في الغراب الاغتراب.
وقال الآخر، وهو جران العود:
جرى يومٌ جئنا بالركابِ نزفّها ... عقابٌ وشحّاج من الطيرِ مَتيْحُ
شحاج غراب، متيح يأتي من كل وجه.
فأما العقابُ فهي منها عقوبةٌ ... وأما الغرابُ فالغريبُ المطرّحُ
فهذا كما ترى وقد زجر في العقاب الشر.
وقال آخر:
وقالوا عقابٌ قلتُ عُقبى من النوى ... دنتْ بعد هجرٍ منهم ونُزوحُ
فزجر - في - العقاب الخير، ثم قال:
وقالوا حمامٌ قلتُ حُمّ لقاؤها ... وعادَ لنا حلو الشبابِ مروحُ
وقالوا تغنّى هدهدٌ فوق بانةٍ ... فقلتُ هدى يغدو به ويروحُ
فالشاعر إن شاء جعل العقاب وإن شاء جعله عقبى خير، وإن شاء جعل الحمام حِماماً وحمَّى وإن شاء قال حم لقاؤها، ولم نرهم زجروا في الغراب شيئاً من الخير، قال الكميت:
وكان اسمُكم لو يزجرُ الطير عائف ... لبينكم طيراً مبينةَ الفالِ
أي اسمكم جذام والزجر فيه الانجذام وهو الانقطاع، وقال يمدح زياداً:
واسمُ امرئ طيرهُ لا الظبي معترضاً ... ولا النغيقُ من الشحاجةِ النُعُبِ
يقول اسمه زياد فالزجر فيه الزيادة، والشحاجة الغربان.
قال الشماخ:
وظلَ غرابُ البيْنِ منقبضَ النسا ... له في ديارِ الجارتيْنِ نغيقُ
أي شنج النسا، وقال العجاج:
نَحي حييّاً بعد ما تلهّفا ... وخالَ جريَ الشاحِجاتِ تَلفا
الشاحجات الغربان أي تطير منها وخالها تُجرى بالتلف، ويقال شحَج الغراب إذا أسن فغلظ صوته.
وقال سلامة بن جندل أو علقمة:
ومن تعرَّضَ للغربان يزجرُها ... على سلامتِه لا بد مشؤومُ
وقال الكميت:
ألِلورُقُ الهواتفُ أم لباك ... عمٍ عمّا يُزَن به غَفولُ
الباكي الغراب يقول يزن أنه ينعب بالفراق وهو غافل عن ذلك، وقال زبّان بن سيار:
تعلَّم أنه لا طيرُ إلا ... على متطيرٍ وهو الثُبورُ
بلى شيء يوافق بعض شيءٍ ... أحاييناً وباطلُه كثيرُ
يقول هذا للنابغة وكان خرج معه للغزو فرأى جرادة فقال تَجرد وذات ألوان، فانصرف متطيراً ومضى زبان فغنم وسلم فلما قفل قال شعراً فيه هذان البيتان، وكانوا لا يأكلون لحم الغراب لإفراط بغضهم له ويعير بعضهم بعضاً بأكله.
وقال وعلة الجرمي:
لهانَ العام ما غيرتمونا ... شِواء الناهضاتِ مع الخبيصِ
فما لحمُ الغرابِ لنا بزادٍ ... ولا سرطانِ أنهارِ البريصِ

الأبيات في سائر ما يتطير منه وما يستدفع به
قال امرؤ القيس:
مرسعةٌ وسطَ أرباعِهِ ... به عسَمٌ يبتغي أرنبا
ليجعلَ في كفِه كعبَها ... حِذارِ المنية أن يعطّبا
كانت العرب في الجاهلية تقول من علّق عليه كعب أرنب لم تصبه عين ولا نفس ولا سحر وكانت عليه واقية من الجن لأن الجن تهرب منها للحيض ولا تمتطيها، وقال عروة بن الورد:
وكانوا إذا دخل أحدهم قرية خاف منالجن أهلها أو من وباء الحاضرة أشد الخوف إلا أن يقف على باب القرية فيعشر كما يعشّر الحمار في نهيقه ويعلق عليه كعب أرنب، وقال آخر:
ولا ينفعُ التعشيرُ في بابِ قريةٍ ... ولا دعدعٌ يغني ولا كعبُ أرنبِ
دعدع كلمة تقال عند العِثار، وقالت امرأة يهودية:
وليس لوالدةٍ نفثها ... ولا قولها لابنها دعدعِ
فربكَ يحدث أحواله ... وربكَ أعلمُ بالمَصرعِ
وقال آخر:
هل ينفعنَكَ اليوم إن همَّتْ بهم ... كثرةٌ ما توصى وتَعقاد الرَتَمِ
الرتم شجر وكان الرجل إذا خرج في سفر عمد إلى هذا الشجر فعقد بعض أغصانه ببعض فإذا رجع من سفره وأصابه على تلك الحال قال لم تخني امرأتي وإن أصابه قد انحلّ قال خانتني، وأنشد:
إلى سنا نار وقودها الرتم

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5